خاتم الأوصیاء

اشارة

سرشناسه : مومن، مهدی

عنوان و نام پديدآور : خاتم الاوصیاء/ محمدمهدی المؤمن.

مشخصات نشر : قم: موسسه المعارف الاسلامیه، 1424ق-= 1382-

فروست : بنیاد معارف اسلامی؛ 148، 154.

يادداشت : عربی.

يادداشت : ج.1 (چاپ دوم: 1426ق.= 1384).

يادداشت : ج.3 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).

یادداشت : کتابنامه.

موضوع : محمدبن حسن (عج)، امام دوازدهم، 255ق -

موضوع : امامت

شناسه افزوده : بنیاد معارف اسلامی

رده بندی کنگره : BP51/35/م 84خ 21382

رده بندی دیویی : 297/959

شماره کتابشناسی ملی : م 82-14025

خیراندیش دیجیتالی : انجمن مددکاری امام زمان (عج) اصفهان

ص: 1

المجلد 1

اشارة

اسم الكتاب : خاتم الأوصياء /1

تألیف: محمد مهدي المؤمن

نشر: مؤسّسة المعارف الإسلاميّة .

الطبعة: الأولى 1424 ه. ق .

المطبعة :..... عترت .

العدد : ...2000

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة

لمؤسسة المعارف الإسلاميّة

ایران - قم المقدّسة

ص . ب 768 / 37185 تلفون 7732009 - فاکس 7743701

E-mail : m_islamic@aYna.com

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

«اللّٰهُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ الحُجَّةِ بْنِ الحَسَنِ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آبائِهِ فِي هٰذِهِ السَّاعَةِ وَفي كُلِّ ساعَةٍ وَلِيّاً وَحافِظاً وَقائِداً وَناصِراً وَدَلِيلاً وَعَيْناً حَتَّىٰ تُسْكِنَهُ أَرْضَكَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فِيها طَوِيلاً.

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

«اللَّهُمَّ وَ صَلِّ عَلَى وَلِيِّ أَمْرِكَ الْقَائِمِ الْمُؤَمَّلِ، وَ الْعَدْلِ الْمُنْتَظَر،وَ حُفَّهُ بِملائِكَتِكَ المُقَرَّبينَ، وَ اَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُس يا رَبَّ الْعالَمينَ.

المُقَدِّمَةُ

لا شكّ أنّ أصالة المهدويّة والاعتقاد الأصيل بالمهدي الموعود الّذي ظهر للعيان وذاع صيته وانتشر مع بزوغ فجر الإسلام ، ولمع نجمه في سماء الدّين الإسلامي الحنيف ، وأضاء نوره سيماء الصّالحين المنتظرين ، وتوارثوه خلفاً عن سلف ، وكابراً عن كابر، واستقرّ في ضمائرهم حتّى ضرب بجذوره في أعماق نفوسهم ، واُشربوا رحيقه الصّافي ، لا ريب أنّ هذا التفكّر الأصيل تمتدّ جذوره في تأريخ الأديان السّماويّة ، شأنه في ذلك شأن الأصالة المحمّدية والتفكّر الأحمديّ

ص: 5

الّذي بشّرت به جميع الأديان والكتب السّماويّة ، واتّخذه الأنبياء والرُّسل ركيزة دعوتهم ومحوراً لعملهم ، يشيرون إليه بالبنان ويبشّرون اُممهم وأقوامهم بالنّبيّ الخاتم(صلّی الله علیه وآله وسلم ) الّذي تُختتم به الرّسالات. وتُنیخ ببابه نبوّة الأنبياء ، وتُنسخ بشريعته شرائع السّماء ، وتنتهي إليه المكارم والفضائل بأسرها.

فالأصالة المهدويّة شأنها شأن الأصالة المحمّدية ؛ إذ هذه خاتمة النبوّات وتلك خاتمة الوصيّات ، وهذا خاتم النّبيّين كما أنّ ذاك خاتم الوصيّين ، وبيُمْنِ كِليهما رُزِق الورى ، وبوجودهما استقرّت الأرض والسّماء ، وكلاهما الحجّة البالغة الّتي لولاها لساخت الأرض بل السّماوات والأرضون بأهلها ؛ إذ وجودهما لطفٌ ، وتصرّفهما لطفٌ آخر .

فالنبيُّ محمّد (صلّی الله علیه وآله وسلم ) ثمرة مئة وأربعة وعشرين ألف نبيّ ، والمهديّ . عجّل الله تعالی فرجه - ثمرة مئة وأربعة وعشرين ألف وصی ، کائة الأنبياء والأوصياء بشروا بالوصي الخاتم كما بشروا بالنبيّ الخاتم . ومهّدوا الطريق لظهورهما ، وعبّدوا السّبيل لخروجهما ؛ ذلك أنّ الوصاية المهدويّة هي البقيّة الباقية من الخلافة الإلٰهية ، واكتمال لحلقات سلسلة الإمامة والولاية العلويّة ، وهي الكلمة الطّيّبة التي لولاها الاندثرت آثار النبوة المحمدية بل النبوات من آدمها إلى خاتمها ، بَله

كانت النّبوّات بأجمعها عبثاً ، والرّسالات بتمامها لغواً ، فهي كالشّجرة الطّيّبة أصلها ثابت وفرعها في السّماء ، تؤتي اُكلها في توالي الإمام

ص: 6

بعد الإمام كلّ حين بإذن ربّها.

ومن هنا كانت البشائر تتوالي من الأنبياء والأوصياء بالمنقذ الّذي يظهر في آخر الزّمان ، وحيث أنّ الأرض لم تُطهّر من دنس الطّغاة وعَبَث العابثين ورجس أهل الكفر والشّرك والضّلال ، فإنّ القلّة القليلة ، والشرذمة اليسيرة من أهل الصّلاح ، والمستضعفين من أتباع الشّرائع والأنبياء ، كانوا ينتظرون بفارغ الصّبر منقذاً يقطع دابر الكفر والظّلم والاستبداد ، ويُطهّر الأرض حتّى لا يذر للكافرين على الأرض دَيَاراً . باستئصال جذورهم ، وإبادة آثارهم ، فلا يُعبد إلّا الله ، ولا يكون الدّين إلّا الله سبحانه وتعالى ، وكلّما بُعث نبيُّ أو اُرسل رسول أو خرج مصلح ظّنوا أنّه المنقذ الّذي يُرجى فيه ذلك ، فأومأ إليهم أنّه ليس المنقذ على الإطلاق ، ولا هو المرتجي لتطهير الأرض وإعمارها ، ثمّ أرشدهم إلى أوصاف المنقذ على الإطلاق ، وأمرهم أن يصبروا عَلَّهم يُدركوا عظمة ملکه ، وجلالة ملكوته تشريعاً وتكويناً ، بل زاد فانتظروا إنّي معكم من المنتظرین ، وارتقبوا إنّي معكم رقيب ، فكان الانتظار دَیدنهم ، والفرج غاية آمالهم ، تدور رحى دعوتهم عليهما ، وتنطلق انطلاقاً فطريّاً منهما . وتنبثق انبثاقاً عقليّاً عنهما ، يتفاخرون أنّهم المبشِّرون بالمنقذ الأعظم ، والممهَّدون للمهديّ سلطانه وملكه الأقوم ، اُمنيتهم في الحياة ورجاؤهم من الله جلّ وعلا أن يوفّقوا للسّير في ركبه ، والجهاد تحت رايته المظفّرة المنصورة ، والخدمة بين يديه .

ص: 7

بلي هكذا كانت سيرة الأنبياء والأولياء والأوصياء ، لم يطرف لهم جَفْنٌ ، ولا قرّت لهم عينٌ ، ولا سكنتْ لهم جارحة، ولاقرّ لهم قرارٌ۔ ولا هَدَأ لهم بالٌ ، ولا راق لهم خيالٌ في تبليغ رسالاتهم وإصلاح أقوامهم ، وفي ذلك كلّه لا يريدون منهم جزاءً ولا شكوراً ؛ إذ جنّدوا أنفسهم ووطّنوها على أن يكونوا ممهّدين للمهديّ أرواح العالمين لتراب مقدمه الفدا ، فكان جزاؤهم في الدُّنيا أن يظهر المهديّ من آل محمّد (صلّی الله علیه وآله وسلم ) ليملأ الأرض قِسطاً وعَدْلاً كما مُلِئَتْ ظُلماً وجوراً ، وليُظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون ، فتتحقّق الإرادة الإلٰهيّة ، والمشيئة الرّبّانيّة ، والعناية الرّحمانيّة بمجيء الحقّ وزهوق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً .

فالمهدي المنتظر والمنقذ الأعظم هو بقيّة الله الّذي بشّر به الرّسل والأنبياء و «بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ » (1)، وعليه تُعقد الآمال ، وبه تتمّ الرّسالات والشّرائع السّماويّة ؛ لأنّ به وفي سلطانه يتحقّق الوعد الإلٰهي ليرث المستضعفون الأرض ومن عليها ، وتُجني ثمار كفاح الأنبياء والّذين اتّبعوهم ، ويُسدَل السّتار على ظلمات التّأريخ الّتي دامت آلاف السّنين ، وتُطوى صفحاته الّتي أصبحت ملئى بأفدح الفجائع وأفحش النّوائب الأليمة والمآسي الجسيمة ، تجاسروا فيها حتّى طالت ساحة

ص: 8


1- سورة هود: 86.

الأنبياء والأوصياء والأولياء والمؤمنين ، فلم يرقبوا فيهم إلّا ولا ذمّة ، ولا راعوا فيهم ذا رحمٍ أو كبيراً أو صغيراً أو مخدّرة قد لازمت مخبئها ، ذنبهم في ذلك أنّهم آمنوا بالله العزيز الحميد .

ولمّا كان تأريخ هذه الأُمّة وتأریخ الأُمم السّالفة وجهان لعملة واحدة «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ » (1)، « لتركبنّ سنن الأُمم من كان قبلكم حذو القذّة بالقذّة ، حتّى لو دخلوا جُحر ضَبِّ لدخلتموه » . قالوا: يا رسول الله ، اليهود والنّصارى ؟ قال : « فمن ؟ (2)، فإنّ ما جرى ويجري على هذه الأُمة عين ما جرى على اُمم الأنبياء السّابقين من قبل ، ولم تختلف عنها في الأدوات والآليات والأسباب والنّتائج ، عدا اختلاف الوجوه والصّور والأشكال ، ومن تصفّح بأنامل التّحقيق والتأمّل صفحات تأريخ المسلمين ، وكشف عن الوجه الآخر لهذا التأريخ وهذه الأُمة ، وانقضّ على الحقائق الّتي طالما جاهدت الأنظمة وزمرة المحدثين والوضّاعين والكذّابين ومنتحلي العلم والدّين الدّائرين في فلك الخلفاء والسّلاطين ، على طمسها ، أو عبثت أيديهم المعلنة والخفيّة بها لتحريفها ، لا تنجلي عنه غبرة التّصفّح والتحقيق حتّى يذعن بهذه

ص: 9


1- سورة الإنشقاق : 19.
2- تفسیر ابن کثیر : 364/2 و : 523/4 ، وقد جعل الحديث تفسيراً للاية السّابقة.

الحقيقة ، ولا يكاد يزول عن مقامه حتّى يقرّ بتلك الويلات والمصائب الّتي جرّتها على هذه الاُمّة تلك الطّغمة الغاصبة ، والزّمرة الواثبة على منبر رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم ) من بعده ؛ لاتّباعها سنن الاُمم الماضية في ابتغاء الفتنة وصرف الوجوه عن صاحب الحقّ والولاية الإلٰهيّة ؛ خروجاً على سنّة نبيّها ، ومروقاً عن الدّين المبين ، واتّباعاً لأهوائها في تعيين من يخلف نبيّها ، ومحاربة إمامها المنصوب من قِبله عن ربّ العزّة جلّت عظمته ، جرياً على عادتهم في السّير على خطى السّلف من اُمم الأنبياء بقتلهم للأنبياء وأوصيائهم وصريح المخالفة لهم والتّمرّد على أوامرهم ودساتيرهم طبق النّعل بالنعل ، وحذو القذّة بالقذة.

فقد برز قابيل وذرّيته من أشرار اُمّة أبينا آدم (علیه السّلام) للصالحين من أوصياءه ، فوثبوا على هابيل الوصيّ النّبيّ وعلى ذرّيته الأنبياء والأوصياء لينالوا منهم بالقتل والتشريد ، ثمّ جرت السّنّة ذاتها في اُمّة نوح ، حيث تغلّب الأشرار منهم على الأخبار، فعكفوا على عبادة الأصنام ، وعادوا إليها كما كان الحال قبل الطّوفان ، ولم يكن حال اُمّة إبراهيم الخليل صلوات الله عليه أفضل من حال الاُمم السّالفة حين وثب أشرارها من بني إسحاق على أخبارها مضطهدين لهم ، ظالمين إيّاهم . مغتصبين لحقّهم ، حتّى بعث كليم الله موسى (علیه السّلام) إلى شرّ خلق الله اليهود من بني إسرائيل ، فأذاقوه وأخاه هارون وأوصياءه من بعده الهوان وأشدّ العذاب ، مارقين عن اليهوديّة ، مخالفين للتوراة محترّفين لها ولشريعة

ص: 10

السّماء جملة وتفصيلاً ، خارجين من بعده على وصيّه يوشع بن نون وبقيّة الخلف الصّالح من أوصيائه ، وهم أحد عشر وصيّاً من بعد الوصيّ الأوّل يوشع سلام الله عليه وعليهم ، فكان ما كان ، ووقع بعد موسی سلام الله عليه ما وقع من الفتن والمروق ، حتّى جاءهم داود (علیه السّلام) ، وأعقبه الله تعالى بسليمان(علیه السّلام) ، الّذي حكم فيهم بعلمه بالواقع معرضاً عن الأخذ بظاهر الحال ، فاستطاع أن ينال منهم بقوّته الّتي اُوتيها من تسخير الجنّ والإنس والدّواب والملك العظيم ، فأذعنوا له ، حتّى إذا مات وقضي نحبه ارتدّت الاَمّة عن دينه ، وغلبت على امرها عاصية لأمره ، غير مبالية بوصيّته ، واثبة على خلافته ، عاتية عن أمر ربّها ، معرضة عن وصيّه بالحقّ آصف بن برخيا ومن خَلَفَهُ من بعده .

ولم يكن لهذه السّنّة الباطلة في الاُمم حدّ يقفٍ ، تنتهي عندها ، بل مالت عن الحقّ كالتي قبلها ، وجرت عليها ما جرت على سالفتها واُختها في عصيانها لروح الله المسيح صلوات الله عليه ، فقاتلت وقتلت على عهده یحیی بن زکریا (علیهما السّلام) ، وحملت رأسه الشّريف على الرّماح لتهديه إلى عاهرة من عواهر الزّمان ، وما برحت أن طالت أيديها الملطّخة بدماء الأنبياء وأبناء الأنبياء وورثتهم ، لتطارد روح الله عیسی بن مریم (علیهما السّلام) من فجّ إلى فجّ ، ومن كهف إلى كهف ، بغية قتله والنّيل منه ؛ محواً لذكره ، وقضاءاً تامّاً على آثاره ، وسحقاً لشريعته ، حتّى إذا رفعه الله تعالی ليدّخره للمنتقم المهدي من آل محمّد صلوات الله عليه وآله فيكون له

ص: 11

ناصراً ومعيناً في دولته الكريمة المرتقبة في آخر الزّمان؛ ليجتثّ دابر المتكبّرين ، ويقطع أوصال الكافرين والمنافقين «حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ » (1)، وثبت تلك الاُمّة الظّالمة على وصيّه شمعون الصّفا وحوارتيه المخلصين هاضمین حقوقهم ، مطاردين إيّاهم قتلاً وتعذيباً وتشريداً، بعدما حرّفوا شريعته وعبثوا بكتابه السّماوي الإنجيل.

ثمّ إنّ ما جرى على الأنبياء وأوصيائهم من القتل والسّلب والعصيان ، وما جرى على شرائعهم السّماوية من التحريف والعبث لم يصدر من عدوّ مجاهر في عدائه ، ولا من مكابر معاند معلن لعدائه ، ولا ممّن ينئی بنفسه عنهم ، بل ممّن صحبهم ، وتظاهر أنّه من أوليائهم ، وانتحل دينهم ، وتصنّع ودّهم، أو ممّن عُدّ في زمرة علمائهم ، كإخوة يوسف (علیه السّلام) ، والسّامريّ الّذي كان من اُمّة موسی صلوات الله عليه ، وبلعم بن باعورا الّذي كان معدوداً من زمرة علماء بني إسرائيل ، بل أكثرهم علماً ، وقد عبّر عنه القرآن الكريم : « فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ » (2).

وقد واكبت هذه الاُمّة مسيرة أسلافها من تلك الاُمم ، ولم تتخلّف عن

ص: 12


1- سورة البقرة : 193.
2- سورة الأعراف : 176.

ركبها طرفة عين «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ »(1)، وجرت عليها نفس تلك السّنن ، وجرّعت نبيّها وأوصياءه من أهل بيته الأطيبين الأطهرين نفس تلك الغَصص ، وعبثت بشريعته حذو القذّة بالقذّة ، فكان مالها الذّلَ والخنوع، والحرمان والشّقاء ، تتلقّفها أيدي الجبابرة والمردة ، وتتلاعب بها وبمصيرها زمرة من الطّغاة المستبدّين بآرائهم ، وعلماء السّوء من وعّاظ السّلاطين الّذين يحومون حول الخليفة والسّلطان . ويدورون في فلکه ، يعزّزون سلطانه ، ويوطّئون له ملکه ، ما دامت الخلافة لمن وثب عليها بالقوّة ، والإمامة ليست . عندهم - منصباً إلٰهيّاً ، ولا معنى لقوله تعالى - عندهم . «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ » (2)، ولو على حساب الدّين .

هذه سنّة الخلق والاُمم، وأمّا سُنّة الله تعالى فإنّها ماضية في الوصيّ بعد الوصيّ ، ونصب الإمام تلو الإمام، حتّى يظهر الوصيّ الخاتم فيملأها قسطاً وعدلاً ، شاء من شاء ، وأبي من أبی ، « فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا »(3).

ص: 13


1- سورة الانشقاق : 19.
2- سورة القصص : 68.
3- سورة فاطر: 43.

عن أبي واقد اللّيثي : أنّهم خرجوا عن مكّة مع رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلم ) إلى حنين ، قال : وكان للكفّار سدرة يعكفون عندها ، ويعلّقون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط ، قال : فمررنا بسدرة خضراء عظيمة ، فقلنا : یا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط ؟ فقال (صلّی الله علیه وآله وسلم ) : « قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسی: « اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ » (1)، إنّها لسنن لتركبُنّ سنن من كان قبلكم سُنّة سُنَة »(2). ذكرها أيضاً التّرمذي في صحيحه باختلاف يسير ، ثمّ علَق عليها : « هذا حديث حسن صحیح (3).

وعن سهل بن سعد الأنصاري ، عن النّبيّ(صلّی الله علیه وآله وسلم ) ، قال : « والّذي نفسي بيده لتركبنّ سنن من كان قبلكم مثلاً بمثل »(4).

وعن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم ) : « لتركبُنّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع ، حتّى لو أنّ أحدهم دخل جحر ضبُّ لدخلتم ، وحتّى لو أنّ أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه »(5) ثم قال عنه: « صحيح».

ص: 14


1- سورة الأعراف: 138.
2- مسند أحمد بن حنبل : 218/5.
3- صحيح الترمذي : 321/3 .
4- مسند أحمد بن حنبل : 340/5 .
5- المستدرك للحاكم النيسابوري : 455/4

وفي حديث أبي سعيد الخدري (رضی الله عنه) : «لتركبُنّ سنن من قبلكم»(1).

وعن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلم ) : « لتركبُنّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع ، وباعاً بباع ، حتّى لو أنّ أحدهم دخل جُحر ضَبِّ لدخلتم ، وحتّى لو أنّ أحدهم جامع اُمّه لفعلتم» (2). ثمّ قال : « رواه البزّاز ، ورجاله ثقات ».

وعن عبدالله - يعني ابن مسعود - ، قال : قال رسول الله(صلّی الله علیه وآله وسلم ) : «أنتم أشبه الاُمم ببني إسرائيل ، لتركبُنّ طريقهم حذو القذّة بالقذّة ، حتّى لا يكون فيهم شيء إلّا كان فيكم مثله ، حتّى أنّ القوم لتمرّ عليهم المرأة فيقوم إليها بعضهم فيجامعها ثمّ يرجع إلى أصحابه يضحك لهم ويضحكون إليه »(3).

وعن المستورد بن شدّاد : أن رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم ) قال : «لا تترك هذه الاُمّة شيئاً من سنن الأوّلين حتّى تأتيه »(4)، ثمّ علّق عليه : « رواه الطّبراني في الأوسط ، ورجاله ثقات».

وعن قتادة : أنّ حذيفة قال : « لتركبُنّ سنن بني إسرائيل حذو القذّة بالقذّة ،وحذر الشّراك بالشراك ، حتّى لو فعل رجل من بني إسرائيل كذا وكذا ، فعله رجل من هذه الاُمّة » .

ص: 15


1- شرح مسلم للنووي : 17/1 .
2- مجمع الزوائد للهيثمي : 261/7 .
3- مجمع الزوائد للهيثمي : 261/7 .
4- مجمع الزوائد للهيثمي : 261/7 .

فقال له رجل: قد كان في بني إسرائيل قردة وخنازير.

قال : « وهذه الاُمّة سيكون فيها قردة وخنازیر» (1).

وروى ابن الأثير عنه (صلّی الله علیه وآله وسلم ) : « لتركبُنّ سنن من كان قبلكم حذو النّعل بالنعل» ، ثمّ علّق عليه قائلاً : أي تعملون مثل أعمالهم ، كما تقطع إحدى النّعلين على قدر النّعل الاُخرى (2).

وقال ابن منظور : « لتركبنّ سنن من كان قبلكم حذو القذّة بالقذّة » . قال ابن الأثير : يضرب مثلاً للشّيئين يستويان ولا يتفاوتان(3).

قال الطّريحي(رحمه الله) : وفي حديث النّبيّ (صلّی الله علیه وآله وسلم ): « لتركبُنّ سنن من كان قبلكم حذو النّعل بالنعل » ، أي تشابهونهم وتعملون مثل أعمالهم على السّواء (4).

وفي قوله تعالى : «وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ » (5).

والأحاديث بهذا المعنى كثيرة في كتب الفريقين.

ثمّ إنّ التمرّد الّذي وقع لتلك الاُمم بعد أنبيائها ، والمروق الّذي

ص: 16


1- النّهاية: 344/1 .
2- النّهاية: 344/1 .
3- لسان العرب: 503/3 .
4- مجمع البحرین: 478/1 .
5- سورة البقرة : 118.

حدث لهم بإنكار حجج الله تعالى والإعراض عن آیاته وبیّناته إنّما جاء من طائفتين ؛ طائفة القادة المتبوعين ، وطائفة العوامّ التّابعين ، والطّائفة الاُولى تارة رجال سياسة وحكم ليس إلّا، وتارة علماء سوء وضلالة ، وتارة ثالثة رجال حكم وسياسة متستّرين بعباءة الدّين ، وتارة رابعة رجال حكم وسياسة مستعينين بعلماء السّوء ووعّاظ السّلاطين ، والّذين اتّبعوا هم الغوغاء من سواد هذه الاُمم الّذين يتّبعون كلّ ناعق ، وما أكثر ما في القرآن الكريم : « وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ » (1)وما يجري مجراه ، وتبرّي بعضها من بعض يوم القيامة.

والطائفة الاُولى ممّن حملوا راية المواجهة والعناد والتصدّي للأنبياء إنّما حملوها على علم منهم بأحقّيّة الأنبياء ، وضلالة أنفسهم ، ورغبة في حطام الدّنيا الفانية وزخارفها الآنيّة . قال تعالى : « فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ »(2)، ولا شأن لنا هنا بالحكّام ورجال السّياسة

ص: 17


1- سورة سبأ: 31 و 32.
2- سورة الجاثية : 17. ومثل هذه الآية قوله تعالى : « وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ » سورة البقرة : 213. وقوله تعالى :« فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ » سورة يونس : 93 .

لانكشاف أمرهم ووضوح مآربهم ، ولكنّ الخطر كلّ الخطر ، والحذر كلّ الحذر من علماء السّوء ووعّاظ السّلاطين المتاجرين بالدين ، ثمّ الهمج الرّعاء الّذين يتّبعون كلّ ناعق ، ولا يكادون يهتدون سبيلاً بعقولهم، وبما منّ الله سبحانه عليهم من قوّة الإدراك والتّدبير ، فكم من عالم أضلّ جِبلاً كثيراً من النّاس ، فاتّبعوه وانقادوا له على ضلاله ، وساقهم إلى شفا جرف هارٍ فانهار بهم في نار جهنّم.

ولم تكن حال هذه الاُمّة أفضل من أسلافها من الاُمم ؛ ذلك أنّ طائفة من علمائها عكفوا يوحون إلى أوليائهم زخرف القول غروراً ، وما برحوا يمهّدون للشيطان طريقه ، ويعبّدون للباطل دروبه ، لا يردعهم عن نصرة الباطل رادع من علم أو تقوى ، ولا يصدّهم عن محاربة الحقّ وازع من عقل وضمير، فحرّفوا القرآن بضروب التّفسير ، وباطل التّأويل وقد رووا جميعاً قول رسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم ) : « من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النّار»(1) ، وحرّفوا شريعة الإسلام بتحريفهم لسنّة النّبيّ الأكرم (صلّی الله علیه وآله وسلم ) ونسبة الأكاذيب والأباطيل إليه ، حتّى استباحوا دماء العترة الهادية ، وهتك حرمة البيت المحمّدي ، واغتصاب إرث الصّديقة الطّاهرة بنت الوحي والرسالة بفتاوى الغدر الّتي ما أنزل الله تعالى بها من

ص: 18


1- الحدائق: 29/1 ، 355/6 . عوالی اللئالی : 4/ 104.. وفي نور البراهين : 181/1 قوله (صلّی الله علیه وآله وسلم ) : « من فسّر القرآن برأيه فقد کفر» .

سلطان ، فتفرّقت الاُمّة وتشتّت شملها بين شيعة عليّ أمير المؤمنین صلوات الله عليه وشيعة بني اُميّة ، ثمّ انقسمت كلّ فرقة بينها إلى مذاهب فقهيّة ومذاهب عقائديّة كلاميّة ، فالشيعة من بعد أمير المؤمنين صلوات الله عليه لأنّهم أهل الحقّ ، وقد كتب الله لأهل الحقّ أن يغربلوا ويمحّصوا مرّة بعد مرّة حتّى يخرج الحبّ الرديء ولا يبقى سوى الجيّد من وجوه المؤمنين ، فإنّهم خاضوا ساحة الفتنة ، فتنة بعد فتنة ، واقتحموا لجج بحار الاختبار لجّةً تتبعها لجّة ، حتّى لم يبق منهم سوى الذّهب المصفّى المتمسّكين بالعترة الهادية ، المعتقدین باثني عشر إماماً ، آخرهم المهدي المنتظر الغائب ، الّذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

والبلية الكبرى ، والدّاهية العظمى أنّ هذه الفرقة النّاجية بعقائدها ، والحقّة باُصولها لم تسلم من أهل الأهواء والغواية وذوي العاهات في صفوفها ؛ إذ وجدوا في غيبة الإمام الثّاني عشر صلوات الله عليه تجارة رابحة، وسوقاً رائجةً ، قد تدرّ عليهم مالاً وافراً ، ويجنون من ورائها سيادة على الهمج الرّعاء وأهل الغوغاء ، فمنهم من ادّعى المهدويّة بكلّ صلافة ، ومنهم من ادّعى البابيّة والسّفارة ، وهاتان الطّائفتان أقلّها خطورة ؛ لأنّ بطلان مزاعمها أبْیَنُ من شمس الظّهيرة ، وأوهن من بيوت العنكبوت ، ومنهم من ضرب على الوتر الحسّاس منتهزاً عواطف العامّة ، مستغلاً عطشهم وطول انتظارهم ، زاعماً أنّه الممهَد للمهديّ (علیه السّلام) سلطانه ، والموطّد له حكمه ، وأنّه حامل لوائه ، والمسلّم إليه رايته ،

ص: 19

فالمخلص منهم جاهل بحقيقة أنّ مثل هذه المزاعم كالقنبلة الموقوتة والبركان الهائج تكمن خلفها الكوارث الأليمة ، وتحمل في طيّاتها الدّمار الشّامل ؛ ذلك أنّ من يجتمعون تحت راية تدعو إلى المهدي عجّل الله فرجه عاقدين عليها آمالهم ، وتزعم تلك المزاعم، ثمّ لا يبصرون بعد طول انتظار منهم سوى الشّعارات البرّاقة ، ولا يجدون سوى الخيبة بعد الخيبة ، فإنّهم لا جرم ينقلبون على أعقابهم؛ إذ تندلع نار الشّكّ لتحرق حصاد عقائدهم ، و يبقى منجل الرّيب يحصد إيمانهم ، وتكون تلك الرّاية سبباً في ضلالهم وعلّة في هلاكهم ، وتكون جنت على نفسها براقش ، ولات حین مناة ، حيث لا ينفع النّدم ، وأمّا المرائي المتزلّف منهم فإنّه يتجاهل تلك الحقيقة سعياً وراء مآربه ورغباته ، لا سيّما أنّ الصّادقین (علیهما السّلام) أرشدونا إلى حقائق صارخة لا بدّ من وقوعها ، فمنها ما أخبروا بأنّ ما من طائفة إلّا ملكت ونالت السّلطان قبل ظهور صاحب الأمر صلوات الله عليه ، وآل إليها الحكم بين فئة من الناس ، قليلة أو كثيرة ، لتجرّ خلفها أذيال الخيبة حتّى لا تزعم طائفة لو أنّها تربّعت على عرش الحكم لعدلت بين النّاس ، حتّى إذا استيأسوا جميعاً واعتقدوا أن لا ملجأ لهم من الله إلّا إليه ، ولا منقذ لهم سوى المهدي صلوات الله عليه ، وتوجّهوا إليه توجّهاً فطريّاً جاءهم نصر الله ، وكتب لهم عند ذلك الخلاص.

فالحذر الحذر من الافتتان بمثلها والوقوع في شركها ، ولا أظنّ أحداً

ص: 20

ينجو من تلك الفتن الّتي هي أحلك من ظلام اللّيل الدّامس ، حتّى يلتبس الأمرعلى الألمعي من الرّجال ، فيلتبس عليهم الحقّ باسم الحقّ وتحت راية دعاة الحقّ ، فحذار من حبائل هذه الفتن ، ولا منجی سوی بالتمسّك بالكتاب والعترة ، وقد نطقت الصحاح من الأحاديث . وتواترت الأخبار في أنّ كلّ راية قبل الصّيحة فهي راية ضلال(1)؛ لأنّها إن لم تكن ضالّة في قيامها ومقدّماتها فإنّها مضلّة في نتائجها وآثارها ، وستؤول حتماً إلى الضّلال ، وكتب أعلام المتقدّمين رضي الله عنهم نطقت بهذه الحقيقة ، ووکّدها أصحابها بأوثق التّوكيد (2)، كما اُمرنا أن نكون قبل الصّيحة وخروج السّفياني أحلاس بيوتنا (3)، وقد حذّرونا من اثنتي عشرة راية لاثني عشر من بني هاشم قبل خروج المهدي (علیه السّلام) ، كلّ يدعو إلى نفسه ، وإن تظاهر بعضهم أنّه يدعو إلى المهدي أرواحنا فداه ، وهي حجّة علينا ، « اللّٰهُمَّ اهْدِني لَمِا اخْتُلِفَ فِيْهِ مِنَ الْحَقّ بِإذْنِكَ » ؛ ذلك أنّ في اتّباع العترة نجاة الاُمّة، وفي مخالفتها بالتلاعب في الحقائق الثّابتة عنهم ، وتأويلها بما تشتهي أنفسنا ، هلاكنا، مهما كانت الدّواعي عظيمة ، وكانت الشّعارات والأهداف مقدّسة ؛ إذ لا نجاة حتّى تكون عالماً ربّانيّاً أو متعلّماً على سبيل النّجاة ، وما بعد الحقّ

ص: 21


1- سنأتي على ذكر تلك الأخبار وتحقيقها مفصّلة ، وسنورد آراء القدماء أعلى الله شأنهم في ذلك من مصادرها في الحلقة الثّانية إن شاء الله تعالی.
2- سنأتي على ذكر تلك الأخبار وتحقيقها مفصّلة ، وسنورد آراء القدماء أعلى الله شأنهم في ذلك من مصادرها في الحلقة الثّانية إن شاء الله تعالی.
3- سنأتي على ذكر تلك الأخبار وتحقيقها مفصّلة ، وسنورد آراء القدماء أعلى الله شأنهم في ذلك من مصادرها في الحلقة الثّانية إن شاء الله تعالی.

إلّا الضّلال ، « وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » (1).

كلمة أخيرة إلى الّذين يقتحمون غمار هذا البحر اللّجيّ ، ويريدون أن يفوزوا بالزلفي لدى المهدي أرواحنا له الفداء أن يطلبوه كما هو عليه ، لا كما تشتهيه أنفسهم وتصوّره أحلامهم ، وأن يوطّنوا أنفسهم على طاعته والامتثال لأوامره بالغاً ما بلغ ، لا أن يشربوا في قلوبهم حبّ هذا وذاك حتّى إذا ظهر صاحب الأمر أرواحنا فداه على خلاف مشربهم مخيّباً لآمالهم ، مسفّهاً لأحلامهم نبذوه وراء ظهورهم ، وخالفوه في السرّ والعلن تبعاً لقادتهم وجرياً وراء أحلامهم ، فيكونوا حينئذٍ كأهل الكتاب الذّين قال تعالى عنهم بعد کفرانهم بنبيّنا محمّد(صلّی الله علیه وآله وسلم ) والإعراض عن شريعته : « وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ » (2)، فأمن برسول الله (صلّی الله علیه وآله وسلم ) من كان خلوّاً من الأطماع ولم يكن قد سمع به ، وكفر به من عرفه في التّوراة والإنجيل لوصفه إيّاه على ما تشتهيه نفسه وما تصوّره له أحلامه ، لا كما هو عليه ، ولا كما ينبغي لهم أن يؤمنوا به وينتظرون ظهوره ، وهو ما مني به عليّ صلوات الله عليه من خذلان الصحابة له وإعراضهم عنه وهم العارفون بفضله ومنزلته وإمامته ،

ص: 22


1- سورة الحشر : 7.
2- سورة البقرة : 89.

ومنهم الطلحة والزبير اللَّذين تخلّيا عنه في دولته ؛ لأنّهم أرادوه طبقاً لأحلامهم ، واتّبعوه طمعاً في الحطام الزّائل ، بينما آمن به وصدّقه ونصره اُولئك الّذين خلت قلوبهم من الأطماع ، ونفوسهم من لذّة الشّهوات ، وعقولهم من آفة الجهل والعناد.

إذن بظهور المهدي (علیه السّلام) وقيام دولته الكريمة نقول : قتل أصحابُ الاُخدود ، وقُتل الخرّاصون ، وقُتل الّذي قدّر کیف قدّر ، وقُتل وهلك كلّ مكذّب للأنبياء والأوصياء ، وكلّ مفترٍ عليهم ، وكلّ محاربٍ لهم ، وكلّ كفّارٍ أثيم ، وكلّ منافقٍ لئيم ، وكلّ من يمنعون الماعون ، وتُغَلَ أيديهم في أعناقهم ويقيّدون بسلاسل من النّار ، يُصبّ من فوق رؤوسهم الحميم ، وطعامهم من غسلين ، يُضربون على وجوههم وأدبارهم ، ويومئذٍ فلا فوت ، واُخذوا من مكانٍ قريب . والبشرى لكم أيّها الصّابرون المنتظرون الموطّئون للمهديّ سلطانه ، بسلامة العقيدة وحسن العمل في السيرة والسّلوك.

وأيّها الممهّدون للمهديّ ، أرواحنا فداه ، وصبراً آل ياسر وأيّها المجاهدون بأموالكم وأنفسكم فإنّ موعدكم جنّة الدّنيا في دولة المنتظر المهدي صلوات الله وسلامه عليه ، حيث يمسي الرّجل جاهلاً وجباناً وبخيلاً ، فيصبح عالماً شجاعاً كريماً ، يمشي النّصر بين يديه ، يقفو أثر الرّسول (صلّی الله علیه وآله وسلم ) ، لا يخطئ ، له ملك يسدّده من حيث لا يراه ، وجنّة العقبي الّتي عرضها السّماواتُ والأرض اُعدّتْ للمتّقين ، وهما جنّتان تُدركان

ص: 23

ولا توصفان ، حيث لا عينٌ رأتهما ولا اُذُنٌ سمعتْ بهما ولا خَطَرتا علی قلب بشر ، وفيهما نعیم دائم ، أساسهما العدل ، والاعتدال ، ونظامهما الفضل والإفضال ، ورأسهما الرّحمة الرّحمانيّة والعناية الرّبانيّة .

وأخيراً فإنّي لاُناشد كلّ من « كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ » (1)، و«الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ »(2) . وكلّ المضطهدين والمستضعفين والمحرومین ، سيّما شيعة المهديّ وأتباعه ، أنْ هلمّوا إلى الانتظار وتهيّئوا للفرج، وساهموا بالصلاح والإصلاح وحسن السّير والسّلوك والتّهذيب والتزكية في تحقيق الوعد الإلٰهي ، حيث قال تعالى للملائكة : « إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ » ، واُمنيةٍ

طالما كافح من أجلها الأنبياء واُولوا العزم من الرُّسل وأتباعهم ، وقدّموا في سبيلها التّضحيات ، واستأثروها على أنفسهم ، فبذلوا فيها كلّ غالٍ ونفيس ، وإلّا فكلّ أملٍ يُعقد على هذا وذاك ما هو إلّا جريٌ ولَهَثٌ خلف السّراب وإنّما يحسبه الظّمآن ماءاً ، حتّى إذا جاءه لم يجده شيئاً ، فمجرّد تصوّرها يجزي للتصديق بفشلها ؛ إذ هو المدّخر لتجديد الفرائض والسُّنَن ، وهو المؤمَّل لإحياء الكتاب وحدوده ، وهو قاصم شوكة المعتدين ، وهو الطّالب بذحول الأنبياء وأبناء الأنبياء .

ص: 24


1- سورة ق : 37.
2- سورة الزُّمر: 18.

وهو الطّالب بدم الحسين الشّهيد المقتول المظلوم بكربلاء ، وهو المنتقم والمنقذ من براثن الجهل والضّلال ، فأين تذهبون ؟!

«وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ » (1).

والحمد لله ربّ العالمین

محمّد مهدي المؤمن

الأحد 7 شعبان المعظّم 1423ه

قم المقدّسة

ص: 25


1- سورة القصص: 5.

ص: 26

الدّرس الأوّل : العلم والمعرفة /1

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

لم يكن تعطّش الإنسان إلى العلم والمعرفة ، وتوق نفسه ، وشدّة اشتياقه إلى الكمال أمراً غريباً ؛ ذلك أنّ حبّه للكمال و شوقه للتكامل نابع من فطرته الذاتيّة ، وهو الفارق الّذي يميّزه عن الحيوان ، ولهذا قال تعالى : «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ » (1) أي ليعرفون (2) ؛ إذ المعرفة أعلى درجات العبادة ، وما من عبادة إلّا وهي تفتقر إلى المعرفة ، فالعبادة فرع المعرفة ، ولا خير في عبادة

ص: 27


1- سورة الذّاريات: 56.
2- شرح الأسماء الحسنى للسبزواري : 189/1 و23/2 و 102. الرواشح السّماوية للمحقّق الدّاماد : 22. شرح اُصول الكافي : 208/4 ، ه1. تفسير ابن کثیر: 255/4 .

لم تُبْنَ على أساس من العلم والمعرفة ، وإنّما يتقرّب العبد إلى الله سبحانه ويرتقي سلّم الكمال أوّلاً: بالمعرفة ، و ثانياً : بالعبادة المبتنية على المعرفة ، ولهذا شُبّه العابد الجاهل - على لسان أئمّة أهل البيت (عليهم الصّلاة والسّلام ) - بحمار الطاحونة الّذي لا يفقه لماذا يدور حول نفسه (1).

ثمّ إنّ العبادة ينبغي أن تقرّب العبد من الله جلّ جلاله لأنّها وسيلة العبد المُثلى وسلاحه الأوحد في سلوكه إلى ربّه وخالقه جلّ وعلا ، ولا خير في عبادة لا تحقّق الغرض الّذي جعلت من أجله ، ولا تؤدّي الغاية المرجوّة منها ، فأي خير في عبادة مبنية على الجهل ؟ وأي زلفي تتحقّق للعبد بهذه العبادة ؟ بل لن يكون العمل عباديّاً إلّا إذا ابتنى على أساس متين ألا وهو المعرفة ؛ إذ بالمعرفة يجعل العبد من كلّ فعل حسن عملاً عباديّاً يقرّبه من الله تعالی زلفي ، وبها يختصر الطريق نحو الغاية القصوى والهدف الأسمى ، بل يختار من العبادات ما يسرع به

ص: 28


1- قال أمير المؤمنین (علیه السّلام) : «المتعبّد على غير فقه كحمار الطّاحونة يدور ولا يبرح، وركعتان من عالم خير من سبعين ركعة من جاهل ؛ لأنّ العالم تأتيه الفتنة فيخرج منها بعلمه، وتأتي الجاهل تنسفه نسفاً، وقليل العمل مع كثير العلم خير من كثير العمل مع قليل العلم والشكّ والشبهة » . الاختصاص : 245. بحار الأنوار: 208/1 .

إلى بلوغ المني؛ ذلك أنّ العبادات طرق ومسالك ، منها ما يكون أقرب وأسرع، ومنها ما دون ذلك ، ومنها ما يكون الجهد فيه أشدّ وطريقه أبعد ، ومنها ما يكون الجهد فيه أسدّ والمنزل منه أقرب . فلاشدّة الجهد ووعورة الطريق دليل على القربي ، ولاقلّة الجهد ورعونة الطريق دليل على المنأى ، بل الملاك هي المعرفة التي تجعل البعيدة على مقربة من السالك ، بل تدفعه ببصيرته إلى اختيار أفضل الطرق وأقرب المسالك ، ولهذا قال المعصوم (علیه السّلام) : « الصَّلَاةُ مِعراجُ المُؤمِنِ» (1).

وقال أيضاً: «کَلُّنا سُفُنُ النَّجاةِ، لَكِنَّ سَفِيْنَةَ الْحُسَيْنِ أَسْرَعُ» ، خلافاً للجاهل الّذي يهيم بوجهه الطريق فلايهتدي إلى الحقّ سبیلاً . وربّما زاده الطريق الّذي سلكه بُعداً عن الحقّ جلّ جلاله ، وإن وقع اختياره على الطريق الأسلم والمسلك الأقرب ؛ لأنّه يتيه الطريق وينأى عن المقصود بجهله رغم سلوكه للطريق ، وهو أقبح وجوه التيه والضّلال ، ولا ينافي قوله(صلّی الله علیه وآله وسلم ) : « أفْضَلُ الأعْمالِ أَحَمَزُها (2) ؛

ص: 29


1- الاعتقادات للمجلسي: 39. جامع أحاديث الشيعة: 3/4 - 28. بحارالأنوار: 248/79 ، 303 و : 255/81 .
2- عوالي اللئالي: 1/ 305 و 320. بحار الأنوار: 237/67 . رسائل الكركي: 79/1 . وأحمزها : أي أشقّها وأشرّها وأمتنها وأقواها .

لأنّه(صلّی الله علیه وآله وسلم ) قال أيضاً: «خَيْرُ الاُمُورِ أوْسطُها »(1)، وقال (صلّی الله علیه وآله وسلم ) : أفْضَلُ الأعْمالِ الْعِلْمُ بِاللهِ ، والْفِقْهُ في دِينِهِ »(2).

