الأنوار البهیة في تواریخ الحجج الإلهیة

اشارة

الأنوار البهیة في تواریخ الحجج الإلهیة

نويسنده: قمی، عباس

شارح: مدیرشانه چی، کاظم

زبان: عربی

ناشر: المکتبة الحيدرية -النجف الاشرف

سال نشر: 1387 هجری شمسی|1429 هجری قمری

کد کنگره: BP 36 /ق 8 الف 8

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

مقدمة الناشر

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم كلمة لا بدّ منها

«الأنوار البهيّة»في تواريخ الحجج الإلهية،اسم على مسمّى من حيث إنه يحمل نورا للقلوب ينبعث من أربع عشرة مشكاة هي التي أنارت سبل المعاش و المعاد لسائر العباد،يوم أن اختارها اللّه على العالمين لإخراج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان حتى يوم الدّين.

هو كتاب لم يكن الأول في بابه،و لا الأشمل و الأكمل في محتواه،و لا هو ذو موضوع قلّما تناولته الأقلام و حامت حوله الأفهام،لأن ثقات الشيعة و جهابذة سلفهم الصالح قد أشبعوا موضوعه درسا و بحثا و تدقيقا منذ القرن الثالث الهجري حتى أيامنا هذه،لأنه يتناول خلاصة سيرة سيد المرسلين، و سير فاطمة سيدة نساء العالمين و الأئمة الاثني عشر الأبرار المطهّرين صلوات اللّه و سلامه عليه و عليهم أجمعين،و رضوان اللّه على صحبه المنتجبين و أصحابهم الميامين.

و هذا الموضوع الكريم تحفل به امهات الكتب و أعاظم الأسفار،و قد أشبعه العلماء و الادباء و المؤرخون كلاما و تفصيلا،و لكن الذي دعانا الى نشره بالذات،هو أنه خلاصة طريفة لطيفة،و رسالة وجيزة فخمة،تحمل خلاصة هذه السّير الشريفة بأخصر عبارة و أوضح بيان،و بأسلوب سهل قريب التناول.فهو يغني عن الكتب الضخمة لما فيه من روحية مؤلفه الجليل،و من حسن اختياره الجميل اللذين ان دلاّ فإنما يدلاّن على براعة الانتفاء و سلامة النيّة،و على الإيمان الراسخ الذي تقرأه بين سطور كاتبه رضي اللّه عنه و أرضاه.

ص: 5

و دارنا-إذ تقدّمه إلى القرّاء الكرام مدققا منقحا في طبعته الأنيقة-يسرّها أن تتحف به المكتبة الإسلامية و روّاد الحقيقة من قرّاء العربية،راجية بذلك القربى و رضاء اللّه سبحانه،و مستمدّة منه العون على ما يخدم الاسلام و المسلمين،و يظهر فضل خاتم النبيين صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم،و فضل بضعته الطاهرة و أبنائها الأئمة المعصومين الذين أذهب اللّه عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا،سلام اللّه عليها و عليهم،و على اللّه وحده-التّكلان أولا و أخيرا.

الناشر

بيروت:ذو الحجة سنة 1403 هجرية.

أيلول سنة 1983 ميلادية.

ص: 6

بسم اللّه الرحمن الرحيم

حياة المؤلف

اشارة

هو الحبر النحرير.و العالم البصير.و المحدث الخبير.الشيخ عباس بن محمد رضا بن أبي القاسم القمي.من أفاضل علماء العصر الحاضر،ولد في سنة 1294 ه ببلدة قم و نشأ فيها.و اشتغل بالتعليم الى أوان سنة 1316 ه.ففيها هاجر الى العراق لتكميل تحصيلاته،فقدم النجف و التزم مصاحبة استاذه في الحديث و الرجال العلامة النوري(الحاج ميرزا حسين الطبرسي) و أخذ منه الحديث و الرجال،فبرع فيهما،و أجازه أستاذه العلامة،و كان اجتماعه به في سنة 1314 ه،و ذلك بعد مهاجرة العلامة المذكور،من سامراء الى النجف بسنتين،فاستفاد منه بقية حياته،و عاضده في تآليفه، حتى قبض شيخه في سنة 1320 ه فرجع جنابه الى موطنه الأصلي(بلدة قم)و بقي هناك مستقلاّ بالبحث و التنقيب.فأفاد بدرسه و تأليفه.و في عام 1322 ه هاجر الى خراسان و تشرف بمشهد مولانا الرضا و استوطنه؛و بقي الى أواخر عمره في ذلك المشهد الشريف.و لم يزل في أثناء اقامته بهذه البلدة مشتغلا بالافادة:تدريسا و القاء في منابرها،و كتابة في مؤلفاته،حتى أن جمعا من محصلي العلوم الدينية طلبوا منه تدريس الأخلاق،فقبل جنابه، و كان يلقي دروسه الأخلاقية في مدرسة ميرزا جعفر بجوار البقعة الشريفة فاغتنم الطّلاب محضره،و كان يحضر مجلسه زهاء ألف طالب،فتمتد افاداته الى مقربة من ثلاث ساعات متوالية،و الحاضرون يستمعون بياناته الشريفة باقبال تام بلا سأم و كسل.فأنذر جنابه و بشّر،و تتبّع في نقل الزاجرات و تبحّر.و كان من دأبه نقل الروايات مسندة،احتياطا في النقل،و في خلال إقامته بإيران،تشرف ثلاث مرات بزيارة بيت اللّه الحرام،و لم يترك

ص: 7

الاشتغال بالمطالعة و التأليف في أثناء رحلاته.فكان آية في صيانة أوقاته عن التضييع و البطالة.حتى نقل لنا أحد الأعلام:أنه رآه في البرية أثناء سفره (حين مكث سيارته لاصلاح ما ضاع منها)مشغولا بالكتابة،إغتناما للفرصة.و من عاداته الشريفة تنقيح الأخبار المباركة من الغث،و عدم نقله (حتى الامكان)من المصادر الضعاف.و كان مولعا بجمع الاحاديث و ترتيبها ترتيبا يسهل معه التناول.و الانصاف ان تآليفه آية في حسن الترتيب و التأليف و لأجل ذلك شاع و ذاع جل تأليفاته.و قد طبع كثير منها غير مرّة و ما من مكتبة بل بيت من الشيعة إلا و عنده آثار من هذا الحبر المؤيّد.و ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء و لا شك ان لروحياته الشريفة،و مجاهداته النفسية،أثرا في أن يحظى من اللّه تعالى بذاك التوفيق المستوعب.و في تخليد اسمه بتلك المآثر القيمة.و قد قال اللّه تبارك اسمه، وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها (1) صدق اللّه العلي العظيم.فقد زاده اللّه تعالى في حرثه و أيّ حرث أعظم من هذه الصدقات الجارية المبقية لاسمه ما شاء اللّه، و الموجبة للترحّم و الدعاء له في كل يوم و ليلة،بل و في كل ساعة،حيث لا يخلو مشهد من مشاهد الأئمة على ساكنيها السلام من كتابه المفاتيح.و قل من صعد منبر الوعظ و الارشاد الا و استفاد من تآليفه القيمة.فجزاه اللّه تعالى عن الإسلام خير الجزاء و زاده شرفا و حباه.و شرفه بمحضر مواليه الكرماء.آمين رب العالمين.

مؤلفاته

اشارة

مؤلفاته تزهو عن الستين بين مطبوع-و هو الأكثر-و مخطوط نسأل اللّه تعالى توفيق أحفاده بنشره.و استفادة المؤمنين من بركته.و هذه قائمة أسماء كتبه على ما ضبطه جنابه في تأليفه القيم(الفوائد الرضوية)(ص 221 ج 1)مع تغيير يسير لناشره فضيلة ولد المؤلف حين طبع ذلك الكتاب.

القسم الاول فالمطبوعة منها:

ص: 8


1- سوره 3 - آیه 145

1-فوائد الرجبية في ما يتعلق بالشهور العربية:هو أول ما ألفه و كانت نسخته المطبوعة أيضا بخطه الشريف(بالفارسية).

2-الدرة اليتيمة في تتمات الدرة الثمينة:كتبه تتميما لشرح الفاضل اليزدي على النصاب.

3-مختصر الأبواب.في السنن و الآداب:و هو مختصر حلية المتقين.

للعلامة المجلسي(رحمه اللّه).

4-هدية الزائرين:يشتمل على الزيارات الواردة للأئمة الطاهرين و فوائد متفرقة من تعيين قبور العلماء و الصلحاء في مشاهدهم الشريفة.و غير ذلك من أعمال السنة.

5-اللآليء المنثورة:و جيزة كثيرة الفائدة في الأذكار و الأحراز.

6-الفصول العلية في المناقب المرتضوية:جمع نبذة من مناقب مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام)أغلبها من كتب أهل السنة.

7-سبيل الرشاد:في أصول الدين.

8-حكمة بالغة و مئة كلمة جامعة:من الكلمات القصار لمولانا أمير المؤمنين(عليه السلام).

9-ذخيرة الأبرار في منتخب أنيس التجار(بالفارسية).

10-الغاية القصوى في ترجمة العروة الوثقى:ترجمة فارسية للرسالة العملية المزبورة.تأليف فقيه عصره السيد محمد كاظم اليزدي.

11-رسالة في المعاصي الصغيرة و الكبيرة(بالفارسية).

12-13-مفاتيح الجنان و الباقيات الصالحات:في الأدعية و الزيارات و الأذكار و الأحراز. (1)ة.

ص: 9


1- قد تهيأ لدار الأضواء للنشران توفق في طبعه طباعة حديثة أنيقة.

14-التحفة الطوسية و النفحة القدسية(بالفارسية).

15-رسالة(دستور العمل)بالفارسية.

16-نفس المهموم في مقتل مولانا أبي عبد اللّه الحسين المظلوم (بالعربية).

17-نفثة المصدور:مجالس فيما يتعلق بفاجعة كربلاء و مصائب الآل.

و قد طبع بضميمه هذا الكتاب(اي الأنوار البهية)في الطبعة الأولى (بالعربية).

18-الأنوار البهية في تواريخ الحجج الإلهية:هو هذا السفر الجليل.

19-منازل الآخرة(بالفارسية).

20-ترجمة لمصبح المتهجد:لما كان عناوين الأدعية و فضائلها المذكورة فيه كأصل الادعية بالعربية.ترجمة في الحواشي.نظرا الى استفادة أبناء اللغة الفارسية.

21-نزهة النواظر في ترجمة معدن الجواهر:و أصله العربي للشيخ الأجل الكراجكي.

22-المقامات العلية:اختصره من معراج السعادة للفاضل النراقي

23-ترجمة جمال الأسبوع لابن طاوس بالفارسية(طبعت في حواشي الأصل).

24-منتهى الآمال في تواريخ النبي و الآل.

25-ترجمة للمسلك الثاني من كتاب اللهوف لابن طاوس.

26-تتميم تحية الزائر لأستاذه النوري(رحمه اللّه)(بالفارسية).

27-(جهل حديث)الأربعون حديثا مختلف المضامين(بالفارسية).

ص: 10

28-الكنى و الألقاب في ذكر مشاهير العلماء و الشعراء و الأصحاب و غيرهم(بالعربية).

29-هدية الاحباب:في اختصار الكتاب المتقدم.

30-سفينة البحار و مدينة الحكم و الآثار:اختصار لبحار الأنوار (لمؤلفه العلامة المجلسي)رتبه على ترتيب الحروف الهجائية.فذكر ما يتعلق بكل حرف مع الاشارة الى مصادره من أبواب الأصل.و هو كتاب شريف كثير الفوائد لا بد منه لمراجع البحار و كان مع ذلك كتابا مستقلا مفيدا جدّا.

32-بيت الأحزان في مصائب سيدة النسوان(بالعربية)و قد طبع بعد وفاته و ترجمه الى الفارسية بعض الأفاضل.

33-تحفة الأحباب في تراجم الأصحاب:مشتملة على تراجم كبار أصحاب النبي و الأئمة(عليهم السّلام)(بالفارسية)و هذه أيضا قد طبعت بعد وفاته.

القسم الثاني:ما لم يطبع بعد

1-فيض العلاّم في وقائع الشهور و عمل الأيام.

2-هداية الأنام الى وقائع الأيام:مختصر فيض العلام(المتقدم ذكره).

3-كلمات لطيفة.

4-كتاب الكشكول.

5-الدر النظيم في لغات القرآن العظيم.

6-كتاب نقد الوسائل(يتعلق بوسائل الشيعة للشيخ الأجل الشيخ الحر العاملي(رحمه اللّه).

7-تتميم بداية الهداية للشيخ الحر العاملي(رحمه اللّه).

ص: 11

8-شرح الوجيزة(كتاب الأصل للشيخ الأجل شيخنا البهائي و هو أخصر كتاب في علم الدراية).

9-فيض القدير فيما يتعلق بحديث الغدير:و هو اختصار مطالب (عبقات الأنوار)للسيد حامد حسين الهندي التي ألفها الحبر البارع في ضمن مجلدات،شارحا لبعض الاحاديث الواردة في موضوع الولاية.منها مجلدان ضخمان فيما يتعلق بحديث الغدير.

10-علم اليقين(في اختصار حق اليقين لمؤلفه العلامة المجلسي (رحمه اللّه).

11 و 12-مقاليد الفلاح في عمل اليوم و الليلة.و مقلاد النجاح(في اختصار الكتاب المتقدم).

13-اختصار المجلد الحادي عشر من مجلدات البحار.

14-شرح حكم مولانا أمير المؤمنين الواردة في القسم الثالث من نهج البلاغة.

15-مختصر الشمائل(اختصره بالفارسية من أصله العربي المرشح من قلم الإمام الترمذي من كبار علماء العامة.

16-كحل البصر في سيرة سيد البشر(قد طبع بقم).

17-قوة الباصرة في تاريخ الحجج الطاهرة(و هذه الرسالة بمنزلة الأصل للكتاب الحاضر).

القسم الثالث:ما لم يوفق باتمامه في أيام حياته

1-ضيافة الإخوان.

2-صحائف النور في عمل الأيام و السنة و الشهور.

3-ذخيرة العقبى في مثالب أعداء الزهراء(عليها السلام).

ص: 12

4-مسلّي المصاب بفقد الأعزة و الأحباب.

5-الآيات البينات في أخبار أمير المؤمنين(عليه السلام)عن الملاحم و الغائبات(ذكر المؤلف أن نسخة هذا الكتاب قد فقدت).

6-شرح للصحيفة السجادية.

7-غاية المرام(تلخيص لدار السلام فيما يتعلق بالرؤيا و المنام لشيخه العلامة النوري).

8-شرح الأربعين حديثا.

9 و 10-تعريب زاد المعاد و تحفة الزائر(كلاهما للعلامة المجلسي)

11-فوائد الطوسية.

رحلته و أحفاده

فاضت نفسه الزكية في ليلة 23 من ذي الحجة الحرام سنة 1359 ه، و قد بلغ عمره خمسا و ستين سنة و بقي من جنابه أربعة أولاد:

1 و 2-جناب فضيلة الشيخ ميرزا علي آقا و جناب فضيلة الشيخ ميرزا محسن سلمهما اللّه تعالى و كانا من أفاضل العصر و أخياره.

3 و 4-مخدرتان صالحتان،وفقهم اللّه جميعا لمرضاته و جعل في أعقابهم الصالحين.آمين رب العالمين.

موضوع هذا الكتاب

من أهم مواضيع التاريخ ترجمة صلحاء الأمة و علمائهم المماثلين للأنبياء.لأن أهم منافعه تذكار من مضى لاعتبار من يأتي.و في ذكر الأخبار من العلماء الأبرار أعلى مراتب الاعتبار.حيث أوقفوا أنفسهم على سبيل الخيرات و لم يأخذهم في اللّه لومة لاثم فسلكوا نهج الحق باقدام راسخة، و أيّدوا الدين تارة بالألسن و أخرى بالأقلام و ثالثة بتعريض أنفسهم للشهادة

ص: 13

حفاظا لحرمة الدين و خدمة للمؤمنين و إرشادا للسالكين،فحياتهم درس كله لمن ألقى السمع و هو الشهيد.فالناظر يستفيد منهم حيا و ميتا.

و في رأس قائدي الدين و حفّاظه و علمائه،من وسمه اللّه بوسمة العصمة و أيده بروح منه،هم أهل البيت الذين اذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا،حيث شرّفهم اللّه تعالى بتشريف الإمامة و قمصهم قميص الولاية.

فحياتهم كلها درس شهامة و حرية و أخلاق و فضيلة.

فمن الشقاء للمرء المسلم عدم عثوره على حالاتهم و أخلاقهم و سيرتهم.

و لما لم يتمكن لعامة الناس ذلك شمّر عن قميص الجد رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه و تذكير الناس بأية وسيلة من الوسائل ففحصوا و نقبوا و استعلموا باحثين عن أحوالهم و سيرهم الشريفة.و اثبتوا ما عثروا عليه.

فجدير بنا أن نذكر جملة منها،تذكرة لمن لم يعلم و شكرا لمؤلفيه و مجمّعيه.

فأول ما بأيدينا من كتب سير الأئمة ولو في طي حالات نفر آخر:تاريخ اليعقوبي(لابن واضح الاخباري المتوفي 292 ه و هو تاريخ سنوي عام من بدء، اليعقوبي(لابن واضح الاخباري المتوفي 292 ه و هو تاريخ سنوي عام من بدء هبوط آدم الى عام 259 ه و قد أدرج في مطاويه أحوال الأئمة و نقل بعض كلماتهم القصار الحكمية.

ثم الكافي لمؤلفه ثقة المحدثين جناب محمد بن يعقوب الكليني الرازي المتوفي سنة 329 ه.و هذا السفر الشريف و ان كان موضوعا لابداع الأخبار المروية عنهم و لكن في مطاويه عقد أبوابا لمواليدهم و وفياتهم.

ثم مروج الذهب.و التنبيه و الأشراف.و إثبات الوصية.كلها تأليف المؤرخ البارع.علي بن الحسين المسعودي المتوفي سنة 333 ه.

ثم الارشاد للشيخ الأجل شيخنا المفيد قدّس سرّه المتوفي سنة ش 413 ه.

و هذا السفر أقدم كتاب وصل الينا يختص ببيان حياة الأئمة و فضائلهم.

و المؤلف و ان كان غرضه إثبات الإمامة لهم من طريق العقل و النقل و لكن لما

ص: 14

كانت حياتهم من اوّل الدلائل على ذلك أثبت تاريخهم و ما صدر منهم من الكرامات،فكتابه هذا حقيق بأن يكون معقد الدراسة و البحث.

ثم إعلام الورى (1)للشيخ الأجل أمين الإسلام الطبرسي المتوفي سنة 548 ه.و هو أنفع كتاب في ذلك من المتقدمين.و يشتمل على تاريخ النبي و أجداده و أمير المؤمنين(عليه السلام)و الزهراء سلام اللّه عليها و ذريتها المعصومين(عليهم السّلام).

ثم المناقب لابن شهر آشوب السروي المازندراني المتوفي سنة 588 ه.

و كشف الغمة للشيخ المتبحر علي بن عيسى الإربلي المتوفي سنة 678 ه، و هذان الكتابان،أجل كتابين في بابهما إذ مؤلفاهما المتتبعان أكثرا النقل عن المخالف و المؤالف و جمعا ما شرد في مطاوي كتابيهما.و لما كانا ثقتين ثبتين عند الفريقين؛و مع ذلك يسميان من ينقلان عنه،أثبت ذلك كله لهذين السفرين جلالة و وثاقة عند الكل.

كل ذلك من آثار ثقات الشيعة و محدثيهم و مؤرخيهم.و أما علماء السنة فحيث إنهم مقرون بفضائل الأئمة و شرف انتسابهم بالرسول ذكروا أيضا تواريخهم منفردة و ضمن الوقائع،فقلّ تاريخ عام إلا و قد ذكرهم في مطاويه و أثنى عليهم.و لذا أغمضنا عن ذكر التواريخ العامة السنوية كتاريخ الطبرسي و ابن كثير و ابن الأثير و ابي الفداء و غيرها.و لكن لم نربدّا من ذكر ما أفرده بعض كبارهم في حياة أئمتنا المعصومين،تذكرة لمن أراد الوقوف على أقوال غير الشيعة فيهم(عليهم السّلام).

فمنهما:مطالب السّؤل في مناقب آل الرسول لكمال الدين بن طلحة الشافعي المتوفي سنة 652 ه.ت.

ص: 15


1- و لم نذكر كتاب التهذيب لشيخ الطائفة و رئيسها،شيخنا الطوسي قدس سره و سائر كتب الزيارات كالمصباحين له و للكفعمي و كذا بعض كتب الفقه كالسرائر للشيخ ابن ادريس و الدروس لشيخنا الشهيد،للاختصار و لأنهم لا يزيدون عن إثبات المواليد و الوفيات.

و منها(وفيات الاعيان)الموضوع لتراجم مشاهير الإسلام لابن خلكان المتوفي سنة 681 ه و ان كان فيه اشتباهات و زلات في تراجم أئمتنا.

و منها(حلية الأولياء)الموضوع لترجمة الصلحاء و الزهاد للحافظ ابي نعيم(مصغرا)الاصفهاني المتوفي سنة 430 ه.

و منها الفصول المهمة في معرفة الائمة لنور الدين بن صباغ المالكي المتوفي سنة 855 ه.

هذا مضافا الى ما دوّنه المؤرخون في سير النبي و الخلفاء و الأصحاب حيث ذكروا في أقرباء النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و احفاده،مولانا امير المؤمنين و سيدتنا فاطمة الزكية و ابنيهما الحسن و الحسين(عليهم السّلام) جميعا.

و كذا ما صنفوا في المقاتل حيث إنهم قد أفردوا للحسين مقاتل استوفت وقائع خروجه و شهادته.

فمن سير النبي المشتملة لذكر السيدة فاطمة الشريفة و مولانا ابي الحسن و ابنيهما،سيرة ابن هشام لأبي محمد عبد الملك بن هشام المتوفي سنة 218 ه.

و السيرة الحلبية لعلي بن برهان الدين الحلبي الشافعي المتوفي سنة 1044 ه.و غير ذلك من السير.

و من سير الاصحاب و تراجمهم الشاملة لذكر مولاتنا و بعلها و بنيها:

طبقات الصحابة و التابعين لأبي عبد اللّه بن سعد المتوفي سنة 230 ه.

الاستيعاب في اسماء الاصحاب،للحافظ ابي عمرو بن عبد البر القرطبي المالكي المتوفي سنة 463 ه.

و أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير عز الدين علي بن أبي الكرم المتوفي سنة 630 ه.

ص: 16

و ميزان الاعتدال للذهبي المتوفي سنة 748 ه.

و الاصابة في تمييز الصحابة لشيخ الإسلام شهاب الدين بن حجر العسقلاني الشافعي المتوفي سنة 852 ه.

و من المقاتل الشاملة لمقتل الوصي و شبليه،مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني المتوفي سنة 356 ه.

و مما أفرد في مقتل الحسين،مقتل أبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي المتوفي سنة 157 ه.و مقتل الخوارزمي.

هذه جملة من المدارك القديمة الموثوق بها.و للمتأخرين مصنفات قيمة في تواريخهم خصوصا بعض اعلام التشيع في عاصمة إيران بظهور الدولة الصفوية و رفع التقية من الشيعة:ففي ذلك العصر المشعشع قد وفق علماء الشيعة لتأليف مجلدات ضخمة في حالاتهم و معجزاتهم و أخلاقهم كبحار الأنوار (ج 9-10-11-12-13)و عوالم العلوم و غيرهما.

و لكن في عصرنا يحسّ الاحتياج الى تدوين كتاب صغير الحجم جامع لشتات أحوالهم،مشتمل لنبذة من مكارم أخلاقهم و كراماتهم و كلماتهم القصار الحكيمة،بعبارات واضحة و طرق صحيحة.فصنّف جناب المؤلف هذا السفر الجليل ففاز بالمراد بل فاق ما أراد.و المشاهدة تكفي عن المبالغة و نحن نشكره على هذه الخدمة القيمة و ان كان(رحمه اللّه)لا يريد منا جزاء و لا شكورا.فنسأل اللّه تعالى أن يحشره معهم في الدرجات الآخرة و أن يوفق العلماء بما وفّقه(رحمه اللّه)لخدمة الدين بأفكارهم و أقلامهم إنه قريب مجيب.آمين رب العالمين تحريرا في 11 من ذي القعدة الحرام و أنا أقل خدمة العلم و الدين محمد كاظم الخراساني الشانه جي.

ص: 17

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه الذي أوضح عن دينه القويم بأئمة الهدى من أهل بيت النبوّة،و أبلج (1)بأنوار آثارهم عن الصراط المستقيم،و استبان بهم المحجة (2)و الصلاة و السلام على نبيه هادي الأمة،و إمام الأئمة و على آله الأنوار المضيئة،و بدور الليالي المدلهمة (3).

و بعد:فيقول راجي عفو ربه الغني عباس بن محمد رضا القمي عفى عنهما:انه قد سألني بعض الإخوان من أهل الإيمان،أن أكتب له ما هو المختار عندي من تواريخ أيام ولادة الحجج الطاهرة سادات الدنيا و الآخرة، و أيام وفاتهم صلوات اللّه عليهم فكتبت له وجيزة سمّيتها(قرة الباصرة في تاريخ الحجج الطاهرة).ثم عنّ (4)لي أن اكتب رسالة أخرى اذكر فيها مختصرا من كيفية ولادتهم و وفاتهم،و أشير الى قليل من مناقبهم،فجمعت هذه الرسالة الشريفة و سميتها الأنوار البهية في تواريخ الحجج الإلهية، و اوردت فيها أربعة عشر نورا،و أسأل اللّه تعالى ان يوفقني لاتمامها و يفوزني بسعادة اختتامها إنه جواد كريم.ض.

ص: 18


1- أي أشرق و أضاء.
2- أي وسط الطريق.
3- أي شديد السواد.
4- اي ظهر و اعترض.

النور الأول: رسول الله صلی الله علیه و آله

اشارة

سيّدنا و نبيّنا و شفيع ذنوبنا رسول اللّه أبو القاسم محمد سيد الكونين و الثقلين و الفريقين من عرب (1)و من عجم(صلى اللّه عليه و آله و سلم):

أما نسبه الشريف فهو:

ابن عبد اللّه (2):الذي أمه فاطمة بنت عمرو بن عائذ المخزومي،توفي والده بالمدينة و له خمس (3)أو ثمان و عشرون سنة قبل أن يولد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و دفن (4)في دار النابغة الجعدي.

ابن عبد المطلب:اسمه(شيبة الحمد)و سمي بذلك لأنه كان في رأسه لما ولد شيبة (3).أمه سلمى بنت عمرو الخزرجية النجارية (4)و كان وجهه

ص: 19


1- بضم العين و هو خلاف العجم.
2- و كان عبد اللّه أصغر ولد أبيه.فكان هو و أبو طالب و الزبير و عبد الكعبة و عاتكة و اميمة و برة ولد عبد المطلب أمهم جميعا فاطمة بنت عمرو بن عائذ. (3-4) كامل التواريخ لأبن الاثير(ص 5-ج 2).
3- شاب شيبة:ابيض شعره.و الشيبة اسم من شاب.
4- إنما قيل له عبد المطلب لأن اباه هاشما شخص في تجارة الى الشام فلما قدم المدينة نزل على عمرو بن لبيد الخزرجي من بني النجار و تزوج ابنته و شرط عليه أبوها أن لا تلد الا في أهلها فمضى هاشم الى الشام و رجع.فبني بها في اهلها.ثم حملها الى مكة فلما حملت و أثقلت ردها الى اهلها التزاما بالشرط و مضى الى الشام فمات بغزة فولدت له سلمى عبد المطلب.فمكث بالمدينة سبع سنين و لم يعلم به أعمامه فلما علم به المطلب.سافر الى المدينة و أخذه و أركبه على عجز ناقته و سار الى مكة.فقدمها ضحوة و الناس في مجالسهم.فجعلوا يقولون من وراءك؟فيقول هذا عبدي حتى أدخله منزله.ثم خرج به العشي الى مجلس بني عبد مناف.فأعلمهم أنه ابن أخيه. فكان بعد ذلك يطوف بمكة و يقال هذا عبد المطلب.

يضيء في الليلة المظلمة و كان يقال له:مطعم طير السماء،و كانت إليه السقاية و الرفادة،و هو الذي حفر زمزم و سن خمس سنن أجراها اللّه تعالى في الإسلام.و مات (1)بمكة و قبره بالحجون مزار مشهور و معه قبر ابي طالب (عليه السلام).

ابن هاشم:

عمرو العلى هشم (2)***الثريد (3)لقومه و رجال مكة مسنتون (4)عجاف (5)

أمه عاتكة بنت مرة السلمية ولدته (6)و عبد شمس توأمين و كانت إصبع (7)أحدهما ملتصقة بجبهة صاحبه فنحيت فسال الدم فقيل يكون بينهما دم و كانت اليه السقاية (8)و الرفادة.مات (9)بغزة (10)(بفتح المعجمتين كبرّة) و هي مدينة في أقصى الشام بينها و بين عسقلان فرسخان،بها ولد الشافعي و دفن بها هاشم ورثاه مطرد الخزاعي بقوله:

مات الندى بالشام لما أن ثوى (11)*** أودى (12)بغزة هاشم لا يبعد

فجفانه (13)***ورم (14)لمن ينتابه (15) و النصر أولى باللسان و باليدب.

ص: 20


1- و له مئة و عشرون سنة و كان قد عمي(ابن الاثير).
2- اي كسر الخبز و بله بالمرق فهو هاشم.
3- اي الخبز المفتوت المبلول بالمرق.
4- أي أصابهم القحط.
5- أي غير ممطورين.أو تاركي طعام لقلّه أو هزال.
6- كان هاشم أكبر ولد عبد مناف و المطلب أصغرهم.
7- ابن الأثير(ص 6-ج 2).
8- و هذا سبب خصومته مع عبد شمس.
9- ابن الأثير.
10- و له عشرون سنة و قيل خمس و عشرون سنة و هو أول من مات من بني عبد مناف.
11- ثوى المكان و فيه و به:أقام.ثوى الرجل:مات.
12- أودى الرجل:هلك.
13- الجفبة:القصعة الكبيرة،جمعها:جفان.
14- الورم-مصدر بمعنى الفاعل.أي مراوم.
15- انتابهم.أي اتاهم مرة بعد أخرى:من النوب.

ابن عبد مناف:اسمه المغيرة (1)و يقال (2)له القمر لجماله،أمه حبى بنت حليل(بالمهملة المضمومة و فتح اللام)و قبره بمكة عند عبد المطلب و فيه يقول الشاعر:

كانت قريش بيضة فتفلّقت *** فالمخّ خالصه لعبد مناف

ابن قصي:مصغرا اسمه (3)زيد و أمه فاطمة بنت سعد.و قصي هو الذي أجلى خزاعة عن البيت و جمع قومه الى مكة من الشعاب و الأودية و الجبال فسمي مجمعا.قال الشاعر:

أبوكم قصي كان يدعى مجمّعا *** به جمع اللّه القبائل من فهر (4)

و كانت اليه (5)الحجابة و السقاية و الرفادة و الندوة و اللواء فحاز شرف قريش كله،و قسم مكة أرباعا بين قومه و تيمّنت قريش بأمره فما تنكح،و لا يتشاور،و لا يعقد لواء الا في داره،و كان أمره في قومه كالدين المتّبع في حياته و بعد موته،فاتّخذ دار الندوة و بابها في المسجد،و فيها كانت قريش تقضي أمورها.و لما توفي قصي دفن بالحجون فكانوا يزورون قبره و يعظمونه.

ابن كلاب (6):و أمه هند بنت سرير،و هو أخوتيم من أبيه،و تيم هو الذي ينتهي اليه نسب أبي بكر.ة.

ص: 21


1- و كنيته أبو عبد شمس.و سبب تسميته بعبد مناف أن أمه لما ولدته،دفعته الى مناف(صنم بمكة)تدينا به.
2- ابن الأثير.
3- ابو المغيرة.
4- هو ابو القبائل.
5- أي حجابة البيت و سقاية الحاج و رفادة الضيوف و مركزية دار الشورى و عقد ألوية الحروب العامة.
6- و يكنى أبا زهرة.

ابن مرة (1):(بضم الميم و شد الراء)و أمه محشية بنت شيبان،و أخوه عدي جد عمر بن الخطاب.

ابن كعب:و امه مارية بنت كعب القضاعية و كان عظيم القدر عند العرب و أرخوا (2)لموته الى عام الفيل و كان بينهما خمسمئة و عشرون سنة.

ابن لؤي (3):تصغير اللّأي و هو النور:و أمه عاتكة (4)بنت يخلد بن النضر.

ابن غالب (5):و أمه ليلى بنت الحرث.

ابن فهر (6):(بالكسر)أمه جذلة بنت عامر الجرهمية و كان فهر رئيس الناس بمكة،و كان جمّاع قريش.

ابن مالك:أمه عاتكة بنت عدوان.

ابن النضر:(بفتح النون و سكون الضاد المعجمة)سمي بذلك لنضارة وجهه،قيل:كان اسمه (7)قريش(فكل من ولد من النضر فهو قرشي و من لم يلده النضر فليس بقرشي)أمه برة بنت مر بن ادبن طابخة.

ابن كنانة:امه عوانة بنت سعد.

ابن خزيمة:(تصغير خزمة)امه سلمى بنت أسلم.ه.

ص: 22


1- و يكنى أبا يقظة.
2- ابن الأثير(ص 9-ج 2).
3- و يكنى أبا كعب.
4- و هي أول العواتك التي ولدن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)من قريش.
5- و يكنى أبا تيم.
6- و يكنى أبا غالب.
7- قيل لما جمعهم قصي قيل لهم قريش.و التقرش:التجمع.و قيل لاجتماع خصال الخير فيه.

ابن مدركة:سمي بمدركة لأنه أدرك كل ما كان في آبائه.أمه خندف (1).

ابن الياس:امه الرباب قيل لما توفي إلياس حزنت عليه خندف حزنا شديدا فلم تقم حيث مات و لم يظلها سقف حتى هلكت فضرب بها المثل، و كانت تبكي كل خميس،من غدوته الى الليل،لأن الياس توفي يوم الخميس،و كان إلياس يدعى كبير قومه و سيد عشيرته و لا يقطع أمر و لا يقضى مهمّ دونه،و لم تزل العرب تعظم الياس تعظيم اهل الحكمة كلقمان و أشباهه.

ابن مضر:(بضم و فتح)،معدول عن ماضر،و هو اللبن قبل أن يروب،و اسمه عمر،و امه سودة بنت عك،و أخوته إياد و ربيعة و أنمار، و لهم قصة (2)لطيفة في تقسيم اموال أبيهم و رجوعهم الى حكم الافعى الجرهمي في ذلك.و كان مضر أحسن الناس صوتا،و هو أول من حدا.

ابن نزار:(بكسر النون)من النزر اي القليل سمي بذلك لأن اباه حين ولد له و نظر الى النور الذي بين عينيه،و هو نور النبوة فرح فرحا شديدا و نحر و اطعم و قال:إن هذا كله نزر في حق هذا المولود،فسمّي نزارا، و أمه معانة بنت (3)حوشم.

ابن معد:كمرد أمه مهدة.

ابن عدنان:روي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)قال:اذا بلغ نسبي إلى عدنان فأمسكوا (4).أمه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة.

ص: 23


1- اسمها ليلى،قيل لها خندق لمشيتها تخندفا.و الخندفة،ضرب من المشي.
2- ذكرها ابن الجوزي في الأذكياء و الدميري في حياة الحيوان في الافعى(منه)أقول و ذكرها أيضا ابن الاثير في تاريخه(ص 11 ج 2)و فيها غرابة.
3- في تاريخ ابن الاثير(بالجيم المعجمة).
4- لعله لاختلاف النسّا بين فيمن بعد عدنان اختلافا عظيما لا يحصل منه على غرض.فبعضهم يجعل بين عدنان و إسماعيل(عليه السلام)أربعة آباء و يجعل آخر بينهما أربعين أبا.

ولد:صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)يوم الجمعة السابع عشر (1)من شهر ربيع الأول بعد طلوع الفجر في عام الفيل بمكة المعظمة،في زمن الملك العادل أنوشيروان في الدار المعروف (2)بدار محمد بن يوسف،و كان للنبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فوهبه لعقيل بن ابي طالب فباعه أولاده لمحمد بن يوسف أخي الحجاج،فأدخله في داره.فلما كان زمن هارون اخذته خيزران أمه فأخربته و جعلته مسجدا،و هو الآن معروف يزار و يصلّى فيه، و بعث(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)بالرسالة يوم السابع و العشرين من رجب.

روى الشيخ الصدوق عن ابي عبد اللّه(عليه السلام)قال:كان إبليس لعنه اللّه يخترق السماوات السبع فلما ولد عيسى(عليه السلام حجب عن ثلاث سماوات و كان يخترق أربع سموات فلما ولد رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)حجب عن السبع كلها،و رميت الشياطين بالنجوم و قالت قريش:هذا قيام الساعة الذي كنا نسمع أهل الكتاب يذكرونه،و قال عمرو بن امية و كان من أزجر أهل الجاهلية،أنظروا هذه النجوم التي يهتدى بها و يعرف بها أزمان الشتاء و الصيف،فإن كان رمي بها فهو هلاك كل شيء و إن كان ثبتت ورمي بغيرها فهو أمر حدث؛و أصبحت الأصنام كلها صبيحة ولد النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)ليس منها صنم الا و هو منكبّ على وجهه،و ارتجس (3)في تلك الليلة إيوان كسرى و سقطت منه أربعة عشر شرفة و غاضت (4)بحيرة ساوة،وفاض (5)وادي السماوة (6)و خمدت نيران).

ص: 24


1- في قول مشهور بين الشيعة و لكن أكثر العامة و بعض الشيعة قالوا بولادته في اثني عشر منه و فيها أقوال أخر غير مشهورة.
2- لما كانت لفظة الدار من المؤنثات السماعية كان الأولى إرجاع ضمائر المؤنثة اليها.
3- الارتجاس الاضطراب و التزلزل الذي يسمع منه الصوت الشديد(منه).
4- غاضت بحيرة ساوة أي غار ماؤها و ذهب(منه).
5- وفاض الوادي أي كثر ماؤه حتى سال(منه).
6- و السماوة بادية بين الكوفة و الشام(منه).

فارس و لم تخمد قبل ذلك بألف عام،و رأى الموبذان (1)في تلك الليلة في المنام إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة و انسربت (2)في بلادهم و انفصم طاق الملك كسرى من وسطه و انخرقت (3)عليه دجلة العوراء و انتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ثم استطال حتى بلغ المشرق،و لم يبق سرير لملك من ملوك الدنيا الا أصبح منكوسا،و الملك مخرسا لا يتكلم يومه ذلك، و انتزع علم الكهنة و بطل سحر السحرة و لم تبق كاهنة في العرب إلا حجبت عن صاحبها،و عظمت قريش في العرب و سمّوا آل اللّه،قال أبو عبد اللّه الصادق(عليه السلام)انما سموا آل اللّه لأنهم في بيت اللّه الحرام.

و قالت آمنة:إن ابني،و اللّه سقط،فاتّقى الأرض بيده ثم رفع رأسه الى السماء فنظر اليها،ثم خرج مني نور أضاء كل شيء فسمعت في الضوء قائلا يقول:انك قد ولدت سيد الناس فسمّيه محمدا.و أتي به عبد المطلب لينظر اليه و قد بلغه ما قالت أمه،فأخذه و وضعه في حجره،ثم قال:الحمد للّه الذي أعطاني هذا الغلام الطيب الأردان قد ساد في المهد على الغلمان ثم عوذه بأركان الكعبة،و قال فيه أشعارا،قال:و صاح إبليس لعنه اللّه في أبالسته فاجتمعوا اليه فقالوا:ما الذي أفزعك يا سيدنا:فقال لهم:ويلكم لقد أنكرت السماء و الأرض منذ الليلة لقد حدث في الأرض حدث عظيم ما حدث مثله منذ رفع عيسى بن مريم(عليه السلام)فاخرجوا و انظروا ما هذا الحدث الذي قد حدث.فافترقوا ثم اجتمعوا اليه فقالوا:

ما وجدنا شيئا.فقال إبليس لعنه اللّه:أنا لهذا الأمر.ثم صار مثل الصرّ و هو العصفور فدخل من قبل حراء (4)فقال له جبرائيل(عليه السلام)).

ص: 25


1- و الموبذان بضم الميم و فتح الباء فقيه الفرس و حاكم المجوس(منه).
2- و انسربت اي دخلت.
3- و انحرقت عليه دجلة العوراء يظهر أن كسرى كان سكن بعض دجلة و بنى عليها بناء فلعله لذلك وصفوا دجلة بعد ذلك بالعوراء لأنه عور وطم بعضها فانخرقت عليه و انهدم بنيانه (منه).
4- حراء بالكسر و التخفيف و المد.جبل من جبال مكة على ثلاثة أميال(منه).

وراءك (1)لعنك اللّه فقال له:حرف اسألك عنه يا جبرائيل،ما هذا الحدث الذي حدث منذ الليلة في الأرض،فقال له:ولد محمد(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)فقال:هل لي فيه نصيب قال:لا.قال:ففي امته؟قال:

نعم.قال رضيت.

بدا بمولده المسعود طالعه *** بدر الهدى و اختفت فيه الأضاليل

و زال عن رأس كسرى التاج حين علا *** من فوق بهرام للايمان إكليل

بخاتم الرّسل قد زلت (2)***أساوره فعرشه بعد كرسي الملك مشلول

سبحان من خص بالإسراء رتبته *** بقربه حيث لا كيف و تمثيل

بالجسم أسرى به و الروح (3)***خادمه له من اللّه تعظيم و تبجيل

له البراق جواد و السما طرق *** مسلوكة و دليل السير جبريل

له شريعة حقّ للهدى و له *** شريعة في الندى من دونها النيل

و جائه الروح بالقرآن ينسخ من *** شريعة الروح (4)ما يحويه إنجيل

و كل أسفار توراة الكليم لها *** من بعد إسفار (5)صبح الذكر تعطيل

لولاه ما كان لا علم و لا عمل *** و لا كتاب و لا نصّ و تأويل

و لا وجود و لا إنس و لا ملك *** و لا حديث و لا وحي و تنزيل

له الخوارق فالعرجون في يده *** مهند (6)من سيوف اللّه مسلول (7)

حروبه و مغازيه لها سير *** بها يحدّث جيل بعده جيل

*** و قال الشيخ الأزري:

ما عسى أن أقول في ذي معال *** علة الكون كله إحداهاد.

ص: 26


1- أي ارجع الى ورائك.
2- السوار:حلية كالطوق تلبسه المرأة في زندها جمعه:أساور و أساورة.
3- يعني به جبرائيل.
4- و هو المسيح(عليه السلام)(منه).
5- اي الإشراق.
6- اي سيف هندي.
7- اي خارج عن الغمد.

بشّرت أمة به الرسل طرا *** طربا باسمه فيا بشراها

نوهت (1)***باسمه السماوات و الأرض كما نوهت بصبح ذكاها (2)

طربت لاسمه الثرى (3)***فاستطالت فوق (4)علوية السما سفلاها

لا تجل (5)***في صفات احمد(ص)فكرا فهي الصورة التي لن تراها

تلك نفس عزّت على اللّه قدرا *** فارتضاها لنفسه و اصطفاها

ما تناهت عوالم العلم إلا *** والى كنه احمد منتهاها

حاز قدسية العلوم و إن لم *** يؤتها أحمد فمن يؤتاها

علم اقسمت جميع المعالي *** أنه ربّها الذي ربّاها

فاض للخلق منه علم و حلم *** أخذت عنهما العقول نهاها (6)

وسمت باسمه سفينة نوح *** فاستقرت به على مجراها

و به نال خلة اللّه ابرا *** هيم و النار باسمه أطفاها

و بسرّ سرى له في ابن عمرا *** ن أطاعت تلك اليمين عصاها

و به سخر المقابر عيسى *** فاجابت نداءه موتاها

و هو سر السجود في الملاء الأع *** لى و لولاه لم تعفّر جباها

لم تكن هذه العناصر إلاّ *** من هيولاه حيث كان أباها

قال أمير المؤمنين(عليه السلام)في وصف النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)و لقد قرن اللّه تعالى به من لدن كان فطيما،أعظم ملك من ملائكته،يسلك به طريق المكارم و محاسن اخلاق العالم ليله و نهاره و لقد كنت معه أتّبعه اتّباع الفصيل إثر أمه يرفع لي في كل يوم علما من أخلاقه و يأمرني بالاقتداء به و لقد كان يجاور في كل سنة بحراء (7)فأراه و لا يراه غيري و لم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)و خديجة و أنا ثالثهما أرى نور الوحي و الرسالة و أشم ريح النبوة.ة.

ص: 27


1- اي أظهرت و رفعت.
2- الذكاء بالضم:علم للشمس.
3- الثرى:التراب.
4- علو الشيء:نقيض سفله.
5- من الجولان.
6- النهى:العقل.
7- كهف قرب مكة.

(قال البوصيري (1)

فاق النبيين في خلق و في خلق *** و لم يدانوه في علم و لا كرم

و كلهم من رسول اللّه ملتمس *** غرفا (2)من البحر أورشفا (3)من الديم (4)

فهو الذي تم معناه و صورته *** ثم اصطفاه حبيبا باريء النسم

منزّه عن شريك في محاسنه *** فجوهر الحسن فيه غير منقسم

دع ما ادّعته (5)***النصارى في نبيهم و احكم بما شئت مدحا فيه و احتكم

فانسب الى ذاته ما شئت من شرف *** و انسب الى قدره ما شئت من عظم

فان فضل رسول اللّه ليس له *** حدّ فيعرف عنه ناطق بفم

و كيف يدرك في الدنيا حقيقته *** قوم نيام تسلوا (6)منه بالحلم (7)

فمبلغ العلم فيه أنّه بشر *** و أنه خير خلق اللّه كلهم

و كل آي اتى الرسل الكرام بها *** فانما اتصلت من نوره بهم

فانه شمس فضل هم كواكبها *** يظهرن انوارها للناس في الظّلم

يا خير من (8)***يمم العافون ساحته سعيا و فوق الأينق (9)الرّسم

سريت من حرم ليلا الى حرم *** كما سرى البدر في داج (10)من الظلم

فظلت ترقى الى ان نلت منزلة *** من قاب قوسين لم تدرك (11)و لم ترمد.

ص: 28


1- البوصيري هو شرف الدين ابو عبد اللّه محمد بن سعيد الدلاصي المتوفي سنة 694 صاحب القصيدة المعروفة بالبردة الموسومة بالكواكب الدرية في مدح خير البرية عليه و آله آلاف التسليم و التحية اولها: أمن تذكر جيران بذى سلم مزجت دمعا جرى من مقلة بدم (منه).
2- اغترف الماء بيده:اخذه بها.
3- اي نداوة.
4- اي المطر الشديد.
5- اي يدعون انه ابن اللّه تعالى عن ذلك.
6- اي انكشف عنهم.
7- النومة الطيبة.
8- اي قصد.
9- جمع ناقة.
10- اسم فاعل من دجى الليل اي اظلم.
11- اي لم تقصد.

و قدّمتك جميع الأنبياء بها *** و الرسل تقديم مخدوم على خدم

و انت تخترق السبع الطباق بهم *** في موكب كنت فيه صاحب العلم

حتى إذا لم تدع شأوا (1)***لمنسبق من الدنّو و لا مرقى لمستنم (2)

خفضت كلّ مقام بالاضافة اذ *** نوديت بالرفع مثل المفرد العلم

و قال الشيخ حسين بن عبد الصمد الحارثي(رحمه اللّه)

محمد المصطفى الهادي البشير رسو *** ل اللّه افضل خلق اللّه كلهم

لولا هداه لكان الناس كلهم *** كاحرف ما لها معنى من الكلم

و لو تفرق بعض من خلائقه *** في الناس لم يبق ذو جهل و لا غرم (3)

لو لم تطأ رجله فوق التراب لما *** غدا طهورا و تسهيلا على الامم

لو لم يكن سجد البدر المنير له *** ما اثر الترب في خديه بالوسم

فيا نجوم السما طوفوا بكعبته *** سعدتم إذ له صرتم من الخدم

و لو تكلف صمّ فوق طاعته *** سعت اليه جبال الحلّ و الحرم

زاكي الفعال و محمود الخصال و مب *** ذول النوال و مختار من القدم

نصرت بالرعب حتى كاد سيفك ان *** يسطو (4)بغير انسلال في رقابهم

البدر يخبر أنّ النور مكتسب *** فيه و نورك أصلّي و ذو شمم (5)

كفاك فخرا كمالات خصصت بها *** اخاك حتى دعوه باريء النسم

و قال الصفي الحلي في مدحه صلّى اللّه عليه و آله في قصيدته البديعية

شخص هو العالم الكليّ في شرف *** و نفسه الجوهر القدسيّ في عظم

هو النبيّ الذي آياته ظهرت *** من قبل مظهره للناس في القدم

صلى عليه اله العرش ما طلعت *** شمس و ما لاح نجم في دجى الظّلم

و آله امناء اللّه من شهدت *** لقدرهم سورة الاحزاب في العظمد.

ص: 29


1- مصدر شأى القوم.اي سبقهم او اسم بمعنى الغاية.
2- اي الماشي الى العلو.
3- اي الخسران.
4- اي يهجم
5- اي ذو علو و بعد.

فصل في وفاته صلّى اللّه عليه و آله

روي عن علي بن الحسين(عليه السلام)قال:سمعت ابي(عليه السلام)يقول:لما كان قبل وفاة رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم) بثلاثة ايام هبط عليه جبرائيل(عليه السلام)فقال:يا أحمد ان اللّه ارسلني اليك اكراما و تفضيلا لك و خاصة يسألك عما هو اعلم به منك،يقول كيف تجدك يا محمد قال النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم):اجدني يا جبرائيل مكروبا.فلما كان اليوم الثالث هبط جبرائيل و ملك الموت و معهما ملك يقال له اسماعيل في الهواء على سبعين الف ملك فسبقهم جبرائيل فقال:يا احمد ان اللّه عز و جل ارسلني اليك اكراما لك و تفضيلا لك و خاصة يسألك عما هو أعلم به منك فقال:كيف تجدك يا محمد قال:أجدني يا جبرائيل مغموما و أجدني يا جبرائيل مكروبا.فاستأذن ملك الموت،فقال جبرائيل:يا احمد هذا ملك الموت يستأذن عليك،لم يستأذن على احد قبلك و لا يستأذن على احد بعدك،قال(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)ائذن له فأذن له جبرائيل،فاقبل حتى وقف بين يديه فقال:يا احمد ان اللّه تعالى ارسلني إليك و أمرني ان اطيعك فيما تأمرني،ان امرتني بقبض نفسك قبضتها و ان كرهت تركتها،فقال النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم):اتفعل ذلك يا ملك الموت؟فقال:نعم بذلك أمرت ان اطيعك فيما تأمرني،فقال له جبرائيل:يا احمد ان اللّه تبارك و تعالى قد اشتاق الى لقائك،فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم):يا ملك الموت امض لما امرت به.

و روي في المناقب عن ابن عباس انه أغمي على النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)في مرضه،فدقّ بابه،فقالت فاطمة(عليها السلام):من ذا؟ قال:انا رجل غريب اتيت اسأل رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم) اتأذنون لي في الدخول عليه فأجابت امض رحمك اللّه،فرسول اللّه عنك

ص: 30

مشغول،فمضى ثم رجع،فدق الباب و قال:غريب يستأذن على رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)اتأذنون للغرباء،فافاق رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)من غشيته و قال:يا فاطمة اتدرين من هذا؟قالت:لا يا رسول اللّه قال:هذا مفرق الجماعات و منغص اللذات،هذا ملك الموت ما استأذن و اللّه على احد قبلي و لا يستأذن على احد بعدي.استأذن عليّ لكرامتي على اللّه ائذني له فقالت:ادخل رحمك اللّه فدخل كريح هفافة و قال:السلام على اهل بيت رسول اللّه،فاوصى النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)الى علي(عليه السلام)بالصبر عن الدنيا و بحفظ فاطمة(عليها السلام)و بجمع القرآن و بقضاء دينه و بغسله و ان يعمل حول قبره حائطا و يحفظ الحسن و الحسين(عليهما السّلام).

و روي عن ابي رافع مولى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم) قال:لما كان اليوم الذي توفّي فيه رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم) غشي عليه فاخذت بقدميه اقبلهما و أبكي فافاق و انا اقول:من لي و لولدي بعدك يا رسول اللّه،فرفع رأسه و قال:اللّه بعدي و وصيي صالح المؤمنين.

و روي في حديث عن جابر الأنصاري رحمه اللّه انه قال:كانت فاطمة عند النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و هي تقول:و اكرباه لكربك يا ابتاه،فقال لها رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم):لا كرب على ابيك بعد اليوم يا فاطمة انّ النبي لا يشق عليه الجيب و لا يخمش عليه الوجه و لا يدعى عليه بالويل و لكن قولي كما قال ابوك على ابراهيم (1):تدمع العينان و قد يوجع القلب و لا نقول ما يسخط الرب و إنابك يا ابراهيم محزنون.

و عن ابي جعفر الباقر(عليه السلام)قال في قوله تعالى: وَ لا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ (2) ان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)قال لفاطمة عليها السلام):اذا أنا متّ فلا تخمشي عليّ وجها و لا ترخي عليّ شعرا و لا تنادي).

ص: 31


1- اي لا يخدش الوجه عليه يعني به ابنه(ص).
2- سوره 60 - آیه 12

بالويل و لا تقيمي عليّ نائحة ثم قال:هذا المعروف الذي قال اللّه عز و جل.

قال المفيد ثم ثقل(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و حضره الموت و امير المؤمنين(عليه السلام)حاضر عنده فلما قرب خروج نفسه قال له:ضع يا عليّ رأسي في حجرك فقد جاء امر اللّه فاذا فاضت نفسي فتناولها بيدك و امسح بها وجهك ثم وجّهني الى القبلة و تولّ امري و صلّ عليّ أول الناس و لا تفارقني حتى تواريني في رمسي و استعن باللّه تعالى،فأخذ عليّ رأسه فوضعه في حجره فاغمي عليه فأكبت فاطمة(عليها السلام)تنظر في وجهه و تند به و تبكي و تقول:

و أبيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثمال اليتامى عصمة للأرامل

ففتح رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)عينيه و قال بصوت ضئيل (1):يا بنية هذا قول عمك ابي طالب لا تقوليه و لكن قولي: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ (2) فبكت طويلا فأومى اليها بالدنو منه فدنت منه فأسرّ اليها شيئا تهلل وجهها له فجاءت الرواية:انه قيل لفاطمة(عليها السلام)ما الذي اسر اليك رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فسرى (3)عنك به ما كنت عليه من الحزن و القلق بوفاته قالت:انه أخبرني انني اول اهل بيته لحوقا به و انه لن تطول المدة بي بعده حتى أدركه،فسرى ذلك عني.

و في رواية الصدوق عن ابن عباس:فجاء الحسن و الحسين(عليهما السلام)يصيحان و يبكيان حتى وقعا على رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)فأراد علي(عليه السلام)ان ينحيهما عنه فأفاق رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)ثم قال:يا عليّ دعني اشمهما و يشمّاني و اتزود منهما و يتزودان مني أما انهما سيظلمان بعدي و يقتلان ظلما،فلعنة اللّه على من يظلمهما يقول ذلك ثلاثا ثم مد يده الى علي فجذبه اليه حتى ادخله تحت ثوبه الذي كان عليهف.

ص: 32


1- يعني الخفيف.
2- سوره 3 - آیه 144
3- اي فذهب و انكشف.

و وضع فاه على فيه و جعل يناجيه مناجاة طويلة حتى خرجت روحه الطيبة صلوات اللّه عليه و آله فانسل (1)عليّ من تحت ثيابه و قال اعظم اللّه أجوركم في نبيكم فقد قبضه اللّه اليه فارتفعت الأصوات بالضجة و البكاء.

و قال الطبرسي و غيره ما ملخصه أن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم) قال لملك الموت:امض لما أمرت (2)له فقال جبرائيل:يا محمد هذا آخر نزولي الى الدنيا انما كنت انت حاجتي منها فقال له:يا حبيبي جبرائيل ادن مني فدنا منه فكان جبرائيل عن يمينه و ميكائيل عن شماله و ملك الموت قابض لروحه المقدسة فقضى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و يد أمير المؤمنين اليمنى تحت حنكه ففاضت نفسه فيها فرفعها الى وجهه فمسحه بها ثم وجّهه (3)و غمضه و مد عليه ازاره و اشتغل بالنظر في أمره.

قال الراوي:و صاحت فاطمة(عليها السلام)و صاح المسلمون و هم يضعون التراب على رؤسهم.

قال الشيخ في التهذيب:قبض مسموما (4)يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة احدى عشرة من الهجرة،و في المناقب و كان بين قدومه المدينة و وفاته عشر سنين و قبض قبل ان تغيب الشمس و هو ابن ثلاث و ستين سنة (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم).

و عن الثعلبي انه قبض حين زاغت (5)الشمس فلما قبض رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)جاء الخضر فوقف على باب البيت و فيه عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين(عليهم السّلام)و رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)قد سجّي (6)بثوب فقال:السلام عليكم يا اهل البيت،كل نفسب.

ص: 33


1- اي انطلق.
2- و الصحيح امرت به.
3- اي الى القبلة.
4- و ذلك من أثر كتف الشاة المسمومة التي قدمتها له اليهودية في الطعام.
5- اي مالت.
6- اي مد عليه الثوب.

ذائقة الموت و انما توفون اجوركم يوم القيامة،ان في اللّه خلفا من كل هالك و عزاء من كل مصيبة و دركا (1)من كل فائت فتوكلوا عليه وثقوا به و أستغفر اللّه لي و لكم،و اهل البيت يسمعون كلامه و لا يرونه فقال امير المؤمنين (عليه السلام)هذا اخي الخضر جاء يعزيكم بنبيكم.

فصل في وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم

ان كنت اردت ان تعلم مقدار تأثير مصيبة النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)على امير المؤمنين و على اهل بيته فاسمع ما قال امير المؤمنين(عليه السلام)في ذلك،قال:فنزل بي من وفاة رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)ما لم اكن اظن الجبال لو حملته عنوة (2)كانت تنهض به فرأيت الناس من اهل بيتي ما بين جازع لا يملك جزعه و لا يضبط نفسه و لا يقوى على حمل فادح (3)ما نزل به قد اذهب الجزع صبره و اذهل عقله و حال بينه و بين الفهم و الافهام و القول و الاستماع و سائر (4)الناس من غير بني عبد المطلب بين معزّ يأمر بالصبر و بين مساعد باك لبكائهم جازع لجزعهم،و حملت نفسي على الصبر عند وفاته،بلزوم الصمت و الاشتغال بما أمرني به من تجهيزه و تغسيله و تحنيطه و تكفينه و الصلاة عليه و وضعه في حفرته،و جمع كتاب اللّه (5)و عهده الى خلقه لا يشغلني عن ذلك بادر دمعة و لا هائج زفرة و لا لادغ حرقة و لا جزيل مصيبة حتى أدّيت في ذلك الحق الواجب للّه عز و جل و لرسوله عليّ و بلغت منه الذي أمرني به و احتملته صابرا محتسبا.

ص: 34


1- اي تداركا.
2- اي قهرا و قسرا
3- اي المصيبة النازلة.
4- اي و رأيت.
5- عطف بيان لكتاب اللّه(منه).

و روى الكليني عن ابي جعفر(عليه السلام)قال لما قبض رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)بات آل محمد عليهم السّلام)بأطول ليلة حتى ظنوا ان لا سماء تظلهم و لا أرض تقلّهم (1)لأن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)وتر (2)الأقربين و الابعدين في اللّه،فبينا هم كذلك أذ أتاهم آت لا يرونه و يسمعون كلامه فقال:السلام عليكم يا اهل البيت و رحمة اللّه و بركاته،ان في اللّه عزاء من كل مصيبة و نجاة من كل هلكة و دركا لمافات، كل نفس ذائقة الموت و انما توفون اجوركم يوم القيامة فمن زحزح (3)عن النار و أدخل الجنة فقد فاز و ما الحياة الدنيا الا متاع الغرور،ان اللّه اختاركم و فضلكم و طهّركم و جعلكم أهل بيت نبيه و استودعكم علمه و اورثكم كتابه.

و قال أبو عبد اللّه(عليه السلام)ان اللّه لما قبض نبيه دخل على فاطمة عليها السلام من الحزن ما لا يعلمه الا اللّه عز و جل،فأرسل اليها ملكا يسلّي غمّها و يحدثها فشكت ذلك الى أمير المؤمنين(عليه السلام)فقال لها:

اذا احسست بذلك و سمعت الصوت قولي لي،فأعلمته ذلك و جعل امير المؤمنين(عليه السلام)يكتب كل ما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفا قال (عليه السلام):اما انه ليس فيه شيء من الحلال و الحرام و لكن فيه علم ما يكون.

و في رواية اخرى انه كان جبرائيل(عليه السلام)يأتيها فيحسن عزاءها على ابيها و يطيب نفسها.

و روي انه اجتمعت نسوة بني هاشم و جعلن يذكرن النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فقالت فاطمة(عليها السلام):اتركن التعداد و عليكنّ بالدعاء و قال النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم):يا عليّ من اصيب بمصيبةد.

ص: 35


1- اي ترفعهم فوقها.
2- اي جعل شفعهم وترا.يعني افردهم.
3- اي ابعد.

فليذكر مصيبته بي فانها من اعظم المصائب و انشأ امير المؤمنين(عليه السلام):

الموت لا والدا يبقي و لا ولدا *** هذا السبيل الى ان لا ترى احدا

هذا النبي و لم يخلد لأمته *** لو خلد اللّه خلقا قبله خلدا

للموت فينا سهام غير خاطئة *** من فاته اليوم سهم لم يفته غدا

فصل في غسله صلّى اللّه عليه و آله

فلما اراد امير المؤمنين(عليه السلام)غسل رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)استدعى الفضل بن العباس فأمره ان يناوله الماء لغسله بعد ان عصب (1)عينيه ثم شق قميصه من قبل جيبه حتى بلغ به الى سرته و تولى غسله و تحنيطه و الفضل يعاطيه الماء و يعينه عليه و الملائكة كانت اعوانه ايضا فغسل في قميصه.

روى الشيخ في التهذيب عن الحرث بن يعلى بن مرة عن ابيه عن جده قال:قبض رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فستر بثوب، و رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)خلف الثوب و علي(عليه السلام) عند طرف ثوبه قد وضع خديه على راحته و الريح يضرب طرف الثوب على وجه علي(عليه السلام)قال:و الناس على الباب و في المسجد ينتحبون (2)و يبكون و اذا (3)سمعنا صوتا في البيت ان نبيكم طاهر مطهر فادفنوه و لا تغسلوه قال فرأيت عليا(عليه السلام)حين رفع راسه فزعا فقال:اخسأ عدو اللّه فانه أمرني بغسله و كفنه و دفنه و تلك سنة قال(عليه السلام)نادى مناد آخر غير تلك النغمة يا علي بن ابي طالب استر عورة نبيك و لا تنزع القميص.

ص: 36


1- اي جعل على عينيه عصابة.
2- اي يبكون شديدا.
3- لفظة اذا فجائية.

و في نهج البلاغة من كلام له(عليه السلام)قاله و هو يلي غسل رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله وسلم)و تجهيزه:بأبي أنت و امي لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة و الأنباء و اخبار السماء و خصصت (1)حتى صرت مسليا عمن سواك و عممت (2)حتى صار الناس فيك سواء و لو لا انك أمرت بالصبر و نهيت عن الجزع لانفذنا (3)عليك ماء الشؤون (4)و لكان الداء مماطلا (5)و الكمد (6)محالفا (7)و قلالك (8)و لكنه (9)ما لا يملك رده و لا يستطاع دفعه بأبي انت و أمي اذكرنا عند ربك و اجعلنا من بالك (10).

و في رواية الشيخ قال:لما فرغ من غسله كشف الأزار عن وجهه ثم أكبّ عليه فقبل وجهه و مد الأزار عليه.

و عن فقه الرضا ان عليا(عليه السلام)لما ان غسل رسول اللّه(صلى اللّه عليهما و آلهما و سلم)و فرغ من غسله نظر في عينيه فرأى فيهما شيئا فانكب عليه فادخل لسانه فمسح ما كان فيهما فقال بأبي و أمي يا رسول اللّه،(صلى اللّه عليك طبت حيا و طبت ميتا،قاله العالم (11).

و عن بصائر الدرجات عن ابي رافع قال:ان اللّه ناجى عليا يوم غسل رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم).).

ص: 37


1- اي في مصيبتك خصوصية.حتى ان غيرها من المصائب يسلى بها لشدة تأثيرها علينا.
2- اي مع ذلك تكون مصيبتك عامة لكل مسلم.
3- اي لأفنينا على فراقك و مصيبتك ماء عيوننا.
4- من الشؤونة و هي منابع الدمع من الرأس.
5- اي مسامحا في الشفاء و البرء.
6- اي الحزن.
7- اي ملازما.
8- تثنية(قل)اي مماطلة الداء و مخالفة الكمد قليلان في جنب مصيبتك.
9- نقطة(ما)موصولة بمعنى الموت.
10- اي في خاطرك عند ورودك الجنة.
11- يعني رواها الإمام(عليه السلام).

قال الراوي:فلما فرغ علي(عليه السلام)من غسل رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم و تحنيطه كفنه في ثلاثة اثواب،ثوبين ابيضين صحاريين، و برد احمر حبرة (1)(و صحار قرية باليمن نسب الثوب اليها).

و روى القطب الراوندي عن علي(عليه السلام)انه قال:امرني رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)اذا توفي ان استسقي سبع قرب (2)من بئر غرس فاغسله بها فاذا غسلته و فرغت من غسله اخرجت من في البيت، قال:فاذا اخرجتهم فضع فاك على فيّ ثم سلني عما هو كائن الى ان تقوم الساعة من امر الفتن،قال علي(عليه السلام):ففعلت ذلك فأنبأني بما يكون الى ان تقوم الساعة و ما من فئة تكون الا و انا اعرف اهل ضلالها من اهل حقها.

فصل في دفن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

روى سليم (3)عن سلمان(رضي اللّه عنه)انه قال:اتيت عليا(عليه السلام)و هو يغسل رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و قد كان أوصى ان لا يغسله غير عليّ(عليه السلام)و أخبر عنه انه لا يريد ان يقلب منه عضوا الا قلب له و قد قال امير المؤمنين(عليه السلام)لرسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم):من يعينني على غسلك يا رسول اللّه قال جبرائيل فلما غسله و كفنه أدخلني و أدخل أبا ذر و المقداد و فاطمة و حسنا و حسينا(عليهم السلام)فتقدم و صففنا خلفه و صلى عليه و المرأة (4)في الحجرة لا تعلم،قد اخذ جبرائيل ببصرها،قال المفيد:فلما فرغ من غسله و تجهيزه تقدم فصلى

ص: 38


1- ضرب من برود اليمن.
2- جمع قربة.
3- سليم(بضم السين)بن قيس الهلالي الكوفي.صاحب امير المؤمنين له كتاب.
4- يعني بها عائشة.

عليه وحده لم يشركه معه احد في الصلاة عليه و كان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم في الصلاة عليه و اين يدفن فخرج اليهم امير المؤمنين (عليه السلام)و قال لهم:ان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)امامنا حيا و ميتا فيدخل عليه فوج بعد فوج مكم فيصلون عليه بغير امام و ينصرفون،و ان اللّه لمى قبض نبيا في مكان الا و قد ارتضاه لرمسه (1)فيه و أنّي لدافنه في حجرته التي قبض فيها فسلم القوم لذلك و رضوا به.

روى الكليني عن أبي مريم الانصاري قال:قلت لأبي جعفر(عليه السلام):كيف كانت الصلاة على النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)قال:

لما غسله امير المؤمنين(عليه السلام)و كفنه سجاه (2)،ثم ادخل عليه عشرة فداروا حوله،ثم وقف امير المؤمنين(عليه السلام)في وسطهم فقال:ان اللّه و ملائكته يصلون على النبي،يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه و سلموا تسليما،فيقول القوم كما يقول(عليه السلام)حتى صلى عليه أهل المدينة و العوالي (3).

و روى ابو جعفر(عليه السلام):انهم صلوا عليه يوم الاثنين و ليلة الثلاثاء حتى الصباح و يوم الثلاثاء حتى صلى عليه الاقرباء و الخواص و لم يحضر أهل السقيفة و كان عليّ(عليه السلام)انفذ اليهم بريده (4)و انما تمت بيعتهم بعد دفنه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و روي عن القسم الصقيل انه كتب الى الناحية المقدسة جعلت فداك هل اغتسل امير المؤمنين حين غسل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)عند موته فاجابه:النبي(صلّى اللّه عليه و آله):طاهر مطهر و لكن امير المؤمنين(عليه السلام)فعل و جرت به السنة.ن.

ص: 39


1- اي لتربته و قبره.
2- سجى الميت:مد عليه ثوبا.
3- نواحي في اطراف المدينة.
4- هو بريدة الاسلمى من السابقين الذين رجعوا الى امير المؤمنين.

قال المفيد:و لما صلى المسلمون عليه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)انفذ العباس بن عبد المطلب برجل الى ابي عبيدة بن الجراح و كان يحفر لأهل مكة و يصرح و كان ذلك عادة اهل مكة و انفذ الى زيد بن سهل و كان يحفر لأهل المدينة و يلحد فاستدعاهما و قال اللهم خر (1)لنبيك فؤجد ابو طلحة زيد بن سهل و قيل له:احفر لرسول اللّه فحفر له لحدا و دخل امير المؤمنين و العباس ابن عبد المطلب و الفضل بن العباس و اسامة بن زيد ليتولوا دفن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)فنادت الانصار من وراء البيت يا علي انا نذكرك اللّه و حقنا اليوم من رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)ان يذهب، ادخل منا رجلا يكون لنا به حظ من مواراة رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلم):فقال:ليدخل اوس بن خولي و كان بدريا فاضلا من بني عوف من الخزرج فلما دخل قال له علي(عليه السلام):انزل القبر فنزل و وضع امير المؤمنين رسول اللّه(صلّى اللّه عليهما و آلهما)على يديه و دلاّه في حفرته فلما حصل في الأرض قال له اخرج فخرج و نزل علي القبر فكشف عن وجه رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و وضع خده على الأرض موجها الى القبلة على يمينه ثم وضع عليه اللبن (2)و اهال عليه التراب(انتهى).و روي انه ربّع قبره.

و عن ابي عبد اللّه(عليه السلام)قال القى شقران مولى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)في قبره القطيفة و قال:جعل عليّ(عليه السلام)على قبر النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)لبنا و قال:قبر رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)محصب (3)حصباء حمراء.

و روى الحميري (4):ان قبر رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)ر.

ص: 40


1- من الخيرة و هي الصلاح.
2- جمع لبنة بكسر الأول.
3- اي مجعول فيه الحضى.
4- هو عبد اللّه بن جعفر.كذا في الرجال الكبير.

رفع من الأرض قدر شبر و أربع اصابع ورش عليه الماء قال علي(عليه السلام):و السنة ان يرش على القبر ماء.

و روي عن بصائر الدرجات عن ابي عبد اللّه(عليه السلام)انه لما قبض رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)هبط جبرائيل(عليه السلام)و معه الملائكة و الروح الذين كانوا يهبطون في ليلة القدر،قال:ففتح لأمير المؤمنين بصره فرآهم في منتهى السماوات الى الأرض يغسلون النبي(صلى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)معه و يصلون معه عليه و يحفرون له و اللّه ما حفر له غيرهم،حتى اذا وضع في قبره نزلوا مع من نزل فوضعوه،فتكلم و فتح لأمير المؤمنين(عليه السلام)سمعه،فسمعه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم) يوصيهم به،فبكى،و سمعهم يقولون:لا نألوه (1)جهدا و إنما هو صاحبنا بعدك الا أنه ليس يعايننا ببصره بعد مرتنا هذه.

قال في نهج البلاغة من خطبة له(عليه السلام):و لقد علم المستحفظون من اصحاب محمد(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)أنّي لم ارد على اللّه سبحانه و لا على رسوله ساعة قط،و لقد واسيته في المواطن التي تنكص (2)فيها الابطال و تتأخر الاقدام نجدة (3)أكرمني اللّه و لقد قبض رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و ان رأسه لعلى صدري،و قد سالت نفسه في كفّي فأمررتها على وجهي و لقد ولّيت غسله و الملائكة أعواني فضجت الدار و الافنية (4)ملأ يهبط و ملأ يعرج و ما فارقت سمعي هينمة(اي الكلام الخفي)منهم يصلّون عليه حتى واريناه في ضريحه فمن ذا احق به منّي حيا و ميتا.ة.

ص: 41


1- الا.يألوا.في الأمر:قصر.يعني انا لننصره على مقدار طاقتنا و لا نقصر في حقه.
2- اي رجعوا على اعقابهم.
3- اي الشجاعة و البأس.
4- جمع فناء(بالكسر)و هو الساحة.

اقول:قد يقال ان المراد بسيلان النفس هبوب النفس عند انقطاع الانفاس و قيل اراد بنفسه دمه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)يقال ان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)قاء عند وفاته دما يسيرا و أن عليا عليه السلام)مسح بذلك وجهه و اللّه العالم.

قال المفيد:و لم يحضر دفن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)اكثر الناس لما جرى بين المهاجرين و الانصار من التشاجر في أمر الخلافة وفات اكثرهم الصلاة عليه لذلك،و أصبحت فاطمة(عليها السلام)تنادي، و اسوء صباحاه فسمعها ابو بكر فقال لها:ان صباحك لصباح سوء.

و روى ابن عبد ربه في العقد الفريد عن انس بن مالك قال:لما فرغنا من دفن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)اقبلت علي فاطمة فقالت:

يا انس كيف طابت انفسكم ان تحثوا (1)على وجه رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)التراب،ثم بكت و نادت يا ابتاه اجاب ربا دعاه يا أبتاه، من ربه ما ادناه.ا.

ص: 42


1- أي أن تصبّوا.

النور الثاني: حضرت فاطمة الزهراء علیها السلام

اشارة

سيدة نساء العالمين و بضعة خاتم النبيين و ام الأئمة الطاهرين فاطمة الزهراء

مشكاة نور اللّه جل جلاله زيتونة عمّ الورى بركاتها صلوات اللّه عليها و على أبيها و بعلها و بنيها.

ولدت في جمادى الاخرة يوم العشرين منها سنة خمس و اربعين من مولد النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و كان بعد مبعثه بخمس سنين كما روي عن الصادقين(عليهما السّلام).

(البحار)بينا النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)جالس بابطح (1)و معه عمار بن ياسر و المنذر بن الضحضاح و ابو بكر و عمر و علي بن ابي طالب(عليه السلام)و العباس بن عبد المطلب و حمزة بن عبد المطلب(رحمه اللّه)اذ هبط عليه جبرائيل(عليه السلام)في صورته العظمى قد نشر أجنحته حتى اخذت من المشرق الى المغرب فناداه يا محمد،العليّ الأعلى يقرأ عليك السلام و هو يأمرك ان تعتزل (2)عن خديجة اربعين صباحا،فشق ذلك على

ص: 43


1- كل مسيل فيه دقاق الحصى فهو ابطح قال ابو زيد الابطح اثر المسيل و الاطح يضاف الى مكة و الى منى لأن مسافته منهما واحدة و ربما كان الى منى أقرب و هو المحصب و هي خيف بني كنانة و قيل انه ذو طوى و ليس به (مراصد الاطلاع).
2- لعل اعتزال النبي(صلّى اللّه عليه و آله)عن خديجة(رضي اللّه عنها)اربعين يوما كان للتأهب لتحية رب العالمين و تحفته و المراد بها فاطمة(صلوات اللّه عليها)كما اشير الى ذلك في زيارتها فاطمة بنت رسولك و بضعة لحمه و صميم قلبه و فلذة كبده و التحية منك له و التحفة و في هذا الاعتزال دليل على جلالة فاطمة(عليها السلام)سيدة النسوان بما لا يطيق بتحرير بيانه البنان(منه).

النبي(صلّى اللّه عليه و اله و سلم)و كان محبالها و بها وامقا (1)قال:فأقام النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)اربعين يوما يصوم النهار و يقوم الليل حتى اذا كان في آخر ايامه تلك بعث الى خديجة بعمار بن ياسر و قال:قل لها يا خديجة لا تظني ان انقطاعي عنك هجرة و لا قلى (2)و لكن ربي عز و جل امرني بذلك لينفذ امره فلا تظني يا خديجة الا خيرا فان اللّه عز و جل ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مرارا فاذا جنك الليل فاجيفي (3)الباب و خذي مضجعك من فراشك فإني في منزل فاطمة بنت اسد رضي اللّه عنها فجعلت خديجة تحزن في كل يوم مرارا لفقد رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم) فلما كان في كمال الاربعين هبط جبرائيل(عليه السلام)فقال:يا محمد العليّ الأعلى يقرئك السلام و هو يأمرك ان تتأهب لتحيته و تحفته قال النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)يا جبرائيل و ما تحفة رب العالمين و ما تحيته قال:

لا علم لي،قال:فبينا النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)كذلك اذ هبط ميكائيل و معه طبق مغطى بمنديل سندس (4)او قال:استبرق،فوضعه بين يديّ النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و اقبل جبرائيل على النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و قال:يا محمد يأمرك ربك ان تجعل الليلة افطارك على هذا الطعام،فقال عليّ بن أبي طالب(عليه السلام):كان النبي(صلى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)اذا أراد أن يفطر أمرني ان افتح الباب لمن يرد الى الإفطار فلما كان في تلك الليلة أقعدني النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)على باب المنزل و قال يا ابن ابي طالب انه طعام محرم الا عليّ.قال عليّ(عليه السلام):فجلست على الباب و خلا النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم) بالطعام و كشف الطبق فاذا غذق من رطب (5)و عنقود من عنب فأكل النبيا.

ص: 44


1- اي محبا.يقال و مقه:اي احبه.
2- قل الرجل:ابغضه.
3- اجيفوا ابوابكم.اي ردّوها(منه).
4- للترديد من الراوي(منه.
5- لعل تخصيص الرطب و العنب لكثرة بركتهما و ما يتولد منهما من المنافع فانه ليس في الاشجار ما يبلغ نفعها. مع انهما خلقتا من فضلة طينة آدم عليه السلام و لا يبعدان يكون في ذلك اشارة الى كثرة نفع هذه النسلة الطاهرة المباركة و كثرة ذريتها و بركاتها(سلام اللّه عليها)(منه).

(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)منه شبعا،و شرب من الماء ريا،و مد يده للغسل فافاض الماء عليه جبرائيل و غسل يده ميكائيل(عليه السلام) و تمندله (1)اسرافيل(عليهم السّلام)فارتفع فاضل الطعام مع الاناء الى السماء،ثم قام النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)ليصلّي فأقبل عليه جبرائيل فقال الصلاة (2)محرمة عليك في وقتك حتى تأتي الى منزل خديجة فتواقعها فان اللّه عز و جل آلى (3)على نفسه ان يخلق من صلبك في هذه الليلة ذرية طيبة فوثب رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)الى منزل خديجة قالت خديجة رضوان اللّه عليها:و كنت قد الفت الوحدة فكان اذا (4)جنّنى الليل غطيت رأسي و أسجفت (5)ستري و غلقت بابي و صليت وردي و اطفأت مصباحي و أويت الى فراشي فلما كان في تلك الليلة لم أكن بالنائمة و لا بالمنتبهة اذ جاء النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فقرع الباب فناديت من هذا الذي يقرع حلقة لا يقرعها الا محمد(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم) قالت خديجة:فنادى النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)بعذوبة كلامه و حلاوة منطقه، افتحي يا خديجة فانّي محمد،قالت خديجة:فقمت فرحة مستبشرة بالنبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و فتحت الباب و دخل النبي المنزل؛و كان اذا دخل المنزل دعا بالاناء فتطهر للصلاة ثم يقوم فيصلي ركعتين يوجز فيهما ثم يأوي الى فراشه فلما كان في تلك الليلة لم يدع بالاناء و لم يتأهب للصلاة غير انه اخذ بعضدي و أقعدني على فراشه و داعبني و مازحني و كان بيني و بينه ما يكون بين المرأة و بعلها فلا و الذي سمك (6)السماء و أنبع الماء ما تباعد عني النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)حتى حسست بثقل فاطمة(عليها السلام)في بطني.ع.

ص: 45


1- اي وضع على يده المنديل.
2- الظاهر انها الصلاة النافلة دون الفريضة فانه كان يقدمها على الافطار(منه).
3- اي حلف.
4- اي اظلم.
5- اي ارسلت(منه).
6- اي رفع.

و روى الشيخ الصدوق رضي اللّه عنه الأمالي بسنده عن المفضل بن عمر قال:قلت لأبي عبد اللّه الصادق(عليه السلام)كيف كانت ولادة فاطمة (عليها السلام)فقال نعم ان خديجة(رضي اللّه عنها)لما تزوّج بها رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)هجرتها (1)نسوان مكة فلم يدخلن عليها و لا يسلمن عليها و لا يتركن امرأة تدخل عليها،فاستوحشت خديجة لذلك و كان جزعها و غمّها حذرا عليه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فلما حملت بفاطمة(سلام اللّه عليها)كانت فاطمة تحدثها من بطنها و تصبّرها (2)، و كانت تكتم ذلك من رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،فدخل رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)يوما فسمع خديجة رضي اللّه عنها تحدث فاطمة(عليها السلام)،فقال لها:يا خديجة لمن تحدثين،قالت:

الجنين الذي في بطني يحدثني و يؤنسني،قال:يا خديجة هذا جبرائيل يخبرني أنها أنثى و أنها النسلة الطاهرة الميمونة و ان اللّه تبارك و تعالى سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها الأئمة و يجعلهم خلفاء في ارضه بعد انقضاء وحيه.فلم تزل خديجة على ذلك الى ان حضرت ولادتها،فوجهت الى نساء قريش و بني هاشم ان تعالين (3)لتلين مني ما تلي النساء من النساء؛فأرسلن اليها،انت عصيتنا و لم تقبلي قولنا و تزوجت محمدا(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)يتيم ابي طالب،فقيرا لا مال له فلسنا نجيء و لا نلي من أمرك شيئا،فاغتمت خديجة لذلك فبيناهي كذلك اذ دخل عليها اربع نسوة سمر (4)طوال كأنهن من نساء بني هاشم ففزعت منهن لما رأتهن فقالت احداهن:لا تحزني يا خديجة فانا رسل ربك اليك و نحن اخواتك:أنا سارة و هذه آسية بنت مزاحم و هي رفيقتك في الجنة،و هذه مريم بنت عمران و هذه كلثم أخت موسى بن عمران،بعثنا اللّه اليك لنلي منك ما يلي النساء فجلست واحدةاد

ص: 46


1- اي ابعدتها.
2- اي تحثّها على الصبر.
3- اي أقبلن.
4- جمع سمراء و هي اللون المايل الى السواد

عن يمينها و اخرى عن يسارها و الثالثة بين يديها و الرابعة من خلفها فوضعت فاطمة(عليها السلام)طاهرة مطهرة،فلما سقطت الى الأرض اشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة،و لم يبق في شرق الأرض و غربها موضع الا أشرق فيه ذلك النور و دخل عشر من الحور العين،كل وحدة منهن معها طست من الجنة و ابريق من الجنة،و في الابريق ماء من الكوثر،و اخرجت خرقتين بيضاءتين أشد بياضا من اللّبن و اطيب ريحا من المسك و العنبر فلفتها بواحدة و قنعتها بالثانية ثم استنطقتها فنطقت فاطمة(عليها السلام) بالشهادتين و قالت:اشهد ان لا اله إلا اللّه و ان ابي رسول اللّه،سيد الأنبياء،و ان بعلي سيد الأوصياء و ولدي سادة الاسباط،ثم سلمت عليهن وسمت كل واحدة منهن باسمها،و اقبلن يضحكن اليها و تباشرت الحور العين و بشر أهل السماء بعضهم بعضا بولادة فاطمة(عليها السلام)و حدث في السماء نور زاهر (1)لم تره الملائكة قبل ذلك و قالت النسوة:خذيها يا خديجة طاهرة مطهرة زكية ميمونة،بورك فيها و في نسلها فتناولتها فرحة مستبشرة و القمتها (2)ثديها فدر عليها،فكانت فاطمة(عليها السلام)تنمو في اليوم كما ينمو الصبي في الشهر و تنمو في الشهر كما ينمو الصبي في السنة (3).

فصل في مناقب فاطمة(عليها السلام)

كانت فاطمة(صلوات اللّه عليها)من اهل العباء و المباهلة و المهاجرة في اصعب وقت،و كانت فيمن نزلت فيهم آية التطهير،و افتخر جبرائيل(عليه السلام)بكونه منهم و شهد اللّه لهم بالصدق و لها أمومة الأئمة و عقب الرسول (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)الى يوم القيامة،و هي سيدة نساء العالمين من الأولين و الآخرين واحد الركبان الأربعة يوم القيامة و لها المصحف الذي كان

ص: 47


1- اي مشرق.
2- اي جعلت في فمها.
3- هذا كناية من سرعة نموها و الا فالمناسب لنموه في اليوم قدر الاسبوع نموه في الشهر قدر سبعة اشهر.

عند الأئمة(عليهم السّلام)،و كانت اشبه الناس كلاما و حديثا برسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،تحكي شيمتها (1)شيمته و ما تخرم (2)مشيتها مشيته،و كانت اذا دخلت عليه رحّب بها و قبّل يديها و اجلسها في مجلسه، فاذا دخل عليها قامت اليه فرحبت به و قبّلت يديه.و كان(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)يكثر تقبيلها و كلما اشتاق الى رائحة الجنة يشم رائحتها،و كان يقول:فاطمة بضعة مني،من سرّها فقد سرّني و من ساءها فقد ساءني، فاطمة اعز الناس اليّ،الى غير ذلك مما يكشف عن كثرة محبته(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)لها (3).

روى الشيخ الكليني عطر اللّه مرقده عن محمد بن سنان قال:كنت عند ابي جعفر الثاني(عليه السلام)فأجريت اختلاف الشيعة،فقال:يا محمد ان اللّه تبارك و تعالى لم يزل متفردا بوحدانيته ثم خلق محمدا و عليّا و فاطمة صلوات اللّه عليهم فمكثوا ألف دهر،ثم خلق جميع الأشياء فأشهدهم خلقها و أجرى طاعتهم عليها و فوّض (4)أمورها اليهم فهم يحلّون ما يشاءون و يحرمون ما يشاءون و لن يشاءوا الا ان يشاء اللّه تبارك و تعالى ثم قال:يا محمد هذه الديانة من تقدمها مرق (5)و من تخلّف عنها محق (6)و من لزمها لحق (7)خذها اليك يا محمد.ن.

