إعرف إمام زمانك : المهدي المنتظر عجل الله تعالی فرجه شریف ومعالم آخر الزمن
الشيخ جعفر حسن عتريسي
دار الحجة البيضاء
جميع الحقوق محفوظة
للمؤلف 605129 /03
الطبعة الأولى
1428 هجرية - 2007 میلادية
دار الحجة البیضاء
خیراندیش دیجیتالی : انجمن مددکاری امام زمان (عج) اصفهان
ص: 1
حارة حريك - شارع الشيخ راغب حرب - قرب نادي السلطان
ص.ب: 5479 / 14- هاتف. 03/287179 . تلفاکس:
01/552847
E-mail:almahajja@terra.net.lb
ص: 2
هذه جراح الكون تستصرخ تلك اللحظة الكبرى من عالم المجد السماوي .. ها نحن مع كل نفس نقرأ حرف الوجع وطعن العذاب في بطن هذا الوجود ، جراء تنكر البشر لقانون المسير .. كم من نبي قتل .! وكم من وصي عب ونشر .! وفي كل ناحية من كوكبنا صرخة فجيعة جراء توحش الإنسان .!
ها هي قصة فرعون وقارون ، وتلك عصا موسى وتراتيل داود ، وجمال عيسى ، ونور محمد .. والكون على الإنتظار، على موعد « الصيحة السماوية » باسم المهدي ، التي تهز أركان الأرض ، وتحدث دويا عظيمة في أرجاء الوجود ، خشوعأ للقادم المحمدي الموعود .. ها هي الشمس ، تتقبض ذاتها ، تتقن لغتها ، تعرف أن لها موعدا مع شروق من غروب ..!
.. ها هي الكعبة المكرمة ، مقرونة بنور الله الأعظم ، المغروس بالنبي محمد صلی الله علیه و آله، المودع في ولده المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف من ابنته فاطمة علیها السلام، الذي يخرج في آخر الزمان ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا . وكأني بصراخ الناس من كل جهة يملأ البيت الحرام : شوقا ولهفة للطلعة العلوية الفاطمية ..
وما بين هذه وتلك ، نحن على موعد مع أشراط آخر الزمان ، من علامات أرضية وسماوية ، وخصائص بشرية وكونية . فإذا اكتملت، ظهر المخاض عن أعظم تحول في مسير البشر ، حيث تحتضن «يد
ص: 3
الآية » وجها في عين الشمس ، يعلن ظهور بقية الله الأعظم، حجة الله الكبرىفي آخر الزمن : المهدي المنتظر .. فإذا ما انعقد الأمر ، وظهرت الحجة ، أقام المهدي دولة العدل الإلهي، فوق تربة الوجود البشري ، وأينما تصل يده ، فلا تجد إلا خيرا وأمنا وعدلا ورفاهية وقداسة عظمی ..
هناك ، يحصل البشر كمالهم في دنياهم ، ليبقى الموعه مع شاطئ الخلود في قافلة الأنوار نحو الآخرة العظمى ، حيث الأمم على موعد الحشر والنشر ، بعد طول قيام لدولة مولانا المهدي المنتظر عجل الله تعالی فرجه شریف، ثم انبلاج الرجعة بيد الإعجاز الموعود ، ثم تمام أشراط الساعة ، وصولا إلى النفخ في الصور الأول ، لتبقى البشرية في برزخها على موعد النفخة في الصور الثاني ، فإذا هي على محشر الآيات الإلهية المسطورة في قيامة المعجزات بين يدي الله في الآخرة والناس أمام عظيمتين : الجنة والنار .
يا لها من حقائق حتمية ، لا بد أن نرمقها بالعين ، وأن نتقلب بين مظاهرها ، وبنو البشر في غالبهم الأعظم ، غافلون ..! يفتشون عن البقاء في دار الفناء .! وعن السعادة في دار الشقاء ..!
ها هي تلك ، شمس الوجود تدعوك أن تبصر ، فإن إشراقة الأنوار تكشف العمى ، وتمنع الظلام ، ها هي أنوار المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف تحلق بين عنان الآيات وتخوم الأشراط .. أفلا تعقلون .!
ها هي يد السماء تعلن أن آخر الزمن قرين العلامات .
جعفر حسن عتريسي
ص: 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ
تؤكد النصوص المروية عن النبي صلی الله علیه و آله، باتفاق علماء المسلمين جميعة، أن المهدي المنتظر عجل الله تعالی فرجه شریف هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت علیهم السلام، وأنه يظهر في آخر الزمان (1)، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا(2) . وقد أخبر النبي صلی الله علیه و آله أن أهل بيته علیهم السلام يظلمون ويشردون ، ويقتلون بعده ، ويمنعون حقوقهم ، حتى يخرج القائم من آل محمد عجل الله تعالی فرجه شریف ، فيقيم دولتهم التي تقود أهل الدنيا إلى صراط الحميد.
وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى قال قال أبي :
[ دفع النبي صلی الله علیه و آله الراية « يوم خيبر » إلى علي بن أبي طالب علیه السلام، ففتح الله عليه . وأوقفه يوم « غدیر خم » فأعلم الناس أنه « مولی کل مؤمن ومؤمنة » . وقال - وذلك في حديث طويل جاء فيه -:
«ثم بكى النبي صلی الله علیه و آله ، فقيل : مم بكاؤك يا رسول الله ؟ قال صلی الله علیه و آله : أخبرني جبرئيل علیه السلام أنهم يظلمونة ويمنعونه حقه ، ويقاتلونه ، ويقتلون ولده ويظلمونهم بعده . وأخبرني جبرئيل علیه السلام عن الله عز وجل أن ذلك الظلم
ص: 5
يزول إذا قام « قائمهم »، وعلت كلمتهم ، واجتمعت الأمة على محبتهم ،وكان الشانئ لهم قليلا، والكاره لهم ذليلا ، وكثر المادح لهم . وذلك حين تغير البلاد ، وضعف العباد ، والإياس من الفرج ، وعند ذلك يظهر القائم علیه السلام منهم.
فقيل له ما اسمه ؟ قال النبي صلی الله علیه و آله: إسمه كإسمي ، هو من ولد إبنتي علیها السلام، يظهر الله الحق بهم ، ويخمد الباطل بأسيافهم ، ويتبعهم الناس بين راغب إليهم ، وخائف منهم . قال : وسكن البكاء عن رسول الله ،
فقال صلی الله علیه و آله:
معاشر المؤمنين ، أبشروا بالفرج ، فإن وعد الله لا يخلف ، وقضاءه لا يرد ، وهو الحكيم الخبير ، فإن فتح الله قريب . اللهم إنهم أهلي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، أللهم أكلأهم، وارعهم، و کن لهم، وانصرهم ، وأعنهم ، وأعزهم ولا تذلهم ، واخلفني فيهم إنك على كل شيئ قدير ] (1)..
وهكذا .. فقد ظلم أهل البيت علیهم السلام ظلمة عظيمة ، فهم بين قتيل بسم، أو ذبيح بسيف أو سجين تحت أطباق الأرض ، أو طريد في الآفاق ، أو معطل من قيادة الأمة ، ولم يبق منهم إلا القائم المنتظر عجل الله تعالی فرجه شریف ، الذي أكدت النصوص عن النبي صلی الله علیه و آله، أن له « غيبتين » ، الثانية منهما تطول ، ثم يخرج في آخر الزمان ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ..
ص: 6
وقد شاع ذكر المهدي وذاع ، وتدب الظلمه قتل آباءه علیهم السلام، بهدف منع ولادته ، لكن أمر الله أعظم من كيد الماکرین .
وقد لقي الإمامان الهادي والعسكري علیها السلام الكثير من العذابات ، بهدف قطع نسلهما ، لكن أمر الله أكبر . وقد توفي الإمام الهادي علیه السلام مسمومة تاريخ 3 رجب سنة 254 للهجرة ، قتله الخليفة العباسي(1).
ومع وفاة الإمام الهادي علیه السلام بدأت إمامة «الحسن العسكري » - والد الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف - وكانت فترة الإمام العسكري علیه السلام من أشد الفترات حساسية ، فهو الإمام الذي سيكون منه المهدي علیه السلام الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا (2). لذلك تعض الإمام العسكري لضغوط هائلة من جانب العباسيين الذين وضعوه تحت أنظارهم في عاصمتهم « سامراء»(3). ثم
ص: 7
كان من باكورة العمل العباسي الإعلان أنه : من يرجع إلى الحسن بن علي « العسكري » ، في الفتيا ، أو يدفع له الخمس ، أو الزكاة ، أو الحقوق ، هو خارج على الخلافة العباسية ، وستضرب عنقه (1).
ومنذ تلك اللحظة بدأ التفكير العباسي بطبيعة مواجهة ما يؤول إليه أم الإمام العسكري علیه السلام فعملوا في فترات مختلفة ، على مراقبة نساءه ، لمنع أي مولود له على الإطلاق ، مصرين على قتل أي مولود له حتى لا يخرج من نسله « المهدي الموعود علیه السلام»..
فما كان من « الإعجاز الإلهي »، إلا أن حقق ولادة المهدي علیه السلام من «السيدة نرجس » حفيدة وصي المسيح ، شمعون الصفا - وهو أحد أركان حواريي المسيح علیه السلام - في قصة إعجازية هائلة(2) ، وجعل حالها كحال أم موسی(3) علیه السلام.
ص: 8
ص: 9
ص: 10
الإمام المهدي ، محمد ابن الحسن العسكري، هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت علیهم السلام، ولد في الخامس عشر من شعبان سنة 255 للهجرة ، وغاب الغيبة الصغرى منذ سنة 260 للهجرة ، حتى سنة 329 للهجرة ، ثم منذ ذلك التاريخ بدأت « غيبته الكبرى » التي ما زالت حتى الآن ، وهو سيظهر في آخر الزمان ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت ظلما و جورا (1).
زمن الإمام العسكري علیه السلام بدأت تظهر البشارات القريبة لولادة المهدي علیه السلام، ومعها كان الإمام العسكري علیه السلام خبر الخواص بقرب ولادة « المهدي الموعود » بإذن الله تعالی . يقول علان الرازي : أخبرني بعض أصحابنا أنه لما حملت جارية أبي محمد العسكري قال علیه السلام لها:
ص: 11
«ستحملين ذكرا ، واسمه « محمد » وهو القائم من بعدي »(1).ثم تخبرنا النصوص أن الإمام العسكري علیه السلام أخذ يزف البشرى لأصحابه ، فيتناقل الأصحاب خبر المهدي الذي قربت بشاراته . وشاع الخبر بينهم ، كما ذاع نقل الأحاديث التي رواها النبي صلی الله علیه و آله في المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف ..
ولقد عانی أتباع أهل البيت من « الظلم العباسي » ، ومن الإقامة الجبرية المفروضة على الإمام العسكري ، بحيث يمنع عليه علیه السلام مغادرة سامراء ، ومحاولات العزل المتعددة ، وطالما شكى الشيعة للإمام هذا الظلم من العباسيين ، فكان علیه السلام يأمرهم ب « انتظار الفرج » ، مؤكدا أن انتظار الفرج من أعظم العبادة ، وأن موعد ولادة المهد قريب .
.. في ظل هذه الظروف الضاغطة ، تقول السيدة حكيمة بنت الإمام علي الهادي علیه السلام: « بعث إلي أبو محمد علیه السلام( الحسن بن علي ) سنة خمس وخمسين ومأتين في النصف من شعبان ( 255 هجرية ، ليلة أل- 15 من شهر شعبان ) ، فقال : يا عمة ، اجعلي إفطارك هذه الليلة عندنا ، فإنها « ليلة النصف من شعبان » ، فإن الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة
ص: 12
الحجة ، وهو « حجه في أرضه » ، فقلت له : ومن أمه ؟ قال علیه السلام لي : « نرجس »(1).
قلت له : جعلني الله فداك ، ما بها أثر ( أي ليست عليها علامات الحمل ) ! فقال علیه السلام : يا عمة إن مثلها كمثل أم موسى علیه السلام، لم يظهر حملها بها إلا وقت ولادتها . وهو ما أقوله لك.
قالت : فجئت ، فلما سلمت وجلست جاءت نرجس تنزع خفي ، وقالت لي : يا سيدتي وسيدة أهلي ، كيف أمسيت ؟ فقلت : بل أنت سيدتي وسيدة أهلي . قالت : فأنكرت قولي وقالت : ما هذا يا عمة ! فقلت لها : یا بنية إن الله تعالی سیب لك في ليلتك هذه غلاما سيدا في الدنيا والآخرة . قالت : فخجلت واستحيت . تقول حكيمة : فلما أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت ، وأخذت مضجعي فرقدت ، فلما أن كان في جوف الليل ، قمت إلى الصلاة ،ففرغت من صلاتي ، وهي نائمة ليس بها حادث ثم جلست معقبة ، ثم اضطجعت ، ثم انتبهت فزعة وهي راقدة ، ثم قامت فصلت ونامت . قالت حكيمة : وخرجت أتفق الفجر ، فإذا أنا بالفجر الأول کذنب السرحان ، وهي نائمة ، فدخلني الشكوك، فصاح بي أبو محمد علیه السلام من المجلس فقال : «لا تعجلي باعمة ، فهاك الأمر قد قرب ». قالت : فخجلت وجلست وقرأت : ( سورة ) ألم السجدة ، وياسين .
ص: 13
تقول : فبينما أنا كذلك ، إذ انتبهت نرجس فزعة، فوثبت إليها فقلت : اسم الله عليك ، ثم قلت لها : أتحسين شيئا ؟ قالت : نعم باعمة ، فقلت لها : اجمعي نفسك واجمعي قلبك ، فهو ما قلت لك . فصاح بي أبو محمد وقال : إقرئي عليها و«إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ اَلْقَدْرِ»، فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني ، فأجابني « الجنين» من بطنها يقرأ كما أقرأ ، ففزعت لما سمعت ، فصاح بي أبو محمد علیه السلام: لا تعجبي من أمر الله عز وجل، إن الله ينطقنا بالحكمة صغارا ، ويجعلنا حجة في أرضه كبارا ، فلم يستم الكلام حتى «غيبت عني نرجس » ، فلم أرها ، فعدوت نحو أبي محمد وأنا صارخة ، فقال لي : إرجعي يا عمة ، فإنك ستجدينها في مكانها ، فرجعت فلم ألبث أن كشف الحجاب الذي كان بيني وبينها ، وإذ أنا بها وعليها من أثر «النور» ما غشی بصري ، وإذ أنا بولي الله « المهدي » متلقيا الأرض بمساجده وعلى ذراعه الأيمن مکتوب :
«وِجاءُ الحَقِّ وزَهَقِ البَاطِلِ إِنَّ اَلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً» وهو علیه السلام يقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأن جدي محمدا رسول الله ، وأن أبي أمير المؤمنين ولي الله . ثم عد الأئمة إماما إماما ، إلى أن بلغ إلى نفسه ، ثم قال : « اللهم أنجز لي ما وعدتني ، وأتمم لي أمري ، وثبت وطأتي ، واملأ الأرض بي عدلا وقسطا»، ثم رفع رأسه وهو يقول :«شَهِدَ اَللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ،
ص: 14
وَالْمَلَائِکَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ »(18/3) إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم، ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب »، ثم عطس علیه السلام فقال : « الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على محمد و آله . زعمت الظلمة أن حجة الله داحضة . لو أذن لنا في الكلام لزال الشك »(1)..
قالت حكيمة : فأخذت بكتفيه ، فضممته إلي،وأجلسته في حجري ، فإذا هو نظيف منظف ، فصاح بي أبو محمد ( العسكري ) : هلمي إلي بابني يا عمة ، فجئت به إليه . ثم أدخل الإمام العسكري لسانه في فيه ( فمه ) ، وأمر يده على رأسه وعينيه وسمعه ومفاصله ثم قال له : تكلم با بني، يابني انطق بقدرة الله ، تكلم يا حجة الله وبقية الأنبياء وخاتم الأوصياء ، تكلم يا خليفة الأتقياء .. فتشهد « حجة الله المهدي علیه السلام» بالشهادتين ، وصلى على النبي والأئمة الطاهرين واحدا واحدا ، ثم سكت بعد وصوله إلى اسم أبيه ، ثم استعاذ من الشيطان الرجيم وتلي هذه الآية :
ص: 15
وَتُرِيدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اضْعَفُوا فِي الأَرضِ وَنَجعَلَهُم أئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ونُمَكِّنَ لَهُمْ في الأرضِ ونَرِي فِرْعَونُ وَهَامانَ وُجُودُهُما مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ »(1)
تقول حكيمة : ثم ناولنيه أبو محمد علیه السلام، ثم قال : يا عمه رديه إلى « أمه » كي تقر عينها ولا تحزن ، إن وعد الله حق، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ...»(2)
وفي الروايات الكثيرة أن « حكيمة » كانت تأتي كل فترة فيطلعها الإمام العسكري علیه السلام على المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف فتأخذه و تضمه و تنظر إليه وتلاعبه ثم تودعه وتذهب . فضلا عن رؤية الأصحاب وغيرهم للمهدي عجل الله تعالی فرجه شریف ..
ثم بعد أن ولد المهدي علیه السلام ابتهل الإمام العسكري علیه السلام لله تعالى ، حامدا شاكرا . وبعث إلى جماعة من أصحابه بخبر ولادة المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف ، وقد جاءه قسم منهم إلى سامراء للتشرف برؤيته المباركة(3). وقد رآه كثير
ص: 16
من أصحاب الإمام العسكري وغيرهم ، ورءوا منه معجزات عظيمة (1). وكان الإمام العسكري علیه السلام يدعو بعض أصحابه أو يستغل حضورهم وغير ذلك ليواجههم بالمهدي علیه السلام عن حضور و مباشرة .
وبعد فترة من المن شاع خبر ولادة المهدي علیه السلام، ولم يقتصر الأمر على شياعه ، بل وصل إلى حد رؤيته من قبل الأفراد والجماعات ، وظهوره في مقامات محددة وكثيرة على نحو إعجازي ، فكان المهدي علیه السلام يخبر السائل بما في نفسه من الأسئلة الشرعية وغيرها ، ويجيبه عليها ، وسط تأیید رباني عظيم(2). ويظهر من النصوص الكثيرة أن الله تعالی أحاط المهدي علیه السلام بمجموع مزايا تشير إلى عظمة مقام الإمامة وما تعنيه (3).
ص: 17
وقد علم العباسيون في وقت متأخر ، أنهم فشلوا في أمر المهدي، وأنه ولد عجل الله تعالی فرجه شریف. وأن أمره شاع وذاع ، فاعتمدوا وسائل كثيفة للنيل منه علیه السلام، ففشلوا، وقد أعلنوا ذلك مرارا(1).
للمهدي علیه السلام غیبتان : الأولى امتدت من سنة 260 للهجرة حتى سنة 329 للهجرة ، أي طيلة زمن النواب الأربعة ، كان يلتقي فيها نوابه ، وبعض الخواص ، وغيرهم مما تحدده وظيفة الإمامة . والثانية ابتدأت من سنة 329
ص: 18
للهجرة ، وما زالت إلى يومنا هذا، وستنتهي بظهوره العظيم عجل الله تعالی فرجه شریف، والنواب فيها على الناس هم الفقهاء العلماء المطيعون لأمر الله تعالی .
على أن سفراء أو وكلاء الإمام المهدي المباشرين ، كانوا أربعة ، في حين وکلاء هؤلاء السفراء كانوا كثيرين ، ومنتشرين في الأمصار والآفاق .
وكان « السفراء الأربعة » يشكلون صلة الوصل المعلنة بين الإمام المهدي علي وأتباع أهل البيت ، وقد استغرقت و كالتهم عن المهدي علیه السلام طيلة الغيبة الصغرى ، ومع موت آخرهم ، بدأت الغيبة الكبرى التي تنتهي بآخر الزمان ، وسفراء الغيبة الصغری هم على الشكل التالي :
1. عثمان بن سعيد العمري ، كان وكي للامامين الهادي والامام العسكري علیه السلام، ثم وكيلا للامام المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف ، وقد دامت سفارته عنه علیه السلام منذ أول الغيبة الصغرى ( 260 للهجرة ) حتى توفي عام 304/303 هجرية .
2. ثم إبنه « أبو جعفر محمد بن عثمان العمري ، وقد بقي حوالي و خمسين سنة في هذا المنصب إلى أن توفي عام 304 أو 305 ه-.
3. أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي ، قام بالسفارة بعد أبي جعفر العمري ، وظل فيه حتى توفي عام 326 ه-.
4. أبو الحسن علي بن محمدالسمري ، قام بالسفارة بعد بن روح النوبختي إلى أن توفي عام 329، وكان آخر السفراء . ثم صدر
ص: 19
« التوقيع الشريف » من قبل الإمام المهدي علیه السلام يعلم شيعة أهل البيت علیهم السلام وأهل الدنيا بانتهاء دور النيابة الخاصة والغيبة الصغرى ، لتبدأ منذ ذلك الزمن ( 329 هجرية ) الغيبة الكبرى ، مؤكدة أن « النواب العامين » الواجب الرجوع إليهم في زمن الغيبة الكبرى هم « الفقهاء » الذين يعبر عنهم ؛ « نواب الإمام عجل الله تعالی فرجه شریف العامين » ، وذلك إلى أن يمن الله على البشرية بإظهار بقية الله الأعظم والبشارة الكبرى بظهور مولانا المهدي المنتظر(1)عجل الله تعالی فرجه شریف .
ص: 20
تؤكد النصوص أن المهدي علیه السلام يظهر في آخر الزمان ، بعد فترة طويلة من محكومات أهل الجور والفساد ، وعالم تقوده أمم سياسية وثقافية تبدو شديدة العناد في إصرارها على الطغيان في شتى المعاني والجهات وأن « حكومات الجور والفساد » تتعدد في انتماءاتها ، لكنها تتفق في مضامین الخروج على قوانين الفطرة ودين الله ، حتى يبدو الإسلام غريبا كما بدأ (1). وأن قيادة « المجتمعات السياسية » من رأس الهرم، وصولا إلى الهيكل الإداري ، تقودها أمة تصر على عزل الدين عن شؤون الحكم وقوانین الجماعة(2).
وتشير إلى أن «عزل الإسلام » من حياة المسلمين يكون شيئا فشيئا(3)، وأن الجماعة تتعلق ببعض ما بقي من الإسلام إلى أن يعود غريبا كما بدأ(4). ويكون من صفات ذلك العالم « وهن القضاء الإسلامي » ، وعزل
ص: 21
المنظومة الشرعية عن حل الخصومات ، ثم يتوسع الأمر إلى النواحي الأخرى من شرائح منظومة تلك الأمم ، إلى أن يتم عز الدين عزلا واسعا(1)، بحيث تفصل شؤون الحكم والقيادة ومنظومة الجماعة وأعرافها وثقافتها عن فقه الإسلام (2)..
وقد حددت النصوص الكثير من خصائص ذلك الزمان ، وشؤون ناسه ، فمن العلامات العامة لذلك الزمان : « خروج الام على أمر الله تعالی » ، ومجاهرتهم في ذلك ، وإلزامهم الرعية على طاعة مواثيقهم المخالفة لدين الله تعالى . وفي كثير من الروايات الصادرة عن النبي صلی الله علیه و آله ، كان صلی الله علیه و آله يؤكد على حدوث « افتراق مستقبلي » بين القرآن والسلطان . أي يخرج الحاكم على كتاب الله تعالى ، ويتحول إلى غيره . في ظل عالم منجرف بالإنحراف والقيم الفاسدة(3). واللافت جدا إخبار النبي صلی الله علیه و آله عن تحول کثير من المسلمين إلى جماعات مرتزقة للهو ومطالب الشهوة ، والإشباع الغريزي ، والمجاهرة بمعصية الله(4)، في انحراف واضح عن الإسلام . وأن للحكام يدا واضحة في ذلك(5). وأن « السلطان » يعزل الشريعة
ص: 22
الإلهية عن شؤون الحكم ومنظومة الجماعة ، ويمارس هذا العزل ، ويقود مجتمعه على نحو مغاير لفقه الشريعة ، جبرا ، وبوسائل الإكراه(1)، التي منها السجن والتنكيل وإسقاط الحقوق المدنية ، وصولا إلى القتل والإلغاء(2). وأن من علامات ذلك الزمن : استغلال الدين وتجويفه(3)، والتقاتل على الدنيا ، ونصب المال والجاه والإعتبار والقوة ربا ومرجعا للقيم ، دون غيره من منظومة الشريعة(4).
وأنه مع هذا التحول « المتعارض » مع الإسلام ، يتشرذم المسلمون ، ويلعن بعضهم بعضا ، ويخوضون عداء مثيرا بينهم ، وتبدو قطيعتهم مخيفة ، ويصبح الإفتراس والحقد عنوانة بارزة في ذلك العالم ، وأنه يشيع في المسلمین مظاهر خطرة من « الإنحراف الأخلاقي » كالتعري وهجران العتمة ، وانتشار الزنا ، وطغيان السفور ، وموضة الغرائز ، ونوع واضح من اللواط والسحاق ، والشذوذ الجنسي ، وأنهم يسقطون أمام موجة التعري والزنا التي تقودها قوى النظام العالمي المدعومة من قوی مختلفة على رأسها الروم وأمم أخرى فاجرة ، تصر على انحرافات أخلاقية كبيرة إرضاء لآلهة المال والغرائز . ويتعاظم الطعن بالإسلام ، حتى يبدو القابض على دينه كالقابض
ص: 23
على الجمر ، من شدة غربة الإسلام ومحاربته (1). وتطغى علامات الإنحراف والضلال في ذلك العالم ، ويكون لها نفوذ وسيطرة كبيرة ، في حين يكون الإسلام بغربة(2) إلا من أمة مؤمنة ، وفرق ملتزمة هنا وهناك(3). وتبدو « جاهلية آخر الزمان (4)» أسوأ بكثير من جاهلية العرب الأولى(5). لتؤكد المتون أنه في هذا الزمن من آمن وصبر واقي وحافظ على دينه ولم ينغمس بهوی محرم ، كان عند الله من الصابرين المحتسبين . ثم بهذا العالم المنحرف يكون الإسلام غريبا كما بدأ (6)، حيث تتحکم به جاهلية هي أسوأ مما
ص: 24
مضى(1) . إشارة إلى الإنكماش الشديد الذي يصيب الإسلام ، لصالح مفاهیم ومواثيق شديدة التعارض مع الإسلام تعزله وتمنعه من الظهور في حياة الجماعة والأفراد في المال والإقتصاد والسياسة والقضاء والإجتماع والأخلاق والآداب والمظاهر الشخصية والسلوكيات المختلفة(2) .
ومن علامات ذلك الزمن أن « المسلمين » يكونون كثرا ، لكن غالبهم الأعظم غثاء كغثاء السيل(3)، مجرد كثرة هزيلة ، خائفة ، مغلوبة على أمرها ، مجرد تبع أذلة ، سحقتهم آلهة الشهوة والمال والغرائز. لا يبالون ما نقص من دينهم ، أو ما مات من كتابهم .! مجرد بضاعة باعون ويشترون ، قد خانوا دينهم ورئهم . في حين تكون « الروم» - صاحبة أكبر قاطرة من الفساد - بل يظهر المهدي علیه السلام والروم أكثر الناس . أي صاحبة نفوذ كبير . كما يكون للترك حضور بارز ، و كذلك لليهود ، ويأجوج ومأجوج، وغيرهم من الأمم ، في حين يكون المسلمون على شر هزيمة ، وشر ذل ، لا رب يعبدون ، ولا دين يعتقدون .! إلا من أمة تظل ثابتة على دينها ، قوية في
ص: 25
إيمانها ، حددتها النصوص بأهل خراسان ، وجملة من رایات الهدي هنا وهناك . على أن هناك نصوص صريحة جدا في أن المسلمين يكون لديهم ثروة ثمينة جدا ، لها قيمة كبرى على مستوى العالم ، لكهم أذلة ، فتتسابق إليهم الأمم القوية بالجبروت والغزو والنهش دون أن يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم ، إلا دولة خراسان التي تؤكد النصوص علو همتها ، وقوة عزمها وثباتها.
وبالإضافة إلى « الغربة » التي يعيشها الإسلام ، فإن الفتن تصك المسلمين ، وتدخل كل بيت ، دلالة على الذل الذي أحاط بهم ، والهوان الذي سکن أرضهم (1). وفي رواية أرطاة بن المنذر ، قال :
بلغنا أن رسول الله صلی الله علیه و آله قال : « تكون في أمتي أربع فتن ، يصيب أمتي في آخرها فتن مترادفة ، فالأولى تصيبهم فيها بلاء حتى يقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف . والثانية حتى يقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف . والثالثة كلما قيل انقضت تمادت . والفتنة الرابعة تصيرون فيها إلى الكفر . إذا كانت الامعة(2) مع هذا مرة ومع هذا مرة بلا إمام ولا جماعة ، ثم المسيح ، ثم طلوع الشمس من مغربها(3)، ودون الساعة إثنان وسبعون دجالا ، منهم من لا يتبعه إلا رجل واحد »(4)..
ص: 26
أيضا من صفات « ما قبل الظهور » أن الأرض تعاني من جدب وقحط ووهن في عطاءها ، لأسباب تشير النصوص أن وراءها يد البشر . فضلا عن اضمحلال الماء(1) .
وتؤكد النصوص أن الفتن والبلايا تكون متعاظمة قبل الظهور ، وتظل كذلك ، إلى أن يتم الله أمر المهدي علیه السلام بالإنتصار على الأمم الجائرة و كيانات الجبابرة الذين يعيثون في الأرض فسادا واضطهادا(2) . ويبدو واضحا أن «الفتن » لن تكون واحدة ، بل متعددة ، وهي تصيب المسلمين أيضا . المتون المروية واضحة في « طغيان الفتن » وطولها ، وتعاقبها ، ووطأتها الشديدة ، وبلوغ الإنحراف وفعل الجبابرة مرحلة مخيفة ، وفظاعة هائلة ، في زمن يكون فيه لأهل الكفر والإنحراف سلطان و ظهور متغاظم . كل ذلك يكون في نفس الوقت الذي يطبق فيه الذل على أغلب المسلمين ، وغربة الدين ، وحكم « الإمعة » الذي لا عقل له ولا دين في إدارة الحكم وأمور الجماعة، سوى التسلط والإنتهاز وإشباع الشهوة والرغبة وعزل الإسلام .. ويبدو واضحا أن « أدوات » الحرب والقتال والغزو والعنف تكون عنوانا لامعة في هذه الفتن.
ويكون الطاغي في الفتنة الأولى :
سفك الدم، .
وفي الثانية : سفك الدم ونهب المال ..!
ص: 27
وفي الثالثة : سفك الدم ، ونهب المال ، واغتصاب النساء ،
وصولا إلى الفتنة الرابعة ، التي يبدو فيها للدجال طغيان في الدم والمال والأعراض ، وفورة هائلة للغريزة والشهوات والأساطير ، في ظل تجويع ، وقتل ، واستغلال ، واحتكار لأسباب الحياة والمعيشة بشيئ من الجهد والوطأة (1)..
على أنه « عدد الفتن » أكثر من أربعة ، وما العدد هنا إلا للإشارة إلى بعض الفتن ومظاهرها المتنوعة(2). وستكون « فتنة » لا يهدأ منها جانب إلا جاش جانب آخر ، وهي الفتنة الأخيرة لما قبل الظهور(3)، وتظل متلاطمة حتى ينادي مناد من السماء : أمير كم المهدي (4)علیه السلام .
ويبدو أن هذه « الفتن » تكون للدنيا ، وعلى الدنيا . ومن تلك الفتن « فتنة السبيطة » ، قتلاها في النار ، تقع بين فريقين مسلمين ؟ يتغالبون على أمر الدنيا ولم يتغالبوا على أمر الله (5). ويكون لهذه الفتنة أثر ظاهر على المزيد من هشاشة المسلمين وضعفهم وانهيارهم ، وتغريب الإسلام .
با ما تماس با ما اطلاعات بیمارستان است اما این سوا لات امتحانات
ص: 28
وأنه قبل ظهور المهدي علیه السلام تكون « كوارث » منها ما هو بفعل بشري ، مثل الفتن ، والحروب ، والتدمير ، وسفك الدماء ، والإحتلال ، واحتكار الثروات ، وغزو الأراضي ، وغير ذلك ، ومنها الآخر يكون لأسباب كونية أو طبيعية ، مثل الزلازل ، والفيضانات والجفاف والقحط والتصحر ووهن الطبيعة وغير ذلك(1). الممون صريحة جدا ب-« نكبات الطبيعة » وجرائم الإنسان . يقول النص : « یبعث المهدي علیه السلام في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل ..»(2)، تأكيدة على طغيان البشر من جهة ، وانهيار قدرة الطبيعة من جهة أخرى(3).
ويكون ظهور المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف زمن تفاقم الفتن وخطورتها البالغة ، في ظل ظلم وحيف وفساد هائل يجتاح العالم . تقول الرواية : « يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان ، وظهور من الفتن ..»(4). ويبدو أن « الطغيان الإعلامي » والإنحراف الثقافي ، يكون على نحو نافذ وجبار ، فضلا عن سطوة تجار الغرائز ، وأباطرة الشهوات ، في ظل « تدلیس » وخدع ثقافية متفاقمة . يقول النص : « ستكون فتن صبح الرجل فيها مؤمنة، ويمسي
ص: 29
کافرا ، إلا من أحياه الله بالعلم »(1)..إنها واحدة من أنواع « فتنة الثقافات ومحارقها » التي تتربع على مصيدة الغرائز والشهوات والهياكل القانونية المنحرفة .
على أن من « أشراط » ذلك العالم تبدل الأخلاق ، وانكماش المحبة ، وانتشار الحسد ، وتبادل الحقد ، وسوء الجوار ، وقطيعة الأرحام، و تعطيل سيف الجهاد ، وانتشار طغيان الجبابرة(2)، وتسليع القيم ، واتباع الهوى(3)، وترك الدين للدنيا (4).. .
أيضا من مظاهر ذلك الزمن أن حکاما مسلمين يشكلون أداة تنفيذية طبيعة للروم ( المسيحية الغربية ) ، فيقومون بإصلاحات أخلاقية وأدبية وثقافية محرمة ، يراد منها عز الدين وقوانينه ، وتحويل المجتمع بذکره وأناه إلى قرد متحلل ، هممه الزنا ، والخمرة ، والتعري ، واللهو الغرائزي . إن هذه الشعوب هي المقصودة ب-« رحابني مرح »(5)التي أشارت لها
ص: 30
النصوص ، وهي التي تعكف على عبادة آلهة الشهوة والنشوة والغريزة والخمرة والسفور والتبرج ، بقيادة حکام مفسدین و قوانین منحرفة .
ثم بين يدي ظهور المهدي علیه السلام أيام هرج (قتل) و مرج (فرضی)(1)، أيام يزول فيها العلم، ويظهر الجهل ، وتعم الفتن ، ويكثر طغيان الحراب والعدوان ، فتأكل الأمم بعضها ، وینکر الله جهرة ، وينبعث الفساد من كل ناحية بشكل متعاظم ، ويكون له قوة السلطان والقانون والأعراف(2) . ويتقارب الزمان ، وتتقارب البلدان ، [ إشارة إلى ثورة في عالم المواصلات والإتصالات ] ، وتعم الفتن ، ويتعاظم الشح، ويكثر الهرج ( القتل ).
على أن النصوص صريحة جدا في غزو الأمم ، وافتراس الضعفاء ، واحتكار الأموال ، وحروب الأسواق ، ونهب الموارد ، وحبس الأرزاق ، وتسليع الأشياء ، وأشباهها في آخر الزمن .
كما من علامات ذلك الزمن : تعاظم الطغيان والعدوان ، وقد أجمعت النصوص أن ظهور المهدي علیه السلام يكون في عالم ينوء بالفساد والإضطهاد والفتن والإنحراف والطغيان . في النص : «لا تقوم الساعة حتى
ص: 31
تمتلئ الأرض ظلما وعدوانا »(1).وقال صلی الله علیه و آله: « ثم يخرج المهدي علیه السلام من عترتي (2)، يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا »(3). النصوص متواترة عند المسلمين في أن المهدي علیه السلام يقوم قبل قيام الساعة ، فيقود الأمم، ويقيم دولة العدل الإلهي ، ويقضي على الجبابرة والمفسدين .
يقول النبي صلی الله علیه و آله: « لثملأن الأرض ظلما وعدوانا ، ثم ليخرجن من أهل بيتي ممن يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا (4) »(5). المتون صريحة في أن المهدي - الذي هو من نسل النبي - هو المعد لذلك الزمن الأعظم ، وهو من أئمة أهل البيت علیهم السلام ، من ولد فاطمة وعلي علیه السلام، من نسل الحسين علیه السلام. بحيث يشكل ظهوره أعظم تطور في ساح الكون آنذاك(6) .
ص: 32
في الخلاصة العامة : تبدو التجربة البشرية في آخر الزمان على نحو انحرافي هائل في القيم والغايات ودواعي الفعل وتطبيقاته ، وضوابط المسير الإنساني الضروري . إلى أن يظهر المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف، فيقيم الدولة الربانية المقدسة في ربوع الوجود.
للمهدي علیه السلام قبل ظهوره علامات مختلفة ، منها ما هو عام ، ومنها ما هو خاص ، ومنها ما هو قريب من ظهوره عجل الله تعالی فرجه شریف، ومنها ما هو ليس كذلك . وقد جاءت الآثار بذكر علامات لزمان ظهور القائم المهدي علیه السلام، وحوادث تكون أمام قيامه ، و آیات ودلالات ، منها - كما وردت بقلم الشيخ المفيد قدس الله سره - :
« خروج السفياني ،
وقتل الحسني ،
واختلاف بني العباس في الملك الدنيوي ،
و كسوف الشمس في النصف من رمضان ، وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات ،
وخسف بالبيداء ،
ص: 33
وخسف بالمغرب ،
وخسف بالمشرق ،
ور کود الشمس من عند الزوال إلى أوسط أوقات العصر وطلوعها من المغرب ،
وقتل نفس زكية بظهر الكوفة(1) في سبعين من الصالحين ،
وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام ،
وهدم حائط مسجد الكوفة ،
واقبال رايات سود من قبل خراسان ،
وخروج اليماني ،
وظهور المغربي بمصر وتملكه الشامات ،
ونزول الترك الجزيرة ( العراق )،
ونزول الروم الرملة ( فلسطين )،
وطلوع نجم بالمشرق يضيئ كما يضيئ القمر ، ثم ينعطف حتی يكاد يلتقي طرفاه ،
وحمرة تظهر في السماء وتنتشر في آفاقها ،
ونار تظهر بالمشرق طويلا، وتبقى في الجو ثلاثة أيام أو سبعة أيام، وخلع العرب أعنتها وتملكها البلاد ، وخروجها عن سلطان العجم،
ص: 34
وقتل أهل مصر أميرهم ،
وخراب الشام ، واختلاف ثلاث رايات فيه ،
ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر ، ورايات كندة إلى خراسان ،
وورودخيل من قبل الغرب حتى تربط بفناء الحيرة (1)،
واقبال رايات سود من المشرق نحوها(2)،
وبثق في الفرات حتى يدخل الماء أزقة الكوفة(3)،
و خروج ستين كذابا لهم يدعي النبوة ، وخروج اثني عشر من آل أبي طالب لهم يدعي الإمامة لنفسه، واحراق رجل عظيم القدر من بني العباس بين جلولاء وخانقين ،
وعقد الجسر مما يلي الكرخ بمدينة السلام،
وارتفاع ريح سوداء بها في أول النهار،
وزلزلة حتى ينخسف كثير منها ،
وخوف يشمل أهل العراق وبغداد ، وموت ذريع فيه(4)،
ص: 35
ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ،
وجراد يظهر في أوانه وفي غير أونه ، حتى يأتي على الزرع والغلات ،
وقلة ريع لما يزرعه الناس،
واختلاف صنفين من العجم ، وسفك دماء كثيرة فيما بينهم ،
وخروج العبيد عن طاعات ساداتهم وقتلهم مواليهم ،
و مسخ لقوم من أهل البدع حتى يصيروا قردة وخنازير ،
وغلبة العبيد على بلاد السادات،
ونداء من السماء حتى يسمعه أهل الأرض ، كل أهل لغة بلغتهم،
ووجة وصدر يظهران للناس في عين الشمس،
وأموات ينشرون من القبور حتی یرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون ويتزاورون ،
ثم يختم ذلك بأربع وعشرين مطرة ، تتصل فتحيابه الارض بعد موتها ، وتعرف بركاتها . ويزول بعد ذلك كل عاهة عن معتقدي الحق من شيعة المهدي علیه السلام ، فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة ، فيتوجهون نحوه لنصرته ، كما جاءت بذلك الاخبار »(1).
ص: 36
كل هذه من « العلامات » التي تقع قبل الظهور الشريف ، ومنها ما يكون قريبة جدا من الظهور، کذبح الحسني بين الركن والمقام ، ومنها ما يكون بعيدة عن لحظة الظهور المبارك.
آية الحدثان(1) نائبة كبيرة ، تقع في « شهر رمضان » ، هي علامة في السماء ، بعدها يقع « اختلاف في الناس » ، لذا جاء في النص : « إن أدركتها ، فأكثر من الطعام ما استطعت(2)»(3). هي نائبة خطيرة جدا ، يتبعها جوع وأزمة اقتصادية ، وقحط وحكرة وشبه ذلك ، في ظل فتنة متعاظمة . وفي رواية خالد بن معدان قال : « إذا رأيتم عمودا من نار، من قبل المشرق في شهر رمضان في السماء ، فأعدوا من الطعام ما استطعتم ، فإنها سنة جوع »(4). وفي متون أخرى ورد : «نار في الحجاز ».إشارة إلى ظاهرة متعاظمة، ذات أثر خطير على الإنسان في تلك البلدان ، وتبيانا لفن بشرية واسعة يكون منها حرب الجوع والوجع والقهر والموت ، وقال ابن قاذويه : « آية الحدث في رمضان ، نار تكون في السماء شبيها بأعناق الجب ، أو كأعمدة
ص: 37
الحديد . فإذا رأيتها فأعد لأهلك طعام سنة » . إشارة إلى حدث إستثنائي ، وفتنة هائلة ، تصيب كثيرا من الناس .. حيث تنتشر فتنة ، وتظهر نار في الحجاز - وهي نار غير نار عدن - إيذانا أو إكمالا لفتنة جبارة .. بقاع العالم آنذاك - خاصة بقاع الإسلام - تكون مضطربة . الأمم منقسمة ، العداء مستحكما ، ويقع في الناس دم وجوع..
وقد وردت « روایات تشير إلى «النداء السماوي » في شهر رمضان ، و« نار » من المشرق ، و«اختلاف » يكون بين الناس .. وعليه : وقع الفتنة المتعاظم ، يؤثر بشدة على المشرق ، خاصة بلاد العرب والمسلمین . وإبان هذه الهائلة يختلط الجوع بالدم والعذاب والقهر .
ما قبل الظهور القريب ، تتشابك الآيات ، فمنها ما هو أرضي ومنها ما هو سماوي. ومنها ما هو بشري ومنها ما هو طبيعي . علامات ذات إشارة إلى قرب حدث عظيم يراد بأهل الأرض .
وقد ورد في الأخبار : « يطلع نجم بالمشرق ، يضيئ كما يضيئ القمر، ينعطف حتى يلتقي طرفاه أو يكاد »(1). وكان النجم علامة على ولادة النبي المسيح علیه السلام، وعلامة على ولادة « النبي الأعظم محمد صلی الله علیه و آله» ، وهو ذاته علامة على «ظهور المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف في آخر الزمن ». هذا النجم
ص: 38
المذنب ، انتظره الكهنة والقساوسة والعلماء منذ الأزمان البعيدة ، هكذا قررت الكتب ، وهكذا حدث التاريخ ، وبذلك شهدت المعجزات . بهذا المذنب تبدأ « أحداث نهاية التاريخ البشري » في آخر الزمان : « يطلع نجم من المشرق ، قبل خروج المهدي له ذناب »(1). إشارة سماوية هائلة إلى حدث عظيم يقع على الأرض : مذب : «له ذنب يضيئ لأهل الأرض ، كإضاءة القمر ليلة البدر »(2). وقبل ظهور المهدي علیه السلام يقترب هذا المذب ، ویراة أهل الأرض ، ويكون في ظهوره « الخاص » علامة على موعد عظيم من السماء لأهل الأرض(3).
على أن هذا المذنب يقترب من الأرض فيراه الناس : « .. يخرج نجم له ذنب يضيئ ..»(4) وفي التقريب العلمي : مذنب «هالي » يقترب من الأرض كل 76 عام ، ويبلغ طول ذيل هذا المذئب « 30 مليون كيلو متر » وهو يحتوي على الدخان والأتربة . [ مثال تقريبي ] . وفي الكتب والحقائق الثابتة : ظهر المذنب عند میلاد المسيح علیه السلام وعند میلاد النبي الأعظم صلی الله علیه و آله كما ظهر يوم فتح القسطنطينية بقيادة محمد الفاتح . لذلك منذ هذا التاريخ يعتبر الأوروبيون علامة سوء بالنسبة لهم. لأنه مع ظهوره انهارت أسوار القسطنطينية ( عاصمة المنعة الرومية ) ، ودخلتها جيوش الإسلام . وقد أطلق
ص: 39
«البابا کالیلیکيس » عليه إسم « عميل الشيطان »(1). على أن لفظ القرآن الكريم جاء على بالتعبير التالي : «وقارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبین و( 10/44 ) .. إشارة إلى « المستقبل » ، وتأكيدا لحتمية محددة بهذا النجم ، وتركيزا على علامة خاصة يرتبط بها جزء رئيسي من مصير أهل الأرض .
وعليه : ظهور هذا المذنب ( الجم ) ، يشكل علامة موصوفة قبل ظهور المهدي علیه السلام، له صورة وهيئة لافتة : « ينعطف حتى يلتقي طرفاه أو يكاد »(2). تركيزا على دلالة وصفية خاصة به ، لها لغتها في الدلالة على قرب الحدث العظيم . .
لا بد من « آية الشمس » ، وهي علامة خاصة جدا ، تقع على خلاف العادة ، وعلى خلاف « الجدول العلمي » للفلكيين ، وفي النص «لا يخرج المهدي علیه السلام حتى تطلع مع الشمس آية »(3). هذه العلامة تدل على
ص: 40
قرب قريب لظهور المهدي ، و تسارع الأحداث الكبرى ، في ظل توحش بشري - تقوده أمم ظالمة منحرفة - وفساد عظیم ، يلف الأرض وناسها ، إلا من « قلة » يبقون على دين الله ومطالب السماء ، فإذا انكسفت الشمس على غير العادة ، وظهرت فيها الآية ، تهيأ الكون لاستقبال «قائد معسكر الرب » وفي النص :
«قبل خروج المهدي تنکسف الشمس في شهر رمضان مرتین »(1).کسوف موصوف، لم ولن يتوقعه أهل الفلك ولا أهل الأرض ، تظهر معه وفيه آية .. ويشترك « القمر» في بيان لغة الإعجاز والعلامة السماوية ، ويتحدث الناس بذلك ، ويدب السؤال بينهم عن المغزی ، و تظهر الحيرة عليهم بسبب ما يرون : « . آيتان لم يكونا من خلق الله السماوات والأرض : ينكسف القمر لأول ليلة من رمضان ، وتنکسف الشمس في النصف منها »(2). كسوف وخسوف محير للعلماء والناس ، يظهر ليدل على حدث عظیم طرأ، والأمر الأكيد أن شيئا وقع كونيا ، لا يمكن تفسيره وفق المجرى العلمي والجدول الموجود .
إنها لحظة تختلط فيها «لغة السماء مع لغة الأرض » ..
تأكيد مطلق على : أن أرض الإنسان على موعد رباني عظيم ..
ص: 41
يبدو واضحا من النصوص أن ظهور المهدي علیه السلام لا يكون إلا بعد فتن عاصفة ، تعم العالم، خاصة العالم الإسلامي ، وسيكون من أثر تلك الفتن : سفك دماء ، ومجاعات، وخوف، ووجل، وهلع، واستعمار ، واضطهاد ، وفوضى ، وهتك ، وتنكيل فظيع ، وغير ذلك .. ويكون للكفار سطوة وظهور، بعد أن يهجر الإسلام ، ويملك من نمحي الدين جانبة ، وينكب القوم على الدنيا ، ويتناسون أمر الآخرة ، وتأخذهم الشهوات ، ويذلهم الهوان [ حب الدنيا و كراهية الموت ] ، فيعود الإسلام غريبا كما بدأ إلا من قلة على رأسهم دولة أهل خراسان ، الذين يصرون على اعتناق الدين ، وحمل ثقل نبي المرسلين علیه السلام، وقد جاء في الخبر :
« .. أبشرك يا رسول الله بالقائم علیه السلام من ولدك ، لا يظهر حتى يملك الكفار الخمسة الأنهر ، فعند ذلك ينصر الله بك على أهل الضلال ، ولم يرفع لهم [ أي للكفار ] راية أبدا إلى يوم القيامة . فسجد النبي صلی الله علیه و آله شكرا الله ، وأخبر المسلمين وقال لهم :
بدأ الاسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ ، فسئل عن ذلك ؟ فقال صلی الله علیه و آله: هي الخمسة الأنهر التي جعلها الله لنا أهل البيت وهي : سیحون وجيحون والفراتان ونیل مصر . إذا ملكت الكفار الخمسة الانهر ، ملك
ص: 42
الاسلام ( كذا ) شرقا وغربا ، وذلك الوقت ينصر الله أهل بيتي على أهل الضلال ، ولم يرفع لهم راية أبدا إلى يوم القيامة »(1).
هذا يعني : سيطرة الكفار ، وتمدد نفوذهم ، وسعة وطأتهم في العراق وإيران ومصر وبقاع مختلفة من أرض الإسلام . وفعلا ظهر للكفار نفود كبير، وسيطرة مطبقة في هذه المناطق من العالم في القرون الماضية ، زمن الإستعمار الذي شنه الإنكليز وغيرهم . وها هو العالم الإسلامي يعاني اليوم من نفوذ هائل للروم الأمريكيين في أنحاء العالم الإسلامي . وقد بدت الصورة أكثر ضبابية وقسوة بعد غزو الأمريكان لبغداد ، ودخولهم لها في التاسع من نيسان عام 2003..
وتؤكد الروايات أن خراسان ( أرض إيران ) قبل الظهور یکون لها دولة قوية ، ونفوذ إقليمي عظيم ، ودرع حصينة ، وسلاح ماض ، وتكون صريحة جدا في تبنيها الإسلام ، ودعوتها إلى القرآن والعترة النبوية . وهي التي تشكل أكبر عائق في وجه الروم الغربيين وأتباعهم . وفي فترة ما ، تزحف لفتح بیت المقدس ، فتحريره من أيدي اليهود الغاصبين ، وتطأ جباة الأنظمة، وتهزم جيوشهم ، حتى تنصب رايات أهل الحق في إيلياء ( القدس ).
ص: 43
تشهد الدنيا علامات كثيرة قبل الظهور الأعظم للمهدي عجل الله تعالی فرجه شریف منها: ما يقع في السماء ، ومنها ما يقع في الأرض ، ومنها ما يكون عاما ، ومنها ما يكون خاصة في أرض محددة ، منها ما يكون على نحو الحدث ، ومنها ما يكون على نحو الوصف ، ومنها ما يكون من هذه وتلك ، فقد جاء في الأثر : «لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارة ، وحتي يسير الراكب بين العراق ومكة ، لا يخاف إلا ضلال الطريق ، وحتي يكثر الهرج . قالوا : وما الهرج یارسول الله ؟ قال صلی الله علیه و آله: القتل »(1).
النص صريح في : عمارة أرض العرب ، وتحول الجزيرة إلى مروج من أنهار ( أي وفرة الماء ) ، مع ما يعني ذلك في الثمار والمنافع ، واللافت في أكثر من نص : الإشارة إلى « أبنية مشيدة » كما في غير هذا المتن . وأن هذه البلاد يسودها الأمن ، إلى أن يصيب هذه البلاد اضطراب الفتن ، وأزمة الحكم ، وانهيار الأمن، وطمع الروم ، وتبعية خطيرة تحكمها الروم ، وصولا إلى الجوع الأغبر والموت الأحمر.
إذن : للعرب علامة ، في عمارة أرضهم ، وارتفاع بنائهم ، وكثرة منافعهم ، ووفرة ماءهم ، لكنهم على موعد مع فتنة متعاظمة ، يقع على أثرها القتل وانهيار الأمن، وصولا إلى الجوع والدم ..
ص: 44
في إشارة إلى علامات ذات صلة بسلوك واحد من الحكام ، جاء في الأثر : « فإذا قتل الخليفة بالعراق ، خرج عليهم رجل مربوع القامة ، كث اللحية ، أسود الشعر ، براق الثنايا ، فويل لأهل العراق من أتباعه المراق . ثم يخرج المهدي علیه السلام منا أهل البيت ، فيملأ الأرض عدلا ، كما ملئت جورة »(1).
وفي أكثر من نص، تم الحديث عن «حاكم العراق » ، وعن أن موت هذا الخليفة من العلامات القريبة لظهور المهدي علیه السلام . على أن هذا لا يمنع من موت خليفة آخر في منطقة ما ، مثل الحجاز مثلا ، حيث قد يستفاد من بعض النصوص مثل هذا الأمر، لكن العلامة ظاهرة في موت حاکم العراق الظالم ، القتال ، المنحرف ، الذي يتقاتل قومه على ملکه ، حيث يجلس على كرسي الحكم خليفة ضعيف ..
وتعتبر أرض العراق مهد الأزمات ، ومحنة أتباع أهل البيت علیهم السلام ، خاصة زمن « عبد الله العباسي » الشديد ، ثم يوم السفياني الذي يبيح العراق الجيشه ، و كذا ما يحصل قبله من تداعي جيوش الروم والترك وغيرها إلى هذه المنطقة ، طمعا في كنز أو مال ينكشف عنه الفرات [ مال جوفي، له قيمة هائلة بالنسبة إلى قوى العالم ، ما يدعوها للزحف نحوه ، والتقاتل
ص: 45
عليه ].. ويلاقي شيعة علي علیه السلام بلاء عظيمة من الحكام الظلمة في هذه النواحي إلى أن يفرج الله عنهم.
تشير الروايات إلى علامات ، تتصل بأثر الإستنزاف الذي يلحق ب- « بلاد الإسلام » ، منها قول النبي(1) صلی الله علیه و آله : [ ( إذا ) .. منعت « العراق » قفيزها و در همها، ومنعت « الشام » مدها ودینارها ومنعت « مصر » إردبها و دینارها ، وعدتم من حيث بدأتم ، وعدتم من حيث بدأتم ، وعدتم من حيث بدأتم ](2) ، بحيث تحدث أزمة ذات أثر بالغ ، حصار وعزل ، دهم وترويع .. يبدو من طائفة النصوص أنها تكون ذات « وصف حربي » يتبعها أزمة اقتصادية مالية نقدية معيشية عسير على المسلمين في العراق والشام ومصر ، ونواحيها ، فيظهر الجوع والوجع ، والحسرة والأنة ، وتضيق الدنيا. .