لهذا كان التّفقّه في الدّين بكلا قسميه التّفقه بالفقه الأكبر ، أعني معرفة اُصول الدّين ، والتّفقّه بالفقه الأصغر ، وهو معرفة الأحكام والقوانين الإلٰهيّة والتكاليف الشرعيّة ، أساس قبول الأعمال والفوز بالزّلفي والرّضوان ، وهو تجارة لن تبور ، ولا يربح التّاجر في تجارته إلّا باقتحام السّوق بعد المعرفة بقواعد التّجارة ، والإحاطة بظروفها ، والإلمام بأفضل سبلها . نعم ، قد يجني الجاهل ربحاً بضربة من الحظَّ إلّا أنّ ذلك لا يضمن له تجارة رابحة ، وهكذا طالب الآخرة فقد يصيب ربحاً وأجراً اُخرويّاً في تجارة اُخرويّة ثمّ يخسرها في صفقة اُخرى ، بل يخسر أضعافها إن لم تكن تجارته مبنيّة على العلم والمعرفة ، هذا إن أمكننا القول بأنّ الأجر الاُخروي يأتي بضربة من الحظّ !!

من هنا كانت خلقة آدم (علیه السّلام) سرّاً من الأسرار السّماويّة ، تكمن فيها ألف نكتة ونكتة من الحقائق اللّاهوتيّة ؛ ذلك أنّه تعالى كان قد خلق

ص: 30


1- عيون الحكم والمواعظ للواسطي : 240. عوالي اللئالي: 296/1 .
2- میزان الحكمة : 2126/3 .

ملائكة لا يحصى عددها ، وهم عباد مکرمون لا يعصون الله ما أمرهم وهم بأمره يعملون ، وبعبادته مشتغلون ، بين مسبّح ومكبّر ومهلّل وحامد وقائم وراكع وساجد ، لا يرفعون إليه رأساً ، ولا يعرّفون عنه طَرْفاً ، فأبى الله تعالى إلّا أن يخلق خلقاً يكون وعاءً لعلمه تعالى ، وحافظاً لسرّه ، وحاملاً لحكمته ممّا ينوء عن حمله اُولئك العباد المكرمون والملائكة الصّافّون الحافّون المسبّحون ، وهي حمل الرّسالة والأمانة الإلٰهيّة ، ولهذا الغرض خلق الله تعالى آدم (علیه السّلام) و بنیه ، «وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا » (1)، فالإنسان الكامل وعاء علم الله تعالى وخزانة سرّه ومشكاة حكمته وزجاجة نوره : « مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ »(2)، ولهذا قال تعالى : «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ » و ليباهي به ملائكته الّذين اعترضوا على خلقه استفهاماً و استنكاراً أو تعجّباً ، « فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ » (3)، وإن کنتم قد اطّلعتم على السّرّ والحكمة من

ص: 31


1- سورة الأحزاب: 72.
2- سورة النُّور: 35.
3- سورة البقرة : 31.

خلقه ؟ «قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا» ، هذا الإقرار منه بالجهل دلیل عبوديّتهم الله تبارك وتعالى ، « إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ » (1)، فالسرّ في خلقة آدم (علیه السّلام) بدليل هذه الآيات ، أنّه يكون وعاء علم الله تعالى وخزانة سرّه ومشكاة حكمته ، فأنت يا إلٰهنا العليم بفعلك ، والحكيم في صنعك ، تجتبي وتخلق لهما من تشاء من خلقك.

ثمّ إنّ الله تعالى قد اتّخذ آدم (علیه السّلام) معلّماً لملائكته ، وصیّره مربّیاً لهم ؛ إذ قال تعالى : «قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ » (2)، فالسرّ في خلقة الإنسان هو العلم والحكمة فيها هي المعرفة ، ومن أعرض عنهما فقد أعرض عن الحكمة الّتي خُلق من أجلها ، والسرّ الّذي قامت عليه

خلقته ، فهو والبهيمة على حدّ سواء، بل لعلّه كان أضلّ سبيلاً؛ إذ البهيمة لا تنقض الغرض من خلقتها ، بل هي ماضية على سبيلها والطّبيعة الّتي جُبلت عليها ، وهذا البشر قد أتى بما ينقض الغرض الّذي خُلق من أجله ، فليس يكون الإنسان إنساناً حتّى يكون عالماً متفقّهاً في دينه ، أو متعلّماً سالكاً طريق الكمال ؛ ولذلك كانت أجنحة

ص: 32


1- سورة البقرة : 32.
2- سورة البقرة : 33.

الملائكة موطئاً لأقدام طالب العلم ، وكانت فرشاً وبُسُطاً تطئها أقدامهم ؛ ولذلك تستغفر لهم جميع الكائنات حتّى الطّير في السّماء والحيتان في البحار ؛ ولذلك أيضاً كان نوم العالم خيراً من عبادة الجاهل ؛ ذلك أنّ العالم أمان لأهل السّماوات والأرض ، يصلح بعلمه ومعرفته ما يفسده أهل الجهل والبغي.

وللمعرفة درجات كما هو الحال في كافّة سبل الكمال ، وكلّما

زادت مرتبة المعرفة سَهُل بلوغ المراد، وهان على السالك السّير على الأشواك ، بل كانت الشُوكة الّتي تُدمي قدميه ورداً وريحاناً في طريق الحقّ ، كالعاشق الولهان الهائم في بحر العشق ، حيث لا يرى سوى وجه الحبيب فلا يلتفت إلى ما يصيبه من جوع وظمأ ونَصَب ، ومنتهی غاية السّالك أن يرقي أعلى مدارج الكمال ، ويبلغ بجهده أقصى مراتب سُلم المعرفة ، وهاهنا تكمن الأسرار ، وتتجلّى الأنوار ، فتقطف أنضج الثّمار بعدما ينجلي عن نفس السّالك الشّوائب والغبار ، وهو الطّريق إلى المعرفة الحقّة الّتي من أجلها خُلق الإنسان ، بل خُلْقُ جميع الأكوان ؛ لقوله تعالى في الحديث القدسي: «عَبْدِي خَلَفْتُ الأَشياءَ لِأجْلِكَ، وَخَلَقْتُكَ لِأجْلِي »(1)، وأي مقام أسمى من المعرفة الحقّة

ص: 33


1- الجواهر السّنيّة : 361.

وحقّ المعرفة ، وقد خصّ بهما الإنسان ؟ وأي نعمة أوفي وفضل أرقی ممّا ادّخره الله تعالى لعباده من بني آدم ؟

من هنا جاءت الدّعوة الحثيثة والتّرغيب الدّائم على طلب المعرفة بالسعي الدّؤوب والجهد الجهيد ، وحتّى السؤال في إطار الدّعاء حيث علّمنا أئمّة أهل البيت (علیهم السّلام) كيف ندعوا، وامتلئت أحاديثهم وأدعيتهم بالمعارف الّتي تضمن بلوغ المرام ، وتضمّنت درراً من المعرفة لمن ألقى السّمع وهو شهيد ، ولا غرو في ذلك إذا كان أهل الدّار أدرى بما في الدّار .

وقد علّمنا أئمّتنا الأطهار ورثة الأنبياء كيف نسعى إلى المعرفة . ومن أين تؤكل الكتف ، وحاشاهم أن يفرّطوا في ذلك طرفة عين أو لمحة بصر؛ لأنّهم الدّعاة إلى الله تعالى ، واُمناؤه على سرّه وحججه على عباده ، حيث أمرونا أن ندعوا في دبر كلّ صلاة : « اَللّهُمَّ عَرِّفْنى نَفْسَكَ، فَاِنَّكَ اِنْ لَمْ تُعَرِّفْنى نَفْسَكَ، لَمْ اَعْرِف رَسُولکَ؛ اَللّهُمَّ عَرِّفْنى رَسُولَكَ، فَاِنَّكَ اِنْ لَمْ تُعَرِّفْنى رَسُولَكَ، لَمْ اَعْرِفْ حُجَّتَكَ؛ اَللّهُمَّ عَرِّفْنى حُجَّتَكَ، فَاِنَّكَ اِنْ لَمْ تُعَرِّفْنى حُجَّتَكَ، ضَلَلْتُ عَنْ دينى.»(1).

ص: 34


1- مصباح المتهجّد: 411. بحار الأنوار : 187/53 و : 89/99. ورواه باختلاف يسير السيّد ابن طاووس في جمال الأسبوع: 315، والطوسي في الغيبة : 334، والنّعماني في الغيبة : 166، والصّدوق في كمال الدّين : 512، والكليني في الكافي : 337/1 .

وتنقسم المعرفة إلى المعرفة العالية والمعرفة الدانية ، فعدّوا المعرفة بلحاظ المنشأ والمبدأ معرفة للسالك من وجه ، ومعرفة للعارف من وجه آخر؛ وذلك أنّ المعرفة الحقّة تبدأ من معرفة الأدنى لتتدرّج إلى العالي فالأعلى ، بينما حقّ المعرفة تنطلق من معرفة الأعلى لتندرّج إلى العالي فالداني فالأدني ؛ إذ خير سبيل إلى المعرفة أن يكون منشأ المعرفة ومبدؤها معرفة الله تعالى ، وأن يعرف الله تعالى بالله - لا أن يعرف بغيره ، بل يكون هو طريقاً وسبباً لمعرفة مخلوقاته . وعلى هذا وردت أدعية أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين ) كقوله (علیه السّلام) في دعاء أبي حمزة الثّمالي: «بِكَ عَرَفْتُكَ وأنْتَ دَلَلْتَني عَلَيْكَ ، وَدَعَوْتَني إلَيْكَ ، وَلَوْ لَا أنْتَ لَمْ أدْرِ ما أنْتَ »(1).

وهكذا ما ورد في دعاء يوم عرفة عن مولانا أبي عبدالله الحسين (علیه السّلام) : « اَيَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ ما لَيْسَ لَكَ حَتّى يَكُونَ هُوَ الْمُظْهِرَ لَكَ ، مَتى غِبْتَ حَتّى تَحْتاجَ اِلى دَليلٍ يَدُلُّ عَليْكَ؟!

وَمَتى بَعُدْتَ حَتّى تَكُونَ الاْ ثارُ هِىَ الَّتى تُوصِلُ اِلَيْكَ ؟! عَمِیَتْ عَيْنُ

ص: 35


1- الصّحيفة السّجادية : 214. إقبال الأعمال : 157/1 . البحار : 270/3

لَا تَراكَ عَلَيْها رَقِيباً »(1).

وما ورد في دعاء الصّباح: «یا مَنْ دَلَّ عَلىٰ ذاتِهِ بِذاتِهِ (2) .

فأفضل المعرفة أن يعرف الله تعالى شأنه بالله .

وفي الكافي : « اعْرِفُوا اللهَ بَاللهِ »(3)، وعن أبي عبدالله(علیه السّلام)

: «عَرَفَ اللّه َ مَن عَرَفَهُ بِاللّه ِ ، فَمَن لَم يَعرِفْهُ بِهِ فلَيسَ يَعرِفُهُ ، إنَّما يَعرِفُ غَيرَهُ»(4) ولهذا قال المولى السّبزواري : « و بیان کونه تعالى برهاناً و مظهراً لكلٌ مجهول أنّ الدليل المرشد للعقل إلى المطلوب كالذي يأخذ بيد الأعمى ويوصله إلى مقصوده ، فإذا أردت أن تصل إلى حدوث العالم فصدّقت بسيلانه ثمّ صدّقت بحدوثه ، فسيلان العالم وحركته الجوهريّة والكيفيّة والكمّيّة ، وبالجملة حركته ذاتاً وصفة أظهرت لعقلك الحدث ، وأوصلتك إليه ، لكنّ السّيلان الحاصل في الذهن موجود من الموجودات ، له ماهيّة و وجود ؛ إذ الماهيّة منفكّة عن كافّة الوجودات لا تقرّر لها كما قرّر في محلّه ، فكيف تكون بذاتها مظهرة

ص: 36


1- شرح اُصول الكافي : 88/3 . بحار الأنوار : 142/64 .
2- التّوحيد للصدوق: 35. الأمالي للمفيد : 254. بحار الأنوار: 84/ 339.
3- التّوحيد للصدوق : 35. الكافي: 1/ 85. الهداية للصدوق: 15.
4- الكافي: 114/1 . التّوحيد : 143. بحار الأنوار : 161/4 .

لشيء ؛ لأنّ ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له ، فهي من حيث هي لا مظهرة ولالا مظهرة ، فوجودها مظهر ، والوجود بشراشره إشراق الحقّ «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ » (1)، أي بإشراقه استشرقت المجرّدات والمادّيّات...». إلى أن قال : « وكذا في الحدود ، فهو البرهان على غيره ، وكذلك هو البرهان على نفسه ... الخ » (2) .

وبهذا المعنى قال الشيخ الرّئيس : «الأوّل تعالى لا برهان علیه ، بل هو برهان على كلّ شيء» (3)، وتعرف مخلوقاته به ، فيعرف النّبيّ بالله تعالى ، ويعرف الإمام بالنبيّ، ويعرف العالم النّائب مناب الإمام بالإمام (علیه السّلام) ، وهكذا.

وأمّا أن يعرف الله تعالى بمخلوقاته فهو طريق إلى المعرفة الحقّة دون حقّ المعرفة ، وهو طريق العامّة العباد قد أرشد إليه الخالق الحكيم وحثّ عليه أيضاً، لكنّه الطّريق الأبعد، والمسلك الأشقّ ، كما في آيات الآفاق والأنفس ، كقوله تعالى : «فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ »(4)،

ص: 37


1- سورة النُّور: 35.
2- شرح الأسماء الحسنی: 1/ 50 - 51.
3- شرح الأسماء الحسنی: 50/1 .
4- سورة عبس : 24.

«أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا » (1)، «أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ *وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ » (2)

وقال أمير المؤمنين (علیه السّلام) : «مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ فَقَدْ عَرَفَ رَبَّهُ»(3)۔ ولهذا قال المحقّق المازندراني : « يعني عرف ربّه بعد ما عرف به نفسه لابمثله ؛ لامتناع التّشبيه ، فمنعرف نفسه بالحدوث والإمكان والعجز والجهل مثلاً، عرف ربّه بالقِدم والوجود والقدرة والعلم»(4)

وهناك طريق أوسط بين الطّريقين وهو للخاصّة من أهل الإيمان،

ص: 38


1- سورة النّازعات : 27.
2- سورة الغاشية : 17 - 19.
3- شرح أصول الكافي : 23/3 . عوالي الليالي : 54/1 . بحار الأنوار : 32/2 . المناقب للخوارزمي : 375.
4- شرح اُصول الكافي : 23/3 .. وقال بعض الأكابر معناه : «كما لا يمكن التّوصل إلى معرفة النفس ، أعني الرّوح ، كذلك لا يمكن التّوصل إلى معرفة الرّبّ »، وقال بعض الأعلام : « معناه أنّه كما لا يمكن التّوصل إلى معرفة النّفس، لا يمكن التّوصل إلى معرفة الرّبّ ».

كما في زيارة الجامعة الكبيرة : « بکم عرف الله »(1)، وفي الحديث : « سبّحنا ، فسبّحت الملائكة ، وهلّلنا ، فهلّلت الملائكة (2). و في نحو التقاء طرق المعرفة هذه عند نقطة اشتراك تفاصيل ليس هنا محلّها.

وكيف كان فهذه مقدّمة و توطئة لبيان أهميّة المعرفة الّتي جُبل عليها الإنسان ، ومن هنا كان لا بدّ للحكيم جلّت حكمته أن لا يهمل عباده ، فبعث إليهم الأنبياء ليستخرجوا دفائن الكنوز المودعة في الفطرة الإنسانية فيعملوا على تصقیلها وتطويرها ، وأیُّ كنز في فطرته أغلى وأنفس من كنز المعرفة ، ولهذا كانت الحكمة ضالّة المؤمن (3) يأخذها أينما وجدها، وعلى هذه المعرفة تقوم دعائم الحياة و يجري شریانها، ولا خير في إنسان لا معرفة له ، بل هو والبهيمة على حدّ سواء.

ص: 39


1- التّوحيد للصدوق : 152. كفاية الأثر : 300. بحار الأنوار : 260/26 .
2- نور البراهين للسيّد نعمة الله الجزائري: 386/1 . ومثله قوله (علیه السّلام) : « ولَوْلَانا ما عُرِفَ اللهُ » بصائر الدّرجات : 81. وأيضاً : «من عرفهم فقد عرف الله » المهذّب: 290/1 . المقنعة : 488. وأيضاً : « ولولاهم ما عرف الله عزّ وجلّ » الكافي 193/1 .
3- الكافي : 167/8 . من لا يحضره الفقيه : 380/4 . تحف العقول : 394.

ص: 40

الدّرس الثّاني: العلم والمعرفة /2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إذ معرفة الله سبحانه وتعالى رأس سلسلة المعارف، وقد أجاد

الشيخ الرّئيس ابن سینا حين قال:

«جلّ جناب الحقّ أن يكون شريعة لكلّ وارد ، وأن لا يطّلع عليه إلّا واحداً بعد واحد» (1) بعدما علمنا أنّ حقّ معرفته تعالى أعلى مراتب المعرفة ولذلك قال(صلّی الله علیه وآله وسلم ) : « يا عليّ ، ما عرف الله إلّا أنا وأنت ، وما عرفني إلّا الله وأنت ، وما عرفك إلّا الله وأنا» (2)، فلا تتسنّى هذه

ص: 41


1- کشف الظّنون حاجي خليفة: 842/1و 160. الصّوارم المهرقة للتستري : 269.
2- مختصر بصائر الدّرجات للحلّي : 120.

المعرفة لأحد من الخلق سواهما ، وهي تختلف اختلافاً جوهريّاً عن المعرفة الحقّة كما هو الحال في مطلق المعرفة والمعرفة المطلقة ، فمطلق المعرفة شأن عامّة الناس وديدنهم ، وأمّا المعرفة الحقّة فشأن الخواصّ والألمعيّ من الخواصّ ، كما أنّ حقّ المعرفة الّتي هي المعرفة المطلقة تختصّ بهم عليهم الصّلاة والسّلام ؛ إذ «جلّ جناب الحقّ أن یکون شريعة لكلّ وارد» ، ولهذا «فمن زار الحسين (علیه السّلام) عارفاً بحقّه غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر (1)، كما في الحديث ، وهي منزلة يمكن أن ينالها عامّة المؤمنين ؛ إذ تكفي فيها مطلق المعرفة وإن تفاوتت المنزلة بتفاوت المعرفة ، خلافاً لقوله (علیه السّلام) : « من زار الحسين (علیه السّلام) عارفاً بحقّه فكأنّما زار الله عزّ وجلّ فوق عرشه »(2)، وهي المعرفة الخاصّة التي تسمّى بالمعرفة الحقّة ، ولا ينالها سوى الخاصّة من العباد ، ولمّا لم تكن هذه المعرفة ممّا تناله النفوس الغارقة في بحر الظلام وحتّى النفوس غير الملكوتية المعصومة فإنّ طریق حقّ المعرفة ، أعني معرفة

ص: 42


1- کامل الزّيارات: 262.
2- فضل زيارة الحسين (علیه السّلام) لمحمّد بن على الشّجري : 72. ومثله : عن أبي الحسن الرّضا (علیه السّلام) : «من زار الحسين بن عليّ (علیه السّلام) عارفاً بحقّه، كان من محدّثي الله تعالی فوق عرشه» مستدرك الوسائل : 251/10، وكامل الزيارات : 268.

الحقّ جلّ وعلا من غير الوسائط ومن دون معرفة خلقه والتّدرّج من معرفتهم إلى معرفة ذاته المقدّسة ، أبعد من أن تناله العقول السّاذجة والنّفوس الغليظة لاختصاصها بالأنفس الملكوتيّة النفيسة ، وهي نفوس أهل العصمة (صلوات الله عليهم)، وعلينا أن نخوض هذا البحر اللّجّي ونقتحم هذا الباب من أوسط السبل وأوضح المسالك ، وهو عبر معرفة أولياءه ورسله من جهة ما نطقت به آیاته و دلّت عليه بيّناته متمسّكين في ذلك بحبل الله المتين من الكتاب الحقّ والسّنّة الشّريفة الّتي لا تنطق عن الهوى ، وقد ثبت أنّ الحكيم لايهمل عباده عن معرفته ، ودلّهم على قدسيّة ذاته بإرسال الرُّسل وبعثة الأنبياء ، فكانوا منعوتين بالكمال ، معتصمين بذات الحكيم المتعال ، ليخرجوا النّاس من الظّلمات إلى النُّور ، أي من الجهل إلى المعرفة ، و من عبادة سوى الله تعالى إلى عبادته ، ومن طاعة المخلوق إلى طاعة الخالق ، وهل هناك رسالة أشفي وهدف أسمي من رسالة الأنبياء ؟

قال رئيس المحقّقين نصير الملّة والدين الطوسي قدّس الله روحه في بعض رسائله : أنّ مراتب ذلك متخالفة كمراتب معرفة النار مثلاً ، فإنّ أدناها معرفة من سمع أنّ في الوجود شيئاً يظهر أثره في شيء يحاذيه وإن أخذ منه شيئاً لم ينقص ، ويسمّى ذلك الموجود ناراً .

ص: 43

ونظير هذه المرتبة في معرفة الله تعالى معرفة المقلّدين الذين صدّقوا بالدين من غير وقوف على الحجّة .

وأعلا منها مرتبة من وصل إليه دخان النار وعلم أن لا بدّ له من مؤثّر ، فحكم بذات لها أثر هو الدخان ، ونظير هذه المرتبة في معرفة الله تعالى معرفة أهل النظر والاستدلال الذين حكموا بالبراهين القاطعة على وجود الصانع تعالی .

وأعلا منها مرتبة من أحسّ بحرارة النار لسبب مجاورتها ، وشاهد الموجودات بنورها وانتفع بذلك الأثر ، ونظير هذه المرتبة في معرفة الله سبحانه و تعالى معرفة المؤمنين الخلّص الذين اطمأنت قلوبهم بالله وتيقّنوا أنّ «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ » ، كما وصف به نفسه .

وأعلا منها مرتبة من احترق بالنار بكلّيّته وتلاشى فيها بجملته . ونظير هذه المرتبة في معرفة الله تعالى معرفة أهل الشهود والفناء في الله ، وهي الدرجة العليا والمرتبة القصوى ، رزقنا الله تعالى الوصول إليها والوقوف عليها بمنّه وكرمه ، انتهى كلامه أعلى الله مقامه(1).

حتّى جاء الموعود وأشرقت الأرض بنور ربّها، فولد أشرف

ص: 44


1- مفتاح الفلاح : 126.

مخلوق ليكون بعد أربعين عاماً أشرف الأنبياء وخاتم الرُّسل ، ويأتي بأكمل الشّرائع وخاتمة القوانين السّماويّة، وينادي بأعلى صوته: «قُولُوا لَا إلٰه الَّا تُفْلِحُوا »(1)، ويصيح: « إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ» (2)، وهي المكارم التي بدأ بها أبونا آدم (علیه السّلام) وسارت في الخيرة من ذرّيّته سلسلة منسجمة متراصّة مترابطة من نوح إلى إبراهيم ، إلى موسى ، ثمّ عيسى ، واختتمت بخاتم النّبوة المحمّدية ، وتبدأ بعصر جديد من أزمنة الخير والفضيلة ، تحمل معها مواريث الأنبياء فيكتمل الدّين وتتمّ النّعمة ، كلّ ذلك بالعلم والمعرفة والتّفقّه في الدّين .

ومن هنا كانت معرفة النّبيّ(صلوات الله وسلامه عليه ) فرع معرفة الله تعالى : « اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَ غُرَفُ رَسُولُكَ» (3)؛ لأنّ المعرفة الصّحيحة بالله تعالى كفيلة بأن تكون نبراساً يقتدى بها ، ومشعل هداية يهتدى بها ، والأساس المتين الّذي تبتني عليها المعرفة الحقّة بالسفير الّذي يمتّله جلّت قدرته ،

ص: 45


1- وهو شعار التّوحيد .
2- بحار الأنوار: 210/16 و : 372/67 . کنز العمّال : 16/3
3- الكافی: 337/1 ، 342. التوحيد: 287. كمال الدين : 342.

والنّبيّ المبعوث الّذي هو صمّام أمان لأهل الأرض ، بل لأهل السّماوات والأرض ، من اقتحام الهلكات وخوض الفتن والمهالك ، كما هو أمان للسّماوات والأرض من خطر الاندثار والدّمار ، فإذا عرف الحقّ جلّت عظمته بحقيقة المعرفة عرف النّبيّ الّذي يمثّله ويبلّغ عنه ، حقّ المعرفة ، وإلّا فالجاهل المحجوب عن معرفة الحكيم حقّ المعرفة حريّ بأن يكون أجهل بالنبيّ الّذي ينوب عنه ، والخطر كلّه مكمون خلف حجاب الجهل بالربّ جلّ وعلا ؛ إذ الجهل به آفة الكمال ومقدّمة الجهل المطلق المناهض لبعثة الأنبياء وإرسال الرُّسل ؛ لأنّه نقض للغرض من بعثتهم بالشرائع والقوانين ؛ ذلك أنّ هذا الجهل لاجرم ينتهي بصاحبه إلى الجهل بالحجّة الّذي يفترض أن يخلف النّبيّ ( عليه الصّلاة والسّلام ) في حفظ الشّريعة من عبث العابثين إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ» (1)؛ إذ النّتيجة تتبع أخسّ المقدّمتين ولهذا قال (علیه السّلام) : « اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولُكَ »، أي بالمعرفة الحقّة « فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رسولک لَمْ أَعْرِفْ حجتک » وخليفتك في أرضك من بعده ، ذلك أنّ معرفة الرّبّ تعالى ضمان لمعرفة النّبيّ المبعوث من قِبله ، فلا ينغرّ صاحب هذه المعرفة ولا ينخدع بدعاة النّبوّة

ص: 46


1- سورة الحجر: 9.

ولا ينساق الضلالاتهم وأباطيلهم ؛ لأنّ السّيرة الذّاتيّة لمدّعي النّبوة تكشف حقيقة الزّعم من زيفه ؛ إذ السّفير ممتّل ، والممثّل على شاكلة سیّده الّذي يزعم تمثيله ونيابته ، فمن عرف الله تعالى علم أنّ نبيّه وسفيره لا يكذب ولا يغدر ولا يفجر ولا يظلم ولا يأتي بالقبائح مطلقاً ، بل لا يكون إلّا أكمل النّاس وأفضلهم خَلْقاً وَ خُلُقاً وَ مَنْطِقاً وَ عِلْماً وَ مَعْرِفَةً وَ بَهَاءً وَ جَلَّالًا وسلوكا وَ مَسْلَكاً ، وَ أَسْخَاهُمْ جُوداً وکرما وَ رَأْفَةٍ وَ رَحْمَةً وَ هَلُمَّ جَرّاً ... لا يدانيه في الفضائل أفضل النّاس ولا في الكمالات أكملهم.

ومن ثمَّ كانت معرفة الإمام الّذي يرث النّبيّ ويقوم مقامه وينوب عنه ليكون حجّة على العباد وأماناً للبلاد « لَولَا الْحِجَّةِ لَسَاخَتْ الْأَرْضِ بِأَهْلِهَا »(1)، عن أبي جعفر (علیه السّلام) ، قال : « لَوْ بَقِيَتِ الْأَرْضُ یوما وَاحِداً بِلَا إِمَامٍ مِنَّا لَسَاخَتْ الأزض أَهْلِهَا ، وَ لَعَذَّبَهُمْ اللَّهِ باشد الْعَذَابِ » (2)، هذه المعرفة هي الفيصل بين الحقّ والباطل ، ومن جهل

ص: 47


1- مستدرك سفينة البحار : 278/5 .
2- نوادر المعجزات للطبري الشّيعي: 196. دلائل الإمامة للطبري الشيعي: 436. ومثله باختلاف يسير في الغيبة للنعمانی : 138 و 139، وفي الغيبة للطوسي: 220، والاحتجاج : 48/2 ، وبحار الأنوار : 6/23، و: 21، 24، 28، 29، 37.

وصف النّبيّ لجهله بوصف الله تعالى ونعته ، جهل بالضرورة القطعيّة وصف الإمام والحجّة من بعده ، وأخطأ في تمييزه بشخصه وعينه ، وبما أنّ النّبيّ أيّامه قصيرة ونبوّته تنحصر عادة في شخصه ، وأمّا الإمام النّائب عنه فإنّ إمامته وحجّيّته تتوالى وتنتقل ظهراً لظهر و خلفاً عن سلف ، ولا تنقطع بموته ، فمعرفته غاية في الأهميّة؛ إذ معرفة الإمام بعينه فرع معرفة الإمامة ، ومعرفة الإمام فرع معرفة النّبيّ بعينه ، و معرفة النّبيّ بعينه فرع معرفة النّبوّة ، ومعرفة النّبوّة فرع معرفة الله تعالى ، والجهل بالنبيّ يستتبعه الجهل بالإمامة الّذي ينتهي بصاحبه إلى الجهل بشخص الإمام ، وإن شئت فقل : معرفة الإمام فرع معرفة النّبيّ، ومعرفة الإمامة فرع معرفة النّبوّة ، وكيف كان فالجهل بالإمام منبع الشّرور والانحرافات ؛ إذ اتّباع الحقّ فرع معرفة الحقّ المتمثّل في شخص الإمام (علیه السّلام) ، وهل بعد الحقّ إلّا الضّلال ؟ فالانحراف عن الإمام انحراف عن جادّة الصّواب والوقوع في شرك الشّيطان : « فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي » ، فالضّلال والانحراف والهلاك واتّباع الهوى والشّيطان لاعلّة لها سوى الجهل وعدم المعرفة ، فالجهل منبع الشّرور والظّلمات وطريق المهالك ، بينما العلم والمعرفة منبع الخيرات والأنوار و سبيل النّجاة ، وهي لاجرم تبدأ من معرفة الذّات الواجبية المقدّسة ، وتنتهي بمعرفة الإمام والحجّة

ص: 48

«نَحْنُ حُجَجُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ ، وَ خُلَفَاؤُهُ فِي عِبَادِهِ ، وأمناؤه عَلَى سِرِّهِ» (1)، وهذه المعرفة وإن بدأت بمعرفة الله تعالى وتبارك و تنتهي إلى معرفة الحجّة ، إلّا أنّ معرفة الحجّة فرش المعارف ومعرفة الواجب عرش المعارف ، ومعرفة النّبوّة منزلة بين المنزلتين.

ولهذا وقع الاختيار الصّائب ممّن عرفوا الله والنّبيّ والنّبوّة حقّ المعرفة أو بالمعرفة الحقّة على اتّباع أئمّة أهل البيت (علیهم السّلام) بعد النّبيّ الخاتم(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) .

وجاء مولد الصّادق من آل محمّد(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ولادة جديدة للإمامة الّتي يكون بها دوام النّبوّة وديموميّة الرّسالة المحمّدية(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وهي المعرفة المنقذة للاُمّة من ظلمات الجهل إلى نور اليقين والسّعادة الأبدية ، حيث أحيا الشّريعة الّتي لولاه لاندر ست معالمها ، وإنّما أحياها بإنشاء أعظم محفل علمي وجامعة تربويّة كفيلة بالنهوض بالاُمّة عبر العلم والمعرفة وتربية الأجيال من العظماء والعلماء ممّن ملؤا الخافقين علماً وأدباً وفضلاً وكمالاً ؛ إذ بمعرفة الإمام (علیه السّلام) يُعرف الورثة الصّادقون للإمام في كلّ عصر ومصر ، لئلا تدْلَهِمّ بالناس عواصف الفتن و تزّل بهم وعورة الطّريق.

ص: 49


1- بحار الأنوار: 35/23 و : 312/108 .

من هنا أيضاً جاءت فكرة إنشاء مركز علمي حوزوي تحقيقي على غرار الحوزات الشّيعيّة على مرّ التّاريخ يهتمّ بشؤون المعرفة والآداب في المجتمع الكويتي وغيره من مجتمعاتنا الإسلاميّة ، فكانت وليدة العلم والمعرفة توّاقة إليها ، والحمد لله الّذي منّ علينا بفضل العناية الرّبّانيّة ودعاء مولانا البقيّة الباقية من العترة الهادية ( عجّل الله تعالى فرجه الشّریف ) : « إِنَّا غَيْرِ مُهْمَلِينَ لمراعاتكم ولاناسین لذكركم »(1)، أن تظافرت الجهود المخلصة من علمائنا وطلّابنا أيّدهم الله تعالى لتقترن ولادة مركز الإمام السّجّاد (علیه السّلام) بولادة النّبيّ الخاتم(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وولادة حفيده الإمام جعفر بن محمد الصادق ، ويرى الثور في ذكرى ولادة النّورين ( عليها الصّلاة والسّلام ) من العام المنصرم، وقد مرّ عليه عام منذ السابع عشر من الرّبيع الأوّل من العام الماضي ، وقد حقّق -بفضل الله تعالى - الكثير من الإنجازات الّتي اُقيم من أجلها لاسيّما السّعي الحثيث على ترسيخ دعائم العلم والمعرفة في مجتمعنا ، وتشييد معالم المعرفة تبعاً له ، وقد بقي الكثير الكثير ممّا نسعى إلى إنجازه ونحن في بداية المشوار ، سائلين المولى العزيز أن يوفّقنا لما يحبّ ويرضى.

ص: 50


1- تهذیب الأحکام: 38/1 . المزار للمفيد : 8. الاحتجاج : 223/2 .

ومن ثمّ رأيت أنّ الصّواب في المدخل إلى البحث عن الإمام المهديّ أرواحنا له الفداء، وإطلاق عنان القلم لخوض غمار هذا المبحث العقائدي ، وبسط أطراف الحديث فيه، لا يتمّ إلّا على اُسس متينة وقواعد راسخة ، فشرعت بمقدّمة من الدروس العقائديّة بدءاً من التّوحيد وانتهاء بأصل الإمامة ليكون تمهیداً و توطئة ومدخلاً إلى المطلوب في هذه الحلقات ، والغاية الّتي عقدت من أجله ، وهو البحث عن الحجّة المنتظر عجّل الله تعالی فرجه؛ لاعتقادنا بأنّ البحث عن الإمام القائم أرواحنا فداه جزء لا يتجزّأ عن سائر الاُصول الاعتقاديّة لدى الفرقة النّاجية والطائفة الحقّة ، واكتفيت هنا باقتباس هذه المقدّمة من كتاب الهداية للشيخ الصّدوق - أعلى الله مقامه الشّريف -، مضيفاً إليها شيئاً يسيراً من تعليقاتي بغية رفع الغموض عمّا جاء فيه ، فما بين القوسين عبارة عن متن کتاب الهداية ، وما سواه فهو منّي ، وإنّما وقع اختياري على هذا الكتاب لأسباب :

أوّلها : جلالة قدر المصنّف وعظمة شأنه في الفرقة النّاجية . ثانيها : الرّغبة في الإيجاز وعدم الإطالة أو الإطناب.

ثالثها : أهمّيّة الكتاب وموقعه المتميزّ بين مصنّفات أعلام

الطّائفة الحقّة.

ص: 51

رابعها: كون الكتاب من الكتب المصدرية القديمة ، والمؤلّف من

أعلام المتقدّمين.

خامسها : تميّز الكتاب وتشخّصه بوضوح التّعبير وسلاسة

البيان.

ص: 52

الدّرس الثّالث: ما يجب الاعتقاد به /1

1- التّوحيد

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يجب الاعتقاد بأنّه تبارك وتعالى :

1- ( واحد ) : قال تعالى : «وَ إِلهُكُمْ إِلهُ واحِدُ» (1)، وقال تعالى : «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » (2) ، وقال أمير المؤمنين (علیه السّلام) : « وَاجِدُ لَا بِعَدَدٍ » (3)، فهو واحد لا يثنّى ؛ إذ لاثاني له ، وليس في الوجود

سواه .

ص: 53


1- سورة البقرة : 163.
2- سورة التّوحيد: 1.
3- نهج البلاغة

2 - ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءُ ).

3 - ( لا يُحَدْ): بالحدود الجوهريّة ، ولا الحدود العرضيّة .

4- ( ولا يُحَسّ ): لا بالحواسّ الظّاهرة ، كالسمع والبصر والشّمّ والذّوق واللّمس ، ولا بالحواسّ الباطنة ، كالخيال والوهم والحسّ المشترك والمحافظة والمتصرّفة.

5-( وَ لَا يُجَسُّ ): قد يراد به اللّمس ، فهو من باب ذكر الخاصّ بعد العامّ؛ لأنّه من الحواسّ الظّاهرة ، وقد يراد به التجسُّ والتفحّص.

6- ( ولا يُمَسّ ): والمسّ هو اللّمس باليد ، والمراد هنا المسّ بالحواسّ الباطنة ، كالإدراك العقلي والوهمي والخيالي ، فهو أيضاً من قبیل ذكر الخاصّ بعد العامّ.

7- ( وَ لَا يُدْرَكُ بالأوهام وَ الْأَبْصَارِ ): تفصيل بعد إجمال.

8- ( وَ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةُ ): الخفقة الّتي تسبق النّوم ، ( وَ لَا نَوْمُ ) .

9- ( شَاهِدُ عَلَى كُلِّ نَجْوَى ) : لقوله تعالى : «وَ مَا يَكُونُ مِنْ نجوی ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَ لَا أَكْثَرَ

ص: 54

الَّا هُوَ مَعَهُمْ »(1).

10 - ( محیط بِكُلِّ شَيْ ءُ ) : لقوله تعالى : «أَحاطَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عِلْماً» (2) ؛ لأنّه عالم بالأشياء محيط بها كلّها جملة وتفصيلاً ، بجزئیّها وكّلیّها.

11 - ( لَا يُوصَفَ بِجِسْمٍ ) : قال تعالى : «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءُ»(3) ، وقال أيضاً: «سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ» (4)؛ إذ ما من جسم إلّا وهو محدود بحدود ، ولو بحدود افتراضيّة ، والمحدوديّة من الصّفات الذاتيّة للجسم ، وقد تقدّم أنّه تعالى : ( لا يُحَدّ).

12 - ( وَ لَا صُورَةُ ): عطف على الجسم ، أي ولا يوصف بصورة ؛

إذ لاصورة إلّا بحدود ، ولا تصوير إلّا للمحدود.

13 - ( وَ لَا جَوْهَرَ ): قال الحكماء والفلاسفة : « الْجَوْهَرِ مَاهِيَّةِ إِذَا وَجَدْتَ وَجَدْتُ لَا فِي مَوْضُوعُ » ، والله تعالى خالق الذّوات

ص: 55


1- سورة المجادلة : 7.
2- الطّلاق : 12.
3- سورة الشّوری : 11.
4- سورة المؤمنون: 91 و سورة الصّافّات : 159.

والموضوعات والموجودات ، فهو منزّه عن كونه ماهيّة أو ذاتاً لم تلبّس في الماهيّة ، سبحانه وتعالى عمّا يصفون.

14- (وَ لَا عَرَضَ ): قالوا : « وَ الْعَرْضَ مَاهِيَّةِ أَوْ ذَاتُ إِذَا وَجَدْتَ وَجَدْتُ فِي مَوْضُوعُ » ؛ لأنّه تعالى منزّه عن كونه جوهراً ، فنفي العرضيّة عنه أمر مفروغ عنه بالأولويّة القطعیّة . قالوا: والأعراض تسعة ، كما أنّ الجوهر واحد ، و تفصيل ذلك في محلّه من كتب الحكمة والفلسفة ، لاسيّما المطوّلات منها ، وقد تعرّضنا لشرحها مفصّلة مبسّطة في شرحي البداية والنّهاية.

15-( وَ لَا سُكُونٍ ).

16 - ( وَ لَا حَرَكَةٍ ): إذ كلّ متحرّك حادث ، وكلّ حادث مآله إلى

الزّوال والفناء

17 - ( وَ لَا صُعُودُ ): لأنّه فرع الحركة ؛ إذ كلّ صاعد متحرّك .

18 - ( وَ لَا هُبُوطُ ) : وهو كذلك فرع الحركة. وقد نفیناها عنه

تبارك وتعالى.

19 - ( وَ لَا قِيَامٍ ): تفصيل بعد إجمال ؛ لأنّه فرع على الحركة . 20 - ( وَ لَا قُعُودٍ ) : وهو كسابقه.

ص: 56

21 - ( وَ لَا قُعُودٍ ) : إذ هو حدّ من الحدود والأوزان .

22 - ( ولا خفّة ): لأنّها من أوصاف المحدود.

23 - ( ولا جيئة ): لأنّها من الحركة .

24- ( ولا ذهاب ) : أيضاً من الحركة .

25 - ( ولا مكان ): لعدم كونه جوهراً ولا عرضاً حلّ في جوهر .

26 - ( ولا زمان ): لأنّ الزّمان أثر المتحرّك وناشئ من الحركة.

27 - ( ولا طول ، ولا عرض): إذ هما من أوصاف الجسم المحدود، فهو ليس كالنقطة ، ولا الخطّ.

28 - ( ولا عمق ): إذ ليس هو کالجسم الطبيعي .

29 - ( وَ لَا فَوْقُ ، وَ لَا أَسْفَلَ ): إذ الفوقيّة والتّحتيّة من صفات

المحدود.

30 - ( وَ لَا يَمِينٍ ، وَ لَا شِمَالٍ ) : وهما أيضاً من صفات الأجسام.

31 - ( وَ لَا وَرَاءِ ، وَ لَا أَمَامَ ).

32 - ( وَ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ ): بوجوده السّرمدي سميعاً بصيراً.

33 - ( وَ لا يَزالُ ) : بوجوده الأبدي سميعاً بصيراً.

ص: 57

34 - ( حکیماً ): في فعله وصنعه وإيجاده ، تشريعاً وتكويناً،

بالاتقان الّذي لا يطروه الفساد.

35 - ( عليماً ): بذاته حيث لا معلوم ، وعليماً بغيره قبل الإيجاد

وبعد إيجاد الخلق ، لا تخفى عليه خافية ، يعلم السّرّ وأخفي .

36 - ( حيّاً): لايموت ، وهو حيّ لنفسه بنفسه من نفسه .

37 - ( قیّوماً ) : أي قائماً بشؤون خلقه ، مدبّراً لأمرهم ، فعّالاً لما يريد.

38 - ( قدّوساً): طاهراً منزّهاً. قال تعالى : «يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ » (1).

39 - ( عزيزاً) : قاهراً لما سواه ، غالباً على أمره، لا يعجزه شيء ، ولا يمتنع عن إرادته شيء.

40 - ( أحداً ) : «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ » ، فهو أحد في ذاته ، أي لا ترکیب في ذاته المقدّسة ؛ إذ لا أبعاض له ولا أجزاء ، ولا جوارح ولا أعضاء؛ إذ صفاته عين ذاته.

41 - ( صمداً ): سيّداً مطاعاً، مقصوداً في قضاء الحوائج والإدارة

ص: 58


1- سورة الجمعة: 1.

والتّدبير وفي كلّ شيء.

42 - ( لَمْ يَلِدْ ): غيره ليكون أباً لابن ؛ إذ لا غير له ولا غيريّة معه . 43 - ( وَ لَمْ يُولَدْ ) : من شيء ليكون ابناً لأب.

44 - ( وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدُ ): حتّى يكون زوجاً له ، أو ينازعه في ملكه وملكوته.

45 - ( خَارِجُ مِنَ الْحَدَّيْنِ : حَدُّ الْإِبْطَالِ ) : فهو شيء لقوله تعالى : «قُلْ أَيُّ شَيْ ءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً» (1) ، فلا يصحّ نفي الشّيئيّة عنه؛ لأنّها تعني الوجود والموجود ، وهو صرف الوجود، بل هو شيء لاکالأشياء، وفي نفي الشّيئيّة عنه تعالى إبطاله ونفيه عن أصل الوجود، أو نفي صفات الكمال الفعليّة والإضافيّة عنه .

46 - ( وَحَّدَ التَّشْبِيهِ ): إذ «لَيْسَ کمثله شَيْ ءُ» ، فإثبات مثله سبحانه و تعالی بلا تشبیه وذلك بعدم اشتراك الممكنات معه في حقيقة الصّفات و عوارض الممكنات .