ص: 48


1- اي خلقها(بالضم).
2- اي لا تعدل.
3- كندائه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)اياها يا حبيبة ابيها اقول قد كتبنا في احوال مولاتنا فاطمة(صلوات اللّه عليها)رسالة سميناها بيت الاحزان في مصائب سيدة النسوان.
4- اقول قد ذهب بعض الى تفويض الاحكام الى الأئمة بمعنى ان لهم بحسب ما يرون من المصالح و المفاسد جعل الاحكام التكليفية الخمسة و لكن قد عدهم المحقق البهبهاني في تعليقته على الرجال من غلاة الشيعة فعليه لا بد من حمل الرواية على انهم أوعية مشيئة اللّه فما حرمه اللّه تعالى حرموه و ما احله احلوه و لذا استدرك (عليه السلام)فبهذه الرواية الشريفة:يقول: وَ ما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ .
5- اي خرج من الدين.
6- اي هلك.
7- اي كان ملازما للدين.

فصل في وفاة فاطمة عليها السلام

قبضت فاطمة صلوات اللّه عليها بعد وفاة النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)في جمادي الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منها (1)سنة احدى عشر من الهجرة.روى ذلك الطبرسي عن ابي عبد اللّه(عليه السلام).

و عن روضة الواعظين (2)و غيره مرضت فاطمة(صلوات اللّه عليها مرضا شديدا و مكثت اربعين ليلة في مرضها الى ان توفيت فلما نعيت (3)اليها نفسها دعت ام أيمن (4)و اسماء (5)بنت عميس و وجهت خلف عليّ(عليه السلام)و احضرته فقالت:يا ابن عم انه قد نعيت الى نفسي و انني لا ارى ما بي الا انني لاحقه بابي ساعة بعد ساعة و أنا اوصيك باشياء في قلبي قال لها علي(عليه السلام):اوصيني بما احببت يا بنت رسول اللّه،فجلس عند رأسها و اخرج من كان ف البيت ثم قالت:يا ابن عم ما عهدتني كاذبة و لا خائنة و لا خالفتك منذ عاشرتني فقال:معاذ اللّه،انت أعلم باللّه و أبّر و أتقى و أكرم و أشد خوفا من اللّه ان أوبخك بمخالفتي،قد عز عليّ مفارقتك و تفقدك،الا انه أمر لا بد منه،و اللّه جدّدت عليّ مصيبة رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و قد عظمت وفاتك و فقدك،فانا للّه و انا اليه راجعون

ص: 49


1- و قيل لخمسة و سبعين من وفاة رسول اللّه و قيل لاربعة اشهر منه و فيها اقوال أخر شاذه بين الشيعة.
2- للشيخ الأجل ابن فتال النيشابوري من اعاظم المحدثين.
3- اي اخبرت بموتها.
4- هي مولاة النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و حاضنته كانت لأمه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فاعتقها و زوجها من عبيد بن زيد فولدت له(ايمن)فاستشهد يوم خيبر فزوجها رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)من زيد بن حارثة فولدت له اسامة بن زيد و هي من المنقطعين الى فاطمة(عليها السلام).
5- هي اسماء بنت عميس الخثعمية.من المهاجرات الى ارض الحبشة مع زوجها الأول جعفر بن ابي طالب و تزوجها بعده ابو بكر فولدت له محمد بن ابي بكر.ثم مات عنها فتزوجها علي بن ابي طالب فولدت له يحيى بن ابي طالب(انتهى ملخصا من الاستيعاب).

عن مصيبة ما أفجعها و آلمها و أمضها (1)و أحزنها هذه و اللّه مصيبة لا عزاء لها، و رزية لا خلف لها.ثم بكيا جميعا ساعة و اخذ عليّ(عليه السلام)رأسها و ضمها الى صدره ثم قال:اوصيني بما شئت،فانك تجدينني امضي فيها كما أمرتني به و أختار أمرك على أمري،ثم قالت:جزاك اللّه عني خير الجزاء يا ابن عم رسول اللّه ثم أوصته بان يتزوج بعدها امامة بنت اختها و أن يتخذ لها نعشا (2)و ان لا يشهد احد جنازتها من الذين ظلموها و أخذوا حقها و ان لا يصلي عليها احد منهم، و لا من أتباعهم،و ان يدفنها بالليل اذا هدأت (3)العيون و نامت الابصار.

و عن مصباح الانوار عن ابي عبد اللّه عن آبائه(عليهم السّلام) قال:ان فاطمة(عليها السلام)لما احتضرت اوصت عليا (4)فقالت:

اذا أنامت فتول انت غسلي،و جهزني،و صلّ عليّ و انزلني في قبري و ألحدني و سوّ التراب عليّ و اجلس عند رأسي قبالة وجهي فاكثر من تلاوة القرآن و الدعاء فانها ساعة محتاج الميت الى أنس الاحياء،و أنا استودعك اللّه تعالى و أوصيك في ولدي خيرا،ثم ضمت اليها ام كلثوم فقالت له:اذا بلغت فلها ما في المنزل،ثم اللّه لها،فلما توفيت فعل ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام).

و روي انه لما حضرت فاطمة(عليها السلام)الوفاة،بكت فقال لها امير المؤمنين(عليه السلام):يا سيدتي ما يبكيك قالت:ابكي لما تلقى بعدي،قال لها:لا تبكي فو اللّه ان ذلك لصغير عندي في ذات اللّه.

و روي عن ام سلمى امرأة ابي رافع (4)قالت:اشتكت فاطمة(عليها السلام)شكواها التي قبضت فيها و كنت امرضها فاصبحت يوما اسكن ماس.

ص: 50


1- من مضّ الجرح فلانا آلمه و أوجعه.
2- و لم يكن قبل معمولا لحمل الجنائز.
3- اي سكنت.
4- لعله مولى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و هو الذي اعتقه رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)اذ بشره باسلام عمه العباس.

كانت،فخرج عليّ(عليه السلام)الى بعض حوائجه فقالت اسكبي (1)لي غسلا (2)فسكبت،فقامت و اغتسلت احسن ما يكون من الغسل ثم لبست اثوابها الجدد (3)ثم قالت:افرشي لي فراشي وسط البيت ثم استقبلت القبلة و نامت،و قالت:انا مقبوضة و قد اغتسلت فلا يكشفني احد ثم وضعت خدها على يدها،و ماتت(صلوات اللّه عليها).

و في رواية اخرى قالت لأسماء بنت عميس انتظريني هنيهة (4)،ثم ادعيني فان اجبتك،و الا فاعلمي أني قد قدمت على ابي،قال الراوي:

فانتظرتها اسماء هنيهة ثم نادتها فلم تجبها فنادت يا بنت محمد المصطفى،يا بنت اكرم من حملته السماء،يا بنت خير من وطأ الحصى،يا بنت من كان من ربه قاب قوسين أو أدنى،فلم تجبها فكشفت الثوب عن وجهها فاذا بها قد فارقت الدنيا،فوقعت عليها تقبلها و هي تقول يا فاطمة اذا قدمت على ابيك رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فأقرئيه من اسماء بنت عميس السلام،ثم شقت اسماء جيبها و خرجت فتلقاها الحسن و الحسين(عليهما السلام)فقالا:اين أمنا فسكتت،فدخلا البيت فاذا هي ممتدة فحركها الحسين(عليه السلام)فاذا هي ميتة فقال:يا اخاه آجرك اللّه في الوالدة فوقع عليها الحسن يقبلها مرة و يقول:يا أماه كلميني قبل ان يفارق روحي بدني قالت:و اقبل الحسين(عليه السلام)يقبل رجلها و يقول يا أماه انا ابنك الحسين كلميني قبل ان ينصدع (5)قلبي فأموت قالت لهما اسماء:يا ابني رسول اللّه انطلقا الى ابيكما عليّ(عليه السلام)فاخبراه بموت أمكما،فخرجا يناديان يا محمداه يا احمداه،اليوم جدد لنا موتك،اذ ماتت أمنا،ثم أخبرا عليّا(عليه السلام)و هو في المسجد فغشي عليه حتى رش (6)عليه الماء ثمه.

ص: 51


1- اي صبي.
2- الغسل بالضم و الكسر ما يغتسل به(منه).
3- جدد جمع جديد.
4- اي مقدارا قليلا من الوقت.
5- اي ينشق.
6- رش عليه:اي نفض الماء و فرقه عليه.

أفاق و كان(عليه السلام)يقول:بمن العزاء يا بنت محمد،كنت بك اتعزى ففيم العزاء من بعدك.قال الراوي:فحمل الحسنين(عليهما السلام)حتى ادخلهما بيت فاطمة(عليها السلام)و عند رأسها اسماء تبكي و تقول:و ايتامى محمد كنا نتعزي بعدك.فكشف علي(عليه السلام)عن وجهها فاذا برقعة عند رأسها فاذا فيها:بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)أوصت،و هي تشهد ان لا اله الا اللّه،و أن محمدا(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)عبده و رسوله،و أن الجنة حق،و النار حق،و أن الساعة آتية لا ريب فيها،و أن اللّه يبعث من في القبور،يا عليّ انا فاطمة بنت محمد(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)زوجني اللّه منك لأكون لك في الدنيا و الآخرة أنت اولى بي من غيري،حنطني (1)و غسّلني و كفّني بالليل،و صلّ علي و ادفني بالليل و لا تعلم احدا،و استودعك اللّه و اقرأ على ولدي السلام الى يوم القيامة.

قال الراوي فصاحت اهل المدينة صيحة واحدة و اجتمعت نساء بني هاشم في دارها فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة ان تزعزع لصراخهن و هن يقلن:يا سيدتاه يا بنت رسول اللّه،و أقبل الناس مثل عرف (2)الفرس الى عليّ(عليه السلام)و هو جالس و الحسن و الحسين(عليهما السّلام)بين يديه يبكيان فبكى الناس لبكائهما و خرجت ام كلثوم و عليها برقعة (3)و تجر ذيلها متجللة بردائها غلبها نشيجها و هي تقول:يا ابتاه يا رسول اللّه الآن حقا فقدناك فقدا لا لقاء بعده ابدا.

و اجتمع الناس فجلسوا و هم يضجون و ينتظرون ان تخرج الجنازة فيصلون عليها فخرج ابو ذر(رضي اللّه عنه)،و قال:انصرفوا فان ابنة رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)قد أخر اخراجها في هذه العشية فقام الناس و انصرفوا.ب.

ص: 52


1- اي اجعل عليّ الحنوط.
2- بالضم هو الشعر النابت في محدب رقبة الفرس.
3- اي النقاب.

فلما جنّ الليل غسلها امير المؤمنين(عليه السلام)و لم يحضرها غيره و الحسن و الحسين و زينب و ام كلثوم(عليهم السّلام)و فضة جاريتها و اسماء بنت عميس(رضي اللّه عنها) (1).

و في رواية ورقة قال علي(عليه السلام):و اللّه لقد اخذت في امرها و غسلتها في قميصها و لم اكشفه عنها فو اللّه لقد كانت ميمونة ظاهرة مطهرة ثم حنطتها من فضلة حنوط رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و كفنتها و ادرجتها في اكفانها فلما هممت ان اعقد الرداء ناديت يا ام كلثوم يا زينب يا سكينة يا فضة يا حسن يا حسين هلموا تزودوا من امكم فهذا الفراق، و اللقاء في الجنة فاقبل الحسن و الحسين(عليهما السّلام)و هما يناديان و احسرة لا تنطفيء ابدا من فقد جدنا محمد المصطفى(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم) و امنا فاطمة الزهراء يا ام الحسن يا ام الحسين اذا لقيت جدنا محمد المصطفى فاقرئيه منا السلام و قولي له:إنا قد بقينا بعدك يتيمين في دار الدنيا،فقال امير المؤمنين عليّ(عليه السلام):إني أشهد اللّه انها قد حنّت (2)و أنت و مدّت يديها و ضمتهما الى صدرها مليا و اذا بهاتف من السماء ينادي يا ابا الحسن ارفعهما عنها فلقد ابكيا و اللّه ملائكة السماوات فقد اشتاق الحبيب الى المحبوب قال:فرفعتهما عن صدرها.

و روي ان كثير بن عباس كتب على اطراف كفن سيدة النساء،تشهد ان لا آله الا اللّه و ان محمدا(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)رسول اللّه.

فلما ان هدأت (3)العيون و مضى شطر من الليل اخرجها عليّ و الحسن و الحسين(عليهم السّلام)و عمار و المقداد عقيل و الزبير و ابو ذر و سلمان و بريدة (4)و نفر من بني هاشم و خواصه،صلّوا عليها و دفنوها في جوف الليل و سوى عليّ(عليه السلام)قبورا مزورة مقدار سبعة حتى لا يعرف قبرها.).

ص: 53


1- و في رواية سليمان و نفر آخر سيأتي ذكرهم.
2- حنين و انين بمعنى تأوهت.
3- اي سكنت.
4- بريدة الاسلمي من السابقين الذين رجعوا الى امير المؤمنين(عليه السلام).

و روي انه(عليه السلام)لما دفن فاطمة(صلوات اللّه عليها)و عفّى موضع قبرها و نفض يده من تراب القبر،هاج به الحزن فارسل دموعه على خديه،و حوّل وجهه الى قبر رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فقال:

السلام عليك يا رسول اللّه عني و عن ابنتك النازلة في جوارك و السريعة اللحاق بك قلّ يا رسول اللّه عن صفيتك صبري ورقّ عنها تجلّدي (1)إلا أن لي في التأسي بعظيم فرقتك وفادح (2)مصيبتك موضع تعز فلقد و سدتك (3)في ملحودة قبرك و فاضت بين نحري و صدري نفسك انا للّه و انا اليه راجعون فلقد استرجعت (4)الوديعة و اخذت الرهينة اما حزني فسرمد و اما ليلى فمسهد (5)الى ان يختار اللّه لي دارك التي انت بها مقيم و ستنبئك ابنتك بتظافر (6)امتك على هضمها (7)فاحفها (8)السؤال و استخبرها الحال هذا و لم يطل العهد و لم يخل منك الذكر و السلام عليكما سلام مودع لا قال (9)و لا سئم فإن انصرف فلا عن ملالة و ان أقم فلا عن سوء ظن بما وعد اللّه الصابرين.

روى الشيخ عن يزيد بن عبد الملك عن أبيه عن جده قال:دخلت على فاطمة(عليها السلام)فبدأتني بالسلام،ثم قالت:ما غدا بك (10)قلت:

طلب البركة قالت:أخبرني و هوذا: (11)هو أنه من سلّم عليه و عليّ ثلاثة أيام أوجب اللّه له الجنة قلت لها في حياته و حياتك قالت نعم و بعد موتنا.ه.

ص: 54


1- تجلد:اي تكلف الجلد و صبر.
2- اي الصعب المثقل.الفادحة:النازلة.
3- اي صيرت اللحد لك و سادة.
4- هذا كناية عن كونها قليلة المكث عنده لأن مبنى الوديعة على فورية الفك و لعله لهذه النكتة قال له الرسول(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)حين زوجها منه هذه وديعتي عندك.و معنى اخذت الرهينة كناية عن جلالة مقامها لأن الرهينة تطلق على الشيء الغالي.يقال ارهنه في السلقة:اي غالى بها.
5- سهد و تسهد:ارق و لم ينم.قل نومه.
6- اي بتعاونهم.
7- الضمير راجع الى الخلافة.
8- اي اكثر السؤال عن حالها.
9- اي مبغض.
10- اي ما سبب مجيئك إليّ.
11- اي أن ما اخبرني هو ذات الذي سأخبرك به.

البحار،عن مصباح الأنوار،عن امير المؤمنين(عليه السلام)،عن فاطمة(عليها السلام)قالت:قال لي رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلم):من صلى عليك غفر اللّه له و ألحقه بي حيث كنت من الجنة.

ص: 55

النور الثالث: اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب صلوات اللّه عليه

اشارة

الامام الأول ابو الحسن امير المؤمنين علي بن ابي طالب صلوات اللّه عليه

ولد(عليه السلام)بمكة في البيت الحرام في يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة.

امه فاطمة بنت اسد بن هاشم بن عبد مناف و هو و اخوته اول هاشمي ولد بين هاشميين و لم يولد في البيت الحرام قبله احد و هي فضيلة خصه اللّه تعالى بها اجلالا له و اعلاء لمرتبته و اظهارا لكرامته.

و روي عن علي بن الحسين(عليه السلام)قال ان فاطمة بنت اسد ضربها الطلق (1)و هي في الطواف فدخلت الكعبة فولدت امير المؤمنين(عليه السلام)فيها.

و روى الصدوق عن سعيد بن جبير قال:قال يزيد بن قعنب:كنت جالسا مع العباس بن عبد المطلب و فريق من عبد العزى،بأزاء بيت اللّه الحرام إذ اقبلت فاطمة بنت اسد أم امير المؤمنين(عليه السلام)و كانت حاملة به لتسعة اشهر و قد اخذها الطلق فقالت:ربّ اني مؤمنة بك و بما جاء من عندك من رسل و كتب و اني مصدقة بكلام جديّ ابراهيم الخليل(عليه السلام)و انه بنى البيت العتيق،فبحق الذي بنى هذا البيت،و بحق المولود الذي في بطني لما يسّرت عليّ ولادتي،قال يزيد بن قعنب:فرأينا البيت و قد

ص: 56


1- الطلق بفتح الأول:وجع الولادة.

انفتح عن ظهره و دخلت فاطمة فيه و غابت عن ابصارنا و التزق (1)الحائط فرمنا ان ينفتح لناقفل الباب فلم ينفتح،فعلمنا ان ذلك أمر من أمر اللّه عز و جل.ثم خرجت بعد الرابع و بيدها امير المؤمنين(عليه السلام)،ثم قالت:اني فضّلت على من تقدمني من النساء لأن آسية بنت مزاحم عبدت اللّه عز و جل سرّا في موضع لا يحب ان يعبد اللّه فيه الا اضطرارا و ان مريم بنت عمران هزت النخلة اليابسة بيدها حتى أكلت منها رطبا جنيّا و اني دخلت بيت اللّه الحرام فأكلت من ثمار الجنة و أوراقها،فلما اردت ان اخرج هتف بي هاتف:يا فاطمة سميه عليا،فهو عليّ و اللّه العلي الاعلى،يقول اني شققت اسمه من اسمي و أدبته بأدبي و وقفته على غامض علمي و هو الذي يكسر الاصنام في بيتي و هو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي و يقدسني و يمجدني فطوبى لمن احبه و اطاعه و ويل لمن ابغضه و عصاه.

فاما فضائله:(عليه السلام):فهي كما قال ابن ابي الحديد قد بلغت من العظم و الجلال و الانتشار و الاشتهار،مبلغا يسمج (2)معه التعرض لذكرها،و التصدي لتفصيلها،فصارت كما قال ابو العيناء لعبيد اللّه بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل و المعتمد،و انني فيما اتعاطى من وصف فضلك كالمخبر عن ضوء النهار الباهر و القمر الزاهر الذي لا يخفى على الناظر، فايقنت اني حيث انتهى بي القول منسوب الى العجز،مقصر عن الغاية، فانتصرفت عن الثناء عليك الى الدعاء لك،و كانت الاخبار عنك الى علم الناس بك،و ما أقول في رجل اقر له اعداؤه و خصومه بالفضل،و لم يمكنهم جحد مناقبه و لا كتمان فضائله،فقد علمت انه استولى بنو امية على سلطان الإسلام في شرق الأرض و غربها،و اجتهدوا بكل حيلة في اطفاء نوره و التحريف عليه و وضع المعائب و المثالب له،و لعنوه على جميع المنابر، و توعدوا مادحيه بل حبسوهم و قتلوهم،و منعوا من رواية حديث يتضمن لهح.

ص: 57


1- اي التصق.
2- اي يقبح.

فضيلة،او يرفع له ذكرا حتى حظروا ان يسمى احد باسمه،فما زاده ذلك الا رفعة و سموا،و كان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه (1)،و كلما كتم تضوع نشره،و كالشمس لا تستر بالراح (2)،و كضوء النهار ان حجبت عنه عينا واحدة ادركته عيون كثيرة،و ما اقول في رجل تعزى (3)اليه كل فضيلة، و تنتهي اليه كل فرقة،و تتجاذبه كل طائفة،فهو رئيس الفضائل و ينبوعها، و ابو عذرها (4)و سابق مضمارها (5)،و مجلّي (6)حلبتها،كل من بزغ (7)فيها بعده،فمنه اخذ،و له اقتفى،و على مثاله احتذى (8)،الى آخر ما قال في ذلك.

و قال صاحب مدينة المعاجز (9):و اما ما جاء في فضل عليّ امير المؤمنين (عليه السلام)،فاحاديثه لا تحصى،و آثاره لا تستقصى،فمن طريق المخالفين ما ذكر صاحب ثاقب المناقب،عن محمد بن عمر الواقدي قال:

كان هارون الرشيد يقعد للعلماء في يوم عرّفه (10)،فقعد ذات يوم و حضره الشافعي و كان هاشميا يقعد الى جنبه و حضر محمد بن (11)الحسين و ابو يوسف (12)فقعدا بين يديه،و غص (13)المجلس بأهله،فيهم سبعون رجلا من اهل العلم،كل منهم يصلح ان يكون امام صقع (14)،من الاصقاع،ة.

ص: 58


1- اي رائحة الطيبة.
2- جمع راحة و هي باطن اليد.
3- اي انتسب.
4- اي اول من اقتضبها.
5- المضمار:غاية الفرس في السباق،او الفتحة الواسعة لسباق الخيل.
6- بالتشديد(كالمعلم)اي الفرس السابق.و الجلة هي الخيل تجمع للسباق.
7- اي طلع.
8- اي اقتدى.
9- هو المحدث البحراني صاحب تفسير البرهان.
10- اي سماه لهم.
11- هو محمد بن الحسن الشيباني راجع ترجمته من وفيات الاعيان.
12- يعقوب بن ابراهيم الكوفي تلميذ ابي حنيفة راجع ترجمة ص 180 ج 1 من الكنى و الالقاب.
13- اي امتلأ و ضاق.
14- الصقع:الناحية.

قال الواقدي:فدخلت في آخر الناس،فقال الرشيد لم تأخرت،فقلت:

ما كان لأضاعة حق،و لكني شغلت بشغل عاقني،قال:فقربني حتى اجلسني بين يديه،و قد خاض الناس في كل فن من العلم،فقال الرشيد للشافعي:يا ابن عمّي كم تروي في فضائل علي بن ابي طالب، فقال:اربعمئة حديث و اكثر فقال له:قل و لا تخف،قال:تبلغ خمسمئة و تزيد ثم قال لمحمد بن الحسن،كم تروي يا كوفي من فضائله،قال:

الف حديث او اكثر فاقبل على ابي يوسف،فقال:كم تروي انت يا كوفي من فضائله اخبرني و لا تخشى،قال:يا امير المؤمنين لو لا الخوف لكانت روايتنا في فضائله اكثر من ان تحصى،قال:مم تخاف؟قال:منك و من عمالك و اصحابك،قال:انت آمن،فتكلم و اخبرني كم فضيلة تروى فيه،قال:خمسة عشر الف خبر مسند و خمسة عشر الف حديث مرسل، قال الواقدي فاقبل عليّ،فقال:ما تعرف في ذلك؟فقلت مثل مقالة ابي يوسف.قال الرشيد:لكني اعرف له فضيلة رأيتها بعيني و سمعتها باذني، اجلّ من كل فضيلة تروونها انتم الى آخر ما ذكره من الفضيلة.

و روى الصدوق عن الطبري عن الحسن بن محمد عن الحسن بن يحيى الدهان قال:كنت ببغداد عند قاضي بغداد،و اسمه سماعة،اذ دخل عليه رجل من كبار اهل بغداد،فقال له:اصلح اللّه القاضي،اني حججت في السنين الماضية فمررت بالكوفة فدخلت في مرجعي الى مسجدها،فبينا انا واقف في المسجد اريد الصلاة اذا امامي امرأة اعرابية بدوية مرخية الذوائب،عليها شملة و هي تنادي و تقول:يا مشهورا في السماوات،يا مشهورا في الأرضين،يا مشهورا في الآخرة،يا مشهورا في الدنيا،جهدت الجبابرة و الملوك على اطفاء نورك،و اخماد ذكرك،فابى اللّه لذكرك الا علوا و لنورك الا ضياء و تماما و لو كره المشركون،قال فقلت:يا امة اللّه و من هذا الذي تصفينه بهذه الصفة قالت:ذاك امير المؤمنين،قال فقلت لها:اي امير المؤمنين هو،قالت عليّ بن أبي طالب الذي لا يجوز التوحيد الا به و بولايته.قال فالتفت اليها فلم أر أحدا.

ص: 59

و حكى عن الشافعي،انه قيل له ما تقول في عليّ(عليه السلام) قال:ما تقول في حقّ من أخفى اولياؤه فضائله خوفا،و أخفى اعداؤه فضائله حسدا،و شاع من بين ذين ما ملأ الخافقين.

و لقد اجاد مادح اهل البيت الشيخ الازري(قدس سره)في قوله:

لا فتى في الجود الاعلي *** ذاك شخص بمثله اللّه باها

لا ترم وصفه ففيه معان *** لم يصفها الا الذي سوّاها

ما حوى الخافقان انس و جنّ *** قصبات السبق الّتي قد حواها

انما المصطفى مدينة علم *** و هو الباب من اتاه أتاها

و هما مقلتا العوالم يسرا *** ها عليّ و احمد بمناها

هل أتى هل أتت بمدح سواه *** لا و مولى بذكره حلاها

فتأمل بعمّ (1)***تنبئك عنه نبأ كل فرقة أعياها

و بمعنى أحبّ (2)***خلقك فانظر تجد الشمس قد أزاحت دجاها

و تفكر بانت منّي (3)***تجدها حكمة تورث الرقود (4)انتباها

او ما كان بعد موسى اخوه *** خير اصحابه و اعظم جاها

ليس (5)***تخلو إلا النبوة منه و لهذا خير الورى استثناها

و هي في آية (6)***التباهل نفس المصطفى ليس غيره اياها

ثم سل انما وليكم اللّه *** ترى الاعتبار في معناها

آية خصّت الولاية للّه *** و للطهر حيدرا بعد طهخ.

ص: 60


1- اي بسورة عم و هي سورة النبأ.
2- اشارة الى حديث الطير المشوي حيث قال(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)اللهم ائتني باحب خلقك اليك يأكل معي.
3- اشارة الى حديث المنزلة حيث قال(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)انت مني بمنزلة هارون من موسى.
4- الرقود جمع راقد.
5- يعني انه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)استثنى من تنزيله في ذاك الحديث.النبوة و الاستثناء دليل تعميم المماثلة.
6- اية المباهلة هي قوله تعالى قل تعالوا ندع ابناءنا و ابناءكم الخ.

لك في مرتقى العلى و المعالي *** درجات لا يرتقى أدناها

يا اخا المصطفى لدي ذنوب *** هي عين القذى (1)و انت جلاها

كيف تخشى العصاة بلوى المعاصي *** و بك اللّه منقذ مبتلاها

و قال سبط بن الجوزي في التذكرة سمعت جدي ينشد في مجالس وعظه ببغداد(سنة 596 ه)بيتين ذكرهما في كتاب تبصرة المبتدي و هما:

اهوى عليا و إيماني محبته *** كم مشرك دمه من سيفه و كفا

ان كنت ويحك لم تسمع فضائله *** فاسمع مناقبه من هل أتى و كفى

(و قال غيره)

بآل محمد عرف الصّواب *** و في ابياتهم نزل الكتاب

و هم حجج الإله على البرايا *** بهم و بجدهم لا يستراب

و لا سيما ابو حسن عليّ *** له في الحرب مرتبة تهاب

طعام سيوفه مهج (2)***الاعادي و فيض دم الرقاب له شراب

و ضربته كبيعته بخمّ *** معاقدها من القوم الرّقاب

عليّ الدرّ و الذهب المصفّى *** و باقي الناس كلهم تراب

هو البّكاء في المحراب ليلا *** هو الضحاك اذا اشتد الضّراب

هو النبأ العظيم و فلك (3)***نوح و باب اللّه و انقطع الخطابح.

ص: 61


1- القذى ما سقط على العين.
2- جمع مهجة و هي الدم.
3- اشارة الى الحديث الوارد عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)حيث قال فيه مثل اهل بيتي كمثل سفينة نوح.

فصل في قتل أمير المؤمنين(عليه السلام)

قبض سلام اللّه عليه ليلة احدى و عشرين من شهر رمضان سنة اربعين،ضربه ابن ملجم الملعون بالسيف المسموم على رأسه في مسجد الكوفة،وقت التنوير (1)ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة مضين من الشهر فبقي يومين الى نحو الثلث الأول من الليل ثم قضى نحبه شهيدا و لقي ربه تعالى مظلوما و له يومئذ ثلاث و ستون سنة.

قال المسعودي في مروج الذهب في ذكر مقتله،و في سنة اربعين اجتمع بمكة جماعة من الخوارج،فتذاكروا الناس و ما هم فيه من الحرب و الفتنة، و تعاهد ثلاثة منهم على قتل عليّ(عليه السلام)و معاوية و عمرو بن العاص و تواعدوا و اتفقوا على ان لا ينكص (2)رجل منهم عن صاحبه الذي يتوجه اليه،حتى يقتله او يقتل دونه:و هم عبد الرحمان بن ملجم،(لعنه اللّه) و كان من تحبيب (3).و كان عدادهم في مراد فنسب اليهم،و حجاج بن عبد اللّه الصريمي و لقبه البرك،و زادويه مولى بني العنبر،فقال ابن ملجم:

أنا اقتل عليا و قال البرك:انا اقتل معاوية و قال زادويه انا أقتل عمرو بن العاص.و اتعّدوا ان يكون ذلك ليلة (4)تسع عشرة من شهر رمضان، و قيل:ليلة احدى و عشرين،فخرج عبد الرحمن بن ملجم المرادي الى عليّ (عليه السلام)فلما قدم الكوفة اتى قطام بنت عمه و كان عليّ(عليه السلام)قتل اباها و اخاها يوم النهروان و كانت أجمل أهل زمانها فخطبها،

ص: 62


1- وقت التنوير اي وقت صيرورة الليل منورا بالشفق.
2- اي يرجع.
3- قال الجوهري في الصحاح و تجوب قبيلة من حمير حلفاء المراد و منهم ابن ملجم قال الكميت الا ان خير الناس بعد ثلاثة قيتل التجوبي الذي جاء من مصر و تجيب بطن من كندة انتهى و لصاحب القاموس هنا كلام لا يهمنا ايراده(منه).
4- كان في النسخة سبع عشرة و الظاهر انه تصحيف تسع عشرة و(منه).

فقالت:لا اتزوج حتى تسمي (1)لي قال:لا تسأليني شيئا الا اعطيته، فقالت:ثلاثة آلاف،و عبدا وقينة و قتل عليّ(عليه السلام)،فقال:ما سألت هو لك مهر،الا قتل عليّ(عليه السلام)فلا اراك تدركينه، قالت:فالتمس غرته (2)فان اصبته شفيت نفسي و نفعك العيش معي،و ان هلكت فما عند اللّه خير لك من الدنيا،فقال:و اللّه ما جاء بي الى هذا المصر،و قد كنت هاربا منه الا ذلك،و قد اعطيتك ما سألت و خرج من عندها و هو يقول:

ثلاثة آلاف و عبد وقينة *** و قتل علي(ع)بالحسام المصمم

فلا مهر اغلى من علي و ان علا *** و لافتك الا دون فتك ابن ملجم

فلقيه رجل من اشجع،يقال له شبيب بن بجرة من الخوارج،فقال له:هل لك في شرف الدنيا و الآخرة،فقال:و ما ذاك قال:تساعدني على قتل علي قال:ثكلتك امك،لقد جئت شيئا إدّا (3)قد عرفت عناءه في الإسلام و سابقته مع النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فقال ابن ملجم:

ويحك اما تعلم انه قد حكّم الرجال في كتاب اللّه و قتل اخواننا المصلين فنقتله ببعض اخواننا،فأقبل معه حتى دخل على قطام و هي في المسجد الأعظم، و قد ضربت كلة بها،و هي معتكفة يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة مضت من شهر رمضان،فاعلمته ان مشاجع بن وردان بن علقمة قد انتدب لقتله معهما،فدعت لهما بحرير و عصبتهما و اخذوا أسيافهم و قعدوا مقابلين لباب السدة التي يخرج منها عليّ(عليه السلام)للمسجد،و كان عليّ يخرج كل غداة اول الأذان للصلاة و قد كان ابن ملجم مر بالاشعث (4)و هو فين.

ص: 63


1- تسمى لي.اي تجعل لي المهر المسمى.
2- الغرة:الغفلة.
3- الإد بالكسر:الامر الفظيع.الداهية.
4- و هو ابن قيس الكندي.راس منافقي اصحابه(عليه السلام).و كان من مرتدي زمن ابي بكر و هو في الواقع سبب التحكيم في الصفين.

المسجد فقال له:فضحك الصبح فسمعها حجر بن (1)عدي فقال:قتلته يا اعور قتلك اللّه،و خرج عليّ(عليه السلام)ينادي:ايها الناس الصلاة فشد عليه ابن ملجم و اصحابه،و هم يقولون:الحكم للّه لا لك،و ضربه ابن ملجم على رأسه بالسيف في قرنه،و اما شبيب فوقعت ضربته بعضادة (2)الباب و اما ابن وردان فهرب،و قال عليّ(عليه السلام)لا يفوتنكم الرجل و شد الناس على ابن ملجم يرمونه بالحصباء و يتناولونه و يصيحون،فضرب ساقه رجل من همدان برجله،و ضرب المغيرة بن نوفل الحرث بن عبد المطلب وجهه فصرعه،و اقبل به الى الحسن(عليه السلام)و دخل شبيب بين الناس فنجا بنفسه،و هرب،حتى أتى رحله،فدخل عليه عبد اللّه بن بحرة،و هو احد بني ابيه فرآه ينزع الحرير عن صدره،فسأله عن ذلك فخبّره خبره، فانصرف عبد اللّه الى رحله و اقبل اليه بسيفه فضربه حتى قتله.

و قيل:ان عليّا(عليه السلام)لم ينم تلك الليلة،و انه لم يزل يمشي بين الباب و الحجرة،و هو يقول:و اللّه ما كذبت و لا كذّبت و انها الليلة التي وعدت،فلما صرخ بط(كان للصبيان)صاح بهن بعض من في الدار فقال عليّ(عليه السلام):ويحك دعهن فانهن نوائح.

و قال المسعودي:أنه(عليه السلام)قد خرج الى المسجد و قد عسر عليه،فتح باب داره،و كان من جذوع النخل فاقتلغه،و جعله ناحية، و انحل ازاره فشده و جعل ينشد:

أشدد حيازيمك (3)***للموت فان الموت لاقيكا

و لا تجزع من الموت اذا حل بواديكا (4)***ك.

ص: 64


1- هو من خيار اصحابه.
2- اي خشبة من جانبه.
3- الحيزوم وسط الصدر.وشد الحيازيم كناية عن الصبر.
4- اي بساحتك.

و روى الشيخ المفيد انه لما دخل شهر رمضان كان امير المؤمنين(عليه السلام)يتعشى ليلة عند الحسن،و ليلة عند الحسين،(عليهما السّلام)، و ليلة عند عبد اللّه بن العباس،و كان لا يزيد على ثلاث لقم فقيل له ليلة من تلك الليالي في ذلك،فقال:يأتيني امر اللّه و انا خميص (1)انما هي ليلة او ليلتان فاصيب اخر الليل.

و روي عن ام موسى خادمة عليّ(عليه السلام)و هي حاضنة (2)فاطمة ابنته،قالت:سمعت عليّا(عليه السلام)يقول لابنته ام كلثوم:يا بنية اني أراني قلّ ما أصحبكم،قالت:و كيف ذلك يا أبتاه،قال:إني رأيت رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)في منامي،و هو يمسح الغبار عن وجهي،و يقول:يا عليّ لا عليك قضيت ما عليك.قال (3):فما مكثنا الا ثلاثا حتى ضرب تلك الضربة،فصاحت ام كلثوم:فقال:يا بنية لا تفعلي فانّي أرى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)يشير الي بكفه و يقول:يا عليّ هلم الينا فان ما عندنا هو خير لك.

و روى صاحب قرب الاسناد عن جعفر بن محمد عن ابيه(عليهم السلام)ان علي بن ابي طالب(عليه السلام)خرج يوقظ الناس لصلاة الصبح فضربه عبد الرحمن بن ملجم(لعنه اللّه)بالسيف على ام رأسه، فوقع على ركبتيه و اخذه فالتزمه،حتى أخذه الناس،و حمل عليّ حتى افاق ثم قال للحسن و الحسين(عليهما السّلام):احبسوا هذا الاسير و اطعموه و اسقوه و أحسنوا آثاره،فان عشت فانا اولى بما صنع بي،ان شئت استقدت (4)و ان شئت عفوت،و ان شئت صالحت،و ان مت فذلك اليكم،فان بدا لكم ان تقتلوه فلا تمثلوا به (5).ل.

ص: 65


1- خميص البطن.اي خاليه.
2- اي مربيتها.
3- و الظاهر(قالت)بدل(قال).
4- اي اخذت منه القود.
5- و المثلة ان يقطع بعض اعضاء الرجل.

و روى ابن شاذان عن الاصبغ قال:لما ضرب امير المؤمنين(عليه السلام)الضربة التي كانت وفاته فيها،اجتمع اليه الناس بباب القصر و كان يراد قتل ابن ملجم،لعنه اللّه،فخرج الحسن(عليه السلام)فقال:

معاشر الناس ان ابي اوصاني ان اترك امره الى وفاته،فان كان له الوفاة، و إلاّ نظر هو في حقه فانصرفوا يرحمكم اللّه،قال:فانصرف الناس و لم أنصرف،فخرج ثانية و قال لي:يا اصبغ اما سمعت قولي عن قول امير المؤمنين(عليه السلام)،قلت:بلى و لكني رأيت حاله فاحببت ان انظر اليه،فاسمع منه حديثا،فاستأذن لي رحمك اللّه،فدخل و لم يلبث ان خرج،فقال لي:ادخل فدخلت فاذا امير المؤمنين(عليه السلام)معصب بعصابة،و قد علت (1)صفرة وجهه على تلك العصابة،و اذا هو يرفع فخذا و يضع اخرى،من شدة الضربة و كثرة السم،فقال لي:يا اصبغ اما سمعت قول الحسن عن قولي قلت:يا امير المؤمنين و لكني رأيتك في حالة فاحببت النظر اليك،و ان أسمع منك حديثا،فقال لي:اقعد فما أراك تسمع مني حديثا بعد يومك هذا،اعلم يا اصبغ اني أتيت رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)عائدا كما جئت الساعة،فقال:يا ابا الحسن اخرج فناد في الناس الصلاة جامعة و اصعد المنبر و قم دون مقامي بمرقاة و قل للناس ألا من عق (2)والديه،فلعنة اللّه عليه،ألا من ابق من مواليه،فلعنة اللّه عليه ألا من ظلم اجيرا اجرته،فلعنة اللّه عليه،يا اصبغ،ففعلت ما أمرني به حبيبي رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،فقام من اقصى المسجد رجل فقال:يا ابا الحسن تكلمت بثلاث كلمات و أوجزتهن فاشرحهن لنا فلم ارد جوابا حتى أتيت رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فقلت:ما كان من الرجل،قال الاصبغ:ثم اخذ بيدي و قال ابسط يدك فبسطئت يدي،فتناول اصبعا من اصابع يدي و قال:يا اصبغ كذا تناول رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)اصبعا من اصابع يدي،كما تناولت اصبعا منا.

ص: 66


1- اي غلبت.
2- اي عصاهما و ترك الشفقة عليهما و الاحسان اليهما و استخف بهما.

اصابع يدك،ثم قال:مه يا ابا الحسن الا و أني و انت أبوا هذه الأمة،فمن عقنا فلعنة اللّه عليه،ألا و إني و انت موليا هذه الأمة فعلى من أبق عنا لعنة اللّه،ألا و إني و أنت أجيرا هذه الأمة،فمن ظلمنا اجرتنا فلعنة اللّه عليه، ثم قال:آمين فقلت:آمين.

قال الاصبغ:ثم اغمي عليه ثم افاق فقال لي:اقاعد انت يا اصبغ قلت:نعم يا مولاي قال:ازيدك حديثا اخر،قلت:نعم زادك اللّه من مزيدات الخير،قال:يا اصبغ لقيني رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم) في بعض طرقات المدينة و أنا مغموم قد تبين الغم في وجهي،فقال لي:يا ابا الحسن أراك مغموما ألا احدثك بحديث لا تغتم بعده ابدا:قلت:نعم، قال:اذا كان يوم القيامة نصب اللّه منبرا يعلو منابر النبيين و الشهداء ثم يأمرني اللّه،اصعد فوقه،ثم يأمرك اللّه ان تصعد دوني بمرقاة،ثم يأمر اللّه ملكين فيجلسان دونك،بمرقاة،فاذا استقللنا على المنبر،لا يبقى احد من الاولين و الآخرين الا حضر فينادي الملك الذي دونك بمرقاة،معاشر الناس،ألا من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فانا اعرفه بنفسي:انا رضوان خازن الجنان الا ان اللّه بمنه و كرمه و فضله و جلاله،أمرني ان ادفع مفاتيح الجنة الى محمد(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،و ان محمدا(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)أمرني ان ادفعها الى علي بن ابي طالب(عليه السلام)، فاشهدوا لي عليه،ثم يقوم ذلك الذي تحت ذلك الملك بمرقاة مناديا، يسمع اهل الموقف:معاشر الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فانا اعرفه بنفسي:انا مالك خازن النيران الا ان اللّه بمنه و فضله و كرمه و جلاله،قد أمرني ان ادفع مفاتيح النار الى محمد(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)و ان محمدا(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)قد أمرني ان ادفعها الى علي بن أبي طالب(عليه السلام)فاشهدوا لي عليه،فاخذ مفاتيح الجنان و النيران ثم قال:يا عليّ فتأخذ بحجزتي (1)و اهل بيتك يأخذون بحجزتكل.

ص: 67


1- الحجزة:معقد الازار موضع التكة من السراويل.

و شيعتك يأخذون بحجزة اهل بيتك،قال(عليه السلام):فصفقت بكلتا يدي و الى الجنة يا رسول اللّه،قال:اي و ربّ الكعبة قال الاصبغ:فلم اسمع من مولاي غير هذين الحديثين ثم توفي صلوات اللّه عليه.

قال ابو الفرج ثم جمع له اطباء الكوفة فلم يكن منهم اعلم بجرحه من اثير بن عمرو بن هاني السلولي،و كان متطببا (1)صاحب الكرسي،يعالج الجراحات و كان من الاربعين غلاما الذين كان ابن الوليد اصابهم في عين التمر (2)فسباهم،فلما نظر اثير الى جرح امير المؤمنين(عليه السلام)،دعا برئة شاة حارة،فاستخرج منها عرقا ثم نفخه،ثم استخرجه و اذا عليه بياض الدماغ،فقال:يا امير المؤمنين اعهد عهدك فان عدو اللّه قد وصلت ضربته الى أم رأسك.

روى الشيخ يوسف بن حاتم الشامي في الدر النظيم عن الأصبغ بن نباته قال:دعا أمير المؤمنين الحسن و الحسين(عليهم السّلام)لمّا ضربه ابن ملجم(لعنة اللّه)فقال:اني مقبوض في ليلتي هذه و لا حق برسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،فاسمعا قولي،و عياه (3):أنت يا حسن وصيّي و القائم بالامر بعدي،و انت يا حسين شريكه في الوصية،فانصت (4)ما نطق و كن لامره تابعا،ما بقي،فاذا خرج من الدنيا فأنت الناطق بعده و القائم بالامر،و عليكما بتقوى اللّه الذي لا ينجو الا من اطاعه،و لا يهلك الا من عصاه،و اعتصما بحبله،و هو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه،و لا من خلفه،تنزيل من حكيم حميد،ثم قال للحسن (عليه السلام):انك ولي الأمر بعدي،فان عفوت عن قاتلي فذاك،و ان قتلت فضربة مكان ضربة،و اياك و المثلة،فان رسول اللّه(صلّى اللّه عليهع.

ص: 68


1- صيغة التفعل هنا للمبالغة.
2- عين التمر:بلدة في طرف البادية في غربي الفرات(منه).
3- من الوعي و هو الحفظ.
4- الانصات هو السكوت للاستماع.

و آله وسلم)نهى عنها و لو بكلب عقور،و اعلم ان الحسين وليّ الدم معك، يجري فيه مجراك و قد جعل اللّه تبارك و تعالى له على قاتلي سلطانا كما جعل لك و ان ابن ملجم ضربني ضربة فلم تعمل فثناها فعملت،فان عملت فيه ضربتك فذاك،و ان لم تعمل فمر اخاك الحسين،و ليضربه اخرى بحق ولايته،فانها ستعمل فيه فان الإمامة له،بعدك و جارية في ولده الى يوم القيامة،و اياك ان تقتل بي غير قاتلي،فان اللّه عز و جل،يقول:و لا تزر وازرة وزر اخرى(الوصية).

روى الشيخ المفيد و غيره عن مولى لعلي بن أبي طالب(عليه السلام) قال لما حضرت امير المؤمنين(عليه السلام)الوفاة قال للحسن و الحسين (عليهما السّلام):اذا أنا مت فاجملاني على سريري ثم اخرجاني،ثم احملا مؤخر السرير فانكما تكفيان مقدمه ثم ائتيا بي الغريّ (1)فانكما ستريان صخرة بيضاء تلمع نورا فاحتفرا فيها فانكما تجدان فيها ساجة،فادفناني فيها،قال فلما مات(صلوات اللّه عليه)اخرجناه و جعلنا نحمل مؤخر السرير و نكفى مقدمه و جعلنا نسمع دويا (2)و حفيفا حتى اتينا الغريين فاذا صخرة بيضاء تلمع نورها فاحتفرنا فاذا ساجة مكتوب عليها هذه مما ادخرها نوح لعلي بن ابي طالب(عليه السلام)فدفناه فيه و انصرفنا،و نحن مسرورون باكرام اللّه تعالى لأمير المؤمنين(عليه السلام)،فلحقنا قوم من الشيعة لم يشهدوا الصلاة عليه،فاخبرناهم بما جرى و باكرام اللّه لامير المؤمنين(عليه السلام)،فقالوا نحب ان نعاين من امره ما عاينتم فقلنا لهم ان الموضع قد عفى أثره بوصية منه(عليه السلام)،فمضوا و عادوا الينا فقالوا انهم احتفروا فلم يجدوا شيئا.ل.

ص: 69


1- هو ارض النجف.
2- الدويّ هو صدى الأصوات كدويّ النحل.

و روي عن جابر بن (1)يزيد،قال:سألت ابا جعفر محمد بن عليّ الباقر (عليه السلام)اين دفن امير المؤمنين(عليه السلام)،قال:دفن بناحية الغريين و دفن قبل طلوع الفجر،و دخل قبره الحسن و الحسين و محمد بنو عليّ (عليهم السّلام)و عبد اللّه بن (2)جعفر،(رضي اللّه عنها).

قال الشيخ المفيد فلم يزل قبره(عليه السلام)مخفيا حتى دل عليه الصادق جعفر بن محمد(عليهما السّلام)،في الدولة العباسية،و زاره عند وروده إلى أبي جعفر،و هو بالحيرة،فعرفته الشيعة و استأنفوا اذ ذاك زيارته،عليه و على ذريته الطاهرين السلام و كانت سنه يوم وفاته ثلاثا و ستين سنة.

قال محمد بن بطوطة،في رحلته التي سماها تحفة النظار في غرائب الامصار،و قد فرغ منها سنة 756 ه ستة و خمسين و سبعمائة في ذكر وروده من مكة الى مشهد مولانا عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).

ذكر الروضة و القبور التي بها،و يدخل من باب الحضرة الى مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة و الصوفية (3)من الشيعة و لكل وارد ضيافة ثلاثة ايام من الخبز و اللحم و التمر،مرتين في اليوم،و من تلك المدرسة يدخل الى باب القبة،و على بابها الحجاب و النقباء و الطواشية (4)،فعندما يصل الزائر يقوم اليه احدهم او جميعهم،و ذلك على قدر الزائر فيقفون معه على العتبة، و يستأذنون له،و يقولون عن امركم يا امير المؤمنين،هذا العبد الضعيف يستأذن على دخوله للروضة العلية،فان أذنتم له،و الا رجع،و ان لم يكن اهلا لذلك،فانتم اهل المكارم و الستر ثم يأمرونه بتقبيل العتبة،و هي من الفضة،و كذلك العضاد تان،ثم يدخل القبة و هي مفروشة بانواع البسطص.

ص: 70


1- الظاهر انه الجعفي و هو من خواص اصحاب الصادق(عليه السلام)و قد سمع منه احاديث و له كرامات.راجع ترجمته في الرجال الكبير و غيره.
2- هو زوج زينب(سلام اللّه عليها).و هو من الأجواد.و له حكايات في السخاء.
3- اي العرفاء و الزهاد و النساك(منه).
4- جمع طاش و هو ذو منصب خاص.

من الحرير و سواه و بها قناديل الذهب و الفضة منها الكبيرة و الصغيرة و في وسط القبة مسطبة (1)مربعة مكسوة بالخشب عليها صفائح الذهب المنقوشة المحكمة العمل مسمرة بمسامير (2)الفضة،قد غلبت على الخشب بحيث لا يظهر منه شيء و ارتفاعها دون القامة،و فوقها ثلاثة من القبور،يزعمون ان احدها قبر آدم(عليه الصلاة و السلام)و الثاني قبر نوح(عليه الصلاة و السلام) و الثالث قبر علي(رضي اللّه عنه)و بين القبور طسوت (3)ذهب و فضة،فيها ماء الورد و المسك،و انواع الطيب،يغمس الزائر يده في ذلك،و يدهن به وجهه تبركا،و للقبة باب اخر،عتبته ايضا من الفضة و عليه ستور من الحرير الملون،يفضي الى مسجد مفروش بالبسط الحسان،مستورة حيطانه و سقفه بستور الحرير،و له اربعة ابواب،عتبتها فضة و عليها ستور الحرير،و أهل هذه المدينة كلهم رافضية،و هذه الروضة ظهرت لها كرامات ثبت بها عندهم،ان بها قبر علي(رضي اللّه عنه)،فمنها:ان في ليلة السابع و العشرين من رجب و يسمى عندهم ليلة المحيا يؤتى الى تلك الروضة بكل مقعد (4)من العراقين و خراسان و بلاد فارس و الروم،فيجتمع منهم الثلاثون و الاربعون و نحو ذلك فاذا كان بعد العشاء الآخرة جعلوا عند الضريح المقدس،و الناس ينتظرون قيامهم،و هم ما بين مصلّ و ذاكر و تال و مشاهد للروضة،فاذا مضى من الليل نصفه،او ثلثاه او نحو ذلك،قام الجميع اصحاء من غير سوء،و هم يقولون لا اله الا اللّه محمد رسول اللّه عليّ وليّ اللّه،و هذا أمر مستفيض عندهم سمعته من الثقات،و لم أحضر تلك الليلة،لكني رأيت بمدرسة الضياف ثلاثة من الرجال احدهم من ارض الروم،و الثاني من اصبهان،و الثالث من خراسان،و هم مقعدون فاستخبرتهم على شأنهم،فاخبروني انهم لم يدركوا ليلة المحيا،و انهم ينتظرونه.

ص: 71


1- بفتح الميم و كسرها:مكان ممهد مرتفع قليلا يقعد عليه.
2- جمع مسمار و هو الوتد من الحديد.
3- جمع طست و هو معرب طشت.
4- من لا يستطيع المشي على قدميه.

أوانها من عام آخر و هذه الليلة،يجتمع لها الناس من البلاد و يقيمون سوقا عظيمة،مدة عشرة ايام.الخ.

و قال ايضا و رأيت بغربي جبانة الكوفة موضعا مسودا،شديد السّواد، في بسيط ابيض،فاخبرت انه قبر الشقي،ابن ملجم،و ان أهل الكوفة، يأتون كل سنة بالحطب الكثير،فيوقدون النار على موضع قبره سبعة ايام، و على قرب منه قبة،اخبرت انها على قبر المختار بن ابي عبيد(انتهت الحاجة من كلامه).

و الاحاديث في فضل زيارة امير المؤمنين(عليه السلام)،اكثر من أن تذكر.

روي عن ابن مارد انه قال لأبي عبد اللّه(عليه السلام):ما لمن زار جدك امير المؤمنين(عليه السلام)،فقال يا ابن مارد،من زار جدي عارفا بحقه كتب اللّه له بكل خطوة حجة مقبولة،و عمرة مبرورة،و اللّه يا ابن مارد ما يطعم اللّه النار قدما اغبرت (1)في زيارة امير المؤمنين(عليه السلام)ماشيا او راكبا،يا ابن مارد اكتب هذا الحديث بماء الذهب.ر.

ص: 72


1- صارت مغيرة اي ذات غبار.

النور الرابع : امام حسن مجتبی علیه السلام

اشارة

الإمام الثاني السيد الزكي ابو محمد الحسن بن علي بن ابي طالب سيد شباب اهل الجنة(عليه السلام)

ولد(عليه السلام)بالمدينة يوم الثلاثاء منتصف شهر رمضان سنة اثنتين او ثلاث من الهجرة.

روى الشيخ الصدوق باسناده عن الرضا عن آبائه عن علي بن الحسين (عليهم السّلام)،عن اسماء بنت عميس،قالت:قبلت (1)جدتك فاطمة (عليها السلام)الحسن و الحسين(عليهما السّلام)فلما ولد الحسن جاء النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فقال:يا اسماء هاتي ابني فدفعته اليه في خرقة صفراء فرمى بها النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و قال:يا اسماء الم اعهد اليكم ان لا تلفوا المولود في خرقة صفراء،فلففته في خرقة بيضاء فدفعته إليه فأذّن في اذنه اليمنى،و اقام في اليسرى،ثم قال لعليّ:بأي شيء سميت ابني قال:ما كنت اسبقك باسمه يا رسول اللّه،قد كنت احب ان اسميه حربا،فقال النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم):و لا اسبق انا باسمه ربي ثم هبط جبرائيل فقال:يا محمد العلي الأعلى يقرئك السلام و يقول:علي منك بمنزلة هارون من موسى،و لا نبي بعدك،سم ابنك هذا باسم ابن هارون.قال النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و ما اسم ابن هارون قال شبر،قال النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم):لساني عربي قال جبرائيل سمه الحسن،فسماه الحسن(عليه السلام)،فلما كان يوم سابعه عق النبي

ص: 73


1- أي كنت القابلة عند ولاتها.

(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)عنه بكبشين املحين (1)و اعطى القابلة فخذا و دينارا فحلق رأسه و تصدق بوزن الشعر ورقا (2)و طلى راسه بالخلوق (3)ثم قال:يا اسماء الدم فعل الجاهلية.الخ.

و روى ايضا عن جابر،قال:لما حملت فاطمة(عليها السلام) بالحسن(عليه السلام)فولدت و قد كان النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم) أمرهم ان يلفوه في خرقة بيضاء فلفوه في صفراء و قالت فاطمة:يا عليّ سمّه،فقال:ما كنت لا سبق باسمه رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم) فأخذه و قبله و أدخل لسانه في فيه فجعل الحسن(عليه السلام)يمصه،ثم قال لهم رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،الم اتقدم اليكم ان لا تلفوّه في خرقة صفراء فدعا بخرقة بيضاء فلفه فيها فرمى بالصفراء،و اذّن في اذنه اليمنى و اقام في اليسرى،ثم قال لعليّ(عليه السلام):ما سميته، قال:ما كنت لا سبقك باسمه،قال:فأوحى اللّه عز ذكره الى جبرائيل، انه قد ولد لمحمد(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)ابن،فاهبط اليه فأقرئه السلام و هنئه مني و منك،و قل له:ان عليا منك بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم ابن هارون قال:ما كان اسمه قال شبر،قال:لساني عربي قال:سمه الحسن فسمّاه الحسن،فلما ولد الحسين(عليه السلام) جاء اليهم النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)ففعل به كما فعل بالحسن، و هبط جبرائيل على النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فقال:ان اللّه عز و جل يقرئك السلام و يقول لك:ان عليا منك بمنزلة هارون من موسى، فسمه باسم ابن هارون،قال:و ما كان اسمه،شبير،قال:لساني عربي،قال فسمه الحسين،فسماه الحسين.

و في كشف الغمة،و روي مرفوعا الى علي(عليه السلام)،قال:لما حضرت ولادة فاطمة(عليها السلام)،قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آلهه.

ص: 74


1- الاملح هو ما خالط شعره الأسود شعر أبيض.
2- اي فضة مسكوكة.
3- طيب مركب متخذ من الزعفران،و غيره.

و سلم)لاسماء بنت عميس و ام سلمة احضراها،فاذا وقع ولدها و استهل، فأذنا في اذنه اليمنى،و أقيما في اذنه اليسرى،فانه لا،يفعل ذلك بمثله الا عصم من الشيطان،و لا تحدثا شيئا حتى آتيكما،فلما ولدت فعلتا ذلك فاتاه النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فسرّه و لبّاه بريقه،و قال اللهم اني اعيذه بك و ولده من الشيطان الرجيم.

فصل في مناقب الإمام الحسن(عليه السلام)

كان الحسن بن علي بن ابي طالب(عليه السلام)،أعبد الناس في زمانه و ازهدهم و افضلهم،و كان اذا حج،حج ماشيا و ربما مشى حافيا، و كان اذا ذكر الموت بكى،و اذا ذكر القبر بكى،و اذا ذكر البعث و النشّور بكى،و اذا ذكر الممر على الصراط بكى،و اذا ذكر العرض على اللّه تعالى ذكره شهق شهقة يغشى عليه منها،و كان اذا قام في صلاة ترتعد فرائصه (1)بين يدي ربه عز و جل،و كان اذا ذكر الجنة و النار اضطرب اضطراب السليم و سأل اللّه الجنة،و تعوذ باللّه من النار،و كان لا يقرأ من كتاب اللّه عز و جل:يا ايها الذين آمنوا الا قال لبيك اللهم لبيك،و لم ير في شيء من احواله الا ذاكرا للّه سبحانه.و كان اصدق الناس لهجة،و كان اذا توضّأ ارتعدت مفاصله و اصفر لونه،فقيل له في ذلك،فقال:حقّ على كل من وقف بين يدي رب العرش ان يصفر لونه و ترتعد مفاصله.و كان اذا بلغ باب المسجد رفع رأسه،و يقول:الهي ضيفك ببابك،يا محسن قد اتاك المسيء فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك،يا كريم.و كان اذا فرغ من الفجر لم يتكلم،حتى تطلع الشمس.و لقد حج خمسا و عشرين حجة ماشيا و ان النجائب لتقاد معه،و قاسم اللّه تعالى ماله مرتين،و روي ثلاث مرات،حتى انه كان يعطي من ماله نعلا و يمسك خفا.

ص: 75


1- جمع الفريصة و هي اللحمة بين الجنب و الكتف ترعد عند الفزع.

و روي انه(عليه السلام)كان يحضر مجلس رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و هو ابن سبع سنين،فيسمع الوحي فيحفظه،فيأتي امه فيلقي اليها ما حفظه،كلما دخل عليّ(عليه السلام)وجد عندها علما بالتنزيل،فسألها عن ذلك فقالت:من ولدك الحسن(عليه السلام)فتخفى يوما في الدار و قد دخل الحسن و قد سمع الوحي فأراد أن يلقيه اليها، فارتج (1)فعجبت امّه من ذلك فقال:لا تعجبي يا امّاه،فان كبيرا يسمعني،و استماعه قد أوقفني،فخرج عليّ(عليه السلام)فقبّله،و في رواية،يا اماه قلّ بياني و كلّ لساني،لعل سيدا يرعاني (2).

و عن انس بن مالك قال لم يكن احد اشبه برسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)من الحسن بن علي(عليه السلام).

و عنه قال:حيّت (3)جارية للحسن بن علي(عليه السلام)بطاقة (4)ريحان فقال لها:انت حرة لوجه اللّه،فقلت له في ذلك،فقال:ادبنا اللّه تعالى،فاذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردّوها،و كان احسن منها اعتاقها.

و روي انه لم يسمع قط منه(عليه السلام)كلمة فيها مكروه،الامرة واحدة،فانه كان بينه و بين عمرو بن عثمان خصومة في ارض،فقال له الحسن(عليه السلام):ليس لعمرو عندنا الا ما يرغم انفه.

و من حلمه ما روى المبرد (5)و غيره أن شاميا رآه راكبا فجعل يلعنه، و الحسن(عليه السلام)لا يرد،فلما فرغ اقبل الحسن(عليه السلام)د.

ص: 76


1- اي فاضطرب.
2- اي يراقبني.
3- من التحية.
4- يعني باقة من زهر الريحان.
5- هو ابو العباس محمد بن يزيد البصري من كبار النحويين و اللغويين.و كان امامي المذهب. مقبول القول عند الفريقين و له الكامل و المقتضب و معاني القرآن توفي سنة 285 ببغداد.

فسلم عليه و ضحك،فقال:أيها الشيخ اظنك غريبا،و لعلك شبهت،فلو اشبعتنا اعتبناك (1)،و لو سألتنا اعطيناك،و لو استرشدتنا أرشدناك،و لو استحملتنا أحملناك،و ان كنت جائعا أشبعناك،و ان كنت عريانا كسوناك، و إن كنت محتاجا أغنيناك،و ان كنت طريدا أويناك،و ان كان لك حاجة فضيناها لك،فلو حركت رحلك الينا و كنت ضيفنا الى وقت ارتحالك،كان أعود عليك،لأن لنا موضعا رحبا و جاها عريضا و مالا كثيرا،فلما سمع الرجل كلامه بكى،ثم قال:أشهد أنك خليفة اللّه في أرضه اللّه اعلم حيث يجعل رسالته،و كنت انت و ابوك ابغض خلق اللّه الي،و حول رحله اليه و كان ضيفه الى ان ارتحل و صار معتقدا لمحبتهم.

و روي انه لّما مات الحسن(عليه السلام)اخرجوا جنازته فحمل مروان بن الحكم سريره،فقال له الحسين(عليه السلام):تحمل اليوم جنازته و كنت بالامس تجرعه الغيظ،قال مروان:نعم كنت افعل ذلك، بمن يوازن حلمه الجبال.

فصل في وفاة الإمام الحسن(عليه السلام)

توفي الحسن بن علي(عليه السلام)بالسّم،يوم الخميس السابع من صفر سنة تسع و اربعين،و كان ابن سبع و اربعين،و قيل في الثامن و العشرين منه،و قيل في آخر صفر،و دفن بالبقيع من المدينة.

الكليني،عن ابي بكر الخضرمي،قال:ان جعدة بنت الاشعث بن قيس الكندي سمّت الحسن بن عليّ(عليه السلام)و سمّت مولاة له،فأما

ص: 77


1- اي ازلنا عنك العتبة(اي الشدائد).

مولاته فقاءت السم،و اما الحسن فاستمسك في بطنه ثم انتفط (1)به، فمات.

قلت:جعدة بنت الأشعث بن قيس،كانت ابنة ام فروة،اخت ابي بكر بن ابي قحافة.

روي ان معاوية بذل لها عشرة آلاف دينار،و اقطاع عشرة ضياع من سقي سوراء (2)و سواد الكوفة على ان تسم الحسن(عليه السلام).

و قال الشيخ المفيد ضمن معاوية ان يزوجها بابنه يزيد،و أرسل اليها معاوية الف درهم،فسقته جعدة السم،فبقي اربعين يوما مريضا،و مضى لسبيله في صفر.

و ذكر ابو الفرج في مقاتل الطالبيين ان الحسن بن عليّ(عليه السلام) بعد صلحه لمعاوية انصرف الى المدينة،فأقام بها و أراد معاوية البيعة لابنه يزيد،فلم يكن شيء اثقل عليه من امر الحسن بن علي(عليه السلام)، و سعد بن (3)وقاص،فدس اليهما سما فماتا منه.

الاحتجاج،عن الاعمش،عن سالم بن ابي الجعد،قال:حدثني رجل منا قال:اتيت الحسن بن علي(عليه السلام)،فقلت:يا ابن رسول اللّه اذللت رقابنا و جعلتنا معشر الشيعة عبيدا،ما بقي معك رجل،قال:

و مم ذاك قال:قلت:بتسليمك الامر لهذا الطاغية (4)قال:و اللّه ما سلّمت الأمر اليه الا أني لم اجد انصارا،و لو وجدت انصارا لقاتلته ليلي و نهاري حتىة.

ص: 78


1- نفط القدر(بالكسر)اي غلت:نفط يده:قرحت او تجمع فيها بين الجلد و اللحم.
2- سوراء:بالمد و الضم:موضع.قيل في جنب بغداد و يروى بالقصر(مراصد الاطلاع).
3- من اصحاب رسول اللّه.و كان من العشرة المبشرة بالجنة بزعمهم و كان فاتح فارس على عهد عمر.و الرجل و ان لم يبايع عليا الا انه لم يسبه و قد دعاه اليه معاوية مرارا.فخالفه و اعلن بفضائل امير المؤمنين(عليه السلام).
4- يعني به معاوية.

يحكم اللّه بيني و بينه.و لكني عرفت اهل الكوفة و بلوتهم (1)،و لا يصلح لي منهم ما كان فاسدا،انهم لا وفاء لهم،و لا ذمة (2)في قول و لا فعل،إنهم لمختلفون،و يقولون لنا:ان قلوبهم معنا و ان سيوفهم لمشهورة (3)علينا، قال:و هو يكلمني:اذ تنخع الدم فدعا بطست،فحمل من بين يديه ملآن مما خرج من جوفه من الدم،فقلت له:ما هذا يا ابن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)اني لأراك وجعا قال أجل،دسّ إليّ هذا الطاغية من سقاني سمّا،فقد وقع على كبدي فهو يخرج قطعا كما ترى،قلت له:افلا تتداوى قال:قد سقاني مرتين و هذه الثالثة لا اجد لها دواء.

و روى الثقة الجليل عليّ بن محمد الخزاز القمي بسنده عن جنادة بن أبي اميّة،قال:دخلت على الحسن بن عليّ بن ابي طالب(عليه السلام)في مرضه الذي توفّي فيه،و بين يديه طست يقذف عليه الدم،و يخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي اسقاه معاوية،فقلت:يا مولاي ما لك لا تعالج نفسك فقال:يا عبد اللّه بماذا اعالج الموت،قلت:انا للّه و انا اليه راجعون.ثم التفت اليّ فقال:و اللّه لقد عهد الينا رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)ان هذا الامر يملكه اثنا عشر اماما من ولد عليّ و فاطمة،ما منا الا مسموم او مقتول.ثم رفعت الطست و بكى قال،فقلت له:عظني يا ابن رسول اللّه قال:نعم استعد لسفرك و حصّل زادك قبل حلول اجلك، و اعلم انك تطلب الدنيا و الموت يطلبك،و لا تحمل هم يومك الذي لم يأت على يومك الذي انت فيه،و ساق الكلام في ذكر موعظته(عليه السلام)الى أن قال:ثم انقطع نفسه و اصفر لونه حتى خشيت عليه و دخل الحسين(عليه السلام)،و الاسود بن ابي الاسود،فانكب (4)،عليه حتى قبّل رأسه و عينيه،ثم قعد عنده فتسارا جميعا،فقال ابو الأسود:إنا للّه ان الحسن قد نعيت اليه نفسه،و قد أوصى الى الحسين(عليه السلام)،و توفّي يومه.

ص: 79


1- اي امتحنتهم.
2- اي الامان و العهد.
3- شهر سيفه.اي اخرجه من الغمد.
4- اي لزمه.

الخميس في اخر صفر سنة خمسين من الهجرة و له سبعة و اربعون سنة و دفن بالبقيع انتهى.

قلت:و مما اوصى(عليه السلام)الى اخيه الحسين(عليه السلام)ان قال:اذا انا متّ فهيئني ثم وجهني الى قبر جدّي رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)لأجدّد به عهدا،ثم ردني الى قبر جدتي فاطمة (1)فادفني هناك، و ستعلم يا ابن امي ان القوم يظنون انكم تريدون دفني عند رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فيجلبون (2)في ذلك و يمنعونك منه،و باللّه اقسم عليك ان تهرق في امري محجمة (3)دم،ثم وصى اليه باهله و ولده،و تركاته،و ما كان وصى اليه امير المؤمنين(عليه السلام)،حين استخلفه،فلما قبض (سلام اللّه عليه)غسله (4)الحسين(عليه السلام)و كفنه و حمله على سريره و انطلق به الى مصلى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)الذي كان يصلي فيه على الجنائز،فصلى عليه و لم يشك مروان و من معه من بني امية انهم سيدفنونه عند رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فتجمعوا و لبسوا السلاح فلما توجه به الحسين(عليه السلام)الى قبر جده رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،ليجدد به عهدا،اقبلوا اليه في جمعهم و لحقتهم الحميراء،على بغل،و هي تقول:مالي و لكم تريدون ان تدخلوا بيتي من لا أحبّ،نحوّا ابنكم عن بيتي فانه لا يدفن فيه شيء و لا يهتك على رسول اللّه حجابه:

منعته عن حرم النبي ضلالة *** و هو ابنه فلأيّ امر يمنع

فكأنه روح النّبي و قد رأت *** بالبعد بينهما العلائق تقطعص.

ص: 80


1- اي فاطمة بنت الاسد يعني ام ابيه امير المؤمنين.
2- اي يتوعدون بالشر.
3- :الة الحجامة و هي شيء كالكاس يفرغ من الهواء و يوضع على الجلد فيحدث فيه تهيجا و يجذب الدم بقوة.
4- و في كشف الغمة ولي غسله الحسين عليه السلام و محمد و العباس و اخوته و صلى عليه سعيد بن العاص.

فقال لها الحسين(عليه السلام):قديما هتكت انت و ابوك حجاب رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،و أدخلت بيته من لا يحب رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)قربه،و ان اللّه تعالى يسألك عن ذلك، و جعل مروان يقول:يا رب هيجاء هي خير من دعة ايدفن عثمان في اقصى المدينة،و يدفن الحسن مع النبي،لا يكون ذلك ابدا،و انا (1)احمل السيف،و كادت الفتنة ان تقع بين بني هاشم و بين بني امية،فبادر ابن عباس الى مروان فقال له:ارجع يا مروان من حيث جئت فإنّا ما نريد دفن صاحبنا عند رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و لكنا نريد ان نجدد به عهدا بزيارته ثم نرده الى جدته فاطمة فندفنه عندها بوصيته بذلك،و لو كان اوصى بدفنه مع النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)لعلمت انك اقصر باعا من ردنا عن ذلك لكنه كان أعلم باللّه و برسوله و بحرمة قبره من ان يطرق عليه هدما كما طرق ذلك غيره،و دخل بيته بغير اذنه و في المناقب، ورموا (2)بالنبال جنازته حتى سل (3)منها سبعون نبلا.

و في زيارة امير المؤمنين:و انتم بين صريع في المحراب قد فلق السيف هامته (4)و شهيد فوق الجنازة قد شكت بالسهام اكفانه و قتيل بالعراء (5)قد رفع فوق القناة رأسه و مكبل (6)في السجن قد رضّت (7)بالحديد اعضاؤه و مسموم قد قطعت بجرعة السم امعاؤه.

(اقول شكت بالشين بعدها الكاف اي خرقت و شبكت بالموحدة بينهما تصحيف،ففي الحديث ان رجلا دخل بيته فوجد حية فشكها بالرمح اي خرقها و انتظمها به).ت.

ص: 81


1- لفظ الواو هنا للحال.
2- الواو للعطف على ما سبق.
3- سل الشيء من الشيء.انتزعه و اخرجه برفق.
4- الهامة:راس كل شيء و تطلق على الجثة.
5- العراء:الفضاء لا يستتر بشيء.
6- اي مقيد.و الكبل بالفتح او الكسر:القيد.او اعظم ما يكون من القيد.
7- اي دقت.

«و قال الشاعر في رثاء الحسن(عليه السلام)»:

نعش له الروح الأمين مشيّع *** و غدت له زمر الملائك تخضع

نثلوا له حقد الصدور فما يرى *** منها لقوس بالكنانة منزع

ورموا جنازته فعاد و جسمه *** غرض لرامية السهام و موقع

شكّوه حتى اصبحت من نعشه *** تستل غاشية النبال و تنزع

روى المسعودي في مروج الذهب عن أهل البيت(عليهم السّلام)، انه لما دفن الحسن(عليه السلام)،وقف محمد بن الحنفية اخوه على قبره فقال:ابا محمد لئن طابت حياتك،لقد فجع مماتك،و كيف لا تكون كذلك و انت خامس اهل الكساء،و ابن محمد المصطفى،و ابن عليّ المرتضى،و ابن فاطمة الزهراء،و ابن شجرة طوبى ثم انشأ يقول:

ءادهن راسي ام تطيب مجالسي *** وخدك معفور (1)و أنت سليب (2)

ءاشرب ماء المزن (3)***من غير مائه و قد ضمن الاحشاء منك لهيب

سابكيك ما ناحت حمامة ايكة (4)*** و ما اخضر في دوح (5)الحجاز قضيب (6)

غريب (7)***و اكناف الحجاز تحوطه الا كلّ من تحت التراب غريب

و في المناقب،و قال الحسين(عليه السلام)لما وضع الحسن(عليه السلام)في لحده:

ءادهن راسي ام اطيب محاسني *** و راسك معفور و أنت سليبب.

ص: 82


1- اي مجعول عليه التراب و مغبرة به.
2- اي ماخوذ عنا.
3- اي السحاب.
4- الشجر الكثير الاغصان.
5- الشجرة العظيمة او البيت الضخم.و المراد هنا الروض.
6- الشجرة الرطبة.
7- اي انت غريب.

الحميري عن جعفر عن ابيه(عليهما السّلام)،قال:ان الحسين بن عليّ(عليه السلام)كان يزور قبر الحسن(عليه السلام)في كل عشية جمعة.

و روى الشيخ في يب،انه قال الحسن بن عليّ(عليه السلام):يا رسول اللّه ما لمن زارنا،قال:من زارني حيا او ميتا او زار اباك حيّا او ميتا او زار اخاك حيّا او ميتا او زارك حيّا او ميتا كان حقّا عليّ ان استنقذه يوم القيامة،الى آخره.

ص: 83

النور الخامس : امام حسین علیه السلام

اشارة

الامام الثالث الشهيد المظلوم ابو عبد اللّه الحسين بن علي بن ابي طالب امام الانس و الجن سيد شباب اهل الجنة(عليه السلام)

ولد(عليه السلام)بالمدينة آخر شهر ربيع الاول سنة ثلاث من الهجرة كما اختار ذلك المفيد في المقنعة،و الشيخ (1)في يب،و الشهيد (2)في الدروس،و البهائي في تاريخه (3)و صاحب (4)كشف الغطا و غيره،و هذا يوافق ما رواه الكليني عن ابي عبد اللّه(عليه السلام)قال:كان بين الحسن و الحسين طهر و كان بينهما في الميلاد ستة اشهر و عشرا حيث اراد بالطهر مقدار اقل زمان الطهر،و هو عشرة ايام،و روى ايضا لم يكن بين الحسن و الحسين(عليهما السّلام)الا طهر واحد،و ان مدة حمل الحسين(عليه السلام)ستة اشهر،و لكن المشهور انه ولد(عليه السلام)في ثالث شعبان و اختاره الشيخان (5)في مسار الشيعة،و المصباح،و هو يوافق التوقيع الشريف.

ص: 84


1- اي شيخ الطائفة.محمد بن الحسن الطوسي(رحمه اللّه)في التهذيب.
2- كلما ذكر الشهيد مطلقا او بقيد الأول فهو الشهيد الأول ابو عبد اللّه محمد بن المكي العاملي المتوفي سنة 786 ه.راجع ترجمته في الكني و الالقاب.
3- المسمى بتوضيح المقاصد.و قد طبع بمصر منضما الى شرح القصيدة الذهبية.
4- هو الشيخ الكبير الشيخ جعفر بن شيخ خضر النجفي.فقيه زمانه.توفي(رحمه اللّه)سنة 1228 ه.و قد ذكر في مقدمة كتابه كشف الغطاء مواليد الأئمة و وفياتهم.
5- اي الشيخ المفيد و الشيخ الطوسي(رحمهما اللّه).

و روي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)انه صلى الظهر يوما، فرأى جبرائيل(عليه السلام فقال:اللّه اكبر،فاخبره جبرائيل برجوع جعفر من ارض الحبشة،فكبر ثانيا،فجاءت البشارة ولادة الحسين(عليه السلام)فكبر ثالثا،اورده صاحب جواهر الكلام في اواخر مبحث التعقيب.

و روي ان اللّه تعالى هنأ النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)بحمل الحسين و ولادته و عزّاه بقتله فعرفت فاطمة(عليها السلام)فكرهت ذلك، فنزلت حملته امه كرها و وضعته كرها حمله و فصاله ثلاثون شهرا.

اقول الذي يظهر لي من بعض اخبار اللوح،ان مولاتنا فاطمة(عليها السلام)لما اغتمت بولادة الحسين(عليه السلام)اعطاها ابوها اللوح ليسرها بذلك،و الخبر هذا:

روى الصدوق عن ابي بصير عن ابي عبد اللّه(عليه السلام)،قال:

قال ابي لجابر بن عبد اللّه الانصاري:ان لي اليك حاجة فمتى يخف عليك ان اخلو بك فاسألك عنها،قال له جابر في اي الاوقات شئت،فخلا به ابي (عليه السلام)فقال له يا جابر:اخبرني عن اللوح الذي رأيته في يدي امي فاطمة بنت رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و ما اخبرتك به امي،ان في ذلك اللوح مكتوبا قال جابر:اشهد باللّه اني دخلت على امك فاطمة (صلوات اللّه عليها)في حياة رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)اهنئها بولادة الحسين(عليه السلام)،فرايت في يدها لوحا اخضر ظننت انه زمرد و رأيت فيه كتابا ابيض شبه نور الشمس فقلت لها،بأبي انت و امي،يا بنت رسول اللّه،ما هذا اللوح فقالت:هذا اللوح اهداه اللّه عز و جل،الى رسوله،فيه اسم ابي و اسم بعلي و اسم ابنيّ و اسماء الاوصياء من ولدي، فاعطانيه ليسرني بذلك،قال جابر:فاعطتنيه امك فاطمة فقرأته و انتسخته فقال ابي(عليه السلام:فهل لك يا جابر ان تعرضه عليّ قال نعم فمشى معه ابي(عليه السلام)حتى انتهى الى منزل جابر،فاخرج الى ابي صحيفة

ص: 85

من رق،قال جابر فأشهد باللّه أني هكذا رأيته في اللوح مكتوبا:بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا كتاب من اللّه العزيز العليم لمحمد نوره و سفيره (1)الى آخره...

و روي انه لما ولد الحسين(عليه السلام)امر اللّه تعالى جبرائيل ان يهبط في ملأ من الملائكة فيهنئ محمدا(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،فهبط فمر بجزيرة فيها ملك يقال له فطرس،بعثه اللّه في شيء فابطأ فكسر جناحه، فالقاه في تلك الجزيرة فعبد اللّه سبعمئة عام،فقال فطرس لجبرائيل،الى اين فقال:الى محمد(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)قال احملني معك لعله يدعو لي،فلما دخل جبرائيل و اخبر محمدا(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)بحال فطرس قال له النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم):قل له يتمسح بهذا المولود فتمسح فطرس بمهد الحسين(عليه السلام)فاعاد اللّه عليه في الحال جناحه،ثم ارتفع مع جبرائيل الى السماء.و في بعض الروايات ان الملك كان اسمه صلصائيل فلما قصوا على النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم) قصته،قام رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فدخل على فاطمة صلوات اللّه عليها)فقال:ناوليني ابني الحسين فأخرجته اليه مقموطا يناغي (2)جده رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فخرج به الى الملائكة فحمله على بطن كفه فهللوا و كبروا و حمدوا اللّه تعالى و اثنوا عليه،فتوجه به الى القبلة نحو السماء فقال:اللهم اني اسألك بحق ابني الحسين ان تغفر لصلصائيل خطيئته و تجبر كسر جناحه،و ترده الى مقامه مع الملائكة المقربين،فتقبل اللّه تعالى من النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)ما أقسم به عليه،و غفر لصلصائيل خطيئته و جبر كسره،ورده الى مقامه مع الملائكة المقربين.ه.

ص: 86


1- و الخبر مذكور بتمامه في البحار ج 13.و في الكافي.
2- ناغى الرجل للصبي اي كلمه بما يعجبه و يسره.

و في مدينة المعاجز قال و لم يبق ملك في السماء الا و نزل على رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)يعزيه بولده الحسين(عليه السلام)،و يخبرونه بثواب ما يعطى من الزلفى و الأجر و الثواب يوم القيامة و يخبرونه بما يعطى من الاجر زائره و الباكي عليه و النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)مع ذلك يبكي و يقول اللهم اخذل من خذله،و اقتل من قتله،و لا تمتعه بما أمّله في الدنيا، واصله (1)حر نارك في الآخرة.

فصل في مواعظ مولانا الامام الحسين(عليه السلام)

في ذكر موعظة من كلامه(عليه السلام)،قال(عليه السلام):

اوصيكم بتقوى اللّه و احذركم ايامه،و ارفع لكم اعلامه،فكأنّ المخوف قد أفل بمهول ورده،و نكير حلوله،و بشع مذاقه،فاعتلق (2)مهجكم و حال بين العمل و بينكم،فبادروا بصحة الاجسام،و مدة الاعمار،كأنكم نبعات (3)طوارقه،فتنقلكم من ظهر الارض الى بطنها،و من علوها الى أسفلها،و من انسها (4)الى وحشتها و من روحها وضوئها الى ظلمتها،و من سعتها الى ضيقها،حيث لا يزار حميم و لا يعاد سقيم،و لا يجاب صريخ، أعاننا اللّه و اياكم على اهوال ذلك اليوم و نجانا و اياكم من عقابه،و اوجب لنا و لكم الجزيل من ثوابه،عباد اللّه فلو كان ذلك قصر

ص: 87


1- اي ادخله في النار و اذقه منها.
2- اي احبها.
3- و طوارقه اي حوادثه و الضمير يرجع الى المخوف(منه).
4- مقابل الوحشة.

مرماكم (1)و مدى (2)مظعنكم،كان حسب (3)العامل شغلا يستفرغ عليه احزانه و يذهله (4)عن دنياه،و يكثر نصبه (5)لطلب الخلاص منه،فكيف و هو بعد ذلك مرتهن باكتسابه،مستوقف على حسابه،لا وزير له يمنعه و لا ظهير عنه يدفعه،و يومئذ لا ينفع نفسا ايمانها،لم تكن آمنت من قبل او كسبت في ايمانها خيرا.قل انتظروا،انّا منتظرون،اوصيكم بتقوى اللّه فان اللّه قد ضمن لمن اتقاه ان يحوله عما يكره الى ما يحب،و يرزقه من حيث لا يحتسب،فأيّاك ان تكون ممن يخاف على العباد من ذنوبهم،و يأمن العقوبة من ذنبه،فان اللّه تبارك و تعالى لا يخدع عن جنته،و لا ينال ما عنده،الا بطاعته ان شاء اللّه.

و في وصية موسى بن جعفر(عليه السلام)لهشام،قال و قال الحسين بن علي(عليهما السّلام):ان جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الارض و مغاربها،بحرها و برها و سهلها و جبلها،عند وليّ من اولياء اللّه و أهل المعرفة بحق اللّه،كفيء (6)الظلال،ثم قال(عليه السلام) الاحرّ (7)يدع هذه اللّماظة (8)لأهلها،يعني الدنيا،ليس لانفسكم ثمن الا الجنة فلا تبيعوها بغيرها،فانه من رضي من اللّه بالدنيا فقد رضي بالخسيس.

و نقل السيد الاجلّ السيد علي خان،من كتاب خلق الانسان، للفاضل النيسابوري انه قال:كان الحسين بن عليّ سيد الشهداء(عليهه.

ص: 88


1- مرماكم.اي مقصدكم.
2- اي غاية مسيركم.
3- اي كفاه.
4- اي ينسيه الشغل و يصرفه عنه.
5- اي بلاءه و تعبه.
6- الفيء هو الظل اذا رجع.
7- اي اليس رجل حر الخ.
8- اللماظة كتمامه ما يلاك في الفم و هو تافه.

السلام)كثيرا ما ينشده هذه الابيات،و تزعم الرواة انها مما أملته (1)نفسه الطاهرة على لسان مكارمه الوافرة:

لئن كانت الافعال يوما لأهلها *** كمالا فحسن الخلق ابهى (2)و أكمل

و ان كانت الارزاق رزقا مقدرا *** فقلّة جهد المرء في الكسب اجمل

و ان كانت الدنيا تعدّ نفيسة *** فدار ثواب اللّه أعلى و انبل (3)

و ان كانت الأبدان للموت أنشئت *** فقتل امرئ بالسيف في اللّه افضل

و ان كانت الاموال للترك جمعها *** فما بال متروك به المرء يبخل

و روي انه(عليه السلام)لما نزل كربلاء أقبل على اصحابه فقال:

الناس عبيد الدنيا،و الدين لعق (4)على السنتهم،يحوطونه ما درّت معايشهم،فاذا محصوا (5)بالبلاء قلّ الديّانون.

فصل في استشهاد الامام الحسين و فضل زيارته(عليه السلام)

قال شيخنا المفيد رضي اللّه عنه في الارشاد:مضى الحسين(عليه السلام)في يوم السبت العاشر من المحرم،سنة احدى و ستين من الهجرة بعد صلاة الظهر،منه قتيلا مظلوما،ظمآن صابرا،محتسبا على ما شرحناه،و سنه يومئذ ثمان و خمسون سنة،اقام منها مع جده رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)سبع سنين،و مع ابيه امير المؤمنين(عليه السلام)سبعا و ثلاثين سنة،و مع اخيه الحسن(عليه السلام)سبعا و اربعين سنة،و كانت مدة خلافته بعد اخيه احدى عشرة سنة،و كان يخضب بالحناء

ص: 89


1- اي أنشأته(عليه السلام).
2- اي اجمل.
3- اسم تفضيل من النبل(بالضم)و هو الذكاء و النجابة.
4- اي ملصق بها.يقال لعق العسل.اي تناوله بلسانه و لحسه.
5- اي اختبروا و ابتلوا.