كل ذلك في ظل هجمة رومية ، وطمع مستشر ، وجيوش مجهزة ومتنوعة .. هذا المتن وغيره واضح في الإشارة إلى الضيق الشديد الذي يضغط على بلاد المسلمين ، في حين تكون أنظمة موالية للروم وغيرها في هذه الأرض ، تعمل على محاولة إجهاض « مشروع الأسلمة » الذي تنادي به دولة خراسان.
ص: 46
في ظل هذا العصف ، وفي زمن ما ، تذكر النصوص ظهور « ثلاث ثورات إمامية(1) » تقوم في زمن الغيبة ، بفترة ما ، وتبقى حتى عصر ظهور المهدي علیه السلام ، وهي:
1. ثورة « أبدال الشام » الذين يقاومون اليهود الغزاة ، ويبدو واضحا من : النصوص أنهم يكونون في لبنان ، وأكناف بيت المقدس ، أي نواحيه . ويؤكد النصوص ثبات الأبدال ، وقوتهم وتفانيهم ، حتی أن « الكور الخمس » تسقط زمن السفياني ، إلا بلادهم، حتى يبايعوا المهدي علیه السلام وينخرطوا بين يديه . 2. ثورة «نجباء مصر » الذين يكادون أن يستلموا الحكم في مصر ، في ظل دعم شعبي كبير ، لكن الحاكم هناك يهرب إلى الروم مستنجدا بها ، فتأتي جيوشها إلى مصر، وتقع هناك أول ملحمة ،
وهي ملحمة الإسكندرية .
3. ثورة « عصائب العراق » أو أخبار العراق في أرض العراق(2). ويبدو أن لهم نوعا من التضحيات الكبيرة ، والنفوذ المتعاظم ..
ص: 47
تحدثنا النصوص بإسهاب موصوف أن اسم المهدي علیه السلام كإسم النبي محمد صلی الله علیه و آله ، وأنه هو محمد ابن الحسن العسكري، من ولد الحسين الشهيد علیه السلام، من فاطمة الزهراء وعلي بن أبي طالب علیهما السلام .. وأن لقبه المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف . وتقول النصوص في ألقابه : أنه المهدي ، مهدي هذه الأمة ، وأنه المهدي في الأرض والمهدي في السماء ، ومهدي الخير ، ومهدي عباد الله . وأن المهدي يهدي إلى الله عز وجل، يهدي الناس إلى الصلاح والفلاح ، يهدي الأمم إلى أمر قد خفي ، بعدما طمست معالم الإسلام، وغزل القرآن ، ونحيت الشريعة وتعاظم الكفر وعبدة الأوثان . وتؤكد طائفة من الأخبار أن العرب تهتدي بالمهدي علیه السلام ، وأن أمما كثيرة تهتدي به ، وأن العالم في النهاية يهتدي به . ثم تعدد الأحاديث بعضا من صفاته علیه السلام مثل أنه الامام الحجة ، وآخر الأئمة الإثني عشر ، وأنه خليفة الله عز وجل، وولد النبي محمد صلی الله علیه و آلهمن إبنته فاطمة الزهراء ووصيه علي بن أبي طالب علیهما السلام ، وأنه خليفة مكرم من بني هاشم ، وولي الله ، والامير ، والقائم ، وطالب الثأر ، وأمير الطائفة الظاهرة . ثم تصف النصوص الطائفة الظاهرة على الحق بأنها التي تكون على الإسلام وولاية النبي وأهل بيته علیهم السلام . وأن المهدي يكون أمير الناس في آخر الزمان .
ص: 48
ثم تعطيه بعض الطوائف المروية عنهم علیهم السلام صفات تدل على عظيم أمره، منها : أنه عجل الله تعالی فرجه شریف القائم بالحق، والقائم للحق ، والقائم المنتظر، والقائم المأمول ، وأنه خير الله من خلقه ، وخير أمة محمد صلی الله علیه و آله، وخير الناس ، وخير أهل الأرض ، وابن خيرة الانبياء ، ونجم المؤمنين ، ويعسوب الأمة ، والرجل الصالح ، صالح من مضى وخير من بقي ، وأنه العدل المبارك الزكي ، المنصور ، الهاشمي ، الغلام ، العائذ بالبيت ، وأن اسمه كإسم النبي محمد صلی الله علیه و آله، يواطئ إسمه إسم النبي ويوافقه . وفي بعضها الآخر كان يقول صلی الله علیه و آله: إسمه إسم نبي ، إسمه إسمي ، إسمه يوافق إسمي .. وما إلى ذلك من نصوص .
وعن صفاته البدنية عجل الله تعالی فرجه شریف.. ؟ قالت طائفة من النصوص بأنه أجلي الجبهة ، اقني الأنف ، أجلى الجبين ، وفي نص آخر: أعلى الجبهة وأملا الجبهة وأقنى الجبهة ، براق الجبين ، أفرق الثنايا ، أزج ، أبلج ، أعين ، أشم الانف ، أقنى ، أجلى ، أجلى الحاجبين ، في خده الأيمن خال أسود ، شاب حسن الوجه. وأن وجهه كالقمر الدري ، وفي لفظ آخر: كأن وجهه الكوكب الدري . بكفه اليمنى خال ، عليه عباءتان قطوانيتان ، شمائله کشمائل النبي صلی الله علیه و آله، وهو أشبه الناس بالنبي صلی الله علیه و آله خلقا وخلقا ، يظهر صلی الله علیه و آله شابا بعمر ما بين الثلاثين إلى الأربعين سنة ، وورد في بعض المتون : يظهر ابن اربعين سنة . النصوص تؤكد أنه علیه السلام يظهر وهو شاب ما بين
ص: 49
ثلاثين وأربعين من العمر. وأنه شبية النبي علیه السلام وشبيه موسی بن عمران علیه السلام ، وفي طائفة أخرى أنه أشبه الناس بعيسى علیه السلام خلقا وخلقا و سمت وهيبة، وأن لونه لون عربي ، فيما الجسم جسم إسرائيلي ، وفي بعضها : كأنه رجل من بني اسرائيل ، كأنه من رجال شنوءة.
تؤكد النصوص أن مقام المهدي علیه السلام عند الله عظيم جدا ، فهو المعد لإقامة دولة الله في الأرض ، ودحر الجبابرة والظالمين ، وأنه قائد معسكر الله في آخر الزمان ، الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا .
ثم تؤكد طائفة أخرى أنه لانه هو الذي بشر به النبي صلی الله علیه و آله وفاخر بأنه من ولد وأهل بيته ، وأنه الذي يظهر في آخر الزمان ، فيقيم أمر الله ، ويقود دولة الحق الإلهي فيقطع دابر الكفر والنفاق ، وأنه الذي يصلي النبي المسيح علیه السلام مؤتما به ، بل وينزل من السماء بإذن الله لنصرته ، ويكون وزيرة الأيمن ، وقائد جبهته في لحظة تاريخية كبرى ، وأنه يقود جيش المهدي علیه السلام لهزيمة الدجال الذي يقصد القدس لاحتلالها. كما أن النبي المسيح علیه السلام هو الذي يحتج بالمهدي عجل الله تعالی فرجه شریف على نصارى الروم والصين وغيرهم من اليهود والنصارى في أرجاء الأرض ، فضلا عن احتجاجه على أهل الدنيا كلهم بما يظهر من حجج وبنات معجزة على يد المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف.. وتضيف النصوص في بيان کرامات المهدي علیه السلام أن الجنة تشتاق إليه ، وأنه
ص: 50
طاووس أهل الجنة ، وأحد سبعة هم سادة أهل الجنة ، وفي بعضها أنه يعدل بنبي، وأنه فضل على بعض الأنبياء ، ويعطيه الله ما يعطي الانبياء و یزیده من فضله .
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن مقام الإمامة عظيم جدا ، وفي النصوص التي تؤكد أفضلية أهل البيت والأئمة علیهم السلام ما يشير إلى علو مقامهم العظيم منذ الخلق الأول . .
ثم تشير الأخبار إلى أن مع المهدي علیه السلام عهدا معهودا من النبي المصطفی صلی الله علیه و آله ، وأنه سيظهر ومعه سيف النبي ذو الفقار الذي كان يحمله الإمام علي علیه السلام، كما تكون معه راية النبي المغلية ، وهي التي تشير إلى استعمال الإعجاز ، فما تفرد في معركة إلا هب النصر الإلهي . وهناك نص يشير إلى أنه أفضل الأئمة من ذرية الحسين علیهم السلام ، لكن النص ضعيف السند ولا يمكننا أن نفاضل بين الأئمة ، بل الله تعالى هو الذي يفاضل خاصة أن هناك بعض النصوص التي تقول بفضلهم جميعا . وعليه : الفصل في التفضيل هو الله رب العالمين ..
ثم تؤكد أن المهدي علیه السلام هو ولي الله ، الذي يعمر الله به أرضه بتسبيحه ونشر دينه ويظهره على الأسرار والضمائر ، وتصفه بعض النصوص بأنه خاشع لله مثل خشوع النسر بجناحه ، وأنه يكون من الله على حذر ، أي يعطف نفسه على الحق في كل شيئ جاهدا نفسه في عبادة الله ، وأنه لا يغتر بقرابته من النبي صلی الله علیه و آله. وأنه علیه السلام تكون عليه جلابيب النور تتوقد من شعاع
ص: 51
القدس ، وأن على رأسه غمامة فيها ملك ينادي : « هذا خليفة الله فاتبعوه »، كما ينادي مناد باسمه من السماء : « ألا إن أميركم فلان » ، وهو جبرائیل علیه السلام الذي يصدح في المساء ينبئ أهل الأرض أن المهدي قد ظهر .
وتؤكد النصوص أن الملائكة تكون بين يديه ، وأن الله يمده بملائكته ، ويكون جبرئيل علیه السلام على مقدمة جيشه ، وميكائيل على ساقته ، ومكتوب في رايته : البيعة لله . اسمعوا وأطيعوا . وأن رایانه علیه السلام: أبيض وصفر مرقوم ، فيها اسم الله الاعظم ، ومكتوب على راحتيه : « بايعوه » .. وطالما كان النبي صلی الله علیه و آله يقول : من أطاعه فقد أطاعني ، ومن عصاه فقد عصاني . ومن تبعه نجا ومن تخلف عنه هلك(1).
وأنه علیه السلام يصلي عليه أهل السماء والأرض وطير السماء ويفرح به ساكن الأرض والسماء . وأنه أمر من أمر الله ، وسر من سر الله عز وجل . وأن به عجل الله تعالی فرجه شریف يختم الله تعالى «الدين » كما فتحه بالنبي صلی الله علیه و آله . وأن خلقه خلق النبي صلی الله علیه و آله، فهو رحیم طيب مع المؤمنين ، قد بسط جناحه لمن اتبعه ، وعطف على الناس ، ولا يدخل أرضا إلا دخلتها الرحمة .. وأنه علیه السلام لم تلبسه الفتن ولم يلبسها ، ويغضب في ذات الله ويرضى في ذات الله تعالی . يكون زاهدا ، شديدا في تقاه ، ورعا، عابدا، خاشعا ، قد تجلبب بورع وتقى رسول الله وأهل بيته علیهم السلام.. ثم ثؤكد المتون آنه علیه السلام لا يضع لنفسه حجرا على حجر ، فهو من الدنيا زاهد ، لا طمع له فيها ، وأنه لا يقرع
ص: 52
أحدا بسوط الا في حد. وفوق ذلك : هو جواد بالمال ، کریم النفس واليد، هو أعطى الناس ، يكون عطاؤه هنيئا ، ولا يأخذ شيئا أعطاه ، يفيض المال فيضة على الناس ، يحثو المال حثيا ولا يعده عدة، قد أكره الله بالخير والبركات العظيمة ، ينشر الخير والبركات والعم والعلم في الناس ، فلا ترى إلا غنيا مستكفيا راضيا مستأنسا ببركات الله تعالی (1).
تواترت النصوص بلا خلاف على أن المهدي علیه السلام هو من ذرية النبي صلی الله علیه و آله وأنه ولده عبر إبنته المطهرة فاطمة الزهراء علیها السلام وقد اتفقت كلمة علماء المسلمين وأصحاب الحديث كلها على أن المهدي رجل من عترة النبي محمد صلی الله علیه و آله وأنه حفيده من إبنته فاطمة الزهراء ووصيه علي بن أبي طالب علیهم السلام . في نصوص النبي صلی الله علیه و آله وأهل بيته علیهم السلام وخيرة الأصحاب نصوص كثيرة منها :
- المهدي رجل من أهل بيتي .
- المهدي من ولدي .
- المهدي رجل من ولدي .
- المهدي مني . المهدي رجل مني ومن عترتي .
- المهدي من ذريتي .
ص: 53
- المهدي رجل من قریش من عترتي .
- المهدي شاب منا أهل البيت .
- المهدي قائم للحق منا .
- المهدي رجل من بني هاشم .
- المهدي رجل من قريش له اتصال برسول الله صلی الله علیه و آله .
- المهدي رجل من أمتي .
- المهدي اسمه إسمي .. وهو محمد ابن الحسن بن علي بن محمد ، بن علي ، بن موسی ،بن جعفر، بن محمد ، بن علي بن الحسين ، ابن علي بن أبيطالب وفاطمة الزهراء بنت رسول الله علیهم السلام [ النصوص كثيرة وشديدة الوضوح في ذلك ](1).
وقد تواترت الأحاديث عن النبي صلی الله علیه و آله، أن المهدي حفيدة ، وولده ، من إبنته فاطمة ووصيه علي بن أبي طالب علیهما السلام وأنه علیه السلام الإمام الثاني عشر من أهل بيته، وأنه ولد الإمام الحسن العسكري علیهما السلام وخاتم الأئمة الثاني عشر علیه السلام، وحجة الله على أهل الدنيا ..
أطبقت النصوص على أن المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف من ولد علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء . النصوص تقول : إنه من ذرية علي وفاطمة . من عترة
ص: 54
علي ، من نسل علي ، من صلب علي، من ذرية النبي من إبنته فاطمة وابن عمه علي ، وهكذا . النصوص مطبقة ومتواترة على أن المهدي علیه السلام وله النبي من إبنته فاطمة ، وإبن عمه ووصيه علي بن أبي طالب علیه السلام، وأنه الإمام الثاني عشر ، الذي يختم الله به الأئمة علیهم السلام ..
أطبقت النصوص على أن المهدي علیه السلام هو من ذرية فاطمة الزهراء ، عبر ولدها الحسين الشهيد علیه السلام . الأخبار تقول : المهدي من ولد فاطمة ، بعضها الآخر يقول : المهدي من أولاد فاطمة ، من بني فاطمة ، من ذرية فاطمة .. وهكذا .. النصوص مفقة بالتواتر وباتفاق المسلمين جميعا ، سنة وشيعة ، على أن المهدي علیه السلام من ذرية : علي بن أبي طالب ، وفاطمة بنت رسول الله علیهم السلام ..
تؤكد النصوص بتواتر کامل ، أن المهدي علیه السلام من ولد الحسين بن علي علیه السلام، وأنه التاسع من صلب الحسين ، وتتكاثر النصوص التي تقول : إنه من الحسين : من ذرية الحسين ، التاسع من صلب الحسين . التاسع من أولاد الحسين . المهدي من الحسين .. وهكذا .. وهي مروية عند السنة والشيعة .
إذا المهدي علیه السلام- وباتفاق النصوص - هو حفيد النبي وحفيد فاطمة وعلي والحسين علیه السلام. وهو الإمام التاسع من ذرية الحسين ، والثاني
ص: 55
عشر في عدد الأئمة علیهم السلام .. وأنه هو الذي يخرج في آخر الزمان ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت ظلما وجورا ..
[نفوذ الروم في ذلك الزمان ]
ذكرت بعض الأحاديث أن الروم(1) هم أشد الناس على المسلمين ، إشارة إلى نفوذهم وقدرة أدواتهم وأساطيلهم مقابل ضعف المسلمين وهشاشتهم وانحرافهم ، وأن الساعة تقوم والروم أكثر الناس ، تأكيدا على حضورهم الكبير والنافذ في أحداث آخر الزمان(2). وأن المسلمين سيتبعون سنن الروم والفرس واليهود والنصارى(3). أي سيخضع المسلمون لنفوذ غربي ، سياسي ثقافي وسلوكي كبير ، يكون من آثاره تشبه المسلمين والمسلمات ، بأبناء الروم المنحرفين وبناتهن الفاسقات (4).. وفي هذا إشارة
ص: 56
إلى نفوذ ثقافي ، إعلامي ، تربوي وغيره ، يكون بيد الروم ، كما هو دليل عميق على الضعف العنيف في جانب المسلمين ، بحيث يبدو الوجه العام، كاشفا عن نفوذ الروم في السلوك والثقافة والأخلاقيات المختلفة آنذاك(1).
صراع القوى في منطقة الشرق الأوسط ، منطقة النفط الخليجي أولا)
على مستوى السياسة ومواقع الصراع والحرب ، تتحدث النصوص عن أنه سيقع « اختلاف » بين الروم والترك(2)، قريبة من ظهور المهدي علیه السلام ما يعني أن خريطة «الصراع العالمي » ستكون متنوعة ومعقدة ، خاصة أن الروم تحتل آنذاك موقعا في النظام الدولي يضعها في رتبة سابقة لغيرها ، فيما الترك ، تكون على موقع استراتيجي نافذ أيضا(3).
ويبدو للمتبع أن الترك - من ناحية موقعها - تكون أقرب للشرق ، أو في مناطق ذات نفوذ ، تحتاجه الروم في صراعها ، لذلك تتحالف الروم معها في أكثر من قضية تتعلق بالشرق الأوسط، وبالأخص المنطقة التي نطلق عليها اليوم « المنطقة النفطية ». ويبدو أن الروم والترك يتشاركان في أهداف محددة ، تتقاطعها ضرورة إضعاف « دولة خراسان » في ظرف
ص: 57
وزمن محدد ، خاصة بعد « تحریر بیت المقدس » من قبل الخراسانيين ، ما يستدعي إعلان حلف كبير بين الروم والترك وجملة من قوى إقليمية(1)، تتدخل الروم على أثره بأشكال كثيرة في منطقة الشرق الأوسط(2)، منها الشكل العسكري .
فيما الترك تعلن حربا من طرفها ، ومن دون سابق إنذار ، على بلاد خراسان ، فتحتل جزءا منها، وذلك عبر استغلال وجود معظم القوة الخراسانية الإيرانية في مناطق الزحف الطويلة بين إيران وبیت المقدس بفلسطين ، الذي تحرره من اليهود الغاصبين ، ومع كل هذا يصمد الجيش الخراساني في فلسطين ، رغم تشکیل « حلف دولي كبير » يضم الروم ، والترك ، واليهود ، وجملة من بعض جيوش العرب ، خاصة الراية المغربية (3) ، إلى حين دعم الروم للسفياني ، الذي سيشكل حركة عسكرية قوية ، فينقلب
ص: 58
على حاكم دمشق ، ويقاتل جملة من الرايات ، وينتصر عليها ، بدعم متعاظم من الروم (1). ومع هذا الحدث المفاجئ والتطور الإستثنائي ، يجرد السفياني حملة عسكرية كبيرة، داعمة لبعض الجيوش العربية التي تقاتل الخراسانيين(2)، بالإضافة إلى الروم واليهود والترك ، ما يشكل تطورا في «الميزان العسكري » ، ورغم كل هذه القوى ، فإن الخراسانيين يصمدون بقوة في بيت المقدس ، إلى أن تتم مهاجمتهم من الترك بشكل مفاجئ حيث تحتل جزءا من الأراضي الخراسانية ، عندها يقرر الخراسانيون الإنسحاب من بيت المقدس ، فيعودون ليخوضوا أعنف معركة ضد الترك ، تصفها النصوص بشيئ من التضحيات الكبيرة ، والثبات الهائل للخراسانيين .
على أنه قبل ظهور المهدي علیه السلام تكثر الحروب في الأرض ، وتكون العراق ، وسوريا ، مهدا لأكبر الحملات العسكرية التي تعلنها الترك والروم مع جمع من الحلفاء . وتنزل قوات كبيرة مختلفة الجنسية في العراق ، وتخوض معركة هائلة في منطقة قرقیسیا ، تتلاحم فيها جملة من القوى العسكرية طمعا في مال جوفي عظيم ، ينكشف عنه الفرات ، أي ناحية الفرات .
ص: 59
وعلى أثر أحداث حربية عنيفة ، وتجييش الجيوش ، وفتن متنقلة ، وخط عسكري متعرج في منطقة الشرق الأوسط، وبالأخص منطقة النفط الخليجي ، تنزل قوات الروم في العراق ، وكذلك في فلسطين ، وقرب دمشق ، ويمنع الروم أهل الشام الدينار والمد . إشارة إلى الحرب العسكرية وتداعيات اقتصادية كبيرة ، وضغط معيشي هائل، في ظل حلف دولي کبیر ، نوائه الرئيسية الروم .. ويبدو واضحا من الروم ، إعلانها الحرب على الإسلام والمسلمين ومناطقهم وثرواتهم الجوفية .
تحدثت النصوص العديدة ، عن حرب كبيرة تقع بسبب مال ، مال جوفي ، معدن ، ذهب(1)، وما إلى ذلك من العبارات التي يراد منها التعبير عن مال عظيم ، يدفع جيوشة دولية ، وأخرى إقليمية ، لخوض حرب وصفت با « الملحمة » طمعا في السيطرة على هذا المال الذي ينكشف في الفرات . ما يشير إلى حرب « ثروة جوية » تكون سببا في حرب الروم ، وحلفاءها على منطقة الخليج ، بل منطقة الشرق الأوسط فيما بعد ، على اعتبار أن النصوص تؤكد أن الحرب تبدأ لأسباب مهمة ، منها سبب كبير يتعلق بثروة جوفية في العراق ، ثم تتوسع لتشمل منطقة الشرق الأوسط(2).
ص: 60
تؤكد النصوص « غربة الإسلام » في آخر الزمان ، وأن الإسلام يعود غريبة كما بدأ ، لكن هذا لا يعني عدم وجود أي دولة إسلامية مطلقا . بل النصوص تؤكد بشكل مسهب على وجود دولة إسلامية ، هي دولة خراسان الإمامية ، التي تجاهر بالولاء لآل محمد علیهم السلام وتصر على تطبيق الإسلام، وتبذل جهدا كبيرا بسبب تعلقها بالإسلام ، ومع ذلك تصر على خيارها الإسلامي ، وتهيئ لنفسها لتكون دولة قوية في ذلك العالم الظالم ، لتدافع عن شرعتها ، وما تتمسك به ، فتحوز في سبيل ذلك قوة رهيبة ، هذه القوة
بها في سكة دولة عظمى على مستوى ما نطلق عليه اليوم إسم « منطقة الشرق الأوسط » ، بل دولة مرهوبة الجانب على المستوى العالمي . هذا ما تؤكده جملة من النصوص.
لكن في المقابل : النصوص الشريفة تؤكد على « غربة الإسلام» في ذلك العالم ، بل على غربته في كثير من الدول الإسلامية ، التي تعزل الإسلام عن مجتمعها ، ومواثيقها ، وشرائعها ، وأخلاقياتها وقطاعاتها(1).. حتى يصبح الإسلام أشد غربة(2)، وفي بعض النصوص : القابض على دينه
ص: 61
كالقابض على الجمر ، أو الشوك ، دلالة على المعاناة الفظيعة التي يعانيها المتمسكون بالإسلام(1) في كثير من بقاع أهل الدنيا بما فيها بلاد أهل الإسلام.
وفي النصوص أن الذين ينحسر(2). وفي بعض الأوقات تضيق الدنيا على المسلمين ، خاصة قبل ظهور المهدي (3)علیه السلام. ثم يعيش المسلمون محنة أخرى زمن الدجال ، ففي زمنه وفي بعض الأوقات من تلك الفتنة : الاسلام يأرز إلى مكة والمدينة . إشارة إلى أول قوة الدجال وفتنته التي تحاول دخول مكة والمدينة فلا تستطيع ، عندها تطلب القدس بهدف قتل المهدي علیه السلام، وهناك تكون نهاية الدجال . على أن دولة المهدي علیه السلام تكون قد قضت على جبهة الروم قبل فتنة الدجال ، ووصلت جيوش المهدي علیه السلام إلى غرب الأرض .
تشير النصوص بوضوح إلى تحالف العديد من القوى العالمية في آخر الزمان على الإسلام ، في ظل خرائط شديدة التعقيد ، وضمن مسارات دبلوماسية وسياسية واقتصادية وثقافية وغيرها، تقودها قوی معادية للإسلام . لتؤكد النصوص أن المهدي علیه السلام هو الذي يقيم أمر الإسلام في
ص: 62
بلاد العرب والمسلمين والعالم كله ، ثم تخص دولة خراسان التي تبقى على الإسلام ، وتقيم أمر الإيمان في آخر الزمان ، وتلفت إلى أن الموطئین الخراسانيين يمهدون للمهدي علیه السلام سلطانه .
وفي وقت من الأوقات تشتعل نار العرب بأعرابها ، حتى يقاتلوا الروم .. وأن العرب تعود لتصف مع المهدي علیه السلام بعد هزيمة السفياني على يد المهدي علیه السلام . نعم هناك قوم من العرب ، يقفون مباشرة مع الإمام المهدي علیه السلام ، بل أتباع اليماني يعلنون مباشرة ولائهم للمهدي علیه السلام ،
فيما أبدال الشام ، ونجباء مصر ، وعصائب العرق ، أصلا يكونون حرکات عريقة وهامة ، تدعو لآل محمد علیهم السلام وينادون بالمهدي سلطانا للأرض ، وهذه الرايات بتنزل على سلطان الخراساني الذي يوطى للمهدي سلطانه (1).
ص: 63
ومع المهدي علیه السلام تنضم فرق من العرب كانت على غير موقفها معه ، وأن العرب تهتدي بالمهدي علیه السلام ، وأن أهل المدينة الذين يعلنون ولاءهم للمهدي علیه السلام يشاركون مع المهدي علیه السلام في قتال الروم في الملحمة الكبرى . على أن هذه الملحمة الموعودة تكون بعد ملحمة المسلمين مع الترك ، وبعد جملة من التطورات الإقليمية والدولية . وتكون عندما يملك العتيقان عتيق العرب وعتیق الروم .
وأن منطقة : الحجاز ، العراق(1)، بلاد الشام ، خراسان ، وأطراف هذه المنطقة ، كلها تعلن الولاء للمهدي علیه السلام، بعد سلسلة من أحداث وصدامات وتطورات ، أهمها : انتصار أهل خراسان على العباسيين والسفيانيين في العراق ، وانتصار المهدي علیه السلام على السفياني في معركة طبرية . على أن « القوى الكبرى » في العالم آنذاك ، وهي قوی تعلن عدائها للإسلام،
ص: 64
تتحالف ضمن نواة ، يبدو أن الروم عمقها المركزي ، من أجل السيطرة على بلاد المسلمين ، ولأجل هذا الهدف تتحالف الروم مع الترك ضد المسلمين ..
وهنا تجدر الإشارة إلى أني « قوى العالم الظالمة » تكون كثيرة ، إلا أنها ليست جميعا تعلن الحرب على المهدي علیه السلام في وقت واحد، ف- « يأجوج ومأجوج » يتريثون في إعلان حربهم حتى يعتبرون آخر الجبهات في إعلان الحرب (1).
ص: 65
فيما قوى أخرى، ترى في الصدامات بين الروم والمهدي علیه السلام فرصة لإنهاك الطرفين ، لذا تنتظر ، بهدف تأمین میزان قوة لصالحها ، بهدف التمدد في العالم ، لكن الإنتصارات الضخمة التي يحققها المهدي علیه السلام تغير ميزان القوة في العالم .
تذكر النصوص أن المهدي علیه السلام بعث بقتال الروم . إشارة إلى عداوتهم للإسلام ، ونفوذهم الكبير ، وانتشارهم الواسع في البلدان ، وإصرارهم على أن يكون لهم قرار تنظیم العالم أو قيادته . وفي بعض النصوص تتحدث عن أن هلكة الروم مع الساعة . إشارة إلى تمرکزهم وجبروتهم القوي وانتشارهم الهائل ونفوذهم المتعاظم ، الذي لا ينقضي إلا مع ظهور الإمام المهدي علیه السلام الذي هو والساعة قريبان جدا ، كما في دلالات النصوص الكثيرة . على أن القرب الزمني نسبي ، لعدم معرفتنا بوقت الساعة .
ص: 66
تؤكد الروايات أن المهدي علیه السلام يظهر في آخر الزمان ، بعد غيبة طويلة ، والحجج جلية ظاهرة بين يديه ، فيحتج على كل أهل دين بدينهم ، وعلى كل ملة بحجتهم ، وعلى أهل الكفر والزندقة بالعقول القاطعة والمعجزات ، وترى الناس الحجة ساطعة ، والبراهين الواضحة ، فور صيحة أهل الكفر والنفاق ، وأجج نار الفتنة والحروب ، لتمنع المهدي علیه السلام من بيان أمر الله وهديه .
وتذكر المتون أن المهدي علیه السلام يستخرج التوراة والإنجيل من غار بأنطاكية ، فيحاجج اليهود والنصارى بهما . وأنه يبعث إلى تلك الغار عشرة أشخاص لاستخراجهما . ويظهر من تراث النبيين موسى وعيسى علیهما السلام ما يحج العقول ، ويثير ذوي الألباب ، فتثور ثائرة الروم وحلفاءها ، غربا وشرقا ، لمنع المهدي عليه من بيان حقيقة الدين ، وكتب المرسلین .
وتخبرنا الأحاديث أن قسما من النصارى واليهود يعلنون الإسلام، في ظل تعاظم الحجج . لكن النصوص بالمقابل تؤكد سطوة الإعلام الرومي ، وفساد كثير من الناس ، وتعاظم الفتك الثقافي والدعائي للروم وحلفاءها الدوليين والإقليميين الذين يدلسون في مجالات هائلة على أهل العالم ، فيما كثير من الناس ، يصرون على الباطل ، ويفاخرون بالآثام . حتی
ص: 67
الصيحة السماوية بالمهدي علیه السلام يجابهونها بصيحة من الأرض ، مضادة معاندة ، بهدف إبطال مفعول الإعجاز السماوي المبين .
تذكر مضامين النصوص ، أنه مقابل خطوط الحرب الملتهبة ، هناك خطوط سلام ، وهدنة ، وصلح ، ودعوة ، ودبلوماسية وشبه ذلك ، مثلا تحدثنا الأخبار المروية أن المهدي علیه السلام يعقد هدنة مدثها « سبع سنوات » مع الروم ، لكنهم يتحينون الفرصة فيغدرون ، وينكثون الهدنة ، ويعلنون الحرب على المهدي علیه السلام بعد أن يتخلصوا من خصم كبير وهو الترك،
ثم ينزلون ما بين صور إلى عكا ، في حملة حربية هائلة ، يراد منها توجيه ضربة قاضية لجبهة المهدي علیه السلام ، على أن ذلك يحدث في وقت متأخر عن هزيمة السفياني على يد المهدي علیه السلام في معركة طبرية التي ذكرتها النصوص . ويكون وقته بعد هزيمة الترك على يد دولة المهدي والروم بعد الصلح بينهما والحملة العسكرية المشتركة لهزيمة الترك. فإذا أمنت الروم جانب الترك، قررت التخلص من دولة المهدي علیه السلام، فتغدر بجماعة من جيش المهدي علیه السلام ثم تبدأ الإعداد لحمة عسكرية ضخمة جدا ، تقصد بها الشرق ، وبالأخص ما بين صور وعکا. وكأنها تريد أن تحتل القدس من جديد. .
ص: 68
تشير النصوص إلى محاولة من الروم واليهود ، للتستر بالعقيدة الدينية ، والإختباء وراء المسيح علیه السلام، وذلك بعد نزوله « الإعجازي » من السماء ، ومعلوم أن المسيح علیه السلام ينزل من السماء بإذن الله تعالى في فترة متأخرة نسبيا عن أول الظهور ، فهو ينزل بعد خروج الدجال بفتنه المشهورة . لذا في بعض الروايات هو الذي يقود جيش المهدي علیه السلام لقتال الدجال ، الذي يمزق جيشه وينهي حركة الدجال بشكل هائل ..
ومع نزول المسيح علیه السلام تبعث الروم واليهود - إلى المسيح عند نزوله من السماء لنصرة الامام المهدي - يريدون منه أن يقف معه لقتال المهدي علیه السلام ، فلا يقبل عرضهم ، بل يحتج بالمهدي علیه السلام عليهم ، وعلى نصارى الروم والصين ، وغيرهم من نصارى ويهود العالم ، وملل أهل الأرض كلهم . ويبدو واضحا أن المسيح عليه بما يملك من إعجاز وحجة ربائية كبرى ، وهو يحتج على النصارى واليهود وغيرهم . فمنهم من يؤمن ومنهم من ينكر ويصر على تعبئة الحرب على دولة المهدي والمسيح علیهما السلام..
وفي بعض ما لدينا من معلومات روائية إجمالية ، فإن طبيعة الحدث العالمي آنذاك ، تأتي بعد سلسلة كبيرة من التطورات ، منها « خسارة الروم » المعركة الفاصلة والضخمة بوجه المهدي علیه السلام، الذي يخوض بوجهها
ص: 69
معركة نهائية في مركز قرارها وعاصمتها السياسية (1)، وذلك بعد جملة من حروب روما التي تزحف من الغرب نحو الشرق ، ثم تتراجع من الشرق نحو الغرب .. الروايات تحدثنا عن « الملحمة الكبرى » بين الروم والمهدي علیه السلام التي يهزمهم المهدي على أثرها ، ثم يتوجه بجيشه إلى بلادهم ، فيفتح رومیه وما وراءها . وفي حديث أن المسلمين يتوجهون إلى بلاد الروم من عكا .
إلا أن خريطة الروايات التي تتحدث عن «قوى العالم » ، تظل تشير إلى « تعدد قوی دولية » مناهضة للمهدي علیه السلام، فبعد مدة - بعض الروايات تحددها بالأشهر وروايات أخرى تحددها بالسنين - تخرج راية الحرب التي يقودها « الدجال » . واللافت في هذه الراية التي يتصدرها اليهود بزعامة الدجال ، أنها لا تخرج من فلسطين ، وهي قطعا لا تخرج من بيت المقدس ، بل تخرج من منطقة أخرى ، هناك طائفة من الأخبار يستفاد من لوازمها أن تلك الراية تخرج من منطقة الإتحاد السوفياتي السابق .. يعني من منطقة أوروبا الشرقية أو بعض نواحي آسيا الوسطى أو جنوبها ، والأرجح أوروبا الشرقية ، لأن لسان المضامين يؤكد بطريقة وأخرى طابع معسكر الكفر وليس أهل الإسلام رغم إمكان أقل للإطلاقات ، المهم أنها تخرج بعيدا عن فلسطين ، التي تكون بيد جيش المهدي علیه السلام.
ص: 70
والذي لا بد من الإشارة إليه حول راية الدجال ، أن رايته اليهودية ، تكون « تحالفئة » أو مكونة من عدة قوى ، منها فلول الروم ، وقوى أخرى ثرید استئصال جبهة المهدي علیه السلام. وتؤكد بعض الأخبار المروية أن بعضا من المسلمين المنحرفين ، يخرجون مع هذه الراية ، طمعا بالمنافع والأرزاق ، كما أن الروم المنهزمين على أثر الملحمة الكبرى مع المهدي علیه السلام ينضوون تحتها ، و كذلك تتحالف معها قوات من تلك المنطقة التي تخرج منها ، إلا أن القيادة العليا تكون للدجال ، وصف قيادته الأول المشکل من اليهود (1)..
وتحدثنا طائفة من الروايات عن «مسارات حرب » هذه الراية اليهودية التي عاد بناءها على يد الدجال ، حيث تنساب من منطقتها - السوفياتية كما نسميها اليوم - إلى قسم من الأراضي الإيرانية التي يكون معظم جيشها مرابطين في الغرب وغيره(2) بعد الإنتصار الكبير الذي يحققه جيش المهدي علیه السلام على روما ، ثم تجتاح قوة الدجال إلى جزء من مناطق دولة الإمام المهدي علیه السلام تبدأ بجزء من الأراضي الإيرانية كمعبر نحو الخليج ، ثم تحاول دخول مكة والمدينة ، ثم القدس(3). لكنها تفشل في
ص: 71
اختراق مكة والمدينة والقدس . فيما جيش الإمام المهدي علیه السلام في ذلك الوقت يكون قد وصل إلى أعماق الغرب ، لذلك يستغل الدجال والقوى المتحالفة معه هذا الإنتشار الواسع لينقض على مركز القيادة في الشرق ، وبالأخص على منطقة تواجد الإمام المهدي علیه السلام ،
ويبدو من النصوص أن للمهدي علیه السلام جملة من مراكز قيادة عسكرية تتصل بضرورات الواقع والحروب ، فضلا عن اتخاذه مقار دينية في القدس ومكة والمدينة ، بالإضافة إلى إعلانه الكوفة عاصمة دولته الإلهية ..
على أن جبهة الدجال يبدو أنها تنمو وتترعرع وتتأسس وتخرج من منطقة تقع ضمن دائرة المرئع السوفياتي(1)، ما يعني - لو صحت الروايات - اتخاذها موقعمتصلا بأوروبا من جهتها الشرقية ، وآسيا الوسطى من جهة أخرى أو بعض النواحي الكافرة وأشباهها . في حين الملاحظة الأكيدة : أن
ص: 72
الدجال يزحف من خارج فلسطين (1)..!(2) وتؤكد طائفة من النصوص ظهورا متناميا للدجال(3)، وفشلا ذريعا في دخول مكة والمدينة ، ومحاولة كبيرة وفاشلة لاحتلال القدس(4).. كما شكل « هزيمة روما » من قبل ، أعنف ضربة لقوى الشر في الشرق والغرب ، من هنا تعمل هذه القوى جاهدة لإعادة تجميع قوات ضخمة لمهاجمة المهدي(5).. في بعض المتون : يهجم الدجال على بعضأراضي دولة المهدي علیه السلام من الشرق - وحسب رواية
ص: 73
ضعيفة سندا - يحتل جزءا من أراضي إيران . الرواية أشارت إلى « کرمان » أي يحتلها ويجتاز منها إلى غيرها متجها نحو الخليج ثم بلاد الشام ، مستغلا بذلك إنتشار القسم الكبير من جيش الخراساني في رومية والمناطق الأخرى التي بسطت دولة المهدي سلطتها عليها حديثا (1).. .
وتخبرنا بعض الأحاديث عن أن جيش الدجال مزود بسلاح وأدوات حرب متقدمة وجيش كبير . وأنه يكون له سطوة في أول أمره . على أن أكبر هم الدجال يكون في ترويج الفساد والشعوذة ، وإثارة الباطل ، وتعظيم الإنحراف ، والخروج على الأخلاقيات ومعالم الدين ، وبث الظلم والطغيان والنفاق ، في ظل أزمة تنوء بها نواحي مختلفة .
هذا يعني أن « مسارات الحرب » تعود إلى الشرق الأوسط ونواحيه ، عبر تجمیع « قوة تحالفئة » من الروم ، ويبدو أيضا من الترك الكفار ، وجملة من المسلمين المنحرفين وغيرهم من الناس فضلا عن اليهود الذين يقودون هذه الراية . وفي ظل مرحلة يبدو - من طائفة مروية - أنها «حرجة » حيث تطال جملة من مناطق يضمها شريط جزء من بلاد الخليج ، ثم محاولة فاشلة
ص: 74
باتجاه الحجاز ، ثم يصوب ناحية بلاد الشام ، وربما بعض المناطق الأوسع منها(1) ، وفي لحظة مهمة للغاية ، يتجلى الإعجاز الرباني العظيم ، بنزول المسيح علیه السلام إلى الأرض ، فينتشر خبرة ، وتظهر الحالة الإعجازية لهذا النزول ، ويتحدث بها أهل الأرض .
فما يكون من اليهود والروم إلا محاولة استغلال هذا الأمر عبر الإستنجاد به علیه السلام ليكون في جبهتهم ضد المهدي علیه السلام ، لكن المسيح علیه السلام يرفضهم ، ويعرض عليهم الحجج والبنات العظام ، التي تؤكد حجة الله المتجلية بالمهدي علیه السلام ، ويبين انحرافهم عن طريق النبوات ، إلا أن « جبهة الكفر » العدواني ، تظل على موقفها و تشن حملة إعلامية ضد المسيح أيضا بعد أن يرفض ما هي عليه ويصف في جبهة المهدي علیه السلام ، نعم هناك نصوص تحدثنا بوضوح عن اعتناق جملة من المسيحيين واليهود للإسلام ..
وتشير الأخبار إلى أن المهدي علیه السلام يستخرج « حلي بيت المقدس » وغيرها من الكنوز والمواريث النبوية ، التي منها مائدة النبي سليمان علیه السلام ويردها إلى بيت المقدس . وتعرض هذه الآيات على أهل الدنيا ، حتى يروا حقيقة الأمر وما فيه من بنات معجزات . هنا تؤكد طائفة من النصوص أن قسما من المسيحيين واليهود يعلنون اعتناقهم للإسلام . وتؤكد - لاحقا - الإنهزام العنيف الذي يلاقيه الدجال وجبهته ، وأن المسيح علیه السلام يقود جيش الإمام المهدي علیه السلام في هذه المعركة ، وتذكر أن الدجال يذوب ذوبانا على
ص: 75
يد المسيح علیه السلام ، يبدو أنها إشارة إلى أداة حربية هائلة تؤكد القوة والتفوق النوعي الذي تحظى بها دولة المهدي المنتظر عجل الله تعالی فرجه شریف . البعض تحدث عن ضربةهيدروجينية . وفي الحقيقة : الأخبار تؤكد ضربة مثيرة يذوب على أثرها الدجال . لكن لا نعرف طبيعة هذه الضربة .
لليهود ذکر واضح في روايات آخر الزمن . النصوص صريحة في أن لليهود جبهة ونفوذا .. الروايات تحدثنا عن عز لليهود ، ثم ل ، ثم عز ثم ذل ، كمحطتين نوعيتين ، لتؤكد أن آخر « وجود جبهوي » لليهود يكون مع الدجال ، حيث يشكل اليهود صف القيادة البارز وتكون نهايتهم ساحقة على يد جيش المهدي علیه السلام الذي يبدو من بعض الأخبار أن المسيح علیه السلام الذي ينزل للتو من السماء ، يقود جبهته العسكرية في تلك اللحظات التاريخية(1).
وتلحظ النصوص قسما من اليهود على أنهم أدوات فساد وانحراف وعدوان وأصحاب فتن وشعوذة وأباطيل .. على أن الأحاديث تخبرنا أن اليهود يأتون المسيح علیه السلام عند نزوله ليكون معهم ، فلا يقبلهم ، و كذا
ص: 76
النصارى ، بل يحتج عليهم . وأن الدجال یکون معه سحرة اليهود ومشعوذيها ،ومعه جنود من اليهود وأصناف الناس وما تبقى من فلول الروم والترك ، في حين بعضها تقول بأنه من يهودية أصفهان [ أي أصله من هناك(1)] ، ومعه من یهودها وغيرها من اليهود سبعون ألفا . إشارة من المتون إلى تمايز اليهود وعلوهم في جبهة الدجال التي تنهار على يد المهدي علیه السلام الذي يكون المسيح علیه السلام آنذاك على رأس جنده في تلك المعركة .
تحدثنا الأخبار المروية أن قسما كبيرا من المسلمين في آخر الزمن ، يصابون بذل الخروج عن تعاليم الإسلام ومواثيقه ، وأنهم يسقطون في الفتن الصعبة ، والآثام الشنيعة ، ويجاهرون بالحرام ، ويقعون أسرى الغرائز والفروج والبطون والدرهم والدينار والذل والتبعية والهوان . كما ذكرت الأحاديث أنه ستأتي على المسلمين فتنة يتخبطون فيها في الظلم كتخط اليهود . وأنه في تلك اللحظات «الحرجة » يظهر الأمراء الكذبة ، والوزراء الفجرة ، والأمناء الخونة ، والقراء الفسقة(2)، الذين يكون ظاهرهم كظاهر الرهبان ، لكنهم بقلوب شياطين(3)، همهم الدنيا وشهواتها ، فيفتنون بها ،
ص: 77
ويقعون في شركها (1)، وهناك تقع « الفتنة الغبراء » المظلمة ، فيتهوك المسلمون فيها ويتهورون ويتخبطون ، کتهوك اليهود في الظلم .
وتؤكد النصوص أن المسلمین سیتر کون الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، ويهجرون القرآن والسنة ، ويتشبهون بأعداء الله من اليهود والروم ، ويعطلون الأحكام (2)ويهجرون لوائح الحلال والحرام ، كما فعل اليهود ، فيحكم شرارهم ، ويعظم فساهم ، ويستبد سلطانهم ، فيضعف خيارهم ويعم الفساد في البلاد ، ويشيع الإنحراف ، ويتعاظم البلاء ، ويعصى الله جهرة ، وفاخ بالآثام(3).
وتتعري نساؤهم ، وتهجر الأحكام ، وتتزين بالحرام ، وتخرج سافرات عاريات ، همهن في إظهار عوارتهن وهتك عفتهن. وتجاهر فتياتهن بالزنى ، وتصبح کالرومیات ، عاريات مبتذلات ، سافرات خالعات ، يجاهرن بالسفاح والحرام ، ويعرفن به (4).. وأن شبابهم کنساءهم ، يتبعون الروم في فسقها وانحرافها وفجورها : زنا ، وحرام ، و آثاما ، فيقل الزواج فيهم ، ويكثر الزنا، وأولاد الحرام ، وقتل الأجنة، وتجارة النسوان والإسترزاق من الفروج ، والمعارضة بالشهوات والتفاخر بالتعري ، والتكاثر بالسفاح ، والسخرية والقلة في العفة والنكاح ( أي الزواج )(5).
ص: 78
وأن آخر الزمان يشتهر بتنامي السحاق واللواط ، والفحش مع الأطفال ، وتجارة الشهوات ، وبيع الفروج ، وتعاظم دور المرأة في التعري ومال الغرائز ، واكتساحها وجوه الناس ببضاعة جسمها وفرجها ، واستثمارها لعورتها حتى يصبح لها حضور كبير في السلطة ، والسوق ، والمجتمع ، عن
طریق عريها وإباحيتها وسلاح شهوتها (1)..
إلا أن أمة من أهل الإسلام ، وفرقة هنا وهناك - رغم الفساد الهائل والكفر الصائل - تبقى على الدين في حياتها وأخلاقها وسلوكها وخياراتها السياسية والإجتماعي والثقافية ، وتبذل في سبيل ذلك جهدة عظيمة، وأن أهل خراسان يمثلون موقعا عظيما في الإلتزام بالإسلام الأصيل ، وأن الأبدال الشاميين(2) الإماميين ، والعصائب العراقيين ، والنجباء المصريين ، يكونون من الرايات المشهورة بدعوتها وتطبيقاتها وتضحياتها في سبيل الإسلام.
وأنه في آخر الزمان يتعاظم الجور ، وتضيق على المؤمنين بقاع الدنيا ، ويعم الظلم والفساد حتى يعصى الله في الليل والنهار على يد العامة من الناس ، وبحمى السلطان(3).. وتذكر بعض المتون أن المسلمين إذا سلموا أمرهم إلى الله تعالى ، عجل لهم في ظهور المهدي علیه السلام كما عجل في بعثة موسی علیه السلامبسبب تسليم المؤمنين من بني اسرائيل .
ص: 79
وأن الروم تذل قسما وافرا من بلاد الإسلام ، وأن جملة من الحكام المسلمين يكونون شبه « وکلاء سياسيين » للروم في بلاد الإسلام ، فيطغون ، ويروجون الفسق والفجور والآثام . وأن بعض حکام بلاد الإسلام ( حاكم مصر ) يهرب إلى الروم ، يستعديها على ثائرة المصريين فتليه(1) . ويكون من قصة هذا الحاكم أنه ينهب ثروات وطاقات المصريين لصالح الروم الكفرة فتثور عليه ثائرة النجباء المصريين الإماميين الذين يكادون أن يستلموا الحكم ، فيأتي حاكمها المعزول بالروم ، وتقع هناك أول ملحمة ، وهي ملحمة الإسنکدرية .
وأن قسما من حکام بلاد الإسلام يهجرون القرآن ، ويمنعون السنة النبوية ، ويجاهرون بالحرام ، ويفاخرون بالآثام ، ويحكمون بأحكام لا تمت إلى الدين بصلة ..
وأن رقاب المسلمين في ذلك الزمن تكون ذليلة ، وثرواتهم منهوبة ، وأسواقهم عاجزة ، وسمعتهم سيئة ، وأن للروم سطوة على المسلمين وبلادهم، كما أن لليهود سطوة أيضا ..
وتؤكد الأخبار محنة شديدة تقع على المسلمين ، وذلا مدقعا يصيبهم بسبب تخليهم عن الإسلام ، إلى درجة تتداعى عليهم الذئاب
ص: 80
البشرية [ أي قوى العساكر الكبيرة ] فتنهب ثرواتهم ، وتقتل رجالهم وتغتصب نساءهم ، وترميهم بالخوف والجوع(1).
إلا أهل خراسان الذين يخوضون غمار ثورة كبيرة يقودها سيدة قرشي محمدي يدعو إلى الحق ويكون سببا لقيام دولة خراسان الإمامية (2)فيثبت أهل هذه الراية على الحق، ويبنون قوة مرهوبة الجانب ، بالإضافة إلى رايات هناك وهنالك ، تبقى على الإسلام ، مصرة عليه ، وتكون قوية ، عزيزة في نفسها وبمواجهة أعداءها ، رغم اللواء الذي يصيبها ، فتصمد في وجه قوى الكفر والطغيان والإنحراف ، وتثبت على ما هي عليه من دین
:وفي نص الصادق علیه السلام بخصوص السيد المؤسس لدولة خراسان قال : « فإذا انقرض ملكهم ، أتاح الله لأمة محمد برجل منا أهل البيت يشير بالتقى ، ويعمل بالهدى ، ولا يأخذ في حكمه الرشا، والله إني لأعرفه بإسمه واسم أبيه ثم يأتينا .. القائد العادل الحافظ لما استودع ، يملأها عدلا وقسطا كما ملأها الفجار ظلما و جورا ، ( البحار 269/52 )، أي يكون قيام هذا القائد بعد انقراض دولة بني العباسي الأولى ، دون تحديد لوقت الزمن الفاصل بين نهاية زمن الأولى وقيام الدولة الثانية ، أي دولة الموطئين ، وفي نص آخر قال : « وليكونن من يخلفني من أهل بيتي ، رجل يأمر بأمر الله ، قوي يحكم بحكم الله ، وذلك بعد زمان مكلح مفضح ، يشتد فيه البلاء ، وينقطع فيه الرجاء ، ويقبل فيه الرشاء ، فعند ذلك يبعث الله رجلا من شاطئ دجلة لأمر حزبه يحمله الحقد على سفك الدماء قد كان في ستر وغطاء ، ( کنز العمال 14/ 39680) . لاحظ : هذا الخارج هو شخص آخر ، يخرج من جهة شاطئ دجلة ، أي من العراق ، فيعلن الحرب الظالمة على حاكم خراسان ، ثم أكد النصوص أن هذا الحاكم العراقي طاغية خبيث ظالم مفسد ، سفاك للدماء ، وحاقد على المؤمنين ، ويستفاد من المتن أن هذا الحاكم العراقي لا يكون بارزة في قيادته للعراق قبل قيام ثائر أهل البيت علیهم السلام ، لكن بعد نجاح ثورة السيد المحمدي يبرز العراقي ويعرف بسفك الدماء ، ومن علاماته أنه يعتدي على أهل خراسان ظلمة النص يقول : «.. رجلا من شاطئ دجلة لأمر حزبه يحمله الحقد على سفك الدماء قد كان في ستر وغطاء ». وفي حديث الإمام الكاظم علیه السلام: « يخرج رجل من قم بدعو الناس إلى الحق ، يجتمع معه قوم ، قلوبهم كزبر الحديد ، لا تزلهم الرياح والعواصف ، لا يملون من الحرب ولا يجبنون ، وعلى الله يتوكلون ، والعاقبة للمتقين » ( البحار 216/60). بحيث تنتهي نتيجة الحرب أو الحروب لصالحهم . وفي الرواية عن النبي صلی الله علیه و آله: « تجيئ الرايات السود من قبل المشرق ، كأن قلوبهم زبر الحدید، فمن سمع بهم فليأتهم فيبايعهم ولو حبوا على الثلج» ( عقد الدرر 129 / الحاوي للفتاوي 64/2).
ص: 81
باعتزاز ، وتملك - خاصة خراسان - من القوة ما تحمي به دولتها ، بل ما تردع به رايات الكفر عنها ، ويكون لها نفود متعاظم ، يكبر شيئا فشيئا ، إلى درجة أنها تزحف بقوة جبارة في طريق طويل ، لتحریر بیت المقدس ، وتنجح في ذلك . بعض المتون تتحدث عن أنه لو استقبلتها الجبال لهدمتها واتخذت فيها طرقا لتشير إلى قوتها وتعاظم أمرها .
وتؤكد الأحاديث أن اليهود عدو لدود (1)، يتحالف مع الروم ، فلا يبقى في خط المواجهة إلا قلة ، على رأسهم راية خراسان الإمامية ، ثم تحدثنا عن نهايةالمطاف بالنسبة إلى اليهود الذين يخرجون براية الدجال(2).
وأن المسلمين سيقاتلون لا محالة ، فيهزمهم المسلمون آنذاك بقيادة المهدي علیه السلام الذي يكون على رأس الجند عنده المسيح علیه السلام في تلك اللحظات من فتنة الدجال ، حتى يقول الحجر والشجر : یا مسلم ، هذا يهودي ورائي فاقتله(3). وتؤكد أن تلك النهاية الأبدية تكون في عصر المهدي علیه السلام عند نزول عيسى المسيح علیه السلام وخروج الدجال .. كما تشير الأحاديث إلى أن المهدي علیه السلام يستخرج أسفار التوراة لليهود من « جبال الشام » ، فيحاججهم بها فيسلم جماعة كثيرة ، ويستخرج « تابوت السكينة » من « بحيرة طبرية » ويوضع بين يديه في بيت المقدس ، فيسلم قسم مهم من
اليهود .
ص: 82
ويكون ظهور المهدي علیه السلام أعظم أمر على الإطلاق في ذلك الزمن ، الذي تكاد الأرض فيه أن تختنق من الظلم والفساد والإنحراف الهائل الذي يطال ناموس الأرض وقدرتها على التجدد ..
السؤال الأولي : من هم الترك ..؟ هل المقصود منها المعنى الوارد في العبارات التاريخية ، بحيث يراد منها الكفرة الأعداء الذين كانوا يشكلون جبهة مناوئة ، فيما نطلق عليه إصطلاحا إسم وسط آسيا وشرق أوروبا . أي جزء مهم من مناطق الإتحاد السوفياتي السابق كما نسميها اليوم ..؟ تاريخيا هذا الإسم كان يطلق على هذه الجبهة وما وراءها من وسط آسیا وصولا إلى أوروبا الشرقية .. فهل تساعد النصوص على ذلك ، أم أنها يمكن أن تكون أكثر دلالة واستيعابا لشعوب أخرى .؟ يبدو أن الإحتمالين ممكن ، وقانون اللغة والترميز يؤيده ..