47 - ( خَالِقُ كُلِّ شَيْ ءٍ ): والخلق كلّهم عياله ، وخلق الله تعالى

للخلائق خلق تكوين ، كما أنّ خلقه تعالى لأفعالهم خلق تقدير.

ص: 59


1- سورة الأنعام: 19.

48 - ( لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ ): شعار التّوحيد .

49 - ( لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ): إذ الأبصار عن إدراك من دونه من الخلائق عاجزة فكيف بإدراك ذاته المقدّسة ، ولعلّ المراد هو الادراك القلبي والعقلي ، فالمعنى حينئذٍ أنّها عاجزة عن إدراك كنه ذاته ومعرفة حقيقة صفاته الذّاتيّة ، ولهذا منعنا من التفكّر في ذاته وصفاته الذّاتيّة لأنّها عين ذاته اللّاهوتيّة المقدّسة ، وإنّما اُمرنا بالتفكّر في أفعاله جلّت عظمته .

50 - ( وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ ): بحقيقة الإدراك ، وكيف لا وهو

خالقها ومبدعها «يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَ مَا تُخْفِي الصُّدُورُ» (1)

51 - ( وَ هُوَ اللَّطِيفُ ): البارٌ بعباده ، والمنعم عليهم ، والمكرم لهم ، كما أنّه جلّ وعلا لطيف في تدبيره وخلقه وفعله.

52 - ( الْخَبِيرُ ) : والعالم الّذي لا يخفي أخبار عباده عليه ، بل هو عالم بأخبارهم علماً يفوق كلّ علم.

53 - ( وَأَنْ الْجِدَالِ ) في الله تعالى ( مَنْهِيٍّ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى مَا لَا يَلِيقُ بِهِ ) ، وقد سُئل الصادق (علیه السّلام) عن قول الله عزّ وجلّ: «وَأَنَّ إِلَى

ص: 60


1- سورة غافر: 19.

رَبِّكَ الْمُنْتَهَى »(1)، قال: « إِذَا انْتَهَى الْكَلَامُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلٍ فَأَمْسِكُوا »(2)، وروي عن أبي جعفر (علیه السّلام) أنّه قال : « تَكَلَّمُوا فِي خَلْقِ اللَّهِ وَ تَتَكَلَّمُوا فِي اللَّهِ ، فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلٍ لَا يَزِيدُ إِلَّا تَحَيُّراً » (3)الكافي: 92/1 .(4).

54 - ويجب أن يعتقد : أنّا عرفنا الله بالله تعالى ، كما قال أمير المؤمنين عليٌ بن أبي طالب (علیه السّلام) : « اعْرِفُوا اللَّهَ بِاللَّهِ ، وَ الرَّسُولَ بِالرِّسَالَةِ ، وَ أُولِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ الْعَدْلِ وَ الْإِحْسَانِ »(5)، وسئل أمير المؤمنين (علیه السّلام) : بِمَ عرفت ربّك ؟ فقال : « بِمَا عَرَّفَنِي نَفْسِهِ »، قيل : وكيف عرّفك نفسه ؟ فقال(علیه السّلام) : « لَا شِبْهَهُ صُوَرِهِ ، وَ لَا يُحَسُّ بِالْحَوَاسِّ ، وَ لَا يُقَاسُ بِالنَّاسِ ، قَرِيبُ فِي بَعْدَهُ ، بَعِيدُ فِي قُرْبِهِ ، فَوْقَ كُلِّ شَيْ ءٍ ، وَ لَا يُقَالُ شَيْ ءُ فَوْقَهُ ، أَمَامَ كُلِّ شَيْ ءٍ ، وَ لَا يُقَالُ لَهُ أَمَامُ ، دَاخِلُ فِي الْأَشْيَاءِ لَا كَشَيْ ءٍ فِي شَيْ ءٍ دَاخِلٍ وَ خَارِجُ مِنَ الْأَشْيَاءِ ، لا کشيء مِنْ شَيْ ءٍ خَارِجٍ ، سُبْحَانَ مَنْ هُوَ هکَذا ، وَ هَكَذَا غَيْرِهِ ، وَ لِكُلِّ شَيْ ءٍ مُبتَدئُ»(6).

ص: 61


1- سورة النّجم: 42.
2- الكافي: 92/1 .
3-
4-
5- الهداية : 15. الإمامة والتبصرة : 138.
6- الکافي: 1/ 85.

55 - ( وَ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ رِضَاءِ اللَّهُ ثَوَابُهُ ): وهو الجنّة والنعيم المقيم.

56 - ( وَأَنْ غَضَبَهُ عِقَابِهِ ) وهو جهنّم والعذاب الأليم ؛ «لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَزُولُ مِنْ شَيْ ءٍ إِلَى شَيْ ءٍ ) حتّى تكون له حالات و نعوت ينتقل منها إلى ضدّها . ( وَ لَا يَسْتَفِزُّهُ شَيْ ءُ ) حتّى يتأثّر في ذاته ويحدث فيه التّغيير من جهة بعض صفاته كالذي يحدث للإنسان من سرور و انبساط عند الرّضا ، وغلظة وانزجار عند الغضب.

57 - ( وَ لَا يُغَيِّرُهُ ) شيء؛ إذ لا يقبل انفعالاً ولا تأثّراً حتّى يقع فيه التّغيير من حال إلى حال ، بل هو الفاعل المؤثّر على الإطلاق ، وسئل الصّادق (علیه السّلام) عن قول الله عزّ وجلّ : «الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى » (1)، فقال (علیه السّلام) : « اسْتَویٰ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ ، فَلَيْسَ شَيْ ءُ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ شَيْ ءٍ (2).

( وقال (علیه السّلام) : « مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ شَيْ ءٍ ، أَوْ فِي شَيْ ءٍ ، أَوْ علی شَيْ ءُ ، فَقَدْ أَشْرَكَ »، ثم قال(علیه السّلام) : «مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ شَيْ ءٍ فَقَدْ

ص: 62


1- سورة طٰه: 5.
2- الكافي : 127/1 .

جَعَلَهُ مُحْدَثَةُ ، وَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِي شَيْ ءٍ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّهُ محضور ، وَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَلَى شَيْ ءٍ فَقَدْ جَعَلَهُ مَحْمُولًا »(1).

(وسئل (علیه السّلام) عن قول الله عزّ وجلّ: « وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ » (2) ، فقال (علیه السّلام)

: «عِلْمُهُ» (3).

58 - ( وَ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدُ : أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَمْ يُفَوِّضْ الْأَمْرَ إِلَى الْعِبَادِ ) : وهو ما ذهبت إليه المفوّضة من المعتزلة الزّاعمين أنّ الله تعالى خلق العباد وفوّض إليهم أعمالهم ، فليس لله تعالى في خلقه تدبیر . قال تعالى : «وَ مَا تشاؤون إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ» (4)، فلا يفعل العبد إلّا بمشية الله تعالى.

59 - ( وَ لَمْ يُجْبِرَهُمْ عَلَى الْمَعَاصِي ): خلافاً للأشاعرة والمجبّرة القائلين بأنّ العبد مسيّر مجبر في أفعاله ، بزعمهم أنّ الله تعالى خلق الخلق وقدّر لهم جميع أعمالهم وأرزاقهم إلى يوم القيامة ، لا اختيار لهم في ذلك ، فكلّ ما يجري عليهم أو يصدر منهم إنّما هو بتقدير إلٰهي محتّم

ص: 63


1- الكافي: 128/1 .
2- سورة البقرة : 255.
3- التّوحید: 327.
4- سورة الدّهر: 30.

وقضاء متمَّم وليس لهم فيه يد ، ولا قدرة لهم على تغييره.

قال الصّادق (علیه السّلام): « لَا جَبْرَ وَ لَا تَفْوِيضَ ، بَلْ أَمْرُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ» (1)، فمشيّته وإرادته تعالى تعلّقتا بفعل العبد ، إذا شاء صدور الفعل من العبد ، ولا استقلاليّة لإرادة العبد حتّى يفعل ما يشاء من غير مشيئة الله تعالى ، كما لا سلب لإرادة العبد حتّى يتحقّق الجبر. قال الإمام الرّضا صلوات الله عليه : « مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ أَفْعَالَنَا ثُمَّ يُعَذِّبُنَا عَلَيْهَا فَقَدْ قَالَ بِالْجَبْرِ ، وَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلٍ فَوَّضَ أَمْرَ الْخَلْقِ وَ الرِّزْقِ إِلَى حُجَجِهِ ( علیهم السَّلَامُ ) فَقَدْ قَالَ بِالتَّفْوِيضِ ، فالقائل بِالْجَبْرِ کافر ، وَ الْقَائِلُ بِالتَّفْوِيضِ مُشْرِكُ » فقلت: یابن رسول الله ، فما الأمر بين الأمرين ؟ فقال : « وُجُودُ السَّبِيلِ إِلَى إِتْيَانِ مَا أُمِرُوا بِهِ ، وَتْرَكَ ما نُهُوا عَنْهُ »(2).

60 - ( وَ أَنَّهُ لَمْ يُكَلِّفْ عِبَادِهِ إِلَّا دُونَ مَا يُطِيقُونَ ): إذ لا يأمرهم بما يفوق طاقتهم وما يعجزون عن الإتيان به ، بل لم يأمرهم إلّا دون طاقتهم ، ( قال تعالى :«لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا »(3) ، وروي عن زرارة أنّه قال : قلت للصادق (علیه السّلام) : جعلت فداك ، ما تقول في

ص: 64


1- الكافي : 160/1 .
2- عیون أخبار الرّضا (علیه السّلام): 101/1 .
3- سورة البقرة : 286.

القضاء والقدر ؟ قال(علیه السّلام) : «أقول : إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى إِذَا جَمَعَ الْعِبَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَأَلَهُمْ عَمَّا عَهِدَ إِلَيْهِمْ ، وَ لَمْ يَسْأَلْهُمْ عَمَّا قَضَى عَلَيْهِمْ »(1) المألوف في جریان القضاء والقدر في الاُمور التكوينيّة وقد بيّنّاه في كتابنا (كيف نفهم الرسالة العملية - الحلقة الاُولى : ص86)، وأعمالهم بما أنّها وجودات خارجيّة فحالها حال التّكوينیّات ؛ لأنّها اُمور تكوينيّة ، وأمّا من حيث تعلّق الأمر والنهي والاشتمال على الطّاعة والمعصية الّتي هي من الاُمور الاعتباريّة ، فقد قيل : القدر في الأعمال ينشأ من المصالح الّتي تستدعي التّكليف الكذائي ، والقضاء هو الحكم بالوجوب والحرمة مثلاً بأمر أو نهي.

وعلّق عليه العلّامة المجلسي في الجزء الخامس صفحة (112) من البحار قائلاً: «هَذَا الْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءِ وَ الْقَدَرِ إِنَّمَا يَكُونُ فِي غَيْرِ الْأُمُورِ التكليفية كالمصائب وَ الْأَمْرَاضَ وَ أَمْثالِها ، فَلَعَلَّ الْمُرَادُ بِهِمَا الْقَضَاءِ وَ الْقَدَرِ الحتميان».

61 - ( وَ الْكَلَامُ فِي الْقِدْرِ مَنْهِييُّ عَنْهُ ، كَمَا قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (علیه السّلام) لِلَّذِي سَأَلَهُ عَنِ الْقَدْرِ ، فقال(علیه السّلام) : « وَ بَحْرُ عَمِيقٍ

ص: 65


1- التّوحيد: 365.

فَلَا تَلِجُوهُ »، ثمّ سأله ثانية عن القدر ، فقال (علیه السّلام) : «طَرِيقُ مُظْلِمُ فَلَا تسكوه » ، ثمّ سأله ثالثة عن القدر ، فقال(علیه السّلام) : « وَ سِرُّ اللَّهِ فَلَا تَتَكَلَّفُوهُ »(1).

62 - ( وَ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةُ ، وَهْمُ الَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَصِفُوا اللَّهَ بِعَدْلِهِ فَأَخْرِجُوهُ مِنْ سُلْطَانِهِ )؛ لقولهم بأنّ الله خلق الخلق ولم يكتب لهم التّقدير ، ولا قدّر لهم شيئاً ، فلا قدر ، وإنّما القدرة والمشيئة بيد الخلق. وقال العلّامة المجلسي(قدس سرّه) في الجزء الخامس صفحة (5) من بحاره ، معلّقاً على حديث عن أبي جعفر (علیه السّلام) ، عن رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) حول القدر : « اعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ الْقَدَرِيُّ يُطَلِّقُ فِي أَخْبَارِنَا عَلَى الجبري وَ عَلَى التفويضي ».

ص: 66


1- نهج البلاغة: 69/4 . الاعتقادات : 34.

الدّرس الرّابع: ما يجب الاعتقاد به /2

2 - النّبوة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

1- ( يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ النُّبُوَّةِ حَقُّ كَمَا اعتقدنا أَنْ التوحید حَقٍّ ) والعقل يحكم أنّ على الحكيم أن لا يهمل عبادة العقلاء ، بل عليه من جهة الحكمة وبقاعدة اللّطف أن يسنّ لهم قوانين وأحكاماً ، وأن يبعث إليهم من يعلّمهم تلك القوانين والأحكام بعد أن يدلّهم على ربّهم ويكون اُسوة عملية لهم في ذلك يقتدون به ، ومشعل هداية يستنيرون بنور علمه ، و مرشداً مذكّراً يهديهم إلى سبيل ربّهم.

2 - ( وَأَنْ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ بَعَثَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مئة أَلْفِ نَبِيٍّ وَ أَرْبَعَةُ وَ عِشْرُونَ أَلْفَ نَبِيٍّ ) صلوات الله على نبيّنا وآله وعليهم أجمعين .

3 - ( جاؤوا بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ الْحَقِّ ) : أي الله تبارك وتعالى ؛

ص: 67

لأنّه الحقّ المطلق.

4- ( وأنّ قولهم قول الله : «وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيُ يُوحى »(1) ، وهذا حال الأنبياء جميعاً.

5- ( وَ أَمَرَهُمْ أَمْرِ اللَّهِ ): « عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ » (2)، فكلّ ما يأمرون به إنّما هو أمر الله تبارك وتعالى .

6- ( وَ طَاعَتِهِمْ طَاعَةِ اللَّهِ ): « أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ » (3)، وقال تعالى : «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ »(4).

7-( وَ مَعْصِيَتِهِمْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ ) : قال تعالى في ذيل الآية السّابقة : « وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا » .

8-( وَ أَنَّهُمْ لَمْ يَنْطِقُوا إِلَّا عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى ، وَ عَنْ وحیه ).

9- ( وَأَنْ سَادَةُ الْأَنْبِيَاءِ خَمْسَةً ، الَّذِينَ عَلَيْهِمْ دَارَتِ الرّحي ، وَهْمُ أَصْحَابِ الشَّرَائِعِ ، وَهْمُ أُولُوا الْعَزْمِ : نُوحُ ، وَ إِبْرَاهِيمَ ، وَ مُوسى ،

ص: 68


1- سورة النّجم: 3 و 4.
2- سورة الأنبياء: 26 و 27.
3- سورة النّساء: 59.
4- سورة النّساء: 80.

وَ عِيسَى ، وَ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ )، وقد بسّطناه في الحلقة الاُولى من كتابنا (كَيْفَ نفهم الرِّسَالَةِ العملية ؟ ) في مبحث النّبوة العامّة . وقال تعالى : «وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ » (1).

وقال تعالى : «فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ » (2). وسمّوا اُولي عزم لأنّهم أصحاب الشّرائع السّماويّة ، وبعثوا إلى شرق الأرض وغربها ، وجنّها وإنسها.

10-( وأنّ محمّداً (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) سَيِّدُهُمْ ، وَ أَفْضَلَهُمْ ) : وفيه روايات كثيرة متواترة وإجماع الاُمّة (3).

11 - ( وَ أَنَّهُ جَاءَ بِالْحَقِّ ) : قال تعالى:«بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ »(4).

12 - ( وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ ) : قال تعالى : «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ

ص: 69


1- سورة الأحزاب : 7.
2- سورة الأحقاف : 35.
3- راجع بحارالأنوار: 372/16 ، وسائر كتب الحديث .
4- سورة الصّافّات: 37.

مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ »(1).

13 - ( وَأَنْ الَّذِينَ كَذَّبُوهُ ذَائِقُو الْعَذابَ الْأَلِيمَ ).

14 - ( وَأَنْ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَ عَزَّرُوهُ وَ نَصَرُوهُ ، وَ اتَّبِعُوا النُّوْرِ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ ) : أي اتّبعوا القرآن الكريم « وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ».

15 - ( وَ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ خَلْقاً أَفْضَلُ مِنْ مُحَمَّد(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )ٍ ).

16 - ( مِنْ بَعْدِهِ ) : أي لم يخلق خلقاً من بعد محمّد(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أفضل من ( الْأَئِمَّةُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ).

17 - ( وأنّهم) : أي ويجب أن يعتقد أنّهم أعني محمّداً و آل محمّد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) - ( أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجِلَ ، وَ أَكْرَمُهُمْ عَلَيْهِ ).

18 - ( وأوّلهم ) : أي وأنّهم أوّل الخلق ( إِقْرَاراً بِهِ ، لَمَّا أَخَذَ اللَّهُ میثاق النَّبِيِّينَ فِي الذَّرِّ ): أي في عالم الذّرّ لقوله تعالى : «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى » (2).

ص: 70


1- سورة البقرة : 285.
2- سورة الأعراف : 172.

19 - ( و ) يعتقد أنّ أفضل الخلق ( بعدهم) : أي بعد محمّد و آل محمّد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) هم ( الأنبياء (علیهم السّلام) ).

20 - ( وَأَنْ اللَّهَ بَعَثَ نَبِيِّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إِلَى الْأَنْبِيَاءِ ( علیهم السَّلَامُ ) فِي الذَّرِّ ).

21 - ( وَأَنْ اللَّهَ أَعْطَى كُلُّ نَبِيٍّ عَلَى قَدْرِ مَعْرِفَتِهِ نَبِيِّنَا ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وَ سَبَقَهُ إِلَى الْإِقْرَارُ بِهِ )(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، أي منزلة كلّ نبي وفضله بقدر معرفته لنبيّنا وسبقه للإقرار بنبيّنا محمّد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ).

22 - ( وَ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى خَلَقَ جَمِيعُ مَا خَلَقَ لَهُ وَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) . وَ أَنَّهُ لَوْلَاهُمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ ، وَ لَا الْجَنَّةِ وَ النَّارِ ، وَ لَا آدَمَ وَ حَوَّاءَ ، وَ لَا الْمَلَائِكَةِ وَ لَا شَيْئاً مِمَّا خَلَقَ ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ).

ص: 71

ص: 72

الدّرس الخامس: ما يجب الاعتقاد به /3

3- الإمامة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يجب أن يعتقد:

1- ( أَنَّ الْإِمَامَةَ حَقُّ كَمَا اعتقدنا أَنِ النُّبُوَّةِ حَقٍّ): وبنفس دلیل العقل من لزوم الحكمة على الحكيم أن لا يهمل عباده ولا يتركهم دون مبشّرين ومنذرين ومذکّرین لحظة واحدة ، وبقاعدة اللّطف.

2-( وَ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلِ الَّذِي جَعَلَ النَّبِيِّ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) نَبِيّاً ، هُوَ الَّذِي جَعَلَ إِمَاماً ).

3-( وَأَنْ نَصَبَ الْإِمَامِ وَ إِقَامَتُهُ وَ اخْتِيَارَهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجِلَ ، وَأَنْ فَضْلِهِ مِنْهُ ).

4- ( وَ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدُ : أَنَّهُ يَلْزَمُنَا مِنْ طَاعَةُ الْإِمَامِ مَا يَلْزَمُنَا مِنْ

ص: 73

طاعَةُ النَّبِيِّ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ).

5 - ( وَأَنْ كُلَّ فَضْلٍ آتَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ نَبِيِّهِ فَقَدِ آتَاهُ الْإِمَامِ . إِلاَّ النبؤة ) : لقوله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) :« يَا عَلِيُّ ، أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي »(1).

6- ( وَ يَعْتَقِدَ أَنَّ الْمُنْكَرِ لِلْإِمَامَةِ كالمنكر لِلنُّبُوَّةِ ، وَ الْمُنْكَرِ لِلنُّبُوَّةِ کالمنكر للتوحید ).

7- ( وَ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلٍ لَا يُقْبَلُ مِنْ عَامَلَ عَمِلَهُ إِلَّا بِالْإِقْرَارِ بأنبياءه وَ رُسُلِهِ وَ كُتُبُهُ جُمْلَةً ، وَ بِالْإِقْرَارِ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وَ الْأَئِمَّةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ تَفْصِيلاً ).

8- ( وَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفُ النَّبِيِّ وَ الْأَئِمَّةِ بَعْدِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَ أَعْيَانُهُمْ ، وَ ذَلِكَ فَرِيضَةُ لَازِمَةُ لَنَا ، وَاجِبَةُ عَلَيْنَا . لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ عُذْرٍ جَاهِلُ بِهَا ، أَوْ مُقَصِّرُ فِيهَا ، وَ لَا يَلْزَمُنَا لِلْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ نَبِيِّنَا ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إِلاَّ الْإِقْرَارِ بجملتهم ، وَ أَنَّهُمْ جاؤوا بِالْحَقِّ ، وَأَنْ مِنْ تَبِعَهُمْ نَجَا ، وَ مَنْ خَالَفَهُمْ ضَلَّ وَ هَلَكَ . وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ لِنَبِيِّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : «وَ رُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ

ص: 74


1- علل الشّرائع: 474/2 . الخصال : 572. مناقب أمير المؤمنین(علیه السّلام) : 1/ 510.

وَ رُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ علیكَ »(1).

9- ( وَ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ المنکر لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ كالمنکر لِجَمَاعَتِهِمْ ، وَقَدْ قَالَ الصَّادِقِ ( علیه السَّلَامُ ) : « الْمُنْكَرُ لآِخِرِنَا مُنْكَرٍ لِأَوَّلِنَا (2).

10 - ( وَ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ بِهِمْ فَتَحَ اللَّهُ ، وَ بِهِمْ يَخْتِمُ).

11 - ( يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ حُجَجِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلٍ عَلَى خَلْقِهِ بَعْدَ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، الْأَئِمَّةُ الِاثْنَيْ عَشَرَ : أَوَّلُهُمْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، ثُمَّ الْحَسَنِ ، ثُمَّ الْحُسَيْنُ ، ثُمَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ، ثُمَّ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، ثُمَّ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، ثُمَّ موسی بْنِ جَعْفَرٍ ، ثُمَّ الرِّضَا عَلِيِّ بْنِ مُوسَى ، ثُمَّ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ، ثُمَّ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ، ثُمَّ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، ثُمَّ الْحُجَّةِ الْقَائِمِ صَاحِبِ الزَّمَانِ خَلِيفَةِ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ) .

قال شيخ الطّائفة الطّوسي(قدس سرّه) : « عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ الْحَقِّ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فَصَلِّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ( علیه السَّلَامُ ) ؛ بِدَلِيلٍ أَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ نَصّاً مُتَوَاتِراً بِالْخِلَافَةِ ، وَ لَا نَصَّ عَلَى أَحَدُ غَيْرِهِ - مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ وَ الْعَبَّاسِ - ، وَ النَّصُّ مِثْلَ قَوْلِهِ : أَنْتَ أَخِي وَ وَزِيرِي وَ الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِي . وَ يَدُلُّ عَلَى إِمَامَتِهِ

ص: 75


1- سورة النّساء: 164.
2- کمال الدّين : 2/ 409 .

أيضاً أنّه معصوم وغيره ليس بمعصوم بإجماع المسلمين. والدّليل على أنّ الإمام من بعد عليّ(علیه السّلام) ولده الحسن، ثمّ الحسين ، ثم عليّ ، ثمّ محمّد ، ثمّ جعفر ، ثمّ موسى ، ثمّ عليّ، ثم محمّد ، ثم عليّ، ثمّ الحسن ، ثمّ محمّد بن الحسن الحجّة القائم المنتظر المهدي ، صلوات الله عليهم أجمعين؛ بدليل قول النّبيّ (علیه السّلام) للحسين : ولدي هذا إمام ، ابن إمام ، أخو إمام ، أبو أئمّة تسعة ، تاسعهم قائمهم ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت من غيره ظلماً وجوراً . ويدلّ على إمامتهم (علیهم السّلام) أيضاً أنّهم معصومون ، ولا أحد ممّن ادّعيت فيه الإمامة بمعصوم بالإمامة فيهم. والدّليل على أنّ الخليفة الإمام القائم(علیه السّلام) حيّ موجود في كلّ آن وزمان لابدّ فيه من إمام معصوم ، فثبت أنّه حيّ موجود في كلّ زمان ، ويدلّ على بقائه إلى فناء هذه الاُمّة؛ لأنّه لطف للناس ، واللّطف واجب على الله تعالى في كلّ زمان ، فيكون الإمام حيّاً وإلّا لزم أن يكون الله تعالی مخلّاً بالواجب ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً ، والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمّد و آله »(1).

12-( وَ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّهُمْ أُولُوا الْأَمْرِ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ بِطَاعَتِهِمْ ). 13 - ( وَ أَنَّهُمْ الشُّهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ ).

ص: 76


1- الرّسائل العشر للشيخ الطّوسي: 106.

14- ( وَ أَنَّهُمْ أَبْوَابُ اللَّهُ ، وَ السَّبِيلَ إِلَيْهِ ).

15 - (وَ الْأَدِلَّاءَ عَلَيْهِ ).

16 - ( وَ أَنَّهُمْ عَيْبُهُ عِلْمِهِ ).

17 - (وَ تَرَاجِمَةً وَحْيِهِ).

18 - ( وَ أَرْكَانُ تَوْحِيدِهِ ).

19 - ( وَ أَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنِ الْخَطَأُ وَ الزَّلَلِ ).

قال القاضي ابن البرّاج طيّب الله ثراه:

«مسألة 36: الإمام بعد نبيّنا عليّ بن أبي طالب علي(علیه السّلام) ؛ بدليل قوله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : يا عليّ ،أنت أخي ، ووارث علمي ، وأنت الخليفة من بعدي ، وأنت قاضي دیني ، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ، وقوله : سَلِّمُوا عَلَى عَلِيٍّ بِإِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ اسْمَعُوا لَهُ ، وَ أَطِيعُوا لَهُ ، وَ تَعَلَّمُوا مِنْهُ وَ لَا تَعَلَّمُوهُ ، وَ قَوْلِهِ : مِنْ کنت مَوْلَاهُ فَهَذَا عَلِيِّ مَوْلَاهُ ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ ».

مسألة 37: الأئمّة بعد عليّ (علیه السّلام) أحد عشر من ذرّيّته ، الأوّل منهم ولده الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ عليّ بن الحسين ، ثمّ محمّد بن عليّ ، ثمّ جعفر بن محمّد الصّادق ، ثمّ موسی بن جعفر ، ثمّ عليّ بن موسی .

ص: 77

ثمّ محمّد بن علىّ، ثمّ عليّ بن محمّد ، ثمّ الحسن بن عليّ، ثمّ الخلف الحجّة القائم المهدي الهادي ابن الحسن صاحب الزّمان ، فكلّهم أنّه النّاس واحد بعد واحد ، حقّاً ، بدليل أنّ كلّ إمام منهم نصّ على من بعده نصّاً متواتراً بالخلافة ، وقوله : الحسين إمام ، ابن إمام، أخو الإمام ، أبو الأئمّة التّسعة ، تاسعهم قائمهم ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

مسألة 38: يجب أن يكون الأئمّة معصومین مطهّرين من الذّنوب كلّها ، صغيرة وكبيرة، عمداً وسهواً، ومن السّهو في الأفعال والأقوال ؛ بدليل أنّهم لو فعلوا المعصية لسقط محلّهم من القلوب . وارتفع الوثوق ، وكيف يهتدون بالضالّين المضلّين ، ولا معصوم غير الأئمّة الاثني عشر إجماعاً ، فثبت إمامتهم.

مسألة: 39: يجب أن يكون الأئمّة أفضل وأعلم ، ولو لم يكونوا كذلك للزم تفضيل المفضول ، أو التّرجيح بلا مرجّح. ولا يحصل الانقياد به ؛ وذلك قبیح عقلاً و نقلاً، وفضل أئمّتنا وعلمهم مشهور ، بل أفضليّتهم أظهر من الشّمس ، وأبين من الأمس.

مسألة 40: يجب أن نعتقد أنّ آباء نبيّنا وأئمّتنا مسلمون أبداً . بل أكثرهم كانوا أوصياء ، فالاخبار عند أهل البيت على إسلام

ص: 78

أبي طالب مقطوعة ، وسيرته أدلّة عليه ، ومثله مثل مؤمن آل فرعون»(1).

20- (وَ أَنَّهُمْ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً ). 21 - ( وَأَنْ لَهُمْ الْمُعْجِزَاتِ وَ الدَّلَائِلِ ).

22 - ( وَ أَنَّهُمْ أَمَانُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ ، كَمَا أَنَّ النُّجُومَ أَمَانُ لِأَهْلِ السَّمَاءِ ).

23 - ( وَأَنْ مَثَلُهُمْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَثَلِ سَفِينَةُ نُوحٍ ، وَ كَبَابِ حِطَّةٍ ).

24 - ( وَ أَنَّهُمْ عِبَادَ اللَّهِ الْمُكَرَّمُونَ الَّذِينَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهْمُ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ).

25 - ( وَ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ حُبَّهُمْ إِيمَانٍ ، وبغضهم کفر ).

26 - ( وَأَنْ أَمَرَهُمْ أَمْرِ اللَّهِ ، وَ نَهْيِهِمْ نَهْيَ اللَّهُ ).

27 - ( وَ طَاعَتِهِمْ طَاعَةِ اللَّهِ ، وَ مَعْصِيَتِهِمْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ ).

28 - ( وولیهم وَلِيُّ اللَّهِ ).

29 - ( وَ عَدُوِّهِمْ عَدُوِّ اللَّهِ ).

ص: 79


1- جواهر الفقه : 246.

30 - ( وَ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ ظَاهَرَ مَشْهُورٍ ، أَوْ خَائِفٍ مَغْمُورٍ ).

31 - (وَ يَعْتَقِدَ أَنَّ حُجَّةَ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَ خَلِيفَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي زَمَانِنَا هَذَا هوالقائم الْمُنْتَظَرُ ابْنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ موسی بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(علیه السّلام) ).

32 - ( وَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَخْبَرَ النَّبِيِّ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بِهِ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجِلَ ، بِاسْمِهِ وَ نَسَبِهِ ).

33 - ( وَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً ).

36 - ( وَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُظْهِرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ بِهِ دینه عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ).

30 - ( وَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَفْتَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ عَلَى يَدَيْهِ مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبِهَا ، حَتَّى لَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مَكَانُ إِلَّا يُنَادَى فِيهِ بِالْأَذَانِ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ).

36 - ( وَ أَنَّهُ هُوَ الْمَهْدِيُّ الَّذِي أَخْبَرَ النَّبِيِّ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أَنَّهُ إِذَا خَرَجَ نَزَلَ عیسی بْنِ مریم ( علیه السَّلَامُ ) فصلی خَلْفَهُ ، وَ يَكُونُ إِذَا صَلَّى خَلْفَهُ مُصَلِّياً

ص: 80

خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ ).

37 - ( وَ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَائِمَ غَيْرِهِ ، بَقِيَ فِي غَيْبَتِهِ مَا بَقِيَ ، وَ لَوْ بَقِيَ فِي غَيْبَتِهِ عُمُرِ الدُّنْيَا لَمْ يَكُنِ الْقَائِمِ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيِّ وَ الْأَئِمَّةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِاسْمِهِ وَ نَسَبِهِ نضواء وَ بِهِ بُشِّرُوا ).

38 - ( وَ يَجِبُ أَنْ يَتَبَرَّأُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلٍ مِنَ الْأَوْثانِ الْأَرْبَعَةِ ):أعمّ من الأوثان والأصنام الحقيقيّة المصنوعة من الجماد ، أو الأوثان والأصنام البشريّة الّذين يقدّسون من دون الله تعالى.

39 - ( وَ الْإِنَاثِ الْأَرْبَعَةِ ): وقيل : اُريد بها اللّات والعزّى ومناة

والشّعري ، لقوله تعالى : «إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا » (1) ، (وَ مَنْ جَمِيعِ أَشْيَاعَهُمْ وَ أَتْبَاعُهُمْ ).

40- (وَ يَعْتَقِدُ فِيهِمْ أَنَّهُمْ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَ أَعْدَاءِ رَسُولَهُ ، وَ أَنَّهُمْ شَرُّ خَلْقِ اللَّهِ ، وَ لَا يُتْمَ الْإِقْرَارِ بِجَمِيعِ مَا ذِكْرِنَا إِلَّا بالتبري مِنْهُمْ ).

41-(وَ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدُ فِيمَنْ يَعْتَقِدُ مَا وَصَفْنَاهُ ) : أي فيمن يعتقد بما ذكرنا في أبواب التّوحيد والنّبوّة والإمامة (أَنَّهُ عَلَى الْهُدى ) ،

ص: 81


1- سورة النّساء : 117.

فيجب أن يعتقد العبد بأنّ كلّ من كانت عقيدته على النحو الّذي ذكره الشّيخ الصّدوق (قدس سرّه) في هذا الكتاب ، أنّه على الهدى.

43 - ( وَ أَمَّا أَدَاءِ الْأَمَانَةِ فَإِنَّا نَرَى أَدَائِهَا إِلَى الْبَرِّ وَ الْفَاجِرِ ، لِقَوْلِ الصَّادِقِ ( علیه السَّلَامُ ) : « أَدُّوا الْأَمَانَاتِ وَ لَوْ إِلَى قَاتِلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ( علیهما السَّلَامُ ) » (1).

ص: 82


1- الكافي: 8/ 293.

الدّرس السادس: ما يجب الاعتقاد به /4

3- الإمامة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وقال تعالى :«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ » (1)، وقال تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ »، (2)، فالإمامة إذن هي الامتداد الصّحيح والضّروري للنبوّة ، وهي حصن الدّين وسوره ، ودعامته الّتي لا يستقيم إلّا بها، وهي زعامة عظمى في اُمور

ص: 83


1- سورة المائدة : 55 و 56.
2- سورة النّساء: 59.

الدّين والدّنيا ، وولاية عامّة على كافّة الاُمّة القيام باُمورها والنّهوض بأعبائها ، وقد أجمعت الاُمّة على وجوب عقدها في كلّ زمان .

قال الماوردي : « عقد الإمامة لمن يقوم بها واجب بالإجماع ،

وإن شذّ عنه الأصمّ».

وقال أبو الحسن الأشعري: قال النّاس كلّهم- إلّا الأصمّ -

«لا بدّ من إمام».

وقال الأصمّ: « لَوْ تكاف النَّاسُ عَنْ التّظالم لاستغنوا عَنِ الْإِمَامِ » .

وقال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح قول أمير المؤمنين (علیه السّلام) : «لا بدّ للناس من أمير »: «هَذَا نَصُّ صَرِيحُ مِنْهُ ( علیه السَّلَامُ ) بِأَنَّ الْإِمَامَةِ وَاجِبَةُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، فَقَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ : الْإِمَامَةُ وَاجِبَةُ إِذَا تناصفت الُامَّةِ وَ لَمْ تتظالم . وَ قَالَ المتأخرون مِنْ أَصْحَابِنَا : إِنَّ هذا الْقَوْلَ مِنْهُ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا عَلَيْهِ الُامَّةِ ؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ لَا يَجُوزُ فِي الْعَادَةُ أَنْ تَسْتَقِيمُ أُمُورِ النَّاسِ مِنْ دُونِ رَئِيسُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ ، فَقَدْ قَالَ بِوُجُوبِ الرِّئَاسَةَ عَلَى كُلِّ حَالٍ».

وقال الإسفرائيني : « اتَّفَقَ جُمْهُورٍ أَهْلِ السُّنَّةِ وَ الْجَمَاعَةِ عَلَى أُصُولِ من أركان الدِّينِ ، كُلُّ رُكْنٍ مِنْهَا يَجِبُ عَلَى كُلٍّ عَاقِلُ بَالِغَ مَعْرِفَةِ حقیقته ، ثُمَّ ذَكَرَ الْأَرْكَانِ - إِلَى أَنْ قَالَ : - وَ الرُّكْنَ الثَّانِيَ عَشَرَ :

ص: 84

إِنَّ الْإِمَامَةَ فَرْضُ وَاجِبُ عَلَى الْأَمَةِ لِأَجْلِ إِقَامَةِ الْإِمَامِ ، يُنْصَبُ لَهُمْ الْقُضَاةِ وَ الْأُمَنَاءُ ، وَ يَضْبِطُ ثغورهم ، ويغزي جيوشهم ، وَ يُقْسَمُ الْفَيْ ءِ بَيْنَهُمْ ، وَ يُنْتَصَفُ لمظلومهم مِنْ ظالمهم ».

وقالت الإماميّة : « لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ أَمْرُ أَهُمُّ مِنْ تَعْيِينِ الْإِمَامِ ، وَ إِنِ الْإِمَامَ لُطْفٍ مِنَ اللَّهَ يُحِبُّ نَصَبَهُ تحصیلاً للغرض».

ومن هذا يثبت أنّ إجماعهم على وجوب الإمامة ممّا لا ريب فيه ، ولكن بعد أن تحقّق هذا الإجماع افترقوا فيها على فرقتين : قالت إحداهما : إنّ الإمامة تثبت بالاتّفاق والاختيار. وقالت الاُخرى : إنّها تثبت بالنصّ والتّعيين. فمن قال بالقول الأوّل فقد ذهب إلى القول بإمامة كلّ من صارت إليه الإمامة ولو باتّفاق جزء من الاُمّة ، إمّا مطلقاً ، وإمّا بشرط أن يكون قرشیّاً، فقالوا بإمامة معاوية وأولاده ، وبعدهم مروان وأولاده ، ثمّ بني العبّاس.

وأمّا أصحاب القول الثّاني ، فقد ذهبوا إلى أنّ النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قد نصّ على عليّ (علیه السّلام) بالإمامة من بعده ، ثمّ على أحد عشر من ولده ، آخرهم الإمام المهدي المنتظر عليهم السّلام أجمعين . وبعد هذا الاختلاف ، و اختلافات اُخرى تشعّبت عن الفريقين ، صارت الإمامة محلّ النّزاع الأكبر في هذه الاُمّة ، حتّى قيل : إنّه ما سلّ سيف في الإسلام على

ص: 85

قاعدة دينيّة كما سلّ على الإمامة في كلّ زمان. فمن هنا أصبح حريّاً أن تقام عليها الدّلائل وتنصب البراهين ، فكان ذلك حقّاً على قدر يوازي قدرها ، فاُقيمت البراهين ، واُنشئت الدّلائل ، ومن هذه الدّلائل ما جاء مشتركاً بين الفريقين ، ومنها ما تميّز به كلّ منهما عن الآخر بحسب ما بينهما من اختلاف.

ولكن حتّى هذا القدر المشترك الّذي قال به الجميع لا تجده ينطبق على الخلفاء الّذين قال الفريق الأوّل بإمامتهم ، فلا يخفى أنّ الكثير من اُولئك الخلفاء قد توصّل إلى الخلافة بقوّة السّيف رغم مخالفة أغلب أبناء هذه الاُمّة ، فلا هو أتي باتّفاق الاُمّة واختيارها ، ولا باتّفاق أصحاب الحلّ والعقد ، ولا بتعيين مباشر بنصّ النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، كما أنّ منهم من كان مجاهراً بالفسوق ، منتهكاً لحدود الله ، میّالاً إلى المعاصي ، محارباً لأولياء الله ، وهذه صفات لا ينكرها أحد في خلفاء بني اُميّة وبني العبّاس ، وقليل منها متى وجد في أحدهم فهو كاف لسلب الأهليّة عنه ، و بطلان خلافته ، وهذا قدر لا يختلف عليه المسلمون إلّا من قال بصحّة إمامة الفاجر للمؤمن . وهذا قول غريب لا يستقيم مع معنى الإسلام وأهدافه ، ولا مع الغرض من بعثة الأنبياء وتبليغهم رسالات ربّهم تعالى .

ص: 86

من هنا إذن حقّ لنا أن نقتصر على ذكر ما يعتدّ به من دلائل الإمامة ، وما يلائم أهداف الشّريعة وطبيعتها، وبعثة الأنبياء وأهدافها ، تاركين الشّاذّ الغريب لضعفه أوّلاً، وبغية الاختصار ثانياً ؛ لأنّ الّذي بين أيدينا هو مقدّمة كتاب وليس کتاباً .

بعدما ثبت أنّ الإمامة هي رئاسة عامّة في اُمور الدّين والدّنيا ، وأنّها امتداد للوجود النّبويّ المقدّس ، و حفظ لعهده ، و حماية لأمانته . وقيام برسالته ، يمكننا أن نقول : إنّ كلّ ما صحّ أن يكون دليلاً على النّبوّة صحّ أن يكون دليلاً على الإمامة ، فيه تعرف ، وبه يقوم الشّاهد عليها ، فدلائل النّبوّة هي نفسها دلائل الإمامة ، ما خلا نزول الوحي الّذي هو من شأن الأنبياء وحدهم ، ولا وحي بعد خاتم الأنبياء ، بالإجماع. ولكن عندما يختفي هذا الدّليل هنا يحلّ محلّه دليل آخر، هو من الوحي أيضاً، ولكنّه وحي إلى النّبيّ يحمل إليه أهمّ دلائل الإمامة وأوّل شروطها ، وبهذا تكون دلائل الإمامة كما يلي:

1- النصّ : إنّ الإمامة منصب إلٰهي مقدّس لا يتحقّق لأحد إلّا بنصّ من الله تعالى ، أو من نبيّه المصطفى الّذي لا ينطق عن الهوى «إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى » (1)، وَ ما كانَ النبی ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الَّذِي بَعَثَ رَحْمَةُ

ص: 87


1- سورة النجم: 4.

لِلْعالَمِينَ ، وَ لَيُرْفَعُ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ أَسْبَابِ الْخِلَافِ وَ الْفُرْقَةَ ، وَ يَزْرَعُ بَيْنَهُمْ كُلُّ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُؤْلَفُ بَيْنَهُمْ ، وينظم أَمْرُهُمْ ، ويحفظ فيهم العدل والانصاف ، فلا يمكن أن يفارق اُمته ويتركها هملاً، تتحكّم فيها الآراء والاجتهادات المتباينة ، فيعود أمرها فوضى ، وكأنّ نبيّاً لم يبعث فيها ، أو كأنّ الله تعالى لم يرسل إليهم شريعة واحدة تجمعهم وتنظّم أمرهم ، بل إنّ النّبيّ الرّحمة المهداة ، هوأرحم اُمّته من أن يتركها هكذا ، وهو أحرص على رسالته من أن يدعها تحت رحمة آراء شتّی واجتهادات متضاربة ، بل قد يعدّ أمر كهذا إخلالاً بالأمانة الّتي كلّف النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بأدائها ، و تقصيراً بحقّ الرّسالة الّتي بعث لتبليغها ، وكلّ هذا بعيد عن ساحة النّبوّة كلّ بعد ، فأي مسلم لا يؤمن بأنّ نبيّنا الأكرم(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قد أدّى أمانة ربّه أحسن الأداء ، وبلّغ رسالته أتمّ تبليغ ؟

وأي معنى سيبقی لأداء الأمانة ما لم يستأمن عليها رجلاً كفوءاً يتولّى حمايتها وإقامة حدودها وتنفيذ أحكامها ؟!

ولقد أتمّ ذلك رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أداء لأمانته ، فنصّ على وصيّه وخليفته من بعده ، وسمّاه باسمه في غير موضع ومناسبة ، ومن ذلك :

أ- الحديث المتواتر في خطبة الغدير الشّهيرة ، حيث أوقف النّبيّ (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) مائة ألف من المسلمين حجّوا معه حجّة الوداع وعادوا معه ،

ص: 88

فلمّا بلغوا غدیر خم حيث مفترق طرقهم إلى مواطنهم ، نادى منادیه أن يردّ المتقدّم ، وينتظر المتأخّر حتّى يلحق ، ثمّ قام فيهم خطيباً وهو آخذ بيد عليّ بن أبي طالب (علیه السّلام) ، فقال : ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟

قالوا: بلى.

