رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 352 لسنة 2017 م مصدر الفهرسة:
IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda رقم تصنيف: LC BP38.09-A31 Z3 2017 المؤلف الشخصي: الزیدی، بسام کامل زاجی.
العنوان: أهل البیت (علیهم السلام) مکانتهم وفضلهم وموقف الأمة منهم فی نهج البلاغة/.
بيان المسؤولية: بسام کامل زاجی الزیدی.
بيانات الطبعة: الطبعة الأولى.
بيانات النشر: كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.
1438 ه = 2017 م.
الوصف المادي: 464 صفحة.
سلسلة النشر: سلسلة الرسائل الجامعیة / العراق - وحدة الدراسات التاریخیة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.
تبصرة عامة:
تبصرة ببليوجرافية: يتضمن هوامش - لائحة المصادر (الصفحات 427 - 460).
تبصرة محتویات:
موضوع شخصي: الشریف الرضی، محمد بن الحسین بن موسی، 359 - 406 هجریاً - نهج البلاغة.
موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الامام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجریاً - أحاديث.
موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الامام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجریاً - أحادیث - حکم ومواعظ.
موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الامام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجریاً - أحادیث - أهل البیت.
مصطلح موضوعی: أهل بیت الرسول (علیهم السلام) فی القرآن.
مصطلح موضوعی: أهل بیت الرسول (علیهم السلام) - أحادیث.
مصطلح موضوعی: أهل بیت الرسول (علیهم السلام) - تعقیب وإیذاء.
مصطلح موضوعی: أهل بیت الرسول (علیهم السلام) فی السنّة النبویة.
مؤلف اضافي: الحسنی، نبيل قدوري حسن، 1965 م، مقدم.
عنوان إضافی: نهج البلاغة. شرح.
تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية
ص: 1
بسم الله الرحمن الرحیم
أهل البيت علیهم السلام مكانتهم وفضلهم وموقف الأمة منهم في كتاب نهج البلاغة
ص: 2
سلسلة الرسائل الجامعية - العراق
وحدة الدراسات التاريخية (12)
-----------
أهل البيت علیهم السلام مكانتهم وفضلهم وموقف الأمة منهم في كتاب نهج البلاغة
تألیف : بسام کامل زاجی الزیدی
اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة فی العتبة الحسینیة المقدسة
ص: 3
جميع الحقوق محفوظة
للعتبة الحسينية المقدسة
الطبعة الأولى
1438 ه - 2017 م
العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الأكبر علیه السلام
مؤسسة علوم نهج البلاغة
هاتف: 07728243600
07815016633
الموقع: www.inahj.org
Email: Inahj.org@gmail.com
ص: 4
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
«إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ
أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»
صدق الله العلي العظيم
(سورة الأحزاب: 33)
ص: 5
ص: 6
إلى..
أمير البلغاء وسيد الفصحاء الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام إلى... روح والدي العزيز إلى.. روح والدتي العزيزة التي لم تنسني بالدعاء في حياتها إلى... عوني وأملي في الحياة إخوتي إلى.. زوجتي الغالية وأولادي مصطفى، فاطمة، زين العابدين أهدي جهدي المتواضع الباحث
ص: 7
ص: 8
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء اسداها والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.
أما بعد:
إن الحديث عن أهل بيت العصمة هو حديث ملازم لروح القرآن والشريعة؛ بل هو حديث عن الإسلام الذي دانت به الأنبياء عليهم السلام وتقربت به إلى الله تعالى، فكانوا مصداق قوله تعالى:
«كُنْتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للِنَّاسِ».
فمن ابتلاء الملائكة بالسجود لآدم لما أنبئهم بأسماء هؤلاء: (محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين) فسجدوا لله اجمعين إلى محنة آدم ونزوله إلى الأرض وتلقيه الكلمات التي تاب الله عليه بها بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، إلى توسل نبي الله نوح ونجاته في الطوفان، وسلامة نبي الله ابراهيم من النار فكانت برداً وسلاماً؛ ناهيك عن نبي الله موسى وفلق البحر بعصاه، والتجاء مريم إلى الربوة لترزق رطباً جنياً، إلى المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) ووحيه، والقرآن
ص: 9
وترجمانه، وعلي عليه السلام وبيانه، والمهدي وعدله ففي كل ذلك شطراً من الحديث عن أهل البيت عليهم السلام، فلا الألواح والزبور والتوراة والإنجيل والقرآن خلت من ذكرهم وبيان شأنهم وتفضيلهم، فكيف بكتاب نهج البلاغة.
وما هذه الرسالة الجامعية الموسومة ب (أهل البيت عليهم السلام مكانتهم وفضلهم وموقف الأمة منهم في كتاب نهج البلاغة) إلا واحدة من الدراسات الرصينة التي اهتمت بدراسة حياة أهل بيت النبوة والعصمة ضمن المنهج الأكاديمي فجزى الله الباحث عن عمله كل خير، فقد بذل فيه جهده وعلى الله أجرهوآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة
ص: 10
المقدمة
ص: 11
ص: 12
الحمد الله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين إمام المرسلين وخاتم النبيين سيدنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين، اللهم إنك ثقتي ورجائي في كل شدة، وبعد..
يُعد كتاب نهج البلاغة، المتضمن خطب ومراسلات وحكم ومواعظ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام الذي جمعه الشريف الرضي أبو الحسن محمد ابن الطاهر الموسوي نقيب الطالبيين المولود في بغداد سنة (359 ه/ 969 م) والمتوفى فيها سنة (406 ه/ 1015 م) أحد المصادر التي تناولت ذكر تفاصيل عن حياة الرسول الكريم صلی الله علیه و آله وسلم وأهل بيته الذين جاء ذكرهم في آية التطهير في قوله تعالى:
«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(1).
وقد جاء ذكر أهل البيت علیهم السلام في مواضع كثيرة من كتاب نهج البلاغة ولأغراض مختلفة وهو في الأغلب يركز بشتى الأساليب على أفضليتهم المطلقة وأولويتهم بالكتاب والسنة وتطبيقها، وأحقيتهم بالإتباع والطاعة، وأردنا أن نبين مكانة أهل البيت علیهم السلام في أقوال الإمام علي علیه السلام وخطبه ورسائله في كتاب نهج البلاغة، وبناء على
ص: 13
ذلك وقع اختيارنا لكتابة دراسة أكاديمية بهذا الخصوص حملت عنوان:
«أهل البيت علیهم السلام مكانتهم وفضلهم وموقف الأمة منهم في كتاب نهج البلاغة».
وتأتي أهمية هذه الدراسة التي لخَّصَت مكانة أهل البيت علیهم السلام وفضلهم وموقف الأمة منهم في كتاب نهج البلاغة، إذ إن أحرف هذا الكتاب التي سُطرت قد نبعت عن أخي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ووصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام، الذي بين الله تعالى مكانته في عدة آيات من القرآن الكريم، كما أورد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم العديد من الأحاديث الشريفة التي أشادت بفضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام ومكانته بين المسلمين، وما حديثه صلی الله علیه و آله وسلم إلا وحي سماوي بنص القرآن الكريم، إذ قال تعالى:
«وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى»(1) ولا يُعد كتاب نهج البلاغة الذي جمعه الشريف الرضي، الكتاب الأول الذي ذكرت فيه خطب أمير المؤمنين علیه السلام ومواعظ، إذ أورد خليفة بن خياط (ت 240 ه / 854 م) في كتابه (تاريخ خليفة) وابن قتيبة الدينوري (ت 276 ه / 889 م)، في كتابه (الاخبار الطوال) واليعقوبي (ت 292 ه / 904 م)، في كتابه (تاريخ اليعقوبي) والطبري (ت 310 ه / 922 م)، في كتابه (تاريخ الرسل والملوك) والمسعودي (ت 346 ه / 957 م)، في كتابه (مروج الذهب ومعادن الجوهر)، خطباً لأمير المؤمنين علیه السلام، إلا أن ما ميّز كتاب نهج البلاغة إنه قد انفرد عن ما سبقه من المصادر التي أشارت إلى بعض من كلام أمير المؤمنين علیه السلام بأنه كُرس لأن يكون سِفْرا حول بلاغة الإمام علي علیه السلام في مجالات عدة ولايتعدى إلى غيره، وقد أشاد ابن أبي الحديد (ت 656 ه / 1258 م)، الذي
ص: 14
تصدى لشرح كتاب نهج البلاغة ببراعة تلك الكلمات الخالدة من خطب أمير المؤمنين بقوله: «إن كلام أمير المؤمنين علیه السلام دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين ومنه تعلم الناس الخطابة والكتابة»(1).
وقد قسمت هذه الدراسة إلى أربعة فصول سبقتها مقدمة وأعقبتها خاتمة وثبت بالمصادر وملخص باللغة الأنجليزية.
وجاء الفصل الأول تحت عنوان كتاب نهج البلاغة مضامينه وجامعه الشريف الرضي ومصادره ومميزاته وشروحه، وقُسم على ثلاثة مباحث، جاء المبحث الأول بعنوان كتاب نهج البلاغة (نظرة عامة)، إذ ورد فيه معنى النهج لغة واصطلاحاً فضلاً عن مضمون الكتاب وأثره مع ذكر مميزات الخطب، والكتب، والرسائل، والعهود، والحكم، والمواعظ، كما عرجّنا على مكانة كتاب نهج البلاغة عند مجموعة من العلماء والمفكرين والأدباء الأوائل منهم والمحدثين مع ذكر بعض من أقوالهم التي أشادت بمكانة نهج البلاغة. أما المبحث الثاني، فقد أوجزنا فيه الحديث عن حياة الشريف الرضي وسيرته العلمية ودوره في جمع كتاب نهج البلاغة، وقد أثبتنا بالأدلة القاطعة حسب ما أدركتنا به المصادر في صحة ما ورد من كلام في هذا المجال وأنه من جَمْع الشريف الرضي لا من أخيه المرتضى. واقتصر المبحث الثالث على ذكر مصادر نهج البلاغة ومميزاته وشروحه.
وتناول الفصل الثاني مفهوم أهل البيت في كتاب نهج البلاغة، وقد قسمنا هذا الفصل على ثلاثة مباحث مرتبة حسب أهمية الموضوع، إذ خصص المبحث الأول لدراسة الآل والأهل في اللغة والاصطلاح، وجاء المبحث الثاني ليتناول
ص: 15
مفهوم أهل البيت علیهم السلام في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وجاء المبحث الثالث تحت عنوان مفهوم أهل البيت علیهم السلام في كتاب نهج البلاغة، وقد لخصنا فيه معنى مصطلح أهل البيت موضحين فيه المقصود به.
واهتم الفصل الثالث بمكانة أهل البيت علیهم السلام في كتاب نهج البلاغة، إذ جُزِّئ الفصل إلى ثلاثة مباحث ناقشنا في المبحث الأول مكانة أهل البيت علیهم السلام في القرآن الكريم والسنة النبوية من خلال مجموعة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، التي أشادت بمكانتهم علیهم السلام، وتناولنا في المبحث الثاني مكانة أهل البيت علیهم السلام في نهج البلاغة، إذ ركزنا بحثنا على مكانة أصحاب الكساء من أهل بيت النبي علیهم السلام.
وجاء المبحث الثالث ملخصاً مكانة أهل البيت العلمية في كتاب نهج البلاغة لعدة علوم يجهلها الكثير من أهل ذلك العصر.
وأفردنا الفصل الرابع لذكر فضل أهل البيت علیهم السلام وموقف الأمة منهم بعد استشهاد النبي صلی الله علیه و آله وسلم في كتاب نهج البلاغة وقسمناه على مبحثين كان المبحث الأول منه يلخص فضل أهل البيت علیهم السلام في كتاب نهج البلاغة، وقد كان على محورين الأول منهما فضلهم علیهم السلام على الأمة الإسلامية والثاني فضلهم على الصحابة. أما المبحث الثاني بيّنا فيه موقف الأمة من أهل البيت علیهم السلام في كتاب نهج البلاغة وكان على وجهين الأول موقف الأمة من الإمام علي علیه السلام بعد استشهاد الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، والثاني موقف الأمة من السيدة فاطمة الزهراء علیها السلام.
ثم اجملنا أهم النتائج التي توصّل إليها الباحث في ضوء معطيات ما وقع بين يديه من نصوص ذكرتها المصادر، التي اعتمدنا عليها لإتمام دراستنا، فقد كان استشهادنا ببعض الآيات من القرآن الكريم التي لايتطرق إليها الشك، فالقرآن الكريم من أهم المصادر لدراسة حياة أهل البيت علیهم السلام ومكانتهم وفضلهم،
ص: 16
إذ وردت العديد من الآيات القرآنية التي تبين مكانتهم ومنزلتهم عند الله تعالى ورسوله الكريم صلی الله علیه و آله وسلم.
أما عن كتاب نهج البلاغة قد طبع وحقق مراراً، فكانت النسخ متعددة وقد تم اختيار النسخة التي قام بتحقيقها السيد هاشم الميالي؛ لاحتوائها على النص الكامل بعد مقارنتها مع النسخ الأخرى، ومما أعان الباحث في فهم مرامي الكلمات التي وردت في خطب أمير المؤمنين علیه السلام ورسائله هو اللجوء إلى شروحات نهج البلاغة، التي كانت محل اعتماد كبير في هذه الدراسة يتقدمها (شرح نهج البلاغة)، لابن ابي الحديد المعتزلي، إذ كان الاعتماد عليه بصورة كبيرة في فصول الدراسة جميعها كما هو مبين، وكذلك (شرح ابن ميثم البحراني) (ت 679 ه / 1280 م)، إذ يعد مؤلفه من فلاسفة الإمامية ومتكلميهم في القرن السابع الهجري إذ نجد أن شرحه مشحون بموضوعات كلامية اعتمد في عدة مواضع على شرح ابن أبي الحديد المعتزلي، فنراه متوافقا معه في جوانب ومختلفا في جوانب أخرى تبعا لطبيعة المواضيع المطروحة، كذلك اعتمدنا على شرحي (محمد عبده وصبحي الصالح)، اللذين يعدان من الشروحات المهمة لتوضيح خطب الإمام علي علیه السلام، التي اكتفت بإيراد شرح بعض المفردات مما ساعدت الباحث على فهم مضامين كلام أمير المؤمنين علیه السلام، كذلك كان من الشروح المهمة التي كان لها أثر ملحوظ في مطاوي الدراسة كتاب (في ظلال نهج البلاغة) ل(محمد جواد مغنية)، الذي حاول ربط الماضي بالحاضر، ولعله أراد من شرحه مطابقة كلام أمير المؤمنين علیهم السلام على واقعنا المعاصر.
أما عن باقي المصادر فهي كالآتي:
تعد كتب التفسير ذات قيمة كبيرة، إذ أفاد الباحث منها كثيراً ولاسيما فيما
ص: 17
يتعلق بتفسير عدد من الآيات القرآنية وتوثيق الأحاديث النبوية، التي وردت في كتاب نهج البلاغة ومن أهمها (تفسير ابن فرات الكوفي)، لأبي القاسم بن فرات (ت 298 ه / 910 م)، و(جامع البيان في تأويل آي القرآن) للطبري (ت 310 ه / 922 م)، و(تفسير العياشي)، لأبي النضر محمد بن مسعود (ت 320 ه / 932 م)، و(تفسير البغوي) لأبي محمد البغوي (ت 516 ه / 1122 م)، و(الجامع لأحكام القرآن)، للقرطبي (ت 671 ه / 1272 م)، و(تفسير أنوار التنزيل وأسرار التأويل) للبيضاوي (ت 691 ه / 1291 م)، و(تفسير القرآن العظيم)، لابن كثير (ت 774 ه / 1372 م)، وتفسير (نور الثقلين)، للحويزي (ت1112 ه / 1700 م)، و(تفسير الفتح القدير) للشوكاني (ت 1250 ه / 1834 م).
أما كتب الحديث، فقد أفادت الدراسة منها في تخريج الأحاديث النبوية، فضلاً عن الإشارة إلى أحاديث أمير المؤمنين علیه السلام وما جاء عنه ومن أهمها (مسند أحمد بن حنبل) (ت 241 ه / 855 م)، و(صحيح البخاري) لمحمد بن إسماعيل البخاري (ت 256 ه / 869 م)، و(صحيح مسلم) لأبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت 261 ه / 874 م)، و(سنن الترمذي) لمحمد بن عيسى بن سورة الترمذي (ت 279 ه / 892 م)، و(مسند ابن أبي يعلي) لأحمد بن المثنى بن أبي يعلي (ت 307 ه / 919 م)، و(الكافي) للكليني (ت 329 ه / 940 م)، و(المعجم الصغير والأوسط والكبير) للطبراني (ت 360 ه / 970 م)، و(المستدرك على الصحيحين) للحاكم النيسابوري (ت 405 ه / 1014 م)، و(السنن الكبرى) للبيهقي (ت 458 ه / 1065 م).
إن أكثر ما اهتمت به كتب السيرة هو كتابة السيرة النبوية؛لأن تلك
ص: 18
المصادر تطرقت لبعض الاحداث التاريخية التي كان لها صلة بالسيرة النبوية كولادة أمير المؤمنين وإسلامه وهجرته ومؤاخاته للرسول الكريم صلی الله علیه و آۀه وسلم ككتاب (المغازي) للواقدي (ت 207 ه / 822 م)، وكتاب (السيرة النبوية) لابن هشام (ت 213 ه / 828 م).
تضمنت كتب الطبقات نصوصاً كثيرة وهي من المصادر التي أعانت الباحث في الكتابة، وكان لها الشأن الأكبر في رسم الخطوط العامة لسيرة الأئمة علیهم السلام والصحابة والولاة وغيرهم، ولاسيما أنها ترجمت لكثير منهم، وعرفت بجوانب مهمة من حياتهم، ومن هذه المصادر كتاب (الطبقات الكبرى) لابن سعد (ت 230 ه / 844 م)، الذي تبرز أهميته خاصة بين كتب الطبقات فقد كان ذا قيمة علمية كبيرة في تغطية تراجم الأئمة علیهم السلام والخلفاء والصحابة والولاة، وكذلك اعتمدنا على كتاب (طبقات خليفة بن خياط)، لخليفه بن خياط العُصفري (ت 240 ه / 854 م).
وتُعد من المصادر المهمة جداً التي اعتمد عليها الباحث في الترجمة للأعلام والشخصيات في هذه الدراسة مثل كتاب (الاستيعاب في معرفة الأصحاب) لابن عبد البر (ت 462 ه / 1069 م)، وكتاب (أسد الغابة في معرفة الصحابة) لابن الأثير الجزري، (ت 630 ه / 1232 م)، وكتاب (وفيات الأعيان وأنباء ابناءالزمان) لابن خلكان، (681 ه / 1282 م)، وكذلك اعتمدنا على طائفة من كتب محدث الشام ومؤرخها الشهير شمس الدين الذهبي (ت 748 ه / 1347 م) ومنها كتاب (سير اعلام النبلاء)، الذي كان ثمينا بمادته، إذ يحتوي على عدد
ص: 19
كبير من التراجم والمعلومات المفيدة، واعتمدت الدراسة عليه دون أدنى شك، وكتاب (ميزان الاعتدال في نقد الرجال)، وكذلك اعتمدنا على مؤلفات ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه / 1448 م) مثل كتاب (لسان الميزان)، و(الإصابة في تمييز الصحابة).
في مقدمة هذه الكتب كتاب (الاخبار الطوال) لابن قتيبة الدينوري (ت 276 ه / 889 م)، إذ يعد هذا الكتاب موسوعة مختصرة في التاريخ العام، لما تضمنه من معلومات وروايات عن حروب الإمام علیه السلام في صفين، ومن الكتب الأخرى كتاب (تاريخ اليعقوبي) لليعقوبي (ت 292 ه / 904 م)، وكتاب (تاريخ الرسل والملوك) لمحمد بن جرير الطبري (ت 310 ه / 922 م)، وكتاب )(مروج الذهب ومعادن الجوهر) للمسعودي (346 ه / 957 م)، وكتاب (الكامل في التاريخ) لابن الأثير (ت 630 ه / 1232 م) وغيرها من كتب التاريخ العام، التي أغنت الدراسة في معلوماتها والتي لا يمكن الاستغناء عنها.
اعتمدنا على مجموعة من هذه الكتب، هي من المصادر الرئيسة والأساسية في هذا المجال ككتاب (تاريخ مدينة بغداد أو مدينة السلام) للخطيب البغدادي (ت 463 ه / 1070 م) الذي يعد من أكبر الموسوعات في هذا النوع من التواريخ، وكتاب (تاريخ مدينة دمشق)، لابن عساكر (ت 571 ه / 1175 م) الذي يستعرض فيه سير الرجال.
أفادت الدراسة من كتب البلدانيات ككتاب (معجم البلدان)، لياقوت
ص: 20
الحموي (ت 626 ه / 1228 م)، الذي يُعد أحد المصادر التي لا غنى عنها لكل من يكتب في التاريخ الإسلامي على وجه الخصوص؛ لأنه يضم أغلب الأماكن والمواضع كبيرها وصغيرها التي ورد البعض منها في خطب وكلام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام وغيرها من المصادر في هذا الخصوص.
كان لكتب الأنساب حظوة في هذه الدراسة لبيان نسب بعض القبائل التي وردت في خطب ورسائل الامام علي علیه السلام في كتاب نهج البلاغة فشكلت مصدرا مهما ومنها كتاب (أنساب الأشراف) للبلاذري (ت 279 ه / 892 م)، وكتاب (الأنساب) للسمعاني (ت 562 ه / 1166 م) وغيرها من المصادر المهمة.
تعد كتب اللغة مصدرا مهما للدراسة، فضلاً عن بيانها المعاني اللغوية للكلمات الواردة في النهج الشريف، وبعض منها وردت فيه الاشارة إلى خطب أمير المؤمنين علیه السلام، فغدت مصادر توثيقية تاريخية منها ككتاب (العين) للفراهيدي (ت 170 ه / 786 م)، وكتاب (الصحاح) للجوهري (ت 393 ه / 1002 م)، وكتاب (مختار الصحاح) للرازي (ت 666 ه / 1268 م)، وكتاب (لسان العرب) لابن منظور (ت 711 ه / 1311 م)، و(كتاب القاموس المحيط) للفيروزآبادي (ت 817 ه / 1414 م)، وكتاب (مجمع البحرين) للطريحي (ت 1085 ه / 1674 م)، وكتاب (تاج العروس) للزبيدي (ت 1205 ه / 1790 م).
ومن كتب اللغة ما اهتمت بغريب الحديث النبوي الشريف، فقد أشارت هذه الكتب إلى بعض الكلمات الغريبة التي وردت في الأحاديث النبوية التي خصت أهل البيت علیهم السلام ومنها كتاب (غريب الحديث) لابن سلام (ت 244 ه / 838 م)،
ص: 21
وكتاب (غريب الحديث) لابن قتيبة (ت 276 ه / 889 م)، وكتاب (غريب الحديث والآثر) للزمخشري (ت 538 ه / 1143 م)، ومن كتب الأدب التي أفاد منها الباحث (ديوان الشافعي) لأبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي (ت 204 ه / 819 م)، وكتاب (الكامل في اللغة والأدب) للمبرِّد أبو العباس محمد ابن يزيد (ت 286 ه / 899 م)، و(ديوان الشريف المرتضى) علي بن الحسين الموسوي (ت 436 ه / 1044 م).
لايفوتنا أن نشير إلى البعض منها ذات العلاقة بدراسات نهج البلاغة والتي أفدنا منها بعض الآراء منها كتاب (دراسات حول نهج البلاغة) لمهدي شمس الدين، وكتاب (بلاغة النهج في نهج البلاغة)، للدكتور عباس الفحام، وكتاب (مصادر نهج البلاغة وأسانيده)، لعبد الزهراء الخطيب، وكتاب (بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة) للتستري، وكتاب (أعيان الشيعة)، للسيد محسن الأمين، و(الأعلام)، للزركلي، وكتاب (الذريعة في تصانيف الشيعة)، لأغا بزرك الطهراني، وهناك دراسات سابقة قد خُصصت لدراسة نهج البلاغة ولعل من أبرزها كتاب (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد رؤية اعتزالية عند الإمام علي علیه السلام) للدكتور جواد كاظم النصر الله، وكتاب (الفكر الاختباري في نهج البلاغة)، للدكتور حميد سراج جابر، وكتاب (أهل البيت في نهج البلاغة قراءة تأويلية)، للدكتور حاكم حبيب الكريطي، وأطروحة الدكتوراه الموسومة ب (الأثر الدلالي للقرآن الكريم نهج البلاغة) لهادي شندوخ حميد، جامعة البصرة كلية الأداب 2008 م، وأطروحة الدكتوراه الموسومة ب (أساليب البديع في نهج البلاغة) لخالد كاظم حميدي، جامعة الكوفة كلية الأداب 2011 م، ورسالة الماجستير الموسومة (الحذف
ص: 22
صوره ودلالاته في كتاب نهج البلاغة)، لهادي شندوخ حميد، جامعة البصرة كلية الأداب 2004 م ورسالة الماجستير الموسومة ب (التوحيد في نهج البلاغة)، لرزاق حسين فرهود، جامعة الكوفة كلية الفقه 2007 م، ورسالة الماجستير الموسومة ب (الفكر الاقتصادي في نهج البلاغة)، لذكرى عواد ياسر، جامعة البصرة كلية الأداب 2009 م، فضلاً عن مجالات البحوث المنشورة في هذا المجال لعل من أبرزها بحث بعنوان (فلسفة النبوة وأبعاد حياة الأنبياء الاجتماعية في نهج البلاغة) للدكتور حميد سراج جابر الذي نشره مركز دراسات الكوفة عام 2011 م، وبحث بعنوان (سياسة الإمام علي علیه السلام المالية في نهج البلاغة)، لعلي محمود البعاج الذي نشره المركز الدولي الأول (جامعة الكوفة) سنة 2011 م.
ولابد من الإشارة إلى أن هذه الدراسة قد انطلقت من حيث أنتهى أستاذي الأستاذ المساعد الدكتور رائد حمود الحصونة في بحثه الموسوم (أهل البيت علیهم السلام مكانتهم وفضلهم وموقف الأمة منهم من خلال كتاب نهج البلاغة، الذي نُشر في مجلة أبحاث البصرة للعلوم الإنسانية، كلية التربية جامعة البصرة مجلد 37، العدد 1، لسنة 2012 م.
وقد استفاد الباحث من رسائل وأطاريح جامعية أغنت الدراسة في بعض المجالات أهمها أطروحة الدكتوراه الموسومة ب (النبي محمد صلی الله علیه و آۀه وسلم في رؤية أمير المؤمنين دراسة في نهج البلاغة)، لانتصار عبد الواحد العواد، وأطروحة الدكتوراه الموسومة ب (الاتجاهات الفكرية عند الإمام علي علیه السلام)، لرحيم محمد سالم الساعدي وغيرها.
لقد حاولنا في هذه الدراسة أن نقدم صورة واضحة عن أهل البيت علیهم السلام في نهج البلاغة وعلى الرغم مما بذلناه من جهد في سبيل إظهار الدراسة بهذه الصورة فإننا
ص: 23
لا ندعي الكمال فيها فالكمال لله وحده، وما هي إلا جهد نضعه بتواضع أمام أيدي أساتذتنا الأجلاء أعضاء لجنة المناقشة لتصحيح الهفوات التي وقعنا فيها ودعم الدراسة بتوجيهاتهم السديدة التي قطعاً ستكون إضافة علمية كبيرة لهذا الجهد المتواضع، وختاماً ندعو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لمراضيه ويجنبنا معاصيه والحمد الله بدءاً وختاماً، والصلاة على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين.
ص: 24
المبحث الأول:كتاب نهج البلاغة (نظرة عامة)
المبحث الثاني:حياة الشريف الرضي وسيرته العلمية المبحث
الثالث:مصادر ومميزات وشروح كتاب نهج البلاغة
ص: 25
ص: 26
النهج: جاء في التعريف أنه الطريق الواضح، ونهج الأمر وأنهج وضحَ، ومنهج الطريق منهاجه، وأنهج الطريق وضح واستبان وصار نهجاً واضحاً بيناً، ويقال: اعمل على ما نهجته لك، ونهجت الطريق: سلكته، وفلان يستنهج فلان، أي: سلك مسلكه واستنهج الطريق صار نهجاً(1)، قال تعالى:
ص: 27
«لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً»(1) وقد جاء عن العباس بن عبد المطلب(2) أنَّه قال: «لم يمت رسول الله حتى ترككم على طريق ناهجة أي واضحة بينة»(3)، وقول الشاعر يزيد بن حذاق الشني(4): (5) ولقد أضاءَ لكَ الطريقَ وانهجَتْ *** سبلُ المسالكِ والُهدى يُعدي
ص: 28
البلاغة لغةً:
البلاغة هي الفصاحة، وبلغَ الرجلُ بلغَ يبلغُ، أي: صار بليغاً، وبلغ تبليغاً، أي: كفاية وشيء بالغ، أي: جيد، والمبالغة أن تبلغ في العمل جهدك(1)، وذكر الأصفهاني: «تُقال على وجهين: أحدهما أن يكون بذاته بليغاً، وذلك أن يجمع ثلاثة أوصاف: صواباً في موضع لغته وطبقاً للمعنى المقصود به، وصدقاً في نفسه، ومتى اخترم وصف من ذلك كان ناقصاً في البلاغة، والثاني أن يكون بليغاً باعتبار القائل والمقول له، وهو أن يقصد القائل أمراً فيورده على وجهٍ حقيقٍ أن يقبله المقول له»(2)، وقال تعالى:
«يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ»(3).
وقوله تعالى:
«وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا»(4).
والبلاغة اصطلاحاً:
هي الكلام الرصين(5)، فالبلاغة هي ملكة يُقتدر بها المتكلم على تأليف كلام
ص: 29
بليغ، فعُلم أن كل بليغ هو متكلِّم فصيح؛ لأن الفصاحة مأخوذة من تعريف البلاغة وليس كل فصيح بليغاً(1)، وقد ذكر الإمام علي علیه السلام البلاغة قائلًا: «البلاغة النصر بالحجة، والمعرفة بمواضع الفرصة، ومن البصر بالحجة أن تدع الإفصاح بها إلى الكناية عنها إذا كان الإفصاح أوعر طريقة، وكانت الكناية أبلغ في الدرك وأحق بالظفر»(2)، وقيل لخالد بن صفوان(3): ما البلاغة؟ قال: «إصابة المعنى والقصد للحجة»(4)، وقيل لابن المقفع(5): ما البلاغة؟ قال: «قلة الحصر والجراءة على
ص: 30
..................................... البشر»(1)، وقيل للخليل بن أحمد: ما البلاغة، قال «ما قرب طرفاه وبعد منتهاه»(2)، وقيل لجعفر بن يحيى بن خالد(3): ما البلاغة؟ قال: «التقرب من المعنى البعيد والدلالة بالقليل على الكثير»(4)، وقيل لأعرابي: ما البلاغة؟ قال «حذف الفضول وتقريب البعيد»(5).
حوى كتاب نهج البلاغة على خطب وكتب ووصايا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام.
اتفقت معاجم اللغة على تعريف مفردة الخطاب على نحو واحد مع اختلاف يسير، لا يؤثر في جوهر المعنى؛ لذلك سنكتفي بذكر معناها في بعض المعاجم اللغوية دون ذكر الباقي ما دامت تذهب إلى المعنى نفسه.
ص: 31
الخطبة لغة:
الخطاب مراجعة الكلام، والخطبة مصدر الخطيب، وخاطبه بالكلام مخاطبة وخطاباً(1)، ويتضح لنا أن الخطاب كلام، وهذا الكلام لابدَّ له من طرفين أو عدّة أطراف بدلالة صيغة المفاعلة التي تعني المشاركة، وكان الرجل في الجاهلية إذا أراد الخطبة قام في النادي، فقال: خطب، وجمع الخطيب خطباء، وجمع الخاطب خُطّاب(2).
وردت مفردة الخطاب في أكثر من آية قرآنية منها قوله تعالى:
«وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا»(3).
وقوله تعالى:
«رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا»(4).
الخطبة اصطلاحاً:
تناولت الدراسات التاريخية مصطلح الخطاب بالدراسة والبحث ضمن دراسات علم الأصول، هو العلم بالقواعد الفقهية اللازمة لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعية، فنجد أن ابن حزم الأندلسي يطرح مصطلح (الخطاب) ويعرفه بأنه «ضد القياس وهو أن يحكم للمسكوت بخلاف حكم المنصوص عليه»(5)،
ص: 32
وطرح الآمدي مصطلح (فحوى الخطاب) ويعرفه بأنه «مدلول اللفظ في السكوت موفقاً للحكم في محل المنطق»(1)، وعرفه التهانوي بأنه «اللفظ المتواضع عليه المقصود به إفهام من هو متهيء لفهمه، فاحترز باللفظ عن الحركات، والإشارات المفهمة وبالتواضع عليه من الأقوال المهملة، وبالمقصود به الإفهام عند كلام لم يقصد به إفهام المستمع فإنه لا يسمى خطاباً»(2).
والخطب في نهج البلاغة كما جاءت عند الشريف الرضي (239 خطبة) منها خطب العيدين، وخطب الوقائع الثلاث (الجمل(3)، وصفين(4)،
ص: 33
........................... والنهروان(1)» وخطب الجهاد وغيرها، وإليها أشار اليعقوبي (ت 292 ه / 904 م) المتوفى قبل ولادة جامع النهج الشريف الرضي (359 ه - 406 ه)(2)، بقوله: «وحفظ الناس عنه الخطب، فإنه خطب بأربعمائة خطبة، حفظت عنه وهي التي تدور بين الناس ويستعملونها في خطبهم وكلامهم»(3).
ذكر المسعودي أكثر من هذا العدد قائلاً: «إن الذي حفظ الناس من خطبه في سائر مقاماته أربعمائة خطبة ونيف(4)، وثمانون خطبة يوردها على البديهية وتداول
ص: 34
الناس ذلك عنه قولاً وعملاً»(1)، فضلًا عن ما ذكره سبط بن الجوزي بإسناده إلى الشريف الرضي قائلاً: «وقع لي من خطب أمير المؤمنين علیه السلام أربعمائة خطبة»(2).
ويبدو أن هذا العدد من الخطب التي وردت عند الشريف الرضي ليس إلا ما اختاره مما جمع من جمعه، وأن لبعض تلك الخطب أسماء متصورة بها قبل أن يجمع الرضي كتابه هذا ومنها الخطبة الشقشقية(3)، والديباج(4)، والوسيلة(5)، والغرّاء(6)، والأشباح(7)، والتوحيد، والملاحم، والنخيلة، والسلمانية، والناطقة،
ص: 35
والمكاييل، والدافعة، والفاضحة(1)، والهداية، واللؤلؤة(2).
ورويت خطب لم يذكرها الشريف الرضي كالخطبة المونقة(3)، وخطبة الزهراء(4)، إذ ذكر الشريف الرضي في مقدمة الكتاب، بأنه جمع مختارات من كلام الإمام علیه السلام وخطبه(5) وهذا ما يشير إلى أنه ترك بعضها.
مميزات الخطب في كتاب نهج البلاغة:
تميزت خطب الإمام علیه السلام بالبلاغة والجزالة والقوة والوضوح، ومن دلائل البلاغة الإشباع، وهو أن يدل على معنى واحد بألفاظ مترادفة، ومن دلائل البلاغة أيضاً الموازنة هي أن تكون أواخر الألفاظ يوازن بعضها بعضاً(6).
أولاً: البحث عن أسرار الكائنات، وكشف غوامض المسائل، وشرح مكنون العلم، تارة يتكلم عن النبوة وصفات الأنبياء علیهم السلام، وتارة يتكلم عن العباد والزهاد وصفات المتقين، وآونة أخرى عن فنون الحرب والجهاد مع الأعداء في الغزوات
ص: 36
ومقارعة الأبطال ومصارعة الشجعان، وحيناً يعظ الناس ويحذرهم من الدنيا وزينتها ويرغبهم بالآخرة وحبها(1).
ثانياً: تجد فيها كلاماً في التوحيد والعدل ومكارم القيم ومحاسن الأخلاق والترغيب والترهيب والوعظ والتحذير وحقوق الراعي والرعية، ولم تعرف المباحث الكلامية إلا منه(2).
ثالثاً: تجد في خطب الإمام علیه السلام، في النهج الشريف استقراءً لأحداث المستقبل (المغيبات) لمستقبل الأيام، وتميزت الخطب في بيان حق الإمام علیه السلام بالخلافة، وأن هذه الخلافة حق شرعي له وحده دون غيره من الصحابة، كما هو في الخطبة الشقشقية(3).
رابعاً: استخدام الإمام علیه السلام قليلاً من الشعر خلافاً للخطب التي ألقيت في الجاهلية التي أكثر بها الخطباء من الشعر(4).
هي ثاني ما اشتمل عليه نهج البلاغة، ولبيان ما جاء في بعض المعاجم اللغوية العربية بخصوص الكتاب والرسالة.
الكتاب لغة:
ذكر الفراهيدي الكتاب انه: «الكتاب والكتابة: مصدر كتبت، والمُكتب:
ص: 37
المعلم والكتاب (مجمع صبيانه)، والكتبة: اكتتابك كتاباً تكتبه وتنسخه»(1).
وذكر ابن فارس: «الكاف، والتاء، والباء، أصل صحيح واحد يدل على جمع شيء إلى شيء من ذلك الكتاب والكتابة، يقال: كتبت، الكتاب أكتبه كتباً»(2). وذكر ابن منظور «والكتاب والصحيفة والدواة»(3).
وجاء في القرآن الكريم قوله تعالى:
«نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ»(4).
وفي الحديث النبوي الشريف قال صلی الله علیه و آله وسلم:
«من نظر في كتاب أخيه بغير أذنه فكأنما ينظر في النار»(5).
الرسالة لغة:
جاء في العين «الرسل الذي فيه استرسال والرسل الهيأة والسكن، ويقال تكلم على رسلك، والاسترسال إلى شيء كالاستئناس والطمأنينة، والترسل في الأمر والمنطق كالتمهل والتوقر والتشبث والرسول بمعنى الرسالة يؤنث ويذكر»(6).
ص: 38
والرسل جمع الرسول، وقيل الملائكة(1)، وقد ورد ذكرها في قوله تعالى:
«إِنّی رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ»(2).
الكتاب والرسالة اصطلاحاً:
الكتاب والرسالة إنما هما اثنان في معنى واحد، ويراد منه أن يبلغ من مبلِّغ أو مرسِل إلى مبلَّغ ومرسَل إليه، هو الكتاب أو الرسالة، دليل قولنا هذا أن الكتاب الذي بعث به الإمام علي علیه السلام إلى معاوية ابن أبي سفيان وردت فيه كلتا اللفظتين الكتاب والرسالة تحملان المعنى نفسه:
«من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن ابي سفيان: أما بعد فقد أتتني منك موعظة موصلة ورسالة محبرة نعقتها بضلالك وأمضيتها بسوء رأيك وكتاب أمري ليس له بصر يهديه ولا قائد يرشده»(3).
أما الرسالة في الاصطلاح، فهي: «فن قائم على خطاب يوجهه شخص إلى شخص آخر، أو يوجهه مقام رسمي إلى مقام آخر رسمي، وقيل هي المجلة المشتملة على قليل من المسائل التي تكون من نوع واحد والمجلة هي الصحيفة التي يكون فيها الحكم»(4)، وذكر العسكري أن الرسائل والخطب شاكلتان في أنهما كلام واحد(5).
ص: 39
مميزات الكتب والرسائل في كتاب نهج البلاغة:
تميزت الكتب والرسائل في نهج البلاغة بعدة ميّزات أهمها:
أولاً: امتازت تلك الكتب والرسائل بالاقتباس من القرآن الكريم، ومحاكاة أسلوبه، وملائمتها للموقف الذي أرسلت فيه فهي قوية شديدة في موقع القوة، ولينة في موقع اللين(1).
ثانياً: استقامة الأسلوب في كتابة الرسائل ورصانته، والتنسيق المنطقي في تنظيم الأفكار واستخدام الأدلة والحجج والبراهين العقلية(2).
ثالثاً: تمتاز الرسائل التي تحمل الأوامر العسكرية إلى قادة الجيوش في الاختصار؛ لأنها تحمل الأوامر، فتكاد تكون محصورة بالأمر الذي يراد تنفيذه(3).
رابعاً: تمتاز رسائل الحرب بقوة الألفاظ في عباراتها وبأنها محكمة في مدلولاتها؛ لأن الكلمات في الحرب لها أثر كبير على النفوس(4).
الوصية في اللغة:
الوصية مصدر وصى والفعل أوصيت ووصيته توصيه في المبالغة الكثرة والوصاية فعل لوصى، وجاءت أوصيت له بشيء، وأوصيت إليه إذا جعلته
ص: 40
وصيك، وتواصى القوم أوصى بعضهم بعضاً، والوصية تملك إلى ما بعد الموت(1).
جاء ذكر الوصية في القرآن الكريم قال تعالى:
«وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ»(2).
وقوله تعالى:
«شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّی بِهِ نُوحاً»(3).
وفي قوله تعالى:
«وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ»(4).
وجاء ذكرها في الحديث الشريف:
«استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عوان»(5).
الوصية في الاصطلاح: للوصية في الاصطلاح عدة تعريفات متعالقة في المعنى منها انها تمليك أو منفعة أو تسليط على تصرف بعد الموت(6)، وذكر أنها تنفيذ
ص: 41
حكم شرعي من مكلم أو في حكمه بعد وفاته(1)، وقيل إنها الأمر بالشيء والعهد به في الحياة وبعد الموت(2).
جاءت الوصية في نهج البلاغة فقد أوصى الإمام علي علیه السلام، و كانت وصاياه كثيرة منها في أمور الحرب وأخرى لولديه الحسن والحسين علیهما السلام، وكذلك لعماله وغالباً ما كانت الوصية تبدأ بعبارة (أوصيكما أو أوصيكم)(3).
من أشهر وصايا الإمام علیه السلام وصيته للإمام الحسن علیه السلام التي جاء فيها:
«من الوالد الفان المقر للزمان... فتفهم يا بني وصيتي... »(4).
والوصايا في نهج البلاغة تنوعت فكان قسمٌ منها إلى أمراء الجيوش وتسمى الوصايا الحربية:
«فإذا نزلتم بعدوكم أو نزل بكم فليكن معسكركم في قبل الإشراق أو سفاح الجبال... وأعلموا أن مقدمة القوم عيونهم وعيون المقدمة طلائعهم. وإياكم والتفرق، فإذا نزلتم فانزلوا جميعاً وإذا ارتحلتم ارتحلوا جميعاً»(5).
ومنها ما تناولت إدارة شؤون الدولة إذ أوصى علیه السلام عماله:
ص: 42
«... وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج؛ لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة»(1).
والبعض منها كانت وصايا علمية دينية:
«ووصيتي لكم أن لا تشركوا بالله شيئاً ومحمد صلی الله علیه و آله وسلم، فلا تضيعوا سنته...»(2).
العهد لغة:
الالتقاء، وعهد الشيء عهداً عرفه، ومن العهد تعهد الرجل على حال أو في مكان يقال عهدي به في موضع كذا، وفي حال كذا وكذا ذكرت على أنها الوصية إذا عهد إليه، واستعهد منه إذا وصاه وشرط عليه، والرجل العهد المحب للولايات والعهود، وجاءت أيضاً على أنها الأمان واليمين والحفاظ على الوصية ومنها العهد الذي يكتب للولاة(3).
وقد جاء ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالى:
«قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»(4).
وقوله تعالى:
«وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ»(5).
ص: 43
وجاء ذكرها في الحديث النبوي الشريف:
«إن أحسن العهد من الإيمان»(1).
العهد اصطلاحاً:
هو حفظ الشيء ومراعاته حالاً بعد حال والتعاهد والاحتفاظ بالشيء والمحافظة عليه(2)، وجاء على أنها تعني الوفاء، أي: الوصية، كما في قول الإمام علي علیه السلام:
«عهد إلى النبي الأمي»(3).
وجاء العهد في قوله تعالى:
«وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ»(4).
والعهود في نهج البلاغة، هي تلك العهود التي قدمها الإمام علي علیه السلام إلى عماله على الولايات والتي فيها القواعد الإدارية التي يجب أن يتصف بها كل إداري، وما عهد الإمام علیه السلام إلى محمد بن أبي بكر(5) عند توليه مصر، ....................
ص: 44
...................... ومالك الأشتر(1) التي لم يوجد لها مثيل على مدى الدهور كونها تضمنت أساليب الحكم والإدارة بشكل لا يرتقي إليه أحد، وذكر النويري «ولم أرَ فيما طالعته من هذا المعنى أجمع للوصايا ولا اشمل من عهد كتبه علي بن أبي طالب علیه السلام إلى مالك الأشتر»(2).
الحكمة في اللغة:
وردت مفردة الحكمة في المعاجم اللغوية على أن مرجعها إلى العدل والعلم والحلم، ويقال: «أحكمته التجارب إذا كان حكيماً، وأحكم فلان عن كذا، أي:
منعه»(3)، وجاءت بمعنى استحكم الأمر: وثق، واحتكم في ماله إذا جاز فيه
ص: 45
حكمه، وحكم الشيء وأحكمه كلاهما منعه من الفساد، وكل من حكمته: منعته من شيء فقد حكمته وأحكمته، وحكم الرجل يحكم حكماً إذا بلغ النهاية في معناه مدحاً لازماً، والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء وأفضل العلوم(1).
وجاء ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالى:
«وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا»(2).
وذكرت في الحديث الشريف:
«إن من الشعر لحكمة»(3).
الحكمة في الاصطلاح:
ذكر علماء اللغة تعريفاً اصطلاحياً لمفردة الحكمة على أنها علم يبحث فيه عن حقائق الأشياء على ما هي عليه في الوجود بقدر الطاقة البشرية، فهي علم فطري غير آلي، وجاءت هي القوة العقلية العلمية المتوسطة، وقيل وافق الحق فهو حكمة(4).
أما الموعظة في اللغة فقد جاءت على أنها مشتقة من الفعل عظّه يعظّه وعظاً وعِظة، أي: ذكّره ونصحه وأمره بالطاعة، والوعظ: النصح والتذكير بالعواقب(5).
ص: 46
وقد ذكرت في القرآن الكريم في قوله تعالى:
«ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ»(1).
وجاء ذكرها في الحديث النبوي الشريف «يأتي على الناس زمان يستحل فيه الربا بالبيع والقتل بالموعظة»(2).
أما الموعظة في الاصطلاح:
فقد جاءت على أنها مجموعة من الأقوال والأفعال اللينة اللطيفة المباشرة وغير المباشرة التي يخاطب بها القلب وتؤثر على المدعوين(3)، وقيل هي التي تلين القلوب القاسية، وتدمع العيون الجامدة، وتصلح الأعمال الفاسدة(4). والحكم والمواعظ التي أفرد لها الشريف الرضي باباً خاصاً في نهج البلاغة نقلها عن الإمام علي علیه السلام وهي كثيرة، إذ ذكر الجاحظ «وقال علي رحمه الله قيمة كل امرئ ما يحسن»، فلو لم نقف من هذا الكتاب (البيان والتبيين) إلا على هذه الكلمة لوجدناها شافية كافية مجزية مغنية، بل لوجدناها فاضلة عن الكفاية وغير مقصرة عن الغاية «وأحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره، ومعناه في ظاهر لفظه وكان الله عز وجل قد ألبسه من الجلالة وغشاه نور الحكمة»(5).
ص: 47
وقد كانت الحكم والمواعظ التي أوردها الشريف الرضي في نهج البلاغة هي (488) حكمة، والتي غالباً ما كان يشير إلى كلام الإمام علي علیه السلام بعبارة (من كلام له)(1).
والمحدثين:
مهما اختلف الناس في شيء من مناقب الإمام علي علیه السلام وفضائله وصفاته وخصائصه فإنهم لا يختلفون في أنه إمام الفصاحة وسيد البلغاء، وأن كلامه أشرف الكلام وأبلغه بعد كلام الله ورسوله، وأغزره مادة وأرفعه أسلوباً وأجمله لجلائل المعاني(2).
ليس هذا فحسب بل شهد حتى أعداء الإمام علیه السلام بفصاحته وبلاغته، وقد ذكر معاوية بن أبي سفيان ذلك قائلاً: «واللهِ ما رأيت أحداً يخطب ليس محمداً أحسن من علي إذا خطب، فو الله ما سنّ الفصاحة لقريش غيره»(3).
القدامى:
يعد نهج البلاغة عند المؤرخين والعلماء والمفكرين القدامى أحد الذخائر الإسلامية بعد كتاب الله والسنة والنبوية، ومن كنوز الإسلام النفيسة التي لا
ص: 48
يضاهيها كتاب، فهو بحق تراث معطاء، وقد قال عنه عبد الحميد الكاتب(1):
«حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع [يعني علي بن أبي طالب علیه السلام] ففاضت ثم فاضت»(2).
وقال ابن المقفع: «شربت من الخطب رياً ولم أضبط لها رويا، ففاضت ثم فاضت، فلا هي نظام، وليس غيرها كلام»(3)، لعل المراد من قوله وهو من علماء اللغة بوصفه فصاحة الإمام علي علیه السلام ورصانة وبلاغة كلامه (شربت رياً) أي:
قرأتها ونهلت منها كالماء، «ولم أضبط لها رويا» أي: إني لم أحفظها بحروفها لشدة رصانتها وبلاغتها وقوة مضمونها، ثم يقول: (ففاضت ثم فاضت) أي: إني نسيتها لشدة فصاحتها، كما قال ابن أبي الحديد «دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين»(4) في وصف خطب الإمام علي علیه السلام بعدها يعرج ابن المقفع بقوله: (فلا هي نظام، وليس غيرها كلام) يقصد هذه الخطب في كلامي ليست هي بنصها وإن كنت لا
ص: 49
أخرج عن ألفاظها وتراكيبها. وقال ابن نباتة(1): «حفظت من الخطابة كنزاً لا يزيده الإنفاق إلا سعة، حفظت مائة فصل من مواعظ علي ابن أبي طالب»(2)، ويبدو أن ابن نباتة قد اتخذ من كلام الإمام أنموذجاً يوصله إلى الفصاحة أولاً ثم إلى البلاغة.
وذكر الشريف المرتضى بلاغة الإمام علیه السلام قائلاً: «كان الحسن [يعني البصري] بارع الفصاحة، بليغ المواعظ، كثير العلم، جميع كلامه في الوعظ وذم الدنيا، أوجله مأخوذ لفظاً أو معنىً دون لفظ من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام، فهو القدوة والغاية»(3)، ويبدو أن الشريف المرتضى قد استشهد بالحسن البصري(4)؛ لأنه قد تربى في بيت النبوة ومهبط الوحي والرسالة بيت أم سلمة(5).
ص: 50
وقال الراوندي: «إن أحسن كلام وأبلغه بعد كتاب الله تعالى وكلام رسوله صلی الله علیه و آله وسلم هو كلام سيدنا أمير المؤمنين علي علیه السلام؛ لأن فيه بيان كل ما يحتاج إليه الخلق في دنياهم وعقابهم ومعاشهم ومعادهم، فإن علمه علیه السلام من خير منشأ نشأ وأعلى منبط نبط؛ لأن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أعطاه علومه حين ارتحاله عن هذه الدنيا الدنية، وأودعه عنده، وعلمه ألف باب من العلوم ينفتح من كل باب ألف باب»(1)، وهذا دليل على قوله علیه السلام:
«علمني رسول الله من العلم الف باب كل باب يفتح منه ألف باب»(2).
كذلك ذكر سبط بن الجوزي «كان علي علیه السلام ينطق بكلام قد حف بالعصمة، ويتكلم بميزان الحكمة وكلام ألقى الله عليه المهابة، فكل من طرق سمعه راقه فهابه، وقد جمع الله له بين الحلاوة والملاحة، والطراوة والفصاحة، لم تسقط كلمة ولا بارت له حجة، أعجز الناطقين، وحاز قصب السبق في السابقين، ألفاظ يشرق عليها نور النبوة»(3).
وذكر ابن أبي الحديد في شرحه «وأنت إذا تأملت نهج البلاغة وجدته كله ماءً واحداً، ونفساً واحداً، وأسلوباً واحداً، كالجسم البسيط الذي ليس بعض من
ص: 51
أبعاضه مخالفاً لباقي الأبعاض في الماهية، وكالقرآن العزيز أوله كأوسطه وأوسطه كآخره، وكل سورة منه وكل آية مماثلة في المأخذ والمذهب والفن والطريق والنظم لباقي الآيات والسور»(1)، وذكر في موضع آخر «أما الفصاحة فهو علیه السلام إمام الفصحاء وسيد البلغاء في كلامه قيل دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين، ومنه فهم الناس الخطابة»(2).
نفهم من كلام ابن أبي الحديد ومضمونه وصورته الكاملة في المديح وذكر مناقب الإمام علي علیه السلام أن كلامه دون الخالق وفوق المخلوقين دليل واضح على فصاحته علیه السلام، ومنهل علومه التي تعلمها من أخيه ونفسه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، كذلك وصف ابن أبي الحديد نهج البلاغة وصفاً دقيقاً وشبهه بالقرآن الكريم من حيث الترتيب والفصاحة في أمرين، «الأول: إن أوله كأوسطه وأوسطه كآخره.
والثاني في نظمه إذ إن كل خطبة مماثلة للخطبة الأخرى من حيث الفن والنظم البلاغي»(3).
لقد شغل كلام أمير المؤمنين علیه السلام قلوب العلماء والمفكرين الأدباء وملأ أسماعهم وأبصارهم، واستهوتهم روائعه، وسحرتهم أساليبه وألوانه، فوصفوه بما يدل على بعد أثره فيهم، فقد ذكره محمد عبده قائلاً: «تصفحت بعض صفحاته وتأملت جملاً من عباراته من مواضيع مختلفات ومواضيع متفرقات، فكان يخيل لي في كل مقام أن حروباً نشبت وغارات شنت، وأن البلاغة دولة والفصاحة صولة
ص: 52
وأن للأوهام عرامة وأن جحافل الخطابة من عقوم النظام وصفوف الانتظام...
بل كنت أشهد أن عقلاً نورانياً لا يشبه خلقاً جسدانياً فُصل عن الموكب الإلهي...
واتصل بالروح الإنساني... وأنا كأني أسمع خطيب الحكمة ينادي بأعلياء الكلمة وأولياء أمر الولاية...»(1)، وقال في الموضع نفسه: «وليس في أهل هذه اللغة إلا قائل بأن كلام الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام هو شرف الكلام وأبلغه بعد كلام الله وكلام نبيه وأغزره مادة وأرفعه أسلوباً وأجمعه لجلاء المعاني»(2).
أما الدكتور زكي نجيب محمود فقد أُذهل من روعة كتاب نهج البلاغة لما يحويه من عبارات فائقة الروعة بقوله: «ونجول بأنظارنا في هذه المختارات من أقوال الإمام علي علیه السلام التي اختارها الشريف الرضي وأطلق عليها (نهج البلاغة) لنقف ذاهلين أمام روعة العبارة وعمق المعنى، فإذا حاولنا أن نصف هذه الأقوال تحت رؤوس عامة تجمعها لوجدناها تدور على الأغلب حول موضوعات رئيسة ثلاثة هي نفسها الموضوعات الرئيسة التي تريد إليها محاولات الفلاسفة قديمهم وحديثهم على السواء ألا وهي الله والعلم والإنسان»(3).
نلاحظ أن كتاب نهج البلاغة قد شغل اهتمام الباحثين المسلمين وغير المسلمين، فقد ذكر المفكر المسيحي جورج جرداق أن «نهج البلاغة هو أخذٌ من الفكر والخيال والعاطفة، والخيال في نهج البلاغة مديد وسيع، خفاق الجوانح في كل أفق، فخيال علي علیه السلام نموذج للخيال العبقري الذي يقوم على أساس من الواقع، ومن مزايا الخيال الرحب قوة التمثيل، والتمثيل في أدب الإمام وجه
ص: 53
ساطع بالحياة»(1).
نرى أن الباحث جورج جرداق، نظر إلى كتاب نهج البلاغة من زاوية فنية عاطفية وذلك لميول هذا الكاتب في هذا الجانب، أما الباحث زكي مبارك قال:
«ومهما تكن حال نهج البلاغة فهو وثيقة أدبية وتاريخية وسياسية قليلة الأمثال، وهو صورة من صور النضال السياسي في العصور التي سبقت العصر الأموي، وهو ثروة أدبية لغوية تؤرخ اللغة في ذلك العهد... واني لأعتقد أن النظر في كتاب نهج البلاغة يورث الرجولة والشهامة وغبطة النفس؛ لأنه فيض من روح واجه الصعاب بعزائم الأسود»(2)، ركز الباحث زكي مبارك على الجانب السياسي والأدبي فهو ينظر بمنظار المتبصر في علوم اللغة وآدابها.
أما الأديب عباس محمود العقاد، فقد قال: «ففي نهج البلاغة فيض من آيات التوحيد والحكمة الإلهية تتسع به دراسة كل مشتغل بالعقائد وأصول التأليه والحكمة والتوحيد... فديوانه الذي سمي نهج البلاغة أحق ديوان بهذه التسمية بين كتب العربية واشتماله على جزء صحيح الدلالة على أسلوبه، وربما كانت دلالة الأخلاق المزاج فيه أقوى وأقرب إلى الإقناع من دلالة الأسانيد التاريخية»(3)، ومن خلال ما تقدم يرى العقاد أن نهج البلاغة أقرب إلى أن يكون كتاباً اجتماعياً عقائدياً، ويرى أنه يركز على البيئة الاجتماعية لذلك العصر.
أما الشيخ مرتضى مطهري، فقد وصف المواعظ والحكم التي اشتمل عليها النهج الشريف قائلاً: «إن المواعظ في نهج البلاغة من أكبر أبوابه وأوسعها فإنها
ص: 54
تستغرق نصف مجموعه تقريباً وذلك فقد اشتهر هذا الكتاب بهذا الباب أكثر من سائر الأبواب، وإذا تجاوزنا مواعظ القرآن الكريم ومواعظ الرسول صلی الله علیه و آله وسلم التي تُعد كأصول المواعظ نهج البلاغة، وقد كانت المواعظ في هذا الكتاب ما لا نظير له من غيره»(1).
أما السيد علي جواد الخامنئي، فقد وصف النهج بقوله: «إن هذا الكتاب عندما يوضع على جانب القرآن فإنه يُعد تالي القرآن؛ فليس لدينا كتاب آخر له هذا المستوى من الاعتبار والجامعية والأقدمية، فإن إحياء نهج البلاغة ليس وظيفتنا نحن الشيعة فقط بل هو وظيفة جميع المسلمين، كونه تراثاً لا نظير له في الإسلام، وليس هذا الإحياء في كثرة طباعته فقد حصل هذا بل بمعنى العمل والتحقيق في مجاله كما حصل هذا الأمر في مجال القرآن إذ أعدت التفاسير الكثيرة له ولعلوم القرآن، وأن تلك المقتطفات التي جمعت به وسعي السيد العظيم الشريف الرضي، ونجد أنه كان حتى يومنا هذا مرجعاً للخواص والعلماء، وليس مجرد محور للمعرفة والثقافة العامة للناس ولعله يمكن القول إن نهج البلاغة بما يتضمنه يُعتبر من أكثر المباحث والمعارف الإسلامية عمدة، فكل ما يلزم الإنسان والمجتمع الإسلامي موجود في نهج البلاغة»(2)، هنا نجد أن السيد الخامنئي ربط أهمية دراسة نهج البلاغة والإكثار من شروحاته وترجمته إلى جميع اللغات؛ لأن أهميته تنبع من أهمية القرآن الكريم الذي كثرت الدراسات حوله وفي علومه المتنوعة، لأن كتاب النهج موسوعة شاملة لكل ما يحتاجه الإنسان المسلم وغير المسلم.
ص: 55
أما عزيز السيد جاسم فقد وصف نهج البلاغة بقوله: «إن النص في نهج البلاغة يتمتع بسلطة فائقة محكمة نادرة وهي تحيل القارئ والسامع إلى أنموذج العلاقة بين الأفكار والأسلوب فثمة نص شكلاني قائم على إبداعية الشكل، وهو نص إنتاجي من عمل الفنان المبدع إلا أنه يتمتع بمزاياه الفنية الخالصة بشكل فني قوي الالتصاق سواء بصورته التحريرية أو بصورته الرمزية»(1).
كذلك قال عنه الكاتب والباحث محمد شريعتي: «الإمام علي علیه السلام نجمٌ تلألأ في سماء الإسلام وتربى في حضن النبوة، وهو أول المسلمين إيماناً وتصديقاً، وإن نهج البلاغة هو قبسٌ من إشعاع علي علیه السلام الذي كان من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كالصنو كما جاء على لسان علي علیه السلام نفسه لذلك يمكن للأمة الإسلامية بل البشرية جمعاء أن تستفيد من نهج البلاغة في مختلف شؤون حياتها المعاصرة... وإن موضوع نهج البلاغة والآفاق التي يحتويها هذا السفر الجليل من حكم ومواعظ ونظم وسياسة واقتصاد واجتماع وفكر وأخلاق ليس خافياً على الكثير ممن درسوا سيرة علي بن أبي طالب علیه السلام وعطاءه»(2).
و ذكر راجي أنور هيفا «عندما تقول إن كلام علي علیه السلام وفصاحته تضاهي بلاغة القرآن الكريم بل نعني بذلك أن كلام الإمام علیه السلام ارتفع فوق كلام البشر ومستواهم فأصبحت كلماته وحكمه علیه السلام عبارة عن تراكيب لفظية يتفوه بها إمام حكيم»(3).
ص: 56
الشريف الرضي أبو الحسن محمد بن الطاهر ذي المناقب أبي أحمد الحسين ابن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام المعروف بالموسوي، ولد ببغداد سنة (359 ه / 970 م)(1).
كان أبوه النقيب أبو أحمد، جليل القدر، عظيم المنزلة في دولة بني العباس ودولة بني بويه، ولقب بالطاهر ذي المناقب، وخاطبه بهاء الدولة(2) بالطاهر
ص: 57
الأوحد، وولى نقابة الطالبيين خمس مرات(1) كان بصرياً، وأمه السيدة الجليلة العلوية فاطمة بنت الحسن الناصر الصغير بن ابي الحسين أحمد بن محمد الناصر الكبير الأطروش بن علي بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب علیه السلام(2) وقد كان الشريف الرضي من أبوين ينحدران من الإمام علي بن ابي طالب علیه السلام.
نُصافي المعالي والزمانُ معاندُ *** وننهضُ بالآمال والجدُ قاعدُ أيا غدوةً ساءَ الحسينَ صباحُها *** وسرَّ العِدى فيها الزمانُ المعاندُ وقد ذكره الثعالبي بقوله: «ابتدأ يقول الشعر بعد أن جاوز العشر سنين بقليل وهو اليوم أبدع ابناء الزمان، وأنجب سادة العراق، يتجلى مع محتده الشريف ومفخرة المنيف بأدب ظاهر وفضل باهر وحظ من جميع المحاسن وافر، ثم هو أشعر الطالبيين من مضى منهم ومن غبر على كثرة شعرائهم المفلقين(1)، ولو قلت إنه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق»(2).
وذكر ابن الجوزي(3) قصته مع الخليفة العباسي القادر بالله(4) (381 ه - 422 ه) وذلك عندما طلب الخليفة من أشراف العلويين الإقرار بعدم صحة نسب الفاطميين، فترامى في قصيدة له على الحاكم الفاطمي(5) قال فيها:
ص: 59
ألبسُ الذلِ في ديار الأعادي وبمصرَ الخليفةُ العلويُ من أبوه أبي مولاه مولاي إذا ضامتني البعيد القصيُ لُفّ عرقي بعرقِهِ سيدُ الناسِ جميعاً محمدٌ وعليُ(1) ومن طالع وتصفح شعر الشريف الرضي لا يجد إلا الكبرياء تستقي من حب الرسول وأهل بيته، والانتماء الكامل لهم، والتعطر بذكرهم، وفخراً بالانتساب إليهم(2).
وامتاز الرضي بأن شعره على كثرته يلبس ثوب الجودة والملاحة، وهذا قلما يتفق لشاعر مكثر بل لم يتفق لغيره، ومن غرر شعره ما كتبه إلى القادر بالله قائلاً(3):
عطفاً أمیرَ المؤمنینَ فإننا *** في دوحةِ العلياءِ لا نَتَفَرَّقُ ما بيننا يومَ الفخارِ تفاوتٌ *** أبداً كانا في المعالي مُعرَقُ إلا الخلافَةَ ميَّزّتْكَ فإنني *** أنا عاطلٌ عنها وأنتَ مطوقُ من خلال قراءة الأبيات يبدو أن الشريف الرضي أراد أن يبيّن للخليفة القادر أحقيته بالخلافة وأولويته بها، وتمجيده وفخره بآبائه الأكارم أوجب لنفسه الكفاية في تسلم الخلافة، وقد ذكر أن الخطيب البغدادي قال «سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله الكاتب بحضرة أبي الحسين بن محفوظ وكان أحد الرؤساء يقول: سمعت جماعة من أهل العلم بالأدب يقولون: الرضي أشعر قريش، فقال ابن محفوظ: هذا صحيح. وقد
ص: 60
كان في قريش من يجيد القول إلا أن شعره قليل، فأما مجيد مكثر فليس إلا الرضي»(1).
وقد أشاد ابن حجر العسقلاني عندما ترجم لأخيه الشريف المرتضى قائلا «كان أخوه علي عالماً وشعره اكثر من شعر أخيه محمد، وشعر محمد أجود، وانه لم يكن للطالبيين أشعر منه»(2)، وأنه كان من أهل الفضل والأدب والعلم، وكان حافظاً للقرآن، وله كتاب في معاني القرآن يتعذر وجود مثله دال توسعه في علم النحو واللغة، وله كتاب في مجازات القرآن جاء نادراً في بابه ويتعذر وجود مثله(3). ولم يذهب صاحب كتاب عمدة الطالب بعيداً عن وصف الرضي إذ قال برواية عن الشيخ أبي الحسن العمري قوله «شاهد مجلداً من تفسير القرآن منسوباً إليه مليحاً حسناً يكون بالقياس في تفسير ابي جعفر الطبري او أكثر»(4)، فقد كان مجيداً في العلم إلى الغاية كإجادته في الشعر غير انه لم يكثر منه كإكثاره في الشعر وكتابه (حقائق التأويل) أكبر آية على اتقانه بالفنون العلمية الدينية ومبادئها ولعل السبب في قلة تأليفه إشتغاله بشطر كبير من عمره بإمارة الحج والنظر في المظالم ومقتضيات النقابة(5)، وقد أشار إليه الكثير بأنه متوقد الذكاء،
ص: 61
جيد الحفظ، سريع الانتقال، ولم يتم له العشرون سنة، فضلاً عن مجاورته لأخيه الشريف المرتضى تشهد بفقاهته ومعرفته بطرق الاستدلال والاجتهاد(1).
من الحوادث الدالة على فطنته وذكائه ما ذكره أبو الفتح بن جني النحوي(2) في بعض مجاميعه أن الشريف الرضي أُحضِرَ إلى السيرافي النحوي(3)، وهو طفل لم يبلغ من العمر عشر سنين فلقنه النحو، وجلس معه يوماً في حلقته فذاكره بشيء من الإعراب على عادة التعليم، فقال له: إذا قلنا: رأيتُ عُمرَ. فما علامة النصب في عمر؟ فقال الرضي: بُغضُ علي. فعجب السيرافي والحاضرون من حدة الخاطرة(4).
ونستدل على هذا القول بأمرين، الأول: أن هذا السؤال لا يتناسب مع علم وورع وذكاء الشريف الرضي فقد ذكر المؤرخون أنه كان ورعاً وذكياً وشاعراً، والأمر الثاني أراد السائل جواباً آخر؛ لأنه على دراية واضحة بأن الشريف الرضي سيجيب على ما يدور بذهنه؛ ولأن السؤال كان بمحضر عالمي اللغة السيرافي وابن جني وهما يعرفان
ص: 62
جيداً بأنّ الفتحة هي علامة النصب؛ لأن (عمر) مفعول به، وقد أجاب الشريف الرضي (بُغضُ علي) وقد أدهش السائل بسرعة فطنته، وجوابه هذا ينبع من تأثره بأحوال عصره الثقافية والسياسية والاجتماعية، فضلاً عن علميته التي نهلها من الشيخ المفيد، وفضلاً عن تربيته على يد والده الجليل الطاهر نقيب العلويين.
كان الشريف الرضي عارفاً بطرق الاستدلال الفقهي والاجتهاد، فقد ذكر في كتاب (خصائص الأئمة) أنه قال لأخيه المرتضى: «إن الاجماع واقع على أن من صلى صلاة لا يعلم أحكامها فهي غير مجزية» فأجاب المرتضى بجواز تغيير الحكم الشرعي بسبب الجهل(1).
هذه المحاورة تدل على أن الرجل كان له علم ومعرفة ودراية بالفقه.
والحياة الحافلة والمناصب التي تقلدها الشريف الرضي لم تشغله عن ممارسته للعلوم الدينية والفقه، فقد ذكر ابن تغري بردي الشريف الرضي قائلاً: «كان عارفاً باللغة والفرائض والفقه والنحو، كان شاعراً فصيحاً عالي الهمة متديناً إلا أنه كان على مذهب القوم إماماً للشيعة»(2).
وقد ذكر الباخرزي في وصفه «له صدر الوسادة بين الأئمة والسادة، وأنا إذا مدحته كنت كمن قال لذكاء ما أنورك ولحصاده ما أغررك، وله شعر إذا افتخر به أدرك من المجد أقاصيه وعقد بالنجم نواصيه... وإذا وصف فكلامه في الأوصاف أحسن من الوصائف والوصّاف، وإن مدح تحيرت فيه الأوهام من مادح وممدوح له بين المتراهنين في الحليتين سبق سابحٍ مروحٍ وإن نشر
ص: 63
حمدتَ منه الأثر ورأيت هناك خرزات من العقد تنفض وقطرات من المزن ترفض»(1)، نفهم من ذلك أن الصفات العلمية التي تمتع بها الشريف الرضي والمؤهلات الثقافية والأدبية قد جبرت العلماء والمؤرخين في مدحه كل هذه الأوصاف جعلت المادح يقف متحيراً في مدحه وصغيراً في وصفه إذا لم يترك المادح مفردة لها شان إلا قالها، وفضلاً عن ذلك البيئة التي عاشها الشريف الرضي والأساتذة والنجباء الذين أخذ عنهم ذلك ومنهم السيرافي وابن جني الموصلي وشيخ الطائفة الشيخ المفيد الذي قرأ عليه هو وأخوه المرتضى فقد ذكر «كان المفيد رأى في منامه السيدة فاطمة الزهراء علیها السلام دخلت عليه وهو في مسجد بالكرخ ومعها ولداها الحسن والحسين علیهما السلام صغيرين فسلمتهما إليه وقالت له: علمهما الفقه، فانتبه متعجباً من ذلك فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا دخلت إليه المسجد فاطمة بنت الناصر(2) وحولها جواريها وبين يديها ابناها علي المرتضى ومحمد الرضي صغيرين فقام إليهم وسلم عليها، فقالت له أيها الشيخ هذان ولداي احضرتهما إليك لتعلمهما الفقه، فبكى الشيخ وقص عليها المنام، وتولى تعليمهما، وأنعم الله
ص: 64
تعالى وفتح لهما من أبواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في آفاق الدنيا وهو باقٍ ما بقي الدهر»(1).
وجاءت تصانيف الشريف الرضي متنوعة، فقد ألف في التفسير والحديث النبوي الشريف وفي خصائص الأئمة علیهم السلام وقد لوحظ أن أكثر ما ألفه في مجال الأدب، وفضلاً عن ذلك أن الشريف الرضي كان واسع الأفق فهو يكتب في الفقه والتوحيد والنحو والبيان وهذه التصانيف هي:
1- نهج البلاغة:
هو سفر عظيم من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام جمعه الشريف الرضي إذ قال عنه: «ورأيت كلاماً يدور على أقطاب ثلاثة أولها: الخطب والأوامر، وثانيها: الكتب والرسائل، وثالثها: الحكم والمواعظ، فأجمعه بتوفيق الله سبحانه على الابتداء باختيار محاسن الخطب ثم محاسن الكتب ثم محاسن الحكم والأدب»(2)، ثم ان الشريف الرضي لم يكن اول من قام بجمع خطب الامام علي علیه السلام إذ إن خطب الامام حفظ كثير منها على حد قول المسعودي: «أربعمائة ونيف وثمانون خطبة»(3)، وقد دونت بمجلدين لذلك قال الراوندي: «سمعت بعض العلماء بالحجاز يقول إني وجدت في مصر مجموعاً من كلام علي علیه السلام في نيف وعشرين مجلداً...»(4)، فقد كان أصحاب أمير المؤمنين قد حفظوا عنه الكثير(5)،
ص: 65
ومنهم الحارث الهمداني(1) الذي نقل عن أمير المؤمنين قوله:
«يا أهل الكوفة غلبكم نصف رجل»(2).
وقال عن الإمام علي علیه السلام عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«أنين المريض تسبيح وصياحه تهليل ونومه عبادة ونفسه صدقة وتقلبه قتال لعدوه»(3).
وروى عن الإمام علي علیه السلام:
«لعن محمد صلی الله علیه و آله وسلم آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه والواشمة والمستوشمة والحال والمنحل له ومانع الصدقة ونهى عن النوح»(4).
وهو أول جامع لكلام أمير المؤمنين علیه السلام والمدون لخطبه(5).
وكذلك زيد بن وهب(6)، الذي حفظ عن الإمام علي علیه السلام عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قوله:
ص: 66
«يخرج قوم من أمتي يقرَؤُون القرآن ليس قرآنكم إلى قرآنهم بشيء ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء»(1).
