الردّ الساطع على ابن گاطع التمسّك بالمرجعية في زمن الغيبة الكبرى

اشارة

الردّ الساطع على ابن گاطع

التمسّك بالمرجعية

في زمن الغيبة الكبرى

تأليف : السيّد ضياء الخباز

تقديم: مَركَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّيَّة فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف

رقم الإصدار: 174

ص: 1

اشارة

تقديم: مَركَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّيَّة فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف

النجف الأشرف - شارع السور-قرب جبل الحویش

الموبایل: 07816787226 و 07812141111

ص.ب588

www.m.mahdi.com

info@m-mahdi.com

------------------------

******

التمسّك بالمرجعية في زمن الغيبة الكبرى

تأليف: السيّد ضياء الخبّاز

تقديم: مَركَز الدَّراسَاتِ التَّخَصُّصِّيَّة فِي الإِمَامِ المَهدِيّ عَجَّلَ الله تعالَي فَرَجَهُ الشَّريف

الطبعة الأُولى: 1436ه-

رقم الإصدار: 174

عدد النسخ: 40000

النجف الأشرف

جميع الحقوق محفوظة للمركز

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المركز:

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

بعد أن كثر الحديث عن المدعو أحمد إسماعيل گاطع وما جاء به من دعاوى وأكاذيب وصلت إلى أكثر من (50) دعوى باطلة ما أنزل الله بها من سلطان رأى مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي (علیه السلام) ضرورة التصدّي لبيان زيف هذه الدعاوي والردّ عليها ليس من باب أنَّ ما جاء به أُمور علمية تعتمد الدليل العلمي والبرهان المنطقي فأنت لا تجد في طيّات دعاويه غير الزيف والتدليس والكذب والافتراء والانتقاء في الاعتماد على الروايات _ وهذه كتبه وكتب أصحابه خير شاهد على ما نقول _، بل من باب أنَّ الشبهة قدتجد لها مساحة في بعض النفوس الضعيفة أوّلاً فتحتاج إلى

ص: 3

بعض التوضيحات وبلورة الأُصول والقيم وبيان الأُسس التي يعتمد عليها المنهج العلمي لدى السير البشري عموماً والطائفة بشكل خاصّ، مضافاً إلى القاء الحجَّة على المغترّ به والمتَّبع خطاه لئلَّا يقول أحد: «لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً مُنْذِراً وَأَقَمْتَ لَنا عَلَماً هادِياً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى»((1)).

لذا فإنَّ نش-ر هذا الكرّاس((2)) للردّ على ابن گاطع يعتبر حلقة من حلقات التصدّي لأهل البدع والزيغ، مضافاً إلى باقي أنشطة مركز الدراسات في ردّ الشبهات من خلال موقعه في النت وصفحات التواصل الاجتماعي وصحيفة صدى المهدي وغيرها.

نسأله تعالى الثبات على الحقّ «يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلوبنا على دينك».

مدير المركز

السيّد محمّد القبانچي

ص: 4


1- ([1]) إقبال الأعمال 1: 505.
2- ([2]) مقتبس من كتاب (المهدوية الخاتمة) للمؤلِّف.

علاقة عملية التمحيص بالغيبة الكبرى:

عند الرجوع إلى الروايات الواردة عن المعصومين (علیهم السلام) نجد أنَّ الأئمَّة الأطهار قد حذَّروا من مرحلةٍ حرجةٍ خطيرةٍ يمرُّ بها المجتمعُ الشيعيُ، وهي مرحلة التمحيص، فمن تلك الروايات:

1 _ ما ورد عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (علیه السلام) أنَّه قال: «مع القائم (علیه السلام) من العرب شيء يسير»، فقيل له: إنَّ من يصف هذا الأمر منهم لكثير! قال: «لا بدَّ للناس من أن يُمحَّصوا ويُميَّزوا ويُغربَلوا، وسيخرج من الغربال خلق كثير»((1)).

2 _ وعنه (علیه السلام) أيضاً: «هيهاتَ هيهاتَ! لا واللهِ لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم _ يعني ظهورالإمام

ص: 5


1- ([1]) الغيبة للنعماني: 212، ورواها عن أبي يعفور أيضاً؛ كما رواها عنه الشيخ الكليني في الكافي 1: 370.