قال : مِنْ کنت مَوْلَاهُ فَعَلِيُّ مَوْلَاهُ ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ .

ب - قوله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لعلي(علیه السّلام) في الحديث المتّفق عليه : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي. وتكرّر منه (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) التّصريح باسم عليّ(علیه السّلام) لخلافته ، وأنّه أولى النّاس بالنبيّ وبالدين والدّولة من بعده ، بما فيه الكفاية لمن أراد الاستدلال.

وقبل الحديث النّبويّ الشّريف كانت آيات الكتاب المجيد الّتي تفيد هذا المعنى بشكل واضح لا غبار عليه ، وأوّلها : قوله تعالى : «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55» ، ونزولها في عليّ أمر أجمع عليه أهل التفسير.

ثمّ جاءت النّصوص النّبويّة الشّريفة المتّفق على صحّتها بحصر عدد الأئمّة بعد النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) باثني عشر إماماً، حدّاً فاصلاً، وبياناً

ص: 89

هادياً لا يترك منفذاً لاختلاف الآراء وتدخّل الاجتهادات ، فقال رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : « الْخُلَفَاءَ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ ، كُلُّهُمْ مِنْ قریش».

إذن فقد اجتمعت الاُمّة على وجوب الإمامة ، ثمّ اجتمعت على أنّ الخلفاء بعد النّبيّ (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) اثنی عشر خلیفة ، كلّهم من قریش . ثمّ اتّفقوا على تسمية عليّ (علیه السّلام) في نصوص عديدة ، وإن تأوّلها بعضهم على خلاف ظاهرها ، ثمّ اتّفقوا أخيراً على النّصّ النّبويّ الصّريح الّذي ختم على الأمر كلّه ، وزاده ظهوراً وتحديداً لم يدع فيه مجالاً للشكّ والتردّد ، ألا وهو حديث الثّقلين الّذي نصّه : « أَلَا أَيُّهَا النَّاسِ ، إِنَّما أَنَا بَشَرُ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِينِي رَسُولُ رَبِّي فاُجيب ، وَ أَنَّا تَارِكُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ - مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي - أَحَدُهُمَا أَعْظَمُ مِنَ الْآخَرِ : کتاب اللَّهُ ، حَبْلُ مَمْدُودُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ، وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي ، وَ لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي فِيهِمَا ».

وزاد في رواية مسلم وغيره: « أَذْكُرْكُمْ اللَّهِ فِي أَهْلِ بَيْتِي ، أَذْكُرْكُمْ اللَّهِ فِي أَهْلِ بَيْتِي ، أَذْكُرْكُمْ اللَّهِ فِي أَهْلِ بَيْتِي ».

أمّا الصّحاح الواردة من طرق الإماميّة في ذكر الأئمّة الاثني عشر

بعدّتهم وأسمائهم فهي كثيرة.

2 - الاستقامة وسلامة النّشأة: إِنَّ ضَرُورَةِ الِاسْتِقَامَةِ وَ الطُّهْرِ

ص: 90

وسلامة النّشأة في الإمام هي تماماً كضرورتها في النّبيّ بلافارق ، فالإمام هو القائم مقام النّبي ، الشّاغل لفراغه ، المؤتمن على رسالته ، والمؤدّي لدوره في حماية الشّريعة وإقامة حدودها ، فلابدّ أن يكون له من النّزاهة والطهر ما كان للنبيّ ليكون مؤهّلاً لخلافته . ولا خلاف في أنّ ذلك كان لعليّ (علیه السّلام) دون سائر الصّحابة ، فهو النّاشئ في حجر النّبيّ (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، والملازم له ملازمة الظّلّ لصاحبه ، فلا هو فارق النّبيّ، ولاظلاله فارقت ظلاله ، و تلك منزلة لم يشاركه فيها أحد حتّى ولد الحسنان (علیهم السّلام) ، فكان حظّهما حظّ أبيهما، حتّى خصّهم الله تعالى باية التّطهير ، فقال : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا » (1)، واتّفق المسلمون على أنّه مع نزول هذه الآية الكريمة دعا النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) عليّاً وفاطمة والحسن والحسين ، وجلّل عليهم بكساء ، ثمّ قال : اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً ، ومثل هذا يقال مع أولادهم الأئمّة الأطهار (علیهم السّلام) ، فلا أحد يشكّ في أنّهم الأطهر مولداً، والأصحّ نشأة ، والأقوم خلقاً ، تفرّدوا بالمنزلة الأعلى ، والمقام الأسنی ، فلا يدانيهم فيه سواهم ، ولا زعم أحد منازعتهم عليه ، والشّهادة لهم بذلك قائمة مرّ العصور حتّى على

ص: 91


1- سورة الأحزاب : 33.

ألسنة خصومهم ، فهم إذن المؤهّلون للإمامة دون سواهم.

قال الإمام عليّ (علیه السّلام): « لَا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَحَدُ ، وَ لَا يسوی بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَداً ، هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ ، وَ عِمَادُ الْيَقِينِ ، إِلَيْهِمْ يَفِي ءَ الْغَالِي ، وَ بِهِمْ يَلْحَقُ التَّالِي ، وَلِّهِمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوَلَايَةِ ، وَ فِيهِمُ الْوَصِيَّةُ وَ الْوِرَاثَةُ».

وقال (علیه السّلام): « إِنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ غُرِسُوا فِي هَذَا الْبَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ ، لَا تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ ، وَ لَا تَصْلُحُ الْوُلَاةُ مِنْ غَيْرِهِمْ ».

3 - السبق في العلم والحكمة: هذه أيضاً ضرورة لازمة في الإمام

لأجل أن يكون أهلاً لهذه المنزلة ، وكفؤاً لهذه المسؤولية ، وقطباً تلتفّ حوله النّاس وتطمئّن إلى سبقه في العلم والحكمة والمعرفة، وقدرته الفائقة في مواجهة ما تبتلى به الاُمّة والدّولة ، فلا يحتاج إلى غيره ممّن هم محتاجون إلى إمام يهديهم ويثبّتهم. وهذه خصلة أشدّ ما تكون ظهوراً في عليّ وأولاده المعصومين (علیهم السّلام) ، فكما كان هو (علیه السّلام) مرجعاً لأهل زمانه من خلفاء وغيرهم ، يرجعون إليه في كلّ معضلة ، ويلجأون إليه في كلّ مأزق ، وأمرهم في ذلك مشتهر، وقد تكرّر قول عمر بن الخطّاب: لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن. وقوله : لَولَا عَلِيُّ لَهَلَكَ عُمَرُ .

ص: 92

ولم يكن فضله على عمر بأكثر منه على الآخرين ، وليس عمر بأوّل من أقرّ له بفضله ، فقد أقرّ له الجميع في غير موضع ومناسبة ، وأجمل كلّ ذلك قول ابن عبّاس : والله لقد اُعطي عليّ بن أبي طالب تسعة أعشار العلم ، وايم الله ، لقد شارككم في العشر العاشر.

ذلك واحد النّاس ، فلم تعرف النّاس أحداً غيره قال : « سلوني ، فوالله لا تسألوني عن شيء إلّا أخبرتكم». وهكذا كان شأن الأئمّة من ولده (علیهم السّلام) أعلم أهل زمانهم ، وأرجحهم كفّةً بلا خلاف ، فقد علموا بدقائق ما كان عند النّاس ، وزادوا عليهم بخصائص علمهم الموروث من جدّهم المصطفي وأبيهم المرتضی.

وقد شاع قول أبي حنيفة في الإمام الصّادق(علیه السّلام) : لم أرَ أفقه من جعفر بن محمّد الصّادق ، وإنّه لأعلم النّاس باختلاف النّاس. ولم يكن الإمام الصّادق بأعلم من أبيه (علیهما السّلام) ، بل علمه علم أبيه ، وعلم الأئمّة من بنیه علمه. قال أبو حنيفة : دخلت المدينة ، فرأيت أبا عبدالله الصّادق ، فسلّمت عليه ، وخرجت من عنده ، فرأيت ابنه موسى في دهليز وهو صغير السّنّ ، فقلت له : أين يحدث الغريب إذا كان عندكم وأراد ذلك ؟ فنظر إليَّ ثمّ قال : « يَتَجَنَّبُ شُطُوطَ الْأَنْهارَ ، وَ مَسَاقِطَ الثِّمَارِ ، وَ أَفْنِيَةِ الدُّورِ وَ الطُّرُقَ النَّافِذَةِ ، وَ الْمَسَاجِدَ ، وَ لَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ

ص: 93

وَ لَا يَسْتَدْبِرْهَا ، وَ يُرْفَعْ وَ يَضَعُ بَعْدَ ذَلِكَ حَيْثُ شَاءَ » ، قال : فلمّا سمعت هذا القول منه نبل في عيني ، وعظم في قلبي ، فقلت : جعلت فداك ممّن المعصية ؟ فنظر إليَّ ثمّ قال : « اجْلِسْ حَتَّى أُخْبِرَكَ » ، فجلست . فقال : « إِنَّ الْمَعْصِيَةِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْعَبْدَ أَوْ مِنْ رَبِّهِ ، أَوْ مِنْهُمَا جَمِيعاً ، فَإِنْ كَانَتْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ أَعْدَلُ وَ أَنْصِفْ مِنْ أَنْ يُظْلَمَ عَبْدُهُ وَ يَأْخُذُهُ بِمَا لَمْ يَفْعَلْهُ ، وَ إِنْ كَانَتِ مِنْهُمَا فَهُوَ شریکه ، وَ الْقَوِيُّ أَوْلَى بإنصاف عَبْدُهُ الضَّعِيفِ ، وَ إِنْ كَانَتْ مِنِ الْعَبْدُ فَعَلَيْهِ وَقَعَ الْأَمْرِ ، وَ إِلَيْهِ تَوَجَّهَ النَّهْيِ ، وَلَهٍ حَقُّ الثَّوَابِ وَ الْعِقَابُ ، وَ وَجَبَتِ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ ».

فلمّا سمعت ذلك قلت : ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعُ علیم »(1).

وقد نظم كلامه (علیه السّلام) هذا شعراً ، فقيل :

لم تخل أفعالنا اللّاتي نذم لها*** إحدى ثلاث خلال حين نأتيها

إمّا تفرّد بارینا بصنعتها*** فيسقط اللّوم عنّا حين ننشیها

أو كان يشركنا فيها فيلحقه*** ما سوف يلحقنا من لائم فيها

أو لم يكن لالهي في جنایتها*** ذنب ، فما الذّنب إلّا ذنب جانیها

ص: 94


1- سورة آل عمران : 34.

سيعلمون إذا الميزان شال بهم*** أهم جنوها ، أم الرّحمن جانبها ؟

وهكذا كانوا (علیهم السّلام) ، لم يعرف عن أحدهم أنّه تلکّأ يوماً في مسألة ، أو أفحمه أحد في حجّة ، بل كان سبقهم نوعاً من الإعجاز ، وأظهر ما يكون ذلك مع الإمام محمّد الجواد الّذي اُوتي العلم والحكمة صبيّاً . وسبق علماء عصره ومتكلّميهم وشهدوا له بالفضل والتقدّم والعلوّ وتأدّبوا في مجلسه ولم يبلغ التّاسعة من العمر.

قال الشّيخ المفيد : عن المعلّى بن محمّد ، قال : خرج عليٌ أبو جعفر (علیه السّلام) حدثان موت أبيه ، فنظرت إلى قدّه لأصف قامته لأصحابنا ، فقعد ، ثمّ قال : « یا معلّی ، إِنَّ اللَّهَ تعالی احْتَجَّ فِي الْإِمَامَةِ بِمِثْلِ مَا احْتَجَّ بِهِ فِي النُّبُوَّةِ ، فقال : «وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا »(1)».

4 - أحاديثهم وآثارهم : إنّ الاستدلال على الإمام من حديثه

وآثاره استدلال صحيح ، فسلوك المدّعي وحدیثه خير شاهد على حقيقة دعواه و جوهرها ، وهو شاهد أيضاً على صدق دعواه عندما ترافقه القرائن والدلائل الاُخرى ، وإلّا فلا تعدّ وحدها دليلاً كافياً على إمامته . ومن أراد معرفة ذلك عن أئمّة الهدى (علیهم السّلام) فإنّه يجده ظاهراً

ص: 95


1- سورة مريم : 12.

ظهور النّهار في أحاديثهم الشّريفة ، معدن الهداية ، وسبل النّجاة ، دعاة إلى الحقّ ، هداة إليه بالقول والعمل. فما على الباحث إلّا أن يتوخّى ما صحٌ عنهم من الحديث والأثر ليجد ذلك بيّناً بلا عناء.

ولابدّ من الإشارة هنا إلى مسألة هي في غاية الأهميّة ، فقد قلنا إنّ على الباحث أن يتوخّى ما صحّ عنهم (علیه السّلام) ، ونؤكّد هذا الكلام ونقول : إنّ عليه أن يحذر ما اختلط بحديثهم من أباطيل الوضّاعين ، فقد كثرت الكذّابة عليهم كما كثرت على رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وقد فصّل الإمام الرّضا (علیه السّلام) القول في ذلك أجمل تفصيل وأدقّه، وهو يقول :

«إِنَّ مُخَالِفِينَا وَضَعُوا أَخْبَاراً فِي فضائلنا ، وَ جَعَلُوهَا عَلَى أَقْسَامٍ ثَلَاثَةٍ : أَحَدِهَا : الغلوّ ، وَ ثَانِيهَا : التَّقْصِيرُ فِي أَمْرِنَا ، وَ ثَالِثُهَا : التَّصْرِيحُ بمثالب أَعْدَائِنَا ، فَإِذَا سَمِعَ النَّاسُ الْغُلُوِّ فِينَا کفروا شیعتنا ونسبوهم إِلَى الْقَوْلِ بربوبيّتنا ، وَ إِذا سَمِعُوا التَّقْصِيرُ اعتقدوه فِينَا ، وَ إِذا سَمِعُوا مَثَالِبِ أَعْدَائِنَا بِأَسْمَائِهِمْ ثلبونا بأسمائنا ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجِلَ :«وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ »(1)».

ص: 96


1- سورة الأنعام : 108.

5- نصّ الإمام السابق : تقدّم أنّ نصّ النّبيّ كان خير شاهد على نبوّة النّبيّ اللّاحق له ، ومثل هذا يقال مع الإمام ، بل هو واضح مع الأئمّة الاثني عشر (علیهم السّلام) ، ملازم لهم جميعاً ، فقد ثبت النصّ من كلّ إمام إلى الإمام اللّاحق بالطرق الصّحيحة والكثيرة الّتي كانت سبباً في اطمئنان أتباعهم وأشياعهم. وهنا ينبغي التّنبيه إلى أنّ هذه النّصوص لابدّ أن تكون منسجمة مع نصوص النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في موضوع الإمامة ، من قبيل : (حديث الثقلين ) « کتاب اللَّهِ وَ عِتْرَتِي » ، وحديث : « الْخُلَفَاءُ مِنْ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ ، كُلُّهُمْ مِنْ قریش »، فما جاء مخالفاً لهذا فهو مردود لمخالفته نصّ النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، ومن هنا صحّت النّصوص عنهم (علیهم السّلام) وبطلت عن غيرهم ، فلا اعتبار لمن عرف بولاية العهد الّتي يعهد بها الخليفة إلى ابنه أو أخيه ، كما هو شأن الخلفاء الأمويّين والعبّاسيّين لمخالفتها لنصوص النّبّي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) المتقدّمة و غيرها.

أضف إلى ذلك أنّ أحداً منهم لم يصل إلى الخلافة بالطريق المشروع الّذي يقرّه الإسلام ليكون من حقّه أو يوصي لمن بعده ، فولاية العهد تلك إنّما هي من قبيل تبادل الشّيء المغصوب ، فلا أثر لهذا التّبادل يرجى منه رفع الغصبية ، بل على العكس ، فهو تكريس لها وإصرار عليها.

ص: 97

هذه هي أهمّ الفوارق بين عهود الأئمّة عن وعهود(علیهم السّلام) الملوك ، بغضّ النّظر عن كون الأئمّة (علیهم السّلام) إنّما يعهدون بعهد من رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

لامن عند أنفسهم.

6- النّسب الرّفيع: إنّ الإمامة - مقام النّبوّة - لا يصلح لها إلّا ذو نسب و شرف رفیع کالنبيّ بلا فارق. وهذه مزية أئمّة أهل البيت (علیهم السّلام) دون سواهم ، بلا خلاف ولا نزاع ، بل لا يدانيهم فيه حتّى بني عمومتهم.

روى الخطيب في تاريخه : أنّ هارون الرّشید حجّ مرّة ومعه الإمام موسی بن جعفر عليه(علیهما السّلام) ، فأتى قبر النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وحوله قریش وشيوخ القبائل ، فقال : السّلام عليك يا رسول الله ، يابن عمّي ، افتخاراً على من حوله ، فدنا موسی بن جعفر (علیهما السّلام) فقال : «السّلام عليك يا رسول الله ، يا أبت». فتغيّر وجه هارون ، وقال : هذا الفخر - يا أبا الحسن - حقّاً.

7- المعجزة : لقد أخّرنا هذه النّقطة الّتي كانت ثاني دلائل النّبوّة - إلى هذا المحلّ لاتّصالها بموضوع هذا الكتاب ، فالمعجزة الّتي كانت تظهر على أيدي الأنبياء تصديقاً لهم ، هي ضرورية أيضاً لتصديق دعوى الإمام ، كيف لا وقد أظهر الله المعجزات لمن هو أدنى من

ص: 98

الإمام تصديقاً لدعواه المرضيّة عند الله ؟

ومثال ذلك ما ظهر لمريم العذراء (علیهما السّلام) تبرئة لساحتها ، وما كان لأصحاب الكهف ، وكلّ ذلك في القرآن مسطور.

وخلاصة القول في المعجزات يمكن إيجازه بما يلي:

أ- إذا كان يصعب التّصديق بالمعجزات ، أو بعضها ، فلأنّ أصل المعجزة هو كونها خارقة للعادة ، مخالفة للألوف ، وإنّما يشترط في قبولها شهرتها أو صحّة إسنادها ، فمتى ثبتت نسبتها إليهم (علیهم السّلام) بالطرق المعتبرة والموثّقة فليس هناك ما يمنع قبولها ، ولم يبق مبرّر للشكّ فيها بعد أن عرفنا عظیم منزلتهم ، وصحّة نسبة الخبر إليهم.

كيف ونحن نرى ونصدّق الكثير من خوارق العادات الّتي تظهر

لعباد صالحين هم أدني بكثير من مراتب الإمامة ؟

ب - إنّ الإيمان بإمامة الأئمّة لا يصحّ أن ينحصر في النظر إلى معجزاتهم وكراماتهم ، كما لا يصحّ إثبات نبوّة موسی (علیه السّلام) بقلب العصا ثعباناً، أو نبوّة عيسی (علیه السّلام) بخلق الطّير من الطّين ، ما لم تجتمع القرائن الاُخرى الّتي تجعل ظهور المعجزة زيادة في ظهور صدقه ليس إلّا. وإلّا فإن خوارق العادات قد تجري على أيدي الكثيرين من طرق وفنون وحيل كثيرة ، ولكن ما أن تُعرض أصحابها على تلك الشّرائط

ص: 99

والقرائن والدّلائل المتقدّمة حتّى تجد حظوظهم منها حظوظ الفقراء إن لم يكونوا عراة منها على الإطلاق.

ج - ليس المطلوب منّا عند الإيمان بمعجزاتهم أن نجعلها كلّ شيء في اعتقادنا وسلوكنا وثقافتنا، إنّما المطلوب هو الإيمان بهم وبحقيقة إمامتهم؛ لأجل اتّباعهم ، والاقتداء بهم ، والاهتداء بهديهم . ولم تأتِ المعاجز الّتي أتحفهم بها الله تعالى إلّا خدمة لذلك الغرض . فهي ليست غاية في ذاتها، وإنّما هي شاهد واحد فقط يقوّي الدّوافع إلى اتّباعهم في نفوس النّاس.

د- إنّ الغرض من المعجزة هو أن تتمّ بها الحجّة ، و يتوقّف عليها التّصديق ، وأمّا ما خرج عن هذا فلا يجب على الله إظهاره، ولا تجب على النّبيّ أو الإمام الإجابة إليه ، ولو كان على سبيل التّحدي .

ه - إنّ إقامة المعجزة ليست أمراً اختيارياً للنبيّ أو الإمام، وإنّما

ذلك بيد الله يظهره متى شاء واقتضت حكمته .

وهذا شيخ الطّائفة الطّوسي (قدس سرّه) بعد ما أورد جملة من أخبار الفريقين في الإمامة بعد رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قال : « فَهَذَا طَرَفُ مِنَ الْأَخْبَارِ قَدْ أَوْرَدْنَاهَا ، وَ لَوْ شرعنا فِي إِيرَادِ مَا مِنْ جِهَةِ الْخَاصَّةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى لطال بِهِ الْكُتَّابُ ، وَ إِنَّمَا أَوْرَدْنَا مَا أَوْرَدْنَا مِنْهَا ليص مَا قُلْنَاهُ مِنْ نَقْلِ

ص: 100

الطَّائِفَتَيْنِ المختلفتين ، وَ مَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَى ذَلِكَ فَعَلَيْهِ بِالْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ فِي ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ يَجِدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً كَثِيرَةُ حَسَبَ مَا قُلْنَاهُ».

ثمّ أردف قائلاً: «فإن قيل : دلّوا أوّلاً على صحّة هذه الأخبار فإنّها أخبار آحاد لا يعوّل عليها فيما طريقة العلم، وهذه مسألة علميّة ، ثم دلوا على أن المعني بها من تذهبون إلى إمامته ، فإن الأخبار الّتي رويتموها عن مخالفيكم وأكثر ما رویتموها من جهة الخاصة ، إذا سلمت ، فليس فيها صحّة ما تذهبون إليه؛ لأنّها تتضمّن العدد فحسب ، ولا تتضمّن غير ذلك ، فمن أين لكم أنّ أئمّتكم هم المرادون بها دون غيرهم ؟

قلنا : أمّا الّذي يدلّ على صحّتها فإنّ الشّيعة الإماميّة يروونها على وجه التّواتر خلفاً عن سلف ، وطريقة تصحيح ذلك موجودة في كتب الإماميّة ...» إلى أنّه قال(قدس سرّه) : « والطريقة واحدة ، وأيضاً فإنّ نقل الطّائفتين المختلفتين المتباينتين في الاعتقاد يدلّ على صحّة ما قد اتّفقوا على نقله؛ لأنّ العادة جارية أنّ كلّ من اعتقد مذهباً، وكان الطّريق إلى صحّة ذلك النّقل ، فإنّ دواعيه تتوفّر إلى نقله ، و تتوافر دواعي من خالفه إلى إبطال ما نقله ، أو الطّعن عليه ، والإنكار لروايته ، بذلك جرت العادات في مدائح الرّجال وذمّهم وتعظيمهم والنقص منهم .

ص: 101

ومتى رأينا الفرقة المخالفة لهذه الفرقة قد نقلت مثل نقلها ولم تتعرّض للطعن على نقله ، ولم تنكر متضمّن الخبر دلّ ذلك على أنّ الله تعالى قد تولّي نقله وسخّرهم لروايته ، وذلك دليل على صحّة ما تضمّنه الخبر ، وأمّا الدّليل على أنّ المراد والمعنيّ بها الإثني عشر إماماً، وأنّهم لا يزيدون ولا ينقصون ، ثبت ما ذهبنا إليه؛ لأنّ الاُمّة بين قائلين : قائل يعتبر العدد الّذي ذكرناه فهويقول : «إِنَّ الْمُرَادُ بِهَا مَنْ يَذْهَبُ إِلَى إِمَامَتُهُ ، وَ مَنْ خَالَفَ فِي إِمَامَتِهِمْ لَا يَعْتَبِرُ هَذَا الْعَدَدِ ، فَالْقَوْلُ مَعَ اعْتِبَارِ الْعِدَدِ ، أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرِهِمْ خُرُوجُ عَنِ الْإِجْمَاعِ ، وَ مَا أَدَّى إِلَى ذَلِكَ وَجَبَ الْقَوْلِ بفساده »(1)، انتهى كلامه رفع مقامه.

ص: 102


1- الغيبة للطوسی: 156.

الدّرس السّابع: ما يجب الاعتقاد به /5

3- الإمامة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ولله درّ القاضي النّعمان وعليه أجره حيث قال(رحمه الله) في الإمامة :

« وقد اختلف القائلون في تثبيت الإمامة فيها ، فزعمت العامّة أنّ النّاس يقيمون لأنفسهم إمام يختارونه ویولونه ، كما زعموا أنّ أصحاب رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قد اختاروا لأنفسهم من قدّموه بعده ، واختلفوا في صفة من يجب عليهم أن يقدّموه ، والسّبب الّذي استحقّ به التقدمة ، وأنكروا أن يكون رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قدّم عليهم أحداً سمّاه لهم يقوم بالإمامة من بعده ، وقالت طائفة منهم: أشار إليه ولم يسمّه ، قالوا: وهو أبو بكر قدّمه للصلاة وهي مقرونة بالزكاة ، فوجب أن تعطي الزّكاة من قدّم على الصلاة ، فهذا قول جمهور العامّة ، وقالوا:

ص: 103

من ولّي وجبت طاعته ولو كان حبشيّاً ، ولا يرون الخروج عليه وإن عمل بالمعاصي.

وقالت المرجئة : على النّاس أن يولّوا عليهم رجلاً ممّن یرون أنّ له

فضلاً وعلماً، ويجهدوا فيه رأيهم ، وعليه أن يحكم بالكتاب والسّنّة وما لم يجده فيما اجتهد فيه رأيه ، قالوا: وطاعته تجب على النّاس ما أطاع الله ، فإذا عصى الله فلا طاعة له عليهم ، ووجب القيام وخلعه والاستبدال به .

وقالت المعتزلة : لم يقدّم رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أحداً بعينه ولا أشار إليه ، ولكنّه أمر النّاس أن يختاروا بعده رجلاً يولّونه على أنفسهم ، فاختاروا أبا بكر.

وقالت الخوارج : لم ندر ولم يبلغنا أنّ النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أمر في ذلك بشيء. ولا أنّه لم يأمر ، ولا أشار ولا لم يشر ، ولكن لابدّ من إمام يقيم الحدود وينفذّ الأحكام فنقيمه علينا.

فنقول بتوفيق الله وعونه لمن زعم أنّ رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لم يقدّم أحداً ، وهم جميع من حكينا قوله: قولكم هذا غير جائز قبوله باجماع منّا ومنكم ومن جميع المسلمين؛ لأنّه قد أجمعوا أنّ النّافي للشيء ليس بشاهد فيه ، وإنّما الشّاهد من أثبت شيئاً شهد أنّه كان ، فأنتم نفيتم

ص: 104

أن يكون رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) استخلف أحداً على اُمّته أو نصب إماماً للاُمّة من بعده ، فلم تشهدوا بشيء ، وإنّما نفيتم شيئاً أنكرتموه ، ومن شهد بذلك فهو أولى بالقبول ، وأوجب أن يكون شاهداً منكم؛ لأنّكم وجميع الاُمّة تقولون في رجلين ، قال أحدهما : سمعت فلاناً قال كذا ، أو رأيته يفعل كذا ، ويقول الآخر: لم أسمعه قال ذلك ، ولا رأيته فعل ذلك ، إنّ الشّاهد بالرؤية والسّماع هو الشّاهد المأخوذ بشهادته ، ومن قال لم أسمع ولم أرَ ليس بشاهد ، ولا يبطل قوله قول من شهد بالسمع والعيان ، وقد ذكرنا ما كان من قيام رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بولاية عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه يوم غدیر خم ، وقد رويتم معنا ذلك ، وإنّ ذلك من آكد بيعة وأوجب ما يوجب الإمامة مع كثير ممّا ذكرناه ، وكثير قد اختصرنا ذكره اكتفاء بما بيّناه . ولو كانت الإمامة كما زعمتم إنّما تكون باختيار النّاس لكان رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قد جمعهم وأمرهم أن يختاروا لأنفسهم إماماً، وكيف للنّاس أن يجتمعوا جميعاً على اختيار رجل واحد منهم على اختلاف آرائهم ومذاهبهم وأهوائهم. وما كان في أكثر الناس من الحسد من بعضهم البعض . ولو كان هذا لا يكون إلّا بإجماع النّاس على رجل واحد لم يجتمعوا عليه أبداً، وما أجمع من حضر بالمدينة على أبي بكر ، قد قالت الأنصار ما قالت ، وامتنع من بيعته جماعة من أكابر أصحاب

ص: 105

رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، حتّى كان من أمرهم ما كان ، فضلاً عمّن غاب من أهل الآفاق والبلدان ، وإن قلتم: وإنّ الرّأي والأمر في ذلك لقوم دون قوم ، فأخبرونا من له ذلك دون من ليس له ، بحجّة من كتاب أو سنّة أو إجماع ؟ ولن يجدوا ذلك ، وإذا كان النّاس هم الّذين يقدّمون الإمام ، فالإمام مأمور عن أمرهم ، ولم يكن يملك شيئاً حتّى ملّكوه إيّاه ، فهم الأئمّة على ظاهر هذا المعنى، وهو عامل من عمّالهم ، ولهم إذاً عزله ، كما قالت المرجئة ، وفساد هذا القول أبين من أن يستدلّ عليه ببرهان.

وقولهم : إنّهم يفعلون ما لم يأمر به رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ولم يفعله ، إقرار منهم بالبدعة ، وهم يقولون : إنّ الإمامة من دين الله ، وقد أخبر الله عزّ وجلّ في كتابه أنّه أكمل دينه ، و بيّنّا فيها تقدّم أنّ ذلك إنّما كان نزل عندما قام رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بولاية عليّ صلوات الله عليه ، فكيف يقرّون بأنّ الله عزّ وجلّ أكمل دينه ولم يبيّن فيه أمر الإمامة الّتي هي على إقرارهم منه ؟ أو هل كان الله عزّ وجلّ قال ذلك ولم يكمل دينه حتّى أكملوه هم ، أو كان رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) عاجزاً وقصّر عن تبیان ما افترض الله عزّ وجلّ بيانه فييّنوه ؟ وهذا من أقبح ما انتحلوه ، وأعظم ما تجرّؤا به على الله عزّ وجلّ وعلى رسوله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) .

ص: 106

ونقول لمن زعم أنّ رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أشار إلى أبي بكر فقدّموه بتلك الإشارة : وأنتم مقرّون بأنّ الإمامة من دين الله عزّ وجلّ ، فهل يجوز عندكم تغيير شيء من دين الله عزّ وجلّ أو تبديله ، فمن قولهم: لا، فيقال : فإن كان فرض الإمامة أن ينصب الإمام بالإشارة ، وكان النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أشار بها كما قلتم إلى أبي بكر ، فكيف صنع أبو بكر بعمر ، وعمر بعثمان ؟ فمن قولهم إنّ أبابكر نصّ على عمر ، وإنّ عمر جعل الأمر شوری بین ستّة ، وقدّم صهيباً على الصلاة ، وهذا خلاف لفعل رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في دين الله ، وقد أمر الله عزّ وجلّ باتّباعه ونهی عن مخالفته بقوله تعالى : « وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا » (1)، وفعل عمر خلاف لفعل أبي بكر ، وقد غيّرا بإقرارهم دین الله ، وبدّلا حكمه ، وخالفا رسوله ، وصهيب على قولهم أحقّ من عثمان بالإمامة؛ إذ كان عمر قد قدّمه على الصلاة ، وهم يزعمون أنّ رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قدّم أبا بكر على الصلاة ، فبذلك استحقّ عندهم الإمامة ، ولم يكن ذلك ، ولكنّا نقول لمن ادّعى الإشارة بالصلاة : أنتم أحرى بأن لا تحتجّوا بهذا؛ لأنّكم تزعمون أنّ الصلاة جائزة خلف كلّ برّ وفاجر، وتروون في ذلك أخباراً تحتجّون بها على من خالفكم

ص: 107


1- سورة الحشر : 7.

في ذلك ، وأنتم مقرّون أنّ رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) استعمل عمرو بن العاص على غزوة ذات السّلاسل ومعه أبو بكر وعمر ، وكان يؤمّهما في الصلاة وغيرها ، وهما تحت رايته ، و مقرّون بأنّه لم يستعمل أحداً على علىّ صلوات الله عليه قطّ ، ولا أمره بالصلاة خلفه ، وإنّ هذه الصّلاة الّتي تدّعون أن رسول الله أمر أبا بكر بها لم يكن عليّ حضرها ، وكان علىّ - على قولكم - مع رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وصلّى بصلاته ، فهو على دعواكم أولى بالفضل ممّن قدّمتموه ، وكذلك تقرّون أنّ رسول الله أمّر على أبي بكر وعمر اُسامة بن زيد ، وقبض(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وهما تحت رايته وهو أمير عليهما وإمامهما في صلاتهما، وكان آخر ما أوصى به صلّى الله عليه وعلى آله أنّه قال : نفذوا جيش اُسامة ، لعن الله من تخلّف عنه ، واُسامة يوميذٍ قد برز ، فقعدا عنه فيمن قعد ، واُسامة وعمرو بن العاص - على قولكم - أولى بالإمامة منهما؛ إذ قدّما في الصلاة عليهما . و تقرّون أنّ عمر لمّا جعل الأمر شوری بین ستّة أقام صهيباً للصلاة ، فلم يستحقّ بذلك الإمامة عندكم ، مع أنّ أمر الصّلاة الّتي ادّعيتموها لم يثبت عندكم لما جاء فيها من الاضطراب في النقل والأخبار واختلافها ، وأنّها كلّها عن عائشة بنت أبي بكر ، وأنتم تقولون : إنّ من اختلف عنه في حديث كان كمن لم يأتِ عنه شيء ، ورددتم شهادة علي لفاطمة صلوات الله عليهما ، فكيف تجيزون شهادة عائشة لأبيها

ص: 108

لو قد ثبت عنها ذلك ؟ وكيف وهو لم يثبت أنّه أمره بالصلاة إلّا عن عائشة ، علم رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ذلك خرج فأخّره وصلّى بالناس.

وأمّا قول المرجئة أنّهم يولون الإمام فإذا جار عزلوه ، فهم أشبه على قولهم هذا بأن يكونوا أئمّة كما قلنا ، فإذا كان لهم أنّ يولّوا فلهم قالوا أن يعزلوا ، وهذا قول من لا يعبأ بقوله ، وقد ذكرنا فساده فيما قدّمناه . وأمّا قول المعتزلة أنّ رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أمر النّاس أن يختاروا فهو قول يخالف السنّة ، وقد ذكرنا فعله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بغدیر خم في عليّ عليه أفضل السّلام ، ووصفنا مايدخل على من زعم أنّ للنّاس ان يختاروا، ولن يأمر الله عزّ وجلّ ولا رسوله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بأمر يعلم أنّه لا يتمّ ولا يكون ، ولا يفترض الله طاعة من يجعل اختياره إلى من أوجب علیه طاعته ، ويجعل عزله إليه ، ويقيمه منتقداً عليه ، ولو جاز للنّاس أن يقيموا إماماً لجاز لهم أن يقيموا نبيّاً؛ لأنّ الله عزّ وجلّ قرن طاعة الأئمّة بطاعة الأنبياء وجعلهم الحكّام في اُممهم بعدهم بمثل ما كان الأنبياء يحكمون به فيهم.

وأمّا قول الخوارج أنّها لا تعلم ما كان من رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، فليس قول من لم يعلم بحجّة على من قد علم ، وعلى من لم يعلم أن يطلب العلم ممّن يعلم ، وإن هم لو سألونا : كيف يكون عقد الإمامة ؟

ص: 109

قلنا لهم بما لا يدفعه أحد ولا من غيركم: إنّها بالنصّ والتّوقيف الّذي لا تدخل على القائل به حجّة ، ولا تلزمه معه لخصمه علّة. وقد ذكرنا توقیف رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) النّاس عي إمامة عليّ صلوات الله عليه ونصبه إيّاه ، وكذلك فعل عليّ بالحسن ، والحسن بالحسين ، والحسين بعليّ بن الحسين ، وعلىّ بن الحسين بمحمّد بن عليّ ، ومحمّد بن عليّ بجعفر بن محمّد ، وكذلك من بعدهم من الأئمّة إماماً إماماً بعده ، فيما رويناه عمّن قبلنا ، ورأينا فيمن شاهدناه من أئمّتنا بين الرّسولين : إنّ ذلك لا يكون إلّا بنصّ و توقیف من نبيّ إلى إمام ، ومن إمام إلى إمام ، ويبشّر النّبيّ بالنبيّ يأتي بعده ، كما ذكر الله عزّ وجلّ في كتابه : « وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ » (1). ويؤدّي ذلك الأئمّة بعضهم إلى بعض ، ويوقفون عليه أتباعهم إلى ظهور ذلك النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، كما أقرّت العامة أنّ آدم(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) نصّ على شيث وأوصى إليه ، وأنّ شيثاً نصّ على الإمام من ولده من بعده ، وكذلك نصّ الأئمّة يوقف كلّ إمام على الإمام بعده ، حتّى انتهى ذلك إلى نوح ، ومن نوح إلى إبراهيم ، ومن إبراهيم إلى موسى ، ومن موسى إلى عيسى ، ومن عيسى إلى محمّد(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وعلى جميع المرسلين وعلى الأئمّة الصّادقين ، وقد أقرّت

ص: 110


1- سورة الصفّ : 6.

العامّة أنّ كلّ نبي مضى قد أوصى إلى وصيّ يقوم بأمر اُمّته من بعده ، ما خلا نبيّهم محمّداً(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فإنّهم أنكروا أن يكون أوصى إلى أحد، على أنّ النّاس أحوج ما كانوا إلى الأوصياء والأئمّة لارتفاع الوحي وانقطاع النّبوّة ، وأنّ الله ختمها بمحمّد ، وردّ أمر الاُمّة إلى الأئمّة من أهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين ، و تفويض أمر الخلق إلى الأئمّة إلى يوم القيامة. فهكذا نقول في النبوّة والإمامة بالتوقيف والبيان ، لا كما زعمت العامّة أنّ الدّليل على الرُّسل الآيات بلانصّ ولا بشرى ولا توقیفات ، ولو تدبّروا القرآن لوجدوه يشهد بالذمّ لسائلي الآيات من أنبيائهم.

قال الله عزّ وجلّ لمحمّد نبيّه(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : «يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً »(1).

وقال في موضع آخر:«وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ

ص: 111


1- سورة النّساء : 153.

وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا *أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا »(1).

وقال في موضع آخر: «وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى » (2).

ومثل هذا كثير في القرآن. ومع ذلك أنّ الله عزّ وجلّ لا يبعث نبيّاً إلّا وهو مفترض الطّاعة ، فمن لم يصدّقه ومات على تكذيبه من قبل أن يأتي بالآية مات كافراً عندهم بإجماع ، ولو كان كما زعموا أنّ الدّليل على الأنبياء الآيات لم يكن على من لم يؤمن قبل الآيات حرج.

فإن قالوا : فما معنى مجيء الرُّسل بالآيات ؟

قيل لهم : معنى ذلك ما قال الله عزّ وجلّ:« وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا »(3) ، وإنّما يبعث الله بالآيات تخويفاً لخلقه ، وتأييداً

ص: 112


1- سورة الإسراء : 90- 93.
2- سورة طه: 133.
3- سورة الإسراء : 59.

لرسله ، وتأكيداً لحججهم على من خالفهم ، و تخويفاً لهم ، كما قال الله عزّ وجلّ: «وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا » ، وقد بعث الله تعالى نوحاً صلوات الله عليه إلى قومه وأخبر أنّه مکث يدعوهم ألف سنة إلّا خمسين عاماً ، وقد هلك في تلك المدّة قرون ممّن كذّبه على الكفر ، ثمّ أخبر عزّ وجلّ أنّ آیته كانت السّفينة.

وكذلك قال عامّة النّاس ، وكانت الآية في آخر زمانه ومعها أتى العذاب إلى قومه لكفرهم به ، فأهلكهم الله عزّ وجلّ بعصيانهم، وردّ نبوّته ، ونجّاه فيها ومن آمن معه. وقد هلك قبل ذلك اُمم ممّن كذّبه وصاروا إلى النّار بكفرهم وتكذيبهم إيّاه ، ولما جاء به عن ربّه ، ولو لم تكن تجب عندهم نبوّته إلّا بأية لما كان عليهم أن يؤمنوا به ، ولو لم تكن تجب عليهم إجابته لما كان له أن يدعوهم دون أن يأتيهم بآية ؛ إذ كان لا يجب عليهم تصديقه دون أن يأتي بها ولا يجب أن يدعوهم إلى ما لا يجب عليهم قبوله. وما كان الله عزّ وجلّ ليبعث نبيّاً يدعو إليه وهو غير مفترض الطّاعة ، وهذا بيّن لم تدبّره ، ووفّق لفهمه .

ولو ذكرنا ما كان ينبغي أن يدخل في هذا الباب لخرج من حدّ هذا الكتاب ، ولكنّا أثبتنا من ذلك نكتاً يفهمها ذوو الألباب ، والله الموفّق برحمته للصواب.

ص: 113

ذکر منازل الأئمّة صلوات الله عليهم ، وأحوالهم وتبرّیهم ممّن وضعهم بغير مواضعهم وتكفيرهم من ألحد فيهم : أئمّة الهدی صلوات الله عليهم ورحمته وبرکاته خلق من خلق الله جلّ جلاله ، وعباد مصطفون من عباده ، افترض طاعة كلّ إمام منهم على أهل عصره ، و قرن طاعتهم في كتابه بطاعته وطاعة رسوله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وهم حجج الله على خلقه ، وخلفاؤه في أرضه ، ليسوا كما زعم الضّالون المفترون بآلهة غير مربوبين ، ولا بأنبياء مرسلين ،ولا يوحى إليهم كما يوحی إلى النبيّين ، ولا يعلمون الغيب الّذي حجبه الله عن خلقه ، ولم يطلع أنبياءه منه إلّا على ما أطلعهم عليه ، لاكما زعم المفترون فيهم ، والمبطلون الكاذبون عليهم ، تعالى الله جلّ ذكره ونزّه أولياءه عن مقال الملحدين وإفك المكذّبين الضّالّين المفترين.

ولمّا كان أولياء الله الأئمّة الطّاهرون ، حجج الله الّتي احتجّ بها على خلقه ، وأبواب رحمته الّتي فتح لعباده ، وأسباب النّجاة الّتي سبب لأوليائه وأهل طاعته ، ومن لا تقبل الأعمال إلّا بطاعتهم ، ولا يجازی بالطاعة إلّا من تولّاهم وصدّقهم دون من عاداهم وعصاهم و نصب لهم ، كان الشّيطان أشدّ عداوة لأوليائهم وأهل طاعتهم ليستزّلهم استزلّ أبويهم من قبل ، فاستزّل كثيراً منهم ، واستغواهم ، و سوّل لهم

ص: 114

واستهواهم ، فصاروا إلى الحور بعد الكور ، وإلى الشّقوة بعد السّعادة ، وإلى المعصية بعد الطّاعة، وقصد كلّ امرئ منهم من حيث يجد السّبيل إليه ، والاجلاب بخيله ورجله عليه فمن كان منهم قصير العلم متخلّف الفهم ، ممّن تابع هواه ، استفزّه واستغواه ، واستزلّه إلى الجحد لهم ، والنّفاق عليهم ، والخروج عن طاعتهم ، والكفر بهم . والانسلاخ من معرفتهم.