فقد كان زيد بن وهب مع الإمام علي علیه السلام في النهروان(2).
ومما روى الأصبع بن نباتة(3)، عن الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام(4)، إذ قال:
«إن خليلي حدثني أني أُضربُ بسبع عشرة تمضين من رمضان وهي الليلة التي مات فيها موسى، وأموت لاثنتين وعشرين تمضين من رمضان وهي الليلة التي رفع فيها عيسى»(5).
وكميل بن زياد النخعي(6)، الذي أخذ عنه الشريف الرضي كتاباً وجهه
ص: 67
الإمام علي علیه السلام إلى كميل بن زياد عندما كان واليه على (هيت)(1)، أوله «أما بعدُ فإن تضييع المرء ما وُلي وتكلفهُ ما كفي لعجز حاضر ورأي متبر...»(2). وكلاماً خاطب به علیه السلام كميلاً كانت بدايته: «يا كميل بن زياد إن هذه القلوب أوعية فخيرُها أوعاها...»(3). وكلاماً آخر مطلعه:
«يا كميل مر أهلك أن يدجوا في كسب المكارم»(4).
ولكن ما جمعه الشريف الرضي كان له الأثر البالغ في النفوس.
2- كتاب مجازات الآثار النبوية(5).
3- كتاب خصائص الأئمة علیهم السلام(6)، وقد أشار إليه الشريف الرضي في مقدمة النهج(7).
ص: 68
4- كتاب حقائق التأويل في متشابه التنزيل(1).
5- كتاب تلخيص البيان عن مجاز القرآن(2).
6- كتاب معاني القرآن(3).
7- كتاب الزيادات في شعر أبي تمام(4).
8- كتاب كتاب تعليقة في الإيضاح لأبي علي(5).
9- كتاب مختار شعر أبي إسحاق(6).
10- كتاب أخبار قضاة بغداد(7).
11- كتاب تعليق خلاف الفقهاء(8).
12- كتاب الزيادات في شعر ابن الحجاج سماه الحسن من شعر الحسين(9).
ص: 69
13- كتاب سيرة والده والطاهر ألفه سنه 379 ه(1).
14- كتاب ما دار بينه وبين أبي إسحاق من الرسائل شعراً(2).
15- كتاب رسائله ثلاثة مجلدات(3).
16- كتاب ديوان شعره(4).
17- كتاب انشراح الصدر(5).
18- كتاب طيف الخيال(6).
وذكر ابن خلكان مؤلفات الشريف الرضي فقال: «لقد أخبرني بعض الفضلاء أنه رأى في مجموع أن بعض الأدباء اجتاز بدار الشريف الرضي المذكور بسر من رأى في وهو لا يعرفها، وقد أمضى عليها الزمان وذهبت بهجتها واختلفت ديباجتها وبقايا رسومها تشهد لها بالنضارة وحسن الشارة فوقف عليها متعجباً من ظروف الزمان وطوارق الحدثان»(7).
ويبدو أن البعض من مؤلفات الشريف الرضي ما كان مطبوعاً، ومنه ما كان مفقوداً، والبعض الآخر أشارت إليه المصادر التاريخية المختلفة.
ص: 70
توفي الشريف الرضي بكرة يوم الأحد السادس من محرم سنة (406 ه / 1015 م)(1) ببغداد وعمره 47 سنة، ودفن بالكرخ بخط مسجد الأنباريين(2)، وحضره الوزير فخر الملك(3) وجميع الأشراف والقضاة والأعيان، وصلى عليه الوزير فخر الملك في الدار مع جماعة ثم دخل الناس أفواجاً فصلوا عليه(4).
وذكر أنه دفن في داره ثم نقل إلى مشهد الإمام الحسين علیه السلام بكربلاء فدفن عند أبيه الطاهر وقبره ظاهر معروف(5).
إلا أن ابن أبي الحديد قد خالف من سبقوه في تحديد سنة وفاة الشريف الرضي فقد ذكر وفاته سنة 404 ه(6)، ونحن نرى أن هذا التاريخ غير دقيق؛ وذلك لما
ص: 71
ذكره الخبري من أن الشريف الرضي قد كان حياً سنة 405 ه، فقد رثا البتي(1) سنة 405 ه فختم مرثيته بقوله:
ما أخطأتك النائبات إذا أصابت من تحب(2) وقد رثاه أخوه الشريف المرتضى بقصيدة منها:
يا للرجال لفجعة جذمت يدي ووددتها ذهبت علّ برأسي ما زلتُ أحذرُ وِرْدَها حتى أتَتْ فحسوتُها في بعض ما أنا حاسٍ ومَطلْتُها ضمناً فلما صمَّمَتْ لم يُثنِها مَطلي وطولُ مكاسي الله عمركَ من قصيرٍ طاهرٍ ولربَّ عمرٍ طالَ بالأدناسِ(3)
الرضي:
لقد ظهر في بعض المصادر التاريخية شكوك وأوهام في نسبة جمع الكتاب على انه ليس من جمع الشريف الرضي بل من جمع أخيه الشريف المرتضى، ومنذ صدور الكتاب اصطبغ (نهج البلاغة) بشكوك علت ومسائل طفت وفي مقدمة هذه الشكوك أن الشريف الرضي هو الذي وضعه من عنده، وإنّ جامع هذه النصوص لم يسجل في صدر كتابه شيئاً من مصادر التوثيق والرواية(4).
ص: 72
وأول من بذر الشك في قلوب الباحثين والمترجمين هو ابن خلكان فقد ذكر عندما ترجم للشريف المرتضى قائلا: «وقد اختلف الناس في كتاب [نهج البلاغة] المجموع من كلام الإمام علي بن أبي طالب رضی الله عنه هل من جمعه هو أم جمع أخيه الرضي، وقد قيل أنَّه ليس من كلام علي، وإنّما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه والله أعلم»(1).
بينما شكك الذهبي هو الآخر بنسبة النهج قائلاً: «ومن طالع كتاب نهج البلاغة جزم بأنّه مكذوب على أمير المؤمنين علي رضی الله عنه ففيه السبُّ الصُّراح والحطُّ على السيدين أبي بكر وعمر رضی الله عنها، وفيه التناقض والأشياء الركيكة والعبارات التي من له معرفة بنفس القرشيين الصحابة وبنفس غيرهم ممن يعدُّهم من المتأخرين جزم بأنّ الكتاب أكثر من باطل»(2)، وقد ذهب إلى ذلك القول اليافعي(3)، وابن حجر العسقلاني(4)، نصّاً بما ذكره الذهبي. وللرد على مزاعم ابن خلكان وغيره فإنه من الملاحظ أنه لم يعثر على مؤلف واحد قد شكّك في صحة النسبة قبل ابن خلكان هذا من جانب ومن جانب آخر فقد صرح الشريف الرضي في كتاب المجازات النبوية، وكتاب الحقائق والتأويل، وكتاب خصائص الأئمة - وهيمن مؤلفاته - بأنه جمع كتاب نهج البلاغة(5)، وكل مؤلفات الشريف الرضي
ص: 73
تنادي بأفصح لسان وأوضح بيان، ولم يدعِ الشريف المرتضى بأنه وضع أو جمع نهج البلاغة، لذا فالنهج جمعه الرضي لا من جمع أخيه المرتضى(1).
وأوضح الشريف الرضي أسلوبه في الجمع، وبيّن مدّة جمعه للنهج الشريف مستعيناً بمكتبته الخاصة، ومكتبة أخيه المرتضى المعروفة (بدار العلم)، التي لم تكن مدرسة فقط بل هي مكتبة فيه أمهات الكتب ما يحتاج إليه القاطن في المدرسة وغيره(2)، وغيرها من المكتبات العامة التي كانت في عهده مثل المكتبة التي أنشاها النصر سابور بن أردشير(3) سنة 381 ه / 991 م (بدار العلم)(4) في محلة بين السورين بكرخ، وكانت من أحسن محالها وأعمرها وبها كانت خزانة الكتب، ولم يكن في الدنيا أحسن من كتبها، وكانت كلها بخطوط الأئمة المعتبرة وأحوالهم المحررة(5)، وقد أنشأها سابور على مثال (بيت الحكمة) التي أنشأها الرشيد وجمع إليها ما كان قد نقل إلى العربية في كتب الطب والعلم وما ألف في العلوم الإسلامية(6).
ص: 74
كذلك تهيأت للشريف الرضي مكتبة (بيت الحكمة)(1)، التي تحتوي على نيّف وعشرة آلاف مجلد(2)، وهي من أغنى الكتب في عاصمة العباسيين(3)، وقد جلبت إليها الكتب على اختلاف موضوعاتها وأشكالها وخطوطها(4)، وقد عرفت فيما بعد ب (دار الحكمة)، وغير هذه المكتبات التي أفاد منها الرضي مكتبة الصاحب بن عباد(5)، فقد كانت كتبه تنقل على أربعمائة جمل(6).
وذكر الشريف الرضي المصادر التي اعتمدها في جمعه فكانت ثمانية عشرة مصدراً من المصادر القريبة من عصره، فقد كان أصحاب هذه المصادر من أعلام القرن الثالث(7)، والرضي قريب من عصرهم فلا يبعد عنهم كثيراً وهذا يعني
ص: 75
أن كلام الإمام علیه السلام الذي حوته مصنفاتهم لم يشتهر فضلاً عن أن مؤلفاتهم تحتاج وقتاً طويلاً لانتشارها، فهم لايملكون المطابع الحديثة كالتي في عصرنا الحالي، أو أنها كانت غير معروفة، لهذا صرح الشريف الرضي بذكرها للتعريف بها، وأما المصادر التي لم يذكرها الرضي فهي التي حوت ما استفاض واشتهر من كلام الإمام علیه السلام فقد كانت مصادر جمع أقوال الإمام علي علیه السلام على أشكال مختلفة، فمنها ما كان معلوماً عندهم، ومنها ما كان من المصادر التي نقلت الخطب على طريقة السند المتسلسل على طريقة رجال الحديث النبوي الشريف في النقل وعددها تسعة مصادر، ومصادر مدونة ذكر أسماءها وأسماء مؤلفيها وعددها تسعة أيضاً(1)، ويمكن التعريف بها.
أ- الخطب التي نقلها على طريقة السند:
هي المصادر المروية بالسند المتسلسل على طريقة رجال الحديث النبوي الشريف في النقل، والرواة هم:
1- أبو جحيفة السوائي، وهب بن عبد الله(2)، روى عن الإمام علیه السلام:
«إن أول ما تغلبون عليه من الجهاد بأيديكم...»(3).
2- كميل بن زياد النخعي أسند إليه الشريف الرضي كتاباً وجهه الإمام علیه السلام
ص: 76
إلى كميل رضی الله عنه عندما كان واليه على هيت:
«أما بعد فإن تضييع المرء ما ولي...»(1).
وكلاماً خاطب به كميل:
«يا كميل بن زياد إن هذه القلوب أوعية...»(2).
3- نوف البكالي الحميري(3) أسند إليه الرضي خطبة بدايتها:
«الحمد لله الذي إليه مصائر الخلق...».
وحديث حدثه به الإمام أوله:
«أراقد أنت أم رامق...»(4).
4- ذعلب اليماني(5)، جاء عنه عند الرضي قول الإمام علیه السلام:
ص: 77
«لا تدركه العيون بمشاهدة العيان...»(1).
5- ضرار بن ضمرة الضباني(2)، ذكره الرضي في قول الإمام علي علیه السلام:
«يا دنيا إليك عني، أبي تعرضتِ أم لي تشوقتِ...»(3).
6- الإمام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب روى عن جده وروى الرضي عنه:
«كان في الأرض أمانان من عذاب الله وقد رفع احدهما فدونكم الآخر فتمسكوا به»(4).
4- ابن صدقة العبدي(5)، إذ رواها عن علي بن العباس عن إسماعيل بن مهران الكوفي عن إسماعيل بن إسحاق الجهني، عن فرج بن فروة عن الإمام
ص: 78
الصادق علیه السلام، إذ روى الرضي عنه خطبة الأشباح للإمام علیه السلام:
«الحمد لله الذي لا يغره المنع والجمود...»(1).
8- أبو العباس ثعلب الشيباني(2)، روى عن ابن الأعرابي(3)، عن المأمون العباسي (ت 223 ه / 933 م) قول الإمام علیه السلام: «أُخبر تقله».
إذ قال الرضي ومن الناس من يروي هذا لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ومما يقوي أنه كلام أمير المؤمنين علیه السلام ما حكاه ثعلب، قال: حدثنا ابن الأعرابي، قال المأمون: «لولا أن علياً علیه السلام قال: اخبر تقله، لقلت أنا أقله تخبر»(4).
9- ذعلب اليماني(5)، روى عن أحمد بن قتيبة(6) مسنداً عن الإمام علیه السلام:
ص: 79
«إنما فرق بينهم مبادئ طينهم وذلك أنهم كانوا فلقة من سبخ أرض وعذبها...»(1).
ب- الخطب التي نقلها من المصادر المدونة:
هي المصادر التي أخذ منها الشريف الرضي وذكر أسماءها وأسماء مؤلفيها وعددها تسعة بعضها موجود وبعضها الآخر مفقود وهي:
1- كتاب (حلف ربيعة واليمن)(2): للكلبي فقد أخذ الشريف الرضي هذا الحلف بخط هشام الكلبي وهو «هذا ما اجتمع عليه أهل اليمن حاضرها وباديها، وربيعة حاضرها وباديها أنهم على كتاب الله يدعون إليه ويأمرون به... ثم أن علمهم بذلك عهد الله وميثاقه إن عهد الله كان مسؤولا وكتب علي بن أبي طالب»(3).
2- كتاب (الجمل): للواقدي أبي عبد الله محمد بن عمر إذ أخذ عنه الرضي:
«من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان، أما بعد.. فقد علمت أعذاري فيكم وإعراضي عنكم... وأقبل إلي في وفد من أصحابك والسلام»(4).
3- كتاب (غريب الحديث): لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي وقد أخذ الرضي حديث الإمام علیه السلام:
ص: 80
«فإذا كان ذلك ضرب يعسوب الدين بذنبه فيجتمعون إليه كما يجتمع قزع الخريف»(1).
وكذلك قوله علیه السلام:
«هذا الخطيب الشحشح»(2).
وقوله علیه السلام:
«إن للخصومة قحماً»(3).
وقوله علیه السلام:
«وإذا بلغ النساء نص الحقائق فالعصبة أولى»(4).
وقوله علیه السلام:
«إن الإيمان يبدو لمظة في القلب كلما ازداد الإيمان ازدادت اللمظة»(5).
4- كتاب (المقامات): للإسكافي أبي جعفر محمد بن عبدالله(6) أخذ
ص: 81
الشريف الرضي منه كتاب الإمام علي علیه السلام إلى طلحة والزبير مع عمران بن الحصين الخزاعي إذ ذكر:
«أما بعد فقد علمتنا وإن كتمتما أني لم أرد الناس حتى أرادوني ولم أبايعهم حتى بايعوني...»(1).
5- كتاب (اصلاح المنطق): لابن السكيت ذكر الرضي قول الإمام علیه السلام في هذا الكتاب:
«والله ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله»(2).
6 - كتاب (المغازي): للأموي(3)، ذكر الشريف كتاب الإمام علي علیه السلام إلى أبي موسى الأشعري(4) في جواب أمر الحكمين:
«فإن الناس قد تغير كثير منهم عن كثير من حظهم فمالوا مع الدنيا ونطقوا بالهوى وإتي نزلت من هذا الأمر منزلاً معجباً...»(5).
ص: 82
7- كتاب (البيان والتبيين): للجاحظ ذكر الرضي عندما استنهض الإمام علیه السلام الناس حين ورد خبر غزو الأنبار بجيش معاوية فلم ينهضوا:
«أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل وشمله البلاء...»(1).
8- كتاب (المقتضب): للمبرِّد، وجد فيه الشريف الرضي قول الإمام علي علیه السلام:
وهذه من الاستعارات العجيبة كأن الإمام علیه السلام شبه السه بالوعاء والعين بالوكاء فإذا اطلق الوكاء لم يتضبط الوعاء، وقد رواه قوم لأمير المؤمنين علیه السلام، وذكره المبرد في كتابه تحت باب اللفظ بالحروف(4)، وقد روي عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال:
«العين وعاء السه فمن نامَ فليتوضأ»(5).
ص: 83
9- كتاب (تاريخ الرسل والملوك): للطبري محمد بن جرير(1)، ذكر الطبري خطبة أمير المؤمنين علي علیه السلام عندما بويع بالخلافة بعد مقتل عثمان بن عفان واجتماع الناس إليه:
«إن الله عز وجل انزل كتاباً هادياً يبيّن فيه الخير والشر، فخذوا بالخير ودعوا الشر، الفرائض أدوها إلى الله سبحانه يؤدكم إلى الجنة، إن الله حرم حرماً غير مجهولة، وفضل حرمة المسلم على الحرم كلها، وشد بالإخلاص وتوحيد المسلمين»(2).
لذا تنوعت تلك المصادر، التي أخذ عنها الشريف الرضي عن الذين سبقوه، إذ كانت في مختلف ميادين المعرفة الإنسانية التي أورد منها كلام الإمام علي علیه السلام.
فضلاً عمَّ أشار إليه الثعالبي (ت 429 ه / 1037 م) والنجاشي (ت 450 ه / 1058 م) - وهما أقدم مصدرين - إلى أنَّ النهج من مؤلفات محمد ابن الحسين الشريف الرضي ما جُمِع من كلام أمير المؤمنين علیه السلام(3).
وقد علق أحد الباحثين على اتهام البعض للشريف الرضي بوضع الكتاب قائلاً: «ولو وضع الشريف الرضي كتاب نهج البلاغة فلمَ صرح بمظانه التى مرت آنفاً ونقل عنها الكتب والحكم فلا أرى داعياً بعد ما مضى من اتهام للرضي
ص: 84
بالكذب على الإمام علي علیه السلام فإن الشريف الرضي روى ما رأى وأورد ما أورد فالاتهام مردود لا يقبله إلا من يجهل أخلاق الشريف الرضي»(1).
ونحن بهذا الصدد نقول: إنْ كان النهج من جمع الشريف الرضي أو الشريف المرتضى فنسبة ما فيه يبقى لشخص الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام وحده؛ لأنّه «يتكلم بميزان الحكمة، فكلامه ألقى الله عليه المهابة وقد جمع الله له بين الحلاوة والملاحة والطلاوة والفصاحة لم يسقط منه كلمة ولا بارت له حجة، أعجز الناطقين، وحاز قصب السبق من السابقين»(2).
والتشكيك الآخر هو شبهة التعرض للصحابة في نهج البلاغة بسبب وجود الخطبة الشقشقية التي ثبتت عدّة إدانات على بعض الصحابة الذين تُضفى عليهم وعلى عامة الصحابة هالة من القداسة والعدالة من قبل بعض الفرق والمذاهب الإسلامية(3)، وللرد عليهم، فقد عرفت الصحبة عند هذه المذاهب باختلاف معناها، فمفهوم الصحبة على حد تعريف ابن حجر العسقلاني «أن جميع الصحابة عدول ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة، ويجب الاعتقاد بنزاهتهم إذ ثبت الجميع من أهل الجنة وأنه لا يدخل أحدهم النار»(4)، ودليلهم في ذلك الاستشهاد بعدة آيات منها:
«كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ»(5).
ص: 85
أما عند الشيعة «إن العدل من عدل الله وعدل رسوله والحقيقة الشرعية هي ضالة المؤمن»(1).
إن هذه الرؤية من قبل هؤلاء التي ترى عدالة الصحابة جميعاً لا تتفق مع نصوص القرآن الكريم، إذ إن الكثير من الآيات القرآنية نزلت توبخ بعض المسلمين، وكان من ضمن المسلمين المنافقون، الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر، قال تعالى:
«إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ»(2).
كذلك ورد في حديث الرسول صلی الله علیه و آله وسلم:
«اللهم العن فلاناً وفلاناً»(3).
والإنسان ليس معصوماً إلّا مَن نُصَّ على عصمته، فخطأ الإنسان أمر طبيعي فقد جاء في الحديث الشريف: «كلُّ ابن آدم خطّاء، وخيرُ الخطائين التوابون»(4).
ولكن من غير الطبيعي محاولة إلغاء سِفر جليل من المعارف والحكم والبلاغة وهو (نهج البلاغة)؛ بسبب وجود خطبة تتعرض للصحابة، وهو ما لا يتفق مع متبنيات المذاهب؛ لذلك زعموا أن هذه الخطبة لا أصل لها(5). ولرد هذه
ص: 86
الشبهة والتشكيك نورد بعض المصادر التي ذكرت الخطبة الشقشقية قبل الشريف الرضي:
1- كتاب (الغارات): لإبراهيم بن محمد الثقفي(1).
2- كتاب (معاني الأخبار وعلل الشرائع): لأبي جعفر محمد بن علي القمي الصدوق(2).
3- كتاب (الإرشاد): للمفيد(3).
فضلاً عن رواية ابن أبي الحديد في شرحه «حدثني أبو الخير مصدق بن شبيب الواسطي(4)، في سنة (603 ه) قال: قرأت على الشيخ محمد عبد الله بن أحمد المعروف ب (ابن الخشاب)(5)، وكان صاحب دعابة وهزل، قال: فقلت له أتقول إنها منحولة؟ فقال: لا والله واني لأعلم أنها كلامه كما أعلم أنك مصدق»(6)، ثم قال ابن أبي الحديد في موقع آخر: «وجدت هذه الخطبة في تصانيف أبي القاسم
ص: 87
البلخي(1)، إمام البغداديين من المعتزلة وكان في دولة المقتدر قبل أن يولد الرضي بمدة طويلة»(2).
والتشكيك الآخر هو التناقض في نهج البلاغة على حد قول الذهبي واليافعي وابن حجر العسقلاني، إذ رميا نهج البلاغة بالتناقض ولم يفطنا إلى أن كلام أمير المؤمنين علیه السلام بعدما ثبتت نسبته إليه لا يحمل على التناقض وإن كان ظاهره ذلك بل لابدَّ من تفسيره مع لحظ الملابسات والظروف التي يعيشها الإمام علیه السلام آنذاك مع تقديم الأهم فالمهم ورعاية مصالح المسلمين(3).
ص: 88
تنوعت المصادر التي أخذ عنها الشريف الرضي فكانت في مختلف ميادين المعرفة الإنسانية التي اقتبسها من كلام الإمام علي علیه السلام، وأهمها:
1- كتاب (قضايا أمير المؤمنين): لعبيد الله بن أبي رافع(1)، فقد أخذ الرضي عنه ما قاله الإمام علي علیه السلام:
«ألق دواتك، وأطل جلفة قلمك، وفرج بين السطور، وقرمط بين الحروف، فإن ذلك أجدر بصباحة الخط...»(2).
ص: 89
2- كتاب (الوضوء والصلاة): لعلي بن أبي رافع(1)، روى عنه الرضي كتاب الإمام علي علیه السلام إلى معاوية:
«وأما طَلبك إلي الشام فإني لم أكن لأعطيكَ اليوم ما منعتكَ أمس...»(2).
3- كتاب (خطب أمير المؤمنين): للحارث بن عبد الله الهمداني، أورد عنه الرضي:
«وتمسّك بحبلِ القرآن وانتَصِحْهُ وأحلّ حلالَه وحرم حرامَه، وصدِّق بما سلَف من الحق، واعتبر بما مضى من الدنيا لما بقي منها، فإن بعضها يشبه بعضاً وآخرها لاحقٌ بأولها...»(3).
4- كتاب (سُليم بن قيس): لأبي صادق سُليم بن قيس بن هلال(4) ويسمى كتاب السقيفة، وقد ورد في الكتاب:
«يا بُني أمرني رسول الله صلی الله علیه و آله أنه أوصى إليك، وادفع كتبي وسلاحي إليك كما أوصى إليّ رسول الله ودفع كتبه وسلاحه لي...»(5).
ص: 90
5- رواية (زُر): بن حبيش بن حباشة بن أوس بن بلال(1)، روى عن الإمام:
«توقوا البرد في أوله وتلقوه في آخره، فإنه يفعل في الأبدان كفعله بالأشجار، أوله يحرق وآخره يورق»(2).
6- كتاب (الخطب): للقاضي أبي أمية شريح بن الحارث(3)، فقد ذكر الرضي ما ورد في ذلك الكتاب:
«يا شريح أما أنه سيأتيك من لا ينظر في كتابك ولا يسألك عن بنيتك حتى يخرجك منها شاخصاً...»(4).
7- كتاب (الصحيفة السجادية): للإمام زين العابدين أبي محمد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیه السلام فقد ورد في الدعاء:
«اللهم اغفر لي ما أنت أعلم به مني، فإن عدتُ فعُد عليّ بالمغفرة، اللهم اغفر
ص: 91
لي ما رأيت من نفسي ولم تجد له وفاءً عندي»(1).
8- كتاب (الشورى): للشعبي(2)، وله كتاب (مقتل عثمان)، إذ ذكر الرضي:
«لن يسرع أحد قبلي إلى دعوة حق وصلة رحم وعائدة كرم، فاسمعوا قولي وعوا منطقي، عسى أن تروا هذا الأمر من بعد هذا اليوم»(3).
9- رواية (أبي عامر الشعبي): روى عنه الرضي عن الإمام علي علیه السلام قوله:
«هلك امرؤٌ لم يعرف قدره»(4).
10- رواية الأصبغ بن نباته: روى عن الإمام علیه السلام قوله:
«للمؤمن ثلاث ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يرُم فيها معايشه، وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذتها فيما يحل ويجمل»(5).
ص: 92
11- رواية أبي حبرة الضُبعي(1): روى عن الإمام علي علیه السلام كلاماً منه:
«لتحرقن ولتفرقن حتى يبقى مسجدك...».
وفي موضع آخر وردت:
«وأيم والله لتفرقن بلدتكم حتى كأني أنظرُ إلى مسجدها كجؤجؤ سفينة...»(2).
12- كتاب (الأدب الصغير والأدب الكبير): لابن المقفع، إذ ذكر حكم الإمام علي علیه السلام:
«من نصّب نفسه للناس إماماً فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره...»(3).
13- كتاب (سيرة ابن اسحاق): لمحمد بن إسحاق المطلبي، أخذ عنه الشريف الرضي قول أمير المؤمنين علیه السلام:
«إني أول مؤمن بك يا رسول الله وأول من أقرّ بأن الشجرة فعلت ما فعلت بأمر الله تعالى تصديقاً بنبوتك...»(4).
ص: 93
14- كتاب (الجمل): لأبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي(1)، ذكر الرضي خطبة الإمام علي علیه السلام:
«كل واحد منهما يرجو الأمر له ويعطفه عليه دون صاحبه...»(2).
15- كتاب (ابن دأب): لعيسى بن يزيد بن بكر بن دأب(3) إذ روى عن الإمام علیه السلام:
«والله ما أتيتكم اختياراً ولكن أتيتكم شوقاً...»(4).
16- كتاب (وقعة صفين): للمنقري، إذ ذكر الرضي قول الإمام علیه السلام لمعقل ابن قيس الرياحي:
«إتقِ الله الذي لابدَّ لك من لقائه ولا منتهى لك دونه، ولا تقاتلن إلا من قاتلك...»(5).
17- كتاب (الجمل): للكلبي أبي المنذر، هشام بن محمد أبي النضر بن السائب (ت 204 ه / 819 م) إذ ذكر كتاب أم سلمة إلى الإمام علي علیه السلام:
ص: 94
«أما بعد فإن طلحة والزبير وأتباعهم أتباع الضلالة يريدون أن يخرجوا بعائشة إلى البصرة ومعهم عبد الله بن عامر(1)، ويذكرون أن عثمان قتل مظلوماً...»(2).
18- كتاب (الجمل): للواقدي، ذكر الرضي كتاب الإمام علي علیه السلام إلى معاوية بن أبي سفيان من المدينة في أول ما بويع له بالخلافة:
«من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان، أما بعد.. فقد علمت أعذاري فيكم وإعراضي عنكم حتى كان من لابد منه ولا دفع له، والحديث كثير والكلام كثير، وقد أدبر ما أدبر...»(3).
19- كتاب (الجعفريات): لإسماعيل بن الإمام موسى بن جعفر الصادق علیهم السلام وسميت ب(الأشعثيات) نسبه إلى رواية محمد بن محمد الأشعث الكوفي، فقد روى عن الإمام علي علیه السلام:
«لما بعثني رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلى اليمن قال لي: يا علي لا تقاتلنَّ أحداً حتى تدعوه إلى الإسلام، والله لئن يهدين الله على يديك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت ولك ولاؤه يا علي»(4).
ص: 95
20- كتاب (الأحداث): للمدائني(1)، إذ روى كتب معاوية إلى عماله بعد عام الجماعة:
«أن برئت الأمة ممن روى شيئاً في فضل أبي تراب وأهل بيته، فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون علياً ويبرؤون منه»(2).
21- كتاب (الفتن): للمروزي(3)، إذ ذكر معرفة الإمام علي علیه السلام بالفتن إلى قيام الساعة، قائلاً: حدثنا أبو هارون الكوفي عمرو بن قيس الملائي عن منهال عن أبي عمرو عن زر بن حبيش سمع علياً علیه السلام قال:
«سلوني فو الله لا تسألوني عن فئة خرجت تقاتل مئة أو تهدي مئة إلا أنبأتكم بسائقها وقائدها وناعقها مابينكم وبين الساعة...»(4).
22- رواية الحسين الاحوازي(5): إذ ذكر عن الإمام علي علیه السلام قوله:
ص: 96
«إنما بدأ وقوع الفتن أهواء تشبع وأحكام تبدع، يخالف فيها كتاب الله، ويتولى عليها رجال رجالاً...»(1).
23- كتاب (المحاسن والمساوئ): للبيهقي، روى كلاماً لمعاوية بن أبي سفيان إلى الإمام علي علیه السلام:
«وكان في أخبث جند وأشدهم خلافاً، وكنت في أطوع جند وأقلهم خلافاً»(2).
24- كتاب (الطبقات الكبرى): لابن سعد، نقل الرضي حكمة للإمام علي علیه السلام:
«إن مع كل أنسان ملكين يحفظانه فإذا جاء القدر خليا بينه وبينهَ وإن الأجل جنة حصينة»(3).
25- رواية ابن الأعرابي: أبي عبد الله محمد بن زياد، روى عن الإمام علیه السلام نقلها ثعلب:
«أخبر تقله»(4).
26- كتاب (المقامات): لأبي جعفر محمد بن عبد الله الإسكافي، ذكر كتاب الإمام علي علیه السلام إلى طلحة والزبير مع عمران بن الحصين الخزاعي:
«أما بعد: فقد علمتما وإن كتمتما أني لم أرد الناس حتى أرادوني، ولم أبايعهم
ص: 97
حتى بايعوني، وأنكما ممن أرادني وبايعني»(1).
27- كتاب (مسند أحمد بن حنبل): وكتاب (فضائل الإمام علي علیه السلام)، ذكر الرضي ما ورد في كتاب فضائل الإمام علي علیه السلام:
«فأما فضائله علیه السلام فإنها قد بلغت من العظم والجلالة والانتشار والاشتهار مبلغاً يسمج معه التعرض لذكرها»(2).
28- كتاب (المغتالين من الأشراف في الجاهلية والإسلام): للبغدادي، فقد ذكر الرضي خطبة الإمام علي علیه السلام:
«أما والله لعهد إلي النبي الأمي صلی الله علیه و آله وسلم أن هذه لحيته من هامته». وذكر قوله:
«يا رسول الله ما لقيت من أمتك من الأود واللدد...»(3).
29- كتاب (أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار): للأزرقي، روى خطبة لأمير المؤمنين علي علیه السلام عن وهب بن عبد الله عن أبي الطفيل قال:
«سلوني فو الله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا حدثتكم به، وسلوني عن كتاب الله عز وجل فو الله ما منه آية إلا وأنا أعلم أنها بليل نزلت أم بنهار أم بسهل نزلت أم بجبل»(4).
ص: 98
30- كتاب (خطب أمير المؤمنين): للحسني عبد العظيم بن عبد الله (ت 252 ه)(1).
31- رواية الإمام علي الهادي: أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام (ت 254 ه / 868 م)(2)، روى عن جده الإمام علي علیه السلام قوله:
«واصطفى سبحانه من ولده أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم لما بدل أكثر خلقه عهد الله...»(3).
32- كتاب (البيان والتبيين): للجاحظ، إذ روى عن الإمام الكثير من الحكم القصار ومنها:
«قيمة كل امرئ ما يحسن»(4).
وفي كتابه (الحيوان) ذكر:
«يهلك فيَّ فئتان محبٌّ مفرطٌ ومبغضٌ مفرطٌ»(5).
وذكر في رسائله:
ص: 99
«أن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرف الحكمة»(1).
33- كتاب (الموفقيات): للزبير بن بكار، إذ ذكر الرضي كلام الإمام علي علیه السلام عندما بلغه مقتل محمد بن أبي بكر رضی الله عنه:
«إن حزننا عليه على قدر سرورهم به إلا أنهم نقصوا بغيضاً ونقصنا حبيباً»(2).
34- كتاب (المحاسن والأدب): للبرقي، إذ ذكر قول الإمام علي علیه السلام:
«لأنسبن الإسلام نسبة لم ينسبها احد من قبلي، الإسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار، والإقرار هو الأداء، والأداء هو العمل الصالح»(3).
35- كتاب (غريب الحديث): لابن قتيبة الدينوري، إذ ذكر خطبة الإمام علي علیه السلام في بيان صفات الله تعالى وصفات النبي صلی الله علیه و آله وسلم:
«اللهم داحي المدحوات وداعم المسموكات، وجابل القلوب على فطرتها شقيها وسعيدها، اجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك»(4).
وذكر في كتابه (عيون الأخبار) قول الإمام علي علیه السلام:
ص: 100
«إن الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار نجاة لمن فهم عنها ودار غنى لمن تزود منها»(1).
وذكر في كتابه (الإمامة والسياسة)، قول الإمام علي علیه السلام لطلحة والزبير:
«لا، ولكنكما شريكان في القوة والاستعانة، وعونان على العجز والأود»(2).
وذكر في كتابه (إصلاح غلط أبي عبيد في غريب الحديث) قول الإمام علي علیه السلام:
«إن المرء المسلم ما لم يفشِ دناءة يخشع لها إذا ذكرت وقفري به لئام الناس كالياسر الفالج ينتظر فوزه من قداحه...»(3).
36- كتاب (أنساب الأشراف): للبلاذري، إذ ذكر كلام أمير المؤمنين علیه السلام:
«إنَّ أَخْوَفَ ما أخاف عليكم اثنان، طول الأمل، واتباع الهوى يضل عن الحق ألا وأن الدنيا قد ولت مريرة والآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من ابناء الآخرة، فإن اليوم عمل، غداً حساب»(4).
37- كتاب (الأخبار الطوال): للدينوري، إذ ذكر قول الإمام علي علیه السلام لعمر ابن الخطاب:
«إنك إن أشخصت أهل الشام من شامهم سارت الروم إلى ذراريهم، وإن
ص: 101
سيرت أهل اليمن من يمنهم خلفت الحبشة على أرضهم»(1).
38- كتاب (الغارات): للثقفي، إذ ذكر كلام أمير المؤمنين علیه السلام:
«فاسألوني قبل أن تفقدوني، فوالذي نفسي بيده لاتسألوني عن شيئ فيما بينكم وبين الساعة»(2).
39- كتاب (تاريخ اليعقوبي): لليعقوبي، إذ ذكر قول الإمام علي علیه السلام إلى سهل بن حنيف(3) عامله على المدينة:
«أما بعد: فقد بلغني أنَّ رجالاً من أهل المدينة خرجوا إلى معاوية فمن أدركته فامنعه ومن فاتك فلاتأس عليه...»(4).
وفي كتابه (مشاكلة الناس لزمانهم) ذكر قول الإمام علیه السلام:
«طوبى لمن ذلّ في نفسه، وطاب كسبه، وصلحت سريرته، وحسنت خليقته»(5).
40- كتاب (الكامل في اللغة): للمبرِّد، إذ ذكر قول الإمام علي علیه السلام:
«أما بعد: فإن الجهادَ بابٌ من أبوابِ الجنةِ فمن تركَهُ رغبةً عنه ألبسَهَ اللهُ الذلَ والخسفَ وديثَ بالصغار، وقد دعوتكُم إلى حربِ هؤلاءِ القومِ ليلاً ونهاراً وسراً
ص: 102
وإعلاناً...»(1).
41- كتاب (بصائر الدرجات): للصفار ذكر قول الإمام علیه السلام:
«لا مالَ أَعْوَدُ من العقل، ولا وحدةَ أَوْحَشُ من العجب، ولا عقلَ كالتدبير، ولا كرم كالتقوى، ولا قرين كحسن الخلق، ولا ميراث كالأدب، ولا قائد كالتوفيق»(2).
42- كتاب (الفاخر): للضبي، إذ نقل الرضي حكمة للإمام علي علیه السلام:
«خير هذه الأمة النمط الأوسط، يلحق بهم التالي، ويرجع إليهم الغالي»(3).
43- كتاب (المجالس): لثعلب النحوي، إذ ذكر الرضي قول الإمام علي علیه السلام إلى ابن عباس:
«إن المرء ليفرح بما لم يكن ليفوته، ويحزن لما لم يكن ليناله، فاجعل فرحك وحزنك بما يقربك من الله»(4).
44- كتاب (تفسير فرات الكوفي): لفرات الكوفي، ذكر الرضي قول الإمام علي علیه السلام:
ص: 103
«لوضربت خيشوم المؤمن بسيفي على أن يبغضني ما أبغضني...»(1).
45- كتاب (السنن الكبرى): للنسائي، إذ ذكر الرضي قول الإمام علي علیه السلام:
«أما بعد: أيها الناس فأنا فقأت عين الفتنة...»(2).
وكذلك في كتابه (خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام) ذكر الرضي قول الإمام علي:
«فو الله ما كَذَبت ولا كُذِّبت ولا ضَلَلْت ولا ضلَّ بي»(3).
46- كتاب (أخبار القضاة): لوكيع، ذكر قول الإمام علي علیه السلام:
«أما الدور فقد سكنت وأما الأزواج فقد نكحت وأما الأموال فقد قسمت هذا خبر ما عندنا، فماخبر ماعندكم...»(4).
47- كتاب (مسند أبي يعلى): لأبي يعلى، إذ ذكر الرضي قول الإمام علي علیه السلام عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«والذي فلق الحب وبرأ النسمة إنه لعهد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إليّ أنه لا يحبك إلا
ص: 104
مؤمن ولا يبغضك إلا منافق»(1).
48- كتاب (الكنى والأسماء): للدولابي، فقد ذكر الرضي حديثاً بين الإمام علي وعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث أنه سمع الإمام علي علیه السلام:
«أنا أبو حسن...»(2).
49- كتاب (تاريخ الرسل والملوك): للطبري، إذ ذكر خطبة أمير المؤمنين علیه السلام:
«إن الله عز وجل أنزل كتاباً هادياً بين الخير والشر فخذوا نهج الخير تهتدوا...
الفرائض الفرائض أدوها إلى الله سبحانه يؤدكم الجنة، إن الله حرم حرماً...»(3).
50- كتاب (الأمالي): لليزيدي، إذ ذكر حكمة للإمام علیه السلام:
«أوصيكم بخمس لو ضربتم إليها آباط الإبل لكانت لذلك أهلاً: لا يرجوَنَّ أحد إلا ربه، ولا يخافنَّ إلا ذنبه، ولا يستحي إذا لم يعلم أن يقول لا أعلم، ولا يتكبر إذا لم يعلم أن يتعلم»(4).
51- كتاب (الفتوح): لابن أعثم الكوفي، إذ ذكر كتاب الإمام علي علیه السلام إلى جرير بن عبد الله البجلي(5):
ص: 105
«أما بعد: فإذا أتاكَ كتابي فأحمل معاويةَ على الفصل وخُذْهُ بالأمرِ الجزمِ ثم خيِّرهُ بين حربِ مجليةٍ أو سلم مخزيةٍ...»(1).
52- كتاب (المجتنى): لابن دريد الأزدي، إذ ذكر بعض حكم ومواعظ الإمام علیه السلام ومنها:
«لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويرجوا التوبة بطول أمل، يقول في الدنيا بقول الزاهدين ويعمل فيها بعمل الراغبين...»(2).
53- كتاب (البدء والتاريخ): للبلخي، إذ روى عن الإمام علیه السلام قوله:
«الأشباه المؤتلفة والأضداد المتعادلة والأخلاط المتباينة من الحر والبرد والبلة والجمود والساءة والسرور واستأذى الله سبحانه الملائكة»(3).
54- كتاب (العقد الفريد): لابن عبد ربه الأندلسي، إذ ذكر الرضي بعض الخطب للإمام علیه السلام منها الخطبة الغراء:
«أيها الناس المجتمعةُ أبدانُهم، المختلفة أهواؤهم، كلامُكُم يُوهي الصمَّ الصُلاب وفعلُكم يُطمِعُ فيكم الأعداءَ تقولونَ في المجالس كيت وكيت...»(4).
ص: 106
55- كتاب (الزاهر): لابن الانباري، ذكر حكمة الإمام علي علیه السلام:
«ماعدا مما بدا...».
إذ قال وأول من ألقاها علي بن أبي طالب علیه السلام(1).
56- كتاب (الكافي): للكليني، إذ ذكر الرضي حكم ومواعظ الإمام علي علیه السلام:
«تركُ الذنوبِ أهونُ من طلبِ التوبة...»(2).
وذكر في أصول الكافي:
«العلمُ مقرونٌ بالعمل فمن عَلِمَ عَمَل والعِلمُ يهتفُ بالعملِ فإن أجابَهُ وإلا ارتحلَ عنه...»(3).
57- رواية (ابن عقدة)(4): إذ روى عنه علیه السلام قوله:
«عجباً لابن النابغة يزعُم لأهل الشام أن فيَّ دعابةً وأني امرؤ تلعابة، أعافس وأمارس، لقد قال باطلاً ونطق إثماً...»(5).
ص: 107
58- كتاب (أدب الكتاب): للصولي، إذ روى عن الإمام علي علیه السلام قوله:
«قِلَّةُ العيالِ أحدُ اليَسارين والتودُد نصفُ العقلِ والَهمُ نصفُ الَهرَم»(1).
59- كتاب (تحف العقول): لابن شعبة للحراني، ذكر وصية الإمام علي علیه السلام لكميل بن زياد:
«إن هذهِ القلوبَ أوعيةٌ فخيرُها أوعاها، احفظ عني ما أقولُ لك، الناسُ ثلاثة، فعالمٌ رباني، ومتعلمٌ على سبيلِ النجاة، وهمج رعاع...»(2).
60- كتاب (الأمالي): للزجاجي، ذكر كلام أمير المؤمنين علیه السلام:
«أنا يعسوبُ المؤمنين...»(3).
61- كتاب (مروج الذهب ومعادن الجوهر): وكتاب (إثبات الوصية)، للمسعودي، إذ ذُكِرَ كلام للإمام علیه السلام في وصف الدنيا:
«الدنيا دارُ صدقٍ لمن صدقها، ودارُ عافيةٍ لمن فَهِمَ عَنها، ودارُ غِنىً لمن تزوّدَ منها، الدنيا مسجدُ أحبابِ الله...»(4). وذكر:
«كل امرئ مُلاقٍ ما يفر منه والأجل تُساقُ إليه النفسُ والرهب منه موافاته كم أطرقت الأيام أبحثها عن مكنون..»(5).
ص: 108
62- كتاب (الولاة والقضاة): للكندي، ذكر كلام الإمام علي علیه السلام في نعيه مالك الاشتر:
«الله مالك لو كان جبلاً لكان فندا، ولو كان حجراً لكان صلداً لايرتقيه الحافر، ولايُوفي عليه الطائر...»(1).
63- كتاب (مقاتل الطالبيين): لأبي الفرج الأصفهاني، ذكر كلام الإمام علي علیه السلام:
«وقد قالت قريش إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب...»(2).
64- كتاب (ذيل الأمالي): لأبي علي القالي، ذكر حكمة الإمام علي علیه السلام «الكفر على أربعة دعائم على: التعمق، والتنازع، والزيغ، والشقاق، فمن تعمق لم ينب إلى حق، ومن كثر نزاعه بالجهل دام عماه عن الحق، ومن زاغ ساءت عنه الحسنة...»(3).
65- كتاب (دعائم الإسلام): للقاضي المغربي، ذكر قول الإمام علي علیه السلام:
«إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما متع به غني، والله تعالى سائلهم عن ذلك...»(4).
ص: 109
66- كتاب (تهذيب اللغة): للأزهري، ذكر موعظة الإمام علي علیه السلام:
«فيجتمعون إليه كما يجتمع قزع الخريف»(1).
67- رواية ابن نباتة: أبو يحيى عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل الغارفي (ت 374 ه / 984 م) روى عن الإمام علي علیه السلام:
«أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة»(2).
68- كتاب (من لا يحضره الفقيه): للصدوق، إذ ذكر الرضي كلام الإمام علي علیه السلام:
«إن الله افترض عليكم فرائض فلاتضيعوها...»(3).
وكذلك في كتاب (الخصال) ذكر الرضي حكمة الإمام علي علیه السلام:
«من هَالَهُ ما بين يديه نَكَصَ على عقِبَيه»(4).
69- كتاب (المصون في الأدب): للعسكري، إذ ذكر قول أمير المؤمنين علیه السلام:
«لا تكونن كمن يعجز عن شكر ما أوتي ويبغي الزيادة فيما بقي...»(5).
70- كتاب (الفرج بعد الشدة): للتنوخي، ذكر الرضي قول الإمام علي علیه السلام:
ص: 110
«يا ابن آدم لا تحمل هم يومك الذي لم يأتك على يومك الذي قد أتاك...»(1).
71- كتاب (المحيط في اللغة): للصاحب بن عباد، ذكر الرضي قول الإمام علي علیه السلام:
«إذا بلغ النساء نصف الحقاق فالعصبة أولى بها»(2).
72- كتاب (طرق الإمام علي): للتميمي، إذ ذكر الرضي حكمة للإمام علي:
«يُهلك فيّ رجلان محبٌّ غالٍ ومبغضٌ قالٍ...»(3).
73- كتاب (الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة): للعكبري، ذكر حكمة من حكم الإمام علي علیه السلام:
«فأما اتباع الهوى يصُد عن الحق»(4).
74- كتاب (معجم مقاييس اللغة): لابن فارس، ذكر قول الإمام علي علیه السلام:
«كنا إذا أحمر البأس اتقينا برسول الله فلم يكن أحد منا أقرب إلى العدو منه»(5).
ص: 111
75- كتاب (البصائر والذخائر): لأبي حيان التوحيدي، ذكر قول الإمام علي علیه السلام:
«لا مال أعود من العقل ولاوحدة أوحش من العجب ولاعقل كالتدبير ولاكرم كالتقوى»(1).
76- كتاب (المستدرك على الصحيحين): للحاكم النيسابوري، فقد ذكر قول الإمام علي علیه السلام:
«سلوني قبل أن تفقدوني ولن تسألوا بعدي مثلي...»(2).
77- كتاب (خصائص الأئمة): للشريف الرضي إذ ذكر كلام الإمام علیه السلام:
«سلوني قبل أن تفقدوني فو الله لا تسألوني عن فتنة يضل فيها مئة ويهتدي بها مئة...»(3).
78- كتاب (الارشاد): للمفيد إذ ذكر خطبة الإمام الشقشقية:
«أما والله لقد تقمصها فلان وأنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى...»(4).
78- كتاب (حلية الأولياء في طبقات الأصفياء): لأبي نعيم الاصبهاني، إذ
ص: 112
ذكر كلام أمير المؤمنين علیه السلام:
«الفقيه كل الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم يؤيسهم من روح الله، ولم يؤمنهم من مكر الله»(1).
وذكر قوله علیه السلام:
«ليس الخير أن يكثر مالك وولدك ولكن الخير أن يكثر علمك، وأن يعظُم حلمك، وأن تباهي الناس بعبادة ربك...»(2).
79- كتاب (غرر الحكم ودرر الكلم): للآمدي، إذ ذكر موعظة الإمام علي علیه السلام:
«اعجبوا بهذا الإنسان ينظر بشحم، ويتكلم بلحم، ويسمع بعظم، ويتنفس بخرم»(3).
80- كتاب (الأمالي): للشريف المرتضى، فقد ذكر الرضي كلام أمير المؤمنين علیه السلام عندما سُئل بمَ عرفت ربك، فقال:
«لا تدركه العيون بمشاهدة ولكن تدركه القلوب بحقائق الايمان، قريب من الأشياء غير ملامس...»(4).
81- كتاب (أعلام الدين في صفات المؤمنين): للديلمي، إذ ذكر الرضي كلام الإمام علي علیه السلام:
ص: 113
«ما وحده من كيفه، ولا حقيقته أصاب من مثله ولا إياه عنى شبهه ولا صمده...»(1).
82- كتاب (أدب الدنيا والدين): للماوردي، إذ ذكر كلام الإمام علي علیه السلام «السخاء ما كان ابتداء، فأما ما كان عن مسألة فحياء وتذمم»(2).
83- كتاب (دستور معالم الحكم ومأثور حكام الشيم من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام): للقضاعي، إذ ذكر موعظة من مواعظ الإمام علیه السلام «إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر»(3).
84- كتاب (الأمالي): للطوسي، روى بالسند قول أمير المؤمنين علیه السلام:
«خذ الحكمة أنى كانت فإن الحكمة تكون في صدر المنافق فتتلجلجُ في صدره حتى تخرج...»(4).
هذه المصادر التي ظفرت بها وثمة مصادر أخرى منعني ضيق الوقت من الحصول عليها تربى على المئات إن لم تكن أكثر والتي صرحت بها المصادر(5).
كان صوت الإمام علي علیه السلام الوحيد الذي ارتفع بالموعظة البلاغية بعد الرخاء
ص: 114
إثر الفتح وفساد الأخلاق والتنعم والكمال المادي من دون المعنوي(1)، ويمكن القول إنَّ أسلوب النهج متسلسل بشكل منطقي ومتماسك الأفكار حتى تكون كل منها نتيجة طبيعية وعلة لما بعدها(2)، وفي بعض الخطب إيجاز شديد بقوة متدافعة ووحدة منفعلة، وهي زاخرة بالاستعارات والتلويح بالأمثال الموجزة التي بلغت أكثر من مئتي مثل، مثل قوله علیه السلام:
«عفا الله عمّا سلف»(3).
واتصف كتاب نهج البلاغة بالخيال الواسع والعاطفة والفكرة(4)، والأسلوب الصادق غير المراقب أو الخائف من المراقبة البلاغية أو العلمية وحتى التاريخية، والأسلوب يدل على صاحبه، فترى النهج يشتد ويلين حسب الموقف(5)، كاستخدامه الضمير (أنا):
«أنا من رسول الله كالصنو»(6)، و «أنا يعسوب المؤمنين»(7).
ص: 115
كذلك امتاز كتاب نهج البلاغة بالمحسنات البديعية من جناس(1)، وطباق(2)، وبجرس موسيقي جميل كما في قول الإمام علیه السلام:
«وإنا لأمراء الكلام وفينا تنشبت عروقه وعلينا تهدلت غصونه»(3).
وكذلك امتاز كتاب نهج البلاغة بأنه مرجع لأحاديث الرسول صلی الله علیه و آله وسلم والأدعية، ففيه (13) دعاءً، و (400) آية قرآنية، و (15) بيتاً من الشعر(4). وكذلك امتاز بأنه مصدر لأخبار الأمم السابقة والأنبياء، وعلى هذا يعتبر الإمام علیه السلام أول من نهج البلاغة، التي جمعت في كتاب يتحدث عن الإلهيات كالتوحيد والعدل، وعن السماء والأرض، وعن الإنسان وغيرها من الموارد الأخرى(5) ويعد كتاب نهج البلاغة كتاباً عقائدياً يتحدث عن إثبات وجود الله سبحانه، وعن القضاء والقدر، والعدل الإلهي، والنبوة والإمامة، والمعاد ابتدأ من الموت مروراً بعالم البرزخ ثم الحساب، وكذلك تحدث عن الجنة والنار، لذا يعد الإمام علیه السلام أول من أسس علم الكلام في الإسلام(6).
قال العقاد: «في كتاب نهج البلاغة فيض من آيات التوحيد والحكمة الإلهية تتسع به دراسة كل مشتغل بالعقائد وأصول التالية وحكمة التوحيد»(7)، وقال
ص: 116
أيضاً: «يصح أن يقال إنَّ علياً عبقرية الإمام علي، 118 أبو علم الكلام في الإسلام؛ لأن المتكلمين أقاموا مذاهبهم على أساسه»(1).
استقطب كتاب نهج البلاغة بما فيه من أدب وحكم وأمثال ومعارف وعلوم كثيرة أخذت مساحة شاسعة من الجهود العلمية في أوساط العلماء بعد القرآن الكريم؛ إذ دارت في فلكه شروح كثيرة ذكرت أسماؤها في كتب الفهارس، وقد سرد العلامة الأميني في كتابه (الغدير) (81) شرحاً(2)، والشيخ أغابزرك الطهراني (50) شرحاً(3)، وقد بذل المحققون كثيراً من الجهود في هذا الشأن، وسوف نشرع بذكر البعض من هذه الشروح حسب تسلسلها الزمني:
1. كتاب (أعلام نهج البلاغة)، للسرخسي، وقد ذكر المختار من خطب أمير المؤمنين علیه السلام وهذا الكتاب بجزأين(4).
2. كتاب (معارج نهج البلاغة)، للبيهقي، يتلخص أسلوب الشارح في ترقيم كلمات الإمام علیه السلام وشرح ما يلزم شرحه(5).
3. كتاب (شرح نهج البلاغة)، لأحمد بن محمد بن مسعود الوبري، من أعلام
ص: 117
القرن السادس الهجري، وقد شرح نهج البلاغة من الناحية الكلامية شرحاً موجزاً مقتصراً على حل مشكلة وتوضيح غامضة، وهذا الكتاب من في عداد الكتب المفقودة(1).
4. كتاب (منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة)، للراوندي، في ثلاثة أجزاء، وقد تصدى فيه الشارح إلى نقل نص كلام أمير المؤمنين علیه السلام وشرح العبارات والكلمات الغامضة(2).
5. كتاب (حدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة)، للبيهقي، من مجلدين شرح بهما الخطب التي أوردها الشريف الرضي في النهج، وبيّن معنى بعض المفردات لغوياً، واستشهد بالأمثال لبيان معنى تلك الكلمات(3).
6. كتاب (شرح نهج البلاغة)، لابن ابي الحديد، يقع الكتاب في عشرين جزءاً بموضوعات تاريخية ونكات ادبية وكلامية وصوفية، وله عدّة طبعات منها أربعة مجلدات، وعشرة مجلدات، وعشرون مجلداً، وصار هذا الشرح محوراً للنقد والتحليل عند علماء كلا الفريقين، وصُنِفَتْ كتب ورسائل في نقضه، وتصدى ابن أبي الحديد لشرح خطب الإمام علیه السلام التي أوردها الشريف الرضي في غير نهج البلاغة، فضلاً عن شرحه ما أورده الرضي في النهج، وكذلك شرح أقواله القصار التي لم يرد أكثرها في النهج(4).
ص: 118
7. كتاب (شرح نهج البلاغة)، للبحراني، يُعد البحراني من فلاسفة الإمامية ومتكلميهم؛ لذا نجد شرحه مملوءاً بموضوعات كلامية وفلسفية، وله ثلاثة شروح على نهج البلاغة، وقد جمعت في شرح كبير بخمسة أجزاء، وقد شرح خطب الإمام علیه السلام ورسائله وحكمه ومواعظه ورفدها بالشواهد التاريخية(1).
8. كتاب (اختيار مصباح السالكين)، لميثم البحراني، هو شرح المتوسط على نهج البلاغة(2).
9. كتاب (شرح النهج)، للعلامة جمال الله والدين أبي منصور الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي (ت 726 ه / 1325 م)(3).
9. كتاب (حواشي نهج البلاغة) للشيخ أحمد بن الحسن الناوندي من أعلام القرن السابع(4).
10. كتاب (النفائس في شرح نهج البلاغة)، لبعض علماء السنة(5).
11. كتاب (شرح نهج البلاغة) للسيد يحيى بن حمزة العلوي اليماني (ت 749 ه / 1348)(6).
12. كتاب (شرح نهج البلاغة) لشارح محقق من أعلام القرن الثامن بجزء
ص: 119
واحد، تناول مفردات كل خطبة بالشرح بعد إيراد الخطبة كاملة(1).
13. كتاب (شرح نهج البلاغة) لسعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني الهروي الشافعي (ت 792 ه / 1389 م)(2).
14. كتاب (التحفة العلية في شرح نهج البلاغة الحيدرية) لأفصح الدين محمد بن حبيب الله بن أحمد الحسيني (ت 881 ه / 1476 م)(3).
15. كتاب (شرح النهج) لقوام الدين يوسف بن الحسن الشهير بقاضي بغداد (ت 922 ه / 1516 م)(4).
16. كتاب (روضة الأبرار في شرح نهج البلاغة) لأبي الحسن بن علي بن الحسن الزواري الاصبهاني، فرغ منه (947 ه / 1540 م)(5).
17. كتاب (منهج الفصاحة في شرح نهج البلاغة) لجلال الدين الحسين بن شرف الدين عبد الحق المعروف بالآلهي الأردبيلي (ت 950 ه / 1543 م)(6).
18. كتاب (شرح نهج البلاغة) لعماد الدين علي القاري الاستربادي (من أعلام القرن العاشر)(7).
19. كتاب (شرح النهج) للشيخ عي المعروف بالحكيم الصوفي
ص: 120
(ت 1016 ه / 1607 م)(1).
20. كتاب (أنوار الفصاحة في شرح نهج البلاغة) لنظام الدين علي بن الحسن الجبلاني (1053 ه / 1643 م)(2).
21. كتاب (شرح النهج) للسيد ماجد بن محمد البحراني (ت 1097 ه / 1685 م)(3).
22. كتاب (شرح نهج البلاغة) محمد باقر اللاهجي من علماء القرن الثالث عشر(4).
23. كتاب (شرح نهج البلاغة) لمحمد عبده، من علماء الأزهر، يتكون من أربعة أجزاء شرح فيها الخطب وبيّن مفرداتها(5).
24. كتاب (منهاج البراعة) للخوئي، لم يكمل المؤلف شرحه، إذ وصل إلى الخطبة (218)، ويتلخص أسلوبه في الشرح بنقل نص الخطبة أولاً ثم إعرابها ثم بيان معناها، تكون من (21) جزءاً(6).
25. كتاب (في ظلال نهج البلاغة) لمحمد جواد مغنية، في أربعة أجزاء، شرح
ص: 121
مغنية الخطب على شكل فقرات ثم بيّن معناها اللغوي ثم أعرب الكلمات ثم أورد معنى الخطبة(1).
26. كتاب (بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة) للتستري، يتألف من (14) جزءاً، تصدى الشارح لشرح جميع الخطب بدون تسلسل أو ترقيم لها كما هو موجود في كتاب النهج للشريف الرضي(2).
27. كتاب (شرح نهج البلاغة) لصبحي الصالح، جزء واحد، تصدى الشارح لشرح خطب الإمام علیه السلام وفق المنهج الذي سار عليه محمد عبده(3).
28. كتاب (شرح نهج البلاغة) للقزويني، طُبع منه جزءان، شرح نماذج من خطب الإمام علي علیه السلام وبيان علومه الشخصية ثم إيرادها بالمعنى اللغوي ثم الإعراب ثم المعنى(4).
ص: 122
المبحث الأول : الآل والأهل في اللغة والاصطلاح
المبحث الثاني: مفهوم أهل البيت علیهم السلام في القرآن الكريم والسنة والنبوية
المبحث الثالث: مفهوم أهل البيت علیهم السلام في كتاب نهج البلاغة
ص: 123
ص: 124
لغرض معرفة لفظتي الآل والأهل لغة واصطلاحاً والوقوف على أدق التعريفات التي يترتب عليها موضوع الدراسة وأسلوب صياغتهما سنذكر بعض التعريفات اللغوية والاستدلالات اللفظية في هذا الموضوع:
ذكر علماء اللغة أن (أهل) أصل (آل) فأبدلت الهاء همزة ثم ألفاً، ويدل عليه تصغيره على أُهيل(1)، وذكر ابن منظور «آل يؤول أولا وأوولا وأصلهما أهل ثم أبدلت الهاء همزة فصارت في التقدير آل، فلما توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفاً كما قالوا: آدم، آخر وفي الفعل آمن»(2).
بينما ذكر الراغب الأصفهاني «الآل مقلوب الأهل، واستشهد بقول
ص: 125
سيبويه(1)، أصل الآل أهل إذ قال سيبويه العدل الأصل في الآل لديهم أهل فأبدلوا الهاء همزة والهمزة قد أبدلوها ألفاً»(2).
وذكر الرازي الآل يختص بالأشهر والأشرف كقولهم: «القرّاء آل الله وآل محمد، ولا يقال آل الاسكافي»(3)، أما كلمة (أهل) فيقال أهل وأهلى وتأهل إذا تزوج، ومنه قيل أهلّك الله في الجنة أي زوجك فيها وجعل لك فيها أهلاً يجمعك وإياهم، ويقال: فلان أهل لكذا أي خليق به ومرحباً، وأهلاً في التحية للنازل بالإنسان أي وجدت سعة مكان عندنا من هو أهل بيت لك في الشفقة وجمع الأهل أهلون وأهال وأهلات(4).
ذهب بعض العلماء في تعريفهم الاصطلاحي لهذه الكلمة إلى مذهبين، فمنهم من فسرها بالأهل والذرية والأقرباء ومنهم من فسرها بالأصحاب والأتباع.
المذهب الأول: ذكر ابن منظور أن آل محمد علیهم السلام قرابته التي ينفرد بها دون غيره
ص: 126
من قرابته وإذا عُد آل الرجل ولده الذي إليه نسبه ومن يأويه بيته من زوجة أو مملوك أو موالٍ، وذهب ناس إلى أن آل محمد علیهم السلام هم الذين لاتحل عليهم الصدقة وعوضوا عنها بالخمس وهم: بناته وازواجه وصهره علي علیه السلام الذين ذكروا في التنزيل العزيز(1) «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(2).
أما آل الرجل فهم أهل بيته الذين يئل إليهم أي يلجأ واستدل بحديث الرسول صلی الله علیه و آله وسلم عن شعبة بن الحكم قال خرج علينا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال:
«قولوا اللهم صلِّ على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد»(3).
وذكر المناوي «أن آل محمد علیهم السلام زوجاته ومن هم في نفقته أو هم مؤمنو بني هاشم والمطلب أو أتقياء أمته»(4).
المذهب الثاني: بيّن الراغب الأصفهاني «أن آل النبي صلی الله علیه و آله وسلم أقاربه وقيل:
المختصون به من حيث العلم وذلك أن أهل الدين ضربان ضرب متخصصون بالعلم المتيقن والحكم، فيقال لهم آل النبي صلی الله علیه و آله وسلم، وضرب يجمعون بالعلم ويقال لهم أمة محمد صلی الله علیه و آله وسلم، ولا يقال لهم آل النبي، فكل آل النبي أمته، وليس كل أمته
ص: 127
آل له، ثم قال لجعفر بن محمد الصادق علیه السلام الناس يقولون: المسلمون كلهم آل النبي، فقال: كذبوا وصدقوا، فقيل له ما معنى ذلك، فقال: كذبوا في أن الأمة كافتهم آله، وصدقوا في أنهم إن قاموا بشرائط شريعته فهم آله»(1)، واستدل بقوله تعالى:
«وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ»(2).
أما الأهل فهم الرجل وأهل الدار، وأهل الرجل عشيرته وأقاربه، وفي الحديث أهل القرآن هم أهل الله وخاصته أي حفظة القرآن العاملون به هم أولياء الله المختصون به أهل الإنسان، وأهل المذهب من يدين به وأهل الرجل أخص الناس به(3)، وقيل: الأهل الأصل في القرابة، وقد اطلق على الأتباع، وأهل البلد من استوطنه، وأهل العلم من اتصف به، والجمع أهلون(4)، وقيل الأهل هم أهل الرجل وعشيرته وذو قرباه كما في قوله تعالى:
«وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا»(5).
وقيل أهل الرجل من يجمعه وإياهم نسب أو دين أو ما يجري مجراها من صناعة وبيت وبلد وتصرف في أسرة النبي مطلقاً(6)، إذ قيل: أهل البيت
ص: 128
لقوله تعالى:
«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(1).
ذكر الكرباسي أن كلمة (أهل) كلما قلت فإنها تستوعب معانٍ عدّة لكنها تصبح أكثر وضوحاً عندما تضاف لها قرينة فقد ذكر علماء اللغة أن المراد من أهل القرى سكانها وأهل الشيء أصحابه وأهل الكتاب أتباعه وقرّاؤه وكذلك أهل التوراة وأهل الإنجيل، وقد ورد بعض هذه المعاني في القرآن الكريم(2)، قال تعالى:
«إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا»(3).
وقوله تعالى:
«فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا»(4).
بيّن الكثير من المفسرين والمحدثين أن المراد من أهل البيت في الآية الكريمة:
«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(5).
هم العترة الطاهرة الذين عرفهم الرسول صلی الله علیه و آله وسلم في حديث الثقلين، وقال:
ص: 129
«إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(1).
غير أن تحقيق مفاد الآية يبيّن أن المراد من أهل البيت علیه السلام فيها وانطباقها على حديث الثقلين يستدعي البحث والتعرف على معنى أهل البيت وهذا اللفظ مركب من كلمتين ولكل منها مفهوم ويمكن تحديد مفهوم الأهل من موارد استعماله فيقال:
أهل الأمر والنهي، وأهل الإنجيل، وأهل الكتاب، وأهل الإسلام، وأهل الرجل، وأهل الماء.
هذه الموارد توقفنا أن كلمة الأهل تستعمل مضافة فيمن كان له علاقة قوية بمن أضيفت إليه فأهل الأمر والنهي هم الذين يمارسون الحكم وأهل الإنجيل هم الذين لهم اعتقاد به كأهل الكتاب وأهل الإسلام(2)، وقد اتفقت كلمة أهل اللغة على أن الأهل والآل كلمتان لمعنى واحد وقد ثبت في شعر عبد المطلب(3)، في قوله في قصة
ص: 130
هجوم أبرهة(1) على مكة المكرمة، وقد أخذ حلقة باب الكعبة، وقال:
وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك(2) وعلى ما ذكرنا فهذا اللفظ أضيف إلى شيء يقصد منه المضاف الذي له علاقة خاصة بالمضاف إليه، فأهل الرجل هم أخص الناس به وأهل المسجد هم المترددون عليه وأهل الغابة القاطنون فيها، وإذا لاحظنا موارد استعمالها لا نتردد في شمولها للزوجة والأولاد وغيرهم ممن تربطهم رابطة خاصة بالبيت من غير فرق بين الأولاد والزواج ولأجل ذلك نرى أن الله سبحانه وتعالى يطلقه على زوجة إبراهيم علیه السلام(3) بقوله:
«وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»(4).
وكذلك استعملت في قصة موسى علیه السلام بقوله تعالى:
ص: 131
«فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ»(1).
فالمراد من الأهل زوجة موسى علیه السلام وهي بنت شعيب(2).
وقد ذهب السبحاني إلى أن هذه الكلمات بين أعلام أهل اللغة تعرب عن مفهوم أهل البيت الذين لهم صلة وطيدة بالنسب(3)، ومن خلال الاستدلال النقلي فإن مصطلح أهل البيت علم على النبي محمد صلی الله علیه و آله وسلم والإمام علي بن أبي طالب علیه السلام والسيدة فاطمة الزهراء علیها السلام والإمامين الحسن والحسين علیهما السلام(4)، فهم من نزلت فيهم آية التطهير:
«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(5).
والذين خصهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بحديث الكساء بقوله صلی الله علیه و آله وسلم:
«اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب الرجس عنهم وطهرهم تطهيراً»(6).
وفضلاً عن ما تقدم فإن هذه القضية المباركة قد خصها الله تعالى بنص قرآني آخر
ص: 132
عزز ما ذهبت إليه آية التطهير في أن هؤلاء الأطهار هم أهل البيت علیهم السلام إذ أورد القرآن الكريم حقيقة تاريخية بينتها مباهلة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بأهل بيته كما جاء في قوله تعالى:
«فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»(1).
وبما لا يقبل الشك في أن أهل البيت علیهم السلام خاصة هم السيدة فاطمة الزهراء علیها السلام والإمام علي علیه السلام والإمامين الحسن والحسين علیهما السلام ولاسيما أن الروايات التاريخية لم تشر إلى شخص آخر من نسائه أو غيرهن كان قد استقدمه الرسول صلی الله علیه و آله وسلم للمباهلة مع وفد نصارى نجران.
وفي منحى آخر تتباين آراء الفرق والمذاهب الإسلامية في إطلاق مصطلح أهل البيت أو آل البيت علیهم السلام فهم عند المالكية(2) بنو هاشم وبنو قصي وبنو غالب وبنو مضر،
ص: 133
أما عند الحنفية(1) فهم بنو هاشم، في حين يرى الشافعية(2)، أنهم يقتصرون على بني هاشم وبني المطلب(3)، بينما ذهب الحنابلة(4)، إلى ما ذهب إليه الشافعية، أما عند
ص: 134
الإمامية الاثني عشرية(1)، فهم فاطمة وعلي والحسن والحسين علیهم السلام وأولادهم(2).
وقد أورد المفسرون إشارات واضحة وجلية في تفسير العديد من الآيات القرآنية التي نزلت في هؤلاء الخمسة علیهم السلام(3) من قبيل آية الصلاة كما جاء في قوله تعالى:
«إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»(4).
وبيّن ابن كثير في تفسيره أنها نزلت بمحمد وآل بيته وهم ذريته علیهم السلام(5)، وقوله جل وعلا:
«سَلَامٌ عَلَی إِلْ يَاسِينَ»(6).
ص: 135
وقد ذكر الشوكاني أن المراد بآل ياسين هم آل محمد علیهم السلام(1)، وقوله تعالى:
«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(2).
إذ أكد المفسرون بانها نزلت بحق أهل البيت علیهم السلام فاطمة وعلي وابنائهم علیهم السلام الذين نزل فيهم:
«إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ»(3).
وقوله تعالى في آية الوفاء والإيثار:
«وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَی حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأسِيراً»(4).
وقد أكد البيضاوي في تفسيره أنها نزلت بحق أهل البيت علیهم السلام(5)، وكذلك قوله تعالى:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(6).
إذ ذكر الطباطبائي أنها نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين علیهم السلام(7) عندما قال الرسول صلی الله علیه و آله وسلم في علي علیه السلام: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه»(8).
ص: 136
عند الحديث عن موارد مصطلح أهل البيت في القرآن الكريم، لابدَّ من التعرف على (الآل) في القرآن الكريم؛ لأن أصلها كلمة (أهل) ثم معرفة الموارد التي جاء بها (أهل البيت) في القرآن الكريم.
ذكر ابن منظور أن الآل هو في الأصل اسم لشخص ويصغر (أؤيل)، ثم ذكر ذلك فيمن يختص بالإنسان اختصاصاً ذاتياً أما بقرابة قريبة أو بموالاة(1)، كما جاء في قوله تعالى:
﴿إِنَّ الله اصْطَفَی آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَی الْعَالَمِينَ»(2).
وذكر الله سبحانه وتعالى «آل إبراهيم وآل عمران من هؤلاء المصطفين، والآل خاصة الشيء»(3)، وذكر الراغب في المفردات الآل، قيل: مقلوب عن
ص: 137
الأهل ويصغر على أُهيل إلا أنه خُصَّ بالإضافة إلى أعلام الناطقين دون النكرات ودون الأزمنة بل يضاف إلى الأشرف والأفضل، ويقال آل الله وآل السلطان(1)، أما المراد بآل إبراهيم وآل عمران الخاصة من أهليهما والملحقين بهما وآل إبراهيم:
الطيبون من ذريته كإسحاق وإسرائيل والأنبياء من بني إسرائيل وإسماعيل الطاهرين، وسيدهم محمد صلی الله علیه و آله وسلم ومن لحق به من مقامات الولاية(2)، وقوله تعالى:
«وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ»(3).
وآل فرعون هم قومه وأتباعه وأهل دينه(4)، وقوله تعالى:
«أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ»(5).
أي بشر آل فرعون عذاباً دون العذاب(6)، وقوله تعالى:
«وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ»(7).
والمراد بآل فرعون قومه وأتباعه(8).
وردت كلمة الأهل في الكثير من الآيات القرآنية الكريمة، إذ جاء معنى الأهل في آيات القرآن الكريم دالاً على المعنى الذي أضيفت إليه فدلالة المعنى لكلمة الأهل
ص: 138
لا تظهر جلياً إلا إذا أضيفت إلى ما يفسرها من القرآن، بينما وردت هذه الكلمة واشتقاقاتها في كتاب الله تعالى أكثر من مئة وخمسين مرة وأعطت معاني متعددة:
أ- تأتي بمعنى (ذوو) أو أصحاب عند إضافتها إلى ما يفسرها كقوله تعالى:
«يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(1).
أي يا أصحاب الكتاب لمَ تخلطون اليهودية والنصرانية بالإسلام وقد علمتم أن دين الله الذي لا يقبل من أحد غيره الإسلام(2)، وقوله تعالى:
«فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(3).
ويعني مؤمني أهل الكتاب(4)، وقوله تعالى:
«وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ»(5).
ويعني به المكر من أصحاب بدر الذين حاق بهم(6).
ب- تأتي كلمة (أهل) بمعنى سكان البيت أو القرية أو المدينة كما ورد في قوله تعالى:
«هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ»(7).
ص: 139
أي هل أدلكم على منزل أم موسى لكي تعطيه ثديها؟(1)، وقوله تعالى:
«وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ»(2).