المهدي (علیه السلام) _ حتَّى تُميَّزوا، لا واللهِ لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتَّى تُمحَّصوا، لا واللهِ لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتَّى تُغربَلوا، لا واللهِ لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم إلَّا بعد إياسٍ، لا واللهِ لا يكون ما تمدّون إليه أعينكم حتَّى يشقى مَنْ يشقى ويسعد مَنْ يسعد»((1)).

والحاصل: أنَّ الروايات تتحدَّث عن حقيقةٍ مخيفةٍ، وهي عملية التمحيص التي سيتعرَّض لها المجتمع الشيعي، وسيخرج من هذه العملية خلقٌ كثيرٌ، وهذه العملية مرتبطةٌ بغيبة الإمام المهدي (علیه السلام)، فقد ورد في الرواية عن أمير المؤمنين (علیه السلام): «والله لأُقْتَلَنَّ أنا وابناي هذان _ يعني: الحسن والحسين _ وليبعثنَّ اللهُ رجلاً من ولدي في آخر الزمان يُطالِب بدمائنا، وليغيبنَّ عنهم تمييزاً لأهل الضَّلالة حتَّى يقولالجاهلُ: ما لله في آل أحمد من حاجةٍ»((2)).

ص: 6


1- ([1]) الكافي 1: 370؛ الغيبة للشيخ الطوسي: 335.
2- ([1]) الغيبة للنعماني: 143.

فقوله (علیه السلام): «وليغيبنَّ عنهم تمييزاً» واضح الدلالة على ما قلناه من ارتباط عملية التمحيص بغيبة الإمام المنتظر (علیه السلام)، ولكن الذي ينبغي أن يقع البحث حوله في هذه الرواية الش-ريفة هو بيان حقيقة هذه العلاقة بين الغيبة والتمحيص، فهل هي من قبيل علاقة العليَّة أم علاقة الهدفية؟

تحقيق في حقيقة العلاقة بين الغيبة والتمحيص:

وقبل بيان الحقيقة لا بدَّ وأن نُفرِّق أوَّلاً بين العلاقتين، وذلك متوقّف على فهم الفرق بين العلّية والهدفية، أو فقل: بين مصطلحي العلَّة والحكمة، وبيانه:

أنَّه قد قُرِرَ في محلّه أنَّ العلَّة هي التي يدور المعلولُ مدارَها وجوداً وعدماً، فإذا وُجِدَت وُجِدَ وإذا انعدمتانعدم، بينما الحكمة هي المصلحة والثمرة المترتّبة على وجود الش-يء، فقد يوجد الش-يءُ ولا توجد، وقد يوجد وتوجد معه.

ص: 7

وبعبارة أُخرى: أنَّ علاقة العلّية هي علاقة تلازمية لا تتخلَّف، فإذا وُجِدَت العلَّة لا بدَّ وأن يوجد المعلول من غير تخلّف، وهذا النحو من الملازمة غير موجود في الحكمة والهدفية، إذ يمكن تخلّفه كما يمكن تحقّقه.

إذا اتَّضح ذلك نقول: هل أنَّ العلاقة بين غيبة وليّ الله الأعظم أرواحنا فداه، وبين التمحيص والغربلة والتمييز ونحوها من العناوين الواردة في الروايات الش-ريفة، هي علاقة العلّية، بحيث إنَّ الله تبارك وتعالى إنَّما غيَّب وليَّه من أجل تمحيص الشيعة وغربلتهم، ولو أنَّه لم يرد تمحيصهم لما غيَّبه، أم أنَّه غيَّبه لعلَّة تخفى علينا، وأحد أهداف تغييبه هو التمحيص؟الصحيح هو الثاني، لعدم معرفة أحد بعلَّة الغيبة، وهذا ما دلَّت بعض الروايات الش-ريفة، منها خبر عبد الله بن الفضل: قال الإمام الصادق (علیه السلام): «إنَّ لصاحب هذا الأمر غيبةً لا بدَّ منها، يرتاب فيها كلُّ مبطلٍ»،

ص: 8

فقلتُ: ولِ-مَ جُعِلْتُ فداك؟ قال: «ذلك لأمرٍ لم يُؤْذَن لنا في كشفه لكم»((1)).