ومن كان قد برع في العلم ، وبلغ حدود الفهم ، ولم يستطع أن يستزلّه إلى ما استزلّ به من تقدّم ذكره ، استزلّه و خدعه ، ودخل إليه من باب محبوبه ، وموضع رغبته ، ومكان بغينه ، فزيّن له زخرف التأويل، ونموّق له قول الأباطيل ، وأغراه بالفكرة في تعظيم شأنهم ، ورفيع مكانهم ، وقرّب منه الوسائل، وأكّد له الدّلائل على أنّهم غير مربوبين ، أو أنبياء مرسلون ، أمكنه من ذلك ما أمكنه فيه ، و تهيّأ له منه تجرّأ به عليه ، ودخل إلى طبقة ثالثة من مدخل الشّبهات باستثقال الفرائض والموجبات ، فأباح لهم المحارم، وسهّل عليهم العظائم في رفض فرائض الدّين والخروج من جملة المسلمين الموحّدين ، بفاسد ما أقامه لهم من التأويل ، ودلّهم عليه بأسوء دليل، فصاروا إلى الشّقوة والخسران ، وانسلخوا من جملة أهل الدّين والإيمان ، نسأل الله العصمة من الزّيغ ، والخروج من الدّنيا سالمين غير ناکثین ،

ص: 115

ولا مارقين ، ولا مبدّلين ، ولا مغضوب علينا، ولا ضالّين.

وقد روينا عن أبي عبدالله جعفر بن محمّد صلوات الله عليه أنّ رجلاً من أصحابه شكا إليه ما يلقون من النّاس ، فقال : يابن رسول الله ، ماذا نحن فيه من أذى النّاس ، ومطالبتهم لنا، وبغضهم إيّانا ، وطعنهم علينا ، كأنّا لسنا عندهم من المسلمين ؟ فقال له أبو عبد الله(علیه السّلام) : « أَوْ مَا تَحْمَدُونَ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ وتشكرونه ، إِنَّ الشَّيْطانَ لَمَّا يَئِسَ مِنْكُمْ أَنْ تُطِيعُوهُ فِي خَلْعِ وَلَايَتِنَا الَّتِي يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلٍ لَا يُقْبَلُ عَمَلُ عامِلٍ خُلْعُهَا ، أَغُرِّى النَّاسِ بِكُمْ حَسَداً لَكُمْ عَلَيْهَا ، فَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى مَا وُهِبَ لَكُمْ مِنَ الْعِصْمَةِ ، وَ إِذَا تعاظمكم مَا تُلْقُونَ مِنَ النَّاسِ ، ففكروا فِي هَذَا وَ انْظُرُوا إِلَى مَا لَقِينَا نَحْنُ مِنِ الْمِحَنِ ، وَ نَلْقَى مِنْهُمْ ، وَ مَا لقى أَوْلِيَاءَ اللَّهِ وَ رَسُولُهُ مِنْ قَبْلِنَا ، فَقَدْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، عَنْ أَعْظَمُ النَّاسِ امْتِحَاناً وَ بَلَاءً فِي الدُّنْيَا ، فَقَالَ : الْأَنْبِيَاءُ ، ثُمَّ الْأَوْصِيَاءِ ، ثُمَّ الْأَئِمَّةِ ، ثُمَّ الْمُؤْمِنُونَ ، الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ ، وَ الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ ، وَ إِنَّمَا أَعْطَانَا اللَّهُ وَ إِيَّاكُمْ ، وَ رَضِيَ لَنَا وَ لَكُمْ صَفْوُ عَيْشِ الْآخِرَةِ ، ثُمَّ قَالَ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ ، وَ جَنَّةُ الْكَافِرِ ، وَ مَا أَعْطَى اللَّهُ عَبْداً مُؤْمِناً حَظّاً مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مشوباً بتكدير لِئَلَّا يَكُونُ ذَلِكَ حَظُّهُ مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجِلَ » . . فَأَمَّا ذَكَرَ مَنْ ضَلَّ وَ هَلَكَ مَنْ أَهْلِ هَذَا الْأَمْرِ فَكَثِيرُ ، يطول ويخرج

ص: 116

عن حدّ هذا الكتاب ، ولكن لابدّ من ذكر نكت من ذلك كما شرطنا، فمن ذلك ما روينا عن عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه أنّ قوماً من أصحابه ، وممّن كان قد بايعه و تولّاه ودان بإمامته ، مرقوا عنه ونكثوا عليه ، وقسطوا فيه ، فقاتلهم أجمعين ، فهزم النّاكثين ، وقتل المارقين ، وجاهد القاسطين ، وقتلهم وتبرّءوا منه وبرئ منهم، وإنّ قوماً غلوا فيه لما استدعاهم الشّيطان بدواعيه ، فقالوا: هو النّبيّ، وإنّما غلط جبرئیل به ، وإليه كان اُرسل فأتي محمّداً (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، فيا لها من عقول ناقصة ، وأنفس خاسرة، وآراء واهية ، ولو أنّ أحدهم بعث رسولاً بصاع من تمر إلى رجل فأعطاه غيره لما استجاز فعله ، ولعوّض المرسل إليه مكانه أو استردّه إليه ممّن قبضه ، فكيف يظنّون مثل هذا الظنّ الفاسد بربّ العالمين ، وبجبرئيل الرّوح الأمين ، وهو ينزل أيّام حياة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بالوحي إليه، وبالقرآن الّذي اُنزل عليه ، ثمّ يقولون هذا القول العظيم ، ويفترون مثل هذا الافتراء المبين بما سوّل لهم الشّيطان ، وزيّن لهم من البهتان والعدوان ، وأتاه صلوات الله عليه قوم غلوا فيه ممّن قدّمنا وصفهم ، واستزلال الشّيطان إيّاهم ، فقالوا : أنت إلهنا وخالقنا ورازقنا ، ومنك مبدؤنا، وإليك معادنا ، فتغيّر وجهه صلوات الله علیه وارفض عرقاً وارتعد کالسعفة تعظيماً لجلال الله عزّ جلاله وخوفاً منه ، وثار مغضباً ونادی بمن حوله

ص: 117

وأمرهم بحفير فحضر ، وقال : لاُشبعنّك اليوم لحماً وشحماً ، فلمّا علموا أنّه قاتلهم ، قالوا : لئن قتلتنا فأنت تحبينا ، فاستتابهم ، فأصرّوا على ما هم عليه ، فأمر بضرب أعناقهم ، وأضرم ناراً في ذلك الحفير فأحرقهم فيه ، وقال صلوات الله عليه : لمّا رأيت أمراً منكر أضرمت ناري ودعوت قنبراً ، وهذا من مشهور الأخبار عنه(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وكان في أعصار الأئمّة من ولده مثل ذلك ما يطول الخبر بذکر هم ، کالمغيرة بن سعید لعنه الله ، وكان من أصحاب أبي جعفر محمّد بن عليّ صلوات الله

عليه ودعاته ، فاستزلّه الشّيطان فكفر وادّعى النّبوّة ، وزعم أنّه يحيي الموتى ، وزعم أنّ أبا جعفر صلوات الله عليه وآله ألٰه ،تعالى الله ربّ العالمين ، وزعم أنّه بعثه رسولاً وتابعه على قوله كثير من أصحابه سمّوا المغيریّة باسمه ، وبلغ ذلك أبا جعفر محمّد بن عليّ صلوات الله عليه ولم يكن له سلطان كما كان لعليّ فيقتلهم كما قتل عليّ صلوات الله عليه الّذين ألحدوا فيه ، فلعن أبو جعفر صلوات الله عليه المغيرة وأصحابه ، وتبرّأ منه ومن قوله ومن أصحابه ، وكتب إلى جماعة أوليائه وشیعته، وأمرهم برفضهم والبراءة إلى الله منهم ، ولعنه ولعنهم ، ففعلوا ، فسمّاهم المغيرية الرّافضة لرفضهم إيّاه ، وقبولهم ما قال المغيرة لعنه الله . وكانت بينه وبينهم وبين أصحابه مناظرة وخصومة واحتجاج ، يطول ذكرها ، واستحلّ المغيرة وأصحابه

ص: 118

المحارم كلّها وأباحوها ، وعطّلوا الشّرائع وتركوها ، وانسلخوا من الإسلام جملة ، وبانوا من جميع شيعة الحقّ کافّة وأتباع الأئمّة ، وأشهر أبو جعفر محمّد بن عليّ صلوات الله عليه لعنهم والبراءة منهم.

ثمّ كان أبو الخطّاب في عصر جعفر بن محمّد صلوات الله عليه من أجلّ دعاته ، فأصابه ما أصاب المغيرة ، فكفر وادّعى أيضاً النّبوّة ، وزعم أنّ جعفر بن محمّد صلوات الله عليه إلٰه ، تعالى الله عن قوله ، واستحلّ المحارم كلّها ، ورخّص فيها ، وكان أصحابه كلّما ثقل عليهم أداء فريضة أتوه وقالوا : يا أبا الخطّاب ، خفّف علينا ، فيأمرهم بترکها ، حتّى تركوا جميع الفرائض ،واستحلّوا جميع المحارم ، وارتكبوا المحظورات ، وأباح لهم أن يشهد بعضهم لبعض بالزور . وقال : من عرف الإمام فقد حلّ له كلّ شيء كان حرّم عليه ، فبلغ أمره جعفر بن محمد (علیه السّلام) فلم يقدر عليه بأكثر من أن لعنه وتبرّأ منه ، وجمع أصحابه فعرّفهم ذلك ، وكتب إلى البلدان بالبراءة منه ، واللّعنة عليه ، وكان ذلك أكثر ما أمكنه فيه ، وعظم ذلك على أبي عبدالله جعفر بن محمّد صلوات الله علیه و استفظعه و استهاله.

قال المفضّل بن عمرو: دخلت يوماً على أبي عبدالله جعفر بن محمّد صلوات الله عليه فرأيته مقارباً منقبضاً مستعبراً، فقلت له : ما لك ، جعلت فداك ؟ فقال : « سُبْحانَ اللَّهِ وَ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ

ص: 119

عُلُوّاً كَبِيراً . أي مفضّل ، زعم هذا الكذّاب الكافر أنّي أنا الله ، فسبحان الله ، ولا إلٰه إلّا هو ربّي وربّ آبائي ، هو الّذي خلقنا وأعطانا وخوّلنا ، فنحن أعلام الهدى ، والحجّة العظمى ، اُخرج إلى هؤلاء - يعني أصحاب أبي الخطّاب - فقل لهم : إنّا مخلوقون ، وعباد مربوبون ، ولكنّ لنا من ربّنا منزلة لم ينزلها أحد غيرنا ، ولا تصلح إلّا لنا ، ونحن نور من نور الله ، وشيعتنا منّا، وسائر من خالفنا من الخلق فهو في النار ، نحن جيران الله غداً في داره ، فمن قبل منّا وأطاعنا فهو في الجنّة ، ومن أطاع الكافر الكذّاب فهو في النار».

روينا عن جعفر بن محمّد صلوات الله عليه أنّ سديراً الصّيرفي سأله فقال له : جعلت فداك ، إنّ شيعتكم اختلفت فيكم فأكثرت، حتّى قال بعضهم : إنّ الإمام ينكت في اُذنه ، وقال آخرون : يوحی إليه ، وقال آخرون : يقذف في قلبه ، وقال آخرون: يرى في منامه وقال آخرون : إنّما يفتي بكتب آبائه ، فبأي قولهم آخذ جعلت فداك ؟

فقال: « لَا تَأْخُذْ بِشَيْ ءٍ مِنْ قَوْلِهِمْ . یا سدیر ، نَحْنُ حُجَّةُ اللَّهِ وأمناؤه عَلَى خَلْقِهِ ، حَلَالِنَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ، وَ حَرَامِنَا مِنْهُ».

ص: 120

الدّرس الثّامن: ما يجب الاعتقاد به /6

3- الإمامة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وقال الشّيخ المفيد أعلى الله درجته في الإفصاح :

«فإن قالوا: ما أنكرتم أن يكون العقد لأبي بكر وعمر الإمامة ، وتقدّمهما على الكافّة في الرّئاسة ، يدلّ على فضلهما في الإسلام، وعلوّهما في الدّيانة ، وإن كنّا لا نحيط علماً بذلك الفضل ، ولم يتّصل بنا من جهة الأثر والنّقل؛ وذلك أنّهما لم يكونا من أشرف القوم نسباً ، فيدعو ذلك إلى تقديمهما؛ لأنّ بني عبد مناف أشرف منهما ، ولاكانا من أكثرهم مالاً فيطمع العاقدون لهما في نيل أموالهما ، ولاكانا أعزّهم عشيرة فيخافون عشيرتهما ، فلم يبق إلّا أنّ المقدّمين لها على أمير المؤمنين (علیه السّلام) والعبّاس بن عبدالمطّلب وسائر المهاجرين والأنصار ،

ص: 121

إنّما قدّموهما لفضل عرفوه لهما، وإلّا فما السّبب الموجب لاتباع العقلاء المخلصين لأمرهما ، ونصبهما إمامين لجماعتهم ورئيسين لكافّتهم لولا الّذي ادّعيناه ؟ قيل لهم: لو كان للرجلين فضل حسب ما ادّعيتموه ، وكان ذلك معروفاً عند أهل زمانهما كما ذكرتموه ، لوجب أن تأتي به الأخبار، وترويه نقلة السّير والآثار ، بل وجب أن يظهر على حدّ يوجب علم اليقين والاضطرار ، ويزيل الرّيب فيه حتّى لا يختلف في صحّته اثنان؛ لأنّ جميع الدّواعي إلى انتشار فضائل الرّجال متوفّرة في نقل ما كان لهذين الرّجلين ممّا يقتضي التّعظيم لمن وجد لهما، والإخبار بها.

ألا ترى أنّهما كانا أميري الناس ، وحصلت لهما القدرة على الكافّة والسلطان ، وكان المظهر لولايتهما في زمانهما و من بعد إلى هذه الحال هو الظّاهر على عدوّه ، المتوصّل به إلى ما يصلح به الأحوال ، والمظهر لعداوتهما مهدور الدم، أو خائف مطرود عن البلاد، والمظنون به من الافصاح ببغضهما مبعد عن الدّنيا ، مستخفّ باعتقاده عند الجمهور ، متوقّع منهم ما يخافه ويحذره ، حتّى صار القتل مسنوناً لمن أظهر ولاية أمير المؤمنين (علیه السّلام) ، وإن كان مظهراً لمحبّة أبي بكر وعمر ، متديّناً بها على الاعتقاد، وحتّى جعل بنو اُميّة الامتحان بالبراءة من أمير المؤمنين (علیه السّلام) طريقاً إلى استبراء النّاس في اعتقاد إمامة من تقدّمه .

ص: 122

وكلّ من امتنع من البراءة حكموا عليه بعداوة الشّيخين ، والبراءة من عثمان ، ومن تبرّأ من أمير المؤمنين (علیه السّلام) حكموا له باعتقاد السّنّة وولاية أبي بكر وعمر وعثمان. ونال أكثر أهل الدّنيا ممّا تمنّوه منها من القضاء والشّهادات والامارات ، وحازوا الأموال ، وقربت منازلهم من خلفاء بني اُميّة وبني العبّاس بالعصبية لأبي بكر وعمر وعثمان ، والدّعاء إلى إمامتهم ، والتفضيل لهم على كافّة الصّحابة ، والتخرّص بما يضيفونه إليهم من الفضل الّذي يمنع بالقرآن ، وينفي بالسنّة ، ويستحيل في العقول ، ويظهر فساده بیسير الاعتبار.

وإذا كان الأمر على ما وصفناه ، ولم يكن لعاقل رفع ما بيّناه وشرحناه ، بطل أن يكون العلم بفضل الرّجلين والثّالث أيضاً على الحدّ الّذي ذكرناه ، ممّا يزول معه الارتياب لتوفير الدّواعي على موجبه لو كان ، بل لم يقدر الخصم على ادّعاء شيء في هذا الباب أقوى عنده ممّا حكيناه عنهم فيما سلف من هذا الكتاب ، وأوضحنا عن وهن التّعلّق به وكشفناه ، وبان بذلك جهل النّاصبة فيما ادّعوه لهما من الفضل المجهول على ما توهّموه ، كما وضح به فساد مقالهم فيها تعلّقوا به من ذلك في تأويل المسطور ، و تخرّصوه من الخير المفتعل الموضوع ، والمنّة الله تعالى.

فصل: ثمّ يقال لهم : قد سبرنا أحوال المتقدّمين على أمير

ص: 123

المؤمنين (علیه السّلام) فيما يقتضي لهم فضلاً يوجب تقدّمهم ، فلم نجده على شيء من الوجوه؛ وذلك أنّ خصال الفضل معروفة ، ووجوهه ظاهرة مشهورة ، وهي : السّبق إلى الإسلام ، والجهاد بين يدي رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، والعلم بالدّين ، والإنفاق في سبيل الله جلّ اسمه ، والزّهد في

الدّنيا.

أمّا السّبق إلى الإسلام : فقد تقدّم أمير المؤمنين (علیه السّلام) أبا بكر باتّفاق العلماء وإجماع الفقهاء ، وإن كان بعض أعدائه يزعم أنّه لم يكن على يقين ، وإنّما كان منه لصغر سنّه على جهة التّعليم ، وقد تقدّمه أيضاً بعد أمير المؤمنين (علیه السّلام) زيد وجعفر و خباب (رضي الله عنهم) وغيرهم من المهاجرين ، وجاء بذلك الثّبت في الحديث.

فروی سالم بن أبي الجعد ، عن محمّد بن سعد بن أبي وقّاص أنّه قال لأبيه سعد: كان أبو بكر أوّلكم إسلاماً ؟ قال : لا، قد أسلم قبله أكثر من خمسين رجلاً. فأمّا عمر بن الخطّاب وعثمان بن عفّان ، فإنّه لا يشتبه على أحد من أهل العلم أنّهما ينزلان عن مرتبة التقدّم على السّابقين ، وأنّهما لم يكونا من الأوّلين في الإسلام ، وقد تقدّمهما جماعة من المسلمين.

قال الحاكم النّيسابوري في معرفة علوم الحدیث: 22: «لا أعلم خلافاً بين أصحاب التّواريخ أنّ عليّ بن أبي طالب (رضی الله عنه) أوّلهم إسلاماً» .

ص: 124

وحديث أنّ عليّا (علیه السّلام) أوّلهم إسلاماً مروي في مصادر معتبرة كثيرة ، وبطرق ومتون شتّی(1).

وأمّا الجهاد : فإنّه لا قِدم لأحدهم فيه ، فلا يمكن لعاقل دعوی ذلك على شيء من الوجوه وقد ذكر من كان منه ذلك سواهم ، فلم يذكرهم أحد، ولا تجاسر على القول بارزوا وقتاً من الأوقات قرناً ، ولا سفكوا لمشرك دماً، ولا جرحوا في الحرب كافراً، ولا نازلوا من القوم إنساناً ، فالريب في هذا الباب معدوم ، والعلم بما ذكرناه حاصل موجود.

وأمّا العلم بالدّين : فقد ظهر من عجزهم فيه ، ونقصهم عن مرتبة أهل العلم في الضّرورة إلى غيرهم من الفقهاء، أحوال إماراتهم ما أغنى عن نصب الدّلائل عليه . وقد كان رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) حكم لجماعة من أصحابه بأحكام فيه ، فما حكم لأحد من الثلاثة بشيء منه ، فقال (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : « أقرأكم أَبِي ، وَ أُعَلِّمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَ الْحَرَامِ مُعَاذٍ ، وأفرضكم زید ، وَ أَقْضَاكُمْ عَلَيَّ » ، فَكَانَ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ناحلا لِكُلِّ مَنْ سَمَّيْنَاهُ سَهْماً مِنْ

ص: 125


1- فرواه التّرمذي في صحيحه: 640/5 ، ح 3728، والحاكم في مستدرکه على الصّحيحين: 136/3 ، 183، 465، وأبو نعيم في حلية الأولياء : 65/1 ، 66، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد : 18/2 و : 233/4 .

العلم ، وجامعاً سائره لأمير المؤمنين(علیه السّلام) ، بما حکم به بالقضاء الّذي يحتاج صاحبه إلى جميع من سمّاه من العلوم. وأخرج أبا بكر وعمر وعثمان من ذلك كلّه ، ولم يجعل لهم فيه حظّاً كما ذكرناه ، وهذا ممّا لا إشكال فيه على ذوي العقول.

وأمّا الإنفاق : فقد قلنا فيما تقدّم فيه قولاً يغني عن إعادته هاهنا ، وعمر بن الخطّاب من بين الثّلاثة صفر منه بالاتّفاق ، أمّا عثمان فقد كان له ذلك ، وإن كان بلا فضل ، فإن خلوّ القرآن من مديح له على ما كان منه ، دليل على أنّه لا فضل له فيه ، ولو حصل له به قسط من الفضل لكان كسهم غيره من المنفقين الّذين لم يجب لهم التقدّم بذلك في إمامة المسلمين.

وأمّا الزّهد في الدّنيا : فقد قضى بتعرية الثّلاثة منه مثابرتهم على الامارة ، ومضاربتهم الأنصار على الرّئاسة ، ومسابقتهم إلى الحلية في التّظاهر باسم الإمامة ، وتركوا رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) مسجّی بين أظهرهم.

لم يقضوا له بذلك في مصابه حقّاً، ولاحضروا له غسلاً، وتجهيزاً ، ولا صلاة ، ولا تشییعاً، ولا دفناً، وتوّفروا على مخاصمة من سبقهم إلى السّقيفة طمعاً في العاجل ، وزهداً في الآجل، وسعياً في حوز الشّهوات ، و تناولاً للّذّات ، وتطاولاً على النّاس بالرّئاسات .

ص: 126

ولم يخرجها الأوّل منهم عن نفسه حتّى أيقن بهلاکه ، فجعلها حينئذٍ في صاحبه ضناً بها على سائر النّاس ، و غبطة لهم.

وكان من أمر الثّاني في الشّورى ما أوجب تحقّقه بها بعد وفاته .

وتحمّل من أوزارها ما كان غنياً عنه لو سنحت بها نفسه إلى مستحقّها ، وظهر بعده من الثّالث ما استحلّ به أصحاب رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) دمه، من إطراح الدّين، والانقطاع إلى الدّنيا ، وقضاء الذمامات بأموال الله تبارك وتعالى ، وتقليد الفجّار من بني ... الخ» (1).

ولقد أجاد حامد الحنفي داود في معرض الدّفاع عن المذهب

الجعفري والردّ على أحمد أمين وأضرابه حين قال :

« لَتَرْكَبُنَّ سُنَنِ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْراً بِشِبْرٍ ، وَ ذِرَاعاً بِذِرَاعِ ، حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ دَخَلَ حَجَرٍ ضَبٍّ لدخلتم ...» إلى آخر الحديث ، فكلّ ما مرّت به الاُمم السّابقة تمرّ به اُمّة سيّد الأنبياء ، ولكانّها - على حدّ تعبير إخواننا علماء النّفس - تلخيص للأطوار السّابقة الّتي مرّت بها الاُمم ، ونحن لانعجب من خطأ حدث من عالم يدّعي العلم كعجبي

ص: 127


1- الإفصاح : 229 - 234.

من هذه الأخطاء السّاذجة الّتي وقع فيها أحمد أمين فأساء فيها إلى العلم وإلى تلاميذه ، وكان سبباً مباشراً في الدّعوة إلى الفرقة والتّحاسد ، والتّباغض ، والكيد لوحدة الاُمّة في وقت نحن فيه في أشدّ الحاجة إلى توحيد الصّفّ وبذل الجهود للاعتصام بهذا الدّين القيّم الّذي لم يأته الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

إنّ الإماميّة مذهب من المذاهب الفقهيّة ، وهو أحد المذاهب الثّمانية الّتي يعتبرها المنهج العلمي الحديث من المذاهب المعتدلة ، وهي: الحنفيّة ، والمالكيّة ، والشّافعيّة ، والحنبليّة ، والجعفريّة (الأماميّة )، والظّاهريّة ، والاباضيّة ، والزّيديّة ، وهي في نفس الوقت باعتبار انتسابها إلى الإمام جعفر الصّادق - تعتبر اُولى المذاهب الفقهيّة ؛ لأنّ أبا حنيفة ومالك كانا تلميذين للإمام الصّادق ، وكان أبو حنيفة كثيراً ما يقول : لولا السّنّتان لهلك النّعمان ، هذا الخطأ الّذي وقع فيه أحمد أمين يذكّرني وأنا أكتب هذا التّصدير بلقاء جمع بيني وبين العالم المجتهد أحمد شاكر في بيته . وقد كان بشارع المقريزي بمنشية الكبرى ، وكنت أهديت إليه كتابي : ( مع أحمد أمين ) ، ثمّ دار حوار بيني وبينه حول كتابات أحمد أمين في فجر الإسلام ، فما كان من جواب العلّامة أحمد شاكر إلّا أن نطق بكلمة : اُمّي ، كلمة واحدة رمز بها الشّيخ

ص: 128

الجليل إلى كلّ شيء ونوّه بها عن كلّ شيء يتّصل بقلم: أحمد أمين ، ويصوّر في نفس الوقت ضئاله شخصيّته العلميّة في نفوس مجتهدي المذاهب الفقهيّة ، وأحمد شاكر وما أحمد شاكر ، وهو على مستوى من المسؤولية العلميّة بمكان عظيم ، سمعته أكثر من مرّة وأنا اُحاوره في مذهبه الفقهي الّذي يقلّده أو يراه موضعاً للتقليد ، فكان (رحمه الله) يأبى إلّا أن يصوّر نفسه في درجة من الاجتهاد ، وهي أقرب إلى درجة (المجتهد المطلق ) منه إلى درجة (مجتهد المذهب) الّتي عرف بها رجال الطبقة الثّانية من الفقهاء ، ومهما يكن من أمر فإنّ حكم الشّيخ أحمد شاكر على (أحمد أمين ) حكم له خطره في نظر - المنهج العلمي الحديث - ، وهو في نظرنا ثاني اثنين ختم بهما علم الجرح والتّعديل ؛ أوّلهما : اُستاذنا الشّيخ محمّد زاهد الكوثري وكيل مشيخة الإسلام في تركيا ، ونزیل القاهرة ،وقد كانت له مع أحمد أمين مواقف يذكرها له التّشريع الإسلامي بالإجلال والإكبار حين كان يرصد قلمه للذبّ عن الشّريعة ، وكان (رحمه الله) من الغيرة على الفقه الإسلامي والمعرفة بمواضع الخلاف بين الفقهاء في الوضع الّذي يحلّه مكان المجتهدين في فقه أبي حنيفة ، وقد كان هذان العالمان من النّفر القليل العارفين برجال المذاهب الفقهيّة المعدلين من هو أهل التّعديل ، في الوقت الّذي فيه

ص: 129

يعملان جاهدين على إحقاق الحقّ ، وإبطال الباطل ، وليس أدلّ على رسوخهما في الاجتهاد من قراءتهما الواسعة فیما جاء في المذهب الجعفري من أحكام، ولعلّنا نلحظ هذا الأثر واضحاً ولا سيّما كتابات : أحمد شاكر واطّلاعه على أقوال فقهاء الإماميّة ، وكتابه (نظام الطّلاق في الإسلام) أكبر شاهد عمّا نقول.

وآخر القضايا المهمّة غمس فيها أحمد أمين يده هي قضيّة الإمامة ، وهي من أكبر القضايا الّتي ميزّت المذهب الإمامي الجعفري عن المذاهب الاُخرى ، فإذا قال الإماميّة بأفضلية عليّ على أبي بكر وعمر ، فإنّ هذا القول لا يعدّ -كما يعتقد جهلاء الاُمّة - فسقاً أو ضلالاً أو خروجاً على الشّريعة ، وإنّما هي مسألة اجتهادية لم يفطن لها أحمد أمين صورتها العلمية الدّقيقة ، والإماميّة في هذا القول مجتهدون لهم رأيهم ولهم نصوصهم من القرآن والسّنّة وفي مقدّمة هذه الحجج الّتي یرونها موضع التّفضيل وسبباً مشروعاً في أحقّيّة التّقديم في الخلافة آية التّطهير : «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا » (1) وآية المباهلة : « فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا

ص: 130


1- سورة الأحزاب : 33.

وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ »(1) إلى عشرات الآيات الّتي لا داعي للاسترسال فيها إيثاراً للإيجاز في هذا التّصدير .

أمّا الأحاديث الدّالّة على أفضلية (عليّ) و تقديمه على الشّيخين في العلم والجهاد والمقاضاة بين الاُمّة ، والزّهد في الدّنيا فهناك يتجاوز المائة حديث وأشهرها حديث المؤاخاة ، وحديث المنزلة ، وحدیث الكساء ، وحدیث غدیرخم ، وهو نصّ جليّ في إمامته بعد النّبيّ(علیه السّلام) ، فهذه المسألة هي موضع الخلاف الوحيد بين الإماميّة وغيرهم من المذاهب الفقهيّة ، وقد كانت نظرة أحمد أمين فيها نظرة سطحيّة لم يشبع فيها بحثه في (فجر الإسلام) وظنّ أنّها من شواذ قضاياهم ، مع أنّها محلّ نظر عند الرّاسخين في العلم من السّنّة والشّيعة ، فالسّنّة رأوا لا بأس من الاجتهاد مع وجود النّصّ في المسائل المتعلّقة بالسياسة والحكم بخلاف العبادات ، حين تدعو الظّروف الواقعيّة المجبرة لذلك لعلل لا محلّ لسردها في هذه العجالة والشّيعة يرون أنّه لا اجتهاد مع النّصّ ، وأنّ الإمامة ليست من الشّورى ، بل هي بنصّ صريح من

ص: 131


1- آل عمران : 61.

النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، والنّبيّ أمر بتبليغها من قِبل الحقّ سبحانه في قوله : «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ » (1)، والحقّ أنّنا لا نستطيع أن نسفّه أحلام هؤلاء، ولا هؤلاء ، لسببين جوهریّين :

الأوّل: أنّ صاحب الحقّ وهو عليّ(رضی الله عنه) ، وأرضاه آثر الابقاء على وحدة الاُمّة على حقّه المشروع في الخلافة حتّى لا يتزعزع رکن الإسلام وتطل الفتنة من بين الصفوف فتقطع الحرث والنّسل.

الثاني : أنّ مخالفة النّصّ في نظر الشّيعة على الرغم ممّا في ظاهره من هضم لحقّ (عليّ) فإنّه لم يحدث صدعاً في وحدة الاُمّة للسبب الأوّل الّذي أشرنا إليه ، والدّليل القطعي على ذلك أنّ الله أثنى على اُمّة نبيّه وهو يعلم ما سيحدث من اختلاف وفتن فيها بقوله : «كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ». (2)، وقول النّبيّ(علیه السّلام) : « لَا تَجْتَمِعْ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ » وإذعان (عليّ) والصّفوة المخلصون من شيعته ، وفيهم العبّاس وسلمان الفارسي والزّبير للواقع الّذي حدث بعد السّقيفة كان إجهازاً على القطيعة ، وبتراً للخلاف في

ص: 132


1- المائدة : 67.
2- آل عمران : 110.

الدّنيا ، وإن كان ذلك في نظر - المنهج العلمي الحديث - لا يمنع من الحساب والسؤال عن جزئیّات هذه الأحداث وكلّياتها في الآخرة بين يدي الله تعالى ، ولكنّ أكثر الباحثين يعجزون عن تدبّر أعماق هذه القضيّة الكبرى وبتر فلسفتها بين الشّريعة والحقيقة ، فكان منهم : من قصر نظرته على الجانب الواقعي فيها ، وهم : أهل السنّة ، ومنهم : من استولت على تفكيره النّظرة المثالية في فهمهما ، وهو : الشّيعة . وقد حاول الإمامان الجليلان عبدالحسین شرف الدّين ، والشّيخ محمّد سليم البشري في كتاب (المراجعات ) توضيح نقطة الخلاف، ولكنّ (أحمد أمين) لم يطّلع على شيء من هذه التفاصيل العلميّة ، وأحدث بسبب ما أورده في (فجر الإسلام) صدعاً بين شقّي هذه الاُمّة . وما كان أغناه عن غمس يده في هذه القضايا فأساء إلى نفسه كاُستاذ باحث ، و أساء إلى وحدة المسلمين بعد أن غمّ عليه الأمر حين أساء تطبيق المناهج العلميّة وسخر بفكره المستشرقون الّذين لا يعنيهم إلّا الدّسّ للإسلام و صاحب الرّسالة»(1).

وقد نقلت هذه المقاطع من كتب الأعلام وهي غيض من فيض ؛

ص: 133


1- نظرات في الكتب الخالدة لحاماد حنفي داود: 181 - 187 .

ليقف القارئ الكريم على أهميّة الإمامة وهذه الحقيقة الضّائعة ؛ وذلك لعظيم ارتباط البحث عن الإمامة بالبحث عن الإمام المهدي صلوات الله عليه ، ولشدّة ما بين البحثين من العلقة والوئام ؛ إذ لو أثبتنا الإمامة على طريقة الإماميّة فقد أثبتنا إمامته أرواحنا فداه باللازمة القطعيّة.

ص: 134

الدّرس التّاسع: ما يجب الاعتقاد به /7

التّقيّة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

1-( التَّقِيَّةُ فَرِيضَةُ وَاجِبَةُ عَلَيْنَا فِي دَوْلَةِ الظَّالِمِينَ ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ خَالَفَ دَيْنُ الْإِمَامِيَّةِ وَ فَارَقَهُ ، وَ قَالَ الصَّادِقُ ( علیه السَّلَامُ ) : « لَوْ قُلْتُ إِنَّ تَارِكَ التَّقِيَّةِ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ لَكُنْتُ صَادِقاً »(1).

2-( والتّقيّة في كلّ شيء ) أي تجب في كلّ شيء ( حَتَّى يَبْلُغَ الدَّمِ ، فَإِذَا بَلَغَ الذَّمَّ فَلَا تَقِيَّةَ ): إذ لا يجوز قتل البريء وإراقة دم المظلوم لاسيّما إن كان مؤمناً، مطلقاً ، فلا معنى للتقيّة حينئذٍ ، ( وَقَدْ أَطْلَقَ اللَّهِ جَلَّ اسْمُهُ إِظْهَارِ مُوَالَاةِ الْكافِرِينَ فِي حَالِ التَّقِيَّةِ فَقَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ :

ص: 135


1- الوسائل: 211/16 .

«لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً »(1).

وروي عن الصّادق (علیه السّلام) أنّه سئل عن قول الله عزّ وجلّ: « إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ» (2)، قال : « أُعَلِّمُكُمْ بِالتَّقِيَّةِ » (3).

وقال (علیه السّلام) : « خَالِطُوا النَّاسَ بِالْبَرَّانِيَّةِ ، وَ خَالِفُوهُمْ بِالْجَوَّانِيَّةِ مَا دَامَتِ الْإِمْرَةُ صِبْيَانِيَّةً »(4).

وقال (علیه السّلام) : « رَحِمَ اللَّهُ امرءا حَبِيبِنَا إِلَى النَّاسِ ، وَ لَمْ يُبْغِضْنَا إِلَيْهِمْ »(5).

وقال (علیه السّلام): « عُودُوا مَرْضَاهُمْ ، وَ اشْهَدُوا جَنَائِزَهُمْ ، وَصَلُوا فِي مَسَاجِدِهِمْ »(6).

وقال(علیه السّلام) : « مَنْ صَلَّى مَعَهُمْ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَكَأَنَّمَا صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ »(7).

ص: 136


1- سورة آل عمران : 28.
2- سورة الحجرات : 13.
3- الاعتقادات : 108.
4- الكافي : 220/2 .
5- الكافي: 229/8 .
6- الكافي : 219/2 .
7- الكافي : 3/ 380.

وقال (علیه السّلام) : « الرِّيَاءُ مَعَ الْمُنَافِقِ فِي دَارِهِ عِبَادَةُ ، وَ مَعَ الْمُؤْمِنِ شِرْكُ »(1).

3 - ( وَ التَّقِيَّةُ وَاجِبَةُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا إِلَى أَنْ يَخْرُجَ الْقَائِمُ ( علیه السَّلَامُ ) ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ دَخَلَ فِي نَهْيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلٍ وَ نُهِيَ رَسُولِهِ وَ الْأَئِمَّةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ).

الإسلام والإيمان

1 - ( الْإِسْلَامُ هُوَ الْإِقْرَارِ بِالشَّهَادَتَيْنِ ، وَ هُوَ الَّذِي يُحْقَنُ بِهِ الدِّمَاءُ وَ الْأَمْوَالِ ، وَ مَنْ قَالَ : « لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، مُحَمَّدُ رَسُولُ اللَّهِ » فَقَدْ حُقِنَ مَالَهُ وَ دَمَهُ إِلَّا بحقّيهما ) وأمّا الحقّان اللّذان في الدّماء فهما القتل بالارتداد ، والقصاص بالقتل ، وأمّا في الأموال فهما الخمس والزّكاة -( وَ عَلَى اللَّهِ حِسَابُهُ ) يوم القيامة إن كان صادقاً في شهادتيه أم لا؟

أو في أن يعاقبه أو يعفو عنه.

2 - ( وَ الْإِيمَانُ هُوَ الْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ ، وَ عَقَدَ بِالْقَلْبِ ، وَ عَمِلَ بِالْجَوَارِحِ ).

ص: 137


1- الاعتقادات : 109.

3 - ( وأنّه يزيد) أي الإيمان ( بالأعمال ) ويزيد العمل كلّما زاد

الإيمان لما بينهما من التلازم.

4 - ( وينقص) الإيمان (بترکها ) أي بترك الأعمال ، والعكس

بالعكس أي ينقص العمل بنقصان الإيمان .

5- ( وَكَّلَ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٍ ، وَ لَيْسَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنُ ، وَ مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ ( وَ الْمَسْجِد)ِ الْحَرَامِ ( فَمَنْ دَخَلَ الْكَعْبَةِ فَقَدْ دَخَلَ الْمَسْجِدِ ، وَ لَيْسَ كُلُّ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ دَخَلَ الْكَعْبَةِ ).

6- ( وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ فِي كِتَابِهِ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَ الْإِيمانَ ، فقال : «قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ» (1).

7- ( وَقَدْ بَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلٍ أَنَّ الْإِيمَانُ قَوْلُ وَ عَمَلُ بِقَوْلِهِ : «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ *أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا »(2). وأمّا قوله عزّ وجلّ :«فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ

ص: 138


1- سورة الحجرات: 14.
2- سورة الأنفال : 4.2 .

الْمُسْلِمِينَ » (1)، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ يُسَمَّى مُسْلِمَةٍ ، وَ الْمُسْلِمِ لَا يُسَمَّى مُؤْمِناً حَتَّى يَأْتِي مَعَ إِقْرَارِهِ بِعَمَلٍ ).

( وأمّا قوله عزّ وجلّ : «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ » (2)، فَقَدْ سُئِلَ الصَّادِقِ ( علیه السَّلَامُ ) عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ : « هُوَ الْإِسْلَامِ الَّذِي فِيهِ الْإِيمَانِ »(3).

ص: 139


1- سورة الذّاريات : 35 و 36.
2- سورة آل عمران : 85.
3- الخصال : 609.

ص: 140

الدّرس العاشر: الإمام المهدي (علیه السّلام) وحياته الاجتماعية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

من أهمّ الأحداث التاريخيّة والحقائق الاجتماعيّة المتأصّلة المتجذّرة في عمق التفكّر الإسلامي والعقيدة الإسلاميّة ، والمرتكزة ارتکازاً فطريّاً عقائديّاً في نفوس المسلمين هو الاعتقاد الجازم الّذي لا يزلزله تشكيك المشكّكين ، ولا تضعضعه إلقاءات المعاندين ، أعني الاعتقاد بالمهديّ المنتظر صلوات الله وسلامه عليه ، وعلیه استقرّ نظر الاُمّة ، وأطبقت على أنّه من ضروريّات الدّين الإسلامي الحنيف ولهذا لم يبالِ أحد من علماء الإسلام ولا من جماهير المسلمين بمحاولة الشّاذّ النّادر ، ممّن لا يُلتفت إليه ولا يُعَوّلُ عليه ، وقد سلكوا سبيل التّشكيك والإنكار ، بل ردّوا عليهم الصّاع صاعين ؛ لأنّه لا سبيل إلى الإعراض عن هذا الكمّ الهائل من الأخبار والرّوايات الّتي امتلأت

ص: 141

بها بطون كتب الحديث والسُّنّة النّبويّة الشّريفة حتّى بلغت حدّ التّواتر بل تجاوزته ، بالإضافة إلى كثرة التّطرّق إليه في كتب التّاريخ ، والتفسير والكلام ، ولم يكن هذا نهاية المطاف ؛ إذ كتب علماؤهم عن المهديّ المنتظر أرواحنا فداه - كتباً قيّمة و تصنیفات مستقلّة على وجه الخصوص والتّخصّص ، تلقّوا فيها الأدلّة العقليّة والنقليّة بالبحث والتّحقيق والتّدقيق ، وبالنّقض والإبرام ، كما جرت سيرتهم على التّعرّض له -عليه الصّلاة والسّلام - في خطاباتهم ومحاوراتهم ومجالسهم ومحافلهم ، هذا في أصل وجوده وحقيقته (علیه السّلام).

إلّا أنّ أمره -روحي فداه - لأهمّيته القصوى حيث أنّه الإمام المفترض الطّاعة وقطب دائرة الإمكان ، وحجّة الله على الخلق ، ومن جهة كونه وليّ النّعمة وصاحب الولاية التّشريعيّة والتّكوينيّة ، وأنّه المدّخر المؤمّل المرتجي في إحياء معالم الدّين من الكتاب والسّنّة ، والمنقذ على الإطلاق ، لهذه الأسباب وتلك كان لزاماً علينا عقلاً ، وواجباً علينا شرعاً أن نجتهد غاية الاجتهاد في معرفته كي نحيا لأجله ونموت لأجله ، ونُصبح بذكره ونُمسي بذكره؛ لأنّها العبوديّة لله تعالى بمفهومها الأتمّ، وهي حقّ العبوديّة ، ولهذا يستحبٌ الدّعاء التالي بعد كلّ فريضة يوميّة :

ص: 142

«اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفُ رسولک ، اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعْرِّفِنِي رسولک لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ ، اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي »(1).

فمن هذا المنطلق وإيماناً منّي بأنّ معرفة الإمام صلوات الله وسلامه عليه من معرفة النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، ومعرفة النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من معرفة الله جلّ وعلا ، وأنّ الإيمان بالله تعالى و تقدّس وبرسوله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يستلزم الإيمان بالإمام عليه الصّلاة والسّلام ، بل لا يتمّ الإيمان بها إلّا بالإيمان به (علیه السّلام) ، ولا يُقبل عملٌ إلّا بهذا الإيمان ، والإيمان به (علیه السّلام) فرع معرفته ، لهذا وذاك ولكي اُضيءَ سِجِلَّ أعمالي الخاوي من الحسنات وعمل الخير ، ببيان شيءٍ يسير ، بقاعدة « لَا يَسْقُطُ الْمَيْسُورِ بالمعسور »، وفي حدود طاقتي ووسعي ، والكتابة عنه (علیه السّلام) وعمّا يتعلّق به وبحياته الشريفة ، واُدوّن اسمي إن شاء الله تعالى في جملة الدّاعين إليه والمهتمّين بشأنه أرواحنا فداه عمدتُ إلى البحث والتّحقيق في حياته الشّريفة و جوانب عديدة ممّا يتعلّق بشؤونه الخاصّة والعامّة ، على نحو البرهنة والاستدلال والقطع واليقين تارة ، وعلى نحو الظّنّ والظّنّ المتاخم للعلم -أي الاطمئنان - تارة اُخرى ، وعلى نحو الاحتمال المحض تارة

ص: 143


1- بحار الأنوار : 187/53 .

ثالثة ، وبادرت إلى تدوينه رجاء طباعته ونشره لیکون شمعة و بصیص نورٍ يهتدي به أهل البصر والبصيرة، وينتفع به محبّوه وعشّاقه و منتظروه.