أي لو أن سكان القرى آمنوا بالرسل التي أرسلناها إليهم لفتحنا عليهم خير السماء والأرض(3)، وقوله تعالى:
«يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ»(4).
وهم أهل المدينة الذين لا مقام لهم على دين محمد صلی الله علیه و آله وسلم(5)، وقوله تعالى:
«مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ»(6).
يعاتب الله تعالى المتخلفين عن رسوله في غزوة تبوك من أهل المدينة ومن حولها من أحياء العرب(7).
ج - تأتي كلمة (أهل) بمعنى الأسرة أو العائلة التي ينتسب إليها كقوله تعالى:
«اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ»(8).
ص: 140
أي بجميع بني يعقوب(1)، وقوله تعالى:
«وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا»(2).
أي إذا ظننتم شقاق بينهما فابعثوا بحكمٍ من أسرته وحكم من أسرتها ليتطلع كل واحد من الحكمين رأي من بعث إليه إن كانت رغبته في الوصلة(3)، وقوله تعالى:
«وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»(4).
أي بموافقة مواليهن وأعطوهن أجورهن بالمعروف من غير مطل وضرار(5)، وقوله تعالى:
«وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي»(6).
جاءت هنا بمعنى الأخ فقد قصد النبي موسى أخاه هارون علیهما السلام ليحكم به قومه ويجعله شريكاً له في أمر الرسالة(7).
د - تأتي كلمة (أهل) بمعنى الزوجة كما في قوله تعالى:
ص: 141
«فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ»(1).
أی انتهی أجل الشرط بينه وبين والد زوجته ومدته ثمان أو عشر سنين ثم سار بأهله أي زوجته بإذن أبيها(2)، وقوله تعالى:
«فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ»(3).
فقد جاء إلى زوجته خفية من ضيفه كي تصنع الطعام فإن من آداب المضيف أن يبادر بالقِرى حذراً من ان يكفه الضيف أو يصير منتظراً(4)، وقوله تعالى:
«وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»(5).
فقد قالت لزوجها متنصلة وقاذفة يوسف بدائها، واستمر يوسف هارباً ذاهباً وهي في إثره فألفيا سيدها وهو زوجها(6).
لقد جاء مصطلح (أهل البيت) مرتين في القرآن الكريم، الأولى في قوله تعالى:
«وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ
ص: 142
إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»(1).
والمراد بالمرأة هنا سارة زوج إبراهيم علیه السلام حين بشرتها الملائكة بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب(2)، وهنا تدرك معنى الرحمة والبركة، معنى أهل البيت من خلال آراء المفسرين للقرآن الكريم أن المقصود من الرحمة النبوة، والبركة هم الأسباط من بني إسرائيل؛ لأن الأنبياء منهم، وكلهم من ولد إبراهيم علیه السلام، والمراد من البيت هم بيت خليل الرحمن لا بيت السكن، وكذلك خاطبت الآية بيت نبي الله إبراهيم علیه السلام وبشرهم بإسحاق النبي علیه السلام بعد أن بلغ إبراهيم علیه السلام وزوجته من العمر ما بلغا(3).
أما الثانية، فهي قوله تعالى:
«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(4).
فقد أورد العديد من المفسرون والعلماء والمؤرخون كثيراً من القرائن التي يمكن من خلالها الاستدلال على أن أهل البيت في هذه الآية هم بيت النبي صلی الله علیه و آله وسلم فاطمة الزهراء وصهره وابن عمه علي بن أبي طالب وولداهما الحسن والحسين علیهم السلام الذين أدخلهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في ظل خيمته(5)، أهل البيت الذين أذهب الله عنهم
ص: 143
الرجس وطهرهم تطهيراً، فإذا كان الله قد طهّر أصحابه في معركة بدر من رجز الشيطان وربط على قلوبهم كما نصّ قوله تعالى:
«وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ»(1).
فما بالك بأهل البيت الذين هم علي وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام، وذهب إلى ذلك جملة من العلماء والمفسرين على مختلف مذاهبهم في أثناء تفسيرهم الآية المذكورة إذ ذهب إلى ذلك - على سبيل المثال لا الحصر - سليم بن قيس الكوفي في كتابه(2)، وأحمد بن حنبل في مسنده(3)، ومسلم في صحيحه(4)، والترمذي في السنن(5)، والكليني في الكافي(6)، والصدوق في الأمالي(7)، والخصال(8)، وعيون أخبار الرضا(9)، وكمال الدين وتمام النعمة(10)، والطبراني في المعجم
ص: 144
الصغير(1)، والمعجم الوسيط(2)، والمعجم الكبير(3)، والحاكم النيسابوري في المستدرك(4)، والبيهقي في السنن الكبرى(5)، والطبرسي في الاحتجاج(6)، وابن عساكر في تاريخ دمشق(7)، وابن شهر اشوب في المناقب(8)، والفخر الرازي في تفسير مفاتح الغيب(9)، والقرطبي في تفسيره(10)، وابن تيمية في
ص: 145
رسالته(1)، وابن كثير في تفسيره(2)، والهيثمي في مجمع الزوائد(3)، والسيوطي في الاتقان(4)، والدر المنثور(5)، وغيرهم.
وساق قسم منهم روايات تعزز ما ذهبوا إليه في أن المراد من أهل البيت في الآية هم الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام وأبرز تلك الروايات:
جاء في صحيح مسلم عن عائشة قالت: «خرج النبي صلی الله علیه و آله وسلم غداة وعليه مرط مرحل(6)، من شعر أسود فجاء الحسن بن علي علیه السلام فأدخله ثم جاء فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله، ثم قال:
«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(7).
وورد في مسند أحمد بن حنبل ما نصه «أن أم سلمة رضی الله عنها، تذكر أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم
ص: 146
كان في بيتها فأتته فاطمة علیها السلام ببُرمةٍ(1) فيها خزيرة(2)، فدخلت بها عليه، فقال لها:
ادعي زوجك وابنيك.
قالت: فجاء علي والحسن والحسين فدخلوا عليه فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامةٍ له على دُكانٍ تحته كساء خيبري، قالت: وأنا أصلي في الحجرة فأنزل الله عز وجل هذه الآية:
«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا».
قالت: فأخذ فضل الكساء فغشاهم به، ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء ثم قال:
اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
قالت: فأدخلتُ رأسي البيت فقلتُ: وأنا معكم يا رسول الله، قال:
إنك إلى خير إنك إلى خير»(3).
كذلك ذكر في مسنده أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كان يمر في بيت فاطمة علیها السلام ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر فيقول:
يا أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ويطهركم تطهيراً(4).
وجاء عند الترمذي في سننه عن عمر بن أبي سلمة(5)، قال: «نزلت هذه الآية
ص: 147
على النبي صلی الله علیه و آله وسلم:
«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» في بيت أم سلمة فدعا النبي صلی الله علیه و آله وسلم فاطمة وحسناً وحسيناً فجعلهم بكساء وعلي خلف ظهره فجلله بكساء ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله، قال: أنتِ على مكانك وأنتِ إلى خير»(1).
وأورد ابن عساكر أن أم سلمة قالت: «في بيتي نزلت:
«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا».
قالت: فأرسل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلى فاطمة وعلي والحسن والحسين، فقال:
هؤلاء أهلي.
قالت: فقلت يا رسول الله أم أنا من أهل البيت، قال:
بلى إن شاء الله»(2).
وذكر ابن كثير رواية الكساء عن أم سلمة قالت: «إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم جمع فاطمة والحسن والحسين ثم أدخلهم تحت ثوبه ثم جأر إلى الله عز وجل ثم قال:
هؤلاء أهل بيتي.
قالت أم سلمة: فقلت يا رسول الله ادخلني معهم، فقال:
ص: 148
أنتِ من أهلي»(1).
وذكر السيوطي عن ابن عباس قال: «شهدنا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم تسعة أشهر يأتي كل يوم بيت علي بن أبي طالب عند وقت كل صلاة فيقول:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا».
الصلاة رحمكم الله.
كل يوم خمس مرات»(2).
جاء عن الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام قال: «جمعنا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في بيت أم سلمة أنا وفاطمة وحسناً وحسيناً ثم دخل رسول الله في كساء له وأدخلنا معه ثم ضمنا وقال:
اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
فقالت أم سلمة: وأنا يا رسول الله ألستُ من أهلك، فقال:
بلى أنتِ على خير»(3).
وذُكر أنَّ السيدة فاطمة الزهراء علیها السلام قالت إنها زارت النبي صلی الله علیه و آله وسلم فبسط ثوباً فأجلسني عليه ثم جاء الحسن والحسين علیهما السلام ثم جاء علي علیه السلام فأجلسه معهم واعتنق علياً بإحدى يديه وفاطمة في اليد الأخرى فأغدق عليهم ثم قال:
ص: 149
«اللهم إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي»(1).
وفي رواية قال:
اللهم هؤلاء مني وأنا منهم اللهم ارضَ عنهم كما أنا عنهم راضٍ(2).
وجاء عن الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: لما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في كساء خيبري لأم سلمة ثم قال:
اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً(3).
وكذلك عن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب علیه السلام قال: دخلت على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في بيت أم سلمة وقد نزلت الآية:
«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(4).
فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«يا علي هذه الآية فيك وفي سبطي الأئمة من ولدك»(5).
وعن الإمام محمد الباقر علیه السلام عندما سئل عن قوله تعالى:
«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(6).
ص: 150
فقال: نزلت هذه الآية في رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وعلي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام في بيت أم سلمة زوج النبي صلی الله علیه و آله وسلم فدعا رسول الله أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام فألبسهم كساء له خيبرياً ودخل معهم فيه ثم قال:
اللهم هؤلاء أهل بيتي الذين وعدتني فيهم ما وعدتني اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
فقالت أم سلمة وأنا منهم يا رسول الله؟ فقال الرسول صلی الله علیه و آله وسلم:
ابشري يا ام سلمة فإنك على خير»(1).
وروي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق علیه السلام عن أبي بصير - أحد أصحابه - قال:
«لو سكت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فلم يبيّن من هم أهل بيته لادعاها فلان وآل فلان، ولكن الله عز وجل أنزل في كتابه تصديقاً:
«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(2).
علي والحسن والحسين وفاطمة فأدخلهم رسول الله تحت الكساء في بيت أم سلمة ثم قال:
اللهم إن لكل نبي أهلاً وثقلاً وهؤلاء أهل بيتي وثقلي.
فقالت أم سلمة ألستُ من أهلك، فقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم:
إنك على خير لكن هؤلاء أهلي وثقلي»(3).
ص: 151
وروي عن الإمام علي بن موسى الرضا علیه السلام أنه حضر مجلس المأمون العباسي بمدينة مرو(1)، وقد اجتمع في مجلسه جماعة أهل العراق وخراسان فقال المأمون:
«مَن العترة الطاهرة، فقال الإمام الرضا علیه السلام:
الذين وصفهم الله تعالى في كتابه العزيز:
«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا».
وهم الذين قال فيهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما، أيها الناس لا تعلّموهم فإنهم أعلم منكم».
فقال العلماء: أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة أهم الأهل أم الآل؟ فقال علیه السلام:
هم الآل.
فقال العلماء: فهذا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يؤثر عنه أنه قال أمتي آلي وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفيض الذي لا يمكن دفعه آل محمد أمته، فقال علیه السلام:
أخبروني هل تحرم الصدقة على الآل؟ فقالوا: نعم، قال علیه السلام:
فتحرم على الأمة؟ قالوا: لا، فقال الإمام علیه السلام:
ص: 152
هذا فرق الآل والأمة ويحكم أين يذهب بكم أضربتم عن الذكر صفحاً أم أنتم قوم مسرفون أم علمتم أنه وقعت الوراثة والطهارة على المصطفين المهتدين دون سائرهم.
قال: ومن أين يا أبا الحسن، فقال علیه السلام:
من قوله تعالى:
«وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ» فصارت وراثة النبوة والكتاب للمهتدين دون الفاسقين»(1).
وبعد هذه النظرة السريعة بين الروايات المختلفة من كلا الطرفين لابدَّ لنا أن نتوصل إلى عدّة مدلولات للنصوص منها أن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم كان في بيت أم سلمة رضی الله عنها ولم يكن في بيت آخر من أزواجه، وأنه صلی الله علیه و آله وسلم أحضر أهل البيت علیهم السلام تحت الكساء ورفض دعوة أم سلمة الانضمام إليهم مع العلم أن أم سلمة هي من النساء المؤمنات وأم المؤمنين ومن سجايا الرسول صلی الله علیه و آله وسلم ومن سمو أخلاقه أنه لم يرفض ما يطلب منه ما دام فيه خير للطالب إلا أنه قال لها: أنتِ من زوجات النبي وأنتِ على خير، فكل هذا يدل على أمر خطير أراد الرسول صلی الله علیه و آله وسلم أن يرشد إليه ومن خلال قوله صلی الله علیه و آله وسلم:
«هؤلاء أهل بيتي».
أراد إظهار حصر أهل البيت علیهم السلام فيه وتمييزهم عن غيرهم وشدة الاعتناء بهم والاهتمام البالغ بهم كما حصرهم تحت الكساء ورفض دعوة أم سلمة الانضمام إليهم فلا مجال لإدخال زوجات النبي ضمن أهل البيت علیهم السلام، كما أراد الرسول صلی الله علیه و آله وسلم أن يكشف للصحابة والأمة نزول آية التطهير في الخمسة دون سواهم، وفي هذا
ص: 153
ذكر ابن حجر الهيثمي «أن أكثر المفسرين يرون أنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين ولا يدخلن زوجات النبي صلی الله علیه و آله وسلم ضمن أهل البيت»(1).
الحديث عن أهل البيت في السنة النبوية الشريفة حديث طويل فقد مُلئت كتب الصحاح والمسانيد والسنن وكتب التاريخ بفضائلهم والحث على حبهم ومودتهم، فضلاً عن كتب مدرسة الصحابة بصورة عامة ومدرسة أهل البيت بصورة خاصة، كما أن الاهتمام الكبير من الرسول صلی الله علیه و آله وسلم لم يكن اعتباطياً وإنما جاء لتطبيق ما أمر الله سبحانه وتعالى في حقهم، ولم يصدر هذا الاهتمام وهذه الكلمات من رجل من عامة الناس وإنما جاء على لسان من لا ينطق عن الهوى كما وصفه تعالى بقوله:
«وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى»(2).
قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«إني أوشك أن أُدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروني بمَ تخلفوني فيهما»(3).
ص: 154
وعنه صلی الله علیه و آله وسلم:
«أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم وأهل بيته وقراءة القرآن»(1).
وقال صلی الله علیه و آله وسلم:
«أذكركم الله في أهل البيت»(2).
وروي عن زيد بن أرقم(3) «قال كنت عند رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فمرت فاطمة وهي خارجة من بيتها إلى حجرة النبي صلی الله علیه و آله وسلم ومعها ابناها الحسن والحسين وعلي على آثارهم فنظر إليهم النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال:
من أحب هؤلاء فقد أحبني ومن أبغضهم فقد أبغضني»(4).
وجاء عن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم:
«لايحبنا أهل البيت إلامؤمن ولايبغضنا إلامنافق شقي»(5).
وذكر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في مودته وأهل بيته علیهم السلام:
«الزموا مودتنا أهل البيت فإنه من لقي الله وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا و
ص: 155
والذي نفسي بيده لا ينتفع عبد عمل عملاً إلا بمعرفة حقنا»(1).
وقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«الحسن والحسين ابناي ومن أحبهما أحبني ومن أحبني أحبه الله ومن أحبه الله ادخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضني ومن أبغضي أبغضه الله ومن أبغضه الله أدخله النار»(2).
وفي حديث السفينة ذكر سليم بن قيس، بينما أنا وحنش بن المعتمر(3)، بمكة إذ قام أبو ذر وأخذ بحلقة الباب ثم نادى بأعلى صوته في الموسم «أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن جهلني فأنا جندب بن جنادة أنا أبو ذر، أيها الناس إني سمعت نبيكم يقول:
ص: 156
مثل أهل بيتي في أمتي كمثل سفينة نوح في قومه من ركبها نجا ومن تركها غرق، مثل باب حطة في بني إسرائيل.
أيها الناس إني سمعت نبيكم يقول:
إني تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله وأهل بيتي»(1).
وعن أبي داود بن الأشعث(2) ذكر مسنداً قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«أحبوا الله لما يغذوكم من نعمة وأحبوني بحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي»(3).
وجاء في حديث الطير المشوي، ذكر سفيان بن وكيع(4) مسنداً قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير»(5).
وحديث الطير يدل على إمامة الإمام علي علیه السلام بالقطع واليقين؛ لأن القضية التي تتعلق بحديث الطير قد أسفرت عن كون الإمام علي علیه السلام أحب الناس إلى الله وإلى رسوله صلی الله علیه و آله وسلم.
ص: 157
وقال الرسول الكريم صلی الله علیه و آله وسلم:
«نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد»(1).
نفهم من خلال قراءة الأحاديث الواردة أن محبة النبي صلی الله علیه و آله وسلم لأهل بيته جاءت في أحاديث عدّة حيث كانت على وجهين الأول خاص بكل واحد منهم، والآخر عام.
ص: 158
تأتي أهمية دراسة أهل البيت علیهم السلام في كتاب نهج البلاغة لكون هذا المفهوم أو المصطلح جاء من ضمن أحاديث وأقوال وخطب وردت عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب علیه السلام ذلك الرجل الذي بیّن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أنه أفضل خلق الله بعده وذلك من خلال أحاديثه النبوية الشريفة التي ملأت كتب المسلمين على مختلف مذاهبهم ومشاربهم، إذ جاءت هذه الأحاديث لتبين المكانة السامية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام، فضلاً عما أشارت إليه الآيات القرآنية الكريمة التي نزلت بحق هذه الشخصية العظيمة.
ومن نافلة القول إن أحاديث النبي صلی الله علیه و آله وسلم بحق أمير المؤمنين علیه السلام لم تقتصر على فئة معينة من المسلمين، إذ أورد العديد من المفسرين والمؤرخين هذه الأحاديث بين طيات كتبهم فتوزعت بين كتب الحديث والفقه والتفسير والتاريخ وغير ذلك، ومما ورد في هذا الصدد على سبيل المثال لا الحصر ما جاء عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال:
«علي مني وأنا من علي لا يؤدي عني إلا أنا وعلي»(1).
ص: 159
وقوله صلی الله علیه و آله وسلم:
«علي مع الحق والحق معه لا يفترقا حتى يردا عليّ الحوض»(1).
وقوله صلی الله علیه و آله وسلم:
«أنا مدينة الحكمة وهي الجنة وأنت يا علي بابها فكيف يهتدي المهتدي إلى الجنة ولا يهتدي إلى بابها»(2).
وورد عنه صلی الله علیه و آله وسلم في السياق نفسه:
«أنا مدينة العلم وعلي بابها»(3).
وغير ذلك من الأحاديث الشريفة التي وردت عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بحق صاحب الدرر النفيسة التي تضمنها كتاب نهج البلاغة، وإلى جانب ما تقدم فإن أمير المؤمنين علیه السلام هو أعرف الناس بالناس بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ولا سيما أنه خريج مدرسة النبوة وهو القائل في ذلك:
«علمني رسول الله من العلم ألف باب»(4).
وكذلك قوله علیه السلام:
«ولقد كنت أتبعه إتباع الفصيل أثر أمه»(5).
ص: 160
وقوله في السياق نفسه:
«وقد علمتم موضعي من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجرة وأنا وليد يضمني إلى صدره ويكنفني فراشه ويمسني صدره ويشمني عرفه وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه»(1).
ويؤكد علیه السلام على حقيقة ثابتة وهي أن مرافقته وملازمته لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ظلت قائمة حتى أواخر حياة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم الشريفة إذ يقول علیه السلام:
«ولقد قبض رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وإن رأسه لعلى صدري وقد سالت نفسه في كفي فأمررتها على وجهي ولقد وليت غسله صلی الله علیه و آله وسلم والملائكة أعواني فضجت الدار والآفنية ملأ يهبط وملأ يعرج وما فارقت سمعي هنيهة منهم فهم يصلون عليه حتى واريناه ضريحه»(2).
فأي كرامة تلك التي نالها أمير المؤمنين علیه السلام إذ رافق رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم حياً وميتاً، جنبه الشريف إلى جنب الملائكة الذين كانوا عوناً له في تغسيل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ودفنه، وقد أشار ابن أبي الحديد إلى أن أمير المؤمنين علیه السلام أراد بقوله ذلك أنه كان يسمع صلاة الملائكة ولم يسمعها غيره ممن في الدار(3).
ومما لا شك فيه أن الروايات التي ذكرت وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في حجر السيدة عائشة هي ضعيفة السند ومنها رواية عباد بن عبد الله بن الزبير إذ يقول: «سمعت عائشة تقول: مات رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بين سحري ونحري وفي دوري ولم أظلم فيه أحداً، فمن سفهي وحداثة سني أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قبض وهو في حجري ثم
ص: 161
وضعت رأسه على وسادة وقمت التدم مع النساء وأضرب وجهي»(1).
نفهم من ذلك بأن الراوي هو عباد بن عبد الله بن الزبير والسيدة عائشة هي خالة أبيه وهو ابن عبد الله بن الزبير المعروف بالعداء لأهل البيت علیهم السلام على حد قول أمير المؤمنين علي علیه السلام في أحد خطبه:
«ما زال الزبير رجلاً منا أهل البيت حتى نشأ ابنه المشؤوم عبد الله»(2).
إذ كان آل الزبير يظهرون العداوة لبني هاشم كما ذكر اليعقوبي قائلاً: «وتحامل عبد الله بن الزبير على بني هاشم تحاملاً شديداً وأظهر لهم العداوة والبغضاء»(3)، وكذلك ادعاؤه الخلافة بعد استشهاد الإمام الحسين علیه السلام وإذا ناقشنا مضمون الرواية نجد أن عباراتها غير مترابطة كقولها: «لم أظلم فيه أحداً»، وقولها: «فمن سفهي وحداثة سني أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قبض وهو في حجري» إذ إنها تبين وفاة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم في حجرها وتدافع بالوقت نفسه عن نفسها هذا أولاً وثانياً أنها ذكرت كان في حجري وعند وفاته قمت التدم مع النساء وأضرب وجهي.
في هذا القول نجد بأن وفاة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم قد أصبحت حدثاً بسيطاً وغير مهمٍ ونحن نعلم بأن وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم خطب عظيم، فقد بكت ملائكة السماء قبل الأرض وقد فجع المسلمون في جميع الأرض، علماً بأن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم كان قد أخبر أهل بيته وأصحابه بوفاته، فهل يعقل بأن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم توفي في حجر السيدة وحدها ومع مجموعة من النساء كما ذكرت (وقمت التدم مع النساء)، بل إن هذه الرواية ظهرت في عهد آل الزبير وحاولت إخفاء مكانة أمير المؤمنين
ص: 162
علي علیه السلام بوفاة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في حجره والملائكة أعوانه كما ذكرها أمير المؤمنين في خطبته في نهج البلاغة، وإخفاء أن من يقوم بتغسيل النبي صلی الله علیه و آله وسلم هو وصيه وخليفته من بعده فأرادوا طمس هذه الرواية وإظهار روايات أخرى تقلل من أهمية هذا الحدث المهم في تاريخ المسلمين فضلاً عن ذلك فإن الإمام المعصوم لا يغسله ولا يكفنه ولا يصلي عليه ولا يدفنه إلا إمام معصوم(1)، فكيف برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وهو القائل لعلي:
«أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي من بعدي»(2).
وقد ذكرت الروايات بأن من صلى على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم هو الإمام علي علیه السلام(3).
من خلال العرض البسيط نستعرض أهم خطب أمير المؤمنين علیه السلام في كتاب نهج البلاغة، بخصوص مصطلح (أهل البيت) في أكثر من موضع من تلك الخطب المباركة، ولعلنا نستشف من خلال ما ورد في تلك الخطب أنه علیه السلام أراد لهذا المصطلح معنيين لا معنى واحداً، ويمكن أن نقسم هذين المعنيين إلى معنى عام ومعنى خاص.
إن المفهوم العام لأهل البيت الذي أراده الإمام علي علیه السلام هو عصبة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم من قبيل أعمامه وابناء عمومته صعوداً إلى أجداده ويمكننا أن نلمس ذلك من خلال قوله علیه السلام:
كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إذا احمر البأس وأحجم الناس قدّم أهل بيته فوقى بهم
ص: 163
أصحابه حر السيوف والأسنة فقُتل عبيدة بن الحارث(1) يوم بدر(2)، وقُتل حمزة(3) يوم أُحد(4)، وقُتل جعفر(5) .......................................
ص: 164
.............................................
يوم مؤتة(1)، وأراد من لو شئت ذكر اسمه مثل الذي أراد الشهادة ولكن آجالهم عجلت ومنيته أخرت»(2).
وهنا أراد أمير المؤمنين علیه السلام أن يبيّن أنه عندما تشتد الحرب وتحمر الأرض من الدماء ويكف القوم عن القتال لجبنهم وخوفهم عن الاقدام على القتال فيدفع الرسول صلی الله علیه و آله وسلم بابناء عمومته عبيدة بن الحارث في يوم بدر وعمه الحمزة يوم أحد وابن عمه جعفر بن أبي طالب يوم مؤتة، فضلاً عن إشارة أمير المؤمنين علیه السلام إلى نفسه في عبارة «لو شئت ذكرت اسمه»(3)، ذكر محمد جواد مغنية (وأراد لو شئت لذكرت اسمه( فإنه علیه السلام، يشير إلى نفسه وإنه تمنى الشهادة وتلهف عليها تماماً كما تلهف معاوية على الحكم والسلطان إذ ذكر الإمام في خطبته:
«فقلت يا رسول الله أليس قلت لي يوم أحد إذ استشهد من استشهد من المسلمين وجزت عني الشهادة فشق ذلك عليّ فقلت لي: أبشر فإن الشهادة من ورائك، فقال لي: إن ذلك لذلك فكيف صبرك إذن، فقلت: يا رسول الله ليس هذا موطن الصبر ولكن مواطن البشرى والشكر»(4).
ولعلَّ ما جاء في النص المتقدم يبيّن لنا أن مراد أمير المؤمنين في مصطلح أهل
ص: 165
البيت في أحد عمومته وهو الحمزة بن عبد المطلب الذي استشهد في معركة أحد ويتمثل كذلك بابن عمه عبيدة بن الحارث بن المطلب الذي استشهد في معركة بدر وأخيه جعفر بن أبي طالب الذي استشهد في معركة مؤتة فضلاً عن إشارة الإمام إلى نفسه التي عبر عنها «وأراد من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذين أرادوا، ويقصد بذلك نفسه، إلا أن التواضع الذي حملته هذه النفس الزكية دفعته إلى عدم التصريح بالاسم في هذا الموضع»(1).
وبناءً على ما تقدم يمكننا أن نطلق على هذا المفهوم فيما يتعلق بنظرة أمير المؤمنين علیه السلام إلى مصطلح أهل البيت بالمفهوم العام، ومن جانب آخر وفي السياق نفسه نجد أن الإمام يعبر عن أهل بيته من بني هاشم ب(نحن) وهذا ما نلاحظه من خلال إحدى الخطب المباركة التي جاء فيها «أما نحن - ويقصد بني هاشم - فأبذل لما في أيدينا وأسمح عند الموت بنفوسنا وهم أكثر وأمكر وأنكر ونحن أفضل وأنصح وأصبح»(2)، فقد فسرها محمد عبده قائلاً عندما سئل الإمام علي علیه السلام عن قريش فقال:
«أما بنو مخزوم(3) فريحانة قريش تحب حديث رجالها والنكاح في نسائهم،
ص: 166
وأما بنو عبد شمس(1) فأبعدها رأياً وأمنعها لما وراء ظهورها»(2).
ثم وصف الإمام علیه السلام أهل بيته وهم بنو هاشم بكونهم أبذل لما في أيديهم أي اسخى بكونهم أسمح عند الموت بنفوسهم أي أشجع الرجال ثم وصفهم بكثرة العدد، وكونهم (بنو عبد شمس) أمكر أي أكثر حيلة وخداعاً، وكونهم (بنو عبد شمس) أنكر أي اكثر نكراً، وأما فضائل بني هاشم فكونهم أفصح، فقد امتاز أهل البيت من عمومة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم بالفصاحة والبلاغة، وذكر الحاكم النيسابوري في المستدرك أن العباس بن عبد المطلب قال لرسول الله: «يا رسول الله إني أريد امتداحك، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
قل لا يفضض الله فاك.
فقال العباس(3):
من قبِلها طبتُ في الظلال وفي *** مستودعٍ إذ يخصفُ الروقُ ثم هبطتَ البادَ لا بشرٌ *** أنت ولا مضغةٌ ولا علقُ بل نطفةٌ تركبُ السفينَ وقد *** ألجَمَ نسرا وأهلَهُ فرقُ تَنقَلُ من صلبٍ إلى رحمٍ *** إذا مضى عالمٌ بدا طبقُ حتى احتوى بيتُكَ المهيمنُ من *** خذف علياءُ تحتها النطقُ
ص: 167
وأنت لمّا ولدتَ أشرقتِ الأرضُ *** وضاءَت بنورِكَ الأفقُ فنحن في ذلكَ الضياءِ وفي *** النورِ وسبلِ الرشادِ نحترقُ وعن فصاحة جعفر بن أبي طالب علیه السلام عندما دخل على النجاشي(1) ملك الحبشة، إذ قال: «أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء للجوار ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار...»(2).
وكونهم (بنوهاشم) أصبح أي أحسن وجوها وأجمل وهما فضيلتان تتعلقان بالبدن(3)، فقد ذكر ابن هشام قصة دخول عبد المطلب بن هاشم على أبرهة «وكان عبد المطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم فلما رآه أبرهة أجله وأعظمه وأكرمه عن ان يجلسه تحته وكره أن تراه الحبشة يجلس معه على سرير ملكه فنزل أبرهة عن سريره فجلس على بساطه وأجلسه إلى جنبه، ثم قال لترجمانه: قل له حاجتك، فقال له الترجمان، فقال: حاجتي أن يرد عليّ الملك مئتي بعير أصابها، فقال أبرهة:
قد كنت أعجبتني حين رأيتك ثم قد زهدت فيك حين كلمتني، تكلمني في مئتي
ص: 168
بعير متى أصبتها لك وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه، قال عبد المطلب: إني أنا رب الإبل وإن للبيت رباً سيمنعه، قال: ما كان ليمتنع مني، قال: أنت وذاك»(1). وهذه الرواية على الرغم من ورودها في أغلب المصادر إلا أنها تثير الشك؛ فمن غير المعقول أن شخصاً مثل عبد المطلب سيد قريش يطالب أبرهة بمئتي بعير وهو القادم لهدم الكعبة.
إن المعنى الخاص لمفهوم أهل البيت في خطب الإمام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب علیه السلام هو موضوع دراستنا في كتاب نهج البلاغة، فالمراد بهم النبي صلی الله علیه و آله وسلم والسيدة فاطمة الزهراء وزوجها الإمام علي بن أبي طالب وابناها الحسن والحسين علیهم السلام، ومما روي عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بحق الحسن والحسين علیهما السلام أنه قال:
«ابناي هذان إمامان إن قاما وإن قعدا»(2).
فالإمامان الحسن والحسين علیهما السلام ابنا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ومما يؤكد ذلك قوله تعالى:
«وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ»(3).
ومعلوم أن عيسى علیه السلام انتسب إلى إبراهيم علیه السلام بالأم لا بالأب فثبت أن ابن البنت قد يسمى ابناً(4)، وفي رواية أن الحجاج أرسل إلى يحيى بن يعمر(5) فقال:
ص: 169
«بلغني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النبي صلی الله علیه و آله وسلم تجده في كتاب الله وقد قرأته أولا إلى آخره فلم أجده، قال: أليس تقرأ سورة الأنعام:
«وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ...» قال: بلى، قال: أليس عيسى من ذرية إبراهيم وليس له أب، قال: صدقت»(1).
كذلك قوله صلی الله علیه و آله وسلم:
«الحسن أشبه الناس برسول الله ما بين الصدر إلى الراس، والحسين اشبه الناس برسول الله أسفل من ذلك»(2).
وعن السيدة فاطمة الزهراء علیها السلام قالت: يا رسول الله هل تورث الحسن والحسين شيئاً، قال صلی الله علیه و آله وسلم:
«أما الحسن فله هيبتي وسؤددي، وأما الحسين فله جرأتي وجودي»(3).
ونجد ذات المفهوم عند أمير المؤمنين علیه السلام من خلال قوله:
«فإنما الأئمة قوّام الله على خلقه، عرفاؤه على عباده، لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه، ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه»(4).
إذ بيّن ابن أبي الحديد في شرحه أن الأئمة علیهم السلام الذين يقومون بمصالح الناس وهم المدبرون لأمورهم، وعرفاؤهم وهي جمع عريف، والعريف هو النفيس والرئيس وهو القائم بالأمر(5)، وقوله علیه السلام:
ص: 170
لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه.
إذ أشار إلى قوله تعالى:
«يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ»(1).
إذ كان الإمام علي علیه السلام، أولى الناس بالإمامة بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأولى بالإمامة من الحسن والحسين علیهما السلام، لأنه السابق وللإمام الحسن الإمامة بعد أبيه لأنه أسبق من الحسين فلما حضرت الإمام الحسن علیه السلام الوفاة لم يجز أن يجعلها في ولده لأن الإمام الحسين علیه السلام نظيره في التطهير وله بذلك بالسبق فضيلة على ولد الحسن(2) تبعاً لقوله تعالى:
«وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ»(3).
إذ ينادى باتباع فلان ويا أصحاب فلان فينادى كل قوم باسم إمامهم، إذ الأئمة علیهم السلام تعرف أتباعهم يوم القيامة وإن لم يكونوا قد رأوهم في الدنيا إذ إن النبي صلی الله علیه و آله وسلم يشهد للمسلمين وعليهم(4) إذ استشهد بقوله:
«فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا»(5).
وعن الإمام الصادق علیه السلام قال:
«خرجت أنا وأبي حتى إذا كنا بين القبر والمنبر إذا هو بأناس من الشيعة فسلم عليهم ثم قال: إني والله لأحب ريحكم وأرواحكم فأعينوني على ذلك بورع
ص: 171
واجتهاد وأعلموا أن ولايتنا لا تنال إلا بالورع والاجتهاد ومن أئتم منكم بعبد فليعمل بعمله، أنتم شيعة الله وأنتم أنصار الله وانتم السابقون الأولون والسابقون الآخرون والسابقون في الدنيا والسابقون في الآخرة إلى الجنة قد ضمنا لكم الجنة بضمان الله وضمان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم والله ما على درجة الجنة أكثر أرواحاً منكم»(1).
ولا ريب أن من أهم حقوق النبي وأهل بيته هو معرفتهم، فقد ورد في الحديث عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال:
«من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»(2).
كما أكدت عليه النصوص من الآيات الكريمة والروايات والأدعية منها ما جاء في دعاء زمن الغيبة للإمام الصادق علیه السلام قال:
«اللهم عرفني نفسك فإن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني نبيك فإم لم تعرفني نبيك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني، اللهم لا تمتني ميتة جاهلية ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني...»(3).
في ضوء الروايات أعلاه والدعاء المبارك الذي يحث الإنسان على طلب المعرفة ينبغي على كل مسلم أن يدعو الله دائماً وأن يوفقه معرفتهم علیهم السلام ويمكننا
ص: 172
أن نتعرف على بعض من سيرتهم من خلال مراجعة القرآن الكريم؛ لأنهم عدله وأحاديث الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وأهل بيته علیهم السلام فإن ذلك أحسن الطريق وأسلمه لمعرفتهم علیهم السلام فقد ورد عن سليم بن قيس أنه سمع من سلمان(1) وأبي ذر والمقداد رضی الله عنه حديثاً عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال:
من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية.
ثم عرضه على جابر وابن عباس قالا: «صدقوا وبروا فقد شهدنا ذلك وسمعناه من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وعن سلمان رضی الله عنه قال: يا رسول الله إنك قلت من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية من هذا الإمام يا رسول الله؟ قال الرسول:
من أوصيائي ياسلمان، فمن مات من أمتي وليس له إمام يعرفه مات ميتة جاهلية، فإن جهله وعاداه فهو مشرك، وإن جهله ولم يعاده ولم يوال له عدواً فهو جاهل وليس بمشرك»(2).
وأما قوله علیه السلام:
لا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه.
فهذه كناية عن الجاهل بالحق وأهله «والعالم به وبهم ولكنه خالف وعاند(3)،
ص: 173
وإن إنكارهم مستلزم للميتة الجاهلية المستلزمة لدخول النار»(1).
أكد أمير المؤمنين علیه السلام في إحدى خطبه ان هؤلاء الأئمة هم:
«أساس الدين وعماد اليقين إليهم يفيئ الغالي وبهم يلحق التالي ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة، الآن رجع الحق إلى أهله»(2).
إذ يرى البحراني أن قول الإمام علیه السلام: هم أساس الدين إشارة إلى أن بهم استقامة الدين وثباته وتفرعه عنهم كما يقوم البناء أساسه(3)، كذلك قوله: (عماد اليقين)، وقوله: (بهم يلحق التالي)، إذ بيّن محمد عبده أن المراد بقول أمير المؤمنين علیه السلام: «إن بهم يلحق المقصر في عمله المتباطئ في سيره الذي أصبح وقد سبقه السابقون إنما يتبين له الخلاص، فالنهوض للحق بآل النبي علیهم السلام والحذو حذوهم واستشهاداً بقول الرسول صلی الله علیه و آله وسلم:
مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق»(4).
ولهم خصائص حق الولاية بمعنى الرياسة والسلطة، وقلنا: إن للكامل العادل ولاية على الناقص بحكم العقل والواقع أهل البيت علیهم السلام أفضل وأكمل خلق الله بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم(5).
وقد ذكر الطبري الإمامي في مسترشده خطبة لأمير المؤمنين علیه السلام جاء فيها «ألا إن عترتي وأطائب أرومتي أعلم الناس صغاراً وأعلمهم كباراً ألا وإنّا أهل بيت
ص: 174
من علم الله علمنا ومن قول صادق سمعنا، فإن تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا وأن تدبروا يهلكهم الله بأيدينا أو بما نشاء ومعنا راية الحق من تبعها لحق ومن تأخر عنها محق ألا وبنا يفتح ديناً يختم لا بكم فإنه جل وعز قد أمر بطاعة أقوام بأعيانهم والرسول قد ولّ عليهم وخطر على المتمسكين بهم أن يضلوا والدليل على ذلك أن الله قد طبعهم على الخير وعلمهم ما احتاجت إليه الأمة...»(1)، وقوله علیه السلام:
«ولهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة»(2).
لاسيما وأن حق الولاية والوصية اقتصر على الإمام علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام دون غيرهم من سائر المسلمين من قرابة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إذ خصهم الله سبحانه وتعالى بكتابه العزيز:
«وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»(3).
وقد بيّن المفسرون أنها كانت بحق علي وأهل بيته علیهم السلام(4)، فضلًا عن حديث الإنذار(5)، الذي يشير بما لا يقبل الشك إلى أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم جعل الخلافة في
ص: 175
علي علیه السلام عندما قال له:
«أنت وصيي وخليفتي»(1).
فضلاً عن ذلك فإن ما أشارت إليه المصادر التاريخية ونوه إليه المفسرون بخصوص تبليغ سورة براءة يشير هو الآخر إلى أن علياً دون غيره هو أخص الناس برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إذ قال:
«لا يؤدي عني إلا رجل مني»(2).
أي من رسول الله من أهل بيته فكان الاختيار وقع على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام على الرغم من وجود من هو أكبر منه سناً من قرابة رسول الله من قبيل العباس بن عبد المطلب، عم رسول الله، وعقيل بن أبي طالب(3)، ابن عمه الأكبر(4).
وإلى جانب ذلك فإن وصية رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بأهل بيته واضحة وجلية في حديث الثقلين عندما قال:
ص: 176
«أوصيكم بالثقلين فقال المسلمون: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: كتاب الله وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض»(1).
ثم قال:
«إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت وليه فهذا وليه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»(2).
وفيما يتعلق بحق الولاية الذي جاء في خطبة الإمام علي علیه السلام فقد أكد الكثير من المفسرين أن المراد بالآية القرآنية الكريمة:
«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(3).
أنها نزلت في علي بن أبي طالب حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه(4)، وجاء أن عدداً من المسلمين هنأوا الإمام علیه السلام بهذه الكرامة، إذ روي عن عمر بن الخطاب أنه قال لعلي بن أبي طالب علیه السلام: «بخٍ بخٍ لك يا علي أصبحتَ مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة»(5)، وفي ذلك إشارة إلى أن حق الولاية حفظ
ص: 177
في عهد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في عميد اهل بيته علي بن أبي طالب علیه السلام دون غيره من قرابته صحابته(1).
من نافلة القول إن أمير المؤمنين علي علیه السلام يطلق على أهل بيته بالأئمة وهي لفظة تكاد تنحصر في الإمامين الحسن والحسين علیهما السلام في عهد الرسول صلی الله علیه و آله وسلم إذ لم يطلق الرسول هذه الصفة على أحد دون الحسنين علیهما السلام فقد قال:
«ابناي هذان إمامان إن قاماوإن قعدا»(2).
ولم نجده يطلقها على أي أحد من بني هاشم.
وفي موضع آخر من خطبة عن أهل البيت في نهج البلاغة وهو يتحدث عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فيقول:
«عترته خير العتر وأسرته خير الأسر وشجرته خير الشجر، نبتت في حرم وسبقت في كرم، لها فروع طوال وثمرة لا تنال...»(3).
بيّن البحراني في شرحه أن الإمام علیه السلام بدأ بكلامه بالعترة؛ لأنها أخص وأقرب من الأسرة، والعترة آل البيت(4)، ومصداق أفضلية عترته قوله صلی الله علیه و آله وسلم:
ص: 178
«سادة أهل المحشر أهل الدنيا أنا وعلي وحسن وحسين وحمزة وجعفر»(1).
ووجه أفضلية أسرته قوله صلی الله علیه و آله وسلم:
«إن الله اصطفى من العرب معداً واصطفى من معد بني النضر بن كنانة واصطفى هاشماً من بني النضر واصطفاني من بني هاشم. وقال: قال لي جبرائيل:
يا محمد قد طفت الأرض شرقاً وغرباً فلم أجد فيها أكرم منك ولا بيتاً أكرم من بني هاشم.
وكذلك قال صلی الله علیه و آله وسلم:
الناس تتبع لقريش، برهم لبرهم وفاجرهم لفاجرهم»(2).
وخصوصية عترته تشتمل لكونها الامتداد الطبيعي لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وبقاء نسله الطيب الطاهر حتى قيام الساعة وهو القائل:
«جعل الله ذرية كل نبي من صلبه وجعل ذريتي من صلب علي»(3).
هي إشارة إلى الإمامين الحسن والحسين علیهما السلام.
وأما قوله علیه السلام:
«أسرته خير الأسر»(4).
أسرته هم بنو هاشم، وخير الأسر إذ كانت قريش أفضل طوائف العرب(5).
وقوله علیه السلام:
ص: 179
«نبتت في حرم».
أي: عز ومنعة، والحرم مكة(1)، و (بسقت)، أي: علت(2)، في كرم وشرف هي كنية بالكرم الذي فيه زكاء أصله وما استلزم من الفضل(3)، وروى الكليني عن الامام الصادق علیه السلام:
«أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم كان في المسجد الحرام وعليه ثياب له جدد فألقى المشركون عليه سلا ناقة(4)، فملؤوا ثيابه بها فدخله من ذلك ما شاء الله، فذهب إلى أبي طالب فقال: يا عم كيف ترى حسبي فيكم؟ فقال له: وما ذاك يا ابن أخي فأخبره الخبر، فدعا أبو طالب حمزة علیه السلام وأخذ السيف وقال لحمزة: خذ السلا ثم توجه إلى القوم والنبي صلی الله علیه و آله وسلم معه فأتى قريشاً وهم حول الكعبة فلما رأوه عرفوا الشر في وجهه ثم قال لحمزة: أمرر السلا على أسبالهم(5)، ففعل ذلك حتى أتى على آخرهم ثم التفت أبو طالب إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال يا ابن أخي هذا حسبك فينا»(6).
من خلال الرواية أعلاه قد يتصور أن أبا طالب صنع هذا الأمر لا لكونه مسلماً وإنما ثار حمية لابن أخيه وهذا أمر فيه نظر فهو من أوائل المسلمين، فضلاً
ص: 180
عن المنزلة العظيمة التي يتمتع بها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عند عمه أبي طالب والحمزة سيد الشهداء، إذ كان أبو طالب ناصره والمحامي الأول عن الرسالة السماوية والدليل هجرة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم بعد وفاة عمه إلى المدينة المنورة وتسمية رسول الله ذلك العام بعام الحزن(1).
وقوله علیه السلام:
«له فروع طوال»(2).
بيّن البحراني في شرحه أن المراد بالفروع أهله وذريته وسائر النجباء من بني هاشم ووصفهم في الطول عن بلوغهم في الشرف والفضل الغاية البعيدة(3)، وهي مصداق لقوله تعالى:
«إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ»(4).
التي ذكر المفسرون أنها الكثرة والذرية والأصحاب(5).
وقوله علیه السلام:
«ثمرة لا تنال»(6).
ذكر ابن أبي الحديد في شرحه ليس المراد بالثمر الذي لا ينتفع به بل يريد به
ص: 181
أن ثمرها لا ينال قهراً ولا يجنى غصباً(1)، وبين محمد عبده أن الإمام علياً علیه السلام عبّر بالثمر قاصداً به العلوم والاخلاق المتفرعة عنه وعن أئمة أمته بكونها لا تنال عن شرفها وغموض أسرارها، أي إنها لعلوها وشرفها لا يمكن أن يطال فيها ولا تصل الأذهان إليها(2)، وذكر التستري «أن شرف الشجر بعلوه حتى لا ينهب ثمره كل من مرّ عليه، والمراد أن علوم النبي صلی الله علیه و آله وسلم وكمالاته ليست عادية متعارفة حتى يدعي نيابتها كل أحد، وغرضه علیه السلام التعريض بالمتقدمين عليه بكونهم غير أهليين لتصدي مقامه علیه السلام؛ لأن النائب كالمنوب عنه بقضية العقول وأين هم من النبي صلی الله علیه و آله وسلم وإنما كان أهل بيته مثله»(3)، ومما يوضح كونهم علیهم السلام ثمرة شجرة النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال علیه السلام لما بلغه أن قريشاً احتجوا في السقيفة بكونهم شجرة النبي:
«احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة»(4).
وفي زيارتهم علیهم السلام عن الإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالی فرجه الشریف وهو يزور في اليقظة لا في النوم يوم الأحد:
«السلام على الشجرة النبوية والدوحة الهاشمية المضيئة المثمرة بالنبوة المُونقةَ بالإمامة»(5).
ص: 182
وفي موضع آخر يقول الإمام علیه السلام في خطبة له:
«نحن شجرة النبوة ومحط الرسالة ومختلف الملائكة ومعادن العلم وينابيع الحكم، ناصرنا ومحبنا ينتظر الرحمة، وعدونا ومبغضنا ينتظر السطوة»(1).
أراد الإمام علیه السلام في خطبته أن يجعل من النبوة كثمرة أخرجتها شجرة بني هاشم ومحط الرسالة: منزلها، ومختلف الملائكة: موضع اختلافها في صعودها ونزولها(2) فقد بيّن البحراني «أن لفظ البحر والمعادن والينابيع متعاد وإذا كان من تلك الشجرة كما علمت ولكل غصن من الشجر قسط بحسب قوته وقربه من الأصل ونيتها إلى الرسول»(3)، وقوله علیه السلام:
«محط الرسالة» لمنزلها، ومختلف الملائكة موضع اختلافها في صعودها ونزولها(4)، أي ورود واحد منهم بعد الآخر فيكون الثاني كأنه خلف الأول(5)، إلا أنه علیه السلام لما كان بمنزلة نفس النبي صلی الله علیه و آله وسلم إذ قال تعالى:
«فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»(6).
ص: 183
إذ بيّن المفسرون أن المراد ب(أَنفُسَنَا) نفسه صلی الله علیه و آله وسلم وعليّ علیه السلام(1)، وقول النبي صلی الله علیه و آله وسلم يوم أحد لجبرائيل علیه السلام بعد تعجبه من مواساته له وما يمنعه من مواساتي وهو مني وأنا منه فقال جبرائيل علیه السلام: «وأنا منكما»(2)، لذلك قال صلی الله علیه و آله وسلم في سيدة نساء العالمين علیها السلام:
«فاطمة بضعة مني يرضيني ما يرضيها ويسخطني ما يسخطها»(3).
وكذلك قوله صلی الله علیه و آله وسلم في ابنيه الحسن والحسين علیهما السلام: بأنهما منه وأنه منهم(4)، ومحط الرسالة لما كانت نفوسهم مستعدة لدرجة الرسالة وإن كانت النبوة مختومة به صلی الله علیه و آله وسلم لكونهم مثله في العصمة والملكات الربانية، فقد قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم لأمير المؤمنين علیه السلام:
«أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي من بعدي»(5).
يصدق على أنهم محط الرسالة، وقد روى المبرد «أن شامياً رأى الحسن علیه السلام راكباً فجعل يلعنه والحسن لا يرد فلما فرغ أقبل الحسن علیه السلام إليه فسلم عليه وضحك وقال: أيها الشيخ أظنك غريباً ولعلّك شبهت فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كانت لك حاجة قضيناها لك، فلو حركت رحلك إلينا وكنت ضيفاً إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك؛ لأن لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً. فلما سمع الرجل كلامه بكى ثم قال: أشهد أنك خليفة الله في أرضه ثم تلا:
ص: 184
«اللَّهُ أَعْلَمُ إذ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ»(1) (2).
وقد روي «أنه دخل عبد الله بن ماهان(3)، على المأمون العباسي يوماً وعنده علي بن موسى الرضا علیه السلام فقال له المأمون: ما تقول في أهل البيت؟ فقال عبد الله:
ما قولي في طينة عجنت بماء الرسالة وشجرة غرست بماء الوصي هل ينفح منه إلا مسك الهدى وعنبر التقى، فدعا المأمون بحقة لؤلؤ فحشا فاه»(4).
وقوله علیه السلام:
«مختلف الملائكة».
فقد ذكر ابن أبي الحديد أنه علیه السلام أراد بها نفسه وابنيه علیهما السلام ودليل ذلك أن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم قال:
«علي مني وأنا منه فقال جبرائيل علیه السلام: وأنا منكما»(5).
وروى أبو أيوب الأنصاري(6)، مرفوعاً عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال:
ص: 185
«لقد صلّت الملائكة عليَّ وعلى عليٍّ سبع سنين لأنّا كنّا نصلي ليس معنا أحد غيرنا»(1).
وعند وفاة الإمام علي علیه السلام خطب الإمام الحسن علیه السلام فقال:
«لقد فارقكم هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون، كان يسبقه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم للحرب، وجبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره»(2).
وفي الحديث أن في يوم أحد سُمِعَ صوتٌ من السماء:
«لا سيف إلا ذو الفقار لا فتى إلا علي»(3).
وقد ورد كذلك في سيدة النساء وسائر الأئمة علیهم السلام، فقد روى الكليني عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال:
«إن فاطمة علیها السلام مكثت بعد النبي صلی الله علیه و آله وسلم خمسة وسبعين يوماً وكان قد دخلها حزن شديد على أبيها، وكان جبرائيل علیه السلام يأتيها فيحسن عزاؤها على أبيها ويطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي علیه السلام يكتب ذلك»(4).
وعن يعقوب بن سالم(5)، عن الإمام الباقر علیه السلام قال: «لما قبض النبي صلی الله علیه و آله وسلم بات آل محمد بأطول ليلة حتى ظنوا أن لا سماء تظلهم ولا أرض تقلهم؛ لأن النبي
ص: 186
وتر الأقربين في الله فبينما هم كذلك وإذا أتاهم آتٍ لا يرونه ولا يسمعون كلامه فقال السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته إن في الله عزاءً من كل مصيبة ونجاةً من كل هلكة ودركاً لما فات:
«كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ».
إن الله اختاركم وفضلكم وطهركم وجعلكم أهل البيت نبيه واستودعكم علمه وأورثكم كتابه وجعلكم تابوت علمه وعصا عزه وضرب لكم مثلاً من نوره وعصمكم من الزلل وآمنكم من الفتن، فتعزوا بعزاء الله فإن الله لم ينزع منكم رحمته ولن يزيل عنكم نعمته، فأنتم أهل الله تعالى الذين بهم تمت النعمة واجتمعت الفرقة وائتلفت الكلمة وأنتم أولياؤه فمن تولاكم فاز ومن ظلمكم حقكم زهق، مودتكم من الله واجبة في كتابه على عباده المؤمنين... فأنتم الأمانة المستودعة ولكم المودة الواجبة والطاعة المفروضة، وقد قبض النبي صلی الله علیه و آله وسلم وقد أكمل لكم الدين وبين لكم سبيل الخروج فلم يترك لجاهل حجة، فمن جهل أو تجاهل أو أنكر أو نسي أو تناسى فعلى الله حسابه والله ما وراء حوائجهم، واستودعكم الله والسلام عليكم. فقال الراوي: ممن أتاهم التعزية؟ قال علیه السلام:
من الله»(1).
من خلال قراءة النص نستشف أن أطول ليلة قضاها آل محمد علیهم السلام هي لفراق النبي وليس خوفاً من أحد.
وقوله علیه السلام:
«معادن العلم وينابيع الحِكم»(2).
ص: 187
يعني بها الحكمة أو الحكم الشرعي، إذ قال الرسول صلی الله علیه و آله وسلم:
«أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من الباب»(1).
ومعادن العلم عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم عن جبرائيل علیه السلام عن الله تعالى، وينابيع الحكم هذا نهج البلاغة قطرة من تلك الينابيع(2)، وذكر المسعودي عنه علیه السلام أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال:
«قال تعالى: وأنصب أهل بيتك للهداية وآتيهم من مكنون علمي ما يشكل عليهم دقيق ولا يعييهم خفي، وأجعلهم حجتي على بريتي والمنبهين على قدرتي ووحدانيتي... فنحن أنوار السماء وأنوار الأرض فينا النجاة ومنا مكنون العلم وإلينا مصير الأمور...»(3).
واُستفيض عنهم علیهم السلام قالوا:
«عندنا علم ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة»(4).
وأما قوله علیه السلام:
«ينابيع الحكم».
ففي المعنى نفسه جاء أن قوماً من جهينة نزلوا عند الإمام الصادق علیه السلام فأضافهم، فلما أرادوا الرحلة زودهم ووصلهم وأعطاهم ثم قال لغلمانه:
«تنحوا لا تعينوهم.
فلما فرغوا جاؤوا ليودعوه فقالوا له: يا ابن رسول الله لقد أضفت فأحسنت الضيافة وأعطيت فأجزلت العطية ثم أمرت غلمانك ألّا يعينوننا على الرحلة،
ص: 188
فقال علیه السلام:
إنّا أهل بيت لا نعين أضيافنا على الرحلة من عندنا»(1).
وأما قوله علیه السلام:
«ناصرنا محبنا ينتظر الرحمة»(2).
إن الرحمة من الله تعالى بشهادة النبي الأعظم صلی الله علیه و آله وسلم بقوله:
«يا علي لا يبغضك مؤمن»(3).
فكيف إذا أحبك وناصرك(4)، قال الشافعي:
إن كان رفضاً حب آل محمد *** فليشهد الثقلان أني رافضي(5) وعن جابر الأنصاري(6) قال: «كنت ذات يوم عند النبي صلی الله علیه و آله وسلم، إذ أقبل بوجهه
ص: 189
علي بن أبي طالب علیه السلام فقال:
الا أبشرك يا أبا الحسن؟.
قال: بلى يا رسول الله.
قال: هذا جبرائيل يخبرني عن الله عز وجل أنه أعطى شيعتك ومحبيك سبع خصال: الرفق عند الموت، والأنس عند الوحشة، والنور عند الظلمة، والأمن عند الفزع، والقسط عند الميزان، والجواز على الصراط، ودخول الجنة قبل الناس، ثم قال: نورهم يسعى بين أيديهم وأيمانهم»(1).
وقوله علیه السلام:
«وعدونا ومبغضنا ينتظر السطوة»(2).
إذ ذكر ابن أبي الحديد أنها ستحل بهم يقيناً وصاروا كالمنتظرين إليها وأنهم ينتظرون الموت وهو مقدمة العقاب وجعل الانتظار انتظاراً لما يكون بعده(3)، وذكر محمد جواد مغنية أنها من الله أيضاً بشهادة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«يا علي لا يحبك منافق»(4).
فكيف إذا عاداك وأبغضك إذ قال الإمام علي علیه السلام:
«لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني ولو صببت الدنيا بحمتها على المنافق على أن يحبني ما أحببني»(5).
ص: 190
«والسر أن عداوة الباطل للحق ذاته وما بالذات لا يتغير إلا إذا كان التغير ذاتياً للشيء وطبيعة ولا ينطق على هذا ما ليس بمادة وطبيعة»(1)، وفي نفس السياق فقد ربط الرسول الكريم محبة أهل البيت علیهم السلام بالمؤمن وبغضهم باليهودي، فقد ذكر صلی الله علیه و آله وسلم قائلاً:
«أيها الناس من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يوم القيامة يهودياً ولا ينفعه إسلامه وإن أدرك الدجال آمن به وإن مات بعثه الله من قبره حتى يؤمن به»(2).
ومعنى ذلك أن التحالف بين النواصب واليهود يبلغ أوجه في زمن الإمام المهدي عجل الله فرجه الشریف ونهاية النواصب أن يرتدوا عن الإسلام(3).
في موضع آخر من النهج الشريف نجد أن الإمام أمير المؤمنين علیه السلام يؤكد على معرفة المؤمنين بأهل البيت علیهم السلام والاقتداء بهم ومن اقتدى بهم لحق بدرجة الشهداء واستحق الثواب على ما أتى منه، إذ ورد عنه علیه السلام في أحد خطبه قائلاً:
«فإنه من مات على فراشه وهو على معرفة ربه عز وجل وحق رسوله وأهل بيته مات شهيداً ووقع أجره على الله»(4).
إذ ذكر البحراني في شرحه «أنه بيان لحكمهم في زمن عدم قيام الإمام الحق بعده لطلب الأمر وتنبيه لهم على ثمرة الصبر وهو أن من مات منهم على معرفة حق ربه وحق رسوله وأهل بيته والاعتراف بكونهم أئمة الحق والاقتداء بهم أُلحِقَ بدرجة
ص: 191
الشهداء ووقع أجره على الله بذلك واستحق الثواب منه على ما أتى به من الأعمال والصبر على المكاره من الأعداء وقامت بينة أنه من أنصار الإمام لو قام لطلب الأمر وأنه معينه مقام تجدده بسيفه معه في استحقاق الأجر»(1)، فقد روي عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال:
«من مات على حب آل محمد مات شهيدا، ألا ومن مات على حب آل محمد ماتَ مغفوراً له، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مكتمل الإيمان، ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير، ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابين إلى الجنة، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزاراً لملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله، ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافر، ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة»(2).
وهنا قرن الإمام أمير المؤمنين علیه السلام معرفة المسلم بأهل بيت رسول الله بالأجر الوافر، فمن عرف حق الله وحق رسوله وحق أهل بيته مات شهيداً مغفوراً له.
وقد روي عن الإمام الباقر علیه السلام قال:
«إن الله عز وجل نصّب علياً علماً بينه وبين خلقه فمن عرفه كان مؤمناً ومن أنكره كان كافراً ومن جهله كان ضالاً ومن نصب معه شيئاً كان مشركاً ومن جاء بولايته دخل الجنة»(3).
ص: 192
وقد ذكر النعماني المورد نفسه قائلاً: «فليتأمل متأمل من ذوي الألباب والعقول والمعتقدين لولاية الأئمة من أهل البيت علیهم السلام هذا المنقول عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وعن أبي جعفر الباقر علیه السلام وأبي عبد الله الصادق علیه السلام فمن شكّ في واحد من الأئمة علیهم السلام أو بات ليلة لا يعرف فيها إمامه ونسبتهم إياه إلى الكفر والنفاق والشرك وأنه إن مات على ذلك مات ميتة جاهلية نعوذ بالله منها، وقولهم: إن من أنكر واحداً من الأحياء فقد أنكر الأموات»(1)، وكذلك ذكر عن الإمام الصادق علیه السلام قوله:
«من سرَّه أن يكون من أصحاب القائم عجل الله فرجه الشریف فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه»(2).
وهو مصداق لقوله تعالى:
«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(3).
ومن الطبيعي أن المراد بالمودة في القربى هي مودة قربى الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وهم أهل بيته علیهم السلام من الأئمة الهداة من ابنائه من السيدة فاطمة والإمام علي علیه السلام وليس المقصود بذلك أسرة النبي الكبيرة المشتملة على عمومته وابنائهم(4).
وفي موضع آخر من النهج نجد أن الإمام علياًاً علیه السلام في إحدى خطبه المباركة
ص: 193
يؤكد على التمسك بالعترة الطاهرة من آل البيت علیهم السلام قائلاً:
«فأين تذهبون وأنى تؤفكون والأعلام قائمة، والآيات واضحة، والمنار منصوبة، فأين يتاه بكم؟ بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم؟! وهم أزِمّة الحق، وأعلام الدين، وألسنة الصدق، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن، وردوهم ورود الهيم العطشان»(1).
من خلال عرض الخطبة نجد أن الإمام علیه السلام يخاطب الناس التائهين عن طريق الحق وجادة الصواب واتخاذهم طريق الضلالة والحيرة كأنهم عميٌ، مع العلم بوجود طريق أهل التقوى المتمثل بالعترة الطاهرة من آل البيت علیهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً(2)، وهم أزِمّة الحق وأعلام الدين وهم خزنة علمه وحفظة عهده، وهم ألسنة الصدق بشهادة القرآن الذي طهرهم من الرجس بشتى أنواعه فأنزلهم بأحسن منازل القرآن لتعظيم القرآن واحترامه منازل ومراتب كلها أن تحفظ آياته وخير المراتب كلها أن تعرف أحكامه إذ شبه الإمام علیه السلام في خطبته أهل البيت علیهم السلام بمراتب حفظ القرآن وتلاوته؛ لأنهم علیهم السلام هم ترجمان القرآن ويجب أن نصلي عليهم ونفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم وخير المنازل إطلاقاً أن نعرف تعاليمهم ونلتزمها قولاً وفعلاً(3).
وقوله علیه السلام:
«ورودهم ورود الهيم العطاش»(4).
ص: 194
فقد أراد الإمام علیه السلام تشبيه أهل بيته علیهم السلام بالبحار الزاخرة بالعلوم وقال لهم هلموا إلى بحار علوم أهل البيت علیهم السلام مسرعين كما تسرع إلى الماء الإبل العطاش، فهم المورد العذب والشاهد على حياتهم وسيرتهم بصرف النظر عمّا نزل فيهم من الآيات الكريمة(1).
واستناداً لقوله صلی الله علیه و آله وسلم:
«أنا ميزان العلم وعلي كفاه والحسن والحسين خيوطه وفاطمة علّاقته والأئمة من بعده عموده، يوزن فيه أعمال المحبين لنا والمبغضين»(2).
وعن سلمان المحمدي رضی الله عنه أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال:
«أنا مدينة العلم وعلي بابها.
فلما سمع بعض الذين حسدوا علياً علیه السلام على ذلك فاجتمع عشرة نفر من الخوارج وقالوا يسأل كل واحد علياً مسألة واحدة لننظر كيف يجيبنا فيها فإن أجاب كل واحد منا جواباً واحداً علمنا أنه لا علم له فجاء واحد منهم وقال: يا علي العلم أفضل أم المال؟ فأجاب علیه السلام:
إن العلم أفضل.
فقال له: بأي دليل؟ فقال علیه السلام:
لأن العلم ميراث الأنبياء والمال ميراث قارون وهامان وفرعون»(3).
في موضع آخر نجد الإمام علي علیه السلام يحث المؤمنين على التمسك بالعترة الطاهرة من آل البيت علیهم السلام، بوصفهم شهداء عند ربهم يرزقون، إذ أكد علیه السلام في خطبته المباركة:
ص: 195
أيها الناس خذوها عن خاتم النبيين صلی الله علیه و آله وسلم أنه يموت من مات منا وليس بميت ويبلى من بلي منا وليس ببال، فلا تقولوا بما لا تعرفون فإن أكثر الحق فيما تنكرون وأعذروا من لا حجة لكم عليه وأنا هو، ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر وأترك فيكم الثقل الاصغر وركزت فيكم راية الإيمان ووقفتكم على حدود الحلال والحرام، وألبستكم العافية من عدلي وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي وأريتكم كرائم الاخلاق من نفسي، فلا تستعملوا الرأي فيما يدرك قصره البصر ولا تتغلغل إليه الفكر»(1).
من خلال نص الخطبة المباركة في النهج الشريف يتبين أن الإمام علياً علیه السلام أوصى بأخذ القضية عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأنه يموت الميت من أهل البيت، وهو في الحقيقة غير ميت لبقاء روحه ساطعة النور في عالم الظهور والجاهل الذي يفترض الحقيقة وينكرها وأكثرها وأكثر الحقائق دقائق والثقل بمعنى النفيس من كل شيء.
وفي الحديث عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم:
«تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي»(2).
أي: النفيس وأمير المؤمنين قد عمل بالثقل الأكبر وهو القرآن وترك الثقل الاصغر وهما ولداه الحسن والحسين علیهما السلام(3)، وقد بيّن البحراني في شرحه أن النص جاء تقديراً لقوله تعالى:
«وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»(4).
ص: 196
إذ إن أولياء الله لا يموتون ولا يبلون وإن بليت أجسادهم، وقد أراد الإمام علیه السلام من ذلك لتعظيم العترة الطاهرة وتبجيل أمرهم علیهم السلام، وأن الإمام علیه السلام منتقل إلى جوار ربه تعالى، لهذا أوصى بالثقل الأصغر وهما الحسن والحسين علیهما السلام(1).
وأما قوله علیه السلام:
«فلا تقولوا بما لا تعرفوا فإن أكثر الحق فيما تنكرون وأعذروا من لا حجة لكم عليه»(2).
فقد بيّن محمد عبده أن الإمام علياً علیه السلام نهاهم أن يستعملوا الرأي فيما ذكره لهم من خصائص العترة الطاهرة علیهم السلام وعجائب ما منحها الله تعالى، إذ قال علیه السلام:
«إن أمرنا صعب مستصعب لا تهتدي إليه العقول ولا تدرك الأبصار قعره ولا تتغلغل الآفكار، والتغلغل، هنا كتغلغل الماء بين الشجر، إذا تخللها ودخل بين أصولها»(3).
وأما قوله علیه السلام:
«ركزت فيكم راية الإيمان»(4).
أي غرزتها وأثبتها(5)، وقوله علیه السلام:
«ألبستكم العافية من عدلي»(6).
ص: 197
وهذه قمة الفصاحة، وقوله علیه السلام:
«وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي»(1).
أي: جعلته لكم فراشاً(2).
وفي موضع آخر من نهج البلاغة نجد الإمام علیه السلام يصرح بالأئمة الأطهار علیهم السلام الذين تعرفهم ملائكة السماء وهم الأحياء من بعده ومن صلبه قال:
«ألا بأبي وأمي هم من عدة أسماؤهم في السماء معروفة وفي الأرض مجهولة»(3).
إذ يرى ابن أبي الحديد أن العدة هم الأئمة الأحد عشر من ولد علي علیه السلام(4)، استناداً لقول الرسول صلی الله علیه و آله وسلم:
«إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه وإن الله تعالى جعل ذريتي في صلب علي ابن أبي طالب»(5).
بينما فسر البحراني في شرحه قول الإمام علي علیه السلام:
«أسماؤهم معروفة».
إشارة إلى علو درجتهم في الملأ الأعلى وإثبات أسمائهم وصفاتهم الفاضلة في ديوان الصديقين وفي الأرض مجهولة بين أهل الدنيا الذين يرون أنه ليس وراءها إكمال ومن سيماء الصالحين بمجرى العادة التقشف والإعراض عن الدنيا(6)،
ص: 198
وقد بيّن محمد عبده أنهم أهل الحق الذين سترتهم ظلمة الباطل في الأرض فجهلهم أهلها وأشرفت بواطنهم فأضاءت بها السماوات العلى فعرفهم سكانها، أي الملائكة المعصومون الذين اعلمهم الله تعالى بأسمائهم(1).
عن سلمان المحمدي رضی الله عنه قال:
«قال لي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
إن الله تعالى لم يبعث نبياً ولا رسولاً إلا جعل له اثنا عشر نقيباً.
فقلت يا رسول الله لقد عرفت هذا من أهل الكتابين، فقال:
هل علمت من نقبائي الاثني عشر الذين اختارهم الله للأمة من بعدي؟ فقلت: الله ورسوله أعلم، فقال:
يا سلمان خلفني الله في صفوة نوره ودعاني فأطعته، وخلق من نوري علياً ودعاه فأطاعه، وخلق من نور علي وفاطمة ودعاها فأطاعته، وخلق مني ومن علي ومن فاطمة الحسن ودعاه فأطاعه، وخلق مني ومن علي وفاطمة والحسين ودعاه فأطاعه، ثم سمانا بخمسة أسماء من أسمائه فالله المحمود وأنا محمد والله العلي، وهذا علي والله الفاطر، وهذه فاطمة والله ذو الإحسان، وهذا الحسن والله المحسن، وهذ الحسين، ثم خلق سماء مبنية وأرضاً مدحية ولا ملكاً ولا بشراً، وكنا نوراً نسبح لله ثم نسمع له ونطيع.
فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي فلمن عرف هؤلاء؟ فقال:
من عرفهم حق معرفتهم واقتدى بهم ووالى وليهم وعادى عدوهم فهو والله منا يرد إذ نرد ويسكن إذ نسكن.
فقلت: يا رسول الله وهل يكون الإيمان بهم بغير معرفة أسمائهم وأنسابهم؟ فقال:
ص: 199
لا.
فقلت: يا رسول الله فأنى بهم وقد عرفت إلى الحسين، قال:
ثم سيد العابدين علي بن الحسين ثم ابنه الباقر على الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين، ثم ابنه جعفر الصادق، ثم ابنه موسى الكاظم الغيظ صبراً في الله، ثم ابنه علي بن موسى الرضا لأمر الله، ثم ابنه محمد بن علي المختار لأمر الله، ثم ابنه علي بن محمد الهادي إلى الله، ثم ابنه الحسن بن علي الصامت لأمين سر الله، ثم ابنه محمد بن الحسن المهدي القائم بأمر الله»(1).
نفهم من ذلك أن أئمة أهل البيت علیهم السلام الذين أشير إليهم والذين ورد ذكرهم في حديث الرسول صلی الله علیه و آله وسلم:
«بعدي اثنا عشر إماماً كلهم من قريش»(2).
لا يوازيهم شخص في الأمة في قدرهم عند الله عزوجل وهم بإجماع الأمة الهداة الميامين الداعين إلى كتاب الله وسيرة نبيه، كذلك يمكننا أن نقرن شوق أمير المؤمنين علیه السلام إلى ابنائه من الأئمة بشوق رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في هذا الاتجاه، إذ روي عنه صلی الله علیه و آله وسلم أنه بعث سلاماً إلى أحد ابنائه من سلالة الحسين علیه السلام وهو الإمام الباقر علیه السلام عندما أبلغ جابر بن عبد الله الأنصاري بانه سيلتقي أحد ابنائه وأمره أن يقرأه عنه السلام(3)، وما إقراءُ السلام من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلا إشارة إلى مكانة الموصى له بالسلام، فضلاً عن البشارة الحقيقية له بالإمامة، إذ إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى»(4).
ص: 200
فضلاً عن الشوق النبوي للقاء الابن - الباقر علیه السلام - وهذا ما نجده أيضاً في شوق أمير المؤمنين علیه السلام إلى الأئمة من ولده علیهم السلام.
في مورد آخر من نهج البلاغة نرى أمير المؤمنين علیه السلام يؤكد على التمسك بطريق الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وأهل بيته الأطهار؛ لأنهم الطريق إلى الحق بقوله علیه السلام:
«انظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم واتبعوا أثرهم فلن يخرجوكم من هدى ولن يعيدوكم في ردى، فإن لبدوا فالبدوا وإن نهضوا فانهضوا و لا تسبقوهم فتضلوا ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا»(1).
خاطب الإمام علي علیه السلام أهل الكوفة وحثهم على اتّباع طريق النبي صلی الله علیه و آله وسلم وأهل بيته علیهم السلام وأن يقصدوا اثرهم ويتبعونهم، واللبد: هو التصاق الشيء بالأرض، أي:
إن قاموا فقوموا معهم(2)، بينما فسرها البحراني في شرحه على الناس اتباع طريق أهل البيت وتثبيت قلوبهم وتألفها والبينة التي هو عليها آيات الله تعالى وبراهينه الواضحة على وجوده والثقة بما هو عليه من سلوك هو قوله تعالى:
«قُلْ إِنِّی عَلَی بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّی»(3).
والمنهاج من نبيه الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم طريقه وسنته والطريق الواضح الذي هو عليه سبيل الله وشريعة دينه وتميزه على طريق الضلالة بالسلوك، ثم أراد الإمام علیه السلام ارداف فضيلة الأمر بوصف أهل البيت علیهم السلام ولزوم سمتهم واقتفاء اثرهم، وأشار علیه السلام إلى جهة وجوب اتّباعهم بكونهم يسلكون بهم سبيل الهدى ولا يخرجون عنه(4).