والحاصل: فإنَّ علَّة الغيبة لا يعلمها إلَّا الله تبارك وتعالى وخزّان علمه، وبهذا تتبيَّن الملاحظة على ما يذكره البعض من كون العلَّة من غيبته هي الخوف من القتل، أو اكتساب الخبرات القياديَّة! أو غير ذلك من التعليلات التي لا مستند لها.

بيان حقيقة التمحيص:

بعد أن اتَّضح لنا أنَّ المجتمع الشيعي يتعرَّض إلى عملية تمحيص في زمن الغيبة، لا بدَّ من بيان حقيقة هذاالتمحيص وماهيَّته ليكون المؤمن على أُهبةٍ واستعدادٍ وحذرٍ.

فنقول: إنَّ هذا التمحيص في زمن الغيبة على مستويين:

ص: 9


1- ([1]) كمال الدين وتمام النعمة: 482؛ علل الشرائع 1: 246.

المستوى الأوَّل: التمحيص السلوكي، حيث يُمَحَّصُ الناسُ من خلال غرائزهم وشهواتهم، ليُعْلَمَ من الذي ينقاد لشهواته وغرائزه ومن الذي يتجرَّد منها، فنحن نعيش في زمان ثورةٍ غرائزيَّةٍ من خلال توفّر سبل الإثارة للغرائز والشهوات، وزمان الثورة الغرائزيَّة هو زمان عملية التمحيص السلوكي للناس من خلال غرائزهم.

وقد وردت الروايات الش-ريفة التي تشير إلى هذا النوع من التمحيص، كما في الخبر الطويل الذي يرويه الشيخ الكليني في الكافي الش-ريف عن مولانا الإمام الصادق (علیه السلام): «مَنْ انتظر أمرَنا وصبر على ما يرى من الأذى والخوف فهو غداً في زمرتنا، إذا رأيتَ الحقَّ قد مات وذهب أهلُه، ورأيتَ القمارَ قد ظهر،ورأيتَ الشرابَ يُباع جهاراً وليس له مانعٌ، ورأيتَ النساءَ يبذلن أنفسَهنَّ لأهل الكفر، ورأيتَ الملاهي قد ظهرت لا يجرؤ أحدٌ على منعها، ورأيتَ الدماءَ قد اسْتُخِفَّ بها، ورأيتَ الناسَ قد تساووا في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن

ص: 10

المنكر والتديّن به، فكن على حذر واطلب إلى الله (عجل الله تعالی فرجه الشریف) النجاة، واعلم أنَّ الناس في سخط الله (عجل الله تعالی فرجه الشریف) وإنَّما يُمهلهم لأمر يُراد بهم، فكن مترقِّباً واجتهد ليراك الله (عجل الله تعالی فرجه الشریف) في خلاف ما هم عليه»((1)).

فهذه الرواية الش-ريفة _ وأمثالها _ تتحدَّث عن عملية تمحيصٍ سلوكي، وتُبيِّن أنَّ الناس سيتعرَّضون إلى موجبات الإثارة والمفاتن الدنيويَّة على أشدّها، والذي يُش-رَّفُ برؤية الإمام ونص-رته هو مَنْ يتجاوز التمحيص السلوكي بنجاح.المستوى الثاني: التمحيص الفكري، وهو المستوى الأخطر والأشدّ؛ لأنَّ الناس لا يلتفتون إليه عادةً، فالمجتمع الشيعي سيُمَحَّصُ في بصيرته وعقائده وأفكاره، وستنتش-ر الراياتُ الضالّة والأفكارُ المنحرفةُ والشبهاتُ باسم الدين، ولا يخرج من هذه العملية إلَّا صاحبُ الوعي والبصيرة.

ويشهد لذلك ما ورد عن الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام): «الحادي عش-ر من ولدي، هو المهدي الذي يملأ

ص: 11


1- ([1]) الكافي 8: 36 - 42، نقلناه بتصرّف.

الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، تكون له غيبة وحيرة، يضلّ فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون»((1)).

فإنَّ التعبير فيها بالضلال والاهتداء واضح الدلالة على التمحيص في البصائر والدين.