وكيف كان فهو محاولة متواضعة من جِرمٍ صغير ، وذرّة من عالم الوجود الإمكاني في الكشف عن بعض ما يتعلّق بقطب دائرة الإمكان و من به الوجود، وأنّى لحقير مثلي أن يدّعي الكمال في عمله هذا ؛ إذ « كُلُّ إِنَاءٍ بِالَّذِي فِيهِ يَنْضِحُ »، و«فاقد الشّيء لايُعطيه » ، وعملاً بالقاعدة المنطقيّة : «الْمُعَرَّفِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَحْلَى مِنَ الْمُعَرَّفِ » اُقرّ إقرار العبد الجاهل القاصر المقصّر أنّ محاولتي المتواضعة هذه دون شأن هذا الإمام الهمام ، والبطل الضّرغام ، ولا هي دالّة بالمطابقة عليه روحي له الفداء إلّا تجوّزاً و تسامحاً، ومن جهة أنّ للمعلول الّذي وجوده ربط محض بعلّته ، وعين الرّبط بعلّته ، ليس له من كمال علّته إلّا بمقدار تعلّقه بها و رابطيّته لها ، ولو لم يكن للمعلول من كمال علّته سوى أنّه عين الرّبط بعلّته ، ووجوده وبقاؤه به ، لكفاه ذلك فخراً . فهي بضاعة مزجاة وأحقر من جناح البعوض إذا قيس إلى عالم الملك والملكوت .

«يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا

ص: 144

الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ » (1).

البحث في ولادة الإمام الحجّة المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف وحياته (علیه السّلام) والاعتقاد بهما أعظم وأهمّ من مجرّد البحث في أصل التّصديق به والاعتقاد بأنّه سيولد ويخرج في آخر الزّمان -كما هو الحال عند أبناء العامّة والجماعة - إذ تترتّب على الاعتقاد بوجوده وحياته وأنّه مولودٌ حيٌّ يرزق وشأنه شأن الأنبياء (علیهم السّلام) في حياتهم العرفيّة الظاهريّة والاجتماعيّة «وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ » (2) آثارٌ على نفوس المعتقدین بها والمؤمنين لها بالقطع واليقين ، وهي آثار إيجابيّة بنّاءة مربِّية :فمنها : أنّ المعتقد بحياة الإمام أرواحنا فداه وبأنّه يعيش في جوارنا ، وقد يطأ فرشنا ، ويحضر مجالسنا ، ويشاركنا فرحنا ، ويحزن لحزننا، ويراقب أعمالنا عن كَتَبٍ ، ويطّلع علينا بل وعلى ضمائرنا وأسرارنا، وتُعرض عليه أعمالنا - كما يبدو على نحو الإجمال - كلّ يومٍ -و كما يبدو على وجه التفصيل - كلّ عام مرّةً واحدة ليلة القدر ، وأنّه مشغول بدعائنا والاستغفار لنا، ونحن مشمولون لألطافة العامّة

ص: 145


1- سورة يوسف : 88.
2- سورة الأنبياء: 8.

وعناياته الخاصّة ، إنّ الاعتقاد بهذه الحقيقة بل هذه الحقائق تملؤنا أملاً وتضفي علينا ثوب الرّجاء ، وتحفّزنا إلى العمل الصّالح الدؤوب.

ومنها : أنّ الاعتقاد بحياة الإمام المتّصف بهذه الأوصاف يصدّنا

ويحجزنا عن الظّلم والاعتداء وارتكاب الجرائم والمنكرات.

ومنها : أنّه يمنعنا أيضاً من الرضوخ للظّلم والاستسلام للظّالم ومن اليأس والجزع عند اشتداد المكاره.

ومنها : أنّه يدفعنا ويحرّضنا نحو التّهذيب ، ومراقبة النفس

وحسابها ، لئلّا يرى منّا مكروهاً يؤلمه ویکدّره علينا.

ومنها : أنّه يرغّبنا في كسب ودّه ، والحظوة برضاه ، فهو كالشّمس إن غابت بقرصها عن العيان والمشاهدة لم تغب آثارها و بركاتها عن الكائنات وعنّا.

والحاصل أنّه على نحو المقولة الشّهيرة أو الحديث النّبوي على ما رواه ابن السّكّيت عن الأصمعي في ترتيب إصلاح المنطق / 67: « یزع اللَّهِ عَنِ الدِّينِ بِالسُّلْطَانِ أَكْثَرَ مِمَّا يزع عَنْهُ بِالْقُرْآنِ ».

أي: من يكفّ عن ارتكاب المعاصي والعظائم من الذّنوب مخافة

السّلطان أكثر ممّن يكفّه مخافة الله تعالى و مخافة القرآن (1).

ص: 146


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 244/19 ، ومثلها بألفاظ و مختلفة في مجمع البيان: 152/3 ، التّبیان : 275/6 ، تفسير القرطبي : 325/6 ، كمال الدّين : 1، الغيبة للنعمانی: 15، وغيرها .

وكيفما كان فقد أخبر المؤرّخون في كتب التاريخ، والمحدّثون في كتب الحديث عن ولادة الإمام المهديّ المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف ، كما بشّر بولادته من تقدّم منهم ولم يدرك عصر ولادته وزمن حياته عليه الصّلاة والسّلام، كما أنّ هناك من الصُّلحاء والعلماء والأخبار مَنْ حاز شرف اللّقاء بالإمام (علیه السّلام) ، سواء في زمن الغيبة الصُّغرى ، أو قبل ذلك في عهد أبيه الإمام أبي محمّد الحسن العسكري صلوات الله عليهما، وأخبرونا عنه وعن شمائله وبعض أوصافه ، ممّا لا يدع مجالاً للشبهة والارتياب (1)، ووردت في زمن غيبته الصُّغرى تواقيع خاصّة لبعض الصّالحين من شیعته من ناحيته المقدّسة كالتّوقيع الّذي تشرّف بنيله الشيخ ابن بابويه القمّيّ الصّدوق - والد الصدوقين - وما حازه الشيخ المفيد قدّس الله سرّه ، كما وردتنا من طريق الثّقات وأجلّة الأصحاب تواقيع عامّة من ناحيته المقدّسة ومنها زيارة جدّة سيّد الشّهداء أبي عبدالله الحسين عليه أفضل صلوات المصلّين الّتي اشتهرت بزيارة النّاحية المقدّسة ، ناهيك عن كثيرٍ من القرائن والشّواهد الدّالّة والموجبة للقطع واليقين على حياته

ص: 147


1- وستأتي تفاصيل ذلك كلّه إن شاء الله تعالی .

ووجوده ، لكنّها رغم كثرتها وتظافرها وتواتر بعضها واشتهار بعضها الآخر ، بل رغم تسال الطّائفة وإطباق علماء المذهب الحقّ على حياته ووجوده يخرج علينا زندیق دجّال عميل بين حين وحين بدعاوی کاذبة وأباطيل ومزاعم هنا وهناك ما أنزل الله بها من سلطان ، زاعماً أن لا دلیل قطعيّاً في المذهب وكتب الحديث والأخبار على وجوده الشّريف وحياته ، ولم تردعه كلّ هذه الحقائق عن الخوض فيما لا يعنيه ، فأطلق بلسانه ما كشف عورته ، و« الْمَرْءَ مَخْبُوءُ تَحْتَ لِسَانِهِ »(1)، وأظهر بجهله عن مدى جهله والنّاس أعداء ما جهلوا ، فبدا يتخبّط تخبّط السّقيم وهو في نشوة السُّكر تلعب الخمرة برأسه ، ولا يكاد من سكرته يفيق « وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ » (2)، وهم في سكرتهم يعمهون ، ولمّا كان هذا وأشباهه من شياطين الجنّ والإنس لا سبيل لهم إلى الهداية.

«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ » (3) ، و «خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ

ص: 148


1- نهج البلاغة: 38/4 ، 93.
2- سورة النور: 40.
3- سورة آل عمران: 90.

عَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ »(1)

وهم أيضاً : «يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ »(2)، حتّى قال تعالى عنهم :

«فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا » (3) لنقصٍ وعيبٍ في قابليتهم لالقصور من جهة اقتضاء إطلاق الهداية ولا من جهة فاعليّة الفاعل ؛ ولأنّ الهداية الخاصّة أيضاً لا إطلاق لها ولا تعميم فيها حتّى تَحُفَّ بهم شموليّتها لأنّها الحكمة بعينها - إذ الهداية والاهتداء إلى الإمامة لطفٌ خاصّ وهي الحكمة- الّتي قال تعالى عنها: « وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ » (4)، وقال تعالى : «ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ » (5))، وذلك «إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ » (6) ، لذا لم أعنِ بهذا الكتاب إلّا من أفرغ قلبه من الشّرك الخفيّ - أعني الرّياء - والكفر المخفي -أعني النّفاق -، و و «إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ » (7) ،

ص: 149


1- سورة البقرة : 7.
2- سورة البقرة:9.
3- سورة البقرة : 10.
4- سورة فصّلت: 35.
5- سورة البقرة : 2.
6- سورة القصص: 56.
7- سورة الشُّعراء : 89.

ولهذا بدأت كتابي هذا واستهلّيته بالبحث عن ولادة مولانا الأعظم صاحب العصر والزّمان عجّل الله تعالى فرجه الشّريف ، ثمّ حياته الشّريفة ، وأخيراً حاولت استقصاء أهمّ ما يتعلّق بذاته وحياته إلى

حين ظهوره عجّل الله فرجه الشّريف وما بعد ظهوره وما يحدث في دولته الكريمة الّتي هي غاية آمال العارفين ومنتهی مقصود المؤمنين .

وقد كتبت ذلك على هيئة دروس كما صنعت في بعض كرّاساتي السّابقة ، في حلقات يتبع بعضها بعضاً عسى أن ينتفع بها كافّة المؤمنين والمنصفين ، لاسيّما أجيال الغد والمستقبل ممّن تقع علينا مسؤولية إرشادهم وتوعيتهم ، وتقع عليهم مسؤولية حمل الأمانة وانتظار الفرج القريب والظهور المرتقب ، وأن ينفعني بها يوم فاقتي «يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ *إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ »(1).

والحمد لله ربّ العالمين

ص: 150


1- الشُّعراء : 88 و 89.

الدّرس الحادي عشر: هوية الإمام المهدي (علیه السّلام) /1الإمام محمد بن الحسن المهدي صاحب الزمان لا .

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الإمام محمّد بن الحسن المهدی صاحب الزّمان(علیه السّلام)

هو الإمام الثّاني عشر من أئمّة أهل البيت (علیهم السّلام) ، خاتم الأوصياء ، وثالث المحمّدين ، وهو سميُّ رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وكنيُّه (1) ، كما کُنّي بابن الحسن العسكري ، بن عليّ الهادي ، بن محمّد الجواد ، بن عليّ الرّضا ، بن موسى الكاظم ، بن جعفر الصّادق ، بن محمّد الباقر ،

ص: 151


1- كمال الدّين : 378، كما صرّحت بذلك الروايات ، وستأتي عمّا قريب إن شاء الله تعالی . وذكروا من أسماءه عبدالله والمهدي وأحمد ( الخرائج والجرائح : 1149/3 و 1150).

ابن عليّ السّجّاد ، بن الحسين الشّهيد ، بن عليّ بن أبي طالب عليهم أفضل صلوات المصلّين.

اُمّه(علیه السّلام) : اُمُّ ولد(1) ، ويقال لها نرجس(2)، ويقال لها صیقل (3) ، ويقال لها سوسن (4)، ويقال لها ريحانة (5))، وقيل : مريم بنت زید العلوية(6)، وكانت خير أمَةٍ ، وفي رواية أنّ اسمها مليكة بنت

ص: 152


1- أي كانت جارية ، وسيأتي تفصيل ذلك في قصّة شرائها بواسطة الإمام الهادي (علیه السّلام) وعتقها ثمّ تزويجها لابنه أبي محمّد الحسن العسكري (علیهما السّلام) ، والظّاهر من إطلاق اُمّ ولد عليها أنّه (علیه السّلام) وهبها لابنه أبي محمّد (علیه السّلام) فأولدها وهي جارية.
2- عیون أخبار الرّضا(علیه السّلام) : 48/2 . کمال الدّين : 307، 417، 424، 426، 427. روضة الواعظين للنيشابوري : 252. وسائل الشّيعة : 244/16 و: 490/11 و : 268/20 . ( ونرجس تعريب أصله في الرّومانيّة نرکاسيس).
3- شرح اُصول الكافي : 228/1 . روضة الواعظين : 266. وسائل الشّيعة : 253/12 .
4- شرح اُصول الكافي : 228/6 . روضة الواعظين: 266، وسائل الشّيعة : 268/20 . الكافي: 502/1 . عيون أخبار الرّضا (علیه السّلام) : 48/2 .
5- روضة الواعظين : 266، کمال الدّين: 432. وسائل الشيعة : .268/20 .
6- الحدائق: 440/71 .

يشوعا (1) بن قیصر ملك الرّوم ، واُمّها بنت شمعون الصّفا وصيّ عیسی (علیه السّلام) ،ولقبها نرجس.

كنيته ككنية رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) (2)، وقد يكنّى بأبي جعفر (3)، وأبي صالح (4).

لقبه : الحجّة (5)، والمهدي(6)، والخلف الصّالح (7)، والقائم (8)

ص: 153


1- كمال الدّين : 417. روضة الواعظين : 252.
2- والأخبار في ذلك كثيرة ، ستأتي إن شاء الله تعالی.
3- بحار الأنوار: 37/51 .
4- وهي أشهر کناه لاسيّما في زماننا هذا، غير أنّه لم نجد لها مصدراً من الأخبار، ويبدو أنّها منسوبة إلى المرحوم العلّامة بحر العلوم نوّر الله مرقده .
5- الإمامة والتّبصرة لابن بابويه القمّي: 103، 118، 153. الكافي : 328/1 ، 333. كفاية الأثر: 14، 165.
6- الصّحيفة السّجّاديّة : 90. بصائر الدّرجات : 90. الإمامة والتّبصرة : 14. الكافي : 8/2، وقيل هو اسمه ( الخرائج والجرائح : 1149/3)
7- كمال الدّين : 434 .
8- المحاسن: 88. الصّحيفة السّجّاديّة ( الأبطحی): 91، 401. الإمامة والتّبصرة: 1. الكافي: 221/1 ، 342، 371، 372. الكافي : 620/2 ، 633. الكافي : 4/ 185. الكافي : 379/5 .

والمنتظر (1)، وصاحب الأمر (2)، وإمام العصر (3)، وصاحب الزّمان (4)، وبقيّة الله (5)، والزّكي(6)، والهادي (7)، والغائب (8)، والناطق (9)، والثّائر (10)، والمأمول (11)، والوتر (12)، والمديل (13)، والمعتصم (14)، والمنتقم(15)، والكرّار(16)، والقابض (17)، والباسط (18) والساعة (19)، والقيامة(20)، والوارث(21)، والجابر (22)، وسدرة

ص: 154


1- نهج البلاغة: 146/1 . الصّحيفة السّجّاديّة ( الأبطحي ): 91. الإمامة والتّبصرة : 2، 3. الكافي: 1/ 337، 372.
2- بصائر الدّرجات: 414. الإمامة والتّبصرة : 115.
3- المحاسن : 30. خاتمة المستدرك : 119/1 .
4- الصّحيفة السّجّاديّة (الأبطحي): 246/1 ، کمال الدّين : 33. مستدرك الوسائل: 134/8 .
5- الكافي: 1/ 412، 472. عيون أخبار الرضا (علیه السّلام) : 29/2 . كمال الدّين : 384. وسائل الشّيعة : 114/ 600.
6- الصّحيفة السّجّاديّة ( الأبطحي): 90.
7- الصّحيفة السّجّاديّة ( الأبطحي): 90.
8- الخرائج والجرائح : 3/ 1165. بحار الأنوار : 53/24 . قال صاحب المستدرك(قدس سرّه) : « الثالثة : كثرة ألقابه وأساميه وكناه الشّائعة ، وقد أنهيناها في كتابنا الموسوم بالنجم الثّاقب إلى 182» (مستدرك الوسائل:287/12 ).
9- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.
10- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.
11- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.
12- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.
13- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.
14- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.
15- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.
16- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.
17- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.
18- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.
19- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.
20- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.
21- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.
22- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام)، فمن أراد المزيد فليرجع إلیه.

المنتهى(1)، والصّراط (2)، والسّبيل (3)، والسّيّد (4) ، والرّجل (5).

نوابه : عثمان بن سعيد العمري ، ثمّ ابنه محمّد بن عثمان ، ثمّ الحسين بن روح، ثمّ عليّ بن محمّد السُّمري ، وهم سفراؤه ونوّابه الخواصّ .

نقش خاتمه : قيل : أنا حجّة الله وخاصّته .

شاعره : ابن الرّومي.

النهي عن تسميته باسمه الشّريف

س: هل صحّ أنّ الأئمّة (علیهم السّلام)نهوا شيعتهم عن تسمية الإمام المهدي (علیه السّلام) باسمه الشريف ؟

ج: ورد في كثير من الأخبار والرّوايات النّهي عن تسميته (علیه السّلام) ، وإليك جملة منها:

- عن أبي هاشم الجعفري ، قال : سمعت أبا الحسن العسكري(علیه السّلام)

ص: 155


1- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام) ، فمن أراد المزيد فليرجع إليه.
2- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام) ، فمن أراد المزيد فليرجع إليه.
3- دلائل الإمامة : 502، وفيه أكثر ألقابه (علیه السّلام) ، فمن أراد المزيد فليرجع إليه.
4- كمال الدّين : 431.
5- الكافي: 517/1 .

يقول: « الِخَلَفِ مِنْ بَعْدِيَ ابْنِي الْحَسَنُ ، فَكَيْفَ لَكُمْ بِالْخَلَفِ بَعْدَ الْخَلَفَ ؟». قلت: ولِمَ؟ جعلني الله فداك .

قال: « لِأَنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ شَخْصَهُ ، وَ لَا يَحِلُّ لَكُمْ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ ». قلت : فكيف نذكره؟

فقال : « قُولُوا الْحُجَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ سَلَامُهُ» (1).

2- عن عبد العظيم بن عبدالله الحسني ( في رواية طويلة إلى أن

قال :)

فقال عليّ(علیه السّلام) (أي الإمام الهادي ): « وَ مِنْ بَعْدِيَ الْحَسَنُ ابْنِي ، فَكَيْفَ لِلنَّاسِ بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِهِ ؟» قال: فقلت: وكيف ذاك يامولاي ؟

قال: « لِأَنَّهُ لَا يُرَى شَخْصُهُ ، وَ لَا يَحِلُّ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ حَتَّى يَخْرُجَ فَيَمْلَأَ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً» (2).

ص: 156


1- الإمامة والتّبصرة: 119. كمال الدّين للصدوق: 648/2 و: 381. بحار الأنوار: 33/51 . الغيبة للطوسی: 281. الإرشاد: 410. إعلام الوری : 465. کشف الغمّة : 2/ 464. الكافي: 328/1 و 333. علل الشّرائع : 245/1 ، والراوي هو أبوهاشم داود بن القاسم الجعفري.
2- الأمالي للصدوق: 419. التّوحيد للصدوق : 82. كمال الدّين للصدوق: 380. كفاية الأثر للقمّي: 287. وسائل الشيعة : 241/16 .

3 - عن أبي عبدالله (علیه السّلام) قال : « صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ رَجُلُ لَا يُسَمِّيهِ بِاسْمِهِ إِلَّا كَافِرُ » (1).

4 - سأل عمر ( عليّاً ) أمير المؤمنين عن اسم المهدي (علیه السّلام) ، فقال ( عليّ (علیه السّلام) ): « أَمَّا اسْمُهُ فَلَا ، إِنَّ حَبِيبِي وَ خَلِيلِي عَهِدَ إِلَيَّ أَنْ لَا أُحَدِّثَ بِاسْمِهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ وَ هُوَ مِمَّا اسْتَوْدَعَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلٍ رَسُولُهُ فِي عِلْمِهِ» (2)

5- عن الإمام الصادق (علیه السّلام) ( في حديث آخره ) : « يَغِيبُ عَنْكُمْ شَخْصُهُ وَ لَا يَحِلُّ لَكُمْ تَسْمِيَتُهُ» (3).

6- عن الإمام موسی بن جعفر (علیه السّلام)( في حديث آخره): « الَّذِي تَخْفَى عَلَى النَّاسِ وِلَادَتُهُ ، وَ لَا يَحِلُّ لَهُمْ تَسْمِيَتُهُ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ فَيَمْلَأَ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً» (4).

ص: 157


1- الإمامة والتّبصرة : 117. الكافي: 333/1 . عيون أخبار الرضا(علیه السّلام) : 68/2 .
2- الإمامة والتّبصرة : 118.
3- کمال الدّين: 333، 338، 411. وسائل الشّيعة : 241/16 . كفاية الأثر للخزّاز القمّي: 287.
4- كمال الدّين : 369. كفاية الأثر الخزّاز القمّي: 271. وسائل الشّيعة : .241/16 .

7- وفي رواية عبد العظيم الحسني عن الإمام الجواد (علیه السّلام) (جاء فيها ): « وَ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ تَسْمِيَتُهُ » (1).

8- وفي رواية عن أبي عبدالله (علیه السّلام) ( جاء في آخرها ): « وَ لَا يَحِلُّ لَهُمْ تَسْمِيَتُهُ» (2).

9- وعن الرّضا(علیه السّلام) أنّه قال: « لَا يُرَى جِسْمُهُ ، وَ لَا يُسَمَّى بِاسْمِهِ» (3).

10- عن أبي عبد الله (علیه السّلام) أنّه قال : « إِيَّاكُمْ وَ التَّنْوِيهَ بِاسْمِهِ» (4).

11 - وعن رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في خبر في صفة المهدي (علیه السّلام) ، أنّه قال : «وَ هُوَ الَّذِي لَا يَسْمّيهِ بِاسْمِهِ ظاهراً قَبْلَ قِيَامِهِ إِلَّا كَافِرُ بِهِ»(5).

12 - في الخبر عن أبي الحسن الرّضا(علیه السّلام) أنّه قال : « ابْنُ ابْنِيَ الْحَسَنِ ، لَا يُرَى جِسْمُهُ ، وَ لَا يُسَمَّى بِاسْمِهِ بَعْدَ غَيبَتِهِ أَحَدُ حَتَّى يَرَاهُ وَ يُعْلَنَ بِاسْمِهِ ، فَلْيُسَمِّهِ كُلُّ الْخَلْقِ » ( ثمّ يقول السّائل : ) فقلنا له :

ص: 158


1- كمال الدّين : 378. وسائل الشّيعة : 234/16 .
2- کمال الدّين : 411. مستدرك الوسائل : 282/12 .
3- كمال الدّين : 370. مستدرك الوسائل : 285/12
4- مستدرك الوسائل : 284/12 .
5- المصدر المتقدّم: 285.

یا سیّدنا ، فإن قلنا: صاحب الغيبة ، وصاحب الزّمان ، والمهدي ؟ قال : « هُوَ كُلُّهُ جَائِزُ مُطْلَقاً ، وَ إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ عَنِ التَّصْرِيحِ بِاسْمِهِ الْخَفِيِّ عَنْ أَعْدَائِنَا ، فَلَا يَعْرِفُوهُ» (1).

13 - وفي الخبر عن أبي عبدالله (علیه السّلام) أنّه قال : « إِيَّاكُمْ والتّنويه بِاسْمِ الْمَهْدِيِّ (2).

ص: 159


1- مستدرك الوسائل: 286/12 .
2- المصدر المتقدّم : 285.

ص: 160

الدّرس الثّاني عشر: هوية الإمام المهدي (علیه السّلام) /2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

لهذا السبب كانوا يعبّرون عنه (علیه السّلام) في الأخبار وكلام الرّواة وما شابه ذلك ب:

القائم ، والصاحب ، والحجّة ، وصاحب الأمر ، وصاحب الدّار (1) وصاحب الزّمان ، والمهدي ، والحضرة(2)، والنّاحية المقدّسة (3)

ص: 161


1- وسائل الشّيعة: 540/9 . الغيبة للطوسي: 290. بحار الأنوار : 350/51 . الكافي: 328/1 .
2- المقنع للصدوق: 5. الهداية للصدوق: 208. الانتصار : 46. الإمامة والتّبصرة : 165.
3- الهدایة: 37. مصباح المتهجّد: 803. مستدرك الوسائل: 517/2 و: 75/6 .

والرّجل ، والغريم(1)، والغلام ، وغير ذلك من غير تصريح باسمه الشّريف .

قال الشّيخ المفيد عليه الرّحمة عن نعت الغريم: « وهذا رمز کانت

الشّيعة تعرفه قديماً بينها ویکون خطابها عليه للتقيّة (2).

أقول: وإطلاق الغريم على صاحب الأمر عجّل الله تعالی فرجه

لكونه صاحباً للحقّ المغصوب والخلافة المغتصبة ، ومطالباً بها حين يظهر.

بحث روائي : ذهب أعلام الطّائفة في تفسير هذه الأخبار إلى

مذاهب مختلفة:

1- أنّها تدلّ على عدم جواز تسميته باسمه مطلقاً (3).

2- أنّها تدلّ على عدم جواز تسميته باسمه في الغيبة الصّغرى

فقط (4).

ص: 162


1- کمال الدّين: 486. وسائل الشّيعة : 408/19 . الإرشاد: 362. بحار الأنوار: 294/51 .
2- الإرشاد :2/ 362.
3- شرح اُصول الكافي: 225/6 . عيون أخبار الرّضا(علیه السّلام) : 48/2 . کمال الدّين : 307. كتاب الأربعين للماحوزي : 392.
4- شرح اُصول الكافي : 1/ 225.

3- أنّها تدلّ على عدم جواز ذلك عند الخوف والتّقيّة ، سواء كان

الخوف علیه سلام الله عليه أو عليهم أي على الشّيعة- (1).

4- اختصاصها بالتّقيّة والخوف عليه صلوات الله عليه (2).

5- اختصاصها بالتّقيّة والخوف عليهم(3).

6- أنّها تدلٌ على عدم تسمية الإنسان نفسه باسمه الشّريف مع التكنّي بكنيته في الوقت ذاته (4).

وكيف كان فقد حمل الشّيخ الصّدوق أعلى الله مقامه (5) وجملة من الأصحاب قدّس الله أرواحهم(6) ، النّهي الوارد في هذه الأخبار على ظاهره فأفتوا بالتحريم -أي بتحريم تسميته باسمه (علیه السّلام) - مطلقاً ؛

ص: 163


1- شرح اُصول الكافي : 225/1 .
2- شرح اُصول الكافي : 225/6 . مجموعة الرّسائل الشيخ لطف الله الصّافی: 198/2 . القواعد الفقهيّة الشّيخ مكارم الشّيرازي : 1/ 505.
3- احتمال لم أجد له قائلاً ، ولا دلّت عليه رواية .
4- احتمال لم أجد له قائلاً ، ولكن تدلّ عليه الرّواية رقم 12 لإمكان حملها على هذا المعنى .
5- عیون أخبار الرّضا (علیه السّلام) : 48/2 . قال (رحمه الله) : «جاء هذا الحديث هكذا بتسمية القائم (علیه السّلام) ، والّذي أذهب إليه النّهي عن تسميته (علیه السّلام)» (كمال الدين : 307).
6- شرح اُصول الكافي : 225/6 .

لأنّ هذا النّهي في نظرهم من خصائصه(علیه السّلام) كغيبته و طول عمره و ملکه وما شابه ذلك (1).

قال المرحوم الطّبرسي (قدّس سرّه) : « ولايحلّ لأحد أن يسمّيه باسمه ، ولا أن يكنّیه بكنيته قبل خروجه من الغيبة؛ لما قدر ورد النّهي عن ذلك ، وإنّما يعبّر عنه (علیه السّلام) بأحد ألقابه »(2).

وقال صاحب الوسائل (قدّس سرّه) بخلاف ذلك ، حيث قال بعد ما نقل عن عليّ بن عاصم الكوفي أنّه «خرج في توقيعات صاحب الزّمان(علیه السّلام) : ملعون ملعون من سمّاني في محفل من النّاس».

أقول: «فيه وفي أمثاله دلالة على ما قلناه في العنوان لاختصاصه بالمحفل ، وهو مظنّة التّقيّة والمفسدة ، وبالناس كثيراً منا يطلق هذا اللّفظ على العامّة فهو قرينة أيضاً»(3).

لكن يمكن حمل النّهي فيها على الكراهة ، كما هو مذهب جماعة من الأعلام (4)، أو على شدّة الكراهة ، كما هو مذهب جماعة آخرين(5)،

ص: 164


1- شرح اُصول الكافي : 225/6 .
2- تاج المواليد: 61.
3- وسائل الشّيعة: 242/61 .
4- كما يبدو من شارح اُصول الكافي: 225/6
5- وهو احتمال وارد أيضاً، بل أشدّ ملائمة للأخبار .

وإنّما حملوه على الكراهة لحكمة لا يعلمها إلّا الله تعالى.

قالوا: ولا ينافيه التّشديد الوارد في الأخبار البالغ إلى حدّ التكفير ، فقد ورد في المكروهات أمثال ذلك ، كقوله(علیه السّلام) : « مَنِ اتَّخَذَ شَعْراً وَ لَمْ يَفْرُقْهُ فَرَقَهُ اللَّهُ بِمِنْشَارٍ مِنْ نَارٍ »(1).

قالوا: ويؤيّد الكراهة التّصريح باسمه في بعض الأحاديث ، كحديث اللّوح الّذي دفعه رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إلى فاطمة (علیها السّلام) ، وفيه أسماء الأئمّة (علیهم السّلام) وغيره من الأخبار (2)

قال صاحب الوسائل (قدّس سرّه) بعد نقله لجملة من أخبار التّسمية :

ص: 165


1- المنتهى للعلّامة: 1/ 53 ، 321. تذكرة العلّامة: 70/1 و : 2/ 255. تحرير العلّامة: 72/1 .
2- حديث اللّوح حديث طویل مضمونه أنّ جابر بن عبدالله الأنصاري عاد الزّهراء (علیها السّلام) فرأى في يدها لوحاً فيه اسم الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والزّهراء سلام الله عليها والأئمّة الاثني عشر (علیهم السّلام) ، رواه الكليني في الكافي : 527/1 والصّدوق في كمال الدّين : 308، وفي العيون: 1/ 34، والمفيد في الاختصاص: 205، والطوسي في الغيبة : 93، والنّعماني أيضاً في الغيبة : 29، ومصادر اُخرى كثيرة. ومن سائر الأخبار : الهداية الكبرى للخصیبی: 361. مقتضب الأثر للجوهري : 13 و 7. أوائل المقالات للمفيد : 284. الغيبة للطوسي: 149. الاحتجاج للطبرسي: 224/1 ، وهناك أخبار اُخرى كثيرة.

«أقول: هذا لا ينافي الحمل على التّقيّة والتّخصيص بوقت الخوف يظنّ ، لما تقدّم من التّصريح بوجوب التّقيّة إلى أن يخرج صاحب الزّمان(علیه السّلام) ، ولكنّ التّقيّة في هذه المدّة لا تشتمل جميع الأشخاص والأزمان ، لما مرّ أيضاً، فهذه من جملة القرائن على ما قلنا ؛ لأنّ هذه المدّة هي مدّة التّقيّة» (1).

وقال أيضاً: أقول : والأحاديث في التّصريح باسم المهدي محمّد بن الحسن (علیهما السّلام) ، وفي الأمر بتسميته عموماً وخصوصاً وتلويحاً، فعلاً وتقريراً في النّصوص. والزّيارات والدّعوات والتّعقيبات والتّلقين وغير ذلك كثيرة جدّاً ، قد تقدّم جملة من ذلك ويأتي جملة اُخرى، وهو دالّ على ما قلناه في العنوان» (2).

وقال(رضی الله عنه) في موضع آخر: «قد صرّح باسمه (علیه السّلام) جماعة من علمائنا في كتب الحديث والاُصول والكلام وغيرها ، منهم العلّامة ، والمحقّق ، والمقداد ، والمرتضى ، والمفيد ، وابن طاووس ، وغيرهم والمنع نادر ، وقد حقّقناه في رسالة مفردة» (3).

ص: 166


1- وسائل الشّيعة : 240/61 .
2- وسائل الشّيعة: 243/61 .
3- وسائل الشّيعة: 246/61 .

وذكره باسمه الشّريف في هذه الأخبار قبل ولادته ومن أجل يعد به على نحو الإجمال لا ينافي حرمة تسميته باسمه (علیه السّلام) بعد اته وإلى يوم ظهوره وخروجه؛ إذ ظاهر هذه الأخبار النّهي عربي المتعلّق بما بعد الولادة حتّى الظّهور كما هو صريح الحديث لم (3 و 4 و 6 و 12)، فراجع ، والحرمة سببها الخوف من قتله (علیه السّلام) والتّقیّة.

نعم يمكن حملها على الكراهة لسيرة الأصحاب والأعلام قدّست أسرارهم ؛ ذلك أنّهم ذكروه (علیه السّلام) باسمه الشّريف في كتبهم في عصر الغيبتين(1) ، وهو أولى ، وأولى منه حينئذٍ حمله على الإباحة. لكن ظاهر الرّوايات اختصاص النّهي بالنداء والذِّكر اللّساني لا مطلق ذكره (علیه السّلام) ، ولو بالكتابة ، وعليه فشأنها شأن قوله تعالى : «لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا » (2)، وبالتالي فحملها على التّحريم مطلقاً كما هو صریح بعضها ، أولى من التّصرّف فيها وحملها

ص: 167


1- كوالد الشّيخ البهائي في وصول الأخبار: 44. العلّامة المجلسي في بحاره: 284/19 و : 46/28 . الشّيخ عبّاس القمّي في الكنى والألقاب : 19/3. والطّريحي في مجمع البحرین: 571/3 و : 418/4 ، وغيرهم كثيرون.
2- سورة النُّور: 63.

على الكراهة ؛ لأنّه اجتهاد حينئذٍ في مقابل النّصّ ، والعلم عند الله تعالى ورسوله وأولياءه عليهم الصّلاة والسّلام ، لكن هذا المعنى أيضاً لايتمّ على بعض هذه الأخبار لاسيّما بضميمة قول عثمان بن سعيد العمري حين قيل له : فالاسم ؟ قال : « إِيَّاكَ أَنْ تَبْحَثْ عَنْ هَذَا فَإِنَّ عِنْدَ الْقَوْمِ أَنَّ هَذَا النَّسْلِ قَدِ انْقَطَعَ »(1).

وقول محمّد بن عثمان العمري (رضی الله عنه) لمّا سئل عن الاسم ؟ « مُحَرَّمُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَسْأَلُوا عَنْ ذَلِكَ ، وَ لَا أَقُولُ هَذَا مِنْ عِنْدِي ، فَلَيْسَ لِي أَنْ أُحَلِّلَ وَ لَا أُحَرِّمَ ، وَ لَكِنَّ عَنْهُ ( علیه السَّلَامُ ) ، فَإِنَّ الْأَمْرَ عِنْدَ السُّلْطَانِ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ ( علیه السَّلَامُ ) مَضَى وَ لَمْ يُخَلِّفْ وَلَداً إِلَى أَنْ قَالَ : - وَ إِذَا وَقَعَ الِاسْمُ وَقَعَ الطَّلَبُ ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَمْسِكُوا عَنْ ذَلِكَ (2).

ومثل قوله حين قيل له : فالإسم ؟ قال : « مُحَرَّمُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَسْأَلُوا عَنْ ذَلِكَ ، وَ لَا أَقُولُ هَذَا مِنْ عِنْدِي ، فَلَيْسَ لِي أَنْ أُحَلِّلَ وَ لَا أُحَرِّمَ ، وَ لَكِنَّ عَنْهُ ( علیه السَّلَامُ ) . . . الخ (3).

وأيضاً ما في بعض التّوقيعات : « إِنَّ دُلِلْتُمْ عَلَى الِاسْمِ أَذَاعُوهُ

ص: 168


1- كمال الدّين : 4422. بحار الأنوار: 33/51.
2- وسائل الشّيعة : 240/16 .
3- الكافي: 1/ 330. الغيبة للطوسي: 244. بحار الأنوار: 348/51

وَ إِنْ عَرَفُوا الْمَكَانَ دَلُّوا عَلَيْهِ » (1).

وما في بعضها: « فَإِنَّهُمْ إِنْ وَقَفُوا عَلَى الِاسْمِ أَذَاعُوهُ ، وَ إِنْ وَقَفُوا عَلَى الْمَكَانَ دَلُّوا عَلَيْهِ» (2).

وقول الإمام محمّد الباقر (علیه السّلام) حين قال له أبو خالد الكابلي : اُريد أن تسمّيه لي حتّى أعرفه باسمه ؟ فقال : « سَأَلْتَنِي وَ اللَّهِ يَا أَبَا خَالِدٍ عَنْ سُؤَالِ مُجْهِدٍ ، وَ لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ أَمْرُ - مَا كُنْتُ مُحْدِثاً بِهِ أَحَداً ، وَ - لَوْ كُنْتُ مُحْدِثاً بِهِ أَحَداً لَحَدَّثْتُكَ ، وَ لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ أَمْرِ لَوْ أَنَّ بنی فَاطِمَةَ عَرَفُوهُ ، حَرَصُوا عَلَى أَنْ يقطعوه بَضْعَةُ بَضْعَةُ (3).

وجاء في البحار بهذا اللفظ : « سَأَلْتَنِي وَ اللَّهِ يَا أَبَا خَالِدٍ عَنْ سُؤَالِ مُجْهِدٍ ، وَ لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ أَمْرُ مَا ، لَوْ كُنْتُ مُحْدِثاً بِهِ أَحَداً لَحَدَّثْتُكَ . . . الخ»(4).

کما بنا في الحمل على الكراهة ما مرّ من أنّه: « يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ تَسْمِيَتِهِ» (5)، ممّا يدلّ على تحريم التّصريع لحكمة وللخوف ، وأيضاً

ص: 169


1- وسائل الشّيعة : 240/16 ، کتاب الأربعين للماحوزي : 392.
2- الغيبة للطوسي: 364. بحار الأنوار: 51/ 351.
3- الغيبة للنعماني : 288. الغيبة للطوسي : 333.
4- بحار الأنوار : 31/51 .
5- كمال الدّين : 378.

قوله(علیه السّلام) : « لَا يَحِلُّ لَهُمْ تَسْمِيَتُهُ» (1)، أو: « لَا يَحِلُّ لَهُمْ تَسْمِيَتُهُ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ تعالی» (2)، أو: « لَا أُحْدِثُ بِاسْمِهِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجِلَ» (3)، أو: « هُوَ الَّذِي لَا يُسَمِّيهِ بِاسْمِهِ ظَاهِراً قَبْلَ قِيَامِهِ إِلَّا كَافِرُ »(4)، وما شابه ذلك.

6. قيل : ويمكن الجمع بينها بأنّ التّصريح بالاسم مکروه مطلقاً ، والتّسمية صريحاً وكنايةً محرّمة في زمن التّقية والخوف ، وبذلك يرتفع جميع التّنافي بين تلك الأخبار ، وهو أفضل الوجوه المختارة، لاسيّما أنّ اسمه (علیه السّلام) ورد في جملة من الأخبار وكلام الأعلام على نحو الحروف المقطّعة «م ح م د»(5). والعلم عند الله تعالى ورسوله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأوليائه (علیهم السّلام) .

ص: 170


1- كمال الدّين : 416.
2- کمال الدّين : 369.
3- الإمامة والتّبصرة .
4- مستدرك الوسائل.
5- كما في حديث اللّوح على رواية بحار الأنوار: 378/52 . مدينة المعاجز: 194/8 .

الدّرس الثالث عشر : شبهات وردود

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

و لماذا نجد اُمّهات بعض الأئمّة- ومنهنّ اُمّ الحجّة - (علیهم السّلام) من الجواري والإماء ؟ علماً بأنّ الأئمّة المعصومين (علیهم السّلام) صفوة الخلق وخيرة العباد، وللُامّ أعظم الأثر في طيب الولادة ، وحسن النّشأة ؛ إذ اللّبن یُعدي كما في الحديث الشريف وثابت بالوجدان .

: أوّلاً : لكي يعرف الجميع أنّ الإسلام مبرّأ من العنصريّة والتّفرقة ، وأنّ قوله تعالى : «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ »(1) حقيقة وليس

ص: 171


1- سورة الحجرات : 13.

مجرّد شعار أجوف.

ثانياً : لكي يضرب المسلمون بالعادات الجاهلية المخالفة لروح الإسلام والإنسانيّة عرض الجدار ؛ وذلك أنّ الزّواج بالجارية كان عاراً في الجاهليّة ، حتّى أنّهم كانوا إذا أرادوا الطّعن في أحدهم نعتوه بابن الجارية وطعنوا فيه من جهة اُمّه بأنّه ابن اُمّ ولد ، أي أنّه ابن جارية ، واستمرّت هذه العادة لدى كثيرين من العرب المسلمين ، فأراد أئمّة الإسلام أن يكسروا هذا الحاجز ، ويضعوا لهذه الممارسة الخاطئة حدّاً.

ثالثاً : ليكون ذلك دافعاً للجواري إلى اعتناق الإسلام ، سيّما أنّ النّساء أشدّ تأثّراً بحسن المعاملة ، وأكثر ترویجاً للدين و مکارم العادات تضحّي في سبيلها إن مالت إليها بقلبها وتعلّقت بها نفسها، وما أحسن قول الشّاعر:

الاُمّ مدرسة إذا أعددتها*** أعددت جيلاً طيّب الأعراق

رابعاً : لكي يعلم العدو أنّ الإسلام من شدّة عطفه على الإنسان وترحّمه وعدله کافل لحقوقه وحقوق أعراضه حتّى في الحروب وبعدها ، وأنّ في الإسلام كلّ ما تحتاجه البشرية من الأعراف والقوانين الّتي تكفل له سعادة الدّارين ، وهو دافع بل من أعظم

ص: 172

الدّوافع لاعتناق الدّين المبين.

خامساً : المهمّ أن تكون المرأة من اُسرة عريقة ، نشأت في المنبت الحسن تتحلّى بالحياء والعفّة وحسن السّيرة والسّلوك وطيب الولادة لتكون امرأة صالحة واُمّاً مثالية ، وهذا ما كان ديدنهم (علیهم السّلام) في اختيار الزّوجة الّتي تكون اُمّاً لأولادهم؛ ولأنّا نشهد بأنّهم كانوا في الأصلاب الشّامخة والأرحام المطهّرة ،وأنت تعلم أنّ بين الإماء والجواري من تتحلّى بأفضل هذه النّعوت والأوصاف.

سادساً : لعلّنا لم نبالغ إذا قلنا بأنّ اُمّهات الأئمّة الأطهار (علیهم السّلام) وعليهنّ السّلام أفضل النّساء في أزمانهنّ على الإطلاق ، طبعاً ممّن يجوز للإمام (علیه السّلام) الزّواج بهنّ لا على الإطلاق بحيث يشمل النّساء الهاشميّات والسّيّدات العلويّات ، ولا نمنع أن يكون بعضهنّ- على الأقلّ- أفضل من جميع النّسوة في زمانهنّ على الإطلاق ، وكيف كان فلا أقلّ من کون بعض اُمّهات الأئمّة(علیهم السّلام) من أفضل النّسوة في عصورهنّ ، بل في جميع الأعصار.

وهذه الحقيقة تتجلّى في سيّدتنا اُمّ مولانا الحجّة عجّل الله تعالى فرجه في قولهم (علیهم السّلام) : « ابن خيرة الإماء» أو «ابن سيّدة الإماء»، وأنت تعلم أنّ جميع النّسوة إماء كما أنّ جميع الرّجال عبيد ؛ لأنّ الجميع إماء لله تعالى و عبيد له جلّ وعلا ، بل الشّرف كلّه في ذلك ،

ص: 173

ولا توصيف أعظم من أن يقال للمرأة: «أمَة الله»، ويقال للرجل :

«عبدالله » ، فقولهم (علیهم السّلام) : «خيرة الإماء»، أو « سيّدة الإماء» معناه سيّدة النّساء المؤمنات ، لا أنّها سيّدة الجواري وخيرتها دون الحرّات من النّسوة.

سابعاً : لعلّ هناك بعض العوامل السّياسيّة والأمنيّة أيضاً كانت دخيلة في ذلك ، أعني أنّ الإمام لشّدة الرقابة الأمنيّة الّتي كانت عليه ، والقمع الّذي كان يُمارس ضدّه وضدّ أهل بيته لم يجد أحياناً طريقاً لحماية نفسه ونسله إلّا بهذا الطّريق ، أي الزّواج بالجارية.