ص: 201
وقوله علیه السلام:
فإن لبدوا فالبدوا.
أي: إن سكنوا وحبوا لزوم البيوت على طلب أمر الخلافة والقيام فيه فاتبعوهم في ذلك، فإن سكوتهم قد يكون لمصلحة يغيب علمها عن غيرهم(1)، وقد خطب الإمام علیه السلام بأهل الكوفة عند انصرافه من النهروان قائلاً:
«فانظروا أهل بيت نبيكم فإن لبدوا فالبدوا وإن استنصروكم فانصروهم فليخرجن الله الفتنة برجل منا أهل البيت بأبي ابن خيرة الإماء لا يعطيهم إلا السيف هرجاً مرجباً موضوعاً على عاتقه ثمانية أشهر حتى تقول قريش: لو كان هذا من فاطمة لرحمنا يغريه الله ببني أمية حتى يجعلهم حطاما ورفاتا»(2).
وروي في كتاب الغارات أن الإمام علياً علیه السلام عندما انهى خطبته قام رجل فقال: يا أمير المؤمنين وما نصنع في ذلك الزمان؟ قال علیه السلام:
«انظروا أهل نبيكم فإن لبدوا فالبدوا وإن استنصروكم فانصروهم تؤجروا ولا تسبقوهم فتصرعكم البلية.
فقال رجل آخر: ثم ماذا يكون بعد هذا يا أمير المؤمنين؟ قال علیه السلام:
ثم إن الله تعالى يفرج بالفتن برجل منا أهل البيت كتفريج الأديم»(3).
وفي كتاب سليم بن قيس قد ذكر الإمام علي علیه السلام حال بني أمية:
«انظروا أهل نبيكم فإن لبدوا فالبدوا وإن استنصروكم فانصروهم تنصروا
ص: 202
أو تعذروا فإنهم لن يخرجوكم من هدى ولن يدعوكم إلى ردى، ولا تسبقوهم بالتقدم فيصرعكم البلاء وتشمت بكم الأعداء.
فقال رجل: فما يكون بعد ذلك يا أمير المؤمنين؟ قال علیه السلام:
يفرج الله برجل من بيتي كانفراج الأديم من بينه»(1).
وقوله علیه السلام:
«ولا تسبقوهم تضلوا، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا»(2).
فقد نهى الإمام علیه السلام، من أن يسبقوهم إلى أمر لم يتقدموهم فيه فإن متقدم الدليل شأنه الضلال عن القصد، وأن لا يتأخروا عنهم فيهلكوا، أي: لا يتأخروا عن متابعتهم في أوامرهم وأفعالهم فيكونوا من الهالكين(3)، بيّن محمد جواد مغنية(4)، أن مراد الإمام علیه السلام في خطبته هو اتباع طريق أهل البيت علیهم السلام، لأنهم مطهرون من الرجس بنص الآية القرآنية الكريمة:
«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(5).
وهي مصداق لقوله صلی الله علیه و آله وسلم لعمار بن ياسر(6):
ص: 203
«يا عمار إن رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس كلهم وادياً آخر فاسلك مع علي فإنه لن يدليك في ردى، ولن يخرجك من هدى»(1).
فأهل البيت علیهم السلام عِدْلُ القرآن كما صرح حديث الثقلين، وقوله علیه السلام:
«فلن يخرجوكم من هدى ولن يعيدوكم في ردى وهم هداة الخلق إلى الحق وخزنة العلم وحفظة الدين»(2).
أكد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام على طهارة أهل البيت علیهم السلام وعدم سبقهم وخلافهم ما ذكره في خطبته المباركة قائلاً:
«ولقد علم المستحفظون من أصحاب محمد صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال: إني وأهل بيتي مطهرون فلا تسبقوهم فتضلوا ولا تخلفوا عنهم فتزلوا ولا تخالفوهم فتجهلوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم الناس كباراً وصغاراً، فاتبعوا الحق وأهله حيثما كانوا وزايلوا الباطل وأهله حيثما كان»(3).
هنا يبيّن الإمام علیه السلام بأن القول قد صدر من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وبشهادة أصحابه وهذا تذكير لهم بمنزلة آل البيت علیهم السلام وطهارتهم من الرجس وعلو شأنهم علیهم السلام وأعلميتهم وهم أعلم الناس والواجب اتباعهم وعدم مخالفتهم.
وذكّر الإمام علي علیه السلام في موضع آخر بعدم مخالفة أهل البيت؛ لأنهم الحق وأنهم المطهرون من الرجس قائلاً:
ص: 204
«والله لئن خالفتم أهل البيت بينكم لتخالفن الحق أنهم لا يدخلونكم في ردى ولا يخرجونكم من باب هدى ولقد علم المستحفظون من أصحاب محمد صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال: إني وأهل بيتي مطهرون من الفواحش فلا تسبقوهم فتضلوا ولا تخالفوهم فتجهلوا ولا تخلفوا عنهم فتهلكوا»(1).
وانظروا أمرهم واتبعوهم لأنهم صادقون قولاً وعملاً، وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز:
«وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ»(2).
والمراد بالآية المباركة كونوا مع علي بن أبي طالب علیه السلام(3).
وأما قوله علیه السلام:
«فلن يخرجوكم من هدى ولن يعيدوكم في ردى».
أي الهلكة والأصل في قوله علیه السلام قول النبي صلی الله علیه و آله وسلم فيهم أنه قال:
«من أحب أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدني ربي قضباباً من قضبانها غرسها في جنة الخلد فليتول علي بن أبي طالب وذريته من بعده فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى ولن يدخلوكم في باب ضلالة»(4).
ونفهم من كلام الإمام علي علیه السلام أن المتقدمين عليه والمدّعين مقام أهل البيت أخرجوهم من هدى الإسلام وأعادوهم في ردى الجاهلية والكفر.
ص: 205
أما المراد بلبدهم فقعودهم عن طلب الخلافة كما فعل الإمام الحسن والإمام الحسين علیهما السلام، إذ قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم في الحسن والحسين علیهما السلام:
«ابناي هذان إمامان إن قاما وإن قعدا»(1).
وقد روي عن الإمام الباقر علیه السلام أنه قال:
«والله ما صنعه الحسن بن علي كان خيراً لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس، والله لقد نزلت هذه الآية:
«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا»(2).
إنما هي طلب طاعة الإمام الحسن علیه السلام وطلبوا القتال، فلما كتب عليهم القتال مع الحسين علیه السلام لم يقاتلوا»(3).
وأما قوله علیه السلام:
«لا تسبقوهم فتضلوا، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا»(4).
فقد بيّن البحراني في شرحه أن الإمام أمير المؤمنين علیه السلام نهاهم عن أن يسبقوا فيضلوا أي إلى أمر لم يتقدموكم فيه فإن متقدم الدليل شأنه شأن الضال عن القصد، وأن لا يتأخروا عن متابعتهم في أوامرهم بالمخالفة لهم فيكونوا من الهالكين(5)،
ص: 206
فقد روي عن الإمام الباقر علیه السلام قال:
«كان علي علیه السلام ومعه بعض أصحابه فمر عليه عمر بن الخطاب فقال: ما هذان الثوبان المصبوغان وأنت محرم؟ فقال الإمام علي علیه السلام: ما نريد أحداً يعلمنا بالسنة إن هذين الثوبين مصبوغان بالطين»(1).
وفي السياق نفسه نجد أن الإمام علیه السلام يؤكد أن أهل البيت علیهم السلام هم حلقة الوصل بين العبد وربه، إذ قال في أحد حكمه في النهج الشريف:
«نحن النمرقة الوسطى بها يلحق التالي وإليها يرجع الغالي»(2).
والنمرق أو النمرقة: الوسادة الصغيرة والنمرقة بالكسر من السحاب ما كان بينه فتوق(3)، والنمارق مصفوفة وسائد(4)، وقال أوس بن حجر:
إذا ناقةُ شُدَّتْ برحلٍ ونمرَقِ *** إلى حكمٍ بعدي فظلٌ ظَلالُها(5) والمراد أن آل محمد علیهم السلام هم الأمر المتوسط بين الطرفين(6)، لقوله تعالى:
«قَالَ أوْسَطُهُمْ»(7).
ص: 207
أي: أوسطهم وأعدلهم وأفضلهم(1)، وقوله تعالى:
«جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً»(2).
أي: جعلناكم خياراً عدولاً مزكين بالعلم والعمل وجعلناكم مهديين إلى الصراط المستقيم وجعلنا قبلتكم أفضل القبل(3)، فكل من جاوزهم فالواجب أن يرجع إليهم، كل من قصر عنهم فالواجب أن يلحق بهم(4)، ولذلك شبه الإمام علي علیه السلام العترة الطاهرة بالوسادة من أهل البيت علیهم السلام للاستناد إليهم في أمور الدين كما يستند إلى الوسادة لراحة الظهر واطمئنان الأعضاء إليها ووصفها علیه السلام بالوسطى لاتصال النمارق إليها فكأن الكل يعتمد عليها أما مباشرة أو بواسطة ما يحميانه، وآل البيت علیهم السلام الصراط الوسط العدل يلحق بهم من قصر عنهم ويرجع إليهم من علا وتجاوزهم(5)، وقال النبي صلی الله علیه و آله وسلم:
«خير الأمور أوسطها»(6).
وبقرينة قوله علیه السلام أنه قال:
«إن أوسط الأمور خيرها وأفضلها»(7).
وكانوا علیهم السلام على حد الوسط في أمورهم مجانبين عن التفريط والإفراط كما قال تعالى:
ص: 208
«وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا»(1)»(2).
فقد روى الكليني عن الوليد بن صبيح(3)، قال: «كنت عند أبي عبد الله الصادق علیه السلام فجاء سائل فأعطاه ثم جاء آخر فأعطاه ثم جاء آخر فقال:
يوسع الله عليك.
ثم قال: إن رجلاً لو كان له مال يبلغ ثلاثين أو أربعين ألف درهم ثم شاء ألّا يبقى منها إلا وضعها في حق لفعل فيبقى لا مال له، فيكون من الثلاثة الذين يُرد دعاؤهم.
قلت: من هم؟ قال:
أحدهم كان له مال فأنفقه في وجهه ثم قال: يا رب ارزقني»(4).
وفي السياق نفسه روي عن الإمام الصادق علیه السلام: «إنه جاء سائل فقام إلى مكتل فيه تمر فملأ يده فناوله ثم جاء آخر فسأله فقام فأخذ بيده فناوله ثم جاء آخر فقال:
رزقنا وإياك.
ثم قال:
إن النبي صلی الله علیه و آله وسلم كان لا يسأله أحد من الدنيا شيئاً إلا أعطاه فأرسلت إليه امرأة ابناً
ص: 209
لها فقالت انطلق إليه فاسأله فإن قال لك ليس عندنا شيء فقل: اعطنا قميصك، قال: فأخذ قميصه فرمى به إليها فأدبه الله عز وجل على القصد، فقال:
«وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا»(1)»(2).
وأما قوله علیه السلام: «بها يلحق التالي وإليها يرجع الغالي»(3).
كان محمد بن المنكدر(4) يقول: «ما كنت أرى مثل علي بن الحسين علیه السلام يدعو خلقاً أكثر منه ولدا حتى رأيت ابنه محمد بن علي علیه السلام فأردت أن أعظه فوعظني، فقال له أصحابه: بأي شيء وعظك؟ قال: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيته وكان رجلاً بادياً ثقيلاً وهو متكئ على غلامين اسودين فقلت في نفسي سبحان الله شيخ من أشياخ قريش هذا الساعة على هذا الحال في طلب الدنيا أرأيت لو جاء أجلك وأنت على هذا الحال ما كنت تصنع؟ فقال:
لو جاءني الموت وأنا على هذا الحال جاءني وأنا على طاعة من طاعات الله عز وجل أكف بها نفسي وعيالي عنك وعن الناس، إنما كنت أخاف أن يأتني وأنا على
ص: 210
معصية من معاصي الله.
فقلت يرحمك الله أردت أن أعظك فوعظتني»(1).
وأما قوله علیه السلام:
«من تمسك بنا لحق»(2).
فقد ورد في تاريخ الرسل والملوك أنه قتل يوم الجمل من بني ذهل(3) خمسة وثلاثون رجلاً، فقال رجل لأخيه وهو يقاتل: يا أخي ما أحسن قتالنا إن كنا على حق، قال فإنّا على الحق إن الناس أخذوا يميناً وشمالاً وإنما تمسكنا بأهل بيت نبينا فقاتلا حتى قتلا(4).
ولمحبتهم أنواع الرحمة الإلهية فقد روي عن الأصبغ بن نباتة أنه قال: «دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين علیه السلام في نفر من الشيعة وكنت فيهم، فجعل الحارث يتأود في مشيته ويخبط الأرض بمحجته، وكان مريضاً، فأقبل عليه أمير المؤمنين علیه السلام وكانت له منه منزلة فقال كيف نجدك يا حارث؟ فقال: نال الدهر مني يا أمير المؤمنين، وزادني أواراَ وعليلاً اختصام أصحابك ببابك، قال:
وفيما خصومتهم؟ قال: فيك وفي الثلاثة من قبلك، فمن مفرط منهم غالٍ ومقتصد ومبغض قالٍ، ومتردد ومرتاب لا يدري أن يقدم أم يحجم، فقال:
ص: 211
حسبك يا أخا همدان ألا إن خير شيعتي النمط الأوسط إليهم يرجع الغالي وبهم يلحق التالي.
قال:لو كشفت فداك أبي وأمي الرين عن قلوبنا وجعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا...»(1)
ص: 212
المبحث الأول:مكانة أهل البيت في القرآن الكريم
المبحث الثاني:مكانة أهل البيت في كتاب نهج البلاغة
المبحث الثالث:مكانة أهل البيت العلمية في كتاب نهج البلاغة
ص: 213
ص: 214
في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة اجتمع في أهل بيت النبي صلی الله علیه و آله وسلم كل ما يفرض المحبة والمودة ويدعو إلى الموالاة والطاعة لهم من الطهارة من الرجس والتحلي بالصفات الحميدة والكمالات الإنسانية، فضلاً عن شرف انتمائهم لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، ولا نظن أن أحداً من المسلمين يجهل ذلك أو يشك فيه.
وردت العديد من الآيات القرآنية الكريمة التي تُعرِّف المسلمين بمكانة أهل البيت علیهم السلام في الإسلام، فضلاً عن ذلك فقد نزل القرآن الكريم في بيوت أهل البيت علیهم السلام، فكانوا يرون نور النبوة ويشمون عبق الرسالة، فتأدبوا بآداب الرسول الكريم صلی الله علیه و آله وسلم وتحملوا أعباء الرسالة في حياته الشريفة وبعد مماته، ودافعوا عنها بكل ما أوتوا من قوة وبذلوا في سبيلها الأموال والدماء والأرواح، فلا غرابة أن يكونوا مع القرآن ويكون القرآن معهم؛ لأنهم عدل القرآن بنص الحديث الشريف:
«إني أوشك أن أُدعى فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وأن اللطيف الخبير
ص: 215
أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروني بما تخلفوني فيهما»(1).
من الطبيعي أن تكون لهم المكانة الأسمى في القرآن الكريم؛ لأن الكتاب بحاجة إلى مصداق فكانوا مصاديق الله، فلا عجب أن تكون آيات القرآن نازلة فيهم؛ إذ قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«مما تعجبون أن القرآن أربعة أرباع: فربع فينا أهل البيت خاصة، وربع في أعدائنا، وربع حلال وحرام، وربع فرائض وأحكام، وأن الله أنزل في عليٍّ كرائم القرآن»(2).
ونحن أمام كم هائل من فضائل أهل البيت علیهم السلام التي وردت في القرآن الكريم والآيات الموجبة لمحبتهم على الرغم من محاولات التغيير والتحريف التي تعرضت لها التفاسير الصحيحة لتلك الآيات النازلة في حقهم علیهم السلام والواردة عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وبما اننا أمام وفرة من النصوص في مناقبهم التي لا تنحصر، إذ كان لابد أن نقدم نماذج من الآيات القرآنية الكريمة لتؤكد تلك الخصوصية التي تميزوا بها دون سواهم وهي على سبيل المثال لا للحصر:
1- سورة الشورى (آية المودة)، قال تعالى:
«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(3).
وقد أجمع أغلب المفسرين أنها نزلت بقرابة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، فعن ابن عباس قال:
لما نزلت هذه الآية قلنا: يا رسول الله من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم؟ قال:
ص: 216
«فاطمة وولدها»(1)، وقد اجمع العلماء أن كلمة القربى الواردة في الآية الكريمة هم أقرباء الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وعلى رأسهم الإمام علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة الكرماء(2).
وقد أشارت هذه الآية المباركة لمنزلة فاطمة الزهراء وبعلها وولديها الحسن والحسين علیهم السلام عند الله عزوجل أولاً وعند رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ثانياً، فهم علیهم السلام أحق بالقربى دون سواهم لما ذكره رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم من أحاديث ومناقب بحقهم، وقد اذهلت خصومهم وأغاضت أعداءهم، وقد نصبوا لهم العداء لمنزلتهم الكبيرة عند الله عزوجل وعند رسوله الكريم صلی الله علیه و آله وسلم.
2- سورة آل عمران (آية المباهلة)، قال تعالى:
«فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»(3).
أجمع أهل الحديث أن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم قد خرج للمباهلة ومعه علي والحسن
ص: 217
والحسين وخلفهم فاطمة علیهم السلام ولم يشرك مع هؤلاء الأربعة أحداً من المسلمين(1).
بيّن عدد من المفسرين سبب نزول هذه الآية بأنَّ «النبي صلی الله علیه و آله وسلم لما دعا نصارى نجران إلى الإسلام جاءه منهم وفد للمفاوضة يضم ستين عضواً بينهم ثلاثة عشر رجلاً من أشرافهم وذوي الحجة، وكان الوفد برئاسة ثلاثة منهم وهم العاقب واسمه عبد المسيح وهو أميرهم والسيد واسمه الأيهم وهو صاحب رحلهم، وأبو حارثة وكان صاحب مدارسهم وأسقفهم وحبرهم الأعظم، ولما أتوا النبي صلی الله علیه و آله وسلم في المسجد، وكانت عليهم أردية الحرير وخواتيم الذهب، وقد أظهروا الصليب فسلموا عليه فلم يرد عليهم ولم يكلمهم فانطلقوا يلتمسون عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف لمعرفة سابقة لهم بهما فوجدوهما في مجلس المهاجرين فاخبروهما بذلك فلم يجدوا جواباً وقالا لعلي بن أبي طالب علیه السلام، ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم، قال: أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم ثم يعودون إليه ففعلوا ذلك وجاؤوا فسلموا عليه فعرض عليهم الإسلام فامتنعوا وكثر الكلام والجدال، فنزلت الآية:
«فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»(2).
فقرأها ودعاهم إلى المباهلة فرضوا بذلك وتوعدوا من الغد فخرج رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم من الغد وعليه مرط من شعر يحتضن الحسين وقد أخذ بيد الحسن علیهما السلام
ص: 218
وفاطمة علیها السلام تمشي خلفه وعلي علیه السلام خلفها، وهو يقول لهم:
إذا دعوت فأمّنوا.
فلما رأى النصارى ذلك المشهد قال الأسقف: يا معشر النصارى إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، ثم قالوا يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك وأن نقرك على دينك، فقال صلی الله علیه و آله وسلم:
فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم.
فأبوا، فقال صلی الله علیه و آله وسلم:
فإني أناجزكم القتال.
فقالوا ما لنا بحرب العرب طاقة لكن نصالحك على الجزية...»(1).
نجد في هذه الآية تفصيلاً في بيان منزلة أهل البيت علیهم السلام عند الله عزوجل ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم، وقد ثبت ذلك عند عموم المسلمين بأن المقصود ب«أبْنَاءنَا» الحسن والحسين علیهما السلام كما قال عنهما رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهم اني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما»(2).
ص: 219
وب«نِسَاءنَا» فاطمة الزهراء علیها السلام، فهو القائل صلی الله علیه و آله وسلم:
«إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها»(1).
وب«أَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ» الإمام علي علیه السلام، فهو القائل صلی الله علیه و آله وسلم:
«علي مني وأنا من علي، وعلي ولي كل مؤمن بعدي»(2).
أما بالنسبة لاختيارهم للمباهلة دون غيرهم فلها أبعاد سنبين البعض منها:
أ- أراد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أن يثبت لنصارى نجران أن من باهل بهم هم أهل بيته وليس سائر المسلمين بأن فضلهم يعود على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وفضله يعود عليهم على حد قول العاقب: «إنْ باهلنا بقومه باهلناه فإنه ليس نبياً، وإنْ باهلنا بأهل بيته خاصة لم نباهله فإنه لا يقدم إلى أهل بيته إلا وهو صادق»(3).
ب- إن انسحاب علماء النصارى من المباهلة فيه دلالة واضحة على قناعتهم بصدق نبوة محمد صلی الله علیه و آله وسلم وسمو مقامه وأهل بيته عند الله تعالى، الأمر الذي أدى إلى اعترافهم بذلك على الرغم من أن التاريخ لم يحدثنا عن ذلك الإقرار على العالم المسيحي آنذاك(4).
ج- إنَّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بيّن لنصارى نجران أني خرجت لكم بأعزَّ ما أملك على قلبي وهم آل بيتي؛ لكي يبيّن مصداقية قوله وقوة برهانه وحجته عليهم؛ لأن المباهلة ليس أمراً بسيطاً؛ لأن فيها هلاك الطرف الثاني وهذا ما بيّنه أسقف
ص: 220
النصارى «يا معشر النصارى إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله...»(1).
د- إنَّ اختيار رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، لهؤلاء الأربعة من أهل البيت علیهم السلام دون سواهم له عمق سماوي واختيار إلهي؛ لأنه صلی الله علیه و آله وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وأراد بها أن يبيّن للأمم والمسلمين ونصارى نجران منزلة أهل بيته كما نص القرآن الكريم:
«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(2).
فقد برز إليهم بأطهر البشر وعُبّاد الأرض الذين أضاء الله وجوههم وأصبحوا كالبدور الزاهرة والأقمار المنيرة لذلك انسحب العاقب من المباهلة قائلاً: «فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض منكم نصراني إلى يوم القيامة»(3).
3- سورة الإنسان (آية الأطعام) قال تعالى:
«إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ...»(4).
ذكر أنه لما نزلت هذه الآيات المباركات قام رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ببيانها كما بيّن غيرها من آيات القرآن الكريم وأن الذين قصدهم الله تعالى في هذه الآية هم علي وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام(5)، من خلال السورة الكريمة يتضح لنا بأن الله تعالى قد
ص: 221
شهد وكفى بالله شهيدا بأهل البيت علیهم السلام أبراراً وأنهم عباد الله حقا والعبودية الحقيقية لله تعالى، وأن الله تعالى قد أعدّ لهم ما لاعين رأت ولا أذن سمعت، فقد أكّد دخولهم الجنة.
4- سورة النساء (آية أولي الأمر)، قال تعالى:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا»(1).ٰ ذكر بعض المفسرين أنها نزلت بحق علي بن أبي طالب علیه السلام والحسن والحسين علیهما السلام(2)، فيما بيّن بعض المؤرخين بأن أولي الأمر هم أئمة أهل البيت الاثنا عشر علیهم السلام الذين سمّاهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قبل أن يولدوا(3)، وقد ذهب العديد من فقهاء مدرسة الصحابة إلى أن الأئمة بعد النبي صلی الله علیه و آله وسلم إثنا عشر إماماً(4) بنص الحديث الشريف:
«الأئمة من بعدي اثنا عشر»(5).
نفهم من خلال قراءة النصوص أن أهل البيت علیهم السلام هم أولي الأمر الذين أمرنا
ص: 222
الله تعالى بطاعتهم.
5- سورة النحل (آية أهل الذكر)، قال تعالى:
«فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(1).
لما نزلت هذه الآية سئل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عن المراد بأهل الذكر فيها فبيّن صلی الله علیه و آله وسلم أن أهل الذكر هم علي والحسن والحسين علیهم السلام(2)، وقد روي عن الإمام الباقر علیه السلام أنه قال:
«نحن أهل الذكر الذين عنانا الله جل وعلا في كتابه»(3).
6- سورة الإسراء (آية ذوي القربى)، قال تعالى:
«وَآتِ ذَا الْقُرْبَی حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً»(4).
أشار رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أن المقصود بذوي القربى قرباه وليس قربى أحد وهم فاطمة وزوجها وأولادها علیهم السلام(5).
7- سورة مريم، قال تعالى:
«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً»(6) ذكر بعض المفسرين أنها نزلت بحق علي بن أبي طالب علیه السلام(7)، فقد روي عن
ص: 223
جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال: «قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لعلي بن أبي طالب علیه السلام:
يا علي قل رب اقذف لي المودة في قلوب المؤمنين، رب اجعل لي عندك عهداً، رب اجعل لي عندك ودّاً»(1).
ومحبة أهل البيت علیهم السلام تبعث المودة والألفة في قلوب المؤمنين؛ لأن محبتهم من محبة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ومحبة الرسول هي محبة الله جلّ وعلا.
8- سورة السجدة، قال تعالى:
«أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَنَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ»(2).
ذكر أنها نزلت في المدينة بحق علي بن أبي طالب علیه السلام والوليد بن عقبة بن أبي معيط(3)، إذ كان بينه وبين الإمام علیه السلام كلام فقال الوليد: أنا أبسط منك لساناً وأورد منك للكتيبة. فقال علي علیه السلام:
اسكت فإنك فاسق.
فأنزل الله تعالى هذه الآية(4).
ونفهم من قراءة النص أن الله عزوجل لا يساوي في حقه يوم القيامة بين من كان
ص: 224
مؤمناً بآياته متبعاً لرسله وبين من كان فاسقاً خارجاً عن طاعة الله مكذباً لرسله، فقد بشّر الله الفاسقين بالنار.
9- سورة النساء، قال تعالى:
«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا»(1).
ذكر العياشي في تفسيره أنها نزلت بحق الإمامين الحسن والحسين علیهما السلام، وأن ما صنعه الإمام الحسن علیه السلام كان خيراً لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس(2).
10- سورة النور، قال تعالى:
«اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»(3).
أرود المفسرون عن الإمام الصادق علیه السلام في تفسيره هذه الآية «أن المشكاة فاطمة علیها السلام والمصباح الحسن الحسين علیهما السلام:
«الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ».
فاطمة علیها السلام كوكب دري بين نساء الأرض:
ص: 225
«يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ».
يوقد من إبراهيم علیه السلام:
«لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ».
يعني لا يهودية ولا نصرانية:
«يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِیءُ».
يكاد العلم يتفجر منها...»(1).
11- سورة محمد، قال تعالى:
«ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ»(2).
ورد في تفسير هذه الآية عن ابن عباس:
«ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا».
يعني ولي علي وحمزة وجعفر وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام، وولي محمد صلی الله علیه و آله وسلم ينصرهم بالغلبة على عدوهم.
«وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَی لَهُمْ».
يعني أبا سفيان وأصحابه(3).
12- سورة الرحمن، قال تعالى:
«مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ *بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا
ص: 226
تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ»(1).
جاء في بعض تفاسير هذه الآيات أن المراد من:
«مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ».
الإمام علي والسيدة فاطمة علیهما السلام:
«يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ».
الإمامان الحسن و الحسين علیهما السلام(2).
13- سورة القصص، قال تعالى:
«وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ»(3).
أورد الحسكاني عنده تفسيره الآية قول الإمام الصادق علیه السلام:
«إن رسول الله نظر إلى علي والحسن والحسين علیهم السلام فبكى، فقال: أنتم المستضعفون من بعدي. فهذه الآية جارية فينا إلى يوم القيامة»(4).
14- سورة البقرة، قال تعالى:
«وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ»(5).
ص: 227
جاء في التفسير الكبير للرازي أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب علیه السلام(1)، وذهب إلى ذلك عدة من المفسرين، عندما نام الإمام أمير المؤمنين علیه السلام في فراش النبي صلی الله علیه و آله وسلم لما أراد الهجرة إلى المدينة فخلف علياً علیه السلام بمكة لقضاء ديونه وردّ الودائع(2).
أكّدت كتب الحديث و التاريخ بصورة عامة على مكانة أهل البيت علیهم السلام في السنّة النبوية الشريفة؛ إذ مُلئت الكتب المذكورة بأحاديث ةأخبار وروايات تضمنت مكانتهم وفضائلهم والحث على حبهم ومودتهم، وقد حوت الكتب التي تتبع لمدرسة أهل البيت علیهم السلام على كمٍّ هائل من الروايات التي أكّدت على الثوابت المذكورة أعلاه.
على الرغم من ذلك كله إلاّ أن البعض كان ولا يزال مصرّاً على أن يقرن أهل البيت علیهم السلام بغيرهم من الصحابة، أو يعتقد أنه لا فرق بين صحابي وصحابي، وتابعي وتابعي.
ومن الجدير بالملاحظة أن الاهتمام الكبير من الرسول صلی الله علیه و آله وسلم لم يكن عاطفياً أو عفوياً؛ إذ جاء في كتاب الله العزيز:
«وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْیٌ يُوحَی»(3)، وفيما يأتي جملة من الأحاديث النبوية الشريفة بهذا الخصوص على سبيل المثال لا الحصر؛ إذ جاءت على نحوين، منها ما عبّر عن الأئمة المعصومين علیهم السلام، والآخر عبّر عنه مباشرة
ص: 228
وصرّح بأسمائهم:
حديث سد أبواب المسجد إلاّ باب علي علیه السلام، ورد عن زيد بن أرقم أنه قال:
قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«أما بعد فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي، فقال فيه قائلكم، وإني والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ولكني أُمرت بشيء فاتبعته»(1).
وعن زيد بن أرقم، قال: «قام رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يوما فينا خطيباً بماء يدعى خم(2) بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكّر ثم قال:
أما بعد أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله وتمسكوا به، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه.
ثم قال:
أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي»(3).
وقد جعل الرسول صلی الله علیه و آله وسلم حب القرآن في محبة أهل البيت علیهم السلام، فعن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
ص: 229
«عليٌّ مع القرآن والقرآن مع عليٍّ، لن يفترقا حتى يردا عَلَیَّ الحوض»(1).
وعن النبي صلی الله علیه و آله وسلم:
«إن الله لما خلق نور فاطمة فازهرت السماوات السبع والأرضون السبع، فسبّحت الملائكة وقدّست، وقال الله: وعزّتي وجلالي ووجودي ومجدي وارتفاعي في أعلى مكاني لأجعلن ثواب تسبيحكم وتقديسكم لفاطمة وبعلها وبنيها ومحبيها إلى يوم القيامة»(2).
وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام:
«قال لي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم: يا علي إن الإسلام عريان لباسه التقوى، ورياشه الهدى، وزينته الحياء، وعماده الورع، وملاكه العمل الصالح وأساسه حبي وحب أهلي بيتي»(3).
وقد شرط رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في قبول الأعمال التي هي العبادة أن يكون معها حب أهل البيت علیهم السلام.
وما روي عن زيد بن أرقم قال: كنت عند رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فمرت فاطمة وهي خارجة من بيتها إلى حجرة النبي صلی الله علیه و آله وسلم ومعها ابناها الحسن والحسين وعلي في آثارهم علیهم السلام فنظر النبي فقال:
ص: 230
«من أحب هؤلاء فقد أحبني ومن أبغضهم فقد أبغضني»(1).
وذكر رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«إن أهل بيتي اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وأن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً وتشريداً وتطريداً»(2).
وجاء عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول:
«إن فاطمة وعلي والحسن والحسين في حضيرة القدس في قبة بيضاء سقفها عرش الرحمن عز وجل»(3).
وقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«الحسن والحسين خير أهل الأرض بعدي وبعد أبيهما، وأمهما أفضل نساء أهل الأرض»(4).
وعنه صلی الله علیه و آله وسلم:
«من أحبَّ هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة»(5).
وورد أيضاً عنه صلی الله علیه و آله وسلم:
«أنزلوا آل محمد بمنزلة الرأس من الجسد، وبمنزلة العين من الرأس، فإن الجسد لا يهتدي إلا بالرأس، وإن الرأس لا يهتدي إلا بالعين»(6).
ص: 231
وعن أم سلمة قالت: «إن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال لفاطمة علیها السلام:
ائتيني بزوجك وابنيك.
فجاءت بهم فألقى عليهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كساءً كان تحتي خيبرياً أجناه من خيبر، ثم رفع يديه فقال:
اللهم إنَّ هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم من يدي وقال:
إنك على خير»(1).
وجعل الرسول الكريم صلی الله علیه و آله وسلم دخول الجنة مرهون بحب أهل بيته علیهم السلام وحرمت على من ظلمهم وآذاهم إذ قال صلی الله علیه و آله وسلم:
«حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي ومن اصطنع خيمة إلى أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها فأنا اجازيه عليها غداً إذا لقيني يوم القيامة»(2).
وجاء عن أبي ذر الغفاري(3) قال: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول:
ص: 232
«مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك»(1).
وفي حديث عن عمرو بن شأس الأسلمي(2) قال: «خرجنا مع علي علیه السلام إلى اليمن فجفاني في سفره حتى وجدت في نفسي، فلما قدمت أظهرت شكايته في المسجد حتى بلغ ذلك رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال: فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في ناس من أصحابه فلما رآني أبدلني عينه، يقول: حدد إلي النظر حتى إذا جلست قال عمرو:
أما والله لقد آذيتني.
فقلت: أعوذ بالله أن أؤذيك يا رسول الله، قال:
بلى، من آذى علياً فقد آذاني»(3).
وعن سعد بن أبي وقاص(4)، قال: كنت جالساً في المسجد أنا ورجلان معي قلنا من علي فاقبل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم غضبان يعرف في وجهه الغضب فتعوذتُ بالله من غضبه، فقال:
ص: 233
ما لكم ومالي من آذى علياً فقد آذاني(1).
وذكر ابن المغازلي عن ابن عباس قال: «كنت عند النبي صلی الله علیه و آله وسلم وإذ أقبل علي بن أبي طالب غضبان فقام رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم مغضباً فقال:
أيها الناس من آذى علياً فقد آذاني، إن علياً أولكم إيماناً وأوفاكم بعهد الله، ياأيها الناس من آذى علياً بُعث يوم القيامة يهودياً أو نصرانياً.
قال جابر بن عبد الله الأنصاري يا رسول الله وإن شهد لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله، فقال:
يا جابر كلمة يحتجزون بها أن لا تسفك دماؤهم وأن لا تستباح أموالهم وأن لا يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون»(2).
إن حب أهل البيت علیهم السلام من علامة المؤمن وبغضهم علامة المنافق واتضح هذا المعنى في حديث الرسول صلی الله علیه و آله وسلم إذ قال:
«لا يحبنا أهل البيت إلا مؤمن تقي ولايبغضنا إلا منافق شقي»(3).
كما أن حبهم علامة على طيب الولادة، فقد روي عن الخليفة أبي بكر أنه قال:
«رأيت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم خيم خيمة وهو متكئ على قوس عربية وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام، فقال:
معشر المسلمين أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة، وحرب لمن حاربهم، ولي لمن والاهم، لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد، ولا يبغضهم إلا شقي الجد رديء الولادة»(4).
ص: 234
وقد أكّدت السنّة النبوية الشريفة على أنّ المسلمين سيُسألون عن أهل البيت علیهم السلام يوم القيامة، وهذا ما أكده رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إذ قال:
«لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله فيما أنفقه ومن أين اكتسبه، وعن حبّنا أهل البيت»(1).
والمحبة الصادقة لأهل البيت علیهم السلام تكون مقرونة بالعمل والتقوى؛ لأن لا إيمان بلا عمل، فقد جاء عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال:
«يا جابر أيكتفي من ينتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت؟ فو الله ما من شيعتنا إلا مَن اتقى الله وأطاعه»(2).
وأكد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم على محبة أهل بيته علیهم السلام وقد شرطها في قبول أعمال العبادة، إذ قال:
«لو أن عبداً عبد الله بين الصفا والمروه ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام ثم لم يدرك محبتنا لأكبه الله على منخريه في النار»(3).
جعل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم حب أهل البيت علیهم السلام علامة المؤمن وبغضهم علامة المنافق، فأصبح حب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام عنواناً للمؤمن وهذا ما نصّ عليه قول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب»(4).
ص: 235
وذكر ابن حنبل أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم آخى بين المسلمين ثم قال:
«يا علي أنت أخي وأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي من بعدي، أما علمت يا علي أنه أول من يدعى به يوم القيامة يدعى بي فأقوم عن يمين العرش في ظله فأكسى حلّة خضراء من حُلل الجنة ثم يدعى بالنبيين بعضهم على اثر بعض، ثم ينادي منادٍ من تحت العرش، نعِم الأب أبوك إبراهيم، ونعم الأخ أخوك علي، ابشر يا علي إنك تكسى إذ كُسيت وتُدعى إذا دُعيت وتُحيّا إذا حُييت»(1).
وجاء عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام نصّاً بما جاء به القرآن الكريم بقوله تعالى:
«يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ»(2).
فقد جاءت الكثير من الأحاديث الشريفة التي تؤكد على ولاية علي بن أبي طالب علیه السلام ومن هذه الأحاديث قول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهم والِ مَن والاه وعادِ من عاداه»(3).
وقال صلی الله علیه و آله وسلم:
«عليٌّ منّي وأنا منه، وهو وليُّ كلّ مؤمن بعدي»(4).
ص: 236
من خلال قراءة النصوص الواردة عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم نجد فيها الإشارة الواضحة إلى الرئاسة والإمامة والزعامة على الأمة وتولي أمرها.
وفي حديث الراية الذي جاء عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في معركة خيبر الذي قال فيه:
«لأعطيَنَّ الرايةَ غداً رجلاً يحبُّ اللهَ ورسولَه ويحبُّه اللهُ ورسولُه، ولا يخزيه الله أبداً، ولا يرجع حتى يفتح الله عز وجل...»(1).
وفي حديث رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الذي قال فيه:
«الحسن والحسين ابناي، ومن أحبهما أحبني، ومن أحبني أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني ابغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار»(2).
وأهم ما ترشدنا إليه هذه الأحاديث الشريفة وما فيها من معانٍ ودلالات سامية صرح بها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم علناً أمام المسلمين في مناسبات عديدة تبين مكانة أهل البيت علیهم السلام الأطهار عند الله عزوجل ورسوله الكريم صلی الله علیه و آله وسلم، وأن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم كان يهدف من ذلك إلى توجيه أنظار المسلمين إلى أهل البيت علیهم السلام؛ لأنهم مركز الإشعاع الرسالي الذي منه نسل الأوصياء من بعده على أمور المسلمين، وإن من هذا البيت الطاهر سيكون امتداد الرسالة الإلهية لذلك تأتي هذه التوصيات من الرسول صلی الله علیه و آله وسلم للمسلمين في سياق تهيئة أجواء مناسبة يكون فيها المسلمون أقدر على التفاعل مع المرحلة التي تأتي بعد غياب شخص رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، هذا وقد أعرضنا عن كثير من الأحاديث التي وردت في حقهم علیهم السلام خشية الإطالة.
ص: 237
ص: 238
علي بن أبي طالب واسمه عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر ابن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن مضر بن نزار بن عدنان(1)، وقد جاء ذكر نسب أمير المؤمنين علي علیه السلام في كتاب نهج البلاغة، فقد ذكرت شجرته المباركة ومنبعها، الذي ينحدرُ من شجرة النبوة من نبي الله ابراهيم الخليل علیه السلام وصلة القرابة بالرسول الكريم محمد صلی الله علیه و آله وسلم، فقد صرح علیه السلام قائلاً: «فاستودعهم في أفضل مستودع وأقرهم في خير مستقر، تناسختم كرائم الأصلاب إلى مطهرات الأرحام، كلما مضى منهم سلف قام منهم بدين الله، حتى أفضت كرامة الله
ص: 239
سبحانه وتعالى إلى محمد صلی الله علیه و آله وسلم فأخرجه من أفضل المعادن منبتاً وأعز الأرومات مغرساً من الشجرة التي صدع منها أنبياؤه وانتخب منها أمناؤه، عترته خير العتر وأسرته خير الأسر وشجرته خير الشجر تنبت في حرم وبسقت في كرم لها فروع طوال وثمرة لا تنال»(1).
من خلال النص المتقدم بيّن أمير المؤمنين علیه السلام صلة القرابة من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، إذ أنها من أرومة واحدة في أطيب مغرسٍ وإن هذه الشجرة المباركة اختصت بالنبوة وهي شجرة نبي الله ابراهيم علیه السلام، وأهم ما يميز هذه الأسرة عراقة تاريخها إذ يقول الرسول الكريم: «إن الله خلق الأنبياء من شجر شتى وخلقني وعلي من شجرة واحدة، فأنا أصلها وعلي فرعها وفاطمة الزهراء لقاحها والحسن والحسين ثمرها، فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا ومن زاغ عنها هوى ولو أن عبداً عبدَ الله بين الصفا والمروة الف عام ثم الف عام ثم لم يدرك محبتنا أكبه الله على منخريه في النار ثم قال:
«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(2)»(3).
وفي حديث آخر:
«خلقت يا علي من شجرة خلقتُ منها»(4).
هذه الشجرة هي شجرة الأنبياء، إذ ورد عن الإمام علي علیه السلام في رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
ص: 240
«اختاره من شجرة الأنبياء ومشكاة(1) الضياء و ذوابة(2) العلياء»(3).
وفي كلام أمير المؤمنين علي علیه السلام إمعان في التركيز على طهارة الآباء وشرفهم ماجاء عن الإمام علي علیه السلام في كتابه لمعاوية في نهج البلاغة قائلا:
«وأما قولك إنا بنو عبد مناف، فكذلك نحنُ، ولكن ليس أمية كهاشم ولاحربُ كعبد المطلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب...»(4).
وإن اهم ما يميز هذه الأسرة الشريفة عراقة تاريخها، لذا نرى أن أبائه وأجداده علیه السلام كلهم لهم تاريخ حافل في سيادة القوم والأفعال الحسنة ولو أستعرضنا بعض هذا النسب الشريف في نبذة عن تاريخهم:
هاشم: اسمه عمرو وكان مضرب المثل في جوده وهو الذي يطعم الحجاج بمكة ومنى وعرفة وهو أول من سن الرحلتين لقريش رحلة الشتاء والصيف وقد شرف هاشم في قومه بفضائله ومكارمه وسمت مكانته بينهم لكرمه وجميل سجاياه ونسبه(5).
عبد المطلب: وأسمه شيبة الحمد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي وسمي بشيبة الحمد لكثرة محامده ومكارمه وكنيته أبو الحارث، كان شريفاً في قومه مطاعاً صلی الله علیه و آله وسلم
ص: 241
سيداً وكانت قريش تسميه الفيض لسماحته فولي بعد هاشم السقاية والرفادة(1)، وجاء عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال:
«إن الله يبعث جدي عبد المطلب أمةً واحدة في هيبة الأنبياء وزي الملوك»(2).
أبو طالب: وهو أحد ابناء عبد المطلب العشرة(3)، إذ ورث المكانة الاجتماعية المرموقة من أبيه عندما كفل الرسول صلی الله علیه و آله وسلم بعد وفاة عبد المطلب حينما كان عمر النبي صلی الله علیه و آله وسلم يقارب الثمان سنين فكان خير كافل وخير معين(4)، وقد قال الإمام علي ابن ابي طالب علیه السلام:
«أبي ساد فقيراً وما ساد فقيراً قبله وخرج به رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إلى بصرى من أرض أهل الشام وهو ابن تسع سنين وقال لا أكِلُكَ إلى غيري»(5).
وكان أبو طالب من سادات قريش ورؤسائها وأبطالها المعدودين ومن أبرز خطبائها العقلاء وحكمائها الأباة ومن شعرائها المبدعين(6)، وعن إسلامه قال الإمام الباقر علیه السلام:
«لو وضع إيمان أبي طالب في كفة ميزان وإيمان هذا الخلق في الكفة الأخرى لرجح إيمانه»(7).
ص: 242
وتولى العناية برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم والقيام بشؤونه من سنه ثمان من مولده الشريف وحتى العاشرة من النبوة وظل يدافع عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم ورسالته حتى آخر يوم من حياته(1).
أم الإمام علي علیه السلام فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي(2)، وهي أول هاشمية تزوجت هاشمياً(3)، وولدت خليفة هاشمياً وكانت امرأة لبيبة برة صلبة العقيدة احتضنت النبي صلی الله علیه و آله وسلم في طفولته وأبرت تربيته وقدمت له كل أنواع الرعاية والعطف والحنان حتى فضلته على ابنائها فكان يحبها حباً شديداً حتى قال عنها صلی الله علیه و آله وسلم:
«انه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرّ بي منها»(4).
وبعد وفاتها ألبسها قميصه صلی الله علیه و آله وسلم لتكسى من حلل الجنة واضطجع معها في القبر ليهون عليها(5)، وهي من سابقات المؤمنات إلى الأيمان وكانت قبل ذلك على ملة إبراهيم الخليل علیه السلام وقد بايعت النبي صلی الله علیه و آله وسلم وهاجرت إلى المدينة مع علي وفاطمة علیهما السلام مشياً على الاقدام(6)، تصديقاً لقوله تعالى:
ص: 243
«ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(1).
فضلاً عن أن الإمام علياً علیه السلام وصف سلالة النبي صلی الله علیه و آله وسلم وأصوله بالشجرة الكثيرة الأغصان وإنما شبهها بذلك بجامع الأصل الواحد، فالشجرة تقابل الأب الواحد في سلالة النبي صلی الله علیه و آله وسلم، التي تتفرع عنها أغصان كثيرة اي ابناء كثيرون، وكلمة الإمام علیه السلام اختارها ايحاء بالاصطفاء والعناية الإلهية للنبي محمد صلی الله علیه و آله وسلم، إذ أن الخلق أشجار شتى ولكن الله تعالى انتقاه من الشجرة الخاصة بالأنبياء إشارة إلى ان الرسالة الإلهية واحدة الامتداد وإن فصلت ما بينها القرون وفي ذلك تعظيم للنبوة والانبياء وتعزيز لموقف النبي صلی الله علیه و آله وسلم في كونه من السلالة نفسها التي تنجب الانبياء والمرسلين والاولياء الصالحين إلى ختام الوصي بمحمد صلی الله علیه و آله وسلم(2).
وفي موضع آخر من النهج الشريف فصّل الإمام علیه السلام في تصوير هذه الشجرة المباركة للنبي صلی الله علیه و آله وسلم قائلاً:
«حتى أفضت كرامة الله سبحانه إلى محمد صلی الله علیه و آله وسلم فأخرجه من أفضل المعادن منبتاً وأعز الأرومات مغرساً من الشجرة التي صدعَ منها أنبياؤه»(3).
فهنا جمع الإمام علي علیه السلام للنبي صلی الله علیه و آله وسلم في الكلام فضل النبوة وأصل الأرومة في الشجرة(4)، وقد وضحت العواد «أن الإمام علياً علیه السلام أشار بقوله إلى ختام عهد النبوة بالنبي محمد صلی الله علیه و آله وسلم وهذا الآفضاء كان بسبب الا أن يكون خلاصة كل فضيلة لا في النبوة وحدها، فهو فعلاً خلاصة الفعل والكمال والصبر والطهارة والتقوى
ص: 244
والقرب إلى الله تعالى»(1)، ومن ثم جمع الإمام علیه السلام في كلامه الشريف في نهج البلاغة بين النبوة والإمامة في الاصطفاء، إذ جاء عنه علیه السلام انه قال:
«من أفضل المعادن منبتاً وأعز الأرومات مغرساً»(2).
وقد ذهب صبحي الصالح إلى أن الإمام علیه السلام عمد إلى التخصيص فقال علیه السلام من الشجرة التي صدع منها أمناؤه وهي شجرة نبي الله إبراهيم الخليل علیه السلام(3)، وحينما قال علیه السلام:
«عترته خير العتر وأسرته خير الأسر وشجرته خير الشجر»(4).
فبدأ الإمام علیه السلام بأهل بيته وهم العترة الطاهرة وهم الإمام علي علیه السلام والسيدة فاطمة وابناؤها وأولادهم الأئمة المعصومون علیهم السلام(5)، مصداقاً لقوله صلی الله علیه و آله وسلم:
«حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وأذاني في عترتي»(6).
وقوله علیه السلام:
ص: 245
«إلا أن أبرار عترتي وأطايب أرومتي أحلم الناس صغاراً وأعلم الناس كباراً»(1).
وقوله صلی الله علیه و آله وسلم:
«إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الارض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض»(2).
وقوله صلی الله علیه و آله وسلم:
«من أحبنا أهل البيت فليحمد الله على أول النعم»(3).
وقد ذهب الفحام إلى أن الإمام أمير المؤمنين علیه السلام تعمد إعادة ذكر اللفظ نفسه [العترة] لأنه بات مصطلحاً عليهم وحدهم وليذكر المسلمين مجدداً بعد عهود من تغيبهم(4)، وقوله علیه السلام:
«أسرته خير الأسر».
فيعني بها بني هاشم لأنهم أفضل طوائف قريش. وقوله:
«شجرته خير الشجر».
فيقصد بها قريشاً لأن قريش أفضل طوائف العرب وأشار الإمام علیه السلام إلى علو حسب النبي صلی الله علیه و آله وسلم ونسبه وعزة عشيرته(5).
ص: 246
وقوله علیه السلام:
«نبتت في حرم وبسقت في كرم».
فقد أشار البحراني إلى ان الحرم يعني به العز والمنعة وقيل المراد به مكة المكرمة(1)، وذهب التستري أن المراد بالحرم ليس مكة كما زعم ابن ابي الحديد والبحراني وإنما عز ومنعة، ولو أراد أن تكون مكة لقال في الحرم لا في حرم(2).
وقوله علیه السلام:
«لها فروع طوال وثمر لا ينال»(3).
تكنى أمير المؤمنين علیه السلام بالفروع من أهله علیهم السلام وذريته وسائر النجباء من بني هاشم ووصفهم بالطوال عن بلوغهم في الشرف والفضل وتكنى علیه السلام بالثمر وهي كنايه عن العلوم والاخلاق المتفرعة عنه وعن أئمة أمته علیهم السلام بكونها لا تنال عن شرفها وغموض اسرارها ولشرفها وعلوها لا يمكن أن يطاول فيها ولغموض أسرارها لاتصل الأذهان إليها(4)، وهي مصداق لقوله تعالى:
«إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ»(5).
أورد البعض من المفسرين أن المراد بالكوثر كثرة النسل والذرية وقد ظهرت الكثرة في نسله صلی الله علیه و آله وسلم من ولد السيدة فاطمة الزهراء علیها السلام، إذ لا ينحصر عددهم ويتصل بحمد الله إلى آخر الدهر مددهم(6).
ص: 247
وكذلك أراد الإمام أمير المؤمنين علیه السلام من ذكر الثمرة نفسه علیه السلام وأهل بيته لأنهم ثمرة تلك الشجرة التي لا تدرك مساعيها ولا تحصى مآثرهم ولا يساير بهم أحد(1)، ومن ذلك نجد حرص الإمام علیه السلام في كلامه على تكرار بعض الألفاظ في رسم هذه الصور مثل (الشجرة والمغرس والمعادن) والتي يعني بها جذور النبي صلی الله علیه و آله وسلم الضاربة في عمق النبوات وانها ليست بجديدة عليه حتى يبعث نبياً، فقد بعث أباءً له من قبل أنبياء ورسلاً(2)، كما في قوله تعالى:
«أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا»(3).
وفي موضع آخر وصف الإمام علي علیه السلام رسوله الكريم صلی الله علیه و آله وسلم بقوله:
«مستقره خير مستقر ومنبته أشرف منبت في معادن الكرامة ومماهد السلامة»(4).
والمراد بمستقره هي المدينة التي سماها رسول الله طيبه ووصفها بأنها المدينة التي تنقي الناس كما ينقي الكير خبث الحديد(5) وقوله:
«منبته أشرف منبت».
فالمقصود بالمنبت مكة المكرمة، إذ قال تعالى:
«إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ
ص: 248
بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً»(1).
وفي موضع آخر من نهج البلاغة أكد الإمام علیه السلام على علو نسبه الطاهر وصلة قرابته بالرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم قائلاً:
«ونحن الأعلون نسباً والأشدون بالرسول نوطا...»(2).
النوط هو الالتصاق والتعلق(3)، فقد كان الإمام علیه السلام يفتخر بأنهم:
«أهل البيت».
الأقرب إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الأشد التصاقاً به، بل كان صلی الله علیه و آله وسلم يؤكد ان عترته الأطايب هم من طينته وانهم يشاركونه خصائصه التكوينية، إذ كان يقول صلی الله علیه و آله وسلم:
«ان لكل بني أب عصبة ينتمون إليه إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم وهم عترتي خلقوا من طينتي، ويل للمكذبين بفضلهم، من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله»(4).
وفي حديث آخر قال صلی الله علیه و آله وسلم:
«أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي ابن أبي طالب، من تولاه فقد تولاني ومن تولاني فقد تولى الله ومن أحبه فقد أحبني ومن احبني فقد احب الله»(5).
وقد روى الصدوق مسنداً عن الإمام الحسن بن علي علیه السلام عن أبائه علیه السلام قال:
«بينا أمير المؤمنين علیه السلام في أصعب موقف بصفين، إذ قام إليه رجل من بني
ص: 249
دودان(1)، فقال له: لم دفعكم قومكم عن هذا الأمر وكنتم أفضل الناس علماً بالكتاب والسنه فقال علیه السلام: سألت يا أخا بني دودان ولك حق المسألة وذمام الصهر فإنك لقلق الوضين(2) ترسل عن غير ذي مسد، إنها كانت أثرة شحت عليها نفوس قوم وسَخَتْ عنها نفوس قوم آخرين ولنعم المحكم الله والزعيم محمد صلی الله علیه و آله وسلم، ودَعْ عنك نهياً صحيح في حجراته وهلم الخطب في ابن ابي سفيان فلقد أضحكني الدهر بعد ابكائه»(3).
لإدراك معنى هذا التشابه بينه صلی الله علیه و آله وسلم وبين أهل بيته علیهم السلام ما دلت عليه الآية الكريمة التي انزلته علیه السلام بمقام النبي صلی الله علیه و آله وسلم، إذ قال الله تعالى في كتابه العزيز:
«فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»(4).
بل انه صلی الله علیه و آله وسلم صرح عدة مرات انه علیه السلام كنفسه كما في قوله صلی الله علیه و آله وسلم بعد فتح مكة:
«لينتهن بنو وليعة(5) أو لأبعثن لهم رجلًا كنفسي ينفذ فيهم أمري»(6).
ص: 250
وقد عبر الإمام الرضا علیه السلام عن هذه المنزلة لأمير المؤمنين علیه السلام بقوله:
«فهذه خصوصية لا يتقدمه فيها أحد وفضل لا يلحقه فيها بشر ولا يسبقه إليه خلق ان جعل عليّاً كنفسه»(1).
لقب أمير المؤمنين بألقاب وكنى عدة هي إن دلت إنما تدل على عظيم منزلته وعلو مكانته فقد استحقها جميعاً وقد ذكر أغلبها بنفسه في أغلب خطبه المباركة لما لها من تأثير لدى السامع ولتحفيز الهمم والتذكير بعلو وسمو صاحب اللقب والكنية، وهذه الألقاب لها دلالات واضحة فلكل لقب صفهٌ أو مناسبة تدل عليها فقد كانت هذه الألقاب كثيرة وإنها صدرت من أمير المؤمنين علیه السلام من خلال الخطب والرسائل والكتب التي وردت في كتاب نهج البلاغة، فتارة نراه علیه السلام يصرح باسمه (علي) كقوله:
«وفروا إلى الله من الله وأمضوا في الذي نهجه لكم وقوموا بما عصبه بكم، فعلي ضامن لفلجكم آجلاً إن لم تمنحوه عاجلاً»(2).
وقد بيّن الفحام «أن التصريح باسم الإمام علیه السلام المراد منه الوضوح لأن الضامن لابد له من إنه وكشف لا يحتمل معه أكثر من معنى ثان ولأن اسم علي علیه السلام على وجه الخصوص في هذا المقام يحمل دلالات كثيرة يعيد إلى الأذهان ما خاطبه به رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم من أحاديث تبين وقوفه إلى جانب الحق»(3) كقوله صلی الله علیه و آله وسلم:
«علي مع الحق والحق مع علي»(4).
ص: 251
ونلاحظ أن اسم علي علیه السلام هو انطباق واقعي على المسمى فهو علي في اسمه وفي شخصيته وفي معناه وظاهره وباطنه كما مدحه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.
وفي موضع آخر من النهج يورد الإمام علیه السلام اسمه صريحاً على لسان الخصوم بغية الاحتجاج ودحض كلامهم قائلاً:
«ولقد بلغني أنكم تقولون علي يكذب، قاتلكم الله فعلى من أكذب أعلى الله فأنا أول من أمن به...»(1).
وسبب ذلك التكذيب ان الإمام علي علیه السلام كان كثيراً ما يخبرهم بما لا يعرفون ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون، فيقول المنافقون من أصحابه إنه يكذب كما يقولون مثل ذلك للنبي صلی الله علیه و آله وسلم فيرد عليهم قولهم بأنه أول من آمن بالله وصدق برسوله فكيف يجرؤ على الكذب على الله أو على رسوله مع قوة إيمانه(2)، فلأن هؤلاء القائلين على الإمام معرض الآفتراء والاساءة إليه صرح علیه السلام باسمه عما انطوت عليه نفوسهم من التعدي على مقامه الشريف، إذ لا يصح في سياق الكلام وهم يرمونه بالكذب أن يأتي اسمه بالكناية كأنْ يقولوا: أبو الحسن أو أمير المؤمنين»(3).
ومن ألقابه علیه السلام التي صرح بها في نهج البلاغة (أمير المؤمنين) إذ جاء على لسانه في موضعين من نهج البلاغة، مستثنياً الرسائل التي تبدأ بالإمارة؛ لأن ذلك أسلوب ظاهر اتبعه الإمام علیه السلام في بداية الكتب والرسائل جميعها، فقد صرح علیه السلام قائلاً:
«يا بني عبد المطلب لا ألقينَّكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً تقولون قتل
ص: 252
أمير المؤمنين قتل أمير المؤمنين»(1).
ذكر البحراني أن الإمام علیه السلام أوصى أهل بيته علیهم السلام من بني عبد المطلب(2)، بما يخصه من أمر دمه والوصية بأمور منها نهاهم علیهم السلام عن اثارة الفتنة بسبب وقوله تقولون (قتل أمير المؤمنين)، هي ما جرت عليه العادة، يقول طالب الثأر حين هياجه وإظهاره لعذره السبب على اثارة الفتنة، والثاني أن الإمام علیه السلام نهاهم أن يقتلوا إلا قاتله وهذا هو مقتضى العدل(3)، وقد تكنى الإمام علیه السلام عن اسمه بأمير المؤمنين في مورد آخر من نهج البلاغة في قوله علیه السلام من رسالة بعثها إلى احد عماله مذكراً إياه بالزهد وتحمل المسؤولية وقيادة المجتمع قائلاً:
«أ أقنع من نفسي بأن يقال لي أمير المؤمنين ولاأشاركهم في مكاره الدهر وأكون اسوة لهم في جُشُوبة العيش...»(4).
وقد بيّن أمير المؤمنين علیه السلام بأنه المسؤول الأول الذي تقع على عاتقه هموم الرعية وهو الذي يشاركهم خشونة العيش لشعوره بالتكليف الشرعي الذي ينبغي أداؤه على أتم مراد وأسدد منهاج وليس منصباً يثير بالنفوس الشعور بالزهو والاستطالة على الناس(5). ونفهم من ذلك ان الإمام علیه السلام يصور أروع صورة بقوله - أأقنع أو أرضى صلی الله علیه و آله وسلم
ص: 253
عن نفسي بأن يقولوا هذا أمير المؤمنين لم يشاركهم في هذه الحياة حلوها ومرها.
وكذلك جاء على لسانه الشريف لقلب (الصديق الأكبر) إذ قال:
«والله لأنا أول من صدقه...»(1).
وقد ذكر ابن ابي الحديد في شرحه ما قاله أمير المؤمنين علیه السلام قائلاً:
«أنا الصديق الأكبر، انا الفاروق الأول أسلمت قبل اسلام الناس وصليت قبل صلاتهم»(2).
وذكر في الصدد ذاته مسنداً عن عبدالله بن ابي رافع عن أبيه قال: «أتيت أبا ذر بالربذة أودعه فلما أراد الانصراف قال لي ولأناس معي: ستكون فتنة فاتقوا الله وعليكم بعلي بن أبي طالب فاتبعوه فإني سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول له:
أنت الصديق الأكبر وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل»(3).
ومن وقف على كتب أصحاب الحديث يتحقق من ذلك فذهب ابن حنبل في كتابه فضائل الإمام علي علیه السلام مسنداً قال سمعت علياً قال:
«أنا عبد الله وأخو رسوله وأنا الصديق ولا يقولها بعدي إلا كاذب مفترٍ ولقد صليت قبل الناس بسبع سنين»(4).
وقد بيّن الشرهاني أن سبب التسمية بعبد الله هو لسبب جمالي؛ لأن الاسم يحمل معنى التوحيد وهو أحب الأسماء إلى الله تعالى وهو وصف بما هو واجب له
ص: 254
على الإنسان من العبودية)(1).
وعن ابن ابي ليلى(2) قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«الصديقون ثلاثة حبيب بن موسى النجار مؤمن آل ياسين وحزقيل مؤمن آل فرعون وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم»(3).
وإن لقب الصديق الأكبر لقب لقبه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لأنه صدق الرسول وأمن بجميع ما جاء به من الله تعالى وقد أسلم قبل أن يسلم غيره وقال علیه السلام:
«أنا الصديق الأكبر آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر واسلمت قبل أن يسلم غيره»(4).
وقد اشتهر بهذا اللقب في عصره وعرف به وتارة نراه علیه السلام يصرح ويقول (الفاروق) لأنه يفرق بين الحق والباطل وقد اقتبس هذا اللقب من الأحاديث النبوية التي أضفت عليه ذلك، إذ قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«يا علي أنت الصديق الأكبر وانت الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل»(5).
وتارة يصرح علیه السلام بألقاب أخرى كقوله:
ص: 255
«أنا قاتل الأقران ومجدل الشجعان أنا الذي فقأت عيني الشرك وثللت عرشه غير ممتن على الله بجهادي»(1).
وتارة يقول علیه السلام:
«أنا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الفجار»(2).
وهذه كلمات قالها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بلفظتين مختلفتين تارة انت يعسوب الدين وتارة انت يعسوب المؤمنين(3)، إذ قال صلی الله علیه و آله وسلم:
«يا علي أنت يعسوب الدين والمال يعسوب الظلمة»(4).
وأما عن التصريح بكناه علیه السلام في نهج البلاغة فقد تعددت صيغ التعبير فيها والتي سنوردها بحسب ما ورد ذكرها وحسب استعمالها في نهج البلاغة.
هي من أشهر كنى أمير المؤمنين علي علیه السلام بابنه الأكبر الإمام الحسن علیه السلام السبط الأول للنبي صلی الله علیه و آله وسلم وأحب ذريته إليه والكنى بالابن الأكبر كانت سائدة آنذاك عند العرب وتدل على مكانتهم وفخرهم بابنائهم، وقد وردت هذه الكنية في موضع واحد من رسائل أمير المؤمنين إلى معاوية في كتاب نهج البلاغة فقد قصد الإمام علیه السلام من ورائها التهديد والوعيد، قائلاً:
«أنا أبو الحسن قاتل جدك وأخيك وخالك شرخاً يوم بدر»(5).
ص: 256
إذ أراد الإمام علیه السلام أن يبيّن لمعاوية أنه قاتل جده لأمه عتبة بن ربيعة(1)، وخاله الوليد بن عتبة(2)، وأخوه حنظلة بن ابي سفيان(3)، وأراد الإمام علیه السلام أن يبيّن أن من فصاحة العرب أن يكون الوعيد والتهديد من خلال ذكر الكنية بالابن الأكبر فهي سائدة في المجتمع الاسلامي قديماً وحديثاً هذا من جانب ومن جانب آخر أراد التذكير بسبط الرسول الكريم صلی الله علیه و آله وسلم وريحانته الإمام الحسن ابن علي علیه السلام.
استعمل الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام هذه الكناية لما لها من دلالات في معاني الشدة والحرب وأوصى بها علیه السلام للتعظيم وعلو القدر قاصداً بها انتسابه إلى تلك المعاني وأصالة جذورها، فأبوه أبو طالب علیه السلام شيخ الأباطح وعظيم قريش الذي لا ينازع في الزعامة والسيادة والشجاعة(4)، وقد وردت هذه الكناية عن أمير المؤمنين علیه السلام في كتاب نهج البلاغة في عدة مواضع منها:
«والذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربةٍ بالسيف أهون علي من ميتة على صلی الله علیه و آله وسلم
ص: 257
الفراش»(1).
وتعد هذه الكنية من اكثر الصيغ إيراداً في نهج البلاغة لأنها تصب في سياق الشجاعة والتعظيم(2).
في مورد آخر من نهج البلاغة ذكر الإمام علیه السلام أنه أنيس بالموت، لأنه يحمل من العلم مالم يحمله غيره، إذ قال علیه السلام:
«والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه، بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوى البعيدة»(3).
فقد أورد الشراح أن الإمام علیه السلام أنس بالموت كأنس الطفل بثدي أمه وانه انطوى على علم هو ممتنع لموجبة من المنازعة وان ذلك العلم لا يباح به ولو باح به لاضطرب سامعوه كاضطراب الأرشية وهي الحبال في البئر البعيدة القعر وهذه اشارة إلى الوصية التي خص بها علیه السلام وهي ترك النزاع في مبدأ الاختلاف عليه(4).
لقد كانت تربية الإمام أمير المؤمنين علي علیه السلام في بيت الرسالة النبوية ومهبط الوحي بداية لفتح الآفاق في نهج البلاغة الشريف، فقد جسد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم دور الأب والمربي الذي يجلس ولده في حضنه الشريف فيطعمه تاره ويشمه تارة اخرى في أروع صور من كلام أمير المؤمنين علیه السلام عن فضل تربية رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إليه وقد ذكر علیه السلام ذلك بقوله:
ص: 258
«وقد علمتم موضعي من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا وليد يضمني إلى صدره ويكنفني في فراشه ويمسني جسده ويشمني عرفه وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه وما وجد لي كذبة في قول ولا خلطة في فعل... ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه...»(1).
في الخطبة المباركة بيان لصلة القرابة بين رسول الله وأمير المؤمنين، إذ كان علیه السلام ابن عمه ولم يكن في رجال بني هاشم من كان بعلاقته علیه السلام مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم(2).
فقد أورد الشراح أن تربية الرسول صلی الله علیه و آله وسلم لأمير المؤمنين علیه السلام من أول عمره وإعداده تلك التربية للكمالات النفسانية من العلوم والأخلاق الفاضلة، وإن القرابة التي أشار إليها الإمام علیه السلام، إذ كان علیه السلام ابن عم الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وأبواهما أخوان لأب وأم دون غيرهما من بني عبد المطلب إلا الزبير(3)، ومنزلته الخصيصة التي أشار اليها علیه السلام ووضعه في حجر النبي صلی الله علیه و آله وسلم وليداً، فقد كان من نعم الله على علي علیه السلام ما صنعه الله له وأراد به من الخير أن قريشاً أصابتها أزمة شديدة وقحط، فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لعميه حمزة والعباس ألا نحمل ثقل أبي طالب في هذا المحل فجاؤوا إليه وسألوه أن يدفع اليهم وِلْدَه ليكفوه أمرهم، فقال: دعوا اليّ عقيلا وخذوا من شئتم، وكان شديد الحب لعقيل، فأخذ العباس طالباً، وأخذ حمزة جعفرا، وأخذ محمد صلی الله علیه و آله وسلم علياً علیه السلام، وقال لهم:
قد اخترت من اختاره الله لي عليكم علياً.
ص: 259
قالوا فكان علي علیه السلام في حجر الرسول صلی الله علیه و آله وسلم منذ كان عمره ست سنين(1)، وهذه الرواية يعتريها الشك، إذ أن بني المطلب يعيشون واقعاً واحداً وبيئة واحدة، ويمكن مناقشة هذه الرواية من عدة نقاط هي:
1. إن الرواية صدرت عن ابن اسحق والسيرة كتبت لبني العباس، إذ لاشك في ان ابن اسحق أراد ان يكون أثر العباس أكثر من اخوته من بني هاشم مالاً، فلو أراد العباس مساعدته لزودوه بالمال مثلاً بدلاً من ان يأخذ أحد ابنائه.
2. الرواية تشير إلى استغناء أبي طالب عن ابنائه عدا عقيلاً، في حين لم يكن أبو طالب كثير العيال حسب ما ذكرته الرواية فهم اربعة أولاد وهذا أمر مرفوض وربما يراد منه النيل من أبي طالب ومن الإمام علي علیه السلام.
3. كان أبو طالب من الميسورين ولم يكن قليل المال، فقد ذكر الجاحظ ان أبا طالب كان تاجراً يعالج العطر والبز في مكة(2)، ولعل أبا طالب لم يكن بمستوى غنى اقرانه من بني هاشم.
4. إن جعفراً لم يكن صغيراً حتى يأخذه اعمامه، وإنما كان شاباً ولم تجرِ العادة في قريش أن الفقير يعال بأخذ ابنائه، والحمزة عمه ليس كبيراً بل كان قريباً من عمر جعفر وعقيل(3).
5. إن واضع الرواية أراد جعل قضية ارتباط الإمام علي علیه السلام بالنبي صلی الله علیه و آله وسلم، مسألة
ص: 260
طبيعية نتيجة للأزمة المالية و سحب قضية الأبوه الروحية ونسف قضية الوصية والإمامة فيه ومساواته مع غيره.
6. إن الرواية فيها جانب من الشك والغرض منها كان اعطاء عقيل أهمية خاصة عند أبيه دون اخوته والتقليل من مكانة أمير المؤمنين علیه السلام عند رسول الله.
7. إن اختيار الإمام علي علیه السلام من الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، كان لأمر إلهي وليس أمر إعتباطياً وهي مرحلة إعداد لما بعد حياة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم ليكون خليفة للأمة.
8. وذكرت العواد «إن العلاقة بين النبي صلی الله علیه و آله وسلم والإمام علي علیه السلام لم تقف عند الجانب المادي المزعوم، فإن أبا طالب علیه السلام كان من أشراف قريش وسادات مكة ووجهائها وهو من تكفل برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في طفولته ورعاه في هذه الجوانب ونصب نفسه منصب الحماية له من غوائل الدهر ومصاعب الزمن فلا يعجزه جانب من هذه الجوانب المادية حتى يتصدى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ليرد الفضل إلى عمه أبي طالب علیه السلام، بل تلقاه في بيت الرسالة بطلاً في صدارة أبطال الحق ورائداً في حركة التفسير في مدرسة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم التي واصلت عطاءها في إعداد الإمام علي علیه السلام للقيادة العامة من بعده وتهيئته لاستلام الإمامة»(1)، من جانب آخر فإن الاستعداد في ذات أمير المؤمنين علیه السلام كان عالياً ودقيقاً ومستوعباً للمفاهيم التي كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يغرسها في شخصية الإمام علیه السلام، فقد روي عن الفضل بن العباس(2)
ص: 261
قال: «سألت أبي عن ولد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الذكور أيهم كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم له أشد حباً فقال: علي بن ابي طالب علیه السلام فقلت له سألتك عن بنيه فقال:
كان أحب إليه من بنيه جميعاً وأراف ما رأيناه زايلة يوماً من الدهر منذ كان طفلاً الا ان يكون في سفر لخديجة وما رأينا أباً أبر بابنِ منه لعلي ولا ابنا أطوع لأب من علي له»(1)، ونفهم من خلال قراءة النص أن الإمام علیه السلام كان بمثابة الابن للنبي صلی الله علیه و آله وسلم ، وقد بلغ من شديد عناية النبي صلی الله علیه و آله وسلم بالإمام علي علیه السلام انه صلی الله علیه و آله وسلم كان (يمضغ الشيء ثم يلقمنيه) فذكر البحراني في شرحه مسنداً عن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين(2) علیه السلام قال: «سمعت زيداً أبي يقول: كان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يمضغ اللحمة أو الثمرة حتى تلين ويجعلها في فم علي علیه السلام وهو صغير في حجره»(3)، من خلال قراءة النص يتبين أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يشفق على الإمام علي علیه السلام حتى من حرارة الطعام الذي يطعمه إياه وهو صغير في حجره، وأما قوله علیه السلام: «كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه...»(4)، فقد ذكر البحراني «أن وجه الشبه في اتباعه كونه علیه السلام لا ينفك عنه كالفصيل(5) لأمه»(6)، وإن طبيعة ملازمته علیه السلام لابن عمه ومربيه التي
ص: 262
دامت ثلاثة وعشرين عاماً وانتهاله من أخلاقة وعلمه ومشاركته له في هموم الرسالة الإلهية واعباءها تبين أحقيته علیه السلام بقيادة الأمة من بعد النبي صلی الله علیه و آله وسلم وأهليته الكاملة لإدارة الأمة فضلاً عن رسم الإمام علیه السلام بالكلمات لنفسه مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم مشهداً في غاية الروعة والتفضيل لتبيان فضيلته عند الله ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم(1).
وفي مورد آخر من خطبه علیه السلام أشار إلى أثر الله عزوجل في اعداد تربيته علیه السلام قائلاً:
«ولقد قرن الله به صلی الله علیه و آله وسلم من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن اخلاق العالم ليله ونهاره... يرفع لي في يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالامتداد به»(2).