الأكيد أن إطلاقات النصوص تشير إلى أن جبهة من الترك ، تكون عدوا لخيار الإسلام قبل ظهور المهدي علیه السلام وبعده ، وأن هذه الجبهة قوية ، ولها حضور نافذ في النظام الدولي آنذاك(1). إلا أن ثقلها الإقليمي أكبر فيما نطلق عليه اليوم إسم آسيا الوسطى أو جنوب آسيا ، والشرق الأوسط .
ص: 83
نعم يستفاد من الأخبار المروية أن جبهة الروم ، القوية في النظام العالمي آنذاك ، واللامعة الصيت ، وذات الإنتشار الأكبر ، تكون عاصمتها ومركزها في « الغرب » ، فيما الترك ، يبدو واضحا أنهم في «الشرق»(1).
وفي أكثر من نص أنهم ( أي الترك ) يزحفون لقتال الخراسانيين ، بعد أن يحرر الخراسانیون بیت المقدس من غاصبيه ، وذلك بتواطئ كبير مع « الروم » الذين يخوضون هذه الحرب أيضا في وجه الخراسانيين ، لكن الروم تفشل في منع الخراساني من تحریر بیت المقدس ، فيما الترك تهاجم الأراضي الخراسانية فيما بعد ، بهدف الضغط على الخراساني للإنسحاب من فلسطين ..
على أن بعض النصوص تشير إلى «اختلاف مصالح » ملحوظ جدا بين الروم والترك ، وأن لهاتين القوتين أطماعا ببلاد المسلمين ، وأنهم يخوضون حروبا مختلفة في بلاد المسلمين لأجل الثروات والمصالح ، منها مثلا : معركة قرقيسيا . إلا أن الأحاديث ذكرت أيضا أن الترك والروم يتحالفون أحيانا حين تتقاطع مصالحهم على أمر معين ، ومن ضمن تحالفاتهم تلك ، تحالف يحاولون من خلاله إضعاف الدولة الخراسانية ، وبناء تحالف دولي إقليمي لإضعافها بل لإسقاطها ، لكنهم يفشلون ..
واللافت أن بعض الأحاديث ذكرت أن الترك يختلفون مع الروم قبل ظهور المهدي علیه السلام وتكثر الحروب في الأرض ، وتثور ثائرة الموت ،
ص: 84
وأن من علامات ظهوره عجل الله تعالی فرجه شریف أن ينساب الترك على المسلمين ، وأن ينزلوا الجزيرة(1) ( العراق ) ، ومعهم شعوب الخزر، ثم يجتمعون مع الروم قبل خروج السفياني .
وأن السفياني يقاتل الترك ، بل يقاتل الروم والترك بسبب ثرورة قرقيسيا ، بعد أن تقوي شوكة ، وذلك بعدما يكون قد استولى على «عرش دمشق » ، وقوي في فتوحاته بدعم من الروم في أول الأمر . فإذا تمکن من القوة العسكرية ، فإنه يخوض معركة قاسية في وجه جيشين : للروم والترك(2)، على مال جوفي ينكشف عنه الفرات [ العراق ] ، وينتصر السفياني في تلك المعركة،لكنه لا يحوز ذلك المال لأسباب تتعلق بتعقيدات الحروب ومسارات المعارك والإنشغال بالحرائق الحربية المنتشرة في منطقة الشرق خاصة في الشام والحجاز والعراق وخراسان .. ولا تفنى جبهة الترك قبل ظهور المهدي علیه السلام ، بل تبقى حتى الظهور ، لتؤكد بعض النصوص أنه وفي ظرف خاص لا نعرف تفاصيله ، وبعد جملة من الحروب والملاحم التي تلتهب في الأرض ، هادن الروم جبهة المهدي علیه السلام وتخوض الجبهتان معركة حاسمة ضد الترك ، لأسباب لا نعرفها ، فتنهار جبهة الترك وتنتهي .
ثم بعد ذلك ، وطمعا بتعزيز موقعها في النظام العالمي ، تغدر الروم فجأة بالمسلمين ، وتقع «معركة قاسية » بينهم وبين المسلمين في «لبنان » ،
ص: 85
وعلى الأثر تجهز الروم جيشا كبيرا تزحف به من الغرب نحو الشرق ، إلى منطقة البحر المتوسط، وبالأخص إلى منطقة بلاد الشام ، في شريط عسكري قبالة شاطئ صور إلى عکا ، ثم تخوض معركة هي الأعنف ، ناحية سوريا ( حلب ) وصفتها النصوص بالملحمة ، [ ملحمة الأعماق(1) ]، يبدو أن هذه المعركة تكون صعبة على الجبهتين ، إلى أن يكتب الله النصر فيها لجبهة المهدي علیه السلام .
ويظهر من بعض الأحاديث أن « حروب المهدي » بعد تصفية الوضع الداخلي ، تكون مع الترك ، وأنه يفتح جبال الديلم .. على أن جبهة المهدي علیه السلام قبيل حربه مع الروم ، تكون قد أسست شريط دولة كبيرة ، أوسع مما نطلق عليه اليوم إسم « منطقة الشرق الأوسط ».
ومعلوم أن الإمام عجل الله تعالی فرجه شریف يسيطر على الحجاز ، فيما أهل خراسان يكونون في الأصل مسيطرين على منطقة «الشرق » المتمثلة بدولتهم خراسان ، ثم يزحفون نحو العراق برایتین : الراية الحسنية ، والراية الخراسانية ، فيفتحونها(2) . وتدخل إليها جيوش المهدي علیه السلام من طريقين :
ص: 86
واحد عن طريق اليماني ، وواحد عن طريق الخراسانيين بشعبتيه الخراسانية والحسنية . ويدخلها المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف على الأثر ..
: ثم من العراق ، كما في طائفة من الأخبار ، يخوض المهدي علیه السلام معركة فاصلة مع السفياني الذي يسيطر على بلاد الشام إلا منطقة الأبدال . النصوص تؤكد أنها معركة ضخمة ، وتكون أعظم تلك المعارك قرب بحيرة طبرية ، وتنتهي بذبح السفياني .. وبذلك تكون بلاد الشام ، والحجاز ، واليمن ، والعراق ، و خراسان والنواحي بيد الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف..
أولا : لهذه الراية الخراسانية مدح وثناء عظيم ، بلسان النبي وأهل بیته علیهم السلام
ثانيا : هذه الراية ، من الرايات التي يمر بها النبي وأهل بيته علیه السلام ، وأنها من الرايات العظيمة التي تكون في آخر الزمان ، وهي بصريح النصوص غير راية بني العباس الأولى التي تخرج من خراسان . بل هي راية أخرى ، من رایات آخر الزمن ، راية إمامية، تنادي بالمهدي ، وتعلن الإسلام وسنة الرسول وعترة أهل البيت علیهم السلام خيارها الحصري في قيادة الأمة والدولة والمجتمع .
ص: 87
ثالثا : هذه الراية ، راية إمامية إثنا عشرية ، تعلن ولاءها المطلق لآل رسول الله صلی الله علیه و آله بشخص الأئمة الإثني عشر علیهم السلام ، كأوصياء للرسول الأعظم صلی الله علیه و آله، وتنادي بالمهدي عجل الله تعالی فرجه شریف سلطانا للأرض في آخر الزمان ، و تجهر في نوادي أهل الدنيا بولاءها الكامل للمهدي علیه السلام ، ثم تؤكد النصوص أنها هي التي توطئ للمهدي سلطانه .
رابعا : النصوص صريحة جدا ، في نفوذ وقوة هذه الجبهة الخراسانية ، رغم النظام العالمي الفاسد، وأنها جبهة تمتلك من القوة وأدوات الحرب والنفوذ ، والصمود ، والثبات والتضحية والزحف ما تستطيع معه أن تشكل قوة إقليمية كبيرة في هذه المنطقة ، إلى حد أنها ورغم عدائها الشديد للروم ، واليهود المحتلين ، والترك (1)، وجملة من جيوش ظالمة تكون في منطقة الشرق الأوسط والعالم تزحف ، لتحرير بيت المقدس(2)، في خط طويل ، متعرج، لتصل إلى قنطرة في مصر ، وجملة من النواحي ، منها ناحية الأبدال الذين يكونون في أكناف [ ناحية ] بیت المقدس ، فتحرر بیت المقدس ، وتنصب رایا تها هناك ..
ص: 88
خامسا : لا ندري الزمن التفصيلي لظهور هذه الراية ، لكنها قطعا من رايات آخر الزمان ، وأنها - يقينا - تكون موجودة في لحظة ما، من زمن الغيبة الكبرى ، وأنها تستمر حتى الظهور ، رغم اللواء والجهد والعناء في ظل عالم يقوم على الظلم والفساد والإضطهاد والإنحراف ، فتبذل قصارى جهدها لبناء قوتها وخياراتها ، فتبرز في الساحة الإقليمية كدولة عملاقة ، لها حضور متزايد ومثير ، وقدرة على الثبات والنفوذ والرهبة ، وأدوات تمكنها من مقارعة مشاريع الروم والترك واليهود وغيرهم في أزمان محددة ..
سادسا : هذه الراية ، تبقى مستمرة وقوة حتى ظهور المهدي علیه السلام ومع ظهوره تتعاظم ، وتشكل جزء رئيسيا من نواة جيش المهدي علیه السلام ، ويكون قائد جيوش المهدي علیه السلام منها . وعلى الأثر تخبرنا النصوص عن تضحيات عظيمة ولافتة ، تبذلها جيوش خراسان بين يدي المهدي علیه السلام ، منها التضحيات الجبارة التي تبذلها في ملحمة الأعماق [ أعماق بلاد الشام وفلسطين وربما حلب وناحيتها ]، في مواجهة أعنف جيوش الروم الزاحفة نحو جبهة المهدي علیه السلام.
وتصرح بعض الأحاديث بتلکؤ بعض العرب وخوفهم ، في تلك المعركة ، فيبعث المهدي بطلب جيوش خراسان واليماني . وتقع معركة هائلة ، تنتهي بعد مدة من القساوة الشرسة والقذف بالشهب [ إشارة إلى الصواريخ ] ، وتلظي النار ، وتعاظم الأمر ، بانتصار جيش المهدي علیه السلام .. وتذكر بعض الأخبار المروية أن النبي صلی الله علیه و آله أخبر المسلمين بأنهم سيفتحون
ص: 89
« بلاد فارس » ، وأن أهلها سيعتنقون الاسلام ، وينالون العلم والدين كما نزل و كما يؤول ولو كان في الثريا . ولقد مدحهم النبي صلی الله علیه و آله بشكل الافت ، مؤكدة أنهم سيضربون العرب على التأويل في ذلك الزمن ، كما ضربهم العرب من قبل على التنزيل(1).
وتؤكد طائفة أخرى من النصوص أن العصابة الثابتة على الحق والولاء لآل البيت علیهم السلام ، في آخر الزمن ، تكون في ناحية من أكناف [ نواحي ] بیت المقدس ، وبلاد الطالقان ، في جبال البرز ، ويكون فيهم أنصار المهدي علیه السلام .
وكذلك العصائب العراقيين ، والنجباء المصريين ، الذين يقودون ثورة جهادية متعاظمة في وجه خليفة مصري [ حاكم] ، يتواطئ مع الروم الكافرة الظالمة على خیرات وقدرات وانتماء ودين أهل مصر . فيساعدهم المصريون ، ويكادون أن يستلموا الحكم لولا زحف الروم بطلب من الخليفة المصري المعزول ، حيث تخوض الروم هناك أول ملحمة ، وهي ملحمة الإسكندرية .. لكن جبهة النجباء لا تنتهي ، ما يستدعي طلب الروم - كما يبدو من لوازم المتون - المساعدة من الراية المغربية [ بعض جيوش المغرب العربي ]، حيث تزحف جيوشها ناحية مصر ، ونفهم من بعض
ص: 90
الأحاديث أن النجباء المصريين آنذاك يتعرضون لبلاء صعب ، لكن يبقى لهم وجود و ثغور
وتكون المرحلة الثالثة لهم مع السفياني ، الذي يزحف جيشه باتجاه مصر ، وتقع على أثره فظاعة هائلة ، من قتل الرجال وذبحها، واغتصاب النساء ، والفتك بالأطفال ، ونهب الأموال ، وغير ذلك. إلا أن الأحاديث تخبرنا أن النجباء المصريين يبايعون المهدي علیه السلام. ما يعني أنهم يبقون حتى الظهور الشريف ، من دون أن نعرف تفاصيل ثغورهم أو حضورهم . ومع ظهور المهدي علیه السلام يكون لهم موقع لافت في صف قيادة جبهة المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف. نعم الجبهة المصرية تضعف بشكل واضح بعد فعلة السفياني ..
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن زحف الراية المغربية ودخولها مصر علامة على قيام الراية السفيانية في دمشق ، ما يعني تسارع الأحداث ، وتعقيدات الحروب ، ودخول المنطقة مرحلة هائلة من الصدامات الحربية ، على أن خروج السفياني علامة على ظهور المهدي علیه السلام الظهور الخاص الذي يدوم لأشهر . ثم يتم الإعلان عن الظهور العام . النصوص واضحة في ذلك .
واللافت في موضوعنا أن المصريين يلتفون حول هذه « الراية الإمامية » لعزل الخليفة المصري الذي يتواطئ مع الروم كما يقفون معهم في مواجهة الراية المغربية و كذا راية السفياني ..
ص: 91
أما الثناء العظيم والتركيز المهم جدا ، فهو على الراية التي توطئ للمهدي سلطانه ، لذا تحدثنا النصوص عن أن قوما موالين لأهل بيت النبي صلی الله علیه و آله يخرجون من المشرق ، من خراسان ، يمهدون ويوطؤون للمهدي علي سلطانه . وأن هؤلاء هم أصحاب الرايات السود ، رایانهم سود ، وثيابهم بيضاء(1)، ولا يبعد أن يكون المقصود بالراية أي العلامة التي يتميز بها قادتهم الدينيين ، وهي العمامة السوداء ، هذا غير بعيد في الإستعمالات اللفظية وكنایاتھا .
وتؤكد الأخبار أن قائدهم يكون من ذرية الإمام الحسين علیه السلام ، وتطلق عليه النصوص إسم الخراساني . ولا ندري هل هو لقب أو كنية أو إسم أو إشارة إلى رايته ودولته ، أي دولة خراسان .؟ يبدو الإحتمال الأخير هو الأرجح في الإستعمالات اللفظية والقرائية .
على أن تعبير « الخراساني » يطلق نسبة إلى دولة خراسان ، أي هو زعیم خراساني ، ديني ، سياسي ، يقود جبهة أهل الحق الخراسانيين في آخر الزمان ، ويصمد في وجه الطغيان العالمي ، ويوطى للمهدي سلطانه .
ص: 92
تلفتنا النصوص بشدة وانتباه ، إلى حق لأهل خراسان ، هو في غاية الأهمية ، فيتمسکون به ، فيما أطراف دوليين أو إقليميين يعترضون عليه ، ويحاولون منع الخراسانيين منه، لذا، تخبرنا النصوص أن الدولة الخراسانية ، طالب به مرتين أو ثلاثا ، وهي في كل مرة تمنع من ذلك فصر عليه ، وفي بعض المتون : « يطلبون الحق فلا يعطونه ، فيقاتلون حتى يدفعوا الراية إلى المهدي علیه السلام » . النصوص متعددة وواضحة ، وهي تؤكد أزمة متفاقمة بين الخراسانيين ، وجملة من الأقطاب ، يبدو أنهم من بعض الأطراف الدوليين والإقليميين .
أهمية هذه النصوص أنها تشير و كأن هذه الواقعة تكون قريبة نسبيا من ظهور المهدي علیه السلام ، خاصة أن الروايات التي تحدثت عن لائحة الحروب الخراسانية ، ربطتها في نهاية الأمر بظهور المهدي علیه السلام بل بصريح الأخبار أن الخراسانيين يقاتلون حتى يدفعوا الراية إلى المهدي ، ويبدو للمتبع أن حرب هذا الحق التي تخوضها خراسان ، تثير جملة من الحروب تكون قريبة من خروج السفياني واليماني(1) والمهدي علیه السلام .. ثم الميزة
ص: 93
الأخرى في هذه المتون المروية ، أن هذا الحق الذي تطلبه الدولة الخراسانية ، يحتاج إلى اعتراف أو بذل من قبل الأطراف الدوليين الآخرين ، إلا أن هؤلاء الأطراف يصرون على الإمتناع ، وينتهي الأمر إلى الحرب ..
تخبرنا بعض المتون الروائية أن هؤلاء الأطراف يعودون فيعطون الدولة الخراسانية حقها هذا بعد الحرب ، إلا أن أصحاب الرايات السود الإيرانيين يواصلون حربهم تلك ..
أما ماذا عن موضوع ذلك الحق..؟ هل هو سياسي ، أم أمني ، أم تقني ، أم يتعلق بمقدسات محددة ، أم ببلاد أهل الإسلام ، بالقدس مثلا، أو بأي أمر آخر ، مادي أم معنوي ، محلي أم إقليمي أم دولي .؟ النصوص لم تفصح عن ذلك ، لكنها أكدت أن هذا الحق، يكون موضع نزاع كبير و متفاقم ، إلى درجة أنه ينتهي بالحرب ، ويتحول إلى قضية ملتهبة .. على أن هذا النزاع الكبير ، يبدو أنه يحدث قبل شريط الأحداث المتراكمة ، التي تدخل بعدها إيران في حرب شرسة متمادية ، تكون الجيوش الرومية واليهودية ، وبعض العربية ، والتركية طرفا فيها ..
تؤكد النصوص أن الخراساني « شخصية عظيمة »، متفان في ذات الله تعالى ، أعطته بعض المتون أوصافا في القوة ، والتضحية والجهاد والنفوذ والثبات ما يوطى معه للمهدي سلطانه .. وبشكل اعتيادي ، عبرت النصوص
ص: 94
عنه دوما ب-« الخراساني »، للإشارة إلى زعيم وقائد دولة خراسان التي توطئ للمهدي سلطانه ، ويبدو في نص نادر تم التعبير عنه ب-« الحارث » ، ولا أدري هل هو وصف ، أم إشارة ما إلى نسل أو قبيلة ، أو أصل محدد أو صفة أو رمز خاص بأحداث معينة ..
ويبدو بوضوح تام ، أن للخراساني ودولته خطا متصاعدا من الوجود والقدرة ، والنفاذ ، فهو يخوض حرب الحق الذي تمنع منه خراسان ، ثم حرب تحرير القدس ، وحروب « الطوق الدولي » على خراسان ، وحروب السفياني ، ثم حرب رد عدوان الترك ، ثم حرب إسقاط الفتنة الداخلية(1) ،
ثم حروب أخرى وأخرى ، في ظل توطئة في غاية الأهمية لظهور المهدي علیه السلام إلى أن يخرج بزحف كبير على جبهتين ، واحدة يقودها بنفسه ، والأخرى يقودها الحسني(2) وذلك لفتح العراق ، بعد أحداث عظيمة تقع في العراق ، خاصة بعد موت العباسي القوي، واختلاف على الملك ، ثم زحف السفياني نحو العراق للسيطرة عليها، وأمور أخرى جليلة وعظيمة .. فتقع أعنف المعارك بين الموطين للمهدي علیه السلام وبين العباسيين
ص: 95
والسفيانيين(1)، والتي تنتهي بفتح العراق (2)، وعلى الأثر يسلم الحسيني ( الخراساني ) والحسني ( الطالقاني ) الراية المقدسة لمولانا المعظم المهدي المنتظر عجل الله تعالی فرجه شریف. ليكونا من خيرة القادة بين يديه (3)..
وهناك قائد ل-« قوات الخراساني » يقود العسكر ، ويكون قائدا الجيوش خراسان ، أكدت النصوص أن له قوة وصفة عظيمة في الفتح والجهاد ، وقد قيل في وصفه أنه شاب ، قوي . وصفته بعض النصوص بأنه
ص: 96
أصفر الوجه ، خفيف شعر اللحية ، يقال له « شعیب بن صالح » .ولا ندري هل هذا إسم له ، أو رمز محدد ، أم كنية عسكرية أو صفة جهادية أو غير ذلك .؟ المهم أن هذا الإسم طالما ردد في الروايات لذلك القائد العسكري الكبير . ثم تلفت الأحاديث إلى أن هذا القائد الموصوف ، يخوض جملة من المعارك الكبيرة ، وأن له حنكة وقدرة وصلابة مميزة ، ونفوذا على اختراق الحصون وأحزمة الجبهات ، وأنه في لحظة تاريخية حاسمة ، يتحرك نحو القدس ، ولا يرجع إلا بانتصار مؤزر ، فينصب راياته في بيت المقدس ، بعد شريط طويل من الأحداث الهائلة .
كما تشير بعض المتون إلى أن هذا القائد الخراساني يدخل العراق لمحاربة السفياني ، وتقع جملة من الأحداث المعقدة قبل وبعد ذلك . ومن هناك يبعث بالبيعة للمهدي علیه السلام ، فيما المهدي يكون في مكة. على أنه هناك رواية تتحدث بمضمونها أو لوازمها عن نزول المهدي علیه السلام في منطقة اصطخر الإيرانية أو قريبا منها بعد المعركة الهائلة التي يتبدد فيها جیش السفياني على يد الخراسانيين ، وفي بعض المتون بمشاركة اليماني ، وأن المهدي علیه السلام من هناك يدخل إلى العراق . على أن خط الزحف المهدوي نحو العراق يكون في الصورة الأولية ، واحدة عن طريق الحجاز ، والثاني عن جهة خراسان (1). وفي تلك المعارك الشهيرة يذيع صيت « شعيب بن
ص: 97
صالح »، الذي يخوض أعنف المعارك وينتصر فيها . ثم تصرح الأحاديث أن هذا القائد العسكري الكبير ، يكون مهما للغاية في جيش المهدي علیه السلام بعد ظهوره الشريف ..
وهناك رواية تذكر أن ظهور الخراساني وشعيب بن صالح يكون قبل المهدي علیه السلام باثنين وسبعين شهرا . إلا أن هذه رواية واحدة ، فيما غيرها لا يشير إلى ذلك ، بل يستفاد من طائفة واسعة أن راية الخراساني أي دولته تكون عريقة ، وقوية ، ولها حضور زمني واضح. ما يعني تأويل أل-« 72 شهرا » على حدث ما، أو صفة ما ..
شبكة الحروب التي تقع في تلك الفترة الملتهبة جدا ، تشير إلى انتصار كبير للإيرانيين ، ينتهي برفع راياتهم العقائدية المنادية بالمهدي علیه السلام في بيت المقدس . قالت المتون المروية : « تخرج من خراسان رایات سود، فلا يردها شيئ حتى تنصب بإيلياء »(1). وعن وصف قائدها : «لو قاتل الجبال الهدها حتى ينزل بإيلياء »(2)[ أي بيت المقدس ] . وفي رواية أخرى : « فلا يلقاهم أحد إلا هزموه وغلبوا على ما في أيديهم حتى تقرب راياتهم بيت المقدس »(3).
ص: 98
وعلى أثر تحریر بیت المقدس(1)، وأحداث مختلفة ، يزيد التهاب المنطقة ، وتتأسست معسكرات عديدة للحرب ، وتتحرك جملة من رایات العالم ، على رأسها الروم ، والترك ، ويبدو أن جملة من القوى تعلن تحالفها في وجه الخراسانيين ، وذلك بعد «ضعف قوة الروم » وجملة من القوى الأخرى التي حاولت منع الخراساني من تحرير بيت المقدس وفشلت في ذلك ..
فيتم إعلان تحالف ظرفي بين الروم والترك وجملة من قوی إقليمية ، منها السفياني العربي ، الذي يتم دعمه من الروم للإنقلاب على عرش دمشق ، فينجح في ذلك ، وعلى الأثر يجد جيشا كبيرا لمؤازرة الروم واليهود والراية المغربية والقوى الأخرى لقتال الخراسانيين الإيرانيين الذين ينادون بآل محمد(2) علیهم السلام. وتقع معارك مستمرة بين هذه القوى والجيش
ص: 99
الخراساني الذي يثبت ويصمد في فلسطين . وتكون راية أهل المغرب أكثر نفوذا من الشاميين وبعض القوى الإقليمية التي تقاتل الخراسانيين ، ومع ذلك يبقى التفوق الخراساني ميزة واضحة رغم المعاناة التي يلقونها من هذا الحلف المتضامن(1)، إلى أن يطرأ الحدث الإستراتيجي الجديد ، وهو زحف الترك فجأة نحو الأراضي الخراسانية . على أن المتون لا تخبرنا عن تورط الترك في معارك بیت المقدس ، فيما تخبرنا عن تورطهم في إعلانهم الحرب على الأراضي الخراسانية (2).
ص: 100
على أنه من علامات الظهور والفرج ، إعلان الترك حربها على إيران ، حيث تزحف إليها فجأة ، فتحتل قسما من أراضيها ، مستغلة وجود قسم كبير من الجيش الإيراني في خط الحرب الذي يمتد من إيران ، وصولا إلى بيت المقدس (1).. عندها يعود الجيش الخراساني إلى خراسان ، اليخوض معركة هائلة تقدم فيها تضحيات كبيرة ، في وجه الأتراك ..
لذا تذكر الروايات أن الخراسانيين يخوضون أشد المعارك ضراوة وتضحية في مواجهة « الجيش الشروسي » المفاجئ ، ويبدو من بعض المتون أن معركتهم ضد الترك تكون شديدة التضحيات والقوة والذود والجهاد ، بل تعتبر أكبر من تضحياتهم التي تحصل عند حدودهم العراقية على أثر اعتداء الحاكم العراقي على بلادهم في منطقة عبادان . وقد ورد في المتون : « بابان مفتوحان في الدنيا للجنة : عبادان و قزوین »(2).
وتذكر النصوص جملة مهمة عن معاركهم على ثغور قزوین ، وتؤكد أنه « سيكون رباط بقزوین ، يشفع أحدهم من مثل ربيعة ومضر»(3). وفي متن آخر : « إني لأعرف أقواما يكونون في آخر الزمان ، قد اختلط
ص: 101
الإيمان بلحومهم وبدمائهم ، يقاتلون في قزوین ، تشتاق إليهم الجنة وتحن، كما تحن الناقة على ولدها »(1)..
وتعتبر فتنة «الشروسي» وملاحم قاسية ، خاصة أنها تأتي في ظرف يبدو فيه قيام « تحالف » بين الروم والترك وفلول اليهود والراية المغربية أول الأمر ، ثم راية السفياني . [ تحالف دولي إقليمي ].
ويبدو من المتون أن « فتنة الشروسي » هي من علامات الظهور القريبة جدا ، بل من بين أكبر أسبابه . ففي رواية الصادق علیه السلام قال : «ويل لأهل الري من الترك .. استعيذوا بالله من شرهم .. أولئك يفتح الله على أيديهم « الدين » ، ويكونون سب لأمرنا »(2)، أي فتنتهم تكون قريبة جدا من ظهور القائم المهدي فيه بما يعنيه من فرج وعظمة كبرى .
وجاء في متن آخر:
«.. ومارقة تمرق من ناحية الترك ويعقبها فرج»(3). أي يأتي الفرج بظهور المهدي علیه السلام بعد هذه الفتنة الشرسة والوقعة المستفحلة ، التي يصمد الخرسانيون في وجهها بقوة وصلابة ، ويبلون بلاء عظيما، ويقدمون تضحيات جليلة (4)..
ص: 102
على أن شبكة الحروب آنذاك تتنوع و تتعقد، وتأخذ منحنيات مختلفة ، فالترك يجدون مصلحتهم في الزحف نحو ثروة جوية مهمة جدا في العراق ، فيزحفون إليها ، أيضا الروم تفعل ذلك وتتسابق إلى ثروة قرقيسيا(1)، وكذلك جملة من الرايات الإقليمية تخوض حروبها على هذا النحو من طموحها في السيطرة على تلك الثروة الجوفية(2) ..
ص: 103
وفي ظرف متطور تدخل جيوش السفياني أرض العراق ، وتقصد مناطق الشيعة ، ومرکز وجودهم ، فتشن حربا شرسة عليهم وصفتها النصوص بالقتل والتفك وغير ذلك .. كما تحدثنا رواية تذكر أن قوات الخراسانيين تكون في العراق ، فتخسر معركة بوجه السفياني ، فيتبعها السفياني إلى الأراضي الإيرانية ، فيرون أن الحرب طالت عليهم ، فیولون الخراساني عليهم ، ويدعون إلى المهدي علیه السلام .
كما هناك متون تحدثنا عن « معركة هائلة » في منطقة « اصطخر » الإيرانية ، والتي يمزق الخراسانيون فيها جيش السفياني تمزيقا. فيما تذكر رواية أخرى أن ظهور الرايات السود والدعوة إلى المهدي علیه السلام تكون بعد المعركة الموعودة على كنز الفرات الجوفي ..
يبقى هنا أن نشير إلى رمزية ما ، في المتون ، لأن طائفة مهمة من النصوص تحدثنا عن وجود عريق ومتين لدولة خراسان ، عن دولة قوية ، تخوض غمار المعارك ، دولة لها تاريخ في بناء القوة عبر خط الزمن . نعم شخصية الخراساني نفسه ، أو شعيب بن صالح ، وشبه ذلك ، لها وقت محدد ، فالخراساني وشعيب بن صالح ، والحسني الطالقاني(1) يكون زمانهم
ص: 104
قريبة من آخر زمن الغيبة الكبرى ، وهم الذين يقودون جملة من الحروب الكبيرة والإنتصارات ، و تکریس خيار الإسلام في منطقتهم وما أمكن من نواحيها ، ثم يشاهدون الظهور الأعظم لمولانا المهدي علیه السلام وينضوون تحت رايته المباركة ..
وتصبح « الرايات السود » جزءا بارزا من جيش الامام المهدي علیه السلام فتخوض غمار المعارك والحروب التي منها حرب تحرير القدس ، وملحمة الأعماق ( التي تقع في أعماق بلاد الشام وفلسطين أو بلاد الشام وحدها )، وفتح رومية وغيرها من الحروب والمعارك ما بعد الظهور .
على أن شبكة الجبهات ، ومسارات الحروب ، تؤكد تنوعا واسعا وتعجا كبيرا في المناطق والول ، بعض النصوص تذكر أن الرايات الخراسانية تزحف بقوة جبارة نحو القدس وتفتحه ، ثم تخرج فيما بعد لقتال الترك الذين يهاجمونها بالتواطئ مع الروم وجملة من قوى إقليمية الأراضي الخراسانية ، فتنتقل الحروب من بلاد الشام إلى منطقة الخليج ، ويصبح المناخ الحربي في طول المنطقة ملتهبا ..
إلا أن بعض مضامين النصوص أو لوازمها، تشير إلى ثكنات أو قواعد عسكرية خراسانية تبقى في أماكن من خريطة خط الحرب الطويل ما بین خراسان و بیت المقدس ، منها وجود عسكري في دمشق(1)، والأردن
ص: 105
وغيرها . لذا تشير بعض المتون إلى أن بعض القوات الخراسانية تكون في « الشام » عند خروج السفياني فيقاتلهم حتى يردهم إلى العراق .. على أن تمدد السفياني الطاغي من دمشق إلى الكور الخمس - إلا منطقة الأبدال - وفورة انتصاراته المثيرة ، تنهد أمام معركتين فاصلتين : الأولى في منطقة «اصطخر الإيرانية ، والتي يتمزق فيها جيش السفياني تمزيقا على يد الإيرانيين ، ثم في معركة مهمة جدا لليماني ، یکسر فيها «عين السفياني » أي يهزمه بشدة . على أن معركة الفصل الأضخم تكون عند بحيرة طبرية التي تنتهي بذبح السفياني .
وفي النتيجة العامة :
يخرج الخراسانيون ، في ظل ظرف خاص و كبير ، نحو فتح القدس وتحريره من غزاته ومحتليه ، فلا يعودون إلا بفتحه ونصب رایات أهل الإيمان والإسلام فيه . كل ذلك ، في ظل حرب ضروس ، ومعارك ملتهبة، بل تقع معركة شديدة الضخامة في دمشق بين الرايات السود والرايات الصفر المغربية تنتهي بانتصار مؤزر للرايات الخراسانية . فيما النصوص تؤكد أن طريق فتح بیت المقدس ، من أرض خراسان إلى بيت المقدس ، دونها معارك ضخمة ، ومع ذلك لا يرجع الخراساني إلا بفتح بیت لمقدس ..
ص: 106
على أن نفوذ الروم آنذاك في هذه المنطقة ، أو خط الحرب ، يبدو ضعيفا ، لذلك لا تستطيع منع الزحف الخراساني وفتحه لبيت المقدس .
ولا تهدأ المعارك التي تشارك فيها الروم أيضا ، رغم فتح بیت المقدس ، إلا أن الخراسانيين يثبتون بقوة هائلة. لتعود كفة الموازين للتأسيس من جديد ، بدءا من وسط آسيا ، وصولا إلى جنوب بلاد الشام .. لذا : على الأثر ، يتم الإعلان عن حلف عسكري كبير يبدو أنه يجمع ثلة من الأطراف الدوليين والإقليميين ، حيث يجمع الروم مع الترك ، مع اليهود ، مع بعض الجيوش العربية ، والأبرز منها - على مستوى بعض العرب المشاركين آنذاك : الراية المغربية الصفراء - ، ثم مع ظهور السفياني فإنه يقود نواة ذلك الجيش العربي الذي يقاتل الخراسانيين .
وعلى أثر هذا الحلف ، تهاجم قوات الترك بعض الأراضي الإيرانيةفتحتلها ، وتقع معارك ضارية يتفانى فيها الخراسانيون للدفاع عن دولتهم ، وعلى الأثر ، ينسحب الجيش الخراساني من بيت المقدس ليدافع عن أراضية ، فيما تبقى له قواعد عسكرية في جملة من المناطق التي زحف منها لفتح القدس.
فيستغل السفياني هذا الوضع الجديد فيقاتل الوجود العسكري الخراساني في دمشق ، فيردهم إلى العراق ، ويقاتلهم في العراق حتى يدخلوا الأراضي الإيرانية ، ثم يتبعهم إلى الأراضي الإيرانية ، فتقع المعركة الضارية هناك ، والتي يبدد الجيش الخراساني فيها الجيش السفياني . فيعمد
ص: 107
السفياني الموجود في دمشق إلى الإنتقام ، لكن عبر إعداد جيش كبير إلى الحجاز لقتل المهدي علیه السلام الذي يعلم بظهوره الخاص في المدينة ، فيبعث بجيشه الجرار إلى المدينة ، فيخرج المهدي علیه السلام مع بعض أصحابه منها إلى مكة ، فيما الوضع الأمني الحجازي يكون منهارا ، والسلطة السياسية في الحجاز تکون متداعية، وأهل البلاد يكونون على قسمين ، في ظل اضطراب وهشاشة مثيرة ، وحذر شديد بين الفريقين ، كما يبدو أن للسفياني نفوذا واضحا في الحجاز . لكنها بصورة عامة تعاني من الوهن ، وشلل واضح في قبضتها الأمنية ، لكن ما زال لها وجود ، لذلك نجد أن الإمام المهدي علیه السلام يخرج من المدينة متخفيا ويقصد مکة، ويظل متخفيا، ويكون هذا وقت الظهور الخاص الذي يدوم عدة أشهر ..
ويكون الفصل الكبير ، والتطور الهائل ، حين يخرج جيش السفياني من المدينة - بعد قتل ما بقي من بني هاشم وأتباع أهل البيت علیهم السلام - نحو مكة ، بهدف قتل الإمام المهدي علیه السلام الذي يعلم أنه قصد مکة، فيخسف الله به الأرض في البيداء ، عندها يتم الإعلان الأعظم ، عن الظهور الأكرم، أعني به الإعلان العام لأهل الدنيا ، عن ظهور مولانا ومولى الكون الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف ..
بالضبط ، في هذا الوقت بل قبله ، يكون الخراسانيون قد استعادوا زمام النفوذ بقوة ، وقهروا السفياني بشدة ، وتهيؤا للزحف نحو العراق لقتال العباسي، فيخوضون معركة شديدة الوطيس ، تنتهي بفتح العراق من
ص: 108
جانبهم ، فيما اليماني يكون على ناحية أخرى يخوض حرب فتح العراقبضراوة أقل، فيدخل هذا من هذه الجهة ، وذاك من تلك الجهة .. أما الحجاز ، فتسقط بسرعة بيد المهدي علیه السلام ، وتتم بيعته دون إهراق دم ، وينشغل الناس بذكر المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف. .
وعلى مستوى خط الجبهات السريعة ، ومسارات الحرب المتعرجة ، قبل الخسف بجيش السفياني في صحراء المدينة ، تشير الأحاديث إلى أن الترك ينزلون آذربيجان والجزيرة ( العراق )، عندما يقاتل الخراسانيون السفياني في العراق ..
وتؤكد بعض الأخبار المروية أن المهدي علیه السلام يظهر عند خراب الزوراء وهي «الري » - إشارة إلى الحرب التي تقع - والمزورة وهي « بغداد » . وعند حرب تشتعل بين بني العباس وفتيان أرمينية وآذربيجان فتكون الرايات السود مع المهدي(1) علیه السلام .
أي ستقع حرب شرسة ، تعلن على أرض خراسان ، واحدة من جهة الترك ، وواحدة من جهة السفياني ، في ظل حلف دولي إقليمي ، والمثير في النصوص تأكيدها الواضح على قدرة الخراسانيين في مواجهة هذا الحلف الدولي الإقليمي الهائل ، رغم أن الترك يحتلون قسما من الأراضي
ص: 109
الخراسانية حينما يكون الجيش الخراساني في بيت المقدس بالإضافة إلى أماكن مختلفة في طول خط الحرب البعيدة إلى ذلك المكان المقدس .. .
النصوص تؤكد صمود وثبات ، وتعاظم قدرات الكفاح الخراساني ، في ظل بذل هائل بالمهج والأرواح من قبل الخراسانيين لدفع العدوان الدولي عن الأراض الخراسانية(1) .. والأهم، أن الخراسانيين يعودون فيهاجمون ، ويخرجون من وراء حدودهم ، باتجاه العراق ، بعد هزيمة هائلة يوقعونها بجيش السفياني في منطقة « اصطخر » الإيرانية(2)، بل بعد فتنة مثيرة راد منها « الإنقلاب على الخراساني(3)»، ويبدو واضحا أن « الحلف الدولي
ص: 110
الإقليمي » يستعمل كل أوراقه الحربية والإنقلابية لكسر وزعزعة نظام الخراساني ، فتقع فتنة داخلية في خراسان ، يراد منها الإنقلاب على قيادة الخراساني ،
فيظهر في تلك اللحظات الحرجة « السيد الحسني(1)»، الذي يعدل كفة الموازين بقوة ، وينتصر للخراساني ولراية آل محمد الأصيلة ، ثم بعد ذلك تبدأ قوة خراسان الزحف نحو العراق من جديد في ظل اضطراب عالمي ، وخطوط حرب معقدة ، خاصة في الشرق الأوسط ، ولهيب أمني ، واضطراب اقتصادي ، وأزمة معيشية ، وفراغ سياسي ، وفشل رومي ، وتراجع في النفوذ لجملة من القوى ، منها الروم والترك ، خاصة بعد هزيمتهما في قرقیسیا ..
السيد الحسني هو أحد « كنوز طالقان » ، شخصية تبرز على سطح الأحداث بقوة زمن الفتنة الداخلية الحرجة التي يدعمها الحلف الدولي الإقليمي لتدمير نظام السيد الخراساني المنادي بسلطان الأرض المهدي
ص: 111
عجل الله تعالی فرجه شریف. وهو من مبرزي أصحاب الإمام المهدي علیه السلام ، يخرج من منطقة «طبرستان » مناصرا للسيد الخراساني ، يقف في وجه طواغيت الفتنة ، يدعو أنصارهم لبذل مهجهم في سبيل الإسلام وحماية خياره الكبير في ظل ظرف خطير للغاية .
ويبدو أن أصحاب الفتنة الداخلية يستفيدون بشكل مباشر أو غير مباشر من دعم الروم والترك واليهود وبعض الجيوش الإقليمية كالسفياني وغيره ، لتدمير نظام السيد الخرساني وإسقاطه ، ويظهر أن الأمور في خراسان تكون حرجة ، على أننا لا ندري بداية هذه الفتنة وكيف تبدأ ، لكنها كما يبدو ، تبدأ بشكل هادئ ، وتتطور شيئا فشيئا ، حتى تنتفض على أثرها الغبار ، وتقع الأزمة العسكرية الخطرة ، ويبدو الخراساني أمام سياسات عدوانية خارجية ، وفتنة داخلية ، مضامين النصوص تصف لنا حالة حرجة وصعبة للغاية .
وفجأة ، وبظرف مفاجئ ، وبوضع مثير ، وخطورة بالغة ، يخرج السيد الحسني ، الذي يبدو « ملهوفا » ، وبوضع حرج أيضا ، على أثر العدوان الخارجي ، والفتنة الداخلية .
واللافت جد ، أن هذا الفتى الصبيح ( السيد الحسني ) يستنجد أنصاره ، أنصار الله ، للدفاع عن السيد الخراساني ونظام آل محمد وخیار الإسلام الأصيل ، والوقوف بوجه العدوان الخارجي ، والفتنة الداخلية العسكرية الصعبة، يستنجدهم من مكان مقدس ، من ضريح عظيم ، لعله
ص: 112
ضريح الإمام علي بن موسی الرضا علیه السلام(1) أو غيره من الأضرحة المقدسة لآل بيت النبي علیهم السلام .
يجب أن نلتفت جيدا إلى هذه «الرمزية الخاصة ».فهذا الثائر المحمدي ، الذي يخرج في ظرف حرج وصعب للغاية ، ينادي أنصار الله بلهفة ، للدفاع عن خراسان الإسلامية الإمامية من أعداء الخارج والداخل . وذلك من مقام عظيم ، يريد من خلاله تعبئة الرأي الإيراني العام للوقوف مع الخراساني ، وحماية نظام الموطى للمهدي سلطانه(2) .. [ هذه رمزية هائلة الدلالة ..! ](3)،
وتؤكد النصوص أن الحسني ( الفتى الصبيح ) ، يخرج من نحو «الديلم » ، فيصيح بصوت فصيح : « یا آل محمد ، أجيبوا الملهوف ، والمنادي حول الضريح ».پإنه نوع من استغاثة وصرخة بحرقة ، تؤكد
ص: 113
الوضع الحرج والصعب للغاية في تلك اللحظات التاريخية .. وبشكل سريع ومفاجئ ، جيبه « كنوز الله » بالطالقان ، النص يصفها بأنها « كنوز لا من ذهب ولا من فضة ، بل رجال كزبر الحديد » ، فتية أقوياء ، عظماء ، يبذلون المنهج في سبيل الإسلام ، يسارعون إلى إعلاء كلمة الله ، في أدق وأصعب ظرف .
تصف المتون هؤلاء المجاهدين الكبار وهم يسارعون إلى الحرب ، متأهبين بعدة القتال ، طالبين القتل والإنتصار في سبيل الله ، النص يصفهم فيقول : « لكأني أنظر إليهم على البراذين الشهب ، بأيديهم الحراب ، يتعاوون شوقا إلى الحرب ، كما تتعاوى الذئاب ».
إذا هم طائفة من أهل الحرب والجهاد ، مهوون بعدتهم وعتادهم ، معبؤون بشكل مدهش ، لخوض حرب حاسمة جدا ، في أدق ظرف وأعقده على دولة خراسان .
ثم يشير النص إلى قائد عسكري كبير بينهم هو « شعیب بن صالح » له قدرة موصوفة على المواجهة والتضحيات والانتصارات ، فيخوضون غمار الحرب ، في وجه الظلمة وأهل الفتنة ، فينتصروا عليهم . و تنجو خراسان من أخطر مرحلة . ثم تقع تطورات مختلفة في منطقة الخليج ، وبالأخص ناحية العراق ، ودمشق ، والنواحي ، وتلتهب المنطقة بالمعارك ، وصولا إلى إعلان السفياني الزحف للسيطرة على العراق ، خاصة مناطق الشيعة فيه ، عندها يتم الإعلان الخراساني العام عن الزحف ما وراء الحدود ، ناحية العراق ، في
ص: 114
ظل حرب ضروس ، وجبهات قتال كبيرة ، تجتاح ما نطلق عليه اليوم إسم الشرق الأوسط ..
واللافت جدا بهذا الحدث أنه يكون قريبا من ظهور المهدي علیه السلام ، فالحسني الطالقاني الذي لم يزل يقتل الظلمة ، حتى يرد الكوفة ، يتصل به وبأصحابه خبر المهدي علیه السلام . ويقولون : يا ابن رسول الله ، ما هذا الذي قد نزل بساحتنا ؟ فيقول : أخرجوا بنا إليه حتى ننظر من هو وما یرید ؟ وهو والله يعلم أنه المهدي علیه السلام ، وإنه ليعرفه(1) كما في النص . فيأتيه .. ويقول الحسني : الله أكبر ، مد يدك يا ابن رسول الله ، حتى نبايعك ، فيمد يده فيبايعه و یبایعه سائر العسكر الذي مع الحسني(2).
وعن « ظرف » الزحف الخراساني نحو العراق ..؟
تؤكد طائفة من الأخبار أنه بعد القضاء على المتمردين في الداخل ،والصمود بقوة في وجه العدوان الخارجي ، يتم الإعلان عن الزحف العسكري نحو العراق التي أصبحت مضطربة أمنيا ، هشة سياسيا ، مضعضعة عسكريا، رغم قوتها السابقة،
وذلك بسبب الخلاف العسكري على عرش الحاكم العباسي، عندها تتحول العراق في جزء منها إلى خط حرب وهدف كبير للسفياني بهدف إحكام سيطرته العسكرية وقتل الشيعة هناك ، ثم تأسيس جبهة غزو قوية في
ص: 115
وجه الخراسانيين ، فضلا عن طمعه بعرش العراق وثرواته وحروبه السابقة على الخراسانيين ..
تحدثنا النصوص عن « سيناريو حرب » عبر قوتين عسكريتين : الأولى بقيادة السيد الحسني الطالقاني ، والثانية بقيادة السيد الخراساني . وعلى الأثر تتحرك جيوش خراسان ، باتجاه العراق ، لحماية الشيعة ، ومنع جرائم السفياني وإبطال تمدده الطاغي ، وتأسيس جبهة مهدوية كبيرة ، فضلا عن أخذ «ثأر الشهداء الخراسانيين» ، الذين تخبرنا النصوص أنهم يسقطون في حرب سابقة تقع بين الدولتين الخراسانية والعراقية ، النص يقول(1) :
«تقبل رايات من شرقي الأرض .. يسوقها رجل من آل محمد ، تظهر بالمشرق ، وتوجد ريحها بالمغرب .. حتى تنزل الكوفة طالبين بدماء آباءئهم » . إذا الروايات صريحة جدا في أن دولة خراسان « قوية » إلى درجة أنها ت العدوان الخارجي الضخم، وتقضي على الفتنة الداخلية الملتهبة ، رغم اللواء والجهد الذي يصيبها . ثم بعد ذلك تتوجه نحو الدولة العباسية(2)، التي يبدو أنهاتدعم أيضا عبر قوى الحلف الدولي الإقليمي ،
ص: 116
خشية من الفتق الإيراني نحوها . فتقع معركة عنيفة جدا ، واحدة عبر الحسني ، والثانية عبر الخراساني . فيما تحدثنا بعض المتون عن زحف اليماني باتجاه العراق ، وخوضه حرب أقل ضراوة من تلك التي تخوضها جيوش خراسان ، والتي تنتهي بهزيمة قوة العراق والسفياني ، ودخول الحسيني [ الخراساني ] والحسني [ الطالقاني ] ، الكوفة . أي فتح العراق(1).
بعض الروايات تشير إلى أن قوة الحسني تدخل العراق قبل قوة السيد الخراساني ، بسبب ضراوة المعارك .. فيما طائفة أخرى تحدثنا عن اختلاط القوى ، فالقوة العباسية تتدخل ، و كذلك جيش السفياني ، ما يعني أن القوى الدولية الداعمة لهاتين القوتين ، استراتيجيا أو ظرفیا ، تتدخل أيضا بأكثر من شكل لتدعيم قوة العراق والسفياني بوجه الإيرانيين ، لكن میزان الحرب يميل بعد معارك ضارية وحاسمة لصالح الإيرانيين الذين يدخلون العراق بصلابة لافتة .
وفي الداخل العراقي ، تتلاحم القوات الخراسانية ، ويعلن الحسيني الخراساني ، والحسني والطالقاني ، تسليم راية الموطئين للمهدي علیه السلام التخبرنا الأحاديث أن المهدي صلی الله علیه و آله يدخل الكوفة ، ويخطب في مسجدها ،
ص: 117
وتهتر القلوب ، وتضج ناحية العراق بصراخ الموالين الذين يصرخون : الله اكبر .. فيدخل الحسيني والحسني إلى المسجد ، والمهدي علیه السلام يخطب بالناس ، والناس في بكاء إلى حد أنه لا يسمع معه صوت المهدي علیه السلام. هذا معنى الحديث النبوي : « و كأني بالحسني والحسيني وقد قاداها فیسgماها إلى الحسيني [ المهدي علیه السلام ] فيبايعونه »(1).
.. هنا تبدأ مرحلة جديدة من العظمة والإنتصارات ، والطمأنينة المدهشة بالنظر لمولانا صاحب الأمر وحجة الله على الكون والأرض ..
وتبدو راية خراسان بأبهى صورها وأعزها ، فهي الراية التي وطأت للمهدي سلطانه ، والجبهة التي بذلت المنهج التي روت الأرض ، وهي تصرخ بالفرج ، وتنادي بالمهدي علیه السلام .. هذا يعني أن هذه الراية راية منتصرة ، ثابتة ، قوية ، ذات حضور إقليمي كبير ، وذات تأثير نافذ ، وجدير بصناعة أحداث تاريخ هذه المنطقة حتى ظهور المهدي ..
وتمدح طائفة من النصوص المهمة « أهل قم(2)»، وتشير إلى أن انتصارهم يكون إذا ظهر الماء على وجه الأرض .. ويبدو أن لهذه الصفة
ص: 118
إشارة خاصة في ظل حدث خاص ، له صلة بجملة من الأحداث اللافتة في تلك المنطقة ..
ص: 119
تذكر بعض الأخبار المروية خروج رجل من ذرية جعفر بن أبي طالب ، يسلم الراية إلى المهدي علیه السلام . بمعنى أن له دورا بارزا في رفع راية أهل الحق، والذود عن مشروع التوطئة لظهور المهدي علیه السلام ، والبذل الخاص في سبيل تکریم و تکریس مشروع الإمامة .. لكننا لا نعرف تفاصيل عن هذا الرجل القائد ، وطبيعة الأحداث التي تحيط به آنذاك ..
تخبرنا النصوص - في مرحلة متتالية من الأحداث - أن الإمام المهدي علیه السلام يملك « جبال الدیلم » ، وأن قوما من «قزوین » يقاتلون الدجال . إلا أن هذا القتال يكون في مرحلة متأخرة من الظهور الشريف .
الجفاء أول الأمر اتجاه المهدي علیه السلام يكون كثيرا ، منه جفاء الروم والترك واليهود وجملة من قوى الظلم والفساد والطغيان العالمي والإقليمي . فيما تخبرنا رواية أن « الجفاء» يكون بالمشرق : يعني مشرق الحجاز أو نجد ، بدليل ما صرحت به بعض الروايات الواردة في أحاديث وأخبار الحجاز .
ص: 120
الأزمة المعيشية ، والإنهيار الإقتصادي ، والإضطراب المالي : الإقليمي والعالمي ، سيشهد محطات مختلفة ، ذات مراتب متنوعة ، وفي موضوع نقاشنا الإقليمي هناك رواية تشير إلى أن العجم يمنعون عن العراق القفيز والدرهم . إشارة إلى حرب طاحنة تدخل البلاد في ضنك العيش بعد سطوة وظلم سابق من حاكم العراق ، حيث يعلن حربا عدوانية على أهالي خراسان ، فيقتل قسما من أبناءهم ويفاخر بطغيانه .. .
تخبرنا النصوص أنه سيكون لبلاد الشام دور كبير في جملة الأحداث المستقبلية ، على أن بلاد الشام المقصودة في النصوص تشمل المحور الخمس : دمشق ، حمص ، حلب ، الأردن، فلسطين . ويبدو من خريطة بلاد الشام القديمة أن لبنان ناحية من نواحي كورة دمشق ، وهناك تصنيف آخر يفصل بين دمشق ، حمص ، حماه ، فحلب ، بالإضافة إلى الأردن . إلا أن الخريطة التاريخية تؤكد طبيعة هذه المنطقة الممتدة من فلسطين ، فلبنان ، فدمشق ، وصولا إلى حلب والنواحي.
ص: 121
تذكر بعض الأحاديث أن النبي صلی الله علیه و آله، أخبر المسلمين بأنهم سيفتحون الشام - وهذا ما حصل – وأن منهم طائفة ستبقى ثابتة على الحق، وأنها ستعلن ولاءها لآل رسول الله علیهم السلام وسيكون لها دور مهم في آخر الزمن بنصرة آل محمد والدعوة إليهم .. على أن هذه المناطق التاريخية من بلاد الشام وردت الإشارة لها في جملة متعددة من النصوص ، أعطتها صفات استراتيجية بعض الأحيان ، كمارکزت فيها جملة من الوقائع التاريخية المهمة ..
كما أن خطوط الحرب ، وسلطات القوة ، تكون مرة في بعض هذه النواحي ، ومرة تتخذها هدفا وممرا ومقرا .. والأهم أنه في فترة حرجة جدا ، تتحول دمشق - بيت المقدس إلى خط ملتهب لأسباب مختلفة .. ويبدو بوضوح تام في مضامين الروايات أن دمشق تكون ممرا لجيوش خراسان في حرب تحرير القدس ما يؤدي إلى قيام معارك ضارية وأهوال كبيرة(1).
في حين تحدثنا الروايات عن « تجييش الجيوش » وهبوب الأجنحة التي فيها الويل الطويل ، والتي تبدأ من العراق ، وتمتد إلى دمشق ، ثم تتوسع بطريقة دراماتيكية إلى مناطق مختلفة منها، مصر ، وفلسطين ، ولبنان ، وتتعقد الأمور لتشمل الحرب راية خراسان ، والحجاز والمغرب
ص: 122
العربي ، وتتوسع إلى الأطراف البعيدة في قلب هذه المنطقة ، وتكون سمة هذه الحرب المنقلشة ، على أيدي أقطاب دوليين ، منهم الروم والترك ، بالإضافة إلى قوى إقليمية ، من بلاد الشام ، والمغرب العربي ، والأردن ، والعراق ، و خراسان وغيرها ..