ثامناً : ويحتمل أيضاً عدم وجود الأكفأ منه في الهاشميّات ممّن يمكن الزّواج منهنّ ، فوقعت الخيرة عليهنّ لذلك ، فسلام الله ورضوانه عليهنّ.

تاسعاً : بالإضافة إلى ما ورد في الأخبار المؤكّدة على أنّ اُمّ مولانا الحجّة (علیه السّلام) لم تكن امرأة عادية بل هي من سلالة شمعون الصّفا وصيّ عیسی بن مريم (علیهما السّلام) ، كما سيأتي في قصّة سبيها وشرائها إن شاء الله تعالى ، ومثل هذه المنقبة تجدها لسائر اُمّهات الأئمّة رضوان الله وسلامه عليهنّ جميعاً.

لماذا كلّ هذا النّهي عن تسميته (علیه السّلام) رغم أنّا لا نجد له أي تأثير عملي في حياتنا اليوميّة ، ولم يتطرّق إليه أحد من فقهائنا في

ص: 174

مطاوی فتاواهم ؟

نعم، لم يتعرّضوا لهذه المسألة كثيراً في الكتب الفقهيّة ، بل لم يتعرّضوا لها أصلاً. نعم ، تعرّض لها بعض علمائنا في المسائل العقائديّة في حياة الإمام الحجّة عليه الصّلاة والسلام ، كالمرحوم الشّيخ الصّدوق وغيره من المتقدّمين. نعم ، رأيت بعض المتأخّرين تعرّض لهذه المسألة في مباحثه الفقهيّة الاستدلاليّة (1)، لكنّا لم نألفه في

ص: 175


1- قال آية الله العظمى الشّيخ ناصر مکارم الشّيرازي في القواعد الفقهيّة ج 1، ص 494 و 495، في آخر مبحث التّقيّة بعد ما قسّم أحاديث التّسمية إلى عدّة أقسام: «9 - هل يحرم تسميته (علیه السّلام) باسمه الشّريف ؟ المشهور بین جمع من المحدّثین حرمة تسميته أرواحنا له الفداء باسمه الخاصّ، دون ألقابه المعروفة ، فهل هذا حكم يختصّ بزمان الغيبة الصّغرى دون الكبرى ، كما نقله العلّامة المجلسي في المجلّد 13 من بحار الأنوار عن بعض ؟ أو أنّه عامّ لكلّ زمان ومكان إلى أن يظهر ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، أو أن حرمتها دائرة مدار التّقيّة والخوف ، فعند عدم الخوف جائز ، وعند وجوده حرام ، بل لا يختصّ ذلك به أرواحنا فداه ، ويجري في غيره من الأئمّة (علیهم السّلام) ؟ اختار ذلك شيخنا الشّيخ الحرّ العاملي في الوسائل في مفتتح هذا الباب وصرّح به أيضاً في ختامه » ، ثمّ ذكر الأخبار الواردة في هذا الباب ، وقسّمها إلى طوائف ، ثمّ قال في الصفحة 502: « هذا هو ما ورد في هذا الباب من طوائف الأخبار وكلمات الأصحاب ، ولا ينبغي الشّكّ في أنّ القول بمنع التّسمية تعبّداً كلام خالٍ عن التّحقيق وإن صرّح به بعض الأكابر ، بل الظّاهر أنّ المنع منه يدور مدار وجود ملاك التّقيّة ، وفي غيره كأمثال زماننا هذا لا يمنع على التّحقيق. وما أفاده العلّامة المجلسي (قدس سرّه) بعد ذكر بعض ما دلّ على النّهي عن التّسمية إلى أن يظهر القائم (علیه السّلام) : « أنّ هذه التّحدّيات مصرّحة في نفي قول من خضّ ذلك بزمان الغيبة الصّغرى تعويلاً على بعض العلل المستنبطة والاستبعادات الوهميّة»، ممنوع جدّاً لما قد عرفت من أنّ هذا ليس علّة مستنبطة ، واستبعاداً وهمياً ، بل صریح به في روايات عديدة ليست بأقلّ من غيرها ، هذا مضافاً إلى ما دلّ على جواز التّسمية والتّصريح به، وقد عرفتها في الطّائفة الرّابعة وهي أكثر عدداً وأقوى دلالةً من غيرها. والحاصل أنّ المنع يدور مدار الخوف عليه(علیه السّلام) ، أو علينا بالموازين المعتبرة ؛ وذلك لاُمور: أوّلاً : أنّ هذا هو الطّريق الوحيد فيالجمع بين الأخبار، وحمل مطلقها على مقيّدها ، فالمطلقات وهي الطّائفة الاُولى بل الثّانية أيضاً . فإنّها مطلقة من ناحية الخوف وعدمه ، وإن كانت مغيّاة بظهوره ، فإنّه لا ينافي تقييدها بما ذكرنا - تقيد بالطائفة الثّانيّة الدّالّة على دوران الحكم مدار التّقيّة ، ولولا ذلك لتظافرها ، أو يقال بالتخيير بناءً على كون أسنادها ظنّيّة ، وعندئذٍ يمكن الحكم بالجواز . ومن أقوى القرائن على الجمع الّذي ذكرنا هو الطّائفة الرّابعة المصرّحة بجواز التّسمية في الجملة ، وليت شعري ماذا يقول القائل بحرمة التّسمية مطلقاً في هذه الطائفة المتظافرة جدّاً ؟ فهل يمكن طرح جميعها مع كثرتها وفتوی کثیر من الأصحاب على طبقها ؟ أو يمكن ترجیح غيرها عليها ؟ كلّا لا طريق إلى حلّها إلّا بما ذكرنا. ثانياً : قد وردت أحاديث كثيرة من طرق أهل البيت (علیهم السّلام) والعامّة، صرّح فيها بأن اسم المهدي اسم النّبيّ ، وكنيته (علیه السّلام) كنيته(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) . ومن المعلوم أنّ هذا في قوّة التّسمية ، فإنّ الظّاهر من بعض الأخبار الدّالّة على عدم ذكر الاسم، هو عدم الدّلالة عليه بحيث لا يعلم المخاطب من النّاس ما يكون اسمه الشّريف ، لا مجرّد التّلفظ به ، اللّهمّ إلّا أن يقال : إنّ ذلك وإن كان مفاد بعض أخبار الباب ، ولكن ينافيه بعضها الآخر الدالّ على حرمة التلفّظ به ، لا الدّلالة عليه ، ولو بنحو من الكناية ، فراجع و تدبّر . ثالثاً : إنّ القول بحرمة التلفّظ باسمه الشّريف من دون التّقيّة ومحذور آخر مع جواز الدّلالة عليه بالكناية ، أو بمثل (م ح م د) يحتاج إلى تعبّد شدید ، فأي حزازة في ذكر اسمه الشّريف في اللّفظ مع جواز ذكرها کناية ، كالقول بأنّ اسمه اسم جدّه رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، أو بالحروف المقطّعة ، مع فرض عدم أي محذور ظاهر بتاتا ؟ وأيُّ شبيه لمثل هذا الحكم في الأحكام الشّرعية ؟ ومثل هذا الاستبعاد وإن لم يكن بنفسه دليلاً في الأحكام الفقهيّة ، إلّا أنّه يمكن جعله تأييداً لما ذكرنا. ويؤيّده أيضاً بعض ما ورد في عدم جواز التّصريح باسم غيره (علیه السّلام) من الأئمّة (علیهم السّلام) عند التّقيّة ، فلا يختصّ الحكم باسمه الشّريف ، مثل ما رواه الكليني بإسناده إلى عنبسة ، عن أبي عبدالله (علیه السّلام) ، قال : «إيّاكم وذكر علي وفاطمة(علیهما السّلام) ، فإنّ النّاس ليس شيء اُبغض إليهم من ذكر عليّ وفاطمة». ومن العجب ما حكي عن الصّدوق (قدس سرّه) أنّه بعد الاعتراف بالتصريح باسمه في رواية اللّوح قال : «جاء هذا الحديث هكذا بتسمية القائم ، والّذي أذهب إليه النّهي عن التّسمية ، انتهى». . وقد عرفت أنّه لا ينحصر التّصريح باسمه الشّريف برواية اللّوح، ولا ينحصر الدّليل بروايات الطّائفة الرّابعة المصرّحة بالاسم ، ومع ذلك لِمَ لم يختر القول بالجواز عند عدم التّقيّة كما اختاره صاحب الوسائل ، ويظهر من كثير من الأصحاب ؟ فلعلّه رآه موافقاً للاحتياط ، وهو وإن كان كذلك إلّا أنّ الاحتياط في عمل النّفس شيء والفتوى بالأحتياط شيء آخر . وبالجملة هذا الاحتياط ضعیف جدّاً لا يجب مراعاته. فتلخّص عن جميع ما ذكر ، جواز التّسمية باسمه الشّريف - وهو ( محمّد بن الحسن العسكري ) عجّل الله تعالی له الفرج - في أمثال زماننا هذا ممّا لا تقيّة فيه من هذه النّاحية ».

ص: 176

ص: 177

كتب الأعلام قديماً وحديثاً ، وهذا كلّه لا يمنع من أهميّة هذا الأمر ، ولا يقلّل من شأنه ؛ لتعلّقه بصاحب الأمر أرواحنا فداه ، لاسيّما في تلك العصور الّتي كان الخوف فيها أشدّ والتّقيّة أعظم ؛ إذ عيون

ص: 178

الأعداء كانت تراقب الشّيعة في كلّ مكان ، وأزلامهم كانوا يتربّصون بهم ويطاردونهم ويندسّون في أوساطهم وبين ظهرانيهم للنيل منهم ومن إمام زمانهم ؛ إذ كانت جماعة من خيرة الأصحاب وخیار الطّائفة الحقّة يعرفونه ، وقد يلاقونه في مجالسهم ومحافلهم ومواضع عديدة فيدلّون عليه من غير قصد منهم.

ثمّ هذه الخطورة وإن قلّت بعد الغيبة الكبرى ، إلّا أنّ ارتباطه (علیه السّلام) بالأخيار ومشاهدتهم له في بعض الحين لم ينقطع ، والتّقيّة والخوف عليه لا يزالان ممّا ابتُلي به شیعتهم ، فالتعريف به على أي نحو كان وفي أي زمان و مکان حرام إذا كان خلافاً للتقيّة ، وقد يؤدّي إلى المخاطرة والمجازفة بحياته الشّريفة صلوات الله وسلامه عليه.

و إذا كان الأمر كذلك ، والسّبب في النّهي عن تسميته ، ذلك ،

فلماذا اقتصر النّهي على تسميته باسمه الشّریف دون ألقابه وكناه ، ولعلّ في اللّقب والكنية مخالفة للتقيّة أيضاً ، وإيقاع له (علیه السّلام) في الخطر والتّهلكة ؟ ألا ترى أنّ ما تزعمه يقتضي

النّهي عن كلّ ما يدلّ على شخصه (علیه السّلام) ويعرّضه للخطر ؟ .

نعم ، إنّا نرى أنّ كلّ ما يعرّض حياة الإمام أرواحنا فداه للخطر حرام ، بل من أعظم المحرّمات وأكبر الكبائر ، ولا يقتصر على ذكره

ص: 179

باسمه ، ولهذا أعتقد بأنّ النّهي لا يقتصر على تسميته باسمه الشّريف مع الخوف على نفسه المقدّسة الزّكيّة. نعم، ربّما تكون في النّهي عن تسميته خصوصيّة وهو أمر اختصّه الله تعالى كما خصّ نبیّه (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وسائر الأئمّة (علیهم السّلام) بعدم مناداتهم ولا مخاطبتهم بأسمائهم الشّريفة ، كما هو صريع قوله تعالى : «لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا »(1) الّذي يشمل الأئمّة (علیهم السّلام) أيضاً بعموم المعنى لا بخصوص اللّفظ حيث أنّهم (علیهم السّلام) يشاركون رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في تلك الأحكام. .

*أَلَيْسَ اللَّهُ تَعَالَى قَادِراً عَلَى حِفْظِ وَلِيُّهُ ( علیه السَّلَامُ ) وَقَدْ خَصَّهُ بِالْغِيبَةِ کی يَحْفَظُهُ مِنْ خَطَرَ الْأَعْدَاءِ ، فَمَا الْحَاجَةِ إِلَى النَّهْيِ عَنِ تَعْرِيفِهِ إِذَا رَآهُ مَنْ يَعْرِفُهُ فِي الْمَلَأُ الْعَامِ ؟

إنّ الله تعالى قادر على كلّ شيء ، لكنّه أجرى في أنبياءه وأولياءه سنّته ، ويأبى الله أن يجري الاُمور إلّا بأسبابها . نعم ، الإعجاز وخرق العادة والطبيعة من الاُمور الّتي لا يجريها الباري جلّ وعلا إلّا عند الضّرورة القصوى ، حيث لا طريق لحفظ شریعته أو وليّه إلّا بها أو لإتمام الحجّة على عباده ، وإلّا فمن تتبّع سيرة الأنبياء والرُّسل

ص: 180


1- سورة النُّور: 63.

والأولياء يجدهم أكثر النّاس ابتلاءً وأشدّهم فتنة ، وأقلّهم درءاً للخطر عن نفسه بالإعجاز وخوارق العادة ، بل من شدّة حرصهم على إمرار معاشهم وحياتهم بالطرق المألوفة ، والتّمسّك بالأسباب الطبيعيّة كادوا يكونون بحسب الظّاهر أقلّ النّاس ارتباطاً بالغيب وأبعدهم عن الكرامات والمعاجز ، حتّى ظنّ النّاس بهم سوءاً، وشکّوا كثيراً في نبوّتهم واتّصالهم بالغيب من هذه النّاحية ، «وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا »(1)، وهذه السّيرة منهم صلوات الله عليهم كان أمراً طبيعيّاً بعد أن سلّمنا بأنّهم بشر مرسلون إلى كافّة النّاس ، وعليهم أن يعودّوهم على الحياة بالأسباب الطبيعيّة والتّوكل على الله تبارك وتعالى بعد الإيمان به، ولهذا اُمّ موسی کانت حريصة على إخفاء جنينها ، كما حرصت على إخفاء ولادته ، وإخفاء شخصه حتّى تمّ له الرّشد والبلوغ وبعث بالنبوّة ، رغم أنّه عاش في قصرفرعون و تربیّ بين عينيه وفي حجره ، وهكذا جميع أحداث حياته وحياة سائر الأنبياء والرُّسل (2)، إلّا ما توقّف منها على الإعجاز ، ولم يكن بدُّ في

ص: 181


1- سورة الفرقان : 7.
2- راجع: كتب التّفسير ، سيرة الأنبياء(علیهم السّلام) ، قصص الأنبياء (علیهم السّلام)، مثل كتاب قصص الأنبياء للسيّد نعمة الله الجزائري(قدس سرّه) ، وفي القرآن الكريم آيات كثيرة عن حياة الأنبياء صلوات الله عليهم كلّها يدلّ على ذلك.

صون الشّريعة أو حفظ النّبيّ من الإعجاز .

والحاصل : أنّه يجب على الإمام -كغيره من النّاس - أن يحفظ نفسه ، بل حفظ نفسه (علیه السّلام) أوجب ؛ لأنّه يمثّل إرادة الله تعالى في الأرض وهو حجّته على العباد ، كما يجب على المؤمنين بل کافّة الخلق أن يحفظوه ويذودوا عنه ، كلّ ذلك أخذاً بالأسباب الطّبيعيّة : «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ » (1) ، وعليه فيحرم عليهم التّعريف به على أي نحو كان ، ولا يجوز ذكر اسمه مطلقاً بحسب ظاهر الأدلّة ، ولا مجال لتأويل بعضها بل كثير منها.

نعم ، لعلّ ما ورد في بعض الأدلّة من ذكره باسمه الشّريف روحي له الفداء ، وما جرى من سيرة الأعلام في ذكره باسمه(علیه السّلام) في كتبهم وعلى ألسنتهم يوحي إلى عدم النّهي التّحريمي في غير موضع الخوف والتّقيّة ، ويمكن حمل ذلك إلى اختلاف الأزمنة والظّروف ، وذلك الاحتمال التّحريم مطلقاً في بعض الأزمنة ثمّ ارتفاع ذلك لتغيير الظّرف والزّمان. إذن :

ص: 182


1- سورة الأحزاب: 6.

1- أن ينادي الإمام ويخاطب باسمه (علیه السّلام) فهو حرام مطلقاً.

2- أن يذكر بأي نحو بحيث يعرّضه للخطر فهو حرام أيضاً.

3- ولم تثبت الحرمة لغير ذلك.

ص: 183

ص: 184

الدّرس الرّابع عشر: أوصافه وشمائله (علیه السّلام)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

1- عن حذيفة اليمان ، قال : قال رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) :

« الْمَهْدِيُّ مِنْ وَلَدَيَّ ، وَجْهَهُ كَالْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ ، فاللون لَوْنٍ عَرَبِيُّ ، وَ الْجِسْمِ جِسْمُ إسرائيلي ،...»(1).

2- عن أمير المؤمنين (علیه السّلام) في رواية إلى أن قال :

« هُوَ شَابُّ مربوع ، حَسَنَ الْوَجْهِ ، حَسَنَ الشَّعْرَ ، يَسِيلُ شَعْرِهِ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ، وَ يَعْلُو نُورِ وَجْهِهِ سَوَادٍ شَعْرِ لِحْيَتِهِ وَ رَأْسَهُ ، بِأَبِي

ص: 185


1- نوادر المعجزات للطبري الشّيعي: 196. دلائل الإمامة للطبري الشّيعي: 441. بحار الأنوار: 95/51. والجسم إسرائيلي : أي كأجسام بني إسرائيل في ضخامتها وقوّتها .

ابْنُ خِيَرَةِ الْإِمَاءِ » (1).

3- عن الحارث الهمداني ، عن أمير المؤمنين (علیه السّلام) أنّه قال : «المهدي أقبل (2)، جعد(3) ، بخدّه خال»(4).

4 - عن سفيان الثّوري ، عن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أنّه قال : « الْمَهْدِيُّ رَجُلُ مِنْ وَلَدَيَّ ، أَرَى وَجْهَهُ کالكوكب الدُّرِّيِّ ، اللَّوْنُ لَوْنُ عَرَبِيُّ ، وَ الْجِسْمِ جِسْمُ إسرائيلي »(5).

5- وعن أبي جعفر محمّد بن علي (علیه السّلام) أنّه قال : « يَقُومُ الْمَهْدِيِّ ( علیه السَّلَامُ ) وَ لَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَ لَا لِحْيَتِهِ طَاقَةً بَيْضَاءَ »(6).

ص: 186


1- الإرشاد: 382/2 . الغيبة للطوسي: 470. مربوع: أي عريض ما بين المنكبين.
2- أقبل أصله القَبَلَ - محرّكة - ومعناه على ما في النّهاية : إقبال سواد العين على الأنف. وعلى ما في القاموس هو إقبال إحدى الحدقتين على الاُخرى ، أو : إقبال نظر كلّ من العينين على صاحبتها ، كأنّه ينظر إلى طرف أنفه.
3- جعد من الأجعد : أي كثيف شعر الرّأس والوجه .
4- الغيبة للنعماني : 304.
5- شرح الأخبار للقاضي النّعمان المغربي : 378.
6- شرح الأخبار للمغربي: 380. طاقة بيضاء : كناية عن الشّعر الأبيض .

6- وعن أبي اُمامة الباهلي ، قال : قال رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، إلى أن قال : - « الْمَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِي ابْنِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، كَأَنْ وَجْهَهُ کوکب دُرِّيُّ ، فِي خَدَّهُ الْأَيْمَنَ خَالٍ أَسْوَدَ ، عَلَيْهِ عبائتان قَطَوَانِيَّتَانِ ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ بَنِي إِسْرائِيلَ . . . الخ » (1).

7- عن أمير المؤمنين (علیه السّلام) في وصف المهدي - إلى أن قال : - « بِاسْمِ نَبِيِّكُمْ ، يُشْبِهُهُ فِي الْخَلْقِ وَ الْخُلُقِ» (2).

8- عن إبراهيم بن مهزيار(رضی الله عنه) أنّه ؟ قال : « وَاضِحُ الْجَبِينِ ، أَبْلَجُ الْحَاجِبِ ، مَسْنُونُ الْخَدَّيْنِ ، ( أَقْنى الْأَنْفِ ) ، أَشَمُّ ، أَرْوَعُ ، كَأَنَّهُ غُصْنٍ بَانَ ، وَ كَأَنَّ صَفْحَةَ غَرَّتْهُ كَوْكَبُ دُرِّيُّ ، بِخَدِّهِ الْأَيْمَنِ خَالٍ كَأَنَّهُ فتاتة مِسْكُ عَلَى بَيَاضِ الْفِضَّةِ ، وَ إِذَا بِرَأْسِهِ وَ قُرَّةَ سمحاء سبطة تُطَالِعَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ ، لَهُ سَمَّتِ مَا رَأَتِ الْعُيُونِ أَقْصِدَ مِنْهُ ، وَ لَا أَعْرِفُ حَسَناً وَ سَكِينَةٍ وحياءاً» (3).

ص: 187


1- بحار الأنوار: 96/51 .
2- الغيبة للنعماني : 214.
3- مدينة المعاجز : 196/4 . أبلج الحاجب : دقيقه وطويله. مسنون الخدّين : كأن قد سنّ عن خدّيه اللّحم ، أي خفّف ، أي وجهه خفيف اللّحم، والقنا في الأنف : طوله ودقّة أرنبته مع احديداب في وسطه، والشمم : هو الارتفاع في الأنف، فالأشمّ المرتفع الأنف. رجل أروع : حيّ النّفس، ذكي. وغصن بان : أي طوله كغصن شجرة البان رطب ليّن ليس بصلب . والغُرّة : بیاض في الجبهة . فتاتة الشّيء: رضاضه ، وفتاتة المسك : أجزاؤه الدقاق الصّغار ورضاضه . وفرة سمحة سبطة : أي شعره وفير كثير، وسمح : ناعم، وسبط : طويل ناعم . تطالع : تبلغ شحمة اُذنه . السمت : حُسن النّحو والمسلك والطّريقة ، فحسن السّمت والطّريقة.

9- الفصول المهمّة : « شَابُّ مربوع الْقَامَةِ ، حَسَنَ الْوَجْهِ ، وَ الشَّعْرُ يَسِيلُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ، أَقْنى الْأَنْفِ ، أَجْلَى الْجَبْهَةِ »(1).

10- وعن عليّ بن مهزیار آنّه عجّل الله فرجه: « كغصن بَانَ . أَوْ قَضِيبُ ریحان ، سَمِعَ ، سَخِيُّ ، تَقِيٍّ ، نَقِي ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الشَّامِخِ ، وَ لَا بِالْقَصِيرِ اللازق ، بَلْ مربوع الْقَامَةِ ، مُدَوَّرُ الْهَامَّةِ ، صَلْتُ الْجَبِينِ ، أَزُجِّ الْحَاجِبَيْنِ ، أَقْنى الْأَنْفِ ، سَهْلُ الْخَدَّيْنِ ، عَلَى خَدَّهُ الْأَيْمَنَ خَالٍ كَأَنَّهُ فَتَاةُ مِسْكُ علی رضراضة عَنْبَرُ (2).

11 - قال أمير المؤمنين (علیه السّلام) وهو على المنبر : « يَخْرُجُ مِنْ وُلْدِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَبْيَضَ مَشْرَبٍ حُمْرَةً ، مندح الْبَطْنِ ، عَرِيضُ الْفَخِذَيْنِ ،

ص: 188


1- بحار الأنوار: 44/51
2- مستدرك سفينة البحار: 10/ 334. مدوّر الهامة : مدوّر الرأس. صلت الجبين أملس الجبين .

عظیم مشاش الْمَنْكِبَيْنِ ، بظهره شامتان : شَامَةُ عَلَى لَوْنٍ جِلْدِهِ ، وَ شَامَةُ عَلَى شِبْهِ شَامَةُ النَّبِيِّ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، لَهُ اسْمَانِ : اسْمُ يَخْفَى ، وَ اسْمُ يُعْلَنُ ، فَأَمَّا الَّذِي يُخْفِي فَأَحْمَدُ ، وَ أَمَّا الَّذِي يُعْلَنُ فَمُحَمَّدُ »(1).

12- عن الحسين (علیه السّلام) ، قال : « فِي التَّاسِعِ مِنْ وُلْدِي سُنَّةُ مِنْ يُوسُفَ وَسْنَةِ مِنْ موسی بْنِ عِمْرَانَ ( علیهما السَّلَامُ ) ، وَ هُوَ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ . . . الخ (2).

13 - وعنه (علیه السّلام)، قال : «في القائم منّا سُنن من الأنبياء (علیهم السّلام) ، سُنّة من نوح ، وسُنّة من إبراهيم ، وسُنّة من موسى ، وسُنّة من عیسی ، وسُنّة من أيّوب ، وسُنّة من محمّد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) .

فأمّا من نوح : فطول عمره، وأمّا من إبراهيم: فخفاء الولادة واعتزال الناس ، وأمّا من موسى : فالخوف والغيبة ، وأمّا من عیسی : فاختلاف النّاس فيه ، وأمّا من أيّوب : فالفرج بعد البلوى ، وأمّا من

ص: 189


1- الخرائج والجرائح: 1150/3 . بحار الأنوار: 35/51 . إعلام الوری : .294/2 .مشرب حمرة : أي اختلط لون وجهه الأبيض باللّون الأحمر اختلاطاً بسيطاً معتدلاً، فلونه يميل إلى الحمرة . مندح البطن : أي متّسع البطن . المشاش : عظیم رؤوس العظام ، فرؤوس عظام منكبيه عظيمة.
2- كمال الدّين : 317/1 . إثبات الهداة : 397/6 . بحار الأنوار : 132/51 . کشف الغمة : 312/3

محمّد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ): فالخروج بالسيف» (1).

14- وفي رواية اُخرى: « كَأَنْ وَجْهَهُ کوکب دُرِّيُّ ، فِي خَدَّهُ الْأَيْمَنَ خَالٍ أَسْوَدَ» (2)، وفي ثالثة : «أفرق الثّنايا (3) ، أجلى (4) الجبهة»(5).

15 - وعن أمير المؤمنين (علیه السّلام): «أجلى الجبين (6) ، أقنى الأنف (7) ضخم البطن ، أزيل الفخذين ، بفخذه اليمني شامة ، أفلج (8) الثّنايا (9).

ص: 190


1- علم اليقين : 793/2 . كمال الدّين : 576.
2- بحار الأنوار: 80/51 . کشف الغمّة : 269/3 و 289. ينابيع المودّة : 296/3 و 384.
3- أي بين ضرسيه الأماميّین فجوة .
4- انحسار الشَّعر عن الجبهة.
5- بحار الأنوار: 80/51 و 96. کشف الغمّة : 269/3 و 289. ينابيع المودّة 263/3و 270.
6- انحسار الشَّعر وانکشافه عن الجبين ، والجبين هو طرفا الجبهة يميناً وشمالاً.
7- القنا في الأنف : طوله ودقّة أرنبته مع حدب في وسطه - لسان العرب : .203/15
8- الفلج : التباعد. أفلج الثّنايا : أي في الأسنان تباعد ما بين الثّنايا ، وهي الأسنان الأماميّة.
9- الغيبة للنعماني: 215.

16 - وعن الباقر(علیه السّلام) : « الْمَشْرَبِ حُمْرَةً ، الْغَائِرُ الْعَيْنَيْنِ ، المشرف الْحَاجِبَيْنِ ، الْعُرَيْضُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ ، بِرَأْسِهِ حزاز ، بِوَجْهِهِ أَثَرِ »(1).

17 - وعن إسعاف الرّاغبين للصبان المصري : « أنه شَابُّ أَ كُحْلِ الْعَيْنَيْنِ ، أَزُجٍّ (2) الْحَاجِبَيْنِ ، أَقْنى الْأَنْفِ ، كثّ اللِّحْيَةِ ، عَلَى خَدَّهُ الْأَيْمَنَ خَالٍ ، وَ عَلَى يَدِهِ الْيُمْنَى خَالٍ »(3).

18 - وفي الفصول المهمّة : « صِفَتُهُ بَيْنَ السُّمْرَةِ وَ الْبَيَاضِ »(4).

19 - وفي الخبر: « إِذَا خَرَجَ يَكُونُ شَيْخُ السِّنِّ ، شَابُّ الْمَنْظَرِ . يَحْسُبُهُ النَّاظِرُ ابْنِ أَرْبَعِينَ سَنَةً أَوْ دُونَهَا »(5).

ويمكن تلخيص الرّوايات في الاُمور التالية :

فهو عجّل الله تعالی فرجه:

1- من أهل بيته. 2- اسمه كاسمه. 3-يشبه رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

ص: 191


1- الغيبة للنعماني : 215. الإشراب : خلط لون بلون كأنّ أحد اللّونين سقى اللّون الآخر. يقال : بیاض مشرب حمرة - بالتخفيف . إذا كانت الحمرة خفيفة.
2- الزّج والأزجّ: الحاجب الطّويل الدقيق.
3- تقدّم ذكره.
4- ينابيع المودّة : 343/3
5- بحار الأنوار : 238/50 .

في خلقه وخلقه.

4- يصلحه الله في ليلة على رأس غمامة فيها ملك

ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتّبعوه.

5- فيذعن له النّاس ، ويشربون حبّه.

6- يمدّه الله بثلاثة آلاف من الملائكة ، جبرئیل على مقدّمته وميكائيل على ساقته.

7- أنصاره بعدّة أهل بدر .

8- وأهل الكهف منهم.

9- يخرج بالسيف.

10- ويملك شرق الأرض وغربها.

11 - فيملؤ الأرض قسطاً وعدلاً ملئت ظلماً وجوراً.

12 - يُظهر الإسلام.

13 - ويرضى عنه ساکن السّماء وساكن الأرض.

14 - أسعد النّاس به أهل الكوفة .

15- تخصب الأرض في زمانه.

16 - وتُخرج كنوزها .

17- يحثو المال حثواً ولا يعدّه عدّاً.

18- يصلّي خلفه عیسی بن مريم.

19 - ويساعد عیسی على قتل الدّجّال.

20 - يخرج في وتر من السّنين ، سنة إحدى ، أو ثلاث، أو خمس ، أو سبع ، أو تسع .

21 - يملك ستٌ سنين ، أو سبعاً ، أو ثماناً ، أو تسعاً.

22 - السنة من سنّيه مقدار عشر سنين.

23 - يستخرج تابوت السّكينة من غار أنطاكية ، وأسفار التّوراة من جبل بالشام.

24 - ويظهر من الدّين ما هو الدين عليه في نفسه ، ما لو كان رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) كان يحكم.

25 - على خدّه الأيمن خال كأنّه كوكب درّي .

ص: 192

26 - كأن وجهه کوکب درّي.

27 - أفرق الثّنايا.

28 - أجلى الجبهة والجبين.

29 - شاب مربوع ، حسن الوجه والشعر ، يسيل شعره على منكبيه.

30 - يعلو نور وجهه سواد شعر لحيته ورأسه .

31 - أقنى الأنف.

32 - ضخم البطن.

33 - بفخذه اليمنى شامة.

34 - أفلج الثّنايا.

35 - مشرب حمرة.

36 - غائر العينين.

37 - عريض ما بين المنكبين.

38 - برأسه حزاز .

39 - بوجهه أثر.

4- كثّ اللّحية.

41 - على يده اليمنى خال.

42 - بين السمرة والبياض.

43 - عليه عباءتان قطوانيّتان .

44 - لونه عربي.

45 - جسمه إسرائيلي.

46 - کثير الشَّعر.

47 - ابن أربعين سنة.

48 - واضح الحاجبين.

49 - أبلج الحاجب.

50 - مسنون الخدّين.

51 - أشمّ.

52 - أروع.

53 - أقصد النّاس جميعاً.

54 - حسن السّمت والأخلاق .

55 - كأنّه غصن بان.

56 - سمحٌ.

57 - سخيٌّ.

58- تقيٌّ.

59 - نقيٌّ.

60 - أملس الجبين.

61 - عريض الفخذين .

62 - مندح البطن.

63 - بظهره شامتان.

64 . له إسمان اسم خفي واسم جلي.

65 - فيه خصال الأنبياء.

66 - أعرف النّاس حسناً وسكينة و حياءاً.

67 - شعره ناعم طويل يتدلّى على

ص: 193

اُذنيه .

68- ليس في وجهه ولا لحيته شعر أبيض.

69 - عند خروجه يكون شيخ السّنّ ، شاب المنظر.

70- من ذرّيّة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، من صلب عليّ وفاطمة (علیهما السّلام) ، وهو التّاسع من ولد الحسين صلوات الله عليه.

ص: 194

الدّرس الخامس عشر: شبهات وردود

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

* في الرّواية الخامسة في مجموعة أوصافه وشمائله: « لَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَ لَا لِحْيَتِهِ طَاقَةً بَيْضَاءَ »، وفي بعض الرّوايات - مثل الرّواية (18) - أنّه شابّ المنظر وابن أربعين ، وفي بعضها : دون الأربعين ، وفي نفس الرّواية -18-: أنّه شيخ السّنّ، كلّ ذلك عند قيامه (علیه السّلام) وظهوره عجّل الله تعالی فرجه ، فكيف يمكن الجمع بين كبر سنّه وشباب منظره (علیه السّلام)؟ .

* بعد ما أثبتنا وجوده وحياته ، وسيأتي ذلك مفصّلاً في محلّه أيضاً، وإذا علمنا أنّ طول حياته أرواحنا فداه من خصائصه الّتي لابدّ منها ، حيث لا يجوز خلوّ الأرض من الحجّة لاتشريعاً ولا تكويناً،

ص: 195

وحيث علمنا أنّ الحجج بعد رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) معدودون محصورون في اثني عشر إماماً لا يزيدون ولا ينقصون ، ثمّ كتب للحجّة المهدي أرواحنا فداه أن يكون الثّاني عشر الّذي يطول عمره دهراً وقروناً لا يعلمها إلّا الله تعالى ليخرج حين يؤذن له بالخروج ، فيجب أن يحفظه من توارد الزّمان وتعاقب اللّيالي والأيّام ؛ ليكون دوماً في غاية النّشاط ، وعنفوان الشّباب ، لئلا يشقّ عليه حمل الأمانة ولا يصعب عليه أداء الرّسالة ، سيّما أنّه يخرج بالسيف ليطهّر الأرض بالقتال ، فلا بدّ من بسطة في العلم والجسم وعنفوان الشّباب ، فاجتمعت فيه أكمل الخصال وأحسنها ، وليس هذا على الله تعالى بعزیز..

* وضّح لنا المراد من الرّواية العاشرة ؟

المراد أنّه شبيه رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في كلّ شيء ، حتّى في الاسم ، فهو کجدّه الرسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) سمّي في السّماء (أحمد) ، وفي الأرض ( بأبي القاسم محمّد ) ، اللّهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد.

* هل ما ذكرت من الأوصاف والشّمائل ملازمة له (علیه السّلام) طيلة حياته ، أم بعضها قابل للتغيير ، أم هي تختصّ بحين الظّهور ؟

* لاشكّ أنّ الصّفات الجسمانيّة الّتي وردت في الرّوايات ناظرة إلى

ص: 196

زمن الظّهور ، وبما أنّ الوصف لا يزول عادة فهي فيه وهو عليها مدى الحياة ، كما أنّ الشّمائل الأخلاقيّة والأوصاف المعنويّة هي فيه منذ الولادة حتّى الوفاة ، بطریق أولى . نعم ، هناك حالات تسمّی أوصافاً مجازاً، فهي قابلة للزوال و التّغيير ، فمن الصّفات الجسمانيّة الثّابتة عادة خلقته روحي لتراب مقدمه الفداء ، مثلاً: على خدّه الأيمن خال، أفرق الثّنايا ، أجلى الجبهة والجبين ، مربوع القامة ، أقنى الأنف وما شابه ذلك.

ومن الشّمائل الأخلاقيّة والأوصاف المعنويّة شبهه برسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، فهو لعلى خلق عظيم من الجود والكرم والسّماحة والشّجاعة والعلم والعبادة وهلمّ جرّاً، لا يقاس به أحد من الخلق بعد أجداده الطّاهرین صلوات الله عليهم أجمعين .

ومن حالاته وأحواله(علیه السّلام) ، وهي في العادة قابلة للتغيير طول شعره روحي لمقدمه الفداء ، وعليه عبائتان قطوانيّتان ، وسائر أوصاف ثيابه وعمامته روحي فداه ، فإنّها جميعاً قابلة للتغيير.

* ما الحاجة إلى ذكر هذه الأوصاف على كثرتها، ودقّة النظّر

فيها ، والتّوسّع حولها ؟

*ولاعجب من ذلك إذا ما وقفنا على أهمّيّة الإمام المهدي أرواحنا له

ص: 197

الفداء ، وعظمته ، وأهميّة الرّسالة الّتي يحملها ، وعظمة الحدث الّذي ينتظره ؛ إذ الغاية الّتي تنتظر ظهوره والهدف الّذي يسعى إليه من تطهير الأرض وإقامة العدل أعظم غاية وقع من أجلها الخلق ، وهي غاية آمال الأنبياء والمرسلين والعباد الصّالحين ، إذا عرفنا ذلك وقفنا على الحكمة من هذا التّأكيد في أوصافه (علیه السّلام) ، فأمّا العناية القصوى الّتي أولاها أئمتّنا صلوات الله عليهم أمر المهدي عجّل الله تعالی فرجه ، فإنّها على مستوى الحدث ، وتدلّ على عظمته ، وأمّا ما أولاه علمائنا الأعلام لهذه الحقيقة فلعلّه قليل في حقّه ، لم يرق إلى مستوى الحدث

المرتقب.

ص: 198

الدّرس السّادس عشر: الإمام المهدي (علیه السّلام) في الكتاب والسنّة

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

المهدي (علیه السّلام) في القرآن :

1- عن الصادق (علیه السّلام) في معنى قوله عزّ وجلّ:

«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا »(1).

قال(علیه السّلام) : « نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِ وَ أَصْحَابِهِ ، يَجْتَمِعُونَ عَلَى غَيْرِ میعاد» (2).

ص: 199


1- سورة النُّور: 55.
2- الغيبة للنعماني : 240، ورواها صاحب الينابيع عن الإمام زين العابدین (علیه السّلام) و : 245/3 ، وأيضاً عن الباقر والصّادق عليه(علیهما السّلام) .

2 - وعن الصّادق (علیه السّلام) أيضاً في قوله تعالى : «فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا » (1).

قال (علیه السّلام) : « نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِ وَ أَصْحَابِهِ ، يَجْتَمِعُونَ عَلَى غَيْرِ میعاد »(2).

3- وعنه (علیه السّلام) في تفسير قوله عزّ وجلّ: «أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ » (3).

قال(علیه السّلام) : «هِيَ فِي الْقَائِمِ ( علیه السَّلَامُ ) وَ أَصْحَابِهِ »(4).

4- وعنه (علیه السّلام) في قوله تعالى : «يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ » (5).

قال(علیه السّلام) : « اللَّهُ يَعْرِفَهُمُ ، وَ لَكِنَّ نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِ يَعْرِفَهُمُ بِسِيماهُمْ فيخبطهم بِالسَّيْفِ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ خَبَطاً »(6).

5 - عن أبي جعفر (علیه السّلام) في قول الله عزّ وجلّ: «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ

ص: 200


1- سورة البقرة : 148.
2- الغيبة للنعمانی: 241.
3- سورة الحجّ: 39.
4- الغيبة للنعمانی : 241.
5- الرحمن: 41.
6- الغيبة للنعماني : 242.

مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ »(1)، فقال : «وَ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِ . يَقُولُ : إِنْ أَصْبَحَ إِمَامَكُمْ غَائِباً عَنْكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيْنَ هُوَ ، فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِإِمَامٍ ظَاهِرُ ، يَأْتِيكُمْ بِأَخْبَارِ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ وَ حَلَالَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلٍ وَ حَرَامِهِ » ، ثُمَّ قَالَ ( علیه السَّلَامُ ) : « وَ اللَّهِ مَا جَاءَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَ لَا بُدَّ أَنْ يَجِي ءَ تَأْوِيلِهَا» (2).

6- عن أبي جعفر (علیه السّلام) في قوله تعالى : «أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ »(3).

قال : « نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِ ( علیه السَّلَامُ ) ، وَ كَانَ جَبْرَئِيلُ ( علیه السَّلَامُ ) عَلَى الْمِيزَابُ فِي صُورَةِ طَيْرٍ أَبْيَضَ ، فَيَكُونُ أَوَّلَ خَلَقَ اللَّهُ مُبَايَعَةِ لَهُ - أَعْنِي جبرئیل - وَ يُبَايِعُهُ النَّاسِ الثّلاثماءة وَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ، فَمَنْ كَانَ ابْتُلِيَ بالمسير وافی فِي تِلْكَ السَّاعَةَ ، وَ مَنْ ( لَمْ يُبْتَلَ بالمسير ) فُقِدَ فِي فِرَاشِهِ ، وَ هُوَ قَوْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيَّ ( علیه السَّلَامُ ) : المفقودون فِي فُرُشِهِمْ ...»(4).

7- وفي الحديث أنّ قوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ

ص: 201


1- سورة الملك : 30.
2- الإمامة والتّبصرة : 115. كمال الدّين : 326.
3- سورة النّمل : 62.
4- الغيبة للنعماني:314.

مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ »(1).

« أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِ ( علیه السَّلَامُ ) وَ أَصْحَابِهِ » (2).

8- و في قوله تعالى : «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ » (3).

« أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْقَائِمُ الْمَهْدِيُّ ( علیه السَّلَامُ ) »(4).

9 . - وفي تفسير قوله تعالى : ( «وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ » (5).

« أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمَهْدِيِّ عَجَّلَ اللَّهُ تعالی فَرْجَهُ »(6).

1-وعن الباقر والصّادق الملك(علیهما السّلام) في قوله تعالى :

«وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ » (7).

ص: 202


1- سورة المائدة : 54.
2- تفسير القمّي: 170/1 .
3- سورة البراءة : 33.
4- بحار الأنوار: 50/51 .
5- سورة الزّخرف: 61.
6- ينابيع المودّة : 2/ 453.
7- سورة الأنبياء: 105.

قالا: « هُمْ الْقَائِمِ وَ أَصْحَابِهِ »(1).

وآيات اُخرى كثيرة وقع تأويلها أو تفسيرها على الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه اكتفينا بهذا المقدار رعاية للاختصار ، ومن أراد المزيد فعليه بكتب الحديث والسّيرة والتّفسير والتّأريخ من الفريقين الشّيعة والسّنّة ، لا سيّما كتب الغيبة للنعماني والطّوسي (قدس سرّهما) .

ص: 203


1- ينابيع المودّة : 243/3 .

ص: 204

الدّرس السّابع عشر: الإمام المهدي (علیه السّلام) في الأخبار /1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الإمام المهدي عجّل الله فرجه في الأخبار والأحاديث :

1- عن جابر بن عبدالله الأنصاري ، عن النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أنّه قال : « الْمَهْدِيُّ مِنْ وَلَدَيَّ ، اسْمُهُ اسْمِي ، وکنیته کنيتي ، أَشْبَهَ النَّاسُ بِي خَلْقاً وَ خُلُقاً ، تَكُونُ لَهُ غَيْبَةُ وَ حَيْرَةُ تَضِلُّ فِيهَا الْأُمَمِ ، ثُمَّ يُقْبِلُ كَالشِّهَابِ الثَّاقِبِ يَمْلَأُهَا عَدْلًا وَ قِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً (1).

2- عن الصّادق (علیه السّلام) ، عن رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : « الْقَائِمُ مِنْ وَلَدَيَّ ،

ص: 205


1- كمال الدّين : 286. كفاية الأثر للخزّاز القمّي: 67. وروي عن الإمام الصّادق (علیه السّلام) باختلاف یسیر وزيادة في الإمامة والتّبصرة : 119، وفي كمال الدّين : 286.