فالرسول الكريم صلی الله علیه و آله وسلم أديب الله والإمام أمير المؤمنين علیه السلام أديب الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، إذ ورد في الحديث الشريف:
«أنا أديب الله وعلي أديبي أمرني ربي بالسخاء والبر ونهاني عن البخل والجفاء وما من شىء أبغض إلى الله عز وجل من البخل...»(3).
لقد استطاع بهذه التربية أن يقدم للبشرية قدوة انسانية جمعها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في شخصية تلميذه بين حرية وعبودية هي المقصد النهائي من خلق الانسان والكون(4)، وكان الأثر النبوي شديد الوضوح في إعداد شخصية الإمام
ص: 263
أمير المؤمنين، إذ صاغ منه خلقاً يماثل خلقه العظيم فكان مثيله في الأخلاق والسلوكيات(1). وبذلك احتل أمير المؤمنين علیه السلام الذرى في كل الميادين وهو الذي عبر عن علو مرتبته وسمو مكانته بقوله علیه السلام:
«ينحدر عني السيل ولا يرقى إليّ الطير»(2).
فقد ذكر إبن أبي الحديد في شرحه «كأنه في ذروة جبل أو يفاع شرف ينحدر السيل عنه إلى الوهاد والفيضان(3)، وهذا تمثيل لسمو قدره علیه السلام وقربه من مهبط الوحي وإن ما يصل إلى غيره من فيض الفضل، فإنما يتدفق من حوضه ثم ينحدر عن مقامه العالي فيصب منه من شاء الله»(4) وقوله علیه السلام:
«لا يرقى إليّ الطير» أعظم في الرفعة من التي قبلها لأن السيل ينحدر عن الهضبة والرابية واما تعذر رمي الطير فربما يكون للتلال الشاهقة جداً وما هو أعلى(5).
إن مثل هذه العلاقة التي جمعت بين النبي الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم والإمام أمير المؤمنين علیه السلام هي علاقة سماوية اي كما بيّن لنا القرآن ذلك في قوله تعالى:
«وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْیٌ يُوحَی»(6).
ص: 264
واذا استعرضنا كلام النبي صلی الله علیه و آله وسلم بحق الإمام علي علیه السلام نجدُ هنالك بعداً إلهياً في الاختيار، فكما أن الله عز وجل قد اختار نبيه صلی الله علیه و آله وسلم من بين البشر والأمم، فإن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قد اختار وصيه من بين البشر وهذا الاختيار سماوي كما اسلفنا وله جذور تاريخية كما بينها لنا الرسول الأكرم، إذ قال:
«أنت مني بمنزلة هارون من موسى»(1).
واذا تأملنا علاقة الإمام علي علیه السلام بالرسول محمد صلی الله علیه و آله وسلم لوجدنا أن الله جلّ وعلا يفاخر بها ملائكة السماء عندما افتدى الإمام أمير المؤمنين ابن عمه وروحه التي بين جنبيه في فراشه عند هجرة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، فقد فاخر الله تعالى بهما ملائكة السماء، ولم تقتصر علاقة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بالإمام علیه السلام، عند هذا الحد بل تعدت تلك العلاقة بقول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«يا علي خلقت أنا وانت من شجرة واحدة وسائر الناس من شجر شتى»(2).
وغيرها من الأحاديث التي تدل على عمق العلاقة والتهيئة الحقيقية لوصي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لخلافة الأمة من بعده بوصفه الامتداد الضروري للنبوة، وقد بيّن الإمام أمير المؤمنين علیه السلام في احدى خطبه التي وردت في نهج البلاغة بالاشارة لمقام الإمامة تصريحاً وتلويحاً بذلك كون الإمام علیه السلام صاحب هذا المقام فهو الأولى في ذلك بعد رحيل خاتم الأنبياء والمرسلين صلی الله علیه و آله وسلم ويبرز ذلك من خلال قوله علیه السلام:
«لا تخلو الأرض من قائم الله بحجة إما ظاهراً مشهوراً وإما خائفاً مضموراً لئلا تبطل حجج الله وبيناته»(3).
ص: 265
وذكر منصور بن حازم(1) لقوم من العامة: «ألستم تعلمون أن رسول الله كان هو الحجة من الله على خلقه فحين ذهب الرسول صلی الله علیه و آله وسلم من كان الحجة من بعده؟ قالوا القرآن قال: ننظر في القرآن، فإذا يخاصم به المرجئ(2)، والحروري(3) والزنديق(4) الذي لا يؤمن حتى يغلب خصمه فعرف أن القرآن لا يكون حجة الا يقيم ما قال فيه كان حقاً، فمن قيم القرآن؟ قالوا كان عبد الله بن مسعود(5) وفلان وفلان يعلمون قال: يعلمون كله؟ قالوا لا، قال لهم: لم نجد أحداً يقال
ص: 266
ذلك الا علي علیه السلام واذا كان الشيء بين القوم وقال هذا لا ادري وقال آخر أدري انه لي فهو له فأشهد ان علياً علیه السلام كان قيم القرآن، وكان طاعته مفروضة، وكان حجة بعد النبي صلی الله علیه و آله وسلم عن الناس كلهم وأشهد أن علياً علیه السلام لم يذهب حتى ترك حجة من بعده»(1)، إذاً فطاعة الإمام علیه السلام مفترضة في كل زمان مادام التكليف باقياً، إما ان يكونوا ظاهرين معروفين أو مستورين من الخلق لعلة وضرورة اقتضتها الحكمة الإلهية كما هو حال الإمام الحجة المنتظر عجل الله فرجه الشریف.
وأكد الإمام علي بن ابي طالب علیه السلام على اختصاص هذا المقام بنخبة مصطفاة من رهط النبي صلی الله علیه و آله وسلم بقوله:
«إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح على سواهم ولا تصلح الولاة في غيرهم»(2).
ثم عرف علیه السلام سمات خاصة بهم علیه السلام كقوله:
«الأقلون عدداً الأعظمون عند الله قدراً، أسماؤهم في السماء معروفة وفي الأرض مجهولة»(3).
وتارة يشبههم علیه السلام بنجوم السماء في دلالة على ضرورة استقرار الإمامة فيهم كقوله:
«ألا إن مثل آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم كمثل نجوم السماء، إذ خوى نجم طلع نجم»(4).
اي كلما غاب نجم طلع نجم آخر(5).
ص: 267
نجدُ حقيقة القرابة بين رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأمير المؤمنين علیه السلام في نهج البلاغة وهي تقودنا إلى نتيجة أساسية مفادها أنه لا يمكن تحجيم تلك العلاقة بين النبي صلی الله علیه و آله وسلم وابن عمه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام وايقافها عند حدود القرابة والرحم وردّ الجميل، بل تعدت لأبعد من ذلك، إذ يفتخر الإمام علیه السلام بعلاقته بالرسول الأكرم قائلاً:
«وأنا من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم كالصنو من الصنو والذراع من العضد»(1).
وقد ورد في بعض الشروح عبارة:
«وأنا من رسول الله كالضوء من الضوء والذراع من العضد»(2).
بيّن ابن ابي الحديد ان الإمام علیه السلام قد شبّه نفسه بالضوء الثاني ورسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بالضوء الأول وشبّه منبع الضوء بالشمس التي توجب الضوء الأول ثم الضوء الأول يوجب الضوء الثاني، وقد شبّه الإمام علیه السلام نفسه من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بالذراع من العضد وأن اصل الذراع هو العضد كناية عن شدة الامتزاج والقرب بينهما، فإن الضوء الثاني يشبه الضوء الأول والذراع متصل بالعضد اتصالاً نسبياً وهو المنزلة، وقد أعطاها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إياه في مقامات كثيرة(3)، وهي مصداقٌ لقوله صلی الله علیه و آله وسلم في الحديث الشريف:
«وقد أمرت أن لا يؤدي إلا أنا أو رجل مني»(4).
ص: 268
وقوله صلی الله علیه و آله وسلم:
«لتنتهن يا بني وليعة(1) او لأبعثن اليكم رجلًا مني»(2).
فهذه خصوصية لا يتقدمها علیه السلام فيها أحد وفضل لا يلحقه فيه بشر وشرف لا يسبقه إليه خلق ان جعل علي بن ابي طالب علیه السلام كنفسه صلی الله علیه و آله وسلم. وقد سماه الكتاب العزيز نفسه فقال تعالى:
«وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ»(3).
وقد قال صلی الله علیه و آله وسلم:
«لحمك مختلط بلحمي ودمك منوط بدمي وشبرك وشبري واحد»(4).
بينما ذكر البحراني في شرحه أن تمثيل الإمام علیه السلام نفسه من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بالضوء من الضوء وأصل هذا التمثيل هو الضوء من الضوء وفرعه نسبة نفسه من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وعلته الجامعة هي كون علومه وكمالاته النفسانية المشرقة مستفادة ومقتبسة من مصباح علم النبوة(5) وروى الكنجي مسنداً عن سلمان رضی الله عنه عن
ص: 269
النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال:
«كنت انا وعلي نوراً بين يدي الله مطيعاً يسبح ذلك النور ويقدسه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر عاماً فلما خلق الله آدم ركز ذلك النور في صلبه فلم تزل في شيء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب فجزء أنا وجزء علي»(1).
من الأعمال التي قام بها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بعد بناء المسجد الشريف في المدينة المنورة هو نظام المؤاخاة، وقد سبق للرسول صلی الله علیه و آله وسلم أن آخى على الحق والمواساة فآخى بين ابي بكر وعمر وبين حمزة وزيد بن حارثه وبين عثمان وعبد الرحمن ابن عوف وبين الإمام أمير المؤمنين علیه السلام ونفسه صلی الله علیه و آله وسلم، وكانت هذه المؤاخاة بين المهاجرين بعضهم ببعض قبل الهجرة(2)، وأخرى بين المهاجرين والأنصار وفي كل مرة كان يقول لعلي علیه السلام:
«أنت أخي في الدنيا والأخرة»(3).
وقوله صلی الله علیه و آله وسلم:
«أما ترضى أن أكون أخاك؟ قال بلى يا رسول الله؟ قال فأنت أخي في الدنيا والآخرة»(4).
ص: 270
وقد صرح الإمام أمر المؤمنين علیه السلام بمؤاخاته للرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم في نهج البلاغة قائلاً:
«أنا عبد الله وأخو رسوله لا يقولها بعدي إلا كذاب»(1).
إذ اختار الرسول صلی الله علیه و آله وسلم الإمام علي بن ابي طالب علیه السلام مرتين في كلتا حادثتي المؤاخاة واصطفاه لنفسه فاتخذه من دون المسلمين أخا له تفضيلاً له على من سواه لعظيم منزلته علیه السلام عند رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم. وعن زيد بن أبي أوفى(2) قال: «دخلت على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم مسجدهُ فقال أين فلان، أين فلان؟ فجعل ينظر في وجوه أصحابه ويتفقدهم ويبعث معهم حتى يحضروا عنده، فلما حضروا عنده فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إني محدثكم بحديث فاحفظوه ووعوه وحدثوا من بعدي، إن الله اصطفى منكم من أحب أن يصطفي ومؤاخ بينكم كما آخى الله بين ابي بكر وعمر وآخى بين عثمان وعبد الرحمن بن عوف فقال له الإمام علي علیه السلام:
لقد ذهبت روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري فإن كان هذا من سخط علي فلك العتبى والكرامة.
فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
والذي بعثني بالحق ما أخرتك الا لنفسي وأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أن لا نبي بعدي وانت أخي ووارثي.
قال: علیه السلام:
ص: 271
وما أرث منك يا نبي الله.
قال:
ما ورثه الانبياء قبلي.
قال:
وما هو؟ قال:
كتاب ربهم وسنة نبيهم وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي وأنت أخي ورفيقي.
ثم تلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
««إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ» المتحابين في الله ينظر بعضهم إلى بعض»(1).
وعن أبي ذر الغفاري رضی الله عنه قال: «ايها الناس هلموا أحدثكم عن نبيكم صلی الله علیه و آله وسلم سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول لعلي ثلاثاً لأن تكون لي واحدة منهن احب الي من الدنيا وما فيها سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول لعلي علیه السلام:
اللهم أعنه واستعن به، اللهم انصره واستنصر به، فإنه عبدك وأخو رسولك»(2).
يبدو ان خصوصية حديث المؤاخاة ليس فقط باعتباره فضيلة سابقة، واصطفاؤه من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وكذلك توصيته صلی الله علیه و آله وسلم لعلي علیه السلام هي من أجل تحمل لواء المسؤولية بل هو اعداد وتمهيد لخلافة الإمام علیه السلام لأنه صلی الله علیه و آله وسلم رأى به سمو الاخلاق الذي كان متكاملاً به دون سواه من الصحابة.
ص: 272
إن العلاقة الوثيقة بين النبي صلی الله علیه و آله وسلم والإمام علي علیه السلام نجدها تتمثل في الأيام الأخيرة من عمر الرسول، فقد كان علیه السلام إلى جواره فلم يرسله إلى سرية أسامة بن زيد(1) إلى الشام، ثم هو الذي تولى غسله وتكفينه ودفنه(2)، فقد كان الإمام علي علیه السلام الأقرب إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم في لحظاته الأخيرة بل إنه صلی الله علیه و آله وسلم فاضت روحه الزكية في حجر أمير المؤمنين علیه السلام، إذ قال علیه السلام:
«وفاضت بين نحري وصدري نفسك...»(3).
وفي موضع آخر:
«ولقد قبض رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وإن رأسه لعلى صدري ولقد سالت نفسه في كفي فأمررتها على وجهي»(4).
إذا لما قرب خروج نفس الرسول صلی الله علیه و آله وسلم قال لأمير المؤمنين علیه السلام:
«ضع رأسي في حجرك فقد جاء أمر الله تعالى فاذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وأمسح بها وجهك ثم وجهني إلى القبلة وتولى أمري وصل علي أول الناس ولا تفارقني حتى تواريني رمسي»(5).
ص: 273
نلاحظ أن الإمام أمير المؤمنين علیه السلام لم يفارق رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وابن عمه ووصيه حياً وميتاً وأي كرامة تلك التي نالها أمير المؤمنين علیه السلام.
كانت السيدة فاطمة الزهراء علیها السلام في بداية تكوين المجتمع الإسلامي في المدينة المنورة صغيره السن ولم يكتمل عامها الثامن الا أنها كانت عارفة واعية بالعلم الرباني وبالعصمة الإلهية، إذ انها أدت أدواراً مهمة في نشوء المجتمع الاسلامي الجديد بإخلاصها الشديد وتفاعلها مع الأحداث واستيعابها للرسالة السماوية على الرغم من وجود نساء أخريات في بيت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لكنها نالت مرتبة ومكانة سامية وعالية عند الله سبحانه وتعالى والمجتمع فضلاً عن أخلاقها وزهدها وجهادها وانفاقها وصبرها وتحملها في سبيل الله، وقد قادت علیها السلام الدور الملقى على عاتقها بأحسن وجه فاستحقت ان تكون سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، إذ روى عن المفضل بن عمر(1) قال: «قلت لأبي عبد الله الصادق علیه السلام أخبرني عن قول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في فاطمة انها سيدة نساء العالمين أهي سيدة من الأولين والآخرين»(2) ومما لاشك فيه أن هذه التسمية جاءت من نبي الهدى الذي لا ينطق عن الهوى كما جاء في الذكر الحكيم:
«وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْیٌ يُوحَی»(3).
ص: 274
فما صدر منه خاصة مع أهله مما فيه الميزة على ذويه منبعث عن سر إلهي ربما تقصر العقول عن إدراكه، وقد ورد عنهم علیه السلام قولهم:
«حديثنا صعب مستصعب لا يتحمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل او عبد امتحن الله قلبه بالايمان»(1).
وقد صرح الإمام أمير المؤمنين علیه السلام بمكانة السيدة الزهراء علیها السلام في نهج البلاغة الشريف عندما أرسل كتابه إلى معاوية عندما بدأ الآخر يفخر بانتسابه إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، إذ أجابه الإمام علیه السلام بقوله:
«منا خير نساء العالمين ومنكم حمالة الحطب»(2).
خير النساء فاطمة الزهراء علیها السلام نص رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم على ذلك لا خلاف فيه(3) ومنكم حمالة الحطب هي أم جميل (عمة معاوية) بنت حرب بن أمية امرأة أبي لهب التي ورد بها نص القرآن الكريم:
«تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ»(4).
«ومنا خير نساء العالمين».
إذ ذكر ابن سعد رواية عن عائشة قالت: «كنت جالسة عند النبي صلی الله علیه و آله وسلم، فجاءت
ص: 275
فاطمة علیها السلام تتمشى وكأن مشيتها مشية رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقال:
مرحباً يا ابنتي.
فأجلسها عن يمينه او عن شماله ثم أسر إليها شيئاً فبكت ثم أسر إليها فضحكت فقلت ما رأيت ضحكاً أقرب من بكاء فمن ضحكك وبكائك استخصك النبي صلی الله علیه و آله وسلم بحديثه ثم تبكين اي شيء أسر إليك رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قالت:
ما كنت لأفشي سره.
فلما قبض رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم سألتها: فقالت:
قال إن جبرائيل علیه السلام كان يأتيني في عام فيعارضني بالقرآن، وانه أتاني في العام فعارضني مرتين ولا أظن إلا أجلي قد حضر ونعم السلف أنا لك وقال انتِ أول أهل بيتي لحاقا بي فبكت ثم قال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الأمة او نساء العالمين فضحكت»(1).
وبعد أن ثبت لنا أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم حرص كثيراً على أن يبيّن للناس أن ابنته فاطمة الزهراء علیه السلام هي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين علينا أن نفهم ماذا يعني أن تكون الزهراء سيدة نساء العالمين، وأن تنال الزهراء علیها السلام شرف السيادة على كل النساء في الدنيا والآخرة، وماذا يعني صلی الله علیه و آله وسلم بهذا اللقب؟ وهل هو مجرد لقب تكريم؟ والرسول لا يطلق الألقاب جزافاً، وإنه صلی الله علیه و آله وسلم لا يتكلم إلا بوحي من السماء.
إنها سادت نساء العالمين بكل المثل العليا التي تجسدت في شخصيتها وبكل المواقف العظيمة التي عجزت كل نساء الدنيا أن يفقنها، إنها فاقت نساء العالمين علماً وعبادة وجهاداً وعطاءاً واخلاصاً وطهارة وورعاً، لهذا فإن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الذي ينطق اسلاماً ويتحرك اسلاماً ويجسد الإسلام وينبض قلبه بالاسلام، لأنه
ص: 276
كان النور كله والقرآن الناطق عندما يعطي فاطمة مثل هذه الاوصاف، فلابد ان يكون قد اطلع على ما تحمله من علم يفوق علم نساء العالمين كلهن وما تحمله من طهارة تتفوق بها على سائر النساء(1) وهي مصداقٌ لقوله صلی الله علیه و آله وسلم:
«إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار»(2).
فضلاً عن ذلك كله فهي علیها السلام استحقت من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ان يلقبها:
«أم أبيها»(3) إكراماً لها من جهة ونظراً لرعايتها للرسول الكريم صلی الله علیه و آله وسلم وحنوها عليه لما تحنو الأم على ولدها من جهة اخرى، لأنها تحملت المشاق في سبيل نصرة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم منذ أيام الإسلام الأولى، ومما روي في هذا الصدد أنها علیه السلام كانت تدفع كيد المشركين عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في مكة، إذ جاء ان جمعاً من المشركين اجتمعوا وقرروا ان يرموا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بسلي (جزور) وبعد أن أقدموا على ذلك الفعل كانت الزهراء علیها السلام تمسح ما وقع على جسد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الشريف من السلي (الجزور) وتدعو على من أقدم على ذلك الفعل(4)، أما عن دورها في معركة أحد فيذكر الواقدي «أنها خرجت في هذه المعركة مع بعض نساء المسلمين وقد رأت الدم الذي بوجه الرسول صلی الله علیه و آله وسلم فاعتنقته وجعلت تمسح الدم عن وجهه صلی الله علیه و آله وسلم، يقول:
إشتد غضب الله على قوم أدموا وجه رسوله وذهب علي علیه السلام يأتي بماء من المهراس وقال لفاطمة: أمسكي هذا السيف غير ذميم فأتى بماء مجنة فاراد رسول الله
ص: 277
أن يشرب منه وكان قد عطش فلم يستطع ووجد ريحاً من الماء كريهاً فقال: هذا ماء أجن فمضمض منه فاه الدم في فيه وغسلت فاطمة الدم عن أبيها»(1) وفي رواية المفيد (انه عندما انصرف الرسول صلی الله علیه و آله وسلم بعد انتهاء المعركة إلى المدينة فاستقبلته فاطمة علیها السلام ومعها إناء فيه ماء فغسل به وجهه ولحقه أمير المؤمنين علیه السلام وقد خضب الدم يده إلى كتفه ومعه ذو الفقار [السيف] فناوله فاطمة علیها السلام وقال لها: خذي هذا السيف فقد صدقني اليوم وأنشأ يقول(2):
أفاطمُ هاكِ السيفُ غيرَ ذميمِ *** فلستُ برعديدٍ ولا بمُليمِ لعَمري لقد اعذرتُ بنصرَةِ أحمدٍ *** وطاعةِ ربٍ بالعبادِ عليمِ أميطي دماءَ القومِ عنهُ فإنه *** سقى لعبدِ الدار كأسَ حميمِ إذ قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«خذيه يا فاطمة، فقد أدى بعلك ما عليه وقد قتل الله بسيفه صناديد قريش»(3).
لهذا استحقت فاطمة الزهراء أن تلقب ب (أم أبيها) لانها كانت ترعاه رعاية خاصه بل وكانت تمثل أباها رسول الله في كل خطوة تخطوها او حركه تتحركها او كلمةٍ تنطق بها فليس في قاموس حياتها شيء اسمه الذات كما كان أبوها صلی الله علیه و آله وسلم، بل كان كل شيء عندها للرسالة وكل خطواتها تسير على خط الرسالة، فرحها للرسالة، بكاؤها لحفظ الرسالة، غضبها لانقاذ الرسالة، فكانت علیها السلام كأنها أبوها
ص: 278
رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لهذا كانت أم أبيها وسيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.
كان للإمامين الحسن والحسين علیه السلام مكانة كبيرة وجليلة لدى أبيهما الإمام أمير المؤمنين علي علیه السلام وتتجلى هذه المكانة العظيمة من خلال الوصايا التي أوصى بها الإمام علي علیه السلام الحسن والحسين علیهما السلام والتي جاءت من باب الوعظ والإرشاد. وقد سجل لنا التاريخ علاقة الحسن والحسين علیه السلام بأبيهما علیهما السلام، أنموذجاً يحتذي به الابناء بآبائهم والآباء بابنائهم وهي علاقة المودة والرحمة، وقد جسد الإمام علي علیه السلام مكانة الإمام الحسن علیه السلام من خلال المواعظ والوصايا التي وردت في كتاب نهج البلاغة والتي صرح بها الإمام أمير المؤمنين قائلاً:
«يا بني اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، فأحب لغيرك ما تحب لنفسك وأكره له ما تكره لها ولا تَظْلِم كما لا تحب أن تُظْلَم وأحسن كما تحب ان يحسن اليك...»(1).
ذكر ابن ابي الحديد في شرحه جاء في الحديث المرفوع: لا يكمل إيمان عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويكره لأخيه ما يكره لنفسه، وقال يصف الأسارى لبعض الملوك إفعل معي ما تحب ان يفعل الله معك فأطلقه وهذا هو معنى قوله علیه السلام:
«ولا تَظْلِم كما لا تحب ان تُظْلَم»(2).
وبيّن البحراني ان الإمام أمير المؤمنين علیه السلام أشار على الإمام الحسن علیه السلام ان
ص: 279
يجعل نفسه ميزاناً بينه وبين غيره ووجه استعارة لفظ الميزان له ان يكون ذا عدل بين نفسه وبين الناس كالميزان ثم شرح وجوه العدل والتسوية التي امره ان يكون ميزاناً فيها(1). ثم أوصى علیه السلام الحسن والحسين علیهما السلام لمّا ضربه ابن ملجم(2) قائلًا:
«أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم فإني سمعت جدكما صلی الله علیه و آله وسلم يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام»(3).
فقد ذكر البحراني في شرحه «تقوى الله التي هي رأس كل خير والزهد في الدنيا وأن لايريداها وإن ارادتهما اي أقبلت عليهما بما بعد؛ وصلاح ذات البين أمر علیه السلام بالوصل وبالذات النفس اي اصلحوا نفس وصلكم من فساد يقع فيه، وصلاح ذات البين من لوازم الالفة والمحبة في الله وهي فضيلة تحت العفة ورغب علیه السلام بما رواه وسمعه عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم من قوله:
صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام»(4).
نلاحظ من خلال قراءة النص إن الإمام أمير المؤمنين علیه السلام حتى في أشد حالات مصابه لم تفارقه نفسه الزكية فهو يوصي أهل بيته بتقوى الله وصلاح ذات البين وقول الحق، إذ ورد في الحديث قول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
ص: 280
«إن ابني هذا سيد يصلح الله على يديه فئتين عظيمتين»(1).
وفي مورد آخر من الخطبة المباركة أوصى الإمام علیه السلام بالأيتام والجيران والصلاة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائلاً:
«الله الله في الأيتام فلا تغبوا أفواههم ولا يغيبوا بحضرتكم والله في جيرانكم فإنهم وصية نبيكم... الله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم... الله الله في الجهاد بأموالكم وانفسكم...»(2).
ذكر البحراني في شرحه «ان الإمام علیه السلام اوصى بالأيتام ونهى عن إجاعتهم وتكنى عنها باغياب افواههم واستلزم برهم والإحسان اليهم ثم اوصى علیه السلام بالجيران والتحذير من الله فيهم ونبه علیه السلام على حفظ قلوبهم واكرامهم بوصية رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في حقهم واوصى بالصلاة لأنها عمود الدين»(3) ثم اوصى أمير المؤمنين علیه السلام بالشجاعة والمبارزة قائلاً:
«لاتبدأ بدعاء إلى المبارزة فإن دعيت إليها فأجبت فإن طالبها باغٍ والباغي مصروع»(4).
فقد ذكر محمد عبده «أن الإمام علیه السلام أوصى بعدم الدعوة للبروز للقتال؛ لأن الداعي إليها متجاوز ومتعدٍ والباغي مقلوب مطروح»(5)، فقد روي «ان رجلًا دعا بعض بني هاشم إلى البراز فأبى أن يبارزه فقال له الإمام علي علیه السلام:
ص: 281
مامنعك ان تبارزه.
قال: كان فارس العرب وخشيت أن يغلبني فقال علیه السلام:
إنه بغى عليك ولو بارزته لغلبته ولو بغى جبل على جبل لهد الباغي»(1).
وقد بيّن أحد الباحثين على أهمية الوصية بقوله: «لم يترك الإمام علیه السلام مرحلة من مراحل التربية أو خطوة من خطواتها إلا وأوصلها إلى الناس بهدف تربية القيادة، وذلك بوساطة وصاياه إلى ابنه الإمام الحسن»(2).
وفي موضع آخر من نهج البلاغة جسّد الإمام أمير المؤمنين علیه السلام مكانة الإمام الحسن علیه السلام بوصيته التي كتبها بحاضرين(3) بعد انصرافه من صفين، إذ عبر علیه السلام عن حبه لولده الحسن علیه السلام بقوله:
«من الوالدِ الفانِ، المقرِ للزمانِ، المدبرِ العمرِ المستسلمِ للدهرِ الذامِ للدنيا الساكنِ مساكنَ الموتى الظاعنِ عنها غداً، إلى المولودِ المؤملِ مالايدركْ السالكِ سبيلَ من قد هلك غرض الاسقام ورهينة الأيام ورمية المصائب وعبد الدنيا وتاجر الغرور وغريم المنايا واسير الموت وحليف الهموم وقرين الاحزان ونصب الآفات وصريع الشهوات وخليفة الأموات»(4).
ص: 282
بيّن ابن أبي الحديد في شرحه ان المراد ب(المقر للزمان) المعترف بالشدة المقر له بالغلبة وكأنه جعل نفسه فيما مضى خصماً للزمان بالقهر(1)، وقوله علیه السلام:
«المدبر العمر».
لأنه كان قد جاوز الستين نصف العمر الطبيعي الذي قل أن يبلغه أحد فعلى تقديراً انه بلغه فكل ما بعد الستين اقل مامضى فلا جرم يكون العمر قد أدبر(2)، والمستسلم للدهر أي الصابر على آفاته وضرباته(3) وقوله علیه السلام:
«الذام للدنيا».
أي لم يزل نافراً عنها منفرداً بذكر معايبها(4)، وقوله علیه السلام:
«الساكن مساكن الموتى».
إشعاراً بانه سيموت وهو تعبير عن الركون إلى الدنيا والمقام بها بذكر كونها مساكن الموتى إذ من كان من مساكنهم يوشك ان يلحقه مانزل بهم(5)، إذ قال تعالى:
«وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ»(6).
وقوله علیه السلام:
«الظاعن عنها غداً».
ص: 283
اي لا يريد الغد بعينه بل يريد قرب الرحيل والظعن(1)، وقوله علیه السلام:
«المولود المؤمل».
ما لا يدرك وفيه تنفير عن طول الأمل إذ كان ينسي الآخره وجل وجه التنفير تأملّه ما لا يدرك وظاهر الانسان مادام في هذه الدار موجه امله نحو مطالبها كما أشار سيد المرسلين صلی الله علیه و آله وسلم:
«يشيب ابن آدم ويشيب وفيه خصلتان الحرص والأمل وذلك يستلزم إنقضاء مدته دون بلوغها»(2).
وقوله:
«السالك سبيل من قد هلك».
غرض الاسقام اي إن كل واحد من الناس يؤمل اموراً لا يدركها وكل واحد من الناس سالك سبيل من هلك قبله وغرض الأسقام لان الانسان كاالهدف لأفات الدنيا واعراضها(3)، وقوله علیه السلام:
«رهينة الايام».
فقد استعار له لفظ الرهينة باعتبار ان وجوده مربوط بالاوقات وداخل في حكمها كما يربط الرهن بسيد مرتهنه(4). وقوله علیه السلام:
«رمية المصائب».
لرميه ما يرمى(5) وقوله علیه السلام:
ص: 284
«وعبد الدنيا وتاجر الغرور وغريم المنايا».
لأن الانسان طوع شهواته فهو عبد الدنيا وحركاته فيها مبنية على غرور لا أصل لها وتاجر المنايا، لأن المنايا تطالبه بالرحيل عن هذه الدار إذ كانت غريماً له يقتضيه ما لابد له من ادائه1(1) وقوله:
«وحليف الهموم وقرين الاحزان» استشعار لفظي الحليف والقرين له باعتبار عدم انفكاكه عن الهموم والاحزان كما لا ينفك الحليف والقرين عن حليفه وقرينه(2).
وقوله علیه السلام:
«نصب الآفات وصريع الشهوات وخليفة الاموات» اي كان معرضاً للافات، وكان نصباً لها اي لا تفارقه العلل ولما كان إنما يهلك بشهواته كان حريماً لها(3).
«وخليفة الاموات» هو تعبير عن الدنيا بتذكير الموت لأن خليفة الاموات في معرض اللحوق بهم على حد قول احد الحكماء «ان امرءاً ليس بينه وبين آدم إلا أن ميت المصدق النسب في الموت(4). وفي موضع آخر من نهج البلاغة جسد أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب علیه السلام حبه للإمام الحسن علیه السلام بوصفه كنفسه علیه السلام كما وصف القرآن الكريم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم من أمير المؤمنين علیه السلام بقول تعالى:
ص: 285
«فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»(1).
إذ صرح الإمام علي علیه السلام بمكانة الإمام الحسن علیه السلام قائلاً:
«وجدتك بعضي بل وجدتك كلي حتى كأن شيئا لو أصابك أصابني وكأن الموت لو أتاك أتاني»(2).
ذكر البحراني في شرحه «أنها كناية عن شدة اتصاله به وقربه منه ومحبته له؛ بل وجده كله إذ كان هو الخليفة له والقائم مقامه ووارث علمه وفضائله ودل على شدة قرابته منه وانه بمنزلة نفسه بذكر الفاتين»(3)، إذ ذكر:
«أولادنا أكبادنا»(4).
ليس غريبا على أمير المؤمنين علیه السلام محبته للإمامين الحسن والحسين علیه السلام وكنايته واضحة وحرصه لولده الحسن علیه السلام فهو سيد شباب أهل الجنة كما قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة»(5).
ووصيه من بعده بإمامة الأمة وفلذة كبده والقائم بأمور العباد من بعده وهذه الكناية لبيان منزلته وعلو مكانته بين الناس لكي يكونوا شهوداً على قوله. أما
ص: 286
قوله علیه السلام:
«حتى كأن شيئاً لو أصابك أصابني».
فقد ذكر محمد جواد مغنية «هكذا كل والد يرى وجود ولده امتدادا وتكراراً لوجوده وقرة عين له ما كان ليحظى بها لو لم يوجده وهذه هي عاطفة الأبوين نحو الولد وهي اشبه بالصرعة والجنون»(1)، إن العاطفة الفطرية الأبوية التي جعلها الله للخلق على حد سواء ولم يقصرها على البشر وهي نعمة الوجود لدى البشر فكيف لا تعظم عند آل البيت علیهم السلام وهم منبع الحب والحنان والوئام، فكلام أمير المؤمنين علیه السلام يخص ولده الحسن علیه السلام وهو غاية بالحب والسعادة لأنه امتداد له فهو الوصي للنبي الأكرم والدليل للبشر، فعاطفته نحو الحسن والحسين علیهما السلام شهد بها القريب والبعيد في السلم والحرب لأنهما فلذة كبده وسيدا شباب أهل الجنة.
لقد برز دور الإمام الحسن علیه السلام السياسي والعسكري في موقعة الجمل، التي حدثت في جمادي الأول سنة 36 ه / 656 م(2)، وأصبح للإمام الحسن علیه السلام دور قيادي في أحداث هذه المعركة وما تلتها من معارك أخرى خاضها أمير المؤمنين علیه السلام دفاعاً عن الإسلام وحفاظاً على وحدة المسلمين، وحينما بدأت احداث المعركة السياسية والعسكرية تتصاعد قام الإمام علي علیه السلام بإيفاد إبنه الحسن علیه السلام ومعه عمار بن ياسر يستنفران له الناس، وذلك حينما بلغه ان عامله على الكوفة أبا موسى
ص: 287
الاشعري يخذلُ الناس ويثبطهم عن الالتحاق به لحرب الناكثين(1).
وقد عرف الإمام الحسن علیه السلام معاني ودلالات هذا التكليف الديني والسياسي، فقد عقد العزم على أن يقوم بهذه المهمة العاجلة في أحسن وجه والتقى فور وصوله الكوفة عاملها أبا موسى الأشعري فقال له: «لمَ تثبط الناس عنا؟ فوالله ما أردنا إلا الاصلاح ولا مثل أمير المؤمنين يخاف على شيء؟ فقال صدق بأبي وأمي ولكن المستشار مؤتمن، سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول:
إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الراكب وقد جعلنا الله اخواناً وقدم وحرم علينا دماءنا واموالنا، فغضب عمار وقام وقال: ايها الناس إنما قال له وحده انت فيها قاعد خير منك قائم»(2).
وقال له الإمام الحسن علیه السلام:
«اعتزل عملنا لا أم لك فتنح عن منبرنا»(3).
وقد حرص الإمام على إكمال المهمة واستمر يوضح الحقائق التي غابت عن كثير من الناس بسبب التضليل الاعلامي الذي مارسه اعداء الإمام علي علیه السلام ويوقظ الهمم ويبعث النشاط ويحفزهم على الجهاد ونصرة أمير المؤمنين علیه السلام فصعد المنبر علیه السلام وخطب فيهم قائلاً:
«انه كان من مسير أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب علیه السلام ماقد بلغكم وقد اتيناكم مستنفرين لأنكم جبهة الأنصار رؤوس الحرب، وقد كان من نقض طلحة والزبير
ص: 288
بعد بيعتهما وخروجهما بعائشة ما بلغكم وتعلمون ان وهن النساء وضعف رأيهن إلى التلاشي ومن أجل ذلك جعل الله الرجال قوامين على النساء وأيم الله لولم ينصره منكم أحد لرجوت أن يكون فيمن أقبل معه من المهاجرين والانصار، كفاية، فانصروا الله سينصركم»(1).
ثم قام عمار بن ياسر وقيس بن سعد وخطبا بالناس يبينان للناس حقيقة ماحدث بعثمان بن عفان ويحفزون الناس على المسير إلى أمير المؤمنين والجهاد في سبيل الله(2).
وقد واصل الإمام الحسن تنفيذ المهمة الرسمية التي كلف بها في استنفار الناس وتوضيح الحقائق وفضح ماقاله والي الكوفة المتخاذل أبو موسى الاشعري الذي حاول تثبيط الناس عن نصرة الإمام علي بن ابي طالب علیه السلام فسمع الناس كلامه وأجابوا ورضوا به وبايعوه(3).
ويتبين لنا مما تقدم أن مساعي الإمام الحسن علیه السلام في الكوفة قد تكللت بالنجاح وتمكن الإمام الحسن jعلیه السلام من كسب ود أهل الكوفة إلى جانب أبيه علیه السلام وبعد أن رأى الإمام الحسن علیه السلام هذا الموقف الايجابي من اهل الكوفة خطب قائلاً:
«إني غادٍ فمن شاء منكم أن يخرج معي على الظهر ومن شاء فليخرج في الماء»(4).
فنفر معه تسعة الآف رجل فأخذ بعضهم البر وأخذ بعضهم الماء وعلى كل سبع رجل، فسار الإمام الحسن في البر ومعه ستة الآف ومائتان وسار في الماء الفان
ص: 289
وثمانمائة(1)، لكن دور الإمام الحسن علیه السلام لم يقتصر على استنفار أهل الكوفة بل ذكر خليفة بن خياط إن الإمام علياً علیه السلام جعل الإمام الحسن علیه السلام على الميمنة والإمام الحسين علیه السلام على الميسرة في معركة الجمل(2).
وفي كتاب نهج البلاغة جسّد أمير المؤمنين علیه السلام دور الإمام الحسين علیه السلام في معركة الجمل إذ ذكر نوف البكالي أن الإمام الحسين علیه السلام كان له دور في الجمل فقد كان على الميسرة بعشرة الآف مقاتل، إذ عقد الإمام علي علیه السلام للحسين في عشرة الآف، وقيس بن سعد في عشرة الآف، ولأبي ايوب الانصاري بعشرة الآف ولغيرهم على عدد آخر وهو يريد الرجعة إلى صفين(3).
وذكر ابن ابي الحديد «حينما احتدمت المعركة في البصرة زحف الإمام علي علیه السلام نحو الجمل بنفسه في كتيبته الخضراء من المهاجرين والانصار وحوله الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية ورفع له الراية وقال له تقدم حتى تركزها في عين الجمل، فلما تقدم بها رشقته السهام فقال لأصحابه رويدا حتى تنفذ منهم السهام، ولما أبطأ بها جاءه من خلفه ووضع يده على منكبه الايمن وقال له: اقدم لا أم لك، وأخذ منه الراية ودفعها إلى الحسن علیه السلام فحمل الحسن علیه السلام على القوم وفرقهم عن الجمل حتى انتهى إليه وطعنه في عينه، ثم دفعها إلى الإمام الحسين علیه السلام ففعل كما فعل اخوه الحسن علیه السلام، واكد ان الإمامين الحسن والحسين كانا يشتركان معه ويفديانه بنفسيهما غير انه كان يضن بهما عن الخطر مخافة ان يصيبهما سوء فتنقطع بقتلهما ذرية رسول الله على حد تعبيره. واحياناً كان يقول انهما ابنا رسول الله
ص: 290
ومحمد ابن الحنفية ابني، واحيانا يقول انهما عيناي ومحمد ساعدي ويدي والمرء يدفع عن عينيه بيديه وساعديه»(1).
من الأحداث المهمة التي شهدها الإمامان الحسن والحسين علیهما السلام في عهد أبيهما الإمام أمير المؤمنين علیه السلام معركة صفين التي حدثت سنة 37 ه(2) بين الخلافة الدينية الشرعية والمتمثلة بخليفة المسلمين الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام، وبين والي الشام المتمرد على الخلافة الشرعية معاوية بن أبي سفيان. فقد كان للامامين الحسن والحسين علیهما السلام الدور البارز في تلك المعركه، إذ لعب سبطا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم دوراً بارز في تهيئة الناس وحثهم على الجهاد في سبيل الله، من ثم كانا قادةً ومقاتلين في هذه المعركة.
فقد كان الإمام أمير المؤمنين علي علیه السلام حريصاً كل الحرص على حياة الإمامين الحسن والحسين علیهما السلام في المعارك خوفاً من ان يستشهدا وينقطع نسل آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم إذ صرح علیه السلام في أحد خطبه في نهج البلاغة قائلاً:
«أملكوا عني هذا الغلام لا يهدني فإنني أنفس بهذين [الحسن والحسين] على الموت لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم»(3).
بيّن البحراني في شرحه قول أمير المؤمنين بحق الحسن والحسين علیهما السلام: «لما كان وجود الولد المنتفع مما يشد القوة وتقوى به النفس خصوصاً مثل الإمام الحسن علیه السلام
ص: 291
تكنى بقوله لايهدني على تقدير هلاكه عن إضعافه لركنه وانكسار نفسه بذلك ثم على علة اخرى لوجوب المحافظة عليه مع أخيه الحسين علیه السلام، هي المحافظة على نسل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم»(1).
إن كلام الإمام علي علیه السلام في أيام صفين إذ رأى ولده الحسن علیه السلام يسرع إلى الحرب فقال لأصحابه:
«املكوا هذا الغلام».
إذ أن الحسن والحسين إبنا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم شرعاً لا عرفاً وذلك بقوله تعالى:
«فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ»(2).
ومما دعا الرسول صلی الله علیه و آله وسلم هذين الابناء غير الحسن والحسين(3)، وقبل بدء المعركة كان للامامين الحسن والحسين علیهما السلام الدور القيادي والبطولي في تعبئة الناس ضد معاوية وحثهم على الجهاد، إذ خطب الإمام الحسن بأهل الكوفة قائلاً:
«إن مما عظم الله عليكم من حقه وأسبغ عليكم من نعمه ما لا يحصى ذكره ولا يؤدي شكره ولا يبلغه حقه ولا قول ونحن إنما غضبنا الله ولكم فإنه مَنَّ علينا بما هو أهله ان نشكر فيه آلاءه وبلاءه ونعماءه قولاً يصعد إلى الله فيه الرضا وتنتشر فيه عارفة الصدق يصدق الله فيه قولنا...»(4).
ثم قام الإمام الحسين علیه السلام وخطب فحمد الله وأثنى عليه بما هو اهله قائلاً:
«يا أهل الكوفة أنتم الأحبة الكرماء والشعار دون الدثار فجدّوا في إحياء
ص: 292
مادثر بينكم وإسهال(1) ما توعر عليكم وآلفة ما ذاع منكم ألا إن الحرب شرها ذريع وطعمها فظيع وهي جرع فمن أخذ لها آهبتها واستعد لها عدتها...»(2).
وقد وجدت هذه الخطب استحسان ورضا أهل الكوفة الذين استنفروا للوقوف مع الإمام علي علیه السلام في حربه ضد معاوية، فقد ذكر ابن قتيبة ان الإمام علياً علیه السلام عندما سار بجيشه لملاقاة معاوية اعطى للحسن علیه السلام دوراً قيادياً فعندما سار بالناس من الكوفة في مائة وتسعين الفاً فجعل على المقدمة الاشتر النخعي وعلى المهاجرين محمد بن ابي بكر وعلى أهل البصرة عبد الله بن عباس وعلى الكوفة عبد الله بن جعفر وعلى جماعة الخيل عمار بن ياسر وعلى القلب الحسن ابن علي علیه السلام(3)، وفي رواية أخرى أن أمير المؤمنين عندما بدأ يصف أصحابه في رمحه وهو رمح رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الملموس بيده الشريفة فعبأهم ميمنة وميسرة وقلباً وجناحين فجعل على الميمنة الحسن والحسين سبطا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم(4)، وفي أثناء المعركة أراد معاوية أن يزرع الفتنة والتفرقة بين صفوف جيش أمير المؤمنين ذلك من خلال ارسال عبيدالله بن عمر(5) إلى الإمام الحسن علیه السلام فقال: «إن لي إليك حاجة فالقني فلقيه الحسن علیه السلام فقال له عبيد الله: إن أباك قد وتر قريشاً وقد كرهته،
ص: 293
فهل لك أن تخلفه ونوليك هذا الأمر؟ قال له:
كلا والله لا يكون ذلك.
ثم قال له الحسن علیه السلام:
فكأني أنظر اليك مقتولا في يومك او غدك، أما إن الشيطان قد زين لك أو خدعك حتى أخرجك مخلقاً بالخلوق ترى النساء أصل الشام موقفك وسيصرعك الله ويبطحك لوجهك قتيلاً.
قال: فوالله ما كان إلا كيومه أو كالغد، وكان القتال فخرج عبيد الله في كتيبة رقطاء وهي الخضرية كانوا أربعة الآف عليهم ثياب خضر، ونظر الحسن فاذا هو برجل متوسد رجل قتيل قد ركز رمحه في عينه وربط فرسه برجله فقال الحسن لمن معه:
انظروا من هذا؟ فاذا هو برجل من حمدان فاذا القتيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب»(1).
وهذه الحادثة هي واحدة من كرامات الإمام الحسن علیه السلام التي مَنَّ بها الله عليه وعلى آل رسول الله الاطهار، فالحسن علیه السلام أخبر بمصير عبيد الله بن عمر وهو القتل وقد تحقق ذلك قولاً وفعلاً لأن الله جلّ وعلا مَنَّ عليهم علیهم السلام بقوله:
«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(2).
وقد اشترك الإمام الحسن علیه السلام مع والده أمير المؤمنين علي علیه السلام في حرب صفين والنهروان بكل بسالة، فَظَلَّ الإمام الحسن علیه السلام صامداً على منهاج النبوة ودعائم الإسلام يدافع عن سيرة جده المصطفى صلی الله علیه و آله وسلم، ومما يوكد اعتزاز الإمام علي بن ابي
ص: 294
طالب علیه السلام بولديه الحسن والحسين، قوله علیه السلام لهما:
«لقد كنت سخياً بنفسي عن الدنيا ورأيت طيب النفس بالموت وقد هممت بالإقدام على القوم فنظرت إلى هذين قد ابتدراني ويعني [الحسن والحسين] علیهما السلام ونظرت إلى هذين قد استقدماني يعني [عبد الله بن جعفر، محمد بن علي] فعلمت ان هذين إن هلكا انقطع نسل محمد صلی الله علیه و آله وسلم من هذه الأمة فكرهت ذلك واشفقت على هذين [الحسن والحسين] أن يهلكا وقد علمت أن لولا مكاني لم يستقدما [محمد بن علي، وعبد الله بن جعفر] وأيم الله لئن لقيتم بعد يومي هذا لألقينهم وليسوا معي في عسكر ولا دار»(1).
نفهم من كلام أمير المؤمنين علیه السلام انه كان مشفقاً على الأربعة [الحسن والحسين ومحمد بن علي وعبد الله بن جعفر] ولا يتمنى هلاك أحد منهم لأنه يعني انقطاعاً لنسل محمد صلی الله علیه و آله وسلم.
وفي موضع آخر من نهج البلاغة نجد ان الإمام علیه السلام كان حريصاً على حياتهما إذ صرح بذلك قائلاً:
«هذا يدي ويعني محمد بن الحنفية، وهذان عيناي ويعني الحسن والحسين علیهما السلام وما زال الانسان يذب بيده عن عينه»(2).
إذ قالها الإمام علي علیه السلام عندما قيل له: انك تعرض محمداً للقتل وتقذف به في نحور الاعداء دون أخويه(3)، نفهم من قوله علیه السلام، هذا حرصه الشديد على حياتهما، فقد كان الإمام الحسن علیه السلام هو الرجل الثاني بعد الإمام علي علیه السلام وبعده الحسين علیه السلام، صلی الله علیه و آله وسلم
ص: 295
إذ روي «ان كبار الصحابة جاؤوا إلى الإمام الحسن علیه السلام ليبلغوه قلق القوم على أميرهم وخشيتهم على حياته من دون غيره عندما استل ذو الفقار وغاص في أوساط أهل الشام فقلب اليمين على الشمال والشمال على اليمين وغاص في الوسط وكان يأخذ الفارس من سرجه ويضرب به الآخر فيقتل الاثنين وعندما عاد قال له الإمام الحسن علیه السلام: ما ضرك لو سعيت حتى تنتهي إلى هولاء الذين صبروا لعدوك من اصحابك قال: يا بني:
«إن لأبيك يوماً لن يعدوه ولا يبطىء به عنه السعي ولا يعجل به إليه المشي ان أباك والله لا يبالي إن وقع على الموت أم وقع الموتُ عليه»(1).
وقد جاء في تاريخ الرسل والملوك للطبري، أن مشاركة الإمامين الحسن والحسين علیهما السلام لم تقتصر فقط في حروب الإمام علیه السلام (الجمل وصفين والنهروان)، وإنما كانت لهما مشاركات فعلية في الحروب التي سبقت خلافة الإمام علي علیه السلام، إذ ذكر مشاركتهما عند فتح خراسان(2) مع سعيد بن العاص(3)، وحذيفة بن
ص: 296
اليمان(1)، وجماعة من اصحاب رسول الله وعبد الله بن العباس وجماعة من أهل البصرة بقيادة عبدالله بن عامر، واتجهوا باتجاه خراسان وقد صالحهم كما صالحهم في نهاوند(2)، ثم مضى سعيد بن العاص والإمامان الحسن والحسين علیهما السلام إلى جرجان(3)، فصالحوا أهلها على مائتي الف وكذلك اتجها علیهما السلام مع سعيد ابن العاص لغزوة طبرسان(4) وتم لهم السيطرة على تلك المناطق والتغلب عليها(5)، فيما ذكر ابن خلدون مشاركتهما علیهما السلام ضمن الجيوش التي سارت نحو
ص: 297
افريقيا بقيادة عبدالله بن أبي سرح(1)، في جيش بلغ تعداده عشرة الآف مجاهد وتحقق النصر والفتح بوجود حفيدي الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وهم يجاهدون معهم. ثم ساروا إلى طرابلس لملاقاة الروم ثم ساروا لتحرير ما تبقى من افريقيا(2). وللرد على ماذكره الطبري وابن خلدون حول مشاركة الإمامين الحسن والحسين علیهما السلام في تلك المعارك التي سبقت خلافة الإمام علي علیه السلام ويمكن مناقشة هذه الرواية من عدة نقاط هي:
ان تلك الفتوحات لم تكن عموماً من أجل مصالح الإسلام العليا إذ ان الحكام كانوا يستفيدون من تلك الفتوحات في اشباع غرورهم وتقوية سلطانهم(3)، فقد روي عن الإمام الصادق علیه السلام قوله:
«أي والله لو كان خيراً ما سبقونا إليه»(4).
إذ ان الجهاد الابتدائي يحتاج إلى إذن الإمام العادل(5).
ص: 298
1. ان الغرض من تلك الفتوحات هو إبعاد المعترضين على سياستهم والدليل على ذلك انه لما تفاقمت النقمة على عثمان استدعى بعض عماله وهم (معاوية، عمربن العاص، عبد الله بن عامر)، واستشارهم فيما ينبغي له عمله في مواجهة نقمة الناس على سياساته ومطالبتهم له بعزل عماله، فأشار عليه عبد الله بن عامر بقوله «اني لك يا أمير المؤمنين أن تأمرهم بجهاد يشغلهم عنك وان تجمهرهم في المغازي حتى بذلوا لك فلا يكون هم أحدهم إلا نفسه...»(1).
2. لو كان الإمامان الحسن والحسين علیهما السلام قد اشتركا فعلاً في تلك الفتوحات فمن المستحيل ان يكونا تحت إمرة عبد الله بن أبي سرح الذي اهدر دمه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وهو الذي نزلت فيه الآية المباركة في قوله تعالى:
«وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ»(2).
إذ أكد المفسرون أنها نزلت بحق عبد الله بن ابي سرح(3).
3. ان الإمام علياً علیه السلام كان يمنع ولديه الحسن والحسين علیهما السلام من الاشتراك في معاركه (الجمل وصفين والنهروان) بقوله «أملكوا عني هذا الغلام...لئلا ينقطع نسل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم»(4).
فكيف يسمح لهما بالإشتراك في تلك الفتوحات؟!
ص: 299
ص: 300
العلمية في كتاب نهج البلاغة بیّن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام من خلال خطبه المباركة في نهج البلاغة مكانة أهل البيت علیهم السلام من خلال علمهم وأثرهم في الأمة الإسلامية والإنسانية بصورة عامة في كل زمان ومكان، إذ ورد عنه علیه السلام في إحدى خطبه أنه قال:
«هم عيش العلم، وموت الجهل يخبركم حلمهم عن علمهم وظاهرهم عن باطنهم، وصمتهم عن حكم منطقهم لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه...»(1).
وقد ذكر ابن أبي الحديد «أن الإمام أراد أن العلم يحيا بأهل البيت ويموت الجهل بهم فسماهم حياة هذا وموت ذلك»(2)، وعن الإمام الباقر علیه السلام أنه قال: «إنَّا شجرة النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، وبيت الحكمة، ومعدن العلم»(3)، ورى عن الإمام الصادق عن أبيه عن جده علیهم السلام أنه قال: قال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«أعطينا أهل البيت سبعة لم يعطها قبلنا ولا يعطيها أحد بعدنا أعطينا الصباحة،
ص: 301
والفصاحة، والسماحة، والشجاعة، والحكم، والعلم، والمحبة من النساء»(1).
وقوله علیه السلام:
«إن دارنا مهبط جبرائيل، ونحن خزائن علم الله تعالى»(2).
أما قوله علیه السلام، فيما يتعلق بالإخبار عنهم:
«يخبركم ظاهرهم عن باطنهم».
فقد جاء في هذا الصدد أنهم لم يكونوا متصنعين ولا مستعملين للسياسة الدنيوية، ويفهم كل عاقل أن باطنهم لظاهرهم(3).
ولعلَّ القرآن الكريم أول من صرح بما في بواطنهم علیهم السلام كما جاء في قوله تعالى:
«وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا»(4).
فقد ورد عن الإمام الباقر علیه السلام أنه قال:
«ما يستطيع أحد أن يدّعي أن عنده جمع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء»(5).
وبصدد قوله علیه السلام:
«وصمتهم عن حكم منطقهم».
ص: 302
فقد بيّن البحراني «كونهم يخبر صمتهم عن حكم منطقهم إذ تكلموا؛ لأن من علم مواقع السكوت وما ينبغي أن يسكت عنه يستلزم حكمة نفوسهم في منطقهم»(1)، إذ جاء أن قوماً أتوا الإمام الباقر علیه السلام فوافقوا له صبياً مريضاً فرأوا منه اهتماماً وغماً، وجعل لا يقر، فقالوا: والله لئن أصابه شيء إنّا لنتخوف أن نرى منه ما نكره فما لبثوا أن سمعوا الصياح عليه، فإذا هو قد خرج عليهم منبسط الوجه في غير الحالة التي كان عليها، فقالوا له: جعلنا الله فداك لقد كنا نخاف مما نرى منك أن لوقع أن نرى منك ما يغمنا، فقال علیه السلام لهم:
«إنَّا لنحب أن نعافي فيمن نحب، فإذا جاء أمر الله أسلمنا في ما أحب»(2).
نفهم من خلال قراءة ما تقدم أن هناك خصوصية لأهل البيت علیهم السلام تمثلت بحاجة الأمة اليهم في كل زمان ومكان وعدم حاجتهم علیهم السلام إلى أحد من الأمة؛ فهم أوعية العلم التي ينهل منها الجميع والتي لايدركها الجميع.
أما قوله علیه السلام:
«لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه».
أي: لا يعدلون عنه، ولا يختلفون فيه كما يختلف غيرهم(3)، إذ بيّن البحراني «أي لا يخالفون الحق أي لعلمهم بطرقه وذوقهم له فلا يتجاوزونه إلى رذيلة لإفراط، ولا يقفون دونه في مقام رذيلة لتفريط، ولا يختلفون فيه لعلمهم بحقيقته»4؛ إذ أن علم الأئمة علیهم السلام هو من علم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وعن جبرائيل علیه السلام
ص: 303
عن الله عزوجل ولا يخالفون الدين؛ إذ جاء عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قوله فيهم علیهم السلام:
إنهم لن يفترقا عن كتاب الله تعالى حتى يردا عليه الحوض(1).
وأما قوله علیه السلام:
«لا يختلفون فيه».
إذ إنهم علیهم السلام لا يختلفون فيه كما يختلف غيرهم من الفرق وأرباب المذاهب، فمنهم من له في المسألة قولان أو أكثر، ومنهم من يقول قولاً ثم يرجع عنه، ومنهم من يرى في أحوال الدين رأياً ثم ينفيه ويتركه(2)؛ إذ إنهم يقولون عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم عن جبرائيل علیه السلام عن الله عزوجل، فكيف يختلفون، فقد روي عن الإمام الصادق علیه السلام، أنه قال:
«حديثي حديث أبي الباقر، وحديث أبي حديث جدي السجاد، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله، وحديث رسول الله حديث الله»(3).
فهم شجرة النبوة، وبيت الحكمة، ومعدن العلم، عبروا عن علومهم ببلاغتهم وفصاحتهم التي تميّزوا بها فقد جاء عن أمير المؤمنين علي علیه السلام في نهج البلاغة:
«إنّا لأمراء الكلام، فينا نشبت عروقه، وعلينا تهدلت غصونه»(4).
علّق محمد عبده على ما قاله الإمام علیه السلام:
ص: 304
«إنّا لأمراء الكلام فيكفي ما قاله وهو تصديق لما قاله في كتاب نهج البلاغة المجموع من كلام أمير المؤمنين وهو تالي القرآن لفظاً ومعنى»(1).
«وفينا نشبت عروقه».
أي: علقت وثبتت، والمراد بالعروق: الأفكار العالية والعلوم السامية(2)، و (تهدلت) أي: تدلت علينا فأظلّتنا(3).
وذكر ابن قتيبة «أن عبد الله أبو محجن الثقفي(4) قدم إلى معاوية، فقال:
يا أمير المؤمنين إني أتيتك من عند الغبي الجبان البخيل ابن أبي طالب، فقال له معاوية: الله أنت أتدري ما قلت، أما قولك الغبي فو الله لو أن ألسن الناس جمعت فجعلت لساناً واحداً لكفاها لسان علي، وأما قولك إنه جبان فثكلتك أمك هل رأيت أحداً قط بارزه إلا قتله؟ وأما قولك إنه بخيل فو الله لو كان له بيتان أحدهما من تبر والآخر من تبن لأنفذ تبره قبل تبنه، فقال الثقفي: فعلامَ تقاتله إذاً؟ قال:
على دم عثمان وعلى هذا الخاتم الذي من جعله في يده جازت طينته وأطعم عياله
ص: 305
وادخر لأهله، فضحك الثقفي ثم لحق بعلي بن أبي طالب...»(1).
وعن بلاغة الإمام الحسين علیه السلام وفصاحته ما ذكره الطبري عن أبي مخنف يوم كربلاء أنه قال: «فو الله ما سمعت متكلماً قط قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه...»(2)، من خلال قراءة النص نلاحظ أن أكثر خطب الإمام الحسين علیه السلام في كربلاء رويت على لسان أولئك الذين رجعوا من قتاله فيما بعد، وهذا دليل على براعة الإمام الحسين علیه السلام وفصاحته.
وفي موضع آخر من نهج البلاغة بيّن أمير المؤمنين علیه السلام أن أهل البيت علیهم السلام هم حملة علم النبي صلی الله علیه و آله وسلم وحفظة أسراره التي خصهم بها دون غيرهم من الصحابة، إذ جاء عنه علیه السلام:
«اندمجت عليّ مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية(3) في الطوى البعيدة»(4).
بيّن ابن ابي الحديد في شرحه «أنه انطوى على علم هو ممتنع لوجبة من المنازعة، وأن ذلك العلم لا يباح به ولو باح به لاضطرب سامعوه كاضطراب الأرشية وهي الحبال في البئر البعيدة القعر، واشار إلى وصية رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بترك النزاع في مبدأ الاختلاف»(5).
وذكر محمد جواد مغنية «يريد الإمام علیه السلام بهذا العالم أسرار النبي صلی الله علیه و آله وسلم التي
ص: 306
خصهم بها وائتمنهم عليها دون غيرهم، ويذكر أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أخبرهم عن حقيقة بعض الصحابة الذين يظن الناس بهم خيراً وهم عند الله من شرار خلقه...»(1).
فكان الإمام علي وأهل بيته علیهم السلام وخواص شيعته يكنون كثيراً مما يعلمون عن كثير من الناس لعدم استعدادهم لفهمه؛ إذ ذكر في كتاب سليم بن قيس أن أمير المؤمنين علیه السلام قال:
«لو حدثتُ عامة شيعتي الذين سموني أمير المؤمنين واستحلوا جهاد من خالفني ببعض ما أعلم مما نزل به جبرائيل علیه السلام وسمعته من النبي صلی الله علیه و آله وسلم لتفرقوا عني حتى أبقى في عصابة حق قليلة، إن أمرنا لا يعرفه ولا يُقر به إلا ثلاثة: ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه بالإيمان»(2).
وعن سلمان المحمدي رضی الله عنه أنه قال: «لو حدثت الناس بكل ما أعلم لقالوا:
رحم الله قاتل سلمان»(3)، وذكر ابن عبد البر أنه لما سُئِل الإمام علي علیه السلام عن أبي ذر رضی الله عنه قال:
«ذاك رجل وعى علماً عجز عنه الناس ثم أوكأ عليه ولم يخرج شيئاً منه»(4).
يتضح من النصوص أن المسلمين الأوائل لم يكونوا على شاكلة واحدة بل إن هناك تبايناً في قدراتهم العقلية والعلمية واختلافاً في مستوياتهم الفكرية وذلك ناتج عن اختلاف الطبيعة البشرية التي ليس بها اثنان على شاكلة واحدة، وإن إدراك الإنسان العقلي له حد معين لذلك فإن استيعاب الناس لكلام الإمام
ص: 307
علی علیه السلام وغيره من العلماء له قدر معين، لذلك فإن الإمام علیه السلام لا يصرح بجميع تلك العلوم؛ لأنها أوسع من الإدراك العقلي لأولئك الذين يخاطبهم.
وفي موضع آخر في السياق ذاته ذكر الإمام أمير المؤمنين علیه السلام آل محمد علیهم السلام بأنهم:
«دعائم الإسلام، وولائج الاعتصام، بهم عاد الحق إلى نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه عن منبته، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل»(1).
بيّن ابن أبي الحديد في شرحه أنهم دعائم الإسلام أي أركانه(2)، والدعائم جمع الدعامة عماد أهل البيت ويبنى الإسلام على خمسة: أشدها ولاية أهل البيت علیهم السلام(3). إذ روي عن الإمام الباقر علیه السلام أنه قال:
«بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، والولاية»(4).
إذ قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم:
«من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»(5).
وقوله علیه السلام:
«ولائج الاعتصام».
ص: 308
والولائج جمع وليجة، وهي ما يدخل فيه السائر اعتصاماً من مطر وبرد أو خوف من مفترس(1). ووليجة الرجل خاصته وبطانته(2). والاعتصام، أي: التمسك فإنهم علیهم السلام أحد الثقلين اللذين تركهما رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وقال:
«إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً»(3).
وقوله علیه السلام:
«بهم عاد الحق إلى نصابه، ورجع إلى مستقره وموضعه، وانزاح الباطل، وانقطع لسانه، أي: انقطعت حجته»(4).
ودليل كلام الرسول صلی الله علیه و آله وسلم:
«بنا يختم الله الدين كما بنا فتحه»(5).
ويمكن القول إن مراده علیه السلام بقوله:
«بهم عاد الحق وانقطع لسانه عن منبته» ليس أيام تصديه للأمر؛ لأنه لم تحصل في قيامه تلك الأمور كاملة، إذ لم يستطع تغيير بدع الأولين، إذ كان معاوية في قباله ملجأ المنافقين، ولم يطل الوقت حتى صار الأمر مثل أيام قيام قائمهم علیهم السلام التي لا يبقى فيها في الشرق والغرب أثر من باطل(6). وقوله علیه السلام:
ص: 309
«عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية».
أي: عرفوا الدين وعلموه معرفة من وعي الشيء وفهمه وإتقانه، ووعاية، أي: وعوا الدين وحفظوه وأحاطوه، ليس كمن يفعل غيرهم من سماع(1)، أي:
ليس كل من روى العلم وسمعه كان عالماً به ومراعياً له فإن ذلك أعم من العالم، والعالم لا يستلزم الخاص ونبه بذلك على قلة مثلهم في رعاية العلم واستجماع الفضائل(2)، إذ روى الكنجي في هذا الصدد مسنداً عن بريدة الأسلمي(3) عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال لعلي بن أبي طالب علیه السلام:
«إن الله تعالى أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلمك، وأن تعي، وحق على الله تعالى أن تعي»(4).
فنزل قوله تعالى:
«وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ»(5).
فقد ذكر المفسرون أنها نزلت بحق علي بن أبي طالب علیه السلام كونه الأذن الواعية(6)، وفيهم نزل قوله تعالى:
«بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا
ص: 310
الظَّالِمُونَ»(1).
فقد أورد المفسرون أنها نزلت بحق محمد وآل محمد(2) وفيهم علیهم السلام نزل قوله تعالى:
«وَالرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ»(3).
فقد ذكر العياشي في تفسيره أن أهل البيت علیهم السلام هم الراسخون في العلم، إذ روى بهذا الصدد مسنداً إلى الإمام الصادق علیه السلام أنه قال:
«نحن الراسخون في العلم فنحن نعلم تأويله»(4).
وأما قوله علیه السلام:
«لا عقل سماع ورواية» كباقي الناس، وروي أنه لما زوج المأمون ابنته من الإمام محمد الجواد علیه السلام قال له يحيى بن أكثم(5) في مجلس المأمون: «يابن رسول الله ما تقول في الخبر الذي روى أنه نزل جبرائيل على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وقال له سل أبا بكر هو عني راضٍ فإني عنه راضٍ، فقال علیه السلام:
يجب أن تأخذه مثال الخبر الذي قاله رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في حجة الوداع قد كثرت
ص: 311
علي الكذّابة وستكثر، فمن كذّب عليّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار، فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله وسنتي فما وافق كتاب الله وسنتي فخذوه به، وما خالف كتاب الله وسنتي فلا تأخذوه به.
قال علیه السلام:
وليس يوافق هذ الحديث كتاب الله تعالى»(1).
إذ قال في كتابه العزيز:
«وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ»(2).
فإن الله تعالى خفي عليه رضا أبي بكر من سخطه حتى سأل عن مكنون سره؟ وهذا مستحيل في العقول(3).
وأما قوله علیه السلام:
«فإن رواة العلم كثيرون ورعاته قليل».
أي ليس كل من روى العلم وسمعه كان عالماً به(4)، ففي رواية «أنه جاء رجل إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم، فقال: يا رسول الله ما العلم؟ قال صلی الله علیه و آله وسلم:
الإنصات.
قال: ثم ماذا؟ قال صلی الله علیه و آله وسلم:
ص: 312
الإستماع.
قال: ثم ماذا؟ قال صلی الله علیه و آله وسلم:
الحفظ.
قال: ثم ماذا؟ قال صلی الله علیه و آله وسلم:
العمل به.
ثم قال: ثم ماذا؟ قال صلی الله علیه و آله وسلم:
تنشره»(1).
وعن الإمام الصادق علیه السلام قال:
«إن رواة الكتاب كثير وإن رعاته قليل والله المستعان»(2).
ولعل النصين السابقين يبينان لنا جملة من صفات أهل البيت علیهم السلام وفي مقدمة تلك الصفات العلم، والحلم، فضلاً عن صفة إحقاق الحق وعدم الاختلاف فيه، وهذا ما أوضحه الإمام علي بن الحسين السجاد علیه السلام في خطبته في دمشق عندما صعد المنبر وعرّف نفسه، فقال علیه السلام:
«أيها الناس أُعطينا ستاً وفضلنا بسبع: أُعطينا العلم، والحلم، والسماحة، والفصاحة، والشجاعة، والمحبة في قلوب المؤمنين، وفضلنا بأنّا منّا النبي المختار محمد، ومنّا الصديق علي، ومنّا أسد الله وأسد رسوله، ومنّا سبطا هذه الأمة»(3).
ص: 313
وهو علیه السلام في الوقت ذاته أشار إلى ما جاء عن أمير المؤمنين علیه السلام أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم عهد إليه فقال:
«يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق»(1).
فضلاً عن ذلك أن أمير المؤمنين علیه السلام يعبر عن أهل البيت علیهم السلام بأنهم دعائم الإسلام، أي مرتكزاته الأساسية التي تنهض وينهض بها، ومن خلالها فهم علیهم السلام يمثلون الأساس الصحيح للشريعة الحقة من خلال فهمهم العميق للدين وإدراكهم الراعي لأحكام الله فهم دون غيرهم فهموا الدين وراعوا مسألة تطبيق ما جاء به من أحكام وفق ما تعلموه وورثوه عن جدهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وعن مدى علاقة أهل البيت برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال علیه السلام في خطبة في نهج البلاغة:
«هم موضع سره، وملجأ أمره، وعيبة علمه، وموئل حكمه، وكهوف كتبه، وجبال دينه»(2).
وبيّن ابن أبي الحديد في شرحه أن المراد ب(ملجأ أمره) ما تتجلى إليه كالوزر ما تعتصم به(3)، و(عيبة علمه) أي أن حكمه وشرعه يرجع إليهم(4)، فقد ورد عن الإمام علي بن الحسين السجاد علیه السلام أنه قال:
«نحن أبواب الله، ونحن الصراط المستقيم، ونحن عيبة علمه وتراجمه وحيه، ونحن أركان توحيده وموضع سره»(5).
صلی الله علیه و آله وسلم
ص: 314
وبهذا الصدد ورد عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال:
«نحن ولاة أمر الله وخزائن علمه وعيبة وحيه، ونحن الراسخون في العلم، ونحن نعلم تأويله»(1).
من خلال قراءة النصين نفهم أن أهل البيت علیهم السلام هم أولو الأمر الذين أمر الله بطاعتهم وأنهم الشهداء على الناس، وأنهم أبواب الله، والسبيل إليه، والأدلاء عليه، وأنهم عيبة علمه، وتراجم وحيه، وأنهم معصومون من الخطأ والزلل، وأنهم أمان لأهل الأرض.
وأما قوله علیه السلام: (موئل حكمه) فهم المرجع في كل الأمور(2)، وقوله علیه السلام:
(كهوف كتبه) ذكر البحراني في شرحه «بكونهم كهوف كتبه إلى أنهم علیهم السلام حفظتها ودرّاسُها ومفسروها وعندهم علمها وتأويلها، والكتب إشارة إلى القرآن الكريم وما قبله من كتب الله كما نقل عن أمير المؤمنين علیه السلام قوله: لو كسرت إلى الوسادة ثم جلست عليها لحكمت بين أهل التوراة بتوراتهم، وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم، وبين أهل الزبور بزبورهم...»(3).
فقد روي أن برية النصراني(4) قال للإمام الكاظم علیه السلام لما ابتدأ يقرأ الإنجيل له «أنى لكم التوراة والانجيل وكتب الأنبياء؟ قال: هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرؤوها ونقولها كما قالوها إن الله تعالى لا يجعل حجة في أرضه يُسأل
ص: 315
عن شيء فيقول لا أدري»(1).
وأما قوله علیه السلام:
«جبال دينه».
فقد بيّن البحراني في شرحه «بكونهم جبال دينه إلى دين الله تعالى بهم يعتصم عن وصمات الشياطين وتبديلهم وتحريفهم كما يعتصم الخائف بالجبل ممن يؤذيه، وهي استعارة لطيفة»(2)، فيما بيّن محمد جواد مغنية قوله: «إن أهل البيت علیهم السلام مثلهم بالنسبة إلى الإسلام كمثل الجبال بالنسبة للأرض فلولا الجبال لمادت الأرض بأهلها، ولولا أهل البيت علیهم السلام لماد الإسلام، ولم يكن له عين ولا أثر»(3).
لذلك كان أهل البيت علیهم السلام أماناً لأهل الأرض من سطوة الشيطان وتقلب الزمان، وهم حصن الله الحصين وصراطه المستقيم، من تمسك بهم نجا ومن تخلف عنهم هلك كما ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق»(4).
وجاء عن الإمام الرضا علیه السلام:
«كلمة لا إله إلا الله حصني ومن دخل حصني آمن عذابي»(5).
فأهل البيت علیهم السلام أمان لأهل الأرض كالجبال الشامخة فلولاهم لمادت الأرض بأهلها كما ورد في حديث الكساء:
ص: 316
«ما خلقت سماء مبنية ولا أرضاً مدحية، ولا قمراً منيراً، ولا شمساً مضيئة، ولا فلكاً يدور، ولا بحرا يجري، ولا فلكاً يسري إلا لأجلكم ومحبتكم...»(1).
وأما عن علم آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم في الأمة ذكر الإمام أمير المؤمنين علیه السلام مكانة أهل البيت علیهم السلام قائلاً:
«أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذباً وبغياً علينا أن رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم وأدخلنا وأخرجهم بنا يستعطي الهدى، وبنا يستجلى العمى»(2).