على أن هوية هذه الحرب المتعددة والمعقدة ، ترتكز في أكثر من مخطط لها على الثروة مثل ثروة قرقيسيا ، والمصالح ، وفي بعض الأحيان تشن حرب لاستئصال نفوذ خراسان ، وفي واحدة منها تبدأ بسبب خلاف بین خراسان وقوى في المجتمع الدولي بسبب حق لإيران تصر جماعة دولية على منعها منه ، فيما تصر خراسان على حقها فيه ، مرتين أو ثلاث مرات ، رغم خذلان الخاذلين(1)، إلى أن تخوض خراسان حربا لتحسم حقها، فتعطى حقها فلا ترد سيوفها إلى أغمادها ، أي تتابع حربها ولا تسلم الراية إلا إلى المهدي علیه السلام .
واللافت في خريطة الأحداث الكبيرة آنذاك أن الأحاديث تخبرنا عن حرب « هائلة » بسبب مال جوفي مهم جدا ينكشف عنه الفرات أي ناحيته [ العراق ] ، فتقاتل عليه الرايات ، ويبدو من المتون المروية أنها تبدأ بحرب أولى تتألف من قوى إقليمية ، مثل حاكم العراق [ العباسي ] وحاكم
ص: 123
دمشق [ المرواني ] ثم صاحب الراية المغربية [ المغربي صاحب الرايات الصفراء ] الذي يدخل مصر ، فإذا دخل مصر کان علامة على الإنقلاب الذي يقوده السفياني على حاكم دمشق المرواني والذي يستولي على الحكم ثم يتابع حرب قرقيسيا على الثروة أيضا،
ثم تتطور المعارك بشكل دراماتيكي لتصبح القضية دولية بامتياز ، حيث تزحف الترك والروم إليها ، الترك تزحف إليها في بعض جندها من جانب بعض الأرضي الإيرانية التي تكون قد احتلتها بعد فتح الجيش الخراساني لبيت المقدس ، وقيام الحلف «الدولي - الإقليمي » لإخراج الخراسانيين من فلسطين ، ثم إعلان الترك زحفهم فجأة على بعض الأراضي الإيرانية ، ثم خوض الخراسانيين حربا هائلة جدا في وجه الترك لإخراجهم من أرضهم ، ويبدوأنهم يخرجون باتجاه العراق وثروة قرقيسيا، كما أن الروم تعلن الحرب وتجيش الجيوش ، فتزحف بقوتها العسكرية ، ترید السيطرة على تلك الثروة الجوفية في العراق ، وتتبعها الترك [ هناك تفاوت في النصوص حول من يتبع الآخر زمنيا : الترك أم الروم ].
وتتشکل جملة من القوي تتقاتل على ثروة قرقيسيا . إلا خراسان ، فإنها لا تتدخل في تلك الحرب الطاحنة والمحرمة . بل في نصوص أهل البيت علیهم السلام تحذير ومنع للخراسانيين من الدخول فيها، وفعلا لا يدخل الخراساني تلك الحرب ، ويكون في طور تدعيم قوته الكبيرة التي ستجتاح منطقة العراق بما في ذلك ثورة قرقيسيا وغيرها، وتؤسس قوة ضخمة
ص: 124
تفرض نفسها على المنطقة في لحظة الظهور الشريف . على أن النصوص تصف المعركة على ثروة قرقيسيا والتي تقع بين هذه الأطراف الدولية والإقليمية ب-« الملحمة » .! وذلك لشدة القتل والقتال ، والحرب والدمار والخراب ، والعجب العجاب الذي يقع هناك ، ثم لتؤكد أنه لا أحد من هؤلاءالجبارين يحوز ذلك المال آنذاك ..
ورغم أن « السفياني » ينقلب على حاكم دمشق ، ثم يقود جيش القتال على ثروة قرقيسيا في تلك الناحية ، إلا أنه في وقت محدد ومثير ، ينقلب أيضا على الروم بسبب ثروة قرقيسيا ، ما يعدل موازين الحرب ، حيث يكون « الخلاف » على تلك الثروة متعدد الأقطاب ، من بينهم « خلاف » بين الترك والروم ، فتقع معارك متعددة ، منهكة ، تنتهي بانتصار « ضعیف » للسفياني على الروم والترك ، إلا أنه لا يستطيع حيازة ذلك المال ، ربما الانشغاله بالحرب ، أو بسبب الردع والتوازن الذي تخلفه الجبهات آنذاك . وهذا يعني أن انتصار السفياني في تلك المعركة يكون ضعيفا أو غير كبير .
على أن الأكيد أن « دولة خراسان » لا تشارك في تلك الحرب ، بل في المتون تحذير من الإشتراك فيها ، الأحاديث تصفها بحرب الثروة ، حرب الكنز ، حرب المال ، وأنها حرب محرمة تنتهي بمقتلة عظيمة، من كل 10 يموت و..! هذا يعني أن الشرق الأوسط ونواحيه ستعيش مخاضا جبارا ، سينتهي بولادة ميزان قوة جديد ، قريبا من ظهور المهدي علیه السلام ، ثم يتحقق بشكل كبير مع الظهور الشريف .
ص: 125
الأخبار عن ذلك « المخاض » تحدثنا عن تعقيدات كبيرة ، و تغيرات هائلة في خطوط الحرب ووجهاتها، وطبيعة ميزان القوى ومكوناتها ، والذي ينتهي على شكل تنام كبير بقوة الردع والفتح الخراسانية ، التي تحوز ذلك المال بعد تغيرات هائلة بموازين الحرب بين القوى الدولية والإقليمية في المنطقة ، على أن حرب خراسان آنذاك لا تقوم للسيطرة على الثروة بصريح النصوص ، بل للدفاع عن نفسها ، وعن شيعة العراق ، وللوقوف أمام الزحف السفياني وتداعي الحال في العراق بسبب موت الحاكم العباسي وتقاتل العائلة الحاكمة على كرسي الملك هناك ، وسيطرة الفوضى بشكل مثير ، فضلا عن سياسات العدوان التي تعمل عليها الروم والترك وغيرها ..
وتشكل دمشق ، مسرحا للأحداث المهمة . بعض المتون تخبرنا عن نفوذ للعباسي العراقي فيها ، في وقت ما ، ثم عن حرب يشيب منها الولد الحزور بين العباسي العراقي والمرواني الدمشقي ، حول ثروة قرقيسيا ، كما تخبرنا عن نفوذ خراساني في دمشق ، في وقت آخر ، لا أدري الترتيب الزمني بينهما . ثم تخبرنا عن ضعف المرواني في الداخل ، ثم عن طموح رومي كبير ، ينتهي بتحريك السفياني من الوادي اليابس بالأردن أو قريبا من حدود الأردن من الأراضي السورية أو المنطقة المشتركة ، للإنقلاب على عرش دمشق .
كما في النصوص تأكيد على أن « مؤامرة داخلية » تحاك لهذا الإنقلاب ، تشارك فيها قدرات شعبية وجواسيس وعيون وقوى منها قبيلة
ص: 126
کلب وغيرها ، لنصرة السفياني في انقلابه الذي ينجح في السيطرة على عرش المرواني عبر حرب طاحنة ، يقاتل على أثرها جملة من الرايات ، أقلها حرب الرايات الثلاث التي ينتصر فيها السفياني ويحوز عرش دمشق (1). ومع حكم السفياني لدمشق ، تتحول منطقة الشام إلى محور مثير لصناعة الأحداث والقتل والحروب المنفلشة فهو يسيطر على الكور الخمس ، إلا أرض الأبدال الشاميين الإماميين الذين يصمدون ويضحون لحماية خياراتهم الإسلامية الإمامية ، كما أنه يبعث بجيش نحو مصر فيدخلها بالقتل والنار والإغتصاب والذبح وغيره ، ويبعث جيشا نحو فلسطين ليقاتل الخراسانيين مع الراية المغربية والروم واليهود وجملة من القوى المشاركة لطرد الخراسانيين من بيت المقدس الذي خلصه الخراساني من أيدي الغزاة الطغاة ..
وبخصوص الجيش السفياني الذي يدخل مصر .؟ يبدو أنه لنشر نفوذه وحسم ميزان القوة السفيانية في المنطقة ، لكن أيضا ليقضي على ما تبقى من « ثورة النجباء المصرية الإمامية ».النصوص تصف فعل السفياني هناك بأنه إجرامي إلى حد مذهل ، فهو يقتل ويذبح ، ويغتصب ، ويحرق بالنار ، ويفعل الأفاعيل(2)..
ص: 127
كما أنه بعد جملة من الأحداث الكبيرة وخطوط الحرب المتعرجة والمختلفة ، يحرك جيشه ليقاتل على ثروة العراق ، وهناك تتغير وجهات التحالف ، فالروم والترك يختلفان ، والسفياني الذي دعمته الروم ، ينقلب عليها من أجل الثروة ، ويستغل الإنهاك الشديد الذي وقع بالجيشين فيقاتلهما ويهزمهما .
كما تخبرنا رواية أنه يقاتل قوة تابعة لأصحاب الرايات السود الخراسانيين في دمشق ، فيهزمهم إلى العراق ، يبدو أن قاعدة عسكرية خراسانية تكون هناك ، يقاتلها حتى تنسحب إلى العراق ، فيتبعها ، ويقاتلها أيضا، حتى تعود إلى الأراضي الإيرانية ، فلا يكتفي بذلك ، فيتبعها إلى الأراضي الإيرانية وهناك تقع معركة الفصل التي يتمزق فيها الجيش السفياني ..
وهذا يعني - حسب الظاهر - أن قتاله هذا كان بعد هزيمة الترك والروم في معركة « قرقيسيا » حول الثروة العراقية . لأنه بعد تلك المعركة التي يتبع الإيرانيين فيها إلى منطقة « اصطخر الإيرانية » تقع معركة فاصلة ، يتمرق على أثرها الجيش السفياني أمام قوة الخراسانيين في ظل قتال مستميت يقضي على الجيش السفياني في تلك المنطقة. لتحدثنا النصوص عن انتقام سفیان شديد بسبب ما أصاب جيشه من الخراسانيين ، حيث يفکر
ص: 128
السفياني بقتل المهدي علیه السلام ، وذلك في لحظة تاريخية كبيرة وهائلة ، لأن الإمام المهدي علیه السلام في هذا الوقت يكون قد ظهر الظهور « الخاص » في المدينة المنورة ، وهو الظهور الذي يدوم أشهرا قبل الإعلان عن الظهور العام. على أن الصيحة السماوية من جبرائيل علیه السلام بظهور المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف تقع في شهر رمضان ، أما الظهور فيكون في شهر محرم من نفس العام .. .
ويبدو بوضوح من المتون ، أن السفياني يعرف بظهور المهدي الخاص في المدينة ، في ظل هشاشة مثيرة في الحجاز ، وانقسام على السلطة ، واضطراب أمني ينتهي بقتال ومذبحة في مني ، لذلك يقرر السفياني إرسال جيش إلى المدينة المنورة لقتل المهدي فيها ، فيخرج المهدي علیه السلام مع جملة من أصحابه متخفيا نحو مکة، ويدخل الجيش السفياني إلى المدينة فيتركب مجازر بمن بقي من الهاشميين وأتباع أهل البيت(1) علیه السلام ..
ثم يأمر السفياني بزحف جيشه نحو مكة لقتل المهدي علیه السلام ، فيقع به الخسف في البيداء ، الذي على أثره يتم الإعلان العام عن ظهور الإمام المهدي علیه السلام وآنذاك تتم بيعته المشهورة . في هذا الوقت تكون الشام - إلا منطقة الأبدال - تحت سلطان السفياني الذي يبدو أن جيشه يظل قویا في تلك المنطقة .
ص: 129
وهنا يجب الإنتباه إلى أن « فتنة السفياني » تختلف عن فتنة الشام الخاصة . الأخبار تحدثنا عن «فتنة » تحدث في بلاد الشام ، وهي فتنة خاصة مختلفةعن الفتن العامة ، هذه الفتنة ميت بلسان بعض النصوص ب- « فتنة الأحزاب » التي تفرق جماعة أهل الشام ، وتضعفهم . بعض النصوص حددت أمدها ب-« 18 سنة » ، وأنه على أثرها تتعاظم راية الأبدال الإماميين ..
في حين تحدثنا النصوص أيضا عن فتنة أخرى هي « فتنة السفياني » وأن هذه الفتنة تظل مستمرة حتى ظهور المهدي علیه السلام . وبالحقيقة : يظهر المهدي علیه السلام الظهور الخاص ، والسفياني ، في زمن واحد. بعض المتون تقول : في سنة واحدة ، في شهر واحد ، في يوم واحد . لكن ظهور المهدي علیه السلام آنذاك يكون عبارة عن الظهور الخاص ، أي غير المعلن ، الذي يحصل في المدينة المنورة ، ويدوم لأشهر ، ربما تصل إلى 11 شهرا يتردد فيها الإمام عجل الله تعالی فرجه شریف بين المدينة ومكة.
ثم على أثر الخسف بجيش السفياني في البيداء الحجازية بالمدينة ، يتم الإعلان عن الظهور العام والبيعة العامة في مكة.
ومع أول الفتنة السفيانية ، تدخل الشام قوات مغربية ، على أن بعض المتون تحدثت عن راية « غربية »، في حين متون أخرى تحدثت عن راية « مغربية » .. ومهما يكن من أمر، فإن الأحاديث تخبرنا عن محاولات متابعة من الروم الغربيين للتأثير على منطقة الشرق الأوسط، وبلاد الشام ، والعراق ، ودولة خراسان ، ومصر ، وغيرها .. نعم هناك متن يخبرنا عن فتنة
ص: 130
السفياني ، وأنه تكون هناك في الشام راية مغربية [ تدخل إليه ]، كما تكون فيها قوات خراسانية من أهل المشرق أيضا . على أن الخراسانيين وأهل المغرب ، عدوان ، ما يعني أن الشام تكون مضطربة آنذاك ، وعرش دمشق على ضعف واضح في ظل تعداد بالرايات . النصوص صريحة في أن السفياني يظهر والرايات متعددة(1).
ثم تؤكد الأخبار المروية أنه تقع «زلزلة» في دمشق وحرستا . ويحدث «صراع عسكري » على « السلطة » بين ثلاث رايات ، واحدة يقودها شخص « أبقع الوجه » ، وراية يقودها رجل « أصفر»، والثالثة يقودها السفياني . وتنتهي المعارك بانتصار السفياني وسيطرته على عرش دمشق ، ثم بسيطرته على الشام . وأن هذا السفياني يخرج قرب ظهور المهدي علیه السلام ، بل يستفاد من بعضها أنه يخرج في نفس الوقت الذي يظهر فيه المهدي الظهور الخاص .
ويشير متن آخر إلى أن هذا السفياني هو من ذرية « عنبسة بن أبي سفيان »، أي هو من الشجرة السفيانية الملعونة في القرآن . بعض النصوص
ص: 131
سمته «عبد الله »، وبعضها الآخر سماه : « معاوية ».ولعل في القضية رمزية خاصة أو كنية أو انتسابات تاريخية ومعان مجازية تتوافق وواقع الحال آنذاك .
وعن صفته الجسدية ..؟
بعض الأحاديث تشير إلى أنه أعور ، شديد الصفرة ، دقيق الساعدين والساقين .
وعن سياسته الدينية ..؟
تخبرنا أنه حين يخرج ، يتظاهر بالتدين على الطريقة الأموية ، ويتمترس خلفه ، وينادي بملك أجداده الأمويين وحقهم في عرش دمشق ، ثم إذا تمكن من السلطة أعلن عداءة الهائل والفظيع في وجه الإسلام وأهل الإيمان ، فيقتل على الدين ، ويمنع الإسلام ، ويشيع الزنا والفساد والمنكرات والخبائث وشرب الخمر ، ويبالغ في ذلك ، ويعاقب على الدين والشريعة ، ويبالغ في تقوية ساعد الحرام والآثام ، حتى أنه يأمر بالمرأة في يوم الجمعة تنقل من فخذ على فخذ بين الرجال ، وأن يزني بها جهرا في الجامع الكبير في دمشق . ثم تتراوح المتون في بيان خروجه .
وعن خروجه ..؟
بعضها يشير إلى أنه يخرج من منطقة «أندرا »، وبعضها يشير إلى «الوادي اليابس »(1)، وثالث يشير إلى « بيسان » ورابع يشير إلى « فلسطين (2)»
ص: 132
وهناك خبر يشير إلى أنه يخرج من البرية . والصحيح أن هذه المتون تشير إلى مراحل و مناطق يتنقل بينها في ظل إعداده للخروج ، ويبدو من بعضها كذلك بوضوح، فهو يتنقل بين هذه الأماكن في عملية إعداد لمشروعه الإنقلابي على عرش دمشق ..
ويكون خروجه برایات حمر ، تجتمع معه « قبيلة كلب » ، وجملة من الناس ، ويدعم من الروم (1)، ومجموع قوى محلية وإقليمية ، وينادي بإرث أجداده السفيانيين و تاريخهم .. ويصر على طلب « عرش الشام » بهذا الشعار ،
يقاتل الرايات ، ويهزم حاكم دمشق ، ويسيطر على «الکور الخمس » إلا منطقة الأبدال (2)، ويقتل مخالفيه بشدة ، ويبالغ في العقوبة والتشقي والتسلط والمكابرة ، ويكثر من إهراق الدماء ، والتعذيب والإنتقام ،
أقول بموضوع فلسطين ، يبدو أن إجتماعا لافتا تقوده أو ترعاه الروم وجملةمن قوى العالم الدولي والإقليمي - تماما مثل اجتماع القوى الأفغانية قبل اجتياح أمريكا لأفغانستان والعراق - حيث تؤسس لخطة الإنقلاب على الحكم في دمشق ، وتهيئ لذلك عبر اجتماعات ذات بعد تنسيقي منه ما يقع في فلسطين . ففي وصف الإمام علي علیه السلام لجانب من مخطط القوى آنذاك بما فيها السفياني يقول علیه السلام : « .. فتجتمع رؤساء الشام وفلسطين فيقولون : اطلبوا ملك الأول ، فيطلبونه - يعني السفياني - فيوافونه في دمشق ، بموضع يقال لها حرستا ، فإذا أحس بهم هرب إلى أخواله كلب ، وذلك ادعاء منه ، ويكون بالوادي اليابس عدة عديدة .. فما يبرح حتى يجتمع الناس إليه ، وتتلاحق به أهل الضغائن فيكون في خمسين ألفا ثم يبعث إلى قبائل كلب فيأتيه منهم مثل السيل » [ عقد الدرر 99]. وتتفق الروايات على أن أكثر جيوش السفياني تتألف من عشيرة كلب ذات الأصول النصرانية .!
ص: 133
فينشر مخالفيه بالمناشير ، ويطبخهم بالقدور ستة أشهر ، لا يفرق في ذلك بين امرأة أو طفل أو شيخ ، كما تخبرنا المتون أنه يبقر بطون النساء ، ويقتل الصبيان ، ويغلي الاطفال في المراجل ، ويقظع في إشاعة الزنا والإغتصاب والفواحش ، ويعلن عداءه الشديد للإسلام ، ويعزل القرآن ، وينكره أشه إنكار ،ويقتل العلماء والزهاد ، فيشتكي من بقي منهم إلى المهدي علیه السلام لشدة ما يفعل ما تشيب منه الرؤوس ..
وعن طبيعة الجبهات ..؟
خبرنا الأحاديث أن السفياني والمهدي علیه السلام يتسابقان کل على جبهته ، فيسيطر هذا على ما يليه وذاك على ما يليه ، إلى أن تقع بينهما الحرب الفاصلة قرب بحيرة طبرية ..
وتشير الأخبار إلى أنه في آخر « فتنة بلاد الشام » ينحسر الفرات ، أو ينكشف عن جزيرة من ذهب ، أو كنز من ذهب باختلاف الألفاظ ( ثروة جوفية عظيمة ) عند منطقة « قرقيسيا » التي تقع في المثلث السوري التركي العراقي ، في حين طائفة أخرى تخبرنا عن هذه الحرب بصفة أنها حرب على « مال » ، إذا هي حرب على ثروة جوفية في غاية الأهمية . وتعبير « ذهب » قد يكون مقصودا بمعناه المعهود، أو قد يكون إشارة تاريخية رمزية إلى ثروة جوفية غالية القيمة ، المهم أن النصوص تحدثنا عن حرب على مال عظيم ينكشف عنه الفرات ، ما يستدعي قيام حروب هائلة بين معسكرات كثيرة تختلط فيها الرايات الحربية الإقليمية والدولية ، مثل راية
ص: 134
العباسي العراقي ، والمرواني الدمشقي ، بالإضافة إلى المغربي ، ثم راية الروم والترك ، والسفياني بعد انقلابه وسيطرته على عرش المرواني في دمشق .
تحدثنا عن حرب هائلة ، ومعارك ضارية تقع هناك ، وقتی بشکل ضخم فيقتل تسعة أعشارهم ، واللافت أن « الأحلاف » في تلك المعركة تنهار بشكل ملحوظ ، فيقاتل السفياني الروم والترك ، وينتصر عليهما في تلك المعركة ، لكن الكنز أو ذلك المال الجوفي المهم جدا لا يكون لأحد منهم . يبدو لأسباب تتعلق بموازين الحرب والردع وعدم التمكن من تنقيبه والسيطرة عليه ..
وتذكر رواية أخرى خطوطا « معقدة » للحرب آنذاك ، حيث تكون المنطقة تحت ضغط عسكري دولي - إقليمي رهيب ، تلك الرواية تشير إلى أن « معركة قرقيسيا » تكون عند نزول الروم فلسطين ، والترك الجزيرة [ أي العراق ] ، فيما السفياني يقوم فيغزو العراق ، فيب جيشه بغداد ، وبابل والكوفة ، ويسيطر على قسم واضح من العراق ، ويقاتل جيش أهل المشرق في العراق ، حتى يرجعوا إلى الأراضي الخراسانية ، فيتبعهم إليها فتقع بينهم « معركة فاصلة » ينتصر فيها أهل خراسان بقيادة شعيب بن صالح (1).
ص: 135
إذا خريطة الحرب في منطقة «الشرق الأوسط » تكون في أضخم حالاتها ، الروم ( قوة دولية ضخمة ) تنزل فلسطين بقواتها العسكرية ، فيما الترك ( قوة دولية أقل من الروم ) يزحفون نحو العراق (1)، في حين الجيش الخراساني ، يكون قد خرج من بيت المقدس على أثر حرب يشارك فيها أطراف دوليون وإقليميون ..
أما الحجاز ..؟
فتكون تحت ضغط هائل من الإنقسام السياسي ، بل العسكري والأمني ، لفراغ أو هشاشة أو اختلاف على السلطة ، ينتهي بمجزرة رهيبة في منى ، ثم يؤول الأمر إلى الأسوأ ، ولصالح نفوذ السفياني على الحجاز أو بعضه .
أما الشام ..؟
فتنوء - حسب النصوص - تحت وطأة حرب هائلة ، تتعدد فيها الرايات والمسارات ، روایات مجتمعة تحدثنا عن قتال السفياني ، للأبقع ، والأصهب ، والحسني (2)( راية حسنية تكون في الشام ) ، والراية المغربية ، وعن قتال لقوة خراسانية تكون هناك ، ثم تحدثنا عن جيش السفياني يقاتل
ص: 136
في العراق ضد العباسي ، ثم ضد الترك والروم، ثم ضد الخراسانيين .. ويبدو أن « حرب الثروة » في قرقيسيا تتطور إلى حد أن الأطراف الإقليميين لا يستطيعون حسم الأمر وإنهاءه ، أو أنهم جيوش تابعة لقوی کبری تصر على موازین و منافع محددة ،
لذلك : مع اختلال الميزان المصلحي ، وفي لحظة حرجة، تزحف جيوش الترك إلى العراق ، و كذلك جيوش الروم ، وتقع معارك ضارية ، تتفانى فيها الجيوش ، فيموت من كل عشرة أشخاص تسعة ، ولا يحصل أي واحد منهم على تلك الثروة الضخمة .!
وعن الزمن التقريبي لتطور العلامات التي تنبئ بظهور المهدي الظهور العام ..؟ تذكر الأحاديث أن « شعیب بن صالح » ( القائد العسكري الخراساني ) يهزم جيش السفياني في منطقة « اصطخر » الإيرانية في معركة ضخمة ، عندها يرسل السفياني جيشا آخر إلى الحجاز ، لقتل المهدي علیه السلام بعد علمه بظهوره في المدينة المنورة الظهور الخاص ، فيحتلها ، ويكون المهدي علیه السلام قد خرج منها مع جملة من الهاشميين ، فيهتك الجيش حرمة المدينة ، ويستبيحها ، ويقتل كل من وجد فيها من الهاشميين أو أتباعهم ، ويهرب قسم من الهاشميين وأتباعهم في البيداء ، ويطلبون الجبال .
بعض المتون تشير إلى أنه يهرب منها أهلها في الصيف ، ويجتمع الفارون منه إلى المهدي علیه السلام في مكة . عندها يأمر السفياني جيشه بدخول مكة فيطلبونها ، ويزحف جيشه عبر البيداء ، وهناك يقع الخسف ، فهم «
ص: 137
جیش الخسف(1)» الذي أخبر به النبي(2) صلی الله علیه و آله .. إذا حروب السفياني وقوته التي تدوم من أول أمره 15 شهرا ، فيما سطوة من أصل هذه المدة تكون 9 أشهر(3)،
على أن أصل ظهور السفياني حتى جيش الخسف ، يكون علامة على الظهورالخاص للمهدي علیه السلام والذي يدوم لأشهر ، فيما الخسف نفسه ، يشكل علامة على بدء مرحلة الإعلان العام عن الظهورالشريف(4).
ص: 138
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن السفياني يكون حليفا ( تابعا للروم )، فيما يجمعه ظرف « المصالح » أحيانا مع الترك ، لكنه في الأصل تابع للروم ، عدو للإسلام ، متنکر لأهل الدين والإيمان . وأنه عبد مصالحه ، لذلك لا شيئ عنده مقدس ، حتى الروم ينقلب عليها . تحدثنا بعض المتون عن قتال السفياني للترك ، ثم عن قتاله للترك والروم ، بقرقيسيا. وهذا يعني تصدع الأحلاف ، وانهيارها أمام حرب الثروات والمصالح التي تقع في قرقیسیا ..
واللافت أن النصوص تشير إلى خروج سفیاني « أول » ثم سفياني «ثاني » وهو المخصوص في بيانات النصوص . السفياني الأول ، مجرم کالسفياني الثاني ، يقتل النساء والأطفال ، يلغو في الدماء ، لا يفرق بين أحد ، همه قتل آل محمد وشيعتهم ..
ويكون خروج « السفياني الثاني » بعد معركة عنيفة تقع بين العباسي العراقي والمرواني الشامي ، تقول النصوص : « إن لولد العباس والمرواني الوقعة بقرقيسياء ، يشيب فيها الغلام الحزور ، يرفع الله عنهم النصر ، ويوحي
ص: 139
إلى طير السماء وسباع الأرض اشبعي من لحوم الجبارين ، ثم يخرج السفياني »(1).
وفي متن آخر عن أبي جعفر علیه السلام أنه « إذا ظهر السفياني على الأبقع والمنصور اليماني (2)، خرج الترك والروم ، فظهر عليهم السفياني »(3). ما يعني أن السفياني يملك من القوة والجند وأدوات القهر والحرب ، ما يستطيع معه قتال كل هذه الفرق ، في أوقات محددة ، وضمن مدة قصيرة ، إلا أنه يتعرض لهزيمة كبيرة من « اليماني » في معركة فاصلة . النصوص تصف اليماني بأنه كاسر عين السفياني ، أي هازمه و قاسم ظهره . ويبدو أن هذه المعركة معه تكون الأخيرة.
على أن مدة حكم السفياني وتسلطه لا تتجاوز مدة حمل امرأة (4). وعندها يزحف المهدي علیه السلام من الحجاز ، يخبرنا النص أن المهدي علیه السلام يسيطر على دمشق ، ويبايعه السفياني ، لكنه يرتد عن بيعته ، ثم يتجهز لقتال المهدي علیه السلام . إلى أن يقتله المهدي في القدس أو في الشام . وفي متون واضحة أنه يقتله بعد معركة طبرية .. فإذا انتهت جبهة السفياني ، انضمت بلاد الشام إلى الحجاز واليمن والعراق وخراسان وغيرها لتشكل دولة
ص: 140
المهدي علیه السلام . وتكون تلك النواة الأولى لدولة المهدي العالمية . وتؤكد الأخبار أن المهدي علیه السلام يتخذ الكوفة عاصمة دولته المباركة .
يبدو من بعض المتون أن الروم رغم فسقها وفجورها وشدة فسادها وقيادتها لمعسكر الزندقة والآثام ، تظل تختبئ وراء الصليب بهدف تعبئة الغرب وحلفاءه لحرب ضروس ضد الإسلام بقيادة المهدي علیه السلام. ومع بیان الحجج الإلهية على يد المهدي صلی الله علیه و آله، فإنها تلجأ للسيف ، والتضليل الإعلامي ، والشعوذة وغيرها ، في محاولة منها للتدليس على الناس .
ومن تلك الحجج أن المهدي علیه السلام يستخرج أسفار « التوراة والانجيل » من جبال الشام ، ويدعو إليها اليهود والنصارى ، كما يستخرج التوراة ، وعصا موسى ، ومائدة سليمان ، وتابوت السكينة من انطاكية ويحتج بها على الدنيا من أتباع الفريقين . فتقابلة الروم وحلفاءها بحملة إعلامية كبيرة ، بهدف إبطال أمره ، وتظل المقار السياسية لروما وحلفاءها تضغط الناس باتجاه الحرب إلى أن تقع في فترة حاسمة.
على أن بلاد الشام ، بالإضافة إلى الحجاز والعراق واليمن و خراسان ، والأطراف ، تكون كلها تحت سلطان المهدي علیه السلام ، وهذا ما يثير الروم التي جهز جيشا كبيرا بهدف القضاء على دولة المهدي علیه السلام ،
ص: 141
وتقع « المعركة الكبرى » الموعودة بين المهدي علیه السلام والروم ، على أثر قتل السفياني ، وبعد هدنة بين الروم والمهدي علیه السلام بل بعد غزو مشترك بين الروم والمسلمين ضد الترك ، ثم تغدر رومية ، وتقتل فئة من المسلمين يستبسلون في قتال الروم في لبنان ، ثم تجهز جيشا كبيرا في بلادها ، فينزلون ما بين عکا وصور ، و تكون معركة عنيفة جدا ، تزحف فيها قوات الروم بقدارتها القتالية وأساطيلها الحرية للقضاء على دولة المهدي علیه السلام في أول أمرها . لكنها تفشل في ذلك فشلا ذريعا.
أما حصار الدجال للمسلمين في الشام ، ونزول النبي المسيح علیه السلام شرقي دمشق ..؟ فهذا الحدث يقع بعد مدة من هزيمة الروم في عقر عاصمتها العالمية ، أي في الغرب ، وليس بعد «الملحمة » في الأعماق ( ناحية حلب أو بلاد الشام ، أو الجزيرة العربية )(1) ، كما لا يكون ذلك بعد فشل حملة الروم التي تمتد ما بين عکا وصور ..
إذا ، الدجال يخرج بعد مدة(2) من دخول المهدي علیه السلام وجيشه الكبير إلى الغرب الرومي واحتلال تلك البلاد الظالمة ..
ص: 142
-فلسطين في آخر الزمن :
شكل فلسطين مهدا لجملة من الأحداث ، بل بعض الأحيان تكون سببة لحرب إقليمية ، أو جزء من سبب حرب إقليمية كبيرة . وتحدد النصوص أمرين أساسين :
الأول أن الخراساني بعد حرب كبيرة ، يفتح بیت المقدس . إلا أنه لا يبقى فيها ، فينسحب بعد فترة من المعارك الضارية ، بالأخص بعد مهاجمة الترك لبعض الأراضي الخراسانية .
الثاني أن المهدي علیه السلام يحرر بیت المقدس إلى الأبد . ويعلنها أرضا مقدسة مفتوحة لأهل الدين والإيمان . وقد وردت أحاديث عديدة في فضل المسجد الاقصی و بیت المقدس ، وأن تلك الناحية من القرى المحفوظة ، ويبدو واضحة على الأقل أنها تعني بذلك حفظها من دخول الدجال وسطوته إليها ، وأن المهدي علیه السلام يكون فيها ، في لحظة يبدو من طائفة مروية أنها حرجة ، حيث يهاجم جیش الدجال بعض أراضي دولة المهدي علیه السلام فجأة ، ويعلن حربا كبيرة على دولة المهدي في منطقة الشرق الأوسط ، أو على الشريط الخليجي المتصل ببعض الحجاز وبلاد الشام . من يقرأ النصوص يجد أن الدجال يصر على دخول بلاد الشام ، أو بالأحرى القدس ، نعم هو يحاول دخول مكة والمدينة فيفشل ، فيوجه جيشه نحو
ص: 143
فلسطين . ولقد أخبر النبي صلی الله علیه و آله المسلمين منذ المن الأول بفتح فلسطين ، وبشر بذلك ، مؤكدا أنه يأتي زمان عليها ، يكون فيها خيار عباد الله تعالی . وقد أوضحت النصوص ذلك ببيانها أن المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف هو الذي يكون فيها، في تلك اللحظات الحرجة من الهجوم الكبير الذي يقوده الدجال وحلفاءه ..
لذلك : أول معارك المهدي الكبيرة تقع مع السفياني وجبهته ، ومع هزيمة السفياني ، تتحرك الروم ، وتقع جملة من معارك ، تنتهي بهدنة، ثم تنقلب الروم وتغدر ، فتقع معارك شديدة بينها وبين دولة المهدي علیه السلام ، منها معركة الغدر التي يغدر فيها جيش الروم في لبنان ، ثم المعركة التي تمت فيها أساطيل الروم ما بين صور وعکا (1)، ثم ملحمة « الأعماق الكبرى » في بلاد الشام أو الجزيرة ، إلى أن تقع « المعركة النهائية » مابین جیش المهدي علیه السلام وجيوش الغرب ، في عقر دار الغرب ، وتنتهي بهزيمة هائلة ونهائية في جانب الروم . نعم تقع معركة كبيرة مع جبهة الترك. النصوص تخبرنا بأن الترك يهزمون على يد المهدي علیه السلام . ويكون ذلك قبل زوال جبهة الروم . وفي بعض المتون إشارة إلى حروب « فرعية » مهمة ، لم تحدثنا النصوص عنها بالتفاصيل، لكنها أشارت إليها وإلى انتصارات المهدي علیه السلام.
ويكون خروج الدجال بعد مدة من هزيمة الروم . هذه المدة روایات حددتها بأشهر ، وأخرى حددتها بسنوات ، وهي إما ترميز ، أو
ص: 144
إشارة إلى وثبات أو محاولات أو تقطيع في الرواية أو اشتباه أو تصحيف ، وإلا فإن الصحيح كما يبدو هو سنوات وليس أشهرا ..
المهم أن جبهة الدجال تخرج بعد مدة من هزيمة الروم ، وبذلك تخبرنا المتون عن تجمع فلول الروم ، وجملة أخرى من الجبهات الفرعية تحت جبهة الدجال الذي يخرج من شرقي أوروبا أو بعض نواحي آسيا الوسطى أو جنوب آسيا ، أي من منطقة دول الإتحاد السوفياتي السابق (1).
ويظهر أن جبهته أول الأمر تكون قوية وقادرة ، تستطيع - وفق بعض الروايات - اجتياح قسم من مناطق الشرق الأوسط التي تكون تحت سلطان المهدي علیه السلام ..
ويبدو واضحا أن القدس تتألق في ذلك الزمن . لذا تحدثنا بعض الأخبار عن فضل القدس وبعض مناطق فلسطين ، مؤكدة أنه يأتي زمان تكون فيه بسطة قوس من أرض بیت المقدس خيرا من الدنيا ، وكذا نابلس . إشارة منها إلى الشأن الذي تصل إليه .
ص: 145
وفي متون أخرى تركز على ما يؤول إليه الأمر في بعض الأوقات بعصر الغيبة من طغيان يصب على فلسطين ، ثم تشير إلى أهل الحق الذين يجتمعون على راية الخراساني من قبل ، ثم راية المهدي علیه السلام ، في وجه الطغاة الذين يكون آخرهم الدجال . فقد ورد التأكيد على « الرباط » في عسقلان ، كما ورد أنه لا تزال طائفة ثابتة على الحق في بيت المقدس وما حوله . إشارة إلى أحداث مختلفة ، فالرباط ، في وجه العدو يكون بمواجهة اليهود أول الأمر ، ثم تفتح جيوش الخراساني بیت المقدس ، وتقع معارك ضارية ، تقودها اليهود والروم والراية المغربية ثم السفياني بوجه الخراسانيين ، وتنتهي بخروج الخراسانيين من بيت المقدس ، أي من فلسطين (1)، بعد دخول الترك مع هذا الحلف الإقليمي الدولي ، بوجه أهل خراسان ، فتهاجم فجأة أراضي خراسان ،عندها يزحف الجيش الخراساني إلى بلاده ويخوض أكبر ملاحم التضحيات للدفاع عن أرضه ، ويكون ذلك
ص: 146
في فترة تبدأ فيها ارتسامات معالم الظهور القريب جدا للمهدي علیه السلام .. إلا أن الترك يعانون من القدرة الخراسانية في الدفاع عن أرضها ، لذلك تحدثنا النصوص عن زحف الترك من الأراضي التي يحتلونها في إيران نحو العراق ، طمعا في السيطرة على ثروة قرقيسيا . وهروبا من المأزق الإيراني .
وهناك تقع الملحمة الشهيرة التي تأكل منها طيور السماء وتهزم فيها الترك والروم فيما قوة خراسان تتصاعد إلى درجة أنها هي التي تعيد صناعة جملة من الأحداث في طول هذه المنطقة . وتحت قيادة المهدي علیه السلام تعود ثانية لتحرر القدس ثانية ، في ظل تراجع واضح جدا في نفوذ الروم والترك في منطقة الشرق الأوسط ونواحيها.
وهناك نص لافت يخبرنا أن « بیت المقدس » يعمر قبل تخریب السفياني يثرب ( أي المدينة المنورة ) . وهذا يعني فيما يحضرني من نصوص أن الجيش الخراساني الذي يحرر بیت المقدس ، يعله أرضا لكافة المسلمين ، ويقيم أمر الله فيه ، فتصبح القدس محجا لمحبي دين السماء . [ هذا احتمال تفسيري بهدف بناء صورة تتناسب وهذا الحديث الذي يتحدث عن عمارة بیت المقدس ].. .
نعم النصوص تؤكد أن المهدي علیه السلام ينزل في بيت المقدس ويكون ذلك التحرير الثاني له ، بعد تحرير الخراسانيين له أول مرة ، ثم لتشير إلى أن المهدي علیه السلام هو الذي يبني بيت المقدس بناء لم يبن مثله ، ويكون حرسه اثنا عشر ألفا أو ستة وثلاثين ألفا. ومعه يصبح بیت المقدس محج أهل
ص: 147
الدنيا . واللافت ما تضمنته النصوص من أن المهدي علیه السلام يرد حلي بيت المقدس وكنوزه إليه من إيطاليا .. كما تخبرنا المتون أن فلسطين يكون فيها بعض ذخائر الأنبياء علیهم السلام وأن المهدي علیه السلام يستخرج « تابوت السكينة » من بحيرة « طبرية » ويوضع أمامه في بيت المقدس ، فيسلم على يده كثير من اليهود .
اللافت في خطوط جبهات الحرب ، أن جبهة الهند أو جبهة في الهند، أو شبه القارة الهندية تتحرك وتعلن عداءها للمهدي علیه السلام أو انضمامها إلى محور الجبهات المناوئة للمهدي علیه السلام ، ولا نعرف تفاصيل واضحة عن حركة جيشها ، أو أفاعيلها ، لكن النصوص تخبرنا عن ظرف طارئ ، على أثره يرسل المهدي علیه السلام جيشا إلى الهند ، فيفتحها، وذلك قرب خروج الدجال .
وهذا يعني أن الجبهات المناوئة للمهدي علیه السلام بعد هزيمة الروم، تزحف نحو بعضها ، لإعلان قوة كبيرة في وجه المهدي ، ولا نستبعد أن تكون جبهة الهند ، المشروع المتقدم آنذاك لإعادة تكوين جبهة قوية ، القتال المهدي أو الإعداد لذلك ، أو إعلان الحرب بشكل مباشر .. المهم أن النصوص تخبرنا عن اصطدام بين جيش الهند و جيش المهدي علیه السلام ، وذلك بعد هزيمة الروم ، ولا ندري المدة بالتفصيل ، لكن قبل خروج الدجال ..
ص: 148
أيضا تخبرنا النصوص عن فتح الصين ونواحيها دون تفاصيل زمنية أو جبهوية ..
الأكيد - حسب مضامين المتون المروية - أن جبهات فرعية عدة ، تؤسس جبهة حرب كبيرة ، يبدو أن وجهها شرق أوروبي ، أو شرق أوروبي آسيوي لجهة آسيا الوسطى أو جنوب آسيا مثلا ، واللافت أن اليهود تكون لهم الحظوة الرئيسية في هذه الجبهة ، في حين فلول الروم والترك وجبهات فرعية أخرى كلها تنضوي تحت هذه الراية ، وتعلن « حربا كبيرة » على دولة الإمام المهدي علیه السلام
وعلى أثر تطورات كبيرة في تكوين « جبهة حرب » كبيرة بوجه دولة المهدي تعلن راية الدجال حربها فجأة على دولة المهدي ، وتزحف بقوة نحو قسم من أراضي دولته فتحتل قسما منها و تتجه نحو مكة والمدينة ، فتفشل في فتحهما، عندها تقرر الزحف نحو القدس ، ويكون الإمام المهدي علیه السلام هناك ، في تلك اللحظات التاريخية ، وقد يكون وجوده هناك لأسباب تتعلق بإدارة العمليات العسكرية وشبهها .. ويظهر في المخطط العسكري أن القضاء على المهدي يعني قضاء على دولته ، فيزج الدجال بكل قدراته الحرية للقضاء على المهدي ودخول بیت المقدس ، وهذا ما يفشل به ، على أن جيش المهدي علیه السلام آنذاك يكون منتشرا في الغرب وفاتح له ، لكن مخطط الدجال یرکز على هدف كبير، يتلخص في القضاء
ص: 149
على المهدي علیه السلام خاصة أن جيشه منتشر بنسبة كبيرة في الغرب والمناطق الواسعة التي فتحها ، لذا ، فإنه ينقض فجأة على المنطقة الممتدة في شريط يمر عبر بعض الأراضي الإيرانية ، نزولا نحو بعض دول الخليج ، وصولا إلى أراضي الشام ، فالحجاز ، ثم محاصرة بیت المقدس طلبا للمهدي علیه السلام ..
تشير بعض النصوص إلى أن تلك اللحظات السريعة تكون حرجة ، لكنها غير مستحيلة ، وتؤكد أن جيش المسلمين في القدس وفلسطين يصمد بقدرات هائلة ، حتى يعجز الدجال عن التقدم نحو مراده .. إلى أن تحدثنا عن نزول النبي عيسى المسيح علیه السلام على المهدي علیه السلام بيت المقدس عند الفجر ، في وقت يكون فيه المسلمون عند نزوله يقاتلون الدجال بإمامة المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف ..
وعلى الأثر ، ودون سرد للتفاصيل، تؤكد بعض المتون المروية أن المسيح علیه السلام يقود جيش المهدي علیه السلام فيفرق جبهة الدجال ، ويمزقها تمزيقا ، حتى أنه يذيب الدجال تذويبا .! تعبير ، ربما لا نجد مثيلا له اليوم إلا في الحرب الهيدروجينية ، وهذا لا يعني التماثل بالضرورة ، لكن النص یحدثنا عن أن الدجال يذوب ذوبانا ، ويقع القتل باليهود ، ويبدو من الأخبار المروية أنهم يكونوا منتشرين في مواقع قتالية ، فيفرون بشكل مخيف من تلك المعركة ، لكنهم يكشفون ، حتى الحجر يقول : يا مسلم ، هذا يهودي فاقتله . على الأقل : في هذا إشارة إلى انکشافهم ، وانهيارهم ، وافتضاح أمرهم وهزيمتهم النكراء ..
ص: 150
الحجاز مهد النبوة العظمى ، والرسالة الخاتمة ، ففي مة بعث الله محمد نبيا ، وفي المدينة أسس رسول الله صلی الله علیه و آله دولة الإسلام المباركة، ومنها توسعت الهداية إلى أنحاء المعمورة ..
وستكون الحجاز مهد أعظم نبأ في آخر الزمان ، حيث يتم الإعلان عن الظهور العام للمهدي المنتظر عجل الله تعالی فرجه شریف . أيضا تخبرنا الأحاديث عن أن المدينة المنورة ستشهد الظهور الخاص للمهدي علیه السلام والذي يدوم لأشهر ، ربما 11 شهرا ، يتردد خلاله بين المدينة ومكة(1) ، إلى أن يتم الإعلان العام عن ظهور المهدي علیه السلام والبيعة العامة له ، وذلك بعد وقوع الخسف بجيش السفياني في بيداء المدينة ..
إذا ، التاريخ يحدثنا عن مكة والمدينة كموقعين كبيرين ، ففي المدينة المنورة الظهور الخاص للمهدي علیه السلام، وفي مكة المكرمة الظهور العام للمهدي علیه السلام والإعلان « الأعظم » عن بيعة المهدي في ذلك الزمان وبدء المرحلة التاريخية الكبرى .. ومن تلك العلامات على ظهوره علیه السلام : عمود من « نار » يطلع من قبل المشرق في شهر رمضان ، ربما إشارة إلى
ص: 151
حرب ضروس ، أو أثر من لهيب عسكري كبير ، المهم أن نارا تطلع من المشرق ، من الحجاز ، وتكون علامة بينة من علامات الظهور المبارك . على أن العلامات كثيرة ، منها : موت الحاكم العباسي القوي (1)، واختلاف جماعته على الملك(2)، وانسياب الترك على أرض المسلمين ( خراسان )،
ص: 152
وخسوف و کسوف للشمس والقمر في نفس شهر رمضان على غير عادة وخلاف القانون العلمي ، وشروق الشمس من مغربها ، وقتل النفس الزكية في مكة ، وخروج السفياني ، ومذنب سماوي ، وصوت في السماء ينادي بالمهدي لك وظهوره عجل الله تعالی فرجه شریف ، وغيرها من العلامات الطبيعية والكونية والبشرية والإعجازية ..
وبخصوص نار الحجاز ..؟
يبدو أنها حدث كبير ، خاصة أن الروايات تحدثنا عن انقسام وهشاشة ، وفوضي ، واضطراب أمني وسياسي ينتهي بمذبحة في منی بموسم الحج (1). كما تخبرنا المتون عن امتناع النبي صلی الله علیه و آله عن الدعاء بالبركة النجد ، لانها يطلع منها قرن الشيطان .. واللافت ما أشارت إليه طائفة من النصوص مفادها أن الإيمان « يأرز » في آخر الزمان إلى مكة والمدينة . أرجح تفسير أن ذلك إشارة إلى ظهور المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف في تلك الناحية العظيمة ، وزحف الناس والقيادات والقوى نحو هذه الأماكن المباركة لبيعة المهدي علیه السلام. ولعل فترة سيطرة السفياني على بلاد الشام إلا منطقة الأبدال ، وانتشار نفوذه في قسم من الحجاز ، ودخوله إلى العراق ، وفلسطين ومصر ، مع إعلانه العداء الكامل للدين ومناصرته الكبيرة للمنكرات والمفاسد،
ص: 153
وزحف الترك والروم إلى قرقيسيا(1) ، لعلها إشارة واضحة إلى انحسار الإيمان ، وتموضعه في مناطق قليلة ، على أن آخر الزمان بصورة عامة يشهد انحسارا ضخما في الإيمان ، أو أن النص يرمز إلى بقاء مكة حيث الكعبة ، والمدينة حيث ضريح النبي صلی الله علیه و آله كرمز إيماني ، فيما النواحي والكيانات الأخرى على فسق و انحراف وأباطيل . أو لعل في ذلك إشارة إلى سيطرة الدجال أول أمره على قسم من النواحي ، فيما يحاصر مکة والمدينة ، ويحاول اختراقها واحتلالها للقتل والسفك والتدمير لكنه يفشل . كل هذه فيها دلالات رمزية على المعنى الوارد في لسان النبي صلی الله علیه و آله لكنها متفاوتة، والأرجح جدا الإحتمال الأول خاصة أن المهدي علیه السلام يظهر الظهور الخاص في المدينة ، والظهور العام في مكة ..
لذا فإن الحجاز تشکل زمن ظهور المهدي علیه السلام واستتباب أمره ، رمزا كبيرا لأهل الإيمان ، في عالم مضمحل من أهل الدین ، متکثر بأهل الفسق والفجور إلا من قلة على مذهب أهل الحق وأتباع المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف ..
خط الأحداث أول الأمر يشير إلى محطات ملتهبة ، منها أن أهل الحجاز ( سلطة مكة ) يقتلون « النفس الزكية » التي تغضب لها السماء ، وتكون النفس الزكية الهاشمية من أهم أنصار الإمام المهدي علیه السلام ، ويكون
ص: 154
صاحبها رسول المهدي علیه السلام إلى القوم ، فيأخذونه ويذبحونه ذبحا بین الركن والمقام . هذا يحصل قبل الإعلان العام عن ظهور المهدي ، خاصة أنها تتم مراسلات بين السفياني وحاكم مكة ، وكذا بين السفياني وحاكم المدينة .
وفي مراسلة بين السفياني وحاكم مكة يأمره أن يأخذ المهدي علیه السلام فيقتله . إلا أن سلطة مكة لا تتمكن من المهدي علیه السلام . لذا فإنها تأخذ رسول المهدي فتذبحه ..! ويكون ذلك قبل الإعلان العام عن بيعة المهدي علیه السلام بأربعة عشر يوما .
كما أن جيش السفياني يدخل المدينة المنورة فيهتك حرمتها ويستبيح قداستها ، ويفتك ببني هاشم وأتباع أهل البيت علیهم السلام فيهجرها أهلها .. وهذا يعني كما يظهر أن ذبح الحسني ، يقع قبل الخسف بجيش السفياني الذي يخرج من المدينة نحو مكة لقتل المهدي علیه السلام . كما تخبرنا المتون بوضوح إلى أن فراغ أمنيا ، سياسيا ، يقع في الحجاز ، وأن فريقين نافذين ينقسمان هناك ، في خلاف على حكم أو على طبيعة حكم ، وتبدو الحجاز ضعيفة السلطة ، منقسمة على نفسها ، في ظل اضطراب صامت ، وهشاشة واضحة ، فإذا جاء النبأ بموت الخليفة ، وقع اصطدام عسکري دموي في منی بموسم الحج.
وهنا يقع الإشتباه بأنه أي خليفة هو الذي يموت .؟ خليفة العراق أم خليفة الحجاز .؟ ومهما يكن من جواب ، وإن كان يبدو من طائفة أن موت
ص: 155
«الحاكم العراقي » له أثر ونتائج كبيرة ، إلا أن قراءة نصوص ما يجري في الحجاز تؤكد: إماموت خليفة ، أو شبه ذلك ، أو انقسام سلطوي أمني سیاسي ، يؤدي إلى إضعاف الفريقين ، المهم أن النصوص تخبرنا أن الحجاز تكون هشة ، ضعيفة ، منقسمة على نفسها ، فما أن يأتي الخبر بموت ذلك الخليفة حتى تقع معركة دموية في منی من موسم الحج . بين فريقين ، بعض المتون عبرت عنها با « قبائل الحجاز » لتشير إلى صراع على السلطة بين الأفخاذ مثلا ، ويمكن جدا أن يكون الصراع على السلطة لأسباب مختلفة غير موت حاكم ، مثل استضعاف الحاكم أو الإنقلاب عليه ، أو الإنقلاب على أطروحته أو الوقوف بجنب السفياني أو قوة إقليمية أخرى ، خاصة أن النصوص تحدثنا عن نفوذ متزايد للسفياني في الحجاز أول أمره ..
نعم ، الخلاف في الحجاز والهشاشة والإنقسام يظل مستمرا حتى يقع النداء السماوي باسم المهدي علیه السلام ، في حين يبعث السفياني بجيشه إلى المدينة ليقتل المهدي ، فيخرج المهدي مع جملة من الهاشميين والخواص إلى مكة ، عندها يأمر بجيشه أن يتابع زحفه نحو مكة ، فيقع به الخسف في بیداء المدينة كما أخبر النبي صلی الله علیه و آله .
وبذلك يضعف نفوذ السفياني بشدة في الحجاز ، ويتم الإعلان عن الظهور العام للمهدي عجل الله تعالی فرجه شریف كما تتم البيعة للمهدي في مئة دون إهراق محجمة دم .. ما يعني انهيارا سريعا للسلطة الأمنية في مكة . وعلى أثر الإعلان عن ظهور المهدي علیه السلام تتأسس جبهة المهدي الحجازية وتزحف
ص: 156
القوى والأنصار من الأطراف لبيعته علیه السلام والإنضواء تحت رايته . على أن هناك رواية تقول بأن المهدي علیه السلام يتوجه من الحجاز حتى يستوي على منبر دمشق .
وهنا يبقى النقاش :
هل يدخل دمشق قبل دخوله العراق ، أم العكس .؟ يبدو من لسان طائفة مروية أنه علیه السلام يدخل العراق ومنها يقصد دمشق إلا أن يتم الجمع مع المتون التي تقول بأن السفياني يبايعة بعد الزحف ثم ينكل بعد ذلك .. وفي الحجاز يحاول فريق معاد للمهدي علیه السلام أن يقاتله ، ويعمد إلى ذلك بهدف القضاء على المهدي ، فيقضي المهدي عليهم . على أن لسان طائفة مروة يشير إلى تواطئهم أو نزولهم على حكم السفياني أو الإنتصار له . المهم أنهم أعداء آل محمد وناصبون العداء والحرب في وجههم، لذلك يحاولون القضاء على جبهته بأول مهدها ، فيقاتلون المهدي علیه السلام فيقضي عليهم. .
وبعد صفاء مكة والمدينة والحجاز على أمر المهدي المنتظر علیه السلام تخبرنا الأحاديث أن أهل المدينة المنورة يشاركون مع جيش المهدي علیه السلام في الملحمة الشهيرة مع الروم ، كما يقاتل قوم منهم الدجال . ومع نهوض دولة المهدي علیه السلام التي تمت أول أمرها ، من الحجاز ، فاليمن ، والعراق ، وخراسان ، وصولا إلى بلاد الشام والنواحي والأطراف ، تعود أرض العرب مروجة وأنهارة ، خاصة ما بين العراق ومكة ..
ص: 157
تشكل « اليمن » في لحظة تاريخية ، جزءا من جبهة المهدي علیه السلام ، كما يشكل اليماني میزان قوة وثبات ، وقدرة على الفتك بالسفياني وغيره من رايات الجور والظلام . وقد وردت عدة أحاديث في مدح أهل اليمن ، والثناء على اليماني ، على أن النصوص لا تحدثنا عن راية يمنية تاريخية أو دولة سابقة ذات ولاء لآل محمد، كما هي راية الخراساني ، فالراية الخراسانية قديمة ، ولها جذور وحضور ، مشهورة بولاءها لآل محمد علیهم السلام ، ما يعني أن الراية اليمانية تقوم فجأة ، أو تتهيأ بسرعة ، تعلن ولاءها لآل محمد عبر اليماني الذي يفيض حب وولاء لآل محمد ، ويقود راية اليمنيين(1).