والمتحصِّل: أنَّ التمحيص الذي يمرُّ به العالمُ الشيعي على مستويين، سلوكي وفكري، والثاني يشكلامتحاناً أخطر من الأوَّل إذ هو مرتبط بدين الناس وبصائرهم، وسيظهر من يرفع الرايات باسم الإمام المنتظر ويدَّعي السفارة والنيابة والارتباط به (علیه السلام)، ومن ينصاع لهؤلاء فقد وقع في هاوية الجحيم.

الهدف من عملية التمحيص:

إنَّ المراجع لآيات القرآن الكريم يقف على حقيقة غير قابلة للإنكار والتشكيك، بل هي سُنَّة تكوينية لا بدَّ وأن

ص: 12


1- ([1]) الكافي 1: 338؛ كمال الدين: 289؛ الغيبة للنعماني: 69؛ الغيبة للشيخ الطوسي: 336.

تتحقَّق في كلِّ مجتمع من المجتمعات، من المجتمع الآدمي الأوَّل الذي شمل آدم وبنيه، إلى آخر يوم من أيّام الدنيا، وهي عملية التمحيص التي لا تختلف ولا تتخلَّف، وهذا ما صدحت به آيات الذكر الحكيم، كما في قوله تعالى: ]أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ [ (العنكبوت: 2 و3).ولسنا بحاجة لإقامة الشواهد الكثيرة للتدليل على هذه الحقيقة، وإنَّما نحن بحاجة لمعرفة الهدف منها، فلماذا جعل الله تبارك وتعالى عملية التمحيص سُنَّة تأريخية اجتماعية تكوينية لا بدَّ أن يمرَّ بها كلّ مجتمع؟

والجواب عن ذلك بأن يُقال: إنَّ الله تبارك وتعالى جعل للعباد مراتب ومواقع ومناصب ودرجات، لا ينالها أحدهم إلَّا بعد الارتقاء في سُلَّم الكمال ودرجاته، وهذا الارتقاء لا يكون إلَّا بالتمحيص والابتلاء.

ص: 13

خضوع مقام التشرّف بالإمام لقانون التمحيص:

إذا اتَّضح أنَّ التمحيص عموماً إنَّما هو من أجل التأهيل لسموّ الموقع، يتَّضح الكلام فيما نحن فيه، فإنَّ صحبة الإمام المهدي (علیه السلام) ونص-رته من المقامات الشامخة، وعليه فلا بدَّ للارتقاء لها من المرور بعملية التمحيص.

وتفصيل ذلك: أنَّ موقعها ورتبتها عند الله (عجل الله تعالی فرجه الشریف) ممَّا يُحيِّر العقول ويُدهشها، وقدوردت روايات متعدّدة في فضل أصحاب الإمام المنتظر (علیه السلام) ومقامهم العالي.

منها: ما رواه شيخنا الصدوق (رحمه الله) في كمال الدين وتمام النعمة بسنده إلى إمامنا باقر العلوم (علیه السلام): «كأنّي بأصحاب القائم (علیه السلام) وقد أحاطوا بما بين الخافقين، فليس من شيء إلَّا وهو مطيع لهم حتَّى سباع الأرض وسباع الطير، يطلب رضاهم في كلِّ شيء، حتَّى تفخر الأرض على الأرض وتقول: مرَّ بي اليوم رجل من أصحاب القائم (علیه السلام)»((1)).

ص: 14


1- ([1]) كمال الدين: 673.

وبناءً على ما تقدَّم، وبمقتض-ى قانون التجانس والتناسب العقلائي، فإنَّ مقاماً كهذا المقام، ومنزلةً كهذه المنزلة، لا بدَّ وأن لا تُنال إلَّا بشقِّ الأنفس، وبطيّ تلك الاختبارات والابتلاءات، وبالصبر أمام ذلك التمحيص بما يناسب عظمة المقام، ويشهد لذلك ما جاء عن إمامنا الصادق (علیه السلام): «من س-رَّه أن يكون من أصحاب القائمفلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدوا وانتظروا، هنيئاً لكم أيَّتها العصابة المرحومة»((1)).

وظيفة المؤمن في مرحلة التمحيص:

تقدَّم في المطالب السابقة تقسيم التمحيص إلى فكري بصائري، وسلوكي عملي، وتقدَّم هناك أيضاً أنَّ الأوَّل أخطرهما، وأمَّا وجه أخطريَّته، فيمكن تقريبه ببيان أمرين:

الأمر الأوَّل: أنَّ التمحيص السلوكي ممَّا يمكن

ص: 15


1- ([1]) الغيبة للنعماني: 207.