و الكتم و قتل(عليه السلام)و قد نصل الخضاب من عارضيه،و قد جاءت روايات كثيرة،في فضل زيارته(عليه السلام)بل في وجوبها:

فروي عن الصادق جعفر بن محمد(عليهما السّلام)،انه قال:زيارة الحسين بن عليّ(عليهما السّلام)واجبة على كل من يعتقده و يقر للحسين (عليه السلام)بالامامة من اللّه عز و جل.

و قال(عليه السلام)زيارة الحسين(عليه السلام)تعدل مئة حجة مبرورة و مئة عمرة متقبّلة.

و قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)من زار الحسين بعد موته فله الجنة و الاخبار في هذا الباب كثيرة،انتهى.

و قال في المقنعة،و روى يونس بن ظبيان قال:قلت لابي عبد اللّه (عليه السلام)،جعلت فداك،إني كثيرا ما اذكر الحسين(عليه السلام) فاي شيء اقول،قال:قل صلّى اللّه عليك يا ابا عبد اللّه،تعيد ذلك ثلاثا فان التسليم يصل الينا من قريب و من بعيد.

و قال شيخنا الشهيد،قدس سره في الدروس،و ثواب زيارته لا يحصى،حتى روي ان زيارته فرض على كل مؤمن و ان تركها ترك حق للّه تعالى و لرسوله و ان تركها عقوق رسول اللّه و انتقاص في الايمان و الدين،و انه حق على الغني زيارته في السنة مرتين،و الفقير في السنة مرة و ان من أتى عليه حول و لم يات قبره نقص من عمره حول،و انها تطيل العمر،و أن أيام زيارته لا تعد من الاجل،و تفرج الهم و تمحص الذنوب (1)و لكل خطوة حجة مبرورة و له بزيارته اجر عتق الف نسمة (2)و حمل على ألف فرس،ق.

ص: 90


1- اي تبعد الذنوب و تنقّي منها.
2- اي ذي الروح و المراد به مطلق الرق.

في سبيل اللّه،و له بكل درهم انفقه عشرة آلاف درهم،و ان من أتى قبره عارفا بحقه غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر،الى أن قال:و من بعد عنه و صعد على سطحه و رفع رأسه الى السماء ثم توجه الى قبره(عليه السلام)،قال:السلام عليك يا ابا عبد اللّه،السلام عليك و رحمة اللّه و بركاته:كتب اللّه له زورة،و الزورة حجة و عمرة و لو فعل ذلك في كل يوم خمس مرات كتب اللّه له ذلك.

ص: 91

النور السادس : امام سجاد علیه السلام

اشارة

الامام الرابع سيّد الساجدين و مصباح المتهّجدين و قدوة المتقين ابو محمد عليّ بن الحسين زين العابدين(عليه السلام)

ولد(عليه السلام)بالمدينة المعظمة،يوم النصف من جمادى الاولى سنة 36 ه ست و ثلاثين يوم فتح البصرة و نزول النصر على امير المؤمنين (عليه السلام)و غلبته على اصحاب الجمل و قيل في الخامس من شعبان سنة 38 ثمان و ثلاثين و امه ذات العلى و المجد،شاه زنان بنت يزد جرد:

و هو ابن شهريار بن كسرى *** ذو سؤدد ليس يخاف كسرى

و قيل كان اسمها شهر بانويه و فيه يقول ابو الاسود:

و ان غلاما بين كسرى و هاشم *** لأكرم من نيطت (1)عليه التمائم (2)

كان يقال له ذو الثفنات(جمع ثفنة بكسر الفاء)و هي من الانسان الركبة و مجتمع الساق و الفخذ لان طول السجود اثر في ثفناته.

قال الزهري:ما رأيت هاشميا افضل من عليّ بن الحسين(عليه السلام).

ص: 92


1- اي علقت.
2- التميمة ما علق على العضد من الاحراز و الجواهر.

و عن ابي جعفر(عليه السلام)قال:كان عليّ بن الحسين(عليه السلام)يصلّي في اليوم و الليلة الف ركعة،و روي انه كان(عليه السلام) له خمسمئة نخلة و كان يصلّي عند كل نخلة ركعتين و كانت الريح تميله بمنزلة السنبلة،و كان اذا توضأ للصلاة يصفّر لونه فيقول له اهله:ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء،فيقول:تدرون بين يدي من أريد أن اقوم.

و عن ابن عائشة قال:سمعت اهل المدينة يقولون فقدنا صدقة السرّ حين مات علي بن الحسين(عليه السلام).

و لما مات و جردوه للغسل،جعلوا ينظرون الى آثار في ظهره،فقالوا ما هذا،قيل:كان يحمل جربان (1)الدقيق على ظهره ليلا و يوصلها الى فقراء المدينة سرا و كان يقول ان صدقة السرّ تطفئ غضب الرب.

و عن علي بن ابراهيم عن ابيه قال:حج عليّ بن الحسين(عليه السلام)ماشيا فسار من المدينة الى مكة عشرين يوما و ليلة.

و عن زرارة بن (2)اعين قال:سمع سائل في جوف الليل و هو يقول:اين الزاهدون في الدنيا،و الراغبون في الآخرة،فهتف به هاتف من ناحية البقيع يسمع صوته و لا يرى شخصه،ذاك عليّ بن الحسين(عليه السلام).

و في تذكرة السبط حكى الزهري عن عائشة قالت:رأيت عليّ بن الحسين(عليه السلام)ساجدا في الحجر و هو يقول:عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك،سائلك بفنائك،فما دعوت بها في كرب الا و فرّج عني.

و عن طاوس اني لفي الحجر ليلة،اذ دخل علي بن الحسين(عليه السلام)فقلت:رجل صالح من اهل بيت النبوة لاسمعن دعاءه:فسمعتهه.

ص: 93


1- اي الأوعية من الجلد.
2- زرارة بن اعين الشيباني.شيخ اصحابنا في زمانه و متقدمهم و كان قارئا فقيها.متكلما. اديبا.قد اجتمعت فيه خلال الفضل و الدين.ثقة فيما يرويه.راجع ترجمته ص 142 من الرجال الكبير و غيره.

يقول:عبدك بفنائك،فقيرك بفنائك،قال:فما دعوت بهن في كرب الا فرّج عني.

و عن ربيع الابرار للزمخشري،انه قال:لما وجه يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة لاستباحة اهل المدينة ضم عليّ بن الحسين(عليه السلام)الى نفسه اربعمأة منانية(كذا)بحشمهن يعولهن الى ان تقوض (1)جيش مسلم فقالت امرأة منهن:ما عشت و اللّه بين ابويّ بمثل ذلك الشريف.

و كان يقال له آدم بنى حسين لانه الذي تشعبت منه افنانهم و تفرعت عنه اغصانهم.

و كان(عليه السلام)اذا حضرت الصلاة اقشعر (2)جلده و اصفر لونه و ارتعد كالسعفة (3)،و كان اذا قام في صلاته غشي لونه لون آخر و كان في قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل كانت اعضاؤه ترتعد من خشية اللّه.

و كان يصلي صلاة مودّع.

و كان في الصلاة كانه ساق شجرة لا يتحرك منه شيء الا ما حركت الريح منه،و اذا سجد لم يرفع راسه حتى يرفض (4)عرقا،و اذا كان شهر رمضان لم يتكلم الا بالدعاء و التسبيح و الاستغفار و التكبير،و كان له خريطة فيها تربة الحسين(عليه السلام)،و كان لا يسجد الا على التراب.

و كان(عليه السلام)يقول:لو مات من بين المشرق و المغرب لما استوحشت بعد ان يكون القرآن معي.

و كان اذا قرأ(مالك يوم الدين)يكررها حتى كاد أن يموت.ق.

ص: 94


1- اي ترك الاستقرار.
2- اي اخذته القشعريرة:اي الرعدة.
3- اي جريدة النخل.
4- ارفضاض أي يتقطّر منه العرق.

و كان اذا صلى يبرز الى موضع خشن فيصلّي فيه و يسجد على الارض فاتى الجبان (1)يوما،ثم قام على حجارة خشنة محرقة،فأقبل يصلي و كان كثير البكاء،فرفع رأسه من السجود و كانما غمس في الماء من كثرة دموعه.

و كانت شدة اجتهاده(عليه السلام)في العبادة،بحيث اتت فاطمة بنت عليّ(عليه السلام)الى جابر الانصاري و قالت له:ان لنا عليكم حقوقا من حقنا عليكم اذا رأيتم احدنا يهلك نفسه اجتهادا،ان تذكروه و تدعوه الى البقيا (2)على نفسه،و هذا عليّ بن الحسين بقية ابيه قد انحزم (3)انفه وثفنت (4)جبهته و ركبتاه و راحتاه أدأب (5)نفسه في العبادة،فاتى جابر الى بابه و استأذن،فلما دخل عليه وجده في محرابه قد انضته (6)العبادة،فدعاه الى البقيا على نفسه فقال:يا جابر لا ازال على منهاج ابويّ متأسيا بهما حتى ألقاهما.

و روي انه(عليه السلام)كان اذا وقف في الصلاة لم يسمع شيئا لشغله بالصلاة،فسقط بعض ولده في بعض الليالي فانكسرت يده فصاح اهل الدار،و اتاهم الجيران وجيء بالمجبر (7)فجبر الصبي و هو يصيح من الالم و كل ذلك لا يسمعه فلما اصبح راى الصبي يده مربوطة الى عنقه فقال:ما هذا فاخبروه.

و وقع حريق في بيت هو فيه ساجد،فجعلوا يقولون يا ابن رسول اللّه النار النار،فما رفع رأسه حتى اطفئت،فقيل له بعد قعوده ما الذي ألهاك (6)عنها،قال ألهتني عنها النار الكبرى.م.

ص: 95


1- و الجبان في الاصل الصحراء و الجبانة موضع بالمدينة.
2- اي الابقاء و المحافظة.
3- اي شق وترة انفه.
4- اي غلظت من السجود.
5- اي اتعب.
6- نضى الثوب:ابلاه.
7- اي الذي يصلح كسر العظم.

و روي انه(عليه السلام)كان في الصلاة فسقط محمد ابنه(عليه السلام)في البئر فلم يثن (1)عن صلاته،و هو يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر،فلما فرغ من صلاته مدّ يده الى قعر البئر،فأخرج ابنه و قال:كنت بين يدي جبار لو ملت (2)بوجهي عنه لمال بوجهه عني،و كان حضور قلبه في العبادة بحيث تمثل ابليس بصورة افعى ليشغله فما شغله.

و روي عن حماد بن حبيب العطار الكوفي قال:خرجنا حجاجا فرحلنا من زبالة (3)ليلا فاستقبلتنا ريح سوداء مظلمة،فتقطعت القافلة فتهت (4)في تلك الصحارى و البراري،فانتهيت الى واد قفر فلما ان جن الليل أويت الى شجرة عادية،فلما ان اختلط الظلام،اذا أنا بشاب قد اقبل عليه اطمار (5)بيض،تفوح منه رائحة المسك،فقلت في نفسي هذا وليّ من اولياء اللّه،متى ما احس بحركتي خشيت نفاره،و أن امنعه عن كثير مما يريد فعاله فاخفيت نفسي ما استطعت فدنا الى الموضع فتهيأ للصلاة ثم وثب قائما و هو يقول،يا من حاز كل شيء ملكوتا و قهر كل شيء جبروتا أولج (6)قلبي فرح الاقبال عليك،و الحقني بميدان المطيعين لك،قال ثم دخل في الصلاة فلما ان رأيته قد هدأت أعضاؤه و سكنت حركاته قمت الى الموضع الذي تهيأ للصلاة فاذا بعين تفيض بماء ابيض فتهيأت للصلاة ثم قمت خلفه،فاذا انا بمحراب كأنه مثل في ذلك الوقت،فرايته كلما مر بآية فيها ذكر الوعد و الوعيد يرددها باشجان (7)الحنين،فلما أن تقشع (8)الظلام وثب قائما و هو يقول:ياف.

ص: 96


1- اي لم يعطف و لم ينصرف.
2- اي لو انعطفت عنه.
3- بضم اوله،موضع معروف بطريق مكة قرب الثعلبية بها بركتان.
4- بصيغة المتكلم.اي ضللت فيها.
5- اطمار:جمع طمر بكسر الطاء و هو الثوب البالي.
6- اولج:بصيغة الاستدعاء:اي ادخل في قلبي.
7- اشجان.جمع الشجن بفتحتين بمعنى الهم و الحزن.
8- اي انكشف.

من قصده الطالبون فاصابوه مرشدا،و أمّه (1)الخائفون فوجدوه متفضلا،و لجأ اليه العابدون فوجدوه موئلا، (2)متى راحة من نصب لغيرك بدنه،و متى فرج من قصد سواك بنيته،إلهي قد تقشع الظلام و لم اقض من خدمتك وطرا، و لا من حياض مناجاتك صدرا،صلّ على محمد و آله و افعل بي اولى الامرين بك،يا ارحم الراحمين،فخفت ان يفوتني شخصه،و ان يخفى عليّ اثره، فتعلقت به فقلت له:بالذي اسقط عنك ملال التعب و منحك شدة شوق لذيذ الرغب (3)الا لحقتني منك جناح رحمة،و كنف رقة،فإني ضال و بغيتي (4)كلما صنعت،و مناي كلما نطقت،فقال لو صدق توكلك ما كنت ضالا، و لكن اتبعني واقف اثري فلما ان صار بجنب الشجرة اخذ بيدي فخيل الى ان الارض تمد من تحت قدمي،فلما انفجر عمود الصبح،قال لي:ابشر فهذه مكة،قال فسمعت الضجة،و رأيت المحجة،فقلت بالذي ترجوه يوم الأزفة (5)و يوم الفاقة،من انت فقال:اما اذا قسمت،فأنا عليّ بن الحسين بن عليّ بن ابي طالب(عليه السلام).

و في اثبات الوصية روي عن سعيد بن المسيب قال:قحط الناس يمينا و شمالا،فمددت عيني فرأيت شخصا اسود على تل قد انفرد،فقصدت نحوه فرأيته يحرك شفتيه،فلم يتم دعاءه حتى اقبلت غمامة،فلما نظر اليها حمد اللّه و انصرف و ادركنا المطر حتى ظنناه الغرق،فاتبعته حتى دخل دار عليّ بن الحسين(عليه السلام)فدخلت اليه(عليه السلام)فقلت له(عليه السلام)يا سيدي في دارك غلام اسود تفضل عليّ ببيعه،فقال:يا سعيد و لم لا يوهب لك،ثم أمر القيم على غلمانه يعرض كل من في الدار عليه فجمعوا فلم ارّ صاحبي بينهم،فقلت:فلم أره،فقال:انه لم يبق الال.

ص: 97


1- اي قصده.
2- اي ملجأ.
3- الرغب:المرغوب المحبوب.
4- اي ان ما فعلته كان مبتغاي.
5- من ازف.بمعنى اقترب او بمعنى عجل.

فلان السائس (1)فأمر به،فاحضر فاذا هو صاحبي،فقلت له(عليه السلام)هذا هو فقال له:يا غلام ان سعيدا قد ملكك فامض معه،فقال لي الاسود ما حملك عليّ ان فرقت بيني و بين مولاي،فقلت له انّي رأيت ما كان منك على التل،فرفع يده الى السماء مبتهلا،ثم قال:ان كانت سريرة بينك و بيني فاذن قد اذعتها عليّ فاقبضني اليك،فبكى عليّ بن الحسين (عليه السلام)و بكى من حضره،و خرجت باكيا فلما صرت الى منزلي وافاني رسوله فقال لي:ان اردت ان تحضر جنازة صاحبك فافعل فرجعت معه و وجدت العبد قد مات بحضرته.

فصل في مكارم اخلاق الامام زين العابدين(عليه السلام)

كان علي بن الحسين(عليه السلام)،ليخرج في الليلة الظلماء، فيحمل الجراب على ظهره و فيه الصرر (2)من الدنانير و الدراهم،و ربما حمل على ظهره الطعام او الحطب،حتى يأتي بابا بابا،فيقرعه ثم يناول من يخرج اليه،و كان يغطي وجهه لئلا يعرفه الفقير،و لما وضع على المغتسل نظروا الى ظهره،و عليه مثل ركب الابل،و كان يعول مئة اهل بيت من فقراء المدينة، و كان يعجبه ان يحضر طعامه اليتامى و الزمنى (3) و المساكين،و كان يناولهم بيده و يحمل الطعام لمن كان له عيال الى عياله،و كان اذا جنّه الليل و هدأت (4)العيون،قام الى منزله،فجمع ما يبقى فيه عن قوت اهله،و جعله في جراب ورمى به على عاتقه،و خرج الى دور الفقراء و هو متلثم،و يفرق عليهم.

ص: 98


1- السائس:رائض الدواب و القائم عليها.
2- الصرر.جمع صرة.
3- جمع زمن ككتف:المقعد.
4- اي سكنت و نامت.

و روي عن علي بن يزيد قال:كنت مع عليّ بن الحسين(عليه السلام) عند ما انصرف من الشام الى المدينة،فكنت احسن الى نسائه و اقضي حوائجه فلما نزلوا المدينة،بعثن الي بشيء من حليهن فلم آخذه فقلت:فعلت هذا للّه تعالى،فأخذ علي بن الحسين(عليه السلام)حجرا اسود صما (1)فطبعه بخاتمه ثم قال لي خذه و سلّ كل حاجة لك منه فو الذي بعث محمدا(صلى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)بالحق لقد كنت اسأله الضوء في البيت فيسرج في الظلماء و أضعه على الاقفال فتنفتح و آخذه بيدي و أقف بين يدي السلاطين فلا أرى منهم شرا.

قال شيخنا الحر العاملي مشيرا الى هذه المعجزة:

و الحجر الاسود لما طبعه *** أرى عجيبا الذي كان معه

و كم له من معجز و فضل *** و شرف باد و قول فصل

و روى معتب (2)عن الصادق(عليه السلام)قال كان عليّ بن الحسين (عليه السلام)شديد الاجتهاد في العبادة،نهاره صائم و ليله قائم،فأضر بجسمه فقلت له:يا ابه كم هذا الدؤب (3)فقال له:أتحبب الى ربي لعله يزلفني.

و عن دعوات الراوندي عن الباقر(عليه السلام)قال:قال عليّ بن الحسين(عليهما السّلام)مرضت مرضا شديدا،فقال لي ابي(عليه السلام):ما تشتهي،فقلت:اشتهي ان اكون ممن لا اقترح على اللّه ربي ما يدبره لي،فقال لي احسنت،ضاهيت (4)ابراهيم الخليل(عليه السلام) حيث قال جبرائيل:هل من حاجة،فقال:لا اقترح على ربّي بل حسبي اللّه و نعم الوكيل،(اقول الاقتراح الاجتباء و الاختيار و التحكم و ارتجال الكلام).ه.

ص: 99


1- اي شديد الصلابة.
2- كمؤيد.
3- جمع دأب و هو الحالة الخاصة.
4- اي شابهته.

و روي انه ضرب غلاما له،قرعه بسوط،ثم بكى و قال،لابي جعفر (عليه السلام):اذهب الى قبر رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم) فصلّ ركعتين ثم قل:اللهم اغفر لعلّي بن الحسين خطيئته يوم الدين،ثم قال للغلام اذهب فانت حر لوجه اللّه.

و روي انه قيل له(عليه السلام)انك أبرّ الناس و لا تأكل مع امك في قصعة،و هي تريد ذلك،قال اكره ان تسبق يدي الى ما سبقت اليه عينها فاكون عاقّا لها.

اقول الظاهر ان المراد من امه هي هنا ام ولد كانت تحضنه فكان يسميها اما،و اما امه شاه زنان فقد توفيت في نفاسها».

و عنه(عليه السلام)كان يدعو خدمه كل شهر و يقول اني قد كبرت و لا اقدر على النساء فمن اراد منكن التزويج زوجتها،او البيع بعتها،او العتق اعتقتها،فاذا قالت احداهن:لا قال:اللهم اشهد حتى يقول ثلاثا و ان سكتت واحدة منهن قال لنسائه سلوها ما تريد،و عمل على مرادها،و كان اذا اتاه السائل قال:مرحبا بمن يحمل زادي الى الآخرة.

قال ابن الاثير في الكامل،لما سير يزيد مسلم بن عقبة الى المدينة قال:

فاذا ظهرت عليهم فابحها ثلاثا،فكل ما فيها من مال او دابة او سلاح او طعام فهو للجند،فاذا مضت الثلاث فاكفف عن الناس و انظر عليّ بن الحسين فاكفف عنه،و استوص به خيرا فانه لم يدخل مع الناس و انه قد اتاني كتابه.

و قد كان مروان بن الحكم،كلّم ابن عمر لما اخرج اهل المدينة عامل يزيد و بني امية في ان يغيب اهله عنده فلم يفعل،فكلم عليّ بن الحسين (عليه السلام)فقال ان لي حرما و حرمي يكون مع حرمك،فقال:افعل، فبعث بامرأته و هي عائشة ابنة عثمان بن عفان،و حرمه الى علي بن الحسين (عليه السلام)،فخرج علي(عليه السلام)بحرمه و حرم مروان الى

ص: 100

ينبع (1)،و قيل بل ارسل حرم مروان و ارسل معهم ابنه عبد اللّه بن علي الى الطائف.

و روي عن ابي عبد اللّه(عليه السلام)قال:كان بالمدينة رجل بطّال يضحك اهل المدينة من كلامه،فقال:يوما لهم:قد اعياني هذا الرجل يعني عليّ بن الحسين(عليه السلام،فما يضحكه مني شيء و لا بد من ان احتال في ان اضحكه،قال فمر علي بن الحسين(عليه السلام)ذات يوم و معه موليان له فجاء ذلك البطّال حتى انتزع رداءه من ظهره و اتبعه الموليان فاسترجع الرداء منه و القياه عليه و هو مخبت (2)لا يرفع طرفه من الارض ثم قال لمولييه ما هذا فقالا له رجل بطّال يضحك اهل المدينة و يستطعم منهم بذلك،قال فقولا له يا ويحك ان للّه يوما يخسر فيه البطّالون.

فصل في ذكر نبذ من كلامه(عليه السلام)

روي عنه(عليه السلام)انه كان يقول:ان بين الليل و النهار روضة يرتعي في رياضها الابرار،و يتنعم في حدائقها المتّقون فادأبوا (3)رحمكم اللّه في سهر هذا الليل،بتلاوة القرآن في صدره،و بالتضرع و الاستغفار في آخره، و اذا ورد النهار فاحسنوا قراه (4)بترك التعرض لما يرديكم من محقّرات الذنوب،فانها مشرفة بكم على قباح العيوب،و كأن الرحلة قد أظلتكم و كأن الحادي (5)قد حدا بكم جعلنا اللّه و اياكم ممن اغبطه فهمه و نفعه علمه.

ص: 101


1- ينبع.بفتح اوله و ضم الثالث حصن و قرية على يمين رضوى لمن كان منحدرا من اهل المدينة الى البحر و هي لبنى الحسن بن علي(عليه السلام)و فيها عيون عذاب.
2- اي متخشع و مطمئن الى الأرض.
3- دأب في العمل جد و استمر عليه.
4- مصدر قرى الضيف:اضافه.
5- الحادي من يغني للابل و المراد هنا المنذر.

و قال(عليه السلام)في جملة كلامه،و اياك و الابتهاج بالذنب،فان الابتهاج بالذنب اعظم من ركوبه.

و عن الباقر(عليه السلام)قال:كان أبي زين العابدين(عليه السلام)اذا نظر الى الشباب الذين يطلبون العلم،ادناهم اليه و قال مرحبا بكم انتم ودائع العلم و يوشك اذا انتم صغار قوم،ان تكونوا كبار آخرين.

و روي انه جاء رجل الى علي بن الحسين يشكو اليه حاله فقال:مسكين ابن آدم له في كل يوم ثلاث مصائب لا يعتبر بواحدة منهن و لو اعتبر لهانت عليه المصائب و أمر الدنيا،فاما المصيبة الاولى فاليوم الذي ينقص من عمره،قال و ان ناله نقصان في ماله اغتم به و الدرهم يخلف عنه و العمر لا يرده شيء،و الثانية انه يستوفي رزقه فان كان حلالا حوسب عليه و ان كان حراما عوقب،قال:و الثالثة اعظم من ذلك،قيل و ما هي،قال ما من يوم يمسي الا و قد دنا من الآخرة مرحلة لا يدري على الجنة ام على النار، و قال:اكبر ما يكون ابن آدم اليوم الذي يلد من امّه،قالت الحكماء:ما سبقه الى هذا احد.

و قال الكفعمي في البلد الامين ندبة مولانا زين العابدين(عليه السلام) رواية الزهري،يا نفس حتام الى الحياة سكونك،و الى الدنيا و عمارتها ركونك،اما اعتبرت بمن مضى من اسلافك (1)و من وارته الارض من ألاّفك (2)،و من فجعت به من اخوانك،و نقلت الى دار البلى من اقرانك،

فهم في بطون الارض بعد ظهورها ***محاسنهم فيها بوال (3)دواثر (4)

خلت دورهم (5)***منهم و اقوت عراصهم و ساقهم نحو المنايا المقادر

و خلوا عن الدنيا و ما جمعوا لها ***و ضمتهم تحت التراب الحفائر (6)).

ص: 102


1- اي ابائك المقدمين(منه).
2- بصيغة الجمع.بمعنى الاصدقاء.
3- اي الدوائر.يقال بلى الثوب اي رث و درس.
4- الدثور.الدروس(منه).
5- اي خلت عرصات دارهم منهم(منه).
6- جمع حفير و هو القبر(منه).

كم اخترمت (1)ايدي المنون (2)من قرون بعد قرون،و كم غيرت الارض ببلاها (3)و غيّبت في ثراها،ممن عاشرت من صنوف الناس و شيعتهم الى الأرماس (4).

و انت على الدنيا مكبّ منافس (5)*** لخطابها فيها حريص مكاثر

على خطر (6)***تمسي و تصبح لاهيا اتدري بماذا لو عقلت تخاطر

و إن امرءا يسعى لدنياه جاهدا *** و يذهل (7)عن اخراه لا شك خاسر

فحتّام على الدنيا اقبالك،و بشهوتها اشتغالك و قد وحظك (8)لقتير و وفاك النذير (9)و انت عما يراد بك ساه،و بلذة يومك لاه.

و في ذكر هول الموت و القبر و البلى *** عن اللهو و اللّذات للمرء زاجر

أبعد اقتراب الاربعين تربص *** و شيب القذال منذ ذلك ذاعر (10)

كأنك معني (11)***بما هو ضائر لنفسك عمدا او (12)عن الرشّد جائر (13)

انظر الى الامم الماضية،و القرون الفانية،و الملوك العاتية (14)كيف انتسفتهم (15)الايام فافناهم الحمام (16)فاتحت من الدنيا آثارهم،و بقيت فيها اخبارهم.ت.

ص: 103


1- اي اقتطعت و استأصلت(منه).
2- المنون:المنية اي الموت.
3- اي قديمها البالي.
4- جمع رمس اي تراب القبره(منه).
5- اي راغب(منه).
6- الخطر:الاشراف على الهلاك(منه).
7- اي ينسى.
8- اي خلطك الشيب(منه).
9- اي اتاك نذير الموت(منه).
10- اي خائف.
11- انا بها معنى على مفعول اي اهتممت بها.
12- اي منتظر(منه).
13- اي مائل(منه).
14- من العتو(منه).
15- انتسفت الريح التراب:قلعته و فرقته.
16- بكسر الأول.الموت.

و اضحوا رميما في التراب و اقفرت (1)***

مجالس منهم عطّلت و مقاصر (2)***

و حلّوا بدار لا تزاور بينهم ***

و أنّى لسكان القبور التزاور ***

فما إن ترى الاجثى (3)***قد ثروا بها

مسنمة (4)***تسفى (5)عليها الأعاصر (6)

كم عاينت من ذي عز و سلطان،و جنود و اعوان،تمكن من دنياه، و نال منها مناه،فبنى الحصون و الدساكر (7)و جمع الاعلاق (8)و الذخائر.

فلما صرفت كفّ المنية إذ أتت *** مبادرة تهوى اليه الذخائر

و لا دفعت عنه الحصون التي بنى *** و حفّ بها انهارها و الدساكر

و لا قارعت (9)***عنه المنية خيله و لا طمعت في الذبّ عنه العساكر

اتاه من امر اللّه ما لا يرد،و نزل به من قضائه ما لا يصد،فتعالى الملك الجبار المتكبر القهار،قاصم الجبارين و مبير المتكبرين.

مليك عزيز ما يردّ قضاؤه *** عليم حكيم نافذ الامر قاهر

عنا كل ذي عرّ لعزّة وجهه *** فكلّ عزيز للمهيمن صاغر (10)

لقد خشعت و استسلمت و تضاءلت *** لعزة ذي العرش الملوك الجبابر (11)ا.

ص: 104


1- اقفرت.اي صارت قفرا.
2- المقاصر:اصول الشجر.و المقاصير:جمع مقصورة و هي الدار الواسعة او الحجلة.
3- اي تربة مجموعة(منه).
4- اي مرتفعة(منه).
5- اي تذر(منه).
6- اي ريح تثير الغبار(منه).
7- الدساكر:جمع دسكرة و هي بناء شبه القصر حواليه بيوت تكون للملوك(منه).
8- الاعلاق:جمع علق بالكسر و هو النفيس من كل شيء(منه).
9- مقارعة الابطال:قرع بعضهم بعضا(منه).
10- اي ذليل.
11- اي شراكها والات صيدها.

فالبدار (1)البدار،و الحذار الحذار من الدنيا و مكائدها،و ما نصبت لك من مصائدها،و تجلى لك من زينتها،و استشرف لك من فتنتها:

و في دون ما عاينت من فجعاتها *** الى رفضها داع و بالزهد آمر

فجدّ و لا تغفل فعيشك زائل *** و انت الى دار المنية صائر

و لا تطلب الدنيا فإنّ طلابها *** و ان نلت منها غبّه لك ضائر

فهل يحرص عليها لبيب،او يسر بلذتها اريب،و هو على ثقة من فنائها،و غير طامع في بقائها،ام كيف تنام عين من يخشى البيات او تسكن نفس من يتوقع الممات.

ألا لا و لكنّا تغر نفوسنا *** و تشغلنا اللذّات عما نحاذر

و كيف يلذّ العيش من هو موقن *** بموقف عدل حين تبلى السرائر

كأنّا نرى ألاّ نشور و انّنا *** سدى (2)ما لنا بعد الفناء مصائر (3)

و ما عسى ان ينال طالب الدنيا من لذتها،و يتمتع به من بهجتها مع فنون مصائبها،و اصناف عجائبها،و كثرة تعبه في طلابها،و في اكتسابها و ما يكابد من اسقامها و اوصابها (4).

و ما ان بنى في كل يوم و ليلة *** يروح عليها صرفها و يباكر

تعاوره (5)***آفاتها و همومها و كم ما عسى يبقى لها المتعاور

فلا هو مغبوط بدنياه آمن *** و لا هو عن تطلابها النفس غادر (6)ة.

ص: 105


1- البدار:المسارعة.
2- السدى:المهمل(منه).
3- مصائر:جمع مصير(منه).
4- الاوصاب:جمع الوصب و هو المرض(منه).
5- عاوره الشيء:اعطاه اياه عارية.
6- اسم فاعل من غدر اصحابه:اي تخلف.يعني ليس بمتخلف او من غدر بمعنى مكر:اي ليس له حيلة.

كم غرّت من مخلد (1)اليها،و صرعت من مكب عليها،فلم تنعشه (2)من صرعته،و لم تقله من عثرته،و لم تداوه من سقمه و لم تشفه من المه.

بلى اوردته بعد عز و منعة *** موارد سوء ما لهنّ مصادر

فلما رأى الا نجاة و أنه *** هو الموت لا ينجيه منه المؤازر (3)

تندم لو يغنيه طول ندامة *** عليه و ابكته الذنوب البكائر

بكى على ما اسلف من خطاياه،و تحسر على ما خلف من دنياه حيث لا ينفعه الاستعبار (4)و لا ينجيه الاعتذار من هول المنية،و نزول البلية.

احاطت به آفاته و همومه *** و ابلس (5)لما اعجزته المعاذر

فليس له من كربة الموت فارج *** و ليس له مما يحاذر ناصر

و قد جشأت (6)***خوف المنية نفسه ترددها دون اللهاة (7)الحناجر

هنا لك خف عنه عوّاده،و اسلمه اهله و اولاده،و ارتفعت الرنة (8)و العويل،و يئسوا من برء العليل،غمّضوا بأيديهم عينيه،و مدوا عند خروج نفسه رجليه.

فكم موجع يبكى عليه تفجعا *** و مستنجد (9)صبرا و ما هو صابر

و مسترجع داع له اللّه مخلص *** يعدد منه خير ما هو ذاكر

و كم شامت مستبشر بوفاته *** و عما قليل كالذي صار صائر).

ص: 106


1- اخلد اليه:ركن اليه.
2- لم تنعشه:اي لم ترفعه.
3- اي المعاون.
4- الاستعبار:البكاء و ارسال الدمع.
5- اي يئس(منه).
6- جاشت النفس:ارتفعت من خوف او فزع(منه).
7- اللهاة بالفتح:اللحمة في أعماق الحلق.
8- الرنة:الانين.
9- الاستنجاد:الاستعانة(منه).

شق جيوبها نساؤه،و لطم خدودها اماؤه،و اعول (1)لفقده جيرانه، و توجع لرزئه (2)اخوانه ثم اقبلوا على اجهازه و تشمروا (3)لابرازه:

فظل احب القوم كان لقربه *** يحث على تجهيزه و يبادر

و شمر من قد احضروه لغسله *** و وجه لما (4)فاض (5)للقبر حافر

و كفّن في ثوبين فاجتمعت له *** مشيعة اخوانه و العشائر

فلو رايت الاصغر من اولاده،و قد غلب الحزن على فؤاده،فغشي من الجزع عليه،و قد خضبت الدموع خديه،ثم افاق و هو يندب اباه،و يقول بشجو (6)واويلاه:

لأبصرت من قبح المنية منظرا *** يهال (7)لمرآه و يرتاع (8)ناظر

اكابر اولاد يهيج اكتئابهم *** اذا ما تناساه البنون الاصاغر

ورنة نسوان عليه جوازع *** مدامعها فوق الخدود غزائر (9)

ثم اخرج من سعة قصره،الى ضيق قبره،فحثوا بايديهم التراب و اكثروا التلدد و الانتحاب (10)وقفوا ساعة عليه،و قد يئسوا من النظر اليه.

فولوا عليه معولين (11)***و كلهم لمثل الذي لاقى اخوه محاذر

كشاء رتاع (12)***آمنات بدا لها بمدية باد الذراعين حاسر (13)

فراعت و لم ترتع قليلا و أجفلت (14)*** فلما انتحى منها الذي هو حاذر).

ص: 107


1- العويل:رفع الصوت بالبكاء(منه).
2- الرزء:المصيبة العظيمة.
3- اي تهيأوا لاخراجه و اظهاره(منه).
4- اي ارسل(منه).
5- اي مات(منه).
6- اي بحزن.
7- من الهول(منه).
8- من الروع و هو الاخافة(منه).
9- جمع الغزيرة:اي الكثيرة.
10- التلدد:الالتفات يمينا و شمالا.و الانتحاب:رفع الصوت بالكاء(منه).
11- اي باكين باصوات عالية.
12- بمدية باد للذراعين حاسر(خ د)و المدية بالضم:الشفرة اي السكين العظيم(منه).
13- و الرتاع:جمع راتع كنائم و نيام(منه).
14- اي اسرعت وجدت في الهرب(منه).

عادت الى مرعاها،و نسيت ما في اختها دهاها،افبافعال البهائم اقتدينا،و على عادتها جرينا،عد الى ذكر المنقول الى الثرى،و المدفوع الى هول ما ترى.

هوى مصرعا في لحده و توزّعت (1)*** مواريثه ارحامه و الاواصر (2)

و انخوا على امواله يخضمونها (3)*** فما حامد منهم عليها و شاكر

فيّا عامر الدنيا و يا ساعيا لها *** و يا آمنا من أن تدور الدوائر

كيف امنت هذه الحالة،و انت صائر اليها لا محالة،ام كيف تتهنأ بحياتك و هي مطيتك (4)الى مماتك،ام كيف تسيغ طعامك و انت تنتظر حمامك (5).

و لم تتزود للرحيل و قددنا *** و انت على حال وشيكا مسافر (6)

فيا ويح نفسي كم اسوف توبتي *** و عمري فان و الرّدى لي ناظر (7)

و كل الذي اسلفت في الصحف مثبت *** يجازي عليه عادل الحكم قاهر

فكم ترقع بدينك دنياك،و تركب في ذلك هواك،إني لأراك ضعيف اليقين يا رافع الدنيا بالدين،ابهذا امرك الرحمن،ام على هذا دلك القرآن.

تخرّب ما يبقى و تعمر فانيا *** فلا ذاك موفور و لا ذاك عامر

و هل لك ان وافاك حتفك (8)***بغتة و لم تكتسب خيرا لدى اللّه عاذر

اترضى بأن تفنى الحياة و تنقضي *** و دينك منقوص و مالك وافرك.

ص: 108


1- توزع:تقسّمت
2- جمع آصره كصاحبة يعني أقرباؤه
3- قال امير المؤمنين(عليه السلام)يخضمون مال اللّه خضم الابل نبتة الربيع(منه).
4- المطية:الدابة التي تركب.
5- الحمام بالكسر:الموت.
6- اي سريعا(منه).
7- الردى:الهلاك(منه).
8- اي موتك.

فبك إلهنا نستجير يا عليم يا خبير،من نؤمل لفكاك رقابنا غيرك و من نرجو لغفران ذنوبنا سواك،و انت المتفضل المنّان،القائم الدّيان العائد علينا بالإحسان،بعد الاساءة منا و العصيان.يا ذا العزة و السلطان و القوة و البرهان،اجرنا من عذابك الاليم،و اجعلنا من سكان دار النعيم،يا ارحم الراحمين.

فصل في مدحه و استلامه الحجر الأسود(عليه السلام)

روى الشيخ الكشي و غيره عن ابن عائشة ان هشام بن عبد الملك حج في خلافة عبد الملك،و طاف بالبيت فأراد ان يستلم الحجر فلم يقدر عليه من الزحام فنصب له منبر فجلس،و اطاف به اهل الشام،فبينا هو كذلك اذ أقبل عليّ بن الحسين(عليه السلام)و عليه ازار و رداء من احسن الناس وجها و اطيبهم رائحة،و بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز فجعل يطوف بالبيت فاذا بلغ الحجر تنحى الناس عنه حتى يستلمه هيبة له و اجلالا،فغاظ ذلك هشاما،فقال رجل من اهل الشام لهشام:من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة فافرجوا له عن الحجر،فقال هشام:لا اعرفه لئلا يرغب فيه أهل الشام،فقال الفرزدق و كان حاضرا:لكني أعرفه،و قال الشامي:

و من هذا يا ابا فراس فقال:

هذا الذي تعرف البطحاء و طأته *** و البيت يعرفه و الحلّ و الحرم

هذا ابن خير عباد اللّه كلهم *** هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم

هذا عليّ رسول اللّه والده *** امست بنور هداه تهتدي الامم

اذا رأته قريش قال قائلها *** الى مكارم هذا ينتهي الكرم

ينمى الى ذروة العز التي قصرت *** عن نيلها عرب الإسلام و العجم

ص: 109

يكاد (1)***يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم اذا ما جاء يستلم

ينشقّ نور الهدى عن نور غرّته *** كالشمس تنجاب في اشراقها الظلم

بكفه خيزران ريحها عبق *** من كف اروع من عرنينه شمم

مشتقة من رسول اللّه نبعته *** طابت عناصره و الخيم و الشيم

هذا ابن فاطمة قدما و شرّفه *** جرى بذاك له في لوحه القلم

و ليس قولك من هذا بضائره *** العرب تعرف من انكرت و العجم

لا يخلف الوعد ميمون نقيبته *** رحب الفناء اريب حين يعتزم (1)

عم البرية بالإحسان فانقشعت *** عنها الغيابة و الاملاق و العدم

من معشر حبهم دين و بغضهم *** كفر و قربهم منجى و معتصم

ان عد اهل التقى كانوا ائمتهم *** او قيل من خير اهل الأرض قيل هم

يستدفع السوء و البلوى بحبهم *** و يسترب به الاحسان و النعم

مقدم بعد ذكر اللّه ذكرهم *** في كل بدء و مختوم به الكلم

لا يستطيع جواد بعد غايتهم *** و لا يدانيهم قوم و ان كرموا

لا يقبض العسر بسطا من اكفهم *** سيان ذلك ان اثروا و ان عدموا

اي الخلائق ليست في رقابهم *** لأولية هذا أوله نعم

من يعرف اللّه يعرف اولوية ذا *** فالدين من بيت هذا ناله الامم

ما قال لاقطّ الا في تشهده *** لو لا التشهد كانت لاؤه نعم

و لم اذكر تمامها رعاية للاختصار،فغضب هشام و أمر بحبس الفرزدق فحبس بعسفان (2)بين مكة و المدينة،و بلغ ذلك علي بن الحسين(عليه السلام)فبعث اليه باثني عشر الف درهم(الخبر).ر.

ص: 110


1- الخرائج روى ان الحجاج بن يوسف لما خرب الكعبة بسبب مقاتلة عبد اللّه بن الزبير ثم عمروها فلما اعيد البيت و ارادوا ان ينصبوا الحجر الأسود فكلما نصبه عالم من علمائهم او قاض من قضاتهم او زاهد من زهادهم يتزلزل و يضطرب و لا يستقر الحجر في مكانه فجائه علي بن الحسين(عليه السلام)و اخذه من ايديهم و سمى اللّه و نصبه فاستقر في مكانه و كبر الناس و لقد أسلم الفرزدق في قوله يكاد يمسكه عرفان راحته ركن الحطيم اذا ما جاء يستلم،(منه).
2- اي يقصد كعثمان إسم لبلدة أكل ما يستر.

قال الاستاذ الاكبر المحقق البهبهاني(رحمه اللّه)قال جدي و ذكر عبد الرحمان الجامي في سلسلة الذهب هذه القصيدة منظومة بالفارسية،و ذكر ان كوفية رأت في النوم الفرزدق و قالت له:ما فعل اللّه بك،قال:غفر اللّه لي بقصيدة علي بن الحسين(عليه السلام)،قال الجامي و بالحري ان يغفر اللّه للعالمين بهذه القصيدة،مع اشتهاره بالنصب و العداوة.

فصل في حلم علي بن الحسين و عفوه(عليه السلام)

روى شيخنا المفيد في الارشاد أنه وقف على عليّ بن الحسين(عليه السلام)رجل من اهل بيته،فاسمعه و شتمه فلم يكلمه فلما انصرف قال لجلسائه:قد سمعتم ما قال هذا الرجل،و انا احب ان تبلغوا معي اليه حتى تسمعوا مني ردي عليه،قال:فقالوا له نفعل،و لقد كنا نحب ان تقول له و يقول،قال فاخذ نعليه و مشى و هو يقول،و الكاظمين الغيظ،و العافين عن الناس،و اللّه يحب المحسنين،فعلمنا انه لا يقول له شيئا،قال فخرج الينا متوثبا للشر و هو لا يشك انه انما جاءه مكافيا له على بعض ما كان منه، فقال له عليّ بن الحسين(عليه السلام)يا اخي انك كنت قد وقفت عليّ آنفا و قلت و قلت،فان كنت قد قلت ما فيّ فأنا استغفر اللّه منه،و ان كنت قلت ما ليس فيّ فغفر اللّه لك،قال:فقبل الرجل بين عينيه و قال بلى بل قلت فيك ما ليس فيك،و انا احق به،قال الراوي للحديث:و الرجل هو الحسن بن الحسن(رضي اللّه عنه)،قلت و يقرب منه ما روى عن مشكاة الانوار لسبط الشيخ الطبرسي عن حماد اللحام،قال:اتى رجل ابا عبد اللّه (عليه السلام)فقال ان فلانا ابن عمك ذكرك،فما ترك شيئا من الوقيعة و الشتيمة الا قاله فيك،فقال ابو عبد اللّه(عليه السلام)للجارية ايتيني بوضوء فتوضأ و دخل فقلت في نفسي:يدعو عليه،فصلى ركعتين،فقال يا رب هو حقي قد وهبته له و انت اجود مني و أكرم فهبه لي و لا تؤاخذه و لا تقايسه،ثم رق فلم يزل يدعو فجعلت اتعجب.

ص: 111

و قال الشيخ المفيد(رحمه اللّه)و قد روى عنه فقهاء العامة من العلوم ما لا يحصى كثرة،و حفظ عنه من المواعظ و الادعية و فضائل القرآن و الحلال و الحرام و المغازي و الايام ما هو مشهور بين العلماء،و لو قصدنا الى شرح ذلك لطال به الخطاب و تقضى به الزمان،و قد روت الشيعة له آيات و معجزات و براهين واضحات لم يتسع لذكرها هذا المكان.انتهى.

فصل في وفاة الإمام زين العابدين(عليه السلام)

توفي(عليه السلام)بالمدينة يوم السبت لاثنتي عشرة ليلة بقيت او مضت من المحرّم سنة(95 ه)خمس و تسعين من الهجرة،و له يومئذ سبع و خمسون سنة،سمّه هشام بن عبد الملك و كان في ملك الوليد بن عبد الملك.

و قال الشيخان انه توفي(سلام اللّه عليه)في اليوم الخامس و العشرين من المحرّم سنة 94 ه اربع و تسعين من الهجرة.

اقول سمّيت سنة وفاته سنة الفقهاء لكثرة من مات فيها من العلماء و الفقهاء.

قال السبط في التذكرة:و كان(عليه السلام)سيد الفقهاء مات في اولها و تتابع الناس بعده سعيد بن المسيب و عروة بن الزبير و سعيد بن جبير و عامة فقهاء المدينة،و قبره بالبقيع في القبة التي فيها العباس و عمه الحسن بن عليّ (عليه السلام).

روى الكليني عن ابي جعفر(عليه السلام)قال:لما حضر عليّ بن الحسين(عليه السلام)الوفاة ضمّني الى صدره و قال يا بنيّ:اوصيك بما اوصاني به أبي حين حضرته الوفاة،و بما ذكر ان اباه اوصاه به،قال:يا بنيّ اياك و ظلم من لا يجد عليك ناصرا الا اللّه.

ص: 112

و عن ابي الحسن(عليه السلام)قال:ان عليّ بن الحسين لما حضرته الوفاة اغمي عليه ثم فتح عينيه و قرأ؛ إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (1) و إِنّا فَتَحْنا لَكَ (2) ،و قال:الحمد للّه الذي صدقنا وعده و اورثنا الأرض نتبوّأ من الجنة حيث نشاء فنعم اجر العاملين،ثم قبض من ساعته و لم يقل شيئا.

و روى انه لما مات عليّ بن الحسين(عليه السلام)كانت له ناقة و قد حج عليها اثنين و عشرين حجة ما قرعها بمقرعة قط فجاءت،فأتت عليّ بن الحسين(عليه السلام)و ضربت بجرانها على القبر و تمرغت عليه و رغت (3)و هملت عيناها،فأتى محمد بن علي(عليه السلام)فقيل:ان الناقة قد خرجت الى القبر فضربت بجرانها و رغت و هملت فأتاها،فقال مه الآن قومي،بارك اللّه فيك،فثارت و دخلت موضعها،فلم تلبث ان خرجت حتى اتت القبر فضربت بجرانها و رغت و هملت عيناها،فأتى محمد بن علي (عليه السلام)فقيل له ان الناقة قد خرجت،فأتاها فقال مه الآن قومي فلم تفعل،قال دعوها فانها مودعة فلم تلبث الا ثلاثة حتى نفقت(اي ماتت).

و قال الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم الشامي في الدر النظيم:كان سبب وفاة علي بن الحسين(عليه السلام)،ان الوليد بن عبد الملك سمّه و لما دفن ضربت امرأته على قبره فسطاطا.

تتميم:روي انه(عليه السلام)كان يقول في دعائه اللهم من انا حتى تغضب علي،فو عزتك ما يزين ملكك احساني و لا يقبحه اسائتي،و لا ينقص من خزائنك غنائي و لا يزيد فيها فقري.

و من دعائه(عليه السلام)كما في الصحيفة الكاملة التي هي من منشأته (صلوات اللّه عليه)،فاسألك اللهم بالمخزون من اسمائك و بما وارته الحجب من بهائك،الا رحمت هذه النفس الجزوعة و هذه الرّمة الهلوعة التيت.

ص: 113


1- سوره 56 - آیه 1
2- سوره 48 - آیه 1
3- اي صاحت.

لا تستطيع حرّ شمسك فكيف تستطيع حرّ نارك،و التي لا تستطيع صوت وعدك فكيف تستطيع غضبك،فارحمني اللهم فاني امرؤ حقير و خطري يسير و ليس عذابي مما يزيد في ملكك مثقال ذرة،الى آخر الدعاء.

فانظر ايدك اللّه في اخباره،و المح بعين الاعتبار عجائب آثاره،و فكر في زهده و تعبده و خشوعه و تهجده و ادعيته و صلاته و صدقاته و ملازمة عباداته و توسلاته و ادعيته و مناجاته التي تدل مع فصاحته و بلاغته على خشوعه لربه و ضراعته،و وقوفه موقف العصاة مع شدة طاعته،و اعترافه بالذنوب مع براءة ساحته،و بكائه و نحيبه و خفوق قلبه من خشية اللّه و وجيبه و انتصابه، و قد ارخى الليل سدوله (1)،و جر على الأرض ذيوله،مناجيا ربّه، ملازما بابه،ممثلا نفسه بين يديه،معرضا عن كل شيء مقبلا عليه،قد انسلخ من الدنيا الدنيّة،و تعرّى من الجثة البشرية،فجسمه ساجد في الثرى،و روحه متعلقة بالملأ الأعلى،يتململ اذا مر بآية من آيات الوعيد حتى كأنه المقصود بها مع انه عنها بعيد.تجد امورا عجيبة و احوالا غريبة و نفسا من اللّه سبحانه قريبة،فلنقطع الكلام في هذا المقام ان ينتهي الى آخره،فان العبارة تعجز عن وصف فضله و عدّ مفاخره،(صلوات اللّه عليه)و على آبائه و ابنائه.ر.

ص: 114


1- جمع السدل بضم السين و هو الستر.

النور السابع : امام باقر علیه السلام

اشارة

(الإمام الخامس ابو جعفر محمد بن علي بن الحسين)باقر علم النبيين صلوات اللّه عليهم اجمعين

ولد بالمدينة يوم الاثنين الثالث من صفر سنة 57 سبع و خمسين من الهجرة،و قيل غرة رجب.

امه(عليه السلام)ام عبد اللّه فاطمة بنت الحسن بن علي بن ابي طالب (عليهم السّلام)،و هو هاشمي من هاشميين و علويّ من علويين.

روي عن ابي جعفر(عليه السلام)قال كانت أمي قاعدة عند جدار، فتصدع الجدار،و سمعنا هدّة شديدة فقالت بيدها لا و حق المصطفى (صلوات اللّه عليه و آله)ما اذن اللّه لك في السقوط فبقي معلقا حتى جازته،فتصدق عنها ابي بمئة دينار.

و ذكرها الصادق(عليه السلام)يوما فقال:كانت صديقة لم يدرك في آل الحسن مثلها.

سمي ابو جعفر(عليه السلام)باقرا لأنه بقر العلم بقرا اي شقه شقا و اظهره اظهارا.

ص: 115

و قال السبط بن الجوزي سمّي الباقر من كثرة سجوده (1)بقر السجود جبهته،اي فتحها و وسعها،و قيل لغزارة علمه.

قال الجوهري في الصحاح:التبقر التوسع في العلم.

و كان يتختم(عليه السلام)بخاتم جده الحسين(عليه السلام)و نقشه:

ان اللّه بالغ امره.

و روي في وصف علمه(عليه السلام)عن عبد اللّه بن عطا المكي قال:ما رأيت العلماء عند احد قط اصغر منهم عند ابي جعفر محمد بن عليّ بن الحسين(عليه السلام)،و لقد رأيت الحكم بن عتيبة مع جلالته في القوم بين يديه كأنّه صبيّ بين يدي معلمه،و كان جابر بن يزيد الجعفي اذا روى عن محمد بن عليّ(عليه السلام)شيئا يقول:حدثني وصيّ الاوصياء و وارث علوم الانبياء محمد بن عليّ بن الحسين(صلوات اللّه عليهم).

و عن محمد بن مسلم قال ما شجر في دائي (2)شيء قط الا سألت عنه ابا جعفر(عليه السلام)حتى سألته عن ثلاثين الف حديث و سألت ابا عبد اللّه (عليه السلام)عن ستة عشر الف حديث.

و روي في حديث عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)قال:اذا مضى الحسين(عليه السلام)قام بالأمر بعده عليّ ابنه(عليه السلام)و هو الحجة و الإمام و يخرج اللّه من صلب عليّ ولدا سميي و اشبه الناس بي،علمه علمي و حكمه حكمي،و هو الإمام و الحجة بعد ابيه.

و روي عن الباقر(عليه السلام)قال:لو وجدت لعلمي لنشرت التوحيد و الإسلام و الدين و الشرائع من الصمد،و كيف لي و لم يجد جدّي امير المؤمنين(عليه السلام)حملة لعلمه.ي.

ص: 116


1- اذ.ظ.
2- اي ما خلج في خاطري و بالي.

و بالجملة اظهر(عليه السلام)من مخبأت (1)كنوز المعارف و حقائق الاحكام و الحكم و اللطائف ما لا يخفى الا على منطمس البصيرة،و فاسد الطوية و السريرة و من ثم قيل هو باقر العلوم و شاهرها.

و كانت الشيعة قبل ان يكون ابو جعفر(عليه السلام)و هم لا يعرفون مناسك حجهم و حلالهم و حرامهم حتى كان ابو جعفر(عليه السلام)ففتح لهم و بين لهم مناسك حجهم و حلالهم و حرامهم حتى صار الناس يحتاجون اليهم من بعد ما كانوا يحتاجون الى الناس.

قال الشيخ المفيد و لم يظهر عن احد من ولد الحسن و الحسين(عليهما السلام)من علم الدين و الآثار و السنة و علم القرآن و السيرة و فنون الادب ما ظهر عن ابي جعفر(عليه السلام)و روى عنه معالم الدين بقايا الصحابة و وجوه التابعين و رؤساء فقهاء المسلمين و صار بالفضل علما لأهله تضرب به الامثال،و تصير بوصفه الآثار و الأشعار،و فيه يقول القرطبي:

يا باقر العلم لأهل التّقى *** و خير من لبىّ على الاجبل (2)

و روى عن ميمون القداح عن جعفر بن محمد عن ابيه(عليهما السّلام) قال:دخلت على جابر بن عبد اللّه الانصاري(رحمه اللّه)فسلمت عليه فرد عليّ السلام ثم قال لي:من انت و ذلك بعد ما كفّ بصره،فقلت محمد بن عليّ بن الحسين(عليه السلام)فقال يا بنيّ ادن مني فدنوت منه فقبل يدي ثم اهوى الى رجلي يقبلهما،فتنحيت عنه،ثم قال لي ان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم) يقرئك السلام،فقلت و على رسول اللّه السلام و رحمة اللّه).

ص: 117


1- اي المختفيات.
2- و قال ابن حجر مع نصبه و شدة عداوته في الصواعق في حقه(عليه السلام)هو باقر العلم و جامعه و شاهر علمه و رافعه صفا قلبه و ذكا علمه و عمله و طهرت نفسه و شرف خلقه و عمرت اوقاته بطاعة اللّه و له من الرسوخ في مقامات العارفين ما تكل عنه ألسنة الواصفين و له كلمات كثيرة في السلوك و المعارف لا تحتملها هذه العجالة.انتهى كلام ابن حجر(منه).

و بركاته،و كيف ذلك يا جابر،فقال كنت معه ذات يوم فقال لي يا جابر لعلك تبقى حتى رجلا من ولدي يقال له محمد بن علي بن الحسين (عليه السلام)يهب اللّه له النور و الحكمة فأقرئه مني السلام.

و روى الشيخ الكليني في كتاب الاطعمة من الكافي عن ابي حمزة الثمالي قال:كنت جالسا في مسجد الرسول(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)اذ اقبل رجل فسلم فقال:من انت يا عبد اللّه،قلت:رجل من اهل الكوفة فقلت ما حاجتك فقال لي:اتعرف ابا جعفر محمد بن علي(عليه السلام)فقلت نعم، فما حاجتك اليه قال هيأت له اربعين مسألة اسأله عنها،فما كان من حق اخذته و ما كان من باطل تركته،قال ابو حمزة،فقلت له:هل تعرف ما بين الحق و الباطل،قال نعم فقلت:له فما حاجتك اليه،اذا كنت تعرف ما بين الحق و الباطل فقال لي:يا اهل الكوفة انتم قوم ما تطاقون اذا رأيت ابا جعفر فاخبرني فما انقطع كلامي معه حتى اقبل ابو جعفر(عليه السلام) و حوله اهل خراسان و غيرهم يسألونه عن مناسك الحج،فمضى حتى جلس مجلسه و جلس الرجل قريبا منه،قال ابو حمزة فجلست حيث اسمع الكلام و حوله عالم من الناس،فلما قضى حوائجهم و انصرفوا التفت الى الرجل، فقال له من انت قال:انا قتادة بن دعامة (1)البصري فقال له ابو جعفر(عليه السلام)انت فقيه اهل البصرة،قال نعم،فقال أبو جعفر(عليه السلام) ويحك يا قتادة ان اللّه جل و عز خلق خلقا من خلقه،فجعلهم حججا على خلقه،فهم اوتاد في ارضه،قوام بأمره،نجباء في علمه،اصطفاهم قبل خلقه اظلة عن يمين عرشه،قال فسكت قتادة طويلا،ثم قال:اصلحك اللّه و اللّه لقد جلست بين يدي الفقهاء و قدام ابن عباس،فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم ما اضطرب قدامك:قال له ابو جعفر(عليه السلام) ويحك تدري اين انت،انت بين يدي بيوت أذن اللّه ان ترفع و يذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدو و الآصال،رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر).

ص: 118


1- بكسر الدال(منه).

اللّه،و اقام الصلاة و ايتاء الزكاة،فانت ثم (1)و نحن اولئك،فقال له قتادة صدقت و اللّه جعلني اللّه فداك و اللّه ما هي بيوت حجارة و لا طين،قال قتادة فاخبرني عن الجبن فتبسم ابو جعفر(عليه السلام)،ثم قال رجعت مسائلك الى هذا قال ضلت عليّ فقال لا بأس به.الحديث.

فصل في احوال الإمام ابي جعفر الباقر(عليه السلام)

روي عن الزهري (2)قال دخلت على عليّ بن الحسين(عليه السلام)في مرضه الذي توفي فيه فدخل عليه محمد ابنه(عليه السلام)فحدثه طويلا بالسر فسمعته يقول فيما يقول،عليك بحسن الخلق.

و عن ابي بكر الحضرمي،قال:لما حمل ابو جعفر(عليه السلام)الى الشام الى هشام بن عبد الملك و صار ببابه قال هشام لاصحابه اذا سكتّ من توبيخ محمد بن علي فلتوبخوه،ثم امر ان يؤذن له فلما دخل عليه ابو جعفر (عليه السلام)قال بيده:السلام عليكم فعمهم بالسلام جميعا ثم جلس فازداد هشام عليه حنقا بتركه السلام عليه بالخلافة،و جلوسه بغير اذن، فقال يا محمد بن علي لا يزال الرجل منكم قد شق عصا المسلمين و دعا الى نفسه و زعم انه الإمام سفها و قلة علم و جعل يوبخه فلما سكت أقبل القوم عليه رجل بعد رجل يوبخه،فلما سكت القوم نهض(عليه السلام)قائما،ثم قال:ايها الناس اين تذهبون و اين يراد بكم،بنا هدى اللّه اوّلكم،و بنا يختم آخركم،فان يكن لكم ملك معجل فان لنا ملكا مؤجّلا و ليس بعد ملكنا ملك لأنّا اهل العاقبة،يقول اللّه عز و جل و العاقبة للمتقين،فامر به

ص: 119


1- بفتح الثاء.
2- الزهري:بضم الزاء و سكون الهاء.ابو بكر محمد بن مسلم ينتهي نسبه الى زهرة بن كلاب.كان من فقهاء المدينة من طبقة التابعين و قد ذكره الجمهور و اثنوا عليه راجع ترجمته من الكنى و الالقاب.

الى الحبس فلما صار في الحبس تكلم فلم يبق في الحبس رجل الا ترشفه (1)و حنّ عليه فجاء صاحب الحبس الى هشام و اخبره بخبره فأمر به،فحمل على البريد هو و اصحابه ليردوا الى المدينة،و امر ان لا تخرج لهم الاسواق و حال بينهم و بين الطعام و الشراب،فساروا ثلاثا لا يجدون طعاما و لا شرابا حتى انتهوا الى مدين (2):فاغلق باب المدينة دونهم،فشكا اصحابه العطش و الجوع قال:فصعد جبلا اشرف عليهم فقال:باعلى صوته:يا اهل المدينة الظالم اهلها،انا بقية اللّه،يقول اللّه بقية اللّه خير لكم ان كنتم مؤمنين و ما انا عليكم بحفيظ،قال و كان فيهم شيخ كبير فأتاهم فقال يا قوم هذه و اللّه دعوة شعيب(عليه السلام)و اللّه لئن لم تخرجوا الى هذا الرجل بالاسواق لتؤخذن من فوقكم و من تحت ارجلكم فصدقوني هذه المرة و اطيعوني و كذبوني فيما تستأنفون فاني ناصح لكم،قال فبادروا و اخرجوا الى ابي جعفر و اصحابه الأسواق (3).

اقول،قال العلامة المجلسي(رحمه اللّه)في شرح الخبر:فلم يبق في الحبس رجل الا ترشّفه(الترشف المص و التقبيل مع اجتماع الماء في الفم و هو كناية عن مبالغتهم في اخذ العلم عنه(عليه السلام)او عن غاية الحب و لعله تصحيف ترسفه بالسين المهملة يعني مشى اليه مشي المقيد يتحامل رجله مع القيد)انتهى.

و روي عن ابي عبد اللّه(عليه السلام)قال ان محمد بن (4)المنكدر كان

ص: 120


1- سيأتي تفسيره.
2- مدين:بالفتح ثم السكون و فتح الياء.مدينة قوم شعيب و هي تجاه تبوك على بحر القلزم بينهما ست مراحل.
3- و في الكافي فبلغ هشام بن عبد الملك خبر الشيخ فبعث اليه فحمله فلم يدر ما صنع به (منه).
4- الظاهر ان محمد بن المنكدر كان من متصوفة العامة كطاوس و شقيق و ابن ادهم و امثالهم حكى صاحب المستطرف عن محمد بن المنكدر انه جزأ عليه و على امه و على اخته الليل اثلاثا فماتت اخته فجزأ عليه و على امه فماتت امه فقام الليل كله اقول لو صح هذا من ابن المنكدر فقد اخذ هذا من آل داود فقد روى ان داود(عليه السلام)جزّأ ساعات الليل و النهار على اهله فلم يكن ساعة الا و انسان من اولاده في الصلاة فقال تعالى اعملوا آل داود شكرا(منه).

يقول ما كنت ارى ان مثل عليّ بن الحسين(عليه السلام)يدع خلفا لفضل عليّ بن الحسين(عليهما السّلام)حتى رأيت ابنه محمد بن عليّ(عليه السلام)فأردت ان اعظه فوعظني فقال له اصحابه باي شيء وعظك قال:

خرجت الى بعض نواحي المدينة في ساعة حارّة فلقيت محمد بن عليّ(عليه السلام)و كان رجلا بدينا و هو متكيء على غلامين له اسودين او موليين له، فقلت في نفسي شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا،و اللّه لأعظنه،فدنوت منه فسلمت عليه فسلم عليّ بنهر و قد تصبّب عرقا فقلت:اصلحك اللّه،شيخ من اشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا،لو جاءك الموت و انت على هذه الحال، قال فخلى عن الغلامين من يده ثم تساند و قال:لو جاءني و اللّه الموت و انا في هذه الحال جائني و انا في طاعة من طاعات اللّه،اكف بها نفسي عنك و عن الناس،و انما كنت اخاف الموت لو جاءني و انا على معصية من معاصي اللّه، فقلت:يرحمك اللّه اردت ان اعظك فوعظتني.

و روي انه(عليه السلام)خرج حاجا فلما دخل المسجد و نظر الى البيت بكى حتى علا صوته ثم طاف بالبيت و صلّى عند المقام فرفع رأسه من سجوده،فاذا موضع سجوده مبتل من كثرة دموع عينيه،و كان(عليه السلام)اذا ضحك قال اللهم لا تمقتني،و كان يقول في جوف الليل في تضرعه:أمرتني فلم أأتمر،و نهيتني فلم انزجر فها انا ذا عبدك بين يديك و لا اعتذر.

و روي عن ابي عبد اللّه(عليه السلام)قال:كان ابي(عليه السلام) اذا احزنه امر جمع النساء و الصبيان ثم دعا،و أمنوا.

و قال ابو عبد اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)كان ابي كثير الذكر لقد كنت امشي معه و انه ليذكر اللّه و لقد كان يحدث القوم و ما يشغله ذلك عن ذكر).

ص: 121

اللّه،و كنت ارى لسانه لازقا (1)بحنكه يقول لا اله الا اللّه و كان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس،و يأمر بالقراءة من كان يقرأ منّا و من كان لا يقرأ منّا امره بالذكر.

فصل في مكارم اخلاقه(عليه السلام)

كان ابو جعفر الباقر(عليه السلام)مع ما وصف من الفضل في العلم و السؤدد (2)و الرياسة و الإمامة ظاهر الجود في الخاصة و العامة،مشهور الكرم في الكافة،معروفا بالتفضل و الاحسان مع كثرة عياله و توسط حاله.

قال ابو عبد اللّه(عليه السلام):كان أبي أقل اهل بيته مالا و اعظمهم مؤونة و كان يتصدق كل جمعة بدينار و كان يقول الصدقة يوم الجمعة تضاعف،لفضل يوم الجمعة على غيره من الايام.

و روي عن الحسن بن كثير قال:شكوت الى ابي جعفر محمد بن عليّ (عليه السلام)الحاجة و جفاء الاخوان،فقال بئس الاخ اخا يرعاك غنيا و يقطعك فقيرا ثم أمر غلامه فاخرج كيسا فيه سبعمئة درهم و قال استنفق هذه فاذا نفدت فاعلمني.

روي انه(عليه السلام)كان يجير (3)الخمسمئة درهم الى الستمئة الى الالف درهم و كان لا يملّ من صلة الاخوان و قاصديه و مؤمليه و راجيه.

و روي عنه عن آبائه(عليهم السّلام)ان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)كان يقول:اشد الاعمال ثلاثة،مواساة الاخوان في المال و انصاف الناس من نفسك و ذكر اللّه على كل حال.

ص: 122


1- اي لاصقا.
2- اي السيادة و الرفعة.
3- اجار فلانا:اغاثة.

و روي عنه(عليه السلام)قوله ما شيب (1)شيء بشيء احسن من حلم بعلم.

و عن الجاحظ في كتاب البيان و التبيين،قال:قد جمع محمد بن عليّ بن الحسين(عليه السلام)،صلاح حال الدنيا بحذافيرها (2)في كلمتين،فقال صلاح جميع المعايش و التعاشر،ملء مكيال،ثلثان فطنة،و ثلث تغافل.

و قال له نصراني:انت بقر،قال لا،انا باقر،قال انت ابن الطباخة قال:ذاك حرفتها،قال انت ابن السوداء الزنجية البذية (3)،قال ان كنت صدقت غفر اللّه لها،و ان كنت كذبت غفر اللّه لك قال فأسلم النصراني.

اقول و لقد اقتدى به سلام اللّه عليه في هذا الخلق الشريف افضل الحكماء و المتكلمين سلطان العلماء و المحققين الوزير الاعظم الخواجه نصير الملة و الدين(قدس اللّه روحه)فقد ذكرنا في ترجمته في الفوائد الرضوية،ان ورقة حضرت اليه من شخص من جملة ما فيها،يا كلب بن كلب فكان الجواب اما قوله يا كذا فليس بصحيح لأن الكلب من ذوات الأربع و هو نابح (4)طويل الأظفار،و اما انا فمنتصب القامة بادي البشرة عريض الاظفار ناطق ضاحك فهذه الفصول و الخواص غير تلك الفصول و الخواص،و اطال في نقض كل ما قال،و هكذا رد عليه بحسن طوية (5)و تأن غير منزعج (6)و لم يقل في الجواب كلمة قبيحة،قلت ليس هذا ببدع ممن قال في حقه العلامة في اجازته الكبيرة،و كان هذا الشيخ افضل عصره في العلوم العقلية و النقلية،و له مصنفات كثيرة في العلوم الحكمية،و الاحكام الشرعية علىق.

ص: 123


1- من الشوب و هو المزج.
2- حذافير:جمع حذفار(بكسر الحاء)و هو الجانب.يقال بحذافيرها اي بجوانبها و بأسرها.
3- البذاء:الفحش و السفاهة.
4- النبح:صوت الكلب.
5- الطوية:النية و الضمير.
6- انزعج:قلق.

مذهب الإمامية،و كان اشرف من شاهدناه في الاخلاق،نور اللّه مضجعه، قرأت عليه إلهيات الشفا لأبي علي بن سينا و بعض التذكرة في الهيئة، تصنيفه،ثم ادركه الموت المحتوم(قدس اللّه روحه).انتهى.

فصل في كلماته و حكمه(عليه السلام)

و من كلمات مولانا الباقر(عليه السلام)في الحكم.

قال:الكمال كل الكمال التفقه في الدين و الصبر على النائبة (1)و تقدير المعيشة.

و قال(عليه السلام):من لم يجعل اللّه له في نفسه واعظا فان مواعظ الناس لن تغني عنه شيئا.

و قال(عليه السلام)كم رجل قد لقى رجلا فقال له:كبت اللّه عدوك و ما له عدو الا اللّه.

و قال(عليه السلام):ما عرف اللّه من عصاه و انشد:

تعصي الإله و انت تظهر حبّه *** هذا لعمرك في الفعال بديع

لو كان حبّك صادقا لأطعته *** ان المحبّ لمن أحبّ مطيع

و قال في وصيته لجابر الجعفي:يا جابر اغتنم من اهل زمانك خمسا:ان حضرت لم تعرف (2)و ان غبت لم تفتقد،و ان شهدت لم تشاور،و ان قلت لم يقبل قولك،و ان خطبت لم تتزوج.

ص: 124


1- النائبة:المصيبة الواردة.
2- لم تعرف:بصيغة المبني للمفعول و كذا ما بعده.

و قال:مثل الحاجة الى من اصاب ماله حديثا كمثل الدرهم في فم الافعى انت اليه محوج (1)و انت منها على خطر.

و قال(عليه السلام)الحياء و الايمان مقرونان في قرن فاذا ذهب احدهما تبعه صاحبه.

و قال لبعض شيعته و قد اراد سفرا،فقال له:(عليه السلام):

أوصني،فقال:لا تسيرن سيرا و انت حاف،و لا تنزلن عن دابتك ليلا الا و رجلاك في خف،و لا تبولن في نفق و لا تذوقن بقلة (2)و لا تشمها حتى تعلم ما هي،و لا تشربن من سقاء (3)حتى تعرف ما فيه و لا تسيرن الا مع من تعرف،و احذر من لا تعرف.

و قال من اعطي الخلق و الرفق فقد اعطي الخير و الراحة و حسن حاله في دنياه و آخرته و من حرم الخلق و الرفق كان ذلك سبيلا الى كل شر و بلية الا من عصمه اللّه.

اقول قد وردت روايات كثيرة في مدح الرفق و كفى في ذلك ما ورد عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،قال لجابر(رضي اللّه عنه):ان هذا الدين لمتين،فاوغل فيه برفق و لا تبغض الى نفسك عبادة اللّه فان المنبتّ لا ارضا قطع و لا ظهرا أبقى.

بيان:يقال للرجل اذا انقطع في سفره و عطب راحلته قد انبتّ من البت (اي القطع)،يريد انه بقي في طريقه عاجزا عن مقصده لم يقض وطره و قد اعطب ظهره،و الظهر الابل التي يحمل عليها و تركب.

قال المحقق الطوسي في آداب المتعلم:و يغتنم ايام الحداثة و عنفوان الشباب و لا يجهد نفسه جهدا يضعف النفس و ينقطع عن العمل بل يستعمل الرفق في ذلك و الرفق اصل عظيم في جميع الأشياء.ن.

ص: 125


1- اسم مفعول من الحاجة.
2- المراد بها كلما نبت من الأرض لأن فيها مظنة التسمم.
3- السقاء:وعاء من جلد للماء و اللبن.

فصل في وفاة الإمام محمد بن علي الباقر(عليه السلام)

توفي ابو جعفر محمد بن علي بن الحسين(عليهم السّلام)بالمدينة يوم الاثنين سابع ذي الحجة سنة 114 ه اربع عشرة و مئة و له سبع و خمسون سنة.

قيل سمّه ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك فتكون وفاته في ايام هشام بن عبد الملك،و قبره بالبقيع في القبر الذي فيه ابوه و عم ابيه الحسن(عليهم السلام)في القبة التي فيها العباس،و أوصى الى ابنه جعفر(عليه السلام) و امره ان يكفنه في برده الذي كان يصلّي فيه يوم الجمعة و ان يعمّمه بعمامته و ان يربع قبره و يرفعه اربع اصابع و ان يحل عنه اطماره عند دفنه.

و روي عن ابي عبد اللّه(عليه السلام)،قال كتب ابي في وصيته،ان اكفنه في ثلاثة اثواب احدها رداء له حبرة،كان يصلي فيه يوم الجمعة و ثوب آخر و قميص،فقلت لأبي:لم تكتب هذا؟فقال:اخاف ان يغلبك الناس و ان قالوا كفّنه في اربعة او خمسة فلا تفعل،و عمّمني بعمامة،و ليس تعد العمامة من الكفن انما يعد ما يلف به الجسد.

و عنه(عليه السلام)ايضا قال لي ابي:يا جعفر اوقف لي من مالي كذا و كذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى،ايام منى.

و روي انّه اوصى بثمانئة درهم لمأتمه،و كان يرى ذلك من السنة،لأن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)قال اتخذوا لآل جعفر طعاما فقد شغلوا.

و عن ابي عبد اللّه(عليه السلام)ان رجلا كان على اميال من المدينة فرأى في منامه،فقيل له انطلق فصلّ على ابي جعفر(عليه السلام)فان الملائكة تغسله في البقيع فجاء الرجل،فوجد ابا جعفر قد توفّي(صلوات اللّه و سلامه عليه).

ص: 126

النور الثامن : امام صادق علیه السلام

اشارة

الإمام السادس ينبوع العلم و معدن الحكمة و اليقين

مولانا ابو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق الامين

صلوات اللّه عليه و على آبائه و ابنائه الطاهرين ولد(عليه السلام)بالمدينة يوم الاثنين سابع عشر من شهر ربيع الأول سنة 83 ه ثلاث و ثمانين من الهجرة،و هو اليوم الذي ولد فيه النبي(صلى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،و هو يوم شريف عظيم البركة و لم يزل الصالحون من آل محمد(عليهم السّلام)من قديم الايام يعظمون حقّه،و يرعون حرمته و في صومه فضل كبير و ثواب جزيل و يستحب فيه الصدقة و زيارة المشاهد المشرّفة و التطوع بالخيرات و ادخال المسرّة على اهل الايمان.

امّه(عليه السلام)النجيبة الجليلة المكرمة فاطمة المعروفة بأم فروة بنت القاسم بن محمد بن ابي بكر،و امّها اسماء بنت عبد الرحمان بن ابي بكر.

قال ابو عبد اللّه(عليه السلام):كانت امّي ممّن آمنت و اتقت و احسنت، و اللّه يحب المحسنين.

و عن عبد الأعلى،قال:رأيت ام فروة تطوف بالكعبة،عليها كساء، متنكرة،فاستلمت الحجر بيدها اليسرى فقال لها رجل يا امة اللّه اخطأت السّنة فقالت إنّا لأغنياء عن علمك (1).

ص: 127


1- الذي يظهر لي من الروايات ان سعيدة المعروفة بالفضل و بالعبادة كانت مولاة ام فروة و هي التي قال لها الصادق(عليه السلام)اسأل اللّه الذي عرفنيك في الدنيا ان يزوجنيك في الجنة (منه).

اقول الظاهر ان الرجل كان من فقهاء العامة و كان المعروف (1)بابن خرّبوذ يعبّر عن الصادق(عليه السلام)بابن المكرمة.

قال المسعودي في اثبات الوصية:و كان ابوها القاسم من ثقات اصحاب عليّ بن الحسين(عليه السلام)،و كانت من اتقى نساء زمانها،وروت عن علي بن الحسين(عليه السلام)احاديث:

منها قوله لها:يا امّ فروة اني لادعو لمذنبي شيعتنا في اليوم و الليلة مئة مرة يعني الاستغفار،لأنا نصبر على ما نعلم و هم يصبرون على ما لا يعلمون انتهى.

و لأم فروة اخت تعرف بأم حكيم كانت زوجة اسحاق العريضي بن عبد اللّه بن جعفر بن ابي طالب،ولدت له القاسم و هو رجل جليل كان اميرا على اليمن،و هو ابو داود بن القاسم المعروف (2)بابي هاشم الجعفري البغدادي،العالم الورع،الثقة الجليل،الذي ادرك الرضا و بقية الأئمة (عليهم السّلام)،و كان من وكلاء الناحية المقدّسة،و لم يكن في آل ابي طالب مثله في علو النسب فانه ينتهي الى عبد اللّه بن جعفر بن ابي طالب بأبوين،القاسم بن اسحاق،توفي في جمادي الاولى سنة 261 مئتين واحدى و ستين و كان قبره مشهورا يزار على ما صرح به المسعودي.و لابن عياش كتاب في اخبار ابي هاشم الجعفري،يروي عنه الطبرسي في اعلام الورى.).

ص: 128


1- معروف بن خرّبوذ(بتشديد الراء)من اصحاب الباقرين(عليهما السّلام)و كان حليف السجدة الطويلة و هو ممن اجتمعت العصابة على تصديقهم و ممن انقادوا له بالفقه.راجع ترجمته من الرجال الكبير،و لا يخفى انه غير المعروف بابن فيروز الكرخي العارف المشهور المتوفي سنة (200)ببغداد.
2- المعروف:صفة داود(منه).

فصل في احوال الإمام جعفر الصادق(عليه السلام)

قال السيد الشبلنجي الشافعي في نور الابصار في احوال ابي عبد اللّه الصادق(عليه السلام)ما هذا لفظه:و مناقبه كثيرة تكاد تفوت عند الحاسب و يحار (1)في انواعها فهم اليقظ الكاتب،و روى عنه جماعة من اعيان الأئمة و اعلامهم،كيحيى بن سعيد،و ابن جريح،و مالك بن انس، و الثوري،و ابن عيينة،و ابي أيوب السجستاني،و غيرهم،قال ابو حاتم:

جعفر الصادق(عليه السلام)ثقة لا يسأل عن مثله.قال ابن قتيبة في كتاب ادب الكاتب و كتاب الجفر:كتبه الإمام جعفر الصادق بن محمد الباقر،فيه كل ما يحتاجون الى علمه الى يوم القيامة و الى هذا الجفر اشار ابو العلاء المعري بقوله:

لقد عجبوا لآل البيت لّما *** اتاهم علمهم في جلد جفر

و مرآة المنجم و هي صغرى *** تريه كل عامرة و قفر

و الجفر من اولاد المعز،ما بلغ اربعة اشهر،و انفصل عن امه.

و في الفصول المهمة،نقل بعض اهل العلم،ان كتاب الجفر الذي بالغرب يتوارثه بنو عبد المؤمن بن عليّ من كلام جعفر الصادق(عليه السلام)و له فيه المنقبة السّنية و الدرجة التي في مقام الفضل علية؛انتهى.

و قال شيخنا المفيد(رحمه اللّه):و كان الصادق جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين(عليهم السّلام)من بين اخوته خليفة ابيه محمد بن عليّ (عليه السلام)و وصيه و القائم بالامامة من بعده و برز على جماعتهم بالفضل و كان أنبههم (2)ذكرا و اعظمهم قدرا و اجلهم في العامة و الخاصة،و نقل

ص: 129


1- اي يضل و يجهل وجه الصواب.
2- اي اشرفهم و اشهرهم.

الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان و انتشر ذكره في البلاد و لم ينقل عن احد من اهل بيته العلماء ما نقل عنه و لا لقي احد منهم من اهل الآثار و نقلة الاخبار؛و لا نقلوا عنهم كما نقلوا عن ابي عبد اللّه(عليه السلام)،فان اصحاب الحديث قد جمعوا اسماء الرواة عنه من الثقات،على اختلافهم في الآراء و المقالات فكانوا اربعة آلاف رجل و كان له(عليه السلام)من الدلائل الواضحة في امامته ما بهرت (1)القلوب و اخرست (2)المخالف عن الطعن فيها بالشبهات،انتهى.

و روي انه(عليه السلام)كان يجلس للعامة و الخاصة و يأتيه الناس من الاقطار يسألونه عن الحلال و الحرام،و عن تأويل القرآن و فصل الخطاب فلا يخرج احد منهم الا راضيا بالجواب،و بالجملة نقل عنه(عليه السلام)من العلوم ما لم ينقل عن احد.

و ذكر عن بعض علماء المخالفين انهم كانوا من تلامذته و من خدمه و اتباعه و الآخذين عنه كأبي حنيفة (3)و محمد بن الحسن و ان ابا يزيد (4)طيفور السقّاء خدمه و سقاه و ابراهيم (5)بن ادهم و مالك بن دينار،كانا من غلمانه.

و روي عنه(عليه السلام)قال:اني اتكلم على سبعين و جهّالي من كلها المخرج.ر.

ص: 130


1- اي غلبت او اضاءت.
2- اي رمته بالخرس(بفتحتين)و هو انعقاد اللسان عن الكلام.
3- ابي حنيفة:النعمان بن ثابت الكوفي احد الأئمة الاربعة لأهل السنة.و كان صاحب الرأي و القياس و قد قيل فيه مدحا و ذما ما قيل في احد توفي سنة 150 و قبره ببغداد معروف(راجع ترجمته في تاريخ بغداد و غيره).
4- ابا يزيد.هو طيفور بن عيسى البسطامي الصوفي المشهور و كان من الزهاد.قيل كان سقاء للإمام الصادق و بعده انه(عليه السلام)مات سنة 148 و هو مات سنة 261 فالتفاوت ما بين وفاتيهما 113 سنة مع انهم لم يذكروا عمر ابي يزيد اكثر من الثمانين؟
5- هو و المالك من كبار الزهاد و قد ذكر لهما كرامات.راجع ترجمتهما من تذكرة الشيخ العطار.

و دخل اليه سفيان الثوري يوما فسمع منه كلاما اعجبه فقال:هذا و اللّه يا ابن رسول اللّه الجوهر،فقال له:بل هذا خير من الجوهر،و هل الجوهر الا الحجر.و روي عن سفيان ايضا انه قال للصادق(عليه السلام):يا ابن رسول اللّه لم جعل الموقف من وراء الحرم و لم يصر في المشعر فقال:الكعبة بيت اللّه و الحرم حجابه و الموقف بابه فلما قصدوه وقفهم بالباب يتضرّعون، فلما اذن لهم بالدخول ادناهم من الباب الثاني و هو المزدلفة فلما نظر الى كثرة تضرعهم و طول اجتهادهم رحمهم،فلما رحمهم امرهم بتقريب قربانهم،فلما قربوا قربانهم و قضوا تفثهم (1)و تطهرّوا من الذنوب،امرهم بالزيارة لبيته، فقال له سفيان:فلم كره الصوم ايام التشريق،قال:لأنهم في ضيافة اللّه و لا يحب للضيف ان يصوم قال سفيان:جعلت فداك فما بال الناس يتعلقون بأستار الكعبة و هي خرق لا تنفع شيئا فقال:ذلك مثل رجل بينه و بين آخر جرم،فهو يتعلق به و يطوف حوله رجاء ان يهب له جرمه.

و روى ابن شهر اشوب عن مسند ابي حنيفة قال الحسن بن زياد:

سمعت ابا حنيفة و قد سئل من افقه من رايت،قال:جعفر بن محمد(عليه السلام)،لما اقدمه المنصور،بعث اليّ،فقال:يا ابا حنيفة ان الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيء له من مسائلك الشداد،فهيأت له اربعين مسألة،ثم بعث اليّ ابو جعفر و هو بالحيرة فاتيته فدخلت عليه و جعفر(عليه السلام)جالس عن يمينه فلما بصرت به دخلني من الهيبة لجعفر ما لم يدخلني لابي جعفر،فسلمت عليه،فأومأ اليّ فجلست،ثم التفت اليه فقال:يا ابا عبد اللّه هذا أبو حنيفة،قال:نعم أعرفه،ثم التفت إليّ فقال:يا ابا حنيفة الق على ابي عبد اللّه من مسائلك،فجعلت القي عليه فيجيبني فيقول انتم تقولون كذا و اهل المدينة يقولون كذا فربما تابعنا و ربما تابعهم و ربما خالفنا جميعا و حتى اتيت على الأربعين مسألة فما اخلّ منها بشيء ثم قال ابو حنيفة:اليس ان اعلم الناس اعلمهم باختلاف الناس.ر.

ص: 131


1- التفث محركة.قيل هو التنظيف من الوسخ و قيل ما يفعله المحرم عند احلاله كقص الشارب و الظفر.

فصل في نبذ من كلامه(عليه السلام)

قال لحمران:يا حمران انظر الى من هو دونك و لا تنظر الى من هو فوقك في المقدرة فان ذلك أقنع لك بما قسم لك،و احرى ان تستوجب الزيادة من ربك،و اعلم ان العمل الدائم القليل على اليقين افضل عند اللّه من العمل الكثير على غير يقين و اعلم انه لا ورع أولى من تجنب محارم اللّه و الكف عن اذى المؤمنين و اغتيابهم،و لا عيش أهنأ من حسن الخلق،و لا مال انفع من القنوع باليسير المجزي،و لا جهل اضر من العجب.

و قال(عليه السلام):ان قدرت على أن لا تخرج من بيتك فافعل، فان عليك في خروجك ان لا تغتاب و لا تكذب و لا تحسد و لا ترائي (1)و لا تتصنع و لا تداهن،ثم قال:نعم صومعة المسلم،بيته،يكفّ فيه بصره و لسانه و نفسه و فرجه.