ويبدو أن شيئا من العلامات الكبيرة التي تشير إلى قرب ظهور المهدي علیه السلام ، فضلا عن ارتسام علامات الظهور المهيبة، مثل النداء
ص: 158
السماوي من قبل جبرائيل بظهور المهدي علیه السلام الذي يقع في شهر رمضان ، فيما الظهور المبارك يقع في شهر محرم من نفس العام ، كل هذا يساعد اليماني على تشكيل جبهة ولاء لآل محمد (1)، تعلن تفانيها في جانب أهل البيت(2) علیهم السلام .
بعض المتون تشير إلى أن اليماني الذي هو من خواص أصحاب المهدي علیه السلام يكون على اتصال بالمهدي علیه السلام وقت ظهوره الخاص ، وأنه هى ذلك الجيش وينظمه بأمر من المهدي علیه السلام، ما يعني أن القائد الفعلي لذلك الجيش هو المهدي لكن بطريقة غير مباشرة عبر اليماني(3).. بعض المتون تحدثنا عن أن « المهدي علیه السلام » واليماني والسفياني يخرجان في عام
ص: 159
واحد في شهر واحد. وهذا يقوي مضامين النصوص التي تؤكد صلة اليماني المباشرة بالمهدي زمن الظهور الخاص (1). وعليه : الأحادیث تمدح اليمنيين الذين يعلنون ولائهم للمهدي علیه السلام ، ويشير بعضها إلى أن من « الابدال » عصائب بساحل اليمن ، تكريما لهم ، وإشارة إلى عظيم دورهم في تلك اللحظة التاريخية(2).
بعض الأخبار تحدثنا عن أن « نجران » من القرى المباركة المحفوظة ، وأن اليماني يكون من أنصار المهدي علیه السلام، وأنه كاسر عين السفياني(3)، وأنه يخوض جملة من معارك رئيسية . ويظهر من بعض المتون أنه يلتحم مع الخراسانيين في معركة ضد جيش السفياني فيمزقونه تمزيقا(4)،
ص: 160
كما يخوض اليماني(1) من جهة سوريا أو النواحي الأخرى ، والخراساني من جهة أرض خراسان معركة فاصلة لفتح العراق ويكون لهما ذلك . وتخبرنا بعض المتون أن المهدي علیه السلام يكون له نسبة في اليمن ، كإشارة إلى زواج من أهل اليمن مثلا بعد ظهوره أو ما هو يخدم هذه الرمزية وشبه ذلك .
أما ما أشارت له بعض الأخبار من أن المهدي علیه السلام يخرج من قرية يقال لها « کرعة » أو كريمة ، فيبدو واضحا الإشارة إلى أن المهدي علیه السلام ربما يتردد إلى اليمن في عملية غير معلنة أول أمره ، أي زمن الظهور الخاص الذي يدوم لأشهر ، وذلك أثناء بناء جيش اليماني الذي هو جيش المهدي (2)علیه السلام .. على أن الظهور الخاص للمهدي علیه السلام الذي يدوم لأشهر يكون في المدينة ، يتردد فيه المهدي علیه السلام بين المدينة ومكة ، ويستفاد من متن آخر تردد المهدي إلى قرية في اليمن ، وفي بعض المتون أنه يتردد إلى الطائف ، والظهور العام علیه السلام عليه يكون في مكة ، كما أن البيعة العامة له
ص: 161
تكون في مكة . أما ما يشير إليه متن ضعيف من أن القحطاني يحكم بعد المهدي علیه السلام معناه أنه يبقى حيا في صف القيادة إلى ما بعد المهدي علیه السلام ، إلا أن النص ضعيف السند . فيما الحكم العام إنما يكون لأهل البيت علیهم السلام خاصة أن النصوص تفيد أن الرجعة أو بواكيرها ، تقع في زمن المهدي علیه السلام أي في آخر عمره الشريف ، ما يعني أن « الحكم» يظل في الأئمة والأنبياء علیهم السلام .
فيما بعض المتون تحدثنا عن أن اليماني ، « عماني » وانه يفتح مدينة الروم ويقتل قريشا . أقول : إذا كان المقصود في أنه « عماني » رمزية ما، تنشأ من الأحداث والوقائع فلا بأس بذلك ، فالنسبة إلى الأحداث والوقائع والصنائع كثيرة في لسان العرب وقانون الإستعمالات في العربية . ما يعني أن في هذا إشارة محددة إلى رمزية خاصة ..
وعن فتحه لمدينة الروم وغير ذلك ، النصوص صريحة جدا في أن المهدي علیه السلام هو الذي يفعل ذلك ، وأن اليماني يكون في قيادة ذلك الجيش ، وتخبرنا النصوص أن جيش الخراساني واليماني يخوضان حربا هائلة في فتح الروم تحت قيادة المهدي علیه السلام ..
ويبدو واضحا من النصوص ، أن اليماني ، يظهر في سنة ظهور المهدي علیه السلام ، ويكون مقربا جدا منه ، بل مطلعا على ظهوره الخاص ، متصلا به ، وقد وردت حول اليماني أحاديث صحيحة من طرق أهل البيت علیهم السلام كما أكدت طائفة أخرى أن قوما من أهل اليمن يقاتلون الدجال ،
ص: 162
وذلك بعد هزيمة الروم ، فضلا عن جملة من الأحداث تقع بين هزيمة الروم وخروج راية الدجال التي تتكون كما يبدو من مجموع جبهات فرعية مناوئة للمهدي علیه السلام ..
تخبرنا الأحاديث عن حاكم عراقي قوي ، بطاش ، معاد للإسلام، تمكن من عرشه ، ظالم ، معلن العداء للخراسانيين ، قادر على حماية دولته واستقرار سلطانه . واللافت أن طائفة أخرى تشير ما قبل الظهور إلى العراق وكأنه كيانات إدارية ذات صلاحيات واسعة ، أو فيدراليات ، أو خريطة طوائف ، وشبه ذلك ، مما قد يستفاد من مضامين الأخبار (1)..
ومهما يكن من أمر ، فالنصوص تحدثنا عن حاكم عراقي ، يبدو أن نسبه يعود إلى العباسيين أو أي رمزية أخرى ذات صلة بهذا المعنى ، فيما دولة تكون في آخر الزمان(2)، أي رايته ليست الراية العباسية الأولى التي خرجت ومضت في التاريخ(3). النصوص صريحة جدا في التفريق بين
ص: 163
الرايتين ، لتؤكد أن راية العباسيين الثانية تكون في آخر الزمان زمن غيبة المهدي ، وأن موت الحاكم العباسي القوي ( عبد الله ) علامة قريبة على ظهور المهدي . وأن هذا الحاكم شخص مربوع القامة ، كث اللحية ، أسود الشعر . وأن موت هذا الحاكم العراقي القوي ، يتبعه صراع عسكري بين أفراد العائلة الحاكمة على السلطة ، فتقع بينهم حروب تنهك قوة هذه الدولة وتضعفها .
ص: 164
على أن بعض المتون يستفاد منها أن شيعة العراق قبل الظهور ، يكون لهم نفود وقوة خاصة في ناحية الكوفة . ولهذا فإن السفياني يقصدهم لیدمر قوتهم (1). ولا ننسى أن العصائب العراقيين هم من أهل العراق ، وهم أصحاب راية إمامية(2).
وفي بعض العناوين ، حول العراق ونواحيه، في آخر الزمان ، تحدثنا النصوص أنه في آخر الزمان ، يملك الكفار الفراتين ، فيما من آخر يخبرنا عن خسف يصيب الزوراء والمزورة ، وهما الري وبغداد ، وأنه يكون هلاكها على يد السفياني ، أي يؤكد وقوع البلاء فيها ، بحيث يدخل جيش السفياني الزوراء ( بغداد ) ، و بابل والكوفة والغربين ،
وذلك بعد خط ملتهب من الحروب والإنقلابات والأحلاف الدولية الإقليمية ، بحيث يتوج ذلك بدخول السفياني إلى العراق بعد الضعف المثير الذي يصيب تلك المنطقة بعد موت الحاكم العراقي القوي والإقتتال المتفاقم على السلطة العراقية .
ص: 165
على أن العراق يكون في تلك اللحظات التاريخية محطا لحروب دولية وإقليمية ، فبعد انکشاف الفرات عن كنز من ذهب أو مال جوفي عظيم ، تقتل الرايات على هذا المال المهم جدا ، ويبدو من النصوص أن المعارك تبدأ إقليمية وتنتهي عالمية ، فتقع معركة عنيفة يشيب لها الغلام الحزور بين العباسي العراقي، والمرواني الدمشقي ، ثم تتوسع لتشارك فيها الراية المغربية ، وجيش الترك ، والروم، والسفياني ، و تصف النصوص تلك المعارك بأنها « ملحمة» ، لشدة القتل والإبادة والأهوال التي تقع فيها .. ويبدو بوضوح أنها « حرب ثروة » تتفاقم ، وتتوسع ، وتلتهب ، حتى يسقط في مصيدتها جملة من الأطراف الإقليميين والدوليين.
هذا فضلا عن حرب تقع بين حاكم العراق والدولة الخراسانية ، النصوص تصفها بوضوح أنها اعتداء ظالم من قبل العباسي على دولة الخراسانيين الموالين لآل محمد. بالإضافة إلى محاولات مختلفة من العباسي لنشر نفوذه في المنطقة ، خاصة في سوريا ،
هناك خبر يشير إلى نفوذ للعراق في دمشق ، بوقت من الأوقات ، نعم ، النصوص تخبرنا عن معركة شرسة تقع في الأزمان المتأخرة بين العباسي العراقي والمرواني الدمشقي .
وعلى أثر الحروب المتتالية ، وبعد موت الحاكم العراقي القوي ، والإنهاك الشديد الذي يصيب القوة العراقية بعد الإقتتال العنيف على السلطة بين أفراد النادي السلطاني ، عندها يزحف الجيش السفياني نحو العراق،
ص: 166
طمعا في السيطرة على هذا البلد، ومعلوم أن السفياني يسيطر على المحور الخمس(1)، وينشر نفوذه في الحجاز والعراق ، ومصر ، ويحاول أن يدخل بلاد خراسان ، ويقع بينه وبين الخراسانيين معركة هائلة تنتهي بنصر الخراسانيين الذين يمزقون جیش السفياني تمزيقة في منطقة اصطخر الإيرانية .
ومع دخول السفياني إلى العراق ، فإنه يفعل الأفاعيل ، ويعلن عداءه الهائل لآل محمد وأتباعهم ، ويطلب الشيعة ، ويبث الجواسيس ، ويعلن الأحكام العرفية ، ويسرف في الدماء ، بلاحد أو مانع من دين الله أو أخلاق ، ويتصدى له جیش العصب من سواد الكوفة ، ومن البصرة ، ثم نجدهم الرايات السود الخراسانية فتقاتله . على أن السفياني يقاتل « أهل المشرق » أول خروجه في دمشق ، أو في الشام ، حتى يردهم إلى العراق ، كما يقاتلهم في العراق ، في زمن محدد من لهيب المعارك وتداخل الحروب الإقليمية والأطراف الدولية، أي الترك والروم ، فيردهم إلى خراسان ، فيتبعهم ، وهناك تقع معركة « اصطخر » الفاصلة التي ينتصر فيها الجيش الخراساني انتصارا کاملا على السفياني ..
وتخبرنا الأحاديث أن جيش المغرب يدخل الحيرة أو الجزيرة | العراق ] عند خروج السفياني ، ورغم أن جملة من المضامين تشير إلى
ص: 167
قيام أحلاف ظرفية بين بعض الكيانات العربية ، إلا أن انفراط بعضها يقع بسبب اختلافات سیاسية وسلطوية مرة ، وخلافات حول « الثروة » كما هي الحال مع ثروة قرقیسیا مرة أخرى.
على أن « العصائب العراقيين » الإمامين ، يكون لهم نفوذ ، وحضور في العراق ، ورغم ما يجري عليهم من أهوال متعاقبة فإنهم يحضرون بین يدي المهدي علیه السلام زمن البيعة العامة له . بعض المتون تخبرنا أن أنصار المهدي عليه هم العصائب العراقيون ، وأن النجباء من الكوفة ، وهذا ترميز إلى قيمتهم ، فيما النصوص الأكثر تداولا واستعمالا تشير إلى أن النجباء من مصر ، والعصائب من العراق ، والأبدال من الشام . واستعمال كلمة الأبدال في الكوفيين إشارة إلى رفعتهم وميزتهم وتخصيصهم في تلك المتون التي تتحدث عن العراقيين (1)..
وعلى أثر دولة المهدي علیه السلام تعود أرض العرب مروجا وأنهارا ، خاصة بين العراق ومكة . كما تخبرنا الأحاديث أن أسعد الناس بالمهدي هم أهل الكوفة ، فالمهدي عجل الله تعالی فرجه شریف يعلن الكوفة عاصمة دولته الإلهية . ومنها يدير العالم . ويجتمع فيها كبار قادة دولة المهدي علیه السلام ، وفي المتون : يجتمع
ص: 168
كل مؤمن بالكوفة . وذلك لما تعنيه من قيمة وقداسة ورمزية في دولة المهدي علیه السلام ..
وفي خريطة الأحداث والوقائع ، لآخر الزمن ، تشهد مناطق مختلفة من العراق أحداثا جساما ، ومظاهر لافتة ، فهناك طائفة مروية تخبرنا أنه يكون في البصرة خسف وقذف ورجف ومسخ ، وأن هذه من علامات آخر الزمان ، وفي علامة لافتة جدا ، يبعث شهداء من « مسجد العشار » فيها، کشهداء بدر وأحد ، وأن الفرات يجف، وتحدث أمور مختلفة .. .
أما عما ورد من امتناع النبي صلی الله علیه و آله - كما في بعض المتون غير التامة سندا - عن الدعاء بالبركة لأهل العراق ، ونهي الله ابراهيم علیه السلام أن يدعو عليهم - برغم ضعف السند - هو إشارة رمزية إلى وجود حاكم ظالم أو دولة ظالمة أو حقبات زمنية منحرفة في تلك المنطقة ، أي إشارة من النبي صلی الله علیه و آله لظلم يطول في تلك المنطقة . لكن الأمر في النهاية - كما في النصوص - يؤول إلى أهل الحق وسلطانهم . على أن معنی امتناع النبي صلی الله علیه و آله عن الدعوة لهم بالبركة شديد الوضوح في عدم رضا النبي علیه السلام عن سلطان بغداد في أطوار مختلفة من حقباتها التي يكون فيها سلطان ظالم أو دولة باطلة ، خارجة على كتاب الله وسنة النبي وعترته علیهم السلام، أما زمن وجود السلطان العادل أو الدولة الموالية لآل محمد أو العصائب الموالين لهم علیهم السلام فهذا ممدوح في أشخاص أولئك العظماء وزمنهم وفعلهم وأخبارهم بلسان النصوص ..
ص: 169
المصر إشارات بارزة ، في جملة من الأحاديث المروية عن لسان النبي صلی الله علیه و آله وأهل بيته علیهم السلام. واللافت في أحداث آخر الزمان أن المصريين يعانون بشدة من تواطؤ حاكمهم مع الروم حيث يسلطها ولو بصورة غير مباشرة على خیرات مصر ودولتها وسلطانها وناسها عند ذلك تقوم راية النجباء المصرية « الإمامية » فتعزل ذلك الحاكم ، وتكاد أن تسيطر على عرش مصر ، ويساندها الشعب المصري في ذلك.
لا نعرف التفاصيل عن كيفية نشأة هذه النواة أو تلك الراية ، لا نعرف تفاصيل عن خطوط الإتصال بين الشعب المصري وتلك الراية المصرية الإمامية ، كل ما نعرفه أن تلك الراية تقف في وجه ذلك الحاكم المصري الذي يتواطأ على شعبه وأمته وخیرات بلاده لصالح الروم ، الذي تعرفه عبر الروايات أن النجباء المصريين يناهضون ذلك الحاكم الخائن لأمته ووطنه ، فيقف معهم الشعب المصري ببسالة ، ويساندهم ، حتى أنهم يكادون أن يستلموا الحكم لولا مجيئ الروم بقواتهم العسكرية إلى مصر لإعادة ذلك الحاكم المصري المخلوع ، بهدف إحكام السيطرة من جديد على مصر وخيراتها وموقعها وسلطانها . وفي بعض التفاصيل عن ذلك الرجل الخائن ، تخبرنا النصوص عن رجل « أخنس » يحكم مصر ، فيغلب على ملکه ، فيفر هاربا، ويأتي بالروم إلى مصر منتصرا بهم ، وذلك أول
ص: 170
الملاحم .. التي تقع في منطقة الإسكندرية .. إلا أن الروم يظهر أنها لا تستطيع حسم الأمر في وجه النجباء ، عند ذلك تستنجد بالراية المغربية ، وهي راية يبدو أنها تابعة لدولة من المغرب العربي ، رايتها صفراء ، تكون موالية للروم ، متحالفة معها، وهي من ألد أعداء رايات آل محمد وأتباعهم ، فهي تقاتل في وجه الخراسانيين ، كما أنها تزحف نحو مصر فتقاتل النجباء المصريين ، إلا أن مضامين النصوص تخبرنا بأن النجباء رغم الحرج والضيق الذي يصيبهم آنذاك ، يظلون في جيوب و مناطق ما ، من مصر ، نعم يضعف موقفهم بشدة ، حين يزحف جيش السفياني نحو مصر ، فيقوم بسياسة قتل وإبادة واغتصاب وانتهاك حرمات ، واستنزاف ، وذبح الأطفال ، ونهب الثروات ، وغير ذلك (1)..
وعن بعض العلامات عن ظهور المهدي علیه السلام .؟ النصوص تخبرنا أن المهدي علیهما السلام لا يظهر حتى يسيطر الكفار على «نیل مصر ». ثم تؤكد أن النجباء المصريين الإماميين هم من أنصاره عجل الله تعالی فرجه شریف ويظهر من لوازم المتون بوضوح أن المصريين يعلنون ولاءهم للنجباء الإماميين ، ويقفون معهم في خلع الحاكم الموالي للروم ، كما يقاتلون معهم ويتحملون آثار ذلك في وجه الروم ثم الراية المغربية ثم الراية السفيانية .. بتعبير آخر : يبدو بوضوح أن « المصريين » في فترة ما ، من ذلك الزمن ، زمن ظهور النجباء الإمامين ، يعلنون ولاءهم لآل محمد علیهم السلام . أو على الأقل: يكونون مهيئين جدا
ص: 171
الإعلان ولاءهم لهم علیهم السلام مع ظهور المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف.. وعن زمن خروج أهل المغرب إلى مصر .؟ تجيب بعض النصوص أن ذلك يقع منهم ، قرب خروج السفياني ، وتؤكد أنه قبل ذلك يخرج « من يدعو لآل محمد»، أي تخرج راية النجباء الإمامية .
واللافت أن خريطة انتشار الراية المغربية ، التي يبدو من الأخبار أنها قوية ، لا تزحف نحو مصر فحسب ، بل تدخل الشام ، يبدو لأسباب تتعلق بمشاكل في الشام أو هشاشة في الحكم أو نصرة لراية ما، أو لخلل يستدعي تدخلا عربيا من طرف ما ، لصالح طرف آخر.
لكن الصورة العامة في الشام تبدو مضطربة ، متعبة، هشة ، إلى درجة أن السلطات الأمنية لا تستطيع القيام بما يلزم ، فتقع حرب الرايات والإنقلابات . وعليه : في تلك الفترة من التعب الذي يصيب السلطة في دمشق ، يدخل أهل المغرب إلى الشام ، وحين يخرج السفياني ، يخرج وأهل المغرب في الشام ، فيقاتلهم ويردهم إلى مصر . وتخبرنا أحاديث أخرى أنه يأتي أنصار للأبقع من مصر ، فيغلبهم السفياني أيضا . وينتشر نفوذ السفياني بسرعة ، ويدخل جيشه إلى مصر ، فينتهك فيها الحرمات ويسرف في الدماء وذبح الرقاب .. وفي بعض المتون أنه إذا ملك رجل الشام ، وآخر مصر ، فاقتتل الشامي [ السفياني ] والمصري [الأبقع(1)]، وسبا أهل الشام
ص: 172
قبائل من مصر ، وذلك بعد أن ينتصر على المغاربة في الشام (1)، ثم يزحف نحو مصر فيدظها ، ثم وقع فيها حرب القتل والاغتصاب والهتك والنهب والجحود ..
وتؤكد خريطة الأحداث حضور مصر والنواحي الإفريقية في الوقائع المهمة، زمن غدر الروم . فقد ورد في الأخبار المروية : عندما تنقض الروم الهدنة مع المهدي علیه السلام ينزلون في رملة أفريقية .. ما يعني أن هذه المنطقة تظل مختبرة للأحداث في أزمان مختلفة ..
تحدثنا الروايات عن خريطة مؤلمة في آخر الزمان ، منها ، ما يقع على العرب والمسلمين من بلاء و كوارث .. لكن اللافت في طائفة مروية تؤكد فيها تعاظم الفسق والفجور بين العرب كما بين المسلمين ، في ظل نظام عالمي يقوم على الجور والفساد ، إلا قلة ممن يلتزمون الحق ويتبعونه . بل يبدو من جملة الأحاديث صفة غير حسنة لما يقوم به العرب في آخر الزمان ، إلا قلة يثبتون على هدي الإسلام.
بعض النصوص تشير إلى مشكلة نوع مثير من الضلالة تضرب أعناق العرب وتحرفها عن نور الهداية . في رواية أنس بن مالك قال : خرج علينا
ص: 173
رسول الله صلی الله علیه و آله ذات يوم فرأى عليا علیه السلام، فوضع يده بين كتفيه ثم قال : « یا علي ، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد ، لطول الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من عترتك ، يقال له المهدي، يهدي إلى الله عزوجل ويهتدي به العرب ، كما هدیت أنت الكفار والمشركين من الضلالة . ثم قال : ومكتوب على راحتيه : بايعوه ، فإن البيعة لله عزوجل »(1).
وكما ترى : النص يشير إلى هداية العرب بالمهدي ، أي إخراجهم من الضلالة ، وتثبيتهم على الإيمان ، ما يؤكد طبيعة الموقف الصعب والسقوط الذين يعم بلادهم وناسهم ، إلا قلة ممن يضحون ويثبتون على نور الإسلام ومواثيقه .. كما تحدثنا الروايات عن أن المهدي علیه السلام يملك العرب ، ويهتدون به . تأكيدا على عموم سلطانه ، وما یکون منه في إخراجهم مما هم فيه من انحراف .
على أن العرب لا يكون لهم عثر في آخر الزمن ، بل إطباق عليهم من الأمم الجائرة القوية ، فتنهب أموالهم ، وتنتهك أعراضهم ، وتذلهم كل مذلة . تقول النصوص : « إن من اقتراب الساعة هلاك العرب »(2). إشارة إلى القتل والغزو والإستعمار ، والذل الذي يصيبهم من الروم وحلفاءها وغيرها، بل من بعض الحكام الذين يحكمون بالسيف والظلم والاستبداد کما أوردت النصوص ذلك بوضوح . ثم تحدثنا الأخبار عن تجييش الجيوش
ص: 174
للقتال على ثروة جوفية في أرض العرب ، وعن غزو تلو غزوا لبلاد الشام والعراق وإضعاف الحجاز و بیت المقدس ، وغير ذلك ..
وعوضا عن ذلك ، تؤكد خلافا يدب بين العرب أنفسهم ، حيث تشير إلى انقسام العرب ، وذلتهم وحقدهم على بعضهم البعض ، وتقاتلهم ، وضعفهم ، وخشيتهم من الأمم القوية التي تتكالب فيهم ، فتقصدهم قصد الذئاب لقصعتها ، وتأكلهم أكل الذئاب لفريستها ، وهم بائسون خائفون ، واحدة تبكي قتلاها واخرى تبكي فرجها ، وأخرى تتمنى أن تكون مكان الأموات لهول ما ترى من موت ونار ودمار وسبي وقتل واغتصاب وإبادة .
وتؤكد المتون الإختلاف السياسي الذي يكون بين العرب ، والذي يتطور في كثير من الأحيان إلى عمل عسكري وقتال وحروب ، فالدمشقي والعراقي يتقاتلان ، ثم يزحف المغربي فيخوض غمار تلك الحرب ، ثم يخرج المغربي من مصر ، فيقاتل في دمشق ، ثم يطمع الشامي بأرض الحجاز ، فيرسل جيشة إلى المدينة ، وأهل الحجاز في انقسام على الحكم ، واضطراب في الحال ،وهكذا .. حروب تتسع وتختلف ، وتتنوع ، في حين العرب في ذلك الزمن أذلة ، تابعون ، خائفون ، كل يفتش عن قوة يلتجئ إليها ، على حساب ناسه وثروة وقيم دينه ..!
وبدلا من اللجوء إلى الإسلام ، يبدو من النصوص تصريح واضح بأنهم يتبعون الأمم الضالة في أخلاقيهم وقيمهم ، حتى يصبحوا كالأنعام الفزعة في غاب الأسود ، قد تعروا من دينهم وأخلاقهم وقوتهم ومنعتهم ،
ص: 175
فثروتهم وسلطانهم مکشوف وعروهم بادية .. إلا قلة يتمسكون بالإسلام، ويمضون عليه ، وجهدون أنفسهم في سبيل الثبات عليه .. ويظهر من المتون أن قسما وافرا من العرب يتجد في الراية السفيانية ، والراية المغربية وفروعهما ، لقتال المهدي علیه السلام انتصارا لمشاريع الفساد والروم وغيرها من قوى العالم المنحرفة آنذاك .. من هنا يمكننا فهم النصوص التي تحدثت عن أن يوم المهدي علیه السلام شديد على العرب . المتون تصف المهدي بأنه « على العرب شديد (1)». وأنه يسير بهم بالجفر الأحمر لا الجفر الأبيض (2). حتى يردهم إلى دين الله وقوانين الشريعة . فإذا دخلوا فيما دخل فيه الناس ، كان ذلك رحمة لهم وبشری . بعض المتون الروائية تقول : « كيف أنتم لو ضرب أصحاب القائم علیه السلام الفساطيط في مسجد كوفان ، ثم يخرج إليهم المثال المستأنف ، أمر جديد على العرب شدید »(3). إشارة إلى ما يكون عليه العرب من افتراق واضح عن الهدي والدين فيعيدهم إليه بعد شدة موصوفة .
بل هناك تصويب وإشارة إلى انحرافات خطيرة ، وانعطافات مخيفة جدا ، ففي رواية العريان بن الهيثم ، سمع عبد الله بن عمرو يقول ، وقلت له : « .. تزعم أن الساعة تقوم على رأس السبعين ؟ فقال : « إنهم يكذبون علي ، ليس هكذا ، ولكن قلت لا يكون السبعين إلا ما كان عندها من شداید و أمور عظام : وإن الساعة لا تقوم حتى تعبد العرب ما كانت تعبد
ص: 176
آباؤها .. »(1). إشارة مثيرة إلى ما يصير إليه أمر العرب من السقوط والإندثار والإنحراف ..! إلا قلة دلت النصوص أنهم يبقون على دين الله ، ویجهدون أنفسهم في سبيل التمسك به ..
وفي النهاية : تؤكد النصوص أن المهدي علیه السلام إذا ظهر ملك العرب ، وبسط سلطانه عليهم ، فيدخلون فيما دخل فيه الناس . وكما في قول النبي صلی الله علیه و آله: « لا تنقضي الايام ولا يذهب الدهر حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي ، إسمه يواطئ إسمي »(2). وأن هناك من العرب من ينخرط في سبيل المهدي وآل الرسول علیهم السلام ویستبسل في القتال والتضحية والجهاد في سبيل الله . کالأبدال ، واليمنيين ، والنجباء المصريين والعصائب العراقيين ، وغيرهم من أهل التقى والدين .. إلا أن النصوص تصر على بيان قيمة « الموالي » مقابل كبوة العرب الكبيرة في آخر الزمان ، لتؤكد أنهم أجود تضحية وأمضى سلاحا. النص عن النبي يقول : « إذا وقعت الملاحم بعث الله بعثة من الموالي ، هم أكرم من العرب فرسا وأجوده سلاحا ، يؤيد الله بهم الدين »(3).
فيما تصر طائفة من النصوص على ثبات وقيمة ورفعة راية خراسان ، راية الموالي الخراسانيين الذين يضربون العرب على التأويل في آخر الزمن ، كما ضربهم العرب على التنزيل في صدر البعثة النبوية . وأن راية
ص: 177
خراسان ، هي التي توطئ للمهدي سلطانه . وأنهم أمة ، ذات دین ویقین وتضحيات مذهلة . وتؤكد الروايات أن الناس ينحرفون عن الإسلام فيما هم يثبتون ، وان الناس تتبع ركب الروم وغيرها وهم لا يحيدون عن الإسلام . وأن الناس يتعرون ويسقطون أمام غرائزهم فيما يثبت أهل خراسان على الدين والأخلاق والقيم التي أعلنها الإسلام في شتى مجالاتهم حتى يسلموا الراية للمهدي علیه السلام ، ثم ينخرطون للقتال بين يديه ويبذلون تضحيات هائلة في ملحمة الأعماق ( ناحية بلاد الشام أو الجزيرة ) كما يبذلون أنفسهم في معارك المهدي ضد الروم في ناحية مقر الروم وعاصمتهم ، وأنهم أمة مرحومة ، وجماعة ممدوحة تبقى على الإسلام والإيمان حتی ظهور المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف ..
فيما تؤكد النصوص أن بلاد العرب والمسلمين في آخر الزمن - وبصورة إجمالية -:
يشيع فيها التعري والزنا والربا والإنحراف والآثام والحرام ، ويكون أهل الدين أذلة ، لا سلطان لهم ، ولا دولة ، ولا قوة ولا نفوذ إلا من قلة قليلة يثبتون بجهد وجهاد حتى يحفظوا دينهم وإيمانهم . وأن الإسلام يعزل بصورة عامة عن الحكم والسلطان والأخلاق والإجتماع والسياسة وحقول المال والإقتصاد . في زمن يتعاظم فيه أمر الفاجر ، والعاهر ، وفتيات الهوى وصاحبات الغرائز ، والكاشفات العاريات ، الزانيات العابثات ، في ظل حکام جورة ، ووزراء فسقة ، وعرفاء ظلمة ، وأمناء خونة .. كل ذلك في زمن تكثر فيه إضاعة الصلوات ، واتباع الشهوات ، والميل مع الأهواء ، وتعظيم
ص: 178
أصحاب المال ، وبيع الدين بالدنيا . ويتعاظم أم الفساد ، فتكبر المعصية ، وتقل الطاعة ، ويتمد الناس على خالقهم ، فيكون من إذا حكم ضل وأضل.
وتكون إمارة النساء ، و مشاورة الإماء ، وقعود الصبيان على المنابر ، ويكون الكذب ظرفا ، والزكاة مغرما، والفيئ مغنما، ويحق الرجل المعسشر ، وتقارب الأسواق ، إذا قال هذا ألم أبع شيئا وقال هذا لم اربح شيئا ، فلا ترى عندئذ إلا ذائا لله . فيظهر الربا، ويتعاملون بالغيبة والرشی، ويوضع الدين ، ويتعاوون بالحرام ، ويشتهرون بالمنكرات العظام، ويتفاخرون بالتعري والآثام ، وترفع الدنيا ، ونسي الآخرة ، ويكثر أولاد الزنا ، ويتغنون بالقرآن ، ويتهافتون على الدنيا ، فيميتون الحق، وحقون الباطل ،
ويفترسون بعضهم ، فيعمرون الدنيا ويخربون الآخرة . وتصبح بطونهم وغرائزهم آلهة ، وتنتهك المحارم، وتكتسب المآثم، ويتسلط الأشرار على الأخبار ، ويفشو الكذب والقمار، وتظهر اللجاجة، وتفشو الفاقة . ويتباهون في اللباس ، ويكثر العري فيهم ، ويفاخرون بالسفاح حتى يشتهروا به ، دون رادع أو منکر ..
ويمطرون في غير أوان المطر ، فيصحرون في زمن ماطر ، ويمطرون في زمن الصحو ، و تتغير المعالم ، وتتبدل النظم ، وتبدو الدنيا مخيفة جراء الحرام ، فيكثر الباطل في البقاع ، ويعادي الناس الحق، ویرونه سببا للتهمة والخذلان وقلة النفع في السوق ، فيبيعون غرائزهم ، ويساندون كما تتسافد
ص: 179
البهائم ، فلا يرون أهم من الزنا والحرام . إلا من قلة يثبون على الدين ، فيحلون الحلال ، ويحرمون الحرام ، ويعلنون الإسلام دينا لهم في كل فعل وسلوك ، ويكون أهل خراسان الذين يوطنون للمهدي سلطانه على رأس هؤلاء ، بل رمزهم ومركز رايتهم (1). حيث يشتهرون بعظیم تمسكهم الإسلام والإيمان ، و كبير تضحيتهم للثبات على الدين و شريعة نبي المرسلین صلی الله علیه و آله.
تصف لنا الأحاديث بلاد العرب زمن الظهور على أنها بلاد مكونة في أبنيتها وأحياءها ومناطقها وغير ذلك بنحو مختلف عن الزمن الماضي، وأن أرضهم تعمر ، وماءهم تجري ، وأمنهم في فترة ما يستتب ، ثم يقع القتل والفوضى والإضطراب والإندثار . يقول النبي صلی الله علیه و آله: «لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا ، وحتي يسير الراكب بين العراق ومكة لا يخاف إلا ضلال الطريق . وحتى يكثر الهرج ، قالوا : وما الهرج یا رسول الله ؟ قال : القتل »(2).
ص: 180
وفي غيرها وصف لعمارات وأبنية، وإشارة إلى طرق وأمان وأدوات اتصال بين البلاد ، فأهل الشرق يرون أهل الغرب ، ويسمعون كلامهم ، والعكس . حتى يقع القتل ، أي حروب وخلافات وشبه ذلك ..
وفي متن آخر إشارة إلى ما يقع من أثر على المسلمين ، كمحطات في غاية الأهمية حتى يوم الساعة ، منها وفاة النبي صلی الله علیه و آله ، وموت يقع . وفتنة بين المسلمين لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته . وهدنة بينكم وبين بني الأصفر ( الروم ) ، فيجتمعون لكم عدد حمل المرأة تسعة أشهر . إشارة إلى خطوط ومحطات كبيرة . على أن المقصود ببني الأصفر ، هدنتهم الأخيرة مع المهدي علیه السلام ثم غدرهم وإعلانهم جملة من معارك وحروب على جبهة المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف التي ينتصر بها المهدي بعد معارك ضارية (1).
وفي متن رمزي إشارة إلى «ست» تكون قبل الساعة ، أولهن وفاة النبي صلی الله علیه و آله، وفتح بیت المقدس ، وموت كقعاص الغنم ، وهدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر ، وافتتاح مدينة الكفر ، ورد الرجل مائة دينار سخطة . كما تحدثنا بعض النصوص عن فتنة تقع في العرب ، لا يبقی بیت عربي إلا دخلته ، ثم تصالحكم الروم . وفي بعضها يفرح حذيفة بن اليمان للفتح الذي تم للنبي صلی الله علیه و آله، معتقدا أن الحرب قد وضعت أوزارها، وهذا حصل بعد فتح مكة ، فقال صلی الله علیه و آله: هيهات هيهات .. ثم بين أمورا رئيسية كمحطات ، ذكر أولها : موت النبي ، ثم الفتنة التي تصيب المسلمين ، ثم
ص: 181
ساق قصة طويلة كانت السادسة فيها معركة كبرى للمسلمين مع الروم ، قال في آخرها : فعند ذلك يا حذيفة تضع الحرب أوزارها ، فيعيشون في ذلك ما شاء الله ، ثم يأتيهم من قبل المشرق خبر الدجال أنه قد خرج (1)»
وعليه : يفهم من مجموع روایات الحديث أن الهدنة الأخيرة التي تكون بين المسلمين والروم إنما تكون بعد فتنة طويلة ، يدخل شرها كل بیت خاصة العرب ، وتؤكد الأخبار أن هذه الهدنة تكون على يد المهدي علیه السلام. قيمة النصوص هذه أنها تحدثنا عن آخر الزمن وما يقع فيه . وأن فتنة شديدة ، ذات أثر كبير ، وذات سعة هائلة ، تنتشر في أرض المسلمين ، بالأخص أرض العرب ، فتصك كل بيت ، وتكون فتنة قاسية جدا.
نعم تخبرنا أن الروم وجملة من قوى العالم آنذاك ، قبل ظهور المهدي علیه السلام، تطغى على المسلمين ، وأن بلاد المسلمين والعرب تضعف أمام طمع الأكاسرة من الروم وغيرهم ، وأن جملة وفيرة من حکام المسلمين يكونون على هدي الروم لا على هدي الله . وعلى شاكلة الروم لا شاكلة أهل الإسلام .. وأن المساجد تعطل عن حقيقتها ، والسلطان يصبح بید الفجرة والفسقة وغيرها من أوصاف الإنحراف في فقه الإسلام ، وأن المؤمن في بلاد الإسلام يعاني بشدة من انحراف المواثيق والقانون عن دين الله تعالی .. على أن النصوص لا تخبرنا عن كيان أو أمة عربية لها ريادة في التوطئة لظهور المهدي علیه السلام ، بل تخبرنا عن الأبدال الشاميين ، والنجباء
ص: 182
المصريين ، والعصائب العراقيين كحركات ثورية ، أو كيانات أقل نفوذا من خراسان التي تشكل قطب الرحى في التوطئة للمهدي علیه السلام .. النصوص صريحة في أن راية خراسان تشكل مركز القوة الإسلامية الإيمانية في آخر الزمن . وأن هناك حركات أو كيانات عربية أقل نفوذا ، تعلن ولاءها لهذه الراية الإيمانية التي تعلن بدورها ولاءها للمهدي وأهل بيت النبي علیهم السلام .
والمثير أنه قبل الظهور تتشكل بعض الجيوش العربية التي تقاتل راية الخراسانيين الموطئين لسلطان المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف، بالتحالف مع الروم والترك وشبه ذلك . خاصة راية المغربي والسفياني(1). كلتاهما رایتان عربيتان تجمع جيشا جبارة يقاتل الخراسانيين . في حين نجباء مصر ، وأبدال الشام ، وعصائب العراق ، وهم من العرب أيضا ، يعلنون ولاءهم للمهدي ولآل بيت النبي علیهم السلام ، ويتحالفون مع الخراساني ، ويقاتلون في صقه ، ويكونون يدا واحدة على من سواهم . ويبذلون في سبيل ذلك تضحيات جبارة . نعم ، إذا ظهر المهدي علیه السلام ، تخبرنا النصوص عن فرقتين من العرب : واحدة تجاهر بعداءها للمهدي علیه السلام ، کالسفياني مثلا ، وواحدة تعلن ولاءها له ، مثل الأبدال الشاميين والعصائب العراقيين والنجباء المصريين ، وغيرهم.
ص: 183
كما تؤكد وقوع معارك ضارية مع جيش عربي جبار ، أي جيش السفياني ، تنتهي بذبح السفياني وانهزام ذلك الجيش شر هزيمة ، على أن المتون تخبرنا بأن العرب يهتدون بالمهدي علیه السلام ، فينعطفون إليه ، فیبار کهم الله بالمهدي عجل الله تعالی فرجه شریف. لكن ذلك لا يمنع وجود فروع عربية تظل على حلف مع الروم أو أعداء دولة المهدي علیه السلام أو الدجال حين يخرج ، النصوص صريحة في الإشارة إلى يهود أمة النبي صلی الله علیه و آله وغير ذلك .. على أن بعض النصوص تحدثنا بصيغة : « العرب قليل » زمن خروج الدجال .! ففي حديث أم شريك ، تسأل النبي صلی الله علیه و آله عن العرب ، قائلة : « أين العرب يومئذ ؟ فيقول صلی الله علیه و آله: « هم يومئذ قليل، وجلهم بیت المقدس ، وإمامهم رجل صالح ( يعني المهدي علیه السلام ) »(1).
لا أدري ما المقصود تفصيلا بهذا التعبير .. لكن النصوص تخبرنا بأن العرب تهتدي بالمهدي علیه السلام، وبه تطمئن ، رغم أن بعض النصوص تخبرنا عن خوف و تردد بعض العرب من خوض ملحمة الأعماق ( حلب أو بلاد الشام ) في وجه الروم ، وأن المهدي عندئذ يبعث إلى جيشي الخراساني واليماني ، في حين اليماني عربي ، ويبدو أن نواة جيشه من العرب ، فيما
ص: 184
الأبدال والعصائب والنجباء أيضا من العرب ولهم وصف وعظمة خاصة في سلك جيش وقيادة المهدي علیه السلام . فهل المقصود ب- « العرب قليل » أن الباقي منهم موجود في شطر آخر من جبهة المهدي علیه السلام أم أن هناك من يخرج مع الدجال أو يكون في وجه جبهة المهدي علیه السلام .؟
الأكيد أن بلاد العرب تكون تحت يد المهدي ودولته ، وأن بعضا منها يسقط بالحرب ، والبعض الآخر هو بنفسه يعلن الولاء والتعظيم محبة وشوقا للمهدي عجل الله تعالی فرجه شریف ، بل هناك قسم من العرب يقاتلون ببسالة مذهلة بين يدي المهدي علیه السلام کالأبدال والعصائب والنجباء واليمنيين . نعم يبدو من لحن بعض المتون أن الدجال يجمع في جبهته من كل الناس ، مما بقي من فلول الروم ، ومن غيرهم ، ويكون منهم من يهود أئمة النبي صلی الله علیه و آله، أي بعض المسلمين .. وليس هذا حصرة في العرب . من هنا، فإن تعبير « قليل »، قد براد به أنه قليل مقابل كثرة جندالدجال في تلك الفترة ، أو قليل لأن قسما منهم منتشر في أنحاء مختلفة من جبهة المهدي ودولته ، وهكذا ..
لأن النصوص تؤكد هداية العرب بالمهدي علیه السلام وانضواءها تحت لواءه وتضحياتها في سبيل دعوته . على أن الروم ، في بعض تعابيرها، تحدث سلطانها وحاكمها بعد انقلابها على الهدنة مع جيش المهدي علیه السلام ، بأنها كفته حد العرب . كإشارة منهم إلى المهدي علیه السلام ، أو إشارة إلى جبهة للمهدي في بلاد عربية تقع فيها تلك المعركة، ويكون لها أثر في ميزان القوة آنذاك ..
ص: 185
تؤكد الروايات أنه في تلك اللحظات التاريخية من انتصار المسلمين والروم على الترك ، تغدر الروم بالهدنة المعقودة مع المهدي علیه السلام ، وتعمل مباشرة لتعديل ميزان القوة ، فتطمح لهزيمة جبهة المهدي ، وتختبئ وراء الصليب كدافع لحربها . فتعلن انتصار الصليب وتقع معركة غدرهم في لبنان ( مرج ذي تلول ) ، ومنذ تلك اللحظة تبدأ معركتهم مع المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف ..
تخبرنا النصوص أن المسلمين يصالحون الروم عشر سنين صلحا آمنا ففي الروم سنتين ثم تغدر في الثالثة ، أو يفون أربعا ويغدرون في الخامسة ، فينزل جیش من المسلمين في مدينتهم ، فيتحالف المسلمون والروم لقتال عدو ثالث ، هو الترك وجملة من حلفاء فرعيين معه ، فينتصر المسلمون والروم في تلكالمعركة على عدوهم، ويفتح الله لهم ، ثم ينزلون في « مرج ذي تلول » ، أي في لبنان ، يبدو أن ذلك كمحطة في طريق العسكر لأمر ما ، أو تموضع استراتيجي استثنائي ، وذلك بعد انتهاء تلك الحرب مع الترك وغيرهم ، وهناك ، أي في لبنان ، تنتصر الروم للصليب ، وبدل من خطابها ، بهدف الإطاحة بالمسلمين ، ويظهر بوضوح أن عدد جنودها و آليات حربها تخولها آنذاك التخطيط للشروع في هكذا معركة ، فبينما المسلمون يقولون : الله غلب ، والروم يقولون : الصليب غلب ، يتداولونها ساعة ، ثم تقع المعركة حيث يثور مسلم إلى صليبهم فيدقه ، فيثور الروم إلى كاسر
ص: 186
صليبهم ، فيضربون عنقه ، فتثور تلك العصابة من المسلمين إلى أسلحتهم ، و تثور الروم إلى أسلحتهم ، فيقتتلون فيكم الله تلك العصابة من المسلمين فيستشهدون . النصوص تصف تلك المعركة بالقتال الشديد . ثم تتمکن الروم من حسم تلك المعركة لصالحها ، مع تلك الفئة المؤمنة المستميتة من جيش المهدي علیه السلام في سبيل الإسلام.
ويبدو بوضوح أن الروم تنسحب من تلك الأرض ، ويأتون ملكهم فيقولون له : قد كفيناك حد العرب وبأسهم ، فماذا تنتظر ؟ يريدون منه أن يجهز جيشا كبيرا للقضاء على دولة المهدي ، فيفعل ذلك ، ويبدأ بتجهيز أساطيل الحرب ..
عندها يجمع حاكم الروم قوة عسكرية ضخمة في مدة حمل امرأة ، أي طيلة 9 أشهر . ثم يقصد جبهة المهدي علیه السلام في 80 غاية ، أي في 80 قافلة أو قوة مسلحة بقطعها الحربية المختلفة ، وفي كل غاية أو قافلة حربية يوجد 12 ألف جندي . أي ما يقرب من مليون جندي .! بهدف القضاء على دولة المهدي(1) علیه السلام . على أنه قد يستفاد من بعض المتون تعرض «کرمان » سابقا لهجوم منالترك وجملة من حلفاءها ، في حين يكون الترك أعداء للروم .. وفي لحظة ما، لا ندري تفاصيلها ، يكون من المصلحة عقد « تحالف عسكري » بين الروم والمسلمين لمهاجمة الترك ، وذلك بعد قيام الهدنة بين الروم والمسلمين ، فيهاجم المسلمون والروم الترك وباقي
ص: 187
حلفاءهم ويهزمونهم . ومع هزيمة الترك تفکر الروم بضرورة حسم میزان القوة الجديد لصالحها ، عندها تنتصر لصليبها ، وتفتك بتلك الفئة المؤمنة التي تقاتل قتالا شديدا حتى تستشهد ، إلى درجة أن الروم ينذهلون من انتصارهم على تلك « الفئة القوية » في مرج «ذي تلول » ، فيقولون لملكهم أن جهز جيشا لغزو دولة المهدي علیه السلام ، لأنا قد كفيناك حد العرب . وعنن وصف معركة الغدر التي تقودها الروم آنذاك ..؟ يقول ونس بن سيف الخولاني : « فينحازون وتنحازون ، فيقتتلون قتالا شديدا عند مرج ذي تلول . ثم يفتح الله لكم عليهم ، ثم تكون الملاحم بعد ذلك»(1). وفي رواية ذي مخمر عن تلك المعركة في مرج ذي تلول ، يؤكد انتصار المسلمين والروم على عدوهم في حلفهم العسكري ، ثم يشير إلى غدر الروم بالمسلمين ، فيقول : « فعند ذلك يغدر الروم ويجمعون للملحمة »(2).
ويبدو من بعض النصوص أن الروم ودولة المهدي علیه السلام تشکلان قتين كبيرتين آنذاك في ميزان القوى العالمية . ومع اصطدامهما تهتر جملة كبيرة مننواحي الأرض المعارك ، بدء من الشرق وصولا إلى الغرب . وهذا معنى قول النبي صلی الله علیه و آله: « إذا ملك العتيقان : عتيق العرب وعتيق الروم ، كانت على أيديهما الملاحم »(3).
ص: 188
على أن خريطة المتون تؤكد مبادرة الروم في جيشها وقواها نحو الشرق للقضاء على جبهة المهدي ، بل تسلط قواتها نحو منطقة المهدي علیه السلام بالذات للقضاء عليه وعليها . وتقع معركة عنيفة بين الجيوش الرومية التي تمثل جبهة الغرب ، ودولة المهدي علیه السلام ما بين صور وعکا(1) .. ثم تقع الملحمة الضخمة مع الروم ودولة المهدي علیه السلام في الأعماق ( ناحية حلب أو بلاد الشام أو في أعماق الجزيرة ) ، وتبدو أولى أيام المعارك في الأعماق شبه متكافئة ، كما في صريح الأخبار ، فهم يرمون بالنيازك و كذا المسلمون ، أي أدوات حرب لها ذنب ملتهب ، واليوم أقرب مثال له الصاروخ .. وتدوم تلك المعركة المتكافئة شهرا ، ثم تنهار قوة الروم ، وترجح كفة المسلمين ، وتؤكد لنا الرواية أن المهدي علیه السلام في تلك المعركة يبعث إلى الخراسانيين واليماني للمشاركة في تلك المعركة الكبيرة ، وأن بعض العرب يترددون فيلومونهم أهل خراسان ويحرضونهم للإنخراط والإستبسال في تلك المعركة الضخمة . ويتكاتف المسلمون فيما بينهم في وجه الروم ، إلى أن تنتهي تلك المعركة الملحمة بانتصار المسلمين وانهزام الروم،
ثم يستمر خط المواجهة الحربية تباعا في وجه الروم، وصولا إلى بلاد الغرب الرومية ، فتقع معارك شديدة الضراوة في بلاد الغرب ، يفتح المسلمون على أثرها عاصمة الروم . وبذلك تنتهي دولة أو حلف روما من الوجود إلى الأبد .. وتنتشر دولة المهدي علیه السلام من شرق الأرض إلى غربها،
ص: 189
إلا أنه يبقى وجود «قوی كبيرة » في الأرض ، مثل الدجال ويأجوج ومأجوج(1)، وغيرهم من القوى الفرعية ..
ص: 190
على أن النصوص تحدثنا عن واحدة من « غلبة السودان » ، أي دولة أو جبهة أو تحالف أو كيان أو أي شيئ آخر يكون فيه علامة من جند أسود ، أو قادة سود، أو أي صفة لها نوع « مائز » وغلبة واضحة في صفة ما من السواد ، فيقاتلون العرب فيغلبونهم . وهذه علامة قد تكون وقعت أو ستقع..
نعم رواية حذيفة بن اليمان تحدثنا عن وقعة مؤلمة تكون بالزوراء ( بغداد ) . النصوص تصفها بأنها مدينة بالمشرق ، بين أنهار يسكنها شرار خلق الله ، وجبابرة من المسلمين ، قذف فيما بعد بأربعة أصناف من العذاب : بالسيف ( كقتال وغزو مباشر والتحام في المعارك ) ، وخسف ( كالزلازل وأشباهها أو ما هو من مصادیق الزلازل لكنه من صنع الإنسان لا
ص: 191
الطبيعة ، على أن ظاهر النص يرجح فعل الطبيعة الا الإنسان ) ، وقذف ( وهذا يعني إما : حرب عبر أدوات العسكرية الصاروخية أو عبارة عن عذاب آخر ) ومسخ ( وهي من علامات آخر الزمان ) . والنص يريد بذلك الإشارة إلى صنف من الحكام البغداديين ، معهم جماعة من معاونيهم ، وجنهم أراذل جبابرة . ثم يؤكد على وصف آخر ، وهو إذا خرجت السودان تطلب العرب وأنها تغلبهم ، وينكشفون حتى يلحقوا ببطن الأرض ، أو قال ببطن الاردن ، ويبدو أن المعنى الأول هو أجدى . على أن الثاني ممكن.
فبينما هم كذلك ، إذ خرج السفياني في ستين وثلاثمائة راكب ، حتى يأتي دمشق ، فلا يأتي عليه شهر حتى يبايعه من كلب ثلاثون ألفا، فيبعث جيشا إلى العراق ، فيقتل بالزوراء ( بغداد ) مائة ألف ، وينحدرون إلى الكوفة ، فينهبونها ، فعند ذلك تخرج راية من المشرق يقودها «شعیب بن صالح(1)» وهو رجل من بني تميم ، فيستنقذ ما في أيديهم من سبي أهل الكوفة ويقتلهم ، أي ينتصر على الجيش السفياني في تلك الوقعة. ما يعني أن الإشارة إلى حرب السودان والعرب قريبة نسبيا من زمن خروج السفياني ، ببعد النظر عن هوية هؤلاء السودان ورمزيتهم ، وهل المقصود
ص: 192
بهم مناطقهم بالذات أو جيوش فيها من السود ما يميزهم قادة أو جندا ، ثم العرب ليس بالضرورة المقصود كل العرب ، بل يمكن أن تكون دولة أو كيان أو تحالف يهزم بشدة أمام لجند أسود أو فيه قادة سود أو فيه ميزة عسكرية ذات صلة بالسود وشبه ذلك(1).. على أن هناك تفاصيل ووقائع مهمة ومختلفة تقع في ذلك الزمن ، لم تحدثنا عنها النصوص، كما هي حال النبوءات المستقبلية ..
وعليه : تعاني العرب من أزمات وإنهاكات مختلفة ، أهمها الفتن العسكرية ، وخلافات بينية ، وغزو وحروب تطالها قبل الظهور الشريف ، وأن العرب تكون على قسمين : واحدة مع الظلمة الكفرة والفسقة ، وقسم مع أهل الإسلام والإيمان والدعاة للإمام المهدي علیه السلام . وأن السفياني(2) يكون من أشهر جيوش العرب التي تقاتل المهدي علیه السلام وأنصاره والتي
ص: 193
تجاهر بعداءها الكبير للخراسانيين وتزحف إليهم في أكثر من معركة وحرب بهدف النيل منهم ..
لكن النصوص تؤكد أن جملة وجوه وجماعات في دولة السفياني تقف لتتفاجأ بجور وفجور و کفر السفياني وردته المفرطة ، فينال من بعضهم ويقتلهم ويتشفى منهم . على أن لحن بعض المتون يستفاد منه بوضوح وكأن أكثرية العرب تكون على غير أمر المهدي أول الأمر .. ويظهر أن جیش السفياني يجمع من جند العرب الكثير ، ويسيطر على مناطق كبيرة ، فهو يسيطر على الكور الخمس ، إلا منطقة الأبدال الشاميين(1)، كما يقاتل الأبقع الذي يزحف من مصر ، فيهزمه ، ثم يتابع زحفه حتى يدخل مصر ويوقع فيها ملاحم دموية وغرائزية هائلة ، كما يغزو العراق ، ويزحف نحو الحجاز ، ويهاجم الأراضي الإيرانية ، بل يقاتل في معركة قرقيسيا الترك والروم وينتصر عليهما .. ورغم الخسف الهائل الذي يصيب جنده في بيداء المدينة ، وهزيمة جنده أمام الخراسانيين في منطقة اصطخر الإيرانية ، يبقى له من القوة والجند ما يؤدي إلى اصطدام عنيف مع جيش المهدي خاصة قرب بحيرة طبرية ، وينتهي الأمر بذبح السفياني وانتصار المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف.