تمييزه بسهولة، فالذي يعرف المحرَّمات بمختلف أنواعها، يمكنه الاجتناب عنها بسهولة.

الأمر الثاني: أنَّ التمحيص الفكري يكون باسم الدين والعلم، فيكون التمييز فيه صعباً حرجاً سيّما للطبقة العامّة.وعلى ضوء ذلك نقول: إنَّ الروايات الش-ريفة قد ركَّزت على ثلاث وظائف مهمَّة ينبغي للمؤمنين أن يقوموا بها في مرحلة التمحيص:

الوظيفة الأُولى: الحذر من أئمّة الضلال وأدعياء المهدوية:

وقد ركَّزت الروايات الش-ريفة على هذا الأمر كثيراً، فمنها: صحيحة أبي خديجة، عن إمامنا الصادق (علیه السلام) أنَّه قال: «لا يخرج القائم حتَّى يخرج اثنا عش-ر من بني هاشم كلّهم يدعو إلى نفسه»((1)).

ص: 16


1- ([1]) الغيبة للشيخ الطوسي: 437؛ الإرشاد للمفيد 2: 372.

والحاصل: أنَّ هنالك حالة من الضبابية تسود في مرحلة التمحيص، وينبغي على الإنسان أن يكون حذراً يقظاً ذا بصيرة في التعامل مع الأحداث المرتبطة بظهور الإمام (علیه السلام).

الوظيفة الثانية: التمسّك بالفقهاء والعلماء:

والملاحظ عند التدقيق في سيرة أهل البيت (علیهم السلام)، وبالأخصّ ما جاء عن الأئمّة المتأخّرين (علیهم السلام) ابتداءً بإمامنا الجواد وانتهاءً بإمامنا العسكري (علیهم السلام)، هو دورهم الواضح والكبير في التمهيد لغيبة الإمام المهدي (علیه السلام) باعتبار أنَّها ظاهرة جديدة غير مألوفة للشيعة الذين اعتادوا على أن يكون الإمامُ بين أيديهم.

ومِنْ جملة الإعدادات التي ركَّز عليها الأئمَّة المتأخّرون (علیهم السلام): تحديد المرجعية الدينية التي يرجع إليها الناس في أُمور دينهم في زمن غيبة الإمام المهدي (علیه السلام).

والروايات في هذا الشأن _ أعني تركيز الأئمَّة (علیهم السلام) على الفقهاء ودورهم _ كثيرة ومتعدّدة، ويمكن تصنيفها إلى طائفتين:

ص: 17

الطائفة الأُولى: الروايات التي تتحدَّث عن فضلالعلم والعلماء على نحو العموم دون أن تتحدَّث عن فترة زمنية خاصّة يمرُّ بها العلماء.

منها: صحيحة القدّاح، عن الإمام الصادق (علیه السلام)، عن رسول الله (صلی الله علیه و آله): «وإنَّ العلماء ورثة الأنبياء»((1)).

وعنه (علیه السلام): «الراوية لحديثنا يشدُّ به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد»((2)).

وعنه (علیه السلام): «العلماء أُمناء، الأتقياء حصون، والأوصياء سادة»((3)).

والروايات في هذا الشأن كثيرة جدَّاً.

الطائفة الثانية: الروايات التي تتحدَّث عن فضل العلم والعلماء في فترة زمنية خاصّة وهي التي عبَّرنا عنها بمرحلة التمحيص.

ص: 18


1- ([1]) الكافي 1: 34.
2- ([2]) الكافي 1: 33.
3- ([3]) المصدر السابق.

فمنها: ما ورد عن إمامنا الجواد (علیه السلام) أنَّه قال: «من تكفَّل بأيتام آل محمّد المنقطعين عن إمامهم المتحيّرين في جهلهم الأُسراء في أيدي شياطينهم وفي أيدي النواصب من أعدائنا فاستنقذهم منهم وأخرجهم من حيرتهم وقهر الشياطين بردّ وساوسهم وقهر الناصبين بحجج ربّهم ودليل أئمَّتهم ليفضلون عند الله تعالى على العبّاد بأفضل المواقع بأكثر من فضل السماء على الأرض والعرش والكرسي والحجب على السماء، وفضلهم على هذا العابد كفضل القمر ليلة البدر على أخفى كوكب في السماء»((1)).