أقول:حث(عليه السلام)فيه على الاعتزال عن الناس و الانس باللّه تعالى(قال الشاعر):

رغيف خبز يابس تأكله في زاوية *** و كف ماء بارد تشربه في ساقية

و غرفة ضيقة نفسك فيها خالية *** او مسجد بمعزل عن الورى في ناحية

تتلو به صحيفة مستدثرا ببادية *** خير من التيجان في قصر و دار عالية

يا حسنها موعظة *** فاين اذن واعية

و قال(عليه السلام)لفضيل بن عثمان:اوصيك بتقوى اللّه و صدق الحديث و اداء الأمانة و حسن الصحابة لمن صحبك،و اذا كان قبل طلوع

ص: 132


1- من الرياء و هو من حبال الشيطان لمنتحلي العلم اعاذنا اللّه منه.

الشمس و قبل الغروب فعليك بالدعاء،و اجتهد و لا تمتنع من شيء تطلبه من ربك،و لا تقل هذا مالا أعطاه،وادع فان اللّه يفعل ما يشاء.

و قيل له(عليه السلام):على ماذا بنيت أمرك،فقال:على اربعة اشياء علمت ان عملي لا يعمله غيري فاجتهدت،و علمت ان اللّه عز و جل مطلع عليّ فاستحييت،و علمت ان رزقي لا يأكله غيري فاطمأننت، و علمت ان آخر امري الموت فاستعددت.

و قال(عليه السلام)في وصيته لعبد اللّه بن جندب:يا ابن جندب أقلّ النوم بالليل و الكلام بالنهار،فما في الجسد شيء اقل شكرا من العين و اللسان،فان ام سليمان قالت لسليمان:يا بنيّ ايّاك و النوم فانه يفقرك يوم يحتاج الناس الى اعمالهم.

و قال له:و اقنع بما قسمه اللّه لك،و لا تنظر إلا ما عندك،و لا تتمن ما لست تناله،فإنّ من قنع شبع،و من لم يقنع لم يشبع،و خذ حظك من آخرتك،و لا تكن بطرا في الغني و لا جزعا في الفقر،و لا تكن فظّا غليظا يكره الناس قربك،و لا تكن واهنا يحقّرك من عرفك،و لا تشارّ (1)من فوقك،و لا تسخر بمن هو دونك،و لا تنازع الامر اهله،و لا تطع السفهاء،و لا تكن مهينا (2)تحت كل احد،و لا تتكلنّ على كفاية احد، وقف عند كل امر حتى تعرف مدخله من مخرجه قبل ان تقع فيه فتندم.

قوله:(عليه السلام):وقف عند كل امر الخ(فيه الأمر بالتدبر في عاقبة كل امر اهتم به)كما روي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم) قال:لمن طلب منه وصية:اوصيك اذا انت هممت بأمر فتدبر عاقبته،فان يك رشدا فامضه،و ان يك غيا فانته منه.ا.

ص: 133


1- اي لا تخاصم(منه).
2- اي ذليلا.

عن كتاب ربيع الأبرار ان يهوديا سأل النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم) مسألة،فمكث النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)ساعة ثم اجابه عنها.

و قال(عليه السلام)لداود الرقّي،تدخل يدك في فم التنين (1)الى المرفق خير لك من طلب الحوائج الى من لم يكن له فكان.

و عن كنز الفوائد قال:جاء في الحديث ان أبا جعفر المنصور خرج في يوم جمعة متوكئا على يد الصادق جعفر بن محمد(عليه السلام)فقال رجل يقال له رزام مولى خالد بن عبد اللّه:من هذا الذي بلغ من خطره ما يعتمد امير المؤمنين على يده؟فقيل له:هذا ابو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)،فقال إنّي و اللّه ما علمت لوددت ان خد ابي جعفر نعل لجعفر ثم قام فوقف بين يدي المنصور،فقال له:سل يا امير المؤمنين فقال له المنصور:سل هذا،فالتفت رزام الى الإمام جعفر بن محمد(عليه السلام)فقال:اخبرني عن الصلاة و حدودها،فقال له الصادق(عليه السلام)،للصلاة اربعة آلاف حدّ لست تؤاخذ بها،فقال اخبرني بما لا يحل تركه و لا تتم الصلاة إلا به،فقال ابو عبد اللّه(عليه السلام):لا تتم الصلاة الا لذي طهر سابغ (2)و اهتمام بالغ غير نازع و لا زائغ عرف فوقف، و اخبت (3)فثبت،فهو واقف بين اليأس و الطمع و الصبر و الجزع،كأن الوعد له صنع،و الوعيد به وقع،بذل عرضه و تمثل غرضه،و بذل في اللّه المهجة (4)و تنكب غير الحجة مرتغما (5)بارغام،يقطع علائق الاهتمام،يعين من له قصد و اليه وفد،و منه استرفد،فإذا اتى بذلك كانت هي الصلاة التي بها أمر،و عنها أخبر،و انها هي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء و المنكر،ع.

ص: 134


1- اي الافعى.
2- اي الوافي التام.
3- اخبت الى اللّه:اطمئن اليه تعالى و تخشع امامه.
4- اي الدم.
5- رغم انفه للّه:ذل و خضع.

فالتفت المنصور الى أبي عبد اللّه(عليه السلام)فقال له:يا ابا عبد اللّه لا نزال من بحرك نغترف،و اليك نزدلف (1)تبصر من العمى،و تجلو بنورك الطّخياء فنحن نعوم في سبحات قدسك،و طامي بحرك،(قوله(عليه السلام)غير نازغ و لا زائغ،النزغ الظن و الاغتياب و الافساد و الوسوسة، و الزيغ الميل و الطخياء في قول المنصور الظلمة و نعوم اي نسبح،ففي الخبر علّموا صبيانكم العوم اي السباحة و سبحات وجه ربنا جلاله و عظمته و قيل نوره و طما البحر،امتلأ)فانظر الى اعدائهم أقروا بفضلهم هل فوق ذاك فخر.

فصل في مكارم اخلاقه(عليه السلام)و اقرار المخالفين بفضله

الصدوق عن مالك بن انس فقيه المدينة،قال:كنت أدخل على الصادق جعفر بن محمد(عليه السلام)فيقدم لي مخدّة و يعرف لي قدرا،و يقول:يا مالك اني كنت احبك،فكنت أسرّ بذلك و احمد اللّه عليه و كان(عليه السلام)رجلا لا يخلو من احدى ثلاث خصال،اما صائما و اما قائما و اما ذاكرا.

و كان من عظماء العباد و اكابر الزهاد و الذين يخشون اللّه عزّ و جل.

و كان كثير الحديث طيّب المجالسة كثير الفوائد فاذا قال:قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم):اخضر مرة و اصفر اخرى حتى ينكره من كان يعرفه.

و لقد حججت معه سنة،فلما استوت به راحلته عند الاحرام كان كلما همّ بالتلبية انقطع الصوت في حلقه و كاد ان يخرّ من راحلته،فقلت:قل يا ابن رسول اللّه،و لا بدّ لك من ان تقول،فقال:يا ابن ابي عامر كيف اجسر ان اقول لبيك اللهم لبيك،و اخشى ان يقول عز و جل لا لبيك و لا سعديك.

ص: 135


1- اي نتقرب.

و في توحيد المفضل انه لما سمع المفضل من ابن ابي العوجاء،بعض كفرياته،لم يملك غضبه فقال،يا عدو اللّه ألحدت في دين اللّه،و انكرت الباري جل قدسه،الى آخر ما قال له،فقال ابن ابي العوجاء:يا هذا ان كنت من اهل الكلام كلمناك،فان ثبتت لك الحجة تبعناك و ان لم تكن منهم فلا كلام لك،و ان كنت من اصحاب جعفر بن محمد الصادق فما هكذا يخاطبنا،و لا بمثل دليلك يجادلنا،و لقد سمع من كلامنا اكثر مما سمعت فما افحش في خطابنا و لا تعدى في جوابنا،و انه للحليم الرزين (1)العاقل الرصين (2)لا يعتريه خرق و لا طيش و لا نزق،يسمع كلامنا و يصغي الينا و يستغرق (3)حجتنا حتى اذا استفرغنا ما عندنا و ظننا انا قد قطعناه ادحض حجتنا بكلام يسير و خطاب قصير يلزمنا به الحجة و يقطع العذر و لا نستطيع لجوابه ردا،فان كنت من اصحابه فخاطبنا بمثل خطابه.

في تذكرة السبط،قال:و من مكارم اخلاقه(عليه السلام)ما ذكره الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار عن الشّقراني مولى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)قال:خرج العطاء ايام المنصور و مالي شفيع،فوقفت على الباب متحيرا،و اذا بجعفر بن محمد(عليه السلام)قد أقبل،فذكرت له حاجتي فدخل و خرج و اذا بعطائي في كمّه،فناولني اياه و قال ان الحسن من كل احد حسن و انه منك احسن لمكانك منا،و ان القبيح من كل احد قبيح و انه منك اقبح لمكانك منا،و انما قال له جعفر(عليه السلام)ذلك:لأن الشّقراني كان يشرب الشراب،فمن مكارم اخلاق جعفر(عليه السلام)انه رحب به و قضى حاجته مع علمه بحاله و وعظه على وجه التعريض،و هذا من اخلاق الانبياء عليهم السّلام.ا.

ص: 136


1- اي الوقور(منه).
2- الرصين:اي محكم ثابت و الخرق:ضد الرفق:و النزق:الخفة عند الغضب(منه).
3- أي يستقصيها و يحيط بها.

روي انه كن يأكل الخل و الزيت،و يلبس قميصا غليظا خشنا تحت ثيابه،و فوقه جبة صوف و فوقها قميص غليظ،و دخل عليه بعض اصحابه فرأى عليه قميصا فيه قب قد رقعه،فجعل ينظر اليه،فقال ابو عبد اللّه (عليه السلام):ما لك تنظر،فقال قب يلقى في قميصك قال،فقال:

اضرب يدك الى هذا الكتاب فاقرأ ما فيه،و كان بين يديه كتاب او قريب منه،فنظر الرجل فيه فإذا فيه،لا إيمان لمن لا حياء له،و لا مال لمن لا تقدير له و لا جديد لمن لا خلق له(قال في القاموس القبّ ما يدخل في جيب القميص من الرقاع).

و كان(عليه السلام)يختضب بالحناء خضابا قانيا،و كان يحفي شاربه حتى يلصقه بالعسيب(اي منبت الشعر).

و دخل الحمام يوما،فقال لصاحب الحمام اخليه لك،فقال لا حاجة لي في ذلك،المؤمن اخف من ذلك.

و كان يتصدق بالسّكر لأنه احب الاشياء عنده،و أتي له بطعام حار فجعل يكرر:نستجير باللّه من النار نعوذ باللّه من النار نحن لا نقوى على هذا فكيف النار،حتى امكنت القصعة فوضع يده فيها.

و رؤي عليه قميص شبه الكرابيس كانه مخيط عليه من ضيقه و بيده مسحاة يفتح بها الماء،و قال احب ان يتأذّى الرجل بحر الشمس في طلب المعيشة.

و كان يامر باعطاء اجور العملة قبل ان يجف عرقهم،و روي انه(عليه السلام)كان يتلو القرآن في صلاته فغشي عليه،فسئل عن ذلك فقال:ما زلت اكرر آيات القرآن حتى بلغت حال كأنني سمعتها مشافهة ممن أنزلها، و روي انه كان يتمثل(بابيات ظ)لأبي ذر الغفاري(رحمه اللّه).

ص: 137

انت في غفلة و قلبك ساه *** نفد العمر و الذنوب كما هي

جمة حصّلت عليك جميعا *** في كتاب و انت عن ذاك ساهي

لم تبادر بتوبة منك حتى *** صرت شيخا و عظمك اليوم واهي

عجبا منك كيف تضحك جهلا *** و خطاياك قد بدت لإلهي

فتفكر في نفسك اليوم جهدا *** و انف عن نفسك الكرى (1)يا مناهي

و روي ان المنصور سهر ليلة،فدعا الربيع و ارسله الى الصادق(عليه السلام)ان يأتي به،قال الربيع فصرت الى بابه فوجدته في دار خلوته، فدخلت عليه من غير استئذان،فوجدته معفرا خديه،مبتهلا بظهر يديه، قد اثر التراب في وجهه و خديه.

و روى الكليني عن المفضل بن عمر قال:وجه ابو جعفر المنصور الى الحسن بن زيد،و هو واليه على الحرمين،ان احرق على جعفر بن محمد داره فالقى النار في دار ابي عبد اللّه(عليه السلام)فأخذت النار في الباب و الدهليز،فخرج ابو عبد اللّه(عليه السلام)يتخطى النار و يمشي فيها، و يقول:انا ابن اعراق الثرى (2)انا ابن ابراهيم خليل اللّه.

فصل في احوال ابي عبد اللّه الصادق(عليه السلام)

روي أنه سعي بابي عبد اللّه الصادق(عليه السلام)عند المنصور،بانه بعث مولاه المعلّى بن خنيس بجباية الاموال من شيعته،و أنه كان يمد بها محمد بن عبد اللّه،فكاد المنصور ان يأكل كفه على جعفر غيظا،و كتب الى عمه داود،و هو اذ ذاك أمير المدينة،ان يسيّر اليه جعفر بن محمد(عليه السلام)،و لا يرخص له في التلوّم (3)و المقام،فبعث اليه داود بكتاب

ص: 138


1- الكرى:الشدة في المشي و يمكن ان يكون بمعنى الاكراء و هو السهر في الليل.
2- الاعراق جمع عرق و هو اصل كل شيء.و الثرى:الأرض:يعني نحن أوتاء الأرض.
3- التلوم:التمكث.

المنصور،و قال:اعمل في المسير الى أمير المؤمنين في غد،و لا تتأخر،قال صفوان الجمال:و كنت يومئذ بالمدينة فأنفذ الي ابو عبد اللّه(عليه السلام) فصرت اليه فقال لي:تعهد راحلتنا فانّا غادون في غد ان شاء اللّه الى العراق،و نهض من وقته و انا معه الى مسجد النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)،و ركع فيه ركعات ثم رفع يديه و دعا بدعاء،قال صفوان سألته (عليه السلام)ان يعيد الدعاء عليّ فأعاده و كتبته،فلما اصبح ابو عبد اللّه (عليه السلام)رحلت له الناقة و سار متوجها الى العراق حتى قدم مدينة ابي جعفر،و اقبل حتى استأذن فأذن له و قربه و ادناه،ثم اسند قصة الرافع على ابي عبد اللّه(عليه السلام)و نحن نوردها برواية الشيخ الكليني،فروى مسندا عن صفوان الجمال قال حملت ابا عبد اللّه(عليه السلام)الحملة الثانية الى الكوفة،و ابو جعفر المنصور بها،فلما أشرف(عليه السلام)على الهاشمية مدينة ابي جعفر اخرج رجله من غرز (1)الرحل ثم نزل ودعا ببغلة شهباء و لبس ثيابا بيضاء و تكة بيضاء،فلما دخل عليه قال له ابو جعفر:لقد تشبهت بالانبياء،فقال ابو عبد اللّه(عليه السلام):و أنّي تبعدني من ابناء الأنبياء،قال لقد هممت ان ابعث الى المدينة من يعقر (2)نخلها و يسبي ذريتها،فقال:و لم ذاك يا امير المؤمنين،فقال رفع اليّ ان مولاك المعلى بن خنيس يدعو اليك و يجمع لك الأموال،فقال و اللّه ما كان،فقال لست ارضى منك الا بالطلاق و العتاق و الهدي و المشي،فقال أبا لأنداد من دون اللّه تأمرني أن أحلف؟انه من لم يرض باللّه فليس من اللّه في شيء،فقال اتتفقه عليّ،فقال و انّي تبعدني من التفقه و انا ابن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،قال:فانّي اجمع بينك و بين من سعى بك،قال فافعل،قال فجاء الرجل الذي سعى به فقال ابو عبد اللّه(عليه السلام):ما هذا قال:

فقال نعم و اللّه الذي لا اله الا هو عالم الغيب و الشهادة الرحمان الرحيم لقدع.

ص: 139


1- غرز:ركاب(منه).
2- اي يقطع.

فعلت،فقال له ابو عبد اللّه(عليه السلام)يا ويلك تبجل اللّه تعالى فيستحيي من تعذيبك،و لكن قل برئت من حول اللّه و قوته و التجأت الى حولي و قوتي،فحلف بها الرجل فلم يستتمها حتى وقع ميتا،قال له ابو جعفر لا اصدق بعدها عليك ابدا،و احسن جائزته وردّه.

اقول قد ظهر من هذه الرواية و من روايات أخران مجيء الصادق(عليه السلام)من المدينة الى العراق كان اكثر من مرة واحدة،و يظهر من روايات كثيرة ان المنصور احضره(عليه السلام)مرات عديدة ليقتله فدعا اللّه تعالى لكفاية شرّ المنصور فكفاه اللّه تعالى شرّه،فكان من دعائه مرة لما احضره ليقتله و طرح له سيفا و نطعا،حسبي الرب من المربوبين،و حسبي الخالق من المخلوقين،و حسبي الرازق من المرزوقين،و حسبي اللّه رب العالمين، حسبي من هو حسبي،حسبي من لم يزل حسبي،حسبي اللّه لا اله الا هو،عليه توكلت و هو ربّ العرش العظيم.

و كان من دعائه(عليه السلام)،لما اخذه صاحب المدينة و وجّه به الى المنصور و كان المنصور استعجله و استبطأ قدومه حرصا منه على قتله،يا من لا يضام (1)و لا يرام،و به تواصل الارحام،صلّ على محمد و آله و اكفني شره بحولك و قوتك.

و كان من دعائه(عليه السلام)ايضا،اللهم انت تكفي من كل شيء،و لا يكفي منك شيء،فاكفنيه.

و كان من دعائه(عليه السلام)حين امر المنصور باحضاره،فلما بصر به قال قتلني اللّه ان لم اقتلك،اتلحد في سلطاني و تبغيني (2)الغوائل.قال الربيع:و كنت رأيت جعفر بن محمد(عليه السلام)حين دخل على المنصور يحرك شفتيه،و كلما حركهما سكن غضب المنصور،حتى أدناه منه و قد رضية.

ص: 140


1- لا يضام:اي لا يقهر و لا ينتقص.
2- الغوائل:و لكن الظاهر ان معناه الاحقاد الباطنة و الشرور و الخرق في السلطنة.

عنه،فلما خرج(عليه السلام)اتبعته و قلت له بأي شيء كنت تحرك شفتيك حتى سكن غضبه،قال بدعاء جدي الحسين بن عليّ(عليه السلام)،قلت:جعلت فداك و ما هذا الدعاء،قال:يا عدتي عند شدتي،و يا غوثي في كربتي،احرسني بعينك التي لا تنام،و اكنفني بركنك الذي لا يرام.قال الربيع:فحفظت هذا الدعاء فما نزلت بي شدة قط الا دعوت به ففرج.

فصل فيما جري عليه(عليه السلام)من المنصور

و نقل السيد بن طاوس عن كتاب عتيق باسناده فيه عن محمد بن الربيع الحاجب،قال:قعد المنصور يوما في قصره في القبة الخضراء ،و كانت قبل قتل محمد و ابراهيم تدعى الحمراء،و كان له يوم يقعد فيه يسمى ذلك اليوم،يوم الذبح،و كان أشخص جعفر بن محمد(عليه السلام)من المدينة،فلم يزل في الحمراء نهاره كله حتى جاء الليل،و مضى اكثره،قال:ثم دعا ابي،الربيع فقال له:يا ربيع،انك تعرف موضعك مني،و أنّي يكون لي الخبر و لا تظهر عليه امهات الأولاد و تكون انت المعالج له.فقال:قلت يا أمير المؤمنين ذلك من فضل اللّه عليّ،و فضل امير المؤمنين،و ما فوقي في النصح غاية،قال:كذلك انت،سر الساعة الى جعفر بن محمد بن فاطمة،فأتني به على الحال الذي تجده عليه،لا تغيّر شيئا مما هو عليه فقلت انا للّه و انا اليه راجعون،هذا و اللّه هو العطب (1)ان اتيت به على ما اراه من غضبه قتله و ذهبت الآخرة،و ان لم آت به و ادهنت في امره قتلني و قتل نسلي و اخذ اموالي،فخيرت بين الدنيا و الآخرة فمالت نفسي الى الدنيا،قال محمد بن الربيع،فدعاني ابي و كنت افظ ولده و اغلظهم قلبا،

ص: 141


1- العطب:الهلاك.

فقال لي:امض الى جعفر بن محمد بن علي فتسلّق (1)على حائطه و لا تستفتح عليه بابا،فيغير بعض ما هو عليه،و لكن انزل عليه نزولا فأت به على الحال التي هو فيها،قال:فاتيته و قد ذهب الليل الا أقله،فامرت بنصب السلاليم،و تسلقت عليه الحائط فنزلت عليه داره،فوجدته قائما يصلّي و عليه قميص و منديل قد ائتزر به،فلما سلم من صلاته قلت له:اجب امير المؤمنين،فقال:دعني ادعو و البس ثيابي،فقلت ليس الى تركك و ذلك سبيل،قال:و أدخل المغتسل فاتطهر،قال:قلت و ليس الى ذلك سبيل، فلا تشغل نفسك فانّي لا ادعك تغيّر شيئا،قال فأخرجته حافيا حاسرا (2)في قميصه و منديله،و كان قد جاوز السبعين،فلما مضى بعض الطريق ضعف الشيخ،فرحمته فقلت له اركب فركب بغلا شاكريا (3)كان معنا،ثم صرنا الى الربيع فسمعته و هو يقول له:ويلك يا ربيع قد ابطأ الرجل،و جعل يستحثه استحثاثا شديدا،فلما ان وقعت عين الربيع على جعفر بن محمد (عليه السلام)و هو بتلك الحال،بكى و كان الربيع يتشيع،فقال له جعفر (عليه السلام)يا ربيع انا اعلم ميلك الينا،فدعني أصلّي ركعتين و ادعو،قال:شأنك و ما تشاء،فصلّى ركعتين خففهما،ثم دعا بعدهما بدعاء لم افهمه الا أنه دعاء طويل،و المنصور في ذلك كله يستحث الربيع فلما فرغ من دعائه،على طوله،اخذ الربيع بذراعيه فأدخله على المنصور، فلما صار في صحن الايوان وقف ثم حرك شفتيه بشيء لم ادر ما هو،ثم ادخلته فوقف بين يديه فلما نظر اليه قال:و انت يا جعفر ما تدع حسدك و بغيك و افسادك على اهل هذا البيت من بني العباس و ما يزيدك اللّه بذلك الا شدة حسد و نكد ما تبلغ به ما تقدره،فقال له:و اللّه يا أمير المؤمنين ما فعلت شيئا من هذا و لقد كنت في ولاية بني امية و أنت تعلم انهم اعدى الخلق لنار.

ص: 142


1- اي اصعد عليه.
2- اي منكشفا.
3- اي المستخدم و الاجير.

و لكم،و أنهم لا حق لهم في هذا الأمر فواللّه ما بغيت عليهم،و لا بلغهم عنّي سوء مع جفائهم الذي كان بي،و كيف يا أمير المؤمنين أصنع الآن هذا و انت ابن عمي و امس الخلق بي رحما و اكثرهم عطاء وبرا،فكيف افعل هذا،فاطرق المنصور ساعة و كان على لبد و عن يساره رفقة (1)جرمقانية، و تحت لبده سيف ذو فقار،كان لا يفارقه اذا قعد في القبة،قال:

ابطلت (2)و اثمت،ثم رفع ثني الوسادة،فاخرج منها اضبارة كتب فرمى بها اليه،و قال هذه كتبك الى اهل خراسان تدعوهم الى نقض بيعتي و ان يبايعوك دوني،فقال و اللّه يا أمير المؤمنين ما فعلت و لا استحل ذلك و لا هو من مذهبي،و إني لمن يعتقد طاعتك على كل حال و قد بلغت من السن ما قد اضعفني عن ذلك لو اردته،فصيّرني في بعض حبوسك حتى يأتيني الموت، فهو مني قريب،فقال لا و لا كرامة،ثم اطرق و ضرب يده الى السيف فسل منه مقدار شبر و اخذ بمقبضه،فقلت:انا للّه ذهب و اللّه الرجل،ثم رد السيف و قال:يا جعفر اما تستحيي مع هذه الشيبة و مع هذا النسب ان تنطق بالباطل،و تشق عصا المسلمين،تريد ان تريق الدماء و تطرح الفتنة بين الرعية و الاولياء،فقال:لا و اللّه يا امير المؤمنين ما فعلت و لا هذه كتبي و لا خطي و لا خاتمي فانتضى من السيف ذراعا،فقلت انا للّه مضى الرجل،و جعلت في نفسي ان امرني فيه بامر ان اعصيه،لأنني ظننت انه يأمرني ان اخذ السيف فاضرب به جعفر فقلت ان أمرني ضربت المنصور و ان أتى ذلك عليّ و على ولدي،و تبت الى اللّه عز و جل مما كنت نويت فيه أولا فأقبل يعاتبه،و جعفر يعتذر،ثم انتضى السيف الا شيئا يسيرا منه،فقلت انا للّه مضى و اللّه الرجل ثم اغمد السيف و اطرق ساعة، ثم رفع رأسه و قال:اظنك صادقا،يا ربيع هات العيبة (3)من موضع كانت فيه في القبة،فاتيته بها فقال:ادخل يدك فيها فكانت مملوءة غالية وضعها في لحيته و كانت بيضاء فاسودت،و قال لي احمله على فاره (4)من دوابي التيط.

ص: 143


1- الظاهر انها مرفقة كمكنسة و هي المخدة.
2- اي جئت بالباطل(منه).
3- العيبة:ما يجعل فيه الثياب كالصندوق.
4- اي سمين حاذق ذي نشاط.

اركبها،و اعطه عشرة آلاف درهم،و شيعه الى منزله مكرّما،و خيره اذا اتيت به الى المنزل بين المقام عندنا فنكرمه،و الانصراف الى مدينة جدّه رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،فخرجنا من عنده و انا مسرور فرح بسلامة جعفر،و متعجب مما اراد المنصور و ما صار اليه من امره،الخبر؛ اقول:ما ذكر في هذا الخبر أنه(عليه السلام)قد جاوز السبعين لا يوافق ما ذكره العلماء و ارباب السير من تاريخ عمره الشريف.

قال الشيخ الكليني و الشيخ المفيد في ذكر وفاته(عليه السلام)،و مضى في شوال من سنة ثمان و اربعين و مئة،و له خمس و ستون سنة،و قال الشهيد في الدروس،و قبض في شوال،و قيل في منتصف رجب يوم الاثنين سنة 148 ثمان و اربعين و مئة،عن خمس و ستين سنة،و مثله في اعلام الورى بادنى تفاوت.

و عن ابن الخشاب عن محمد بن سنان قال مضى ابو عبد اللّه(عليه السلام)و هو ابن خمس و ستين سنة و يقال ثمان و ستين سنة.

فعلى هذا إنّي احتمل قويا ان يكون لفظ السبعين مصحف الستين و ان كان قولا ضعيفا انه(عليه السلام)توفي و هو ابن احدى و سبعين سنة،نقله صاحب كشف الغمة عن محمد بن سعيد و سبط بن الجوزي عن الواقدي.

و روى الشيخ باسناده عن محمد بن ابراهيم قال:بعث ابو جعفر المنصور إلى أبي عبد اللّه جعفر بن محمد(عليه السلام)،و امر بفرش فطرحت الى جانبه فاجلسه عليها،ثم قال:عليّ بمحمد عليّ بالمهدي يقول ذلك مرارا،فقيل له:الساعة الساعة يأتي يا أمير المؤمنين ما يحسبه الا انه يتبخر،فما لبث ان وافى و قد سبقته رائحته،فاقبل المنصور على جعفر (عليه السلام)فقال يا ابا عبد اللّه حديث حدثته في صلة الرحم،اذكره يسمعه المهدي،قال نعم حدثني ابي عن ابيه عن جدّه عن علي(عليه السلام)قال:قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)ان الرجل ليصل

ص: 144

رحمه و قد بقي من عمره ثلاث سنين فيصيرها اللّه عز و جل ثلاثين سنة و يقطعها و قد بقي من عمره ثلاثون سنة يصيرها اللّه ثلاث سنين،ثم تلا (عليه السلام):يمحو اللّه ما يشاء و يثبت و عنده ام الكتاب،قال هذا حسن يا ابا عبد اللّه و ليس اياه اردت،قال ابو عبد اللّه(عليه السلام) نعم،حدثني أبي عن أبيه عن جدّه عن عليّ(عليه السلام)،قال:قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم):صلة الرحم تعمر الديار و تزيد في الاعمار و ان كان أهلها غير أخيار،قال هذا حسن يا ابا عبد اللّه و ليس هذا اردت فقال ابو عبد اللّه(عليه السلام):نعم حدثني ابي عن ابيه عن جده عن عليّ(عليه السلام)قال:قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)،صلة الرحم تهون الحساب و تقي ميتة السوء قال المنصور:نعم هذا اردت.

فصل بأمر المنصور بالصادق(عليه السلام)

روى الشيخ بن شهرآشوب(رحمه اللّه)عن محمد بن سنان عن المفضل بن عمر أن المنصور قد كان هم بقتل ابي عبد اللّه(عليه السلام) غير مرة فكان اذا بعث اليه و دعاه ليقتله فاذا نظر اليه هابه و لم يقتله،غير أنه منع الناس عنه،و منعه من القعود للناس،و استقصى عليه أشد الاستقصاء،حتى انه كان يقع لاحدهم مسألة في دينه في نكاح او طلاق او غير ذلك فلا يكون علم ذلك عندهم و لا يصلون اليه،فيعتزل الرجل و أهله،قلت و يؤيد هذا الخبر ما رواه القطب الراوندي عن هارون بن خارجة،قال:كان رجل من اصحابنا طلق امرأته ثلاثا،فسأل اصحابنا، فقالوا:ليس بشيء،فقالت امرأته:لا ارضى حتى تسأل ابا عبد اللّه، و كان بالحيرة اذ ذاك ايام ابي العباس،قال:فذهبت الى الحيرة و لم اقدر على

ص: 145

كلامه،اذ منع الخليفة الناس من الدخول على ابي عبد اللّه(عليه السلام)،و انا انظر كيف التمس لقاءه،فاذا سواديّ عليه جبة صوف يبيع خيارا،فقلت له بكم خيارك هذا كله،قال بدرهم،فاعطيته درهما و قلت له اعطني جبتك هذه فاخذتها و لبستها و ناديت من يشتري خيارا و دنوت منه (عليه السلام)،فاذا غلام من ناحية ينادي يا صاحب الخيار،فقال(عليه السلام)لي لما دنوت منه ما أجود ما احتلت،اي شيء حاجتك،قلت اني ابتليت فطلقت اهلي في دفعة ثلاثا فسألت اصحابنا فقالوا:ليس بشيء، و ان المرأة قالت لا ارضى،حتى تسأل ابا عبد اللّه(عليه السلام)،فقال ارجع الى اهلك فليس عليك شيء.

و روى كش (1)عن عنبسة قال سمعت ابا عبد اللّه(عليه السلام) يقول:اشكو الى اللّه وحدتي و تقلقلي (2)من اهل المدينة حتى تقدموا و أراكم و اسرّ بكم،فليت هذه الطاغية اذن لي فاتخذت قصرا فسكنته و اسكنتكم معي،و اضمن له ان لا يجيء من ناحيتنا مكروه ابدا.

اقول:لما منع الصادق من القعود للناس شقّ ذلك على شيعته، و صعب عليهم،حتى القى اللّه عز و جل في روع المنصور ان يسأل الصادق (عليه السلام)ليتحفه بشيء من عنده لا يكون لاحد مثله،فبعث اليه بمخصرة (3)كانت للنبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)طولها ذراع،ففرح بها فرحا شديد،و امر ان تشق له اربعة ارباع،و قسمها في اربعة مواضع ثم قال:ما جزاؤك عندي الا ان اطلق لك و نفشي علمك لشيعتك،و لا اتعرض لك و لا لهم،فاقعد غير محتشم وافت الناس،و لا تكن في بلد أنا فيه،فغشا العلم عن الصادق(عليه السلام).ا.

ص: 146


1- كش:رمز للكشى و هو الشيخ ابو عمر و محمد بن عمر الكشي.ثقة.بصير بالاخبار و الرجال.له كتاب الرجال الذي اختصره شيخ الطائفة و سماه اختيار الرجال.و الموجود بايدينا هو ذاك الاختيار.
2- تقلقل في البلا:تقلب فيها.
3- المخصرة:شيء كالسوط:او ما يتوكأ عليه كالعصا.

اقول:و يظهر من رواية المحاسن،ان الناس اجتمعوا عنده و تداكوا (1)عليه حتى يأخذوا من علمه(عليه السلام)،و الرواية هذه عن معاوية بن ميسره بن شريح،قال:شهدت ابا عبد اللّه(عليه السلام)في مسجد الخيف و هو في حلقة فيها نحو من مئتي رجل،و فيهم عبد اللّه بن (2)شبرمة فقال يا أبا عبد اللّه انّا نقضي بالعراق فنقضي من الكتاب و السنّة،و ترد علينا المسألة فنجتهد فيها بالرأي قال:فانصت الناس جميع من حضر للجواب و اقبل ابو عبد اللّه(عليه السلام)على من يمينه،يحدثهم،فلما رأى الناس ذلك اقبل بعضهم الى بعض،و تركوا الانصات،ثم تحدثوا ما شاء اللّه،ثم ان ابن شبرمة قال يا أبا عبد اللّه،انّا قضاة العراق،و انّا نقضي بالكتاب و السنة،و انه ترد علينا اشياء و نجتهد فيها بالرأي،قال:

فأنصت جميع الناس للجواب،و اقبل ابو عبد اللّه(عليه السلام)على من على يساره يحدثهم،فلما رأى الناس ذلك اقبل بعضهم على بعض و تركوا الانصات،ثم ان ابن شبرمة سكت ما شاء اللّه ثم عاد لمثل قوله،فاقبل ابو عبد اللّه(عليه السلام)فقال:اي رجل كان عليّ بن ابي طالب(عليه السلام)فقد كان عندكم بالعراق و لكم فيه خبر،قال فأطراه (3)ابن شبرمة و قال فيه قولا عظيما،فقال له ابو عبد اللّه(عليه السلام)فان عليّا أبى ان يدخل في دين اللّه الرأي،و ان يقول في شيء من دين اللّه بالرأي و المقاييس.ه.

ص: 147


1- اي ازدحموا.
2- عبد اللّه بن شبرمة بالشين المعجمة و بعدها باء منقطة تحتها نقطة و الراء قبل الميم من اصحاب علي بن الحسين(عليه السلام)كان قاضيا لابي جعفر على سواد الكوفة مات سنة 144 اربع و اربعين و مئة(صه)في القسم الثاني و كان كوفيا شاعرا(منه).
3- اطرى فلانا:احسن الثناء عليه و بالغ في مدحه.

فصل في وفاته و وصيته(عليه السلام)

قبض ابو عبد اللّه(عليه السلام)في شوّال من سنة 148 ثمان و اربعين و مئة مسموما،في عنب سمّه المنصور،و له خمس و ستون سنة،و قد عيّن بعض المتتبعين يوم وفاته(عليه السلام)في الخامس و العشرين منه،و قيل يوم الاثنين لنصف من رجب كما اشرنا الى ذلك سابقا.

نقل عن مشكاة الانوار انه دخل بعض اصحاب ابي عبد اللّه(عليه السلام)في مرضه الذي توفي فيه اليه و قد ذبل (1)فلم يبق الا رأسه،فبكى فقال:لأي شيء تبكي،فقال كيف لا أبكي و انا أراك على هذه الحال؟ قال:لا تفعل فان المؤمن تعرض(عليه ظ)كل خير ان تقطع أعضاؤه كان خيرا له،و ان ملك ما بين المشرق و المغرب كان خيرا له.

و روى الشيخ عن سالمة مولاة ابي عبد اللّه(عليه السلام)،قالت:

كنت عند ابي عبد اللّه جعفر بن محمد(عليه السلام)حين حضرته الوفاة و اغمي عليه،فلما افاق قال:أعطي الحسن بن علي بن علي بن الحسين(عليه السلام)و هو الافطر،سبعين دينارا و أعطي فلانا كذا،و فلانا كذا،فقلت اتعطي رجلا حمل عليك بالشفرة (2)يريدان يقتلك،قال تريدين ان لا أكون من الذين قال اللّه عز و جل:و الذين يصلون ما أمر اللّه به ان يوصل و يخشون ربهم و يخافون سوء الحساب،نعم يا سالمة ان اللّه تعالى خلق الجنة فطيبها و طيب ريحها،و ان ريحها يوجد في مسيرة ألفي عام،و لا يجد ريحها عاق و لا قاطع رحم.

ص: 148


1- ذبل النبات:ذهبت نضارته.ضمر.
2- الشفرة:السكين العظيم.حد السيف.

و روى الشيخ الصدوق عن ابي بصير قال دخلت على ام حميدة اعزيها بابي عبد اللّه(عليه السلام)،فبكت و بكيت لبكائها،ثم قالت يا ابا محمد لو رأيت ابا عبد اللّه(عليه السلام)عند الموت لرأيت عجبا،فتح عينيه ثم قال:اجمعوا لي كل من بيني و بينه قرابة،قالت:فلم نترك احدا الا جمعناه،قالت فنظر اليهم ثم قال:ان شفاعتنا لا تنال مستخفّا بالصلاة.

روى القطب الراوندي عن داود بن كثير الرقّي،قال:وفد من خراسان وافد يكنى ابا جعفر،و اجتمع اليه جماعة من اهل خراسان فسألوه ان يحمل لهم اموالا و متاعا و مسائلهم في الفتاوى و المشاورة،فورد الكوفة و نزل و زار امير المؤمنين(عليه السلام)،و رأى في ناحية رجلا حوله جماعة،فلما فرغ من زيارته قصدهم فوجدهم،شيعة فقهاء،يسمعون من الشيخ،فسألهم عنه،فقالوا:هو ابو حمزة الثمالي،قال:فبينا نحن جلوس اذ اقبل اعرابي،فقال جئت من المدينة و قد مات جعفر بن محمد(عليه السلام)،فشهق ابو حمزة ثم ضرب بيده الأرض ثم سأل الاعرابي هل سمعت له بوصية،قال اوصى الى ابنه عبد اللّه والى ابنه موسى (عليه السلام)والى المنصور،فقال الحمد للّه الذي لم يضلّنا،دل على الصغير و بيّن على الكبير و ستر الامر العظيم،و وثب الى قبر امير المؤمنين (عليه السلام)فصلى و صلينا،ثم اقبلت عليه و قلت له:فسّر لي ما قلته.

قال:بيّن ان الكبير ذو عاهة،و دل على الصغير،بان ادخل يده مع الكبير،و ستر الامر العظيم بالمنصور حتى اذا سأل المنصور من وصيه، قيل:انت.

قال المسعودي:و دفن(عليه السلام)بالبقيع مع ابيه و جده،و له خمس و ستون سنة،و قيل انه سمّ،و على قبورهم في هذا الموضع من البقيع رخامة،عليها مكتوب:بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للّه مبيد الامم، و محيي الرمم،هذا قبر فاطمة بنت رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم) سيدة نساء العالمين،و قبر الحسن بن علي بن ابي طالب،و علي بن الحسين بن

ص: 149

علي بن ابي طالب،و محمد بن علي،و جعفر بن محمد رضي اللّه عنهم انتهى.

و انا اقول صلوات اللّه عليهم،فقد رفعهم اللّه من ان يقال فيهم رحمهم اللّه و اما فاطمة التي دفنت الأئمة(عليهم السّلام)معها فهي فاطمة بنت اسد أم امير المؤمنين(عليه السلام)،و اما فاطمة بنت رسول اللّه(صلّى اللّه عليها)فالظاهر انها دفنت في بيتها كما حقق ذلك في محله.

و روي عن عيسى بن داب،قال لما حمل ابو عبد اللّه جعفر بن محمد (عليه السلام)على سريره و اخرج الى البقيع ليدفن قال ابو هريرة (1):

اقول و قد راحوا به يحملونه *** على كاهل (2)من حامليه و عاتق

اتدرون ماذا تحملون الى الثرى *** ثبيرا (3)ثوى (4)من رأس علياء شاهق

غداة حثى (5)***الحاثون فوق ضريحه ترابا و أولى كان فوق المفارق

قال شيخنا المفيد(رحمه اللّه)في المقنعة،باب فضل زيارة علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد،(عليهم السّلام).

روي عن الصادق(عليه السلام)انه قال:من زارني غفرت له ذنوبه و لم يمت فقيرا.

و روي عن ابي محمد الحسن بن علي العسكري(عليه السلام)انه قال:من زار جعفرا و أباه،لم يشتك عينه،و لم يصبه سقم،و لم يمت مبتلى.ب.

ص: 150


1- ليس هذا ابو هريرة الصحابي المعروف بالكذب،بل هو ابو هريرة العجلي الذي عد في شعراء اهل البيت(عليهم السّلام)المجاهرين،روي عن ابي بصير قال:قال ابو عبد اللّه (عليه السلام)ينشدنا شعر ابي هريرة،قلت جعلت فدك انه كان يشرب،فقال له(رحمه اللّه) و ما ذنب الا و يغفره اللّه لو لا بغض علي(عليه السلام)(منه).
2- اي اعلى الظهر مما يلي العنق.
3- اسم لأربعة جبال قرب مكة.احدها ثبير الاعرج و الثاني ثبير المنى.
4- اي اقام.
5- حثا:أهال التراب.

قال الصادق(عليه السلام)من زار اماما من الأئمة و صلى عنده اربع ركعات،كتبت له حجة و عمرة.

و قيل للصادق(عليه السلام)ما حكم من زار احدكم،قال:يكون كمن زار رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم).

و قال الرضا(عليه السلام)ان لكل امام عهدا في اعناق شيعته و أوليائه،و ان من تمام الوفاء بالعهد و حسن الاداء زيارة قبورهم،فمن زارهم رغبة في زيارتهم و تصديقا بما رغبوا فيه،كانوا شفعاءه يوم القيامة و للّه در السيد صالح القزويني في قوله من قصيدة بائية:

و للّه (1)***افلاك البقيع فكم بها كواكب من آل النبي غوارب (2)

حوت منهم ما ليس تحويه بقعة *** و نالت بهم ما لم تنله الكواكب

فبوركت ارضا كل يوم و ليلة *** تطوف من الاملاك فيك كتائب (3)

و فيك الجبال الشم (4)***حلما هو امد (5) و فيك البحور الفعم جودا نواضب (6)

مناقبهم مثل النجوم كأنها *** مصائبهم لم يحصها الدهر حاسب

و هم للورى امّا نعيم مؤبد *** و اما عذاب في القيامة واصب (7)).

ص: 151


1- اي للّه دره يعني له من اللّه خير كثير.
2- جمع غارب بمعنى الافل و المراد هنا افولهم تحت التراب.
3- جمع كتيبة و هي القطعة من الخيل.
4- اي المرتفعة.
5- جمع هامد و هو الساكن.
6- نضب الماء:جفّ و قلّت مادته
7- اي دائم(منه).

النور التاسع: امام موسی بن جعفر علیه السلام

اشارة

الإمام السابع،باب الحوائج الى اللّه تعالى العبد الصالح،ابو الحسن موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام)

قال كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي في حقّه:هو الإمام الكبير القدر،العظيم الشأن،الكثير التهجد،الجاد في الاجتهاد،المشهور بالعبادة،المواظب على الطاعات،المشهود بالكرامات،يبيت الليل ساجدا و قائما،و يقطع النهار متصدقا و صائما،و لفرط حلمه و تجاوزه عن المعتدين عليه،دعي كاظما،كان يجازي المسيء باحسانه اليه،و يقابل الجاني عليه بعفوه عنه،و لكثرة عباداته كان يسمى بالعبد الصالح،و يعرف في العراق بباب الحوائج الى اللّه،لنجح المتوسلين الى اللّه تعالى به،كراماته تحار منها العقول،و تقضي بان له عند اللّه تعالى قدم صدق لا تزل و لا تزول.

انتهى.

ولد(عليه السلام)بالابواء منزل بين مكة و المدينة،يوم الاحد (1)لسبع خلون من صفر سنة 128 ه (2)ثمان و عشرين و مئة.

امه:(عليه السلام)حميدة المصفاة البربرية،و كانت من اشراف الأعاجم،قال الصادق(عليه السلام):حميدة مصفاة من الادناس كسبيكة

ص: 152


1- و قيل في الثلاثاء.
2- و قيل سنة 129 في خلافة ابراهيم بن وليد.

الذهب،ما زالت الاملاك تحرسها،حتى أدّت اليّ كرامة من اللّه لي، و الحجّة من بعدي،و يظهر من بعض الروايات ان الصادق(عليه السلام) كان يأمر النساء في اخذ الاحكام اليها.

روي عن ابي بصير قال:كنت مع ابي عبد اللّه(عليه السلام)في السنة التي ولد فيها ابنه موسى(عليه السلام)فلما نزلنا الابواء،وضع لنا ابو عبد اللّه(عليه السلام)الغداء و لأصحابه،و كان عليه السلام إذا وضع الطعام لاصحابه اكثره و اطابه،فبينا نحن نتغدى اذ اتاه رسول حميدة:ان الطلق قد ضربني،و قد امرتني ان لا اسبقك بابنك هذا،فقام ابو عبد اللّه(عليه السلام)فرحا مسرورا فلم يلبث ان عاد الينا حاسرا عن ذراعيه،ضاحكا سنّه،فقلنا اضحك اللّه سنك،و اقر عينك ما صنعت حميدة،فقال:وهب اللّه لي غلاما،و هو خير من برأ اللّه (1)و لقد خبرتني بأمر كنت اعلم به منها،قلت:جعلت فداك و ما خبرتك عنه حميدة،قال ذكرت انه لما وقع من بطنها وقع واضعا يديه على الأرض،رافعا رأسه الى السماء،فأخبرتها ان تلك امارة رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،و امارة الإمام من بعده، الخ.

روى البرقي عن منهال القصاب،قال:خرجت من مكة و انا أريد المدينة فمررت بالابواء و قد ولد لأبي عبد اللّه(عليه السلام)،فسبقته الى المدينة و دخل(عليه السلام)بعدي بيوم فأطعم الناس ثلاثا،فكنت آكل فيمن يأكل،فما أكل شيئا الى الغد حتى اعود فآكل،فكنت بذلك ثلاثا اطعم حتى أرتفق ثم لا اطعم شيئا الى الغد،قال الفيروزآبادي ارتفق(اتكا على مرفق يده او على المخدة و امتلأ).

و روى انه قيل لأبي عبد اللّه الصادق(عليه السلام)ما بلغ بك من حبك ابنك موسى(عليه السلام)،فقال:وددت ان ليس لي ولد غيره حتى لا يشاركه في حبّي له احد.م.

ص: 153


1- اي خلق اللّه من العدم.

فصل في معاجز طفولته(عليه السلام)

روى الشيخ المفيد عن يعقوب السراج قال دخلت على ابي عبد اللّه (عليه السلام)و هو واقف على رأس ابي الحسن موسى(عليه السلام)و هو في المهد،فجعل يساره طويلا،فجلست حتى فرغ،فقمت اليه،فقال ادن الى مولاك،فسلم عليه،فدنوت فسلمت عليه،فرد عليّ بلسان فصيح، ثم قال لي:اذهب فغير اسم ابنتك التي سميتها امس،فانه اسم يبغضه اللّه،و كانت ولدت لي بنت فسميتها بالحميراء،فقال ابو عبد اللّه(عليه السلام):انته الى امره ترشد،فغيرت اسمها.

و في ثاقب المناقب،قال اشتهر عند الخاص و العام من حديث ابي حنيفة حين دخل دار الصادق(عليه السلام)فرأى موسى(عليه السلام)في دهليز داره و هو صبيّ،فقال في نفسه:ان هؤلاء يزعمون انهم يعطون العلم صبية و انا اسبر (1)ذلك،فقال له يا غلام اذا دخل الغريب بلدة،اين يحدث،فنظر اليه نظر مغضب و قال:يا شيخ اسأت الأدب،فاين السلام،قال:فخجلت و رجعت حتى خرجت من الدار و قد نبل (2)في عيني،ثم رجعت اليه و سلمت عليه و قلت:يا ابن رسول اللّه،الغريب اذا دخل بلدة اين يحدث،فقال(صلوات اللّه عليه)،يتوقى شطوط البلد (الانهار خ د)و مشارع الماء،و فيء (3)النزّال،و مسقط الثمار،و افنيه (4)الدور،و جاد الطرق،و مجاري المياه و رواكدها،ثم يحدث اين شاء قال، قلت:يا ابن رسول اللّه ممن المعصية،فنظر الي و قال:اما أن تكون من اللّه

ص: 154


1- اي امتحن(منه).
2- اي كبر و عظم:و النبالة:النجابة و الفضل.
3- اي الظل الذي يستريح فيه الواردون.
4- جمع فناء و هو الساحة او امام البيت.

او من العبد او منهما معا،فان كانت من اللّه فهو اكرم ان يؤاخذه بما لم يجنه،و ان كانت منهما فهو اعدل من ان يأخذ العبد بما هو شريك فيه،فلم يبق الا أن يكون من العبد،فان عفا فبفضله،و ان عاقب فبعد له،قال ابو حنيفة فاغرو رقت عيناي و قرأت:ذرية بعضها من بعض و اللّه سميع عليم.

و روى الصدوق و غيره عن هشام بن الحكم ان جاثليقا من جثالقة النصارى يقال له بريهة،قد مكث في النصرانية سبعين سنة،فكان يطلب الإسلام و يطلب من يحتج عليه ممن يقرأ كتبه،و يعرف المسيح بصفاته و دلائله و آياته،قال:و عرف بذلك حتى اشتهر في النصارى و المسلمين و اليهود و المجوس،حتى افتخرت به النصارى و قالت:لو لم يكن في دين النصرانية الاّ بريهة لأجزأنا،و كان طالبا للحق و الإسلام مع ذلك،و كانت معه امرأة تخدمه طال مكثها معه،و كان يستر ضعف النصرانية و ضعف حجتها، قال:فعرفت ذلك منه،فضرب بريهة الامر ظهرا لبطن و اقبل يسائل عن ائمة المسلمين و عن صلحائهم و عن علمائهم و اهل الحجى منهم،و كان يستقريء،فرقة فرقة لا يجد عند القوم شيئا،و قال لو كانت ائمتكم ائمة على الحق لكان عندكم بعض الحق،فوصفت له الشيعة و وصف له هشام بن الحكم،فقال يونس بن عبد الرحمان:فقال لي هشام:بينما انا على دكاني على باب الكرخ جالس،و عندي قوم يقرأون عليّ القرآن،فاذا انا بفوج من النصارى،ما بين القسيسين الى غيرهم من نحو مئة رجل،عليهم السوار و البرانس،و الجاثليق الاكبر فيهم بريهة،حتى بركوا(نزلوا خد)حول دكاني،و جعل لبريهة كرسي يجلس عليه،فقامت الاساقفة و الرهابنة على عصيهم (1)و على رؤوسهم برانسهم فقال بريهة:ما بقي للمسلمين احد ممن يذكر بالعلم بالكلام الا و قد ناظرته في النصرانية فما عندهم شيء فقد جئت اناظرك الإسلام ثم ذكر مناظرته معه و غلبة هشام عليه في حديث طويل،ا.

ص: 155


1- جمع عصا و هي ما يتوكأ عليها.

حتى افترق النصارى و هم يتمنون ان لا يكونوا رأوا هشاما و لا اصحابه، و رجع بريهة مغتما مهتما حتى صار الى منزله،فقالت امرأته التي تخدمه:مالي اراك مهتما مغتما،فحكى لها الكلام الذي بينه و بين هشام،فقالت لبريهة:

ويحك اتريد أن تكون على حق او باطل،قال بريهة بل على الحق،فقالت له:اينما وجدت الحق فمل اليه،و اياك و اللجاجة فان اللجاجة شك، و الشك شؤم،و اهله في النار،قال:فصوّب قولها و عزم على الغدو على هشام،قال:فغدا اليه و ليس معه احد من اصحابه،فقال:يا هشام الك من تصدر عن رأيه،فترجع الى قوله و تدين بطاعته،قال هشام:نعم يا بريهة،ثم سأله بريهة عن صفته فوصف له هشام الإمام(عليه السلام)، فاشتاق بريهة اليه(عليه السلام)،فارتحلا حتى أتيا المدينة،و المرأة معهما، و هما يريدان ابا عبد اللّه(عليه السلام)،فلقيا موسى بن جعفر(عليه السلام)في الدهليز،و في رواية ثاقب المناقب:فسلم هشام عليه و سلم بريهة عليه،ثم اخبرهما بما جاءا له،و كان(صلوات اللّه عليه)صبيا،و في رواية الصدوق:فحكى له هشام الحكاية،قال موسى بن جعفر(عليه السلام)يا بريهة كيف علمك بكتابك؟قال:انابه عالم،قال:كيف ثقتك بتأويله؟قال ما اوثقني بعلمي به،قال:فابتدأ موسى(عليه السلام)يقرأ الأنجيل،قال بريهة:و المسيح لقد كان يقرأ هكذا،و ما قرأ هذه القراءة الا المسيح،قال بريهة اياك كنت اطلب منذ خمسين سنة او مثلك،قال:فآمن و حسن ايمانه و امنت المرأة و حسن ايمانها،قال:فدخل هشام و بريهة و المرأة على أبي عبد اللّه(عليه السلام)،فحكى هشام الحكاية و الكلام الذي جرى بين موسى(عليه السلام)و بريهة،فقال ابو عبد اللّه(عليه السلام):

ذرية بعضها من بعض و اللّه سميع عليم،قال بريهة:جعلت فداك أنّى لكم التوراة و الانجيل و كتب الانبياء،قال:هي عندنا وراثة من عندهم،نقرأها كما قرأوها و نقولها كما قالوها،ان اللّه لا يجعل حجة في ارضه يسأل عن شيء فيقول لا ادري،فلزم بريهة ابا عبد اللّه حتى مات ابو عبد اللّه(عليه السلام)،ثم لزم موسى(عليه السلام)حتى مات في زمانه،فغسله

ص: 156

(عليه السلام)بيده و كفّنه بيده و لحده بيده،و قال هذا حواري من حواري (1)المسيح(عليه السلام)،يعرف حق اللّه عليه فتمنى اكثر اصحابه ان يكونوا مثله.

فصل في ذكر نبذ من كلام موسى بن جعفر(عليه السلام)

قال لبعض شيعته أي فلان:اتق اللّه و قل الحق و ان كان فيه هلاكك، فان فيه نجاتك،أي فلان،اتق اللّه ودع الباطل و ان كان فيه نجاتك،فان فيه هلاكك.

و قال(عليه السلام)عند قبر حضره،ان شيئا هذا آخره لحقيق ان يزهد في اوله،و ان شيئا هذا اوله لحقيق ان يخاف آخره.

اقول:هذا مثل ما روي عن النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،قال البراء بن عازب:بينا نحن مع رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)اذ أبصر جماعة،فقال على ما اجتمع هؤلاء؟فقيل:على قبر يحفرونه،قال:

فبدر رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و بين يديه اصحابه مسرعا حتى اتى القبر،فجثا عليه،قال فاستقبلته من بين يديه لا نظر ما يصنع، فبكى حتى بل التراب من دموعه،ثم اقبل علينا فقال:اخواني،لمثل هذا فأعدّوا.

و قال(عليه السلام):من تكلم في اللّه هلك،و من طلب الرئاسة هلك و من دخله العجب هلك،و قال اشتدت مؤونة الدنيا و الدين،فاما مؤونة الدنيا فانك لا تمد يدك الى شيء منها الا وجدت فاجرا قد سبقك اليه،و اما مؤونة الأخرة فانك لا تجد اعوانا يعينونك عليه.

ص: 157


1- حواري:ناصر الانبياء و المراد به انصار عيسى(عليه السلام)و اصحابه.

و قال لعلي بن يقطين:كفارة عمل السلطان الاحسان الى الاخوان.

و قال(عليه السلام):كلما احدث الناس من الذنوب ما لم يكونوا يعلمون احدث اللّه لهم من البلاء ما لم يكونوا يعدوّن.

و قال:تعجّب الجاهل من العاقل اكثر من تعجبّ العاقل من الجاهل.

و قال:المصيبة للصابر واحدة،و للجازع اثنتان.

و قال يعرف شدة الجور من حكم به عليه.

و قال:و اللّه ينزل المعونة على قدر المؤونة،و ينزل الصبر على قدر المصيبة،و من اقتصد و قنع بقيت عليه النعمة،و من بذر و اسرف زالت عنه النعمة،و اداء الامانة و الصدق يجلبان الرزق،و الخيانة و الكذب يجلبان الفقر و النفاق،و إذا أراد اللّه بالنملة شرا انبت لها جناحين،فطارت فأكلها الطير.

قوله:(عليه السلام)و من بذر و اسرف الخ،(التبذير التفريق و اصله القاء البذر و طرحه فاستعير لكل مضيع لماله،فتبذير البذر تضييع في الظاهر لمن لا يعرف مآل ما يلقيه،و السرف تجاوز الحد في كل فعل يفعله الانسان و ان كان ذلك في الانفاق اشهر و يكون تارة اعتبارا بالقدر و تارة بالكيفية، كذا قال الراغب).

و قال(عليه السلام):أولى العلم بك ما لا يصلح لك العمل الا به، و اوجب العمل عليك ما انت مسؤول عن العمل به،و الزم العلم لك ما دلك على صلاح قلبك و اظهر لك فساده،و احمد العلم عاقبة ما زاد في علمك العاجل،فلا تشغلن بعلم ما لا يضرك جهله و لا تغفلن عن علم ما يزيد في جهلك تركه.

روى السيد بن طاوس انه كان جماعة من خاصة ابي الحسن موسى (عليه السلام)من اهل بيته و شيعته يحضرون مجلسه،و معهم في كمامهم الواح ابنوس لطاف و اميال،فاذا نطق ابو الحسن(عليه السلام)بكلمة و افتى في نازلة اثبت القوم ما سمعوا منه في ذلك.

ص: 158

اقول:و له(عليه السلام)وصية لهشام طويلة جمعت فيها حكم جليلة،و بأيدينا مسائل علي بن جعفر(عليه السلام)و هي سؤالات سأل عنها علي اخاه موسى(عليه السلام)فاجاب عنها،يرجع اليها فقهاؤنا (رضوان اللّه عليهم)في الأحكام(اوردها العلامة المجلسي(رحمه اللّه)في المجلد الرابع من البحار).

فصل في عبادته و فقهه و كرمه(عليه السلام)

كان ابو الحسن موسى(عليه السلام)أعبد أهل زمانه و أفقههم و أسخاهم كفا و أكرمهم نفسا.

و روي انه كان يصلي نوافل الليل و يصلها بصلاة الصبح ثم يعقب حتى تطلع الشمس و يخر للّه ساجدا فلا يرفع رأسه من السجود و التحميد حتى يقرب زوال الشمس.

و كان يدعو كثيرا فيقول:اللهم اني اسألك الراحة عند الموت و العفو عند الحساب و يكرر ذلك.

و كان من دعائه(عليه السلام):عظم الذنب من عبدك (1)فليحسن العفو من عندك.

و كان يبكي من خشية اللّه حتى تخضل لحيته بالدموع.

ص: 159


1- قيل في اعترافهم بالذنب مع عصمتهم(عليهم السّلام)و خلوهم عن المعاصي ان حسنات الابرار سيئات المقربين.حيث ان انعطافهم عنه تعالى ذنب عندهم،و قيل ان ذلك كناية عن دنو مقامهم في جنب عظمة اللّه و نحو من التذلل،و قيل ان ذلك صدر عنهم تعليما للعباد في التضرع و الاستكانة و قيل ان معنى الذنب هو الفقر الذاتي المعبر عنه بالامكان الذي لا يخلو منه غيره تعالى،و لكن في غير الوجهين الأولين ما لا يخفى على العارف بحالاتهم و مقالاتهم(عليهم السلام).

و كان اوصل الناس لأهله و رحمه،و كان يتفقد فقراء المدينة في الليل فيحمل اليهم الزبيل فيه العين و الورق و الادقة و التمور فيوصل اليهم ذلك و لا يعلمون من أي جهة هو،و كان كريما بهيا و عتق الف مملوك.

و انه قد حضره فقير مؤمن يسأله سد فاقته فضحك(عليه السلام)في وجهه فقال اسألك مسأله فان أصبتها اعطيتك عشرة اضعاف ما طلبت، و كان قد طلب منه مئة درهم يجعلها في بضاعة يتعيش بها،فقال الرجل سل،فقال موسى(عليه السلام)لو جعل اليك التمني لنفسك في الدنيا ماذا كنت تتمنى؟قال:كنت اتمنى ان ارزق التقية في ديني و قضاء حقوق اخواني،قال(عليه السلام):و مالك لم تسأل الولاية لنا اهل البيت،قال ذلك قد اعطيته و هذا لم اعطه،فانا اشكر على ما اعطيت و اسأل ربي ما منعت،فقال احسنت اعطوه الفي درهم،و قال اصرفها في كذا يعني في العفص فانه متاع يابس.

و قد روى الناس عنه فأكثروا،و كان أفقه أهل زمانه و أحفظهم لكتاب اللّه و أحسنهم صوتا بالقرآن،و كان اذا قرأه يحزن و يبكي السامعون بتلاوته و كان الناس بالمدينة يسمونه زين المجتهدين و سمي الكاظم لما كظمه من الغيظ و صبر عليه من فعل الظالمين حتى مضى قتيلا في حبسهم و وثاقهم.و كان يقول:اني استغفر اللّه في كل يوم خمسة آلاف مرة.

و روى الصدوق انه كانت لأبي الحسن موسى بن جعفر(عليه السلام) بضع عشرة سنة كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس إلى وقت الزوال، قال:فكان هارون ربما صعد سطحا يشرف منه على الحبس الذي حبس فيه ابا الحسن(عليه السلام)فكان يرى ابا الحسن(عليه السلام)ساجدا، فقال للربيع ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟قال يا امير المؤمنين ما ذاك بثوب و انما هو موسى بن جعفر له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس الى وقت الزوال قال الربيع:فقال لي هارون اما ان هذا من رهبان بني هاشم،قلت فما لك فقد ضيقت عليه في الحبس،قال هيهات لا بد من ذلك.

ص: 160

و عن ابيه عن علي بن ابراهيم عن اليقطيني عن احمد بن عبد اللّه القزويني عن ابيه،قال:دخلت على الفضل بن الربيع و هو جالس على سطح فقال لي:ادن مني فدنوت حتى حاذيته،ثم قال لي اشرف الى البيت في الدار فاشرفت،فقال ما ترى في البيت،قلت:ثوبا مطروحا،فقال انظر حسنا فتأملت و نظرت فتيقنت فقلت:رجل ساجد،فقال لي تعرفه قلت لا،قال:هذا مولاك،قلت:و من مولاي،فقال:تتجاهل عليّ، فقلت:ما اتجاهل و لكني لا اعرف لي مولى،فقال هذا ابو الحسن موسى بن جعفر(عليه السلام)اني اتفقده في الليل و النهار فلم اجده في وقت من الاوقات الاعلى الحال التي اخبرك بها،انه يصلي الفجر فيقف ساعة في دبر صلاته الى ان تطلع الشمس ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتى تزول الشمس،و قد وكل من يترصد له الزوال،فلست ادري متى يقول الغلام قد زالت الشمس اذ يثب فيبتديء بالصلاة من غير ان يجدد وضوءا فاعلم انه لم ينم في سجوده و لا اغفى (1)فلا يزال كذلك الى ان يفرغ من صلاة العصر، فاذا صلى العصر سجد سجدة فلا يزال ساجدا الى ان تغيب الشمس،فاذا غابت الشمس وثب من سجدته فصلى المغرب من غير ان يحدث حدثا و لا يزال في صلاته و تعقيبه الى ان يصلي العتمة (2)فاذا صلى العتمة افطر على شوى يؤتى به،ثم يجدد الوضوء ثم يسجد ثم يرفع رأسه فينام نومة خفيفة، ثم يقوم فيجدّد الوضوء ثم يقوم فلا يزال يصلّي في جوف الليل حتى يطلع الفجر فلست ادري متى يقول الغلام ان الفجر قد طلع اذ قد وثب هو لصلاة الفجر فهذا دأبه منذ حوّل اليّ.

و روي عن الخطيب البغدادي،و هو من اعاظم اهل السنة و ثقات المؤرخين و قدمائهم،انه قال:كان موسى(عليه السلام)يدعى العبد الصالح من شدة عبادته و اجتهاده.ء.

ص: 161


1- غفى الرجل:نعس،نام نومة خفيفة،يقال اغفيت و قل ما يقال غفيت.
2- العتمة:ظلمة الليل او الثلث الأول منه و قد استعير لصلاة العشاء.

روي انه دخل مسجد رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فسجد سجدة في اول الليل فسمع و هو يقول عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك،يا اهل التقوى و يا أهل المغفرة فجعل يرددها حتى اصبح.

قلت و في حديث طويل عن المأمون يصف فيه موسى بن جعفر(عليه السلام)و يذكر وروده على أبيه الرشيد بالمدينة يقول:اذ دخل شيخ مسخّد (1)قد انهكته العبادة كأنه شنّ بال قد كلم (2)السجود وجهه و انفه.

و بالجملة كان(عليه السلام)حليف السجدة الطويلة و الدموع الغزيرة (3)و كان له غلام اسود بيده مقص (4)يأخذ اللحم من جبينه و عرنين انفه من كثرة سجوده:

طالت (5)***لطول سجود منه ثفنته فقرحت جبهة منه و عرنينا

رأى فراغته في السجن منيته *** و نعمة شكر الباري بها حينا

و حكي انه توفي(صلوات اللّه عليه)في حال السجود للّه تعالى.

اقول:و لقد اقتدى به(عليه السلام)في ذلك جماعة ممن لقيه ورآه، منهم محمد بن ابي عمير الثقة الجليل الاواّه.

روي عن الفضل بن شاذان،قال:دخلت العراق فرأيت حدا يعاتب صاحبه و يقول له:انت رجل عليك عيال و تحتاج ان تكتسب عليهم و ما آمن من ان تذهب عيناك لطول سجودك،فلما اكثر عليه قال:اكثرت عليّ، ويحك لو ذهبت عين احد من السجود لذهبت عين ابن ابي عمير،ما ظنك برجل سجد سجدة الشكر بعد صلاة الفجر فما رفع رأسه الا الى زوال الشمس.ا.

ص: 162


1- اصبح فلان مسخدا بالخاء المعجمة و الدال المهملة اذا اصبح مصفرا ثقيلا مورما(منه).
2- اي جرح.
3- اي الكثيرة(منه).
4- مقراض(منه).
5- اولها:يا ساجدا عدوة للّه مبتهلا الى الزوال بضيق السجن مرهونا.

و قال الفضل اخذ يوما شيخي بيدي و ذهب بي الى ابن ابي عمير فصعدنا اليه في غرفة و حوله مشائخ له يعظمونه و يبجلونه،فقلت لأبي:من هذا، قال هذا ابن ابي عمير قلت:الرجل الصالح العابد؟قال نعم.

و روى ان هارون الرشيد انفذ الى موسى بن جعفر(عليه السلام) جارية حصيفة (1)لها جمال و وضاءة لتخدمه في السجن،و انفذ الخادم اليه ليستفحص عن حالها فرآها ساجدة لربها لا ترفع رأسها تقول:قدوس قدوس سبحانك سبحانك سبحانك،فأتى بها و هي ترعد شاخصة الى السماء بصرها، و اقبلت في الصلاة،فاذا قيل لها في ذلك،قالت هكذا رأيت العبد الصالح فما زالت كذلك حتى ماتت.

فصل فيما جرى عليه(عليه السلام)من الرشيد

قبض الرشيد على موسى بن جعفر(عليه السلام)سنة 179 تسع و سبعين و مئة في سفره الى مكة المعظمة،و هو عند رأس النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)قائما يصلي،فقطع عليه صلاته و حمل و هو يبكي و يقول اليك اشكو يا رسول اللّه ما القى،و اقبل الناس من كل جانب يبكون و يضجون،فلما حمل الى بين يدي الرشيد سلم على الرشيد فلم يرد عليه السلام و شتمه و جفاه و قيده،فلما جن عليه الليل امر بقبيتن فهيّئتا له فحمل موسى بن جعفر(عليه السلام)الى إحداهما في خفاء و دفعه الى حسان السروى و امره ان يسير به في قبة الى البصرة فيسلمه الى عيسى بن جعفر بن ابي جعفر،و هو اميرها،و وجه قبة اخرى علانيد نهارا الى الكوفة معها جماعة ليعمى على الناس امر موسى بن جعفر،فقدم حسان البصرة قبل التروية

ص: 163


1- بمهملتين(منه)يعني محكمة العقل.

بيوم فدفعه الى عيسى بن جعفر بن ابي جعفر نهارا علانية حتى عرف ذلك و شاع امره،فحبسه عيسى في بيت من بيوت المحبس الذي كان يحبس فيه، و اقفل عليه و شغله عنه العيد،فكان لا يفتح عنه الباب الا في حالتين،حال يخرج فيها الى الطهور و حال يدخل اليه فيها الطعام،قال نصراني من كتاب عيسى:لقد سمع هذا الرجل الصالح في ايامه في هذه الدار التي هو فيها من ضروب الفواحش و المناكير ما اعلم و لا اشك انه لم يخطر بباله،و روي انه حبسه عنده سنة ثم كتب الى الرشيد ان خذه مني و سلمه الى من شئت و الا خليت سبيله،فقد اجتهدت بان اجد عليه حجة فما اقدر على ذلك،حتى اني لأتسمّع عليه اذا دعا لعله يدعو عليّ او عليك فما اسمعه يدعو الا لنفسه يسأل الرحمة و المغفرة،فوجّه من تسلمه منه و حمل سرا الى بغداد و روي انه لما حمل الى بغداد كان ذلك في رجب يوم المبعث سنة تسع و سبعين و مئة.

قال الراوي:و لما حمل الى بغداد حبسه الرشيد عند الفضل بن الربيع، فبقي عنده مدة طويلة،و اراده الرشيد على شيء من أمره،فابى،فكتب بتسليمه(عليه السلام)الى الفضل بن يحيى فتسلمه منه و أراد ذلك منه فلم يفعل و بلغه انه عنده في رفاهية وسعة و هو حينئذ بالرقة،فكتب الى العباس بن محمد و السندي بن شاهك في ذلك على يد مسرور الخادم،فدعا العباس بسياط و عقابين و امر بالفضل فجرّد و ضربه السنّدي بين يديه مئة سوط،و كتب مسرور بالخبر الى الرشيد،فأمر بتسليم موسى(عليه السلام)الى السندي بن شاهك،فلم يزل(سلام اللّه عليه)ينقل من سجن الى سجن حتى نقل الى حبس السندي بن شاهك الملعون.

و في الدر النظيم قال:قال السندي بن شاهك:وافى خادم من قبل الرشيد الى ابي الحسن(عليه السلام)و هو محبوس عندي،فدخلت معه و قد كان قال له تعرف خبره،فوقف الخادم فقال:ما لك،فقال:بعثني الخليفة لأعرف خبرك،قال،فقال:قل له يا هارون ما من يوم ضراء انقضى عني الا انقضى عنك من السراء مثله حتى نجتمع انا و انت في دار يخسر فيها المبطلون،قال الفضل بن الربيع عن ابيه،قال:بعثني هارون الى

ص: 164

ابي الحسن(عليه السلام)برسالة و هو في حبس السندي بن شاهك، فدخلت عليه و هو يصلّي فهبته ان اجلس،فوقفت متكئا على سيفي فكان (عليه السلام)اذا صلى ركعتين و سلم واصل بركعتين أخراوين،فلما طال وقوفي و خفت ان يسأل عني هرون و حانت منه تسليمة فشرعت في الكلام فامسك،و قد كان قال لي هارون لا تقل بعثني امير المؤمنين اليك و لكن قل بعثني اخوك و هو يقرئك السلام و يقول لك انه بلغني عنك اشياء اقلقتني فاقدمتك اليّ و فحصت عن ذلك فوجدتك نقيّ الجيب بريئا من العيب مكذوبا عليك فيما رميت به ففكرت بين اصرافك الى منزلك و مقامك ببابي فوجدت مقامك ببابي ابرأ لصدري و أكذب لقول المسرعين فيك و لكل انسان غذاء قد اغتذاه و الفت عليه طبيعته،و لعلك اغتذيت بالمدينة اغذية لا تجد من يصنعها لك ها هنا و قد امرت الفضل ان يقيم لك من ذلك ما شئت فمره بما احببت و انبسط فيما تريده،قال فجعل(عليه السلام)الجواب في كلمتين من غير ان يلتفت اليّ فقال:لا حاضر مالي فينفعني و لم اخلق سؤولا،اللّه اكبر،و دخل في الصلاة،قال فرجعت الى هارون فاخبرته فقال لي:فما ترى في أمره،فقلت:يا سيدي لو خططت في الأرض خطة فدخل فيها ثم قال لا اخرج منها ما خرج منها،قال هو كما قلت و لكن مقامه عندي احب الي.

و روى غيره قال:قال هارون:اياك ان تخبر بهذا أحدا،قال فما اخبرت به احدا حتى مات هارون.

و روى الشيخ عن محمد بن غياث في خبر،قال:قال هارون ليحيى بن خالد انطلق اليه(عليه السلام)و اطلق عنه الحديد و ابلغه عني السلام و قل له يقول لك ابن عمك انه قد سبق مني فيك يمين انّي لا اخليك حتى تقر لي بالإساءة و تسألني العفو عما سلف منك و ليس عليك في اقرارك عار و لا في مسألتك اياي منقصة و هذا يحيى بن خالد هو ثقتي و وزيري و صاحب أمري،فسله بقدر ما اخرج من يميني و انصرف راشدا،قال محمد بن غياث فاخبرني موسى بن يحيى بن خالد ان ابا ابراهيم قال

ص: 165

ليحيى:يا ابا عليّ انا ميت و انما بقي من اجلي اسبوع.الخ.

قال الراوي و جلس الرشيد مجلسا حافلا،و قال:ايها الناس ان الفضل بن يحيى قد عصاني و خالف طاعتي و رأيت ان ألعنه فالعنوه،فلعنه الناس من كل ناحية حتى ارتج البيت و الدار بلعنه،و بلغ يحيى بن خالد فركب الى الرشيد و دخل من غير الباب الذي يدخل الناس منه حتى جاءه من خلفه و هو لا يشعر،ثم قال التفت اليّ يا امير المؤمنين فاصغى اليه فزعا، فقال له:ان الفضل حدث و انا اكفيك ما تريد،فانطلق وجهه و سر و اقبل على الناس،فقال:ان الفضل كان عصاني في شيء فلعنته و قد تاب و اناب الى طاعتي فتولوه،فقالوا نحن اولياء من واليت و اعداء من عاديت،و قد توليناه،ثم خرج يحيى بن خالد بنفسه على البريد حتى اتى بغداد فماج (1)الناس و ارجفوا (2)بكل شيء،فاظهر انه ورد لتعديل السواد و النظر في امر العمال و تشاغل ببعض ذلك و دعا السنديّ فامره فيه بامره فامتثله،و روى انه بعث يحيى بن خالد الى موسى بن جعفر(عليه السلام)بالرطب و الريحان المسمومين،و في رواية انه سمه في ثلاثين رطبة،قال الراوي:ثم ان السندي بن شاهك احضر القضاة و العدول و ذلك قبل وفات موسى(عليه السلام)بايام و اخرجه(عليه السلام)اليهم و قال ان الناس يقولون ان ابا الحسن موسى في ضنك (3)و ضر و ها هو ذا لا علة به و لا مرض و لا ضر، فالتفت(عليه السلام)فقال لهم:اشهدوا عليّ أني مقتول بالسم منذ ثلاثة ايام،اشهدوا أني صحيح الظاهر لكني مسموم و ساحمر في اخر هذا اليوم حمرة شديدة منكرة و اصفر غدا صفرة شديدة و اببض بعد غد و أمضي الى رحمة اللّه و رضوانه.ق.

ص: 166


1- ماج القوم دخل بعضهم في بعض.
2- اي خاضوا فيه.
3- اي ضيق.

و روى الصدوق عن الحسن بن محمد بن بشار قال:حدثني شيخ من اهل قطيعة الربيع من العامة ممن كان يقبل قوله،قال:قال لي قد رأيت بعض من يقرون بفضله من اهل هذا البيت فما رأيت مثله قط في نسكه و فضله،قال:قلت من و كيف رأيته؟قال:جمعنا ايام السندي بن شاهك ثمانين رجلا من الوجوه ممن ينسب الى الخير،فادخلنا على موسى بن جعفر (عليه السلام)،فقال لنا السندي يا هؤلاء انظروا الى هذا الرجل هل حدث به حدث فان الناس يزعمون انه قد فعل مكروه به و يكثرون في ذلك و هذا منزله و فرشه موسّع عليه غير مضيق و لم يرد به امير المؤمنين سوءا و انما ينتظره ان يقدم فيناظره امير المؤمنين،و ها هوذا صحيح موسع عليه في جميع امره،فاسألوه،قال و نحن ليس لنا هم الا النظر الى الرجل و الى فضله و سمته (1)،فقال(عليه السلام)اما ما ذكر من التوسعة و ما اشبه ذلك فهو على ما ذكر غير اني اخبركم ايها النفر اني قد سقيت السم في تسع تمرات، و اني احتضر غدا و بعد غد أموت،قال:فنظرت الى السندي بن شاهك يرتعد و يضطرب مثل السعفة،قال الحسن و كان هذا الشيخ من خيار العامة،شيخ صدوق مقبول القول ثقة جدا عند الناس.

و روي انه لما كان من الغد جاء به الطبيب،فقال له ما حالك،فتغافل عنه،فلما اكثر عليه عرض عليه خضرة في بطن راحته،و كان السم الذي سم به قد اجتمع في ذلك الموضع ثم قال له هذه علّتي،فانصرف الطبيب اليهم و قال و اللّه لهو اعلم بما فعلتم به منكم،ثم توفي(عليه السلام).

و روى القطب الراوندي عن محمد بن الفضل الهاشمي قال:اني اتيت موسى بن جعفر(عليه السلام)قبل وفاته بيوم واحد فقال اني ميت لا محالة فاذا واريتني في لحدي فلا تقيمنّ،و توجه الى المدينة بودائعي هذه و أوصلها الى عليّ بن موسى(عليه السلام)فهو وصيي و صاحب الامر بعدي ففعلت ما أمرني به و أوصلت الودائع اليه.ق.

ص: 167


1- السمت:الطريق و الخلق.

قال الشيخ المفيد و روي انه لما حضرته الوفاة سأل السندي بن شاهك ان يحضره مولى له مدنيا ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليتولى غسله و تكفينه ففعل ذلك،قال السندي فكنت سألته في الاذن لي ان اكفنه، فأبى و قال:انّا اهل بيت،مهور نسائنا و حج صرورتنا (1)و اكفان موتانا من طاهر اموالنا و عندي كفن اريد ان يتولّى غسلي و جهازي مولاي فلان فتولى ذلك منه.

فصل في وفاته(عليه السلام)

قبض موسى بن جعفر(عليه السلام)مسموما ببغداد،في حبس السندي بن شاهك في الخامس و العشرين من رجب (2)سنة 183 ه ثلاث و ثمانين و مئة (3).

روي عن عمر بن واقد،قال:أرسل الي السندي بن شاهك في بعض الليل و انا ببغداد يستحضرني فخشيت ان يكون ذلك لسوء يريده بي فاوصيت عيالي بما احتجت اليه و قلت:انا للّه و انا اليه راجعون.ثم ركبت اليه فلما رآني مقبلا قال يا ابا حفص لعلنا ارعبناك و افزعناك قلت:نعم.قال:

فليس هنا إلا خير،قلت فرسول تبعثه الى منزلي يخبرهم خبري،قال نعم ثم قال يا ابا حفص اتدري لم ارسلت اليك،فقلت:لا،قال:اتعرف

ص: 168


1- الصرورة:الذي لم يتزوج.و المراد هنا من لم يحج قبل سفره هذا.
2- و قيل في خامسه و قيل في اربع و عشرين منه.اقول يمكن ان يكون لفظة خمس مضين تصحيف خمس بقين.
3- في تذكرة السبط حمله(عليه السلام)الرشيد معه الى بغداد فحبسه بها سنة سبع و سبعين و مات فأقام في حبسه الى ثمان و ثمانين و مئة فتوفي في رجب بها(منه).

موسى بن جعفر فقلت اي و اللّه اني لأعرفه و بيني و بينه صداقة منذ دهر، فقال:من ها هنا ببغداد تعرفه ممن يقبل قوله؟فسميت له اقواما و وقع في نفسي انه(عليه السلام)قد مات،قال فبعث و جاء بهم كما جاء بي، فقال:هل تعرفون قوما يعرفون موسى بن جعفر فسموا له قوما فجاء بهم فاصبحنا و نحن في الدار نيف و خمسون رجلا ممن يعرف موسى بن جعفر (عليه السلام)و قد صحبه،قال:ثم قام فدخل و صلينا فخرج كاتبه و معه طومار فكتب اسماءنا و منازلنا و اعمالنا و خلانا،ثم دخل الى السندي قال فخرج السندي فضرب يده الي فقال لي:قم يا ابا حفص فنهضت و نهض اصحابنا و دخلنا،فقال لي يا ابا حفص اكشف الثوب عن وجه موسى بن جعفر فكشفته فرايته ميتا،فبكيت و استرجعت،ثم قال للقوم:انظروا اليه فدنا واحد بعد واحد فنظروا اليه،ثم قال:تشهدون كلكم ان هذا موسى بن جعفر بن محمد،ثم قال يا غلام اطرح على عورته منديلا و اكشفه،فقال ففعل،فقال:اترون به اثرا تنكرونه فقلنا لا ما نرى به شيئا و لا نراه الا ميتا،قال فلا تبرحوا حتى تغسلوه و اكفنه و ادفنه،قال فلم نبرح حتى غسل و كفّن و حمل فصلى عليه السندي بن شاهك.

اقول:و في الخبر المروي عن المسيب قال:فو اللّه لقد رأيتهم بعيني و هم يظنون انهم يغسلونه فلا تصل ايديهم اليه و يظنون انهم يحنطونه و يكفنونه و أراهم لا يصنعون به شيئا و رأيت شخصا اشبه الاشخاص به يتولى غسله و تحنيطه و تكفينه و هو يظهر المعاونة لهم و هم لا يعرفونه فلما فرغ(عليه السلام)من أمره،قال لي:ذلك الشخص يا مسيب مهما شككت فيه فلا تشكن فيّ فإنّي امامك و مولاك و حجة اللّه عليك بعد أبي،يا مسيب مثلي مثل يوسف الصديق(عليه السلام)و مثلهم مثل اخوته حين دخلوا عليه فعرفهم،و هم له منكرون.

قال الراوي:فحمل(عليه السلام)على نعش و نودي عليه هذا امام الرافضة فاعرفوه،ثم أتي به الى السوق فوضع هناك ثم نودي عليه هذا

ص: 169

موسى بن جعفر قد مات حتف انفه،الا فانظروا اليه،فحف به الناس و جعلوا ينظرون اليه،لا اثر به من جراحة و لا خنق (1)و كان في رجله اثر الحناء ثم امروا العلماء و الفقهاء ان يكتبوا شهادتهم في ذلك فكتبوا جميعا الا احمد بن حنبل فكلما زجروه لم يكتب شيئا (2).

و روي ان السوق الذي وضع فيه النعش الشريف سمّي سوق الرياحين و بني على الموضع بناء و جعل عليه باب لئلا يطأه الناس باقدامهم بل يتبركون به و بزيارته.

و قد حكى عن المولى اولياء اللّه صاحب تاريخ مازندران،انه قال:في كتابه:اني مررت به مرات عديدة و قبلت الموضع الشريف منه.

قال الشيخ المفيد و اخرج فوضع على الجسر ببغداد و نودي هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا اليه فجعل الناس يتفرسون في وجهه و هو ميت.

انتهى.).

ص: 170


1- الخنق كالضرب:الشد على الحلق حتى يموت.
2- اقول و لعل ذلك لما استفاد منه(عليه السلام)في حياته و شاهد من دلائله و آياته،روى صاحب الدر النظيم عنه قال:دخلت في بعض الأيام على الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) حتى اقرأ عليه اذا ثعبان قد وضع فمه على اذن موسى بن جعفر(عليه السلام)كالمحدث طه فلما فرغ حدثه موسى بن جعفر(عليه السلام)حديثا لم افهمه ثم انساب الثعبان فقال(عليه السلام)يا احمد هذا رسول من الجن قد اختلفوا في مسألة جاءني يسألني فاخبرته بها باللّه عليك يا احمد لا تخبر بهذا احدا الا بعد موتي فما اخبرت به احدا حتى مات(عليه السلام)(منه)و في كتاب التتمة في تاريخ الأئمة(عليهم السّلام)للسيد تاج الدين العاملي و نقله الشيخ الحر العاملي نور اللّه مضجعه في اثبات الهداة ايضا قال:في تاريخ احوال موسى بن جعفر(عليه السلام)و لما مات امر السندي بوضعه على الجسر و اظهر للناس انه مات بقضاء اللّه تعالى فكان الناس ينظرون اليه و ليس به جرح،و روي ان بعض المخلصين من الإمامية جاء حينئذ و الناس مجتمعون و هم يقولون مات بغير قتل لهم انا استخبر منه بماذا مات،فقالوا:انه ميت،فكيف يخبرك فدنا منه و قال يا ابن رسول اللّه انت صادق و ابوك صادق فاخبرنا مضيت موتا او قتلا؟فنطق(عليه السلام)و قال قتلا قتلا قتلا،ثم غسل و كفن و كان المتولي لذلك ذلك الرجل وصي اليه و دفن بالزوراء في مقابر قريش من باب التين.قال ابن حجر في الصواعق:في احوال موسى بن جعفر (عليه السلام)و حمله الرشيد معه الى بغداد و حبسه فلم يخرج من حبسه الا ميتا مقيدا(منه).

قال الراوي:فلما اتى به(عليه السلام)مجلس الشرطة اقام اربعة نفر فنادوا الا من أراد أن يرى موسى بن جعفر فليخرج،و خرج سليمان بن جعفر من قصره الى الشط فسمع الصياح و الضوضاء (1)فقال لولده و غلمانه ما هذا قالوا السندي بن شاهك ينادي على موسى بن جعفر(عليه السلام) على نعش فقال لولده و غلمانه:يوشك ان يفعل هذا به في الجانب الغربي فاذا عبر به فانزلوا مع غلمانكم فخذوه من ايديهم فان ما نعوكم فاضربوهم و خرقوا ما عليهم من السواد،فلما عبروا به نزلوا اليهم فاخذوه من ايديهم و ضربوهم و خرقوا ما عليهم من سوادهم و وضعوه في مفرق اربعة طرق و اقام المنادون ينادون الا من أراد أن يرى الطيب بن الطيب موسى بن جعفر(عليه السلام)فليخرج،و حضر الخلق و غسل و حنط بحنوط فاخر و كفنه بكفن فيه حيرة استعملت له بالفين و خمسمائة دينار عليها القرآن كله و احتفى و مشى في جنازته متسلبا (2)مشقوق الجيب حاسر الرأس الى مقابر قريش في باب التين،و كانت هذه المقبرة لبني هاشم و الاشراف من الناس قديما فدفنه هناك و كتب بخبره إلى الرشيد فكتب الى سليمان بن ابي جعفر و صلتك رحم يا عم و احسن اللّه جزاءك و اللّه ما فعل السندي بن شاهك لعنه اللّه ما فعله عن أمرنا.