بيّن ابن أبي الحديد «أن هذا الكلام كناية وإشارة إلى قوم من الصحابة كان ينازعونه الفضل، فمنهم من كان يدّعي له أنه أقرأ منهم، ومنهم من كان يدعى له أنه أعلم بالحلال والحرام، وهذا مع تسليم هؤلاء له انه علیه السلام أقضى الأمة وأن القضاء يحتاج إلى كل هذه الفضائل وكل واحدة منها لا يحتاج إلى غيرها»(3)، وفي هذا الصدد روي عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال:
«كان للنبي صلی الله علیه و آله وسلم صديقان يهوديان فلما قبض النبي صلی الله علیه و آله وسلم أقبلا يسألان من صاحب الأمر بعده وقالا: لم يمت نبي قط إلا وله خليفة قريب القرابة إليه من أهل بيته عظيم الخطر، جليل الشأن، فقال أحدهما لصاحبه هل تعرف ذلك؟ قال الآخر لا إلا بالصفة التي أجدها في التوراة إلى أن لقيا أبا بكر وقالا له: ما قرابتك من النبي صلی الله علیه و آله وسلم؟ قال: إني رجل من عشيرته وهو زوج ابنتي، قالا: غير ذلك، قال: لا، قالا: دلنا على من هو أعلم منك فإنك لست بالرجل الذي
ص: 317
نجد صفته في التوراة أنه وصي هذا النبي وخليفته ثم أرشدهما إلى عمر بن الخطاب فلما أتياه قالا: ما قرابتك من هذا النبي؟ قال: إني من عشيرته وهو زوج ابنتي حفصة، قالا: هل غير ذلك؟ قال: لا، قالا: ليست هذه بقرابة فأخبرنا أين ربك؟ قال: فوق سبع سماوات فلا غير هذا، قالا: دلنا على من هو أعلم منك فارشدهما إلى علي بن أبي طالب علیه السلام فلما جاءا إلى أمير المؤمنين قال أحدهما لصاحبه: إنه الرجل الذي نجد صفته في التوراة، إنه وصي هذا النبي، ثم قالا له: ما قرابتك من النبي؟ قال: هو أخي، وأنا وارثه، ووصيه، وأول من آمن به، وزوج ابنته فاطمة، قالا: هذه القرابة الفاخرة والمنزلة القريبة، وهذه الصفة التي نجدها في التوراة ثم قالا: فأين ربك؟ قال: إن شئتما أنبأتكما بالذي كان على عهد نبيكما، وإن شئتما أنبأتكما بالذي كان على عهد نبينا، قالا:
أنبئنا بالذي كان على عهد نبينا... ثم قالا: فو الذي أنزل التوراة على موسى انك لأنت الخليفة حقاً، نجد صفتك في كتبنا ونقرأ في كنائسنا، وانك لأحق بهذا الأمر وأولى به ممن عليك عليه»(1).
وهي مصداق لقوله تعالى:
«وَالرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ»(2).
إذ ذهب المفسرون أنها نزلت بحق رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأهل بيته علیهم السلام(3)، نفهم من خلال قراءة النص أن لا يمكن لأحد أن يزعم، أنه من الراسخين في العلم سوى محمد وآل محمد صلی الله علیه و آله وسلم ومن قال غير ذلك فإن أمير المؤمنين علیه السلام يرده بشدة بقوله:
ص: 318
«كذباً وبغياً عليناً أن رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم»(1).
فقد روى زيد بن موسى(2) عن أبيه عن آبائه أنه قال: إن فاطمة بنت الحسين(3)، قالت في خطبتها في الكوفة:
«أما بعد يا أهل الكوفة فإنا أهل البيت ابتلانا الله بكم وابتلاكم بنا فجعل بلاءنا حسنا وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا، فنحن عيبة علمه، ووعاء فهمه، وحجته على أهل الأرض في بلاده وعباده، أكرمنا الله بكرامته وصلته بنبيه محمد صلی الله علیه و آله وسلم على كثير من خلقه تفضيلاً فكذبتمونا وكفرتمونا، ورأيتم قتالنا حلالاً، وأموالنا نهباً...»(4).
أما قوله علیه السلام:
«رفعنا الله».
أي إن الله تعالى رفع درجاتنا في الدنيا والآخرة على الكافة ووضعهم
ص: 319
دوننا(1)، وقوله علیه السلام:
«أعطانا وحرمهم» أي أعطانا النبوة والإمامة، وحرمهم ذلك وأدخلنا بعنايته الخاصة بنا فيما أعطانا وأخرجهم من ذلك(2)، إذ ذكر ابن طيفور «أن أبا بكر قال للسيدة فاطمة الزهراء علیها السلام لا يحبكم إلا عظيم السعادة، ولا يبغضكم إلا ردي الولادة، وأنتم عترة الله والطيبون وخيرته المنتخبون»(3)، وفي هذا النص الجلي وصف أمير المؤمنين علیه السلام غزارة علمه وما تنطوي عليه شخصيته العلمية من شمول وعمق بجوانب متعددة لذا نجده علیه السلام يتحدى كل من يدّعي العلم من غير أهل البيت علیهم السلام.
ولما كان علیه السلام على هذا القدر من العلم أصبح هو الوحيد الذي لم يحتج إلى أحد في علمه بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وقد صرح علیه السلام عندما خاطب طلحة والزبير مشيراً إلى أنه في غنى عن رأيهما على الصعيد العلمي وذلك عندما عتبا عليه فقالا: «ما نراه يستشيرنا في أمره، ولا يفاوضنا في رأي، ويقطع الأمر دوننا، ويستبد بالحكم عنا»(4)، فقال: علیه السلام:
«لما أفضت إليّ نظرت إلى كتاب الله وما وضع لنا، وأمرنا بالحكم به فاتبعته، وما استن النبي صلی الله علیه و آله وسلم فاقتديته فلم احتج في ذلك إلى رأيكما ولا أرى غيركما...»(5).
وبهذا يشير الإمام علي علیه السلام إلى أن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة - التي هو أعرف الناس بها - هما دستور المسلمين الأول، ولا يرجع إلى غيرهما إلا إذا
ص: 320
استجد أمر ليس فيهما وبذلك يفتح أمامه علیه السلام باب الاجتهاد، وان هذا الأمر لا يدخل ضمن نطاق الانفراد في الحكم إنما هو دليل على أن الإمام علیه السلام قادر على تحمل أعباء ومسؤوليات الدولة، وقد أشار علیه السلام إلى علمه بنصوص أخرى وبلون آخر اشتمل على عدد من العلوم في الميادين المختلفة ومن تلك الميادين:
برهن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام للناس على علمه الدقيق بكتاب الله والسنة النبوية، وهي مصداق لقوله علیه السلام في نهج البلاغة:
«ما نزلت على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملأها عليّ فكتبتها بخطي، وعلّمني تأويلها وتفسيرها، وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وخاصها وعامها، ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله، ولا علما أملاه عليّ وكتبته منذ دعا الله لي بما دعا، وما ترك شيئاً علمه الله من حلال وحرام، ولا أمر ولا نهي كان أو يكون، ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علّمنيه وحفظته فلم أنسَ حرفاً واحداً ثم وضع يده على صدري، ودعا الله لي أن يملأ قلبي علماً وفهماً وحكماً ونوراً»(1).
بيّن ابن أبي الحديد في شرحه «أن أمير المؤمنين علیه السلام كان مخصوصاً من دون الصحابة بخلوات كان يخلو بها مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لا يطّلع أحد من الناس على ما يدور بينهما، وكان علیه السلام كثير السؤال للنبي صلی الله علیه و آله وسلم عن ما في القرآن وعن معاني كلامه صلی الله علیه و آله وسلم وإذا لم يسأل ابتدأه النبي صلی الله علیه و آله وسلم بالتعليم والتثقيف، ولم يكن أحد من أصحاب النبي صلی الله علیه و آله وسلم كذلك، بل كانوا اقساما: فمنهم من يهابه أن يسأله، وهم الذين
ص: 321
يحبون أن يجيئ الأعرابي أو الطارئ فيسأله وهم يسمعون، ومنهم من كان بليدا بعيد الفهم قليل الهمة في النظر والبحث، ومنهم من كان مشغولا عن طلب العلم وفهم المعاني...»(1)، وبالقدر الذي كان فيه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم حريصاً على إعداد الإمام أمير المؤمنين علیه السلام وتنشئته في كنف النبوة المقدسة.
كان الإمام علي علیه السلام نفسه شديد الحرص على التزام شخص النبي صلی الله علیه و آله وسلم وأخذ العلم عنه، إذ أكد الإمام أمير المؤمنين علیه السلام ذلك قائلاً:
«ما دخل نوم عيني ولا غمض رأسي على عهد محمد صلی الله علیه و آله وسلم حتى علمت ما نزل به جبرائيل من حلال أو حرام أو سنة أو كتاب أو أمر أو نهي وفيمن نزل»(2).
وعن علمه علیه السلام في الحديث الشريف أشار الإمام علي علیه السلام بذلك قائلاً:
«فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة إن الذي أنبئكم به عن النبي الأمي صلی الله علیه و آله وسلم ما كذب المبلغ ولا جهل السامع»(3).
واشارة إلى المعنى ذاته قال علیه السلام:
«والله ما أسمعكم الرسول صلی الله علیه و آله وسلم شيئاً إلا وها أنا مسمعكموه»(4).
إذ بيّن البحراني في شرحه: «أن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم لم يسمعكم شيئاً إلا وأسمعتكم إياه فلا فرق بينكم وبينهم من هذه الجهة ولا تفاوت بين أسماعكم وأسماعهم»(5)،
ص: 322
والغريب في الأمر أن هناك من اتهم أمير المؤمنين علیه السلام بالكذب ولكن كيف يتهم أمير المؤمنين علیه السلام بذلك! ولعل السبب في ذلك يرجع إلى الحقد و الحسد الذي ابتلي به من قبل بعض أصحابه فاتهموه جزافاً وأشاعوا بين الناس، وقد نفى أمير المؤمنين علیه السلام تلك التهم في أكثر من مورد في نهج البلاغة قائلاً:
«ولقد بلغني أنكم تقولون عليٌّ يكذب، قاتلكم الله تعالى فعلى من أكذب أعلى الله؟ فأنا اول من آمن به، أم على نبيه؟ فأنا أول من صدقه»(1).
وأشار إلى المعنى ذاته قائلاً:
«ما كَذَبْتُ ولا كُذِّبْتُ، ولا ضَلَلتُ ولا ضُلَّ بي»(2).
وعن علمه بالحديث ما ذكره ابن ابي الحديد «ليس كل أصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم من كان يسأله ويستفهمه حتى انهم كانوا ليحبون أن يجيء الاعرابي والطارئ فيسأله صلی الله علیه و آله وسلم حتى يسمعوا، وكان لا يمر بي من ذلك شيء إلا سألته عنه وحفظته»(3).
وعن عمرو بن مرة(4) قال: «لما جلس علي علیه السلام في الخلافة وبايعه الناس خرج إلى المسجد متعمماً بعمامة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لابساً بردة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم متنعلاً نعال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم متقلداً سيف رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فصعد المنبر فجلس عليه متمكناً ثم شبك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه ثم قال: يا معشر الناس سلوني قبل أن
ص: 323
تفقدوني هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، هذا ما زقني رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم زقاً زقاً، سلوني فإن عندي علم الأولين والآخرين»(1).
وعن أم سلمة أنها قالت:
«كان جبرائيل يملي على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ورسول الله يملي على علي»(2).
اهتمّ الإمام أمير المؤمنين علیه السلام بعلم التاريخ اهتماماً كبيراً وذلك ما ورد عنه علیه السلام في كتاب نهج البلاغة من وصية له لابنه الحسن علیه السلام كتبها إليه عند انصرافه من صفين قائلاً:
«أي بني إني وإن لم أكن عمّرتُ عمرَ من كان قبلي فقد نظرت في أعمالهم وفكرتُ في أخبارهم وسرتُ في آثارهم حتى عُدت كأحدهم، بل كأني بما انتهى إلي من أمورهم قد عمّرت مع أولهم إلى آخرهم...»(3).
فقد ذكر التستري «من خلال ما قرأه في الكتب المتضمنة أخبار الماضين فإذا طالعها علیه السلام فإنه عاصرهم وإذا علمها فكأنه حاضرهم وإن الملوك ومن إليه الأمر والنهي إذا وافقوا على ما فيها من سير أهل الجور ورآها مدونة ويرويها خلف عن سلف وما أعقبت من سوء الذكر وخراب البلاد وهلاك العباد وذهاب الأموال وفساد الأحوال، وإذا رأوا سير الولاة العادلين ومنها ما يتبعهم من الذكر الجميل بعد ذهابهم وأن ممالكهم وبلادهم قد عمرت وأموالهم وكرت استحسنوا ذلك ورغبوا فيه وخلصوا بها من المهالك»(4).
ص: 324
فيما ذهب محمد جواد مغنية إلى ذلك القول «المعرفة لاتقاس بالموهبة وحدها، ولابالعمر المديد، وإنما تقاس بالرؤية والخبرة، وكثرة الممارسة، وقد امتدت الحياة بالذين سبقوا الإمام أكثر منه بكثير، ولكن الإمام جرب ورأى مما جربوا ورأوا، هذا إلى أنه سير أحوال الماضين حتى كأنه عاش معهم من يومهم الأول إلى آخر يوم»(1).
نستظهر من ذلك اهتمام أهل البيت علیهم السلام بأخبار الأمم الماضية (علم التاريخ) ومنهم أمير المؤمنين علیه السلام، وقد جاء ذلك من اهتمام العرب بصورة عامة في هذا المجال وقريش بصورة خاصة، وقد أورد القرآن الكريم معرفة أهل مكة في هذا الجانب كما جاء في قوله تعالى:
«وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ»(2).
كما كان لقريش علم ببعض أخبار مكة وخاصة بناء الكعبة المشرفة على يد سيدنا إبراهيم وولده إسماعيل علیهما السلام فضلاً عن اطلاعهم بعلم الأنساب، وبما أن الإمام علياً علیه السلام من تلك الأرومة المكية فلا نستبعد أن يكون عارفاً بهذا المجال مضافاً إليه ما جاء في القرآن الكريم من علم تلك الأمم.
وفي مورد آخر من النهج الشريف أوصى أمير المؤمنين علیه السلام ولده الإمام الحسن علیه السلام بالتزود بأخبار الماضين قائلا:
«أحيِ قلبك بالموعظة، وأمِتْهُ بالزهادة، وقوّ باليقين، ونورهُ بالحكمة، وذلِّلْهُ بذكر الموت، وقرّرهُ بالفناء، وبصِّرْه فُجائع الدُنيا، وحذِّرهُ صولةَ الدهر وفُحش تقلب الليالي والأيام، واعرض عليه أخبار الماضين، وذكِّرهُ بما أصاب من قبلك من
ص: 325
الأولين، وسر في ديارهم، فانظُر ما فعلُوا وعما انتقلُوا، وأين حلوا ونزلُوا فإنك تجدُهم انتقلوا عن الأحبة، وحلوا دار الغربة، وكأنك عن قليل قد صرت كأحدهم...»(1).
بيّن الإمام أمير المؤمنين علیه السلام أن المراد بالموعظة ليست الوصايا العشر وأمثالها، بل المراد الاتعاظ بالعبر والانتفاع بالتجارب (وأمِتْهُ بالزهادة) أي بالإعراض عن الحرام(2).
وانطلق الإمام أمير المؤمنين علیه السلام في تفسيره لأحداث التاريخ من أنها سنة إلهية، عبّر عنها القرآن الكريم بقوله تعالى:
«سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا»(3).
فأشار علیه السلام إلى قضية هامة مفادها: أن الذنب الذي يقترفه شخص ما في مجتمع معين لاتقتصر أذيته وتداعياته على هذا الشخص فحسب، بل سيشمل بذلك كل افراد المجتمع الذين رضوا بهذا الفعل ولم يتحركوا لتغييره وتصحيح مساره، مستنداً في ذلك إلى قرائته الإجمالية لأحداث التاريخ الإنساني، كما حصل لقوم ثمود لما عقروا الناقة، فكان العاقر شخصاً واحداً لكنهم رضوا به لذا شملهم العذاب(4) وفي هذا الصدد قال علیه السلام:
«أيها الناس؛ إنما يجمع الناس الرضاء والسخط وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد منهم فعمَّهم الله بالعذاب لما عمَّوه بالرضا...»(5).
ودعا الإمام علي علیه السلام إلى اعتماد التاريخ لإعداد أفراد المجتمع من خلال
ص: 326
الاطلاع على تجاربه، في سبيل مواجهة الحياة بواقعية وصدق، وتجنب اللهاث وراء الأحلام الكاذبة وغرور الدنيا، وهو ما يتوضح مما ورد في احدى خطبه علیه السلام:
«ألستُم في مساكن من كان قبلكم أطول أعماراً وأبقى أثاراً وأبعد آمالاً وأعد عديداً وأكثف جنوداً، تعبّدوا للدنيا أيَّ تعبد وآثروها أي إيثار... فهل بلغكم أن الدنيا سَخَتْ لهم نفساً بفديةٍ... فبئست الدار لمن يتهمها ولم يكُن فيها على وجل منها فاعلموا وأنتم تعلمون بأنكم تاركوها»(1).
نفهم من كلام الإمام علیه السلام انه قد ركز على عاملين، عامل التغيير والتقلب في أحوال الحياة، وعامل الزمن الذي يغير أحوال الحياة بصورة مستمرة لأن وعي الإنسان بهذين العاملين وإدراكه لأثرهما في حياته يجعله قادراً على مواجهة الحياة بكل تقلباتها الايجابية والسلبية.
من العلوم التي اهتم أمير المؤمنين علیه السلام وصرح بها في نهج البلاغة الشريف بعلم الفيزياء، إذ قال علیه السلام:
«كل سميع غيره يصم عن لطيف الأصوات ويصمه كبيرها»(2).
ذكر ابن أبي الحديد «أن كل ذي سمع من الأجسام يضعف سمعه عن إدراك خفي الأصوات، ويتأثر من شديدها وقويها؛ لأنه سمع بآلة جسمانية، والآلة الجسمانية ذات قوة متناهية واقفة عند حد محدود والباري تعالى بخلاف ذلك»(3)، ويمكن الإشارة إلى ما ذكره ابن أبي الحديد من رأي، فقد أثبت العلم الحديث
ص: 327
باستخدام الهزازات الصوتية أن الأذن البشرية تتحسس فقط بمجال معين من الاهتزازات وهي التي يقع تواترها بين 15 هزة في الثانية و 15 ... هزة، فإذا كان تواتر الأصوات أقل من 15 هزة في الثانية لا نسمعه، وكذلك تواتر الأصوات أعلى من 15 ... هزة في الثانية، ولعل المقصود بالطيف الأصوات وكبيرها(1).
كذلك قوله علیه السلام:
«كل بصير غيره يعمى عن خفي الألوان ولطيف الأجسام»(2).
إذ بيّن ابن أبي الحديد أن مفهومه كالقول فيما تقدم في إدراك السمع(3)، إذ أثبت العلم الحديث أن الكثير من الحيوانات لا ترى الألوان بل ترى الصورة السوداء والبيضاء فقط، أما الإنسان، فإنه يرى الألوان السبعة وهي ألوان الطيف الشمسي والتي تنحصر أطوال موجاتها بين 4 / مكرون البنفسجي، و 8 / مكرون الأحمر، أما الأضواء التي تقع أطوال موجاتها خارج هذا المجال فإن الإنسان لا يراها ومنها الأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء، فقدرة الإنسان البصرية محدودة، وقد وجد بقدرة الله تعالى أن النحلة تستطيع أن تميز بين سبعة ألوان مختلفة من اللون الأبيض ويراها الإنسان لوناً واحداً، وبهذه الدقة الكبيرة تستطيع أن تميز بين أنواع الزهور وهي تطير في أعلى السماء(4).
وإلى قانون الجاذبية أشار الإمام علیه السلام في أكثر من مناسبة في نهج البلاغة إذ صرّح بذلك قائلاً:
«فمن شواهد خلقه، خلق السماوات موطدات، مثبتات بلا عمد، قائمات
ص: 328
بلا سند»(1).
إذ ذهب محمد جواد مغنية في قوله:
«إن الله خلق الكواكب وأودع فيها قوانين تفعل فعلها وتؤثر أثرها، ومنها قانون الجاذبية فيها وفي جميع الأجسام»(2).
وقد علق أحد الباحثين على ذلك قائلاً:
«وهنا نجد أن ذهنية مغنية قد حملت الكلام على أنه يعني الجاذبية التي تمثل العمد والسند اللذين أشار إليهما الإمام أمير المؤمنين علیه السلام»(3).
الغيب اصطلاحاً:
الغيب هو كل ما غاب عن العيون وكل محصل في القلوب، ويقال: سمعت صوتاً من وراء الغيب أي من موضع لا أراه(1).
والغيبيات هي الحوادث التي تقع في المستقبل، أما العلم بالغيب ف «هو الوقوف على ما وراء الهود والعيان من حديث ما غبر وما هو آت، إنما هو أمر سائغ ممكن لعامة البشر كالعلم بالشهادة بتصور في كل ما يتنبأ الإنسان من عالم غابر أو عهد قادم لم يره ولم يشهده أو علماً بطرق أخرى معقولة»(2)، وجاء هذا المعنى في الكتاب العزيز:
«جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِی وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً»(3).
وعلم الغيب بصورة عامة خاص بالله تعالى، ومما يدل على ذلك قوله تعالى:
«عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ»(4).
فلا ضير أن يخبر الله تعالى نبيه الكريم صلی الله علیه و آله وسلم ببعض الغيب ويخبر الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وصيه بشيء منه كما صرح الإمام علي علیه السلام بذلك لما سئل «أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب؟ فأجاب علیه السلام:
ليس بعلم الغيب وإنما تعلم من ذي علم»(5).
ص: 330
ولأمير المؤمنين علیه السلام إشارات مستقبلية فكلامه داخل في باب المعجزات المحمدية لاشتمالها على الأخبار الغيبية وخروجها عن وسع الطبيعة البشرية(1)، ومن هذه الإشارات ما جاء في قوله علیه السلام:
«يأتي على الناس زمان لا يبقى فيه من القرآن إلا رسمه ومن الإسلام إلا اسمه»(2).
وهذه صفة حال أهل الضلال والفسق والرياء من هذه الأمة(3)، ورسم القرآن أثره وهو تلاوته، ولا يبقى من الإسلام إلا اسمه أي دون عمل(4).
وعن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال:
«لا والله لا يرجع الأمر والخلافة إلى آل أبي بكر وعمر أبداً ولا إلى بني أمية أبداً ولا في ولد طلحة والزبير أبداً؛ وذلك لأنهم نبذوا القرآن؛ وأبطلوا السنن؛ وعطلوا الأحكام»(5).
نرى أن هذا النص يشوبه الغموض؛ وذلك أن دولة بني أمية لم يقضَ عليها نهائياً بل إنها ظهرت في الأندلس على يد عبد الرحمن الداخل(6) سنة 138 ه
ص: 331
وكان ذلك في حياة الإمام الصادق علیه السلام، والظاهر من النص على حد قول الكليني أن طلحة والزبير لم تكن لهما خلافة سابقة أو أن الإمام الصادق علیه السلام أراد القول إنهما كانا يسعيان للوصول للحكم بشتى الطرق، كما إن الابتعاد عن الشريعة المطهرة كان على أكثر ما يكون في دولة بني العباس الذين عاصرهم الإمام الصادق علیه السلام نفسه ورأى ما كان منهم بحق أهل بيته علیهم السلام(1)، ولم يذكر النص ذلك.
وأما قوله علیه السلام:
«ومن الإسلام إلا اسمه».
أي دون عمل(2)، فقد ورد عن النبي الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم أنه قال:
«إن الله تعالى خلق الإسلام فجعل له عرصة، وجعل له نوراً، وجعل له حصناً، وجعل له ناصراً، فأما عرصته القرآن، وأما نوره الحكمة، وأما حصنه الأمر بالمعروف، وأما أنصاره فأنا وأهل بيتي وشيعتنا... إلى أن قال: ليت الرجل من أمتي عبدَ اللهَ تعالى عمره أيام الدنيا ثم لقي الله تعالى مبغضاً لأهل بيتي وشيعتي ما خرج الله صدره إلا عن النفاق»(3).
وفي موضع آخر من نهج البلاغة أخبر الإمام علیه السلام عن امتلاكه المعرفة بحوادث المستقبل، إذ قال:
ص: 332
«اسألوني قبل أن تفقدوني، فو الذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة، ولا عن فئة تهدي مئة وتضل مئة إلا أنبأتكم بناعقها، وقائدها، وسائقها، ومناخ ركابها، ومحط رحالها، ومن يقتل من أهلها قتلاً، ومن يموت منهم موتاً، ولو فقدتموني ونزلت بكم كرائه الأمور وحوازب الخطوب لأطرق كثير من السائلين وقتل كثير من المسؤولين»(1).
بيّن ابن أبي الحديد قول الإمام علي علیه السلام أنه قد أقسم في هذه الخطبة من نهج البلاغة بالله عزوجل والذي نفسه بيده أنهم لا يسألونه عن أمر يحدث بينهم وبين القيامة إلا أخبرهم به، وأنه ما صح من طائفة من الناس يهدي به مئة وتضل به مائة إلا وهو مخبر لهم إن سألوه برعاتها، وقائدها، وسائقها، ومواضع نزول ركابها وخيولها، ومن يقتل منها قتلاً، ومن يموت منها بلا قتل، وهذه الدعوة منه ليست علیه السلام ادعاء الربوبية ولا ادعاء النبوة، ولكنه كان يقول أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أخبره بذلك(2).
وقد بيّن البحراني في شرحه «أن مراد الإمام علي علیه السلام في خطبته أعلاه أنه تنبأ بقتاله لأهل الجمل»(3)، وهي مصداق لما ذكره الخوارزمي في المناقب «لم يصدف أحد قال سلوني قبل أن تفقدوني من الصحابة ولا غيرهم غير علي بن أبي طالب علیه السلام»(4)، وقد روى الصفار في بصائره عن الأصبغ بن نباتة أنه قال:
«سمعت علياً يقول على المنبر سلوني قبل أن تفقدوني، والله ما أرض مخصبة ولا مجدبة تضل مئة أو تهدي مئة إلا وقد عرفت قائدها وسائقها، وقد أخبرن رجل من
ص: 333
أهل بيتي يخبرها كبيرهم لصغيرهم إلى أن تقوم الساعة»(1).
وذكر الصدوق بإسناده عن الأصبغ بن نباتة أنه قال: «بينما علي علیه السلام يخطب بالناس وهو يقول:
سلوني قبل أن تفقدوني فو الله لا تسألوني عن شيء يكون إلا انبأتكم به.
فقام إليه سعد بن أبي وقاص، وقال يا أمير المؤمنين أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة، فقال له علیه السلام:
أما والله لقد سألتني عن مسألة حدثني خليلي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أنك تسألني وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس، وأن في بيتك لسخلاً يقتل الحسين ابني وعمر يومئذٍ يدرج بين يديه»(2).
وفي رواية عن أمير المؤمنين علیه السلام أنه: «أتى كربلاء فوقف بها، فقيل يا أمير المؤمنين هذه كربلاء، فقال:
ذات كرب وبلاء.
ثم أومى بيده إلى مكان فقال:
هاهنا موضع رحالهم ومناخ ركابهم.
وأومى إلى موضع آخر فقال:
هاهنا مهراق دمائهم»(3).
إن هذا النص الذي يندرج ضمن علم المغيبات لا يخفى على الكثير ممن عاصر
ص: 334
النبي صلی الله علیه و آله وسلم أو أخذ عنهم، وبهذا فإن ما تكلم به أمير المؤمنين علیه السلام في ذلك الموضع لم يكن مثاراً للجدل بين من سمع ذلك الكلام، لذلك تخوف العديد من أولاد الصحابة، ممن حاول أن يمنع الإمام الحسين علیه السلام في المسير إلى العراق وكأنهم على علم مسبق بمجريات ما سيحدث بكربلاء(1).
وفي مورد آخر من نهج البلاغة صرح الإمام علي علیه السلام بعلومه:
«والله لو شئتُ أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت، ولكن أخاف أن تكفروا في رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، ألا وإني مفضيه إلى الخاصة ممن يؤمن ذلك منه والذي بعثه بالحق واصطفاه على الخلق ما أنطق إلا صادقاً وقد عهد إليّ بذلك كله...»(2).
بيّن ابن أبي الحديد «ثم خرج علیه السلام من هذا الفن إلى فن آخر فأقسم أنه لو شاء يخبر كل واحد منهم من أين خرج وكيف خروجه من منزله وأين يلج وكيفية ولوجه وجميع شأنه من مطعمه ومشربه وما عزم عليه من أفعاله وما أكله وما ادّخر في بيته لكن قال علیه السلام:
إني أخاف أن تكفروا في برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وأخاف عليكم الغلو في أمري بل أخاف عليكم أن تدّعوا فيّ الإلهية كما أدّعت النصارى ذلك في المسيح علیه السلام لمّا أخبرهم بالأمور الغائبة»(3).
ص: 335
فقد روي «أن الجاثليق(1) جاء في نفر من النصارى إلى عمر بن الخطاب فسأله في مسألة عجز عنها أبو بكر، فقال له: كف أيها النصراني وإلا أبحنا دمك، فقال الجاثليق: أهذا عدل من جاء مسترشداً طالباً، دلوني على من أسأله عما أحتاج إليه، فجاء الإمام علي علیه السلام فقال له الجاثليق: بما بِنْتَ أيها العالم عن الرعية الناقصة؟ فقال علیه السلام:
بما أخبرك به عن علمي بما كان وما يكون.
قال: فهلم شيئاً من ذلك أتحقق به دعواك، فقال علیه السلام:
خرجت أيها النصراني من مستقرك متنكراً لمن قصدت بسؤالك له مضمراً خلاف ما أظهرت من الطلب والاسترشاد، فأريت من منامك مقامي وأمرت فيه باتباعي.
قال: صدقت، والله وأنا لأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأنك ولي رسول الله وأحق الناس بمقامه وأسلم الذين كانوا معه، فقال له عمر: الحمد لله الذي هداك أيها الرجل غير أنه يجب أن تعلم أن علم النبوة في أهل البيت وصاحبها والأمر من بعده لمن خاطبته...»(2).
نفهم من خلال قراءتنا للنص أن عمر بن الخطاب لم يكن يخفى عليه ما لدى الإمام علي علیه السلام من علم، ويقدّر له ذلك، إذ أوضحت المصادر أن عمر بن الخطاب
ص: 336
كثيراً ما كان يعتمد على حل المعضلات التي يعجز عنها على الإمام علي علیه السلام كقوله:
«لولا علي لهلك عمر»(1)، وقوله: «لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن»(2).
وأما عن الأحداث المستقبلية التي تحدث عنها أمير المؤمنين علیه السلام في خطبه الواردة في نهج البلاغة ومنها الأحداث في خلافته واختلاف الكلمة وظهور الفتنة ووصول معاوية بن أبي سفيان إلى الخلافة قائلاً:
«أما وأنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم، مندحق البطن، يأكل ما يجد، ويطلب ما لا يجد، فاقتلوه، ولن تقتلوه، ألا وإنه سيأمركم بسبّي والبراءة مني...»(3).
بيّن ابن أبي الحديد في شرحه «أن الرجل هو معاوية مندحق البطن: بارز، والحدوق من النوق التي يخرج رحمها عند الولادة، وسيظهر: سيغلب، ورحب البلعوم: واسع، وكان معاوية يأكل فيكثر ثم يقول: ارفعوا فوالله ما شبعت ولكن مللت وتعبت، وتظاهرت الأخبار أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم دعا على معاوية لما بعث إليه يستدعيه فوجده يأكل ثم بعث فوجده يأكل فقال:
اللهم لا تشبع بطنه»(4).
وأما قوله علیه السلام:
«يأمركم بسبي والبراءة مني» فإن معاوية أمر الناس بالعراق والشام وغيرها بسب الإمام علي علیه السلام والبراءة
ص: 337
منه، وخطب بذلك على المنابر، وصار ذلك سنّة في أيام بني أمية إلى أن قام عمر ابن عبد العزيز(1) فأزاله(2)، وأما نهيه عن البراءة منه علیه السلام ذكر ابن أبي الحديد «علل نهيه لهم عن البراءة منه بمجموع أمور وعلل وهي كونه ولد على الفطرة، وكونه سبق إلى الإيمان والهجرة، ولم يعلل بآحاد هذا المجموع ومراده أنه علیه السلام ولد على الفطرة أنه لم يولد في الجاهلية»(3).
من خلال قراءتنا للنص نفهم أن الإمام أمير المؤمنين علیه السلام قد أباح لأصحابه بأن يسبوه إذا أجبروا على ذلك، فهو حريص على أصحابه من أن يخسروا حياتهم، وقد روى لنا التاريخ الإسلامي مشروعية ذلك العمل عندما يكون الإنسان مجبراً، وقد ظهر ذلك جلياً في حادثة تعذيب عمار بن ياسر على أيدي مشركي قريش الذين أرادوا منه أن يذكر النبي صلی الله علیه و آله وسلم بسوء ففعل ذلك بموافقة النبي صلی الله علیه و آله وسلم نفسه، وهذا جائز ما دام قلبه عامراً بالإيمان(4).
وإذا قارنّا ذلك بما أشار إليه الإمام علي علیه السلام فإن البراءة منه هي براءة من الدين
ص: 338
واتباع منهجه هو الإيمان بذاته، وقد قيل الكثير بحق الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام على أنه الإيمان كله كما ورد عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يوم الخندق:
«برز الإيمان كله إلى الشرك كله»(1).
وأما قوله علیه السلام بخصوص رفضه مبايعة مروان بن الحكم له إذ قال علیه السلام:
«أفلم يبايعني بعد قتل عثمان لا حاجة لي ببيعته أنها كفّ يهودية لو بايعني بيده لغدر ببسته أما أن له امرة كلعقة الكلب أنفه، وهو أبو الأكبش الأربعة وستقلى الأمة منه ومن ولده يوماً أحمر»(2).
بيّن ابن أبي الحديد في شرحه «لما امتنع مروان من بيعة الإمام علي علیه السلام نسب سبب امتناعه من ذلك أنه مظنة الغدر، وذلك قوله: إنها كف يهودية إذ من شأن اليهود الخبث والمكر والغدر والبسته إهانة له؛ لأن الغدر من أقبح الرذائل»(3).
أما قوله علیه السلام:
«كلعقة كلب أنفه».
كناية عن قصر مدة إمارته، إذ كانت مدة أمرته أربعة أشهر وهي بمعرض من الذم(4)، وأما قوله علیه السلام:
«أبو الأكبش الأربعة»
ص: 339
فالأربعة بنوه عبد الملك الوليد، وسليمان، ويزيد، وهشام، ولم يلِ الخلافة من بني أمية ولا من غيرهم من حكام المسلمين أربعة إخوة إلا هؤلاء(1).
وقوله علیه السلام:
«إن الأمة ستلقى منه ومن ولده يوماً أحمر» بيّنه البحراني «إن ما يصدر منه ومن ذريته من الفساد في الأرض، وما يلقى الناس منهم من القتل وانتهاك الحرمات، وكنى علیه السلام عن قتلهم للناس وشدائد ما يلقون منهم بالموت الأحمر، ووصفه بالحمرة كناية عن القتل، وفساد بني أمية ودمارهم للإسلام وأهله مشهور»(2).
إنَّ ما ذكره الإمام علي علیه السلام من سفك بني أمية لدماء المسلمين كان ظاهراً له ولغيره، فهم من الذين ألّبوا الناس على قتاله في موقعة الجمل، وما قاموا به في البصرة من انتهاك حرمات المسلمين قبل ذلك، وما جرى بعد ذلك من قتل وترويع في عموم بلاد المسلمين للوصول إلى السلطة، وإن ما جرى من أحداث على أهل مصر أيام ولاية محمد بن أبي بكر خير دليل على ذلك(3).
كذلك أشار الإمام علي علیه السلام إلى الحجاج بن يوسف الثقفي(4) بقوله:
ص: 340
«أما والله ليُسلَّطَنَّ عليكم غلام ثقيف الذيّال الميّال، يأكل خضرتكم ويذيب شحمتكم...»(1).
بيّن البحراني في شرحه «أن الإمام علياً علیه السلام بيّن لهم بعض ما سيلحقهم من الفتن العظيمة وهي فتنة الحجاج بن يوسف الثقفي إذ كان ضعيف العين، دقيق الصوت، ذيالاً: طويل الذيل، يصحبه تبختر، ميالاً أي يكثر التمايل تكبراً، وأخبر علیه السلام أنه يأكل خضرتهم، وتكنى بها عما بهم من الأبهة وسلامة النفوس والأموال وحسن الأحوال وبأكله لها عن إزالة تلك وتغيير إلى أضدادها، واستعار بالشحمة لثرائهم وقوتهم، ووصف الإذابة لإفناء ذلك بالقتل والإهانة ومصداق ذلك المشهور من فعله بأهل العراق»(2).
نفهم من خلال قراءة النص أن من الطبيعي أن يولي بنو أمية على العراق رجلاً بتلك المواصفات التي أشار إليها الإمام علي علیه السلام لكي يتسنى لهم أن يقبضوا على العراق بقبضة من حديد، فهو الإقليم الذي ينكر خلافة وتسلط البيت الأموي، ولم يقتصر ذلك على الحجاج بن يوسف الثقفي فقط، بل إن جميع من ولي العراق من ولاة بني أمية قبل الحجاج(3)، وبعده(4) كانوا على تلك الشاكلة. ولم يتنبّأ الإمام علیه السلام بمقتل أعدائه فقط وإنما ذكر استشهاد ولده الإمام الحسين علیه السلام قائلاً:
«ألا إن لكل دم ثائراً، ولكل حق مطالب، وإن الثائر في دمائنا كالحاكم في
ص: 341
حق نفسه»(1).
ذكر ابن أبي الحديد في شرحه «أن الإمام علیه السلام كان يرمز إلى ما سيقع من قتل ولده الحسين وأهله علیهم السلام وكأنه يشاهد ذلك عياناً ويخطب عليه ويتكلم على الخاطر الذي سنح له والأمر الذي كان أخبر به ثم قال:
إن لكل دم ثائراً يطلب القود والثائر بدمائنا ليس إلا الله وحده الذي لا يعجزه مطلوب ولا يفوته هارب»(2).
وأما قوله علیه السلام:
«كالحاكم في حق نفسه» إن الله تعالى لا يقصر في طلب دمائنا كالحاكم الذي يحكم لنفسه فيكون هو القاضي وهو الخصم فإنه سينتقم من أعدائهم(3)، والروايات التي تشير إلى أحداث ما ستصير إليه الأمور كثيرة في هذا المضمار، فقد روى الإمام الباقر علیه السلام رواية تشير إلى استشهاد الإمام زيد بن علي علیه السلام متواتراً عن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم إذ قال للإمام الحسين علیه السلام:
«يخرج رجل من صلبك يقال له زيد يتخطى هو وأصحابه يوم القيامة رقاب الناس غراً محجلين يدخلون الجنة بغير حساب»(4).
وجاء في خطبة أخرى من خطبه الشريفة أنه قال بصدد ذكره الملاحم والمغيبات وما أدلى به علیه السلام:
ص: 342
«ما كَذَبْتُ ولا كُذِّبْتُ، ولا ضَلَلتُ ولا ضُلَّ بي»(1).
وفي هذ الصدد علَّقَ البحراني على ما قاله أمير المؤمنين علیه السلام بقوله: «أما عن عدم كذبه وضلاله فتربيته علیه السلام من حين طفولته بالصدق ومكارم الأخلاق حتى صار ذلك ملكة له تنافي الكذب والضلال وتعصم منها، أما كونه لم يكذب فيما أخبر منه بالحوادث المستقبلية والعلوم الغيبية، ولم يضل به فلكون مخبره معصوماً وهو رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم والعصمة منافية لأمرين ومستلزمة لهداية المدلول وعدم زيفه»(2)، هي مصداق لقوله تعالى:
«مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْیٌ يُوحَی»(3).
وفي هذا الصدد فسَّر القمي في تفسيره عن الإمام الباقر علیه السلام:
«يعني ما ضل النبي صلی الله علیه و آله وسلم في علي، وما ينطق فيه بالهوى، وما كان قال فيه إلا بالوحي الذي أوصى إليه»(4).
وهي مصداق ما ذكره أمير المؤمنين علیه السلام حول قتلى الخوارج في النهروان ومنهم ذو الخويصرة(5).
ص: 343
ص: 344
المبحث الأول:فضل أهل البيت علیهم السلام في كتاب نهج البلاغة
المبحث الثاني:موقف الأمة من أهل البيت علیهم السلام في كتاب نهج البلاغة
ص: 345
ص: 346
جاء في كتاب الله الكريم في قوله تعالى مخاطباً رسوله المصطفى صلی الله علیه و آله وسلم:
«وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ»(1).
فالرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم، هو الرحمة المزجاة من رب السموات والارض وجاءت هذه الرحمة الإلهية، لتشمل البشر كافة ولتنشر العدل والاسلام والرأفة في ارجاء المعمورة، ومما لا شك فيه أن هذه الرحمة التي خص بها الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، هي بطبيعة الحال فضل من الله تعالى على رسوله الكريم صلی الله علیه و آله وسلم وهي في الوقت ذاته فضل على الأمة التي اتبعت نهجه صلی الله علیه و آله وسلم، ولعل من أعظم أفضال أهل البيت علیهم السلام على الأمة الإسلامية والإنسانية جمعاء أن النبي محمداً صلی الله علیه و آله وسلم خاتم الأنبياء منهم فهو صلی الله علیه و آله وسلم الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور فاهتدى به من اهتدى من عباد الله الصالحين فنال بذلك خير الدارين. وتكريماً لهذا الرسول العظيم صلی الله علیه و آله وسلم فإن الله سبحانه وتعالى يأمر الناس بضرورة ردّ الفضل إلى ذويه، أهل بيت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وذلك في قوله تعالى:
ص: 347
«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(1).
إذ أورد المفسرون أن الله تعالى أمر بمودة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأهل بيته علیهم السلام وصلة الرحم ومودته في قرابته الذين أذهب الله عنهم الرجس(2)، ومن الطبيعي عندما يكون الأجر مودة أهل بيت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فإن بإمكاننا أن نتصور مدى الفضل العظيم الذي أسداه ويسديه أهل هذا البيت المبارك في كل زمان ومكان ولاسيما أن القرآن الكريم لم يخاطب الناس الذين يعيشون في عصر معين، بل إن الخطاب القرآني جاء ليمثل كافة العصور دون إستثناء حتى قيام الساعة(3).
ونجد أثر فضل أهل البيت علیهم السلام في خطب أمير المؤمنين علیه السلام في نهج البلاغة، إذ أكد علیه السلام في إحدى خطبه قائلا:
«لا يقاس بآل محمد صلی الله علیه و آله وسلم من هذه الأمة أحد ولا يسوى بهم من جرت نعمتهم عليه ابداً»(4).
إذ بيّن البحراني في شرحه ان قوله:
«لا يقاس بآل محمد» هو مدح لهم ومستلزم لإسقاط غيرهم عن بلوغ درجتهم واستحقاق منزلتهم، والكلام وإن كان عاماً في تفضيل آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم على من عاداهم من
ص: 348
أمته علیه السلام(1)، من جانب آخر مر بنا أن الله سبحانه وتعالى طهَّر أهل البيت علیهم السلام من الذنوب، إذ جاء ذلك في قوله تعالى:
«إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أهل الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً»(2).
وقد ذهب العديد من المفسرين إلى أن المراد بهذه الآية هم النبي صلی الله علیه و آله وسلم وعلي علیه السلام وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام(3)، وكذلك ساوى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في حديث الثقلين بينهم علیهم السلام وبين القرآن الذي لا يقاس به شيء ولا يأتيه الباطل من بين يدييه ولا من خلفه(4)، وعلّق محمد عبده على النص قائلًا: «ان أمير المؤمنين علیه السلام يقصد أن مسيرتهم صراط الدين المستقيم فمن غالى في دينه وتجاوز الإفراط في حدود الجادة فإن نجاته بالرجوع إلى سيرة آل النبي صلی الله علیه و آله وسلم(5)، فضلًا عن ذلك فهم علیه السلام، أولى بالنعمة على المسلمين، إذ أن منهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وطاعته بذلك واجبة على المسلمين، إن فيها تنظيماً لشريعتهم وأماناً لهم وهذا المضمون الذي أكدت عليه السيدة فاطمة الزهراء علیها السلام في خطبتها بعد استشهاد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، إذ قالت علیها السلام:
«فجعل الله الايمان تطهيراً لكم من الشرك و... وطاعتنا نظاماً للملة وإمامتنا لماً للفرقة والجهاد عزاً للإسلام...»(6).
وهي علیها السلام تذكر ما جاء في القرآن الكريم بخصوص وجوب طاعة رسول
ص: 349
الله صلی الله علیه و آله وسلم كما في قوله تعالى:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(1).
وما عبّر عنه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في قوله:
«من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله»(2).
وقد ذكر الطبري الإمامي قول أمير المؤمنين علیه السلام في خطبة له:
«هلك من قارن حسدا وقال باطلا ووالى على عداوتنا أو شَكَّ في فضلنا، أنه لا يقاس بنا آل محمد من هذه الأمة أحد ولا يسوي بنا من جرت نعمتنا عليهم فنحن أطول الناس أغراساً ونحن أفضل الناس أنفاساً ونحن عماد الدين...»(3).
من خلال قراءة النص نستدل أن فضل آل محمد علیهم السلام على الأمة ومنزلتهم لعظمتهم التي لطالما ذكرها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في أحاديثه وخطبه وسار على منوالها أمير المؤمنين علیه السلام وبعده الائمة علیهم السلام والسبب في ذلك هو جهل البعض ممن عاصرهم في احقيتهم في الإمامة والخلافة ولذلك صار لزاما على الإئمة تذكيرهم بفضلهم ومنزلتهم وأحقيتهم من بين البشر وهي مصداق لقوله تعالى:
«وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ»(4).
وخطبة أمير المؤمنين علیه السلام خير دليل على ذلك فهو يبيّن للخلق أننا أهل البيت علیهم السلام لا يقاس بنا أحد وهو سؤال أجاب عنه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في قوله:
«يا علي لا يعرف الله إلا أنا وانت ولا يعرفني إلا الله وأنت ولا يعرفك إلا
ص: 350
الله وأنا»(1).
وهذا دليل واضح على جهل الأمة بمنزلة ومكانة آل البيت علیهم السلام وتعمدهم الاستخفاف بهم وبمكانتهم والنيل منهم بالقتل والسم، ونجد صدى فضل أهل البيت علیهم السلام في خطب أمير المؤمنين علیه السلام، ففي مورد آخر من نهج البلاغة ذكر الإمام فضل أهل البيت علیه السلام:
«لا يسوي بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا»(2).
وهي إشارة إلى عدم مناسبة غيرهم في الفضل، والنعمة هنا نعمة الدين والإرشاد إليه ولا يبلغ درجتهم حتى يقوم مقامهم مع وجودهم في إفاضة هذه النعمة(3) ومن نعم الله عليهم كونهم الهداة المهديين في كل زمان ومكان كما جاء في قوله تعالى:
«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي»(4).
فقد اورد العياشي في تفسيره ذلك قائلا:
«أكملت لكم دينكم بولاية علي بن ابي طالب علیه السلام»(5).
فهم كما عبَّر عنهم الرسول صلی الله علیه و آله وسلم في قوله:
«إن مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق»(6).
ص: 351
وذكر التستري: «أن المنُعَمَ عليه لا يمكن ان يكون مساويا للمُنْعِم والنبي صلی الله علیه و آله وسلم وأهل بيته هم المنعِمون وباقي الناس المُنعَمُ عليهم»(1)، وذكر الشريف المرتضى: «أن رجلا قال للإمام السجاد علیه السلام: اخبرني بما فضَّلتم على الناس جميعاً وسُدتموهم فقال علیه السلام:
أنا اخبرك بذلك: اعلم أن الناس كلهم لا يخلون من أن يكونوا أحد ثلاثة:
إما رجل أسلم على يد جدنا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فهو مولى لنا ونحن سادته وإلينا يرجع بالولاء، او رجل قاتلنا فقتلناه ومضى إلى النار، او رجل أخذنا منه الجزية عن يد وهو صاغر ولا رابع للقوم فأي فضل لم نحزه وشرف لم نحصله بذلك»(2).
ونفهم من كلام أمير المؤمنين علیه السلام:
«لا يسوي بهم من جرت نعمتهم عليه» هو تأكيد للنفي لأن كل ما كان من نعمة إلى الأبد فهي منهم وكلام الإمام علیه السلام هذا سد باب المفاضلة بين أهل البيت علیهم السلام وغيرهم من الانبياء والمرسلين والملائكة المقربين فضلا عن اصحاب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وقد انصف احد المحققين قائلا: «من يفضّل فلانا على سائر الصحابة لا يعتقد تفضيله على علي لأن عليا علیه السلام من أهل البيت»(3)، وهي مصداق لقول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«كنت أنا وعلي بن أبي طالب نورا بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق آدم بأربعة الآف عام، فلما خلق الله آدم قسمَ ذلك النور إلى جزأين فجزء أنا وجزء علي بن أبي طالب»(4).
ص: 352
لذا فإن من يختط سبيل أهل البيت منهاجا فإنه مرحوم في الدنيا والآخرة بفضل بركة أهل البيت علیهم السلام الذين طهرهم الله سبحانه وتعالى من الرجس ومنخالف ذلك المنهج فإنه ينال العذاب في الدنيا والآخرة، ويشير أمير المؤمنين علیه السلام إلى هذا المعنى بقوله:
«ناصرنا ومحبنا ينتظر الرحمة وعدونا ومبغضنا ينتظر السطوة»(1).
وشتان ما بين الانتظارين فأحدهما يؤدي إلى الفوز بالنعيم والآخر يسير بصاحبه نحو الهلاك الأبدي، إذ بيّن البحراني في شرحه: «بأنها ترغيب في نصرته ومحبته وجذب إليها بالوعد برحمة الله وإفاضة بركاته وتنفير عن عداوته وبغضه بلحوق سطوة الله ولعل ذلك هو غايته علیه السلام»(2).
لعل من الأمور التي لفت أمير المؤمنين إليها النظر أن محب وناصر أهل البيت علیهم السلام مرحوم في الدنيا والآخرة وهذا فضل يناله العبد المسلم باتباعه أهل البيت علیهم السلام الذين خصهم الله سبحانه وتعالى بهذا الفضل دون غيرهم من سائر الناس فلا نجد شخصا من غير أهل البيت علیهم السلام يبيّن فضله من خلال ضمان الرحمة الإلهية لناصريه ومحبيه إلا أهل البيت علیهم السلام، إذ انهم وحدهم المخاطبون بآية القربى كما ذكر بعض المفسرون(3).
إن فضل أهل البيت علیهم السلام على الأمة يتمثل بأبهى صورة في حرص أهل البيت علیهم السلام على وحدة المسلمين وعدم فرقتهم، ولا سيما بعد استشهاد الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله وسلم وعندما آل الأمر إلى غيرهم، فقد عبّر الإمام أمير المؤمنين علیه السلام في موقفه تجاه تلك
ص: 353
الأحداث بقوله علیه السلام:
«وأيمَ والله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين وأن يعود الكفر ويبور الدين لكنّا على غير ماكنّا عليه فوليَ الأمرَ ولاةٌ لم يألوا الناس خيرا»(1).
إذا وعلى الرغم من سلب الحق المنصوص عليه له من عند الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم صلی الله علیه و آله وسلم إلا أن سيد أهل البيت وعميدهم بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يسمو بنفسه فوق كل شيء في سبيل بقاء الدين وديمومة الشريعة التي جاء بها اخيه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم(2)، فضلًا عن ذلك نفهم من قول الإمام علیه السلام المحافظة على وحدة المسلمين والحفاظ على بيضة الإسلام من التفرقة وعودة الكفر وسد الفجوة أمام المنافقين الذين حاولوا بإستشهاد الرسول صلی الله علیه و آله وسلم أن ينقلبوا على أعقابهم، لذلك بيّن أمير المؤمنين علیه السلام أسباب سكوته عن أحقيته بالخلافة لا ضعفا، إنما حفاظاً على وحدة المسلمين من الضياع وحفاظا على مسيرة أخيه وابن عمه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم التي قدم لها الغالي والنفيس والتزاما لوصايا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم واستعراضا لما يجري بعد استشهاده.
وقد بيّنت لنا المصادر كيف ان أمير المؤمنين كان حاضراً مع الخلفاء في جميع المواقف التي عجزوا عنها في الإصابة والنصح وكان ملازماً لهم من أجل دين الله تعالى وسنة رسوله الكريم صلی الله علیه و آله وسلم مع علمه وقناعته بانهم ليسوا ولاة أمر المسلمين كما عبر عنها أمير المؤمنين بقوله: فولي الأمر ولاة لم يألوا الناس خيراً، ومن فضل أهل البيت علیهم السلام على الأمة ذلك الفضل الذي خصهم الله تعالى به على الناس، ان ذلك الفضل لن ينقطع بمشيئة الله سبحانه وتعالى ونجد ذلك من خلال كلام أمير
ص: 354
المؤمنين علیه السلام والذي مثل أهل بيته علیهم السلام بالنجوم كلما خوى نجم طلع نجم آخر، إذ قال علیه السلام في هذا المعنى:
«إلا ان مثل آل محمد صلی الله علیه و آله وسلم كمثل نجوم السماء اذا خوى نجم طلع آخر»(1).
إذ بيّن البحراني في شرحه: «هو تعيين للأئمة من آل محمد وذهب إلى أن أوجه الشبه في امرين:
الاول: انهم يستضاء بأنوار هداهم في سبيل الله كما يستضيء المسافر بالنجوم في سفره ويهتدي بها.
الثاني: ما أشار اليه علیه السلام بقوله:
«كلما خوى نجم طلع نجم» هي كناية عن كونهم علیهم السلام كلما خلا منهم سيد، قام سيد والإمامية يستدلون بهذا الكلام منه علیه السلام على انه لا يخلو زمان من وجود قائم من أهل البيت علیهم السلام يهتدى به في سبيل الله»(2)، وقد روى الطوسي توقيعا عن الإمام الحجة عجل الله فرجه الشریف إلى جماعة قالوا:
إن أبا محمد (الإمام الحجة) مضى ولا خلف قال: «أو ما رأيتم كيف جعل الله لكم معاقل تأوون إليها وأعلاما تهتدون بها من لدن آدم علیه السلام إلى ان ظهر الماضي صلی الله علیه و آله وسلم فكلما غاب علم بدا علم واذا أفل نجم طلع نجم، فلما قبضه الله إليه ظننتم ان الله تعالى أبطل دينه وقطع السبب بينه وبين خلقه، كلا ما كان ذلك وما يكون حتى قيام الساعة»(3)، وفي ذلك بيان للفضل العظيم الذي يسديه الرسول الكريم صلی الله علیه و آله وسلم وأهل بيته علیهم السلام إلى الناس فهم الهداة البررة الذين يستضاء بنور علمهم وهدايتهم
ص: 355
حتى قيام الساعة فهم كالنجوم التي يحتاجها الناس للإرشاد وقد بيّن النص ان علم محمد وآل محمد متوارث وفضلهم قائم من إمام إلى آخر ومن خلالهم يتبين الحق من الباطل وهو ما عبّر عنه أمير المؤمنين علیه السلام في موضع من نهج البلاغة قائلا:
«بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى»(1).
ذهب ابن أبي الحديد أن قوله علیه السلام:
«يستعطى ويستجلى» اي يطلب جلاؤه(2) في حين ذهب البحراني إلى ان المراد بقوله علیه السلام قائلًا:
«استعار لفظ العمى للجهل ورشح بذكر الاستجلاء ولما كانوا علیهم السلام المعدين لأذهان الخلق لقبول انوار الله والمرشدين لنفوسهم إلى سبيل الله فلا جرم أن كان بهم يستعطى الهدى من الله، إذ بواسطة استعدادهم يفاض على النفوس وبهم يستجلى الجهل»(3)، وقد ورد في كتاب الله العزيز قوله تعالى:
«أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ»(4).
وخير دليل على ذلك قول عمر بن الخطاب: «لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن»(5).
ومن الجدير بالذكر ان أمير المؤمنين علیه السلام يؤكد في إحدى خطبه أن المسلمين اذا ما تمسكوا بأهل البيت علیهم السلام فانهم لن يضيعوا أبدا وهذا ما عبر عنه علیه السلام بقوله:
ص: 356
«بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم وهم أزمة الحق وأعلام الدين وألسنة الصدق فأنزلوهما أحسن منازل القرآن وردوهم ورود الهيم العطشان»(1).
وأراد بذلك علیه السلام ان المسلم لا يبتعد عن الحق وجادة الصواب وأهل بيته علیهم السلام بين ظهراني المسلمين، وأكد علیه السلام: على ضرورة أن يحل أهل البيت علیهم السلام محل القرآن من التعظيم والاحترام وان يتوجه المسلمون إلى علمهم علیهم السلام مسرعين كما تسرع الهيم والابل العطشى إلى الماء(2)، فهم علیهم السلام أصحاب الفضل في أنهم الدليل إلى طريق النجاة لكونهم أعلام الدين وألسنة الصدق والتي لا تحيد عنه، فما على المسلمين إلا التزود من علومهم، وهم علیهم السلام في الوقت ذاته لا يبخلون كما يبخل غيرهم من سائر الناس على أحد بعلومهم لأنهم علیهم السلام أزِمَّةُ الحق التي يجمع فيها الصالح من الامور، وان من فضائل أهل البيت علیهم السلام على الأمة أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم منهم وبه اهتدى الضّالون، وهكذا الحال بالنسبة إلى عترته الطاهرة التي يهتدى بها في كل وقت، والإمام علي علیه السلام يخاطب الناس ليؤكد هذا المعنى قائلا:
«بنا اهتديتم في الظلماء وتسنّمتم العلياء وبنا انفجرتم عن السرار»(3).
إذ ذهب ابن ابي الحديد في شرحه أن المراد بالظلماء الجهالة وتسنمتم العلياء ركبتم سنامها وهذه استعارة(4)، أما السرار فهي الليلة أو الليلتان يكونا في آخر الشهر يستتر فيها القمر ويخفى(5)، بينما ذهب محمد عبده أن مراد الإمام علیه السلام من ذلك انه قال: انكم كنتم في ضلال الشرك فصرتم إلى ضياء ساطع بهدايتنا
ص: 357
وإرشادنا فركبتم سنام العلياء اي ارتقيتم أعلاما ودخلتم في الفجر بعد الظلام الدامس(1)، ولأنهم انوار الله قال الامام الباقر علیه السلام:
«بليّة الناس علينا عظيمة إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا وإن تركناهم يهتدوا بغيرنا»(2).
من خلال قراءة النص نفهم فضل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وآل بيته علیهم السلام على الأمة وإخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام وصفاء تعاليمه وقيم شرائعه السامية بعد أن كانوا:
«كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ» كما وصفهم القرآن الكريم بقوله تعالى:
«أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ»(3).
في ظلمات الجهل وعبادة الأوثان إلى عبادة الله الواحد وتعاليم الإسلام السمحاء في العيش الكريم.
وفي موضع آخر من نهج البلاغة صرح الإمام أمير المؤمنين علیه السلام بفضلهم علیهم السلام قائلا:
«فيهم كرائم القرآن وهم كنوز الرحمن»(4).
إذ بيّن البحراني ان المراد من قوله علیه السلام هو الاشارة إلى فضائل أهل البيت(5)
ص: 358
بينما ذهب صبحي الصالح ان مراد الإمام علیه السلام من قوله فيهم كرائم القرآن هو آيات من القرآن الكريم في مدحهم كريمات(1)، وقد نزلت بهم علیهم السلام آيات من القرآن الكريم كقوله تعالى:
«بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ»(2).
وقد أورد المفسرون انها نزلت بحق أهل البيت علیهم السلام(3).
وقد روي عن الإمام أمير المؤمنين علیه السلام انه قال:
«نزل القرآن ارباعاً، ربع فينا وربع في عدونا وربع سنن وامثال وربع فرائض واحكام ولنا كرائم القرآن»(4).
واما قوله علیه السلام:
«كنوز الرحمن» فهم خزائن علمه وسائر ما أمر به من مكارم الاخلاق(5)، إذ روي عن الإمام الباقر علیه السلام انه قال:
«انا لخزائن الله في سمائه وأرضه لا على ذهب ولا على فضة إلا على علمه»(6).
ليس غريباً في ذكر الإئمة علیهم السلام فضل علمهم وبيان كنوز تعاليمهم، فقد شهد
ص: 359
جميع من عاصرهم بالعلمهم وأعلميتهم على الرغم من صغر سن البعض منهم، فهم ترجمان القرآن وخلفاء الرحمن على الأمم ولولا علمهم لما وصلت رسالة الإسلام السماوية وهي مصداق لقول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«يا علي انا مدينة العلم وانت بابها»(1).
فهم علم الله وترجمان قرآنه وعيبة علمه بهم فتح الله وبه يختم رسالته.
وفي مورد آخر من نهج البلاغة صرح الإمام علیه لسلام بفضل أهل البيت علیهم السلام قائلاً:
«إنا صنائع ربنا والناس بعد صنائع لنا»(2).
بيّن ابن أبي الحديد: «أن هذا الكلام عظيم وعال عن الكلام ومعناه عال عن المعاني وصنيعة الملك من يصطنعه الملك ويرفع قدره اذا ليس لأحد من البشر علينا نعمة بل الله هو الذي انعم علينا فليس بيننا وبينه واسطة والناس بأسرهم صنائعنا فنحن الواسطة بينهم وبين الله»(3)، وأنهم علیهم السلام صنائع الله تعالى، ما رواه الكنجي مسنداً عن زيد بن ارقم انه قال: «كان لنفر من اصحاب النبي صلی الله علیه و آله وسلم ابواب شارعة في المسجد فقال رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
سدوا هذه الأبواب إلا باب علي.
فتكلم الناس في ذلك فقام النبي صلی الله علیه و آله وسلم فقال:
اني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي، فقال قائلكم، والله ما سددته ولا فتحته لكني أمرت بشيء فأتبعه»(4).
ص: 360
وفي خطبة اخرى من خطب نهج البلاغة بيّن الإمام علیه السلام فضلهم على الأمة قائلاً:
«تاالله لقد علمت تبليغ الرسالات وإتمام العدات... وعندنا أهل البيت ابواب الحكم وضياء الأمر»(1).
ذهب ابن أبي الحديد إن مراد الإمام أمير المؤمنين علیه السلام بقوله:
«تبليغ الرسالات» هو تبليغ الشرائع السماوية بعد وفاة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم إلى المكلفين(2)، وفيه إشارة إلى قوله تعالى:
«الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ»(3)، وهي بالوقت ذاته تأكيد لقول الرسول صلی الله علیه و آله وسلم:
«لا يؤدي عني إلا أنا أو علي»(4).
وأما قوله علیه السلام:
«إتمام العدات» جاء عند ابن أبي الحديد إتمام العدات انجازها(5)، وفيه إشارة إلى قوله تعالى:
«مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا»(6).
ص: 361
وعلمه علیه السلام بإتمام الله تعالى ما وعد به المتقين في دار القرار، فتمام وعده أن لا خلق فيه وتمام اخباره أن لا كذب فيه وتمام أوامره ونواهيه لاشتمالها على المصالح الخاصة(1)، وإتمام الكلمات هو تأويل القرآن وفيه اشارة إلى قوله تعالى:
«وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً»(2).
أما قوله علیه السلام:
«وعندنا أهل البيت أبواب الحكم».
فيعني الشرعيات والفتاوى و(ضياء الأمر) يعني العقليات والعقائد وهذا مقام عظيم لا يجسر أحد من المخلوقين أن يدّعيه سواه علیه السلام، ولو أقدم أحد على ادعائه غيره لكذب وكذّبه الناس(3)، وفي ذلك كله فإن أهل البيت علیهم السلام متفضلون على الأمة في تزويدهم بالعلوم التي ورثوها عن جدهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فهم علیهم السلام بمثابة المعلمين والمربين للأئمة الإسلامية، ومن ثم فإن فضل أهل البيت علیهم السلام لا يقف عند حد معين من حدود الفضل بل ان هنالك خصوصية لأهل البيت علیهم السلام تمثلت بحاجة الأمة اليهم في كل زمان ومكان وعدم حاجتهم إلى أحد من الأمة.
الصحابة لغة:
جاء في التعريف، الصحابي، الصحاب يجمع بالصحب والصحبان والصحبة والأصحاب، جماعة والصحب مصدر قولك، صحابك الله واحسن صحابتك ويقال عند الوداع مصاحباً معافى(4)، وقد وردت كلمة الصحابي والصحابة بالقرآن
ص: 362
الكريم مرات عدة وبموارد مختلفة منها على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى:
«مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى»(1).
وقوله تعالى:
«أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا»(2).
الصحابة اصطلاحاً:
الصحابي من لقي النبي صلی الله علیه و آله وسلم مؤمنا به ومات على الإسلام فيدخل فيمن لقيه ومن طالت مجالسته له او قصرت ومن روى عنه او لم يرو ومن غزا معه او لم يغز ومن رآه رأيا ولم يجالسه(3)، وذكر البخاري «ان الصحابي من صحب النبي صلی الله علیه و آله وسلم او رأه من المسلمين فهو صاحبه»(4).
اختلف المسلمون فيمن هو أفضل الناس بعد الانبياء علیهم السلام فذهب بعض أهل السنة والمعتزلة والمرجئة وجميع الشيعة إلى أن أفضل الأمة بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم هو علي بن ابي طالب علیه السلام، فقد صحَّ عن النبي صلی الله علیه و آله وسلم في أمر الإمام علي والحسن علیهما السلام ومعاوية انه انذر بخارجة تخرج من طائفتين من أمته بقتلها أولى الطائفتين بالحق، إذ جاء عنه صلی الله علیه و آله وسلم انه قال:
«تمرق مارقة في فرقة من الناس فيلي قتلهم اولى الطائفتين بالحق»(5).
ص: 363
فكان قاتل تلك الطائفة الإمام علي علیه السلام فهو صاحب الحق بلا شك وكذلك انذر صلی الله علیه و آله وسلم بأن عماراً تقتله الفئة الباغية فصح أن عليا علیه السلام هو صاحب الحق(1)، إذ روي عن الإمام علي بن الحسين علیهما السلام يقول سمعت أبي يحدث عن أبيه أمير المؤمنين علیه السلام انه قال: سمعت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم يقول:
«يا علي والذي فلق الحبة وبرأ النسمة أنك لأفضل الخليقة بعدي، يا علي أنت وصيي وإمام أمتي من أطاعك أطاعني ومن عصاك عصاني»(2).
فضلاً عن شهادة بعض الصحابة بفضله علیه السلام على سبيل المثال لا للحصر قول عمر بن الخطاب: «لولا علي لهلك عمر»(3).
وقد ذكر ابن ابي الحديد بهذا الصدد قائلاً: «والقول بالتفضيل قول قديم قد قال به كثير من الصحابة والتابعين فمن الصحابة عمار والمقداد(4) وابو ذر وسلمان...»(5)، وقد بيّن الإمام أمير المؤمنين علیه السلام فضله على الصحابة من خطبه
ص: 364
التي وردت في نهج البلاغة انه قال:
«كنت إذا سألت رسول الله أعطاني وإذا سكتُّ ابتدأني»(1).
إذ ذهب ابن ابي الحديد في شرحه قائلاً: «واعلم ان أمير المؤمنين علیه السلام كان مخصوصاً من دون الصحابة رضی الله عنه، بخلوات كان بها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لا يطلع احد من الناس على ما يدور بينهما وكان كثير السؤال للنبي صلی الله علیه و آله وسلم عن معاني القرآن وعن معاني كلامه صلی الله علیه و آله وسلم واذا لم يسأل ابتدأه النبي صلی الله علیه و آله وسلم بالتعليم والتثقيف ولم يكن أحد من أصحاب النبي صلی الله علیه و آله وسلم كذلك بل كانوا اقساماً فمنهم من يهابه أن يسأله وهم الذين يحبون أن يجيء الأعرابي او الطارئ فيسأله وهم يسمعون، ومنهم من كان بليدا بعيد الفهم ومنهم من كان مشغولا عن طلب العلم وفهم المعاني»(2)، وعن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب(3) عن أبيه قال قيل لعلي: «مالك اكثر اصحاب رسول الله حديثاً قال:
اني كنت اذا سألته انبأني واذا سكت ابتدأني»(4).
وعن فضله على الصحابة صرح أمير المؤمنين علیه السلام في خطبته المعروفة بالشقشقية قائلاً:
«متى اعترض الريب فيّ مع الأول منهم حتى صرت أُقرنُ إلى هذه النظائر»(5).
ص: 365
بيّن ابن أبي الحديد في شرحه «أن عمر بن الخطاب لما طعن جعل الخلافة في ستة وهو علیه السلام أحدهم، ثم تعجب من ذلك فقال: متى اعترض الشك فيّ مع أبي بكر حتى أُقرنُ بسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وأمثالهما، ولكني طلبت الأمر وهو موسوم بالأصاغر منهم كما طلبته أولاً وهو موسوم بأكابرهم، أي هو حقي لا استنكف من طلبه إن كان المنازع فيه جليل القدر»(1)، بينما ذهب البحراني في شرحه أن الإمام أمير المؤمنين علیه السلام تعجب أن يساويه الأول في الفضل(2)، فيما رأى محمد جواد مغنية أن «أي مبرر للمقارنة والموازنة بين مخلوق وبين من قال له الرسول الأعظم أنت أخي ووليي في الدنيا والآخرة»(3). ومن خلال قراءة النص نفهم أن الإمام علیه السلام تعجب كل العجب بأن يقرن بهذه النظائر وهو القائل: «لا يقاس بآل محمد من هذه الأمة أحد، ولا يسوي من جرت عليه نعمتهم عليه أبداً»(4)، فكيف يقرن بشخص آخر وهو علیه السلام كنفس النبي بشهادة القرآن الكريم:
«فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»(5).
ومن فضله على الصحابة سبقه للإيمان والإسلام، إذ يعد سبق الإمام علي ابن ابي طالب علیه السلام للإسلام من الأمور التي أشار إليها الإمام نفسه في خطب نهج
ص: 366
البلاغة، إذ قال علیه السلام:
«اني أول مؤمن بك يا رسول الله وأول من آمن بأن الشجرة فعلت ما فعلت بأمر الله تصديقا لنبوتك وإجلالا لكلمتك»(1).
إذ ذكر ابن هشام عن إسلام الإمام علي علیه السلام قائلاً: «كان أول ذكر من الناس آمن برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وصلى معه وصدق بما جاء من الله تعالى علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم رضوان الله وسلامه عليه وهو يومئذ ابن عشر سنين»(2) وهي مصداقٌ لقوله صلی الله علیه و آله وسلم:
«علي أول من آمن بي وصدقني»(3).
وفي مورد آخر من النهج الشريف نجد ان الإمام علياً علیه السلام يذكّر القوم بإسلامه وفضله عليهم قائلاً: «ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة وأشمُّ ريح النبوة»(4)، بيّن البحراني في شرحه: «إن إسلام علي علیه السلام لم يدنس بأدناس الجاهلية وعبادة الأصنام والاعتقادات الباطلة المضادة للحق فكان إيمانه بالله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم صلی الله علیه و آله وسلم، واردا على نفس صاف لوحها عن كدر الباطل، فهي المنقوشة بالحق متمثلة به وكانت غاية إسلام غيره أن يمحو على طول الرياضة في نفوسهم الآثار الباطلة وملكات السوء، فأين أحدهما من الآخر»(5)، ونستدل من ذلك أن الإمام علیه السلام يبيّن فضله دون غيره بأنه لم يسجد لصنم قط، ولم يدنس بأرجاس
ص: 367
الوثنية والجاهلية، فقد عبد الله صبيا لم يبلغ الحلم فضلاً عن تربيته مع اخيه وابن عمه في بيت النبوة، فهو العابد الزاهد منذ صغر سنه والمؤازر لأخيه في نشر الرسالة السماوية والدفاع عن السنة المحمدية.
وفي الصدد ذاته ذكر ابن ابي الحديد قائلاً: «أما حديث ان الإسلام لم يجمع عليه بيت واحد يومئذ إلا النبي صلی الله علیه و آله وسلم وخديجة علیها السلام فخبر عفيف الكندي(1) أن أبا طالب علیه السلام قال له أ تدري من هذا؟ قال: لا هذا ابن اخي محمد بن عبد الله وهذا ابني علي وهذه المرأة التي خلفهما خديجة بنت خويلد زوجة محمد ابن أُخي، وأيم والله ما اعلم على الأرض كلها على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة»(2).
وأما قوله:
«أرى نور الوحي والرسالة».
فذكر البحراني قائلاً: «ان ذلك اعلى مراتب الأولياء واستعار لفظ النور لما يشاهده بعين بصيرته الباقية من اسرار الوحي والرسالة وعلوم التنزيل ودقائق التأويل واشراقها على لوح نفسه القدسية، ووجه الاستعارة كون هذه العلوم والأسرار هادية في سبيل الله إليه في ظلمات الجهل كما يهدي النور من الطرف المحسوسة»(3)، وروي عن الإمام الصادق علیه السلام انه قال:
«كان الإمام علیه السلام يرى مع النبي صلی الله علیه و آله وسلم قبل الرسالة الضوء ويسمع الصوت، إذ قال له صلی الله علیه و آله وسلم لولا اني خاتم الانبياء لكنت شريكاً في النبوة فإن لا تكن نبياً فإنك وصي
ص: 368
نبي ووارثه بل انت سيد الاوصياء وامام الاتقياء»(1).