ومنها: ما روي عن الإمام الهادي (علیه السلام): «لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم (علیه السلام) من العلماء الداعين إليه والدالّين عليه والذابّين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلَّا ارتدَّ عن دين الله، ولكنَّهم الذينيُمسِكون أزمَّة قلوب ضعفاء

ص: 19


1- ([1]) الاحتجاج 1: 9.

الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكّانها، أُولئك هم الأفضلون عند الله (عجل الله تعالی فرجه الشریف)»((1)).

ومنها: ما روي عن الإمام العسكري (علیه السلام): «فأمَّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يُقلِّدوه»((2)).

ول-مَّا وصلت النوبة إلى إمامنا المنتظر (علیه السلام) كتب في التوقيع الرفيع لسفيره المقدَّس الشيخ محمّد بن عثمان العمري (قدس سره): «وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنَّهم حجَّتي عليكم وأنا حجَّة الله عليهم»((3))((4)).

والمتحصِّل من ذلك كلّه: أنَّ الأئمَّة (علیهم السلام)

ص: 20


1- ([1]) المصدر السابق.
2- ([2]) الاحتجاج 2: 263.
3- ([3]) كمال الدين: 485.
4- ([4]) راجع المجلَّد الثاني من البحار للعلَّامة الأجلّ المجلس-ي (رحمه الله) حيث عقد هناك أبواباً متعدِّدة وأورد فيها الروايات الش-ريفة المرتبطة بالمقام.

وخصوصاً المتأخّرين أسَّسوا لمرجعية دينية للفقهاء من شيعتهم _ في زمن الغيبة للإمام (علیه السلام) _ يرجع إليها الناس، ومن هنا تعرف أنَّ ما جرت عليه سيرة الشيعة الإمامية (أعلى الله كلمتهم) من الرجوع إلى الفقهاء والمراجع العظام إنَّما هو استجابةٌ لما أراده الأئمَّة (علیهم السلام).

وعليه: فلا يُصغى لأيِّ دعوى زائفة كالدعاوى التي يُردِّدها بعض الضالّين والمغرضين من التحذير من المراجع العظام واتّهامهم بالضلال معاذ الله، فهذا خلاف المش-روع الذي أسَّس له أئمَّة الحق (علیهم السلام).

الوظيفة الثالثة: التسلّح المعرفي:

وقد ركَّزت الروايات الش-ريفة على هذه الوظيفةتركيزاً بالغاً يكشف عن أهمّية هذه الوظيفة وحسّاسيتها، فمنها:

ما عن عمرو بن أبان، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: «اعرف العلامة فإذا عرفته لم يض-رّك تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر، إنَّ الله (عجل الله تعالی فرجه الشریف) يقول: ]يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ

ص: 21

أُناسٍ بِإِمامِهِمْ[ [الإسراء: 71]، فمن عرف إمامه كان كمن كان في فسطاط المنتظر (علیه السلام)»((1)).

وعن زرارة بن أعين، عن الإمام الصادق (علیه السلام) حين حديثه عن الحجَّة المنتظر (علیه السلام): «وهو المنتظر غير أنَّ الله (عجل الله تعالی فرجه الشریف) يحبّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة»، قال: قلت: جُعلت فداك، إن أدركت ذلك الزمان أيّ شيء أعمل؟ قال: «يا زرارة، إذا أدركتهذا الزمان فادع بهذا الدعاء: اللّهمّ عرِّفني نفسك، فإنَّك إن لم تُعرِّفني نفسك لم أعرف نبيَّك، اللّهمّ عرِّفني رسولك، فإنَّك إن لم تُعرِّفني رسولك لم أعرف حجَّتك، اللّهمّ عرِّفني حجَّتك، فإنَّك إن لم تُعرِّفني حجَّتك ضللت عن ديني»((2)).

* * *

ص: 22


1- ([1]) الكافي 1: 372؛ الغيبة للنعماني: 352.
2- ([1]) الكافي 1: 337.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.