فصل في دفنه(عليه السلام)

قال الشيخ الأجلّ الاقدم ابو محمد الحسن بن موسى النوبختي في كتاب الفرق:ولد موسى بن جعفر(عليه السلام)في سنة ثمان و عشرين و مئة و قال بعضهم سنة تسع و حمله الرشيد من المدينة لعشر ليال بقين من شوال

ص: 171


1- اي الغوغاء.
2- اي منتزعا ثوبه.

سنة تسع و سبعين و مئة و قد قدم هارون الرشيد المدينة منصرفا من عمرة شهر رمضان ثم شخص هارون الى الحج و حمله معه ثم انصرف على طريق البصرة فحبسه عند عيسى بن جعفر بن أبي جعفر المنصور ثم أشخصه الى بغداد فحبسه عند السندي بن شاهك فتوفي في حبسه ببغداد لخمس ليال بقين من رجب سنة 183 ثلاث و ثمانين و مئة و هو ابن خمس او اربع و خمسين سنة و دفن في مقابر قريش.

و يقال في رواية اخرى:انه دفن بقيوده و انه اوصى بذلك فكانت امامته خمسا و ثلاثين سنة و شهورا.

و في الدّر النظيم،و دفن ببغداد في مقابر قريش في بقعة كان قبل وفاته قد ابتاعها لنفسه (1)و روى الشيخ الكليني عن علي بن ابراهيم عن محمد بن عيسى عن مسافر قال امر ابو ابراهيم(عليه السلام)حين اخرج به ابا الحسن(عليه السلام)ان ينام عل بابه في كلّ ليلة ابدا ما كان حيا الى ان يأتيه خبره قال:فكنا في كل ليلة نفرش لأبي الحسن(عليه السلام)في الدهليز ثم يأتي بعد العشاء فينام فاذا اصبح انصرف الى منزله قال فمكث على هذه الحال اربع سنين فلما كانت ليلة من الليالي ابطأ عنا و فرش له فلم يأت كما كان يأتي فاستوحش العيال و ذعروا (2)و دخلنا امر عظيم من ابطائه فلما كان من الغد اتى الدار و دخل الى العيال و قصد الى ام احمد فقال لها:هاتي الذي اودعك أبي،فصرخت و لطمت وجهها و شقت جيبها و قالت مات و اللّه سيدي فكفّها و قال لها:لا تتكلمي بشيء حتى يجيء الخبر الى الوالي فاخرجت اليه سفطا (3)و الفي دينار و اربعة آلاف دينار فدفعت ذلك اجمع اليهق.

ص: 172


1- و عن الخطيب صاحب تاريخ بغداد المتوفي سنة 463 ثلاث و ستين و اربعمائة و هو من اعاظم علماء الجمهور قال فيه(عليه السلام)توفّي(عليه السلام)بالحبس و دفن في مقابر الشونيز خارج البقعة و قبره مشهور يزار،عليه مشهد عظيم فيه من قناديل الذهب و الفضة و انواع الآلات و الفرش ما لا يحد و هو في الجانب الغربي(عليه السلام)جعلنا اللّه من المحبين له و لآبائه الكرام و كان الموكل به ايام حبسه ابن شاهك السندي جد كشاجم الشاعر المشهور و اللّه اعلم و احكم (منه).
2- اي دهشوا و خافوا.
3- السفط:وعاء كالصندوق.

دون غيره و قالت انه قال فيما بيني و بينه،و كانت (1)اثيرة عنده،احتفظي بهذه الوديعة عندك لا تطلعي عليها احدا حتى اموت فاذا مضيت فمن أتاك من ولدي فطلبها منك فادفعيها اليه و اعلمي اني قدمتّ و قد جاءتني و اللّه علامة سيدي فقبض ذلك منها و امرهم بالامساك جميعا الى ان ورد الخبر و انصرف فلم يعد بشيء من المبيت كما كان يفعل.فما لبثنا الا اياما يسيرة حتى جاءت الخريطة بنعيه فعددنا الايام و تفقدنا الوقت فاذا هو قد مات في الوقت الذي فعل ابو الحسن(عليه السلام)ما فعل من تخلّفه عن المبيت و قبضه لما قبض.

فصل في استحباب زيارته(عليه السلام)

اشارة

يستحب زيارة ابي الحسن موسى بن جعفر(عليه السلام)ببغداد و ورد أن لزائره الجنة و قال الرضا(عليه السلام)من زار قبر ابي ببغداد كان كمن زار رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و قبر امير المؤمنين(عليه السلام)الا أن لرسول اللّه و امير المؤمنين(عليهما السّلام)فضلهما و عن الخطيب في تاريخه عن علي بن الخلال قال:ما همني امر فقصدت قبر موسى بن جعفر(عليه السلام)و توسلت به إلاّ سهل اللّه لي ما أحب، و رأى في بغداد امرأة تهرول فقيل:الى اين؟قالت:الى موسى بن جعفر (عليه السلام)فانه حبس ابني،فقال حنبلي انه قد مات في الحبس فقالت:

بحق المقتول في الحبس ان تريني القدرة،فاذا بابنها قد اطلق و اخذ ابن المتهزيء بجنايته.انتهى.

و روي عن الرضا(عليه السلام)انه سئل عن اتيان قبر ابي الحسن (عليه السلام)فقال صلوا في المساجد حوله.

ص: 173


1- جملة معترضة(منه).

و روي ايضا و لا تصل عند رأس موسى(عليه السلام)فانه يقابل قبور قريش و لا يجوز اتخاذها قبلة و تقول في زيارته ما رواه ابن قولويه باسناده عن ابي الحسن(عليه السلام):

(السلام عليك يا ولي اللّه،السلام عليك يا حجة اللّه،السلام عليك يا نور اللّه في ظلمات الأرض،السلام عليك يا من بدا للّه في شأنه،اتيتك زائرا عارفا بحقك،معاديا لأعدائك،فاشفع لي عند ربك يا مولاي.

قال و ادع اللّه و اسأل حاجتك.

اقول:و ذكر السيد بن طاوس(رحمه اللّه)الصلاة عليه صلّى اللّه عليه:

اللهم صل على محمد و اهل بيته،و صل على موسى بن جعفر وصي الابرار،و امام الاخيار،و عيبة الانوار،و وارث السكينة و الوقار، و الحكم و الآثار،الذي كان يحيي الليل بالسهر (1)الى السحر بمواصلة الاستغفار،حليف السجدة الطويلة،و الدموع الغزيرة، و المناجاة الكثيرة،و الضراعات المتصلة،و مقر النبى و العدل و الخير و الفضل و الندى و البذل،و مألف البلوى و الصبر و المضطهد بالظلم، و المقبور بالجور،و المعذب في قعر السجون و ظلم المطامير (2)ذي الساق المرضوض (3)بحلق القيود و الجنازة (4)المنادى عليها بذلّ الاستخفاف،و الوارد على جدّه المصطفى و ابيه المرتضى و امه سيدة النساء،بإرث مغصوب،و ولاء مسلوب،و امر مغلوب،و دم مطلوب، و سمّ مشروب،اللهم و كما صبر على غليظ المحن،و تجرع غصص (5)م.

ص: 174


1- اي عدم النوم في الليل.
2- جمع مطمورة و هي الحفرة تحت الأرض و تستعمل في الحبس.
3- اي المدقوق.
4- تستعمل في الميت في عرف المتقدمين.
5- جمع غصة و هي الحزن و الهم.

الكرب و استسلم لرضاك و اخلص الطاعة لك،و محض الخشوع،و استشعر الخضوع،و عادى البدعة و اهلها،و لم يلحقه في شيء من اوامرك و نواهيك لومة لائم،صل عليه صلاة نامية (1)منيفة زاكية،توجب له بها شفاعة امم من خلقك،و قرون من براياك (2)،و بلغه عنا تحية و سلاما،و آتنا من لدنك في موالاته فضلا و احسانا،و مغفرة و رضوانا،إنك ذو الفضل العميم، و التجاوز العظيم،برحمتك يا أرحم الراحمين).ق.

ص: 175


1- اي الشامخة الشريفة المرتفع الشأن.
2- جمع برية و هي الخلق.

النور العاشر : علی بن موسی الرضا علیه السلام

اشارة

الإمام الثامن الضامن المأمول المرتجى بضعة سيد الورى مولانا ابو الحسن علي بن موسى الرضا صلوات اللّه عليه

و على آبائه و اولاده ائمة الهدى ولد(عليه السلام)في حادي عشر من ذي القعدة يوم الخميس او يوم الجمعة (1)بالمدينة سنة 148 ثمان و اربعين و مائة (2)بعد وفاة جده الصادق (عليه السلام)بايام قليلة و كان الصادق(عليه السلام)يتمنى ادراكه، ففي الخبر عن موسى بن جعفر(عليه السلام)قال سمعت ابي جعفر بن محمد(عليه السلام)غير مرة يقول لي:ان عالم آل محمد(عليه السلام) لفي صلبك و ليتني ادركته فانه سميّ امير المؤمنين(عليه السلام).

و روي عن يزيد بن سليط قال:لقينا ابا عبد اللّه(عليه السلام)في طريق مكة و نحن جماعة،فقلت له:بأبي انت و امي انتم الأئمة المطهرون و الموت لا يعرى منه احد فاحدث اليّ شيئا القيه الى من يخلفني فقال لي:نعم هؤلاء ولدي و هذا سيدهم و اشار الى ابنه موسى(عليه السلام)و فيه علم الحكم و الفهم و السخاء و المعرفة بما يحتاج الناس اليه فيما اختلفوا فيه من امر دينهم و فيه حسن الخلق و حسن الجوار و هو باب من ابواب اللّه عز و جل و فيه اخرى هي خير من ذلك كله،فقال له ابي:و ما هي بابي انت و امي،قال:

ص: 176


1- او يوم الثلاثاء.
2- و قيل في 15 من ذي القعدة او ذي الحجة و قيل في سنة ولادته انها سنة ثلاث و خمسون و مئة نقله الطبرسي في اعلام الورى.

يخرج اللّه تعالى منه غوث هذه الأمة و غياثها و علمها و نورها و فهمها و حكمها خير مولود و خير ناشيء يحقن اللّه به الدماء (1)و يصلح به ذات البين و يلم به الشعث (2)و يشعب به الصدع (3)و يكسو به العاري و يشبع به الجائع و يؤمن به الخائف و ينزل به القطر و يأتمر له العباد،خير كهل و خير ناشيء يبشر به عشيرته قبل أوان حلمه قوله حكم و صمته (4)علم يبين للناس ما يختلفون فيه الخ (5).

امه(عليه السلام)ام ولد يقال لها ام البنين،و اسمها نجمة و يقال لها تكتم ايضا،اشترتها حميدة المصفاة ام موسى(عليه السلام)و كانت من افضل النساء في عقلها و دينها و إعظامها لمولاتها.

روي ان حميدة رأت في المنام رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم) يقول لها:يا حميدة هبي نجمة لابنك موسى(عليه السلام)فانه سيولد له منها خير اهل الأرض فوهبتها له فلما ولدت له الرضا(عليه السلام)سماها الطّاهرة.

و في الدر النظيم لجمال الدين يوسف بن حاتم العاملي تلميذ المحقق (رحمهما اللّه)قال في ذكر الرضا(عليه السلام):امه ام ولد يقال لها تكتم قال (6)ابو الحسن موسى(عليه السلام):(لما ابتاع هذه الجارية)لجماعة من اصحابه و اللّه ما اشتريت هذه الجارية الا بأمر اللّه و وحيه،فسئل عن).

ص: 177


1- لأن قبل توليه(عليه السلام)ولاية العهد لم يزل يخرج رجل بعد رجل من بني علي(عليه السلام)على بني العباس و يسفك دماء الفريقين.و ذلك لما يرى بنو علي لأنفسهم من التقدم على بني العباس في امرة المؤمنين.و بعد ولايته(و هو مقبول الفضل على من عداه)لم يبق مستمسك لبني علي في الخروج.
2- اي يسد به الخلل.
3- اي يجمع به الشق و الفرقة.
4- الصمت كالضرب:السكوت.
5- اقول يأتي في النور الرابع عشر في فصل فضل انتظار الفرج حديث يناسب هذا المقام (منه).
6- ذكر هذا الخبر المسعودي في اثبات الوصية ايضا(منه).

ذلك فقال:بينا انا نائم اذ أتاني جدي و ابي(عليهما السّلام)و معهما شقة حرير فنشراها فاذا قميص و فيه صورة هذه الجارية فقالا يا موسى:ليكونن لك من هذه الجارية خير اهل الأرض بعدك ثم أمراني اذا ولدته ان اسميه عليا،و قالا:ان اللّه عز و جل سيظهر به العدل و الرأفة و الرحمة طوبى لمن صدقه و ويل لمن عاداه و جحده.

روى الشيخ الصدوق عن نجمة ام الرضا(عليه السلام)تقول:لما حملت بابني عليّ لم اشعر بثقل الحمل و كنت اسمع في منامي تسبيحا و تهليلا و تمجيدا من بطني فيفزعني ذلك و يهوّلني،فاذا انتبهت لم اسمع شيئا فلما وضعته وقع على الأرض واضعا يده على الأرض رافعا راسه الى السماء يحرك شفتيه كأنه يتكلم فدخل الي ابوه موسى بن جعفر(عليهما السّلام)فقال لي:هنيئا لك يا نجمة كرامة ربك،فناولته اياه في خرقة بيضاء فأذن في أذنه الايمن و اقام في الايسر و دعا بماء الفرات فحنكه ثم رده الي و قال:خذيه فانه بقية اللّه في ارضه،و روى عن البزنطي قال:قلت لأبي جعفر(عليه السلام):ان قوما من مخالفيكم يزعمون ان اباك انما سماه المأمون الرضا لما رضيه لولاية عهده،فقال كذبوا و اللّه و فجروا بل اللّه تبارك و تعالى سماه الرضا لأنه كان رضيّ اللّه عز و جل في سمائه و رضي لرسوله و الأئمة بعده (عليهم السّلام)في ارضه،قال:فقلت له:الم يكن كل واحد من آبائك الماضين(عليهم السّلام)رضي اللّه عز و جل و لرسوله و الأئمة بعده(عليهم السلام)؟فقال بلى،فقلت:فلم سميّ ابوك(عليه السلام)من بينهم الرضا؟قال لأنه رضي به المخالفون من اعدائه كما رضي به الموافقون من اوليائه و لم يكن ذلك لأحد من آبائه(عليهم السّلام)فذلك سمّى من بينهم الرضا(عليه السلام).و روي ان نقش خاتم الرضا(عليه السلام) كان:ما شاء اللّه لا قوة الا باللّه.

ص: 178

فصل في عبادته و مكارم اخلاقه و معالي اموره(عليه السلام)

روي انه كان جلوس الرضا(عليه السلام)في الصيف على حصير و في الشتاء على مسح و لبسه الغليظ من الثياب حتى اذا برز للناس تزيّن لهم، و كان(عليه السلام)اذا صلى الغداة و كان يصليها في اول وقت ثم يسجد فلا يرفع رأسه الى ان ترتفع الشمس،ثم يقوم فيجلس للناس او يركب و لم يكن احد يقدر أن يرفع صوته في داره كائنا من كان،و كانت قيمة (1)في داره تنبه النساء بالليل و تأخذهن بالصلاة و كان ذلك من اشد ما عليهن حتى ان بعض الجواري تمنت الخروج من داره،و كان(عليه السلام)يكلم الناس قليلا و كان كلامه و جوابه و تمثله انتزاعات من القرآن المجيد،و كان يختمه في كل ثلاث و يقول لو اردت ان اختمه في اقرب من ثلاث لختمت و لكنّي ما مررت بآية قط الا فكرت فيها و في أي شيء انزلت و في أي وقت فلذلك صرت اختم في كل ثلاثة ايام.

و روي عن ابي الصلت قال:جئت إلى باب الدار التي حبس فيها الرضا (عليه السلام)بسرخس و قد قيد فاستأذنت عليه السجان فقال لا سبيل لكم اليه فقلت:و لم قال:لأنه ربما صلى في يومه و ليلته الف ركعة انما ينفتل في صلاته ساعة في صدر النهار و قبل الزوال و عند اصفرار الشمس فهو في هذه الاوقات قاعد في مصلاه يناجي ربه قال:فقلت له فاطلب لي في هذه الأوقات اذنا عليه فاستأذن لي عليه فدخلت عليه و هو قاعد في مصلاه متفكر،الخبر.

و عن ابراهيم بن العباس قال:ما رأيت ابا الحسن الرضا(عليه السلام)جفا احدا بكلامه قط،و لا اتكى بين يدي جليس له قط،و لا رايته شتم احدا من مواليه و مماليكه قط،و لا رايته يقهقه في ضحكه قط بل

ص: 179


1- اي متولية.

كان ضحكه التبسم،و كان اذا خلا و نصبت مائدته اجلس معه على مائدته مماليكه حتى البواب و السائس،و كان(عليه السلام)قليل النوم بالليل كثير السهر يحيي اكثر لياليه من اولها الى الصبح،و كان كثير الصيام فلا يفوته صيام ثلاثة ايام في الشهر و يقول ذلك صوم الدهر،و كان(عليه السلام) كثير المعروف و الصدقة في السر و أكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة فمن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدقوه،اقول و من أراد أن يقف على ما كان يعملي(عليه السلام)في يومه و ليله من العبادات فعليه ان يلاحظ الخبر المشهور المروي من رجاء بن ابي الضحاك الحميري عن ابيه عن معمر بن خلاد قال:كان ابو الحسن الرضا(عليه السلام)اذا اكل أتي بصحفة فتوضع قرب مائدته فيعمد الى اطيب الطعام مما يؤتى به فيأخذ من كل شيء شيئا فيوضع في تلك الصحفة ثم يأمر بها للمساكين ثم يتلو هذه الآية،فلا اقتحم العقبة،ثم يقول:علم اللّه عز و جل ان ليس كل انسان يقدر على عتق رقبة فجعل لهم سبيل الى الجنة (1)-

الكليني عن اليسع بن حمزة قال:كنت انا في مجلس أبي الحسن الرضا (عليه السلام)احدثه و قد اجتمع اليه خلق كثير يسألونه عن الحلال و الحرام اذ دخل عليه رجل طوال آدم فقال له:السلام عليك يا ابن رسول اللّه، رجل من محبيك و محبّي آبائك و اجدادك(عليهم السّلام)،مصدري من الحج،و قد افتقدت نفقتي و ما معي ما ابلغ به مرحلة،فان رأيت ان تنهضني الى بلدي و للّه عليّ نعمة فاذا بلغت بلدي تصدقت بالذي توليني عنك فلست موضع صدقة،فقال له اجلس رحمك اللّه و اقبل على الناس يحدثهم حتى تفرقوا و بقي هو و سليمان الجعفري و خيثمة و انا فقال اتأذنون لي في الدخول فقال له سليمان قدم اللّه امرك،فقام فدخل الحجرة و بقي ساعة ثم خرج ورد الباب و اخرج يده من اعلى الباب و قال اين الخراساني؟فقال ها أنذاي.

ص: 180


1- اذ انه تعالى جعل شكر الايادي.اقتحام العقبة و فسره بقوله عتق رقبة او اطعام في يوم ذي مسغبة(اي مجاعة)فاشار(عليه السلام)الى عدم امكان الأول لاكثر الناس و قدرتهم للثاني.

فقال خذ هذه المئتي دينار و استعن بها في مؤونتك و نفقتك و تبرك بها و لا تتصدق بها عني و اخرج فلا اراك و لا تراني،ثم خرج،فقال سليمان:

جعلت فداك لقد اجزلت و رحمت فلماذا استرت وجهك عنه،فقال:مخافة ان أرى ذل السؤال في وجهه لقضاء حاجته اما سمعت حديث رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)المستتر بالحسنة تعدل سبعين حجة و المذيع بالسيئة مخذول و المستتر بها مغفور له،اما سمعت قول الأول:

متى آته يوما لأطلب حاجة *** رجعت الى اهلي و وجهي بمائه

قال السبط في التذكرة و كان(عليه السلام)من الفضلاء الاتقياء الاجواد و فيه يقول ابو نواس (1).

قيل لي:انت اوحد الناس في *** كل كلام من المقال بديه

لك في جوهر الكلام فنون *** ينثر الدر في يدي مجتنيه

فعلى ما تركت مدح بن موسى *** و الخصال التي تجمعن فيه

قلت:لا اهتدي لمدح امام *** كان جبريل خادما لأبيه

ابن شهرآشوب عن موسى بن سيار قال:كنت مع الرضا(عليه السلام)و قد اشرف على حيطان طوس و سمعت واعية فاتبعتها فاذا نحن بجنازة فلما بصرت بها،رايت سيدي و قد ثنى رجله عن فرسه ثم أقبل نحو الجنازة فرفعها ثم أقبل يلوذ بها كما تلوذ السخلة (2)بامها ثم اقبل عليّ و قال يا موسى بن سيار،من شيع جنازة وليّ من اوليائنا خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه لا ذنب عليه،حتى اذا وضع الرجل على شفير قبره رايت سيدي قد اقبل فافرج الناس عن الجنازة حتى بدا له الميت فوضع يده على صدره ثم قال:يا فلان بن فلان ابشر بالجنة فلا خوف عليك بعد هذه الساعة فقلت جعلت فداك هل تعرف الرجل فو اللّه انها بقعة لم تطأها قبل يومك هذا،فقال لي:ة.

ص: 181


1- له ظرف و ملا ميح.راجع ترجمته في الكني و الالقاب و غيره.
2- ولد الشاة.

يا موسى بن سيار اما علمت انا معاشر الأئمة تعرض علينا اعمال شيعتنا صباحا و مساء فما كان من التقصير في اعمالهم سألنا اللّه الشكر لصاحبه.

روي عن ياسر الخادم قال،كان الرضا(عليه السلام)اذا خلا جمع حشمه كلهم عنده الصغير و الكبير فيحدثهم و يأنس بهم و يؤنسهم،و كان (عليه السلام)اذا جلس على المائدة لم يدع صغيرا و لا كبيرا حتى السائس (1)و الحجام الا اقعده معه على مائدته.و قال:قال لنا ابو الحسن ان قمت على رؤوسكم و انتم تأكلون فلا تقوموا حتى تفرغوا و لربما دعا بعضنا،فيقال:

هم يأكلون فيقول:دعوهم حتى يفرغوا.

و روى الشيخ الكليني عن رجل من اهل بلخ قال:كنت مع الرضا (عليه السلام)في سفره الى خراسان فدعا يوما بمائدة له فجمع عليها مواليه من السودان و غيرهم،فقلت:جعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدة فقال:مه ان الرب تبارك و تعالى واحد و الأم واحدة و الاب واحد و الجزاء بالاعمال.-

اقول:هذا حاله(عليه السلام)مع الفقراء و الرعايا و لكن لما دخل عليه الفضل بن سهل ذو الرياستين وقف بين يديه ساعة ثم رفع الرضا(عليه السلام)رأسه إليه فقال له:ما حاجتك قال الفضل:يا سيدي هذا كتاب كتبه (2)امير المؤمنين و أنت اولى ان تعطينا مثل ما اعطى امير المؤمنين اذ كنت وليّ عهد المسلمين،فقال له الرضا(عليه السلام):اقرأه و كان كتابا في اكبر جلد فلم يزل قائما حتى قرأه فلما فرغ قال له ابو الحسن(عليه السلام):

يا فضل لك علينا هذا ما اتقيت اللّه عز و جل،؛فنقض عليه امره في كلمة واحدة فخرج من عنده.

روى عن ياسر الخادم قال:اكل الغلمان يوما فاكهة فلم يستقصوا).

ص: 182


1- اي رائض الدواب و المتولي لها.
2- كان هو كتاب الحبوة فيه ما اعطاه المأمون و حباه كلما احب من الاموال و الضياع و السلطان و بسط له من الدنيا امله(منه).

اكلها،ورموا بها،فقال لهم ابو الحسن(عليه السلام)سبحان اللّه ان كنتم استغنيتم فان أناسا لم يستغنوا اطعموه من يحتاج اليه.و روى انه(عليه السلام)راى اسود يعمل مع غلمانه فقال لهم:قاطعتموه على أجرته! فقالوا لا هو يرضى منا بما نعطيه فضربهم بالسوط و غضب لذلك غضبا شديدا.

و عن محمد بن سنان قال:قلت لأبي الحسن الرضا(عليه السلام)في ايام هارون انك شهرت نفسك بهذا الأمر و جلست مجلس ابيك و سيف هارون يقطر الدم،قال جرأني على هذا ما قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)ان اخذ ابو جهل من رأسي شعرة فاشهدوا اني لست بنبي و انا اقول لكم ان اخذ هارون من راسي شعرة فاشهدوا اني لست بامام.

فصل في علمه(عليه السلام)

روي عن محمد بن عيسى اليقطيني انه جمع من مسائله(عليه السلام) مما سأل عنه و اجاب عنه خمسة عشر الف مسألة،و في رواية اخرى ثمانية عشر الف مسألة.

الشيخ الطبرسي عن ابي الصلت قال:ما رأيت اعلم من عليّ بن موسى الرضا(عليه السلام)و لا رآه عالم الا شهد له بمثل شهادتي،و لقد جمع المأمون في مجالس له ذوات عدد علماء الاديان و فقهاء الشريعة و المتكلمين فغلبهم عن آخرهم حتى ما بقي احد منهم الا اقر له بالفضل و اقر على نفسه بالقصور،و لقد سمعت علي بن موسى الرضا(عليه السلام)يقول:كنت اجلس في الروضة و العلماء بالمدينة متوافرون فاذا اعيى الواحد منهم عن مسألة اشاروا اليّ باجمعهم و بعثوا الي بالمسائل فاجيب(فاجبت.ظ)عنها قال ابو الصلت:و لقد حدثني محمد بن اسحاق بن موسى بن جعفر عن ابيه ان موسى بن جعفر(عليه السلام)كان يقول لبنيه:هذا اخوكم عليّ بن موسى

ص: 183

عالم آل محمد(عليهم السّلام)فاسألوه عن اديانكم و احفظوا ما يقول لكم،فانّي سمعت ابي جعفر بن محمد(عليه السلام)غير مرة يقول لي:ان عالم آل محمد(عليه السلام)لفي صلبك و ليتني ادركته فانه سميّ امير المؤمنين عليّ(عليه السلام).

قال شيخنا الصدوق(رحمه اللّه)كان المأمون يجلب إلى(علي ظ)الرضا (عليه السلام)من متكلمي الفرق و اهل الاهواء المضلّة كل من سمع به، حرصا على انقطاع الرضا(عليه السلام)عن الحجة مع واحد منهم و ذلك حسدا منه له و لمنزلته من العلم فكان لا يكلمه احد الا اقر له بالفضل و ألزم الحجة له عليه.

و روي عن علي بن محمد بن الجهم،قال:حضرت مجلس المأمون و عنده الرضا علي بن موسى(عليه السلام)،فقال له المأمون:يا ابن رسول اللّه اليس من قولك ان الانبياء معصومون،قال:بلى قال:فما معنى قول اللّه عز و جل و عصى آدم ربه فغوى فاجابه(عليه السلام)ثم سأله عن آية اخرى فاجابه فلم يزل يسأله و يجيبه(عليه السلام)الى ان قال عليّ بن محمد بن الجهم،فقام المأمون الى الصلاة و اخذ بيد محمد بن جعفر بن محمد(عليه السلام)و كان حاضرا المجلس و تبعتهما قال له المأمون كيف رأيت ابن اخيك،فقال:عالم و لم نره يختلف الى أحد من اهل العلم،فقال المأمون:ان ابن اخيك من اهل بيت النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)الذين قال فيهم:الا ان ابرار عترتي و اطايب ارومتي (1)احلم الناس صغارا و أعلم الناس كبارا لا تعلّموهم فانهم اعلم منكم،لا يخرجونكم من باب هدى و لا يدخلونكم في باب ضلال و انصرف الرضا(عليه السلام)الى منزله،فلما كان من الغد غدوت عليه و اعلمته ما كان من قول المأمون و جواب عمه محمد بن جعفر له فضحك ثم قال:يا ابن الجهم لا يغرنك ما سمعته منه فانه سيغتالني (2)و اللّه ينتقم لي منه.ة.

ص: 184


1- الارومة:اصل الشجرة.
2- اي سيفتك بي و يقتلني غيلة.

و في الدر النظيم عن يحيى بن اكثم قال كنت يوما عند المأمون و عنده عليّ بن موسى الرضا(عليه السلام)و دخل الفضل بن سهل ذو الرياستين فقال للمأمون:قد وليت الثغر الفلاني فلانا التركي فسكت المأمون،فقال الرضا(عليه السلام):ما جعل اللّه تعالى لإمام المسلمين و خليفة رب العالمين القائم بامور الدين ان يولي شيئا من ثغور المسلمين احدا من سبي ذلك الثغر،لأن النفس تحن الى اوطانها،و تشفق على اجناسها،و تحب مصالحها و ان كانت مخالفة لاديانها،فقال المأمون:اكتبوا هذا الكلام بماء الذهب.

اقول:من أراد أن يقف على بعض ما يخبر عن علمه(عليه السلام) فعليه بان يراجع الخطب المروية عنه(عليه السلام)و احتجاجه(عليه السلام)مع الجاثليق و رأس الجالوت و رؤساء الصابئين و الهربذ الأكبر و اصحاب الزردشت و نسطاس الرومي و المتكلمين في مجلس المأمون و جوابه (عليه السلام)لاسئلة عمران الصابيء و اسلام عمران ببركته،و كان عمران جدلا لم يقطعه عن حجته احد قط و احتجاجه(عليه السلام)على سليمان المروزي واحد خراسان و غير ذلك (1).

و من كلماته(عليه السلام)،صديق كل امريء عقله و عدوه جهله.

و قال(عليه السلام):التودد الى الناس نصف العقل.

و قال:ان اللّه تعالى يبغض القيل و القال و اضاعة المال و كثرة السؤال.

و قال:إنا اهل بيت نرى ما وعدنا علينا دينا كما صنع رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم):و قال:يأتي على الناس زمان تكون العافية فيه عشرة اجزاء تسعة منها في اعتزال الناس و واحد في الصمت.

و قال عونك للضعيف افضل من الصدقة و قال الصمت باب من ابواب الحكمة ان الصمت يكسب المحبة،انه دليل على كل خير.4.

ص: 185


1- راجع الاحتجاج للشيخ الطبرسي و بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج 12 و 4.

و قال ان العابد من بني اسرائيل لم يكن عابدا حتى يصمت عشر سنين فاذ صمت عشر سنين كان عابدا.

و قال من رضي عن اللّه تعالى بالقليل من الرزق رضي اللّه منه بالقليل من العمل.و قال الاسترسال بالانس يذهب المهابة.

عن عبد العظيم الحسني(رضي اللّه عنه)عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام)قال:يا عبد العظيم ابلغ عنّي اوليائي السلام و قل لهم ان لا يجعلوا للشيطان على انفسهم سبيلا،و مرهم بالصدق في الحديث و اداء الامانة، و مرهم بالسكوت و ترك الجدال فيما لا يعنيهم و اقبال بعضهم على بعض و المزاورة فان ذلك قربة إليّ و لا يشغلواانفسهم بتمزيق (1)بعضهم بعضا فانّي آليت على نفسي انه من فعل ذلك و اسخط وليّا من اوليائي دعوت اللّه ليعذبه في الدنيا أشد العذاب و كان في الآخرة من الخاسرين.

فصل في ذكر طلب المأمون ابا الحسن الرضا(عليه السلام)

من المدينة إلى المرو

روى الشيخ الصدوق عن محول السجستاني قال لما ورد البريد بإشخاص-الرضا(عليه السلام)الى خراسان كنت انا بالمدينة فدخل المسجد ليودع رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)مرارا،كل ذلك يرجع الى القبر و يعلو صوته بالبكاء و النحيب،فتقدمت اليه و سلمت عليه فرد السلام و هنأته.فقال:ذرني فاني اخرج من جوار جدّي(عليه السلام) فأموت في غربة و ادفن في جنب هارون قال:فخرجت متبعا لطريقه حتى مات سلام اللّه عليه بطوس و دفن الى جنب هارون.

ص: 186


1- اي بشق اعراضهم و الطعن فيها.

و في الدر النظيم روى جماعة من اصحاب الرضا(عليه السلام)انه قال:لما اردت الخروج من المدينة الى خراسان جمعت عيالي فامرتهم أن يبكوا علي حتى اسمع بكاءهم (1)ثم فرقت فيهم اثني عشر الف دينار ثم قلت لهم:اني لا ارجع الى عيالي ابدا،ثم اخذت ابا جعفر فادخلته المسجد و وضعت يده على حافة القبر و الصقته به و استحفظته برسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فالتفت اليّ ابو جعفر فقال لي:بأبي أنت و اللّه تذهب الى اللّه،و امرت جميع وكلائي وحشمي له بالسمع و الطاعة و ترك مخالفته و عرفتهم انه القيم مقامي.

و روى الشيخ الاربلي عن دلائل الحميري عن امية بن علي قال:كنت مع ابي الحسن(عليه السلام)بمكة في السنة التي حج فيها ثم صار الى خراسان و معه ابو جعفر(عليه السلام)و ابو الحسن(عليه السلام)يودع البيت،فلما قضى طوافه عدل الى المقام،فصلى عنده،فصار ابو جعفر(عليه السلام)على عنق موفق يطوف به فصار ابو جعفر(عليه السلام)الى الحجر فجلس فيه فأطال فقال له موفق:قم جعلت فداك فقال(عليه السلام)ما اريد ان ابرح من مكاني هذا الا ان يشاء اللّه و استبان في وجهه الغم فأتى موفق ابا الحسن(عليه السلام)فقال:جعلت فداك قد جلس ابو جعفر (عليه السلام)في الحجر و هو يأبى ان يقوم فقام ابو الحسن عليه السلام) فاتى ابا جعفر(عليه السلام)فقال له قم يا حبيبي،فقال:ما أريد أن ابرح من مكاني هذا،قال بلى يا حبيبي.ثم قال:كيف اقوم و قد ودعت البيت وداعا لا ترجع اليه فقال:قم يا حبيبي،فقام معه و روى ذلك المسعودي باختلاف في الالفاظ و فيه ان لأبي جعفر(عليه السلام)في ذلك الوقت سنة.).

ص: 187


1- و قد اشير الى ذلك في زيارته:السلام على من امر اولاده و عياله بالنياحة عليه قبل وصول القتل اليه(منه).

قال السيد عبد الكريم بن طاوس ان الرضا(عليه السلام)لما طلبه المأمون من خراسان توجه(عليه السلام)من المدينة الى البصرة و لم يصل الكوفة و منها توجه على طريق الكوفة إلى بغداد ثم الى قم و دخلها و تلقاه اهلها و تخاصموا فيمن يكون ضيفه منهم،فذكر(عليه السلام)ان الناقة مأمورة (1)فما زالت حتى بركت على باب و صاحب ذلك الباب رأى في منامه أن الرضا (عليه السلام)يكون ضيفه في غد.فما مضى الا يسيرا حتى صار ذلك الموضع مقاما شامخا،و هو في اليوم مدرسة مطروقة،ثم منها الى فريومد (2).و قال:

في حالهم الخبر المشهور،ثم وصل الى مرو و عاد الى سناباد و توفي بها و اتفق لي زيارته(عليه السلام)في جمادى الأولى سنة ثمانين و ستمائة انتهى.

اقول:قد ظهر من هذا الكلام ان بلدتنا الطيبة دار الايمان قم المحمية التي كانت حرم اهل البيت و عش آل محمد(عليهم السّلام)و موضع قدم جبرائيل،قد تشرفت باقدام مولانا ابي الحسن الرضا عليه آلاف التحية و التحف،و زادها الشرف فوق الشرف،و ان وروده(عليه السلام)اشبه بورود جده رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)المدينة الطيبة،فقد روي عن سلمان(رضي اللّه عنه)قال:لما قدم النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)المدينة تعلق الناس بزمام الناقة فقال النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم) يا قوم دعوا الناقة فانها(فهي:خ د)مأمورة،فعلى باب من بركت،فانا).

ص: 188


1- قد ظهر من هذا الخبر انه(عليه السلام)كان راكبا ناقة في سفره الى الخراسان و يؤيد ذلك ما رواه الراوندي في الدعوات ان رجلا من اهل كرمند قرية من اصفهان كان جمالا لمولانا ابو الحسن(عليه السلام)عند توجهه الى خراسان فلما اراد الانصراف قال له يا ابن رسول اللّه شرفني بشيء من خطك اتبرك به و كان الرجل من العامة فاعطاه مكتوبا فيه كن محبا لآل محمد(عليهم السلام)و ان كنت فاسقا و محبا لمحبيهم و ان كانوا فاسقين و انا احب ان اتمثل ها هنا بهذين البيتين: و تحمله الناقة الأدماء معتجرا بالبرد كالبدر جلى ليلة الظلم و في عطا فيه او اثناء بردته ما يعلم اللّه من دين و من كرم (منه).
2- الظاهر ان هذه الكلمة تصحيف فربوندوهي قرية بقرب عباس آباد و مزينان على ما سمعت (منه).

عنده،فاطلقوا زمامها و هي تهف (1)في السير حتى دخلت المدينة فبركت على باب أبي ايوب الانصاري (2)(رضي اللّه عنه)و لم يكن في المدينة افقر منه فانقطعت قلوب الناس حسرة على مفارقة النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)، و لا غرو في ذلك من مولانا الرضا(عليه السلام)فانه بضعة النبي(صلى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و وضع اللّه عز و جل عليه اعباء (3)النبوة و منحه الاضطلاع بها و كان صلوات اللّه عليه شبيها به تحكي شيمته شيمته ما تخرم (4)مشيته مشيته،بل روي انه(عليه السلام)كان اشبه الناس برسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و كل من رأى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم) في المنام رآه على صورته(عليه السلام).

الصدوق،عن ابن المتوكل،عن علي عن ابيه عن يوسف بن عقيل، عن اسحاق بن راهويه،قال:لما وافى ابو الحسن الرضا(عليه السلام)نيسابور و أراد أن يرحل منها الى المأمون اجتمع اليه اصحاب الحديث فقالوا له يا ابن رسول اللّه ترحل عنا و لا تحدثنا بحديث فنستفيده منك،و قد كان قعد في المارية فأطلع رأسه و قال:سمعت ابي موسى بن جعفر،يقول:سمعت ابي جعفر بن محمد،يقول:سمعت ابي محمد بن علي يقول:سمعت ابي علي بن الحسين،يقول:سمعت ابي الحسين بن علي يقول:سمعت ابي أمير المؤمنين علي بن ابي طالب(عليهم السّلام)،يقول:سمعت رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،يقول:سمعت جبرائيل(عليه السلام)يقول:

سمعت اللّه عز و جل،يقول:لا اله الا اللّه حصني،فمن دخل حصني امن عذابي فلما مرت الراحلة نادانا بشروطها و انا من شروطها.ا.

ص: 189


1- الهفيف:سرعة السير و الخفة(منه).
2- هو زيد بن خالد الخزرجي من بني النجار.شهد القعبة و بدر و سائر المشاهد و شهد مع امير المؤمنين مشاهده كلها و كان من خواص اصحابه.و لما غزا يزيد بن معاوية الروم اخذ معه ابا ايوب(تبركا)و كان شيخا هرما فتوفي عند القسطنطنية فامر يزيد ان يدفن بالقرب من سورها و كانت وفاته سنة 50 خمسين.
3- جمع عبء و هو الثقل.
4- اي لا تعدل عنها.

و روى الصدوق ايضا عن ابي الصلت الهروي،قال:لما خرج الرضا عليّ بن موسى(عليه السلام)من نيسابور إلى المأمون،فبلغ قرب القرية الحمراء،قيل له:يا ابن رسول اللّه قد زالت الشمس افلا تصلي فنزل (عليه السلام)فقال:إيتوني بماء فقيل ما معنا ماء فبحث(عليه السلام) بيده الأرض فنبع من الماء ما توضأ به هو و من معه،و اثره باق الى اليوم فلما دخل سناباد اسند الى الجبل الذي ينحت منه القدور،فقال:اللهم انفع به و بارك فيما ينحت منه ثم امر فنحت له قدور من الجبل،و قال لا يطبخ ما آكله الا فيها،و كان(عليه السلام)خفيف الأكل قليل الطعم (1)فاهتدى الناس اليه من ذلك اليوم و ظهرت بركة دعائه(عليه السلام)فيه.

ثم دخل دار حميد بن قحطبة الطائي و دخل القبة التي فيها قبر هارون الرشيد ثم خط بيده الى جانبه،ثم قال:هذه تربتي و فيها ادفن و سيجعل اللّه هذا المكان مختلف شيعتي و اهل محبتي و اللّه ما يزورني منهم زائر،و لا يسلّم عليّ منهم مسلم،الا وجب له غفران اللّه و رحمته بشفاعتنا اهل البيت،ثم استقبل القبلة و صلّى ركعات و دعا بدعوات،فلما فرغ سجد سجدة طال مكثه فيها،فاحصيت له فيها خمسمئة تسبيحة ثم انصرف.

مهج الدعوات عن ياسر الخادم،قال:لما نزل ابو الحسن علي بن موسى الرضا(عليه السلام)قصر حميد بن قحطبة نزع ثيابه و ناولها حميدا فاحتملها و ناولها جارية له لتغسلها فما لبثت ان جاءت و معها رقعة فناولتها حميدا،و قالت:وجدتها في جيب ابي الحسن(عليه السلام)فقلت:جعلت فداك،ان الجارية وجدت رقعة في جيب قميصك فها هي،قال يا حميد:

هذه عوذة لا نفارقها فقلت لو شرفتني بها،فقال:هذه عوذة من امسكها في جيبه كان البلاء مدفوعا عنه و كانت له حرزا من الشيطان الرجيم ثم املى على الحميد العوذة،و هي بسم اللّه الرحمن الرحيم بسم اللّه اني اعوذ بالرحمان منك الخ.م.

ص: 190


1- كالخبز وزنا:الطعام.

فصل في ذكر ولاية العهد من المأمون للرضا(عليه السلام)

قال صاحب نور الابصار ذكر جماعة من اصحاب السير و رواة الأخبار بأيام الخلفاء ان المأمون لما اراد ولاية العهد للرضا(عليه السلام)و حدث نفسه بذلك و عزم عليه احضر الفضل بن سهل و اخبره بما عزم عليه و أمره بمشاورة اخيه الحسن في ذلك فاجتمعا و حضرا عند المأمون فجعل الحسن يعظم ذلك عليه و يعرفه ما في خروج الامر عن اهل بيته فقال المأمون اني عاهدت اللّه تعالى اني ان ظفرت بالمخلوع (1)سلمت الخلافة الى افضل بني طالب و هو افضلهم و لا بد من ذلك فلما رأيا تصميمه و عزيمته على ذلك امسكا عن معارضته فقال تذهبان الآن اليه و تخبرانه بذلك عني و تلزمانه به فذهبا الى عليّ الرضا(عليه السلام)و اخبراه بذلك و ألزماه فامتنع فلم يزالا به حتى اجاب على انه لا يأمر و لا ينهي و لا يعزل و لا يولي و لا يتكلم بين اثنين في حكومة و لا يغير شيئا مما هو قائم على اصله فاجابه المأمون الى ذلك،ثم ان المأمون جلس مجلسا خاصا لخواص اهل دولته من الامراء و الوزراء و الحجاب و الكتاب و اهل الحل و العقد و كان ذلك في يوم الخميس لخمس خلون من شهر رمضان سنة احدى و مئتين و احضرهم فلما حضروا قال للفضل بن سهل:اخبر الجماعة الحاضرين،برأي امير المؤمنين،في الرضا عليّ بن موسى(عليه السلام)،و أنه ولاه عهده و أمرهم بلبس الخضرة و العود لبيعته في الخميس الثاني فحضروا و جلسوا على مقادير طبقاتهم، و منازلهم،كل في موضعه،و جلس المأمون،ثم جيء بالرضا(عليه السلام)فجلس بين و سادتين عظيمتين،وضعتا له و هو لابس الخضرة و على رأسه عمامة،متقلدا بسيف،فامر المأمون ابنه العباس بالقيام اليه و مبايعته اول الناس فرفع الرضا(عليه السلام)يده و جعلها من فوق،فقال له المأمون

ص: 191


1- المراد من المخلوع اخوه محمد الامين(منه).

ابسط يدك فقال له الرضا(عليه السلام):هكذا كان يبايع رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)يده فوق ايديهم،فقال افعل ما ترى ثم وضعت بدر (1)الدراهم و الدنانير و بقج الثياب و الخلع،و قام الخطباء و الشعراء و ذكروا ما كان من أمر المأمون،من ولاية عهده للرضا(عليه السلام)،و ذكروا فضل الرضا(عليه السلام)،و فرقت الصّلات و الجوائز على الحاضرين على قدر مراتبهم،و اول من بديء به العلويون،ثم العباسيون،ثم باقي الناس على قدر منازلهم و مراتبهم،ثم ان المأمون قال للرضا(عليه السلام):قم فاخطب الناس فقام،فحمد اللّه و اثنى عليه وثنى بذكر نبيه محمد(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فصلى عليه و قال:ايها الناس ان لنا عليكم حقا برسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و لكم علينا حق به فاذا اديتم الينا ذلك وجب لكم علينا الحكم(الحق (2)ظ)و السلام و لم يسمع منه في هذا المجلس غير هذا،و خطب للرضا(عليه السلام) بولاية العهد في كل بلد و خطب عبد الجبار بن سعيد في تلك السنة على منبر رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)بالمدينة فقال في الدعاء للرضا(عليه السلام)،و هو على المنبر:ولي عهد المسلمين عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن علي(عليهم السّلام)و انشد:

ستة آباء هم ما هم *** أفضل من يشرب صوب الغمام

ذكر المدائني قال:لما جلس الرضا(عليه السلام)ذلك المجلس و هو لابس تلك الخلع،و الشعراء و الخطباء يتكلمون،و تلك الالوية يخفف على رأسه،نظر الرضا(عليه السلام)الى بعض مواليه الحاضرين ممن كان يختص به و قد داخله من السرور مالا مزيد عليه،و ذلك لما رأى،فاشار اليه الرضا(عليه السلام)فدنا منه فقال له في اذنه سرا:لا تشغل قلبك بشيء مما ترى من هذا الامر و لا تستبشر به فانه لا يتم.ر.

ص: 192


1- جمع بدرة و هي الكيس الموضوع فيه الدراهم.و قد يطلق على عشرة آلاف درهم او كمية عظيمة منه.
2- حرف ظ بعد كلمة الحق و ما أشبه هذا،معناه:الحق بحسب الظاهر.

اقول:لما جعل المأمون أبا الحسن الرضا(عليه السلام)وليّ عهده و ان الشعراء قصدوه و مدحوه و صوبوا رأي المأمون في الاشعار كان فيمن ورد عليه من الشعراء دعبل بن علي الخزاعي،فلما دخل عليه،قال:اني قد قلت قصيدة فجعلت على نفسي ان لا انشدها على احد قبلك،فأمره بالجلوس حتى خف مجلسه،ثم قال له هاتها،فانشده قصيدته التي أولها (1).

مدارس آيات خلت من تلاوة *** و منزل وحي مقفر العرصات

و كان مع دعبل ابراهيم بن العباس فانشده:

ازالت عزاء القلب بعد التجلد *** مصارع اولاد النبي محمد(ص)

فوهب الرضا(عليه السلام)لهما عشرين الف درهم من الدراهم التي عليها اسمه،كان المأمون امر بضربها في ذلك الوقت،فأما دعبل فصار بالعشرة آلاف التي حصته الى قم فباع كل درهم بعشرة دراهم فتخلصت له مئة الف درهم،و اما ابراهيم فلم تزل عنده بعد ان اهدى بعضها و فرق بعضها على اهله الى ان توفي(رحمه اللّه)فكان كفنه و جهازه منه.قلت:

و لابراهيم مدائح كثيرة في الرضا(عليه السلام)،و كان شعره في مدحه (عليه السلام)معروفا،ينتسخ الى زمان المتوكل،فجمعه ابراهيم فاحرقه من خوف المتوكل.و كان له ابنان اسمهما الحسن و الحسين فلما ولي المتوكل سمّاهما اسحاقا و عباسا فزعا منه.

و روي عن علي بن ابراهيم عن ياسر الخادم و الريان بن الصلت جميعا قالوا:لما حضر العيد و كان قد عقد للرضا(عليه السلام)الامر بولاية العهد بعث المأمون اليه في الركوب الى العيد و الصلاة بالناس و الخطبة لهم فبعث اليه الرضا(عليه السلام)قد علمت ما كان بيني و بينك من الشروط في دخول الامر فاعفني من الصلاة بالناس،فقال له المأمون انما اريد بذلك ان تطمئن قلوب الناس،و يعرفوا فضلك،و لم تزل الرسل تتردد بينهما فين.

ص: 193


1- و قد شرحها بعض العلماء و طبع ذاك الشرح بإيران.

ذلك فلما الحّ عليه المأمون ارسل اليه ان اعفيتني،فهو احب الي و ان لم تعفني خرجت كما خرج رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و امير المؤمنين علي ابن ابي طالب(عليه السلام)،فقال له المأمون:اخرج كيف شئت،و أمر القواد و الحجاب و الناس ان يبكروا الى باب الرضا(عليه السلام).قال فقعد الناس لأبي الحسن(عليه السلام)في الطرقات و السطوح و اجتمع النساء و الصبيان ينتظرون خروجه و صار جميع القواد و الجند إلى بابه،فوقفوا علي دوابهم حتى طلعت الشمس فاغتسل ابو الحسن(عليه السلام)و لبس ثيابه و تعمم بعمامة بيضاء من قطن القى طرفا منها على صدره و طرفا بين كتفيه و مس شيئا من الطيب و اخذ بيده عكازا (1)و قال لمواليه افعلوا مثل ما فعلت فخرجوا بين يديه و هو حاف قد شمر سراويله إلى نصف الساق و عليه ثياب مشمرة،فمشى قليلا و رفع رأسه إلى السماء و كبّر،و كبّر مواليه معه،ثم مشى حتى وقف على الباب فلما رآه القواد و الجند على تلك الصورة،سقطوا كلهم عن الدواب الى الأرض،و كان احسنهم حالا من كان معه سكين قطع بها شرابة حاجليته (2)و نزعها،و تحفّى،و كبّر الرضا(عليه السلام)على الباب و كبر الناس معه فخيل الينا أن السماء و الحيطان تجاوبه،و تزعزعت مرو بالبكاء و الضجيج،لما رأوا ابا الحسن(عليه السلام)و سمعوا تكبيره،قلت و يحق ان انشد في هذا المقام.

ذكروا بطلعتك النبي فهللوا *** لما خرجت الى الصلاة و كبروا

و مشيت مشية خاضع متواضع *** للّه لا يزهى و لا يتكبر

فافتن فيك الناظرون فاصبع *** يومى اليك بها و عين تنظر

يجدون رؤيتك التي فازوا بها *** من أنعم اللّه التي لا تكفر

لكن المأمون كفر بهذه النعمة الجزيلة لما بلغه ذلك و خاف إن بلغ(عليه السلام)المصلّى على هذا السبيل افتتن به الناس،فبعث اليه:قد كلفناكط.

ص: 194


1- كطلاب وزنا:عصا ذات زج في اسفلها يتوكأ عليها الرجل.
2- الحاجلية:يقصد بها الحذاء المشدود برباط.

شططا (1)و اتعبناك،و لسنا نحب ان تلحقك مشقة،فارجع و ليصلّ بالناس من كان يصلي بهم على رسمه،فدعا ابو الحسن(عليه السلام)،بخفه فلبسه و ركب و رجع و اختلف امر الناس في ذلك اليوم،و لم ينتظم في صلاتهم.

روى الصدوق عن عليّ بن ابراهيم عن ياسر الخادم قال:كان الرضا (عليه السلام)اذا رجع يوم الجمعة من الجامع و قد اصابه العرق و الغبار رفع يديه و قال:اللهم ان كان فرجي مما أنا فيه بالموت فعجّل لي الساعة، و لم يزل مغموما مكروبا الى أن قبض(صلوات اللّه عليه).

فصل في وفات الرضا(عليه السلام)و سببها

روي ان المأمون لما ندم من ولاية عهد الرضا(عليه السلام)بإشارة الفضل بن سهل خرج عن مرو منصرفا الى العراق،و احتال على الفضل بن سهل،حتى قتله غالب خال المأمون في حمام سرخس مغافصة (2)،و احتال على عليّ بن موسى الرضا حتى سمّ في علّة كانت اصابته.

روي عن الحسن بن عباد،و كان كاتب الرضا(عليه السلام)قال:

دخلت عليه و قد عزم المأمون بالمسير الى بغداد،فقال الرضا(عليه السلام) يا ابن عباد ما ندخل العراق و لا نراه،فبكيت و قلت فآيستني ان آتي اهلي، و ولدي،قال(عليه السلام):اما انت فستدخلها و انما عنيت نفسي، فاعتل و توفي بقرية من قرى طوس،و قد كان تقدم في وصيته ان يحفر قبره مما يلي الحائط بينه و بين قبر هارون ثلاث اذرع،و قال ياسر الخادم،لما كان بيننا و بين طوس سبعة منازل اعتل ابو الحسن(عليه السلام)فدخلنا طوس و قد اشتدت به العلة فبقينا بطوس اياما فكان المأمون يأتيه في كل يوم مرتين.

ص: 195


1- اي جورا و تجاوزا عن الحد.
2- اي مفاجأة و اخذا على غرة(منه).

و قال الشيخ المفيد:إن الحسن و الفضل ابني سهل قلبا رأي المأمون في الرضا(عليه السلام)فعمل على قتله فاتفق انه أكل هو و المأمون يوما طعاما،فاعتل منه الرضا(عليه السلام)و اظهر المأمون تمارضا،فذكر محمد بن عليّ بن حمزة عن منصور بن بشير عن اخيه عبد اللّه بن بشير قال:

أمرني المأمون ان اطول اظفاري على العادة فلا اظهر لاحد ذلك،ففعلت ثم استدعاني فاخرج الي شيئا شبه التمر الهندي و قال لي اعجن هذا بيدك جميعا، ففعلت ثم قام و تركني،فدخل عليّ الرضا(عليه السلام)فقال له:ما خبرك قال ارجو ان اكون صالحا،قال:انا اليوم بحمد اللّه ايضا،صالح، فهل جاءك احد من المترفقين في هذا اليوم،قال:لا فغضب المأمون و صاح على غلمانه ثم قال:خذ ماء الرمان الساعة فانه مما لا يستغنى عنه،ثم دعاني،فقال:ائتنا برمان فاتيته به فقال اعصره بيديك ففعلت و سقا المأمون الرضا(عليه السلام)بيده،فكان ذلك سبب وفاته و لم يلبث الا يومين حتى مات(عليه السلام).

و رواه الصدوق بتفاوت و فيه كان الرمان في شجرة في بستان في دار الرضا (عليه السلام)و قال المأمون للرضا(عليه السلام)مص منه شيئا،فقال:

حتى يخرج امير المؤمنين فقال:لا و اللّه الا بحضرتي و لو لا خوفي ان يرطب معدتي لمصصته معك،فمص منه ملاعق و خرج المأمون فما صليت العصر حتى قام الرضا(عليه السلام)خمسين مجلسا و زاد الأمر في الليل،قلت قد اشير الى ذلك في زيارة ائمة المؤمنين في هذه الفقرة،و مسموم قد قطعت بجرع السم امعاؤه.

و في اللوح السماوي مشيرا اليه(عليه السلام)و على وليي و ناصري و من اضع عليه اعباء النبوة و امنحه بالاضطلاع (1)بها،يقتله عفريت مستكبر يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصالح،الى جنب شر خلقي.ه.

ص: 196


1- اضطلع بحمله:نهض به و قوي عليه.

و في تذكرة السبط قيل:انه(عليه السلام)دخل الحمام ثم خرج فقدم اليه طبق فيه عنب مسموم قد ادخلت فيه الابر المسمومة من غير ان يظهر اثرها فاكله فمات،و له خمس و خمسون سنة.

و ذكر ابو الفرج و الشيخ المفيد عن محمد بن الجهم،انه يقول:ان الرضا (عليه السلام)كان يعجبه العنب فاخذله عنب و جعل في موضع اقماعه (1)الابر فتركت اياما فاكل منه في علته فقتله،و ذكر ان ذلك من لطيف السموم.

و روي عن ياسر الخادم قال لما كان في آخر يومه الذي قبض(عليه السلام) فيه،كان ضعيفا في ذلك اليوم،فقال لي:بعد ما صلّى الظهر:يا ياسر أكل الناس شيئا،قلت:يا سيدي من يأكل ها هنا مع ما انت فيه،فانتصب (عليه السلام)ثم قال هاتوا المائدة و لم يدع من حشمه احدا الا اقعده معه على المائدة،يتفقد واحدا واحدا،فلما اكلوا قال:ابعثوا إلى النساء بالطعام فحمل الطعام إلى النساء،فلما فرغوا من الأكل أغمي عليه،و ضعف، فوقعت الصيحة و جاءت جواري المأمون و نساؤه حافيات حاسرات،و وقعت الوجبة (2)بطوس و جاء المأمون،حافيا حاسرا،يضرب على رأسه و يقبض على لحيته،و يتأسف و يبكي،و تسيل الدموع على خديه،فوقف على الرضا (عليه السلام)و قد افاق،فقال:يا سيدي و اللّه ما ادري اي المصيبتين اعظم علي فقدي لك و فراقي اياك او تهمة الناس لي اني اغتلتك و قتلتلك؟قال فرفع(عليه السلام)طرفه اليه ثم قال:احسن يا امير المؤمنين معاشرة ابي جعفر فان عمرك و عمره هكذا و جمع بين سبابتيه قال:فلما كان من تلك الليلة قضى عليه بعد ما ذهب من الليل بعضه.

و روي انه كان آخر ما تكلم به:قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم و كان امر اللّه قدرا مقدورا فلما اصبح اجتمعط.

ص: 197


1- جمع قمع كضرب و حبر و عنب:ما التصق باسفل التمر و نحوه.
2- الوجبة:السقطة مع الهدة او صوت الساقط.

الخلق و قالوا:هذا قتله و اغتاله يعني المأمون و قالوا:قتل ابن رسول اللّه و اكثروا القول و الجلبة (1)و كان محمد بن جعفر بن محمد استأمن الى المأمون و جاء الى خراسان و كان عم ابي الحسن،فقال له المأمون:يا ابا جعفر اخرج الى الناس و اعلمهم ان ابا الحسن لا يخرج اليوم و كره ان يخرجه فتقع الفتنة فخرج محمد بن جعفر الى الناس،فقال:أيها الناس تفرقوا فان ابا الحسن اليوم لا يخرج،فتفرق الناس و غسل ابو الحسن في الليل و دفن.

و روى السيد الشبلنجي في نور الابصار عن هرثمة بن اعين،و كان من خدم الخليفة عبد اللّه المأمون و كان قائما بخدمة الرضا(عليه السلام)، قال:طلبني سيدي ابو الحسن الرضا(عليه السلام)في يوم من الايام، و قال لي:يا هرثمة اني مطلعك على امر يكون سرّا عندك لا تظهره لاحد مدة حياتي فاذا اظهرته مدة حياتي،كنت خصما لك عند اللّه،فحلفت له انّي لا اتفوه بما يقوله لي لأحد مدة حياته،فقال لي:اعلم يا هرثمة انه قد دنا رحيلي و لحوقي بآبائي و اجدادي و قد بلغ الكتاب اجله و اني اطعم عنبا و رمانا مفتوتا فاموت و يقصد الخليفة ان يجعل قبري خلف ابيه هارون الرشيد و ان اللّه لا يقدره على ذلك و ان الأرض تشد عليهم فلا تعمل فيها المعاول (2)و لا يستطيعون حفرها،فاعلم يا هرثمة ان مدفني في الجهة الفلانية من اللحد الفلاني للموضع (3)عينه فاذا أنا مت و جهزت فاعلمه بجميع ما قلت لك لتكونوا على بصيرة من امري و قل له اذا انا وضعت في نعشي و اراد الصلاة عليّ،فلا يصليّ علي،و ليتأن قليلا،يأتكم رجل عربي،متلثم على ناقة له،مسرع من جهة الصحراء فينيخ ناقته،و ينزل عنها،و يصلّي عليّ فصلوا معه عليّ فاذا فرغتم من الصلاة علي و حملت الى مدفني الذي عينته لك،فاحفر شيئا يسيرا من وجه الأرض تجد قبرا مطبقا معمورا،في قعره).

ص: 198


1- اي الشدة في القول.
2- جمع معول و هو اداة الحفر.
3- كلام متعرض من هرثمة بين كلامه(عليه السلام)(منة).

ماء ابيض،فاذا كشفت عنه الطبقات نضب الماء فهذا مدفني فادفنوني فيه، ثم ذكر وقوع جميع ما قال(عليه السلام).

و عن دلائل الحميري عن معمر بن خلاد قال:قال ابو جعفر(عليه السلام)يا معمر اركب،قلت:الى اين،قال:اركب كما يقال لك، قال:فركبت فانتهيت الى واد او وهدة فقال لي قف ها هنا فوقفت فأتاني، فقلت له:جعلت فداك اين كنت،قال:دفنت ابي الساعة و كان بخراسان.

و روى ابو الفرج عن ابي الصلت،انه لما مات الرضا(عليه السلام)، حضره المأمون قبل ان يحفر قبره و أمر ان يحفر الى جانب ابيه،ثم اقبل علينا فقال حدثني صاحب هذا النعش انه يحفر له قبر فيظهر فيه ماء و سمك احفروا فحفروا فلما انتهوا الى اللحد نبع ماء و ظهر فيه سمك ثم غاض (1)الماء فدفن فيه الرضا(عليه السلام).

اقول:الذي أفيض عليّ ببركة مولانا ابي الحسن الرضا(عليه السلام) في ظهور السمك و الماء في قبره الشريف،لعل هو تنبيه المأمون بانتقام اللّه تعالى منه،بزوال ملكه و حلول الغضب عليه،و هلاكه بالسمك و الماء، لاغتياله الرضا(عليه السلام).

قال الدميري (2)في تعبير السم،و ربما دلت رؤيته على الغم و النكد و زوال المنصب،و حلول الغضب،لأن اللّه تعالى حرّم على اليهود صيدهم يوم السبت،فخالفوا امره و استوجبوا اللعن.انتهى.

و اما هلاك المأمون بالسمك و الماء فقد حكى المسعودي في مروج الذهب في اخبار المأمون و غزاته ارض الروم،ما هذا ملخصه:و انصرف في غزاته فنزل على عين البديدون المعروفة بالقشيرة،فأقام هنا لك فوقف على العين).

ص: 199


1- اي نقص او غار و اختفى.
2- الدميري هو كمال الدين محمد بن موسى بن عيسى المصري الشافعي تلميذ اسنوي صاحب كتاب حياة الحيوان و غيره توفي سنة 808 نسب الى دميرة كسفينة(منه).

فاعجبه برد مائها و صفاؤه و بياضه و طيب حسن الموضع،و كثرة الخضرة، فأمر بقطع خشب طوال فبسط على العين كالجسر،و جعل فوقه كالازج من الخشب،و ورق الشجر،و جلس تحت الكنيسة التي قد عقدت له،و الماء تحته،و طرح في الماء درهما صحيحا فقرأ كتابته و هو في فرار الماء،لصفاء الماء،و لم يقدر احد أن يدخل يده في الماء من شدة برده،فبينا هو كذلك اذ لاحت سمكة نحو الذراع كانها سبيكة فضة،فجعل لمن يخرجها سيفه فبدر بعض الفراشين فأخذها و صعد،فلما صارت على حرف (1)العين،او على الخشب الذي عليه المأمون،اضطربت و افلتت (2)من يد الفراش، فوقعت في الماء كالحجر،فنضح من الماء على صدر المأمون و نحره،و ترقوته، فبلت ثوبه ثم انحدر الفراش ثانية،فأخذها و وضعها بين يدي المأمون،في منديل،تضطرب فقال المأمون:تقلى الساعة ثم اخذته رعدة من ساعته، فلم يقدر أن يتحرك من مكانه،فغطى باللحف و الدواويج (3)و هو يرتعد كالسعفة و يصيح البرد البرد،ثم حول الى المغرب و دثر و أوقد النيران حوله، و هو يصيح البرد البرد،ثم اتى بالسمكة و قد فرغ من قليها،فلم يقدر على الذوق منها،و شغله ما هو فيه عن تناول شيء منها،و لما اشتد به الأمر، سأل المعتصم بختيشوع و ابن ماسويه (4)في ذلك الوقت عن المأمون،و هو في سكرات الموت،و ما الذي يدل عليه علم الطب من أمره،و هل يمكن برؤه و شفاؤه؟فتقدم ابن ماسويه و أخذ احدى يديه و بختيشوع الأخرىة.

ص: 200


1- يعني جانب و كنار و طرف(منه).
2- اي سقطت.
3- الدواج:اللحاف(منه).
4- اثنان من الاطباء يسميان بهذا الاسم.و الكبير منهما هو الذي التحق بخدمة هارون الرشيد و اشتهر بالدربة في صناعته.و قصده الناس من كل مكان و كان قبل ذلك بجنديشابور. و اما الصغير فهو ابن جبرائيل بن بختيشوع الكبير و كان معاصرا للمتوكل.و معنى بختيشوع عبد عيسى. اما ابن ماسويه فالمسمون به من الاطباء اربعة.و المراد به هنا يوحنا الطبيب المشهور.لازم المأمون و المعتصم و الواثق و المتوكل توفي(243 ه)و قد تلمذ عليه حنين بن اسحاق الذي ترجم كتب ابقراط و جالينوس من اللغة اليونانية.

و أخذ المجسة من كلتا يديه فوجدا نبضه خارجا عن الاعتدال،منذرا بالفناء،و الانحلال،و التزقت ايديهما ببشرته لعرق كان يظهر منه،من سائر جسده،كالزيت او كلعاب بعض الافاعي،فأخبر المعتصم بذلك،فسألهما عن ذلك فانكرا معرفته،و انهما لم يجداه في شيء من الكتب،و انه دال على انحلال الجسد،فاحضر المعتصم الاطباء حوله يؤمل خلاصه مما هو فيه، فلما ثقل قال:اخرجوني اشرف على عسكري و انظر الى رحالي،و اتبين ملكي،و ذلك في الليل،فأخرج فاشرف على الحيم و الجيش و انتشاره و كثرته،و ما قد وقد من النيران،فقال يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه،ثم رد الى مرقده و اجلس المعتصم رجلا يشهده،لما ثقل فرفع الرجل صوته لقولها،فقال:له ابن ماسويه:لا تصح فو اللّه ما يفرق بين ربه و بين ما بي (1)،في هذا الوقت،ففتح عينيه من ساعته و بهما من العظم و الكبر و الاحمرار ما لم ير مثله قط،و اقبل يحاول البطش (2)بيديه بابن ماسويه،ورام مخاطبته فعجز عن ذلك،و قضى عن ساعته و ذلك لثلاث عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ثماني عشرة و مئتين و حمل الى طرسوس فدفن بها.

فصل في استشهاد الرضا(عليه السلام)و ثواب زيارته

قبض ابو الحسن علي بن موسى الرضا(عليه السلام)في آخر صفر كما اختاره ابن الاثير و الطبرسي و السيد الشبلنجي و غيرهم من سنة 203 ثلاث و مئتين و هو ابن خمس و خمسين سنة،و توفي بطوس في قرية يقال لها سناباد من نوقان على دعوة (3)و دفن بها(صلوات اللّه عليه)،و كتب المأمون الى اهل

ص: 201


1- يعني انه في حالة الاغماء و لا يفهم ما تقول و لا يتميز الاشخاص.
2- اي يريد ان يضربه بشدة و قصد ان يخاطبه بما يسوؤه.
3- اي فافصلتها من نوقان على مسيرة صوت واع.

بغداد و بني العباس و الموالي يعلمهم بموته(عليه السلام)و انهم نقموا ببيعته و قد مات و سألهم الدخول في طاعته،فكتبوا اليه اغلظ جواب.

و روي عن امية،بن علي،قال:كنت بالمدينة و كنت اختلف إلى أبي جعفر(عليه السلام)و ابو الحسن بخراسان و كان اهل بيته و عمومة ابيه يأتونه و يسلمون عليه فدعا يوما الجارية،فقال:قولي لهم يتهيأون للمأتم فلما تفرقوا قالوا ما سألناه مأتم من؟فلما كان من الغد فعل مثل ذلك فقالوا مأتم من؟قال مأتم خير من على ظهرها،فاتانا خبر أبي الحسن بعد ذلك.

روى الصدوق عن دعبل بن علي،قال:جاءني خبر موت الرضا(عليه السلام)و انا بقم فقلت قصيدتي الرائية:

ارى امية معذورين ان قتلوا *** و لا أرى لبني العباس من عذر

اولاد حرب و مروان و اسرتهم *** بنو معيط ولاة الحقد و الوغر (1)

قوم قتلتم على الإسلام اولهم *** حتى اذا استمسكوا جازوا على الكفر

اربع (2)***بطوس على قبر الزكي به ان كنت تربع من دين على وطر

قبران في طوس خير الناس كلهم *** و قبر شرهم هذا من العبر

ما ينفع الرجس من قرب الزكي و ما *** على الزكي بقرب الرجس من ضرر

هيهات كل امريء رهن بما كسبت *** له يداه فخذ ما شئت او فذر

و قال (3)الصدوق:و لعلي بن ابي عبد اللّه الخوافي يرثي الرضا(عليه السلام)افضل الصلوات و اكمل التحيات:

يا ارض طوس سقاك اللّه رحمته *** ماذا حويت من الخيرات يا طوس

طابت بقاعك في الدنيا و طاب بها *** شخص (4)ثوى بسناباد و مرموس (5)ن.

ص: 202


1- الوغر:الغيظ.
2- ربع ربعا بالمكان اقام و اطمأن.
3- اي الصدوق(منه).
4- اي اقام.
5- اي مدفون.

شخص عزيز على الإسلام مصرعه *** في رحمة اللّه مغمور و مغموس

يا قبره انت قبر قد تضمنه *** حلم و علم و تطهير و تقديس

فخرا بأنك مغبوط بجثته *** و بالملائكة الأبرار محروس

و ثواب زيارته(عليه السلام)اكثر من ان يذكر،قال الشيخ الشهيد في الدروس عن الكاظم(عليه السلام):من زار قبر ولدي عليّ كان عند اللّه كسبعين حجة مبرورة،قال له يحيى المازني سبعين حجة مبرورة قال نعم و سبعين الف حجة.

و قيل لأبي جعفر محمد بن علي الجواد(عليه السلام)زيارة الرضا(عليه السلام)افضل ام زيارة الحسين(عليه السلام)؟فقال زيارة ابي افضل لأنه لا يزوره الا الخواص من الشيعة.

و عنه(عليه السلام)انها أفضل من الحج،و افضلها رجب.

و روى البزنطي قال:قرأت كتاب ابي الحسن الرضا(عليه السلام) بخطه:ابلغ شيعتي ان زيارتي تعدل عند اللّه الف حجة،و الف عمرة، متقبلة كلها.قال:قلت لأبي جعفر(عليه السلام):الف حجة قال إي و اللّه و الف الف حجة (1)لمن يزوره عارفا بحقه.

و قال الرضا(عليه السلام)من زارني على بعد داري و مزاري اتيته يوم القيامة في ثلاث مواطن حتى اخلصه من اهوالها،اذا تطايرت الكتب يمينا و شمالا و عند الصراط و(عند ظ)الميزان.

و روى الصدوق عن ابي الحسن الهادي(عليه السلام)يقول،من كانت له الى اللّه عز و جل حاجة،فليزر قبر جدي الرضا(عليه السلام)ه.

ص: 203


1- قد ظهر عن هذه الفقرة الشريفة ان الاختلاف الوارد في قدر الفضل و الثواب محمولة على اختلاف الاشخاص و اختلاف مراتب الاخلاص و المعرفة و التقوى و غير ذلك(منه)اقول و الاظهر ان ذلك من باب المبالغة في الاجر لا التحديد الواقعي حتى احتيج الى ذلك التوجيه.

بطوس و هو على غسل،و ليصل عند رأسه ركعتين،و ليسأل اللّه تعالى حاجته،في قنوته،فانه يستجيب له،ما لم يسأل في مأثم او قطيعة رحم،فان موضع قبره لبقعة من بقاع الجنة لا يزورها مؤمن الا اعتقه اللّه تعالى من النار و احله دار القرار.

قال الشيخ المفيد في المقنعة باب مختصر زيارته(عليه السلام)تقف على قبره بعد ان تغتسل لزيارته و تلبس اطهر ثيابك و تقول:

(السلام عليك يا ولي اللّه و ابن وليه،السلام عليك يا حجة اللّه و ابن حجته،السلام عليك يا امام الهدى و العروة الوثقى و رحمة اللّه و بركاته.

اشهد انك مضيت على ما مضى عليه آباؤك الطاهرون،صلوات اللّه عليهم،لم تؤثر عمى على هدى،و لم تمل من حق الى باطل،و انك نصحت للّه و لرسوله،و اديت الامانة،فجزاك اللّه عن الإسلام و اهله خير الجزاء، أتيتك بأبي و أمي زائرا عارفا بحقك مواليا لأوليائك معاديا لاعدائك،فاشفع لي عند ربك،.)

ثم انكب على القبر وضع خديك عليه ثم تحول الى عند الرأس فقل:

السلام عليك يا مولاي يا ابن رسول اللّه و رحمة اللّه و بركاته اشهد انك الإمام الهادي و الولي المرشد،ابرأ الى اللّه تعالى من اعدائك،و اتقرب الى اللّه بولايتك،صلّى اللّه عليك و رحمة اللّه و بركاته.)

ثم صل ركعتي الزيارة و صل بعدهما ما بدا لك و تحول الى عند الرجلين فادع بما شئت ان شاء اللّه.

قال السيد بن طاوس في الاقبال:و رأيت في بعض تصانيف اصحابنا العجم(رضوان اللّه عليهم)،انه يستحب ان يزار مولانا الرضا(عليه السلام)يوم ثالث و عشرين من ذي القعدة من قرب او بعد ببعض زياراته المعروفة او بما يكون كالزيارة من الرواية بذلك.

ص: 204

قلت و روى العلامة المجلسي(رحمه اللّه)عن صاحب كتاب العدد القوية انه قال:ان وفاة الرضا(عليه السلام)كانت في ذلك اليوم،و اللّه العالم.

قال السيد الداماد قدس سره في رسالة اربعة ايام في ذكر اعمال يوم دحو الأرض،يوم الخامس و العشرين من ذي القعدة،ان زيارة الرضا(عليه السلام)فيه افضل الاعمال المستحبة و آكد الآداب المسنونة.

ختام

قال شيخنا الطبرسي(رحمه اللّه)في اعلام الورى بعد ذكر جملة من دلائل الرضا و معجزاته(عليه السلام)و أمّا ما ظهر للناس بعد وفاته من بركة مشهده المقدس و علاماته و العجائب التي شاهدها الخلق فيه و اذعن العام و الخاص له واقر المخالف و المؤالف به الى يومنا هذا فكثير خارج عن حد الاحصاء و العد،و لقد ابريء فيه الاكمه (1)و الابرص،و استجيبت الدعوات،و قضيت ببركته الحاجات و كشفت الملمّات و شاهدنا كثيرا من ذلك و تيقناه الخ.

قال:شيخنا الحر العاملي(قدس سره)في اثبات الهداة بعد نقل هذا الكلام من الاعلام،يقول محمد بن الحسن الحر،مؤلف هذا الكتاب:

و لقد رأيت و شاهدت كثيرا من ذلك و تيقنته كما شاهده الطبرسي و تيقنه في مدة مجاورتي لمشهد الرضا(عليه السلام)،و ذلك ستة و عشرون سنة، و سمعت من الاخبار في ذلك ما يجاوز حد التواتر و ليس في خاطري اني دعوت في هذا المشهد و طلبت منه (2)من اللّه تعالى حاجة الا و قضيت لي، و الحمد للّه،و تفصيل ذلك يضيق عنه المجال و يطول فيه المقال فلذلك اكتفيت بالاجمال و من ذلك (3)ان بنتا من جيراننا كانت خرساء ثم زارت قبر

ص: 205


1- اي الاعمى و الاعشى.
2- به.ظ.
3- و من ذلك.ظ.

الرضا(عليه السلام)يوما فرأت عند القبر،رجلا حسن الهيئة ظنت انه الرضا(عليه السلام)فقال لها:ما لك لا تتكلمين تكلمي،فنطقت في الحال و زال عنها الخرس بالكلية،فقلت فيها هذه الأبيات:

يا كليم الرضا(عليه السلام) *** و عليك السلام و الاكرام

كلميني عسى اكون كليما *** لكليم الرضا(عليه السلام)

(انتهى).

يقول عباس بن محمد الرضا القمّي مؤلف هذا الكتاب و لقد رأيت و شاهدت في مدة مجاورتي لهذا المشهد المقدس خصوصا في هذا التاريخ و هو شوال سنة 1343 ثلاث و اربعين بعد الف و ثلاثمئة كثيرا من ذلك وتيقنته و علمت علما لا يخالج الشك و الريب في معناه،فلو ذهبت للخوض في ايراد ذلك لخرجت عن الغرض في هذا (1)الكتاب و لقد صدق شيخنا العاملي في قوله:

و ما بدا من بركات مشهده *** في كل يوم امسه مثل غده

و كشفاء العمي (2)***و المرضى به اجابة الدعاء في اعتابه (3)

ص: 206


1- و قد ذكر شطرا منها.الشيخ الصدوق في كتابه عيون اخبار الرضا.و اما ما وضع لايداع جل المعجزات الصادرة عنهم(عليهم السّلام)في كتابي(الخرائج للقطب الراوندي(رحمه اللّه)و (مدينة المعاجز.للسيد البحراني)فراجعهما.
2- العمى كقفل وزنا:جمع اعمى.
3- و لقد اجاد من قال: سلام على آل طه و يس سلام على آل خير النبيين سلام على روضة حل فيها امام يباهي به الملك و الدين روي عن ابي عبد اللّه الحافظ انه قال:كنت في الروضة الرضوية(صلوات اللّه على مشرفها)ليلة جمعة احييتها فغلبني النوم في اخرها و كنت بين النوم و اليقظة فرأيت في تلك الحالة ملكين نزلا من السماء و كتبا بخط اخضر على جدار القبة هذين البيتين. اذا كنت تأمل او ترتجي من اللّه في حالتيك الرضا فلازم مودة آل الرسول و جاور علي بن موسى الرضا و روى الشيخ الصدوق بإسناده عن ابي الحسن على المعدل قال:رأى رجل من الصالحين فيما يرى النائم الرسول(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فقال له يا رسول اللّه من ازور من اولادك؟فقال (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)ان من اولادي من اتاني مسموما و ان من اولادي من اتاني مقتولا قال:فقلت له من ازور منهم يا رسول اللّه،مع تشتت اماكنهم،او قال مشاهدهم،قال من هو اقرب منك يعني بالمجاورة و هو مدفون بارض الغربة،قال:فقلت يا رسول اللّه:تعني الرضا (عليه السلام)فقال(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،قل(صلّى اللّه عليه قل صلّى اللّه عليه قل صلّى اللّه عليه)(منه).

النور الحادي عشر: امام جواد علیه السلام

اشارة

الإمام التاسع امام كل عاكف و باد

و حجة اللّه على جميع العباد

ابو جعفر الثاني

محمد بن علي التقي،صلوات اللّه عليه

و على آبائه و اولاده الامجاد ذكر ابن عياش ان ولادته(عليه السلام)كانت يوم العاشر من رجب و لكن المشهور بين العلماء و المشائخ انه ولد بالمدينة في 9 من شهر رمضان من سنة 195 خمس و تسعين و مئة (1).

امه ام ولد يقال لها سبيكة و سماها الرضا(عليه السلام)الخيزران و كانت نوبية من اهل بيت مارية القبطية ام ابراهيم ابن الرسول(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و كانت من افضل نساء زمانها و اشار اليها النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)بقوله:بأبي ابن خيرة الاماء النوبية الطيّبة.

ص: 207


1- و قيل في 15 من ذلك الشهر و قيل في 18 منه و قيل في 17 منه في سلطنة هارون الرشيد.

و في خبر يزيد بن سليط و ملاقاته موسى بن جعفر(عليه السلام)في طريق مكة و هم يريدون العمرة قال:ثم قال ابو ابراهيم(عليه السلام)انى أوخذ في هذه السنة و الأمر الى ابني عليّ سميّ عليّ و عليّ،فاما عليّ الأول فعليّ بن ابي طالب(عليه السلام)و اما عليّ الاخر فعليّ بن الحسين اعطي فهم الأول و حكمته و بصره و ودّه و دينه و محنة الآخر و صبره على ما يكره و ليس له ان يتكلم الا بعد هارون باربع سنين ثم قال يا يزيد فاذا مررت بالموضع و لقيته و ستلقاه فبشره انه سيولد له غلام امين مأمون مبارك و سيعلمك انك لقيتني فاخبره عند ذلك ان الجارية التي يكون منها هذا الغلام جارية من اهل بيت مارية القبطية جارية رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و ان قدرت ان تبلغها مني السلام فافعل ذلك.

قلت:و كفى في جلالة هذه المعظمة الجليلة ما في هذا الخبر المعتبر من امر موسى بن جعفر(عليه السلام)يزيد بن سليط ان يبلغها مني السلام كما ان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)أمر جابر بن عبد اللّه ان يبلغ ابا جعفر الباقر(عليه السلام)سلامه(و سيأتي خبر عن عيون المعجزات فيه ما يدل على فضلها).

روى ابن شهراشوب عن حكيمة بنت ابي الحسن موسى بن جعفر(عليه السلام)قالت:لما حضرت ولادة الخيزران ام ابي جعفر(عليه السلام) دعاني الرضا(عليه السلام)فقال:يا حكيمة احضري ولادتها و ادخلني و اياها و القابلة بيتا و وضع لنا مصباحا و اغلق الباب علينا فلما اخذها الطلق طفيء المصباح و بين يديها طست و اغتمت بطفء المصباح فبينا نحن كذلك اذ بدر ابو جعفر(عليه السلام)في الطست و اذا عليه شيء رقيق كهيئة الثوب يسطع نوره حتى اضاء البيت فابصرناه،فاخذته فوضعته في حجري و نزعت عنه ذلك الغشاء فجاء الرضا(عليه السلام)و فتح الباب و قد فرغنا من أمره فاخذه و وضعه في المهد و قال لي:يا حكيمة الزمي مهده،قالت:فلما كان في اليوم الثالث رفع بصره الى السماء ثم نظر يمينه و يساره ثم قال:اشهد ان

ص: 208

لا اله الا اللّه و اشهد ان محمدا رسول اللّه فقمت ذعرة (1)فزعة فأتيت ابا الحسن(عليه السلام)فقلت سمعت من هذا الصبي عجبا فقال:و ما ذاك،فاخبرته الخبر،فقال:يا حكيمة ما ترون من عجائبه اكثر.

و في الدر النظيم بالاسناد عن حكيمة بنت ابي الحسن موسى(عليه السلام)قال:كتبت لما علقت ام ابي جعفر(عليه السلام)به الى ابي الحسن الرضا(عليه السلام)خادمتك قد علقت،فكتب الي علقت يوم كذا من شهر كذا فاذا هي ولدت فالزميها سبعة ايام،قالت:فلما ولدته قال:

اشهد ان لا اله الا اللّه فلما كان يوم الثالث عطس فقال الحمد للّه و صلّى اللّه على سيدنا محمد و على الأئمة الراشدين.

اقول:و حج ابو الحسن الرضا(عليه السلام)بعد ذلك بسنة و معه ابو جعفر(عليه السلام)فكان من امر البيت و الحجر و جلوسه فيه ما قد ذكرناه في تاريخ ابي الحسن الرضا(عليه السلام).

و روي عن عيون المعجزات عن كليم بن عمران قال:قلت للرضا (عليه السلام):ادع اللّه ان يرزقك ولدا فقال:انما ارزق ولدا واحدا و هو يرثني،فلما ولد ابو جعفر(عليه السلام)قال الرضا(عليه السلام) لاصحابه:قد ولد لي شبيه موسى بن عمران فالق البحار و شبيه عيسى بن مريم،قدست ام ولدته،قد خلقت طاهرة مطهرة ثم قال الرضا(عليه السلام):يقتل غصبا فيبكي له (2)و عليه اهل السماء و يغضب اللّه على عدوه و ظالمه فلا يلبث الا يسيرا حتى يعجل اللّه به الى عذابه الاليم و عقابه الشديد،و كان طول ليلته يناغيه (3)في مهده.

و روى عن ابي يحيى الصنعاني قال كنت عند ابي الحسن(عليه السلام)ه.

ص: 209


1- اي خائفة متفرقة الحواس.
2- اي يرثيه و يبكي عليه اهل السماء(منه).
3- اي يكلمه بما يعجبه و يسره.

فجيء بابنه ابي جعفر(عليه السلام)و هو صغير فقال:هذا المولود الذي لم يولد مولود اعظم،على شيعتنا،بركة منه.

روى الشيخ الكليني(رحمه اللّه)عن محمد بن الحسن بن عمار قال:

كنت عند علي بن جعفر بن محمد(عليه السلام)جالسا بالمدينة و كنت اقمت عنده سنتين اكتب عنه ما سمع من اخيه يعني ابا الحسن(عليه السلام)اذ دخل عليه ابو جعفر محمد بن علي الرضا(عليه السلام)المسجد،مسجد رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فوثب علي بن جعفر(رحمه اللّه)بلا حذاء و لا رداء فقبل يده و عظّمه فقال له:ابو جعفر(عليه السلام):يا عم اجلس رحمك اللّه فقال:يا سيدي كيف اجلس و انت قائم فلما رجع علي بن جعفر الى مجلسه جعل اصحابه يوبخونه و يقولون:انت عم ابيه و انت تفعل به هذا الفعل فقال:اسكتوا اذا كان اللّه عز و جل،و قبض على لحيته،لم يؤهل هذه الشيبة و اهّل هذا الفتى و وضعه حيث وضعه أأنكر فضله؟نعوذ باللّه مما تقولون بل انا له عبد.