على أن بعض المتون تحدثنا عن «سفياني أول » ، مجرم ، سفاح، قتال ، مسلم القول ، كافر الفعل ، تغضب السماء من فعله وسفكه للدماء دون
ص: 194
وجه حق، لا يفرق بين طفل وامرأة وشیخ ولا يهمه حد في الإسلام أو حاجز حرمة . ثم تحدثنا عن سفياني ثاني هو السفياني الجبار القتال المرتد بصخب كبير ، وهو المذكور في الأحداث الجسام . ففي خبر أبي وهب الكلاعي : « تفترق الناس والعرب في بربر على أربع رايات ، فتكون الغلبة(1) لقضاعة(2) ، وعليهم رجل من ولد أبي سفيان . ثم يستقبل السفياني فيقاتل بني هاشم و كل من نازعه من الرايات الثلاث وغيرها ، فيظهر عليهم جميعا ، ثم يسير إلى الكوفة ، ويخرج بني هاشم إلى العراق . ثم يرجع من الكوفة فيموت في أدنى الشام (هذا كما يبدو واضحا السفياني الأول ) ، ويستخلف رجلا آخر من ولد أبي سفيان تكون الغلبة له، ويظهر على الناس وهو السفياني »(3).
ويبدو من النصوص أن خط « دمشق - بغداد » يعاني من صراع وخلاف وفرقة وحروب مختلفة خاصة قبل الظهور .. لا تذكر النصوص كامل التفاصيل عن المشرق العربي والمغرب العربي ، لكن يبدو أن كفة القوة العربية ترجح بوضوح لصالح المشرق العربي متمثلا بالسفياني على حساب قوة الراية المغربية التي تضعف بشدة أمام جموح السفياني . ما يعني أن قوة الراية العربية بقيادة السفياني المناهضة لأمر المهدي علیه السلام وأمر
ص: 195
أنصاره کالخراسانيين والأبدال والعصائب والنجباء تكون على نحو من عدد وعتاد كبير ، تؤمن للسيفياني السيطرة على الكور ، واجتياحات نحو مصر والعراق والحجاز ، بل ويقصد بعض المناطق الإيرانية التي يهزم فيها بشدة . إذا ، قؤة السفياني ، تنتصر على المغربي ، وبهذا يشكل السفياني « مرکز الثقل » في الجيش العربي الذي يقاتل الخراسانيين وجبهة المهدي علیه السلام أيضا (1). لكن بالمقابل هناك « مركز عربي » آخر ، يعلن ولاءه الكامل للمهدي علیه السلام ، ويبذل كل ما يملك من قوة وطاقة ومهارات لنصرة أمر المهدي وجبهته ، يتمثل بالأبدال الشاميين ، والعصائب العراقيين ، والنجباء المصريين ، بالإضافة إلى اليماني الذي يكسر عين السفياني ويهزمه (2).
على أن مناهضة أمر أهل البيت علیهم السلام وأتباعهم ، تقوده جماعات دموية لا تفرق بين حل أو حرام ، همها القتل ، والإبادة ، وسفك الدماء ، وهنا يخبرنا « الوليد بن مسلم » عن سفياني أول طاغ ، دموي ، قتال ، لكنه يموت ، وأنه هو الذي يدخل العراق ، ثم يموت بأدنى الشام ، ليشير إلى السفياني الثاني الذي تحدثنا النصوص عن طغيانه الكبير وقتله المثير(3)، وهو
ص: 196
الذي تجتمع العرب عليه بأرض الشام ، فيكون بينهم قتال حتى يتحول القتال إلى المدينة ، فتكون الملحمة ببقيع الغرقد(1). واللافت أن خريطة جبهة السفياني كلها حروب ومعارك وقتل وإبادة في مدة قصيرة ، ما يعني أنه يمتلك من الجند والعدة ما يمكنه من غلبة المغربي وفتح الکور واجتياح مصر والعراق ودخول الحجاز .!
إذا ، حضور العرب في «آخر الزمن » واضح جدا لكنهم فرق مختلفة ، ودولمتعددة ، ذات ولاءات مختلفة ، يعانون من هجمة القوى الكبرى عليهم ، فضلا عن الفتن بينهم ، فيما يبرز فيهم حکام جبابرة وطواقم حكم فسقة فجرة لا يبالون لأمر دينهم وآخرتهم في حين تبقى رايات وجماعات محددة من العرب على الإسلام والحق وقوانين الشريعة ، فيثبتون على الإسلام مهما تغير الزمن واصطکت بهم الأحداث(2). واللافت ما ورد ببعض النصوص من مشاركة بعض العرب بجيش الدجال(3). ففي رواية
ص: 197
کعب قال(1) : « كأني بمقدمة الأعور الدجال ستمائة ألف من العرب يلبسون السيجان »(2). ومع أنني في شك كبير من روایات کعب ، إلا أن لحن مجموعة من المتون يخبرنا عن خروج جملة من المسلمين مع الدجال ، وهم يهود أمة محمد صلی الله علیه و آله.
ويلفتني هنا الخبر المروي عن النبي صلی الله علیه و آله من أن بعض الناس في نواحي الشام وهذه المناطق - زمن فتنة الدجال - يفرون منه إلى الجبال ، وهنا تسأل أم شريك - رواية الحديث - عن العرب يومئذ ؟ فيقول صلی الله علیه و آله : « هم قليل(3)». وكأن لبعض العرب مشاركة عسكرية مع الدجال ، على أن النصوص تخبرنا أن الدجال يخرج وهو يقود جبهة اليهود وفلول الروم والترك وجملة من الناس ، بما فيهم قوم من المسلمين . تصفهم النصوص بأنهم يهود أمة محمد صلی الله علیه و آله، إلا أن هذا الترجيح غير كامل ، خاصة أن قسما كبيرا من العرب يتجمع حول الأبدال والنجباء والعصائب واليماني ويؤكده النصوص التي قالت أن العرب تسعد بالمهدي صلی الله علیه و آله وتهتدي به ، ما يعني أن أكثريتهم تكون مع المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف.
ص: 198
تحدثنا الأخبار عن مرحلة عسيرة جدا على العرب ، حيث تتوافد عليهم قوة البطش والحرب في زمن عسير . تصفها الأخبار بقولها : ویل للعرب من شر قد اقترب (1). على أن عبارة « ويل للعرب من شر قد اقترب » وردت للدلالة على أكثر من معنى ، منها: فتن أخلاقية وثقافية ، وفتن حروب وغزو ومعارك .. بعض الأخبار عن النبي صلی الله علیه و آله جاء فيها « ويل للعرب من شر قد اقترب ، فتنا كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا ، يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل ، المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر ، أو قال على الشوك »(2)، فهذه تشير إلى فتنة عنيفة ، تطال دين المؤمنين ، وتبعد القوم عن الإلتزام بالإسلام .. ويظهر من المتون أنها فتنة خطرة جدا . تطال العرب بصميم قوتهم الضرورية ، أي الدين والإيمان . وتنبئنا النصوص عن نتائج مثيرة ، حيث قلة يلتزمون الدين ومواثيق الشريعة ، إلى درجة أن القابض على دينه يكون بمثابة القابض على الجمر لشدة ما تموج به أرض العرب من انحرافات وأعراف انحرافية مخيفة على مستوى الأخلاق والثقافة والقانون والتطبيقات ، بحيث بعيدة عن وقوانين الشريعة والتزاماتها .
ص: 199
في حين منذر الثوري يخبرنا عن « ويل آخر » مفادة الحروب والدمار والار، وأجنحة الطيران ، ولهيب العسكر والمعارك ، بعد أن يترك الناس دينهم ، ويلتجئوا إلى دين الغريزة الرومية ، وشهواتها وباطلها ، بقوله : «ويل للعرب من شر قد اقترب ، الأجنحة وما الاجنحة ! ألويل الطويل في الاجنحة ، ريح فيها هبوبها ، وريح تهيج هبوبها، وريح تواحی تراخی هبوبها .
ثم يقول : ويل للعرب .. من قتل ذريع ، وموت سریع ، وجوع فظيع ، يصب عليها البلاء صبا ، فتكفر صدورها، وتغير سرورها ، وتهتك ستورها ، ألا وبذنوبها يظهر مراقها ، وتنزع أوتادها، وتقطع أطنابها ، ويل القریش من زنديقها ، يحدث أحداثا ، يكذب بدينها ، وينزع منها هيبتها، ويهدم عليها جدرها ، وتغلب عليها جنودها ،
وعند ذلك تقوم النائحات الباكيات :
فباكية تبكي على دينها ،
وباكية تبكي على دنياها ،
وباكية تبكي من ذلها بعد عزها ،
وباكية تبكي من جوع أولادها ،
وباكية تبكي من قتل ولدانها في بطونها ،
وباكية تبكي من استدلال رقابها ،
وباكية تبكي من استحلال فروجها ،
وباكية تبکی من سفك دمائها ،
ص: 200
وباكية تبكي خوفا من جنودها ،
وباكية تبكي شوقا إلى قبورها »(1).
إذا ، العرب أمام محنة شديدة ، وعرکة عتيدة ، وخطورة هذه المحنة أن الجهل يضرب العرب من جديد ، ومعنى ذلك أن ترك مواثيق وقوانين الإسلام خاصة في السلوك يشكل أزمة خطيرة تجتاح بلاد العرب والمسلمین .
ويبدو في الأحاديث تركيز شديد على أزمة الإنحراف التي تصيب بلاد العرب . النبي صلی الله علیه و آله يقول : « ويل للعرب من شر قد اقترب : ينقص العلم ويكثر الهرج قيل يا رسول الله وما الهرج ؟ قال صلی الله علیه و آله: القتل »(2).
إذا ، نقصان العلم والفقه والمعرفة والثقافة والضوابط ، مقابل همجية ثقافة الفسق والكفر والفجور والطغيان والرذائل والشهوات ، تؤدي في نهاية المطاف إلى الفتن والمهانة والتفخ والإنهيار والجوع والوجع والإذلال فنرى نساء المسلمين تبكي : دينها ، ودنياها ، وذلها وجوع أولادها وقتل أجنتها في بطونها ، واستذلال رقابها ، واستحلال فروجها ، وسفك دمائها ، تبكي خوفا من جنودها، وشوقا إلى قبورها»(3).فلا تراهم إلا ضعافا ، خائفين ، أسرى ، مستعمرين قد قتلهم الجوع والوجع والخوف والفزع،
ص: 201
والإستغاثة والضرع (1).. وتهب عليهم القتلة من هنا وهناك ، من شرق الأرض وغربها ، فلا ترى إلا ذاها لهم ، ساخرا منهم ، لقلة ما يمنعون أنفسهم به ، في حين ، بعض حكامهم يتحول إلى وكيل على دولة متداعية لصالح الروم أو القوى الأخرى النافذة في العالم ، وقومه جوعی بائسون ، وبنات دولته عرايا : مبتذلات ، قد كثر الزنا ، وتعت النساء ، وفسق الشباب ، وانتشر السحاق واللواط ، وفاض الباطل ، وتعزز الحرام (2)، وتقدمت الآثام ، في ظل إيمان ضعيف ، ومؤمنین معزولين ، وقرآن مبعد عن الميثاق والإعتقاد والدولة والحكم والأخلاقيات والأسواق ..!
الأحاديث تخبرنا عن فوضى ، وفتن ، وفراغ ثقافي ، وخوف وفزع، وجوع وإذلال يضرب بلاد العرب ، وجوقة جيوش من شرق الأرض وغربها تقصد بلادهم طمعا في ثرواتها ، بل تخوض حروبا لنهب تلك الثروات(3)..
یروی عمار بن یاسر بعض الأحداث التاريخية المستقبلية الأخيرة ما قبيل الظهور ، مشيرة أن علامة المهدي علیه السلام « إذا انساب عليكم الترك، ومات خليفتكم الذي يجمع الأموال ، ويستخلف بعده حاكم ضعيف،
ص: 202
يخلع بعد سنتين من بيعته ، ويخسف بغربي مسجد دمشق . وأنه يخرج ثلاثة نفر أصحاب رايات بالشام ، كما يخرج أهل المغرب إلى مصر ، فإذا خرجوا ودخلوا مصر ، فتلك أمارة السفياني »(1).
والأهم، نص آخر ، يحدثنا عن تجهيز الجيوش لغزو المنطقة الممتدة من العراق إلى دمشق ، ثم تنتشر الحرب في النواحي والضواحي : « فإذا انسابت عليكم الترك ، وجهزت الجيوش إليكم ، ومات خليفتكم الذي يجمع الأموال ، وتخالف الروم والترك ، فتظهر الحروب في الأرض ، وينادي مناد على سور دمشق : ويل للعرب من شر قد اقترب »(2)..
وتقع زلزلة ، ويخر حائطها ، ويخرج ثلاثة نفر في دمشق ، كل يطلب الملك والسيطرة على الحكم : رجل أبقع ، ورجل أصهب ، ورجل من أهل بيت أبي سفيان يخرج ومعه قبيلة كلب ، يحصر الناس بدمشق ، كما يخرج جيش أهل المغرب ، فينحدرون إلى مصر ، فإذا دخلوا إليها، فتلك إمارة السفياني ، حيث ينجح في الإنقلاب على عرش دمشق(3)،
ص: 203
ويسيطر على المحور الخمس إلا منطقة الأبدال ، ويقاتل الأبقع فيهزمه ، على أنه يخرج قبل ذلك من يدعو لآل محمد علیهم السلام في مصر ، كما ينزل الترك الجزيرة، أي العراق ، وهي منطقة ما بين النهرين : الفرات ودجلة ، كما ينزل الروم فلسطين ، ويقوم صاحب المغرب بنجدة الروم وحاكم مصر المخلوع المتواطئ مع الروم ، لكنه يفشل في إنهاء حالة النجباء المصريين ، ثم يرجع حتى ينزل الحيرة ( العراق ) إلى السفياني .
وتذكر النصوص أن السفياني أول أمر خروجه يهزم الأبقع ، ثم حول جيشه نحو مصر ، فيدخلها فيقتل الرجال ويسبي النساء (1).. وعليه : تشهد تلك الفترة الحرجة ، زحف القوة المغربية ، من المغرب العربي ، نحو مصر ، ثم تتابع خطاها نحو سوريا ، والعراق ، و تطلب کنز العراق الجوفي ، وهناك فيقرقیسیا تقع الملحمة التي تخوضها مجموع رايات ، منها رایات عربية ، ومنها رایات دولية مثل الروم والترك ، ومن الرايات العربية : راية المرواني الدمشقي ، ثم راية السفياني الذي ينقلب ويتسلط على عرش دمشق ، و كذا راية العباسي العراقي ، بالإضافة إلى راية المغربي(2)..
ص: 204
على أن النصوص تحدثنا عن انتصار لافت للسفياني على المغربي ، وعلى الترك والروم في تلك الوقعة الشديدة ، لكنه لا يحوز ثروة أو كنز العراق الجوفي . يبدو أن سبب عدم حيازته لذلك المال الكبير ، يكون بسبب خطوط الحرب والتهاب الجبهات ، وسرعة الأحداث الإقليمية والدولية . واللافت أنهذا الكنز يكون من صالح الراية الخراسانية التي تخوض غمار معارك عنيفة تهزم السفياني في منطقة اصطخر الإيرانية، ثم تفتح العراق ، وتجتاز إلى سوريا ، زمن السفياني ، وتخوض معركة هناك ، في حين جيش المهدي علیه السلام يزحف من ناحية الحجاز ، وتقع معركة هائلة في وجه السفياني قرب بحيرة طبرية ، تكون نهائية وفيها يتلاشی جیش السفياني ويتقطع إلى الأبد .
من هنا نقرأ في متون الأحاديث تهديدا لبعض العرب من سيف المهدي علیه السلام ، لأن هؤلاء يكونون في جبهة السفياني أو فروعه العسكريين أو منضوين تحت جبهته ، يقاتلون ضد المهدي وضد الإسلام ، مرة لصالح الروم ، ومرة لصالح معسكر الشيطان والكفر والآثام والحرام (1). نقرأ في النص المروي عن الإمام علي علیه السلام قوله : « إذا خرج ( المهدي علیه السلام ) يقوم بأمر جديد ، و کتاب جدید، وسنة جديدة ، وقضاء جديد على العرب
ص: 205
شديد . وليس شأنه إلا القتل ، لا يستبقي أحدا ، ولا تأخذه في الله لومة لائم »(1). إشارة إلى أعداء الله والإسلام ، الذين ينخرطون في جبهة الباطل والفساد ،والذين يزورون حقائق الإسلام ، ويروجون للحرام والمنكر والفساد والخبائث والأباطيل ، بل يلصقون هذا بالإسلام .. حتى الزنا يعتبرونه فنا ، ويضيفون عليه أن الإسلام لا يحرم فينا .. هؤلاء ينخرطون في شعب معسكر الفساد والطغيان والإنحراف بوجه المهدي علیه السلام فيكون سيف المهدي ودينه وفقهه و سنته التي تكشف عن سنة النبي صلی الله علیه و آله سيف سليطة عليهم ، حتى لا يبقى لأمرهم من قيام ..
ثم يؤكد علیه السلام على حقيقة الخطوط الملتهبة في مناطق العرب ، من فتن ، وصراع على الملك ، واختلاف على العروش ، فيشير إلى واقعة ضرورية ، وهي موت العباسي العراقي القوي ( عبد الله ) ، ثم اختلاف من بعده من العائلة أو الطبقة الحاكمة على كرسي الحكم والملك ، وأن هذه تكون من العلامات القريبة جدا من ظهور المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف، وبداية مرحلة كبيرة من انتصارات جبهة أهل الحق، في ظل تعقيدات دولية وإقليمية هائلة ..
يقول الله علیه السلام: « إذا اختلف بنو فلان ( العائلة أو الطبقة الحاكمة في العراق ) فيما بينهم ، فعند ذلك فانتظروا الفرج ، وليس فرجكم ( أي ظهور المهدي علیه السلام ) إلا في اختلاف بني فلان ( أي الطبقة الحاكمة في العراق،
ص: 206
والتي لها نسب في العباسيين ) ، فإذا اختلفوا ، فتوقعوا الصيحة ( من جبرائیل علیه السلام) في شهر رمضان ( وتكون الصيحة في السماء ويسمعها أهل الأرض كلهم كل بلغته ) وخروج القائم علیه السلام ، إن الله يفعل ما يشاء ، ولن يخرج القائم علیه السلام ، ولا ترون ما تحبون حتى يختلف بنو فلان ( أي الطبقة الحاكمة في العراق ممن ينتسبون إلى العباسيي ) فيما بينهم ، فإذا كان ذلك ( أي اختلفوا على الملك ) ، طمع الناس فيهم ، واختلفت الكلمة، وخرج السفياني »(1).
وقال علیه السلام: «لا بد لبني فلان ( لقوم حکام من العباسيين يكونون في آخر الزمن بالعراق ) من أن يملکوا ، فإذا ملکوا ثم اختلفوا تفرق ملكهم ، و تشتت أمرهم ، حتى يخرج عليهم الخراساني والسفياني : هذا من المشرق وهذا من المغرب ، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان ، هذا من هنا وهذا من هنا ، حتى يكون هلاك بني فلان ( العباسيين حكام العراق في آخر الزمن ) على أيديهما . أما إنهم لا يبقون منهم أحدا»(2)
ثم قال : « خروج السفياني واليماني والخراساني ، في سنة واحدة ، في شهر واحد ، في يوم واحد ، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضا
ص: 207
فيكون البأس ( أي الحرب ) من كل وجه ، ويل لمن ناواهم »(1). وليس في الرايات راية أهدی من راية اليماني ، هي راية هدى ، لأنه يدعو إلى صاحبكم »(2)( أي هو جيش المهدي علیه السلام مباشرة ، الروايات تؤكد أن اليماني يكون على صلة كاملة مع المهدي علیه السلام زمن الظهور الخاص الذي يتحقق ضمن أشهر قد تصل إلى 11 شهرا ، وفي هذا الوقت يكون اليماني معدا الجيش المهدي(3). من هنا النص يشير إلى حقيقة ضمنية وهي أن راية اليماني أهدى لأنها قائدها المباشر هو المهدي علیه السلام ، النص يريد أن يلفت إلى هذه الحقيقة )(4).
إذا خطوط الحرب آنذاك معقدة ، وسريعة ، وضخمة ، وهائلة . وبعضها شديد المفاجأة ، فاليماني ، يزحف من الحجاز نحو العراق ، وفي طائفة أخرى أنه يزحف من الحجاز نحو دمشق ، ويخوض معركة هناك ، ولا نعرف تفاصيل خط هذه الحرب في تلك اللحظات هناك ، إلى أن تحدثنا النصوص عن زحف جيش اليماني نحو العراق ، رغم بقاء السفياني في دمشق ، في حين يزحف الخراساني نحو العراق في معركة ضارية وجبهة هائلة . وهناك من يحدثنا عن حرب تضرب السفياني في العراق ، ثم
ص: 208
حرب تتابعه نحو دمشق ، ثم المعركة الفصل عند بحيرة طبرية تنتهي بذبح السفياني وانتصار جبهة المهدي علیه السلام ..
في حين ، موت خليفة العراق العباسي فجأة يبدو أنه يفجر نواة حرب إقليمية بعد مدة قليلة ، حيث يزحف السفياني نحو العراق للسيطرة عليه ، فيخرج الخراساني أيضا للدفاع عن شيعة أهل البيت ، ومنع السفياني من النفوذ والقوة الطاغية ، واللافت أن النصوص تحدثنا عن زحف ثالث الليماني من الحجاز ، ما يعني أن خطوط جبهة الإمام المهدي علیه السلام تستطيع بناء ميزان القوة في هذه المنطقة بشكل مثير .. إذا ، نحن أمام منطقة عربية ملتهبة ، خاصة ، منطقة العراق ، سوريا .. على أن الروايات تخبرنا عن انهيار مثير لقوة العباسيين العراقيين(1)، فيما قوة السفياني تصمد ، وتقاتل ، وتصر على خوض حروب يشيب منها الطفل الحزور . يقول أمير المؤمنين علیه السلام على منبر الكوفة : «إن الله عز وجل ذكره، قدر فيما قدر وقضى وحتم بأنه كائن لا بد منه ، أنه يأخذ بني أمية بالسيف جهرة ، وأنه يأخذ بني فلان ( أي بني العباس ) بغتة(2). وأضاف : لا بد من رحى تطحن ،فإذا قامت على
ص: 209
قطبها ، وثبتت على ساقها ، بعث الله عليها عبدا عنيفا خاملا أصله ( پرید بذلك راية الخراساني الموطئ للمهدي سلطانه ) ، يكون النصر معه ، أصحابه الطويلة شعورهم ، أصحاب السبال ، سود ثيابهم ، أصحاب رابات شود ، ويل لمن ناواهم ، يقتلونهم هرجا ، والله لكأني أنظر إليهم ، وإلى أفعالهم ، وما يلقى الفجار منهم والاعراب الجفاة ، يسلطهم الله عليهم بلا رحمة ، فيقتلونهم هرجا على مدينتهم بشاطئ الفرات البرية والبحرية ، جزاء بما عملوا ، وما ربك بظلام للعبيد »(1).
إذا ، خط العراق ، سوريا ، الحجاز ، خراسان ، سيشكل أكبر جبهات حرب قبيل الظهور ، على أن الأطراف لا تكون هادئة ، لكن هذه الجبهات بالذات تكثر فيها الحروب والمعارك ، وتصطدم فيها الرايات
بقوة (2)..
ص: 210
وهنا تذكر فتنة خاصة في بلاد العرب ، بل في بلاد الشام ، وهي «فتنة السبيطة »(1)، وهي فتنة قتلاها في النار ، يخوضها أصحاب رایتین مسلمين ، يتغالبون على أمر الدنيا ، وليس على أمر الله . وأنها « فتنة يدخل على العرب كلهم حجرها ، حتى يأتي الرجل القبر فيقول : يا ليتني كنت مكانك ، وحتى تملأ الأرض ظلما وجورا . فإذا وقعت ، بعث الله رجلا - سمته النصوص المتواترة بالمهدي علیه السلام - فيملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا»(2).
كل هذا يعني أن بلاد العرب تعاني بشدة ، وأن حظوظ العرب من العز في آخر الزمان - قبل الظهور - ضعيفة ، وأنهم زمن الظهور يكونون على قسمين منهم من يناصر المهدي علیه السلام حتى الإستبسال ، ومنهم من يقف . في جيش الجبابرة والمفسدين . نعم ، يمتاز منهم زمن الغيبة رايات مشهورة ، أهمها: الأبدال الشاميين ، والعصائب العراقيين ، والنجباء المصريين(3).. نعم أخبرتنا بعض النصوص أن «من اقتراب الساعة هلاك العرب » ، إذا هلاك العرب ، علامة على ساعات آخر الزمان القريبة من أحداث نهاية التاريخ ، وما يصير إليه أمر الأمم زمن ظهور المهدي المنتظر
ص: 211
عجل الله تعالی فرجه شریف ، حيث تتسابق إليهم القوى الكبرى لنهش ثرواتهم وقتل شبابهم ، ودمار
مدنهم وغير ذلك مما أشرنا إليه أعلاه . وأن زمن الفتنة الأخيرة ، وهي غير فتنة الدجال ، لا يبقى بيت من العرب الادخلته ..
وأنه قبل ظهور المهدي علیه السلام تنقلب أناس من العرب عما هي عليه، وكما في الحديث النبوي : « ستعبد قبائل من أمتي الأوثان قبل الساعة ، وستلحق قبائل من أمتي بالمشركين »(1)، إشارة إلى التغيرات الهائلة التي تصيب قسما من العرب ، وتريدها في ميدان الإنجراف والأباطيل المذلة المخزية ..
على أن طائفة من الأخبار أكدت أنه لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا ، ثم يقع الهرج . أي القتل . وتتابع الأمم غزوها البلاد العرب ، وهناك يقع معنى ما ورد في النصوص من قوله : « ويل للعرب من شر قد اقترب ، الويل الطويل في الأجنحة » . وما إلى ذلك من إشارة إلى الحرب والدمار والنار .. لكن تؤكد النصوص أنه إذا ظهر المهدي علیه السلام اهتدت به العرب. فيكون فرج وإخراج لها من الذل والمهانة والإستعباد والقتل والإنحراف الذي وقعت فيه .. ثم تؤكد طائفة أخرى أن من علامة الملاحم : « إذا ملك عتيق العرب و عتیق الروم » . إشارة إلى الإصطدام العنيف الذي يقع في آخر الزمان بين جبهتي الروم والمهدي علیه السلام .
ص: 212
تؤكد النصوص أنه إذا ظهر المهدي المنتظر عجل الله تعالی فرجه شریف أقام القسط والعدل العالمي بعد جور و ظلم هائل ، وأنه علیه السلام ينشر الرزق والخير والنعم والعلم والبركات ، وأن الأرض في عصره خرج كنوزها ، كما أن السماء تنزل بركاتها . وأنه يظهر من المنافع والخيرات ونتائج العلم الذي يكشفه المهدي علیه السلام للناس ما يظن الإنسان معه أنه ملك الأرض ، وأنه عجل الله تعالی فرجه شریف يرد المظالم كلها ، حتى لو كانت تحت ضرس انسان انتزعه . كما أنه علیه السلام يحكم بين أهل التوراة بتوراتهم ، وبين أهل الانجيل بإنجيلهم ، وبين أهل القرآن بقرآنهم . ويكرس الإسلام دينا تقوم الأرض والنواحي على أساسه .
وتؤكد طائفة أخرى أن المهدي علیه السلام شديد على العمال ( الوزراء ) يخط لهم طريق العدل ، فلا يسمح لهم بالإنحراف عنه أبدا ، وأنه جواد بالمال ، رحيم بالمساكين ، عطوف على الضعفاء ، وأنه عجل الله تعالی فرجه شریف يلغي الاقطاعات ، ويمنع من الإنحرافات ، ويلغي الأباطيل ، ويقطع الفساد والجبابرة ، ويقيم القسط والرحمة ميزانا لحكمه علیه السلام . وفي النصوص أنه إذا ظهر علیه السلام ينادي مناد من السماء بانقطاع مدة الجبارين والمنافقين والطغاة وأشياعهم . ويقطع به الظلم ، ويشيع به العدل والأنوار .. وأن الله تعالى يلقي محبته في صدور الناس ، وينتشر ذكره في الشعوب ، ويبلغ من عدله ورخاء
ص: 213
عصره أن الأحياء يمتنون لو كان الأموات في زمنه علیه السلام ، ليروا عدله وخيرهوبركاته . كما يتمى الصغير الكبر والكبير الصغر رغبة في التقلب بزمنه والعيش في دولته الإلهية العادلة الكريمة الرحيمة(1) ..
ويفرح الناس به فرحا عظيما ، ويرضى عنه ساكن السماء والأرض ، حتى الطير في الهواء ، والحيتان في البحار ، حيث یصلح الله به أمر الأمة ، وشعوب الدنيا ، ويرفع اختلافها ، ويؤلف بين قلوبها، ويدل على الرشاد ، وخير العباد ، ويقود الناس إلى خير المعاد ، ويقيم الإسلام دينا للناس والدولة العالمية الإلهية التي تتمتع بصفات أعظم قائد إلهي في آخر الزمان . وتبدأ معه رحلة الأخلاقية العظمى في آخر الزمن ، حيث كل شيئ على نحو من عدل ورحمة وتضامن ومحبة ومودة وتآلف ومعرفة .. ويكثر الخير وتعه البركات وينشر علیه السلام من العلم ما يذهل الناس ، حتى كأن ما تم اكتشافه من العلم والتجربة في جنب ما يكشفه علیه السلام ما هو إلا أقل من القليل ، فيعيش الناس في كنف مرحلة هائلة من الكشوفات العلمية وخيراتها ، بحيث يبدو الإنسان معها و كأنه ملك الأرض ونواميسها .
ويهنأ به أهل الأرض ، ويأتلفون ، ويعيشون محبة تامة ، وإلفة كاملة. ومعه علیه السلام يبدؤون رحلة الاستخلاف العظيم ، فيعبدون الله ، ويطيعونه خير طاعة ، ويستغلون نعم الطبيعة والكون ، وينهلون من الكرامات
ص: 214
والخيرات والنواميس ما يستطيعون معه التألق في عالم الوجود . بعض النصوص تصف لنا حالة الإلتحام المدهش بين الأمة والمهدي علیه السلام فتقول : تأوي إليه أمته كما تأوي النحل إلى يعسوبها ، ويكون الناس على مثل أمرهم الأول من الطاعة والإيمان والمحبة والتفاني في سبيل الإسلام ...
كما تكون خلافته الإلهية على منهاج النبوة المحمدية والولاية العلوية ، وفي حديث النبي صلی الله علیه و آله : «المهدي يقفو أثري ، لا يخطئ ، سته سنتي ، يقيم الناس على ملتي وشريعتي » . يعلن الإسلام دين العالم ، ونور الوجود ، وصحيفة الإستخلاف الإلهي للبشر على الأرض . فتتلهف الناس إلى الإسلام ، ويخالط لحمهم ودمهم .. وأنه علیه السلام ينفي عن الدین تحریف الغالين ، وانتحال المبطلين ، و تأويل الجاهلين والمضلين ، ويعلم القرآن والإسلام كما نزل على النبي صلی الله علیه و آله ، وكما بلغه أهل بيته علیهم السلام . يمحو الله به البدع كلها ، فيقطعها ويمنعها ، ويلغيها من حياة البشر ، ويكشف الله به مواثيق الشريعة « المحمدية » كما أرادها الله تعالی ، دون تزوير أو تأویل باطل أو تعطيل لمدلولها ، أو تحوير في حقائقها . ويفتح الله به علیه السلام باب كل حق، ويغلق به باب كل باطل .
ويسع به أهل الشرق وأهل الغرب ، ويملأ حبه قلوبهم ، وتسكن به الدنيا فتزدهر خيراتها ، وتبتهج به السماء فتهبط بركاتها . وهو علیه السلام يقيم الحق فلا يعرف غيره ، ويبطل الباطل فلا يدع له منفذا. همه أن يقيم دولة القرآن ، وأهل القرآن ، وشعب القرآن ..
ص: 215
فيفعل ما يذهل العقول ، وتهت له الأرض خشوعا ، ويعيش الإنسان مرحلة من « الطمأنينية الوجودية الكبرى » ، في ظل حفيد الرسول صلی الله علیه و آله ، الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا .
النصوص تقول بأن الله يعيد به الاسلام من غربته ، فيظهره الله به ويعيره ، ويلقى الاسلام بجرانه ، وتنتصب رايات الإسلام في كل أرض ، وتقوم في كل ناحية ، وعند كل مصر وصوب ، فلا ترى إلا عة في إسلام ، وإخلاص في إيمان .. يبدل الله به علیه السلام الأرض غير الأرض ، فإذا بها أرض طاعة كبرى ، وعدل واسع ، ورحمة عظيمة ، بعد ظلم وفحش وانحراف وجحد و کفر و فساد عظيم قد سبق ..
في عصره علیه السلام يبارك الله تعالى الأرض والسماء ، فتخرج الأرض له كنوزها ، وتنزل السماء نعمها .. وهناك طائفة مروية تتحدث عن استخراج المهدي علیه السلام لكنوز الأرض وأنه يجمع كنوز الارض فتكون كالجبل العظيم ، ويدعو الناس إليها فيجي القاتل فيقول : في هذا قتلت ، ويجيئ القاطع فيقول : في هذا قطعت رحمي . فلا ترى إلا ذائما للحرام ، يائسا منه ، محبا للحلال ، متحفزا عليه ، مفاخرا بالإسلام ، دالا على نعمه .. والكل تحت كنف المهدي المعظم في ظل الله الكريم .. ثم تؤكد الأخبار أنه في عصره علیه السلام تلبس الدنيا أبهى حللها ، وتبسط نتاج ناموسها وقوانينها ، فهي بين أيدي الناس ، في ظل قدرة بشرية هائلة في الإستفادة من الطبيعة والكون ، وذلك عبر العلوم التي يكشف عنها المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف . والنصوص في
ص: 216
هذا المجال صريحة جدا ومثيرة . وفوق ذلك ، فهو يقسم المال بالسوية صحاحا في حين الناس في خير هناء ، ورزق وفير ، ونعم لا تحصى ، حتى أن الرجل يفتش عن محتاج من بلد إلى بلد ، ومن إقليم إلى إقليم ، يقصد من أفريقيا إلى العراق ، ومن الشرق إلى الغرب ، فلا يجد محتاجا. كما حدثنا النصوص عن أن الأمة والناس تنعم بالمهدي علیه السلام في زمنه نعمة لم ينعموها قط ، فينزل الله البركة من السماء ويخرجها من الأرض ، ويملأ الله به قلوب أقته غنى، ويسعهم عدله . ويعر به أهل الدنيا كلهم . وتتعاظم في زمنه خيرات المعاش والمال والإقتصاد والثروة والأسواق والتعم المختلفة ، وتتغير الأولويات وتتحقق معاني الرحمة الإلهية بشكل مذهل على الأرض .. وتكثر في زمنه الماشية ، إشارة إلى الثروة الحيوانية ، كما يكثر الزرع، إشارة إلى الثروة النباتية ، وتقوم الأسواق على بركة الله ، فلا ترى إلا حامدا شاكرا ..
ويبدو من النصوص بوضوح شدید أن قانون الغاب ، أو غريزة الإفتراس ، تتعطل في آن ما من دولة المهدي علیه السلام ، فيرتع الاسد مع الغنم ، وتلعب الصبيان بالحيات .. وتبدأ مرحلة عظيمة من الأخلاقية الدينية ، والرحمة الإلهية ، والعدل الذي تقوده دولة الإمام الثاني عشر من أئمة آل بيت محمد علیهم السلام ، بما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على عقل بشر .. بهذا أخبر رسول الله صلی الله علیه و آله وأهل بيته علیهم السلام . وهو أمر اتفاقي بين علماء المسلمين دون فرق بين طائفة وأخرى ، وخبر محتوم لا بد أن يتحقق في آخر الزمان ..
ص: 217
تحدثنا النصوص عن فئة خاصة «شريفة »، هي بطانة المهدي وأصحابه علیه السلام، وفتته الخاصة جدا وقيادته على أهل الدنيا ، وهي المعهودة المذكورة في النصوص . وهم على عدد أصحاب بدر ، وعدد أصحاب طالوت : 313 رجلا ، كأنهم ليوث خرجوا من غابة ، قلوبهم مثل زبرالحديد ، لو هتموا بإزالة الجبال لأزالوها عن موضعها ، الزي واحد، اللباس واحد ، كأنما آباؤهم أب واحد. تخبرنا النصوص أن منهم : الأبدال من أهل الشام ، والنجباء من مصر ، وعصائب العراق(1)، وعصائب أهل المشرق ، ونصير أهل اليمن ( اليماني ) الذي يخرج من قرية باليمن يقال لها كرعة ، أو كريمة ، أو أكرعة ، كما في رواية ، وفي بعض النصوص من أصحابه حاكم يكون في أفريقية يؤدي إليه الطاعة ، ويقاتل عنه ، ويقدم نفسه وما يملك في سبيل المهدي علیه السلام ، وحاكم من ذرية جعفر بن أبي طالب ، وسبعة علماء من آفاق شتی ، وأصحاب الكهف ، والعمد في زوايا الارض ، والأخبار السياحون في الأرض ، والفارون من السفياني من بني هاشم ، وحاكم بلاد المشرق ، وشعيب بن صالح ، كما من أصحابه النفس الزكية
ص: 218
وهو الذي يقتل قبيل ظهوره العام ب 14 يوما ، أي أثناء ظهور المهدي الخاص الذي يدوم لأشهر . وأفراد عظماء من هنا وهناك، يكونون في نواحي الأرض ، يجمعهم الله في ليلة واحدة لبيعة المهدي علیه السلام.
وتؤكد النصوص أن أنصاره علیه السلام هم خيار الأمة ، وأن لهؤلاء الأصحاب دورا عظيما ، ومواقف مشهودة ، وتضحيات هائلة ، يقاتلون في سبيل الله ،ويذودون عن المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف ويأتمرون بأمره ، وهم أطوع في يديه علیه السلام من الخاتم الذي في أصبعه .. وأنهم يتحقون قرب زمن الإعلان الأعظم عن ظهوره الشريف ، ويعلنون البيعة والطاعة التامة له ، فهم فرحون ، فځورون مسرورون بظهوره الأكرم ..
وتخبرنا عن حالهم ساعة الظهور ، فتشير إلى أنهم يجتمعون في ليلة واحدة ، فمنهم من تطوى به الأرض ، ومنهم من يحمل فوق الغيم . وهم من بقاع شئی ، ونواح عدة ، قد أعدهم الله تعالى لنصرة المهدي المنتظر عجل الله تعالی فرجه شریف وقيادة دولته الإلهية المباركة . ومنذ تلك اللحظات التاريخية تبدأ رحلة الدولة المهدوية المباركة التي تبسط القسط والعدل في أرجاء الأرض ونواحيها (1)..
ص: 219
ص: 220
تخبرنا النصوص أن المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف يظهر في آخر الزمان ، بعد جاهلية خطيرة ، وانحرافات كبيرة ، وفسق وفجور و جبروت وطغيان عظيم .. وأن الإنحرافات تطال المسلمين بشدة ، وان قسما منهم يعبدون ما عبد آباؤهم قبل الإسلام ، ويعطل القرآن ، وبدل الأحكام ، وتعزل الشريعة ، فلا تجدها في سوق أو مجلس حكم أو سلوك أو قطاع عند قوم قد استبدلوا بالهدى فسقا ، وعند بعضهم استبدل كفرة ، وبالخير افتراقا ، وبالهدى ظلاما ، وعن عبادة الله امتناعا ، فهم لاقون ، جائرون ، حائرون ، لاهثون ، قتلتهم الشهوة ، وأسقطتهم الغريزة ، هم أقرب للروم ، وأبعد عن صفات أهل الإسلام ، قد فعلوا المنكر ، وأبطلوا المعروف ، وشدوا الخبائث ، وأكبروا الحرام ، و تعصبوا للآثام ، ورأوا المنگر معروفا والمعروف منكرا .!
صفة هؤلاء القوم في آخر الزمان : بناتهم تتعرى من حجابها ، سفر عما حرم الله عليها ، فهي غير منتهية أو عائفة ، ولا من عقاب الله خائفة ، تعطف القرآن على هواها ، وتضرب الإسلام ببلواها ، تدعي الإسلام وهي نصير الكفر والشيطان ، خيرت بين الإسلام والسفور ، فاختارت تعریها . قد
ص: 221
ميز الله أهل الحق، فاختارت أن تتشبه بأهل الباطل والحرام ، دعاها القرآن إليه ، فاختارت موضة أهل الكفر والآثام ، قد فسقت وتعرت ، وعصت وجاهرت ، وأغضبت ربها ، واستبدلت کتابها ، لاهية عابثة غير عابئة . فاسقة غير تائبة ، فهي داعية إلى حرام ، مشهورة في الآثام، أسفرت ففسقت ، تبذل في التعري عطاءها ثم تعد نفسها بالتوبة قبل الموت .. وهي تطعن شريعة ربها .!
أما شبابهم ..؟ فقد قادمتهم الشهوة ، وتفاخروا بالحرام ، وتعارفوا بالآثام فهم فاسقون مخالفون ، من الدين ساخرون ، عن العبادة عاطلون ، ومن التقى مرجفون ، همهم في فروجهم ، وبطونهم ، وأموالهم ، تلعنهم الأرض والسماء وهم مع ذلك ضاحكون لاهون .! أمة كثر الزنا فيها ، تعرت نساءها ، وتفاخروا بالحرام ، وتعارفوا بالآثام ، هدموا الزواج والعفة، وشاع بينهم السحاق واللواط ، و تكاثروا بالزنا ، فهم بين معطل لحكم الله ، وعازل الميثاق القرآن ، وبين متعمد للحرام ، همهم في الدرهم والدينار ، في الفرج والبطن والعرش ، في العري والموضة ، في الشهوة والنزوة ، قتلتهم شهواتهم فأردتهم المهالك ، وهم مع ذلك مصون عليها .!
تخبرنا النصوص عن افتراق السلطان عن القرآن ، عن حكومة جائرة ، وسلاطين جبابرة ، وقوانين تخالف حكم الله ، ومواثيق تعزل القرآن ، وأعراف وقيم توافق الشيطان ، ومراسيم تحذف الدين من حياة
ص: 222
الجماعة والأفراد ، ومفاهيم وعادات ومبادئ ولوائح ملزمة تمنع الدین ومواثيق الشريعة من حكومة السوق والقطاعات المختلفة في المال والإقتصاد والنقد والسياسة والإجتماع والأخلاق ، حتى يبدو الدين الإلهي معزولا من الحياة ، مهجورا من مواثيقها وسلوكها ، في ظل حکام جبابرة ، ووزراء فسقة ، وأمراء خونة ..
تؤكد الأخبار المروية أن الفتن المتتالية تقع في العالم ، ویشتد ساعدها ، وتكثر بارقتها ، ويحكم الجور والفساد ، واقتل والإضطهاد ، وأن المسلمين ينالهم من الفتن ما يعركهم عرك الأديم ، وأن هناك فتنة يطول أمدها ، فتدخل كل بيت ، وتصك كل مسلم ، ويتلوى المسلمون أمامها ، في ذل حال ، وضعف قرار ، وهوان على العالم . وأن نار العرب تشتعل بأعرابها ، وأن الجاهلية الأولى تتجسد في الأمة بأسوأ ما فيها ، وأن الناس يضيق بها الحال حتى يكثر الكفر ، وتتعاظم الزندقة ، ويقوم الجحود على عود ، ويضيق اليسر ، ويطبق العسر ، وأن المهدي علیه السلام يظهر بعد غيبة طويلة ، وبلاء عظيم ، وأن ظهوره عجل الله تعالی فرجه شریف يتحقق بغتة ، ويصلح الله أمره بأقل من ليلة . وأن هناك علامات عدة منها : انسياب الترك على بلاد المسلمين ، وموت الحاكم العباسي عبد الله (1)، وطلوغ نجم أحمر ، قبل کالشهاب
ص: 223
الثاقب ، ويطلع مثل قرن الشمس ، وأن أمر المهدي علیه السلام يصلحه الله في «ليلة » ، فيخرج من المدينة في الظهور الخاص الذي يدوم لأشهر متخفيا : إلا عن الخواص ، حتى يأتي مكة وأنه يبايع عند الكعبة بين الركن والمقام وهو كاره ، لأسباب تتعلق بالظروف آنذاك .. وفي بعضها أنه جاء إليه في = بيته ، إلى أن يخرج إلى الكعبة وتتم هناك بيعته المباركة(1).
ص: 224
تتفق النصوص على أن « الإعلان العام » لأهل الدنيا كلها ، عن ظهور الإمام المهدي المنتظر علیه السلام ، يقع بعد الخسف الكبير بجيش السفياني في بيداء المدينة المنورة والذي يكون قاصدا مكة لقتل المهدي بعد انتها که حرمة المدينة وقتل من يجد فيها من الهاشميين وشيعة أهل البيت(1) علیهم السلام .. وتشير إلى أن بيعة المهدي علیه السلام تكون سلمة ، فلا تهرق محجمة دم في
ص: 225
ذلك ، بل تحدثنا عن أن النائم لا يستيقظ لشدة السلم والهدوء الذي تقع به بيعة المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف. وأنه علیه السلام يصلي بعد بيعته قصرا ويخطب . وتهتز الدنيا بنبأ ظهوره وبيعته ، فلا تجد أحدا من الناس إلا وذكر المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف على لسانه . ويشرب الناس حبه ، إلا من الأمم الجبارة التي تزج بكل قوتها الإعلامية وغيرها لإبطال مفعول النداء السماوي مرة، وحرف الناس عن
حقيقة المهدي مرة أخرى ..
وتتحرك القوى العالمية والإقليمية المناوئة للدين والإسلام ، وتدفع بكل جهودها ، لمنع ذكر الناس الذائع في المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف ، وتضغط لإبطال أمره، وتعمل على خداع الأمم. فلا تستطيع أن تبطل الحقيقة السماوية ، فيشتهر أمر المهدي علیه السلام ، وعندها تعد الأمم الظالمة أمرها للقضاء عليه ، فتسرح له أول الأمر السفياني ، وهو رجل سفياني لئيم خبيث ، قاتل النفوس ، ناهب الثروات ، منكر الدين ، ومشعل نيران الباطل والحروب ، وعدو الإسلام . كما تحاول القوى الظالمة تخذيل الناس وصدها عن المهدي علیه السلام فتنجح في قوم وتفشل في آخرين ..
حتى إذا خسفت الأرض بجيش السفياني في بيداء المدينة المنورة ، وتم الإعلان العام عن ظهروه علیه السلام ، جهز علیه السلام جيشه ، وسار به ، فيخرج من مكة في اثني عشر إلى خمسة عشر الفأ في تسع رايات ، ويغلب على الحجاز وما يليها ، ويجيئ من الحجاز حتى يستولي على دمشق ، في ظل حروب
ص: 226
وخطوط ملتهبة ، وأمم ورايات مختلفة، منها اليماني والخراساني ، والسفياني ، وأمم من هنا وأمم من هناك ، إلى أن ينزل بیت المقدس ، وحرسه اثنا عشر ألفا أو ستة وثلاثون ألفا. وتؤكد المتون أنه يبني بيت المقدس بناء لم يبن مثله ، ويستخرج کنز بیت المقدس من رومه ويعيده إليه أو على أنه تقع معارك ضارية بين جبهة المهدي علیه السلام وجبهة الروم ، تصفها النصوص بالملحمة لشدة أهوالها وقتلاها ودمارها .وينزل علیه السلام الكوفة ، ويتخذها عاصمة لدولته الشريفة . ويجتمع فيها كل مؤمن . ويسيطر أول أمره على الحجاز(1) واليمن ، والعراق والشام ، بما
ص: 227
فيها انطاكية و كيليكيا وغيرها ، بالإضافة إلى دولته المباركة في خراسان .. ويتخذ في مناطق عدة مقرات عسكرية وغيرها لإدارة حرب الجبهات الكبرى ، منها أنه يتخذ مقرا في انطاكيا، وكذا في دمشق ، وكذا في القدس ، وفي غيرها وفق مجريات حرب الجبهات وضرورات الدولة المهدوية .. وتصف أصحابه فتقول بأنهم : رهبان بالليل ، أسد بالنهار ، شعارهم : أمت أمت ..
المهدي علیه السلام كما يقول النبي صلی الله علیه و آله: « على سنتي ، كما قاتلت أنا على الوحي والقرآن »(1)، وينصره الله بالرعب ، في وجه الجبابرة والطغاة المستبدين . يبدأ حركته علیه السلام من مكة ، في ظل عالم يملاه الفساد والإضطهاد ، فيدعو إلى القرآن ، ويرفع لواء الإيمان ، وينادي بحكومة الأنبياء والأولياء .. وبينما هو كذلك ، يجمع قوم لقتله ، فينهضون لذلك ، بزعامة أمير مكة ، فينتصر عليهم ، ويقتل أمير مکة . وتشير النصوص إلى أنه عه يقاتل سبع رايات في الشام ، ويهزم السفياني ، ويقتله بعد معركة كبيرة ، تقع في النهاية قرب بحيرة طبرية . ويسيطر على الحجاز ، واليمن ،
ص: 228
ويفتح دمشق (1)، والعراق ، وفلسطين ، ويكون حكمه أول الأمر ، ممتد من اليمن ، وصولا إلى خراسان .. وتتحالف جملة من الأول الإقليمية والدولية للنيل من جبهة المهدي وإسقاطها ، فتفشل ، وتقع جملة من الحروب الكبيرة ، والحروب الفرعية .
تحدثنا النصوص عن خطوط حرب ، فتشير إلى أنها تصل إلى الصين ، والهند ، وروما في غرب الأرض ، ثم إلى الدجال في شرقها ، وصولا إلى خروج يأجوج ومأجوج ، وما یکون قبلها من حروب وجبهات .. وبين هذه وتلك ، تخرج راية السفياني ، وجملة من حلفاءه في الشرق العربي وغربه ، وصولا إلى الترك ، وجملة أيضا من حلفاءها ، ويبدو أن هؤلاء يكونون في الشرق وليس في الغرب ، ثم جبهة الروم وحلفاءها الذين يتجمعون لقتال المهدي علیه السلام في الشرق ، فيخوضون جملة عنيفة من المعارك ، بعض النصوص وصفتها بالملاحم، ثم تتابع الحرب مسارها ، وصولا إلى الغرب ، حيث يزحف جيش المهدي علیه السلام بجيش كبير للإنتقام من جبابرة روما وجيوشها ، بعد حروب ونفوذ وسطوة وجبروت تقوده الروم قبل الظهور وتتابعه بتفاوت بعد الظهور ، وصولا إلى الملحمة الفصل التي تقع بين الروم وجبهة المهدي علیه السلام في الغرب ، والتي على أثرها يفتح المهدي علیه السلام عاصمة جبهة الروم وتصفوا له البلاد ..
ص: 229
وتؤكد الأحاديث أن المهدي علیه السلام فتح حصون الضلالة ، وقلوبا غلفا ، وأنهعشية يظهر على كل جبار وابن جبار ، ويطهر الارض من اعدائه الظلمة المفسدين ، والحكام المنحرفين ، ومن كل جور و ظلم وفساد وأباطيل . على أن هناك طائفة من النصوص تقول بأن ملاحم المهدي علیه السلام تطول مدة عشرين سنة ، وأنه علیه السلام لا يضع السيف حتى يطهر الأرض من طغاتها وبغاتها ، وأباطرة الفساد والإضطهاد . وأن الله يعز به الدين وأهله، ويذل به الشرك وأهله .
وتقول طائفة أخرى بأن أول لواء يعقده علیه السلام ، يبعثه لقتال الترك الكفار ، ويبدو أن هذا مقصود فيه الراية التي يقاتلها بعد هزيمة السفياني ، وربما بعد تحریر بیت المقدس ..
وتظهر الآيات البنات على يديه من إرث النبيين وأسرارهم ، فيستخرج تابوت السكينة من بحيرة طبرية ، كما يستخرج التوراة والإنجيل ، ويحاجج بها اليهود والنصارى ، ويبسط جملة من البينات المعجزة أمام أهل الدنيا ، ويظهر أشياء عديدة من تراث الأنبياء علیهم السلام لتؤكد مدى الحجة والعظمة التي يمتاز بها المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف من الله تعالى في وجه المشككين والمبطلين ..
ويدعو الناس كلهم إلى الله تعالى ، كما يدعو اليهود والنصارى إلى أمر الله ، وهدي النبي محمد وآله علیهم السلام . وتشير النصوص بأن قسما من اليهود والنصارى يعلنون إسلامهم وبهجتهم بالمهدي عجل الله تعالی فرجه شریف. وتلفت إلى أن
ص: 230
المهدي علیه السلام يبعث بقتال الروم ، إشارة إلى نفوذ الروم، وسطوتها في ذلك العالم ، وحضورها الذي يبدو أنه يتخذ موقعا متقدما آنذاك ، أو أنها تكون على موقع قوة وأدوات حرب تعتبر شديدة النفوذ والبطش ..
بل يبدو من طوائف بعض الأخبار أن الروم تكون ذات نفوذ في الشرق ، ولها جملة من الأنظمة السياسية التابعة في الشرق ، وأنها قادرة على تدبير جملة من الإنقلابات والتدځلات الحربية أو السياسية الفاعلة . وتعتبر الروم جبهة المهدي علیه السلام تهديدا لمصالحها في العالم ، فتدعم أكثر من راية للنيل من جبهته علیه السلام . إلا أنها كما يبدو بوضوح تكون في تلك الفترة على نحو تعاني فيه من تراجع نفوذها شيئا فشيئا ، خاصة بعد التقدم الكبير ، والإنتصارات المهمة التي تحرزها دولة خراسان ، فضلا عن إنهاك قواها في الشرق بمواجهة الترك وغيرها لخلافات استراتيجية ، منها الخلاف على ثروة قرقيسيا العراقية ، وصولا إلى هزيمة الترك والروم أمام السفياني أيضا على ثروة قرقيسيا .. ما يعني أن نفوذ الروم في الشرق يضعف ويتراجع بشدة ..
لذلك تكون على استعداد لعقد هدنة مع جبهة المهدي علیه السلام ، فتعقد هدنة وصلح مع دولة المهدي تدوم سنین ، إلا أن الروم تنقضها فتغدر ، وذلك بعد أن يغزو الروم ودولة المهدي علیه السلام الترك وجملة من حلفاءها الفرعيين فينتصرون عليهم .
ومنذ تلك اللحظة ، تعلن الروم تجهيز جيش ضخم ، بعض الطوائف تحدده بما يقرب من مليون جندي ، ثم تسرح حربها على جبهة الإمام
ص: 231
المهدي علیه السلام بعد تجهيز جيشها لمدة تزيد عن 9 أشهر . النصوص تقول بأن الروم تنقض الهدنة مع المهدي علیه السلام وتغزو المنطقة ، فترسي سفن الروم من صور إلى عكا وتبدأ الملاحم، وتشير إلى أن نصارى هذه المناطق تساعدهم أو جملة منهم. وتكون هذه المعارك عنيفة جدا ، وذات قتال وتلاحم كبير .. تنتهي بتراجع هائل بقوة الروم ، ثم تقع معركة كبيرة جدا ، عبرت عنهاالنصوص بالملحمة، في الأعماق ( بلاد الشام أو أعماق الجزيرة ) تستعمل فيها الشهب ، أي أدوات حربية مدمرة ، ولها ذيل ناري ، يعني الصواريخ مثلا .. تلتهب المنطقة بهذه المعركة ، التي تنتهي بانتصار المهدي علیه السلام على الروم فيها . كما تكون له علیه السلام حرب مع الروم برملة افريقية ، وذلك قبيل الملحمة العظمی .