وأشمُ ريح النبوة، فقد استعار علیه السلام بلفظ الريح لما أدركه من مقام النبوة وأسرارها ورشح علیه السلام بذكر الشم لأن الريح حظ القوة الشامة(2)، وفي موضع آخر ذكر الإمام علیه السلام هجرته في خطب نهج البلاغة، إذ جاء فيها: «فجعلت اتبع مأخذ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فأطأ ذكره حتى انتهيت إلى العرج»(3)، فذكر صبحي الصالح: «من الكلام الذي رمى به إلى غاية الايجاز والفصاحة وأراد إني كنت أعطي خبره صلی الله علیه و آله وسلم من بدء خروجي إلى أن انتهيت إلى هذا الموضع، فتكنى علیه السلام عن ذلك بهذه الكناية العجيبة»(4).
وعن شجاعته علیه السلام وشجاعة أبائه وأجداده أخذ الإمام علیه السلام يذّكر القوم أنه ينتسب لقوم شجعان لا يخشون في الله لومة لائم، إذ جاء عنه انه قال: «وإني لَمِنْ قوم لا تأخذهم في الله لومة لائم»(5)، إذ ذهب البحراني في شرحه إن مراد الإمام علیه السلام من قوله هذ هو كناية عن بلوغه في طاعة الله الغاية المطلوبة منه فانه علیه السلام لم يقف دون غاية منها حتى يلام على النقص فيها(6)، لو تصفحنا كتب التاريخ ومناقب بني هاشم لوجدنا الإرث الكبير من الشجاعة والمروءة والمنزلة الرفيعة التي كان يتمتع بها بنو هاشم على سائر الأمم كيف لا وهم حماة بيت الله والمحافظون على سنة إبراهيم الخليل والمدافعون عن مكة بمكانتهم
ص: 369
وشجاعتهم بالحفاظ على البيت الحرام، وما قاله الإمام في خطبته دليل واضح بأنه انحدر من قوم قولهم حق وكلامهم صدق، لا تأخذهم في الله لومة لائم، فقد اكتسب الوراثة منهم وبنى مجده وشموخه على سيرتهم وأفضالهم في الدفاع عن الحق ونصرة المظلوم.
وعن شجاعته علیه السلام ايضاً ذكر الإمام أمير المؤمنين من خلال خطبة في النهج الشريف، إذ جاء فيها:
«والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليّت عنها»(1).
إذ بيّن ابن ابي الحديد في شرحه انه علیه السلام أراد أن يقرر في نفوس المسلمين إنه يحارب على حق وإن حربه لأهل الشام كالجهاد أيام رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وإن من يجاهد الكفار يجب أن يغلظ عليهم ويستأصل شأفتهم(2)، وعن قتاله للناكثين(3)، والقاسطين(4)، والمارقين(5)، وجهاده معهم ذكر الإمام أمير المؤمنين قائلًا: «إنا
ص: 370
بكلاكل العرب وكسرت نواجم قرون ربيعة ومضر»(1) وذهب ابن أبي الحديد إن الباء بقوله بكلاكل زائدة والكلاكل الصدور والمعنى اني اذللتهم وصرعتهم إلى الارض ونواجم القرون ما برز منه والمراد بها سادات القبائل، أما قهره لمضر فمعلوم، وقتاله ربيعة فقد قتل بيده وبجيشه كثير من رؤسائهم في الجمل وصفين حتى سموه قتّال العرب(2)، وذكر عمر بن سعد في يوم كربلاء وهو يصف شجاعة الحسين علیه السلام انه قال: «أ تدرون من تنازلون؟ هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتّال العرب، فاحملوا عليه من كل جانب»(3).
لقد تضافرت النصوص الواردة عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بحق الإمامين الحسن والحسين علیهما السلام، التي تبرز المنزلة الرفيعة والمكانة العظيمة التي كانا يشغلانها في قلب نبي الرحمة صلی الله علیه و آله وسلم وقلوب المسلمين، فقد روى أسامة بن زيد عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قوله:
«هذان ابناي وابنا ابنتي اللهم إني أحبهما وأحب من يحبهما»(4).
فضلاً عن ذلك فقد خصَّ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم حفيديه الحسن والحسين بأوصاف تنبئ عن عظم منزلتهما لديه، إذ جاء عنه صلی الله علیه و آله وسلم انه قال:
«ان ابني هذين ريحانتاي من الدنيا»(5).
وبعد هذا العرض البسيط عن منزلة ومكانة الإمامين الحسن والحسين علیهما السلام
ص: 371
عند رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقد كان لهما فضل على الأمة الإسلامية بصورة عامة وعلى الصحابة بوجه الخصوص، فقد ورد عن أمير المؤمنين علیه السلام في خطبة في نهج البلاغة إنهما علیهما السلام استشفعا لمروان بن الحكم يوم أسر في موقعة الجمل، فكلّما أمير المؤمنين علیه السلام فأخلى سبيله، إذ جاء عنه قال:
«أ فلم يبايعني بعد قتل عثمان لا حاجة لي في بيعته إنها كف يهودية لو بايعني بيده لغدر بسبته أما إن له إمرة كلعقة الكلب...»(1).
ذكر ابن أبي الحديد في شرحه: «انه يريد بالكلام حقيقة لا مجاز وذلك لأن الغادر من العرب كان إذا عزم على الغدر بعد عهد عاهده أو عقد قد عقده حبق فهو استهزاء بما كان قد أظهره من اليمين والعهد، وسُخرية وتهكم»(2)، بينما ذهب صبحي الصالح ان المراد بقول الإمام علیه السلام:
«انه كف يهودية ولو بايعني بكفه لغدر بسبته» أن الكف اليهودية غادرة ماكرة والسبة هو ما يحرص الانسان على إخفائه وتكنى به عن الغدر الخفي(3).
وقد ذكر المسعودي «أن الإمام علیه السلام دخل على عائشة بعد أن بعث إليها ابن عباس يأمرها بالخروج من المدينة ومعه الحسن والحسين وباقي أولاده وأولاد أخوته وفتيان أهله من بني هاشم وغيرهم من شيعته فلما بصرت به النسوة صحنَ في وجهه وقلن: (يا قاتل الأحبة) فقال علیه السلام:
ص: 372
«لو كنت قاتل الأحبة لقتلت من في هذا البيت».
وأشار إلى بيت من بيوت قد اختفى فيه مروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير، فضرب من كان معه بأيديهم إلى قوائم سيوفهم لما علموا من في البيت مخافة إن يخرجوا فيقاتلوهم إلى أن قال، فسألته عائشة أن يؤمن ابن أختها عبد الله بن الزبير فآمنه فتكلم الحسن والحسين في أمر مروان فآمنه»(1).
ص: 373
ص: 374
تظافرت النصوص في كتاب نهج البلاغة على تبيان موقف الأمة إزاء أهل البيت علیهم السلام، ولعل مصداق ذلك موقفها إزاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام والسيدة الزهراء علیها السلام وذلك بعد استشهاد النبي صلی الله علیه و آله وسلم، وبناء على ما تقدم سنورد موقف الأمة حيال الإمام أمير المؤمنين والسيدة الزهراء علیهما السلام؛ لأنهما يمثلان القطبين الرئيسين لأهل البيت علیهم السلام.
إن موقف الأمة من أهل البيت علیهم السلام ولاسيما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام بعد استشهاد الرسول الكريم صلی الله علیه و آله وسلم يتوضح جلياً في خطب الإمام علیه السلام من خلال نهج البلاغة، فأمير المؤمنين علیه السلام يبیّن أن قسماً من المسلمين ممن عاش مع الرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم رجع على عقبيه بعد استشهاده صلی الله علیه و آله وسلم واستخدموا المكر والخديعة وقطع الرحم على الرغم من معرفتهم بكتاب الله العزيز الذي أكد على مودة أهل البيت علیهم السلام، إذ جاء في قوله تعالى:
«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(1).
ص: 375
إلا أن هؤلاء القوم هجروا المودة مع أهل البيت علیهم السلام وقطعوا الرحم، وقد أكد أمير المؤمنين علیه السلام على هذا المعنى بقوله:
«حتى إذا قبض الله رسوله صلی الله علیه و آله وسلم رجع القوم على اعقابهم وغالتهم السبل وانكلوا على الولائج ووصلوا غير الرحم وهجروا السبب الذي أمروا بمودته ونقلوا البناء عن رص أساسه فبنوه في غير موضعه»(1).
إذ بيّن ابن ابي الحديد في شرحه أن القوم رجعوا على الأعقاب اي تركوا ما كان عليه(2)، وهو مصداق لقوله تعالى:
«وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ»(3).
بينما ذهب البحراني بقوله: «أما على مذهب الإمامية فإشارة إلى عدول الصحابة بالخلافة عنه علیه السلام وعن أهل بيته علیهم السلام إلى الخلفاء الثلاثة وأما على مذهب من صحح إمامة الخلفاء الثلاثة فيحمل أن يريد بالقوم الراجعين على الأعقاب من خرج عليه في زمن خلافته من الصحابة كمعاوية وطلحة والزبير وغيرهم وزعموا ان غيره أحق بها منه ومن أولاده والرجوع على الأعقاب كناية عن الرجوع عما كانوا عليه من الانقياد للشريعة وأوامر الله ورسوله ووصيته بأهل بيته علیهم السلام)(4) كما جاء في الحديث الشريف أنه صلی الله علیه و آله وسلم قال:
ص: 376
«أذكِّرُكُم الله في أهل بيتي»(1).
وقد أراد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بذلك تذكير الأمة بهم علیه السلام من اعطائهم حقوقهم والامتناع عن ظلمهم، وقد ذكر التستري هذا الأمر فأشار إلى ذلك بقوله:
«حتى اذا قبض الله رسوله صلی الله علیه و آله وسلم».
فيه تصريح بما تقوله الإمامية من ارتداد الناس بعد وفاة النبي صلی الله علیه و آله وسلم ارتداداً معنوياً إلا من عصم الله من شيعته المخلصين»(2)، وفي رواية عن عمرو بن ابي المقدام(3) قال قلت للإمام الباقر علیه السلام: «إن العامة يزعمون أن بيعة أبي بكر حيث اجتمع الناس كانت رضى الله وإن الله ما كان ليضل أمة محمد من بعده فقال علیه السلام:
أوما تقرأون كتاب الله:
«وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ»(4).
فقلت له: انهم يفسرونه على وجه آخر ويقولون كيف يمكن كفرهم بعد إيمانهم فقال علیه السلام:
أوليس الله عزوجل قد أخبر عن الذين من قبلهم من الأمم أنهم قد اختلفوا من بعد
ص: 377
ما جاءتهم البينات حيث قال تعالى:
«وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ»(1).
ونفهم من خلال قراءة النص أن أصحاب النبي محمد صلی الله علیه و آله وسلم، قد اختلفوا من بعده فمنهم من آمن ومنهم من كفر. وأما قوله: (وغالتهم السبل) أهلكهم اختلاف الآراء والأهواء(2)، بينما ذهب البحراني في شرحه: «أن غيلة السبل لهم كناية عن اشتباه طرق الباطل بالحق وإشراف طرق الباطل لهم وإهلاكها إياهم وهي الشبه المستلزمة للآراء الفاسدة»(3)، وبالمعنى انهم سلكوا طرق الضلال فقادتهم إلى المهالك(4)، هي اشارة إلى قوله تعالى:
«وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ»(5).
وأما قوله علیه السلام:
«وانكلوا على الولائج».
فوليجة الرجل خاصته وبطانته(6)، وذكر محمد عبده أنهم ادخلوا على المكر والخديعة(7)، هي اشارة إلى قوله تعالى:
ص: 378
«أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ»(1).
إذ ذكر المفسرون أن الوليجة هي الخيانة وكل شيء ادخلته في شيء ليس منه فهو وليجة(2). واما قوله علیه السلام:
«ووصلوا غير الرحم» اي غير رحم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم إذ تركوا أهل بيته وقطعوا رحمه الذين أمروا بوصلهم ومودتهم(3)، وقوله علیه السلام:
«هجروا السبب» هم الذين أمروا بمودته، إذ قال تعالى:
«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(4).
وقد ذكر ابن ابي الحديد ان مراد الإمام علیه السلام من قوله:
«وهجروا السبب».
هي إشارة إلى قول النبي صلی الله علیه و آله وسلم:
«خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي حبلان ممدودان من السماء إلى الارض ولا يفترقان حتى يردا علي الحوض».
فعبّر أمير المؤمنين علیه السلام عن أهل البيت علیهم السلام بلفظ السبب لما كان النبي صلی الله علیه و آله وسلم قال حبلان والسبب في الله الحبل»(5)، وانهم علیهم السلام سبب لمن اهتدى بهم في الوصول إلى
ص: 379
الله تعالى(1).
وأما قوله علیه السلام:
«ونقلوا البناء عن غير أساسه فبنوه على غير موضعه» فهي اشارة إلى العدول بأمر الخلافة عنه وعن أهل بيته علیهم السلام إلى غيرهم(2)، ومن مضمون الرواية نجد أن الإمام علیه السلام أكد على مسألة غصب حقه في الخلافة خاصة، وأهل بيته علیهم السلام عامة، فإن هؤلاء النفر جعلوا هذا الأمر في غير موضعه الذي أراده رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وهم بذلك ابتعدوا عن أهل البيت علیهم السلام الذين أمر الله تعالى رسوله الكريم صلی الله علیه و آله وسلم بمودتهم لكن القوم غيّوا السنن وخالفوا كلام رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.
وقد روي عن الطوسي عن الإمام علي بن الحسين السجاد علیه السلام في صلح الإمام الحسن علیه السلام انه قال: قال الحسن علیه السلام:
«إن معاوية بن صخر زعم أني رأيته للخلافة أهلاً ولم أر نفسي لها أهلاً كذب معاوية، وأيمَ الله لانا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان رسوله غير إنا لم نزل أهل البيت مخوفين مظلومين مضطهدين منذ قبض الله النبي صلی الله علیه و آله وسلم فالله بيننا وبين من ظلمنا حقنا ونزل في رقابنا ومحل الناس على اكتافنا ومنعنا سهمنا في كتاب الله ومنع أمنا فاطمة من إرثها، إنا لا نسمي أحداً ولكن أقسم بالله لو أن الناس سمعوا قول الله وقول رسوله لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها. ولما اختلف في هذه الأمة سيفان ولأكلوها خضراء إلى يوم القيامة وما طمعت فيها يا معاوية، ولكن لما اخرجت سالفاً من معدنها وزحزحت عن قواعدها تنازعتها قريش بينها وترامتها كترامي الكرة حتى طمعت فيها انت يا معاوية واصحابك من بعدك وقد
ص: 380
قال النبي :t ما ولّت أمة أمرها رجلاً قط وفيهم من هو أعلم منه ولم يزل امرها سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا، وقد تركت بنو اسرائيل وكانوا اصحاب موسى هارون أخاه وخليفته ووزيره وعكفوا على العجل واطاعوا فيه سامريهم وهم يعلمون انه خليفة موسى، وقد سمعت هذه الأمة قول النبي صلی الله علیه و آله وسلم لأبي:
أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي...»(1).
نستدل من خلال قراءة النص ان الإمام الحسن علیه السلام بيّن في خطبته أنه لم ير معاوية اهلاً للخلافة وإنما صالحه حقناً لدماء المسلمين وحفاظاً على أرواحهم وقلة المناصرين له كما حصل مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ومع أبيه أمير المؤمنين علیه السلام. وعن سلمان رضی الله عنه قال:
«يومئذ أصبتم ذا السن منكم ولكنكم أخطاتم أهل بيت نبيكم لو جعلتموها فيهم ما اختلف عليكم إثنان ولأكلتموها رغدا»(2)، وان تأكيد أمير المؤمنين علیه السلام، على هذا الأمر لم يكن حرصاً منه على أمر دنيوي زائل بل انه علیه السلام وبحكم نظرته الشمولية للأمور يرى ان هؤلاء بفعلتهم انقلبوا على أعقابهم مذكراً بالآية القرآنية:
«وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ»(3).
ص: 381
ولاسيما ان أهل البيت علیهم السلام وكما يصفهم أمير المؤمنين علیه السلام بأنهم:
«قوام الله على خلقه وعرفاؤه على عبادة، لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار إلامن أنكرهم وأنكروه»(1).
وفي ذلك اشارة واضحة إلى قول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم الذي وضع مكانة أهل البيت علیهم السلام في الأمة:
«ان مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك»(2).
وفي موضع آخر من النهج الشريف بيّن أمير المؤمنين علیه السلام بانه أحق الناس بخلافة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم في الأمور الدينية والدنيوية ونستشف ذلك من خلال قوله علیه السلام:
«ومن ذا أحق به مني حياً وميتاً»(3).
إذ بيّن البحراني أن مراد الإمام علیه السلام من ذلك انه لأحق بالمنزلة والقرب منه، ففي حياته بالأخوة والوزارة وبعد موته بالوصية والخلافة، إذ لا يريد انه أحق بذاته فبقي أن يريد كونه أحق به في المنزلة وولاية أمره من بعده(4).
وقد ذهب محمد جواد مغنية في هذا الصدد بالقول: «نشأ الإمام علیه السلام في حجر النبي صلی الله علیه و آله وسلم وكفاه الكثير من أموره قبل البعثة وبعد نزول الوحي، وكان أول من أمن به وصلى معه وأول من فداه بنفسه وضرب بين يديه بالسيف وهو في مقتبل العمر وقتل أبطال الشرك والضلال وواساه بنفسه في كل موطن وكان له شرف خدمته
ص: 382
وتمريضه وملازمته عند الاحتضار ثم شرف غسله وتجهيزه وغيره من الصحابة يتصارعون على الخلافة، وقد كان أمير المؤمنين بعلمه واخلاقه امتداداً لشخصية الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وبهذا الامتداد المحمدي وهذه الروح النبوية»(1)، فمن أحق بالنبي صلی الله علیه و آله وسلم من أمير المؤمنين علیه السلام حياً وميتاً، إذ ذكر الله تعالى في محكم كتابه العزيز:
«إِنَّمَا وَلِیُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(2).
فقد ذكر المفسرون انها نزلت في علي بن أبي طالب علیه السلام عندما مر به سائل في حال ركوعه فأعطاه خاتمه(3)، وعن سلمان رضی الله عنه قال: «دخلت على رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم صبيحة يوم قبل اليوم الذي مات فيه فقال لي:
يا سلمان لا تسألني عما كابدته من الألم والسهر أنا وعلي.
فقلت يا رسول الله ألا أسهر معك بدله؟ فقال:
لا هو أحق بذلك منك»(4).
فضلاً عن ذلك فإن الإمام أمير المؤمنين علیه السلام مصداق الحق كما عبّر عن ذلك رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«علي مع الحق والحق مع علي»(5).
ص: 383
إذ أكد علیه السلام هذا الأمر قائلاً:
«هو الذي لا إله إلا هو، اني لعلى جادة الحق وإنهم لعلى مزلّة الباطل»(1).
إذ فضح الإمام علیه السلام اولئك الذين بخسوه حقه في الوصية والوراثة.
وقد بيّن ابن ابي الحديد في شرحه: «أنه كلام عجيب على قاعدة الصناعة المعنوية لأنه علیه السلام لا يحسن أن يقول وانهم لعلى جادة الباطل لأن الباطل لا يوصف بالجادة لهذا يقال لمن ضل وقع في بنيات الطريق فعبّر عنها بلفظ المزلّة وهي الموضع الذي يزل فيه الانسان والمزلة والمفرقة موضع الفرق والمهلكة موضع الهلاك»(2)، وذكر ابن قتيبة: «أن رجلاً من همدان يقال له برد قدم على معاوية فسمع عمرو بن العاص يقع في علي علیه السلام فقال له يا عمرو إن أشياخنا سمعوا النبي صلی الله علیه و آله وسلم يقول:
من كنت مولاه فعلي مولاه، فحق ذلك أم باطل؟ فقال عمرو: حق وأنا أزيدك أن ليس أحد من صحابة النبي صلی الله علیه و آله وسلم له مناقب مثل مناقب علي بن أبي طالب، ففزع الفتى، فقال عمروا: إنه أفسدها بأمره عثمان، فقال برد: هل أمر أو فعل؟ قال:
لا لكنه أوى ومنع قال: فهل بايعه الناس عليها؟ قال نعم، قال فما اخرجك من بيعته؟ قال: اتهامي إياه في عثمان قال له وأنت أيضاً قد اتهمت؟ قال: صدقت فيها خرجت إلى فلسطين فرجع الفتى إلى قومه فقال إنا أتينا قوماً أخذنا الحجة عليهم من افواههم على علي الحق فأتبعوه»(3)، ونستدل من ذلك بأحقية أمير المؤمنين علي علیه السلام دون سواه في إمامة الأمة بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ومناقبه التي شهد بها أعداؤه قبل اصحابه والموالين له ورجوع الفتى إلى قومه خير دليل على التضليل الاعلامي
ص: 384
الذي كانت تمارسه دولة الشام في طمس الحقيقة التي قالها رسول الله ونص عليها القرآن بالولاية والإمامة لعلي بن أبي طالب.
وفي مورد آخر صرح أمير المؤمنين علیه السلام إغتصاب حقه منذ أن قبض رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، حتى هذا اليوم الذي تحدث فيه، إذ جاء عنه انه قال:
«فوالله مازلت مدفوعاً عن حقي مستأثراً علي منذ أن قبض الله نبيه صلی الله علیه و آله وسلم حتى يوم الناس هذا»(1).
إذ بيّن ابن ابي الحديد أن الإمام علیه السلام يقول ان الاستئثار علي و التغلب أمر لم يتجدد الآن ولكنه كان منذ أن قبض رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم(2)، بينما ذكر محمد جواد مغنية: «أن حق الإمام علیه السلام في الخلافة هو حق الانسان بالذات، لأنه الحارس لها والضامن ومن أجل هذا وحده حاربوه ودفعو عن الخلافة ولما توافرت له أسبابها ثار عليه الناكثون والقاسطون والمارقون وخلفوا المشاكل والمصاعب للإسلام والمجتمع الاسلامي بكامله من التفرقة في الدين وسفك الدماء وانتهاك الحرمات فظُلم الإمام علیه السلام وتألم للحق والناس جميعاً»(3)، وقد روى في هذا الصدد أبو القاسم البلخي مسنداً قال: «بينما علي علیه السلام يخطب، إذ قام اعرابي فصاح وا مظلمتاه فاستدناه الإمام علي علیه السلام فلما دنا منه قال له:
إنما لك ظلمة واحدة وأنا قد ظُلِمت عدد المدر والوبر»(4).
وقد روي عن الإمام الباقر علیه السلام أنه قال:
ص: 385
«قال علي علیه السلام ما رأيت منذ بعث الله محمداً صلی الله علیه و آله وسلم رخاءً، لقد أخافتني قريش صغيراً وانصبتني كبيراً حتى قبض الله رسوله فكانت الطامة الكبرى والله المستعان على ما تصفون»(1).
ونفهم من ذلك إن المظلومية كانت منذ صغره، إذ ان قريش ناصبتهُ العداء قبل وبعد وفاة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم. وفي موضع أخر نجد الإمام علیه السلام يذكرّهم بحقه بالخلافة قائلًا:
«أيها الناس إنِ أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه، أعلمهم بأمر الله فيه»(2).
وبيّن البحراني ان مراد الإمام من هذا القول: «هو أنه احق بالخلافة من غيره كونه أقوى الناس عليها وهو الأكمل قدرة على السياسة والأكمل علماً بمواقعها وكيفياتها وكيفية تدبير الامور والحروب وذلك يستلزم كونه أشجع الناس وأعلمهم باوامر الله، فمفهوم العمل بأوامر الله يستلزم الأعلم بأصول الدين وفروعه ليضع الاعمال مواضعها ويستلزم من هو أشد حفاظاً على مراعاة حدود الله والعمل بها وذلك يستلزم كونه أزهد الناس وأعفهم وأعدلهم»(3).
وفي المعنى نفسه جاءت نصوص أخرى عن أمير المؤمنين علیه السلام لتوكد ما ورد في نهج البلاغة، إذ ورد في كتاب الغارات أن أمير المؤمنين علیه السلام قال عند خطبته بعد مقتل محمد بن ابي بكر: «فما كانوا لولاية أحد منهم أشد كراهية لولايتي عليهم، كانوا يسمعونني عند وفاة النبي صلی الله علیه و آله وسلم أحاجج ابا بكر وأقول يا معشر قريش إنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم، ما كان فينا من يقرأ القران ويعرف السنة ويدين الحق، فخشى القوم إن أنا وليت عليهم ان لا يكون لهم من الأمر نصيب ما بقوا
ص: 386
فأجمعوا اجماعاً واحداً فصرفوا الولاية إلى عثمان واخرجوني منها رجاء أن ينالوها ويتداولونها إذ يئسوا أن ينالوها من قبلي»(1).
أما بخصوص أحقيته بالخلافة وموقفه منها وتقديمه المصلحة العامة وحماية بيضة الإسلام، فقد عبّر أمير المؤمنين علیه السلام عن ذلك بقوله: «لقد علمتم إني أحق بها من غيري، والله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين»(2) أشار ابن ابي الحديد إلى ما أورده أمير المؤمنين علیه السلام في خطبته لما عزم القوم على مبايعة عثمان بن عفان ناشد علیه السلام أصحاب الشورى وعدّد فضائله وخصائصه التي بان بها منهم ومن غيرهم، إذ قال:
«أنشدكم الله أفيكم أحد قال له النبي صلی الله علیه و آله وسلم: من كنت مولاه فهذا مولاه غيري؟ فقالوا: لا.
فقال أفيكم احد قال له النبي صلی الله علیه و آله وسلم: انت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي غيري؟ قالوا: لا.
قال أفيكم من أؤتمن على سورة براءة وقال له النبي صلی الله علیه و آله وسلم: انه لا يؤدي عني إلا أنا ورجل مني غيري؟ قالوا: لا.
فقال ألا تعلمون ان اصحاب النبي صلی الله علیه و آله وسلم فروا عنه في الحرب في غير موطن وما فررت قط؟ قالوا: بلى.
قال: فأينا أقرب إلى النبي صلی الله علیه و آله وسلم نسباً؟
ص: 387
قالوا: أنت، فقطع عبد الرحمن بن عوف كلامه وقال: يا علي قد أبى الناس إلا على عثمان فلا يجعل على نفسك سبيلاً، ثم قال يا أبا طلحة ما الذي أمرك به عمر؟ قال: أن اقتل من شق عصا الجماعة، فقال عبد الرحمن لعلٍي بايع إذن وإلا كنت متبعا غير سبيل المؤمنين ونفذنا فيك ما أمرنا به، فقال علیه السلام:
«لقد علمتم أني أحق بها من غيري، والله لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين»(1).
ونستشف من النص أعلاه أن أمير المؤمنين علیه السلام ذكَّرَ القوم بفضائله ومناقبه وأحقيته بالخلافة والمزايا التي اختص بها دون الصحابة إلا أن القوم كانوا عازمين على بيعة عثمان واستخدموا لغة القتل والتهديد في حال رفض الإمام البيعة بحجة شق عصا الجماعة. أما بخصوص استبداد القوم واستئثارهم بالأمر بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقد أدلى أمير المؤمنين علیه السلام بدلوه في هذه الخطبة وكان هذا الأمر مثار استغرابه علیه السلام، إذ قال في هذا الصدد:
«فوالله ما كان يلقي في روعي ولا يخطر ببالي ان العرب تنزع هذا الأمر من بعده صلی الله علیه و آله وسلم عن أهل بيته ولا إنهم منحوه عني من بعده»(2).
وفي المعنى نفسه جاء ابن ابي الحديد بنص آخر عن أمير المؤمنين علیه السلام ليؤكد ما ورد في نهج البلاغة، إذ ورد عنه أن أمير المؤمنين خطب بعد فتح مصر ومقتل محمد بن ابي بكر، إذ قال:
«أما بعد فإن الله بعث محمداً صلی الله علیه و آله وسلم نذيراً للعالمين وأمينا على التنزيل وشهيداً على هذه الأمة إلى أن قال فلما مضى لسبيله تنازع المسلمون الأمر بعد، فوالله ما كان
ص: 388
يلقي في روعي ولا يخطر على بالي ان العرب تعدل هذا الأمر بعد محمد صلی الله علیه و آله وسلم عن أهل بيته ولا انهم منعوه عني من بعده فلما راعني انثيال الناس عن ابي بكر وإجفالهم إليه ليبايعوه فأمسكت يدي ورأيت أني احق بمقام محمد صلی الله علیه و آله وسلم في الناس ممن تولى الأمر من بعده، فليبعث بذاك ما شاء الله حتى رأيت راجعة الناس رجعت عن الإسلام ويدعون إلى حق دين الإسلام وملة محمد صلی الله علیه و آله وسلم، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً وهدماً ويكون المصاب بها علي اعظم من فوات ولاية أموركم التي إنما هي متاع أيام قلائل ثم يزول كما تزول السراب»(1).
نفهم من خلال قراءة النص ان قبول الإمام بالخلافة بعد وفاة عثمان بن عفان هو حفاظ على الإسلام عندما شاهد الناس قد بدأت تتخلى عن مبادئ الدين الاسلامي الذي جاء به رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وبدأ يزول بسبب سياسة الخلفاء الذين سبقوه وان عدم نصرته للإسلام وتقويته لأمر الخلافة يعد ثلمة وهدما للدين الإسلامي وإنه علیه السلام لا رغبة له بالخلافة لأنها زائلة كزوال السراب.
ومن الجدير بالقول إن أمير المؤمنين علیه السلام يقف على الأسباب المباشرة التي أدت إلى موقف المسلمين، ولاسيما الصحابة منهم ونجد الأثَرة من أبرز تلك الأسباب، على الرغم من معرفت القوم بمقام أهل البيت علیهم السلام الموصى بهم من قبل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وقد بيّ ذلك بقوله علیه السلام:
«أما الاستبداد علينا بهذا المقام ونحن الأعلون نسباً والأشدون برسول صلی الله علیه و آله وسلم نوطاً فإنها كانت أثَرةً شحَّت عليها نفوس قومٍ وسَخَت عنها نفوس آخرين»(2).
ذهب ابن ابي الحديد ان مراد الإمام علیه السلام بالاستبداد بالشيء هو التفرد والنوط
ص: 389
هو الالتصاق وكانت أثرة اي الاستئثار بالامر(1)، بينما ذهب محمد جواد مغنية: «ان أهل البيت علیهم السلام أحق بالنبي صلی الله علیه و آله وسلم وأولى مادام فيهم عالم يسير على هدى الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وسنته»(2)، وأما قوله علیه السلام:
«شحت عنها نفوس آخرين».
فهم أهل البيت علیهم السلام، فقد تركوا الخلافة للذين حرضوا وتنافسوا عليها لأن الكثير من الاقوياء يهتمون بمصالحهم اكثر من اهتمامهم بالإسلام ومصالحه والله الفيصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون(3)، وقد ذكر ابن ابي الحديد قوله علیه السلام:
«شحت عليها نفوس قوم».
سخت وبخلت وسخت بالقوم هم أهل السقيفة وأهل الشورى(4).
وعن الإمام الحسن بن علي علیه السلام عن آبائه قال: «بينما أمير المؤمنين في اصعب موقف بصفين، إذ قام رجل من بني أسد فقال: يا أمير المؤمنين العجب فيكم يا بني هاشم كيف عدل بهذا الأمر عنكم وأنتم الأعلون نسباً وسبباً ونوطاً بالرسول صلی الله علیه و آله وسلم وفهماً لكتاب الله؟ فقال أمير المؤمنين علیه السلام:
يا ابن دودان إنك لقلق الوضين، ضيق الخرم مترسلٌ غير ذي مسد لك ذمامة الصهر وضعف المسألة، وقد استعلمت فاعلم كانت أثرة سخت بها نفوس قوم وشحت عليها نفوس آخرين فدع عنك نهباً صيح في حجراته وهلم الخطب في
ص: 390
أمر ابن ابي سفيان فلقد اضحكني الدهر بعد ابكائه ولا غرو ويئس القوم والله من خفضي وهينتي وحاولوا الإدهان في ذات الله وهيهات ذلك مني، فإن تنحسر عنا محن البلوى أحملهم من الحق على محضه وإن تكن الأخرى فلا تذهب نفسك عليهم حسرات فلا تأس على القوم الفاسقين»(1).
إن أمير المؤمنين علیه السلام يسوق هذا السبب فيعده السبب المباشر وراء تظافر البعض على سلب حقوق أهل البيت علیهم السلام وهو الاستئثار بما أوصى به رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لهم، وفي الوقت نفسه هناك قوم لم يذهبوا إلى ما ذهب إليه المستأثرون بل سخت نفوسهم عن ذلك(2)، في منحى آخر وضح أمير المؤمنين علیه السلام ان مطالبته بالأمر بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ليست قبلية أو عاطفية، بل انه يطالب بحق نبيه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في اكثر من موضع فحرضه علیه السلام على المطالبة بحق أهل البيت علیهم السلام المغصوب وتبيانه للملأ من المسلمين ما هو الا ضرورة تحسم لفضح اولئك الذين يدعون انهم اقرب الناس إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم منه على الرغم من انهم يعلمون علم اليقين ان اقرب الناس لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وآخرهم عهداً هو أمير المؤمنين علیه السلام القائل مخاطباً رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«وفاضت بين نحري وصدري نفسك»(3) فقد روى المفيد قائلاً: «انه لما حضر رسول الله الوفاة وأمير المؤمنين حاضر عنده ولما قرب خروج نفسه صلی الله علیه و آله وسلم قال له:
ضع رأسي يا علي في حجرك فقد جاء امر الله عزوجل، فاذا فاضت نفسي فتناولها
ص: 391
بيدك وامسح بها وجهك ثم وجهني إلى القبلة وتولَّ امري وصلِّ علي أول الناس ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي واستعن بالله تعالى.
فأخذ علي علیه السلام رأسه فوضعه في حجره فأغمى عليه فأكبت فاطمة علیها السلام تنظر في وجهه وتندبه وتبكي وتقول:
وابيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثمال(1) اليتامى عصمة للأرامل ففتح رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عينيه وقال بصوت ضئيل:
يا بنية هذا هو قول عمك أبي طالب لا تقوليه ولكن قولي: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات او قتل انقلبتم على اعقابكم.
فبكت طويلاً فأوما إليها بالدنو منه فدنت فأسر إليها شيئاً تهلل له وجهها، ثم قضى صلی الله علیه و آله وسلم ويد أمير المؤمنين علیه السلام اليمنى تحت حنكه ففاضت نفسه صلی الله علیه و آله وسلم فيها فرفعها إلى وجهه فمسحه بها، ثم وجَّهه وغمَّضه ومدَّ عليه إزاره واشتغل بالنظر في أمره»(2) فما من أحد غيره علیه السلام من المسلمين تربى في كنفه صلی الله علیه و آله وسلم او دافع عنه فهو اخوه وابن عمه وصهره وقائد كتيبته عندما يحمى الوطيس وغير ذلك فهو علیه السلام نفسه بنصّ القرآن الكريم:
«فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»(3).
وعن موقف قريش حياله علیه السلام وحيال آل البيت علیهم السلام ومحاربتهم إياه كاجتماعهم
ص: 392
على جهاد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قال علیه السلام بهذا الخصوص:
«فإنهم قد اجتمعوا على حربي اجتماعهم على حرب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قبلي فجزت قريشاً عني الجوازي فقد قطعوا رحمي وسلبوني سلطان ابن أمي»(1).
علّق البحراني على هذا القول فذكر أن قريشاً اجتمعت وصممت وعزمت على حرب علي علیه السلام منذ أن بويع بالخلافة بغضاً له وحسداً وحقداً عليه واتفقوا على شقاقه كما كانت حالتهم في بدء الإسلام مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ولم يفترق الحالان في شيء من ذلك(2)، إذ روي عن الإمام الصادق علیه السلام قاوله في تفسير قوله تعالى:
«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ»(3).
عنى الله بهم قريشاً الذين عادوا الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وجحدوا وصيته(4).
وذكر ابن ابي الحديد ما قاله الإمام الباقر علیه السلام من تظاهر قريش على ظلم أهل البيت علیهم السلام قائلاً:
«ما لقينا من ظلم قريش إيانا وتظاهرهم علينا وما لقي من شيعتنا ومحبّينا من الناس أن النبي صلی الله علیه و آله وسلم قبض وقد أخبرنا أنا اولى الناس بالناس فتظاهرت علينا قريش حتى أخرجت الأمر عن معدنه واحتجت على الأنصار بحقنا وحجتنا ثم تداولتها قريش واحداً بعد واحد حتى رجعت إلينا فنكثت بيعتنا ونصبت الحرب لنا»(5).
إذ كانت قريش أشد عداوة لرسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأهل بيته ظاهراً وباطناً ومنهم بنو أمية.
ص: 393
وبخصوص قوله علیه السلام:
«فجزت قريشاً عني الجوازي».
أورد البحراني في شرحه انه دعا عليهم بأن يجازوا بمثل فعلهم به من قطيعة الرحم وسلبهم سلطان الإسلام والخلافة التي هو اولى بها(1)، وقد تمثل بهذا الدعاء الإمام الكاظم علیه السلام لما هدده الخليفة العباسي موسى الهادي (169 - 170 ه)(2) بالقتل فعجل الله تعالى هلاكه(3).
وأما قوله علیه السلام:
«سلبوني سلطان ابن أمي وقطعوا رحمي».
فيعني بها الخلافة وابن أمه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لأنهما إبنا فاطمة بنت عمرو بن عمران بن عائد بن مخزوم أم عبدالله وابي طالب ولم يقل علیه السلام ابن أبي، لأن غير أبا طالب من الأعمام يشركه في النسب إلى عبد المطلب(4)، وقد ذكر المسعودي قول ابي سفيان لما بويع عثمان، إذ انه قال: «يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة فوا الذي يحلف به أبو سفيان ما زلت أرجوها لكم ولتصيرن إلى صبيتكم وراثة وعندما وصل هذا الكلام إلى المهاجرين والانصار وقام عمار بن ياسر في المجلس، إذ قال:
يا معشر قريش اما اذا صرفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم هاهنا مرة وهاهنا مرة، فما أنا بآمن أن ينتزعه الله منكم فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله
ص: 394
ووضعتموه في غير أهله»(1).
من خلال قراءة النصوص الواردة نفهم من ذلك ان قريشاً قد اظهرت عداوتها وبغضها بالرسول صلی الله علیه و آله وسلم في علي بن ابي طالب علیه السلام لأنه كنفس رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بنص القرآن الكريم فحاربوه ونصبوا العداوة له ولولده من بعده لأن اسلامهم لم يكن حقيقاً وإن دخلوا في الإسلام وعفى عنهم رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم والدليل على ذلك ما قاله القوم للحسين بن علي علیه السلام في واقعة كربلاء الشهيرة عندما قال علیه السلام:
«يا ويلكم على ما تقاتلوني، على حق تركته ام على سنة غيرتها ام على شريعة بدلتها.
قالوا: بل نقاتلك بغضا منا لأبيك وما فعل بأشياخنا يوم بدر وحنين»(2).
في موقف آخر من النهج الشريف نجد ان الإمام علياً علیه السلام كان حريصاً على توبيخ من يقول أن علياً حريص على هذا الأمر؟ فيقول في ذلك علیه السلام:
«وقال قائل إنك يا ابن أبي طالب على هذا الأمر لحريص: فقلت بل انتم والله أحرص وابعد واقرب وإنما طلبت حقاً لي وانتم تحولون بيني وبينه وتضربون وجهي دونه فلما قرعته بالحجة في الملأ الحاضرين هب كأنه بهت لا يدري ما يجيبني به»(3).
فقد بيّن ابن ابي الحديد في شرحه ان هذا ما جرى يوم الشورى بعد مقتل عمر بن الخطاب، إذ قال سعد بن ابي وقاص لأمير المؤمنين علي علیه السلام انك على هذا الأمر لحريص مع روايته فيه: انت مني بمنزلة هارون من موسى، فقال لهم علیه السلام بل انتم
ص: 395
والله أحرص وأبعد(1)، اي أحرص على هذا الأمر وأبعد من استحقاقه وهو في صورة احتجاج وكل من كان أحرص على هذا الأمر وأبعد منه ليس له أن يصير الأقرب إليه بالحرص عليه(2)، وقد عززت المصادر التاريخية ما جاء في خطب أمير المؤمنين علیه السلام الواردة في نهج البلاغة، إذ ذكر الثقفي ان أمير المؤمنين علیه السلام احتج يوم الشورى وبيان حال قريش في صرف الأمر عنه إلى عثمان، إذ قال علیه السلام:
«فجعلني الثاني سادس ستة فما كانوا لولاية أحد أشد كراهية منهم لولايتي عليهم فكانوا يسمعوني عند وفاة الرسول صلی الله علیه و آله وسلم أحاجج أبا بكر وأقول: يا معشر قريش إنا أهل البيت أحق بهذا الأمر منكم، أما كان فيكم من يقرأ القرآن ويعرف السنة ويدين دين الحق، فخشي القوم إن إنا ولّيت عليهم ألا يكون لهم في الأمر نصيب»(3).
وفي موضع آخر قال علیه السلام لعبد الرحمن بن عوف:
«ولست عليه حريصاً إنما أطلب ميراث رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وحقه وإن ولاء أمته لي من بعده وانتم أحرص عليه مني، إذ تحولون بيني وبينه وتصرفون وجهي دونه بالسيف»(4).
وقد ذكر الشرهاني قصة استبعاد الإمام علي علیه السلام من الخلافة قائلاً: «إن استبعاد علي بن أبي طالب من الخلافة وعدم الأخذ بعين الأهمية المؤهلات التي كان يتمتع
ص: 396
بها، وإن الطريقة التي وضعت من أجل اختيار الخليفة كان المقصود منها استبعاده من الخلافة(1)، ووضح ذلك بقوله لعمه العباس بن عبد المطلب: عُدِلَ بالأمر عني يا عم، قال وما علمك؟ قال: قرن بي عثمان، وقال عمر كونوا مع الأكثر، فإن رضي رجلان رجلا ورجلان رجلاً تكون مع الذين فيهم عبد الرحمن فسعد لا يخالف عمه وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفون فيوليها عبد الرحمن عثمان أو يوليها عثمان عبد الرحمن فلو كان الاخران معي لم يغنياه شيئاً»(2)، وأي ظلامة تلك التي ارتكبتها الامة بحق أهل بيت نبيّها، فهم يحولون بين الأمر وأهله على الرغم من الحجج التي بين ايديهم ولا يستطيعون الرد عليها، إذ ان صاحب الحق علیه السلام يلقي تلك الحجج على مرأى ومسمع الجميع وفوق هذا وذاك فهم يتهمون أمير المؤمنين علیه السلام بالحرص على هذا الأمر وذلك لانهم يقيسون الامور حسب رؤيتهم وتفكيرهم، إذ إنهم ينظرون إلى هذا الأمر من زاوية الملك والسلطان والعنوان، أما هو علیه السلام فينظر إليه ويحرص عليه من زاوية كونه حقاً مغتصباً من جانب وباباً لإصلاح الامة واستكمال نهج نبيها الكريم صلی الله علیه و آله وسلم من جانب آخر وشتان ما بين الرؤيتين(3).
إن أمير المؤمنين علیه السلام لم يتوانَ في بيان مظلومية أهل البيت علیهم السلام وفضح المحاولات التي نجحت في ابعاده علیه السلام عن استلام حقه الشرعي في خلافة اخيه وابن عمه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ولم يدخر علیه السلام وسعاً في إعلام الناس بتلك المحاولات، التي يمكن ان يعبر عنها انها مؤامرات واصطفافات غايتها اقصاؤه علیه السلام عن قيادة الامة بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم.
ص: 397
وفي الاطار نفسه يشير علیه السلام إلى موقف أهل بيته علیه السلام من التطورات التي حدثت بعد استشهاد الرسول صلی الله علیه و آله وسلم وذلك من خلال فضح ما فعلته رجالات قريش بأمير المؤمنين علیه السلام واخ رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ونفسه بنص القرآن الكريم، صرح بهذا الأمر في إحدى خطبه علیه السلام قائلاً:
«اللهم إني استعديك على قريش ومن أعانهم فإنهم قطعوا رحمي وصغروا عظيم منزلتي وأجمعوا على منازعتي أمراً هو لي ثم قالوا ألا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق ان تتركه»(1).
إذ ذهب ابن ابي الحديد في شرحه ان مراد الإمام علیه السلام من قوله اني استعديك أي اطلب أن تعديني عليهم وأن تنصف لي منهم(2)، بينما اورد البحراني في شرحه بانها استعانة الله تعالى على قريش ومن اعانهم عليه، وشكا امورهم منها فقطع رحمه، فإنهم لم يراعوا قرابته من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وتصغير عظيم منزلته بعد التفافهم على ما ورد في النصوص النبوية في حقه ومنها اتفاقهم على منازعته امر الخلافة التي يرى انه احق بها منهم(3).
وقوله علیه السلام:
«ألا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تتركه».
ذكر البحراني في شرحه: «انهم لم يقتصروا على أخذ حقي ساكتين عن الدعوى ولكنهم أخذوه وادعوا أن الحق لهم وانه يجب علي ان اترك المنازعة فيه، فليتهم اخذوه معترفين بأنه حقي فكانت المصيبة اهون»(4)، بينما ذكر محمد عبده هذه
ص: 398
الخطبة وعلق عليها بقوله: او يريد أنهم اعترفوا بفضله وأنه أجدرهم بالقيام به فضى الحق ان يأخذه ثم لما اختار المقدم في الشورى غيره عقدوا له الأمر وقالوا للإمام علیه السلام في الحق ان تتركه فتناقض حكمهم بالحقيقة في القضيتين ولا يكونه الحق في الاخذ إلا لمن توافرت فيه شروطه»(1).
وذكر ابن ابي الحديد أنَّ الاخبار تواترت عنه علیه السلام في هذا القول:
«ومازلت مظلوماً منذ قبض الله رسوله حتى يوم الناس هذا».
وقوله:
«اللهم اجز قريشاً فإنها منعتني حقي وعصتني أمري».
وعندما سمع صارخاً ينادي أنا مظلوم فقال علیه السلام:
«هلم فلنصرخ معاً فإني مازلت مظلوماً»(2).
فالإمام علیه السلام يصور حال رجال قريش المناوئين له والسالبين لحقه ويوضح السبب في ذلك وهو ابعاده عن قيادة الأمة بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فضلاً عن علمهم المطلق بأنه أحق من غيره بهذا الأمر. وفي مورد آخر من نهج البلاغة اكد الإمام علي علیه السلام احتجاجه على الشكوى من امر الخلافة ثم ترجيح صبره عنها ثم مبايعة الناس له قائلا:
«أما والله تقمصها فلان(3) وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير فسدلت دونها ثوباً وطويت عنها كشحاً...»(4).
ص: 399
إذ فسرها ابن ابي الحديد في شرحه: «تقمصها جعلها كالقميص مشتملة عليه، ومحلي منها محل القطب من الرحى إذ أن الرحى لا تدور إلا على القطب كذلك الخلافة، فإنها لا تقوم إلّا بي ولا يدور امرها إلا عليّ، وإنه أراد من الخلافة في وسطها كالقطب من الرحى»(1). ولعل ما قصده الإمام علیه السلام أقرب إذ جاء في خطبة اخرى له قائلاً:
«وإنما أنا قُطب الرحى، تدور علي وأنا بمكاني، فإذا فارقته استحار مدارها واضطرب ثفالها(2)»(3).
فقد جاء أمير المؤمنين علیه السلام بالادلة التي تؤكد علم ابي بكر بأن الخلافة للإمام علي علیه السلام لا لغيره وهي القسم (والله واللام في ليعلم) فضلاً عن علم ابي بكر بحق الإمام علیه السلام إذ سمع من النبي صلی الله علیه و آله وسلم أحاديث في حقه علیه السلام.
أما قوله علیه السلام:
«ينحدر عني السيل».
علق محمد عبده على ذلك قائلا: «كأنه في ذروة جبل ينحدر عنه إلى الوهاد وهي تمثيل لسمو قدره علیه السلام وقربه من مهبط الوحي وان ما يصل إلى غيره من فيض الفضل فإنما يتدفق من حوضه ثم ينحدر عن مقامه العالي فيصب منه ماشاء الله»(4)، وأما قوله علیه السلام:
«لا يرقى إليّ الطير»
ص: 400
ذهب البحراني ان مراد الإمام منها: «هو كناية عن غاية اخرى من العلو إذ ليس كل مكان علا بحيث ينحدر عنه السيل وجب أن لا يرقى إليه الطير، فكان ذلك علواً أزيد»(1)، وقد فسّر الصدوق قول الإمام علیه السلام:
«يريد أن الخلافة ممتنعة على غيري، لا يتمكن منها ولاتصلح له»(2).
ونستدل من ذلك أن الإمام علیه السلام وضّح في خطبته المباركة مسألة اغتصاب حقه بالخلافة وهم على علم أنه أحق بها من غيره لأنهم سمعوا قول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأنكروه وهذا ما أكدته المصادر التاريخية في هذا الأمر، وفي رواية للطبري الإمامي عن سعيد بن المسيب قال: «قلت لسعد بن ابي وقاص اني أريد أن أسالك عن شيء وإني أتقيك قال: سل عما بدا لك، فإنما أنا ابن عمك، قلت ما قال النبي صلی الله علیه و آله وسلم فيكم يوم الغدير؟ قال: نعم قام فينا بالظهيرة فأخذ بيد علي بن أبي طالب فقال:
من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره.
فقال أبو بكر وعمر: أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن»(3).
وذكر المسعودي محادثة بين محمد بن ابي بكر ومعاوية بن أبي سفيان اذا اعترف معاوية لمحمد بن ابي بكر بحق الإمام علي علیه السلام بالخلافة وانها اغتصبت من قبل الخليفتين الاول والثاني قائلاً: «فقد كنا وابوك فينا نعرف فضل ابن أبي طالب وحقه لازماً لنا مبرراً علينا فلما اختار الله لنبيه ما عنده وأتم ما وعده وأظهر دعوته وافلج صحبته وقبضه إليه كان ابوك وفاروقه أول من ابتز حقه وخالفه على أمره على ذلك اتفقا واتسقا، ثم إنهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما وتلكأ عليهما فهمّا به الهموم وأرادا به العظيم ثم قام ثالثهما عثمان فهدى بهديهما وسار بسيرهما حتى
ص: 401
فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الاقاصي من اهل المعاصي فطلبتما له الغوائل واظهرتما عداوتكما فيه حتى بلغتما فيه مناكما»(1).
من خلال قراءة النص نستدل ان أحقية أمير المؤمنين بالخلافة واغتصابها من قبل الخليفتين الاول والثاني ومن ثم الثالث جاءت بشهادة أعداء الإمام علیه السلام وهو معاوية بن ابي سفيان.
وبعد أن آلت الخلافة إلى غيره قال علیه السلام:
«فسدلت دونها ثوبا، وطويت عنها كشحاً، وطفقتُ أرتئي بين أن أصول بيدٍ جذّاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيه الكبير، ويشيبُ فيها الصغير ويكدحُ فيها مؤمن حتى يلقى ربه...»(2).
فالإمام أمير المؤمنين علیه السلام وضحَ ماجرى له فضرب ما بينه وبين الخلافة حجاباً بعد أن رأى القوم وفعلتهم فأخذ يُخير نفسه بين أمرين:
الاول: أن يجهز على القوم ولايوجد معه من يكفي لصد الغاصبين، إذ قال علیه السلام للأشعث بن قيس لما هجم القوم على الدار يريدون إكراهه ومن معه على البيعة:
«لو وجدت يوم بويع أخو تيم أربعين رهطاً لجاهدتهم في الله إلى أن أبلى»(3) الثاني: صبر الإمام أمير المؤمنين علیه السلام على تلك الظلمة التي وصفها بالعمياء لأنهم قد ابعدوا الخلافة عن شخصها الحقيقي ثم بعد ذلك طال أمدها فهرم فيها الكبير وشاب فيها الصغير على حد قول ابن ابي الحديد «يمكن ان يكون من باب المجازات والاستعارات، الاول يعني به طول مدة ولاية المتقدمين عليه، فإنها مدة
ص: 402
يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، أما الثانية فإنه يعني بذلك صعوبة تلك الايام، حتى ان الكبير من الناس يكاد يهرم لصعوبتها، والصغير يشيب من أهوالها كقولهم: هذا أمر يشيب له الوليد وإن لم يشب على الحقيقة»(1)، ونفهم من خلال النص ان الإمام علیه السلام وصف صعوبة تلك السنين إذ تعرضت الأمة إلى الإنحراف عن مبادئ الدين الإسلامي. لهذا نلاحظ أن الإمام أمير المؤمنين علیه السلام رجَّح الصبر في تلك السنين إذ جاء في أحد خطبه المباركة في النهج الشريف قائلاً:
«فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرتُ وفي العين قذى، وفي الحلق شجاً، أرى تراثي نهباً»(2) وفي موضع آخر من خطبته المباركة أشار الإمام علیه السلام حتى مضى الأول لسبيله فدفعها لآخر (عمر بن الخطاب) قائلاً:
«حتى مضى الأول لسبيله، فأدلى بها إلى فُلان بعده»(3).
فقد بيّن ابن ابي الحديد «لما كان علیه السلام يرى أن العدول بها عنه إلى غيره إخراج لها غير جهة الاستحقاق شبّه ذلك بإدلاء الإنسان بماله إلى الحاكم، فإنه إخراج للمال إلى غير وجهه»(4)، وفي موضع آخر بيّن ابن ابي الحديد إن عمر هو الذي شد بيعة أبي بكر ووقم المخالفين فيها...ولولا ذلك لم يثبت لأبي بكر أمره، ولا قامت له قائمة(5).
وفي نص آخر واعتراف آخر من يزيد بن معاوية بأن عمر بن الخطاب أول
ص: 403
من استأثر بالحق على أهله فقد ذكر ابن طاووس: «أن الحسين علیه السلام لما قتل كتب عبدالله بن عمر(1) إلى يزيد بن معاوية أما بعد: فقد عظمت الرزية وجلت المصيبة وحدث في الإسلام حدث عظيم ولا يوم كيوم الحسين، فكتب إليه يزيد: يا أحمق فإنا جئنا إلى بيوت متخذة وفرش ممهدة ووسائد منضدة فقاتلنا عليها فإن يكن الحق لغيرنا فأبوك أول من سنن هذا وآثر واستأثر بالحق على أهله»(2)، من خلال قراءة النص يتبين أن عمر بن الخطاب كان السبب المباشر في إبقاء معاوية واعطاءه الصلاحيات الواسعة عندما ثبته والياً على الشام وتعامل معه معاملة السيد المطاع فيها. وفي المورد ذاته احتج أمير المؤمنين علیه السلام على مجلس الشورى الذي أمر عمر بن الخطاب بتأسيسه لوضع آليات اختيار الخليفة من بعده، وقد عبّر الإمام عن ذلك بقوله:
«وجعلها في جماعة زعم أني أحدهم فيا للهِ والشورى...»(3).
ذكر ابن ابي الحديد في شرحه أن عمر بن الخطاب لما طعن جعل الخلافة في ستة والإمام علیه السلام أحدهم، فقال الإمام علیه السلام متعجباً من ذلك:
«متى اعترض الشك مع ابي بكر حتى أقرن بسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن ابن عوف وامثالهما لكني طلبت الأمر وهو مرسوم بالأصاغر منهم كما طلبته أولاً
ص: 404
وهو مرسوم بأكابرهم اي هو حقي فلا استنكف من طلبه ان كان المنازع فيه جليل القدر أو صغير المنزلة»(1).
وذكر المفيد: «لما جعلها عمر شورى في ستة وقال إن بايع اثنان لواحد واثنان لواحد فكونوا مع الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن واقتلوا الثلاثة الذين ليس فيهم عبد الرحمن فخرج علي علیه السلام من الدار وهو معتمد على يد عبدالله بن العباس وقال يا ابن عباس: ان القوم عادوكم بعد نبيكم كمعاداتهم لنبيكم في حياته والله لاينيب بهم إلى الحق الا السيف، فقال له ابن العباس وكيف ذاك؟ قال: اما سمعت قول عمر؟ قال: بلى، أولم تعلم ان عبد الرحمن ابن عم سعد وان عثمان صهر عبد الرحمن؟ قال: بلى، قال: فإن عمر قد علم ان سعد وعبد الرحمن وعثمان لا يختلفون في الرأي وانه من بويع منهم كان اثنان معه وأمر بقتل من خالفهم ولم يبال ان يقتل طلحة إذ قتلني وقتل الزبير أم والله لئن عاش عمر لأعرّفنه سوء رأيه فينا قديماً وحديثاً ولئن مات يجمعني وإياه يوم يكن فيه فصل الخطاب»(2).
نستدل من ذلك بأن الشورى مؤامرة دبرت ضد أمير المؤمنين علیه السلام لسلب حقه في خلافة الأمة لأن عثمان كان معهم من أول يوم على حد قول ابن ابي الحديد، إذ قال: «روى كثير من أن أبا بكر لما نزل به الموت دعا عبد الرحمن بن عوف فقال إنه أفضل من رأيك إلّا أن فيه غلظة، ثم دعا عثمان فقال اخبرني عن عمر فقال سريرته خير من علانيته وليس فينا مثله، فقال له أبو بكر لا تذكر ما قلت لكما شيئاً ولو تركت عمر لما عدوتك يا عثمان»(3).
وأشار أحد المؤرخين إلى أهم الأسباب التي دفعت الصحابة إلى عدم تولية
ص: 405
الإمام علي علیه السلام بقوله: إن الخلافة إذا وصلت إلى الإمام علي علیه السلام لن تخرج عنه أبداً وبذلك تفوت الفرصة عليهم(1). وعن موقف الإمام علیه السلام من خلافة عثمان صرح قائلاً:
«إلى أن قام ثالث القوم، نافجاً حضنيه بين نثليه ومعتلفه وقام معه بنو أبيه يختصمون...»(2).
بيّن البحراني ان المراد بالثالث عثمان وتكنى بقيامه عن حركته في ولايته أمر الخلافة وأثبت له حالاً يستلزم تشبيهه بالبعير، واستعارة وصفه وهو نفج الحضين وتكنى بذلك عن استعداده للتوسع ببيت مال المسلمين فإنه أوطأ بني أمية رقاب الناس وولاهم الولايات وأقطع القطائع(3).
وفي منحى أخر أكد أمير المؤمنين علیه السلام على الحقيقة التي جاءت على لسان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عندما قال:
«ان الأئمة من قريش...»(4).
فالإمام علیه السلام ذكر المسلمين بذلك إلا انه بيّن لهم الخصوصية التي تفرد بها أهل البيت علیه السلام والتي حاول كثير من المسلمين أن يتجاهلها حسداً لأهل البيت علیهم السلام فيقول علیه السلام:
«إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح على سواهم ولا تصلح الولاة من غيرهم»(5).
ص: 406
وعلق محمد جواد مغنية على ذلك قائلاً: «ومعنى هذا ان بني هاشم هم صفوة قريش وان محمداً صلی الله علیه و آله وسلم هو صفوة الصفوة، واذا كانت النبوة لصفوة الصفوة فالولاية اذن للصفوة من بعد الرسول هم الأئمة علیهم السلام من نسله ولا تصلح على سواهم لأن الله سبحانه وتعالى طهرهم ونزههم عن الخطأ والخطيئة بنص الآية المباركة:
«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(1).
من نافلة القول أن أمير المؤمنين علیه السلام لم يكن هو الوحيد المدافع عن حقه الطبيعي في قيادة الأمة بعد استشهاد الرسول صلی الله علیه و آله وسلم من أهل البيت علیهم السلام، إذ عبرت السيدة الزهراء علیها السلام عن ذلك في خطبتها التي أكدت فيها على توحيد المسلمين وذلك في قولها:
«وطاعتنا نظاماً للملة وامامتنا أماناً من الفرقة»(2).
وفضلاً عما تقدم وبالنظر للموقف السلبي الذي اتخذته الأمة تجاه أهل البيت علیهم السلام بعد استشهاد الرسول الاعظم صلی الله علیه و آله وسلم فإن أمير المؤمنين علیه السلام يستقرأ حال الأمة بعد أن أقدمت على فعلتها في سلب حقوق أهل البيت علیهم السلام، إذ ذكر انه قال علیه السلام في ذلك:
«فعند ذلك لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا وأدخل الظلم ترحه فأولجوا فيه نعمه، فيومئذ لا يبقى لكم في السماء ولا في الارض ناصر»(3).
ذهب ابن ابي الحديد ان أمير المؤمنين علیه السلام: «أخبر عن ملك بني أمية وزوال أمرهم عند تفاقم فسادهم في الارض»(4).
ص: 407
وقوله علیه السلام:
«لا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا ودخله ظلمهم».
فهي كناية عن الجميع لأن الناس صنفان ذو بيت مدر وذو بيت وبر، بل لم يبقوا بيتاً شريفاً ولا مكاناً إلا وأدخلوا حزناً ونقمة فهدموا الكعبة مرتين واستخفوا بمسجد النبي صلی الله علیه و آله وسلم فجعلوه مربطاً لخيولهم(1)، ثم خاطب أمير المؤمنين علیه السلام الناس قائلاً:
«يومئذ لا يبقى لكم في السماء عاذر».
لتجاوزهم في طغيانهم(2)، ولا في الارض ناصر لوصول أذاهم إلى البر والفاجر، فقد روي عن الرسول صلی الله علیه و آله وسلم انه أخبر عن ملك بني أمية تملك الخلافة بعده مع ذم منه لهم نحو مما روى عنه في تفسير قوله تعالى:
«وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا»(3).
فقد أورد المفسرون أن الشجرة الملعونة في القرآن هم بنو أمية، إذ أن رسول الله رأى في منامه ان بني أمية ينزون على منبره نزوة القردة فساءه ذلك(4).
ومما لا شك فيه ان في النص السابق الذي ورد عن الإمام أمير المؤمنين علیه السلام
ص: 408
يصور لنا حال الأمة الاسلامية بعد أن يؤول أمرها إلى دعاة دين لم يفقهوا من الإسلام شيئاً فيتحول الإسلام بهم ومن خلالهم من دين رسالة وشريعة إلى دين دولة وملك وسلطان وأثرةٍ على حساب المستضعفين من المسلمين والسبب الرئيسي في ذلك يعود إلى عدم احقاق الحق في إنصاف أهل البيت علیهم السلام وصرفهم عن موقعهم الطبيعي في الأمة وإيكال هذا الأمر إلى من ليس لهم من الإسلام شيء سوى الاسم واتخاذه وسيلة للوصول إلى مآربهم الدنيوية في التسلط على رقاب المسلمين(1).
إن الموقف السلبي الذي أقدم عليه بعض افراد الأمه إزاء أهل البيت علیهم السلام لم يغب عن أمير المؤمنين علیه السلام حتى في أواخر حياته الشريفة، إذ روي عنه علیه السلام أنه في سحر اليوم الذي ضرب فيه قال علیه السلام:
«ملكتني عيني وانا جالس فسنح لي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقلت يا رسول الله ماذا لقيت من أمتك إلا الأود واللَّدد، فقال أدعُ عليهم، فقلت أبدلني الله بهم خيراً منهم وأبدلهم بي شراً لهم مني»(2).
وقد ذهب ابن ابي الحديد في شرحه أن المراد: «بملكتني عيني يريد بها غلبني النوم وهي من فصيح الكلام»(3)، بينما بيّن البحراني: «ان إسناد الملك إلى النوم وأراد بالسنح حضور صورة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في لوح خياله كما علمت وشكاية منهم وجواب الرسول صلی الله علیه و آله وسلم له يستلزم أمرين أحدهما: انه كان في غاية الكرب عن تقصيرهم في إجابة ندائه ودعوته إلى الجهاد حتى انتهت الحال إلى قتله والثاني عدم
ص: 409
رضا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عنهم»(1).
وفي الموضوع ذاته ذكر ابن عساكر مسنداً عن الإمام الحسن علیه السلام أنه قال:
«خرجت أنا وأبي نصلي في المسجد فقال لي يا بني إني بتٌ الليل أوقظ أهلي لأنها ليلة الجمعة صبيحة قدر تسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، فملكتني عيناي فسنح لي رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقلت ماذا لقيت من أمتك من الأود واللدد؟ فقال لي ادعُ عليهم، فقلت أبدلني بهم من هو خير لي منهم وأبدلني بي من هو شر لهم مني»(2).
نستدل من خلال قراءة النص ان الإمام علیه السلام كان يريد لقاء ربه سبحانه وتعالى ولقاء حبيبه وأخيه وابن عمه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وانه أراد الآخرة التي هي خير من الدنيا بنص القرآن الكريم بحق رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى»(3).
وأما قوله علیه السلام:
«أبدلني من هو شر مني عليهم».
فقد أراد به علیه السلام معاوية بن ابي سفيان الذي يحكم الناس من بعده بالظلم والطغيان.
إذن ومن خلال ما تقدم فالإمام يوضح ما لاقاه بصورة خاصة وأهل بيته بصورة عامة من خصام واعوجاج حدث في الأمة بعد استشهاد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، ودعا الله أن يبدله بمن خاصمه وسار في طريق مناوئة الحق خيراً وأن يبدل اولئك
ص: 410
به من يسومهم سوء العذاب(1).
عاشت السيدة فاطمة الزهراء علیها السلام في ظل رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأمها السيدة خديجة ثم انفردت بأبيها حتى هجرته صلی الله علیه و آله وسلم إلى المدينة المنورة، إذ كان يرعاها وترعاه بحنان الأمومة بعد وفاة السيدة خديجة علیها السلام، ثم اقترنت بابن عمها علي بن ابي طالب علیه السلام فأصبحت تستظل بظلال أبيها محمد صلی الله علیه و آله وسلم وكنف دولة الإسلام الفتية، تسعى جاهدة لإداء مهامها الرسالية والعائلية جنباً إلى جنب حتى غربت شمس النبوة العظمى بوفاة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، وحدثت الطامة الكبرى في إفلات زمام الزعامة السياسية للدولة الاسلامية من يد الإمام أمير المؤمنين علیه السلام، فكانت الزهراء علیها السلام العضد الوحيد للإمام علي بن أبي طالب والمسؤول عن معالجة الموقف الحرج معالجة رسالية بعيدة عن التحيز، معالجة بعيدة عن التحيز القبلي أو العاطفي، لكن عاشت الزهراء علیها السلام في كنف زوجها الإمام علي علیها السلام بعد أبيها بفترة قصيرة وتجرعت من الغصص والمحن والمصائب والخلافات مالم يعلم مدى مرارتها إلا الله سبحانه وتعالى، وعلى الرغم من تأكيد الرسول الكريم صلی الله علیه و آله وسلم على أهل بيته علیهم السلام، إذ روي عنه صلی الله علیه و آله وسلم انه قال:
«اني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الأخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الارض وأهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض»(2).
وقد أكد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم على المضمون الذي ورد في الحديث أعلاه بقوله صلی الله علیه و آله وسلم:
ص: 411
«اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً»(1).
وقوله صلی الله علیه و آله وسلم:
«أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه وأحبوني بحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي»(2).
ويمكن الكشف من خلال الأحاديث الواردة بحقهم علیهم السلام انه صلی الله علیه و آله وسلم أراد أن يوصي أمته بأهل بيته علیهم السلام خيراً، فضلاً عن ذلك فإن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أمر الأمة بالتمسك بالعترة الطاهرة الشريفة وقرنها بكتاب الله العزيز وجعل أحدهما عِدل للآخر، وفي خطب أمير المؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام في نهج البلاغة نجد هذا المعنى واضحاً، إذ قال علیه السلام عن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم قوله:
«وخلَّف فينا راية الحق من تقدمها مرق ومن تخلف عنها زهق ومن لزمها لحق»(3).
وقد علَّق البحراني في شرحه أن راية الحق التي خلفها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم هي كتاب الله وأهل بيته علیهم السلام(4)، وذهب صبحي الصالح بقوله: إن كل من خرج عن الدين اضمحل وهلك(5).
لعل النص يشير بوضوح بدلالاته ومعانيه إلى ما أراده رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في حديث الثقلين، إذ بيّن أمير المؤمنين علیه السلام أن رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أمر الأمة الاسلامية بضرورة لزوم تعاليم أهل البيت علیه السلام لأنهم القرآن الناطق(6)، وعلى الرغم من
ص: 412
ذلك كله إلا أن الأمة تظافرت على سلب حقوق أهل البيت علیهم السلام بعد استشهاد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وهذا ما نجده في مضمون أحد خطب أمير المؤمنين علیه السلام التي ذكر من خلالها الكيفية التي واجهت بها الأمة بضعة المصطفى صلی الله علیه و آله وسلم السيدة الزهراء علیها السلام التي قال فيها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم:
«فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني»(1).
وعلى الرغم من أن المسلمين سمعوا هذا الحديث وغيره من الأحاديث التي وردت بحق الزهراء علیها السلام من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ووعوها، إلا أنهم أقدموا على ظلم هذه البضعة الطاهرة ونجد مصداق ذلك في قول أمير المؤمنين علیها السلام مخاطباً رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عند دفن السيدة فاطمة الزهراء علیها السلام، إذ جاء انه قال:
«وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها فأحفها السؤال واستخبرها الحال وهذا ولم يطل العهد ولم يخل منك الذكر...»(2).
ذهب ابن ابي الحديد في شرحه أن مراد الإمام أمير المؤمنين علیه السلام في قوله:
«وستنبئك ابنتك».
اي ستعلمك، وأحفها السؤال استقصي في مسألته وسلها عما جرى بعدك من الاستبداد والظلم والجور فيعقد الأمر دون مشاورتنا»(3)، بينما ذهب البحراني في شرحه قائلاً: «هو رمز للتشكي إلى رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم من أمته بعده فيما كان يعتقده حقاً له من خلافته ونحلة فدك لفاطمة علیها السلام فزحزحا عنهما مع نوع من الاهتضام له
ص: 413
والغلظة عليه في القول على قرب عهدهم بالرسول صلی الله علیه و آله وسلم وطراوة الذكر الذي هو القرآن الكريم الأمر بمودة القربى»(1).
من خلال ما تقدم في خطبة أمير المؤمنين علیه السلام يتبين إنه علیه السلام قد أشار إلى قصة فدك(2)، ولفدك في التاريخ أدوار وأخبار، إذ كانت ملكاً لليهود فصالحوا رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عليها(3)، ولما انتقلت إليه وهبها لابنته فاطمة علیها السلام(4).
وبعد وفاة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم منعت السيدة فاطمة الزهراء من إرثها من أبيها صلی الله علیه و آله وسلم، فقالت علیها السلام مخاطبة جمهور المسلمين وذوي السلطة منهم خاصة:
«وأنتم تزعمون أن لا إرث لنا، أفحكم الجاهلية تتبعون ومن احسن من الله
ص: 414
حكماً لقوم يوقونون، أفلا تعلمون بلى قد تجلى لكم كل شيء أني ابنته، أيها المسلمون أأغلب على إرثي يا ابن ابي قحافة(1) أفي كتاب الله ان ترث اباك ولا أرث أبي، لقد جئت شيئاً فرياً»(2).
ومن خلال ما تقدم يمكننا ملاحظة ان ارث ووصية رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم حصراً في ابنته الزهراء علیها السلام وابن عمه علي بن أبي طالب وابنيهما الحسن والحسين علیهما السلام، وفضلاً عما تقدم فإن أمير المؤمنين علیه السلام يريد ان يشير في خطبته إلى ان الأمة بعد رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم لم تتوان في إيذاء، بنت رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم فقد جاء ان من صفحات ذلك الإيذاء أنهم هجموا على دارها(3) وأسقطوا جنينها(4)، وكسروا ضلعها(5)، ومنهم من منع السيدة فاطمة الزهراء من البكاء على ابيها رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم حتى غدت من البكائين
ص: 415
الخمسة(1) حتى ان الإمام أمير المؤمنين علیه السلام أوجد لها بيتاً خارج المدينة وقيل في البقيع كانت ترتاده فتندب فيه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم بعيداً عمن منعها من ذلك، وقد سمي ذلك المكان (بيت الاحزان)(2).
من خلال قراءة النص علّقت العواد على ذلك قائلة: «ان بكاء السيدة الزهراء علیها السلام كان يحمل في طياته رسالة تظلّم ممن ظلمها وغصبها حقها وآذاها، ومن العجب أن يتأذى ببكائها مغتصبوا الخلافة، لأن ذلك قد يوحي إلى المستمع وقد بلغه ظلمهم لها ان هذا البكاء ليس من أجل الحزن على فقدان رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، فقط بل لغصب الخلافة وفدك، وفي هذا تحريض كبير عليهم وتذكير بجريمتهم وتأليب للأجواء ضدهم»(3)، وليس من الغريب ان يبني الإمام أمير المؤمنين علیه السلام داراً لفاطمة علیها السلام سمي بيت الاحزان فإن النبي يعقوب علیه السلام قد ابتنى بيتاً للأحزان لفراقه يوسف علیه السلام وكان خارج المدينة(4)، وعن بيت الاحزان للسيدة الزهراء علیها السلام ذكر السيد شرف الدين ان هذا البيت كان يزار كما تزار المشاهد المقدسة في المدينة المنورة حتى هدم مع ما هدم من المقدسات في البقيع سنة 1342 ه / 1925 م(5).
ص: 416
وعن خبر وفاتها ذكر الشريف الرضي في نهج البلاغة كلام أمير المؤمنين علیه السلام وهو يخاطب اخاه وابن عمه رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم عند دفن السيدة الزهراء علیها السلام، إذ جاء عنه انه قال:
«إنا لله وإنا إليه راجعون، فلقد استرجعت الوديعة وأخذت الرهينة، أما حزني فسرمد وأما ليلي فمُسَهَّد إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم»(1).
ذكر ابن ابي الحديد في شرحه ما قاله أمير المؤمنين علیه السلام: «انا لله وانا إليه راجعون هو الاقرار بالرجعة والبعث وهذه الكلمة تقال عند المصيبة كما أدب الله تعالى خلقه وعباده»(2). أما قوله:
«استرجعت الوديعة».