اقول:علي بن جعفر هذا،هو السيد الجليل الذي كان راوية للحديث سديد الطريق شديد الورع كثير الفضل.و كان(رضي اللّه عنه)شديد التمسك باخيه موسى(عليه السلام)و الانقطاع اليه،و التوفر على اخذ معالم الدين منه،و له مسائل مشهورة عنه،و جوابات رواها سماعا منه،و كان ملازما لاخيه(عليه السلام)،حتى في اربع عمر (1)يمشي اخوه فيها الى مكة بعياله و اهله.و روي:انه كان عند ابي جعفر(عليه السلام)و دنا الطبيب ليقطع له العرق فقام علي بن جعفر فقال:يا سيدي تبدأ بي لتكون حدّة الحديد فيّ (2)قبلك و لما اراد ابو جعفر(عليه السلام)النهوض قام علي بن جعفر(عليه السلام)فسوى له نعليه حتى يلبسهما.ء.

ص: 210


1- جمع عمرة.
2- بتشديد الياء.

فصل في طرف من الاخبار عن مناقب ابي جعفر الثاني(عليه السلام)

و دلائله و معجزاته

الكشي عن محمد بن مرزبان عن ابن سنان قال:شكوت الى الرضا (عليه السلام)وجع العين فاخذ قرطاسا فكتب الى ابي جعفر(عليه السلام)و هو اقل من ثلاث (1)و دفع الكتاب الى الخادم و أمرني ان اذهب معه و قال:اكتم،فاتيناه و خادم قد حمله،قال ففتح الخادم الكتاب بين يدي ابي جعفر(عليه السلام)قال فجعل ابو جعفر(عليه السلام)ينظر في الكتاب و يرفع رأسه الى السماء و يقول:بأح (2)ففعل ذلك مرارا فذهب كل وجع في عيني و ابصرت بصرا لا يبصره احد.قال فقلت لأبي جعفر(عليه السلام) جعل اللّه (3)شيخا على هذه الأمة كما جعل عيسى بن مريم شيخا على بني اسرائيل،قال:ثم قلت يا شبيه صاحب فطرس،قال فانصرف و قد امرني الرضا(عليه السلام)ان اكتم،فما زلت صحيح البصر حتى أذعت ما كان من ابي جعفر(عليه السلام)في امر عيني فعاودني الوجع.

قال:قلت لمحمد بن سنان ما عنيت بقولك يا شبيه صاحب فطرس، قال فان اللّه عز و جل غضب على ملك من الملائكة يدعى فطرس فدق جناحه و رمى به في جزيرة من جزائر البحر فلما ولد الحسين(عليه السلام)بعث اللّه عز و جل جبرائيل الى محمد(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)ليهنئه بولادة الحسين(عليه السلام)و كان جبرائيل صديقا لفطرس فمر به و هو في الجزيرة مطروح فخبّره بولادة الحسين(عليه السلام)و ما أمر اللّه به،فقال له:هل لك ان احملك على جناح من اجنحتي و امضي بك الى محمد(صلّى اللّه عليه

ص: 211


1- اي من الذين لهم ثلاث سنين.
2- (تاج.راح.خ د).
3- جعلك اللّه.

و آله و سلّمو اله و سلم)يشفع فيك؟قال فقال له فطرس نعم،فحمله على جناح من اجنحته حتى اتى به محمدا(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فبلغه تهنئة ربّه تعالى ثم حدّثه بقصة فطرس فقال محمد(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)لفطرس امسح جناحك على مهد الحسين(عليه السلام)و تمسح به ففعل ذلك فطرس،فجبر اللّه تعالى جناحه ورده الى منزله مع الملائكة.

و روى القطب الراوندي ان المعتصم دعا جماعة من وزرائه فقال:اشهدوا لي على محمد بن علي بن موسى(عليه السلام)زورا و اكتبوا انه أراد أن يخرج،ثم دعاه،فقال:انك أردت أن تخرج علي فقال:و اللّه ما فعلت شيئا من ذلك قال:ان فلانا و فلانا شهدوا عليك،فاحضروا فقال:نعم هذه الكتب اخذناها من بعض غلمانك،قال و كان جالسا في بهو (1)فرفع ابو جعفر(عليه السلام)يده و قال اللهم ان كانوا كذبوا عليّ فخذهم،قال فنظرنا الى ذلك البهو كيف يرجف و يذهب و يجيء و كلما قام واحد وقع،فقال المعتصم يا ابن رسول اللّه اني تائب مما قلت فادع ربك ان يسكنه،فقال:

اللهم سكنه انك تعلم انهم اعداؤك و اعدائي،فسكن.

قال الشيخ المفيد في الارشاد و كان المأمون قد شغف بابي جعفر(عليه السلام)لما رأى من فضله مع صغر سنه و بلوغه في العلم و الحكمة و الادب و كمال العقل ما لم يساوه احد من مشائخ اهل الزمان فزوجه ابنته ام الفضل و حملها معه الى المدينة و كان متوفرا على اكرامه و تعظيمه و اجلال قدره.

اخبرني الحسن بن محمد بن سليمان عن علي بن ابراهيم بن هاشم عن ابيه عن الريان بن شبيب قال:لما اراد المأمون ان يزوج ابنته ام الفضل ابا جعفر محمد بن علي(عليهما السّلام)،بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم و استكبروه(استنكروه)و خافوا ان ينتهي الامر معه الى ما انتهى اليه مع).

ص: 212


1- البهو:البيت المقدم امام البيوت(منه).

الرضا(عليه السلام)فخاضوا في ذلك و اجتمع منهم اهل بيته الأدنون منه فقالوا:ننشدك اللّه يا امير المؤمنين ان تقيم على هذا الأمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا،فأنا نخاف ان تخرج به عنا امرا قد ملّكناه اللّه، و تنزع منا عزّا قد البسناه اليك،قد عرفت ما بيننا و بين هؤلاء القوم قديما و حديثا و ما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم و التصغير بهم و قد كنا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت حتى كفانا اللّه المهم من ذلك فاللّه اللّه ان تردنا الى غم قد انحسر (1)عنا و اصرف رأيك عن ابن الرضا و اعدل الى من تراه من اهل بيتك يصلح لذلك دون غيره،فقال لهم المأمون:اما ما بينكم و بين آل ابي طالب فانتم السبب فيه،و لو انصفتم القوم لكانوا اولى بكم،و اما ما كان يفعله من قبلي.بهم فقد كان به قاطعا للرحم و اعوذ باللّه من ذلك،و اللّه ما ندمت على ما كان مني من استخلاف الرضا،و لقد سألته ان يقوم بالامر و انزعه عن نفسي فابى و كان امر اللّه قدرا مقدورا،و اما ابو جعفر محمد بن علي قد اخترته لتبريز على كافة اهل الفضل في العلم و الفضل مع صغر سنه،و الاعجوبة فيه بذلك.و انا ارجو أن يظهره للناس ما قد عرفته منه فيعلموا ان الرأي ما رأيت فيه،فقالوا ان هذا الفتى و ان راقك منه هديه فانه صبي لا معرفة له و لا فقه،فامهله ليتأدب و يتفقه في الدين ثم اصنع ما تراه بعد ذلك،فقال لهم:و يحكم اني أعرف بهذا الفتى منكم،و ان هذا من اهل بيت علمهم من اللّه و مواده و الهامه (2)، لم يزل آباؤه اغنياء في علم الدين و الأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال،فان شئتم فامتحنوا ابا جعفر بما تبين لكم به ما وصفت من حاله، قالوا له قد رضينا لك يا امير المؤمنين و لأنفسنا بامتحانه،فحل بيننا و بينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيء،من فقه الشريعة فان اصاب الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في امره و ظهر للخاصة و العامة سديد رأي امير المؤمنين،و ان عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه،فقال لهم المأمونظ.

ص: 213


1- اي انكشف و رفع عنا.
2- و بارادته.ظ.

شأنكم و ذاك متى أردتم،فخرجوا من عنده و اجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن اكثم و هو يومئذ قاضي الزمان(القضاة.خ-د)على ان يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها،و وعدوه باموال نفيسة على ذلك،و عادوا الى المأمون فسألوه ان يختار لهم يوما للاجتماع،فاجابهم الى ذلك،فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه و حضر معهم يحيى بن اكثم،فأمر المأمون ان يفرش لأبي جعفر(عليه السلام)دست (1)و يجعل له فيه مسورتان (2)ففعل ذلك، و خرج ابو جعفر(عليه السلام)و هو يومئذ ابن سبع سنين و اشهر،فجلس بين المسورتين و جلس يحيى بن اكثم بين يديه و قام الناس في مراتبهم، و المأمون جالس في دست متصل بدست ابي جعفر(عليه السلام)،فقال يحيى بن اكثم للمأمون تأذن لي يا امير المؤمنين ان اسأل ابا جعفر؟فقال له المأمون استأذنه في ذلك،فاقبل عليه يحيى بن اكثم فقال:اتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟قال له ابو جعفر سل ان شئت،قال يحيى ما تقول، جعلني اللّه فداك،في محرم قتل صيدا؟فقال له ابو جعفر(عليه السلام) قتله في حل او حرم؟عالما كان المحرم ام جاهلا؟قتله عمدا او خطأ؟حرا كان المحرم او عبدا؟صغيرا كان او كبيرا؟مبتدئا بالقتل ام معيدا؟من ذوات الطير كان الصيد ام من غيرها؟من صغار الصيد كان ام من كباره مصرا على ما فعل او نادما؟في الليل كان قتله للصيد ام نهارا؟محرما كان بالعمرة او بالحج؟فتحير يحيى بن اكثم و بان في وجهه العجز و الانقطاع، و تلجلج حتى عرف جماعة اهل المجلس امره،فقال المأمون الحمد للّه على هذه النعمة و التوفيق لي في الرأي،ثم نظر الى اهل بيته و قال لهم اعرفتم الان ما كنتم تنكرونه؟ثم اقبل على ابي جعفر(عليه السلام)فقال له اتخطب يا ابا جعفر؟قال نعم يا امير المؤمنين،فقال له المأمون أخطب جعلت فداك لنفسك؟فقد رضيتك لنفسي،و انا مزوجك ام الفضل ابنتيد.

ص: 214


1- يمكن ان يكون بمعنى صدر المجلس.
2- المسور و المسورة:متكأ من جلد.

فقال ابو جعفر(عليه السلام):الحمد للّه اقرارا بنعمته،و لا إله الا اللّه اخلاصا لوحدانيته،و صلّى اللّه على محمد سيد بريته،و الاصفياء من عترته، اما بعد،فقد كان من فضل اللّه على الانام ان اغناهم بالحلال عن الحرام، فقال سبحانه:و انكحوا الأيامى منكم و الصالحين من عبادكم و امائكم،ان يكونوا فقراء يغنهم اللّه من فضله،و اللّه واسع عليم،ثم ان محمد بن علي بن موسى يخطب ام الفضل بنت عبد اللّه المأمون،و قد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد(عليهما السّلام)،و هو خمسمئة درهم جيادا فهل زوجته يا امير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور؟قال المأمون:نعم زوجتك يا ابا جعفر ام الفضل ابنتي على الصداق المذكور، فهل قبلت النكاح؟فقال ابو جعفر(عليه السلام)قد قبلت ذلك و رضيت به فأمر المأمون ان يقعد الناس على مراتبهم في الخاصة و العامة،قال الريّان و لم نلبث ان سمعنا اصواتا تشبه اصوات الملاحين في محاوراتهم،فاذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من الفضة يشبه الجبال(مشدودة بالحبال خ د)من الابريسيم على عجلة (1)مملوءة من الغالية فأمر المأمون ان يخضب لحاء الخاصة من تلك الغالية،ثم مدت الى دار العامة فطيبوا منها،و وضعت الموائد، تأكل الناس و خرجت الجوائز الى كل قوم على قدرهم الخ.

فصل في ذكر بعض اخباره و براهينه و بيناته(عليه السلام)

روي عن زكريا بن آدم قال:اني لعند الرضا(عليه السلام)اذ جيء بابي جعفر(عليه السلام)و سنه اقل من إربع سنين،فضرب بيديه الى الأرض و رفع رأسه الى السماء فاطال الفكر،فقال له الرضا(عليه السلام)

ص: 215


1- العجلة:بالتحريك اي الآلة التي تحمل عليها الاثقال اي تجري عليها.او بمعنى الاستعجال،اي تجرون على الاستعجال.

بنفسي فلم طال فكرك؟فقال فيما صنع بامي فاطمة(عليها السلام)،اما و اللّه لأخرجنهما ثم لأحرقنهما ثم لأذرينهما (1)ثم لأنسفنهما في اليم نسفا (2)فاستدناه و قبل بين عينيه،ثم قال بأبي انت و امي انت لها(يعني الامامة).

الشيخ الكليني(رحمه اللّه)عن محمد بن ابي العلا قال:سمعت يحيى بن اكثم قاضي سامراء بعدما جاهدت به و ناظرته و حاورته و راسلته و سألته عن علوم آل محمد(عليهم السّلام)،فقال:بينا انا ذات يوم دخلت اطوف بقبر رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و رأيت محمد بن علي الرضا(عليه السلام)يطوف به،فناظرته في مسائل عندي فاخرجها اليّ فقلت له:و اللّه اني اريد ان اسألك مسألة واحدة و اني و اللّه لأستحي من ذلك،فقال لي:انا اخبرك قبل ان تسألني،تسألني عن الإمام،فقلت هو و اللّه هذا،فقال انا هو،فقلت علامة،فكان في يده عصا فنطقت، فقالت:ان مولاي امام هذا الزمان و هو الحجة.

و في الدر النظيم قال ابراهيم بن سعيد رأيت محمد بن علي اي الجواد (عليه السلام)يضرب بيده الى ورق الزيتون فيصير في كفه ورقا (3)فاخذت منه كثيرا و انفقته في الاسواق فلم يتغير.

و قال محمد بن يحيى لقيت محمد بن علي الرضا(عليه السلام)على دجلة فالتقى له طرفاها حتى عبر،و رايته بالانبار على الفرات فعل مثل ذلك.

عن كتاب الاختصاص عن علي بن ابراهيم عن ابيه قال لما مات ابو الحسن الرضا(عليه السلام)حججنا فدخلنا على ابي جعفر(عليه السلام) و قد حضر خلق من الشيعة من كل بلد لينظروا الى ابي جعفر(عليه السلام)،فدخل عمه عبد اللّه بن موسى و كان شيخا كبيرا نبيلا عليه ثيابا.

ص: 216


1- ذري ذروا و ذرى تذرية و اذرى اذراء الريح التراب:اطارته و فرقته.
2- اي لنطيرنه و نذرينه في البحر.
3- أي نقدا مسكوكا.

خشنة و بين عينيه سجادة فجلس و خرج ابو جعفر(عليه السلام)من الحجرة و عليه قميص قصب و رداء قصب و نعل حذو بيضاء،فقام عبد اللّه و استقبله و قبل بين عينيه و قامت الشيعة،و قعد ابو جعفر(عليه السلام)على كرسي،و نظر الناس بعضهم الى بعض تحيرا لصغر سنه فانتدب رجل من القوم فقال لعمه اصلحك اللّه ما تقول في رجل أتي بهيمة؟فقال يقطع يمينه و يضرب الحد،فغضب ابو جعفر(عليه السلام)ثم نظر اليه فقال:يا عم اتق اللّه،اتق اللّه انه لعظيم ان تقف يوم القيامة بين يدي اللّه عز و جل فيقول لك لم أفتيت الناس بما لا تعلم؟فقال عمه يا سيدي اليس قال هذا ابوك صلوات اللّه عليه،فقال ابو جعفر:انما سئل ابي عن رجل نبش قبر امرأة،فنكحها فقال ابي:تقطع يمينه للنبش و يضرب حد الزنا،فان حرمة الميتة كحرمة الحية،فقال صدقت يا سيدي و انا استغفر اللّه،فتعجب الناس،فقالوا يا سيدنا اتأذن لنا ان نسألك؟فقال نعم:فسألوه في مجلس عن ثلاثين الف مسألة فاجابهم فيها و له تسع سنين.

و عن عيون المعجزات لما قبض الرضا(عليه السلام)كان سن ابي جعفر (عليه السلام)نحو سبع سنين،فاختلفت الكلمة من الناس ببغداد و في الامصار،و اجتمع الريان بن الصلت و صفران بن يحيى و محمد بن حكيم و عبد الرحمان بن الحجاج و يونس بن عبد الرحمان(رضوان اللّه عليهم اجمعين)و جماعة من وجوه الشيعة و ثقاتهم في دار عبد الرحمان بن الحجاج في بركة ذلول،يبكون و يتوجعون،من المصيبة،فقال لهم يونس بن عبد الرحمان (1)،دعوا البكاء،من لهذا الأمر؟و الى من نقصد بالمسائل الى انن.

ص: 217


1- يونس بن عبد الرحمان مولى علي بن يقطين كان وجيها في أصحابنا مقدما عظيم المنزلة.روى عن ابي الحسن موسى و الرضا و كان الرضا يشير اليه في العلم و الفتيا و كان وكيلا له و كان بذل له على الوقف مال جليل فامتنع من اخذه و ثبت على الحق و قال فيه ابو محمد صاحب العسكر. حين عرض عليه ابو هاشم كتاب يوم و ليلة ليونس:اعطاه اللّه بكل حرف نورا يوم القيامة و ذكر له المحقق الاسترآبادي في رجاله الكبير نيفا و عشرين مصنفا،مات سنة ثمان و ماتين.

يكبر هذا يعني ابا جعفر(عليه السلام)؟فقام اليه الريان بن الصلت (1)و وضع يده في حلقه و لم يزل يلطمه و يقول له انت تظهر الايمان لنا و تبطن الشك و الشرك (2)ان كان أمره من اللّه جل و علا فلو انه كان ابن يوم واحد لكان بمنزلة الشيخ العالم و فوقه،و ان لم يكن من عند اللّه فلو عمر الف سنة فهو واحد من الناس،هذا مما ينبغي ان يكفر فيه فاقبلت العصابة عليه تعذله و توبخه و كان وقت الموسم فاجتمع من فقهاء بغداد و الامصار و علمائهم ثمانون رجلا فخرجوا الى الحج و قصدوا المدينة ليشاهدوا ابا جعفر (عليه السلام)فلما وافوا أتوا دار جعفر الصادق(عليه السلام) لأنها كانت فارغة و دخلوها و جلسوا على بساط كبير و خرج اليهم عبد اللّه بن موسى فجلس في صدر المجلس،و قام مناد و قال هذا ابن رسول اللّه فمن اراد السؤال فليسأله،فسئل عن اشياء اجاب عنها بغير الواجب فورد على الشيعة ما حيرهم و غمهم و اضطربت الفقهاء و قاموا و هموا بالانصراف و قالوا في انفسهم لو كان ابو جعفر(عليه السلام) يكمل لجواب المسائل لما كان من عبد اللّه ما كان،و من الجواب بغير الواجب،ففتح عليهم باب من صدر المجلس و دخل موفق و قال هذا ابو جعفر(عليه السلام)فقاموا اليه بأجمعهم و استقبلوه و سلموا عليه،فدخل (عليه السلام)و عليه قميصان و عمامة بذؤ ابتين و في رجليه نعلان و جلس و امسك الناس كلهم،فقام صاحب المسألة فسأله عن مسائل فاجاب عنها بالحق ففرحوا و دعوا له و اثنوا عليه و قالوا له ان عمك عبد اللّه افتى بكيت و كيت فقال:لا إله الا اللّه يا عم،انه عظيم عند اللّه ان تقف غدا بين يديه فيقول لك لم تفتي عبادي بما لم تعلم؟و في الامة من هو اعلم منك.م.

ص: 218


1- ريان صلت البغدادي القمي.خراساني الأصل روى عن الرضا(عليه السلام)و كان ثقة صدوقا و قد اعطاه الرضا(عليه السلام)ثوبا من ثيابه و ثلاثين درهما من دراهمه.
2- فيه ان يونس(رحمه اللّه)اجل شأنا من ان لا يعرف امامه.و قد صحب قبل ذلك ابا الحسن موسى و الرضا(عليه السلام)و كان من ثقاتهما و اسامى الائمة غير خفية عن مثله.و عليه لو كان الحديث صحيحا لعله صدر منه اختبارا او تقية من بعضهم حيث ان الريان نفسه(مع وثاقته)كان من خواص المعتصم.

و روى عن عمر بن فرج الرخجي (1)قال قلت لأبي جعفر(عليه السلام)ان شيعتك تدعي انك تعلم كل ماء في دجلة و وزنه،و كنا على شاطيء دجلة فقال لي:يقدر اللّه تعالى ان يفوض علم ذلك الى بعوضة من خلقه ام لا؟قلت نعم يقدر فقال:انا اكرم على اللّه تعالى من بعوضة و من اكثر خلقه.

الشيخ الكليني عن رجل من بني حنيفة،من اهل بست (2)و سجستان (3)قال رافقت ابا جعفر(عليه السلام)في السنة التي حج فيها في اول خلافة المعتصم،فقلت له و انا معه على المائدة و هناك جماعة من أولياء السلطان،ان و الينا جعلت فداك،رجل يتولاكم اهل البيت،و يحبكم و عليّ في ديوانه خراج،فان رأيت،جعلني اللّه فداك ان تكتب اليه بالاحسان اليّ،فقال لا اعرفه،فقلت:جعلت فداك انه على ما قلت من محبيكم، اهل البيت،و كتابك ينفعني عنده فاخذ القرطاس و كتب:بسم اللّه الرحمان الرحيم اما بعد فان موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهبا جميلا،و ان مالك من عملك ما احسنت فيه،فاحسن الى اخوانك و اعلم ان اللّه عز و جل سائلك عن مثاقيل الذر و الخردل،قال فلما وردت سجستان سبق الخبر الى الحسين بن عبد اللّه النيسابوري و هو الوالي فاستقبلني على فرسخين من المدينة،فدفعت اليه الكتاب فقبله و وضعه على عينيه،و قال لي:

حاجتك؟فقلت خراج عليّ في ديوانك،قال:فامر بطرحه عني و قال لا تؤد خراجا ما دام لي عمل ثم سألني عن عيالي فاخبرته بمبلغهم فامر لي و لهم بما يقوتنا و فضلا (4)فما اديت في عمله خراجا ما دام حيا و لا قطع عني صلته حتى مات.م.

ص: 219


1- كورة و مدينة من نواحي كابل.
2- بست بالضم:مدينة بين سجتان و غزنين و هراة كثيرة الانهار و البساتين.
3- سجستان بكثر الأولين:ناحية كبيرة و هي في جنوب هراة و ارضها كلها رملة و يسمى الأن سيستان.
4- اي زائدا عما يقوتهم.

و روى عن موسى بن القاسم قال:قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام)قد اردت ان اطوف عنك و عن ابيك فقيل لي ان الاوصياء لا يطاف عنهم،فقال لي بل طف ما امكنك فان ذلك جائز،ثم قلت له بعد ذلك بثلاث سنين اني كنت استأذنتك في الطواف عنك و عن ابيك فاذنت لي في ذلك،فطفت عنكما ما شاء اللّه،ثم وقع في قلبي شيء فعملت به،قال و ما هو؟قلت طفت يوما عن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فقال ثلاث مرات صلّى اللّه على رسول اللّه ثم اليوم الثاني عن امير المؤمنين(عليه السلام)و ثم طفت اليوم الثالث عن الحسن(عليه السلام)و الرابع عن الحسين(عليه السلام)و الخامس عن علي بن الحسين (عليه السلام)و السادس عن ابي محمد بن علي(عليه السلام)و اليوم السابع،عن جعفر بن محمد(عليه السلام)و اليوم الثامن عن ابيك موسى (عليه السلام)و اليوم التاسع عن ابيك علي(عليه السلام)و اليوم العاشر عنك يا سيدي و هؤلاء الذين ادين اللّه بولايتهم(عليهم السّلام)،فقال اذن و اللّه تدين اللّه بالدين الذي لا يقبل من العباد غيره،قلت و ربما طفت عن امك فاطمة(صلوات اللّه عليها)و ربما لم اطف،فقال استكثر من هذا فانه افضل ما انت عامله ان شاء اللّه تعالى.

الصدوق عن البزنطي (1)قال قرأت كتاب ابي الحسن الرضا إلى ابي جعفر(عليه السلام):يا ابا جعفر بلغني ان الموالي اذا ركبت اخرجوك من الباب الصغير و انما ذلك من بخل لهم،لئلا ينال منك احد خيرا فاسألك بحقي عليك لا يكن مدخلك و مخرجك الا من الباب الكبير،و اذا ركبت فليكن معك ذهب و فضة ثم لا يسألك احد الا أعطيته،و من سألك من عمومتك أن تبرّه (2)فلا تعطه اقل من خمسين دينارا،و الكثير اليك،و منن.

ص: 220


1- هو احمد بن محمد بن ابي نصر الكوفي البزنطي.ممن اجمع الاصحاب على تصحيح ما يصح عنه و اقروا له بالفقه و كان ممن لقي الرضا و الجواد و كان من الواقفة فاستبصر و حسن ايمانه. توفي سنة 221 ه.
2- ان حين تقصد له الاحسان.

سألك من عماتك فلا تعطها اقل من خمسة و عشرين دينارا و الكثير اليك، اني انما اريد ان يرفعك اللّه فانفق و لا تخش من ذي العرش إقتارا.

قال شيخنا الحر العاملي في اثبات الهداة قال الشيخ ابو الصلاح الحلبي في كتاب تقريب المعارف عند ذكر بعض معجزات الأئمة(عليهم السّلام) و من ذلك توضأ ابو جعفر محمد بن علي(عليه السلام)في مسجد ببغداد يعرف موضعه بدار المسيب في اصل نبقة يابسة فلم يخرج من المسجد حتى اخضرت و اينعت حدثني الشيخ ابو الحسن محمد بن محمد قال حدثنا الشيخ ابو عبد اللّه محمد بن محمد المفيد(رضي اللّه عنه)انه اكل من نبقها و هو لا عجم له (1).

بيان:(النبق بفتح النون و كسر الباء و قد تسكن ثمر السدر واحدته نبقة و اشبه شيء به العناب قبل ان تشتد حمرته).

فصل في ذكر بعض كلامه عليه السلام

قال من استفاد اخا في اللّه فقد استفاد بيتا في الجنة و قال:القصد الى اللّه تعالى بالقلوب ابلغ من اتعاب الجوارح بالاعمال.و قال:من اطاع هواه اعطى عدوه مناه.و قال:راكب الشهوات لا يقال (2)عثرته.و قال:

بالثقة باللّه تعالى ثمن لكلّ غال و سلّم الى كل عال.و قال:عز المؤمن غناه عن الناس.و قال:لا تكن ولي اللّه في العلانية عدوّا له في السر.و قال:

اصبر على ما تكره فيما يلزمك الحق و اصبر عما تحب فيما يدعوك الى الهوى (3)

ص: 221


1- اي لا نواة فيه.
2- من الا قالة و هي الفسخ و المراد به الاغماض.
3- يقول:التزم الصبر فيما كان حقا و ان شق عليك،و اعرض عما تحبه و لكن يدعوك الى اتباع الشيطان.

و قال:كيف يضيع من اللّه كافله و كيف ينجو من اللّه طالبه و من انقطع الى غير اللّه و كله اللّه اليه و من عمل على غير علم افسد اكثر مما يصلح و قال:

من استغنى كرم على اهله،فقيل له و على غير اهله؟قال:لا الا ان يكون يجدي عليهم نفعا،و قال:قد عاداك من ستر عنك الرشد اتباعا لما يهواه.

و قال(عليه السلام):اياك و مصاحبة الشرير فانه كالسيف المسلول يحسن منظره و يقبح آثاره.و قال(عليه السلام):كفى بالمرء خيانة ان يكون امينا للخونة (1).

فصل في وروده الى بغداد و شهادته(عليه السلام)

قبض ابو جعفر الجواد(عليه السلام)مسموما ببغداد في اخر ذي (2)القعدة سنة 220 عشرين و مئتين و هو ابن خمس و عشرين سنة و دفن بمقابر قريش في ظهر جده موسى بن جعفر(عليه السلام).

و عن ابي الحسن الهادي(عليه السلام)في جواب من سأله عن فضل زيارة الحسين و زيارتهما(عليهم السّلام):ابو عبد اللّه المقدم،و هذان اجمع و اعظم اجرا.

و كان سبب وروده بغداد،إشخاص المعتصم له من المدينة،فورد اليها لليلتين بقيتا من المحرم سنة عشرين و مئتين.

روى الشيخ المفيد عن اسماعيل بن مهران قال:لما خرج ابو جعفر (عليه السلام)من المدينة الى بغداد في الدفعة الأولى من خرجته (3)قلت له

ص: 222


1- اي الخائنين.
2- و قيل في سادس ذي الحجة سنة 220 و يؤيد ذلك قوله(عليه السلام)الفرج بعد المأمون بثلاثين شهرا.و قد توفي المأمون في رجب سنة 218 و اللّه العالم(منه)اقول و قيل في اول ذي القعدة و قيل في خامس ذي الحجة.
3- الخرجة:المرة من الخروج.

عند خروجه:جعلت فداك اني اخاف عليك في هذا الوجه،فالى من الأمر بعدك؟قال فكرّ اليّ (1)بوجهه ضاحكا و قال لي:ليس حيث كما ظننت في هذه السنة،فلما استدعى به المعتصم صرت اليه فقلت له:جعلت فداك انت خارج فالى من هذا الأمر من بعدك؟فبكى حتى اخضلّت (2)لحيته، ثم التفت اليّ فقال عند هذه (3)تخاف عليّ،الأمر من بعدي الى ابني عليّ و روى ان زوجته ام الفضل سمته.

و في البحار،عن تفسير العياشي،عن زرقان صاحب ابن ابي داود (4)و صديقه بشدة،قال رجع ابن ابي داود ذات يوم من عند المعتصم و هو مغتم،فقلت له في ذلك،فقال وددت اليوم انّي قد مت منذ عشرين سنة، قال قلت له و لم ذاك؟قال لما كان من هذا الاسود،أبو جعفر محمد بن علي بن موسى اليوم بين يدي امير المؤمنين،قال:قلت له و كيف كان ذلك؟قال ان سارقا اقر على نفسه بالسرقة و سأل الخليفة تطهيره باقامة الحد عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه،و قد احضر محمد بن علي(عليه السلام)، فسألنا عن القطع في أي موضع يجب ان يقطع؟قال فقلت من الكرسوع قال و ما الحجة في ذلك؟قال قلت لأن اليد هي الاصابع و الكف الى الكرسوع، لقول اللّه في التيميم فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ (5) و اتفق معي في ذلك قوم،و قال آخرون بل يجب القطع من المرفق،قال و ما الدليل على ذلك؟ه)

ص: 223


1- اي رجع و عطف اليه.
2- خضل الشيء:ندى و ابتل.
3- اي السنة(منه).
4- اقول الظاهر ان داود تصحيف و الصحيح ابن دؤاد.فان الذي سعى في قتل ابي جعفر الجواد(عليه السلام)هو ابن ابي دؤاد كسعال.و اسمه احمد و كان قاضيا في عهد المأمون و المعتصم و الواثق و المتوكل و كان هذه السعاية سببا لأن ابتلى في اخر عمره بنكبة الزمان و الفلج و توفي بعد ثكله بولده محمد بعشرين يوما سنة 240 ببغداد. لدغته افعاله اي لدغ رب نفس افعاله أفعاها (منه)
5- سوره 5 - آیه 6

قالوا لأن اللّه لما قال: وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ (1) في الغسل دل ذلك على ان حد اليد هو المرفق،قال فالتفت الى محمد بن عليّ(عليه السلام)قال ما تقول في هذا يا ابا جعفر؟فقال قد تكلم القوم فيه يا امير المؤمنين،قال دعني مما تكلموا به،اي شيء عندك؟قال اعفني عن هذا يا امير المؤمنين، قال اقسمت عليك باللّه لما اخبرت بما عندك فيه،فقال اما إذ أقسمت عليّ باللّه اني اقول انهم اخطأوا فيه السنة،فان القطع يجب ان يكون من مفصل اصول الأصابع فيترك الكف،قال:و ما الحجة في ذلك؟قال قول رسول اللّه السجود على سبعة اعضاء الوجه و اليدين و الركبتين و الرجلين،فاذا قطعت يده من الكرسوع او المرفق لم يبق له يد يسجد عليها،و قال اللّه تبارك و تعالى: وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ (2) يعني بها هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَداً (3) و ما كان للّه لم يقطع قال:فاعجب المعتصم ذلك و أمر بقطع يد السارق من مفصل الاصابع دون الكف،قال ابن ابي داود قامت قيامتي و تمنيت اني لم اك حيا،قال زرقان،قال ابن ابي داود:صرت الى المعتصم بعد ثلاثة فقلت ان نصيحة امير المؤمنين علي واجبة و انا اكلمه بما اعلم اني ادخل به النار،قال و ما هو؟قلت اذا جمع امير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته و علمائهم لامر واقع من امور الدين،فسألهم عن الحكم فيه فاخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك،و قد حضر مجلسه اهل بيته و قواده و وزراؤه و كتابه،و قد تسامع الناس بذلك من وراء بابه ثم يترك اقاويلهم كلهم،لقول رجل يقول شطر هذه الأمة بامامته،و يدعون انه اولى منه بمقامه،ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء،قال فتغير لونه و انتبه لما نبهته له،و قال جزاك اللّه عن نصيحتك خيرا،قال:فأمر اليوم الرابع فلانا من كتاب وزرائه بان يدعوه الى منزله،فدعاه فأبى ان يجيبه و قال قد علمت اني لا احضر مجالسكم،فقال انّي انما ادعوك الى الطعام و احب ان تطأ ثيابي و تدخل منزلي فاتبرك بذلك،فقد احب فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك،فصار اليه،فلما طعم منها احس السم فدعا بدابته فسأله رب المنزل ان يقيم،قال خروجي من دارك خير لك،فلم يزل يومه ذلك

ص: 224


1- سوره 5 - آیه 6
2- سوره 72 - آیه 18
3- سوره 72 - آیه 18

و ليله في حلقه (1)حتى قبض(عليه السلام).

و في اثبات الوصية قال لما انصرف ابو جعفر(عليه السلام)الى العراق لم يزل المعتصم و جعفر بن المأمون يدبّران و يعملان الحيلة في قتله(عليه السلام)،فقال جعفر لأخته ام الفضل(و كانت لأمه و ابيه)في ذلك،لأنه وقف على انحرافها عنه و غيرتها عليه لتفضيله ام ابي الحسن ابنه(عليه السلام)عليها مع شدة محبتها له و لانها لم ترزق منه ولدا،فاجابت اخاها جعفرا و جعلوا سما في شيء من عنب رازقي و كان يعجبه العنب الرازقي، فلما اكل منه ندمت و جعلت تبكي،فقال لها ما بكاؤك؟و اللّه ليضربنك بفقر لا ينجي(لا ينجبر ظ)و بلاء لا يتستر(لا يستتر ظ)فبليت بعلة في اغمض المواضع في جوارحها صار ناسورا (2)ينتقض عليها في وقت،فانفقت ما لها و جميع ملكها على العلة،حتى احتاجت الى رفد الناس،و يروى ان الناسور كان في فرجها،و تردّى جعفر بن المأمون في بئر فاخرج ميتا،و كان سكرانا.ة.

ص: 225


1- اي احس السم او جراحته في حلقه.و الا فالسم ان لم يخالط الدم لا يؤثر الموت.
2- نسر الجرح اللحم:نقضه.و الناسور:العرق الغبر في باطنه فساد.و هي علة تكون في حوالي المقعدة.

النور الثاني عشر: امام هادی علیه السلام

اشارة

الإمام العاشر و البدر الباهر ذو الشرف و الكرم

و المجد و الايادي ابو الحسن الثالث عليّ بن محمد

النقي الهادي صلوات اللّه عليه

ولد بصريا من المدينة للنصف من ذي الحجة سنة 212 اثنتي عشرة و مئتين و قيل يوم الجمعة ثاني رجب و قيل خامسه من تلك السنة.

امه المعظمة الجليلة سمانة المغربية.و في الدر النظيم هي تعرف بالسيدة و تكنى ام الفضل،قال:قال محمد بن الفرج بن ابراهيم بن عبد اللّه بن جعفر:دعاني ابو جعفر الجواد(عليه السلام)فاعلمني ان قافلة قد قدمت فيها نخاس معه جواري و دفع الي ستين دينارا و امرني بابتياع جارية، وصفها،فمضيت فعملت ما أمرني به،فكانت تلك الجارية ام ابي الحسن الهادي(عليه السلام).

و روى محمد بن الفرج و علي بن مهزيار عن السيد (1)(عليه السلام)انه قال:امي عارفة بحقي و هي من اهل الجنة،لا يقربها شيطان مارد،و لا ينالها كيد جبار عنيد،و هي مكلوءة (2)بعين اللّه التي لا تنام،و لا تختلف عن امهات الصديقين و الصالحين.انتهى.

و كان نقش خاتمه:اللّه ربّي و هو عصمتي من خلقه،و له ايضا خاتم نقشه حفظ العهود من اخلاق المعبود.

ص: 226


1- اي ابو الحسن.
2- اي محفوظة و محروسة.

فصل في ذكر طرف من دلائل ابي الحسن الهادي(عليه السلام)

و اخباره و براهينه و بيناته

روى الطبرسي عن ابن عياش بسنده عن ابي هاشم الجعفري،قال:

كنت بالمدينة حين مر بها بغا (1)ايام الواثق في طلب الاعراب،فقال ابو الحسن(عليه السلام):اخرجوا بنا حتى ننظر الى تعبئة هذا التركي، فخرجنا فوقفنا فمرت بنا تعبئته،فمر بنا تركي فكلمه ابو الحسن(عليه السلام)بالتركية فنزل عن فرسه فقبل حافر دابته،قال فحلفت التركي و قلت له:ما قال لك الرجل؟قال هذا نبي؟قلت ليس هذا بنبي،قال دعاني باسم سميت به في صغري في بلاد الترك،ما علمه احد الى الساعة.

و عنه ايضا عن ابي هاشم الجعفري،قال:دخلت على ابي الحسن (عليه السلام)فكلمني بالهندية،فلم احسن ان ارد عليه،و كان بين يديه ركوة ملئت حصىّ،فتناول حصاة واحدة و وضعها في فيه فمصها مليا ثم رمى بها اليّ فوضعتها في فمي،فو اللّه ما برحت من عنده حتى تكلمت بثلاثة و سبعين لسانا اولها الهندية.

و روى الشيخ عن كافور الخادم قال:قال لي الإمام علي بن محمد (عليهما السّلام)،اترك لي السطل الفلاني في الموضع الفلاني لأتطهّر منه للصلاة،و انفذني في حاجة،و قال اذا عدت فافعل ذلك ليكون معدّا اذا تاهبت للصلاة،و استلقى(عليه السلام)لينام،و نسيت ما قال لي، و كانت ليلة باردة فأحسست به و قد قام الى الصلاة،و ذكرت انني لم اترك السطل،فبعدت عن الموضع خوفا من لومه و تألمت له حيث يشقى بطلب

ص: 227


1- بغا:اسم لقائدين كبيرين من قواد الترك في سلطنة بني العباس اولهما مشهور ببغا الكبير و الثاني بالشرابي و هو من الذين هجموا على المتوكل و قتلوه.

الإناء فناداني نداء مغضب،فقلت إنا للّه ايش (1)عذري ان اقول نسيت مثل هذا،و لم اجد بدا من اجابته فجئت مرعوبا،فقال:يا ويلك اما عرفت رسمي انني لا اتطهر الا بماء بارد فسخنت لي ماء فتركته في السطل،فقلت و اللّه يا سيدي ما تركت السطل و لا الماء،قال الحمد للّه و اللّه لا تركنا رخصته و لا رددنا منحه،الحمد للّه الذي جعلنا من اهل طاعته،و وفقنا للعون على عبادته،ان النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)يقول:ان اللّه يغضب على من لا يقبل رخصته.

الشيخ الصدوق عن ابي هاشم الجعفري:قال اصابتني ضيقة شديدة، فصرت الى ابي الحسن علي بن محمد(عليه السلام)فاذن لي،فلما جلست قال:يا أبا هاشم أي نعم اللّه عز و جل عليك تريد ان تؤدي شكرها؟قال ابو هاشم فوجمت فلم ادر ما اقول له،فابتدأ(عليه السلام)فقال:رزقك الايمان فحرم به بدنك على النار،و رزقك العافية فاعانتك على الطاعة، و رزقك القنوع فصانك عن التبذل،يا ابا هاشم انما ابتدأتك بهذا لأني ظننت انك تريد ان تشكو لي من فعل بك هذا،و قد امرت لك بمئة دينار فخذها.

الطبرسي عن محمد بن الحسن الاشتر العلوي:قال كنت مع ابي على باب المتوكل و انا صبيّ في جمع من الناس ما بين طالبي الى عباسي و جعفري،و نحن وقوف اذ جاء ابو الحسن(عليه السلام)ترجل الناس كلهم حتى دخل،فقال بعضهم لبعض لم نترجل لهذا الغلام؟و ما هو بأشرفنا و لا بأكبرنا و لا باسنّنا،و اللّه لا ترجلنا له،فقال ابو هاشم الجعفري و اللّه لتترجلن له صغرة اذا رأيتموه،فما هو الا ان اقبل و بصروا به حتى ترجل له الناس كلهم فقال لهم ابو هاشم اليس زعمتم انكم لا تترجلون له فقالوا له و اللّه ما ملكنا انفسنا حتى ترجلنا.

و روي ان ابا هاشم شكا الى مولانا ابي الحسن علي بن محمد(عليه السلام)ما يلقى من الشوق اليه اذا انحدر من عنده الى بغداد،و قال له:).

ص: 228


1- اي ايّ شيء(منه).

يا سيدي ادع اللّه لي فما لي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه،فقال قواك اللّه يا ابا هاشم و قوى برذونك،قال فكان ابو هاشم يصلّي الفجر ببغداد و يسير على البرذون فيدرك الزوال من يومه ذلك عسكر سرّ من رأى و يعود من يومه الى بغداد اذا شاء على ذلك البرذون بعينه،فكان هذا من اعجب الدلائل التي شوهدت.

اقول:ابو هاشم الجعفري هو داود بن القاسم بن اسحاق بن عبد اللّه بن جعفر بن ابي طالب(عليه السلام)البغدادي الثقة الجليل الذي ادرك الرضا و الجواد و الهادي و العسكري و صاحب الأمر عليهم السّلام).

و قد اشرنا اليه عند ولادة الصادق(عليه السلام)،و كان عظيم المنزلة عندهم(عليهم السّلام).و قد روى عنهم كلهم،و له اخبار و مسائل،و له شعر جيد فيهم،و من شعره في ابي الحسن الهادي(عليه السلام)و قد اعتل:

مادت (1)***الأرض بي و آدت (2)فؤادي و اعترتني موارد العرواء

حين قيل الإمام نضو (3)***عليل قلت نفسي فدته كل الفداء

مرض الدين لاعتلا لك و اعت *** ل و غارت (4)له نجوم السماء

عجبا ان منيت بالداء و السق *** م و انت الامام حسم الداء

انت آسي (5)***الادواء (6)في الدين و الدنيا و محيي الأموات و الاحياء

القطب الراوندي عن جماعة من اهل اصفهان،قالوا:كان باصفهان رجل يقال له عبد الرحمان و كان شيعيا،قيل له ما السبب الذي وجب عليك القول بامامة علي النقي(عليه السلام)دون غيره من الزمان؟قال شاهدت ما اوجب ذلك عليّ و هو أنّي كنت رجلا فقيرا و كان لي لسان و جرأة فأخرجنيض.

ص: 229


1- مادت اي اضطربت(منه)
2- ادت اي اثقلت(منه).
3- نضو يعني مقلّ هزيل(منه).
4- اي انخسفت.
5- يعني طبيب و جراح(منه).
6- بفتح الهمزة جمع داء و بالكسر:مصاحبة المريض.

اهل اصفهان سنة من السنين(فخرجت خ)مع قوم آخرين الى باب المتوكل متظلمين،فكنا بباب المتوكل يوما اذ خرج الأمر باحضار علي بن محمد بن الرضا(عليه السلام)،فقلت لبعض من حضر من هذا الرجل الذي قد امر باحضاره؟فقيل هذا رجل علوي تقول الرافضة بإمامته،ثم قال و يقدّر ان المتوكّل يحضره للقتل،فقلت لا ابرح من هاهنا حتى انظر الى هذا الرجل،ايّ رجل هو،قال فأقبل راكبا على فرس و قد قام الناس يمنة الطريق و يسرتها صفين ينظرون اليه،فلما رأيته وقع حبه في قلبي،فجعلت ادعو له في نفسي بان يدفع اللّه عنه شر المتوكل،فاقبل يسير بين الناس و هو ينظر على عرف (1)دابته لا ينظر يمنة و لا يسرة و انا اكرر في نفسي الدعاء له، فلما صار بازائي اقبل بوجهه اليّ(على خ د)و قال:قد استجاب اللّه دعاءك و طوّل عمرك و كثر ما لك و ولدك،قال فارتعدت من هيبته و وقعت بين اصحابي فسألوني و هم يقولون ما شأنك؟فقلت خيرا و لم اخبر بذلك مخلوقا،فانصرفنا بعد ذلك الى اصفهان،ففتح اللّه عليّ بدعائه وجوها من المال حتى انا اليوم أغلق بابي على ما قيمته الف الف درهم سوى مالي خارج داري،و رزقت عشرة من الاولاد،و قد بلغت الآن من عمري نيفا و سبعين سنة،و انا اقول بامامة الرجل على الذي علم ما في قلبي و استجاب اللّه دعاءه في امري.

و روي عن هبة اللّه بن ابي منصور الموصلي انه قال:كان بديار ربيعة كاتب نصراني و كان من اهل كفر توثا (2)يسمى يوسف بن يعقوب و كان بينه و بين والدي صداقة،قال:فوافانا فنزل عند والدي،فقلت(فقال د)له ما شأنك قدمت في هذا الوقت،قال دعيت الى حضرة المتوكل و لا ادري ماد.

ص: 230


1- اي الشعر النابت على مقدم عنق الفرس.
2- كفر توثا:قرية كبيرة من اعمال الجزيرة بينها و بين دارا خمسة فراسخ و كفر توثا ايضا من قرى فلسطين.و الجزيرة اسم للبلاد التي بين دجلة و الفرات من امهات مدنها الموصل و حران و نصيبين و آمد.

يراد مني الا أنّي اشتريت نفسي من اللّه بمئة دينار قد حملتها لعلي بن محمد بن الرضا(عليهم السّلام)معي،فقال له والدي:قد وفقت في هذا،قال:

و خرج الى حضرة المتوكل و انصرف الينا بعد ايام قلائل فرحا مستبشرا،فقال له والدي:حدثني حديثك،قال صرت الى سر من رأى و ما دخلتها قط، فنزلت في واد و قلت احب ان اوصل المئة الدينار الى ابن الرضا(عليه السلام)قبل مصيري الى باب المتوكل و قبل ان يعرف احد قدومي،قال فعرفت ان المتوكل قد منعه من الركوب و انه ملازم لداره،فقلت كيف اصنع؟رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا(عليه السلام)؟لا آمن ان يبدر بي فيكون ذلك زيادة فيما احاذره،قال:ففكرت ساعة في ذلك،فوقع في قلبي ان اركب حماري و اخرج في البلد و لا امنعه من حيث يذهب لعلي اقف على معرفة داره من غير ان أسأل احدا،قال فجعلت الدنانير في كاغذة و جعلتها في كمي و ركبت،فكان الحمار يتخرق الشوارع و الاسواق يمر حيث يشاء الى ان صرت الى باب دار فوقف الحمار،فجهدت ان يزول فلم يزل، فقلت للغلام سل لمن هذه الدار،فقيل هذه دار ابن الرضا(عليه السلام)،فقلت:اللّه اكبر دلالة مقنعة،قال و اذا خادم اسود قد خرج فقال:انت يوسف بن يعقوب؟قلت نعم،قال انزل،فنزلت فاقعدني في الدهليز فدخل،فقلت في نفسي:هذه دلالة اخرى،من اين عرف هذا الغلام اسمي؟و ليس في هذا البلد من يعرفني و لا دخلته قط،فخرج الخادم فقال مئة دينار التي في كمك في الكاغذة هاتها،فناولته اياها،قلت و هذه ثالثة،ثم رجع اليّ،و قال:ادخل فدخلت اليه،و هو في مجلسه وحده فقال يا يوسف ما آن لك؟فقلت يا مولاي قد بان لي من البرهان ما فيه كفاية لمن اكتفى،فقال هيهات انك لا تسلم و لكن سيسلم ولدك فلان و هو من شيعتنا،يا يوسف ان اقواما يزعمون ان ولايتنا لا تنفع امثالكم،كذبوا، و اللّه انها لتنفع امثالك،امض فيما وافيت له فانك سترى ما تحب و سيولد لك ولد مبارك،قال فمضيت الى باب المتوكل فنلت كل ما اردت فانصرفت، قال:هبة اللّه فلقيت ابنه بعد هذا(يعني بعد موت والده)و هو مسلم حسن

ص: 231

التشيع،فاخبرني ان اباه مات على النصرانية و انه اسلم بعد موت ابيه، و كان يقول انا بشارة مولاي(عليه السلام).

روى السيد بن طاوس في امان الاخطار عن ابي محمد القاسم بن العلا، قال:حدثنا خادم لعلي بن محمد(عليه السلام)قال استأذنته في الزيارة الى طوس،فقال لي:يكون معك خاتم فصه عقيق اصفر عليه ما شاء اللّه لا قوة الا باللّه استغفر اللّه و على الجانب الاخر محمد و عليّ فانه امان من القطع و اتم للسلامة و اصون لدينك،قال:فخرجت و اخذت خاتما على الصفة التي امرني بها ثم رجعت اليه،فقال يا صافي قلت لبيك يا سيدي،قال ليكن معك خاتم اخر فيروزج فانه يلقاك في طريقك اسد بين طوس و نيسابور فيمنع القافلة من المسير فتقدم اليه و أره الخاتم و قل له:مولاي يقول لك تنح عن الطريق،ثم قال ليكن نقشه اللّه الملك و على الجانب الآخر الملك للّه الواحد القهار فأنه خاتم امير المؤمنين علي(عليه السلام)كان عليه:اللّه الملك،فلما ولى الخلافة نقش على خاتمه الملك للّه الواحد القهار و كان فصه فيروزج و هو امان من السباع خاصة و ظفر في الحروب،قال الخادم فخرجت في سفري فلقيني و اللّه السبع ففعلت ما امرت و رجعت و حدثته،فقال لي:

بقيت عليك خصلة لم تحدثني بها ان شئت حدثتك بها،فقلت يا سيدي لعلي نسيتها،فقال:نعم،بت ليلة بطوس عند القبر.فصار الى القبر قوم من الجن لزيارته فنظروا الى الفص في يدك فقرأوا نقشه فاخذوه من يدك و صاروا الى عليل لهم و غسلوا الخاتم بالماء و سقوه ذلك الماء فبرىء وردوا الخاتم اليك، و كان في يدك اليمني فصيروه في يدك اليسرى،فكثر تعجبك من ذلك و لم تعرف السبب فيه،و وجدت عند رأسك حجر ياقوت فاخذته و هو معك فاحمله الى السوق فانك ستبيعه بثمانين دينارا،فحملته الى السوق و بعته بثمانين دينارا كما قال سيدي(منه)في الحاشية.

و عن زرارة حاجب المتوكل،قال:وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند الى المتوكل يلعب بالحق لم ير مثله،و كان المتوكل لعابا (1)فاراد ان يخجل عليب.

ص: 232


1- اي كثير اللعب.

ابن محمد بن الرضا(عليه السلام)،فقال لذلك الرجل:ان انت اخجلته اعطيتك الف دينار ركنية قال:تقدم بان يخبز دقاق خفاف و اجعلها على المائدة و اقعدني الى جنبه،ففعل و احضر عليّ بن محمد(عليهما السّلام)، و كانت له مسورة عن(على خ د)يساره كان عليها صورة اسد،و روي انه كان على باب من الابواب ستر و عليه صورة اسد،و جلس اللاعب الى جانب المسورة و قدم الطعام،فمد على بن محمد(عليه السلام)يده الى دقاقة فطيرها المشعبذ في الهواء،فمد(عليه السلام)يده الى اخرى فطيرها،فتضاحك الناس،فضرب علي بن محمد(عليه السلام)يده على تلك الصورة التي على المسورة و قال خذ عدو اللّه،فوثبت تلك الصورة من المسورة فابتلعت الرجل اللاعب و عادت في المسورة كما كانت،فتحيّر الجميع،فنهض علي بن محمد(عليه السلام)ليمضي،فقال المتوكل سألتك الا جلست ورددته،فقال و اللّه لا يرى بعدها،اتسلط اعداء اللّه على اولياء اللّه،و خرج من عنده فلم ير الرجل بعد ذلك.

و روي ان المتوكل امر العسكر و هم تسعون الف فارس من الاتراك الساكنين بسر من رأى ان يملأ كل واحد مخلاة فرسه من الطين الأحمر و يجعل (و يجعلوا خ د)بعضه على بعض في وسط برية واسعة هناك،فلما فعلوا ذلك صار مثل جبل عظيم و اسمه تل المخالي،صعد فوقه و استدعى ابا الحسن(عليه السلام)و استصعده و قال استحضرتك لنظارة خيولي،و قد كان امرهم ان يلبوا التجافيف (1)،و يحملوا الاسلحة،و قد عرضوا باحسن زينة و اتم عدة و اعظم هيبة،و كان غرضه ان يكسر قلب كل من يخرج عليه،و كان خوفه من ابي الحسن(عليه السلام)ان يأمر احدا من اهل بيته ان يخرج على الخليفة،فقال له ابو الحسن:صلوات اللّه عليه و هل (تريد ان)اعرض عليك عسكري؟قال نعم فدعا اللّه سبحانه فإذا بين السماء و الأرض من المشرق و المغرب ملائكة مدججون (2)فغشي على).

ص: 233


1- جمع تجفاف بالكسر و هو آلة للحرب يلب الفرس و الحيوان ليقيه في الحرب(منه).
2- فلان مدجج كمعظم اي شاك في السلاح(منه).

الخليفة،فلما افاق قال له ابو الحسن(عليه السلام)نحن لا ننافسكم في الدنيا،نحن مشتغلون بأمر الآخرة،فلا عليك مني مما تظن بأس.

الدر النظيم،قال محمد بن يحيى،قال:يحيى بن اكثم:في مجلس الواثق و الفقهاء بحضرته،من حلق رأس آدم(عليه السلام)حين حج؟ فتعايي القوم (1)عن الجواب،فقال الواثق انا احضركم من ينبئكم بالخبر، فبعث الى علي بن محمد الهادي(عليه السلام)فاحضره،فقال له يا ابا الحسن من حلق رأس آدم حين حج؟فقال سألتك يا امير المؤمنين إلا أعفيتني،قال اقسمت لتقولن،قال:اما اذا ابيت فان ابي حدثني عن جدي،عن ابيه عن جدّه قال:قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)،أمر جبرائيل ان ينزل بياقوتة من الجنة فهبط بها فمسح بها رأس آدم فتناثر الشعر منه،فحيث بلغ نورها صار حرما.

روى الاربلي ان ابا الحسن(عليه السلام)خرج يوما من سر من رأى الى قرية،لمهمّ عرض له،فجاء رجل من الاعراب يطلبه،فقيل له:قد ذهب الى الموضع الفلاني،فقصده،فلما وصل اليه قال(عليه السلام) له:ما حاجتك؟فقال انا رجل من اعراب الكوفة المتمسكين بولاء جدّك عليّ بن ابي طالب(عليه السلام)و قد ركبني دين فادح (2)اثقلني حمله،و لم أر من اقصده لقضائه سواك،فقال له ابو الحسن(عليه السلام)طب نفسا و قر عينا،ثم انزله فلما اصبح ذلك اليوم قال له ابو الحسن(عليه السلام):اريد منك حاجة،اللّه اللّه ان تخالفني فيها،فقال الأعرابي لا أخالفك،فكتب ابو الحسن(عليه السلام)ورقة بخطه معترفا فيها ان عليه للاعرابي مالا عينه فيها يرجح على دينه،و قال خذ هذا الخط فاذا وصلت الى سر من رأى احضر الي و عندي جماعة،فطالبني به و اغلظ القول علي في ترك ابقائك اياه،اللّه اللّه في مخالفتي،فقال افعل و اخذ الخط،فلما وصل ابول.

ص: 234


1- اي عجزوا.من العي و هو ظهور العجز(بسكون الجيم).
2- اي عظيم ثقيل.

الحسن(عليه السلام)الى سر من رأى و حضر عنده جماعة كثيرون من اصحاب الخليفة،و غيرهم،حضر ذلك الرجل و اخرج الخط و طالبه، و قال:كما أوصاه،فألان (1)ابو الحسن(عليه السلام)له القول و رفقه و جعل يعتذر اليه و وعده بوفائه و طيبة نفسه،فنقل ذلك الى الخليفة المتوكل فامر ان يحمل الى ابي الحسن(عليه السلام)ثلاثون الف درهم،فلما حملت اليه تركها الى ان جاء الرجل،فقال:خذ هذا المال فاقض منه دينك، و انفق الباقي على عيالك و اهلك،و اعذرنا فقال له الاعرابي:يا ابن رسول اللّه و اللّه ان أملي كان يقصر عن ثلث هذا و لكن اللّه اعلم حيث يجعل رسالته،و اخذ المال و انصرف،و هذه منقبة من سمعها حكم له بمكارم الاخلاق،قلت و يشبه هذا ما روي عن الديلمي في كتاب اعلام الورى عن ابي امامة:ان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)قال ذات يوم لاصحابه الا احدثكم عن الخضر؟قالوا بلى يا رسول اللّه،قال بينا هو يمشي في سوق من اسواق بني اسرائيل،اذ بصر به مسكين فقال تصدق عليّ بارك اللّه فيك،قال الخضر آمنت باللّه،ما يقضي اللّه يكون،ما عندي من شيء اعطيكه،قال المسكين بوجه اللّه لما تصدقت عليّ،اني رأيت الخير في وجهك و رجوت الخير عندك،قال الخضر(عليه السلام)امنت باللّه،انك سألتني بامر عظيم،ما عندي من شيء اعطيكه الا ان تأخذني فتبيعني،قال المسكين و هل يستقيم هذا،قال:الحق اقول لك،انك سألتني بأمر عظيم،سألتني بوجه ربي عز و جل،اما اني لا اخيبك في مسألتي بوجه ربيّ،فبعني،فقدمه الى السوق فباعه باربعمئة درهم فمكث عند المشتري زمانا لا يستعمله في شيء،فقال الخضر(عليه السلام)انما ابتعتني التماس خدمتي فمرني بعمل،قال:اني اكره ان اشق عليك،انك شيخ كبير، قال:لست تشق عليّ،قال فقم فانقل هذه الحجارة،قال و كان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم،فقام فنقل الحجارة في ساعته،فقال له احسنتة.

ص: 235


1- ألان له اي اخذه بالملاطفة و اللينة:ضد الخشونة.

و اجملت و اطقت ما لم يطقه احد،قال:ثم عرض للرجل سفر فقال إنّي احسبك أمينا فاخلفني في أهلي خلافة حسنة،و انّي اكره ان اشق عليك، قال:لست تشق عليّ،قال:فاضرب من اللبن شيئا حتى ارجع اليك، قال فخرج الرجل لسفره و رجع و قد شيد بناء فقال له الرجل اسألك بوجه اللّه ما حسبك و ما أمرك؟قال إنّك سألتني بامر عظيم،بوجه اللّه عز و جل،و وجه اللّه اوقعني في العبودية،و سأخبرك من انا،انا الخضر الذي سمعت به،سألني مسكين صدقة و لم يكن عندي شيء اعطيه،فسألني بوجه اللّه (1)عز و جل فراد سائله و هو قادر على ذلك وقف يوم القيامة ليس لوجهه جلد و لا لحم و لا دم الا عظم يتقعقع (2)قال الرجل شققت عليك و لم اعرفك،قال لا بأس اتقيت و احسنت،قال:بأبي انت و امّي احكم في اهلي و مالي بما أراك اللّه عز و جلّ،ام اخيرك فاخلي سبيلك،قال احب اليّ ان تخلي سبيلي فاعبد اللّه على سبيله،فقال الخضر:الحمد للّه الذي اوقعني في العبودية فأنجاني منها.

فصل في نبذ من كلامه(عليه السلام)

قال:من رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه.و قال:راكب الحرون (3)اسير نفسه و الجاهل اسير لسانه.و قال:الناس في الدنيا بالاموال و في الآخرة بالاعمال.و قال:المصيبة للصابر واحدة و للجازع اثنتان، و قال:الهزل(الهزء خ د)فكاهة السفهاء و صناعة الجهال،و قال:السهر الذّ للمنام و الجوع يزيد في طيب الطعام،يريد به الحث على قيام الليل و صيام النهار.و قال:اذكر مصرعك بين يدي اهلك،فلا طبيب يمنعك و لا حبيب ينفعك.و قال:المقادير تريك ما لا يخطر ببالك.و قال لرجل و قد

ص: 236


1- فجعلت نفسي عبدا له حتى باعني،و من سأل اللّه عز و جل الخ ظ.
2- اي صوّت عند التحرك.
3- حرن البغل:وقف و لم ينقد فهو و هي حرون.

اكثر من افراط الثناء عليه:اقبل على شأنك،فان كثرة الملق (1)يهجم على الظّنة،و اذا حللت من اخيك،في محل الثقة فاعدل عن الملق الى حسن النية.و قال:الحكمة لا تنجع (2)في الطباع الفاسدة.و قال:اذا كان زمان العدل فيه اغلب من الجود فحرام ان تظن باحد سوءا حتى تعلم ذلك،و اذا كان زمان الجور فيه اغلب من العدل فليس لأحد ان يظن باحد خيرا حتى يرى ذلك،منه.

عن سهل بن زياد قال:كتب اليه بعض اصحابنا يسأله ان يعلمه دعوة جامعة للدنيا و الآخرة،فكتب اليه:اكثر من الاستغفار و الحمد،فانك تدرك بذلك الخير كله.

و قال للمتوكل في جواب كلام دار بينهما لا تطلب الصفاء ممن كدرت عليه،و لا الوفاء ممن غدرت به،و لا النصح ممن صرفت سوء ظنك اليه فانما قلب غيرك كقلبك له،الى غير ذلك.و من أراد أن يقف على الكلمات الصادرة عن جنابه فعليه بالزيارة الجامعة الكبيرة المروية عنه(سلام اللّه عليه)،فانها كما قال العلامة المجلسي اصح الزيارات سندا و افصحها لفظا و ابلغلها معنى و اعلاها شأنا.

فصل فيما جرى بين ابي الحسن الهادي(عليه السلام)

و بين بعض خلفاء زمانه

اشخص ابا الحسن(عليه السلام)المتوكل من المدينة الى سر من رأى، و كان السبب في ذلك،ان عبد اللّه بن محمد،و كان والي المدينة سعى به (عليه السلام)اليه،فكتب المتوكل اليه كتابا،يدعو به فيه الى حضور

ص: 237


1- ملقه:تودد اليه و تذلل له و ابدى له بلسانه ما ليس في قلبه.
2- نجع بالنون و الجيم اي اثر(منه).

العسكر على جميل من القول،و بعث يحيى بن هرثمة ثلاثمئة رجل لاشخاصه من طريق البادية،و قد رأى يحيى منه(عليه السلام)في ايام المصاحبة معه من الدلائل و الآيات ما لا يتحملها المقام.

روى المسعودي عن يحيى بن هرثمة،قال وجهني المتوكل الى المدينة لإشخاص علي بن محمد(عليه السلام)لشيء بلغه عنه،فلما صرت اليها ضج اهلها،و عجوا ضجيجا و عجيجا،ما سمعت مثله،فجعلت أسكنهم و أحلف اني لم أؤمر فيه بمكروه،و فتشت بيته فلم اصب فيه الا مصحفا (1)و دعاء و ما اشبه ذلك،فاشخصته و توليت خدمته و احسنت عشرته،فبينا انا في يوم من الايام و السماء صاحية و الشمس طالعة اذ ركب و عليه ممطر و قد عقد ذنب دابته،فعجبت من فعله فلم يكن بعد ذلك الا هنيهة حتى جاءت سحابة فارخت عزاليها (2)و نالنا من المطر امر عظيم جدا،فالتفت اليّ، و قال:انا اعلم انك انكرت ما رأيت،و توهمت اني علمت من الامر ما لا تعلمه،و ليس ذلك كما ظننت،و لكني نشأت بالبادية فانا اعرف الرياح التي يكون في عقبها المطر،فلما اصبحت هبت ريح لا تخلف،و شممت منها رائحة المطر،فتأهبت لذلك،فلما قدمت مدينة السلام بدأت باسحاق بن ابراهيم الطاطري و كان على بغداد،فقال يا يحيى ان هذا الرجل قد ولده رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و المتوكل من تعلم،و ان حرضته على قتله كان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)خصمك فقلت و اللّه ما وقفت منه الا على كل امر جميل،فصرت الى سامراء فبدأت بوصيف التركي،و كنت من اصحابه،فقال:و اللّه لئن سقطت من رأس هذا الرجل شعرة لا يكون المطالب بها غيري،فعجبت من قولهما و عرّفت المتوكل ما وقفت عليه و ما سمعته من الثناء عليه،فاحسن جائزته و اظهر بره و تكرمته.انتهى.ا.

ص: 238


1- و في تذكرة البسط فلم اجد فيه الا مصاحف و ادعية و كتب العلم فعظم في عيني و توليت خدمته بنفسي الخ(منه).
2- عزالي جمع عزلاء امطارها.

و قال في اثبات الوصية حدّث ابو عبد اللّه محمد بن احمد الحلبي القاضي قال:حدثني الخضر بن محمد البزاز،و كان شيخا،مستورا ثقة يقبله القضاة و الناس:قال:رأيت في المنام كأني على شاطيء دجلة بمدينة السلام في رحبة الجسر (1)و الناس مجتمعون خلقا كثيرا يزحم بعضهم بعضا و هم يقولون قد اقبل بيت اللّه الحرام فبينا نحن كذلك اذ رأيت البيت بما عليه من الستائر الديباج و القباطي (2)قد اقبل مادا على الأرض يسير حتى عبر الجسر من الجانب الغربي الى الجانب الشرقي و الناس يطوفون به و بين يديه حتى دخل دار خزيمة الى ان قال:فلما كان بعد أيام خرجت في حاجة حتى انتهيت الى الجسر،فرأيت الناس مجتمعين،و هم يقولون قد قدم ابن الرضا(عليه السلام)من المدينة فرأيته قد عبر من الجسر على شهري تحته كبير،يسير عليه سيرا رفيقا،و الناس بين يديه و خلفه،و جاء حتى دخل دار خزيمة بن حازم فعلمت انه تأويل الرؤيا التي رأيتها،ثم خرج الى سر من رأى انتهى.

و قال الشيخ الطبرسي،(رضي اللّه عنه)،فلما وصل إلى سرّ من رأى تقدم المتوكل ان يحتجب عنه في منزله،فنزل في خان يعرف بخان الصعاليك (3)فقام فيه يومه،ثم تقدم المتوكل بإفراد دار له فانتقل اليها،ثم روى عن صالح بن سعيد،قال:دخلت على ابي الحسن(عليه السلام)في يوم وروده فقلت له جعلت فداك في كل الامور أرادوا اطفاء نورك،و التقصير بك،حتى انزلوك هذا الخان الاشنع،خان الصعاليك،فقال ها هنا انت يا بن سعيد ثم اومأ بيده فاذا بروضات انقات (4)و انهار جاريات فيها خيراتا.

ص: 239


1- اي محله المتسع.
2- القبطية بضم القاف و بكسرها:ثياب من كتان منسوبة الى القبط.جمعها:القباطي.
3- صعلوك كعصفور:درويش.صعاليك جمع،و صعاليك العرب:لصوصهم و فقرائهم (منه).
4- اي معجبات مؤثرات على ما سواها.

عطرات و ولدان كانهن اللؤلؤ المكنون فحار بصري و كثر عجبي،فقال:

حيث كنا فهذا لنا يا ابن سعيد لسنا في خان الصعاليك.

و في اثبات الوصية روى انه(عليه السلام)دخل دار المتوكل فقام يصلي فاتاه بعض المخالفين فوقف حياله فقال له:الى كم هذا الرياء؟فاسرع الصلاة و سلم،ثم التفت اليه فقال:ان كنت كاذبا سحتك اللّه،فوقع الرجل ميتا فصار حديثا في الدار.

و روي عنه(عليه السلام)قال:اخرجت الى سر من رأى كرها و لو أخرجت عنها أخرجت كرها،قيل و لم يا سيدي؟قال لطيب هوائها و عذوبة مائها و قلة دائها.

الشيخ المفيد عن ابن قولويه عن الكليني عن علي بن محمد عن ابراهيم بن محمد الطاهري،قال:مرض المتوكل من خراّج (1)خرج به فأشرف منه على الموت،فلم يجسر احد ان يسمه بحديدة،فنذرت أمه إن عوفي ان تحمل الى ابي الحسن علي بن محمد(عليه السلام)مالا جليلا من مالها و قال له الفتح بن خاقان لو بعثت الى هذا الرجل يعني ابا الحسن(عليه السلام)فسألته فإنه ربما كان عنده صفة شيء يفرج اللّه به عنك،فقال ابعثوا اليه فمضى الرسول و رجع،فقال:خذوا كسب (2)الغنم فديفوه (3)بماء الورد وضعوه على الخراج فانه نافع،باذن اللّه،فجعل من يحضر المتوكل يهزأ من قوله،فقال لهم الفتح:و ما يضر من تجربة ما قال، فو اللّه اني لأرجو الصلاح به،فاحضر الكسب و ديف بماء الورد و وضع على الخراج فانفتح و خرج ما كان فيه و سرّت أم المتوكل بعافيته فحملت الى ابي الحسن(عليه السلام)عشرة آلاف دينار تحت ختمها و استقل (2)المتوكل منل.

ص: 240


1- خراج كغراب:القرحة(منه). (2-3) الكسب بالضم عصارة الدهن و لعل المراد هاهنا ما يشبهها مما يتلبد من السرقين تحت ارجل الشاة و الدوف الخلط و البل بماء و نحوه(منه).
2- الظاهر انه تصحيف و الصحيح استبل بالباء مكان القاف قال في منتهى الارب استبل.

علته،فلما كان بعد أيام،سعى البطحائي بأبي الحسن(عليه السلام)الى المتوكل،و قال عنده اموال و سلاح فتقدم المتوكل الى سعيد الحاجب،ان يهجم عليه ليلا و يأخذ ما يجده عنده من الأموال و السلاح و يحمل اليه،قال ابراهيم بن محمد،قال لي سعيد الحاجب:صرت الى دار ابي الحسن(عليه السلام)بالليل و معي سلم فصعدت منه الى السطح و نزلت من الدرجة الى بعضها في الظلمة فلم ادر كيف أصل الى الدار فناداني ابو الحسن(عليه السلام)من الدار يا سعيد مكانك،حتى يأتوك بشمعة،فلم ألبث ان آتوني بشمعة فنزلت فوجدت عليه جبة صوف و قلنسوة منها،و سجادته على حصير بين يديه،و هو مقبل على القبلة،فقال لي:دونك البيوت،فدخلتها و فتشتها فلم اجد فيها شيئا و وجدت البدرة مختومة بخاتم ام المتوكل،و كيسا مختوما معها،فقال لي ابو الحسن(عليه السلام):دونك المصلى فرفعته فوجدت سيفا في جفن ملبوس،فاخذت ذلك،و صرت اليه،فلما نظر الى خاتم امه على البدرة بعث اليها فخرجت اليه فسألها عن البدرة فأخبرني بعض خدم الخاصة انها قالت:كنت نذرت في علتك ان عوفيت ان أحمل اليه من مالي عشرة الآف دينار فحملتها اليه و هذا خاتمي على الكيس،ما حركه،و فتح الكيس الآخر فاذا فيه أربعمئة دينار فأمر أن يضم الى البدرة بدرة اخرى، و قال لي:احمل ذلك الى ابي الحسن(عليه السلام)و اردد عليه السيف و الكيس بما فيه فحملت ذلك اليه و استحييت منه،فقلت له:يا سيدي عزّ (1)عليّ دخولي دارك بغير اذنك،و لكني مأمور،فقال لي و سيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.ى.

ص: 241


1- اي اشتد على.

فصل في ذكر ما جرى بين علي الهادي(عليه السلام)

و المتوكل و هجوم الاتراك عليه

كان المتوكل يجتهد في ايقاع حيلة بعلي بن محمد(عليه السلام)، و يعمل على الوضع من قدره في عيون الناس،فلا يتمكن من ذلك،و له معه احاديث يطول بذكرها الكتاب،فيها آيات له(عليه السلام)و دلالات فلا بأس بذكر بعضها رجاء ان يملأ اللّه تعالى به صحائفنا من الحسنات.

منها ما رواه القطب الراوندي عن أبي سعيد سهل بن زياد قال:حدثنا ابو العباس فضل بن احمد بن اسرائيل الكاتب و نحن في داره بسامراء فجرى ذكر ابي الحسن(عليه السلام)،فقال:يا ابا سعيد اني احدثك بشيء حدثني به ابي،قال:كنا مع المعتز و كان ابي كاتبه،فدخلنا الدار و اذا المتوكل على سريره قاعد فسلم المعتز و وقف و وقفت خلفه،و كان عهدي به اذا دخل رحب به و يأمره بالقعود فاطال القيام و جعل يرفع رجلا و يضع اخرى،و هو لا يأذن له بالقعود،و نظرت الى وجهه يتغير ساعة و يقبل على الفتح بن خاقان و يقول:هذا الذي تقول فيه ما تقول و يردد عليه القول، و الفتح مقبل عليه يسكنه و يقول مكذوب عليه يا امير المؤمنين،و هو يتلطّى و يقول:و اللّه لاقتلن هذا المرائي و هو الذي يدّعي الكذب و يطعن في دولتي،ثم قال جئني باربعة من الخزر جلاف (1)لا يفقهون فجيء بهم و دفع اليهم اربعة اسياف و امرهم ان يرطنوا بالسنتهم اذ دخل ابو الحسن(عليه السلام)و يقبلوا عليه باسيافهم فيخبطوه و هو يقول و اللّه لأحرقنه بعد القتل، و انا منتصب قائم خلف المعتز،من وراء الستر،فما علمت الا بأبي الحسن (عليه السلام)قد دخل و قد بادر الناس قدامه و قالوا قد جاء،و التفت فاذا انا به و شفتاه يتحركان و هو غير مكروب و لا جازع،فلما بصر به المتوكل رمى

ص: 242


1- جمع جلف و هو الجافي الغليظ و الصحيح في جمعها:اجلاف.

بنفسه عن السرير اليه و سبقه و انكب عليه فقبل ما بين عينيه و يديه و سيفه بيده،و هو يقول:يا سيدي يا ابن رسول اللّه يا خير خلق اللّه،يا ابن عمي،يا مولاي يا ابا الحسن،و ابو الحسن(عليه السلام)يقول اعيذك يا امير المؤمنين باللّه،اعفني من هذا،فقال ما جاء بك يا سيدي في هذا الوقت؟قال جائني رسولك،فقال:المتوكل يدعوك،ثم قال:كذب ابن الفاعلة ارجع يا سيدي من حيث شئت،يا فتح يا عبد اللّه يا معتز شيعوا سيّدكم و سيّدي،فلما بصر به الخزر خروا سجّدا مذعنين (1)فلما خرج دعاهم المتوكل ثم امر الترجمان ان يخبره بما يقولون،ثم قال لهم:لم لم تفعلوا ما امرتكم به؟قالوا:شدة هيبته،رأينا حوله اكثر من مئة سيف لم نقدر أن نتأملهم فمنعنا ذلك عما أمرت به و امتلأت قلوبنا من ذلك رعبا،فقال المتوكل يا فتح هذا صاحبك،و ضحك الفتح في وجهه،فقال:الحمد للّه الذي بيّض وجهه و أنار حجته.

و منها ما رواه المسعودي عن محمد بن عرفة النحوي عن المبرد،قال:

قال المتوكل لأبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب(عليهم السّلام):ما يقول ولد أبيك في العباس بن عبد المطلب؟قال:و ما يقول ولد ابي يا امير المؤمنين في رجل افترض اللّه طاعة نبيه على خلقه و افترض طاعته على نبيه، فأمر له بمئة الف درهم،و انما أراد ابو الحسن(عليه السلام)طاعة اللّه على نبيّه فعرض،فظن المتوكل انه(عليه السلام)أراد من طاعته على نبيه طاعة عمه العباس و انما أراد(عليه السلام)طاعة اللّه تعالى لا طاعة عمه.

و قد كان سعي بأبي الحسن عليّ بن محمد(عليه السلام)الى المتوكل و قيل له:ان في منزله سلاحا و كتبا و غيرها من شيعته فوجه اليه ليلا من الاتراك و غيرهم من هجم عليه في منزله،على غفلة ممن في داره،فوجده في البيت وحده،مغلق عليه،و عليه مدرعة من شعر و لا بساط في البيت الا).

ص: 243


1- صاغرين،مذعورين(ظ).

الرمل و الحصى،و على رأسه ملحفة من الصوف متوجها الى ربه،يترنم بآيات من القرآن في الوعد و الوعيد،فأخذ على ما وجد عليه و حمل الى المتوكل في جوف الليل،فمثل بين يديه و المتوكل يشرب و في يده كأس،فلما رآه اعظمه و اجلسه الى جنبه،و لم يكن في منزله شيء مما قيل فيه،و لا حالة يتعلل عليه بها،فناوله المتوكل الكأس الذي في يده،فقال:يا امير المؤمنين ما خامر (1)لحمي و دمي قط،فاعفني منه،فعفاه و قال:انشدني شعرا استحسنه،فقال اني لقليل الرواية للاشعار،فقال لا بد أن تنشدني فانشده:

باتوا على قلل الاجبال تحرسهم ***

غلب الرجال فما اغناهم القلل ***

و استنزلوا بعد عز عن معاقلهم (2)***

فاودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا ***

ناداهم صارخ من بعدما قبروا ***

اين الاسرة (3)***و التيجان و الحلل

اين الوجوه التي كانت منعمة؟ ***

من دونها تضرب الاستار و الكلل (4)***

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم ***

تلك الوجوه عليها الدود يقتتل ***

قد طال ما اكلوا دهرا و ما شربوا ***

و اصبحوا بعد طول الاكل قد أكلوا ***

و طالما عمروا دورا لتحصنهم (5)***

ففارقوا الدور و الاهلين و انتقلوا ***هم

ص: 244


1- اي خالط و داخل فيه.
2- جمع معقل و هو الملجأ او الجبل المرتفع.
3- جمع سرير و هو التخت،و يغلب على تخت الملك.
4- كلل:جمع كله بكسر الكاف و هي الستر الرقيق.
5- لتمنعهم و تحميهم

و طالمها كنزوا الاموال و ادخروا ***

فخلفوها على الاعداء و ارتحلوا ***

اضحت منازلهم قفرا معطلة ***

و ساكنوها الى الاجداث (1)***قد رحلوا

قال فاشفق من حضر على عليّ(عليه السلام)و ظنوا ان بادرة (2)تبدر منه اليه،قال و اللّه لقد بكى المتوكل بكاء طويلا حتى بلت دموعه لحيته،و بكى من حضره،ثم أمر برفع الشراب،ثم قال له يا ابا الحسن اعليك دين؟ قال نعم اربعة آلاف دينار،فأمر بدفعها اليه ورده الى منزله من ساعته مكرّما.

و منها ما عن القطب الراوندي عن زرارة حاجب المتوكل،قال:اراد المتوكل ان يمشي علي بن محمد بن الرضا(عليهم السّلام)يوم السلام فقال له وزيره:ان في هذا شناعة عليك و سوء قالة (3)فلا تفعل،قال:لا بد من هذا،قال:فان لم يكن بد من هذا فتقدم بأن يمشي القواد و الاشراف كلهم حتى لا يظن الناس انك قصدته،بهذا دون غيره،ففعل و مشى(عليه السلام)و كان الصيف،فوافى الدهليز و قد عرق،قال فلقيته و اجلسته في الدهليز و مسحت وجهه بمنديل و قلت:ابن عمك لم يقصدك بهذا دون غيرك،فلا تجد عليه في قلبك،فقال:ايها (4)عنك،تمتعوا في داركم ثلاثة ايام ذلك وعد غير مكذوب،قال زرارة و كان عندي معلم يتشيع و كنت كثيرا ما امازحه بالرافضي،فانصرفت الى منزلي وقت العشاء و قلت تعال يا رافضي حتى احدثك بشيء سمعته اليوم من امامكم،قال لي و ما سمعت؟ فاخبرته بما قال:فقال:اقول لك فاقبل نصيحتي،قلت هاتها قال:ان).

ص: 245


1- اجداث:جمع جدث بفتح الأولين و هو القبر.
2- البادرة:ما يبدو من الإنسان عند حدته.السهم من جهة النصل.
3- اي باعث لقول السوء فيك،و القالة:القول الفاشي في الناس خيرا او شرا.
4- بكسر الهمزة اي اسكت و كف،و اذا اردت التبعيد قلت ايها بفتح الهمزة بمعنى هيهات (منه).

كان علي بن محمد(عليه السلام)قال بما قلت فاحترز و اخزن كل ما تملكه فان المتوكل يموت او يقتل بعد ثلاثة ايام،فغضبت عليه و شتمته و طردته من بين يديّ،فخرج فلما خلوت بنفسي تفكرت،و قلت:ما يضرني ان آخذ بالحزم،فان كان من هذا شيء كنت قد اخذت بالحزم،و ان لم يكن لم يضرّني ذلك،قال فركبت الى دار المتوكل فاخرجت كل ما كان لي فيها، و فرقت كل ما كان في داري الى عند اقوام اثق بهم،و لم اترك في داري الا حصيرا اقعد عليه،فلما كانت الليلة الرابعة قتل المتوكل و سلمت،انا و مالي،و تشيعت عند ذلك فصرت اليه،و لزمت خدمته و سألته ان يدعو لي،و تواليته حق الولاية.

اقول و قصته(عليه السلام)مع زينب الكذّابة بحضرة المتوكل و نزوله (عليه السلام)الى بركة السباع و تذللها له و رجوع زينب عما ادعته مشهورة،اغنانا شهرتها عن ذكرها.

قال القطب الراوندي و أما عليّ بن محمد الهادي(عليه السلام)فقد اجتمعت فيه خصال الإمامة و تكامل فضله و علمه و خصاله الخيّرة،و كانت اخلاقه كلها خارقة للعادة كاخلاق آبائه و كان بالليل مقبلا على القبلة لا يفتر ساعة و عليه جبة صوف و سجادته على حصير،و لو ذكرنا محاسن شمائله لطال بها الكتاب.انتهى.

و قد تقدم ما نقلناه عن المسعودي مما يشهد لكلامه،و تقدم ايضا انه لما دخل دار المتوكل قام يصلّي،فقال بعض المخالفين:الى كم هذا الرياء فوقع الرجل ميتا.

ص: 246

فصل في تاريخ وفاة ابي الحسن الهادي(عليه السلام)

قبض ابو الحسن علي بن محمد الهادي(عليه السلام)مسموما بسر من رأي في يوم الاثنين ثالث رجب سنة 254 اربع و خمسين و مئتين (1)و له يومئذ احدى و اربعون سنة و اشهر،و كانت مدة امامته ثلاثا و ثلاثين سنة و اشهرا، و كان ايام امامته بقية ملك المعتصم ثم ملك الواثق ثم ملك المتوكل ثم ملك المنتصر ثم ملك المستعين ثم ملك المعتز،و دفن في داره بسر من رأى، و خرج ابو محمد(عليه السلام)في جنازته و قميصه مشقوق و صلى عليه و دفنه.

و قال المسعودي:و كانت وفاة ابي الحسن(عليه السلام)في خلافة المعتز باللّه و ذلك في يوم الاثنين لاربع بقين من جمادى الآخرة سنة 254 و هو (2)ابن اربعين سنة و قيل ابن اثنتين و اربعين و قيل اكثر من ذلك،و سمع في جنازته جارية،تقول:ماذا لقينا في يوم الاثنين قديما و حديثا،و صلى عليه احمد بن المتوكل على اللّه في شارع ابي احمد في داره بسامراء،و دفن هناك.انتهى.

اقول:اشارت الجارية بهذه الكلمة الى يوم وفاة النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و جلافة (3)المنافقين الطغام (4)و البيعة التي عم شؤمها الإسلام، و اخذت الجارية هذه عن عقيلة الهاشميين زينب بنت امير المؤمنين،(عليهما السلام)،في ندبتها على الحسين(عليه السلام):بأبي من اضحى عسكره يوم الاثنين نهبا.

ص: 247


1- و قيل 26 من جمادى الآخر.و قيل ثاني الرجب،و قيل خامسه.و قيل ثالث عشره.
2- و هذا مختاره في اثبات الوصية.
3- مصدر جلف الرجل:كان جلفا اي جافيا غليظا.
4- بفتح الطاء(للواحد و الجمع):اوباش الناس و رذالهم.

و قال في اثبات الوصية:حدثنا جماعة كل واحد منهم يحكي،انه دخل الدار،اي دار ابي الحسن(عليه السلام)،يوم وفاته و قد اجتمع فيها جل بني هاشم من الطالبيين و العباسيين و اجتمع خلق من الشيعة و لم يكن ظهر عندهم،امر ابي محمد(عليه السلام)،و لا عرف خبره الا الثقات الذين نص ابو الحسن(عليه السلام)عندهم عليه،فحكوا انهم كانوا في مصيبة و حيرة،فهم في ذلك اذ خرج من الدار الداخلة خادم فصاح بخادم آخر يا رياش خذ هذه الرقعة و امض بها الى دار امير المؤمنين،و ادفعها الى فلان، و قل له:هذه رقعة الحسن بن علي،فاستشرف الناس لذلك،ثم فتح من صدر الرواق باب و خرج خادم اسود،ثم خرج بعده ابو محمد(عليه السلام)حاسرا مكشوف الرأس مشقوق الثياب و عليه مبطنة ملحم (1)بيضاء و كان وجهه وجه ابيه(عليه السلام)لا يخطيء (2)منه شيئا و كان في الدار اولاد المتوكل و بعضهم ولاة العهد فلم يبق احد الا قام على رجله،و وثب اليه ابو احمد الموفق،فقصده ابو محمد(عليه السلام)فعانقه ثم قال له:

مرحبا بابن العم و جلس بين بابي الرواق و الناس كلهم بين يديه،و كانت الدار كالسوق بالاحاديث،فلما خرج و جلس امسك الناس فما كنا نسمع شيئا الا العطسة و السعلة و خرجت جارية تندب ابا الحسن(عليه السلام)فقال ابو محمد(عليه السلام)ما ها هنا من يكفي مؤنة هذه الجاهلة(الجارية- خ)،فبادر الشيعة اليها فدخلت الدار،ثم خرج خادم فوقف بحذاء ابي محمد فنهض صلّى اللّه عليه و أخرجت الجنازة و خرج يمشي حتى اخرج بها إلى الشارع الذي بازاء دار موسى بن بغا،و قد كان ابو محمد(عليه السلام)، صلى عليه،قبل ان يخرج الى الناس،و صلى عليه لما اخرج المعتمد،و دفن صلّى اللّه عليه في دار من دوره،الى ان قال:و تكلمت الشيعة في شق ثيابه (عليه السلام)و قال بعضهم رأيتم احدا من الأئمة شق ثوبه في مثل هذال.