أما الملحمة العظمى ..؟
فيبدو أنها أم المعارك ، حيث تتجمع الجبهة الرومية مع جملة كبيرة من حلفاءها . بعض النصوص تقول بأن الملحمة العظمى تكون مع الروم ومعهم اليهود والترك ، مع يعني أن الترك أعداء الروم يعودون فتجتمع فلولهم مع الروم ، وكذا اليهود وغيرها من ملوك ودول الروم ، ويقع الإصطدام الأكبر ، بين جبهة الروم مع حلفاءها ، وجبهة المهدي علیه السلام . النصوص عبرت عنها بصيغ تؤكد ضخامتها ولهيبها وآثارها المدمرة جدا .. وتتفاوت الشروحات في بيان موقعها ، هل في بلاد الروم أم في الشرق ، على أنهم يتفقون على أن الملحمة الهائلة تقع بين الروم والمهدي علیه السلام ..
ص: 232
كما يستفاد من طائفة أن ملحمة الأعماق تكون شديدة العنف وذات قتل وقتال عظيم . في حين يستفاد من لوازم طائفة أخرى أنه تقع معركة ضخمة بين المهدي علیه السلام والروم في الغرب ، على 4 مراحل ، تنتهي بفتح عاصمة الروم وفتح كل تلك البلاد . وفي كلمات اللاهوتيين عن هذه الضربة التي تقودها جبهة المهدي علیه السلام في اتجاه الغرب ورد التعابير التالية : « .. هذه الضربة التي يضرب بها الرب كل الشعوب الذين يجدوا على أورشاليم - أي لحمايتها وتأييدها ودعمها - لحمهم يذوب وهم واقفون على أقدامهم ، وعيونهم تذوب في أوقابها ، ولسانهم يذوف في فمهم»(1). عبارات ربما لا نجد لها تفسيرا إلا ما قاله اللاهوون من أنها : « كالضربة الهيدروجينية »(2).
قال أهل اللاهوت في التفسير - عن سقوط رومية -: «لقد حدثت بروق ورعود وزلزال عنيفة . فالرعود والبروق تدل على قوة الله .. وترمز إلى اضطراب عنيف في كل السلطات من أعلاها إلى أدناها .. وتسقط كل مقومات الحياة الإجتماعية، وتتداعی وتنهار بشكل جاد وعلى نطاق واسع (3)». وعن جهتهم التي جاءوا منها ؟ يقول الشراح اللاهوتیون : « لقد جاءوا من هناك إلى هنا ! يحملون شعار « الله محبة » ! ليعيشوا مساء هم الذي تغرب شمسه إلى الأبد »(4)
ص: 233
وبعد هذه الضربة الهائلة التي لم يشهد التاريخ البشري مثيلا لها، صور لنا « سفر الرؤيا » هذا الذعر الهائل الذي يسيطر على زعامات روما وأباطرتها وملوكها وأرباب جبروتها فيقول : « .. وملوك الأرض والعظماء والأغنياء والأمراء والأقوياء ، وكل عبد و کل حز، أخفوا أنفسهم في المغاور ، وفي صخور الجبال ، وهم يقولون للجبال والصخور اسقطي علينا؟ واخفينا من وجه الجالس على العرش ( إشارة إلى المهدي المنتظر علیه السلام )، ومن غضب الحمل(1) ( إشارة إلى السيد الفارسي الأشوري الخراساني ) إن يوم الغضب العظيم قد جاء ، ومن يقوى على الوقوف أمامه ..!»(2).
وهذه كما ترى : شديدة التطابق مع مصادر الإسلام ورواياته .! على أن نص سفر الرؤيا ينقل لنا رعب الأمراء والملوك والقادة وهم يقولون للجبال والصخور اسقطي علينا ! ، أخفينا من وجه الجالس على العرش ..! إنها أضخم لحظة رعب من عظمة المهدي ولي الله الأعظم ..! .
ثم يقول الكتاب المقدس – ناظرا إلى الخسائر الهائلة التي تكبدتها الروم وحلفاءها في تلك المعركة - : « . ورأيت ملاكا .. ينادي الطيور بصوت عال قائلا : هلمي ، اجتمعي معا إلى وليمة الله الكبرى ! تعالي والتهمي لحوم الملوك والقادة والأبطال والخيول والفرسان »(3). إشارة إلى حجم القتل والعنف والجحيم الذي سطرته أعنف معركة في تاريخ
ص: 234
الحروب .. يقول صلی الله علیه و آله - واصفا واحدة من سلسلة المعارك الأعنف بین جبهة المهدي علیه السلام والروم بقوله - : « . فيقتتلون شهرا، لا يك لهم سلاح ولا لكم ، ويقذف الطير عليكم وعليهم ، فإذا كان رأس الشهر قال ربكم اليوم أسل سيفي فأنتقم من أعدائي وأنصر أوليائي ، فيقتتلون مقتلة ما رئي مثلها قط ، حتى ما تسير الخيل إلا على الخيل ، وما يسير الرجل إلا على الرجل »(1).إنها حرب الفصل النهائية بين وجود روما الجبارة التي كانت تقود دنيا النظام العالمي ونهايتها .!
على أن جيوش الروم تغزو المنطقة من قبل في ثمانين غاية تحت كل غاية اثنا عشر الفا أو عشرة آلاف ، وبعد سلسلة معارك تنهزم الروم شيئة فشيئا ، حتى تصل إلى غرب الأرض وهناك تقع معركة الفتح . وتخبرنا الأحاديث أنه في « الملحمة الكبرى » يقتل سبعوث أميرا من المسلمين يبلغ نورهم السماء . إشارة إلى عظيم التضحيات التي يقدمها المسلمون في تلك المواجهة مع الروم ، التي تستعمل فيها أعنف الأسلحة المدمرة .. وتشير إلى أنه بعد هزيمة الروم في الملحمة العظمى ، يتوجه المهدي علیه السلام إلى بلادهم ويفتحها ويقتل منهم 600 ألفا ، كما يفتح مدائن الشرك . تقول النصوص : يفتح بلاد الروم(2)، ومدينة رومة ، ومدينة قاطع البحر . يفتح القسطنطينية
ص: 235
وجبال الديلم . وتحدد جملة من الأوصاف لعاصمة الروم التي تذوق واحدة من «المعارك القاسية » ، فتنهار صروحها وسواترها .. وتؤكد بإطناب أن المهدي علیه السلام يملك العرب ، كما يملك الأرض : مشارقها ومغاربها، فلا يبقى إلا من يقول : لا اله الا الله ، محمد رسول الله . تحت ظل ولاية أئمة الله تعالى في أرضه بقيادة وسلطان المهدي علیه السلام ..
وتتعدل موازين المعركة زمن فتنة الدجال ، وتنتهي بذوبان الدجال في معركة كبيرة ، على أثر نزول نبي الله عیسی بن مريم علیه السلام ، والذوبان يعني أن حرب ذيبة إلى درجة أن جيش الدجال يتمزق تمزيقا، حتى الحجر يقول : يا مسلم هذا يهودي تعال فاقتله ، دلالة على الإنكشاف الهائل الذي يصيب الهيود ، والموت الذي يحيط بهم .. . .
وتكون نهاية المعارك الضخمة مع عسكر « يأجوج ومأجوج » الذين يزحفون بقوة هائلة نحو ما نطلق عليه اليوم إسم الشرق الأوسط، ويطلبون بیت المقدس ، فيأتي الدود عليهم ، دود النغف ، فيبديهم عن آخرهم ، ولا أدري إن كانت هذه عبارة عن حرب جرثومية أو بيولوجية وغير ذلك ..
ص: 236
تتفق النصوص بالتواتر على أن للمهدي علیه السلام غيبتين ، الثانية منهما تطول ، ولا أحد يعرف لحظة ظهوره الأعظم ، وأن روايات أهل البيت علیهم السلام كثيرة جدا التي تقول : كذب المؤقتون . وأنه عندما يظهر علیه السلام ، يظهر بصورة شاب ، بعمر أربعين سنة . وأنه يحسم المعارك بسرعة ، ويبطل الجور والإضطهاد ، وينتقم من الجبابرة والظالمين ، ويقمع الطغاة والمفسدين ، ويحكم الدنيا بالعدل . وتؤكد أن معاركه لا تطول كثيرا. هناك رواية تحددها بعشرين سنة . فيما غيرها يحدد معاركه وملاحمه أقل من هذا بكثير. هناك رواية تحدد حروب المهدي علیه السلام بسبعة أشهر . لكن الأكيد أن حروبه لا تطول ، وأنه يحكم العالم بالقسط والعدل الإلهي .
وعن حياته علیه السلام بعد الظهور .؟ قالت متون : يعيش ما شاء الله ، إشارة إلى طول عمره عجل الله تعالی فرجه شریف . بعضها الآخر حدد أزمانا غير أزماننا ، أي يومه أطول من يومنا ومختلف عن يومنا ، وهذا ربما سبب اختلاف التقديرات (1)..
ص: 237
بعض النصوص الضعيفة قالت يعيش : سبعا ، و تسعا ، وعشرا ، وعشرين ، وأربعين .. وغير ذلك .
لكن الصحيح من جملة النصوص أن المهدي علیه السلام يعيش عمرا مديدا في دولته الإلهية . وأنه يعيش ما شاء الله .. وربما ورد تعبیر 7 و 9 إشارة إلى مراحل معينة ، فإن كان المقصود كذلك ، فهو ممكن الجمع مع الطوائف التي تشير إلى أنه يعيش ما شاء الله . أي عمرا مديدا .. وليس صحيحا أن امرأة يهودية تقتله .
ص: 238
وتضيف بعض النصوص أنه يكون له خلف من أهل بيته ، وهناك رواية ضعيفة ومعارضة بشدة تقول بأن القحطاني يملك بعده عشرين سنة . في حين طائفة من الروايات تشير إلى أن زمن « الرجعة العظيمة » يبدأ في أواخر عمر المهدي علیه السلام ، وهناك نصوص تقول بأنه أول من يرجع إلى الدنيا هو « الإمام الحسين علیه السلام ».ما يعني أن عصر دولته الإلهية يكون - نسبيا - على مشارف الآيات العظيمة التي تشكل واحدة من العناوين الضخمة في مسار البشر نحو عالم الله الأعظم . ( شملنا الله برحمته، وعرف بيننا وبين النبيين والأولياء الوصيين ، بمحمد و آله الطيبين الطاهرين ) ..
تحدثنا الروايات عن جاهلية ثانية ، تضرب بلاد المسلمين والعرب ، وفتن قوة وعنيفة تضربهم ، فتنة المال والشهوات والجوع والحروب والقتل والإبادات .. وتؤكد أنه تحدث على الامة الاسلامية جاهلية أشر من الجاهلية الأولى ، معها يعود الاسلام غريبا كما بدأ . بحيث يكون القابض على دينه كالقابض على الجمر . بعض النصوص عبر عن الثابت على دينه كالقابض على الشوك . لشدة ما يعاني من آثار ووطأة الجاهلية الثانية التي تتجلی بالإنحراف الهائل عن الإسلام ، والقمع الكبير لمواثيقه وللعاملين به، فضلا عن زج كافة طاقات المجتمع والسلطة لتوهين أمر الإسلام .. فلا ترى إلا ذاما لله ، منكرا عليه ، مقبلا على الدنيا ، متجاهلا أمر الآخر ، فاعلا للحرام،
ص: 239
مشتهرا بالآثام ، مفاخرا بالحطام .. حيث يأتي زمان على الناس ، لا يعرفون فيه من الإسلام إلا إسمه ، ومن القرآن إلا رسمه ، يومها يتغالب الناس في الدنيا ويسخرون من أمر الآخرة ..
وتحدث فتن عديدة في بلاد المسلمين ، منها فتنة الفروج والدينار ، وفتنة الأهواء والأباطيل ، وصولا إلى فتنة الجوع والقتل والغزو والحروب فضلا عن هجمة الأمراض .. وتتواصل هذه الفتن ، وتصك بيوت المسلمين ، حتى ظهور المهدي علیه السلام ، وتكون الفتنة الأخيرة طويلة ، وهي التي يظهر على أثرها المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف ، هذه الفتنة تدخل كل بيت ، وتستحل فيها الدماء والاموال والفروج ، و كل المحارم . ويكون المناخ العام في تلك الفتن بجانب الكفر والنفاق والإنحراف والظلم والفساد والعبثية والجهل، وأصحاب الغرائز ، وعازلي الدين ، ومعطلي الشريعة ، وأهل السطوة الطغاة الناكرين الشريعة الإسلام .. وتتنقل الفتن في قلب الأرض وأطرافها ، بین شرقها وغربها ، بتفاوت بين هذه وتلك ، على أن المسلمين يعر کون فيها عرك الأديم ، ويخضون فيها خض اللبن ، حتى يذلوا كل ذلك ، إلا قلة منهم ، كأهل خراسان ، الذي يثبتون على الحق، فيعانون من ظلم الزمان ، و كفر أهله ، وقيام جوره وشره ، فيبنون قوة ترهب أعداءهم ، ويثون ثباتا مذهلا على الإسلام ، ويحمون دولتهم ، ويقيمون أمرهم على عزة في الدين وقوام في العلم ، ومنعة في الدولة ، وتعظيم لأهل الإسلام والقرآن (1) .
ص: 240
وتؤكد النصوص هدير الفتن وتنقلها ، وأنه كلما أطفؤوا نار فتنة اشتعلت أخرى، ولا يهدأ منها جانب إلا جاش جانب آخر، حتى يظهر المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف.. وتكون في آخر الزمان أمور كريهة شديدة وعظيمة ، ففي غيبته علیه السلام تضل الامم عن أديانها ، وعبد الوثن ، ويعظم الفرج ، وتكثر الأباطيل ، وتزهو الأوثان ، ويعصي الله جهرة ، في ظل سطوة لباطل ، ومجد الحرام ، وحكم لجبابرة ، وفساد وزنا وآثام تقوده أجساد النساء وأسواق الرجال ، حتی يوردوا الناس في المهالك ، ويسقطونها
في كل مسقط ..
تؤكد النصوص أنه في سنة ظهوره عجل الله تعالی فرجه شریف يزداد اختلاف الناس بعد شهر رمضان ، وتظهر حاجة شديدة في الجوع ، والخوف والفزع، وصولا إلى قيام الفتن والحروب في أكثر من منطقة ، منها المذبحة التي ترتكب في منی من موسم الحج(1). وتغزو بعض الدول الكبيرة ( الروم والترك ) بلاد
ص: 241
ص: 242
المسلمين ، لثروات تطمع فيها ، النصوص صريحة جدا في ذلك . حيث تتداعى الأمم على بلاد المسلمين ، طمعا في ثرواتهم ، فلا يملك المسلمون عصا يدافعون بها عن أنفسهم ، بعد أن قتلتهم شهوة الفرج والزنا والتعري والحرام والآثام وهجروا الإسلام ، بل هم مجرد كثرة لا قيمة لهم ولا وزن . وكما في النص « هم كثر ، لكنهم غثاء كغثاء السيل ». وتشن حملة عالمية أو دولية كبيرة على الجهاد ، حتى يصبح الجهاد تهمة، وصفة إجرامية إرهابية ، ومشكلة يعير بها المسلمون ، في ظل هجمة ثقافية هائلة على بلاد المسلمين ، والمسلمون يلهثون وراء بطونهم وفروجهم وأقاصيص موضتهم في ظل انحراف وفساد عظيم . النصوص صريحة في أن المسلمين يعطلون الجهاد ، ويصبحون أمة هزيلة ذليلة مغلوبة إلا من قلة على رأسهم أهل الشرق أصحابالرايات السود الخراسانيين .
أكثر من ذلك : تخبرنا النصوص أنه في ذلك الزمن يعطل القرآن ، ويهجر الإسلام ، ويحكم بغير ما أنزل الله ، ويشتهر الرمان بالخصيان والنسوان ، أي باللوطيين والزانيات اللواتي يبعن الفروج . ويعطل المسلمون الجهاد في آخر الزمان ، وهم مقهورون ، فلا يثأرون لأعراضهم ، أو ثرواتهم أو دينهم أو ديارهم .. بل تراهم أحياء أمواتا . وتثور الحروب ، وتغزو الجيوش بلاد المسلمين ، فلا من مجاهد ولا من ناهض بأمر الله إلا قليل ، وقليل جدا .. ولا تضع الحرب أوزارها حتى ينزل عیسی بن مریم علیه السلام
ص: 243
وهناك تقع حرب المهدي علیه السلام ضد الدجال ، ويكون المسيح علیه السلام وزير دفاعه في تلك المعركة. ثم تكون خرج اليأجوجيين والمأجوجيين الضخمة ، والتي تباد بدود النغف ( ربما هي حرب جرثومية أو غيرها ..!).
أيضا تخبرنا الأحاديث أن الكفار ، في آخر الزمان ، يملكون قبل ظهور المهدي علیه السلام الأنهار الخمسة : سیحون وجيحون والفراتين والنيل . ويؤتى بشيئ من المشرق ، وشيئ من المغرب يحكمون الامة وبلاد الإسلام إلا قلة منها ، ويخضعون لاستعمار أحمر ، واستعمار أبيض ، استعمار بالدم والقتل والغزو ، واستعمار بالأسواق والسلع والوكالات والثقافة والبضائع والخدمات والغرائز والشهوات وغيرها .. استعمار ينهار معه المسلمون ، وتضعف كلمتهم إلى حد الدهشة . إلى درجة أن المشركين يستخدمون المسلمين ، ويبيعونهم في الأمصار ، وتعود سوق النخاسة من جديد ، بيعة للنساء والأطفال ، لتوفير خدمات جنسية وأعمال دعارة للشرق والغرب ، فضلا عن بيعهم لأسواق الطب وأعمال السخرة والإتجار ..
ومع أن كثيرا من الشراح كانوا يستهجون أن يعاد بيع النساء والأطفال ، بل والرجال .. إلا أن عصرنا هذا يباع فيه كل عام أكثر من 5 مليون إمرأة ، أكثرهم أو فيهم غالبية كبيرة من المسلمات ، فيما يباع أكثر من 2 مليون طفل أيضا ، كل ذلك لسوق الدعارة والسخرة في الغرب والشرق . وأن الغرب الأمريكي الأوروبي يستحوذ على أكثر من 80 في المئة من هذه السلع البشرية التي يستخدم غالبها الأعظم في الدعارة دون
ص: 244
فرق بين نساء أو أطفال .! أما استعمال المشركين للمسلمين ، فهو أكب ظاهرة اليوم ، حيث المسلمون أذلة مستنزفون ، فيما المشركون الغربيون يسيطرون على زمام النظام النقدي المالي التجاري التقني الثقافي العسكري والسياسي ، ويستعمرون بلاد المسلمين بذل وقتل وعار ونهب وإذلال هائل .. ثم تخبرنا النصوص بأن الناس آنذاك بيأسون من الفرج ، ويقول القائل عن المهدي علیه السلام :« هلك ، في أي واد سلك »(1).. وتؤكد أنه يكون لليهود آنذاك دولة وجولة في آخر الزمان ، وأن القرآن حدث عن علوین لهم ثم هزيمتين ، الأولى هزيمة نكراء ، والثانية هزيمة كاملة وهائلة ..
ثم قاتل اليهود المسلمين ، إلى أن يتم الله نصرة للمسلمين في معركة تحرير بيت المقدس . النصوص تقول بأن الذي يحرر بیت المقدس في آخر الزمان هو قائد أهل المشرق الخراساني صاحب الرايات السود . ثم تقع جملة من حروب هائلة ، يشارك فيها دول إقليمية وعالمية كبيرة ، الإخراج الخراساني من القدس ، ويتواطأ الروم والترك والراية المغربية(2) ثم
ص: 245
السفياني وجملة أخرى من القوى ، وتهاجم الترك أراضي خراسان فجأة وتحتل قسما من أراضيها ، مستغلة وجود معظم جیش الخراسانيين في الخارج ، فيخرج الخراسانيون من القدس ليدافعوا عن أرضهم فيخوضوا أعنف المعارك في وجه الترك التي تنهزم على أثر المعارك فتخرج من الأراضي الخراسانية ، ويبدو أن قسما منها يتجه نحو ثروة قرقيسيا في العراق ..
ثم تكون الجولة الأخرى على اليهود من المهدي علیه السلام وعلى يديه ، فيندثرون فلا يبقى لهم مركز قوة . وتتزايد أهم بيت المقدس وأرضه . ثم يعودون فيخرجون مع الدجال ، فيمزقهم المهدي علیه السلام تمزيقا ، حتى يقال : یا مسلم ، هذا يهودي فاقتله .
على أن الأرض قبل ظهور المهدي علیه السلام تمت ظلما وفسادا ، وتضرب قوة الطواغيت وفسادهم وثقافتهم الإنحرافية وأخلاقهم الغرائزية في كل ناحية وصوب ، حتى تمتلأ الأرض فسادا واضطهادا وانحرافا وباطلا إلا في جنبات قليلة و كور صغيرة ، قياسا على أهل الأرض و كياناتهم.
ص: 246
تؤكد النصوص بدقة أنه قبل ظهور المهدي علیه السلام يخرج أصحاب الرايات السود من المشرق ، وهم الخراسانيون الإمامون الذين يوطؤون للمهدي سلطانه . ويمهدون له، ويدفعون رایتهم إليه ثم يمضون يقاتلون بين يديه أبد الدهر.
على مقربة من الظهور الشريف ، تتحرك الترك ، فينسابون إلى بلاد المسلمين ، ويبدو أن الترك هم من جملة دول الإتحاد السوفياتي السابق . وتشير الأخبار إلى إعلانهم حربا مفاجئة على الخراسانيين بعد أن يحرر الخراساني بيت المقدس ، ثم يتم تحالف بين الروم والترك واليهود والراية المغربية ، وفيما بعد السفياني ، لإخراج الخراسانيين في فلسطين ، ثم يهاجم الترك الأراضي الخراسانية فتزحف جيوش خراسان للدفاع عن أرضها ، ثم ينساب الترك على العراق طمعا بثروة قرقيسيا، وهناك تنفرط الأحلاف ، فتتقاتل الروم والترك والسفياني ك ضد بعضهم البعض ، في ظل خلاف هائل وحروب ضارية على ثروة قرقيسيا ، وفي النهاية لا ينال هذه الثروة أحد، إلا الخراساني الذي لا يشارك في تلك الحرب . حيث يخوض معركة جبارة في وجه العباسي والسفياني إلى أن يفتح العراق ويحوز هذا المال لصالح جبهة المهدي علیه السلام دون أن يكون المال سبب هذه الحرب ..
ص: 247
واللافت أنه في أول خطوط الحرب التي تسبق ظهور المهدي علیه السلام ينساب الترك على بلاد المسلمين ، ويختلف الروم والترك ، ويخرج أهل المغرب إلى مصر، وهناك مضمون رواية تقول بأنه ينساب أهل الغرب إلى مصر ودمشق ، على أن النصوص صريحة في أن الروم تخوض معركة هائلة هي أول الملاحم في الاسكندرية ضد نجباء مصر الإماميين دعما لحاكم مصر المعزول الذي كان يحمي مصالح الروم وينهب ثروات مصر لصالح الروم الكفرة المستبداین .
النصوص تقول بأن أول الملاحم هي دخول الروم الاسكندرية ، ثم تختلف الروم والترك ، وينزل الترك الجزيرة والفرات والحيرة ، وينزل الروم فلسطين ودمشق . وتكثر الحروب في الأرض ، وينال المسلمين منها أمرها وأصعبها ، ويداسون بذل مهين وقتل مرير .. على أن فتنة بلاد الشام تدوم حتى يظهر المهدي علیه السلام ، ولا ندري حقيقة هذه الفتنة ، لكنها فتنة صعبة ، ودموية وهائلة .. بعضهم كان يرى أنه ممكن أن تكون عبارة عن فتنة اقامة دولة لليهود وامتداداتها مثل شر الروم الغربيين وطغيانهم وفسادهم . والله أعلم بحقائق الحال ) ..
الثورات كثيرة ، لكن المهم منها جملة من الرايات المتصلة بالظهور ، منها : خروج الأصهب في بلاد الجزيرة ، والجرهمي في الشام ، . والقحطاني من اليمن ، ثم السفياني في الشام . بالإضافة إلى أحداث جسام هنا وهناك . وفراغ سياسي أو ضعف وهشاشة وصراع قبائل في الحجاز ،
ص: 248
وموت حاكم العراق القوي وخلاف عسكري على الملك من بعده ، وظهور ثروة جوفية ينكشف عنها الفرات يتقاتل عليها أهل الشرق وأهل الغرب ، عند قرقیسیا ، قرب دير الزور السورية ، أو في المثلث التركي السوري العراقي ، حيث تدور حول هذا الكنز الكبير رحى المعارك الإقليمية أولا ثم الدولية ، ولا تنتهي بسيطرة أحد ، إلى أن يحوزه الخراساني الذي لا يشترك بتلك المعارك ، وذلك لصالح جبهة المهدي علیه السلام بعد جولات مختلفة من الحروب حول القسط والعدل وليس حول الثروة والمال .
تؤكد النصوص أنه في سنة الظهور الشريف يكثر الاختلاف بین الناس ، كما تكثر الزلازل . على أن الحروب والفتن الدموية وتجييش الجيوش الدولية والإقليمية خاصة لأهداف تتعلق بالعراق وسوريا ، والمنطقة الشرق أوسطية ، تعتبر من خصائص سنة الظهور العظيم (1)..
ص: 249
النصوص في هذا المجال مثيرة ، فهي تركز على أوصاف غير حسنة يتصف بها جملة من حكام المسلمين في آخر الزمن ، تشير إلى ضعفهم وهشاشة أمرهم ، وعزلهم لقوانين الشريعة ، واستبدالهم قوانين الإسلام بغيرها ، بعض الأحاديث تؤكد افتراق السلطان عن القرآن ، والبعض الآخر يصفهم بالحكام الجبابرة أو الائمة المضون ، مشيرة أنهم سيحكمون الأمة قبل ظهور المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف، ويكون بينهم خلافات وفتن ، وحق وقطايع ، وانحرافات و تبعات ، ونکایات وضعف وهشاشة وما إليه ، وأن الأمر يصل بهم إلى عزل القرآن عن حياة الأمة والدولة ، واستبدال قوانين الشريعة بغيرها ، والإستهداء بأئمة أهل الباطل ، وأنهم أئمة ممضون ، وما إلى ذلك من الأوصاف التي تشير إلى افتراق عقيدة الدولة الحقوقية والأخلاقية والثقافية والإجتماعية والاقتصادية والسياسية عن مواثيق الإسلام ، بدعم ومباشرة من الحكام المتسلطين على الدولة ومراكزها و مؤسساتها . ثم تلفت النصوص إلى أثرهم النافذ في قيادة الجماعة السياسية آنذاك على نحو مثير من انحرافات أخلاقية وثقافية واجتماعية واقتصادية وغيرها، تتعارض ومواثيق الإسلام . حدثنا نصوص آخر الزمان عن حکام فجرة ، ووزراء خونة ، وفقهاء فسقة ، وأعوان ظلمة ، وأنة ضعيفة هشة ، تنعق مع كل ناعق ، وتميل مع كل ريح ، لم تستوثق بركن العلم والدین .
ص: 250
تخبرنا النصوص عن حکام وأمة ضعيفة أمام فرجها وبطنها و کرسیها ، همها في شهوتها ونزوتها ، أمة فسدت بنائها فتعت ، وفسق شبانها فانحرفوا ،أمة أو بعض هذه الأمة يعرف في العالم بثرواته فتتداعی عليها الأكلة الجبابرة ، فلا تملك عصا تدافع بها عن نفسها ، أمة يفاخر حاكمها بافتراقه عن القرآن وعزل الإسلام ، فتبعه على خطاه ، فيعود الداين غريبة كما بدأ ، ويبدو المؤمن كالقابض على الجمر .
ثم تؤكد خطورة انحراف الحاكم في آخر الزمن ، مشيرة أنه أخطر على الأمة من الفقر ، والاعداء الخارجيين ، لما يتبنى ويقود من انحراف فيضل به أمته وناسه . بعض المتون تؤكد أنهم أخطر من الدجال وفتنته، وتصفهم بأنهم سبب انحطاط الأمة وضعفها وخواءها وذلها الذي تقع فيه . في حين طائفة أخرى تشير إلى أن هؤلاء الخام الخونة ، هم عقوبة لهذه الأمة على معاصيها ، أي كما تكونوا يولى عليكم ، فهم جماعة مات فيهم الحق، واعتر الباطل ، وعصي الله في نواديهم وهم فرحون .. وأن المسلمين يصلون إلى هذه الحال الذليلة الإنحرافية إذا تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وحينها وقف بعض المسلمين مندهشا وهو يقول : أيكون ذلك یا رسول الله ! فقال صلی الله علیه و آله : كيف بكم إذا تركتم المعروف وفعلتم المنکر، فقال : أيكون ذلك يا رسول الله ، فقال صلی الله علیه و آله : كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا ، فقال القائل : لا أبقاني الله لذلك اليوم،
ص: 251
فقال صلی الله علیه و آله: إذا كان ذلك كذلك ، سلط الله عليكم شرار قومكم ، فيدعو خیار قومكم فلا يستجاب لهم.
أي إذا فسدت الأمة ، وعزلت الإسلام ، عندها تتغير معايير الحلال والحرام ، ومعها يتسلط على السلطة والدولة والمجتمع ما هو منهم ، أي من الفسقة المنحرفين ، الذين يحللون الحرام ، ويحرمون الحلال ، ولا يلتفتون إلى الشريعة ومواثيق القرآن ، فعندها يدب الفساد ، وتكثر الفتن ، وتصبح الشهوه ربا ، والمال عزا، والحرام فخرا ، والزنا جهرا، والربا مهرا ، حتى يقل الحلال ، ويكثر الحرام ، ويشيع الفساد ، وينتشر الظلم ، فلا تجد إلا ذاما الله تعالی ..
وتؤكد أن هؤلاء الحكام الضالين يكونون بعد مرحلة النبوة والملك العضوض ، ومنهم من يسفك دماء عترة النبي صلی الله علیه و آله ويبالغ في قتلهم و تشريدهم وحبسهم والتنكيل بهم ، ويفسد في الأرض ، ويفاخر في الآثام والحرام ، ويكابر في الخروج على أمر الله ونهيه . لذا يوصي النبي صلی الله علیه و آله الأمة بقانون قاطع : إذا افترق السلطان عن القرآن فالزموا القرآن .
تتحدث النصوص عن صفة هؤلاء الحكام المضلين ، فتشير إلى أنه الصفة الرئيسية لهم أنهم يعزلون الإسلام ، ويمنعون حكومة القرآن من التحقق ، ويحولون السلطة إلى أداة مبتدعة وفق لوائح ومراسيم خاصة تتصل بغايات مادية لا قيمة للروح فيها أو معاني الوجود أو مفاخر السماء .
ص: 252
ومع أنهم مسلمون ، إلا أنهم يمنعون حكومة القرآن من التحقق، ويستبدلون المواثيق الأخلاقية والإجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها مما نص عليها الإسلام ، بغيرها من الحقوقيات والأخلاقيات الإنحرافية التي
تشرع الربا والزنا ، والحكرة، وتتسامح مع اللواط والسحاق ، وأكبر همها الترفيه على قاعدة : الرقص والطبل والتعري والشهوات ونقل خصوصیات الذكور والإناث للجمهور والعيان وفق أمناط مختلفة ، فضلا عن تحویل نظر الجماعة نحو الدنيا ونسيان الآخر، والتعامي عن حقائق الوجود وشروط الحياة وضرورات الإستخلاف الإلهي على الأرض . النصوص تصف هؤلاء الحكام المنحرفين بأنهم السفهاء الظلمة الكذابون ، وأنهم خبثاء وشرار الامة.
لتؤكد أنهم لا يعرفون العدل ، ولا الإستقامة الضرورية في السلطة وقيادة الجماعة وشؤون المجتمع والأفراد ، وأنهم يسومون المسلمین سوء العذاب ، ويشتهرون بالقوة على ناسهم ورعيتهم دون وجه حق، وبالخروج على الحقوق،
كما يمتازون بالزعامة والخصوصيات الخارقة للقيم الشرعية ومعاييرها . وأن فيهم الأمراء الكذبة ، والوزراء الفكرة ، والأمناء الخونة ، وأنهم يكثرون من الحرس والحجاب ، ويمنعون الحقوق ، ويحتكرون الأموال ، ويظلمون الناس ، ويعصون الله جهرة ، ويبالغون في الآثام . وأن من ميزة هؤلاء الحكام ، إقبالهم على النساء والشهوة والغرائز بغير ما أحل الله، وأنهم يحكمون في أمور الناس الجواري ( العاشقات والمغنيات
ص: 253
والراقصات والسافرات ) ، والصبيان ، أي من ليس بأهل لإدارة الحياة السياسة للجماعة المسلمة وحفظ حقوقها وتأمين مصالحها ، وضمان مسیرها الدنيوي والأخروي . لتصفهم النصوص بأن وجوههم وجوه الآدميين ، في حين قلوبهم قلوب الشياطين ، قد هجروا الدين ، وعزلوا الإسلام ، و کرسوا ما يخالفه ، وسوقوا ما يعانده ، واشتهروا بالأباطيل . أعمالهم خليطة مما يعرف المسلمون وما ينكرون ، يشتهرون بالوعود الكاذبة والمشاريع الحاقدة ، والنفاق في القول والعمل، والسياسات الفاسدة والمقاصد الضالة ، والكذب في القول ، والإنحراف في العمل ، والكثرة في القول والقلة في الفعل ، بعض النصوص تصفهم بأنهم يقولون ما لا يفعلون ، ثم توصي بأن أدني ما يجب تجاههم هو جهادهم بالقلب ، فهم سفلة ظلمة ، يسطون على مال الأمة وطاقاتها، وسلطانها وثرواتها، فيفسدون ، ويسفكون دماء المسلمين ، وينهبون أموالهم ويخرجونهم من نور الإيمان إلى ظلمة الطغيان .
كثيرا ما تصفهم النصوص بأنهم مفسدون ، ظالمون ، مغيرون ، مستبدون ، لا يراعون حقوق المسلمين ولا دماءهم . بعض المتون تقول بأنهم يفسدون في الأرض وفي الأمة ، ويسطون على أموال المسلمین بغیر حق، يمنعون الناس حقوقهم ، يغيرون الأحكام ، يهجرون القرآن، يسلبونهم حريتهم الشرعية فيستعبدونهم ، همهم في السيف والسلطة والمال والثروة ، رغمون المسلمين على أن يحسنوا قبيحهم ويهتفوا به ،ويصدقوا
ص: 254
كذبهم ، ويمدحوا منكرهم ويفاخروا بفسادهم ، فهم من أهل المنكر ، جبابرة ظلمة ، يجبرون الناس على إطاعتهم في الباطل ، والتزام الحرام ، في السياسة والإجتماع والأخلاقيات والثقافات وغيرها . ثم تؤكد أنهم يعزلون القرآن، ويهجرون الإسلام ، ويقضون بين المسلمين بالباطل وقوانین الطاغوت الذي أمروا أن يكفروا به ، ويشيعون في دولتهم الحرام ، يحكمون لأنفسهم بما لا يحكمون فيه للمسلمين ، فهم أئمة أهل الباطل الذي يدعون إليه في السياسة والإجتماع والإقتصاد والأخلاق وغيرها ، وبه يشتهرون .
أكثر من ذلك :
فإنهم يجبرون الناس بقوة السلطة على طاعتهم في الحرام ، فمن أطاعهم فتتوه عن دينه ، وأخرجوهم عن ملته ، ومن عصاهم عاقبوه ، ونکلوا به ، وبعض الأحيان قتلوه ، قد غيروا وبدلوا وعزلوا وانحرفوا ، استبدلوا دينهم ببضاعة بخس من شهوة الروم وجماعة أهل الحرام والآثام ، همهم في بطونهم وفروجهم وعروشهم وحقيبة أموالهم .. يعرفون بكثرة المدح فيهم ، يحبون من يمدهم ، ويعاقبون من يذهم، يشترون دین الناس بقليل بخس من متاع الدنيا فيخسر المرء دينه بسبب ولائهم على الباطل ، فيمسي مؤمنا ويصبح فاسقا . فما أسرع الميل من الآخرة نحو الدنيا ، ومن الإيمان نحو الفسق والحرام ، بعض النصوص تقول بأن المرء مسي مؤمنا ويصبح كافرا ، لكثرة ما في تلك المجتمعات من حرام في شهوة أو مال أو سوق أو ربا أو رشوة أو غش أو سحت أو سياسة أو اجتماع أو ثقافة عصي الله فيها لكنها ميزة اجتماعية أو سياسية أو ثقافية أو جمالية في تلك
ص: 255
المجتمعات ، وبها يفاخرون .! إذا الإنسان في آخر الزمان بين أن يطيع السلطان في هجر الدین و تعظيم الطاغوت والفساد ، أو أن يتبرأ من ذلك ، فيميل عن الفسق أو الكفر إلى الإيمان ، وأنه من يتراجع عن ولاءه لهؤلاء الفكرة الضالين يصبح مؤمنا .. ثم تؤكد أن هؤلاء الحكام الضالين يجاهرون بالحرام ، وبه يفاخرون ، يعزلون الإسلام وهم مسرورون . يغرون الناس بما يعطونهم كما يغري الدجال أتباعه آخر الزمان ، في حين لا يعطون أحدا شيئا في باطل ، إلا كان رشوة على دينه ، وإخراجا له عن مته ، ومیلا به عن طريق الجنة نحو النار .
وتصل الحال ببعضهم إلى إعلان حربه على الدين وأهله ، فيبرأ من الإسلام بألف شکل وشكل ، ويدعو إلى استئصاله من حياة الأمة والدولة ، وأنهم يفجرون فجرة عظيمة ، ويعبدون الجاهلية القديمة . بعض النصوص تقول : من يجاهدهم فله مثل أجر أول الأمة . كل ذلك بسبب ما يدخل على الإسلام من فجورهم وجبروتهم وطغيانهم وسفكهم للدماء ، وإشاعتهم للباطل والحرام ، وتأكيدهم على الغرائز والآثام . بعض الأحاديث تؤكد أن فتتهم تعم البلاد قبل ظهور المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف، حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من ظلمهم وانحرافهم . وأنه يشتد ساعدهم في الفساد والإفساد ومعاداة دین الله وشرعه ، ويؤكدون على ذلك بنار سلطتهم وسيف طغيانهم وسجنوهم وشتى أدوات العقاب لديهم . حتى ينادي مناد من السماء بظهور المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف ونهاية حكم الجبارين والمنافقين وأشياعهم.
ص: 256
تخبرنا النصوص أن هؤلاء الحكام الفكرة لا يكفيهم أنهم يعصون الله ، ويخرجون على قوانين الشريعة ، ويعزلون القرآن ، ويمنعون البيئة من العمل ، فيحللون الحرام ، ويحرمون الحلال ، ويصفون المعروف بالمنكر ، والمنكر بالمعروف ، فيبدلون سنة الله ، ويقلبون المعايير ، فما يرونه الحق هو كذلك وإن خالف كتاب الله وسنة نبيه الأعظم صلی الله علیه و آله ، ويعتمدون على سلطتهم لتطبيق سياساتهم الباطلة ، وانحرافاتهم الجائرة . بعض النصوص تصفهم فتقول : ينقضون عرى الاسلام عروة عروة ، ويعيشون في ضلال كضلال اليهود ، يستحلون الفروج والخمور والحرير، ولا يبقون حرمة الله تعالی الا استحوها . ويتشبهون بأعداء الله ، فهم في الحرام معروفون ، وفي الحلال مفقودون ، يشوهون الإسلام ويؤولونه على غير محله ، ويعطلون القرآن ، ويمنعون دين الله من أن يحكم في السلطة أو القضاء أو المال والإقتصاد أو الثروة والأخلاق والإجتماع ، فهم عن دين الله صادون ، ولحرام الله فاعلون ، ينكرون المعروف ، ويعرفون المنكر . قد خابوا وخاب من تبعهم وباءوا بإثم عظيم . النصوص تقول عنهم : ليسوا بأئمة . ولا تجب طاعتهم
ص: 257
تشير النصوص إلى أن الإسلام يعود في آخر الزمان غریبا كغربته أول بعثة النبي صلی الله علیه و آله ، فيبدو الدین معزولا ، والفقه ممنوعا، والشرع مرفوضا ، والقرآن مهجورا . حتى أن صاحب الإيمان يكون كالقابض على الجمر ، لشدة قيم وأعراف وقوانين وسلطة ومفاهيم المجتمع والدولة التي تتحول عن الإسلام إلى الفسق والكفر ، وعن الدين إلى ضده ، وعن الشريعة إلى ما يخالفها . حتى يصبح الزنا أخلاقا ، والهب شطارة ، والتعري جمالا ، والسفاح نکاحة ، والسفور فلاحا ، ومعصية الله جهرة ، والكفر بالله فخرا ، والربا تجارة ، والشهوة إمارة ، والسفور كمالا ، والحت أمانة ، والموضة دينا ، والاهب أمينة ، ويشيع الفساد ، وتكف البلاد ، فلا ترى إلا عاصيا الله ، مكابرا عليه ، عاطفة عنقه نحو الحرام ، تاركا لأحكام القرآن ، مفاخرة بالطغيان ، ساخرامن تعاليم السماء ، مسرفة بالدماء . ترى يومئذ وجوه الناس وجوه آدميين ، لكن قلوبهم قلوب شياطين ، تغضب السماء من حرامهم ، فلا يرون الأمر جرما أو إثما .!
تخبرنا النصوص بأن قسما وفيرا من المسلمين يهجرون الدين ، ويتركون أحكامه ، ويفسرونه بالرأي ، حتى أن الزانية تزني وترى أن هذا لها حلال ، والعارية تتعرى وترى أن هذا من دينها، وأخرى تفاخر بعورتها ونزوتها ، وترى أن هذا من شريعتها واعتقادها ، عندئذ ترى الهوى دينا،
ص: 258
والحرام يقينا ، والآثام شريعة ، فيكثر السفاح ، ويزيد النياح، ويشيع الزنا، ويكثر موت الفجأة ، وتتعرى الفتيات ويخلعن الحجاب ويخرجن سافرات ، الدين الله معادیات ، فاسقات مجاهرات ، تهتز منهن السماء فلا يرين في الأمر حرجا أو عجبا . أمة أدمت قلب نبيها صلی الله علیه و آله، فعاثت في الأرض فسادا .!
النصوص تقول بأن الإسلام في آخر الزمان « ينقض عروة عروة » ، ابتداء من الحكم والحكام وسلطة الدولة ، وصولا إلى الجماعة والإجتماع والسوق والأخلاق ، وانتهاء بالصلاة.
وتشير إلى أن الصلاة يبقى لها حظ وظهور ، لكنها جوفاء ، إلى أن عدم . الوجوه وجه آدميين والقلوب قلوب شياطين ، يتوسلون بما بقي من دين لأمر الدنيا ، لا يأخذون من الدين إلا ما يقربهم من الدنيا ، ثم تؤكد أن آخر ما ينقض من هذا الدين هو الصلاة ، فترك ، ولا يبقى من الإسلام إلا إسمه ، ومن القرآن إلا رسمه . والناس في مخاض هائل من الباطل والحرام والغرائز والآثام .. .
وهكذا : يعود الاسلام غريبا كما بدأ ، حتى لا يقال : الله . حيث تنفي الشريعة من حياة الدولة والمجتمع والناس ، فيغيض الدين ويفيض الكفر ،ويعلو الفسق ، ويتعاظم الفجور، ويتسلط الإنحراف ، ويحكم الباطل ، بما لا عين رأت ولا أذن سمعت . ويذل الإسلام على يد الحکام الجبابرة ، والطغاة الأباطرة ، والفسقة الفكرة ، والجواري العاهرات ، والنساء السافرات ، والعاريات المبتذلات ، والزانيات المتاجرات بفروجهن
ص: 259
والخالعات المفاخرات بعريهن ، وذكور يعروفون بالحرام ، وعصبة الآثام، وفعل الزنا ، وحب الأنا ، وشرب الخمور ، و كفر الظهور ، وترك الإسلام، وهجر القرآن ، والتشبه بأهل الحرام ، ومصاحبة أهل الآثام من اليهود وغيرهم .. وهكذا ، يضحي الإسلام خفية ، غريبا كما بدأ .. إلا من قلة قليلة ، على رأسهم دولة خراسان التي توطى للمهدي سلطانه ..
تخبرنا نصوص آخر الزمان عن تعطيل القرآن وهجره ، عن منع مواثيقه من قلوب الناس وفعلهم ، حتى أنه يحتج إلى الله تعالى يوم القيامة الشدة عزله و ترکه . وتؤكد النصوص أن السلطان يفترق عن القرآن ، حتی لا يبقى من القرآن إلا رسمه . وأنه يتلى بقلوب منكرة ، ووجوه عابثة ، ويرفع أحيانا في نوادي أهل الدنيا للدنيا . إلأ من قلة يتمسكون بالإسلام، ويبذلون في سبيل ذلك كل طاقاتهم ، فيثبتون رغم جور الزمان ، و كفر السلطان ، ونكران الدنيا ، وزعامة الشيطان .. .
كما يصاب القرآن الكريم بالتعطيل والعزل، فإن السنة النبوية أيضا تتعطل وتعزل عن حياة الجماعة والدولة وشؤون الأفراد والإعتقاد ، فتصير البدعة سنة ، والسنة بدعة ، ويحلل الحرام ، ويحرم الحلال ، فلا يعرف من الإسلام إلا إسمه ، ومن القرآن إلا رسمه . وتزخرف المساجد والمنابر
ص: 260
والمنائر ، ويكثر التأويل الحرام والمبتدعة ، ويقل الدين وأهله ، ويكثر النفاق والكفر وأهله ، ويتعاظم أمر الفجرة وأهل الحرام . ويفاخر الرجل بالزنا ، وتجاهر المرأة بالعري والسفاح ، ودين الله معزول مقتول ، وحاكم المسلمين قد أنهك الدين ..
يشيع في آخر الزمان صیت وفعل علماء السوء ، والمؤولة المبطلة ، الذين يؤولون القرآن والسنة النبوية على غير جهتها، فيحرمون الحلال ، ويحللون الحرام ، ويفعلون الأفاعيل ، ويساندون حکام الباطل ، ويدفعون نحو الزيغ المائل ، ويمدحون سلاطين البلاط الفاسد ، ويذمون الفقيه المجاهد ، ويبيعون كلام الله بثمن بخس ، طلبا للدنيا ، واحتقارا للدين . كما تخبرنا النصوص أنه في آخر الزمان يحتال على طلبا الدنيا بالدين ، ويعتمد على الحرام والآثام لنيل المصالح والمنافع ، وعلى الغرائب لتحقيق المآرب ، عبر علماء سوء فجرة يفتون بتحليل ما حرم الله من الفروج والأموال والأعمال والسلطان ، فينكرون المعروف، ويعرفون المنكر . ثم تشير إلى أنه في آخر الزمن يكون علماء منافقون ، وقراء مداهنون ، وتجار بالدين من أجل الدنيا ، يتظاهرون بالإسلام والإيمان ، ثم يفعلون الأفاعيل ، ويبيعون الأقاويل ، كلامهم تحریف و تدوير ، وفعلهم آثام وتزوير ، يتلطون وراء هيتهم وحسن ظاهرهم ، للتجارةبدين الله وخداع الناس ، سمتهم حسن، لكن لاورع لهم ، يعضون عن عمد ، وقلوبهم يملأها الحقد ، ثم يفاخرون
ص: 261
في تأويل الدين وهم يحرفونه .! في ذلك الزمن يشتهر العباد الجهال والقراء الفجار ، الذين لا اعتقاد لهم ، والمتفقهة لغير الله تعالى ، وعلماء بلاط الحرام .
فإذا كان ذلك الزمن ، قل أئمة الجماعة عن حق وعلم وفقه وورع، وغاض الحق ، و كثر الباطل ، وانتشر الفساد ، وانحرف العباد ، وقام من يفتي بغير علم ، ويفاخر بالبدعة ، ويجاهر بالتأويل الكاذب ، ونهض من يشتري الدنيا بالدين ، ويبدل شرع الله بشرع الناس ، ويصوب للحكام الفجرة ، ويدعم الأئمة الظلمة، ويقف معهم ويمدحهم ويدعمهم ، ويفتي لصالحهم في الأهواء والأباطيل . أولئك شر فقهاء نحت ظل السماء ، وأصل الفتنة وعلماء الجور .. إلآ من قلة قليلة ، من أهل العلم والدين واليقين ، يعانون أشد المعاناة ، فيصرون على إظهار حكم الله رغم ما يرون من بلاء وغذاء ، وما يقع عليهم من عقاب و تطويق واضطهاد . يبذلون أنفسهم في سبيل الله ، ويثبتون على دين الله في عالم غاض نه الحق، وفاض فيه الباطل ، وحكم أهل الجور ، وغزل أهل العدل والدين والإيمان ..
تخبرنا النصوص عن جماعة من المؤمنين عظماء ، ثابتين على الحق ، وعلى الشرع الأصيل ، فلا يستبدلون بدين الله وشرعه أي شرع على الإطلاق ، يقدسون القرآن والسنة النبوية والعترة العلوية ، يتخذون الإسلام شرعتهم ودينهم ، وهويتهم ، وطريقتهم أبدا . يبذلون في سبيل الإسلام كل
ص: 262
ما يملكون ، يقدمون أنفسهم في سبيل تعظيم أمر الله وشعائره، وتدعيم أركان الإسلام الحنيف . تصيبهم المتاعب الجمة في آخر الزمان ، فلا يتراجعون . بعضهم ينهض بثورات أهل الحق، وبعضهم الآخر يؤسس دولة أهل الإيمان والإسلام ، التي توطي للمهدي سلطانه ، وبعضهم يتحين الفرص لكسر أركان الباطل ودعائمه ، فهم متعبون ، مشغولون بكل ما يقيم أصل الإسلام ورايته ، ويدعم حكومة القرآن وشرعته ، ويحق الحق ويبطل الباطل ، الناس منهم في راحة ، وأنفسهم منهم في تعب ، قد أعدوا أنفسهم النصر دين الله ما أمكنهم ، فهم ساهرون متعبون ، قهروا شهواتهم ، ووقفوا أنفسهم على أمر الله العظيم ، يحتمون الحق لا يرتضون به بدلا ، ويبطلون الباطل ، ويفاخرون ، أعزة في أنفسهم قد أعزهم الله ، رغم إذلال الزمان ، وطغيان السلطان ، كبار في السماء ، ممجدون في أهلها ، ثابتون في الأرض ، رغم اللواء والبلواء ..
تحدثنا الأخبار أنهم إذا نظر الناس إلى الدنيا ، نظروا منها إلى الآخرة ، وإذا نظر الناس إلى ظاهر الشيئ ، نظروا إلى باطنه ، فهم عقلاء ، نجباء ، كرماء ، عظماء ، آمنوا بسواد على بياض ، فأفتوا أنفسهم في حب الله وحماية دينه ، وتعظيم شرعه وسنة نبيه وأهل بيته علیهم السلام.. هم غرباء ذلك الزمن ، ومع ذلك تراهم أعزة أقوياء في ذات الله تعالى ، يغضبون لغضب الله ، ويفرحون لفرحه .. ولا تأخذهم في الله لومة لائم ، رغم شدة الزمان ، وغدر السلطان .. بعضهم يستطيع تأسيس دولة خراسان المباركة التي تصنع قوتها وعزتها وسلطانها على هدي الإسلام ، وتملك قدرات تمكنها من
ص: 263
ص: 264
ص: 265
وينزل المسيح علیه السلام من السماء ، وإلى أن تخرج نفوسهم من أبدانهم . بعض المتون تتحدث عن حضور موصوف لهؤلاء يكون في بيت المقدس وحوله وحول انطاكية ، وحول دمشق ، وحول الطالقان ،
ولا أدري التفاصيل التامة لزمن هؤلاء «المحوري » ، رغم أن النصوص حدثتنا عن بعض الإشارات الزمنية ، فهناك حديث عن الأبدال الذين يكون لهم حضور قوي في جهة جبل عامل أي لبنان ، بعض النصوص عبرت عن ذلك بأعمال الشقيف أرنون ، وبيوت و ربوع عرف بسواحل البحار وأوطئة الجبال . فيما نصوص أخرى تحدثت عن خطوط متقدمة للثابتين على أمر الإسلام والمهدئ وأهل البيت علیهم السلام هنا وهناك، على أن مركز الإستقطاب يكون في خراسان التي تشكل دولة المركز الكبيرة ، والتي توطئ للمهدي سلطانه (1).
النصوص تشير إلى « الثابتين » على أمر الإسلام والمهدي صاحب الزمان علیه السلام في آخر الزمن بشیئ من التمام والمكانة . تقول المتون بحقهم: يثبتون على الدين حتى يقوم من جديد ، وكلما ذهبت منهم فئة أو راية منهم نشأت أخرى . ثم تشير إلى وصف آخر لذلك العالم فتؤكد أنهم الغرباء في زمن ينتشر فيه الباطل ، ومع غربتهم هذه يثبتون ، ويبنون قوة لأنفسهم تحمي خياراتهم في بعض المناطق والجهات تكون عصمة لهم، ومكانا لإعلان شعائرهم . وأن هؤلاء يقاتلون مع المهدي علیه السلام ، ومع وزيره
ص: 266
الأيمن النبي عیسی بن مريم علیه السلام أثناء فتنة الدجال . وأنهم يقدمون تضحيات جليلة في سبيل الإسلام وحفظ الإيمان ، قبل ظهور المهدي علیه السلام وبعده ..
قيمة هؤلاء الثابتين على الحق في آخر الزمان أنهم يلتزمون الإسلام وسنة الرسول وأهل بيته علیهم السلام رغم ظلم الزمان وتطاول الأيام ، وشوكة الكفرة ، وسيف المنافقين الفجرة . ورغم التشقي الذي يقع عليهم ، المصائب التي تلاحقهم ، والعزل الذي يدبر بحقهم ، والفسق الهائل، والفجور الصائل ، والباطل والآثام، والجور والظلام الذي يحيط بالمجتمعات العالمية ويضرب مجتمعات أهل الإسلام بقوة. حتى أن المؤمن في بلاد أهل الجور والفساد يكون كالقابض على الجمر لشدة النكران عليه ، بل لشدة العزل له ، بل لشدة التعذيب والتنكيل به ..