الوديعة هي فاطمة الزهراء علیها السلام كون المرأة وديعة الرجل كما يقال النساء ودائع الكرام وان كل نفس رهينة على الوفاء بالميثاق الذي واثقها الله تعالى به(3) كما ذكر ابن ابي الحديد في شرحه قول أمير المؤمنين علیه السلام:
«أما حزني فسرمد وأما ليلي فمسهد».
ان حزنه علیه السلام على الزهراء علیها السلام دائم وانه يسهر ليله ولا ينام إلى ان يلتحق برسول الله صلی الله علیه و آله وسلم ويجاوره في الدار الآخرة لأنه علیه السلام ما نام منذ أن ماتت الزهراء ودام سهره إلى أن استشهد علیه السلام، وأما حزنه فإنه لم يزل حزيناً كلما ذُكِرت فاطمة(4).
ومن وصيتها علیها السلام عند دفنها ما ذكرته المصادر إن فاطمة الزهراء علیها السلام أوصت ان تدفن ليلاً(5)، وأن يغسِّلها الإمام علي ........................................
ص: 417
.......... وأسماء بنت عميس(1) (2)، وان لا يصلي عليها أبو بكر وعمر(3).
وذكر الطبري مسنداً عن الإمام علي بن الحسين علیه السلام قال:
«قال لي أبي الحسين: لما قبضت أمنا فاطمة علیها السلام دفنها أمير المؤمنين علیه السلام وعفّى موضع قبرها ثم قال: فحول وجهه إلى قبر النبي صلی الله علیه و آله وسلم وقال:
سلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك وزائرتك والبائتة الليلة ببقعتك والمختار لها الله سرعة اللحاق بك، قلَّ يا رسول الله عن صفيتك صبري وعفى عن سيدة نساء العالمين تجلدي الا ان في التأسي بسنتك وفي فرقتك موضع تعزٍ، فلقد وسَّدُّتك في ملحود قبرك وفاضت نفسك بين صدري ونحري»(4).
من خلال قراءة النصوص السابقة حول دفن السيدة الزهراء علیها السلام ليلاً وإخفاء موضع قبرها تتأكد لنا حقيقة أنها علیها السلام كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم لجنازتها ورفضت أن يصلوا عليها لأنهم غصبوا حقها ومنعوها من إرثها.
ص: 418
الخاتمة
ص: 419
ص: 420
بعد أن منَّ الله عزوجل علينا بإتمام هذه الدراسة المتواضعة التي تناولت الخطب والكتب والرسائل والحكم والمواعظ المباركة التي وردت عن إمام الفصحاء وسيد البلغاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب علیه السلام والروايات التاريخية التي جمعناها عن أهل البيت علیهم السلام وبيان مكانتهم وفضلهم وموقف الأمة منهم في كتاب نهج البلاغة ودراسته وفق منهج البحث العلمي، وتمخضت عن الدراسة النتائج الآتية:
1. إن الخطب في نهج البلاغة كما جاءت عند الشريف الرضي، هي 239 خطبة منها خطب العيدين، والوقائع الثلاث (الجمل، وصفين، والنهروان)، وخطب الجهاد والوعظ والإرشاد، وخطب احتجاج الإمام علیه السلام على اغتصاب حقه في الخلافة، ولم يجمع الشريف الرضي كل خطب الإمام علیه السلام، بل أخذ منها ما راق له. وتعد المواعظ والحكم التي اشتمل عليها نهج البلاغة أكبر أبوابه وأوسعها.
2. يعد الشريف الرضي الذي جمع الكتاب من أعاظم العلماء المسلمين في القرن الرابع الهجري ومستهل القرن الخامس الهجري؛ إذ كان موسوعة علمية في مجالات عدة، فهو عالم وشاعر، فضلاً عن كونه من عائلة علمية يرتبط نسبها بأهل البيت علیهم السلام.
ص: 421
3. تنوع مصادر نهج البلاغة مما يفنّد الادعاءات والشكوك حول نسبة الكتاب لجامعه الشريف الرضي.
4. وردت كلمة أهل البيت علیهم السلام، مرتين في القرآن الكريم، قُصد بها في المرة الأولى سارة زوج النبي ابراهيم علیه السلام، أما الثانية فخصَّت أهل بيت النبي علیهم السلام علياً وفاطمة والحسن والحسين علیهم السلام، وهذا ما أكدته العديد من المصادر كما أسلفنا، وقد بيّن الإمام علي علیه السلام في خطبه التي وردت في نهج البلاغة مصطلح أهل البيت علیهم السلام بمعنيين الاول عام والآخر خاص، والمعنى العام أراد به ابناء عمومته من بني هاشم وهم عبيدة بن الحارث، والحمزة بن عبد المطلب، وجعفر بن أبي طالب حسب ماورد في إحدى خطبه المباركة، أما المعنى الخاص فأراد به علیه السلام أهل بيته وهم السيدة فاطمة الزهراء والحسن والحسين علیهم السلام الذين خصهم الله تعالى بآية التطهير.
وإن هنالك تلازما بين أهل البيت علیهم السلام والقرآن الكريم؛ إذ ذكرت الأحاديث النبوية الشريفة أنهم عدل القرآن ولايجوز مخالفتهم ومن يخالفهم يهلك.
5. إن مودة أهل البيت علیهم السلام فرض من الفرائض وواجب مقدس لايجوز إنكاره، وإن الحكمة الإلهية التي أودعها الله تعالى في أهل البيت هي التي كانت عنوانا لعصمتهم، وإن مكانة أهل البيت علیهم السلام التي أبانها الإمام علي علیه السلام هي مكانة ربانية كما وردت في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وخطب ورسائل الإمام في نهج البلاغة.
6. إن أمر أهل البيت علیهم السلام صعب مستصعب يأخذ منه الناس على قدر طاقاتهم على وفق كلام الإمام علیه السلام وأقواله التي وردت في نهج البلاغة وهم لا يمكن أن يقاس بهم أحد.
ص: 422
7. إن فضل أهل البيت علیهم السلام على الأمة الإسلامية لايقف عند حد معين وزمن معين بل هو امتداد لكل العصور والأزمنة.
8. إن موقف الأمة من أهل البيت علیهم السلام بعد استشهاد الرسول صلی الله علیه و آله وسلم يتوضح جليا في خطب الإمام في نهج البلاغة؛ إذ إن قسما من المسلمين ممن عاشوا مع رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم انقلبوا على أعقابهم واستخدموا المكر والخديعة وقطع الرحم في أهل بيته على الرغم من معرفتهم بما جاء في كتاب الله العزيز.
وما توفيقي إلا من عند الله العلي العظيم الباحث
ص: 423
ص: 424
المصادر والمراجع
ص: 425
ص: 426
القرآن الكريم المصادر الأولية:
1. الآمدي، سيف الدين أبو الحسن علي (ت 621 ه / 1224 م). منتهى السؤول في علم الأصول، (القاهرة، د. ت).
2. الآمدي، أبو الفتح ناصح الدين عبد الواحد بن محمد (ت 436 ه / 1044 م). غرر الحكم ودرر الكلم، تحقيق أحمد شوقي، (مصر، د. ت).
3. ابن الأثير، عز الدين أبو الحسن علي بن الحسين (ت 630 ه / 1232 م).
أسد الغابة في معرفة الصحابة، تحقيق: علي محمد العوض، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت). الكامل في التاريخ، تحقيق: محمد يوسف الدقاق، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت 1987 م).
4. الإحساني، محمد بن علي بن ابي جمهور (ت 901 ه / 1495 م). غوالي اللألي العزيزية في الأحاديث الدينية، (قم، 1983 م).
5. الأربلي، أبو الحسن علي بن عيسى بن ابي الفتح (693 ه / 1293 م).
كشف الغمة في معرفة الأئمة، (دار الاضواء، بيروت، د. ت).
6. الأردبيلي، محمد بن علي الغروي (ت 1101 ه / 1689 م). جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والاسناد، (منشورات المرعشي، قم،
ص: 427
1982 م).
7. الأزرقي، أبو محمد بن عبدالله بن أحمد (ت 250 ه / 864 م). أخبار مكة وما جاء فيه من الآثار، تحقيق: عبد الملك بن دهش، (ط 1، د. م،2003 م).
8. الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد الهروي (ت 370 ه / 980 م). تهذيب اللغة، تحقيق: محمد عوض، (ط 1، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 2001 م).
9. ابن اسحاق، محمد بن اسحاق بن يسار (ت 151 ه / 786 م). السيرة النبوية، تحقيق: أحمد فريد المزيدي، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 2004 م).
10. الإسكافي، أبو جعفر محمد بن عبد الله المعتزلي (ت 220 ه / 835 م). المعيار والموازنة في فضائل الامام أمير المؤمنين علي علیه السلام، تحقيق: محمد باقر المحمودي، (د. م، د. ت).
11. الإسكافي، محمد بن همام (ت 336 ه / 947 م). التمحيص، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف، (قم، د. ت).
12. الأشعث الكوفي، محمد بن محمد (ت 313 ه / 925 م). الجعفريات والأشعثيات، تحقيق: مشتاق صالح المظفر، (ط 1، كربلاء، 2013 م).
13. الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد (ت 502 ه / 1109 م). المفردات في غريب القرآن، تحقيق: مركز الدراسات والبحوث بمكتبة نزار الباز، (د. م، د. ت).
14. ابن أعثم الكوفي، أبو محمد أحمد بن أعثم (ت 314 ه / 926 م). الفتوح، تحقيق: علي شيري، (ط 1، دار الاضواء، بيروت، 1991 م).
15. الأنباري، أبو بكر محمد بن القاسم (328 ه / 939 م). الزاهر في معاني
ص: 428
كلمات الناس، تحقيق: حاتم صالح (ط 2، دار الشؤون الثقافية، بغداد 1989 م).
16. الأنصاري، علي بن زيد البيهيقي (565 ه / 1169 م). معارج نهج البلاغة، تحقيق: أسعد الطيب، دار احياء التراث الاسلامي، قم 1631 م).
17. الباخرزي، علي بن الحسن بن علي بن ابي الطيب (ت 467 ه / 1074 م). دمية القصر وعصرة أهل العصر، تحقيق: محمد التنوخي (ط 1، بيروت 1993 م).
18. البحراني، كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم (679 ه / 1280 م). شرح مصباح السالكين، تحقيق: محمد صادق الأميني، (مجمع البحوث الإسلامية، د. م 1946). شرح نهج البلاغة، منشورات الفجر (بيروت، د. ت).
19. البحراني، هاشم (ت 1107 ه / 1695 م). البرهان في تفسير القرآن (، قم، د. ت).
20. البحراني، يوسف بن أحمد آل عصفور (ت 1186 ه / 1772 م).
الكشكول (د. م، د. ت).
21. البخاري، محمد بن إسماعيل (ت 256 ه / 870 م). صحيح البخاري، تحقيق: مصطفى السقا، (ط 3، بيروت، د. ت).
22. البرقي، أحمد بن محمد (ت 274 ه / 887 م). المحاسن والآداب، تحقيق: جلال الدين الحسيني، (ط 1، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1911 م).
23. البسي، محمد بن رجب (ت 813 ه / 1410 م). مشارق انوار اليقين في اسرار أمير المؤمنين، (ط 1، قم، 2001 م).
ص: 429
24. ابن البطريق، شمس الدين يحيى بن الحسين (600 ه / 1203 م). عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار، (ط 1، قم، 1986 م).
25. البغدادي، أبو جعفر محمد بن حبيب (ت 245 ه / 859 م). اسماء المغتالين من الاشراف في الجاهلية والاسلام، تحقيق: سيد كسروي حسن، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت 2001 م).
26. البغدادي، عبد القاهر بن طاهر بن محمد (ت 429 ه / 1037 م) الفَرْق بين الفِرَق، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، (بيروت، 1995 م).
27. البغوي، أبو محمد الحسين بن مسعود (ت 516 ه / 1122 م). تفسير البغوي (معالم التنزيل)، تحقيق: محمد عبدالله النمر وأخرون، (دار طيبة، الرياض، 1990 م).
28. البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر (279 ه / 892 م). جمل من أنساب الاشراف، تحقيق: سهيل زكار ورياض زركلي، (دار الفكر، بيروت 1996 م). فتوح البلدان، تحقيق: عبدالله انيس الطباع، (مؤسسة المعارف، بيروت، د. ت).
29. البلخي، أبو زيد أحمد بن سهل (322 ه / 934 م). البدء والتاريخ، تحقيق: خليل عمران المنصور، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت 1997 م).
30. البياضي، زين الدين العاملي (ت 877 ه / 1472 م). الصراط المستقيم، تحقيق: محمد البهبودي، (ط 8، المكتبة الرضوية، قم، 1964 م).
31. البيضاوي، ناصر الدين أبو الخير عبدالله بن عمر (691 ه 1291 م).
انوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي)، تحقيق: محمد عبد الرحمن المرعشي، (دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ت).
32. البيهقي، ابراهيم بن محمد (من أعلام القرن الخامس الهجري).
ص: 430
المحاسن والمساوئ، تحقيق: محمد بدر الدين الغساني، (دار صادر، بيروت، د. ت).
33. البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي (458 ه / 1056 م). السنن الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر (ط 3، دار الكتب العلمية، بيروت،2003 م).
34. البيهقي، علي بن زيد الأنصاري (ت 565 ه / 1169 م). معارج نهج البلاغة، تحقيق: أسعد الطيب، (دار إحياء التراث الإسلامي، قم، 1960 م).
35. البيهقي، قطب الدين الليذري (من أعلام القرن السادس الهجري).
حدائق الحقائق في شرح نهج البلاغة، تحقيق: عزيز الله العطاردي، (ط 1، قم، 1995 م).
36. الترمذي، محمد بن عيسى بن سورة (ت 279 ه / 892 م). سنن الترمذي، تحقيق: أبو عبيدة مشغور بن الحسن، (مكتبة المعارف، الرياض، د. ت).
37. ابن تغري بردي، جمال الدين أبو المحاسن يوسف الاتابكي (ت 874 ه / 1469 م). النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، تحقيق:
محمد حسين شمس الدين، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت 1992 م).
38. التميمي، أوس بن حجر (620 ه / 1223 م). ديوان أوس بن حجر، تحقيق: محمد يوسف نجم، (ط 1، دار بيروت للطباعة، بيروت، 1980 م).
39. التميمي، أبو بكر بن سالم (ت 385 ه / 1995 م). طرق قول علي علیه السلام، تحقيق: أحمد صقر، (بيروت، 1958 م).
40. التنوخي، أبو علي الحسن بن علي بن ابي القاسم (ت 384 ه / 994 م).
الفرج بعد الشدة، تحقيق: عبود الشالجي، (دار صادر، بيروت، د. ت).
ص: 431
41. التهانوي، محمد بن علي (ت 1158 ه / 1745 م). كشاف اصطلاحات الفنون، تحقيق: لطفي عبد البديع، (الهيأة العامة للكتاب، القاهرة 1972 م).
42. ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد (ت 728 ه / 1337 م). رسالة فضل أهل البيت علیهم السلام وحقوقهم، تعليق، أبو تران الظاهري، (ط 1، دار القبلة الإسلامية، السعودية، د. ت).
43. الثعالبي، أبو منصور عبد الملك النيسابوري (ت 429 ه / 1035 م).
ثمار القلوب في المضاف والمنسوب، تحقيق: محمد أبو الفضل ابراهيم، (ط 1، المكتبة العصرية، بيروت 2003 م). يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر، تحقيق: مفيد محمد قميحة، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت 1983 م).
44. ثعلب، أبو العباس أحمد بن يحيى (ت 296 ه / 908 م). مجالس ثعلب، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، (دار المعارف، مصر 2008 م).
45. الثعلبي، أبو إسحاق محمد (ت 427 ه / 1035 م). الكشف والبيان (تفسير الثعلبي)، تحقيق: أبو محمد بن عاشور، (ط 1، دار احياء التراث العربي، بيروت، 2002 م).
46. الثقفي، ابراهيم بن محمد (ت 283 ه / 896 م). الغارات، تحقيق:
السيد جلال المحدث، (مطبعة بهمن، د. م، د. ت).
47. الجاحظ، أبو عثمان عمر بن بحر (255 ه / 868 م). البيان والتبيين، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، (ط 7، القاهرة، 1988 م). الحيوان، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، (ط 2، مصر، 1956 م). رسائل الجاحظ، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، (القاهرة، 1964 م). الرسالة العثمانية، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، (دار الكتاب العربي، مصر، 1955 م). المحاسن والاضداد، (ط 1، مكتبة الخانجي، القاهرة 1994 م).
ص: 432
48. الجرجاني، علي بن محمد السيد الشريف (816 ه / 1413 م). معجم التعريفات، تحقيق: محمد صديق المنشاوي، (دار الفضيلة، القاهرة، د. ت).
49. ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد (597 ه / 1200 م).
المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، تحقيق: محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1992 م). صفة الصفوة، تحقيق: طارق عبد المنعم، (دار ابن خلدون، الاسكندرية، د. ت).
50. الجهشياري، عبد الله محمد بن عبدوس (ت 331 ه / 942 م). الوزراء والكتّاب، تحقيق: حسن الزين، (دار الفكر الحديث، بيروت، 1988 م).
51. الجوهري، إسماعيل بن حماد (392 ه / 999 م). الصحاح، تحقيق:
أحمد عبد الغفور عطار، (دار العلم للملايين، القاهرة، 1987 م).
52. الجوهري، أبو بكر أحمد بن عبد العزيز البصري (ت 323 ه / 934 م).
السقيفة وفدك، تحقيق: محمد هادي الأميني، (ط 2، بيروت، 1993).
53. الجويني، ابراهيم بن محمد بن المؤيد بن عبد الله (ت 730 ه / 1329 م).
فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين والأئمة من ذريتهم، تحقيق: محمد باقر المحمودي،(بيروت، 1980 م).
54. الحارثي، محمد بن معتمد خان اليدخثيتاني (ت 1126 ه / 1714 م).
نزل الأبرار بما صح من مناقب أهل البيت الأطهار، تحقيق: محمد هادي الأميني، (ط 2، بيروت، 1993 م).
55. الحاكم النيسابوري، أبو عبد الله (ت 405 ه / 1014 م). المستدرك على الصحيحين، تحقيق: يوسف عبد الرحمن، (دار المعرفة، بيروت، د. ت).
56. ابن حجر العسقلاني، أبو الفضل أحمد بن علي (ت 852 ه / 1448 م). تهذيب التهذيب، تحقيق: عادل مرشد، (مؤسسة الرسالة، د. م، د. ت).
فتح الباري شرح الامام ابي عبدالله محمد بن اسماعيل البخاري، تحقيق:
ص: 433
عبد القادر شيبه أحمد، (ط 1، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، 2001 م). لسان الميزان، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، (ط 1، دار البشائر الإسلامية، بيروت 2002 م).
57. ابن حجر الهيثمي، شهاب أحمد بن محمد بن علي (ت 974 ه / 1566 م).
الصواعق المحرقة على اهل البدع والضلالة والزندقة، تحقيق: كمال مرعي ومحمد ابراهيم، (المطبعة العصرية، بيروت، 2012 م).
58. ابن ابي الحديد، عز الدين بن عبد الحميد المعتزلي (656 ه / 1258 م).
شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل ابراهيم، (مؤسسة الصفاء، بيروت 2010 م).
59. ابن حزم الأندلسي، أبو محمد علي بن أحمد (ت 456 ه / 1063 م).
جمهرة انساب العرب، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، (ط 5، دار المعارف، القاهرة، د. ت). رسائل ابن حزم، تحقيق: إحسان عباس، (بيروت، 1980 م). الفصل في الملل والأهواء والنحل، تحقيق: محمد ابراهيم نصر وعبد الرحمن عمير، (ط 2، دار الجيل، بيروت، 1996 م).
60. الحسكاني، عبد الله بن عبد الله بن أحمد (من اعلام القرن الخامس الهجري). شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في الآيات النازلة في أهل البيت، تحقيق: محمد باقر المحمودي، (طهران، 1990 م).
61. الحسني، شرف الدين علي (ت 965 ه / 1557 م). تأويل الآيات الظاهرة في فضل العترة الطاهرة، (قم، 1986 م).
62. الحلبي، أبو المجد (ت قبل القرن السادس الهجري). إشارة السبق، تحقيق: ابراهيم بهادري، (ط 1، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، 1993 م).
63. الحلي، الحسن بن يوسف بن المطهر (726 ه / 1325 م). تذكرة الفقهاء، تحقيق: مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، (قم، 1952 م).
ص: 434
كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين، تحقيق: حسن الدركاهي، (ط 1، طهران 1991 م).
64. ابن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن محمد (ت 241 ه / 855 م). فضائل الصحابة، تحقيق: وصي عباس، (ط 1، مؤسسة الرسالة، بيروت، د. ت). فضائل علي بن أبي طالب، تحقيق: حسن حميد السنيد، (المجمع العالمي لأهل البيت، د. م، د. ت). مسند الامام أحمد بن حنبل، تحقيق:
شعيب الأرنوؤط، (دار صادر، بيروت، د. ت).
65. الحنفي، أبو محمد عثمان بن عبد الله بن الحسن (من اعلام القرن السابع الهجري). الفرق المفترقة بين أهل الزيغ والزندقة، تحقيق: بشار فوغلوا، (انقرة، 1961 م).
66. الحويزي، عبد علي جمعة العروسي (ت 1112 ه / 1700 م). تفسير نور الثقلين، تحقيق: هاشم المحلاني، (ط 1، قم، 1991 م).
67. أبو حيان التوحيدي، علي بن محمد النيسابوري (ت 400 ه / 1009 م).
البصائر والذخائر، تحقيق: أحمد صقر، (القاهرة، د. ت).
68. الخبري، أبو الحكيم (467 ه / 1083 م). ديوان الشريف الرضي، تحقيق: عبد الفتاح محمد، (القاهرة، 1976 م).
69. الخصيبي، الحسين بن حمدان (ت 334 ه / 945 م). الهداية الكبرى، (ط 4، مؤسسة البلاغ للطباعة، بيروت، 1991 م).
70. الخطابي، أبو سليمان أحمد بن محمد بن ابراهيم السبتي (388 ه / 998 م).
غريب الحديث، تحقيق: عبد الكريم ابراهيم الفرباوي، (دار الفكر، دمشق، 1982 م).
71. الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي (ت 463 ه / 1072 م). تاريخ مدينة بغداد، (دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت).
ص: 435
72. ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد الحضرمي (ت 808 ه / 1405 م).
تاريخ ابن خلدون المسمى بكتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، تحقيق: سهيل زكار، (دار الفكر، بيروت 2000 م).
73. ابن خلكان، أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن ابي بكر (ت 681 ه / 1282 م). وفيات الأعيان وأنباء ابناء الزمان، تحقيق:
احسان عباس، (دار صادر، بيروت، د. ت).
74. خليفة بن خياط، أبو عمر خليفة العصفري (ت 240 ه / 854 م).
تاريخ خليفة بن خياط، تحقيق: مصطفى نجيب وحكمت كشلي، (دار الكتب العلمية، بيروت، 1995 م). الطبقات، تحقيق: اكرم ضياء العمري، (ط 1، بغداد، 1967 م).
75. الخوارزمي، الموفق بن أحمد بن محمد المكي (568 ه / 1172 م).
المناقب، تحقيق: مالك المحمودي، (ط 2، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، 1990 م).
76. ابن دريد الأزدي، أبو بكر محمد بن الحسين (ت 321 ه / 933 م).
المجتنى، (دار المعارف العثمانية، الهند، د. ت).
77. الدولابي، أبو بشير محمد بن أحمد بن حماد (310 ه / 922 م). الذرية الطاهرة، تحقيق: محمد الجلالي، (ط 2، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1988 م). الكنى والأسماء، تحقيق: أحمد شمس الدين، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1999 م).
78. الديار بكري، حسين بن محمد بن الحسن (ت 966 ه / 1558 م).
تاريخ الخميس في اخبار انفس النفيس، (القاهرة، 1983 م).
79. الديلمي، الحسن بن ابي الحسن (ت 448 ه / 1056 م). أعلام الدين وصفات المؤمنين، تحقيق: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، (د. م، د. ت).
ص: 436
80. الدينوري، أبو حنيفة أحمد بن داود (282 ه / 895 م). الأخبار الطوال، تحقيق: عصام محمد، (دار الكتب العلمية، بيروت، 2001 م).
81. الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان (748 ه / 1347 م).
تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والاعلام، تحقيق: عبد السلام تدمري، (ط 1، دار الكتاب العربي، بيروت، 1993 م). دول الإسلام، (ط 1، دار صادر، بيروت، 1999). سير أعلام النبلاء، شعيب الأرنؤوط وحسين الأسد، (ط 1، مؤسسة الرسالة، بيروت 1981 م). ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق: علي محمد العوض وعادل أحمد، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1995 م).
82. الرازي، ابن ابي حاتم (ت 327 ه / 938 م). تفسير ابن ابي حاتم، تحقيق: اسعد محمد الطيب، (ط 1، دار النشر، مكة المكرمة 1997 م).
83. الرازي، أبو القاسم علي بن محمد الخزار (من اعلام القرن الرابع الهجري). كفاية الأثر في النصوص على الأئمة الاثني عشر، تحقيق: محمد كاظم الموسوي، (ط 1، قم، 2008 م).
84. الرازي، محمد بن ابي بكر بن عبد القادر (666 ه / 1267 م). مختار الصحاح، (دار المعاجم، بيروت، 1986 م).
85. الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسن بن محمد (ت 425 ه / 1033 م).
مفردات الفاظ القرآن، تحقيق: عدنان داودي، (ط 1، دار القلم، دمشق، 1996 م).
86. الراوندي، قطب الدين أبي الحسين سعيد بن هبة الله (573 ه / 1177 م). منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تحقيق: عبد اللطيف الكوكهمري، (قم، 1985 م).
87. الزبيدي، أبو محمد بن الحسن الأندلسي (ت 378 ه / 988 م).
طبقات النحويين واللغويين، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، (ط 2،
ص: 437
دار المعارف، القاهرة، د. ت).
88. الزبيدي، محمد مرتضى الحسيني (ت 1205 ه / 1790 م). تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: مصطفى حجازي، (الكويت، 1973 م).
89. الزبير بن بكار بن عبد الله القرشي (256 ه / 869 م). الموفقيات، تحقيق: سامي مكي العاني، (دار الكتب العلمية، بيروت 1996 م).
90. الزبيري، أبو عبد الله مصعب (236 ه / 850 م). نسب قريش، تحقيق:
ليفي بروفنسال، (ط 2، دار المعارف، القاهرة، د. ت).
91. الزجاجي، أبو القاسم عبد الرحمن بن اسحاق (ت 340 ه / 951 م).
الأمالي، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، (ط 2، دار الجيل، بيروت 1987 م).
92. الزرندي، جمال الدين محمد بن يوسف بن الحسن الحنفي (ت 750 ه / 1349 م). نظم درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين، (ط 1، سلسلة مخطوطات أمير المؤمنين، د. م، 1958 م).
93. الزمخشري، أبو القاسم جار الله محمد (ت 538 ه / 1143 م). أساس البلاغة، تحقيق: محمد باسل عيون، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1988 م). الفائق في غريب الحديث، تحقيق: علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل ابراهيم، (ط 2، د. م، د. ت). الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الاقاويل في وجوه التأويل، (د. م، 1966 م).
94. زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (ت 122 ه / 739 م).
مسند الامام زيد، (مكتبة الحياة، بيروت، د. ت).
95. ابن سابور، أبو عتبا عبد الله الزيات، (ت 410 ه / 1019 م) طب
ص: 438
الأئمة، تحقيق: محمد مهدي حسن الخرسان، (ط 2، منشورات الشريف الرضي، 1990 م).
96. سبط ابن الجوزي، يوسف بن فرغلي بن عبد الله البغدادي (ت 654 ه / 1256 م). تذكرة الخواص في خصائص الأئمة علیهم السلام، تحقيق:
محمد صادق بحر العلوم، (مكتبة نينوى الحديثة، طهران، د. ت).
97. السجاد، علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (ت 94 ه / 712 م). الصحيفة السجادية، (دار الآداب والعلوم، بغداد، 1985 م).
98. السرخسي، علي بن ناصر، (من اعلام القرن السادس الهجري). أعلام نهج البلاغة، تحقيق: عزيز الله العطاردي، (ط 1، طهران، 1495 م).
99. ابن سعد، محمد بن منيع الهاشمي (ت 230 ه / 844 م). الطبقات الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت 1990 م) 100. ابن السكيت، أبو يوسف يعقوب بن اسحاق (ت 244 ه / 858 م).
إصلاح المنطق، تحقيق: أحمد محمد شاكر و عبد السلام محمد هارون، (دار المعارف، مصر، د. ت).
101. ابن سلام، أبو عبيد القاسم الهروي (224 ه / 838 م). الأموال، تحقيق: محمد عمارة، (ط 1، دار الشروق، بيروت 1989 م). غريب الحديث، تحقيق: محمد محمد شرف وعبد السلام محمد هارون، (د. ط، المطبعة الأميرية، 1984 م).
102. سليم بن قيس الهلالي (ت 76 ه / 695 م). كتاب سليم بن قيس، تحقيق:
محمد باقر الانصاري، (مشورات جنة البقيع، النجف الأشرف، 2014 م).
103. السمعاني، أبو سعيد عبد الكريم بن محمد بن منصور (562 ه / 1166 م).
الأنساب، تحقيق: عبدالله عمر البارودي، (ط 1، دار الجنان، د. م، 1988 م).
ص: 439
104. السمهودي، نور الدين علي بن عبد الله (ت 911 ه / 1055 م). وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى، تحقيق: قاسم السامرائي، (ط 1، مؤسسة الفرقان، مكة المكرمة، 2001 م).
105. ابن سيد الناس، محمد بن عبد الله بن يحيى (734 ه / 1333 م). عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، تحقيق: محمد العيد الخطراوي ومحي الدين متوه، (دار التراث العربي، د. م، د. ت).
106. السيوطي، جلال الدين (911 ه / 1505 م). الإتقان في علوم القران، تحقيق: سيد المندوي، (دار الفكر، بيروت، 1996 م). تاريخ الخلفاء، (بيروت، د. ت). الجامع الصغير في حديث البشير النذير، (ط 1، دار الفكر، بيروت، 1981 م). الدر المنثور في التفسير المأثور، تحقيق: عبد الله بن المحسن التركي، (ط 1، مركز هجر للبحوث، القاهرة، 2003 م).
107. الشافعي، أبو عبد الله محمد بن ادريس (204 ه / 819 م). ديوان الشافعي، تحقيق: محمد ابراهيم سليم، (مكتبة ابن سينا، القاهرة، د. ت).
108. ابن شبة النميري، أبو زيد عمر (ت 262 ه / 875 م). تاريخ المدينة المنورة، (دار الفكر، قم، 1989 م).
109. الشريف الرضي، محمد بن الحسين بن موسى (ت 406 ه / 1015 م).
تلخيص البيان عن مجاز القرآن، (دار الأضواء، بيروت، د. ت). حقائق التأويل في متشابه التنزيل، تحقيق: محمد رضا كاشف الغطاء، (دار المهاجر، بيروت، د. ت). خصائص الأئمة، تحقيق: محمد هادي الأميني، (مؤسسة الاستانة الرضوية، مشهد 1985 م). الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، تحقيق: محمد صادق بحر العلوم، (منشورات بصيرتي، قم، 1897 م). المجازات النبوية، تحقيق: طه الزيني، (منشورات بصيرتي، قم، د. ت). نهج البلاغة المختار من كلام أمير المؤمنين علیه السلام، تحقيق: هاشم الميلاني، (منشورات العتبة العلوية، النجف الاشرف، 2012 م).
ص: 440
110. الشريف المرتضى، علي بن الحسين الموسوي (ت 436 ه / 1044 م). أمالي المرتضى، غرر الفوائد ودرر القلائد، تحقيق: محمد أبو الفضل ابراهيم، (ط 1، دار احياء التراث العربي، د. م، 1954 م). الديوان، تحقيق: محمد التنوخي، (دار الجيل، بيروت، 1970 م). الفصول المختارة من العيون والمحاسن (ط 1، د. م، 1992 م). الناصريات، تحقيق: مركز البحوث والدراسات العلمية، (مؤسسة الهدى، ايران، 1997 م).
111. ابن شعبة الحراني، أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين (من اعلام القرن الرابع الهجري). تحف العقول عن آل الرسول صلی الله علیه و آله وسلم، تحقيق: حسين الاعلمي، (ط 1، بيروت، 1996 م).
112. ابن شهر اشوب، بشير الدين أبو عبدالله محمد بن علي المازندراني (ت 588 ه / 1192 م). مناقب آل أبي طالب، (المطبعة الحيدرية، النجف، 1956 م).
113. الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن ابي بكر (548 ه / 1153 م). الملل والنحل، تحقيق: أمير علي مهنا وعلي حسن، (ط 3، دار المعرفة (بيروت 1993 م).
114. الصاحب بن عباد (385 ه / 995 م). المحيط في اللغة، تحقيق: محمد حسن آل ياسين، (دار المعرفة، بغداد 1978 م).
115. ابن الصباغ علي بن محمد بن أحمد (ت 855 ه / 1451 م) الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة، تحقيق: توفيق الفكيكي (ط 2، دار الأضواء، بيروت، 1988 م).
116. الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي (381 ه / ا 91 م). الاعتقادات في دين الامامية، تحقيق: عصام السيد (ط 2، بيروت 1993 م). الأمالي، تحقيق: حسين الأعلمي، (ط 1، مؤسسة الأعلمي،بيروت، 2009 م). التوحيد، تحقيق: محمد مهدي حسن الخرسان، (د. م،
ص: 441
د.ت). الخصال، تحقيق: علي اكبر الغفاري، (منشورات جماعة المدرسين، قم، 1943 م). علل الشرائع، تحقيق: محمد صادق بحر العلوم، (ط 1، النجف الأشرف، 1966 م). عيون أخبار الرضا، (ط 1، منشورات الشريف الرضي، قم، 1958 م). كمال الدين وتمام النعمة، تحقيق: علي أكبر الغفاري، (مؤسسة النشر التابعة لجماعة المدرسين، قم، 1985 م).
117. الصفار، محمد بن الحسن (ت 290 ه / 902 م)، بصائر الدرجات، تحقيق: ميرزا حسن كوجه، (منشورات الأعلمي، طهران، 1362 م) 118. الصفدي، صلاح الدين خليل بن أيبك (764 ه / 1362 م). الوافي بالوفيات، تحقيق: أحمد الأرنوؤط، (ط 1، دار احياء التراث العربي، بيروت 2000 م).
119. الصولي، أبو بكر محمد بن يحيى (ت 336 ه / 947 م). أدب الكتاب، تحقيق: محمد بهجة الأثري، (المطبعة السلفية، مصر، 1922 م).
120. الضبي، ابن عاصم المفضل بن سلمة بن عاصم (291 ه / 903 م).
الفاخر في الأمثال، تحقيق: محمد عثمان، (دار الكتب العلمية، بيروت، 2011).
121. الضبي، المفضل بن محمد يعلي بن سالم (ت 168 ه / 784 م).
المفضليات، تحقيق: أحمد محمد شاكر وعبد السلام محمد هارون، (ط 6، دار المعارف، القاهرة، د. ت).
122. ابن طاووس، أبو القاسم رضي الدين علي بن موسى بن جعفر (ت 664 ه / 1246 م). جمال الأسبوع، تحقيق: جواد فيوم، (ط 1، مؤسسة الوفاق، قم، 1951 م). الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، (ط 1، قم 1978 م). كشف المحجة لثمرة المهجة، (المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 1995 م). اللهوف في قتلى الطفوف، (انوار الهدى، قم، د. ت).
123. الطبراني، عماد الدين أبو جعفر محمد بن ابي قاسم (525 ه / 1130 م).
ص: 442
بشارة المصطفى لشيعة المرتضى، تحقيق: جواد الفيومي، (مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، 1999 م).
124. الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد (ت 360 ه / 970 م). المعجم الصغير، (دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت). المعجم الكبير، تحقيق:
محمد عبد المجيد السليطي، (دار احياء التراث العربي، بيروت، د. ت).
المعجم الوسيط، تحقيق: طارق بن عوض الله وعبد المحسن بن ابراهيم، (دار الحرمين، مكة المكرمة، 1995 م).
125. الطبرسي، أحمد بن علي (560 ه / 1164 م). الاحتجاج، تعليق محمد باقر الخرسان، (النجف الأشرف، 1966 م).
126. الطبرسي، رضي الدين أبو نصر الحسن بن فضل (ت 545 ه / 1150 م).
مكارم الأخلاق (ط 2 منشورات الشريف الرضي، د. م، 1972 م).
127. الطبرسي، أبو الفضل بن الحسن (548 ه / 1153 م). مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق: مجموعة من العلماء، (ط 2، مؤسسة الأعلمي، بيروت، د. ت).
128. الطبري الإمامي، أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم (ت القرن الرابع الهجري). المسترشد في إمامة أمير المؤمنين علي بن ابي طالب علیه السلام)، تحقيق:
أحمد المحمودي، (ط 1، مؤسسة الثقافة الإسلامية، قم، د. ت). نوادرالمعجزات في مناقب الأئمة الهداة، (ط 1، قم، 2006 م).
129. الطبري، محمد بن جرير (310 ه / 922 م). تاریخ الرسل والملوك، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، (دار التعارف، مصر، د. ت). جامع البيان في تأويل آي القرآن، تحقيق: خليل الميس، (دار الفكر، بيروت، 1995 م). المنتخب من كتاب ذيل من الصحابة والتابعة، (منشورات الأعلمي، بيروت، 1939 م) 130. الطريحي، فخر الدين (ت 1085 ه / 1674 م). تفسير غريب القرآن،
ص: 443
تحقيق: محمد كاظم الطريحي، (قم، 1953 م). مجمع البحرين ومطلع النيريين، تحقيق: أحمد الحسيني، (مركز الإشعاع الإسلامي للدراسات والبحوث، د. م، د. ت).
131. الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسين بن علي (460 ه / 1067 م).
التبيان في تفسير القرآن، تحقيق: أحمد حبيب، (ط 1، مكتب الإعلام الإسلامي، قم 1988 م). تهذيب الأحكام، تحقيق: حسن الخرسان ومحمد الأخوندي، (ط 4، طهران، 1945 م). تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد، تحقيق: محمد جعفر شرف الدين، دار التعارف، بيروت 1992 م). رجال الطوسي، تحقيق: جواد الفيومي الأصفهاني، (مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، د. ت). رسائل الشيخ الطوسي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، د. ت).
الفهرست، تحقيق: محمد صادق آل بحر العلوم، منشورات الشريف الرضي (النجف د. ت). مصباح المتهجد، تحقيق: حسين الأعلمي، (ط 1، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1998 م).
من لا يحضره الفقيه، تحقيق: حسين الاعلمي، (منشورات الأعلمي، النجف الاشرف 1958 م).
132. طيفور، أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر بن طيفور (280 ه / 893 م).
بلاغات النساء، (د. م، د. ت).
133. ابن عبد البر، أبو يوسف بن عبد الله القرطبي (463 ه / 1070 م).
الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق: عادل مرشد، (ط 1، دار الأعلام، عمان 2002 م).
134. ابن عبد ربه الأندلسي، أحمد بن محمد (ت 328 ه / 935 م). العقد الفريد، تحقيق: عبد المجيد الترحيبي، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1983 م) 135. ابن عساكر، أبو القاسم علي بن الحسين بن هبة الله الشافعي
ص: 444
(571 ه / 1175 م). تاريخ مدينة دمشق وذكر فضلها وتسمية من دخلها واجتاز نواحيها من وارديه وآهلها، تحقيق: محب الدين أبو سعيد العدوي، دار الفكر (بيروت 1995 م).
136. العسكري، أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد (ت 382 ه / 992 م).
المصون في الأدب، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، (الكويت، د. ت).
137. العكبري، أبو عبدالله عبيد الله بن محمد بن حمدان (ت 387 ه / 997 م).
الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة، تحقيق: رضا نعسان معطي، (ط 1، دار العلوم والحكم، سوريا، 2002 م).
138. ابن عنبة، جمال الدين محمد بن علي الحسيني (828 ه / 1424 م).
عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، تحقيق: محمد حسن آل الطالقاني، (ط 2 المطبعة الحيدرية، النجف، 1961 م).
139. العياشي، أبو النضر محمد بن مسعود بن عباس السلمي (320 ه / 932 م).
تفسير العياشي، تحقيق: سيد هاشم الرسولي، (المكتبة العلمية، طهران، د. ت).
140. ابن فارس، أبو الحسن أحمد بن فارس بن زكريا (ت 395 ه / 1004 م).
مقاييس اللغة، (دار الحديث، القاهرة، 2008 م).
141. الفراهيدي، الخليل بن أحمد (170 ه 786 م). العين، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت 2003 م).
142. أبو الفرج الأصفهاني، علي بن الحسين الآموي (ت 356 ه / 966 م).
مقاتل الطالبيين، تحقيق: أحمد صقر، (ط 2، منشورات الشريف الرضي، قم، 1995 م).
143. الفيض الكاشاني محمد محسن (ت 1091 ه / 1680 م) تفسير الصافي، (منشورات الأعلمي، بيروت، د. ت).
144. الفيروز آبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب (817 ه / 1414 م).
ص: 445
القاموس المحيط، تحقيق: مكتب التراث، (ط 8، مؤسسة الرسالة، بيروت، 2005 م) 145. الفيومي، أحمد بن محمد بن علي (707 ه / 1307 م). المصباح المنير في غريب الشروح الكبير، (المكتبة العلمية، بيروت، 1987 م).
146. القاضي النعمان أبو حنيفة بن محمد (363 ه / 973 م). دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام وقضايا الأحكام عند أهل البيت، تحقيق: أصف بن علي، (ط 1، دار الأضواء، بيروت، 1991 م). شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، (مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، د. ت).
147. القالي، أبو علي اسماعيل بن علي بن القاسم (356 ه / 1063 م).
الأمالي، (دار الكتب العلمية، القاهرة، د. ت).
148. ابن قتيبة، عبدالله بن مسلم الدينوري (ت 276 ه / 889 م). إصلاح غلط ابي عبيد في غريب الحديث، تحقيق: عبد الله الجبوري (ط 1 دار الغرب الاسلامي، بيروت، 1983 م). الإمامة والسياسة، تحقيق: محمد محمود الرفعي، (القاهرة، 1904 م). تأويل مختلف الحديث، تحقيق:
محمد محي الدين الأصغر، (ط 2، المكتب الاسلامي، بيروت، 1999 م).
عيون الأخبار، (دار الكتب المصرية، القاهرة، 1996 م). غريب الحديث، تحقيق: عبدالله الجبوري، (ط 1، بغداد، 1977 م).
149. القرطبي، أبو عبدالله محمد بن أحمد الأنصاري (ت 671 ه / 1272 م).
الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: هشام سمير البخاري، (دار عالم الكتب، الرياض، د. ت).
150. القضاعي، أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر المصري (454 ه / 1062 م). دستور معالم الحكم ومأثور مكارم الشيم، (مطبعة السعادة، مصر، 1914).
ص: 446
151. القمي، عباس بن ابراهيم بن حاتم (329 ه / 940 م). تفسير القمي، تحقيق: طيب الموسوي، (النجف، 1967 م).
152. القلقشندي، أبو العباس أحمد (821 ه / 1418 م). نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب، تحقيق: ابراهيم الأبياري، (ط 2، دار الكتب اللبنانية، بيروت، 1980 م).
153. الكتبي، محمد بن شاكر (ت 764 ه / 1362 م). فوات الوفيات، تحقيق: احسان عباس، (دار صادر، بيروت، 1974 م).
154. ابن كثير، عماد الدين أبو الفداء إسماعيل (774 ه / 1372 م). البداية والنهاية، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن، (دار هجر، د. م، د. ت). تفسير القرآن العظيم، (ط 2، دار طيبة، السعودية، 1997 م).
155. الكركي، علي بن الحسين (940 ه / 1533 م). جامع المقاصد، تحقيق:
مؤسسة آل البيت علیهم السلام لإحياء التراث، (ط 1، قم، 1987 م).
156. الكشي، أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز (من أعلام القرن الرابع الهجري) رجال الكشي، تحقيق: أحمد الحسيني، (ط 1، منشورات الأعلمي، بيروت، 2009 م).
156. ابن الكلبي، أبو المنذر هاشم بن محمد السائب (ت 204 ه / 819 م).
جمهرة النسب، تحقيق: محمد فردوس العظيم (ط 2، دار اليقظة العربية، دمشق، د. ت).
158. الكليني، أبو جعفر محمد بن يعقوب (ت 329 ه / 940 م). الكافي، تحقيق: علي أكبر الغفاري، (ط 2، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1968 م) 159. الكنجي، أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد (ت 658 ه / 1260 م) كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب، تحقيق: محمد الأميني، (ط 2،
ص: 447
النجف، 1970 م).
160. الكندي، أبو عمر محمد بن يوسف (ت 350 ه / 961 م). الولاة والقضاة، تحقيق: دفت كست، (بيروت، 1980 م).
161. الكوفي، أبو القاسم بن الفرات (298 ه / 910 م). تفسير فرات الكوفي، تحقيق: محمد كاظم، (منشورات الشريف الرضي، بيروت، د. ت).
162. الكوفي، محمد بن سلمان (ت 300 ه / 912 م). مناقب الامام أمير المؤمنين (ع).، تحقيق: محمد باقر المحمودي، (ط 1، مجمع احياء التراث الإسلامي، قم، 1991 م).
163. ابن ماجة، أبو عبد الله محمد بن شريف القزويني (ت 275 ه / 888 م).
سنن ابن ماجة، تحقيق: محمد فؤاد وعبد القادر محمد، (دار الفكر، بيروت، د. ت).
164. الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري (450 ه / 1058 م). أدب الدنيا والدين، تحقيق: مصطفى السقا، (بيروت، د. ت).
165. المبرد، أبو العباس محمد بن يزيد (ت 286 ه / 899 م). الكامل في اللغة والأدب، تحقيق: محمد أبو الفضل ابراهيم، (ط 3، دار الفكر، القاهرة 1997). المقتضب، تحقيق: محمد عبد الخالق عظيمة، (القاهرة، 1994).
نسب عدنان وقحطان، تحقيق: عبد العزيز اليمني، (الهند، د. ت).
166. المتقي الهندي علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي (ت 975 ه / 1567 م) كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تحقيق: صفوة السقا، (ط 2، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1986 م).
167. المجلسي، محمد باقر (ت 1111 ه / 1699 م). بحار الأنوار الجامعة
ص: 448
لدرر اخبار الأئمة الأطهار، (ط 8، دار احياء التراث العربي، بيروت، 1983 م). شرح نهج البلاغة المقتطف من بحار الأنوار، (د. م. د. ت).
168. المحب الطبري، محب الدين أبو العباس أحمد بن عبدالله بن محمد (ت 694 ه / 1294 م). الرياض النضرة، تحقيق: عيسى الحميدي، (ط 2، بيروت، 1996 م).
169. المحقق الحلي، جعفر بن الحسين بن يحيى بن الحسين (ت 676 ه / 1277 م). شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، تحقيق: صادق الشيرازي، (ط 2، قم، 1988 م).
170. محقق من اعلام القرن الثامن. شرح نهج البلاغة، تحقيق: عزيز العطاردي، (ط 1، دار البصائر، قم 1955 م).
171. المرزباني، أبو عبد الله بن عمران (ت 384 ه / 994 م)، معجم الشعراء، (د. م، د. ت).
172. المروزي أبو عبد الله نعيم بن حماد، (ت 229 ه / 844 م) الفتن، تحقيق:
سهيل زكار، (دار الفكر، القاهرة، 1993 م).
173. المزي، جمال الدين أبو الحجاج يوسف (742 ه / 1341 م). تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: يشار عواد معروف، (ط 6، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1994 م).
174. المسعودي، أبو الحسن علي بن الحسين بن علي (346 ه / 957 م).
إثبات الوصية لأمير المؤمنين، (ط 2، دار الأضواء، بيروت، 1988 م).
التنبيه والأشراف، (ط 1، بيروت، 1981 م). مروج الذهب ومعادن الجوهر (ط 2، دار الكتاب العربي، بيروت 2007 م).
175. مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت 261 ه / 874 م).
صحيح مسلم، (ط 2، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 2012 م).
ص: 449
176. المشهدي، الميرزا محمد (1125 ه / 1713 م). تفسير كنز الدقائق، تحقيق: اغا مجتبى العراقي، (ط 1، قم، 1986).
177. ابن المغازلي، أبو الحسن علي بن محمد الواسطي (ت 483 ه / 1090 م).
مناقب علي بن ابي طالب علیه السلام). تحقيق: كاظم العزاوي، (ط 1، د. م، 2005 م).
178. المفيد، أبو عبدالله محمد بن النعمان البغدادي (ت 413 ه / 1022 م).
الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، تحقيق: مؤسسة آل البيت علیهم السلام، (ط 1، بيروت، 1995 م). الجمل، (مكتبة الداودي، قم، د. ت).
179. ابن المقفع، عبدالله (ت 142 ه / 759 م). الأدب الصغير، تحقيق: أحمد زكي باشا، (ط 1، الأسكندرية، 1911 م). الدرر اليتيمة، تحقيق: شكيب أرسلان، (المكتبة المحمودية، مصر، د. ت).
180. المناوي، زين الدين محمد المدعو عبد الرؤوف بن زين العابدين (1031 ه / 1621 م). فيض القدير شرح الجامع الصغير، (ط 2، دار المعرفة، بيروت، 1972 م).
181. ابن مندة الأصبهاني، أبو عبدالله محمد بن اسحاق (395 ه / 1004 م).
فتح باب الكنى والالقاب، تحقيق: أبو قتيبة نضر محمد الغاربان، (ط 1، دار الكوثر، الرياض، 1996 م).
182. ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم (ت 711 ه / 1311 م). لسان العرب، (دار التعارف، بيروت، د. ت).
183. المنقري، نصر بن مزاحم (212 ه / 827 م). وقعة صفين، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، (ط 1، دار الجيل، بيروت 1990 م) 184. النجاشي، أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد الكوفي (450 ه / 1058 م).
رجال النجاشي، تحقيق: موسى الشبري، (ط 6، مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين، قم، 1997).
ص: 450
185. ابن النديم، أبو الفرج محمد بن ابي يعقوب (ت 380 ه / 987 م).
الفهرست، تحقيق: محمد رضا تجدد، (د. م، د. ت).
186. النسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب (303 ه / 915 م). خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، تحقيق: محمد كاظم، (ط 1، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، د. م، 1988 م). السنن الكبرى، تحقيق: حسين عبد المنعم وعبدالله بن المحسن التركي، (ط 1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 2001).
187. النعماني، أبو عبد الله محمد بن ابراهيم المعروف (ابن ابي زينب) (ت 360 ه / 918 م). الغيبة، تحقيق: فارس حسون، (ط 1، دار الجوادين، 2011 م).
188. أبو نعيم الأصبهاني، أحمد بن عبد الله (430 ه / 1038 م). حلة الأولياء في طبقات الأصفياء، (مطبعة السعادة، مصر، 1933 م).
189. النفسي، أبو بركات عبدالله بن أحمد (ت 710 ه / 1310 م). كنز الدقائق، تحقيق: سائد بكداش، (ط 1، دار البشائر الإسلامية، المدينة المنورة، 2011 م).
190. النويري، أحمد بن عبد الوهاب (ت 733 ه / 1341 م). نهاية الأرب في فنون الأدب، تحقيق: علي أبو ملحم، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 2004 م).
191. النيسابوري، أبو الحسن أحمد بن أحمد الواحدي (ت 468 ه / 1388 م).
أسباب نزول الآيات، (دار الاتحاد العربي، مكة المكرمة، 1968 م).
192. النيسابوري، محمد الفتال الشهيد (ت 508 ه / 1114 م). روضة الواعظين، تحقيق: محمد مهدي الخرسان، (منشورات الشريف الرضي، قم، د. ت).
193. ابن هشام، أبو محمد عبد الملك (ت 213 ه / 828 م). السيرة النبوية،
ص: 451
تحقيق: مصطفى السقا وابراهيم الأيباري، (دار الكتب العلمية، القاهرة، د. ت).
194. العسكري، أبو هلال، الحسن بن عبد الله (395 ه / 1004 م).
الصناعتين الكتابة والشعر، تحقيق: علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل ابراهيم، (المكتبة المصرية، القاهرة، 1959 م).
195. الهيثمي، نور الدين علي بن ابي بكر (ت 807 ه / 1404 م). مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، (دار الكتب العلمية، بيروت، 1988).
196. الواحدي، أبو الحسن علي بن أحمد النيسابوري (ت 468 ه / 1075 م).
الوسيط في تفسير القرآن المجيد، تحقيق: عادل عبد الموجود وآخرون، (دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت).
197. الواقدي، أبو عبد الله محمد بن عمر (ت 207 ه / 822 م). المغازي، (ط 3، د. م، 1984 م).
198. وكيع، محمد بن حيان (306 ه / 918 م). أخبار القضاة، (عالم الكتب، بيروت، د. ت).
199. اليافعي، أبو محمد عبد الله بن اسعد (ت 768 ه / 1366 م). مرآة الزمان وعبرة اليقظان في ما يعتبر في حوادث الزمان، تحقيق: خليل المنصور، (ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1997 م).
200. ياقوت الحموي، شهاب الدين أبو عبدالله (ت 626 ه / 1228 م). معجم الأدباء إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب، تحقيق: احسان عباس، (دار الغرب الاسلامي، بيروت، 1993 م). معجم البلدان، (دار صادر، بيروت، 1977 م).
201. اليزيدي، أبو عبدالله محمد بن العباس بن محمد (ت 310 ه / 922 م).
الأمالي، (ط 1، جمعية المعارف، الهند، 1938 م).
ص: 452
202. أبو يعلي، أحمد بن المثنى (ت 307 ه / 919 م). مسند ابي يعلي، تحقيق:
حسين سليم أسد، (ط 1، دار المأمون، بيروت، 1973 م).
203. اليعقوبي، أحمد بن اسحاق بن جعفر بن وهب (ت 292 ه / 904 م).
تاريخ اليعقوبي، تحقيق: خليل المنصور، (دار الاعتصام، قم، د. ت).
مشاكلة الناس لزمانهم ومايغلب عليهم في كل عصر، تحقيق: مضيوف الغرا، (دار الكتب العلمية، بيروت، د. ت).
204. المراجع الثانوية 205. الأبطحي، علي الفقيد مرتضى الموحد، الشيعة في احاديث الفرقدين، تحقيق: علي المعلم، (ط 1، قم، 1995 م).
206. الأسدي، عادل حسن، من بلاغة الإمام علي علیه السلام في نهج البلاغة، (ط 1، قم، 2006 م).
207. الأميني، عبد الحسن أحمد، الغدير، (ط 4، دار الكتاب العربي، بيروت، 1976 م).
208. أنصاريان، علي، الدليل لموضوعات نهج البلاغة، (طهران، 1977 م).
209. أنور هيفا راجي، مقدمة في معرفة الامام علي علیه السلام، (بيروت، 2003 م).
210. بحر العلوم، محمد مهدي (1212 ه / 1797 م). الفوائد الرجالية، تحقيق:
محمد صادق بحر العلوم (ط 1، طهران، 1943 م).
211. البدري، رملة خضير، رسائل الامام علي علیه السلام في نهج البلاغة، (النجف، 2012 م).
212. بيضون، لبيب، تصنيف نهج البلاغة، (قم، 1955 م).
213. التستري، محمد تقي، بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، (ط 1، قم، 1997 م).
214. التميمي، أركان، شرح نهج البلاغة الميسر، (ط 1، د. م، 2013 م).
ص: 453
215. جابر، حميد سراج، الفكر الاختباري في نهج البلاغة، (ط 1، دار ومكتبة البصائر، بيروت، 2012 م).
216. جاسم، عزيز، علي بن أبي طالب علیه السلام سلطة الحق، تحقيق: صادق جعفر، (مؤسسة الغدير، قم، 2000 م).
217. جرداق، جورج، روائع نهج البلاغة، (ط 2، بيروت، 2002 م).
218. الجلالي، محمد حسين، دراسة حول نهج البلاغة، (ط 1، بيروت، 2001 م).
219. الجواهري، محمد حسن النجفي (1266 ه / 1849 م). جواهر الكلام في شرح شرائع الكلام، تحقيق: عباس القوجاي، (ط 3، دار الكتب الإسلامية، طهران 1943 م).
220. الحائري، محمد مهدي، شجرة طوبى، (ط 5، النجف، 1965 م).
221. حسين، طه، الفتنة الكبرى، (دار المعارف، مصر، د. ت).
222. الحسيني، عبد الزهراء الخطيب، مصادر نهج البلاغة وأسانيده، (دار الأضواء، بيروت، 1985 م).
223. الحسني، هاشم معروف، سيرة الأئمة الإثني عشر، (ط 3، قم، د. ت).
224. حيدر أسد، الإمام الصادق علیه السلام والمذاهب الأربعة، (ط 1، دار الزهراء، النجف الأشرف، 2010 م).
225. الخامنئي، علي جواد، العودة إلى نهج البلاغة، (طهران، 1983 م).
226. الخرسان، وحيد، منهاج الصالحين، (د. م، د. ت).
227. الخوئي، حبيب الله الهاشمي، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تحقيق:
علي عاشور، (ط 1، بيروت، 2003 م).
228. الخنيزي عبد الله علي، أبو طالب مؤمن قريش دراسة وتحليل، (ط 1، قم، 2006 م).
229. الخويلدي، حسن مكي، فاطمة الزهراء علیها السلام الحجة والقدوة، (ط 2، بيروت،
ص: 454
2008 م).
230. الراجحي، تهامي، الدرس اللساني المستنبط من الرسالة الإلهية ضمن نهج البلاغة، (قم، 1983 م).
231. الزركلي، خير الدين، الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين، (ط 5، بيروت، 2002 م).
232. زغلول، محمد بيومي، موسوعة أطراف الحديث، (ط 1، بيروت، 1979 م).
233. زيدان، جرجي، تاريخ التمدن الإسلامي، تحقيق: حسين مؤنس، (مصر، 1962 م).
234. سبتي، يوسف علي، نهج البلاغة في دائرة التشكيك، (ط 1، بيروت، 2006 م).
235. السبحاني، جعفر، أهل البيت علیهم السلام سماتهم وحقوقهم في القرآن، (د. م، د. ت).
236. السعداوي، عبد الكريم حسين، غريب نهج البلاغة، (طهران، 2008 م).
237. شاكر، هادي، اوليات أمير المؤمنين، (ط 2، بيروت، 2002 م).
238. شرف الدين، عبد الحسين، صلح الامام الحسن علیه السلام، (د. م، د. ت). النص والاجتهاد، تحقيق: أبو مجتبى، (قم، 1985 م).
239. الشرهاني، حسين علي، التغير في السياسة المالية للدولة الإسلامية في خلافة الامام علي بن ابي طالب علیه السلام، (ط 1، دمشق، 2013 م).
240. شريعتي، محمد، نهج البلاغة في الفكر الإنساني المعاصر، (دمشق، 1993 م).
241. الشريفي، عبد الهادي، تهذيب شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد المعتزلي، (قم، د. ت).
242. شمس الدين، محمد مهدي، أنصار الحسين، (ط 1، بيروت، 1975 م).
ص: 455
243. الشوكاني، محمد بن علي بن محمد (1250 ه / 1834 م) فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، (دار الوفاء، د. م، د. ت).
244. الصالح، صبحي، شرح نهج البلاغة، (ط 4، قم، 2009 م).
245. الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، منشورات الأعلمي، (ط 1، بيروت، 1997 م).
246. الطبرسي، حسين ميرزا، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، تحقيق:
مؤسسة آل البيت علیهم السلام، (بيروت، 1988 م).
247. طرازي، فيلب، خزائن الكتب العربية في الخافقين، (دار الكتب اللبنانية، د. م، د. ت).
248. النوري، النجم الثاقب، تحقيق: ياسين الموسوي، (قم، 1994 م).
249. الطهراني، أغا بزرك، الذريعة في تصانيف الشيعة، بيروت، 1983 م).
250. العاملي، حسين جمعة، شروح نهج البلاغة، (ط 1، بيروت، 1983 م).
251. العاملي، محسن الأمين، أعيان الشيعة، تحقيق: حسن الأمين، (د. م، د. ت).
عجائب أحكام الأمام وقضاياه، تحقيق: فارس حسون، (ط 1، د. م، 1998 م).
252. العاملي، محمد حسن، حقوق آل البيت علیهم السلام. في الكتاب والسنة باتفاق الأمة، تحقيق: جعفر السبحاني، (قم 1994 م).
253. عبده، محمد، شرح نهج البلاغة، تحقيق: حسين الأعلمي، (ط 1، بيروت، 2003 م).
254. عجيمي، أحمد فاضل، العرب قبل الإسلام في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، (ط 1، دمشق، 2014 م).
255. العسكري، مرتضي، معالم المدرستين، (د. م، د. ت).
256. العقاد، عباس، عبقرية الإمام علي علیه السلام، (بغداد، 2001 م).
ص: 456
257. عمر، فاروق، الخلافة العباسية، دراسات في التاريخ السياسي للدولة الإسلامية، (د. م، د. ت).
258. العواد، انتصار عبد الواحد، السيدة فاطمة الزهراء علیهم السلام دراسة تاريخية، (مؤسسة البديل، بيروت، 2009 م).
259. غالب، حبيب وصيبعي، بيان العرب الجديد في المعاني والبيان والبديع والعروض (ط 1، بيروت، 1980 م).
260. الغروي، محمد، الأمثال والحكم المستخرجة من نهج البلاغة، (قم، 1986 م).
261. الفحام، عباس علي، بلاغة النهج في نهج البلاغة، (ط 1، عمان، 2014 م).
262. القزويني، محمد كاظم، شرح نهج البلاغة، (د. م، د. ت).
263. القطيفي، أحمد بن صالح آل طوق القطيفي (1245 ه / 1829 م).
رسائل آل طوق القطيفي، تحقيق: دار المصطفى لإحياء التراث، (ط 1، بيروت، 2001 م).
264. القمي، عباس، بيت الأحزان في ذكر أحوال سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء، (ط 1، قم، 1991 م). سفينة البحار ومدينة الحكم والأثار، تحقيق: مجمع البحوث الإسلامية (ط 1، قم، 1995 م). الكنى والألقاب، تحقيق: محمد هادي، (ط 2، طهران، د. ت). مفاتيح الجنان (ط 14، قم، 2008 م).
265. القندوزي، سليمان بن إبراهيم الحنفي (ت 1294 ه / 1877 م). ينابيع المودة لذوي القربى، تحقيق: علي جمال اشرف، (ط 1، قم، 1995 م).
266. كحالة، عمر، معجم قبائل العرب القديمة والحديثة، (ط 2، بيروت، 1968 م).
267. الكرباسي، محمد جعفر، الانباء بما في كلمات القرآن، (النجف الأشرف، د. ت).
ص: 457
268. الكوراني، علي، جواهر التاريخ (السيرة النبوية)، (ط 1، د. م، د. ت).
المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشریف، (ط 1، د. م، 2006 م).
269. لجنة التأليف في مؤسسة نهج البلاغة، دروس في نهج البلاغة، ترجمة عبد الكريم محمود، (ط 1، قم، 1993 م).
270. مبارك، زكي، عبقرية الشريف الرضي، (ط 2، القاهرة، 2009 م).
271. مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، (ط 2، د. م، 2004 م).
272. محمود، زكي نجيب، المعقول والامعقول في تراثنا الفكري، (القاهرة، 1968 م).
273. المحمودي، محمد باقر، نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، (د. م، د. ت).
274. المصطفوي، جواد، الكاشف عن ألفاظ نهج البلاغة في شروحه، (ط 1، طهران، د. ت).
275. مطهري، مرتضى، في رحاب نهج البلاغة، (النجف الاشرف، 2011 م).
276. مغنية، محمد جواد، في ظلال نهج البلاغة، (ط 1، قم، 2006 م).
277. المغيري، عبد الرحمن حمد بن زيد، المنتخب في ذكر نسب قبائل العرب، (ط 1، د. م، 2010 م).
278. الميانجي، علي الأحمدي، مواقف الشيعة، (مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، 1995 م).
279. نعمة، عبدالله، مصادر نهج البلاغة، (النجف، 1972 م).
280. النمازي، علي الشاهرودي، مستدرك سفينة البحار، تحقيق: حسين علي النمازي، (قم، د. ت).
281. يعقوب، أحمد حسين، نظرية عدالة الصحابة والمرجعية السياسية في الإسلام، (د. م، د. ت).
ص: 458
282. الرسائل والأطاريح الجامعية:
283. الخفاجي، رزاق فزع، سيرة الإمام علي علیه السلام من خلال مسند أحمد بن حنبل، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة ذي قار / كلية الآداب، 2014 م.
284. الزهيري، إبراهيم إسماعيل، كتب ورسائل الإمام علي علیه السلام ابن أبي الحديد أنموذجاً، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة بغداد / كلية الآداب، 2010 م.
285. الزيدي، سامي جودة، فدك حتى نهاية العصر العباسي، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة بغداد / كلية التربية / ابن رشد، 2006 م.
286. الساعدي، رحيم محمد سالم، الاتجاهات الفكرية عند الإمام علي علیه السلام، أطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة بغداد / كلية الآداب، 2006 م.
287. الشرع، عادل جليل، فضائل أمير المؤمنين الإمام علي علیه السلام في أحاديث الرسول عند جمهور المسلمين، دراسة تأريخية، رسالة ماجستير غير منشورة، الجامعة المستنصرية / كلية التربية، 2013 م.
288. الطوكي، محمد عويد، ابن الأبار ومروياته عن أهل البيت علیهم السلام، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة واسط / كلية التربية، 2014 م.
289. العواد، انتصار عدنان عبد الواحد، النبي محمد صلی الله علیه و آله وسلم في رؤية أمير المؤمنين علیه السلام (دراسة في نهج البلاغة)، أطروحة دكتوراه غير منشورة، جامعة البصرة / كلية الآداب، 2013 م.
290. فرهود، رزاق حسين، التوحيد في نهج البلاغة، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الكوفة / كلية الفقه، 2007 م.
291. مطر، رحيم عباس، آل بيت النبوة (علیهم السلام في كتاب تاريخ الرسل والملوك لمحمد بن جرير الطبري (ت 310) حتى عام 61 ه، أطروحة دكتوراه غير منشورة، الجامعة المستنصرية / كلية التربية، 2012 م.
ص: 459
292. الدوريات 293. الآملي، حسن زادة، دراسة مصادر نهج البلاغة، بحث منشور، مجلة تراثنا، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث الإسلامي، العدد 5، 1985 م.
294. الأميني، محمد هادي، أهل البيت في نصوص شعر الشريف الرضي، بحث منشور، مجلة تراثنا، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث الإسلامي، العدد 5، 1985 م.
295. جابر، حميد سراج، مفهوم إعداد وتربية البديل في وصايا الإمام علي لابنه الحسن، دراسة في نهج البلاغة، بحث منشور، مجلة القادسية للعلوم الإنسانية، مجلد 17، العدد 1، 2014 م.
296. الحصونة، رائد حمود، أهل البيت علیهم السلام مكانتهم وفضلهم وموقف الأمة منهم من خلال كتاب نهج البلاغة، بحث منشور، مجلة أبحاث البصرة للعلوم الإنسانية، كلية التربية، جامعة البصرة، مجلد 37، العدد 1، 2012 م.
297. الشرهاني، حسين علي، صور الجمال في سيرة الرسول، بحث منشور، مجلة كلية التربية للعلوم الإنسانية، جامعة ذي قار، مجلد 4، العدد 1، 2014 م.
298. الطباطبائي، عبد العزيز، نهج البلاغة عبر القرون، بحث منشور، مجلة تراثنا، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث الإسلامي، العدد 37، 1993 م.
299. الميلاني، علي، أهل البيت في نهج البلاغة، بحث منشور، مجلة تراثنا، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث الإسلامي، العدد 5، 1985 م.
ص: 460
مقدمة المؤسسة...9
المقدمة...13
الفصل الأول
كتاب نهج البلاغة مضامينه ومصادره وجامعه الشريف الرضي
المبحث الأول: كتاب نهج البلاغة نظرة عامة...27
أولاً: كتاب نهج البلاغة...27
ثانياً: مضامين كتاب نهج البلاغة...31
1- الخطب...31
2- الكتب والرسائل...37
3- الوصايا...40
4- العهود...43
5- الحكم والمواعظ...45
ثالثاً: مكانة كتاب نهج البلاغة عند العلماء والمفكريين...48
1- مكانة كتاب نهج البلاغة عند بعض من العلماء...48
2- مكانة كتاب نهج البلاغة عند ثله من الباحثين...52
المبحث الثاني: حياة الشريف الرضي وسيرته العلمية...57
أولاً: جامع كتاب نهج البلاغة الشريف الرضي...57
1- نسب الشريف الرضي وولادته...57
2- علم الشريف الرضي...58
ص: 461
3- وفاة الشريف الرضي...71
ثانياً: الشكوك التي أثيرت حول نسبة نهج البلاغة...72
المبحث الثالث: مصادر ومميزات وشروح كتاب نهج البلاغة...89
أولاً: مصادر كتاب نهج البلاغة...89
ثانياً: مميزات كتاب نهج البلاغة...114
ثالثاً: شروح كتاب نهج البلاغة...117
الفصل الثاني
أهل البيت علیهم السلام في كتاب نهج البلاغة
المبحث الأول: الآل والأهل في اللغة والاصطلاح...125
1- الآل والأهل في اللغة...125
2- الآل والأهل في الاصطلاح...126
3- من هم أهل البيت؟...129
المبحث الثاني: مفهوم أهل البيت علیهم السلام في القرآن الكريم والسنة...137
أولاً: مفهوم أهل البيت علیهم السلام في القرآن الكريم...137
1- الآل في القرآن الكريم...137
2- الأهل في القرآن الكريم...138
3- أهل البيت في القرآن الكريم...142
أ- الروايات التي وردت عند علماء مدرسة الصحابة...146
ب- الروايات التي وردت عن أهل البيت علیهم السلام...149
ثانياً: مفهوم أهل البيت علیهم السلام في السنة النبوية الشريفة...154
المبحث الثالث: مفهوم أهل البيت علیهم السلام في كتاب نهج البلاغة...159
ص: 462
أولاً: المعنى العام لمفهوم أهل البيت علیهم السلام في كتاب نهج البلاغة...163
ثانياً: المعنى الخاص لمفهوم أهل البيت علیهم السلام في كتاب نهج البلاغة...169
الفصل الثالث
مكانة أهل البيت علیهم السلام في كتاب نهج البلاغة
المبحث الأول: مكانة أهل البيت علیهم السلام في القرآن الكريم والسنة...215
أولاً: مكانة أهل البيت علیه السلام في القرآن الكريم...215
ثانياً: مكانة أهل البيت علیهم السلام في السنة النبوية الشريفة...228
المبحث الثاني: مكانة أهل البيت علیهم السلام في كتاب نهج البلاغة...239
أولاً: مكانة الإمام علي بن أبي طالب علیه السلام في كتاب نهج البلاغة...239
1- نسبه الشريف...239
2- أسماؤه وألقابه وكناه في كتاب نهج البلاغة...251
أولاً: أبو الحسن...256
ثانياً: ابن أبي طالب...257
3- تربيته علیه السلام في حجر النبی صلی الله علیه و آله وسلم...258
4- خلافته علیه السلام للنبي صلی الله علیه و آله وسلم وجعله إماماً...264
5- قرابته علیه السلام من رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم...268
6- مؤاخاته علیه السلام للرسول صلی الله علیه و آله وسلم...270
7- غسله وتكفينه علیه السلام للرسول صلی الله علیه و آله وسلم...273
ثانياً: مكانة السيدة فاطمة علیها السلام في كتاب نهج البلاغة...274
ثالثاً: مكانة الإمامين الحسن والحسين علیهما السلام في كتاب نهج البلاغة...279
1- مكانتهما علیهما السلام عند أبيهما الإمام علي علیه السلام...279
ص: 463
2- دورهما علیهما السلام في حروب الإمام علي علیه السلام...287
أ- دورهما علیهما السلام في معركة الجمل 36 ه...287
ب- دورهما علیهما السلام في معركة صفين 37 ه...291
المبحث الثالث: مكانة أهل البيت العلمية في كتاب نهج البلاغة...301
أولاً: علم الإمام علي علیه السلام بالقرآن والسنة النبوية...321
ثانياً: علم الإمام علي علیه السلام بعلم التأريخ...324
ثالثاً: علم الإمام علي علیه السلام بعلم الفيزياء...327
رابعاً: علم الإمام علي علیه السلام بالمغيبات والملاحم...329
الفصل الرابع
فضل أهل البيت علیهم السلام وموقف الأمة منهم في كتاب نهج البلاغة
المبحث الأول: فضل أهل البيت علیهم السلام في كتاب نهج البلاغة...347
أولاً: فضل أهل البيت علیهم السلام على الأمة الإسلامية...347
ثانياً: فضل أهل البيت علیهم السلام على الصحابة في كتاب نهج البلاغة...362
1- فضل الأمام علي علیه السلام على الصحابة...363
2- فضل الإمامين الحسن والحسين علیهما السلام على الصحابة...371
المبحث الثاني: موقف الأمة من أهل البيت علیهم السلام...375
أولاً:موقف الأمة من الإمام...375
ثانياً: موقف الأمة من السيدة فاطمة الزهراء علیها السلام...411
الخاتمة...431
المصادر والمراجع...427
المحتويات...464
ص: 464