ص: 248


1- ما كان له البطانة.
2- لا يخطيء ظ.اي لا يعدل.

الحال؟فوقع الي من قال ذلك:يا احمق ما يدريك ما هذا،قد شق موسى على هارون(عليهما السّلام).انتهى.

و روى عنه(عليه السلام)قال هذا الدعاء كثيرا ما ادعو اللّه به و قد سألت اللّه عز و جل ان لا يخيب من دعا به في مشهدي بعدي و هو:

(يا عدتي عند العدد(بضم العين)و يا رجائي و المعتمد و يا كهفي و السند و يا واحدا يا احد و يا قل هو اللّه احد،اسألك اللهم بحق من خلقته من خلقك،و لم تجعل في خلقك مثلهم احدا،صلّ على جماعتهم و افعل بي كذا و كذا.

ص: 249

النور الثالث عشر: امام حسن عسکری علیه السلام

اشارة

الإمام الحادي عشر و سبط سيد البشر و والد

الخلف المنتظر السيد الرضي الزكي ابو محمد

الحسن بن علي العسكري(صلوات اللّه عليه)

و على آبائه الكرام و خلفه خاتم الأئمة الاعلام ولد(عليه السلام)بالمدينة الطيبة يوم العاشر او الثامن من شهر ربيع الآخر و قيل في رابعه سنة 232 اثنتين و ثلاثين و مئتين (1).

قال شيخنا الحر العاملي في تاريخه:

مولده شهر ربيع الآخر *** و ذاك في اليوم الشريف العاشر

في يوم الاثنين و قيل الرابع *** و قيل في الثامن و هو شائع

امه(عليه السلام)تسمى حديث (2)او سليل،و يقال لها الجدة، و كانت من العارفات الصالحات،و كفى في فضلها انها كانت مفزع الشيعة بعد وفاة ابي محمد(عليه السلام)،روى الشيخ الصدوق عن احمد بن ابراهيم قال:دخلت على حكيمة بنت محمد بن علي الرضا اخت ابي الحسن صاحب العسكر(عليهم السّلام)في سنة اثنتين و ستين و مئتين فكلمتها من وراء حجاب و سألتها عن دينها فسمت لي من تأتم بهم،ثم قالت:

و الحجة بن الحسن(عليه السلام)،فسمته الى ان قال:فقلت لها:اين

ص: 250


1- و قيل في عاشر رمضان،و قيل في عام ولادته انه سنة 231 ه.
2- مصغرا(منه).

الولد؟يعني الحجة(عليه السلام)قالت مستور،فقلت:الى من تفرغ الشيعة؟فقالت الى الجدة ام ابي محمد(عليه السلام)،فقلت لها أقتدي بمن وصيّته الى امرأة؟قالت:اقتداء بالحسين بن علي،و الحسين بن علي (عليه السلام)،اوصى الى اخته زينب بنت علي(عليهما السّلام)،في الظاهر،و كان ما يخرج عن علي بن الحسين(عليه السلام)من علم ينسب الى زينب سترا على علي بن الحسين(عليه السلام).

قال القطب الراوندي:و اما الحسن بن علي العسكري(عليه السلام) فقد كانت اخلاقه كأخلاق رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،و كان رجلا اسمر،حسن القامة جميل الوجه،جيد البدن،حدث السن،له جلالة و هيبة و هيئة حسنة،يعظمه العامة و الخاصة اضطرارا،يعظمونه لفضله،و يقدمونه لعفافه و صيانته و زهده و عبادته و صلاحه و اصلاحه،و كان جليلا نبيلا فاضلا كريما يحمل الاثقال و لا يتضعضع (1)للنوائب،اخلاقه خارقة للعادة على طريقة واحدة.

فصل في ذكر طرف من اخبار ابي محمد(عليه السلام)

و مناقبه و آياته و معجزاته

و نبدأ بنبذ مما شاهده ابو هاشم الجعفري و رواه الطبرسي من كتاب ابن عياش و غيره من غيره:فمن ذلك،ما روى انه قال ابو هاشم دخلت على ابي محمد(عليه السلام)و انا اريد أن اسأله ما اصوغ به خاتما اتبرك به، فجلست و نسيت ما جئت له،فلما ودعته و نهضت رمى الي بخاتم،فقال:

اردت فضة فاعطيناك خاتما و ربحت الفص و الكرا،هنأك اللّه يا أبا هاشم، فتعجبت من ذلك فقلت يا سيدي إنك وليّ اللّه و امامي الذي ادين اللّه بفضله

ص: 251


1- اي لا يخضع للحوادث و المصائب.

و طاعته،فقال غفر اللّه لك يا ابا هاشم.و عنه ايضا قال شكوت الى ابي محمد(عليه السلام)ضيق الحبس و ثقل القيد فكتب اليّ تصلي الظهر اليوم في منزلك،فاخرجت في وقت الظهر و صليت في منزلي كما قال(عليه السلام)،و قال:كنت مضيقا فاردت ان اطلب منه دنانير في كتابي، فاستحييت فلما صرت الى منزلي وجه اليّ مئة دينار و كتب الي اذا كانت لك حاجة فلا تستحيي و لا تحتشم (1)و اطلبها فانك ترى ما تحب،قال:و كان ابو هاشم حبس مع ابي محمد(عليه السلام)،كان المعتز(المعتمد ظ) حبسهما مع عدة من الطالبيين في سنة ثمان و خمسين و مئتين،و روي عنه قال:

كنت في الحبس مع جماعة فحبس ابو محمد(عليه السلام)و اخوه جعفر، قال:و كان الحسن(عليه السلام)يصوم فاذا أفطر أكلنا معه من طعام كان يحمله غلامه اليه في جونة مختومة و كنت اصوم معه،فلما كان ذات يوم ضعفت فافطرت في بيت آخر على كعكة و ما شعر بي و اللّه احد،ثم جئت فجلست معه،فقال لغلامه اطعم ابا هاشم شيئا فانه مفطر فتبسمت، فقال:ما يضحكك يا ابا هاشم؟اذا اردت القوة فكل اللحم فان الكعك لا قوة فيه،فقلت صدق اللّه و رسوله و انتم عليكم السلام،فأكلت،فقال لي:افطر ثلاثا فان المنة (2)لا ترجع لمن انهكه (3)الصوم في اقل من ثلاث.

و عنه قال:سأل الفهفكي ابا محمد(عليه السلام)ما بال المرأة المسكينة تأخذ سهما واحدا و يأخذ الرجل سهمين؟فقال ان المرأة ليس عليها جهاد و لا نفقة و لا معقلة (4)انما ذلك على الرجال،قال ابو هاشم،فقلت في نفسي:

قد كان قيل لي ان ابن ابي العوجاء سأل ابا عبد اللّه(عليه السلام)عن هذه المسألة فأجابه بمثل هذا الجواب،فأقبل ابو محمد(عليه السلام)فقال:).

ص: 252


1- الاحتشام:الانقباض و الاستحياء.
2- المنة بالضم:القوة(منه).
3- اي أضناه و اجهده.
4- معقلة،بضم القاف:الدية(منه).

نعم هذه مسألة ابن ابي العوجاء و الجواب منها واحد،اذا كان معنى المسألة واحد اجرى لآخرنا ما جرى لأولنا،و أولنا و آخرنا في العلم و الامر سواء، و لرسول اللّه و امير المؤمنين(صلوات اللّه عليهما و آلهما)فضلهما.

و عنه(رضي اللّه عنه)قال:سمعت ابا محمد(عليه السلام)يقول:

من الذنوب التي لا يغفر قول الرجل ليتني لا اؤخذ الا بهذا،فقلت في نفسي ان هذا لهو الدقيق،و ينبغي للرجل ان يتفقد من نفسه كل شيء، فأقبل عليّ ابو محمد(عليه السلام)فقال:صدقت يا ابا هاشم الزم ما حدثتك به نفسك،فان الاشراك في الناس اخفى من دبيب الذر (1)على الصفا (2)في الليلة الظلماء و من دبيب الذر على المسح (3)الاسود.

اقول:يعبر عن هذا القسم من الذنوب بالمحقرات،قال ابو عبد اللّه (عليه السلام):ان رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)نزل بارض قرعاء فقال لاصحابه ائتونا بحطب،فقالوا يا رسول اللّه نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب،قال فليأت كل انسان بما قدر عليه،فجاءوا به حتى رموا بين يديه بعضه على بعض،قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم) هكذا تجتمع الذنوب،ثم قال إياكم و المحقرات من الذنوب،فان لكل شيء طالبا و ان طالبها يكتب ما قدموا و آثارهم و كل شيء احصيناه في امام مبين.

و حكي عن توبة بن الصمة انه كان محاسبا لنفسه في اكثر اوقات ليله و نهاره،فحسب يوما ما مضى من عمره فاذا هو ستون سنة فحسب ايامها فكانت احد و عشرين الف يوم و خمسمئة يوم،فقال يا ويلتي القى كذا ما لك باحد و عشرين الف ذنب،ثم صعق صعقة كانت فيها نفسه.ر.

ص: 253


1- الذر:صغار النمل.
2- الصفا:الحجر الصلب الملس.
3- اي البلاس او الكساء من شعر.

و عنه قال:سمعت ابا محمد(عليه السلام)يقول ان في الجنة لبابا يقال له المعروف لا يدخله الا اهل المعروف فحمدت اللّه في نفسي و فرحت مما اتكلفه من حوائج الناس فنظر الي ابو محمد(عليه السلام)و قال:نعم فدم على ما انت عليه،و ان اهل المعروف في الدنيا هم اهل المعروف في الآخرة، جعلك اللّه منهم يا ابا هاشم و رحمك.

و عن ابي هاشم ايضا انه ركب ابو محمد(عليه السلام)يوما الى الصحراء فركبت معه فبينما يسير قدامي و انا خلفه اذ عرض لي فكر في دين كان عليّ قد حان أجله،فجعلت افكر في أيّ وجه قضاؤه فالتفت الي و قال:

اللّه يقيضه،ثم انحنى على قربوس سرجه فخط بسوطه خطة في الأرض فقال يا ابا هاشم انزل فخذ و اكتم،فنزلت فاذا سبيكة (1)ذهب،قال:

فوضعتها في خفي و سرنا،فعرض لي الفكر،فقلت:ان كان فيها تمام الدين و الا فاني ارضي صاحبه بها و نحب ان ننظر في وجه نفقة الشتاء و ما تحتاج اليه فيه من كسوة و غيرها،فالتفت الي ثم انحنى ثانية فخط بسوطه مثل الاولى، ثم قال:انزل و خذ و اكتم،قال فنزلت فاذا بسبيكة فجعلتها في الخف الاخر و سرنا يسيرا ثم انصرف الى منزله و انصرفت الى منزلي فجلست و حسبت ذلك الدين و عرفت مبلغه،ثم وزنت سبيكة الذهب،فخرج بقسط ذلك الدين ما زادت و لا نقصت،ثم نظرت ما نحتاج اليه لشتوتي من كل وجه فعرفت مبلغه الذي لم يكن بد منه،على الاقتصاد بلا تقتير (2)و لا اسراف ثم وزنت سبيكة الفضة،فخرجت على ما قدرته ما زادت و لا نقصنت.

و عنه(رضي اللّه عنه)قال دخلت على ابي محمد(عليه السلام)و كان يكتب كتابا فحان وقت الصلاة الأولى فوضع الكتاب من يده و قام الى الصلاة فرأيت القلم يمر على باقي القرطاس من الكتاب و يكتب حتى انتهى.إلىة.

ص: 254


1- السبيكة:القطعة من الفضة او الذهب ذوبت و افرغت في قالب.
2- التقتير:ضد الاسراف و هو المماكسة في المعيشة.

آخره،فخررت ساجدا،فلما انصرف من الصلاة اخذ القلم بيده و اذن للناس.

اقول:هذا قليل من كثير ما شاهده ابو هاشم من آياته و دلائله فقد روى عنه،رحمه اللّه،قال:ما دخلت على ابي الحسن و ابي محمد(عليهما السلام)قط الا رأيت منهما دلالة و برهانا.

فصل في آيات ابي محمد الحسن العسكري(عليه السلام) و براهينه

قال القطب الراوندي في الخرايج حدث فطرس(بطريق خ د)رجل متطبب (1)و قد أتى عليه مئة سنة و نيف (2)فقال:كنت تلميذ بختيشوع (3)طبيب المتوكل و كان يصطفيني،فبعث اليه الحسن العسكري(عليه السلام)ان يبعث اليه بأخص اصحابه عنده،ليفصده،فاختارني و قال:قد طلب مني الحسن(عليه السلام)من يفصده فسر اليه و هو اعلم في يومنا هذا ممن هو تحت السماء فاحذر ان تتعرض عليه فيما يأمرك به فمضيت،اليه فامرني الى حجرة،و قال كن هاهنا الى ان اطلبك،قال:و كان الوقت الذي اتيت اليه فيه عندي جيدا محمودا للفصد،فدعاني في وقت غير محمود له فاحضر طستا كبيرا عظيما،ففصدت الاكحل،فلم يزل الدم يخرج حتى امتلأ الطست،ثم قال لي اقطع الدم فقطعته و غسل يده و شدها وردني الى الحجرة،و قدم لي من الطعام الحار و البارد شيئا كثيرا،و بقيت الى العصر ثم

ص: 255


1- متطبب ما على بناء الفاعل:التاء فيه للمبالغة.
2- نيف بالتشديد و التخفيف:كلما زاد عن العقد الثاني.مثلا يقال عشرة و نيف و مئة و نيف.
3- و هو من اشهر اطباء الدولة العباسية.استخدمه الرشيد و اشتهر بالدربة في صناعته،و قد استحضره الهادي قبل من جنديشابور لمعالجته و له حكاية مع الرشيد حين امتحنه.و له ولد يسمى بجبرائيل،فاق اقرانه.

دعاني و قال:سرح (1)و دعا بذلك الطست فسرحت و خرج الدم الى ان امتلأ الطست،فقال:اقطع فقطعت و شديده وردني الى الحجرة فبت فيها،فلما اصبحت و ظهرت الشمس دعاني و احضر ذلك الطست و قال:سرح، فسرحت و خرج من يده مثل اللبن الحليب (2)الى ان امتلأ الطست،ثم قال:اقطع فقطعت و شديده و تقدم اليّ بتخت ثياب و خمسين دينارا،و قال:

خذ هذا و اعذر و انصرف،فاخذت ذلك و قلت يأمرني السيد بخدمة؟قال نعم،بحسن صحبة من يصحبك من دير العاقول،فصرت الى بختيشوع فقلت له القصة،فقال اجمعت الحكماء على ان اكثر ما يكون في بدن الانسان سبعة امنان من الدم و هذا الذي حكيت لو خرج من عين ماء لكان عجبا، و اعجب ما فيه اللبن،ففكر ساعة ثم مكث ثلاثة أيام بلياليها يقرأ الكتب على ان يجد في هذه القصة ذكرا في العالم،فلم يجد،ثم قال:لم يبق اليوم في النصرانية اعلم بالطب من راهب بدير العاقول (3)فكتب اليه كتابا يذكر فيه ما جرى،فخرجت و ناديته فاشرف علي و قال:من انت؟قلت صاحب بختيشوع،قال معك كتابه؟قلت نعم،فأرخى اليّ زنبيلا فجعلت الكتاب فيه فرفعه و قرأ الكتاب،فنزل من ساعته،فقال:انت الرجل الذي فصدت؟قلت نعم،قال طوبى لأمك،و ركب بغلا.و مر في فيافي (4)سر من رأى،و قد بقي من الليل ثلثه،قلت:اين تحب دار استاذنا او دار الرجل؟فقال دار الرجل فصرنا الى بابه قبل الأذان ففتح الباب،فخرج الينا خادم اسود،و قال:ايكما صاحب دير العاقول؟فقال الراهب:انا، جعلت فداك،فقال انزل،و قال لي،الخادم:احفظ البغلين،و اخذ بيدهي.

ص: 256


1- يقال سرح اذا اجراء جريا سهلا.
2- الحليب:اللبن المحلوب،يقال حلب الشاة:اذا اخرج ما في ضرعها من اللبن.
3- دير العاقول بين مداين كسرى و النعمانية:موضع بين واسط و بغداد(منه)اقول و لزيادة الايضاح،انظر مراصد الاطلاع.
4- جمع فيفاء و هي المفازة لا ماء فيها او المكان المستوي.

و دخلا،فأقمت الى أن اصبحنا و ارتفع النهار،ثم خرج الراهب و قد رمى ثياب الرهابين(بثياب الرهبانية خ د)و لبس ثيابا بيضاء و قد اسلم،و قال خذ بي الآن الى دار استاذك،فسرنا الى باب بختيشوع،و لما رآه بادر يعدو اليه،ثم قال:ما الذي ازالك عن دينك؟قال وجدت المسيح فأسلمت على يده،قال:وجدت المسيح؟فقال:نعم او نظيره فان هذه الفصدة لم يفعلها في العالم الا المسيح و هذا نظيره في آياته و براهينه،ثم عاد الى الإمام (عليه السلام)و لزم خدمته الى ان مات.

و روى انه وقع ابو محمد(عليه السلام)و هو صغير في بئر الماء و ابو الحسن(عليه السلام)في الصلاة و النسوان يصرخن،فلما سلم قال:لا بأس،فرأوه و قد ارتفع الماء الى رأس البئر و ابو محمد(عليه السلام)على رأس الماء يلعب بالماء.

و عن محمد بن(احمد خ د)الاقرع قال كتبت الى ابي محمد(عليه السلام)اسأله عن الإمام هل يحتلم؟و قلت في نفسي بعد ما فصل الكتاب:الاحتلام شيطنة و قد أعاذ اللّه اولياءه من ذلك،فورد الجواب حال الائمة في النوم،حالهم في اليقظة،لا يغير النوم منهم شيئا،و قد أعاذ اللّه اولياءه من لمة (1)الشيطان،كما حدثتك نفسك.

و عن عيسى بن صبيح قال دخل الحسن العسكري(عليه السلام)علينا الحبس و كنت به عارفا و قال:لك خمس و ستون سنة،و اشهرا و يوما،و كان معي كتاب دعاء و عليه تاريخ مولدي و إنني نظرت فيه،فكان كما قال(عليه السلام)،و قال:هل رزقت من مولد(ولد ظ)قلت لا،قال اللهم).

ص: 257


1- اي المس(منه).

ارزقه ولدا يكون له عضدا،فنعم العضد الولد،ثم تمثل(عليه السلام).

من كان ذا ولد يدرك ظلامته *** ان الذليل الذي ليست له عضد

قلت الك ولد؟قال اي و اللّه،سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطا و عدلا فأما الآن فلا،ثم تمثل:

لعلك يوما أن تراني كأنّما *** بنيّ حواليّ الاسود اللوابد (1)

فان تميما قبل ان يلد الحصى (2)*** اقام زمانا و هو في الناس واحد

المفيد عن ابن قولويه،عن الكليني،عن محمد بن يحيى،عن احمد بن اسحاق،عن ابي هاشم الجعفري،قال:قلت لابي محمد الحسن بن علي(عليه السلام)جلالتك تمنعني من مسألتك،افتأذن لي أن أسألك؟فقال سل،فقلت يا سيدي هل لك ولد؟قال نعم؟فقلت ان حدث حادث فأين اسأل عنه؟قال بالمدينة.

الشيخ الكليني،عن علي بن محمد،عن محمد بن ابراهيم المعروف بابن الكردي،عن محمد بن علي بن ابراهيم بن موسى بن جعفر(عليه السلام)،قال:ضاق بنا الأمر فقال لي ابي:امض بنا حتى نصير الى هذا الرجل يعني ابا محمد(عليه السلام)فإنه قد وصف عنه سماحة (3)فقلت:

تعرفه؟قال:ما اعرفه و لا رأيته قط،قال فقصدناه،فقال لي ابي،و هو فيد.

ص: 258


1- اللبدة،بالكسر:الشعر المتراكب بين كتفيه(منه).
2- اي العدد الكثير(منه).
3- السماحة:الجود.

طريقه:ما أحوجنا الى ان يأمر لنا بخمسمئة درهم مئتا درهم للدين(للدقيق.

خ د)و مئة للنفقة،فقلت في نفسي ليته امر لي بثلاثمئة درهم مئة اشتري بها حمارا و مئة للنفقة و مئة للكسوة و اخرج الى الجبل،قال فلما وافينا الباب خرج الينا غلامه،فقال:يدخل علي بن ابراهيم و محمد ابنه،فلما دخلنا عليه و سلمنا قال:لأبي يا علي ما خلّفك عنا الى هذا الوقت فقال:يا سيدي استحييت ان القاك على هذه الحال،فلما خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول ابي صرة فقال هذه خمسمئة درهم،مئتان للكسوة و مئتان للدين(للدقيق.خ د) و مئة للنفقة،و أعطاني صرة فقال هذه ثلاثمئة درهم اجعل مئة في ثمن حمار،و مئة للكسوة،و مئة للنفقة،و لا تخرج الى الجبل و صر الى سوراء (1)فصار الى سوراء و تزوج بإمرأة فدخله اليوم الف دينار (2)و مع هذا يقول بالوقف،فقال محمد بن ابراهيم،فقلت له:ويحك اتريد امرا هو أبين من هذا؟قال:فقال هذا امر (3)قد جرينا عليه.

و عن ابي حمزة نصير الخادم قال:سمعت ابا محمد(عليه السلام)غير مرة يكلم غلمانه بلغاتهم،ترك و روم و صقالبة،فتعجبت من ذلك و قلت:

هذا ولد بالمدينة و لم يظهر لأحد حتى مضى ابو الحسن(عليه السلام)و لا رآه احد،فكيف احدث نفسي بذلك؟فأقبل عليّ فقال:ان اللّه تبارك و تعالى بيّن حجته من سائر خلقه لكل شيء و يعطيه اللغات و معرفة الانساب و الآجال و الحوادث،و لو لا ذلك لم يكن بين الحجة و المحجوج فرق.

و عن اسماعيل بن محمد بن علي بن اسماعيل بن علي بن عبد اللّه بن العباس بن عبد المطلب قال:قعدت لأبي محمد(عليه السلام)على ظهر الطريق فلما مر بي شكوت اليه الحاجة،و حلفت له انه ليس عندي درهم،.-

ص: 259


1- سوراء بضم السين و المد و يروى بالقصر:موضع الى جنب بغداد و قيل سوراء موضع بالجزيرة،و الجبل:كورة بحمص.
2- اربعة آلاف في الأرشاد(منه).
3- هذا هو التقليد الذي ذمه اللّه عز و جل في شريف كتابه فقال حكاية عن الكفار انا وجدنا آباءنا على امة و انا على آثارهم مقتدون(منه).-

فما فوقه و لا عشاء،قال فقال:تحلف باللّه كاذبا و قد دفنت مئتي دينار.و ليس قولي هذا دفعا لك عن العطية،اعطه يا غلام ما معك، فاعطاني غلامه مئة دينار،ثم أقبل عليّ فقال لي:إنك تحرمها احوج ما تكون اليها يعني الدنانير،التي دفنت،و صدق(عليه السلام)و كان كما قال،دفنت مئتي دينار و قلت:تكون،ظهرا و كهفا لنا،فاضطررت ضرورة شديدة الى شيء انفقه و انغلقت عليّ ابواب الرزق،فنبشت عنها فاذا ابن لي قد عرف موضعها فأخذها و هرب،فما قدرت منها على شيء.

و روى عن احمد بن اسحاق قال:قلت لأبي محمد(عليه السلام) جعلت فداك اني مغتم بشيء يصيبني في نفسي و قد أردت أن أسأل اباك فلم يقض لي ذلك،فقال و ما هو يا احمد؟فقلت يا سيدي روي لنا عن آبائك (عليهم السّلام)،ان نوم الانبياء على اقفيتهم و نوم المؤمنين على ايمانهم و نوم المنافقين على شمائلهم،و نوم الشياطين على وجوههم،فقال(عليه السلام):كذلك هو،فقلت يا سيدي:فإني اجهد ان أنام على يميني فما يمكنني و لا يأخذني النوم عليها،فسكت ساعة،ثم قال:يا احمد أدن مني،فدنوت منه،فقال:ادخل يدك تحت ثيابك فادخلتها فأخرج يده من تحت ثيابه و ادخلها تحت ثيابي،فمسح بيده اليمني على جانبي الايسر و بيده اليسرى على جانبي الايمن ثلاث مرات،قال احمد:فما اقدر ان انام على يساري منذ فعل ذلك بي(عليه السلام)و ما يأخذني نوم عليها اصلا.

روي الشيخ المفيد و غيره،أنه دخل العباسيون على صالح بن وصيف عند ما حبس ابو محمد(عليه السلام)،فقالوا له ضيق عليه و لا توسع، فقال لهم صالح ما أصنع به و قد وكلت به رجلين،شر من قدرت عليه، (علي بن بارمش و افنامش خ د)فقد صارا من العبادة و الصلاة و الصيام على أمر عظيم،ثم أمر باحضار الموكلين،فقال لهما:و يحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل؟فقالا:ما نقول في رجل يصوم النهار و يقوم الليل كله،لا

ص: 260

يتكلم و لا يتشاغل بغير العبادة،فاذا نظر الينا ارتعدت فرائصنا (1)و داخلنا ما لا نملكه من انفسنا،فلما سمع ذلك العباسيون انصرفوا خاسئين (2).

اقول:يظهر من الروايات انه(عليه السلام)كان أكثر أوقاته محبوسا و ممنوعا من المعاشرة و كان مشغولا بالعبادة للّه عز و جل،فروي انه لما حبسه المعتمد في يدي علي بن حزين و حبس جعفر اخاه معه،كان المعتمد يسأل عليا عن اخباره في كل وقت،فيخبره انه يصوم النهار و يصلي الليل،و في بعض الأدعية اشير اليه بهذه العبارة:و بحق النقي و السجاد الاصغر، و ببكائه ليلة المقام بالسهر.

و عن السيد بن طاوس قال:إعلم أن مولانا الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)كان قد أراد قتله الثلاثة ملوك الذين كانوا في زمانه حيث بلغهم ان مولانا المهدي(عليه السلام)يكون من ظهره(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)و حبسوه عدة دفعات فدعا على من دعا عليه منهم،فهلك في سريع من الأوقات.

و روي انه(عليه السلام)سلم الى نحرير،و كان يطبق عليه و يؤذيه فقالت له امرأته:اتق اللّه فانك لا تدري من في منزلك،و ذكرت له صلاحه و عبادته و قالت له:إني اخاف عليك منه،فقال:و اللّه لأرمينه بين السباع، ثم استأذن في ذلك،فاذن له،فرمى به اليها و لم يشكوا في اكلها له، فنظروا الى الموضع ليعرفوا الحال،فوجدوه(عليه السلام)قائما يصلي، و هي حوله فأمر بإخراجه الى داره.

اقول:و الى هذه الدلالة الباهرة اشير في التوسل به(عليه السلام)في الساعة الحادية عشر:(و بالامام الحسن بن علي(عليه السلام)الذي طرح للسباع فخلصته من مرابضها (3)و امتحن بالدواب الصعاب فذللت لهض.

ص: 261


1- جمع فريصة و هي اللحمة بين الجنب و الكتف او بين الثدي و الكتف ترتعد عند الفزع.
2- اي متركين مطرودين.
3- جمع مربض كمسجد:موضع ربض للدواب،يقال ربضت الدابة اذا بركت،و البروك هو ان يلصق صدره بالأرض.

مراكبها)،و في الفقرة الثانية اشارة إلى ما شاع و ذاع من انه كان للخليفة المستعين باللّه بغل صعب شموس (1)لا يقدر أحد على إلجامه و لا إسراجه و لا على ركوبه،فجاء ابو محمد(عليه السلام)يوما الى رؤية الخليفة فقال له التمس منك يا ابا محمد إلجام هذا البغل و إسراجه،و كان غرضه اما يذلل البغل و يركبه او يقتله البغل،فقام(عليه السلام)و وضع يده على كفل البغل فعرق،حتى سال العرق منه،و صار في غاية التذلل له،فاسرجه و الجمه ثم ركبه و اركضه (2)في الدار فتعجب الخليفة من ذلك و وهبه له(عليه السلام).

المناقب،ابو القاسم الكوفي في كتاب التبديل:أن اسحاق الكندي كان فيلسوف العراق في زمانه اخذ في تأليف تناقض القرآن و شغل نفسه بذلك، و تفرد به في منزله،و ان بعض تلامذته دخل يوما على الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)،فقال له ابو محمد(عليه السلام)أما فيكم رجل رشيد يردع استاذكم الكندي عما اخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟فقال التلميذ نحن من تلامذته،كيف يجوز منا الاعتراض عليه في هذا،او في غيره؟ فقال له ابو محمد(عليه السلام):اتؤدي اليه ما القيه اليك؟قال نعم، قال:فسر اليه و تلطف في مؤانسته و معونته على ما هو بسبيله،فاذا وقعت الأنسة في ذلك فقل قد حضرتني مسألة اسألك عنها فإنه يستدعي ذلك منك فقل له:ان أتاك هذا المتكلم بهذا القرآن هل يجوز ان يكون مراده بما تكلم منه غير المعاني التي قد ظننتها أنك ذهبت اليها،فسيقول انه من الجائز لأنه رجل يفهم اذا سمع،فاذا أوجب ذلك فقل له:فما يدريك لعله قد أراد غير الذي ذهبت انت فيه فتكون واضعا لغير معانيه،فصار الرجل الى الكندي و تلطف الى ان القى عليه هذه المسألة،فقال له اعد علي فأعاد عليه،فتفكر في نفسه،و رأى ذلك محتملا في اللغة،و سائغا في النظر، فقال اقسمت عليك الا اخبرتني من اين لك؟فقال انه شيء عرض بقلبيو.

ص: 262


1- الشموس بفتح الشين:الدابة التي لا تمكن ابدا من ركوبها.
2- ركضه برجليه:استحثه للعدو.

فاوردته عليك،فقال كلا،ما مثلك من اهتدى الى هذا و لا من بلغ هذه المنزلة،فعرفني من أين لك هذا؟فقال أمرني به ابو محمد(عليه السلام)،فقال:الآن جئت به و ما كان ليخرج مثل هذا الا من ذلك البيت،ثم انه دعا بالنار و احرق جميع ما ألفه،و الروايات في هذه كثيرة، و فيما اثبتناه منها كفاية فيما نحوناه (1)ان شاء اللّه تعالى.

فصل في ذكر بعض كلامه(عليه السلام)

قال:لا تمار (2)فيذهب بهاؤك،و لا تمازح فيجتريء عليك.و قال:

من التواضع السلام على كل من تمر به و الجلوس دون شرف المجلس.

و قال:من الجهل الضحك من غير عجب.و قال:أورع الناس من وقف عند الشبهة،اعبد الناس من اقام على الفرائض،ازهد الناس من ترك الحرام اشد الناس اجتهادا من ترك الذنوب.و قال:المؤمن بركة على المؤمن و حجة على الكافر.و قال:اذا نشطت القلوب فأودعوها و اذا نفرت فودعوها (3).و قال:قلب الاحمق في فمه و فم الحكيم في قلبه.و قال:لا يشغلك رزق مضمون عن عمل مفروض.و قال:ليس من الأدب اظهار الفرح عند المحزون.و قال:رياضة الجاهل ورد المعتاد عن عادته كالمعجز.

و قال:التواضع نعمة لا يحسد عليها.و قال:لا تكرم الرجل بما يشق عليه.و قال:من وعظ اخاه سرا فقد زانه،و من وعظه علانية فقد شانه.

و قال:ما اقبح بالمؤمن تكون له رغبة تذله.و قال:لو عقل اهل الدنيا خربت.و قال:ان للجود مقدارا فاذا زاد عليه فهو سرف،و للحزم مقدارا

ص: 263


1- اي قصدناه.
2- من المراء و هو الجدال و النزاع.
3- يقول اذا كانت القلوب ذات نشاط فاصرفوها في طلب العلم و اقبلوا بها الى العبادة و اذا كانت غير نشيطة و ذات كدورة فدعوها و ذروها و لا تتكلفوا التعلم و العبادة.

فاذا زاد عليه فهو جبن،و للاقتصاد مقدارا فاذا زاد عليه فهو بخل، و للشجاعة مقدارا فاذا زاد عليه فهو تهور،كفاك ادبا لنفسك تجنبك ما تكره من غيرك.و قال:حسن الصورة جمال ظاهر،و حسن العقل جمال باطن.

و قال:من أنس باللّه استوحش من الناس.و قال:من أكثر المنام رأى الاحلام،يعني ان طالب الدنيا كالنائم و ما يظفر به كالحلم.و قال:جعلت الخبائث في بيت و الكذب مفاتيحها.و قال:من كان الورع سجيته و الكرم طبيعته و الحلم خلته كثر صديقه و الثناء عليه و انتصر من اعدائه بحسن الثناء عليه.و قال:ان الوصول الى اللّه عز و جل سفر لا يدرك الا بامتطاء (1)الليل،من لم يحسن ان يمنع لم يحسن ان يعطي.

و كتب(عليه السلام)الى الشيخ الجليل،عليّ بن الحسين بن بابويه القمي المدفون بقم(رحمه اللّه)بسم اللّه الرحمن الرحيم،الحمد للّه رب العالمين و العاقبة للمتقين و الجنة للموحدين،و النار للملحدين،و لا عدوان الا على الظالمين،و لا إله الا اللّه احسن الخالقين،و الصلاة على خير خلقه محمد و عترته الطاهرين،اما بعد،اوصيك يا شيخي و معتمدي و فقيهي (خ)ابا الحسن علي بن الحسين القمي،وفقك اللّه لمرضاته،و جعل من صلبك اولادا صالحين برحمته،بتقوى اللّه،و إقام الصلاة،و ايتاء الزكاة،فإنه لا تقبل الصلاة من مانع(مانعي خ د)الزكاة،و اوصيك بمغفرة الذنب،و كظم الغيظ،و صلة الرحم،و مواساة الاخوان،و السعي في حوائجهم في العسر و اليسر،و الحلم عند الجهل،و التفقه في الدين، و التثبت في الامور،و التعاهد للقرآن،و حسن الخلق،و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر،قال اللّه تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النّاسِ (2) ،و اجتناب الفواحش كلها، و عليك بصلاة الليل،فان النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)اوصى عليّا (عليه السلام)فقال:يا علي عليك بصلاة الليل،عليك بصلاة الليل،ى.

ص: 264


1- اي بركوب الليل و جعلها مطية لسفره الى اللّه تعالى.
2- سوره 4 - آیه 114

و من استخف بصلاة الليل فليس منا،فاعمل بوصيّتي و امر جميع شيعتي بما امرتك به حتى يعملوا عليه،و عليك بالصبر و انتظار الفرج،فإن النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)قال:افضل اعمال امتي انتظار الفرج،و لا تزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدي الذي بشّر به النبيّ(صلّى اللّه عليه و آله و سلم):انه يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا،فاصبر يا شيخي و معتمدي ابا الحسن،و أمر جميع شيعتي بالصبر، إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ،وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (1) ،و السلام عليك و على جميع شيعتنا و رحمة اللّه و بركاته،و حسبنا اللّه و نعم الوكيل نعم المولى و نعم النصير.

اقول:قد اكد(عليه السلام)التوصية بالصبر لما في الصبر من الفوائد و العوائد (2)،قال أبو جعفر(عليه السلام)الجنة محفوفة بالمكاره و الصبر، و قال الصادق(عليه السلام)اذا أدخل المؤمن قبره كانت الصلاة عن يمينه، و الزكاة عن يساره،و البرّمطل (3)عليه و يتنحى الصبر ناحية،فاذا دخل عليه الملكان اللذان يليان مساءلته قال:الصبر للصلاة و الزكاة و البر:دونكم صاحبكم،فان عجزتم عنه فأنا دونه،و عن امير المؤمنين(عليه السلام) قال:

اني وجدت و في الايام تجربة *** للصبر عاقبة محمودة الأثر

و قلّ من جد في امر يطالبه *** فاستصحب الصبر الا فاز بالظفر

حكي عن بعض التواريخ،انه سخط كسرى على بوذر جمهر،فحبسه في بيت مظلم و امر أن يصفد (4)بالحديد،فبقي اياما على تلك الحال، فأرسل اليه من يسأله عن حاله،فاذا هو منشرح الصدر،مطمئن النفس،ه.

ص: 265


1- سوره 7 - آیه 128
2- اقول المراد بالصبر هنا الصبر في انتظار الفرج بقرينة قوله قبل و عليك بالصبر و انتظار الفرج و ذكر الآية بعده.
3- اي مشرف عليه.
4- يصفد:اي يقيد و يوثق به.

فقالوا له أنت في هذه الحالة من الضيق و نراك ناعم (1)البال؟فقال اصطنعت ستة اخلاط،و عجنتها و استعملتها فهي التي ابقتني على ما ترون،فقالوا صف لنا هذه الأخلاط لعلنا ننتفع بها عند البلوى،فقال نعم،اما الخلط الأول:فالثقة باللّه عز و جل،و اما الثاني:فكل مقدّر كائن،و اما الثالث:

فالصبر خير ما استعمله الممتحن،و اما الرابع:فاذا لم اصبر فماذا اصنع؟ و لا اعين على نفسي بالجزع،و اما الخامس:فقد تكون اشد مما انا فيه، و اما السادس:فمن ساعة الى ساعة فرج،فبلغ ما قاله كسرى فاطلقه و اعزه.

فصل في وفاة و إقرار المخالف و المؤالف بفضل ابي محمد الحسن العسكري (عليه السلام)

قبض ابو محمد(عليه السلام)بسر من رأى يوم الجمعة ثامن شهر ربيع الأول (2)سنة ستين و مئتين في خلافة المعتمد،و هو ابن ثمان و عشرين سنة، و دفن في داره في البيت الذي دفن فيه ابوه(عليه السلام)بسر من رأى.

قال شيخنا الطبرسي ذهب كثير من اصحابنا الى انه مضى مسموما و كذلك ابوه وجده و جميع الأئمة،(عليهم السّلام)،خرجوا من الدنيا بالشهادة،و اسناده في ذلك،بما روي عن الصادق(عليه السلام)،ما منا الا مقتول او شهيد،و اللّه اعلم بحقيقة ذلك.

اقول:و روي عن ابي محمد الحسن بن امير المؤمنين(عليه السلام)انه قال عند وفاته لجنادة بن ابي امية:ما منا الا مسموم او مقتول.

ص: 266


1- اي مرفه الحال:طيب العيش و متسعه.
2- و قيل يوم الاحد.و قيل يوم الأربعاء،و على أي تقدير قيل انه توفي في غرة الربيع.و الاصح ما ذكره المصنف(رحمه اللّه).

و قال الكفعمي و غيره:سمه المعتمد.

روى الشيخ الصدوق عن ابيه و ابن الوليد معا،عن سعد بن عبد اللّه قال:حدثنا من حضر موت الحسن بن علي،بن محمد العسكري(عليهم السلام)،و دفنه ممن لا يوقف على احصاء عددهم و لا يجوز على مثلهم التعاطي بالكذب،و بعد،فقد حضرنا في شعبان سنة ثمان و سبعين و مئتين و ذلك بعد مضي ابي محمد الحسن بن علي العسكري(عليه السلام)بثمانية عشر سنة او اكثر مجلس احمد بن عبيد اللّه بن خاقان،و هو عامل السلطان يومئذ على الخراج و الضياع بكورة قم،و كان من أنصب خلق اللّه و اشدهم عداوة لهم،فجرى ذكر المقيمين من آل ابي طالب بسر من رأى و مذاهبهم و صلاحهم و اقدارهم عند السلطان،قال احمد بن عبيد اللّه ما رأيت و لا عرفت بسر من رأى رجلا من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا،(عليهم السّلام)،و لا سمعت به في هديه و سكونه و عفافه و نبله و كرمه عند اهل بيته،و السلطان و جميع بني هاشم،و تقديمهم اياه على ذوي السن منهم و الخطر،و كذلك القواد و الوزراء و الكتاب و عوام الناس،و إني كنت قائما ذات يوم على رأس ابي و هو يوم مجلسه للناس،اذ دخل عليه حجابه فقالوا له:ابن الرضا على الباب،فقال بصوت عال ائذنوا له، فدخل رجل اسمر،اعين،حسن القامة،جميل الوجه،جيد البدن، حدث السن،له جلالة و هيبة،فلما نظر اليه ابي قام فمشى اليه خطوات (خطى خ د)و لا اعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم،و لا بالقواد و لا بأولياء العهد،فلما دنا منه عانقه و قبل وجهه و منكبيه،و اخذ بيده و اجلسه على مصلاه الذي كان عليه،و جلس الى جنبه مقبلا عليه بوجهه،و جعل يكلمه و يكنيه و يفديه بنفسه و أبويه،و انا متعجب مما ارى منه،اذ دخل عليه الحجاب،فقالوا الموفّق قد جاء،و كان الموفّق (1)اذا جاء و دخل على ابي،

ص: 267


1- الموفق باللّه هو ابو احمد طلحة بن المتوكل اخو المعتمد على اللّه و ولي عهده و هو الذي الف باسمه زبير بن بكار الموفقيات و كان يخطب له بلقبين اللهم اصلح الأمير الناصر لدين اللّه ابا احمد طلحة الموفق باللّه ولي عهد المسلمين و اخا امير المؤمنين و لقب بالناصر حين فرغ من امر محمد بن علي صاحب الزنج(منه).

تقدم حجابه و خاصة قواده،فقاموا بين مجلس ابي،و بين باب الدار سماطين الى ان يدخل و يخرج،فلم يزل ابي مقبلا عليه يحدثه حتى نظر الى غلمان الخاصة،فقال(رحمه اللّه)اذا شئت فقم،جعلني اللّه فداك،أبا محمد، ثم قال لغلمانه خذوا به خلف السماطين لئلا يراه الامير،يعني الموفّق،و قام ابي فعانقه و قبل وجهه و مضى،فقلت لحجاب ابي و غلمانه ويلكم،من هذا الذي فعل به ابي،هذا الذي فعل؟فقالوا هذا رجل من العلوية يقال له الحسن بن علي،يعرف بابن الرضا،فازددت تعجبا،فلم أزل يومي ذلك قلقا متفكرا في أمره و أمر ابي و ما رأيت منه حتى كان الليل،و كانت عادته ان يصلّي العتمة (1)ثم يجلس فينظر فيما يحتاج من المؤامرات و ما يرفعه الى السلطان،فلما نظر و جلس جئت فجلست بين يديه،فقال يا احمد الك حاجة؟قلت نعم يا ابه،ان اذنت سألتك عنها،فقال قد اذنت لك يا بني،فقل ما احببت،فقلت:يا أبه من الرجل الذي رأيتك الغداة فعلت به ما فعلت،من الاجلال و الاكرام و التبجيل،و فديته بنفسك،و ابويك؟ فقال يا بني ذلك ابن الرضا،ذاك امام الرافضة،فسكت ساعة فقال:يا بني لو زالت الخلافة عن خلفاء بني العباس ما استحقها احد من بني هاشم غير هذا،فان هذا يستحقها في فضله و عفافه و هديه و صيانة نفسه و زهده و عبادته و جميل اخلاقه و صلاحه،و لو رأيت أباه،لرأيت رجلا جليلا نبيلا خيّرا فاضلا،فازددت قلقا و تفكّرا و غيظا على ابي مما سمعت منه فيه،و لم يكن لي همة بعد ذلك الا السؤال عن خبره،و البحث عن امره،فما سألت عنه احدا من بني هاشم و القواد و الكتاب و القضاة و الفقهاء و سائر الناس الا وجدته عندهم في غاية الاجلال و الاعظام و المحل الرفيع،و القول الجميل، و التقديم له،على اهل بيته و مشايخه و غيرهم،و كل يقول:هو امام الرافضة،فعظم قدره عندي،اذ لم أر له وليا و لا عدوا الا و هو يحسن القولة.

ص: 268


1- العتمة بفتح العين و التاء:صلاة العشاء الاخيرة.

فيه،و الثناء عليه فقال له بعض اهل المجلس من الاشعريين:يا ابا بكر:

فما حال اخيه جعفر؟فقال و من جعفر فيسأل عن خبره او يقرن به؟ان جعفر معلن بالفسق،ماجن (1)شريب (2)للخمور،اقلّ من رأيت من الرجال،و اهتكهم لستره،فدم خمار جبار،قليل في نفسه،خفيف و اللّه، لقد ورد على السلطان و اصحابه في وقت وفاة الحسن بن علي،(عليهما السلام)،ما تعجبت منه،و ما ظننت انه يكون،و ذلك انه لما اعتلّ بعث الى ابي ان ابن الرضا(عليه السلام)قد اعتل،فركب من ساعته مبادرا الى دار الخلافة ثم رجع مستعجلا و معه خمسة نفر من خدم امير المؤمنين كلهم من ثقاته و خاصته،فمنهم نحرير،و أمرهم بلزوم دار الحسن بن علي، (عليهما السّلام)،و تعرف خبره و حاله،و بعث الى نفر من المتطببين، فأمرهم بالاختلاف اليه،و تعاهده في صباح و مساء فلما كان بعد ذلك، بيومين جاءه من اخبره،انه قد ضعف،فركب حتى بكر اليه،ثم امر المتطببين بلزومه و بعث الى قاضي القضاة فاحضره مجلسه،و امره ان يختار من اصحابه عشرة ممن يوثق به في دينه و أمانته و ورعه،فاحضرهم فبعث بهم الى دار الحسن(عليه السلام)و أمرهم بلزومه ليلا و نهارا،فلم يزالوا هناك حتى توفي(عليه السلام)لأيام مضت من شهر ربيع الأول من سنة ستين و مئتين، فصارت سر من رأى ضجة واحدة،مات ابن الرضا،و بعث السلطان الى داره من يفتشها و يفتش حجرها،و ختم على جميع ما فيها،و طلبوا اثر ولده و جاءوا بنساء يعرفن بالحبل،فدخلن على جواريه،فنظر (3)اليهن،فذكر بعضهن ان هناك جارية بها حبل،فأمر بها فجعلت في حجرة،و وكّل بها نحرير الخادم و اصحابه،و نسوة معهم،ثم اخذوا بعد ذلك في تهيئته(عليه السلام)،و عطلت الاسواق،و ركب ابي و بنو هاشم و القواد و الكتاب و سائر).

ص: 269


1- الماجن:من قل حياؤه و كثر مزاحه.
2- الشريب.بفتح الأول و تخفيف الراء.او بكسر الاول و تشديد الراء:مبالغة شارب.
3- فنظرن.(ظ).

الناس الى جنازته(عليه السلام)،فكانت سر من رأى يومئذ شبيهة بالقيامة،فلما فرغوا من تهيئته بعث السلطان الى أبي عيسى المتوكل فأمره بالصلاة عليه،فلما وضعت الجنازة للصلاة دنا ابو عيسى منها فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلوية و العباسية و القواد و الكتاب و القضاة و الفقهاء و المعدلين و قال:هذا الحسن بن علي بن محمد بن الرضا(عليهم السلام)،مات حتف انفه،على فراشه،حضر من خدم أمير المؤمنين و تقاته فلان و فلان و من المتطببين،فلان و فلان و من القضاة فلان و فلان،ثم غطى وجهه،و قام،فصلى عليه و كبر عليه خمسا و أمر بحمله،و حمل من وسط داره و دفن في البيت الذي دفن فيه ابوه،(عليهما السّلام)،فلما دفن و تفرق الناس اضطرب السلطان و اصحابه في طلب ولده،و كثر التفتيش في المنازل و الدور،و توقفوا على قسمة ميراثه،و لم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهموا عليها الحبل ملازمين لها سنتين و أكثر حتى تبين لهم بطلان الحبل،فقسم ميراثه بين امه و اخيه جعفر،و ادعت امه وصيته،و ثبت ذلك عند القاضي،و السلطان على ذلك،يطلب اثر ولده،فجاء جعفر بعد قسمته الميراث الى ابي،و قال لي:اجعل لي مرتبة ابي و اخي و أوصل اليك في كل سنة عشرين الف دينار،فزبره (1)أبي و اسمعه (2)و قال له:يا احمق ان السلطان اعزه اللّه جرد سيفه و سوطه في الذين زعموا ان اباك و اخاك ائمة ليردهم عن ذلك،فلم يقدر عليه و لم يتهيأ له صرفهم عن هذا القول فيهما، و جهد ان يزيل اباك و اخاك عن تلك المرتبة،فلم يتهيأ له ذلك،فان كنت عند شيعة أبيك و أخيك إماما فلا حاجة بك الى سلطان،يرتبك مراتبهم، و لا غير سلطان،و إن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بها،و استقله عند ذلك و استضعفه،و أمر ان يحجب عنه فلم يأذن له بالدخول عليه حتى مات أبي،و خرجنا و الأمر على تلك الحال،و السلطان يطلب اثر ولد الحسن بن علي،(عليهما السّلام)،حتى اليوم.).

ص: 270


1- اي منعه و نهاه.
2- اي شتمه(منه).

وصل:روى الشيخ عن ابي سهل اسماعيل بن علي النوبختي قال:

دخلت على ابي محمد الحسن بن علي(عليه السلام)في المرضة التي مات فيها و انا عنده،اذ قال لخادمه عقيد،و كان الخادم اسود نوبيا قد خدم من قبله علي بن محمد و هو ربّى الحسن،(عليه السلام)فقال له:يا عقيد اغل لي ماء بمصطكى،فاغلى له،ثم جائت به صيقل الجارية ام الخلف(عليه السلام)،فلما صار القدح في يديه وهمّ بشربه جعلت يده ترتعد حتى ضرب القدح ثنايا الحسن(عليه السلام)،فتركه من يده،و قال لعقيد ادخل البيت فإنك ترى صبيا ساجدا فأتني به،قال ابو سهل قال عقيد:فدخلت اتحرى فاذا انا بصبي ساجد رافع سبابته نحو السماء، فسلمت عليه،فأوجز في صلاته،فقلت ان سيّدي يأمرك بالخروج اليه اذ جاءت امه صيقل،فاخذت بيده و اخرجته الى ابيه الحسن(عليه السلام)، قال ابو سهل فلما مشى الصبي بين يديه سلم،و اذا هو دري اللون،و في شعر رأسه قطط مفلج الاسنان فلما رآه الحسن(عليه السلام)بكى،و قال يا سيد أهل بيته،اسقني الماء فإني ذاهب الى ربّي،و أخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكي بيده،ثم حرك شفتيه ثم سقاه فلما شربه،قال:هيئوني للصلاة،فطرح في حجره منديل فوضاه الصبي واحدة واحدة،و مسح على رأسه و قدميه،فقال له ابو محمد(عليه السلام)ابشر يا بنيّ،فانت صاحب الزمان،و انت المهدي،و انت حجة اللّه على ارضه،و انت ولدي و وصيي، و انا ولدتك،و انت م ح م د بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب،(عليهم السلام)،ولدك رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،و انت خاتم الأئمة الطاهرين،و بشر بك رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)، و سماك و كناك بذلك،عهد الى أبي عن آبائك الطاهرين،(صلّى اللّه على اهل البيت)،ربنا انه حميد مجيد،و مات الحسن بن علي من وقته، (صلوات اللّه عليهم اجمعين)،انتهى.

ص: 271

و روي انه لما مات الحسن بن علي(عليه السلام)،حضر غسله عثمان بن سعيد(رضي اللّه عنه و أرضاه)،و تولى جميع أمره في تكفينه و تحنيطه و تقبيره،و قال الشيخ علي السدابادي في المقنع:ان الحسن بن علي نصّ على ولده الخلف الصالح(عليه السلام)،و جعل وكيله ابا محمد عثمان بن سعيد العمري الوسيط بينه و بين شيعته في حياته،فلما ادركته الوفاة امره فجمع شيعتهم و اخبرهم ان ولده الخلف صاحب الامر بعده،و ان ابا محمد عثمان بن سعيد العمري وكيله،و هو بابه و السفير بينه و بين شيعته،فمن كانت له حاجة قصده كما كان يقصده في حال حياته،و سلم اليه جواريه، فلما قبض(عليه السلام)تكلم اخوه جعفر،و ادعى الامامة لنفسه،و بذل للمعتمد بذلا اشاع ذكره،فقال له وزير المعتمد قد كان المتوكل و غيره يروم نسخ ناموس اخيك فلم يصح لهم،فاستمل انت شيعته بما تقدر عليه،فلما لم يبلغ غرضه سعى بجواري اخيه،و قال:في جملة الجواري جارية اذا ولدت ولدا يكون ذهاب دولتكم على يده فانفذ المعتمد الى عثمان بن سعيد و أمره ان ينقلهن الى دار القاضي،او بعض الشهود حتى يستبرئهن بالوضع،فسلمهن الى ذلك العدل،فأقمن عنده سنة،ثم ردهن الى عثمان بن سعيد،لأن الولد المطلوب كان قد ولد قبل ذلك بست سنين، و قيل بخمس،و قيل باربع،و اظهره ابو الحسن بخاصة شيعته،و أراهم شخصه،و عرفهم بأنه الذي يقصد اليه منه،فلما تسلم عثمان بن سعيد الجواري و فيهم ام صاحب الأمر(عليه السلام)نقلهن الى مدينة السلام، و كانت الشيعة تقصده من كل بلد:بقصص و حوائج،و كانت الاجوبة تخرج إليهم على يده.انتهى.

و روي عن ابي محمد(عليه السلام)انه قال يوما لأمه،تصيبني في سنة ستين و مئتين خرازة اخاف ان انكب منها نكبة فاظهرت الجزع،و اخذها البكاء،فقال لا بد من وقوع امر اللّه لا تجزعي،و في رواية انه امرها بالحج في سنة تسع و خمسين و مئتين و عرّفها ما يناله في سنة ستين،و خرجت ام ابي محمد(عليه السلام)الى مكة.

ص: 272

و روي عنه(عليه السلام)قال:في سنة مئتين و ستين تفترق شيعتي، ففيها قبض(عليه السلام)فتفرقت شيعته.

قال شيخنا المفيد(رحمه اللّه)و مرض ابو محمد(عليه السلام)في اول شهر ربيع الأول سنة ستين و مئتين،و مات في يوم الجمعة لثماني ليال خلون من هذا الشهر في السنة المذكورة،و له يوم وفاته ثمان و عشرون سنة و دفن في البيت الذي دفن فيه ابوه من دارهما بسر من رأى،و خلف ابنه المنتظر لدولة الحق،و كان قد أخفى مولده،و ستر أمره،لصعوبة الوقت و شدة طلب سلطان الزمان،و اجتهاده في البحث عن أمره،و لما شاع من مذهب الشيعة الإمامية فيه،و عرف من انتظارهم له،فلم يظهر ولده(عليه السلام) في حياته و لا عرفه الجمهور بعد وفاته،و تولى جعفر بن علي،اخو ابي محمد (عليه السلام)اخذ تركته،و سعى في حبس جواري ابي محمد(عليه السلام)و اعتقال (1)حلائله،و شنع على اصحابه بانتظارهم ولده،و قطعهم بوجوده،و القول بإمامته،و اغرى بالقوم حتى اخافهم و شردهم (2)و جرى على مخلفي ابي محمد(عليه السلام)بسبب ذلك كل عظيمة من اعتقال و حبس و تهديد و تصغير و استخفاف و ذل،و لم يظفر السلطان منهم بطائل (3)و حاز جعفر ظاهر تركة ابي محمد(عليه السلام)،و اجتهد في القيام عند الشيعة مقامه،و لم يقبل احد منهم ذلك،و لا اعتقده فيه،فصار الى سلطان الوقت يلتمس مرتبة اخيه و بذل مالا جليلا،و تقرب بكل ما ظن انه يتقرب به، فلم ينتفع بشيء من ذلك.انتهى.

و قال عثمان بن سعيد(قدس اللّه روحه)لعبد اللّه بن جعفر الحميري ان الأمر عند السلطان أن ابا محمد(عليه السلام)مضى و لم يخلف ولدا، و قسم ميراثه و اخذه من لا حق له،و صبر على ذلك و هو ذا عياله يجولون و ليس احد يجسر ان يتعرف اليهم او ينيلهم شيئا.ة.

ص: 273


1- اي حبسهن.
2- التشريد:التبعيد.
3- الطائل:المنفعة.

و في الدروس،و روى ابو هاشم الجعفري قال:قال لي ابو محمد الحسن بن علي(عليه السلام):قبري بسر من رأى أمان لأهل الجانبين، و قال المفيد(رحمه اللّه):يزاران من ظاهر الشباك،و منع من دخول الدار،و قال الشيخ ابو جعفر و هو الاحوط،لأنها ملك الغير فلا يجوز التصرف فيها الا بإذنه،قال و لو أن أحدا دخلها لم يكن مأثوما.و خاصة اذا تأول في ذلك،ما روي عنهم(عليهم السّلام)،انهم جعلوا شيعتهم في حل من ما لهم.

اقول:قال علي بن عيسى الاربلي(رحمه اللّه):حكى لي بعض الاصحاب ان الخليفة المستنصر مشى مرة الى سر من رأى و زار العسكريين (عليهما السّلام)،و خرج،فزار التربة التي دفن فيها الخلفاء من آبائه، و أهل بيته،و هم في قبة خربة يصيبها المطر و عليها ذرق (1)الطيور،و أنا رأيتها على هذه الحال،فقيل له انتم خلفاء الأرض و ملوك الدنيا و لكم الأمر في العالم و هذه قبور آبائكم بهذه الحال؟لا يزورها زائر و لا يخطر بها خاطر، و ليس فيها احد يميط (2)عنها الاذى،و قبور هؤلاء العلويين كما ترونها بالستور (3)و القناديل و الفروش و الزلالي و الفراشين و الشمع و البخور و غير ذلك،فقال هذا امر سماويّ لا يحصل باجتهادنا و لو حملنا الناس على ذلك ما قبلوه و لا فعلوا،و صدق،فان الاعتقادات لا تحصل بالقهر و لا يتمكن احد من الإكراه عليها.ه.

ص: 274


1- الذرق:السلح و هو فضلة المأكولات بعد الهضم.
2- اي يزيل الأوساخ.
3- جمع الستر(بكسر السين):ما يستر به.

النور الرابع عشر: امام زمان عج الله تعالی فرجه الشریف

اشارة

الإمام الثاني عشر،حجة اللّه على عباده و بقيته

في بلاده،الغائب عن الأبصار،و الحاضر في قلوب

الاخيار،

كاشف الاحزان،و خليفة الرحمان،الحجة بن الحسن صاحب الزمان،صلوات اللّه عليه و على آبائه ما توالت الازمان

صاحب العصر الإمام المنتظر ***من بما يأباه لا يجري القدر

حجة اللّه على كل البشر ***خير اهل الأرض في كل الخصال

شمس اوج المجد مصباح الظلام ***صفوة الرحمان من بين الانام

الإمام بن الإمام بن الإمام ***قطب افلاك المعالي و الكمال

فاق اهل الأرض في عز و جاه ***و ارتقى في المجد اعلى مرتقاه

لو ملوك الأرض حلوا في ذراه ***كان أعلى صفهم صف النعال

يا أمين اللّه يا شمس الهدى ***يا امام الخلق يا بحر الندى

عجلّن عجّل فقد طال المدى ***و اضمحل الدين و استولى الضلال

ولد(عليه السلام)بسر من رأى في ليلة النصف من شعبان سنة 255 ه خمس و خمسين و مئتين. (1)

امه(عليه السلام)مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم،و امها من ولد الحواريين،تنسب الى شمعون وصي المسيح(عليه السلام)،و لما أسرت،سمت نفسها نرجس،لئلا يعرفها الشيخ الذي وقعت اليه،و لما

ص: 275


1- و قيل في 13 شعبان،و قيل في 14 منه،و الاصح ما ذكره المصنف و به جزم الطبرسي و الكليني و غيرهما من الاعاظم.

اعتراه من النور و الجلاء بسبب الحمل المنوّر سميت صقيلا،(صيقلا.- ظ).

و اما كيفية الولادة فروي عن حكيمة بنت ابي جعفر الجواد(عليه السلام)قالت:بعث الي ابو محمد الحسن بن علي(عليه السلام)فقال:

يا عمة اجعلي افطارك الليلة عندنا فإنها ليلة النصف من شعبان،فان اللّه تبارك و تعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة،و هو حجته في ارضه،قالت فقلت له:و من امه؟قال لي:نرجس،قلت له و اللّه جعلني اللّه فداك ما بها أثر،فقال:هو ما أقول لك،قالت فجئت فلما سلّمت و جلست، جائت تنزع خفي و قالت لي:يا سيدتي كيف امسيت؟فقلت بل انت سيدتي و سيدة أهلي،قالت:فانكرت قولي و قالت ما هذا يا عمة؟قالت فقلت لها:يا بنية ان اللّه تبارك و تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاما سيدا في الدنيا و الآخرة،قالت:فجلست و استحت،(استحيت خ د)فلما فرغت من صلاة العشاء الآخرة افطرت و اخذت مضجعي،فرقدت،فلما ان كان في جوف الليل قمت الى الصلاة ففرغت من صلاتي و هي نائمة ليس بها حادث،ثم جلست معقبة،ثم اضطجعت،ثم انتبهت فزعة و هي راقدة،ثم قامت فصلّت،قالت حكيمة:فدخلتني الشكوك،فصاح بي ابو محمد(عليه السلام)من المجلس،فقال:لا تعجلي يا عمة فان الأمر قد قرب،قالت فقرأت،آلم السجدة و يس،فبينما انا كذلك اذ انتبهت فزعة،فوثبت اليها،فقلت:اسم اللّه عليك،ثم قلت لها:تحسين شيئا؟ قالت نعم يا عمة،فقلت لها اجمعي نفسك،و اجمعي قلبك،فهو ما قلت لك،قالت حكيمة،ثم اخذتني فترة و اخذتها فترة،فانتبهت بحس سيدي،فكشفت الثوب عنه فإذا انا به(عليه السلام)ساجدا يتلقى الأرض بمساجده،فضممته الي فاذا أنا به نظيف منظف،فصاح بي ابو محمد(عليه السلام)هلمّي اليّ ابني يا عمة،فجئت به اليه،فوضع يديه تحت اليتيه و ظهره،و وضع قدميه على صدره،ثم ادلى لسانه في فيه و امر يده على عينيه و سمعه و مفاصله،ثم قال تكلم يا بني،فقال:اشهد ان لا إله

ص: 276

الا اللّه وحده لا شريك له و اشهد ان محمدا(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم) رسول اللّه،ثم صلّى على امير المؤمنين(عليه السلام)و على الأئمة الى ان وقف على ابيه ثم احجم،قال ابو محمد(عليه السلام)يا عمة اذهبي به الى امه ليسلم عليها،و ائتني به فذهبت به فسلم عليها و رددته و وضعته في المجلس،ثم قال يا عمة:اذا كان يوم السابع فأتينا،قالت حكيمة،فلما اصبحت جئت لأسلم على ابي محمد(عليه السلام)فكشفت الستر لأفتقد سيدي،فلم اره،فقلت له جعلت فداك،ما فعل سيدي،فقال يا عمة استودعناه الذي استودعته أم موسى(عليه السلام)،قالت حكيمة فلما كان في اليوم السابع جئت و سلمت و جلست،فقال هلمي الي ابني،فجئت بسيدي في الخرقة،ففعل به كفعلته الأولى،ثم ادلى لسانه في فيه كأنه يغذيه لبنا او عسلا،ثم قال تكلم يا بني،فقال:اشهد ان لا إله الا اللّه وثنى بالصلاة على محمد و على امير المؤمنين و الأئمة(صلوات اللّه عليهم اجمعين) حتى وقف على ابيه(عليه السلام)،ثم تلا هذه الآية، بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (1) وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (2) .

و في رواية اخرى فلما كان بعد اربعين يوما دخلت على ابي محمد(عليه السلام)فاذا مولانا الصاحب يمشي في الدار،فلم ار وجها،أحسن من وجهه و لا لغة افصح من لغته،فقال ابو محمد(عليه السلام):هذا المولود الكريم على اللّه عز و جل،فقلت:سيدي ارى من أمره ما ارى و له اربعون يوما،فتبسم و قال يا عمتي اما عملت انا معاشر الأئمة ننشأ في اليوم ما ينشأ غيرنا في السنة،فقمت فقبلت رأسه و انصرفت،ثم عدت و تفقدته فلم اره، فقلت لأبي محمد(عليه السلام)ما فعل مولانا؟فقال:يا عمة استودعناه الذي استودعت ام موسى.

ص: 277


1- سوره 28 - آیه 5
2- سوره 28 - آیه 6

و روي عن محمد بن عثمان العمري (1)(قدس اللّه روحه)قال:لما ولد الخلف المهدي(صلوات اللّه عليه)سطع نور من فوق رأسه الى عنان السماء،ثم سقط لوجهه ساجدا لربه تعالى ذكره،ثم رفع رأسه و هو يقول:

اشهد ان لا اله الا هو،و الملائكة و اولو العلم،قائما بالقسط،لا إله الا هو العزيز الحكيم،ان الدّين عند اللّه الإسلام.

قال:و كان مولده ليلة الجمعة و قال:ولد(عليه السلام)مختونا، و سمعت حكيمة تقول:لم تر بأمه دما في نفاسها،و هذا سبيل أمهات الأئمة (عليهم السّلام).

و روي عن جارية لأبي محمد(عليه السلام)قالت:لما ولد السيد رأيت له نورا ساطعا قد ظهر منه و بلغ افق (2)السماء،و رأيت طيورا بيضاء تهبط من السماء،و تمسح اجنحتها على رأسه و وجهه و سائر جسده،ثم تطير، فاخبرنا أبا محمد(عليه السلام)بذلك،فضحك ثم قال تلك ملائكة السماء نزلت لتتبرك به،و هي انصاره اذا خرج.

و روي عن ابي جعفر العمري(رضي اللّه عنه)قال لما ولد السيد قال ابو محمد(عليه السلام):ابعثوا اليّ ابا عمرو،فبعث اليه،فقال اشترض.

ص: 278


1- ابو جعفر العمري بفتح العين هو محمد بن عثمان بن سعيد الاسدي وكيل مولانا صاحب الزمان(صلوات اللّه عليه و ابو عمرو كنية والده(سلام اللّه عليهما)و يقال له ابو عمرو و السمان و الزيات الاسدي من اصحاب ابي جعفر محمد بن علي الثاني(عليه السلام)خدمه و له احدى عشر سنة و له اليه عهد معروف و هو وكيل ابي محمد(عليه السلام)و هو اجل و اشهر من ان يذكر روى الشيخ في الصحيح عن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن ابي علي احمد بن اسحاق بن سعد عن ابي محمد الحسن بن علي(عليه السلام)انه قال:العمري و ابنه ثقتان فما اديا اليك فعني يؤديان و ما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما و اطعمهما فانهما الثقتان المأمومان و كانت توقيعات صاحب الأمر(صلوات اللّه عليه)تخرج على يدي عثمان بن سعيد و ابنه ابي جعفر(رضي اللّه عنهما)الى شيعته و خواص ابيه ابي محمد(عليه السلام)(منه).
2- الافق:الناحية.ما ظهر من نواحي الفلك ماسا الأرض.

عشرة آلاف رطل خبزا و عشرة آلاف رطل لحما،و فرقها حسبة،على بني هاشم،و عقّ عنه بكذا و كذا شاة.

و عن نسيم الخادم قال:دخلت على صاحب الزمان(عليه السلام)بعد مولده بليلة (1)،فعطست عنده،فقال لي يرحمك اللّه،قال نسيم:ففرحت بذلك،فقال لي الا ابشرك في العطاس؟فقلت بلى،قال هو امان من الموت ثلاثة ايام.

و روي انه ورد من ابي محمد(عليه السلام)على احمد (2)بن اسحاق كتاب،و اذا فيه مكتوب بخط يده الذي كان يرد به التوقيعات عليه،ولد المولود فليكن عندك مستورا،و عن جميع الناس مكتوما،فانّا لم نظهر عليه الا الاقرب لقرابته،و المولى لولايته،احببنا اعلامك ليسرك اللّه به كما سرنا،و السلام.

فروي:انه كان بقم منجم يهودي موصوف بالحذق بالحساب، فاحضره احمد بن اسحاق و قال له:قد ولد مولود في وقت كذا و كذا،فخذ الطالع و اعمل له ميلادا،قال فأخذ الطالع و نظر فيه و عمل عملا له،و قال لأحمد بن اسحاق لست أرى النجوم تدلني(فيما يوجبه الحساب)ان هذا المولود لك،و لا يكون مثل هذا المولود الا نبيا او وصيّ نبي،و ان النظر ليدل على انه يملك الدنيا شرقا و غربا و برّا و بحرا و سهلا و جبلا،حتى لا يبقى على وجه الأرض احد الا دان بدينه،و قال بولايته.ه.

ص: 279


1- بعشر ليال في رواية اخرى(منه).
2- احمد بن اسحاق بن عبد اللّه بن سعد بن مالك الاشعري القمي ثقة جليل روى عن الجواد و الهادي(عليهما السّلام)و كان خاصة ابي محمد(عليه السلام)و هو شيخ القمّيين رأى صاحب الزمان(صلوات اللّه عليه)و عن ربيعة الشيعة أنه من الوكلاء و انه من السفراء و الأبواب المعروفين الذين لا تختلف الشيعة القائلون بامامة الحسن بن علي(عليه السلام)فيهم و روى الصدوق انه توفي بخلوان في منصرفه من عند ابي محمد(عليه السلام)و انه كان اخبره بقرب وفاته و يأتي ما يدل على جلالته منه،عفى عنه.

و روي عن طريف ابي نصر الخادم قال دخلت على صاحب الزمان(عليه السلام)(و هو في المهد)فقال لي:علي بالصندل الاحمر،فأتيته به،فقال أتعرفني؟قلت نعم انت سيدي و ابن سيدي،فقال ليس عن هذا سألتك فقلت فسر لي (1)،فقال انا خاتم الاوصياء،و بي يرفع البلاء عن اهلي و شيعتي.

و في إثبات الوصية،و روي عن ابي محمد(عليه السلام)انه قال:لما ولد الصاحب(عليه السلام)بعث اللّه عز و جل ملكين فحملاه الى سرادق العرش حتى وقف بين يدي اللّه،فقال له مرحبا بك،و بك أعطي و بك اعفو و بك اعذّب،ثم روى مسندا عن نسيم و مارية قالتا:لما خرج صاحب الزمان(عليه السلام)من بطن امه،سقط جاثيا على ركبتيه (2)،رافعا سبابته نحو السماء،ثم عطس،فقال:الحمد للّه رب العالمين و صلّى اللّه على محمد و آله،عبد داخر للّه (3)،غير مستنكف و لا مستكبر،ثم قال زعمت الظلمة ان حجة اللّه داحضة (4)و لو اذن لنا في الكلام زال الشك.

فصل في ذكر بعض النصوص عليه(صلوات اللّه عليه)

الشيخ الصدوق باسناده عن جابر الجعفي،قال:سمعت جابر بن عبد اللّه يقول لما انزل اللّه عز و جل على نبيه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (5) قلت يا رسول اللّه عرفنا اللّه و رسوله،فمن اولو الأمر الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتك؟

ص: 280


1- استدعاء بصيغة الأمر من التفسير.
2- اي جلس على ركبتيه فهو الجاثي.
3- اي ذليل حقير.
4- داحضة(بالدال)اي باطلة زائلة.
5- سوره 4 - آیه 59

قال هم خلفائي يا جابر و ائمة المسلمين بعدي،اولهم عليّ بن ابي طالب، ثم الحسن،ثم الحسين،ثم علي بن الحسين،ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر،و ستدركه يا جابر،فاذا لقيته فأقرئه مني السلام،ثم الصادق جعفر بن محمد،ثم موسى بن جعفر،ثم علي بن موسى،ثم محمد بن علي،ثم علي بن محمد،ثم الحسن بن علي،ثم سميي و كنيي (1)حجة اللّه في ارضه و بقيته في عباده،ابن الحسن بن علي،ذاك الذي يفتح اللّه تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض و مغاربها،ذاك الذي يغيب عن شيعته و اوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته الا من امتحن اللّه قلبه للإيمان،قال فقال جابر:يا رسول اللّه فهل ينتفع الشيعة به في غيبته؟فقال (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)اي و الذي بعثني بالنبوة،انهم لينتفعون به و يستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس و ان جلّلها (2)السحاب،يا جابر هذا مكنون سر اللّه و مخزون علمه فاكتمه الا عن اهله.

و بإسناده عن الصادق(عليه السلام)عن آبائه عن أمير المؤمنين(عليه السلام قال:قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم):لما أسرى (3)بي الى السماء أوحى اليّ ربي،جل جلاله،فقال:يا محمد إنّي اطلعت الى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبيا،و شققت لك اسما من اسمائي،فانا المحمود و انت محمد،ثم اطلعت الثانية فاخترت منها عليا، و جعلته وصيك و خليفتك و زوج ابنتك و أبا ذريتك،و شققت له اسما من أسمائي،فأنا العليّ الاعلى و هو علي،و جعلت فاطمة و الحسن و الحسين من نوركما،ثم عرضت ولايتهم على الملائكة،فمن قبلها،كان عندي من المقربين،يا محمد لو أن عبدا عبدني حتى ينقطع و يصير كالشنّ (4)البالي ثمف.

ص: 281


1- فعيل من الكنية اي من كني بكنيتي.
2- اي غطتها و اخفتها.
3- الاسراء:السير في الليل.و المراد به معراجه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم).
4- الشن بفتح الشين:القربة الصغيرة و البالي:ما أصابه التلف.

أتاني جاحدا لولايتهم ما اسكنته جنتي،و لا اظللته تحت عرشي،يا محمد أتحب ان تراهم،قلت:نعم يا رب قال عز و جل:إرفع رأسك،فرفعت رأسي فاذا أنا بانوار علي و فاطمة و الحسن و الحسين و علي بن الحسين و محمد بن علي و جعفر بن محمد و موسى بن جعفر و علي بن موسى و محمد بن علي و علي بن محمد و الحسن بن علي،و الحجة بن الحسن القائم في وسطهم كأنه كوكب دري،قلت يا رب من هؤلاء،قال:هؤلاء الأئمة و هذا القائم الذي يحل حلالي و يحرم حرامي،و به انتقم من اعدائي،و هو راحة لأوليائي،و هو الذي يشفي قلوب شيعتك من الظالمين و الجاحدين و الكافرين،فيخرج اللات و العزى طريين فيحرقهما،فلفتنة الناس بهما يومئذ اشد من فتنة العجل و السامري.

و روى صاحب كفاية الأثر،عن عبد اللّه بن عباس،قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم):إن اللّه تبارك و تعالى اطلع الى الأرض اطلاعة فاختارني منها فجعلني نبيا،ثم اطلع الثانية فاختار منها عليا فجعله إماما، ثم أمرني ان اتخذه أخا و وصيّا و خليفة و وزيرا،فعليّ مني و أنا من عليّ،و هو زوج ابنتي و ابو سبطيّ الحسن و الحسين،ألا و إن اللّه تبارك و تعالى جعلني و إياهم حججا على عباده،و جعل من صلب الحسين أئمة يقومون بأمري و يحفظون وصيتي،التاسع منهم قائم أهل بيتي،و مهدي امتي،اشبه الناس بي في شمائله و أقواله و أفعاله،ليظهر بعد غيبة طويلة و حيرة مضلة (1)فيعلي (2)أمر اللّه،و يظهر دين اللّه،و يؤيّد بنصر اللّه و بنصر بملائكة اللّه، فيملأ الأرض قسطا و عدلا،كما ملئت ظلما و جورا.

و بإسناده عن جابر بن عبد اللّه الانصاري قال:كان رسول اللّه(صلى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)في الشكاة (3)التي قبض فيها،فاذا فاطمة عندض.

ص: 282


1- اي مزلة للاقدام.
2- فيرفعه و يجعله عاليا.
3- الشكاة بفتح الشين:المرض.

رأسه،قال فبكت حتى ارتفع صوتها،فرفع رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)طرفه إليها،فقال:حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك؟قالت أخشى الضيعة (1)من بعدك،قال:يا حبيبتي لا تبكي،فنحن أهل بيت قد اعطانا اللّه سبع خصال لم يعطها احدا قبلنا،و لا يعطيها احدا بعدنا،منا خاتم النبيين و أحب المخلوقين الى اللّه عز و جل،و هو أنا ابوك،و وصينا خير الاوصياء و احبهم و هو بعلك و شهيدنا خير الشهداء و احبهم الى اللّه و هو عمك،و منا من له جناحان في الجنة يطير بهما مع الملائكة و هو ابن عمك (2)،و منا سبطا هذه الأمة و هما ابناك الحسن و الحسين،سوف يخرج اللّه من صلب الحسين تسعة من الأئمة،امناء معصومين (3)و منا مهدي هذه الأمة،اذا صارت الدنيا هرجا و مرجا،و تظاهرت الفتن،و تقطعت السبل،و أغار بعضهم على بعض،فلا كبير يرحم صغيرا،و لا صغير يوقر كبيرا،فيبعث اللّه عز و جل،عند ذلك مهدينا،التاسع من صلب الحسين،يفتح حصون الضلالة،و قلوبا غلفا،يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به في اول الزمان،و يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.

و بإسناده عن محمود بن لبيد قال:لما قبض رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)كانت فاطمة(صلوات اللّه عليها)تأتي قبور الشهداء و تأتي قبر حمزة و تبكي هناك،فلما كان في بعض الأيام اتيت قبر حمزة(رحمه اللّه) فوجدتها(سلام اللّه عليها)تبكي هناك،فأمهلتها حتى سكنت،فأتيتها و سلمت عليها،و قلت:يا سيدة النساء قد و اللّه قطّعت أنياط (4)قلبي،من بكائك،فقالت يا أبا عمرو يحق لي البكاء فلقد اصبت بخير الآباء رسولب.

ص: 283


1- الضيعة.بفتح الضاد:التلف و الاهمال و الهلاك.
2- يعني به جعفر بن ابي طالب.شهيد غزوة مؤتة.و الجناحان هما اللتان عوضه اللّه بهما عن يديه اللتين قطعتا في الغزو.
3- أي منزّهون عن المعاصي.
4- جمع نائط و هو عرق مستبطن الصلب تحت المتن.او ممتد في الصلب.

اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،و اشوقاه الى رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،ثم أنشأت تقول(عليها السلام):

اذا مات يوما ميت قل ذكره *** و ذكر أبي مذ مات و اللّه اكثر

قلت يا سيدتي إني سائلك عن مسألة تتلجلج في صدري،قالت سل، قلت:هل نص رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)قبل وفاته على علي بالإمامة؟قالت و اعجبا انسيتم يوم غدير خم؟قلت قد كان ذلك،و لكن أخبريني بما أشير اليك،قالت أشهد اللّه تعالى لقد سمعته يقول:علي خير من أخلفه فيكم،و هو الإمام و الخليفة بعدي،و سبطاي و تسعة من صلب الحسين أئمة ابرار،لئن اتبعتموهم وجدتموهم هادين مهديين،و لئن خالفتموهم ليكون الاختلاف فيكم الى يوم القيامة،قلت:يا سيدتي،فما باله قعد عن حقه؟قالت يا أبا عمر،لقد قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم):مثل الإمام مثل الكعبة اذ يؤتى و لا يأتي (1)او قالت (2)مثل علي،ثم قالت أما و اللّه لو تركوا الحق على أهله و اتبعوا عترة نبيه لما اختلف في اللّه اثنان،و لورثها سلف عن سلف و خلف بعد خلف،حتى يقوم قائمنا التاسع من ولد الحسين(عليه السلام)و لكن،قدموا من أخره اللّه، و اخروا من قدمه اللّه،حتى اذا لحدوا المبعوث و اودعوه الجدث و المجدوث (3)اختاروا بشهوتهم و عملوا بآرائهم،تبّا لهم،او لم يسمعوا اللّه يقول:

وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ (4) ؟بل سمعوا و لكنهم كما قال اللّه سبحانه: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (5) هيهات بسطوا في الدنيا آمالهم،و نسوا آجالهم،فتعسا لهم (6)ة.

ص: 284


1- الظاهر تؤتى بدل يؤتى و كذا في قوله يأتي.
2- ترديد من الراوي اي قالت فاطمة(ص)قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)مثل الإمام مثل الكعبة او مثل علي(عليه السلام)(منه).
3- الجدث القبر و المجدوث اي المحفور و الظاهر ان الواو زائدة من النساخ(منه)اقول و كذا الهاء من قولها دعوه.
4- سوره 28 - آیه 68
5- سوره 22 - آیه 46
6- اي هلاكا،و شقاوة.

و اضل اعمالهم،اعوذ بك يا رب من الحور بعد الكور (1).

و بإسناده عن محمد بن همام بسنده عن ابي هريرة قال:كنت عند النبي (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و ابو بكر و عمر و الفضل بن العباس و زيد بن حارثة و عبد اللّه بن مسعود،اذ دخل الحسين بن علي(عليه السلام)فأخذه النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و قبله،ثم قال حزقّه حزقّه ترقّ عين بقة (2)و وضع فمه،و قال:اللهم إنّي احبه فأحبه و أحبّ من يحبه،يا حسين أنت الإمام ابن الإمام أبو الأئمة،تسعة من ولدك ائمة أبرار،فقال له عبد اللّه بن مسعود:ما هؤلاء الأئمة الذين ذكرتهم في صلب الحسين؟ فأطرق مليا ثم رفع رأسه فقال:يا عبد اللّه سألت عظيما،و لكنّي اخبرك ان ابني هذا،و وضع يده على كتف الحسين(عليه السلام)،يخرج من صلبه ولد مبارك سمي جده علي(عليه السلام)يسمى العابد،و نور الزهاد، و يخرج اللّه من صلب علي(عليه السلام)ولدا اسمه اسمي،و أشبه الناس بي،يبقر العلم بقرا و ينطق بالحق و يأمر الصواب و يخرج اللّه من صلبه كلمة الحق،و لسان الصدق،فقال له ابن مسعود:فما اسمه يا رسول اللّه؟قال يقال له جعفر،صادق في قوله و فعله،الطاعن عليه كالطاعن علي،و الرّاد عليه كالرّاد علي،ثم دخل حسان بن ثابت و أنشد في رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)شعرا،و انقطع الحديث،فلما كان من الغد،صلى بنا رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)ثم دخل بيت عائشة و دخلنا معه، أنا و علي بن أبي طالب(عليه السلام)و عبد اللّه بن العباس،و كان من دأبه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)اذا سئل أجاب و اذا لم يسأل ابتدأ،فقلت له:بابيل.

ص: 285


1- قال الجوهري نعوذ باللّه من الحور بعد الكور اي من النقصان بعد الزيادة و قيل من فساد امورنا بعد صلاحها(منه).
2- الحزقة بفتح الحاء او بضمها.و بضم الزاء المعجمة و تشديد القاف:القصير الذي يقارب الخطوات،و البقة واحد بق(بتشديد القاف)و هو حيوان صغير لذاع،و قوله ترق:امر من الترقي و هو الارتقاء و التعالي.اقول وجه الشبه صغرها و قيل وجه الشبه تشبك عينها فشبهه بها لما اصابه(عليه السلام)من اللئام الطغام بأرض كربلاء من تقطيع اعضائه و تشبك بدنه بالنبال.

انت و امي يا رسول اللّه الا تخبرني بباقي الخلفاء من صلب الحسين(عليه السلام)؟قال نعم يا أبا هريرة،و يخرج اللّه من صلب جعفر مولودا نقيا طاهرا اسمر ربعة (1)سميّ موسى بن عمران،ثم قال له ابن عباس ثم من يا رسول اللّه؟قال يخرج من صلب موسى علي ابنه،يدعى بالرضا،موضع العلم و معدن الحلم،ثم قال بأبي المقتول في أرض الغربة،و يخرج من صلب علي ابنه محمد المحمود،أطهر الناس خلقا و احسنهم خلقا،و يخرج من صلب محمد علي ابنه،طاهر الحسب صادق اللهجة،و يخرج من صلب علي الحسن الميمون النقي الطاهر الناطق عن اللّه و ابو حجة اللّه،و يخرج اللّه من صلب الحسن قائمنا اهل البيت،يملأها قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما،له هيبة موسى و حكم داود و بهاء عيسى،ثم تلا(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم): ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (2) ،فقال له علي بن ابي طالب(عليه السلام)بأبي انت و أمي يا رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)من هؤلاء الذين ذكرتهم؟قال يا علي اسامي الاوصياء من بعدك،و العترة الطاهرة و الذرية المباركة،ثم قال(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)و الذي نفس محمد بيده لو ان رجلا عبد اللّه ألف عام ثم الف عام ما بين الركن و المقام،ثم أتاني جاحدا لولايتهم لأكبه اللّه (3)في النار،كائنا من كان.

قال:ابو علي محمد بن همام:العجب كل العجب من ابي هريرة انه (4)يروى مثل هذه الاخبار ثم ينكر فضائل أهل البيت(عليهم السلام).).

ص: 286


1- ليس بالطويل و لا بالقصير.
2- سوره 3 - آیه 34
3- اي طرحه على وجهه.
4- هو الصحابي المعروف.المشهور بالاختلاق و الجعل تقربا لامراء زمانه.و من اراد ان يقف على خصوصيات احواله فليطالع كتاب(ابي هريرة)للعلامة شرف الدين العاملي(رحمه اللّه).