تصف النصوص هؤلاء « الثابتين على الحق» في آخر الزمان ، بأن دينهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والانتصار للحق ما وسعهم، وأنهم يعملون دائما لتأسيس قدراتهم على نحو يمكنهم من إحقاق الحق وإبطال الباطل وتعظيم دين الله . تصفهم الأخبار بأنهم يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر، ويجاهدون حکام الجور بالقلب واللسان واليد. فيما الجبابرة يستعملون بحقهم كل أساليب الترهيب والتعذيب ، فيحيطون حياة
ص: 267
كثير منهم بالتخويف والتشريد والتقتيل ، على أن أهل الطغيان والجور والظلم يريدون اجتثاثهم من ذلك العالم ، لكن قسما منهم يحيطون أنفسهم بقوة تمنع كثيرا من ظلم أهل الطغيان واعتداءاتهم في وقت يؤسسون فيه قدرات قوة تعصمهم ورهب الآخرين ، بل تسمح لهم بفرض خياراتهم و ثبات راياتهم . نعم ، قبل ذلك ، وفي كل منطقة يتمكن فيها أهل الجور، فإنهم يذيقون أهل الإيمان والحق أصناف العذاب ، تخویفا، وتعذيبا وتقتية . فترى أهل الحق وجلين خائفين من طغيان حکام الجور ، مرعوبین مرهوبين ، بعضهم يضطر إلى مصانعة الجبابرة واتقائهم بألسنتهم ، لكنهم أهل الإيمان بالقلب ، وأهل الإنكار بالقلب ، وأهل السعي لتأسيس ما أمكن من القوة التي تحمي التزامهم بالإسلام وتعاليم عترة الرسول علیهم السلام ..
تخبرنا نصوص آخر الزمان عن حالات وصفية صعبة تم على الثابتين بالحق ، فهناك من يقتل ، وهناك من يعذب ، وهناك من تنتهك حرمته بألف طريقة وطريقة . وفي لحظة زمنية هائلة بالطغيان ، تحدثنا الأخبار أن المؤمن يكون مستضعفا ، والإسلام ينقض عروة عروة ، وأن أول ما ينقض هو الحكم، وآخر ما ينقض هو الصلاة ، ورغم ذلك فإن أهل الإيمان والثابتين على الحق يتشبثون بالإسلام ، ما أمكنهم ، ويكون أحدهم كالقابض على الجمر أو الشوك ، لشدة ما يكون من قوانین و حکام وسلطات تلك المجتمعات التي تعمل على عزل واجتثاث الإسلام وأهلة ومعاقبتهم .
ص: 268
مع الإلتفات إلى أن قسما من الثابتين على الحق، يعملون ليلا نهارا من أجل تمكين الإسلام من قضايا الأفراد والجماعة بشتى عناوينها في المناطق التي يكونون فيها ، فتراهم عاملين دؤوبيين ، بشتى أشكال القدرة والإمكانات التحقيق الهدف الأسمى الذي هو تحكيم الإسلام لا الطغيان بأمور الناس والأمة وقضايا الجماعة والإجتماع ..
وتم مراحل هائلة ، يمتحن فيها الناس ، ويمصون بشدة كل ذلك في غيبة المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف.. فلا ترى إلا قلة من أهل تلك الدنيا ، يلهجون بالإسلام ، ويعملون به، وينادون بالمهدي سلطانة لأهل الأرض ومسيرة الوجود . نعم، تخبرنا الأحاديث أن الله تعالى يحيي الثابتين على الدين وأهل الإرادة والإعتقاد بالعلم والتضحية ، فلا يبيعون دينهم إلى حکام الجور وأهل الدنيا والنزوات . لذا تمدح الأخبار أولئك الثابتين على الحق، العاملين بالإسلام بعد أن أضحى غريبا . وتدعو إلى مؤازرتهم ونصرتهم و تحقیق آمالهم وعونهم .. على أن بعض النصوص حدثنا أن الله تعالی يبعث في كل قرن أو على رأس كل مائة سنة ، من يجدد به الله الإسلام ويحفظه ..
يبدو بوضوح شديد من الأخبار ، أن كيانات المسلمين وناسها يعيشون بالإجمال حالة من الإنهيار السياسي والعسكري والأمني والثقافي والإقتصادي في أوقات مختلفة ، وأن صفتهم العامة هي الضعف والهشاشة ،
ص: 269
والهوان على الأمم في ذلك العالم . والأخطر من كل هذا ، أن المسلمين يتعرضون لفتنة ثقافية فكرية أخلاقية تسقطهم في أسوأ الحالات وأحقرها، فيتخلون عن الإلتزام بالإسلام والإنضواء تحت شرع القرآن ، فتخرج بنائهم سافرات عاريات ، للحجاب خالعات ، لعوراتهن كاشفات ، لدينهن خاذلات ويفسد شبابهم وينحرفون أشد انحراف ، ويتشبه شبابهم وفتيائهم بشباب وفتيات اليهود والنصارى ، فلا تجد إلا خارجا على أمر الله ، متهتكا، غير مراع لحلال أو حرام ، وتنتشر الخمور ، وعوالم السفور،
ويشيع الزنا والآثام ، وتكثر العاهرات ، ويتعاظم الفساد بشكل كبير، وتتجر المرأة بجسدها وفرجها ، والرجل بعورته وشهوته ، ويدل الرجل على زوجته ، والمرأة على بنتها ، تجارة في الفروج والأجساد ، ويطلب الصينية للعورة والنزوة ، فلا تبقى عقة في امرأة أو ستر على جسد ، أو صيانة لدين أو إيمان بحرمة ..
وتكون هذه الصورة حاكية في الغالب الأعم عن حالة المسلمين ، إلا قلة من الثابتين على الإسلام، الملتزمين أحكامه ، في ظل جور سلطان ، وتهکم أعوان ، وغربة زمان ..
وتؤكد النصوص ، أنه من علامة آخر الزمان ، خلع الستر ( الحجاب ) ، والتعري ، وإظهار زينة الجسد ، والسفور ، وشرب الخمور ، وفسق النساء ، وفساد الشباب ، وانتشار الزنا، وإضعاف الحق، وتقوية الباطل ، وانحراف السلطان عن الإسلام ، وعزل القرآن ، وهجر الإيمان ،
ص: 270
وشياع المنكرات ، وبيع الفتيات ، ورؤية المعروف منكرة والمنكر معروفا، وتولي شرار القوم ومنع خيارهم .. .
تشير النصوص إلى أن بعض الحكام ومراكز السلطان في بلاد الإسلام لها تأثير سلبي كبير على الإسلام والإلتزام به ، بعد أن يتولاها حکام فتق فكرة خونة ، يعادون الإسلام ، ويرفضونه دينا للدولة والجماعة ، وأحيانا يتخذونه مطية لتحقيق مصالحهم ثم ينقضون عليه . تحدثنا الأخبار أن حکام الجور يضلون الأمة ويفتنونها ، ويسومونها سوء العذاب ، ومعهم يعم ظلم الحكام السفهاء وانحرافهم ، وتزداد الأئمة انهيارا وفسقا وترديا .. كما يزداد جور و انحراف وفسق وفجور الحکام قبيل ظهور المهدي علیه السلام حتى لا يجد الرجل ملجأ من الظلم والفساد . إشارة إلى كثرة الإنحراف والأباطيل وأكل الحرام ، وفعل الحرام ، وسلطنة الفساد ، وطغيان الظلم، وفتنة الشهوة والغريزة والمال والسلطان وسفك الدم والآثام .
تحدثنا جملة من « الأخبار » عن فتنة الفروج ( الزنا والتعري )، والغانيات الراقصات ، عن فتنة السفور وخلع الستر ، عن التبرج وفتنة الغريزة ، وشياع فتيات الهوى ، وبائعات الفروج ، والمتاجرات بالشهوة ، تحدثنا عن الزنا والسحاق واللواط ، وأسواق النزوة ، وتسلط الفروج على مراكز الحكم ومؤثراتها ، فتحكم الشهوة والغريزة بمال الأمة وسلطانها ، كما يحكم الصبيان الذين همهم في فروجهم وشهواتهم وباطلهم وثرواتهم .
ص: 271
ثم تشير إلى تسلط الخصيان ، ولعله إشارة قوية إلى شهرة اللواط ونفوذه وصولا إلى مراكز الحكم ومؤثراتها .
ويكون للحكام الباع الأطول في إشاعة « الفساد الأخلاقي » وتطوير مرافق الدعارة والزنا والتعري والفسق والفجور الغرائزي ، وخلع الستر والتخلي عن الحجاب ، والإنزلاق إلى هاوية الباطل وغيره الذي تهتز منه السماء.
كل ذلك فضلا عن فساد الحكام في السلطة والثروة ، وقتل النفوس ، واحتكار الخيرات ، واستعباد الناس ، وصولا إلى الفتن الدموية ، والغلبة الرومية ، وتجارة البروج ، وصولة الفروج ، وقتال الحکام فيما بينهم حيث تحدث بينهم اختلافات طويلة وهائلة ، اختلافات هي أخطر من العدو ومن الفقر ، اختلافات على المال والجاه والغريزة في الحكم وسعة الأراضي وجبروت الأقوى وميزة السلطان ، كل ذلك في ظل فرقة وانحرافات مخزية ، بحيث تصير معة الأمة اثنين وسبعين فرقة ، تتبع الأمم السابقة ، والملل السالفة ، حذو النعل بالنعل ، والقذة بالقذة . ثم تؤكد أن الإختلاف والإنحراف بینهم سيكون من علامات آخر الزمان وسيبقى كذلك حتى یصلحه المهدي علیه السلام الذي يؤلف بين قلوب الأمة ، فيقتل جبابرتها، و سفاحيها ، وأهل الباطل والعدوان فيها ، الذين يشكلون في جيوش معادية وفرق فاسدة تعمل على الإطاحة بجبهة المهدي علیه السلام ، فيحصدهم حصد الزرع، ويقضي عليهم .
ص: 272
أيضا في ذلك الزمن ، زمن الغيبة والبلاء ، تعه في الأمة حالة من الضعف أمام الأمم الأخرى ، فيسقطون في تبعية ثقافية سلوكية أخلاقية مالية وسياسية تهتز منها نفوس الأحرار، تبعية تحولهم إلى المسالخ أذلة وتضعهم هدفا للتصال .. ويفترق أهل الإسلام ، كل على عرش هش بوجه الأعداء ، قوي على الرعية الضعيفة ، وكل يدعو إلى باطله إلا من قلة قليلة تتمسك بالحق الإلهي وتعمل له . ثم تؤكد أن كل من يدعو إلى راية ضلالة يجد له أتباعة وأنصارا وجماعا.
وتكثر الفتن في الأمة، وتغير المحاسن فيها، فيصبح المنكر معروفة ، والمعروف منكرا . ويعصي الله جهرة ، ويفاخر في ذلك .! ويكون في الأمة عشرات الكذابين قبل الأعور الدجال ، ويتجر بالحرام ، ويكثر مال الربا ، و تشیع معاملة الباطل ، وتقوم الأسواق على غير أمر الله . وفي بعض الأحيان لا تجد إلا ذما لله .!
وتزداد فرص الإنحراف والفسق إلى درجات هائلة ، ويبيع الرجل دينه ما بين ليلة وضحاها ، فيمسي مؤمنا ويصبح فاسقا أو كافرا ، أو يتوب فيصبح مؤمنة ، ثم ينقلب فيمسي فاسقا أو كافرا . وتكون فتنة الحکام أخطر من فتنة الأعداء ، كما تكون فتنة الزنا وأجساد النساء وجماعات السفور أخطر من فتنة الدرهم والدينار ، وتكون فتنة الدرهم والدينار أخطر من فتنة الدجال .
ص: 273
تؤكد النصوص أن المسلمين في آخر الزمان ، کثر ، عددهم كبير، لكنهم في فتنة صماء ، عمياء ، وباطل صاخب ، وانحراف ضارب . قد فتنهم الحرام وتعزز بهم ، فاستبدلوا أخلاق القرآن بغيره من أخلاق أهل الزنا والسحاق واللواط والغرائز . ترى همهم في بطنوهم وفروجهم وأموالهم واعتباراتهم . تؤكد الأخبار أنهم كثرة ، لكنهم بلا قيمة ، بلا قدرة ، بلا هوية ، بلا شريعة سماوية تحدو بهم منازل العز والثبات والإستقامة والعظمة ، لذلك لا يهابهم عدوهم على رغم كثرتهم ، بعد أن تمكن منهم حب الدنيا و كراهية الموت .. حتى أن المشركين وأهل الكفر والعداءيستخدمون المسلمين في السخرة ، والذل والمهانة ، وينهبون ثرواتهم، ويقتلون أولادهم ، ويبطشون بهم ، ويذلون رقابهم ، ويبيعون نساءهم وأطفالهم ، ويستعبدون رجالهم ، فينسى كثير من الناس وعد الله بالفرج، بعد تركهم الإسلام ، حيث هاموا على وجوههم ، يعبدون شهواتهم، ويتجرون بالحرام ، أذلة خاسئين .
وييأس الناس من الفرج ، وتقوم الدعاية والفتن في تعظيم الباطل ، و توهين الحق، والسخرية من الدين ، واتهام المؤمنين ، والترويج للآثام والطغيان والفساد والحرام ، من زني الزانيات ، ورقص العاريات ، وتعري السافرات ، وتجارة الفروج ، وفتنة الأجساد ، وفساد الشباب ، وانتشار
ص: 274
الخمور ، وذهاب العقول ، وتوهين الدين ، وقتل الجنين ( الإجهاض ) وقيام الجاهلية الأولى، وانتهاك الحرمات ، وسطو الباطل ، مع ظلم هائل ، وانتشار الكفر والطغيان ، وبيعة الحرام ، وتسلط أهل الشر على أهل الخير ، ومعصية الله جهرا ، وتحكيم الطاغوت قهرا ، والإفتخار بإغضاب الله ، والتزين بزينة أهل النار ، والتشبه بالأشرار. حيث تلتحق قبائل وناس من هذه الأمة بالمشركين والكفرة وأهل الأوثان والطغيان ، ويكون الدين وأهله غرباء ، بعد سطوة لكفر ، وقيام لجور ، وشياع لفجور، وتعظيم لباطل ، واستبداد الجائر ، وقوة لحرام ، واستطالة لآثام ..
عندها يكون المناخ العام مناخ كفر ونفاق وفساد وباطل وغرائز وحرام ، ومعه تبتعد الأمة كثيرا عن الاسلام - إلا من قلة مؤمنة ثابتة على الحق - حيث يغلب على بلادها الفساد والإضطهاد والسفاهة والتوهين لأمر الله ، حتى أن الرجل يفاخر بمعصية الله تعالى ، والمرأة تجاهر بعرئها وسفورها ومجونها ، لا تأخذها في ذلك لومه الله وغضب السماء ، عندها تنتهك عقائد الدین ، حتى الايمان بالله تعالى واليوم الآخر ، ويعزل الإسلام ونبيه صلی الله علیه و آله، والقرآن وأهل البيت علیهم السلام ، فلا يبقى لهم أثر إلا من إسم ، إلا في قلة من أهل الحق واليقين ، الثابتين على الدين ، الذين يتلقون أنفسهم في سبيل الإسلام ، فبعضهم يقيم رايات لأهل الحق ، وبعضهم الآخر يتمکن من إقامة دولة قوية ، ذات إسم كبير ، وقدرة فذة ، وثبات عظيم على خيار الإسلام ، مثل دولة خراسان .
ص: 275
ثم تصف لنا جزءا من معالم آخر الزمان ، حيث المال يصبح صنما یعبد ، و تثور فتنة الدرهم والدينار ، و تفعل فعلتها بالمسلمين وغيرهم ، حتى يصبح الدرهم والفرج والبطن محركة للناس ، دافعا لهم ، دون قید من دین أو مانع من نخوة وأخلاق أو شرف و ناموس .
بعض المتون قالت :
« ويعبد العرب الاصنام » ، ويكون المؤمن مستضعفة ، والفاسق مشرفة ، ويرتفع أمر القجرة والخونة وأهل الباطل والحرام ، ويسود الفاق، ويعلو شأن الأراذل ، ويكرم الرجل إتقاء شره ، ويعزل أهل الخير والدین ، وتعظم الفاجرة ، الكاشفة العاهرة ، ويفاخر ببنات الهوى ، وتكبر كاثرة العاريات ، حتى أن أهل السلطان والمال لا هم لهم إلا في الفروج والنزوات ، و تشیع کاشفات الأجساد ، ويلقي الإسلام من النساء العاريات ما يلقى ، حتى أن المرأة السافرة تطعن الذين أكثر من طعن العدو فيما تفعل من عري وحرام وجرم وآثام .. وتكون المساجد في ذلك الزمن عامرة ، لكن القلوب خراب من الهدى ، إلا من قلة قليلة ، ويتفاخر الناس بالظاهر ، ويهجرون الباطن ، فلا ترى قولهم إلا في زج أو لبس أو عري أو خمور أو ثراء أو بغاء(1).
ويكثر من يفاخر بالظاهر والمظاهر، فيما القلوب موحشة ، حتى تدخل الأمة في جاهلية اشر من الجاهلية الأولى ، وتضيع في الفتنة كضياع
ص: 276
اليهود في الظلمات . وتقطع الأرحام ، ويحكم سلطان الآثام، ويتنابذ الناس، ويتكارهون ، ويحس بعضهم بعضا ، ويساء الجوار ، ويشيع الحقد والأخطار، وتستباح الفواحش والمفاسد، وتضعف العقائد ، وتتفكك الأسر ، وتختل الروابط ، ويعظم الشر وأهله ، ويحكم الدجالون ، ويتسلطن المبطلون ، وتقوم المنكرات ، ويعظم أهلها، وينكر أهل المعروف ، ولا ینهى عن منكر ، ولا يؤمر بمعروف ، وتتقارب الأجساد ، وتتباعد القلوب ، وتفسد الأمة فسادا عظيما إلا من قلة يثبون على الحق. وتتنافر قلوبهم ، ویهجر الإسلام ، ويترك القرآن ، وتود البدع، وتموت السنة ، وتأكل الأموال بالحرام،
ويعظم الجائر ، ويفضى بأهل الباطل ، ويرفع العلم ويكثر الجهل ، ويشرب الخمر ، ويكثر السفور ، ويتعاظم الزنا، ويتزعم الحرام ، ويهجر القرآن ، حتى يكفر بالله جهرة ، والناس في فخار من ذلك. وتضيع الصلوات ، وتعظم المنكرات ، وتتبع الشهوات ، ويعظم أصحاب المال والسلطان ،
وتتكاثر الفتن ، و تسود العاريات السافرات ، فيجلس على كرسي الحكم ، وبين الأمراء ، وفي النوادي والأسواق ، وبين العامة وغيرهم دون عقة أو حشمة ، ویکن أكثر حضورا ، وأكثر ربحا ورواجا ، يربحن بالأجساد والتعري والعورات ، فيما أهل العقة والحجاب ممنوعات ، معزولات ، قد كفر الناس بالله ، فأضاعوا الإسلام ، وتعصبوا للحرام .. ويكثر الحسد ، وتفقد الرحمة وتكبر المحنة ، وتكثر المفارقة ، وتقل المعاونة ، فلا ترى إلا ذاما
ص: 277
للخير . ثم قبيل ظهور المهدي علیه السلام يكون « اختلاف كثير » بین المسلمين ، وحقد وبغضاء ، وقتال على الدنيا ، وعزل للدين . وتبتلى الأمة بحكام الجور والفساد ، فلا يرون في الإسلام خيرا ، فيستبدلون به غيره ، ويكثر مادهم على عزل الإسلام ونبذه ، وتدخل الفتنة عليهم من الدنيا ، فيتحاسدون ويتنافرون على البطون والفروج والثروة والجاه والألقاب .
وتصاب الأمة بأنواع مختلفة من الفتن ، وتضرب بها فتنة الجوع والقحط بسبب معاصيها و آثامها فتبيع فروجها ، وأطفالها ونساءها في أسواق العبيد من المشركين ، طمعا في مال ، ورغبة في جمال ، في زمن مات فيه الدين إلا من قلة قليلة ..
ويخرب جزء مهم من الناموس ، فتمطر الدنيا في غير أوانها ، ويقل الخصب ، ويكثر القحط ، وتقوم الأسواق على الحرام ، وينتشر الربا، ويصيب الجميع غباره ، ويكون الحلال أقل ما يذكر ، حتى يصبح الحرام أكل الناس وشربهم ، وقيامهم وليسهم ، وتقلبهم وسكونهم.
ويقوم الناس على التفاخر والتناحر ، هذا خام ، وتلك سافرة ، هذا کافر ، وذاك فاسق ، هذا ساخر من الدين ، وذاك عابد وثن ، هذا متمرد على الله ، وتلك كاشفة لسترها عارية من دينها ، داخل في النار ، زانية في جهار ، هذا لوطي وتلك سحاقية ، وأكثر الناس يرون الحرام فخرة ، وبه يتعارفون . كما يأتي زمان يكون الناس فيه ضعافا لجهة المال أمام حکام الجور ، فغالبهم يساوم أهل الفساد وحام الطغيان ، فينسی دینه، ویر کب ما
ص: 278
يركبون ، فمنهم من يترك جهادهم بيده وبلسانه وقلبه ، ومنهم من يعاونه على باطله وحرامه و آثامه، ومنهم من يحسن قبيحه ويصدق كذبه، فيحولون المعروف منكرا ، والمنكر معروفا.
ومع كل هذا، يومهم الحكام سوء العذاب ، فيسقطوتهم في باطل ، وينتهون إلى جائر ، فينهبون ثرواتهم ، ويفرضون عليهم المكوس والضرائب ، ويسلطون عليهم سلطانهم الحاقد ، فلا يرعى فيهم إلا ولا ذمة ، فلا ترى إلا فسقة وجورا ، وظلما وقهرا ، وضعفا وذلا ، فيدعو خيارهم ، فلا يستجاب لهم ، بعد أن فسد السلطان وفسقت الرعية ، وتغيرت الأحكام، و حرم الحلال ، وحلل الحرام . ويكون هلاكهم بسبب مخالطتهم حکام الجور ومعاونتهم ، والسكوت على آثامهم ، وتدعيم حرامهم ، والإنزلاق معهم إلى الجور والفجور . من هنا حذرت النصوص أنه من أعان الحاكم الظالم السفية ، لا يرد حوض النبي صلی الله علیه و آله. وأن الناس معاقبون بمعاصيهم ، مأخوذون بها ، وهي مردودة عليهم . فلا ترى إلا ضعافا أذلة ، في عالم امتلا ظلما و فسادا . فيخرج المهدي علیه السلام فيملأه قسطا وعدلا ، ويقيم أمر الله ، ويحكم شريعة السماء حتى لا ترى إلا معتزا بالله تعالی .
ص: 279
نصوص الغيبة كثيرة ، بل أكثر من أن تحصى ، ففي رواية أبي بصير عن أبي جعفر علیه السلام قال : «لا بد لصاحب هذا الامر علیه السلام من عزلة ، ولا بد في عزلته من قوة . وما بثلاثين من وحشة ، ونعم المنزل طيبة »(1)..أي لصاحب هذا الأمر غيبة يضمنها الله تعالی له ، وهذه الغيبة غيبتان : صغرى ، وقد انقضت ، و کبری ما زالت إلى يومنا هذا ، حتى يأذن الله تعالی له بالخروج (2). وفي الرواية عن الباقر علیه السلام قال : « يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم علیه السلام ، فيا طوبي للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان ، إن أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري جل جلاله فيقول : عبادي وإمائي آمنتم بسري ، وصدقتم بغيبي ، فأبشروا بحسن الثواب مني ، فأنتم عبادي وإمائي حقا ، منكم أتقبل، وعنكم أعفو ، ولكم أغفر ، وبکم أسقي عبادي الغيث ، وأدفع عنهم البلاء ، ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي ..»(3). وفي الرواية عن أبي جعفر علیه السلام قال : « إنما نحن كنجوم السماء كلما غاب نجم طلع نجم حتى إذا أشرتم بأصابعكم ، وملتم بأعناقكم ، غیب الله عنكم نجمكم ، فاستوت بنو عبد المطلب ، فلم يعرف أي من أي ، فإذا طلع
ص: 280
نجمكم فاحمدوا ربکم»(1).أي أن لصاحب هذا الأمر غيبة، تكون فيها حيرة ، وللمهدي علامات ، فالتزموا أمر الله في الغيبة ، وانتظروا العلامات حتى الظهور . وفي زمن الغيبة يجب العمل على تطبيق أمر الله وتوطئة الأمر للمهدي علیه السلام ..
وفي بعض النصوص إشارة إلى أمر صعب ، وظروف معقدة ، يبدو معها أن العالم يعمل على طمس معالم المهدي ويسخر من القائلين بإمامته والمنتظرين لأمره علیه السلام ، ما يساهم في زيادة العناء على المؤمنين به ، حتى يخرج قوم ، في حين تكون الدعاية العامة مسلطة لإبطال هذا الأمر وإلغاء فكرة المهدي من عقول الناس . وفي رواية أبي الجارود عن الباقر علیه السلام قال قال لي علیه السلام : « يا أبا الجارود ، إذا دار الفلك ، وقالوا مات أو هلك علیه السلام ، وبأي واد سلك ، وقال الطالب له : أن يكون ذلك .! وقد بليت عظامه ، فعند ذلك فارتجوه . وإذا سمعتم به فأتوه ولو حبوا على الثلج »(2).أي هناك دعاية خطيرة تعمل على تدمير بني ودعائم الذين يطالبون بالمهدي أو يدعون له ويوطئون لخروجه علیه السلام . وعن زرارة قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : « إن للقائم غيبة ، ويجحده أهله . قلت : ولم ذاك ؟ قال : يخاف - وأومأ
ص: 281
بيده إلى بطنه »(1). أي يصل الأمر إلى حد استعمال المهن والإرتزاق والمنافع والشهوات في عملية طمس معالم الإمام المهدي وذكره . وفي نصوص تفصيلية تأكيد على أن غيبة المهدي علیه السلام غيبتان ، واحدة صغرى ، والثانية کبری . النصوص في هذا المجال كثيرة ، منها ما رواه إبراهيم بن عمر اليماني قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : « إن لصاحب هذا الأمر غيبتين . وسمعته يقول له : لا يقوم القائم ولأحد في عنقه بيعة »(2).
وفي رواية محمد بن مسلم الثقفي عن الباقر علیه السلام أنه قال : « إن للقائم غیبتين ، يقال له في إحديهما هلك ولا يدري في أي واد سلك »(3). أي : يقال انتهى أمر المهدي ، فلو كان حيا فكيف يعيش هذا العمر كله .! وما إلى ذلك من قول تتناثره الألسن وما زالت تتناثره .! وفي آثار الماضين ما يدحض قول الجاحدين . وفي القرآن ما يؤكد حقيقة قول المعصومين ، وقد أكدت نصوص أهل البيت علیهم السلام منذ زمن النبي صلی الله علیه و آله، وصولا إلى زمن العسكري علیه السلام أن في المهدي علیه السلام من النبي نوح سنة ، وهي «طول العمر » ، وهذه النصوص كثيرة ، وردت على لسان أهل البيت علیهم السلام قبل أن یولد المهدي علیه السلام ، وهذا سر الإعجاز العظيم بأهل البيت علیهم السلام الذين يتلون الغيب بأمر من الله وبمدد منه ..
ص: 282
للظهور علامات و شرائط ، لكن تحديد الموعد وبيان المواقيت أمره بيد الله تعالى . وعليه : لا أحد يعلم متى بالتفصيل يخرج المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف ، وقد تکاثرت النصوص التي تؤكد كذب المؤقتين . نعم تؤكد النصوص إذا ظهر المهدي علیه السلام« أصلح الله أمره في ساعة » . وأن أمره علیه السلام « كأمر الساعة » من حيث المباغتة . وفي رواية الكميت بن أبي المستهل قال : دخلت على سيدي أبي جعفر ، محمد بن علي الباقر علیه السلام فقلت : يا بن رسول الله ، إني قد قلت فيكم أبياتا ، أفتأذن لي في إنشادها ؟ فقال علیه السلام : إنها أيام البيض . قلت : فهو فيكم خاصة . قال : هات ، فأنشأت أقول : .. فلما بلغت إلى قولي : متى يقوم الحق فيكم ، متی یقوم مهديكم الثاني .. فقال علیه السلام: .. لقد سئل رسول الله صلی الله علیه و آله عن ذلك ، فقال : « إما مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلا بغتة »(1). إشارة إلى صفة الظهور التي تقع . ما يعني انت عرضنا للشرائط والصفات يكون على نحو بيان الكلي المفهوم من النص . وفي رواية عبد السلام بن صالح الهروي قال : سمعت دعبل بن علي الخزاعي يقول : أنشدت مولاي الرضا علي بن موسى علیه السلام قصيدتي التي أولها : مدارس آیات خلت من تلاوة * ومنزل وحي مقفر العرصات . فلما انتهيت إلى قولي : خروج إمام لا محالة خارج * يقوم على اسم الله والبركات . يمسز
ص: 283
فينا كل حق و باطل * ويجزي على النعماء والنقمات . بکی الرضا علیه السلام بكاءا شديدا ، ثم رفع رأسه إلي فقال لي : يا خزاعي ، نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين . فهل تدري من هذا الأمام ومتى يقوم ؟ فقلت : لا يا مولاي ، إلا أني سمعت بخروج إمام منکم یطهر الأرض من الفساد ويملأها عدة ( كما ملئت جورا ). فقال علیه السلام :
« یا دعبل ، الامام بعدي محمد ابني ، وبعد محمد ابنه علي وبعد علي ابن الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره . لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله عزوجل ذلك اليوم حتى يخرج فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا . وأما « متى » ؟ فإخبار عن الوقت ، فقد حدثني أبي ، عن أبيه ، عن آبائه علیهم السلام أن النبي صلی الله علیه و آله قيل له : یا رسول الله ، متى يخرج القائم علیه السلام من ذريتك ؟ فقال صلی الله علیه و آله : مثله مثل الساعة التي «لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ والأْرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً»(1) . وهذا فيه تثبیت رفيع من قبل الإمام علیه السلام لحقيقة أن ظهور المهدي علیه السلام في آخر الزمان يأتي بغتة ، مثل الساعة ، وأنه لا توقيت لظهوره عجل الله تعالی فرجه شریف ، وقد قال الله عز وجل : «یَسْأَلُونَکَ عَنِ السَّاعَةِ أَیَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّی ۖ لَا یُجَلِّیهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِی السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا تَأْتِیکُمْ إِلَّا بَغْتَةً ۗ یَسْأَلُونَکَ کَأَنَّکَ حَفِیٌّ عَنْهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لَا یَعْلَمُونَ» (187/7) . وفي النصوص الكثيرة ،
ص: 284
أن الله يصلح أمر المهدي بليلة واحدة ، وأنه إذا ظهر غلب على كل شيئ وأظهر أمره سريعا، وملأ الدنيا قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا . كل ذلك في زمن قصير .
النصوص التي تشير إلى نداء جبرائيل علیه السلام السماوي ، بإسم المهدي المنتظر عجل الله تعالی فرجه شریف ، كثيرة ، و كلها واضحة في حتمية النداءمن السماء . ففي رواية أبي حمزة الثمالي قال قلت لأبي عبد الله علیه السلام : « إن أبا جعفر علیه السلام كان يقول : إن خروج السفياني من المحتوم . قال لي : نعم ، واختلاف ولد العباس من المحتوم ، وقتل النفس الزكية من المحتوم ، وخروج القائم علیه السلام من المحتوم . فقلت له : كيف يكون ذلك النداء ؟ قال علي : ينادي مناد من السماء أول النهار : ألا إله الحق في علي وشيعته ، ثم ينادي إبليس لعنه الله في آخر النهار : ألا إن الحق في السفياني وشيعته ، فيرتاب عند ذلك المبطون»(1) .
وفي رواية أبي حمزة الثمالي قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : « خروج السفياني من المحتوم ؟ قال : نعم ، والنداء من المحتوم ، وطلوع الشمس من مغربها من المحتوم ، واختلاف بني العباس في الدولة من المحتوم ، وقتل النفس الزكية محتوم ، وخروج القائم من آل محمد علیه السلام محتوم . قلت : وكيف يكون النداء ؟ قال : ينادي من السماء أول النهار : ألا إن الحق مع
ص: 285
علي وشیعته ، ثم ينادي إبليس في آخر النهار من الأرض : ألا إن الحق مع عثمان و شیعته ، فعند ذلك يرتاب المبطلون(1)»(2). وعن مضمون النداء روی جابر عن أبي جعفر علیه السلام قال : « ينادي مناد من السماء : ألا إن الحق في آل محمد ، وينادي مناد من الأرض : ألا إن الحق في آل عيسى - أو قال العباس أنا أشك فيه - وإنما الصوت الأسفل من الشيطان ليلبس على الناس . « شك أبو عبد الله نعيم »(3). وفي الحقيقة النصوص في مجال النداء السماوي منها ما يختصر ومنها ما يوسع ، وهذا يعني أن النداء يكون شاملا لفقرات عدة ، مثل أن المهدي محمدبن الحسن ، ولد علي وفاطمة علیهما السلام قد ظهر ، وان الحق مع آل محمد علیهم السلام وهكذا .. كما أن النداء الأرضي يكون متنوعة فينتصر لجبهة السفياني كما ينتصر لجبهة الروم النصارى ... والنداء من
ص: 286
السماء بالمهدي علیه السلام يعتبر من الأمور التي شاعت وذاعت واستفاضت بین الناس من قبل عن لسان النبي صلی الله علیه و آله، وهي شديدة الإتقان والدقة والإتصال بالمعصوم وبالأخص بالنبي صلی الله علیه و آله.
وفي رواية سيف بن عميرة قال : كنت عند أبي الدوانيق (1)فسمعته يقول - ابتداء من نفسه - : « يا سيف بن عميرة : لا بد من مناد ينادي باسم رجل من ولد أبي طالب ، قلت : يرويه أحد من الناس ؟ قال : والذي نفسي بيده لسمعت أذني منه يقول : لا بد من مناد ينادي باسم رجل ، قلت : يا أمير المؤمنين ، إن هذا الحديث ما سمعت بمثله قط .! فقال لي : يا سيف إذا كان ذلك فنحن أول من يجيبه ، أما إنه أحد بني عمنا ، قلت : أي بني عمكم ؟ قال : رجل من ولد فاطمة علیها السلام ، ثم قال : يا سيف ، لولا أني سمعت أبا جعفر محمد بن علي علیه السلام يقوله ثم حدثني به أهل الأرض ما قبلته منهم ، ولكنه محمد بن علي ! »(2). تأكيدة منه أن مصدر النص هو واحد مثل الإمام الباقر علیه السلام الذي شهد له العالم الإسلامي وفقهاءه بعلم أعجز العقول ، ويكفيه أنه المعصوم المنصوب من قبل الله تعالی .
وفي رواية ميمون البان قال : كنت عند أبي جعفر علیه السلام في فسطاطه فرفع جانب الفسطاط فقال : « إن أمرنا قد كان أبين من هذه الشمس . ثم قال : ينادي مناد من السماء : فلان بن فلان هو الامام باسمه . وينادي إبليس
ص: 287
العنه الله من الأرض كما نادى برسول الله صلی الله علیه و آله ليلة العقبة »(1). تأكيدا على أن النداء من السماء في آخر الزمان لا بد منه وهو حتم محتوم. وهذا النداء ينتصر للحق، بالإضافة إلى النداء من الأرض الذي ينتصر للكفر . نعم كأن الإمام علیه السلام آنذاك كان في حال يخشى من العيون والعسس ..!
وفي رواية ناجية القطان قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : « .. إن المنادي ينادي : إن المهدي من آل محمد ، فلان بن فلان ، باسمه واسم أبيه . فينادي الشيطان : إن فلانا و شیعته على الحق، يعني رجلا من بني أمية »(2).ما يشير ربما إلى طابع المصدر البشري للنداء الثاني ، أو افتراض تعدد النداء الثاني على شكل ترداد لنداء إبليس الأرضي عبر أنصاره البشر المنحرفين ، فيما النداء الأول يكون شديد الوضوح بأنه « سماوي » من قبل جبرائیل علیه السلام. وعلى كل حال : النداء من اليقينيات التي تسبق ظهور المهدي علیه السلام. يخبر بما سيؤول الأمر إليه وشيكا من الظهور الشريف الذي يعتبر أضخم تحول في العالم آنذاك .
ويعتبر « النداء السماوي » من العلامات العظيمة ، وعلى أثر الصوت يكون الفرج . وفي رواية شرحبيل - بعدما سأل الإمام أبا جعفر علیه السلام عن القائم علیه السلام- قال : « .. إنه لا يكون حتى ينادي مناد من السماء ، يسمع أهل
ص: 288
المشرق والمغرب ، حتى تسمعه الفتاة في خدرها »(1).أي انه نداء شامل ،يسمعه كل الناس ، حتى المخدرات في بيوتهن ، أو أولئك الذين يكونون في عمارتهم أو المهن أو المؤسسات أو المصانع . صوت شامل كفيل بإنذار الأمم وتبشيرها بشكل شامل ..
تضمنت النصوص أنواعا عديدة من الخصائص التي تكون في المهدي علیه السلام مشابهة للأنبياء علیهم السلام ، في الصبر والغيبة والجهد والنصر وغير ذلك . منها ما ورد عنهم علیه السلام : « .. في القائم ما شن من الأنبياء : سنة من أبينا آدم ، وسنة من نوح ، وسنة من إبراهيم ، وسنة من موسى ، وسنة من عیسی ، و سنة من أيوب ، وسنة من محمد صلوات الله عليهم . فأما من آدم ونوح فطول العمر ، وأما من إبراهيم فخفاء الولادة واعتزال الناس ، وأما من موسی فالخوف والغيبة ، وأما من عیسی فاختلاف الناس فيه ، وأما من أيوب فالفرج بعد البلوى ، وأما من محمد صلی الله علیه و آله فالخروج بالسيف »(2). وفي رواية سعيد بن جبير قال : سمعت سید العابدين علي بن الحسين علیه السلام يقول : « .. في القائم سنة من نوح وهو طول العمر »(3). ومن يقرأ النصوص الكثيرة يجد معانيها قائمة على هذا الوصف، من الصبر والغيبة والجهد
ص: 289
والبلاء والبذل والإنتصار وطول العمر وغير ذلك . النصوص في هذا المجال كثيرة .
كثيرة هي النصوص التي تؤكد أن حكومة المهدي العالمية تترجم الكمال في الحاجة والمنافع على أفضل ما يمكن . من هنا تجد بعض النصوص وهي تحث على فعل الخير ونفع الناس والتصدق ، لأن الصدقة زمن المهدي تنتفي بانتفاء موضوعها ، حيث لا فقير ولا محتاج ، بل يسير الرجل من افريقيا إلى غيرها يفتش عن محتاج فلا يجده .! وفي النص عن الكاهلي عن أبي عبد الله علیه السلام قال : « تواصلوا وتباروا و تراحموا، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ليأتين عليکم وقت لا يجد أحدكم لدیناره ودرهمه موضعا - يعني لا يجد عند ظهور القائم علیه السلام موضعا يصرفه فيه لاستغناء الناس جميعا بفضل الله وفضل وليه - فقلت : وأنى يكون ذلك ؟ فقال علیه السلام : عند فقدكم إمامكم ، فلا تزالون كذلك حتى يطلع عليكم كما تطلع الشمس آیس ما تكونون ، فإياكم والشك والارتياب ، وانفوا عن أنفسكم الشكوك ، وقد حذرتكم فاحذروا . أسأل الله توفيقكم وإرشادكم »(1). النص يؤكد بالمطلق على طابع الكمال والضمان وتمام إشباعات الحاجة و كفالاتها زمن المهدي علیه السلام . ثم هناك طائفة من النصوص تؤكد على طابع الخير الوفير والرزق الهائل والثمرات الواسعة التي تدرها الأرض والسماء ، ثم هناك ما
ص: 290
يشير إلى أن قوما «مذخورين» للمهدي علیه السلام يخرجون في آخر الزمان معه . وما أنبأ عنه أهل البيت علیهم السلام يكفي لتصديق غيره (1).
من الأمور اللافتة جدا أن نصوص آخر الزمان أكدت على طابع التطور والإستغلال الطبيعي للنواميس وشبه ذلك ، مصة أن الإنسان يبلغ مرحلة شديدة التطور في مجالات مختلفة . ففي رواية صالح بن حمزة عن أبان عن أبي عبد الله علیه السلام قال :
« العلم سبعة وعشرون جزءا ، فجميع ما جاءت به الرسل جزءان ، فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الجزأين ، فإذا قام القائم علیه السلام أخرج الخمسة والعشرين جزءا ، فها في الناس وضم إليها الجزئين ، حتى يبثها
ص: 291
سبعة وعشرين جزءا »(1). إشارة إلى علم مذهل وتطور جبار . بل إلى علم لم تحصل البشرية منه قبل الظهور الشريف إلا على 2 من أصل 27 ..! تأكيد تام ومطلق على أن مستوى العلم والتطور الذي سيترجم إلى أدوات وتقنية وتكنولوجيا سيكون كبيرا جدا ومذهلا .! كبير إلى درجة 25 مرة زيادة على درجة العلم المكتشف من قبل . وهذا يعني سيطرة على الكون بطريقة لا يمكن لعقلنا أن يتصورها الآن .. ثم النص واضح في أن الذي يبث العلم ويخرجه ويكشفه للناس هو المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف. وهذا أمر جدير بالإنتباه والملاحظة .
بل هناك تأكيد من الأئمة على ان للمهدي خصوصية خاصة في مجال ما خصه الله به من العلوم مقابل عصر البشرية السابق . ففي رواية أبي يحيى قال : قال أبو عبد الله علیه السلام : «إن الله خير ذا القرنين السحابين الذلول والصعب ، فاختار الذلول ، وهو ما ليس فيه برق ولا رعد، ولو اختار الصعب لم يكن له ذلك ، لأن الله ادخره للقائم علیه السلام »(2). ما يعني أن هناك من العلوم والتقنيات الصعبة والقوانين الكونية الهائلة التي سيتم الكشف عنها زمن المهدي علیه السلام وعلى يد المهدي وتكون مخصوصة لزمن وعصر وحكومة المهدي ما تقطع معه البشريه مراحل مذهلة لا تقاس أبدا بما سبق . وهذا يفسر النص السابق من ان المهدي علیه السلام يخرج للناس من العلم : 25 جزءا بعدما كانوا قد علموا منه درجتين فقط فوصلوا فيها إلى ما وصلوا
ص: 292
إليه .. وبالتالي تكون النصوص التي تشير إلى أن أهل الشرق يرون أهل الغرب والعكس ، وان الناس يطيرون في قباب من نور ، وتطوى بهم الأرض ، ويحملون على الغيم وغيرها ، تكون جزءا بسيطا من سلسلة التطور الهائل الذي يكون على زمن حكومة المهدي بل على يده الشريفة عجل الله تعالی فرجه شریف.
وفي رواية أبي بصير قال :
قال أبو عبد الله علیه السلام : « إنه إذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الامر رفع الله تبارك وتعالى له كل منخفض من الأرض ، وخفض له كل مرتفع منها ، حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته ، فأيكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها »(1). إشارة شديدة إلى سلطة هائلة تكون بين يدي المهدي علیه السلام وهو الذي يكشف من العلم 25 جزءا إضافة إلى الجزأين اللذين کشفا من قبل على طول مسيرةالبشرية (2)..!
ص: 293
ص: 294
.. ورد في العديد من الآيات القرآنية ، المفسرة على لسان أهل البيت علیهم السلام إظهار المعنى الأكمل المراد من قوله تعالى : «حَتِي لاَ تَكُونُ فِتْنَةٌ وَيَكونُ الدّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ» ، ليؤكد على المحض التوحيدي لله تعالی وفق منظومة الإسلام الشريف . ففي رواية محمد بن مسلم قال : قلت لأبي جعفر علیه السلام : قول الله عزوجل : « وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله »؟ قال علیه السلام:
«لم يجيئ تأويل هذه الآية بعد، إن رسول الله صلی الله علیه و آله، رځص لهم الحاجته وحاجة أصحابه ، فلو قد جاء تأويلها لم يقبل منهم ، لكنهم يقتلونحتى يوحد الله عزوجل وحتى لا يكون شرك »(1).
وعليه : هذا النص وغيره ، يؤكد انه في دولة المهدي عجل الله تعالی فرجه شریف لا يكون إلا الإسلام ، حتى يوكد: الله على لسان الجميع . على أن طائفة من النصوص أكدت ان قسما من المشركين والكفرة يتهافتون على الإسلام لعظيم ما يرون من حجج في بيانات في المهدي علیه السلام واحتجاجاته . في حين قسم آخرون يصرون على الرفض والجحود وإعلان العداوة والحرب على المهدي علیه السلام فيقاتلهم المهدي حتى يقيم حكم الله فيهم .
ص: 295
وفي رواية عبد الأعلى ( الحلبي ) عن أبي جعفر علیه السلام في حديث طویل قال فيه : « .. ولا يقبل صاحب هذا الامر الجزية ، كما قبلها رسول الله صلی الله علیه و آله، وهو قول الله :« وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ، ويكون الدين كله الله »، قال أبو جعفر علیه السلام: « يقاتلون والله حتى يوحد الله ، ولا يشرك به شيئا ، وحتى تخرج العجوز الضعيفة من المشرق ثريد المغرب ولا ينهاها أحد ، ويخرج الله من الارض بذرها ، وينزل من السماء قطرها ، ويخرج الناس خراجهم على رقابهم إلى المهدي علیه السلام، ويوسع الله على شيعتنا . ولولا ما یدرکھم ( ينجز لهم ) من السعادة لبغوا . فبينا صاحب هذا الأمر علیه السلام قد حكم ببعض الأحكام ، و تكلم ببعض السنن ، إذ خرجت خارجة من المسجد يريدون الخروج عليه ، فيقول لأصحابه : انطلقوا فيلحقون بهم في التمارين ، فيأتونه بهم أسرى .. وهي آخر خارجة تخرج على قائم آل محمد صلی الله علیه و آله»(1). لا نعرف ظرف هذه الواقعة ومتى ؟ لكن كمايبدو واضحا أن هذه « الخارجة » تعلن الحرب على المهدي علیه السلام في وقت متأخر ، فينال منهم علیه السلام .
تعبير النص أنهم « خارجة»، يشير إلى إعلانهم الحرب على المهدي علیه السلام . طبيعة خروجهم وإعلانهم الحرب يعني أنهم يقترفون الآثام والجرائم التي منها الإفساد في الأرض وغير ذلك . وفي النهاية يعاقبهم المهدي علیه السلام وفق مواثيق الشريعة وينال منهم. وهذه تكون آخر خرجة .
ص: 296
ويتعاظم أم الإسلام ، وتزدهر الدنيا ، ويسعد الكون بالحكومة الإلهية العظيمة التي يقودها المهدي المنتظر عجل الله تعالی فرجه شریف. ويجد البشر أنفسهم أمام أعظم مسيرة وجودية ، تظللها حكومة القرآن والعترة النبوية . وفي رواية زرارة قال : قال أبو عبد الله علیه السلام « .. وليبلغن دین محمد صلی الله علیه و آله، ما بلغ الليل ، حتى لا يكون شرك على ظهر الأرض ، كما قال الله »(1).
أي أن « الإسلام » يستوعب دنيا الإنسان أينما حل أو ارتحل في طبقات هذا الكون ، فهو وحده دین المعارف والفقه والحكم والجماعة والإجتماع والمسير الوجودي بكافة أطيافه وشتی معانيه . .
اللهم عرف بيننا وبين محمد وآل محمد علیهم السلام, واجعلنا من أنصارهم، وأعوانهم، والذابين عنهم ، والمستشهدين بين أيديهم، وثبتنا على ولایتهم علیهم السلام واشرح صدرنا للإسلام , واجعلنا من الأمة المرحومة التي تثبت على الحق والإيان وتبذل نفسها في سبيل الله وسبیل رسوله وأهل بيته الأطهار علیهم السلام..
والحمد لله رب العالمين .. وما توفيقي إلا بالله جعفر حسن عتريسي: 29 ربیع الثانی 1427 هجرية ، موافق: 27 أیار 2006 يوم السبت عصرا ..
ص: 297
ص: 298
• نصيحة لأهل الدنيا ...3
• المهدي المنتظر عجل الله تعالی فرجه شریف...5
• تعريف بالمهدي ...11
• البشارة بالمهدي ...11
• ولادة المهدي ...12
• سفراء الإمام المهدي ، وتحقق الغيبتين...18
• شياع حكومة الجور والإنحراف زمن الغيبة ... 21
• بعض علامات الظهور ...33
• آية الحدثان ....37
• النجم المذنب ...38
• آية الشمس ...40
• بعض الفتن ، وما يقع على بلاد الإسلام في عصر الغيبة [سيطرة الكفار على الأنهرالخمسة]...42
• علامات تقع في بلاد العرب زمن الظهور ...44
• عن خليفة العراق ...45
• استنزاف بلاد المسلمين ...46
• إسم المهدي وكنيته وألقابه ...48
صفاته البدنية والخلقية ...49
• مقامه عند الله تعالى ....50
• نسبته من النبي صلی الله علیه و آله ...53
ص: 299
• نسبته من الإمام علي علیه السلام...54
• نسبته من السيدة فاطمة علیها السلام ...55
• نسبته من الإمام الحسين علیه السلام ...55
• خريطة القوى العالمية ، والقيم في آخر الزمان [ نفوذ الروم في ذلك الزمان ]...56
• اختلاف الجيوش العالمية (صراع القوى في منطقة الشرق الأوسط )...57
• حرب الثروة الجوفية ...60
• غربة الإسلام [العالم الفاسد، ودولة خراسان ، وباقي الجيوب ] ...61
• تحالف القوى العالمية على الإسلام ...62
• المهدي علیه السلام يبعث بقتال الروم ...66
• المهدي علیه السلام وحجج الله ...67
• الهدنة مع الروم وانقلاب الروم عليها ...68
• محاولة بعض النصارى واليهود للإختباء وراء المسیح ... 69
• اليهود ...76
• تخبط المسلمين في آخر الزمان ...77
• الترك ...83
• الخراسانيون...87
• أهل خراسان وموضوع الحق الذي يطالبون به ...93
• الخراساني ...94
• فتح بیت المقدس وإعلان الترك الحرب على خراسان ...98
• السيد الحسني والقضاء على الفتنة الداخلية في أرض خراسان ... 111
• قائد من ذرية جعفر بن أبي طالب ...120
ص: 300
• تملك الديلم وقتال ناس من قزوين للدجال ...120
• الجفاء اتجاه المهدي...12-
• منع القفيز والدرهم عن العراق ....121
• بلاد الشام وحركة السفياني ...121
• المهدي والروم ...141
• فلسطين في آخر الزمن ...143
• فتح الهند والصين ...148
• جبهة الدجال ...149
• الحجاز في آخر الزمن ...151
• ذبح النفس الزكية...154
• اليمن واليماني في آخر الزمن ...158
• العراق في آخر الزمن ...163
• مصر في آخر الزمن ...170
• العرب في آخر الزمن ...173
• بلاد العرب في عصر الظهور وما يكون عليه العرب والمسلمون في آخر الزمان...180
• حرب الروم على المهدي بعد غدرهم ...186
• حالة العرب واضطراب أحوالهم أمام طواغيت آخر الزمان ... 199
• عدل المهدي علیه السلام والرخاء في عصره ...213
• أصحابه وأنصاره علیه السلام...218
• بعض معالم آخر الزمان ...221
• حكومات آخر الزمان ...222
• تعاقب الفتن على المسلمين ...223
• بيعة المهدي علیه السلام...225
ص: 301
• أول سلطان المهدي علیه السلام...226
• حركة حروبه وفتوحاته علیه السلام...228
• حياة المهدي ...237
• بعض خصائص وصفات ما قبل الظهور : ( الجاهلية الثانية قبل ظهورالمهدي علیه السلام ومظاهر الفتن...239
و اختلاف الناس سنة ظهوره وغزو الجيوش لبلاد المسلمين...241
• الموطؤون للمهدي علیه السلام سلطانه ...247
• تحرك الروم والترك وإثارة الحروب والطمع بالثروات ...247
• بعض الثورات قبل ظهوره ...248
• اختلاف وزلازل سنة الظهور ...249
• بعض حكام الأمة قبل ظهوره ...250
• صفة الحكام المضلين ..و252
• أعمال الحكام المنحرفين مع الامة ...254
• تحريفهم الاسلام ومخالفتهم أحكامه ...257
• حالة الاسلام...258
• حالة القرآن ...260
• حالة السنة النبوية الشريفة ...260
• حالة علماء السوء قبل ظهوره ...261
• حالة المؤمنين قبل ظهوره ...262
• وطأة الحكام الجبابرة باتجاه أهل الإسلام والإيمان ووجوب الصبر والثبات...267
• تحمل المؤمنين في آخر الزمان ووجوب دعم الحق وحمايته...268
ص: 302
• حالة دول المسلمين وأفرادها قبل الظهور...269
• تأثير حكام الجور على مجتمعات الأمة ...271
وكثرة عدو المسلمين مع ضعفهم ...274
• غيبة المهدي ...280
• بغتة الظهور ...283
• النداء السماوي بالمهدي من المحتوم...285
• تجري في المهدي سنن من الأنبياء علیهم السلام...289
• الكمال الممكن زمن المهدي علیه السلام وبعض علامات حكمه ...290
• التطور والرخاء في عصر المهدي علیه السلام ...191
• المهدي يقيم دولة الإسلام حتى يوحد الله ...295
• فهرس ...299
ص: 303
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِیمِ
- العولمة والعالم إدارة وأدوات .
- الديمقراطيات الغربية في مواجهة
- عقوبة الإعدام تحت المجهر .
- الإنتشار الإسلامي .
- الإستنساخ جدل العصر .
- أفول نجم الامبراطورية الأمريكية .
- ولاية الفقيه والنظام الدستوري الإسلامي.
- المفاهيم الإجتماعية والقيم الوجودية في الإسلام .
- فضائح الملفات الساخنة في لبنان.
- قبل أن ينهار لبنان .
- فوضوية العالم وميزان القوي .
- نهاية أحداث التاريخ البشري : بقية الله الأعظم: المهدي المنتظر آل محمد، المهدي ) : نال [ المصلح الرباني وصانع العالم الجديد ( 3أجزاء ).
- من وجع السنين . ( كتاب أدبي )
- أمركة الأمم وصدام الحضارات .
- التوراة والإنجيل والقرآن .
- الرأسمالية تجتاح العالم .
- معين القراء في مجالس العزاء .
- الحاكم والرعية .
-ما قبل نهاية التاريخ ( ظهور قائم آل محمد، المهدي آل محمد، المهدي ) : نال ) : نال الدرجة الأولى » بامتياز في مهرجان الكتاب الدولي لوزارة الإرشاد والثقافة الإيرانية في مؤتمر سنة الولاية عام 2004[ سال ولايت] .
- حزب الله الخيار الأصعب وضمانة الوطن الكبرى .
- فلسفة الحياة : بين النزعة المادية والمنظومة الوجودية .
- بين الشرق والغرب : الإسلام هو الحل .
- إيران النووية والنظام الأوسطي الجديد .
- العراق في قلب الإعصار ( سقوط بغداد ).
- رايات أهل الولاية في عصر الظهور.
- المرأة في الألفية الثالثة .
- حوار الحضارات والتصادم الأممي .
- المهدي المنتظر علیه السلام ومعالم آخر الزمن .
ص: 304