و بإسناده عن عبد العظيم الحسني قال:دخلت علي سيدي علي بن محمد،فلما بصرني قال:مرحبا يا أبا القاسم أنت ولينا حقا،قال فقلت له:يا ابن رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)إني اريد أن أعرض عليك ديني،فإن كان مرضيا ثبتت عليه،حتى ألقى اللّه عز و جل،فقال هات يا أبا القاسم،فقلت:اني أقول أن اللّه تبارك و تعالى واحد ليس كمثله شيء خارج من الحدين حد الابطال (1)وحد التشبيه،و أنه ليس بجسم و لا صورة و لا عرض و لا جوهر،بل هو مجسم الاجسام،و مصور الصور،و خالق الأعراض و الجواهر،و رب كل شيء و مالكه و جاعله و محدثه،و ان محمدا عبده و رسوله خاتم النبيين،لا نبي بعده الى يوم القيامة،و ان شريعته خاتمة الشرائع و لا شريعة بعده الى يوم القيامة،و اقول ان الإمام و الخليفة و ولي الأمر بعده أمير المؤمنين علي بن ابي طالب(عليه السلام)،ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم أنت يا مولاي،فقال(عليه السلام)و من بعدي الحسن ابني،فكيف للناس بالخلف من بعده؟قال:

و قلت و كيف ذلك يا مولاي؟قال:لأنه لا يرى شخصه و لا يحل ذكره باسمه حتى يخرج،فيملأ الأرض قسطا و عدلا،كما ملئت جورا و ظلما،قال فقلت اقررت و أقول:إن وليّهم ولي اللّه و عدوّهم عدوّ اللّه و طاعتهم طاعة اللّه و معصيتهم معصية اللّه،و أقول:ان المعراج حق و المسألة في القبر حق، و إن الجنة حق،و النار حق،و الصراط حق،و الميزان حق،و إن الساعة آتية لا ريب فيها و أن اللّه يبعث من في القبور،و أقول إن الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلاة و الزكاة و الصوم و الحج و الجهاد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر،فقال علي بن محمد:يا ابا القاسم هذا و اللّه دين اللّه الذي ارتضاه لعباده فاثبت عليه ثبتك اللّه بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في لآخرة.).

ص: 287


1- حد الابطال هو ان لا تثبت له صفة و حد التشبيه ان تثبت له على وجه يتضمن التشبيه بالمخلوقين(منه).

و عن الصقر بن أبي دلف قال سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام)يقول:الإمام بعدي ابني علي،أمره أمري و قوله قولي و طاعته طاعتي،و الإمام بعده ابنه الحسن(عليه السلام):أمره أمر ابيه، و قوله قول أبيه،و طاعته طاعة ابيه،ثم سكت،فقلت له:يا ابن رسول اللّه فمن الإمام بعد الحسن(عليه السلام)؟فبكى بكاء شديدا ثم قال:

إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر،فقلت له يا ابن رسول اللّه و لم سمي القائم؟قال لأنه يقوم بعد موت ذكره،و ارتداد اكثر القائلين بإمامته، فقلت له:و لم سمّي المنتظر؟قال إن له غيبة يكثر أيامها و يطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون و ينكره المرتابون و يستهزيء به الجاحدون و يكذب فيه الوقاتون (1)و يهلك فيه المستعجلون و ينجو فيها المسلّمون.

الشيخ المفيد عن ابي جعفر(عليه السلام)عن جابر بن عبد اللّه الانصاري قال:دخلت على فاطمة بنت رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)و عليها،و بين يديها لوح فيه أسماء الاوصياء و الأئمة من ولدها، فعددت اثني عشر اسما،آخرهم القائم من ولد فاطمة(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)،ثلاثة منهم محمد،و أربعة منهم علي،(عليهم السّلام).

فصل في ذكر طرف من دلائل صاحب الزمان(عليه السلام)

و بيناته و آياته

روى الشيخ بإسناده عن محمد بن أحمد الأنصاري قال:وجه قوم من المفوضة و المقصرة كامل بن إبراهيم المدني إلى ابي محمد(عليه السلام) (ليناظره في امرهم خ)قال كامل:فقلت في نفسي أسأله لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي،و قال بمقالتي،قال:فلما دخلت على سيدي ابي محمد

ص: 288


1- اي اللذين عينوا وقتا لظهوره.لأنه بيد اللّه.و لا يظهر على غيبه احدا.

(عليه السلام)نظرت إلى ثياب بيض ناعمة عليه،فقلت في نفسي وليّ اللّه و حجته يلبس الناعم من الثياب و يأمرنا نحن بمواساة الإخوان و ينهانا عن لبس مثله؟فقال متبسما يا كامل و حسر ذراعيه فإذا مسح اسود خشن على جلده، فقال هذا للّه و هذا لكم(فخجلت خ د)فسلمت و جلست الى باب عليه ستر مرخى(مسبل خ د)فجاءت الريح فكشفت طرفه فإذا أنا بفتى كأنه فلقة (1)قمر من أبناء أربع سنين او مثلها،فقال لي يا كامل بن إبراهيم، فاقشعررت (2)من ذلك و ألهمت ان قلت لبيك يا سيدي،فقال جئت الى وليّ اللّه و حجته و بابه تسأله،هل يدخل الجنة إلا من عرف معرفتك،و قال بمقالتك؟فقلت إي و اللّه قال اذن و اللّه يقل (3)داخلها،و اللّه انه ليدخلها قوم يقال لهم الحقيّة،قلت يا سيدي و من هم؟قال قوم من حبهم لعليّ يحلفون بحقه و لا يدرون ما حقه و فضله(و في بعض الروايات مكان ثم سكت هذه الجملة:انهم قوم يعرفون ما تجب عليهم معرفته جملا لا تفصيلا من معرفة اللّه و رسوله و الأئمة(عليهم السّلام)و نحوها ثم قال(الخ كذا في الحاشية)ثم سكت(عليه السلام)عني ساعة،ثم قال و جئت تسأله عن مقالة المفوضة،كذبوا،بل قلوبنا أوعية لمشيئة اللّه فاذا شاء:شئنا،و اللّه يقول:و ما تشاءون الا ان يشاء اللّه،ثم رجع الستر الى حالته فلم أستطع كشفه،فنظر اليّ أبو محمد(عليه السلام)متبسما فقال:يا كامل ما جلوسك و قد أنبأك بحاجتك الحجة من بعدي،فقمت و خرجت و لم أعاينه بعد ذلك.

و عن القنبري من ولد قنبر الكبير،مولى أبي الحسن الرضا(عليه السلام)،أنه حدّث عن رشيق صاحب(حاجب خ د)المادراي قال:

بعث إلينا المعتضد و نحن ثلاثة نفر فأمرنا أن يركب كل واحد منا فرسا و يجنبن.

ص: 289


1- الفلقة بكسر الفاء:القطعة.
2- اي اخذني القشعريرة اي الرعدة.
3- اي الداخلون قليلون.

آخر و نخرج مخففين لا يكون معنا قليل و لا كثير إلا على السرج مصلى (1)،و قال لنا الحقوا بسامرة و وصف لنا محلة و دارا و قال:اذا أتيتموها تجدوا على الباب خادما اسود،فاكبسوا الدار،و من رأيتم فيها فأتوني برأسه،فوافينا سامرة فوجدنا الأمر كما وصفه و في الدهليز خادم اسود و في يده تكة (2)ينسجها، فسألناه عن الدار و من فيها،فقال صاحبها،فو اللّه ما التفت إلينا و قل اكتراثه بنا،فكبسنا الدار كما أمرنا فوجدنا دارا سرية و مقابل الدار ستر ما نظرت قط الى أنبل منه (3)كأن الأيدي رفعت عنه في ذلك الوقت (4)،و لم يكن في الدار احد،فرفعنا الستر فإذا بيت كبير كأنّ بحرا فيه،و في اقصى البيت حصير قد علمنا أنه على الماء و فوقه رجل من احسن الناس هيئة،قائم يصلي،فلم يلتفت إلينا و لا إلى شيء من اسبابنا،فسبق أحمد بن عبد اللّه ليتخطى البيت فغرق في الماء و ما زال يضطرب حتى مددت يدي اليه فخلصته و أخرجته و غشي عليه و بقي ساعة،و عاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك الفعل،فناله مثل ذلك،و بقيت مبهوتا،فقلت لصاحب البيت المعذرة الى اللّه و اليك،فو اللّه ما علمت كيف الخبر و لا إلى من اجيء،و أنا تائب الى اللّه،فما التفت الى شيء مما قلنا و ما انفتل (5)عما كان فيه،فها لنا ذلك و انصرفنا عنه،و قد كان المعتضد ينتظرنا،و قد تقدم الى الحجاب اذا وافيناه أن ندخل عليه في أي وقت كان،فوافيناه في بعض الليل،فأدخلنا عليه، فسألنا عن الخبر فحكينا له ما رأينا،فقال و يحكم لقيكم أحد قبلي و جرى منكم الى أحد سبب أو قول؟قلنا:لا فقال أنا لغا (6)(من جدي و حلف بأشد ايماند.

ص: 290


1- اقول انه اسم لثاني الجياد التي يسابق بها.و هاك اسماؤها: 1-السابق.2-المصلي.3-التالي.4-البارع.5-المرتاح.6-الحطي.7-العاطف. 8-المؤمل(بكسر الميم الثاني).9-اللطيم.10-السكيت(بضم السين و فتح الكاف)، و القسكل اسم للاخير.
2- التكة:رباط السراويل.
3- اي افضل و اعلى.
4- يعني كان جديدا حديثا.
5- اي لم ينصرف عن فعله.
6- لغا:سقط،غير معدود.

له،أنه رجل إن بلغه هذا الخبر ليضربن أعناقا،فما جسرنا أن نحدث به إلا بعد موته.

الصدوق عن اسحاق بن حامد الكاتب قال:كان بقم رجل بزاز مؤمن و له شريك مرجيء فوقع بينهما ثوب نفيس،فقال المؤمن يصلح هذا الثوب لمولاي،فقال شريكه لست اعرف مولاك و لكن افعل بالثوب ما تحب،فلما وصل الثوب شقه(عليه السلام)بنصفين طولا فأخذ نصفه ورد النصف و قال:لا حاجة لي في مال المرجيء.

و قال الصدوق حدثنا الحسين بن علي بن محمد القمي المعروف بأبي علي البغدادي قال كنت ببخارا فدفع اليّ المعروف بابن جاوشير عشرة سبائك ذهبا و أمرني أن أسلمها بمدينة السلام (1)الى الشيخ ابي القاسم الحسين بن روح (قدس اللّه روحه) (2)فحملتها معي فلما بلغت أموية (3)ضاعت مني سبيكة من تلك السبائك و لم اعلم بذلك حتى دخلت مدينة السلام،فاخرجت السبائك لاسلمها فوجدتها ناقصة واحدة منها،فاشتريت سبيكة مكانها بوزنها و اضفتها الى التسع سبائك ثم دخلت على الشيخ ابي القاسم الروحي(قدس اللّه روحه)و وضعت السبائك بين يديه،فقال لي خذلك تلك السبيكة التي اشتريتها و اشار اليها بيده فان السبيكة التي ضيعتها قد وصلت الينا و هوذا هي،ثم اخرج إليّ تلك السبيكة التي كانت ضاعت مني باموية فنظرت اليها و عرفتها.

فقال الحسين بن علي بن محمد المعروف بأبي علي البغدادي؛و رأيت تلك السنة بمدينة السلام امرأة تسألني عن وكيل مولانا(عليه السلام)من هو؟

فاخبرها بعض القميين انه ابو القاسم الحسين بن روح و أشار لها إليه،).

ص: 291


1- يعني بغداد(منه).
2- نائب إمام الزمان(عليه السلام).
3- و يقال لها آمل البط:مدينة مشهورة في غربي جيهون في طريق بخارا من مرو،خربها التتر (منه).

فدخلت عليه و انا عنده فقالت له:ايها الشيخ اي شيء معي؟فقال ما معك فالقيه في دجلة ثم ائتيني حتى اخبرك قال فذهبت المرأة و حملت ما كان معها فالقته في دجلة ثم رجعت و دخلت الى ابي القاسم الروحي(قدس اللّه روحه)،فقال ابو القاسم(رضي اللّه عنه)لمملوكة له:أخرجي الي الحقة فاخرجت اليه حقة،فقال للمرأة:هذه الحقة التي كانت معك و رميت بها في دجلة،اخبرك بما فيها او تخبريني؟فقالت له بل اخبرني فقال في هذه الحقة زوج سوار (1)ذهب و حلقة كبيرة فيها جوهر و حلقتان صغيرتان فيهما جوهر و خاتمان احدهما فيروزج و الآخر عقيق و كان الأمر كما ذكر لم يغادر (2)منه شيئا،ثم فتح الحقة فعرض علي ما فيها،و نظرت المرأة اليه،فقالت:هذا الذي حملته بعينه و رميت به في دجلة،فغشي (3)علي و على المرأة فرحا بما شاهدناه من صدق الدلالة،قال الحسين لي من بعد ما حدثني بهذا الحديث:اشهد باللّه تعالى،ان هذا الحديث كما ذكرته لم ازدد فيه و لم انقص منه و حلف بالأئمة الاثني عشر،(صلوات اللّه عليهم)،لقد صدق فيما حدث به ما زاد فيه و لا نقص منه.

و روى الشيخ عن ابن نوع عن ابي عبد اللّه الحسين بن محمد بن سورة القمي عن جماعة من مشائخ اهل قم،ان علي بن الحسين بن موسى بن بابويه كانت تحته بنت عمه محمد بن موسى بن بابويه فلم يرزق منها ولدا، فكتب الى الشيخ ابي القاسم حسين بن روح(رضي اللّه عنه)ان يسأل الحضرة ان يدعو اللّه ان يرزقه اولادا،فقهاء فجاء الجواب انك لا ترزق من هذه و ستملك جارية ديلمية و ترزق منها ولدين فقيهين،قال ابو عبد اللّه بن سورة:و لابي الحسن بن بابويه(رحمه اللّه)ثلاثة اولاد،محمد (4)و الحسينه.

ص: 292


1- حلية كالطوق تلبسها المرأة في زندها او معصمها.
2- اي لم يترك.
3- اي ادخل.
4- هو الشيخ الصدوق صاحب التصانيف الكثيرة المفيدة كلها كمن لا يحضر الفقيه و الخصال و الامالي و علل الشرائع و عيون اخبار الرضا و التوحيد و غير هذه.

فقيهان ماهران في الحفظ يحفظان مالا يحفظ غيرهما،من اهل قم،و لهما اخ اسمه الحسن هو الاوسط،مشتغل بالعبادة و الزهد،لا يختلط بالناس و لا فقه له،قال ابن سورة كلما روى ابو جعفر و ابو عبد اللّه ابنا علي بن الحسين شيئا،يتعجب الناس من حفظهما و يقولون لهما هذا الشأن خصوصية لكما بدعوة الإمام(عليه السلام)لكما،و هذا امر مستفيض في اهل قم.

و قال ابن سورة سمعت سرورا و كان رجلا عابدا مجتهدا لقتيه بالاهواز غير اني نسيت نسبه،يقول:كنت اخرس لا اتكلم فحملني ابي و عمي في صباي،و سني اذ ذاك ثلاث عشرة او اربع عشرة،الى الشيخ ابي القاسم بن روح(رضي اللّه عنه)،فسألاه ان يسأل الحضرة ان يفتح اللّه لساني فذكر الشيخ ابو القاسم الحسين بن روح انكم أمرتم بالخروج الى الحائر قال سرور فخرجنا انا و ابي و عمي الى الحائر فاغتسلنا و زرنا،قال فصاح بي ابي و عمي يا سرور فقلت بلسان فصيح لبيك،فقالا لي ويحك تكلمت؟فقلت نعم، قال ابو عبد اللّه بن سورة و كان سرور هذا رجلا ليس بجهوري الصوت.

و في كتاب الصراط المستقيم (1)ذكر الشيخ الموثوق به عثمان بن سعيد العمري (2)ان ابن ابي غانم القزويني قال:ان العسكري(عليه السلام)لا خلف له فشاجرته الشيعة و كتبوا الى الناحية،و كانوا يكتبون لا بسواد،بل بالقلم الجاف،على الكاغد الابيض ليكون علما (3)معجزا،فورد جوابا اليهم:بسم اللّه الرحمن الرحيم عافانا اللّه و اياكم من الضلال و الفتن،انه انتهى الينا شك جماعة منكم في الدين و في ولاية ولي امرهم،فغمنا ذلك لكم لا لنا،لأن اللّه معنا و الحق معنا فلا يوحشنا من بعد علينا،و نحن صنائع ربنا و الخلق صنائعنا (4)،مالكم في الريب تترددون؟اما علمتم ماك.

ص: 293


1- للمحقق الداماد(رحمه اللّه).
2- عثمان بن سعيد العمري الزيات و يقال له السمان.يكنى ابا عمرو،جليل القدر ثقة من اصحاب الهادي و العسكري و كان وكيلا للصاحب(عليه السلام).
3- اي آية و علامة.
4- اي خلقوا لنا و هو مفاد قوله تبارك اسمه.لولاك لما خلقت الافلاك.

جاءت به الآثار من ائمتكم أفرأيتم كيف جعل اللّه لكم معاقل تأوون اليها (1)و اعلاما تهتدون بها من لدن آدم الى ان ظهر الماضي (2)(عليه السلام)؟كلما غاب علم بدا علم،و اذا أفل نجم طلع نجم،فلما قبضه اللّه اليه ظننتم انه ابطل دينه و قطع السبب بينه و بين خلقه؟كلاّ ما كان ذلك و لا يكون حتى تقوم الساعة و يظهر امر اللّه و هم كارهون،فاتقوا اللّه و سلموا لنا وردوا الامر الينا،فقد نصحت لكم و اللّه شاهد عليّ و عليكم.

فصل في ذكر من رآه(عليه السلام)

روى الصدوق بإسناده عن محمد بن معاوية بن حكيم و محمد بن ايوب بن نوح و محمد بن عثمان العمري (3)(رضي اللّه عنهم)،قالوا عرض علينا ابو محمد الحسن بن علي(صلوات اللّه عليه)ابنه(عليه السلام)و نحن في منزله و كنا اربعين رجلا،فقال:هذا امامكم من بعدي و خليفتي عليكم اطيعوه و لا تتفرقوا من بعدي،فتهلكوا في اديانكم،اما انكم لا ترونه (4)بعد يومكم هذا،قالوا فخرجنا من عنده فما مضت الا أيام قلائل حتى مضى ابو محمد(صلوات اللّه عليه).

و بإسناده عن يعقوب بن منقوش قال دخلت على ابي محمد الحسن بن علي(عليه السلام)و هو جالس على دكان (5)في الدار و عن يمينه بيت،عليه

ص: 294


1- جمع معقل كمسجد:الملجأ.
2- هو ابو محمد الحسن العسكري(عليه السلام)(منه).
3- هو ابن عثمان المتقدم ذكره.كان وكيلا للناحية الشريفة بعد ابيه مات سنة خمس او اربع و ثلاثمئة و كان يتولى هذا الأمر نحوا من خمسين سنة و قال عند موته امرت ان اوصي إلى ابي القاسم بن روح و اوصى ابو القاسم عند موته الى ابي الحسن علي السمري.
4- اي اكثركم او عن قريب فان الظاهر ان محمد بن عثمان رضي اللّه عنه كان يراه في ايام سفارته و اللّه العالم(منه).
5- الدكان هو الدكة اي المكان المرتفع الذي يقعد عليه الجمع.

ستر مسبل،فقلت له سيدي،من صاحب هذا الأمر؟فقال ارفع الستر، فرفعته فخرج الينا غلام خماسي له عشر او ثمان او نحو ذلك (1)واضح الجبين ابيض الوجه،دري المقلتين،شئن الكفين (2)معطوف الركبتين في خده الايمن خال،و في رأسه ذؤابة (3)فجلس على فخذ ابي محمد(عليه السلام)،فقال هذا صاحبكم،ثم وثب فقال:يا بني ادخل الى الوقت المعلوم فدخل البيت و انا انظر اليه،ثم قال لي:يا يعقوب انظر في البيت فدخلت فما رأيت احدا.

و عن علي بن عبد اللّه الوراق،عن سعد،عن احمد بن اسحاق، قال:دخلت على ابي محمد الحسن بن علي(عليه السلام)و انا اريد ان أسأله عن الخلف بعده،فقال لي مبتدئا يا احمد بن اسحاق،ان اللّه تبارك و تعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم و لا تخلو الى يوم القيامة من حجة للّه على خلقه(به ظ)يدفع البلاء عن اهل الأرض و به ينزل الغيث،و به يخرج بركات الأرض،قال فقلت:يا ابن رسول اللّه فمن الإمام و الخليفة بعدك؟ فنهض(عليه السلام)فدخل البيت ثم خرج و على عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر من ابناء ثلاث سنين،فقال:يا احمد بن اسحاق لو لا كرامتك على اللّه و على حججه ما عرضت عليك ابني هذا،انه سميّ رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)و كنيه (4)،الذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت جورا و ظلما،يا احمد بن اسحاق،مثله في هذه الامة مثل الخضر (عليه السلام)و مثله كمثل ذي القرنين،و اللّه ليغيبن غيبة لا ينجو فيها من الهلكة الا من يثبته اللّه على القول بإمامته،و وفقه للدعاء بتعجيل فرجه، قال احمد بن اسحاق فقلت له:يا مولاي هل من علامة يطمئن اليها قلبي؟).

ص: 295


1- يعني ان له خمس سنين و لكن له نماء من مضى عليه عشرة او نحوها.
2- بمفتوحة فساكنة:اي انهما يميلان الى الغلظ و القصر.
3- هي الشعر المجتمع على الرأس.
4- على وزن فعيل:اي له كنية رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم).

فنطق الغلام(عليه السلام)بلسان عربي فصيح،فقال:انا بقية اللّه في ارضه،و المنتقم من اعدائه فلا تطلب اثرا بعد عين،يا احمد بن اسحاق، قال احمد بن اسحاق:فخرجت مسرورا فرحا،فلما كان من الغد عدت اليه فقلت له:يا ابن رسول اللّه،لقد عظم سروري بما انعمت علي فما السنة الجارية فيه من الخضر و ذي القرنين؟فقال طول الغيبة يا أحمد،فقلت له:

يا ابن رسول اللّه و ان غيبته لتطول؟قال اي و ربي حتى يرجع عن هذا الأمر اكثر القائلين به،فلا يبقى الا من اخذ اللّه عهده بولايتنا و كتب في قلبه الايمان و ايده بروح منه،يا احمد بن اسحاق هذا أمر من اللّه و سر من سر اللّه و غيب من غيب اللّه،فخذ ما أتيتك و اكتمه،و كن من الشاكرين،تكن معنا.غدا في عليين.

روى الشيخ الطوسي عن احمد بن عبدون،عن ابي الحسن الشجاعي عن ابي عبد اللّه محمد بن ابراهيم النعماني،عن يوسف بن احمد الجعفري، قال حججت سنة ست و ثلاثمئة و جاورت بمكة تلك السنة،و ما بعدها الى سنة تسع و ثلاثمئة،ثم خرجت عنها منصرفا الى الشام،فبينا أنا في بعض الطريق و قد فاتتني صلاة الفجر فنزلت من المحمل و تهيأت للصلاة فرأيت اربعة نفر في محمل،فوقفت اعجب منهم،فقال احدهم مم تعجب، تركت صلاتك و خالفت مذهبك،فقلت للذي يخاطبني و ما علمك بمذهبي؟ فقال تحب ان ترى صاحب زمانك؟قلت نعم،فأومأ الى احد الأربعة، فقلت ان له دلائل و علامات،فقال:أيّها احب اليك ان ترى الجمل و ما عليه صاعدا الى السماء؟او ترى المحمل صاعدا الى السماء؟فقلت ايهما كان،فهي دلالة،فرأيت الجمل و ما عليه يرتفع الى السماء و كان الرجل، أومأ الى رجل به سمرة،و كان لونه الذهب،بين عينيه سجّادة.

عن القطب الراوندي قال:روي ان ابا محمد الدعلجي كان له ولدان و كان من اخيار اصحابنا و كان قد سمع الاحاديث،و كان احد ولديه على

ص: 296

الطريقة المستقيمة،و هو ابو الحسن،كان يغسل الأموات،و ولد آخر يسلك مسالك الاحداث،في الاجرام و دفع الى ابي محمد حجة يحج (1)بها عن صاحب الزمان(عليه السلام)،و كان ذلك عادة الشيعة وقتئذ،فدفع شيئا منها الى ابنه المذكور بالفساد،و خرج الى الحج،فلما عاد حكي انه كان واقفا بالموقف،فرأى الى جانبه شابا حسن الوجه،اسمر اللون،بذؤ ابتين، مقبلا على شأنه في الابتهال و الدعاء،و التضرع و حسن العمل،فلما قرب نفر (2)الناس التفت الي،فقال:يا شيخ اما تستحيي؟فقلت من أي شيء يا سيدي؟قال يدفع اليك حجة عمن تعلم،فتدفع منها الى فاسق يشرب الخمر،يوشك ان تذهب عينك هذه،و أومأ الى عيني،و انا من ذلك الى الآن على و جل و مخافة،و سمع ابو عبد اللّه (3)محمد بن محمد بن النعمان،ذلك،قال:فما مضى عليه اربعون يوما بعد مورده حتى خرج في عينه التي اومأ اليها قرحة فذهبت.

عن الشيخ الصدوق،قال سمعنا شيخا من اصحاب الحديث،يقال له احمد بن فارس (4)الأديب يقول:سمعت بهمدان حكاية حكيتها،كما سمعتها لبعض اخواني،فسألني ان اثبتها له بخطي و لم اجد الى مخالفته سبيلا،و قد كتبتها و عهدتها الى من حكاها،و ذلك ان بهمدان أناسا يعرفون ببني راشد،و هم كلهم يتشيعون و مذهبهم مذهب اهل الإمامة،فسألت عن سبب تشيعهم من بين اهل همدان،فقال لي شيخ منهم،رأيت فيه صلاحا و سمتا (5)،ان سبب ذلك ان جدّنا الذي ننسب اليه خرج حاجا فقال:انهر.

ص: 297


1- اي الدعلجي(منه).
2- اي التهيؤ للرحيل.
3- هو شيخنا المفيد(رحمه اللّه)(منه).
4- احمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي النحوي اللغوي كان اماما في علوم شتى خصوصا اللغة فانه اتقنها و الف كتاب الجمهرة و الجمل و سيرة النبي(صلّى اللّه عليه و آله)و غير ذلك الظاهر ان لا جل تشيعه لم ينقل الحلبي اسامى كتبه في كشف الظنون اخذ منه بديع الزمان الهمداني و روي عن الخطيب التبريزي و الصاحب بن عباد و الشيخ الصدوق(رحمه اللّه)(منه).
5- اي الهيبة و الوقار و زي الاخيار.

لما صدر عن الحج،و ساروا منازل في البادية،قال فنشطت في النزول و المشي فمشيت طويلا حتى اعييت،و تعبت،و قلت في نفسي:انام نومة تريحني،فاذا جاء أواخر القافلة قمت،قال فما انتبهت الا بحرّ الشمس، و لم أر أحدا،فتوحشت و لم ار طريقا و لا اثرا،فتوكلت على اللّه عز و جل، و قلت:اسير حيث وجهّني،و مشيت غير طويل فوقعت في ارض خضراء نضرة،كأنها قريبة عهد بغيث،و اذا تربتها اطيب تربة،و نظرت في سواء (1)تلك الأرض،الى قصر يلوح كأنه سيف،فقلت:يا ليت شعري ما هذا القصر الذي لم اعهده و لم اسمع به؟فقصدته فلما بلغت الباب رأيت خادمين ابيضين،فسلمت عليهما فردا عليّ ردا جميلا،و قالا:اجلس فقد اراد اللّه بك خيرا،و قام احدهما فدخل و احتبس غير بعيد ثم خرج فقال، قم فادخل،فدخلت قصرا لم ار بناء احسن من بنائه،و لا اضوأ منه، و تقدم الخادم الى ستر على بيت فرفعه،ثم قال لي:ادخل،فدخلت البيت فاذا فتى جالس في وسط البيت،و قد علّق على رأسه من السقف سيف طويل تكاد ظبته (2)تمس رأسه،و الفتى بدر يلوح في ظلام،فسلمت فرد السلام، بألطف الكلام و احسنه،ثم قال لي:اتدري من أنا؟فقلت لا و اللّه، فقال:انا القائم من آل محمد(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،انا الذي اخرج في آخر الزمان بهذا السيف،و أشار اليه فاملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما،فسقطت على وجهي و تعفرت (3)،فقال:لا تفعل ارفع رأسك انت فلان من مدينة،بالجبل،يقال لها همدان،قلت صدقت يا سيدي و مولاي،قال فتحب ان تؤوب الى اهلك (4)؟قلت نعم يا سيدي، و ابشّرهم بما اتاح اللّه (5)عز و جل لي،فأومأ الى الخادم،فاخذ بيدي و ناولني).

ص: 298


1- سواء تلك الأرض:اي وسطها.
2- اي طرفه(منه).
3- اي مسست جبيني بالتراب.
4- اي ترجع اليهم.
5- اتاح اللّه له الشيء:اي قدره له.صحاح.(منه).

صرة و خرج.و مشى معي خطوات فنظرت الى ظلال و اشجار،و منارة مسجد،فقال:اتعرف هذا البلد،قلت ان بقرب بلدنا بلدة تعرف باستاباد و هي تشبهها،قال:فقال هذه استاباد امض راشدا،فالتفت فلم اره.و دخلت استاباد و اذا في الصرة اربعون او خمسون دينارا،فوردت همدان و جمعت اهلي و بشرتهم بما أتاح اللّه لي و يسّره عز و جل و لم نزل بخير، ما بقي معنا من تلك الدنانير.

(اقول استاباد هي التي تعرف اليوم باسداباد و هي قريب من همدان و بينهما عقبة كئود) (1)و سمعت ان قبر هذا الرجل باسداباد معروف و اللّه تعالى العالم.

قال العلامة المجلسي،أخبرني والدي(رحمه اللّه)قال:كان في زماننا رجل شريف صالح كان يقال له امير اسحاق الاستر ابادي،و كان قد حج اربعين حجة ماشيا،و كان قد اشتهر بين الناس انه،تطوى له الأرض، فورد في بعض السنين بلدة اصفهان فأتيته و سألته عما اشتهر فيه،فقال كان سبب ذلك اني كنت في بعض السنين مع الحاج متوجهين الى بيت اللّه الحرام،فلما وصلنا الى موضع كان بيننا و بين مكة سبعة منازل او تسعة، تأخرت عن القافلة لبعض الاسباب،حتى غابت عني،و ظللت عن الطريق و تحيّرت و غلبني العطش حتى آيست من الحياة،فناديت يا صالح يا ابا صالح ارشدونا الى الطريق يرحمكم اللّه،فتراءى لي في منتهى البادية،شبح،فلما تأملته حضر عندي في زمان يسير،فرأيته شابا حسن الوجه نقي الثياب اسمر على هيئة الشرفاء،راكبا على جمل،و معه اداوة (2)فسلمت عليه فرد عليّ السلام و قال:انت عطشان؟قلت نعم،فاعطاني الاداوة فشربت،ثم قال:تريد ان تلحق القافلة؟قلت نعم،فاردفني خلفه و توجه نحو مكة، و كان من عادتي قراءة الحرز اليماني،في كل يوم،فاخذت في قراءته،فقال).

ص: 299


1- اي صعبة.
2- بالكسر:مطرة(منه).

(عليه السلام)في بعض المواضع اقرأ هكذا،قال فما مضى الازمان يسير حتى قال لي:تعرف هذا الموضع؟فنظرت فاذا انا بالابطح (1)فقال انزل، فلما نزلت،رجعت و غاب عني،فعند ذلك عرفت انه القائم(عليه السلام)،فندمت و تأسفت على مفارقته و عدم معرفته،فلما كان بعد سبعة ايام اتت القافلة فرأوني في مكة،بعد ما آيسوا من حياتي فلذا اشتهرت بطيّ الأرض.

و حكى صاحب كشف الغمة،قصة اسماعيل الهرقلي و السيد عطوة الحسيني (2)في كشف الغمة،و انا اذكر من ذلك قصتين قرب عهدهما من زماني،و حدثني بهما جماعة من ثقات اخواني،كان في البلاد الحلية شخص يقال له اسماعيل بن الحسن الهرقلي من قرية يقال لها هرقل،مات في زماني و ما رأيته،حكى لي ولده شمس الدين قال:حكى لي والدي انه خرج فيه و هو شاب على فخذه الايسر توثة (3)مقدار قبضة الانسان و كانت في كل ربيع تشقق و يخرج منها دم و قيح و يقطعه ألمها عن كثير من اشغاله،و كان مقيما بهرقل،فحضر الحلة يوما و دخل الى مجلس السعيد رضي الدين علي بن طاوس،(رحمه اللّه)،و شكا اليه ما يجده منها و قال اريد ان اداويها، فاحضر له اطباء الحلة و أراهم الموضوع،فقالوا هذه التوثة فوق العرق الاكحل،و علاجها خطر،و متى قطعت خيف ان ينقطع العرق،فيموت، فقال له السعيد رضي الدين(قدس اللّه روحه):انا متوجه الى بغداد و ربما كان اطباؤها أعرف و أحذق من هؤلاء فاصحبني،فأصعده معه و احضر الاطباء،فقالوا كما قال اولئك،فضاق صدره فقال له السعيد:ان الشرع قد فسح لك في الصلاة في هذه الثياب و عليك الاجتهاد في الاحتراس و لا تغرر بنفسك فاللّه تعالى قد نهى عن ذلك و رسوله فقال له والدي:اذا كان).

ص: 300


1- الابطح:مسيل واسع فيه رمل و دقاق الحصى:و موضع قرب مكة.
2- هذه القصة بتمامها في الحاشية.
3- التوثة الظاهر انها جرح و الادرة نفخة في الخصية(منه).

الأمر على ذلك و قد وصلت الى بغداد فاتوجه الى زيارة المشهد الشريف،بسر من رأى على مشرفه السلام،ثم انحدر الى اهلي فحسن له ذلك فترك ثيابه و نفقته عند السعيد رضي الدين،و توجه،قال:فلما دخلت المشهد وزرت الأئمة(عليهم السّلام)و نزلت السرداب و استغثت باللّه تعالى و بالامام(عليه السلام)و قضيت بعض الليل في السرداب و بقيت في المشهد الى الخميس، ثم مضيت الى دجلة و اغتسلت و لبست ثوبا نظيفا و ملأت ابريقا كان معي، و صعدت اريد المشهد فرأيت اربعة فرسان خارجين من باب السور،و كان حول المشهد قوم من الشرفاء،يرعون اغنامهم فحسبتهم منهم فالتقينا فرأيت شابين احدهما عبد مخطوط و كل واحد منهم متقلد بسيف و شيخا منقبا،بيده رمح و الآخر متقلد بسيف و عليه فرجية ملونة،فوق السيف،و هو متحنك بعذبته فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق،و وضع كعب الرمح في الأرض،و وقف الشابان عن يسار الطريق،و بقي صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي ثم سلموا عليه فرد عليهم السّلام،فقال له صاحب الفرجية:انت غدا تروح الى اهلك،فقال نعم فقال له تقدم حتى ابصر ما يوجعك قال فكرهت ملامستهم،و قلت في نفسي اهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة،و انا قد خرجت من الماء و قميصي مبلول ثم اني بعد ذلك تقدمت اليه،فلزمني بيده و مدّني اليه،و جعل يلمس جانبي من كتفي الى ان أصابت يده التوثة فعصرها بيده فاوجعني ثم استوى في سرجه كما كان فقال لي الشيخ:افلحت يا اسماعيل فعجبت من معرفته باسمي فقلت افلحنا و افلحتم ان شاء اللّه،قال فقال لي الشيخ:هذا هو الإمام،قال فتقدمت اليه فاحتضنته و قبلت فخذه،ثم انه ساق و انا أمشي معه محتضنه،فقال ارجع،فقلت لا افارقك ابدا،فقال:المصلحة رجوعك فاعدت عليه مثل القول الأول فقال الشيخ يا اسماعيل ما تستحيي،يقول لك الإمام مرتين ارجع و تخالفه،فجبهني بهذا القول فوقفت فتقدم خطوات و التفت اليّ و قال:اذا وصلت بغداد فلا بد ان يطلبك ابو

ص: 301

جعفر،يعني الخليفة المستنصر،رحمه اللّه فاذا حضرت عنده و اعطاك شيئا فلا تأخذه،و قل لولدنا الرضى ليكتب لك الى علي بن عوض،فانني اوصيه يعطيك الذي تريد ثم سار و اصحابه معه،فلم ازل ابصرهم الى ان غابوا عنّي و حصل عندي أسف لمفارقته،فقعدت الى الأرض ساعة،ثم مشيت الى المشهد،فاجتمع القوم حولي و قالوا نرى وجهك متغيرا أوجعك شيء قلت لا،قالوا اخاصمك احد؟قلت لا ليس عندي مما تقولون خبر لكن اسألكم هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم،قالوا هم من الشرفاء ارباب الغنم،فقلت لا بل هو الإمام(عليه السلام)فقالوا الإمام هو الشيخ او صاحب الفرجية،فقلت هو صاحب الفرجية،فقالوا أريته المرض الذي فيك؟فقلت هو قبضه بيده و اوجعني ثم كشفت رجلي،فلم أر لذلك المرض أثرا فتداخلني الشك من الدهش فاخرجت رجلي الاخرى فلم ار شيئا فانطبق الناس علي و مزقوا قميصي فادخلني القوم خزانة و منعوا الناس عنّي، و كان ناظر بين النهرين بالمشهد فسمع الضجة و سأل عن الخبر فعرفوه فجاء الى الخزانة،و سألني عن اسمي و سألني منذ كم خرجت من بغداد،فعرفته اني خرجت في اول الاسبوع فمشى عني و بت في المشهد و صلّيت الصبح، و خرجت و خرج الناس معي،الى ان بعدت عن المشهد و رجعوا عني و وصلت إلى(أوانا)فبت بها و بكرت منها اريد بغداد فرأيت الناس مزدحمين على القنطرة العتيقة يسألون من ورد عليهم عن اسمه و نسبه و اين كان، فسألوني عن اسمي و من اين جئت فعرفتهم فاجتمعوا علي و مزقوا ثيابي،و لم يبق لي في روحي حكم،و كان ناظر بين النهرين كتب الى بغداد و عرفهم الحال،ثم حملوني الى بغداد و ازدحم الناس علي و كادوا يقتلونني من كثرة الزحام و كان الوزير القمي(رحمه اللّه تعالى)قد طلب السعيد رضي الدين (رحمه اللّه)و تقدم ان يعرفه صحة هذا الخبر،قال:فخرج رضي الدين و معه جماعة فوافينا باب النوبي،فرد اصحابه الناس عنّي،فلما رآني قال:

أعنك يقولون،قلت:نعم فنزل(فترجل خ د)عن دابته و كشف عن فخذي فلم ير شيئا فغضي عليه ساعة و اخذ بيدي و ادخلني على الوزير،و هو

ص: 302

يبكي،و يقول:يا مولانا هذا أخي و اقرب الناس الى قلبي،فسألني الوزير عن القصة،فحكيت له فاحضر الاطباء الذين اشرفوا عليها و أمرهم بمداواتها فقالوا ما دواؤها الا القطع بالحديد و متى قطعها مات،فقال لهم الوزير فبتقدير ان تقطع و لا يموت،في كم تبرأ فقالوا في شهرين و يبقى في مكانها حفيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر،فسألهم الوزير متى رأيتموه قالوا منذ عشرة ايام فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الألم و هي مثل اختها ليس فيها أثر اصلا فصاح احد الحكماء هذا عمل المسيح فقال الوزير حيث لم يكن عملكم فنحن نعرف من عملها ثم انه احضر عند الخليفة المستنصر،(رحمه اللّه)،تعالى فسأله عن القصة فعرفه بها كما جرى فتقدم له بألف دينار فلما حضرت قال:خذ هذه فانفقها فقال ما أجسر اخذ منه حبة واحدة،فقال الخليفة:ممن تخاف،فقال:من الذي فعل معي هذا،قال لا تأخذ من ابي جعفر شيئا فبكى الخليفة و تكدر،و خرج من عنده،و لم يأخذ شيئا.

قال:افقر عباد اللّه تعالى الى رحمته عليّ بن عيسى عفا اللّه عنه كنت في بعض الأيام احكي هذه القصة لجماعة عندي و كان هذا شمس الدين محمد،ولده عندي،و انا لا اعرفه فلما انقضت الحكاية قال:انا ولده لصلبه فعجبت من هذا الاتفاق و قلت:هل رأيت فخذه و هي مريضة، فقال:لا لأني اصبو عن ذلك و لكنّي رأيتها بعد ما صلحت،و لا أثر فيها، و قد نبت في موضعها شعر،و سألت السيد صفي الدين محمد بن بشر العلوي الموسوي،و نجم الدين حيدر بن الايسر(رحمهما اللّه تعالى)،و كانا من اعيان الناس و سراتهم و ذوي الهبات،منهم و كانا صديقين لي و عزيزين عندي،فاخبراني بصحة هذه القصة،و انهما رأياها في حال مرضها و حال صحتها،و حكى لي ولده هذا،أنه كان بعد ذلك شديد الحزن لفراقه(عليه السلام)حتى انه جاء الى بغداد و أقام بها في فصل الشتاء،و كان كل ايام يزور سامراء و يعود الى بغداد فزارها في تلك السنة اربعين مرة،طمعا ان يعود له الوقت الذي مضى او يقضي له الحظ بما قضى و من الذي اعطاه دهره الرضا،أو ساعده بمطالبه صرف القضا فمات(رحمه اللّه)بحسرته،

ص: 303

و انتقل الى الآخرة،بغصته و اللّه يتولاه و إيانا برحمته،بمنه و كرامته،و حكى لي السيد باقي بن عطوة العلوي الحسيني،ان اباه عطوة،كان به ادرة و كان زيدي المذهب،و كان ينكر على بنيه الميل الى مذهب الامامية،و يقول:لا اصدقكم و لا اقول بمذهبكم حتى يجيء صاحبكم يعني المهدي فيبرئني من هذا المرض،و تكرر هذا القول منه،فبينا نحن مجتمعون عند وقت عشاء الآخرة،اذا ابونا يصيح و يستغيث بنا،فاتيناه سراعا،فقال:الحقوا صاحبكم فالساعة خرج من عندي فخرجنا فلم نر احدا،فعدنا اليه و سألناه فقال:انه دخل اليّ شخص،و قال يا عطوة فقلت من انت؟فقال انا صاحب بنيك قد جئت لا برئك مما بك،ثم مد يده فعصر قروتي و مشى، و مددت يدي فلم ار لها اثرا،قال لي ولده:و بقي مثل الغزال ليس به قلبة.و اشتهرت هذه القصة و سألت عنها غير ابنه فاخبر عنها،فاقرّبها.

انتهى.

و تشرفهما بخدمة مولانا صاحب الزمان،(صلوات اللّه عليه)،و برء ما بهما من التوثة و الادرة ببركته،ثم قال و الاخبار عنه(عليه السلام)في هذا الباب كثيرة و أن جماعة قد انقطعوا في طرق الحجاز،و غيرها،فخلصهم و أوصلهم الى حيث ارادوا و لو لا التطويل،لذكرت منها حملة،و لكن هذا القدر الذي قرب عهده من زماني كاف.انتهى.

فصل في التمحيص و النهي عن التوقيت

روى الشيخ الصدوق باسناده عن ابي علي بن همام،قال:سمعت محمد بن عثمان العمري،(رضي اللّه عنه)،قال:سمعت ابي يقول سئل ابو محمد الحسن بن علي،(صلوات اللّه عليهم)،ان الأرض لا تخلو من حجة اللّه على خلقه،الى يوم القيامة،و ان من مات و لم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية،فقال(عليه السلام)ان هذا حق،كما ان النهار حق،

ص: 304

فقيل له يا ابن رسول اللّه فمن الحجة و الإمام بعدك؟قال ابني(م ح م د) و هو الإمام و الحجة بعدي من مات و لم يعرفه مات ميتة جاهلية،اما ان له غيبة يحار (1)فيها الجاهلون،و يهلك فيها المبطلون،و يكذب فيها الوقّاتون، ثم يخرج فكأني انظر الى الاعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة.

و بإسناده عن منصور،قال قال ابو عبد اللّه(عليه السلام):يا منصور إن هذا الأمر لا يأتيكم الا بعد يأس،لا و اللّه حتى تميزوا،لا و اللّه حتى تمحصوا،لا و اللّه،حتى يشقى من يشقى،و يسعد من يسعد.

و بإسناده عن ابي عبد اللّه(عليه السلام)قال ان لصاحب هذا الأمر غيبة، المتمسك فيها بدينه كالخارط للقتاد (2)ثم قال هكذا بيده،ثم قال ان لصاحب هذا الأمر غيبة،فليتق اللّه عبد و ليتمسك بدينه.

و روى الشيخ الطوسي عن الفضيل،قال:سألت ابا جعفر(عليه السلام)هل لهذا الأمر وقت؟فقال كذب الوقّاتون كذب الوقّاتون.

و عن الصادق(عليه السلام)،في حديث مهزم الاسدي،قال يا مهزم:كذب الوقّاتون و هلك المستعجلون و نجا المسلّمون و الينا يصيرون.

و عن ابي جعفر(عليه السلام)انه قال لتمحصن (3)يا معشر الشيعة، شيعة آل محمد،كمحيص الكحل في العين لأن صاحب الكحل،يعلم متى يقع في العين،و لا يعلم متى يذهب،فيصبح احدكم و هو يرى،انه على شريعة من امرنا،فيمسي و قد خرج منها،و يمسي و هو على شريعة من امرنا فيصبح و قد خرج منها.ل.

ص: 305


1- رجع و تحير.
2- القتاد شجر عظيم له شوك كالابر و خرط القتاد يضرب مثلا للامور الصعبة(منه).
3- اي لتختبرن و تنقين نقاء الكحل.

النعماني باسناده (1)،عن ابن نباتة، (2)عن امير المؤمنين(عليه السلام)انه قال:كونوا كالنحل (3)في الطير،ليس شيء من الطير الا و هو يستضعفها و لو علمت الطير ما في اجوافها من البركة لم يفعل بها ذلك، خالطوا الناس بالسنتكم و ابدانكم و زايلوا بقلوبكم و اعمالكم،فو الذي نفسي بيده ما ترون ما تحبون،حتى يتفل بعضكم في وجوه بعض،و حتى يسمي بعضكم بعضا كذابين،و حتى لا يبقى منكم(او من شيعتي إلاّ) كالكحل في العين و الملح في الطعام،و سأضرب لكم مثلا:و هو مثل رجل كان له طعام فنقاه و طيبه ثم ادخله بيتا و تركه فيه،ما شاء اللّه،ثم عاد اليه فاذا هو قد اصاب طائفة منه السوس فاخرجه و نقاه و طيبه و اعاده و لم يزل كذلك حتى بقيت منه رزمة (4)كرزمة الاندر (5)و لا يضره السوس شيئا، و كذلك انتم تميزون حتى لا يبقى منكم،الا عصابة لا تضرها الفتنة شيئا.ي.

ص: 306


1- هو الشيخ الأجل محمد بن ابراهيم الملكي بابن ابي زينب صاحب كتاب الغيبة يروي عن الكليني(رحمه اللّه).
2- ابن نباتة هو الاصبغ بن نباتة بضم النون المجاشعي كان من خاصة امير المؤمنين(عليه السلام)و عمر بعده،و كان يوم صفين على شرطة الخميس و قال لأمير المؤمنين(عليه السلام) قدمني في البقية من الناس فانك لا تفقد في اليوم صبرا و لا نصرا،قال(عليه السلام)تقدم باسم اللّه و البركة فتقدم و اخذ رايته فمضى مرتجزا و قد خضب سيفه و رمحه دما و كان شيخا ناسكا عابدا و كان اذا لقي القوم لا يغمد سيفه و كان(رحمه اللّه)من ذخائر علي(عليه السلام)ممن قد بايعه على الموت و من فرسان اهل العراق،و روي عنه(عليه السلام)عهد الاشتر و وصيته (عليه السلام)الى محمد ابنه و هو الذي دخل على امير المؤمنين(عليه السلام)لما ضربه ابن ملجم لعنه اللّه فرآه معصوب الرأس بعصابة صفراء و قد اصفر وجهه بحيث قد غلب صفرة وجهه على تلك العصابة و هو يرفع فخذا و يضع اخرى من شدة الضربة و كثرة السم فطلب منه(عليه السلام)ان يحدثه بحديث سمعه من رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فحدثه(عليه السلام)(منه).
3- امر بالتقية:اي لا تظهروا ما في اجوافكم من دين الحق(منه).
4- زرمة بالفتح:أي حزمة،باقة.
5- الاقل النادر،الصافي.

و بإسناده عن ابي بصير،عن ابي عبد اللّه(عليه السلام)قال:قلت له:جعلت فداك متى خروج القائم(عليه السلام)؟فقال يا أبا محمد إنّا اهل بيت لا نوقت،و قد قال محمد(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم):كذب الوقاتون،يا محمد ان قدام هذا الأمر خمس علامات اولهن النداء في شهر رمضان،و خروج السفياني،و خروج الخراساني و قتل النفس الزكية، و خسف بالبيداء،ثم قال يا محمد إنه لا بد ان يكون قدام ذلك الطاعونان، الطاعون الأبيض و الطاعون الأحمر،قلت جعلت فداك ايّ شيء الطاعون الأبيض و اي شيء الطاعون الأحمر قال الطاعون الأبيض الموت الجارف (1)و الطاعون الاحمر السيف،و لا يخرج القائم حتى ينادى باسمه من جوف السماء،في ليلة ثلاث و عشرين،ليلة جمعة،قلت بم ينادي؟قال باسمه و اسم ابيه:الا ان فلان بن فلان قائم آل محمد(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم) فاسمعوا له و اطيعوا،فلا يبقى شيء خلق اللّه فيه الروح الا سمع الصيحة،فتوقظ النائم،و يخرج الى صحن داره،و تخرج العذارء من خدرها،و يخرج القائم مما يسمع و هي صيحة جبرائيل(عليه السلام).

فصل في فضل انتظار الفرج

روى الصدوق بإسناده عن الباقر،عن آبائه(عليهم السّلام)،قال:

قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم):افضل العبادة انتظار الفرج.

و عن عمار الساباطي قال قلت لأبي عبد اللّه(عليه السلام)العبادة مع الإمام منكم المستتر في السرّ في دولة الباطل افضل،ام العبادة في ظهور الحق و دولته مع الإمام الظاهر منكم؟فقال يا عمار الصدقة في السر و اللّه افضل من

ص: 307


1- في الحديث الطاعون الجارف سمي جارفا لأنه كان سريعا جرف الناس كجرف السيل و الجرف هو اخذك الشيء عن وجه الأرض بالمجرفة(منه).

الصدقة في العلانية و كذلك عبادتكم في السر مع امامكم المستتر في دولة الباطل،افضل لخوفكم من عدوكم في دولة الباطل.

و روى البرقي عن ابي عبد اللّه(عليه السلام)قال:من مات منكم و هو منتظر لهذا الأمر كمن هو مع القائم(عليه السلام)في فسطاطه،قال:

ثم مكث هنيهة ثم قال:لا بل كمن قارع (1)معه بسيفه،ثم قال:لا و اللّه الا كمن استشهد مع رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم).

و روى الشيخ الطوسي عن جابر قال:دخلنا على ابي جعفر محمد بن علي(عليه السلام)و نحن جماعة بعد ما قضينا نسكنا فودعناه و قلنا له:أوصنا يا ابن رسول اللّه،فقال:ليعن (2)قويكم ضعيفكم،و ليعطف غنيكم على فقيركم،و لينصح الرجل اخاه كنصحه لنفسه،و اكتموا أسرارنا و لا تحملوا الناس على اعناقنا (3)،و انظروا أمرنا و ما جاءكم عنا فان وجدتموه،و القرآن موافقا فخذوا به،و ان لم تجدوه موافقا فردوه،و ان اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده وردوه الينا،حتى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا، فاذا كنتم كما أوصيناكم،لم تعدوا الى غيره،فمات منكم ميت قبل ان يخرج قائمنا كان شهيدا،و من ادرك قائمنا فقتل معه كان له اجر شهيدين،و من قتل بين يديه عدّوا لنا كان له اجر عشرين شهيدا.

النعماني سندا عن جابر بن يزيد عن ابي جعفر الباقر(عليه السلام)انه قال:اسكنوا (4)ما سكنت السماوات و الأرض،اي لا تخرجوا على احد فان).

ص: 308


1- اي ضرب و طعن.
2- امر من الاعانة.
3- اي لا تقولوا فينا و عنا ما فيه فسحة لاعدائنا في النكاية بنا.
4- روى عن الرضا(عليه السلام)في تأويله اسكن ما سكنت السماء من النداء باسم القائم (عليه السلام)و الأرض من الخسف بالجيش(منه).

أمركم ليس به خفاء ألا انها آية من اللّه عز و جل،ليست من الناس ألا انها اضوأ من الشمس لا يخفى.على بر و لا فاجر،اتعرفون الصبح،فانه كالصبح ليس به خفاء (1).

الصدوق عن ابي عبد اللّه(عليه السلام)قال:يأتي على الناس زمان يغيب عنهم امامهم.فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان،ان أدنى ما يكون لهم من الثواب،ان يناديهم الباري عز و جل،عبادي آمنتم بسري و صدقتم بغيبتي فابشروا بحسن الثواب مني فانتم عبادي و امائي حقّا،منكم اتقبل،و عنكم اعفو،و لكم اغفر،و بكم اسقي عبادي الغيث و ادفع عنهم البلاء،و لو لا كم لأنزلت عليهم عذابي،قال جابر:فقلت يا ابن رسول اللّه فما افضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان؟قال حفظ اللسان و لزوم البيت.

و بإسناده عن ابراهيم الكرخي قال دخلت على ابي عبد اللّه(عليه السلام)و اني لجالس عنده اذ دخل ابو الحسن موسى بن جعفر(عليه السلام)و هو غلام؟فقمت اليه فقبلته و جلست،فقال ابو عبد اللّه(عليه السلام)يا ابراهيم أما إنه صاحبك من بعدي،أما ليهلكن فيه قوم و يسعد آخرون،فلعن اللّه قاتله و ضاعف على روحه العذاب،أما ليخرجن اللّه من صلبه خير أهل الأرض في زمانه سميّ جده و وارث علمه و احكامه و فضائله، معدن الامامة و رأس الحكمة،يقتله جبار بني فلان بعد عجائب طريفة حسدا له،و لكن اللّه بالغ امره و لو كره المشركون،يخرج اللّه من صلبه تمام اثني عشر مهديّا اختصهم اللّه بكرامته و احلهم دار قدسه،المقرّ بالثاني عشر منهم كالشاهر سيفه بين يدي رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)يذب).

ص: 309


1- قال النعماني(رحمه اللّه)انظروا رحمكم اللّه الى هذا التأديب من الأئمة(عليهم السّلام) والى امرهم و رسمهم في الصبر و الكف و الانتظار للفرج و ذكرهم هلاك المحاضير و المستعجلين و كذب المتمنين و وصفهم نجاة المسلمين و مدحهم الصابرين الثابتين و تشبيهم اياه على الثبات كثبات الحصن على اوتادها فتأدبوا رحمكم اللّه بتأديبهم و سلموا لقولهم و لا تجاوزوا رسمهم الخ(منه).

عنه،قال:فدخل رجل من موالي بني امية،فانقطع الكلام،فعدت إلي أبي عبد اللّه(عليه السلام)احد عشر مرة اريد ان يستتم الكلام فما قدرت على ذلك،فلما كان قابل السنة الثانية دخلت عليه و هو جالس فقال يا ابراهيم، المفرج لكرب شيعته بعد ضنك (1)شديد،و بلاء طويل،و جزع و خوف، فطوبى لمن ادرك ذلك الزمان،حسبك يا ابراهيم،فما رجعت بشيء أسرّ من هذا لقلبي و لا اقر لعيني.

فصل في ذكر علة غيبته(عليه السلام)

روى الصدوق عن سعيد بن جبير قال:سمعت سيد العابدين علي بن الحسين(عليه السلام)يقول في القائم منا سنن من سنن الأنبياء(عليهم السلام)،سنة من آدم و سنة من نوح و سنة من ابراهيم و سنة من موسى و سنة من عيسى و سنة من ايوب و سنة من محمد(صلّى اللّه عليه و آله و عليهم)،فاما من آدم(عليه السلام)و من نوح(عليه السلام)فطول العمر،و أما من ابراهيم(عليه السلام)فخفاء الولادة و اعتزال الناس، و اما من موسى(عليه السلام)فالخوف و الغيبة و اما من عيسى(عليه السلام)فاختلاف الناس فيه و أما من ايوب(عليه السلام)فالفرج بعد البلوى و اما من محمد(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)فالخروج بالسيف.

و عن عبد اللّه بن الفضل الهاشمي،قال:سمعت الصادق جعفر بن محمد(صلوات اللّه عليه)يقول:ان لصاحب هذا الأمر غيبة لا بد منها، يرتاب فيها كل مبطل،فقلت له و لم جعلت فداك؟قال لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم،قلت فما وجه الحكمة في غيبته؟قال وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه،من حجج اللّه تعالى ذكره،ان وجه الحكمة

ص: 310


1- اي ضيق.

في ذلك لا ينكشف الا بعد ظهوره كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما اتاه الخضر (عليه السلام)من خرق السفينة،و قتل الغلام و اقامة الجدار لموسى(عليه السلام)الا وقت افتراقهما.يا ابن الفضل ان هذا الأمر امر من أمر اللّه و سر من سر اللّه و غيب من غيب اللّه،و متى علمنا انه عز و جل حكيم،صدقنا بأن افعاله كلها حكمة،و ان كان وجهها غير منكشف لنا.

و عن حنان بن سدير عن ابيه عن ابي عبد اللّه(عليه السلام)قال ان للقائم منا غيبة يطول امدها،فقلت له:و لم ذاك يا ابن رسول اللّه؟قال:

ان اللّه عز و جل ابى إلا ان يجري فيه سنن الأنبياء(عليهم السّلام)في غيباتهم،و أنه لا بد له يا سدير،من استيفاء مدد غيباتهم،قال اللّه عز و جل لتركبن طبقا عن طبق(اي سننا على سنن من كان قبلكم).

و عن ابي عمير (1)عمن ذكره عن ابي عبد اللّه(عليه السلام)قال قلت له:ما بال امير المؤمنين(عليه السلام)لم يقاتل مخالفيه في الأوّل؟قال لآية في كتاب اللّه عز و جل لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (2) ،قال قلت:و ما يعني بتزايلهم؟قال ودائع مؤمنون في اصلاب قوم كافرين،فكذلك القائم(عليه السلام)،لن يظهر ابدا حتى تخرج ودائع اللّه عز و جل،فاذا خرجت ظهر على من ظهر من اعداء اللّه عز و جل فقتلهم.

عن الاحتجاج عن اسحاق بن يعقوب انه ورد عليه من الناحية المقدسة على يد محمد بن عثمان(رضي اللّه عنه):و اما علة ما وقع من الغيبة فان اللّه عز و جل يقول:و يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ (3) ،انه لم يكن احد من آبائي الا وقعت في عنقه بيعة لطاغيةر.

ص: 311


1- هو الثقة الثبت الورع الذي مراسيله في حكم المسانيد و قد اجمع الاصحاب على تصحيح ما يصح عنه و اقروا له بالفقه و كان(رضوان اللّه عليه)حليف السجدة الطويلة راجع ترجمته في مجالس المؤمنين و الرجال الكبير.
2- سوره 48 - آیه 25
3- سوره 5 - آیه 101

زمانه،و إني اخرج حين اخرج و لا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي،و اما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس اذا غيّبها عن الابصار السحاب،و إنّي لأمان لأهل الأرض كما ان النجوم أمان لأهل السماء، فاغلقوا ابواب السؤال عما لا يعنيكم،و لا تتكلفوا على ما قد كفيتم، و اكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فان ذلك فرجكم و السلام عليك يا اسحاق بن يعقوب،و على من اتبع الهدى.

روى الشيخ الصدوق بإسناده عن علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر(عليهما السّلام)،قال:اذا فقد الخامس من ولد السابع فاللّه اللّه في اديانكم،و لا يزيلكم احد عنها،يا بني،انه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به،انما هي محنة من اللّه عز و جل امتحن بها خلقه،و لو علم آباؤكم و اجدادكم دينا اصح من هذا لاتّبعوه،فقلت:يا سيدي من الخامس من ولد السابع؟قال يا بني عقولكم تصغر عن هذا و أحلاقكم (1)تضيق عن حمله و لكن ان تعيشوا فسوف تدركونه.

فصل علامات الظهور

روى الصدوق(رحمه اللّه)باسناده عن محمد بن مسلم الثقفي،قال:

سمعت ابا جعفر(عليه السلام)يقول:القائم منا منصور بالرعب،مؤيد بالنصر،تطوى له الأرض،و تظهر له الكنوز،و يبلغ سلطانه المشرق و المغرب و يظهر اللّه عز و جل به دينه و لو كره المشركون،فلا يبقى في الأرض خراب الا عمر،و ينزل روح اللّه عيسى بن مريم(عليه السلام)فيصلي خلفه،قال:فقلت له يا ابن رسول اللّه،متى يخرج قائمكم؟قال اذا تشبه

ص: 312


1- جمع حلق و هو مجرى الطعام و هي كناية عن عدم سعة صدورهم و درك عقولهم له.

الرجال بالنساء و النساء بالرجال،و اكتفى الرجال بالرجال،و النساء بالنساء،و ركب ذوات الفروج السروج،و قبلت شهادات الزور و ردّت شهادات العدل،و استخف الناس بالدماء و ارتكب الزنا و أكل الربا، و أتقّي (1)الاشرار مخافة السنتهم (2)و خرج السفياني من الشام،و اليماني من اليمن،و خسف بالبيداء،و قتل غلام من آل محمد بين الركن و المقام اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية،و جاءت صيحة من السماء بان الحق فيه و في شيعته،فعند ذلك خروج قائمنا،فاذا خرج اسند ظهره الى الكعبة و اجتمع اليه ثلاثمئة و ثلاثة عشر رجلا،فاول ما ينطق به هذه الآية:بقية اللّه خير لكم ان كنتم مؤمنين.ثم يقول:انا بقية اللّه و حجته و خليفته عليكم،فلا يسلم عليه مسلم،الا قال السلام عليك يا بقية اللّه في ارضه،فاذا اجتمع اليه العقد و هو عشرة آلاف رجل خرج فلا يبقى في الأرض معبود دون اللّه، عز و جل،من صنم و وثن و غيره الا وقعت فيه نار فاحترق،و ذلك بعد غيبة طويلة ليعلم اللّه من يطيعه بالغيب و يؤمن به.

و بإسناده الى النبي(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،في حديث ابي بن كعب،الوارد في فضائل الأئمة،(عليهم السّلام)،و صفاتهم واحدا بعد واحد،قال في آخره:و ان اللّه جل و عز ركب في صلب الحسن، يعني العسكري(عليه السلام)،نطفة مباركة نامية زكية طيبة طاهرة مطهرة، يرضى بها كل مؤمن ممن قد اخذ اللّه عليه ميثاقه في الولاية،و يكفر بها كل جاحد،فهو إمام تقي نقي بار مرضي هاد مهدي أوله العدل و آخره، يصدق اللّه عز و جل و يصدقه اللّه في قوله،يخرج من تهامة حين تظهر الدلائل و العلامات،و له بالطالقان (3)كنوز لا ذهب و لا فضة الا خيولى.

ص: 313


1- بصيغة المفعول.
2- اقول الظاهر ان شيوع هذه المنكرات و اذاعتها من علامات ظهوره بحيث غلبت هذه الفواحش في الناس لا ما وجدت نادرة.
3- طالقان:بفتح اللام.بلدتان،احدهما بخراسان بين مرو رود و بلخ بينها و بين مرو رود ثلاث مراحل،قال الاصطخري اكبر مدينة بخراسان طالقان،و الاخرى كورة و بلدة بين قزوين و ابهر. بها عدة قرى.

مطهمة و رجال مسومة (1)يجمع اللّه عز و جل له من اقاصي البلدان على عدد اهل بدر ثلاثمئة و ثلاث عشر رجلا،معه(عليه السلام)صحيفة مختومة فيها عدد اصحابه باسمائهم و انسابهم و بلدانهم و صنائعهم(طبايعهم خ د) و حلاهم (2)و كناهم كدادون (3)مجدون في طاعته،فقال له ابي:و ما دلائله و علاماته يا رسول اللّه؟قال له:علم اذا حان وقت خروجه،انتشر ذلك العلم من نفسه،و انطقه اللّه تبارك و تعالى،فناداه العلم،اخرج يا ولي اللّه و اقتل اعداء اللّه،و هما(له خ د)رايتان و علامتان و له سيف مغمد،فاذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده،و انطقه اللّه عز و جل، فناداه السيف اخرج يا ولي اللّه،فلا يحل لك ان تقعد عن اعداء اللّه، فيخرج و يقتل اعداء اللّه،حيث ثقفهم،و يقيم حدود اللّه،و يحكم بحكم اللّه تعالى،يخرج جبرائيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره و شعيب و صالح على مقدمته،سوف تذكرون ما أقول لكم،و لو بعد حين،و أفوض امري الى اللّه عز و جل،يا طوبى لمن لقيه و طوبى لمن احبه و طوبى لمن قال به،به ينجيهم اللّه من الهلكة،و بالإقرار باللّه و برسول اللّه و بجميع الأئمة،يفتح اللّه لهم الجنة،مثلهم في الأرض،كمثل المسك الذي يسطع ريحه،فلا يتغير ابدا،و مثلهم في الأرض،كمثل القمر المنير الذي لا يطفأ نوره ابدا،قال أبي يا رسول اللّه،كيف بيان حال هؤلاء الأئمة،عن اللّه جل و عز؟قال ان اللّه تبارك و تعالى انزل علي اثني عشر خاتما و اثنتي عشرة صحيفة،اسم كل امام على خاتمه و صفته في صحيفته.

قال شيخنا المفيد(رحمه اللّه)في الإرشاد:قد جاءت الآثار بذكر علامات زمان قيام القائم المهدي(عليه السلام)و حوادث تكون أمام قيامه و آيات و دلالات.ه.

ص: 314


1- اي معلمة بعلامة الايمان و العبادة.
2- اي ما اشتهروا به من الزي و الحلية.
3- اي اتعبوا انفسهم في سبيله و اجتهدوا في ارضائه و قبول طاعته.

فمنها:خروج السفياني،و قتل الحسيني،و اختلاف بني العباس في الملك الدنيوي،و كسوف الشمس في النصف من شهر رمضان،و خسوف القمر في آخره،على خلاف العادات،و خسف بالبيداء،و خسف بالمشرق،و خسف بالمغرب،و ركود الشمس من عند الزوال الى وسط اوقات العصر،و طلوعها من المغرب،و قتل نفس زكية بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين،و ذبح رجل هاشمي بين الركن و المقام،و هدم حائط مسجد الكوفة،و اقبال رايات سود من قبل خراسان،و خروج اليماني،و ظهور المغربي بمصر،و تملكه الشامات و نزول الترك الجزيرة،و نزول الروم الرملة، و طلوع نجم بالمشرق،يضيء كما يضيء القمر،ثم ينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه،و حمرة تظهر في السماء و تلتبس(تنتشر خ د)في آفاقها،و نار تظهر في المشرق طولا و تبقى في الجو ثلاثة أيام او سبعة أيام،و خلع العرب اعنتها،و تملكها البلاد و خروجها عن سلطان العجم،و قتل أهل مصر أميرهم،و خراب الشام،و اختلاف ثلاث رايات فيه،و دخول رايات قيس و العرب الى أهل مصر،و رايات كندة الى خراسان،و ورود خيل من قبل المغرب حتى تربط بفناء الحيرة،و اقبال رايات سود من قبل المشرق نحوها، و بثق في (1)الفرات حتى يدخل الماء ازقة (2)الكوفة،و خروج ستين كذابا كلهم يدعي النبوة،و خروج اثني عشر من آل ابي طالب كلهم يدعي الإمامة لنفسه،و إحراق رجل عظيم القدر من شيعة بني العباس بين جلولا و خانقين،و عقد الجسر مما يلي الكرخ بمدينة بغداد،و ارتفاع ريح سوداء بها في اول النهار،و زلزلة حتى ينخسف كثير منها،و خوف يشمل اهل العراق و بغداد،و موت ذريع فيه،و نقص من الأموال و الانفس و الثمرات،و جراد يظهر في أوانه و في غير أوانه حتى يأتي على الزرع و الغلات،و قلة ريع (3)لما يزرعه الناس و اختلاف صنفين من العجم،و سفك دماء كثيرة فيما بينهم،ل.

ص: 315


1- انبثق الماء:اي انفجر و جرى(منه).
2- اي اسواقها و شوارعها.
3- الريع:الانتاج و المحصول.

و خروج العبيد عن طاعة ساداتهم و قتلهم مواليهم،و مسخ القوم من اهل البدع حتى يصيروا قردة و خنازير،و غلبة العبيد على بلاد السادات،و نداء من السماء حتى يسمعه اهل الأرض،اهل كل لغة بلغتهم،و وجه و صدر يظهران من السماء،للناس في عين الشمس،و أموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا الى الدنيا فيتعارفون فيها و يتزاورون،ثم يختم ذلك باربع و عشرين مطرة تتصل فتحيا بها(به خ د)الأرض بعد موتها و تعرف بركاتها،و يزول بعد ذلك كل عاهة من معتقدي الحق من شيعة المهدي (عليه السلام)،فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة و يتوجهون نحوه لنصرته كما جاءت بذلك الاخبار،و من جملة هذه الاحداث محتومة،و فيها مشترطة، و اللّه اعلم بما يكون،و انما ذكرناها على حسب ما ثبتت في الاصول و تضمنتها الآثار المنقولة و باللّه نستعين و اياه نسأل التوفيق.

اخبرني ابو الحسن،علي بن بلال المهلبي،قال:حدثني جعفر المؤدب عن احمد بن ادريس،عن علي بن محمد بن(عن خ د)قتيبة،عن الفضل بن شاذان،عن اسماعيل بن الصباح،قال:سمعت شيخا من اصحابنا يذكر عن سيف بن عميرة،قال:كنت عند ابي جعفر المنصور فقال لي ابتداء يا سيف بن عميرة،لا بد من مناد ينادي من السماء،باسم رجل من ولد ابي طالب،فقلت:جعلت فداك يا امير المؤمنين تروي هذا؟قال إي و الذي نفسي بيده لسماع اذني له،فقلت له:يا امير المؤمنين ان هذا الحديث ما سمعته قبل وقتي هذا،قال:يا سيف انه لحقّ،فإذا كان فنحن اول من يجيبه،أما إن النداء لرجل من بني عمنا،فقلت رجل من ولد فاطمة(عليها السلام)؟فقال نعم يا سيف،لو لا انني سمعت (سمعته خ د)من ابي جعفر محمد بن علي(عليه السلام)يحدثني به، و حدثني به اهل الأرض كلهم،ما قبلته منهم،و لكنه محمد بن علي(عليهما السلام).

ص: 316

و روى يحيى بن ابي طالب،عن علي بن عاصم،عن عطا بن السائب،عن ابيه عن عبد اللّه بن عمر،قال:قال رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)لا تقوم الساعة حتى يخرج المهدي من ولدي،و لا يخرج المهدي حتى يخرج ستون كذابا كلهم،يقول انا نبي.

حدثني الفضل بن شاذان،عمن رواه عن أبي حمزة الثمالي،قال:قلت لأبي جعفر(عليه السلام)خروج السفياني من المحتوم؟قال نعم و النداء من المحتوم،و طلوع الشمس من مغربها من المحتوم،و اختلاف بني العباس في الدولة من المحتوم،و قتل النفس الزكية محتوم،و خروج القائم من آل محمد (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)محتوم،قلت و كيف يكون النداء؟قال ينادي من السماء اول النهار:ألا ان الحق مع عليّ و شيعته،ثم ينادي ابليس في آخر النهار الا ان الحق مع عثمان و شيعته،فعند ذلك يرتاب المبطلون.

فصل في ظهور القائم(عليه السلام)

فاما السّنة التي يقوم فيها القائم،عليه و على آبائه السلام،و اليوم بعينه فقد جائت فيه آثار رويت عن الصادقين(عليهما السّلام):

روى الحسن بن محبوب عن علي بن ابي حمزة عن ابي بصير عن ابي عبد اللّه(عليه السلام)قال لا يخرج القائم(عليه السلام)إلاّ في وتر من السنين،سنة احدى او ثلاث او خمس او سبع او تسع.

الفضل بن شاذان،عن محمد بن علي الكوفي،عن وهيب بن حفص، عن ابي بصير،قال:قال ابو عبد اللّه(عليه السلام)ينادى باسم القائم (عليه السلام)في ليلة ثلاث و عشرين،و يقوم في يوم عاشوراء(السبت خ د)و هو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي،(عليهما السّلام)،لكأني به في اليوم العاشر من المحرم،قائما بين الركن و المقام،جبرائيل عن(علي

ص: 317

خ د)يمينه ينادي البيعة للّه فتصير اليه شيعته من اطراف الأرض تطوى لهم طيا حتى يبايعونه فيملأ اللّه به الأرض عدلا كما ملئت جورا و ظلما.

و قد جاء الاثر بانه،عليه و على آبائه السلام،يسير من مكة حتى يأتي الكوفة فينزل على نجفها ثم يفرق الجنود منها في الامصار.

و روى الحجال عن ثعلبة عن ابي بكر الحضرمي عن ابي جعفر(عليه السلام)قال كأني بالقائم(عليه السلام)على نجف الكوفة قد سار اليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة،جبرائيل عن يمينه و ميكائيل عن شماله و المؤمنون بين يديه و هو يفرق الجنود في البلاد.

و في رواية عمرو بن شمر،عن ابي جعفر(عليه السلام)،قال:ذكر المهدي فقال يدخل الكوفة و بها ثلاث رايات قد اضطربت،فتصفو له و يدخل حتى يأتي المنبر فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء،فاذا كانت الجمعة الثانية سأله الناس ان يصلي بهم الجمعة،فيأمر ان يخط له مسجد على الغريّ،و يصلي بهم هناك،ثم يأمر من يحفر من ظهر قبر الحسين (عليه السلام)نهرا يجري الى الغربين حتى ينزل الماء في النجف،و يعمل على فوهته القناطر و الارحاء فكأني بالعجوز على رأسها مكتل (1)فيه بر تأتي تلك الارحاء فتطحنه بلا كرى.

و في رواية صالح بن أبي الاسود،عن ابي عبد اللّه(عليه السلام)، قال:ذكر مسجد السهلة فقال أما انه منزل صاحبنا اذا قدم باهله.

و في رواية المفضل بن عمر قال سمعت ابا عبد اللّه(عليه السلام)يقول اذا قام قائم آل محمد(عليهم السّلام)بنى في ظهر الكوفة مسجدا له الف باب و اتصلت بيوت اهل الكوفة بنهري كربلاء.ص.

ص: 318


1- المكتل و المكتلة:زنبيل من خوص.

فصل في صفاته(عليه السلام)

و قد جاء الاثر بصفة القائم(عليه السلام)،فروى عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي،قال:سمعت ابا جعفر(عليه السلام)يقول:سأل عمر بن الخطاب امير المؤمنين(عليه السلام)،فقال اخبرني عن المهديّ ما اسمه،فقال اما اسمه فان حبيبي(عليه السلام)عهد الي ان لا احدث به حتى يبعثه اللّه،قال اخبرني عن صفته،قال:هو شاب مربوع حسن الوجه حسن الشعر(الثغر خ د)يسيل شعره على منكبيه و يعلو نور وجهه سواد شعر لحيته و رأسه بأبي ابن خيرة الاماء.

فصل سيرته و احكامه عند قيامه(عليه السلام)

و اما سيرته(عليه السلام)عند قيامه و طريقة احكامه و ما يبينه اللّه تعالى من آياته،فقد جاءت الآثار به حسب ما قدمناه فروى المفضل بن عمر الجعفي،قال:سمعت ابا عبد اللّه جعفر بن محمد(عليهما السّلام)، يقول:اذا أذن اللّه تعالى للقائم في الخروج،صعد المنبر،فدعا الناس الى نفسه و ناشدهم باللّه و دعاهم الى حقه،و ان يسير فيهم بسنة رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،و يعمل فيهم بعمله،فيبعث اللّه جل جلاله جبرائيل(عليه السلام)حتى يأتيه فينزل على الحطيم يقول الى أي شيء تدعو؟فيخبره القائم(عليه السلام)،فيقول جبرائيل أنا أول من ابايعك، ابسط يدك فيمسح على يده و قد وافاه ثلاثمئة و بضعة عشر رجلا،فيبايعونه و يقيم بمكة حتى يتم اصحابه عشرة آلاف نفس،ثم يسير منها الى المدينة.

و روى محمد بن عجلان،عن ابي عبد اللّه(عليه السلام)،قال:إذا قام القائم(عليه السلام)دعا الناس الى الإسلام جديدا،و هداهم الى امر قد

ص: 319

دثر (1)فضل عنه الجمهور و انما سمي القائم مهديا لأنه يهدي الى أمر مضلول عنه(قد ضلوا عنه خ د)و سمي بالقائم لقيامه بالحق.

و روى عبد اللّه بن المغيرة،عن ابي عبد اللّه(عليه السلام)،قال:

اذا قام القائم من آل محمد(عليهم السّلام)،اقام خمسمئة من قريش، فضرب اعناقهم ثم أقام خمسمئة اخرى فضرب اعناقهم،ثم خمسمئة اخرى،حتى يفعل ذلك ست مرات،قلت و يبلغ عدد هؤلاء هذا،قال نعم منهم و من مواليهم.

و روى ابو بصير،قال:قال ابو عبد اللّه(عليه السلام):اذا قام القائم(عليه السلام)هدم المسجد الحرام حتى يرده الى أساسه،و حول المقام الى الموضع الذي كان فيه،و قطع أيدي بني شيبة و علقها بالكعبة، و كتب عليها هؤلاء سراق الكعبة.

و روى ابو الجارود عن ابي جعفر(عليه السلام)،في حديث طويل، أنه قال:اذا قام القائم(عليه السلام)سار الى الكوفة فخرج منها بضعة عشر الف نفس يدعون البترية (2)،عليهم السلاح،فيقولون له ارجع من حيث شئت،فلا حاجة لنا في بني فاطمة،فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم،ثم يدخل الكوفة،فيقتل بها كل منافق مرتاب،و يهدم قصورها و يقتل مقاتلها،حتى يرضي اللّه عز و علا.

و روى ابو خديجة،عن ابي عبد اللّه(عليه السلام)،قال:اذا قام القائم(عليه السلام)جاء بامر جديد،كما دعا رسول اللّه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)في بدء الإسلام الى امر جديد.ة.

ص: 320


1- اي اندرس.
2- البترية بضم الباء:فرقة من الزيدية قائلون بامامة ابي بكر و عمر و ان اخطأت الأمة في البيعة لهما مع وجود علي(عليه السلام)لكنه خطأ ليس على درجة الفسق و توقفوا في عثمان،و لعل المذكورين قوم من اعقابهم يسمون بهم،اذ من عقائد البترية بل مطلق الزيدية الخروج مع من ولده علي بن ابي طالب بادعائه الإمامة.

و روى علي بن قبة،عن ابيه،قال:اذا قام القائم(عليه السلام) حكم بالعدل،و ارتفع في أيامه الجور و أمنت به السبل،و أخرجت الأرض بركاتها،ورد كل حق الى أهله،و لم يبق أهل دين حتى يظهروا الإسلام،و يعرفوا بالإيمان،اما سمعت اللّه سبحانه يقول: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً،وَ كَرْهاً،وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (1) ،و حكم بين الناس بحكم داود و حكم محمد(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،،فحينئذ تظهر الأرض كنوزها و تبدي بركاتها،و لا يجد الرجل منكم يومئذ موضعا لصدقته، و لا لبره،لشمول الغنى جميع المؤمنين،ثم قال:إن دولتنا آخر الدول و لم يبق اهل بيت لهم دولة الا ملكوا قبلنا،لئلا يقولوا اذا رأوا سيرتنا:إذا ملكنا سرنا،بمثل سيرة(بسيرة خ د)هؤلاء و هو قول اللّه تعالى و العاقبة للمتقين.

و روى ابو بصير،عن أبي جعفر(عليه السلام)في حديث طويل،انه قال:اذا قام القائم(عليه السلام)سار الى الكوفة،فهدم بها اربعة مساجد،و لم يبق مسجد على وجه الأرض له شرف (2)الا هدمها،و جعلها جمّا (3)و وسع الطريق الاعظم،و كسر كل جناح (4)خارج في الطريق، و ابطل الكنف و المآزيب (5)و لا يترك بدعة الا أزالها و لا سنة الا أقامها،و يفتح قسطنطينية و الصين و جبال الديلم،فيمكث على ذلك سبع سنين،كل سنة عشر سنين من سنيكم هذه،ثم يفعل اللّه ما يشاء،قال:قلت له جعلت فداك،فكيف يطول السنين؟قال يأمر اللّه تعالى الفلك باللبوث (6)و قلة الحركة فتطول الأيام لذلك و السنون،قال:قلت له انهم يقولون ان الفلك ان تغير فسد قال ذلك قول الزنادقة،فاما المسلمون فلا سبيل لهم الى ذلك،ف.

ص: 321


1- سوره 3 - آیه 83
2- جمع شرفة بضم الشين و هو من القصر ما اشرف من بنائه.
3- جمع اجم و هو البناء الذي ليس له شرف.
4- و هو ما خرج من البناء عن اصوله في الشارع.
5- الكنف:جناح الابنية،و المآزيب هي مجاري الماء من السطح.
6- اي التوقف.

و قد شق اللّه تعالى القمر لنبيه(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،ورد الشمس من قبله ليوشع بن نون(عليه السلام)،و أخبر بطول يوم القيامة و أنه كالف سنة مما تعدون.

و روى جابر،عن ابي جعفر(عليه السلام)،انه قال:اذا قام قائم آل محمد(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)،ضرب فساطيط (1)لمن يعلّم الناس القرآن،على ما انزل اللّه عز و جل،فاصعب ما يكون على من حفظه اليوم،لأنه يخالف فيه التأليف.

و روى المفضل بن عمر،عن ابي عبد اللّه(عليه السلام)،قال:

يخرج مع القائم(عليه السلام)من ظهر الكوفة سبع و عشرون رجلا،خمسة عشر من قوم موسى(عليه السلام)الذين كانوا يهدون بالحق،و به يعدلون،و سبعة من اهل الكهف و يوشع بن نون،و سليمان،و ابو دجانة الأنصاري،و المقداد،و مالك الأشتر،فيكونون بين يديه انصارا و حكاما.

و روى عبد اللّه بن عجلان عن ابي عبد اللّه(عليه السلام)،قال:اذا قام قائم آل محمد(صلّى اللّه عليه و آله و سلّمو اله و سلم)حكم بين الناس بحكم داود (عليه السلام)،و لا يحتاج الى بينة،يلهمه اللّه تعالى فيحكم بعلمه،و يخبر كل قوم بما استبطنوه،و يعرف وليه من عدوه بالتوسم.

قال اللّه سبحانه ان في ذلك لآيات للمتوسمين و انها لبسبيل مقيم.

انتهى.

و لنختم الكلام:بهذا الدعاء المروي عن الإمام الهمام،موسى بن جعفر،صلوات اللّه عليه:(اللهم صل على محمد و آل محمد،و على منارك في عبادك،الداعي اليك باذنك القائم بأمرك،المؤدي عن رسولك، عليه و آله السلام،اللهم اذا اظهرته فانجز له ما وعدته،وسق اليهر.

ص: 322


1- جمع فسطاط و هو البيت من شعر.

اصحابه،و انصره و قوّ ناصريه،:و بلغه افضل امله و اعطه سؤله،و جدد به عن محمد و أهل بيته،(عليهم السّلام)بعد الذل الذي قد نزل بهم،بعد نبيك فصاروا مقتولين،مطرودين،مشردين،خائفين،غير آمنين، لقوا في جنبك الاذى،و التكذيب ابتغاء مرضاتك،و طاعتك،فصبروا على ما اصابهم فيك،راضين بذلك مسلمين لك،في جميع ما ورد عليهم و ما يرد اليهم،اللهم عجل فرج قائمهم،بأمرك و انصره و انصر به دينك، الذي غيّر و بدل،و جدد به ما امتحى منه و بدل بعد نبيك(صلّى اللّه عليه و آله و سلم)،اللهم صل على جميع النبيين،و المرسلين الذين بلغوا عنك الهدى و اعتقدوا لك المواثيق بالطاعة،اللهم صل عليهم و على ارواحهم و اجسادهم و السلام عليهم و رحمة اللّه و بركاته).

و فيما رسمناه من موجز تاريخهم(عليه السلام)و مختصر من اخبارهم كفاية فيما قصدناه،و اللّه ولي التوفيق و هو حسبنا و نعم الوكيل.كتبه بيمناه الوازرة عباس بن محمد رضا القمي في ليلة الجمعة الآخر من شهر رمضان سنة 1343 في المشهد المقدس على ساكنه السلام.

-***-*-*

«ختام و اعتذار»

نشكر اللّه تعالى على التوفيق لإتمام ما قصدناه من التحشية على هذا السفر الشريف و بعد:فهذا التوفيق نشأ من ارجاع مؤسسة النشر،تلك الخدمة الدينية الى الفقير،حين كنت مشغولا بتألف (تاريخ علوم القرآن)من موسوعتنا المسماة(بفرهنك معارف اسلامي)،و لما لم نجد بدا من إجابتهم،لما احسسنا من خلوص نظرهم في اشاعة آثار المذهب،شرعنا في العمل موفيا حقه، و لكن حضرات الناشرين اوقفونا عن ذلك معتذرين عدم تناسب تلك التحشية بهذا المتن المعد لاستفادة العموم،فاجبنا ثانيا مسؤولهم لأنهم ابصر في ذلك و اغتنمنا الفراغ لتتميم ما شرعنا في تأليفه قبل موسوعتنا،و نسأل اللّه الكريم توفيقنا في تنميقها،و ان تكون اثرا مفيدا،و يجعلها خالصة لوجهه انه قريب مجيب،و نرجو من القراء الدعاء لنا بحسن الخاتمة.

ص: 323

الفهرست

الموضوع الصفحة حياة المؤلف(ره)7

سير تكامل التاريخ في سيرتهم(ع)13

في احوال النبي المكرم(ص)19

في احوال الفاطمة الزكية(ع)43

في احوال ابي الحسن علي بن ابي طالب امير المؤمنين(ع)56

في احوال السبط الاكبر ابي محمد الحسن بن علي المجتبي(ع)73

في احوال ابي عبد اللّه الحسين بن علي الشهيد(ع)84

في احوال ابي محمد علي بن الحسين السجّاد(ع)92

في احوال ابي جعفر محمد بن علي الباقر(ع)115

في احوال ابي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق(ع)127

في احوال ابي ابراهيم،موسى بن جعفر الكاظم(ع)152

في احوال ابي الحسن،علي بن موسى الرضا(ع)176

في احوال ابي جعفر،محمد بن علي التقي الجواد(ع)207

في احوال ابي الحسن الثالث،علي بن محمد النقي الهادي(ع)226

في احوال ابي محمد،الحسن بن علي العسكري(ع)250

في احوال خاتم الاوصياء،الحجة بن الحسن المهدي(ع)275

ختام و اعتذار 323

ص: 324

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.