اسْمُهُ اسْمِي ، وَ كُنْيَتِهِ کنیتي ، وَ شَمَائِلِهِ شَمَائِلِي ، وَ سُنَّتِهِ سُنَّتِي ، يُقِيمُ النَّاسَ عَلَى مِلَّتِي وشريعتي ، وَ يَدْعُوهُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجِلَ ، مَنْ أَطَاعَهُ أَطَاعَنِي ، وَ مَنْ عَصَاهُ عَصَانِي ، وَ مَنْ أَنْكَرَهُ فِي غَيْبَتِهِ فَقَدْ أنكرني ، وَ مَنْ كَذَّبَهُ فَقَدْ كَذَّبَنِي ، وَ مَنْ صَدَّقَهُ فَقَدْ صدقني ، إِلَى اللَّهِ أَشْكُو الْمُكَذِّبِينَ لِي فِي أَمْرِهِ ، وَ الْجَاحِدِينَ لِقَوْلِي فِي شَأْنِهِ ، الْمُضِلِّينَ لِأُمَّتِي عَنْ طريقته ، « وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ »(1)» (2).

3- عن الصّادق ، عن آبائه (علیهم السّلام) ، قال : قال رسول الله

(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ): « مَنْ أَنْكَرَ الْقَائِمِ مِنْ وُلْدِي فَقَدْ أنكرني »(3).

4- عن ابن عبّاس ، عن النِبيّ (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : « إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ إِمَامٍ أُمَّتِي وَ خَلِيفَتِي عَلَيْهَا مِنْ بَعْدِي ، وَ مَنْ وُلْدِهِ الْقَائِمِ الْمُنْتَظَرُ ، الَّذِي يَمْلَأُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلٍ بِهِ الْأَرْضَ عَدْلًا وَ قِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوَرَةُ وَ ظُلْماً ، وَ الَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ بَشِيراً إِنِ الثَّابِتِينَ عَلَى الْقَوْلُ بِهِ فِي زَمَانِ غیبته لِأَعَزِّ مِنَ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ ».

فقام إليه جابر بن عبدالله الأنصاري فقال : يا رسول الله ،

ص: 206


1- سورة الشُّعراء: 227.
2- بحار الأنوار: 73/51 .
3- بحار الأنوار: 73/51 .

وللقائم من ولدك غيبة ؟

قال : « إِي وَ رَبِّي ، وَ لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ .

یا جَابِرٍ ، إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ، وَ سِرُّ مِنْ سَرَّ اللَّهَ مطوي عَنْ عِبادِهِ فَإِيَّاكَ وَ الشَّكَّ فِيهِ ، فَإِنَّ الشَّكِّ فِي أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلٍ كَفَرَ »(1).

5- عن أبي سعيد الخدري ، عن النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أنّه قال لفاطمة : « وَ یا بَنِيهِ ، إِنَّا أُعْطِينَا أَهْلَ الْبَيْتِ سَبْعاً ، لَمْ يُعْطَهَا أَحَدُ قِبَلَنَا ، نبینا خیر الْأَنْبِيَاءِ وَ هُوَ أَبُوكَ ، وَ وَصَّيْنَا خَيْرُ الْأَوْصِيَاءِ وَ هُوَ بَعْلُكِ ، وَ شَهِيدُنَا خَيْرِ الشُّهَدَاءِ وَ هُوَ عَمِّ أَبِي حَمْزَةَ ، وَ مِنَّا مَنْ لَهُ جَنَاحَانِ خضیبان يَطِيرُ بِهِمَا فِي الْجَنَّةِ ، وَ هُوَ ابْنُ عَمِّكَ جَعْفَرٍ ، وَ مَا سِبْطاً هَذِهِ الْأُمَّةُ ، وَهْماً ابْنَاكَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ ، وَ مِنَّا وَ اللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، مَهْدِيِّ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّذِي يُصَلِّي خَلْفَهُ عیسی بْنِ مریم »، ثُمَّ ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى مَنْكِبِ الْحُسَيْنُ ؟ فَقَالَ : « مِنْ هَذَا » ثَلَاثاً (2).

6- عن الرّضا (علیه السّلام) ، عن النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أنّه قال : « لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقُومَ الْقَائِمُ الْحَقِّ مِنَّا ، وَ ذَلِكَ حِينَ يَأْذَنِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ لَهُ ، وَ مَنْ تَبِعَهُ نَجَا ، وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ هَلَكَ ، اللَّهَ اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ ، فَأَتَوْهُ وَ لَوْ عَلَى الثَّلْجِ ،

ص: 207


1- كمال الدّين : 287.
2- الغيبة للطوسي : 192.

فَإِنَّهُ خَلِيفَةَ اللَّهِ عَزَّ وَجِلَ ، وَ خَلِيفَتِي »(1).

7- عن الرّضا (علیه السّلام) ، عن آبائه ، عن عليّ(علیهم السّلام) ، عن النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : « لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَقُومُ بِأَمْرِ أُمَّتِي رَجُلُ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنُ ( علیه السَّلَامُ ) ، يَمْلَؤُهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً» (2).

8- عن الصّادق (علیه السّلام) ، عن النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) انّه قال لعليّ(علیه السّلام) : « أَلَا أُبَشِّرُكَ ، أَلَا أُخْبِرُكَ يَا عَلِيُّ ؟ فَقَالَ : بلی یا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : كَانَ جَبْرَئِيلَ عِنْدِي آنِفاً ، وَ أَخْبَرَنِي أَنَّ الْقَائِمَ الَّذِي يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَيَمْلَأَ الْأَرْضَ عَدْلًا (كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً ) ، مِنْ ذُرِّيَّتِكَ ، مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنُ» (3).

9- وقال (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لجعفر بن أبي طالب : « یا جَعْفَرٍ ، أَلَا أُبَشِّرُكَ ، قَالَ : بلی یا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : كَانَ جَبْرَئِيلَ عِنْدِي آنِفاً ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ الَّذِي يَدْفَعُهَا إِلَى الْقَائِمِ هُوَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ ، أَتَدْرِي مَنْ هُوَ ؟ قَالَ : لَا قَالَ : ذالك الَّذِي وَجَّهَهُ كالدينار ، وَ أَسْنَانِهِ کالمنشار ، وَ سَيْفَهُ كحريق النَّارِ ،

ص: 208


1- بحار الأنوار: 65/51 ، ورد مثل هذا الحديث في البحار: 322/36 ، عن أبي أمامة عنه (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) مع اختلاف یسیر .
2- بحار الأنوار : 66/51.
3- الغيبة للنعماني: 247.

يُدْخِلُ الْجَبَلِ ذَلِيلًا ، وَ يَخْرُجُ مِنْهُ عزیزا ، يكتنفه جبرئیل وَ میکائیل »(1).

10- عن الباقر (علیه السّلام) ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري ، قال : دخلت على فاطمة بنت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء والأئمّة من ولدها ، فعددت اثنا عشر اسماً آخرهم القائم من ولد فاطمة ، ثلاثة منهم محمّد ، وأربعة منهم علىّ(2).

11- عن أبي جعفر الثّاني ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنین (علیهم السّلام) ، قال: « لِلْقَائِمِ مِنَّا غَيْبَةَ أَمُدِّهَا طَوِيلُ ، كَأَنِّي بِالشِّيعَةِ يَجُولُونَ جولان النِّعَمِ فِي غَيْبَتِهِ ، يَطْلُبُونَ الْمَرْعَى فَلَا يَجِدُونَهُ ، أَلَا فَمَنْ ثَبَتَ مِنْهُمْ عَلَى دِينِهِ لَمْ يَقْسُ قَلْبُهُ لِطُولِ أَمَدَ غَيْبَةَ إِمَامَهُ ، فَهُوَ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ »، ثمّ قال(علیه السّلام) : « إِنَّ الْقَائِمَ مِنَّا إِذَا قَامَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ بِيعَتْ ، فَلِذلِكَ تَخْفَى وِلَادَتُهُ وَ يَغِيبُ شَخْصُهُ »(3).

12 - عن الرّضا، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين (علیهم السّلام) جميعاً أنّه قال للحسين(علیه السّلام) : « التَّاسِعُ مِنْ وُلْدِكَ يَا حُسَيْنُ هُوَ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ ، الْمُظْهِرِ

ص: 209


1- بحار الأنوار: 77/51 .
2- الإرشاد للمفيد: 346.
3- بحار الأنوار : 109/51 . مستدرك سفينة البحار: 508/10 .

لِلدَّيْنِ ، الْبَاسِطُ لِلْعَدْلِ ».

قال الحسين (علیه السّلام) : « فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ إِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنُ ؟» .

فقال : « إِي وَ الَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالنُّبُوَّةِ وَ اصْطَفَاهُ عَلَى جَمِيعِ الْبَرِيَّةِ ، وَ لَكِنَّ بَعْدَ غَيْبَةُ وَ حَيْرَةُ لَا يَثْبُتُ فِيهَا عَلَى دِينِهِ إِلَّا المباشرون لروح الْيَقِينِ ، الَّذِينَ أَخَذَ اللَّهُ میثاقهم بِوَلَايَتِنَا ، وَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ ، وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ» (1).

13 - عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السّلام)

أنّه قال : « صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ وَلَدَيَّ ، هُوَ الَّذِي يُقَالُ : مَاتَ ، أَوْ هَلَكَ ، لَا بَلْ فِي أَيِّ وَادٍ سَلَكَ» (2).

14 - عن الأصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين(علیه السّلام)

، قال : فوجدته مفكّراً قلت : يا مولاي ، أراك مُفكراً؟

قال: «فِي مَوْلُودٍ يَكُونُ مِنْ ظَهْرِ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ وَلَدَيَّ ، وَ هُوَ الْمَهْدِيُّ الَّذِي يَمْلَأُهَا عَدْلًا وَ قِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً ، تَكُونُ لَهُ غَيْبَةُ يَضِلُّ بِهَا أَقْوَاماً ، وَ يَهْدِي بِهَا آخَرِينَ ، أُولَئِكَ خِيَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ

ص: 210


1- بحار الأنوار: 110/15 .
2- الغيبة للنعماني: 156. الغيبة للطوسي :425.

أَبْرَارِ هَذِهِ الْعِتْرَةِ » . فَقُلْتُ : ثُمَّ ماذا ؟

قال : « يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ مِنَ الرَّجْعَةِ الْبَيْضَاءِ ، وَ الْكَرَّةِ الزَّهْرَاءِ ، وَ إِحْضَارِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَ الْقِصَاصِ ، وَ الْأَخْذُ بِالْحَقِّ ، وَ الْمُجَازَاةِ بِكُلِّ سَلَفَ ، ثُمَّ يَغْفِرُ اللَّهُ لِمَنْ شَاءَ »(1).

15 - عن جعفر بن محمّد (علیهما السّلام)، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الحسين بن عليّ(علیهم السّلام) ، قال : جاء رجل إلى أمير المؤمنين(علیه السّلام) ، فقال له: يا أمير المؤمنين ، نبئنا بمهديّكم هذا؟

فقال: « إِذَا دَرَجَ الدارجون (2)، وقلّ المؤمنون ، وذهب المجلبون (3)، فهناك هناك (4) ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ممّن الرّجل ؟ فقال : من بني هاشم ، من ذروة(5) طود (6)

العرب ، وبحر مغيضها (7)

ص: 211


1- الهداية الكبرى للخصيبي : 362.
2- دَرَجَ الرّجل : مشي ، والقوم ماتوا وانقرضوا. والدّارج ، أي إذا مات .
3- المجلبون : المجتمعون من كلّ مكان للحرب وضجّوا وصاحوا، فإذا ذهب هؤلاء.
4- فهناك هناك : كناية عن وقت الظّهور؛ لأنّها من علاماته.
5- الذّروة بضمّ الدّال وكسرها : أعلى مكان الشّيء، وأعلى كلّ شيء .
6- الطّود بفتح الطّاء : الجبل العظيم ، فبنو هاشم قمّة جبل العرب .
7- المغيض : ما يجتمع فيه الماء ، شبّهه (علیه السّلام) ببحر في أطرافه مغائض غدران يجتمع فيها الماء.

إذا وردت ، ومخفر (1) أهلها إذا اُتيت ، ومعدن صفوتها إذا اكتدرت (2)، لايجبن إذا المنايا هكعت(3)، ولا يخور إذا المنون اکتنعت (4)، ولا ينكل إذا الكماة (5) اصطرعت(6)، مشمّر(7)، مغلولب (8)، ظفر (9)، ضرغامة(10)، حصد مخدش

ص: 212


1- المخفر : الحامي والمجير ، أي مأمن العرب وحاميها ومجيرها ، إذا أتی عليها الدّهر.
2- الصّفوة : الخالص، والكدار نقيض الصّافي ، فهو (علیه السّلام) معدن الخلوص عندما يكتدر ويتكدر النّاس لا سيّما العرب.
3- هكعت : أي نزلت ، فهو (علیه السّلام) لا يجبن خوفاً من الموت في المعركة .
4- لا يخور: لا يفتر ولا يضعف . المنون: الموت والدّهر . اكتنع : دنا وقرب ، فهو (علیه السّلام) لايضعف إذا دنت المنون منه.
5- لا ينكل : لا يجبن ولا ينكص. الكماة بضمّ الكاف : جمع الكمي، وهوالشّجاع أو لابس السّلاح.
6- الاصطراع : هو المصارعة ، أي لا ينكص على عقبه ، ولا يفرّ إذا الشّجعان المدجّجون بالسلاح تصارعوا معه.
7- مشمّر : جادّ ، مثل قولهم شمّر فلان عن ساعد الجدّ.
8- مغلولب : متکاثر قوي غالب.
9- ظفر : بکسر الفاء ، وظفير: أي مظفر منتصر ، لا يحاول أمراً، إلّا ظفر به .
10- ضرغامة : بكسر الضّاد ، الأسد والشّجاع .

ذكر(1)، سيف من سيوف الله رأس ، قثم (2)، نشو رأسه في باذخ (3) السّؤدد ، وعارز(4) مجده في أكرم المحتد (5)، فلا يصرفنّك عن بيعته صارف عارض ينوص (6) إلى الفتنة كلّ مناص ، إن قال فشرٌّ ، وإن سکت فذو دعایر» (7).

ص: 213


1- حصد: بكسر الصّاد ، يحصد اُصول الظّالمين وفروع الغيّ والشّقاق . المخدش : بكسر الميم وضمّها هو السّند والكاهل فهو سندهم ومعتمدهم . وقيل : من أخدش ، أي يخدش الكفّار ويطعنهم . والذّكر من الرّجال - بکسر الذّال - هو القوي الشّجاع.
2- قثم: بضمّ القاف وفتح الثّاء ، هو الجموع للخير والّذي كثر عطاؤه ، والرّأس أعلى كلّ شيء وسيّد القوم.
3- الباذخ : المرتفع العالي. السّؤدد : المجد والسّيادة والشّرف ، فهو (علیه السّلام) قد نشأ في أعلى قمم العلو والمجد والسّيادة والشّرف.
4- عارز مجده : أي مجده العارز الثّابت ، منعرز الشّيء في الشّيء إذا أثبته فيه وأدخله.
5- المحتد: يلفظ كمجلس ، هو الأصل ، فمجده (علیه السّلام) عازر وثابت في أكرم الاُصول.
6- ينوص: ينهض ، والمناص هو الملجأ ، ومعنى الجملة : لا يمنعك ولا يصرفك عن بيعته (علیه السّلام) صارف عارض عن بيعته ينهض إلى الفتنة ويتّخذها ملجئأ لنفسه.
7- دعایر : من الدّعارة ، وهي الخبث والفساد والشّرّ والفسق .

ثمّ رجع إلى صفة المهدي (علیه السّلام) ، فقال :

«أوسعکم کھفاً (1)، وأكثركم علماً ، وأوصلكم رحماً، اللّهمّ فاجعل بعثه خروجاً من الغمّة ، واجمع به شمل الاُمة ، فإن خار (2) الله لك فاعزم ، ولا تنثنِ (3) عنه إن وُفّقت له ، ولا تجوزنّ عنه إن هديت إليه ، هاه (4) - وأومأ بيده إلى صدره - شوقاً إلى رؤيته »(5).

17 - لمّا صالح الحسن بن عليّ بن أبي طالب (علیهما السّلام) معاوية بن أبي سفيان ، دخل عليه النّاس فلامه بعضهم على بيعته ، فقال(علیه السّلام) :

« وَيْحَكُمْ مَا تَدْرُونَ مَا عَمِلْتَ ، وَ اللَّهُ الَّذِي عَمِلْتِ خَيْرُ لِشِيعَتِي مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَوْ غُرْبَةُ ، أَلَا تَعْلَمُونَ أَنِّي إِمَامِكُمْ وَ مُفْتَرَضُ الطَّاعَةِ عَلَيْكُمْ ، وَ أَحَدُ سَيِّدَيْ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ بنصّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ؟».

ص: 214


1- الكهف : هو الملاذ والملجأ الّذي يلجأ إليه الإنسان عند شعوره بالخطر .
2- خار : من الخيرة والاستخارة ، وهو طلب الخير .
3- لا تنثنِ : أي لا تنعطف عنه ولا تمل إلى غيره .
4- قوله(علیه السّلام) : «هاه»، مثل «آه»، كأنّه تنفّس الصّعداء ، أو تأوّه متألّماً من شدّة شوقه إليه واشتياقه إلى رؤيته ونصرته ، ولهذا أشار(علیه السّلام) إلى صدره الشّريف وقال متحسّراً : « شوقاً إلى رؤيته».
5- الغيبة للنعماني : 215.

قالوا: بلى.

قال : «أَمَّا عَلِمْتُمْ أَنَّ الْخُضَرَ لِمَا خَرَقَ السَّفِينَةِ وَ أَقَامَ الْجِدَارِ وَ قَتَلَ الْغُلَامُ كَانَ ذَلِكَ سخطأ لموسی بْنِ عِمْرَانَ ( علیه السَّلَامُ ) إِذْ خَفِيَ عَلَيْهِ وَجْهِ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ ، وَ كانَ ذلِكَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى حِكْمَةً وَ صَوَاباً ؟

أَمَّا عَلِمْتُمْ أَنَّهُ مَا مِنَّا أَحَدُ إِلَّا وَ يَقَعُ فِي عُنُقِهِ بِيعَتْ لطاغية زَمَانِهِ إِلَّا الْقَائِمَ الَّذِي يُصَلِّي خَلْفَهُ رُوحَ اللَّهِ عیسی بْنِ مریم ( علیه السَّلَامُ ) فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلٍ يُخْفِي وِلَادَتُهُ ، وَ يَغِيبُ شَخْصُهُ ، لِئَلَّا يَكُونَ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ بِيعَتْ إِذَا خَرَجَ ؟

ذَاكَ التَّاسِعِ مِنْ وُلْدِ أَخِي الْحُسَيْنُ ابْنُ سَيِّدَةِ الْإِمَاءِ ، يُطِيلَ اللَّهُ عُمُرُهُ فِي غَيْبَتِهِ ، ثُمَّ يُظْهِرُهُ بِقُدْرَتِهِ فِي صُورَةِ شَابِّ ابْنِ دُونَ الْأَرْبَعِينَ سَنَةٍ ، ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قدير»(1).

18 - عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الحسين بن عليّ (علیهما السّلام) أنّه قال : «فِي التَّاسِعِ مِنْ وُلْدِي سُنَّةُ مِنْ يُوسُفُ ، وَسْنَةِ مِنْ موسی بْنِ عِمْرَانَ ، وَ هُوَ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ ، يُصْلِحُ اللَّهَ تَبَارَكَ وتعالی

ص: 215


1- الاحتجاج : 10/2 ، ومثل هذا الخبر في البحار : 19/44 و : 132/51 و: 279/52 .

أَمْرُهُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ »(1).

19 - عن الحسين بن عليّ (علیهما السّلام) : « قَائِمُ هَذِهِ الْأُمَّةِ هُوَ التَّاسِعِ مِنْ وَلَدَيَّ ، وَ هُوَ صَاحِبُ الْغَيْبَةِ ، وَ هُوَ الَّذِي يُقْسَمُ مِيرَاثُهُ وَ هُوَ حَيُّ» 2(2).

20- وعنه(علیه السّلام) : «مِنَّا اثْنَا عَشَرَ مَهْدِيَّاً أَوَّلُهُمْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(علیه السّلام) ، وَ آخِرُهُمْ التَّاسِعِ مِنْ وَلَدَيَّ ، وَ هُوَ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ ، يُحْيِيَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ، وَ يَظْهَرُ بِهِ دین الْحَقِّ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، لَهُ غَيْبَةُ يَرْتَدُّ فِيهَا قَوْمٍ ، وَ يَثْبُتُ عَلَى الدِّينِ فِيهَا آخَرُونَ فيؤذون ، وَ يُقَالُ لَهُمْ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ، أَمَا إِنَّ الصَّابِرِ فِي غَيْبَتِهِ عَلَى الْأَذَى وَ التَّكْذِيبُ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِ بِالسَّيْفِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) »(3).

21 - وعنه (علیه السّلام): «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمُ وَاحِدُ لَطَوَّلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلُ مِنْ وُلْدِي يَمْلَؤُهَا عَدْلًا وَ قِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جوراًوظلماً ، كَذَلِكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، يَقُولُ » (4).

ص: 216


1- بحار الأنوار: 133/51 .
2- بحار الأنوار: 133/51 .
3- بحار الأنوار : 385/36 ، ومثله في شرح الأخبار للقاضي النّعمان المغربي : 568/3 .
4- بحار الأنوار: 133/51 .

22 - قيل للحسين(علیه السّلام) : أنت صاحب هذا الأمر؟

قال: « لَا ، لكِنِ صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ الطَّرِيدُ الشَّرِيدُ الْمَوْتُورُ بِأَبِيهِ ، المكنى بِعَمِّهِ ، يَضَعُ سَيْفَهُ عَلَى عَاتِقِهِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ» (1).

23. عن عليّ بن الحسين (علیهما السّلام) ، قال : « الْقَائِمُ مِنَّا تَخْفَى وِلَادَتُهُ عَنِ النَّاسِ حَتَّى يَقُولُوا لَمْ يُولَدْ بَعْدُ ، لِيَخْرُجَ حِينَ يَخْرُجَ وَ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ بِيعَة» (2).

24 - عن علي بن الحسين (علیهما السّلام) : « لَتَأْتِيَنَّ فِتْنَةُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ، لَا يَنْجُو إِلَّا مَنْ أَخَذَ اللَّهُ میثاقه ، أُولَئِكَ مَصَابِيحُ الْهُدَى وَ يَنَابِيعُ الْعِلْمِ ، يُنْجِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ كُلُّ فِتْنَةٍ مَظْلِمَةُ ، كَأَنِّي بِصَاحِبِكُمْ قَدْ عَلَا فَوْقَ نجفكم بِظَهْرِ كُوفَانَ ، فِي ثلاثمأة وَ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، جبرئیل عَنْ يَمِينِهِ ، ومیکائیل عَنْ شِمَالِهِ ، وَ إِسْرَافِيلَ أَمَامَهُ ، مَعَهُ رَايَةَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قَدْ نشرها ، لا يَهْوِي بِهَا إِلَى قَوْمٍ إِلَّا أَهْلَكَهُمُ اللَّهِ عَزَّ وَجِلَ»(3).

25 - وعنه(علیه السّلام) : « يَكُونُ بَعْدَ الحسین ( علیه السَّلَامُ ) تِسْعَةً أَئِمَّةِ ، تاسعهم

ص: 217


1- بحار الأنوار: 134/51 .
2- المصدر المتقدّم : 135.
3- الأمالي للمفيد: 45. بحار الأنوار: 135/51 .

قَائِمِهِمْ »(1).

26 - عن اُمّ هاني الثّقفيّة ، عن الباقر (علیه السّلام) في حديث قال: «هَذَا مَوْلُودُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ ، هُوَ الْمَهْدِيُّ مِنْ هَذِهِ الْعِتْرَةِ ، تَكُونُ لَهُ حَيْرَةٍ وَ غَيْبَةَ يَضِلُّ فِيهَا أَقْوَامُ ، وَ يَهْتَدِي فِيهَا أَقْوَامُ ، وَ يا طُوبَى لَكَ إِنْ أَدْرَكْتَهُ ، وَ يا طوبی لِمَنْ أدرکه» (2).

27 - وعنه (علیه السّلام) أنّه ذكر سيرة الخلفاء الرّاشدين ، فلمّا بلغ آخرهم قال : «الثَّانِي عَشَرَ الَّذِي يُصَلِّي عیسی بْنِ مریم ( علیه السَّلَامُ ) خَلْفَهُ ، عَلَيْكَ بِسُنَّتِهِ وَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ » (3).

28 - عن أبي حمزة الثّمالي ، عن الباقر (علیه السّلام) أنّه قال : «يَا أَبَا حَمْزَةَ ، مِنَ الْمَحْتُومِ الَّذِي حَتَمَهُ اللَّهِ قِيَامُ قَائِمِنَا ، فَمَنْ شَكَّ فِيمَا أَقُولُ لَقِيَ اللَّهَ وَ هُوَ بِهِ کافر».

ثمّ قال: «بِأَبِي وَ أُمِّي الْمُسَمَّى بِاسْمِي ، والمکنّی بکنیتي ، السَّابِعُ مِنْ بَعْدِي ، بِأَبِي ( مِنْ ) يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا ( وَ قِسْطاً )

ص: 218


1- الإرشاد : 347/2 . الاستنصار للكراجكي: 17، وروي عن الصّادق (علیه السّلام) مثله في الصّراط المستقيم للعاملي: 134/2 .
2- کمال الدّين : 330.
3- بحار الأنوار: 137/51 .

كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً .

يَا أَبَا حَمْزَةَ ، مَنْ أَدْرَكَهُ فَيُسَلِّمُ لَهُ مَا سَلَّمَ لِمُحَمَّدٍ وَ عَلَيَّ ، فَقَدْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ، وَ مَنْ لَمْ يَسْلَمْ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ، وَ مَأْواهُ النَّارُ وَ بِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ » (1).

ص: 219


1- بحار الأنوار: 139/51 .

ص: 220

الدّرس الثّامن عشر: الإمام المهدي (علیه السّلام) في الأخبار /2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

29 - عن سدير ، عن الصّادق (علیه السّلام): «إِنَّ فِي الْقَائِمِ ( علیه السَّلَامُ ) شئ مِنْ يُوسُفُ »..

قلت : كأنّك تذكر حيرة أو غيبة ؟

قال لي: « وَ مَا تُنْكَرَ مِنْ هَذَا ، هَذِهِ الْأُمَّةُ أَشْبَاهُ الْخَنَازِيرِ ؟ إِنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ كَانُوا أَسْبَاطاً أَوْلَادَ أَنْبِيَاءِ تَاجَرُوا يُوسُفَ وَ بَايَعُوهُ وَ خَاطَبُوهُ وَهْمُ إِخْوَتُهُ وَ هُوَ أَخُوهُمْ ، فَلَمْ يَعْرِفُوهُ حَتَّى قَالَ لَهُمْ يُوسُفُ : أَنَا یوسف ، فَمَا تُنْكِرُ هَذِهِ الْأُمَّةُ الْمَلْعُونَةُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ يُرِيدُ أَنْ يَسْتُرَ حُجَّتَهُ ؟ لَقَدْ كانَ يُوسُفُ إِلَيْهِ مُلْكُ مِصْرَ ، وَ كَانَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ وَالِدِهِ مَسِيرَةُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً ، فَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ أَنْ يَعْرِفْ مَكَانَهُ لَقَدَرَ عَلَى ذَلِكَ ، وَ اللَّهِ لَقَدْ سَارَ يَعْقُوبَ وَ وُلْدُهُ عِنْدَ

ص: 221

الْبِشَارَةُ تِسْعَةَ أَيَّامٍ مِنْ بَدْوِهِمْ إِلَى مِصْرَ ، فَمَا تُنْكِرُ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ يَفْعَلُ بِحُجَّتِهِ مَا فُعِلَ بِيُوسُفَ أَنْ يَكُونَ يَسِيرُ فِي أَسْوَاقِهِمْ ،وَ يَطَأَ بُسُطَهُمْ ، وَهْمُ لَا يَعْرِفُونَهُ حَتَّى يَأْذَنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ أَنْ يُعَرِّفَهُمْ نَفْسِهِ كَمَا أَذِنَ لِيُوسُفَ حِينَ قَالَ : « هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ *قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي »(1)»(2).

30 - عن الصّادق(علیه السّلام) : «مَنْ أَقَرَّ بِجَمِيعِ الْأَئِمَّةِ وَ جَحَدَ الْمَهْدِيِّ ، كَانَ كَمَنْ أَقَرَّ بِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَ جَحَدَ مُحَمَّداً ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) نَبْوَتُهُ» .

فقيل له : يابن رسول الله ، فمن المهدي من ولدك ؟

قال : «الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِعِ ، يَغِيبُ عَنْكُمْ شَخْصُهُ ، وَ لَا يَحِلُّ لَكُمْ تَسْمِيَتُهُ»(3).

31 - وعنه(علیه السّلام) : «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى خَلَقَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ نُوراً قَبْلَ خَلَقَ الْخَلْقَ بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفِ عَامٍ ، فَهِيَ أَرْوَاحُنَا ».

ص: 222


1- سورة يوسف: 89 و 90.
2- بحار الأنوار: 283/12 و : 142/51 ، وعنه (علیه السّلام) في الخرائج والجرائح للراوندي مثله مع اختلاف يسير ، وهكذا في دلائل الإمامة : 531.
3- بحار الأنوار :143/51 . ومثله في 145/51 باختلاف يسير ، وفي كمال الدّين : 333 و 338 و 411.

فقيل له : يابن رسول الله ، ومن الأربعة عشر ؟

فقال : « مُحَمَّدُ وَ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ ، وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنُ ، آخِرُهُمُ الْقَائِمَ الَّذِي يَقُومُ بَعْدَ غَيبَتِهِ فَيُقْتَلُ الدَّجَّالِ وَ يُطَهِّرُ الْأَرْضَ مِنْ كُلِّ جَوْرٍ وَ ظَلَمَ» (1).

32 - وعنه (علیه السّلام) وذكر المهدي : «وَ هُوَ الثَّانِي عَشَرَ مِنِ الْأَئِمَّةِ الْهُدَاةُ » ، ثُمَّ قَالَ : «وَ اللَّهِ لَوْ بَقِيَ فِي غَيْبَتِهِ مَا بَقِيَ نُوحُ فِي قَوْمِهِ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يُظْهِرَ فَيَمْلَأَ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلًا ، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً»(2).

33 - وعنه (علیه السّلام) : «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غَيْبَةً ، الْمُتَمَسِّكُ فِيهَا بِدِينِهِ كَالْخَارِطِ لشوك الْقَتَادَةِ بِيَدِهِ » ، ثُمَّ أَطْرَقَ ملا ، ثُمَّ قَالَ : « إِنَّ الصَّاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غِيبَةَ ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ عَبْدُ وَ لْيَتَمَسَّكْ بِدِينِهِ»(3).

ص: 223


1- بحار الأنوار: 23/51 : 144/51 . وفي 4/25 مثله باختلاف يسير ، وهكذا في 115/25 ، وأيضاً في الصّراط المستقیم: 2/ 134.
2- بحار الأنوار: 80/42 ، وفي 317/47 باختلاف يسير ، وهكذا في 51/ 145.
3- الغيبة للنعماني : 169، وبحار الأنوار: 112/52 ، ومثله في غيبة الطوسي: 455، باختلاف يسير ، وهكذا في بحار الأنوار: 145/51 ، وفي 135/52 أيضاً.

34 - وعنه (علیه السّلام) ، عن القائم (علیه السّلام) : «يَا أَبَا بَصِيرٍ ، هُوَ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ ابْنِي مُوسى ، ذَلِكَ ابْنُ سَيِّدَةِ الْإِمَاءِ ، يَغِيبُ غَيْبَةً يَرْتَابُ فِيهَا الْمُبْطِلُونَ ، ثُمَّ يُظْهِرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ فَيُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبِهَا ، وَ يُنَزِّلُ رُوحَ اللَّهِ عیسی بْنِ مریم فَيُصَلِّي خَلْفَهُ ، وتشرق الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها ، وَ لَا تَبْقَى فِي الْأَرْضِ بُقْعَةً عَبْدُ فِيهَا غَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلٍ إِلَّا عَبْدُ اللَّهِ فِيهَا ، وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ »(1).

35 - عن الصادق (علیه السّلام) أيضاً: «يُنْتَجُ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ رَجُلًا مِنِّي وَ أَنَا مِنْهُ ، يَسُوقُ اللَّهُ بِهِ برکات السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرْضِ ، فَتُنْزِلُ السَّمَاءُ قَطْرَهَا ، وَ تُخْرِجُ الْأَرْضُ بَذْرِهَا ، وَ تَأْمَنَ وحوشها وسباعها ، وَ يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً ، وَ يُقْتَلُ ، حَتَّى يَقُولَ الْجَاهِلِ : لَوْ كانَ هَذَا مِنْ ذُرِّيَّةِ مُحَمَّدٍ لَرَحِمَ »(2).

36 - وعن الإمام الكاظم (علیه السّلام) في حديث : قيل له : ويكون في الأئمّة من يغيب ؟

قال : «نَعَمْ ، يَغِيبُ عَنْ أَبْصَارِ النَّاسِ شَخْصُهُ وَ لَا يَغِيبُ عَنْ قُلُوبِ

ص: 224


1- بحار الأنوار: 146/51 . كمال الدّين : 345.
2- بحار الأنوار: 146/51 .

الْمُؤْمِنِينَ ذَكَرَهُ ، وَ هُوَ الثَّانِي عَشَرَ مِنَّا ، يُسَهِّلُ اللَّهُ لَهُ كُلَّ عَسِيرُ ، وَ يُذَلِّلُ لَهُ كُلَّ صَعْبٍ ، وَ يَظْهَرُ لَهُ کنوز الْأَرْضِ ، وَ يُقَرِّبُ لَهُ كُلَّ بَعِيدٍ ، وَ يُبِيرُ بِهِ كُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ، وَ يُهْلِكُ عَلَى يَدَيْهِ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ ، ذَاكَ ابْنُ سَيِّدَةِ الْإِمَاءِ ، الَّذِي تَخْفَى عَلَى النَّاسِ وِلَادَتُهُ ، وَ لَا يَحِقُّ لَهُمْ تَسْمِيَتُهُ حَتَّى يُظْهِرَهُ ( اللَّهُ ) عَزَّ وَجَلٍ فَيَمْلَأَ بِهِ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلًا ، كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً » (1).

37 - وعنه (علیه السّلام) : أنّه قيل له : يابن رسول الله ، أنت القائم بالحق؟

فقال: «أَنَا الْقَائِمُ بِالْحَقِّ ، وَ لَكِنَّ الْقَائِمَ الَّذِي يُطَهِّرُ الْأَرْضَ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجِلَ ، وَ يَمْلَؤُهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً ، هُوَ الْخَامِسُ مِنْ وَلَدَيَّ ، لَهُ غَيْبَةُ يَطُولُ أَمُدِّهَا خَوْفاً عَلَى نَفْسِهِ ، يَرْتَدُّ فِيهَا أَقْوَامُ ، وَ يُثْبِتُ فِيهَا آخَرُونَ» .

ثمّ قال (علیه السّلام): «طوبی لِشِيعَتِنَا المتمسّكين بحبلنا فِي غِيبَةٍ قَائِمُنَا ، الثَّابِتِينَ عَلَى مُوَالَاتِنَا ، وَ الْبَرَاءَةُ مِنْ أَعْدَائِنَا ، أُولَئِكَ مِنَّا ، وَ نَحْنُ مِنْهُمْ قَدْ رَضُوا بِنَا أَئِمَّةِ ، وَ رَضِينَا بِهِمْ شِيعَةُ ، فَطُوبَى لَهُمْ ، ثُمَّ طُوبَى لَهُمْ . وَهْمٍ وَ اللَّهِ مَعَنَا فِي دَرَجَاتِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ »(2).

ص: 225


1- بحار الأنوار: 150/51 ، وجاء في كمال الدين : 368 باختلاف يسير .
2- کمال الدّين: 361، وجاء في كفاية الأثر للخزّاز القمّي: باختلاف يسير ، وهكذا في البحار : 151/51 ، وفي کشف الغمّة : 3/ 33.

38 - وعن الهروي ، قال : سمعت دعبل بن عليّ الخزاعي يقول : أنشدتُ مولاي عليّ بن موسی الرضا (علیهما السّلام) قصيدتي الّتي أوّلها :

مدارسُ آیات خَلَتْ من تلاوةٍ*** ومنزلُ وحيٍ مُقفرُ العرصات

فلمّا انتهيت إلى قولي:

خروج إمام لامحالة خارج*** يقوم على اسم الله والبركاتٍ

يميز فينا كلَّ حقٍّ وباطلٍ*** ويجزي على النّعماء والنّقماتٍ

بکی الرّضا(علیه السّلام) بكاءً شديداً ، ثمّ رفع رأسه إليَّ فقال لي : «یا خُزَاعِيُّ ، نَطَقَ رُوحُ الْقُدُسِ عَلَى لِسَانِكَ بِهَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ ، فَهَلْ تَدْرِي مَنْ هَذَا الْإِمَامِ ، وَ مَتَى يَقُومُ ؟».

فقلت : لا، یا مولاي إلّا أنّي سمعت بخروج إمام مسنكم يُطهّر

الأرض من الفساد، ويملؤها عدلاً (كما ملئت جوراً ) ، فقال :

«یا دِعْبِلُ ، الْإِمَامُ بَعْدِي مُحَمَّدِ ابْنِي ، وَ بَعْدُ مُحَمَّدُ ابْنِهِ عَلَيَّ ، وَ بَعْدُ عَلِيِّ ابْنِهِ الْحَسَنِ ، وَ بَعْدُ الْحَسَنِ ابْنُهُ الْحُجَّةِ الْقَائِمِ الْمُنْتَظَرُ فِي غَيْبَتِهِ ، الْمُطَاعِ فِي ظُهُورِهِ ، لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمُ وَاحِدُ لَطَوَّلَ اللَّهُ عزوجل ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَخْرُجَ فَيَمْلَؤُهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً،

ص: 226

وَ أَمَّا مَتَى ؟ فإخبار عَنِ الْوَقْتِ ، وَ لَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي ، عن أَبِيهِ ، عَنْ آبَائِهِ ( علیهم السَّلَامُ ) عَنْ أَنَّ النَّبِيِّ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قِيلَ لَهُ : یا رَسُولَ اللَّهِ ، مَتَى يَخْرُجُ الْقَائِمِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ ؟ فَقَالَ : مَثَلُهُ مَثَلُ السَّاعَةِ الَّتِي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاَّ هُوَ . ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ، لا تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً »(1).

39 - عن محمّد بن عليّ الجواد (علیهما السّلام) ، قال : «إِنَّ الْقَائِمَ مِنَّا هُوَ الْمَهْدِيُّ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يَنْتَظِرَ فِي غَيْبَتِهِ ، وَ يُطَاعُ فِي ظُهُورِهِ ، وَ هُوَ الثَّالِثُ مِنْ وَلَدَيَّ ، وَ الَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بِالنُّبُوَّةِ ، وَ خَصَّنَا بِالْإِمَامَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمُ وَاحِدُ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَخْرُجَ فِيهِ ، فَيَمْلَأَ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلًا ، كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً ، وَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لِيُصْلِحَ أَمْرُهُ فِي لَيْلَتِهِ ، كَمَا أَصْلَحَ أَمْرَ كليمه موسی ( علیه السَّلَامُ ) ؛ إِذْ ذَهَبَ لِيَقْتَبِسَ لِأَهْلِهِ نَاراً فَرَجَعَ وَ هُوَ رَسُولُ نَبِيٍّ »

ثمّ قال(علیه السّلام) : «أَفْضَلُ أَعْمَالِ شیعتنا انْتِظَارُ الْفَرْجِ» (2).

ص: 227


1- كمال الدّين : 373، ومثله باختلاف يسير في البحار ، وفي کفاية الأثر للخزّاز : 276، وعيون أخبار الرّضا (علیه السّلام) : 297/1 . شرح الأخبار للمغربي : 352/3 . بحار الأنوار : 237/49 و : 154/51 .
2- کمال الدّين : 377. ومثله باختلاف يسير في كفاية الأثر للخزّاز : 281، والخرائج والجرائح: 1171/3 ، الصّراط المستقيم للعاملی: 2/ 231، وبحار الأنوار : 156، وإعلام الوری: 242/2 .

40 - عن عبد العظيم الحسني : قلت لمحمّد بن عليّ بن موسی (علیه السّلام) : إنّي لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد ، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

فقال : «يَا أَبَا الْقَاسِمِ ، مَا مِنَّا إِلَّا قَائِمُ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجِلَ ، وَ هَادٍ إِلَى دِينِ اللَّهِ ، وَ لَسْتُ الْقَائِمُ الَّذِي يُطَهِّرُ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ وَ الْجُحُودِ ، وَ يَمْلَؤُهَا عَدْلًا وَ قِسْطاً ، هُوَ الَّذِي يَخْفَى عَلَى النَّاسِ وِلَادَتُهُ ، وَ يَغِيبُ عَنْهُمْ شَخْصُهُ ، وَ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ تَسْمِيَتُهُ ، وَ هُوَ سَمِيُّ رَسُولِ اللَّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وَ كَنِيُّهُ ، وَ هُوَ الَّذِي تُطْوَى لَهُ الْأَرْضِ ، وَ يَذِلُّ لَهُ كُلَّ صَعْبٍ ، يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِهِ عَدَدِ أَهْلِ بَدْرٍ ، ثلاثماة وَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، مِنْ أَقَاصِي الْأَرْضِ ، وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجِلَ : «أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » (1) ، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ لَهُ هَذِهِ الْعِدَّةُ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ ، أَظْهَرَ أَمْرِهِ ، فَإِذَا أَكْمَلَ لَهُ الْعَقْدِ وَ هُوَ عَشَرَةُ آلَافِ رَجُلٍ ، خَرَجَ بِإِذْنِ اللَّهِ ، فَلَا يَزَالُ يُقْتَلُ أَعْدَاءِ اللَّهِ حَتَّى يَرْضَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى ».

قلت له : يا سيّدي ، وكيف يعلم أنّ الله قد رضي ؟

ص: 228


1- سورة البقرة : 148.

قال : «يُلْقِيَ فِي قَلْبِهِ الرَّحْمَةُ»(1).

41- وعنه(علیه السّلام) : «الْإِمَامُ بَعْدِي ابْنِي ، أَمْرُهُ أَمْرِي ، وَ قَوْلُهُ قَوْلِي ، وَ طَاعَتِهِ طَاعَتِي» ، وذكر في ابنه الحسن مثل ذلك ثمّ سكت ، فقيل له : یابن رسول الله ، فمن الإمام بعد الحسن ؟ فبکی (علیه السّلام) بكاءً شديداً.

ثمّ قال : «إِنَّ مِنْ بَعْدَ الْحَسَنِ ابْنِهِ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ ، الْمُنْتَظَرُ» ، فقيل : یابن رسول الله ولم سمّي القائم ؟

قال: «لِأَنَّهُ يَقُومُ بَعْدَ مَوْتِ ذَكَرَهُ ، وَ ارْتِدَادُ أَكْثَرَ الْقَائِلِينَ بِإِمَامَتِهِ» . قيل : ولم سُمّي المنتظر ؟

قال: «لِأَنَّهُ لَهُ غَيْبَةُ تُكْثِرُ أَيَّامُهَا ، وَ يَطُولُ أَمُدِّهَا ، فَيُنْتَظَرُ خُرُوجِهِ الْمُخْلِصُونَ ، وَ يُنْكِرُهُ الْمُرْتَابُونَ ، وَ يَسْتَهْزِئُ بِذَكَرِهِ الْجَاحِدُونَ ، وَ يُكَذِّبُ فِيهَا الْوَقَّاتُونَ ، وَ يُهْلَكُ فِيهَا الْمُسْتَعْجِلُونَ ، وَ يَنْجُو فِيهَا الْمُسْلِمُونَ» (2).

ص: 229


1- بحار الأنوار: 157/51 و : 283/52 ، ومثله باختلاف يسير في: إعلام الوری: 242/2 ، والاحتجاج : 250/2 ، وكفاية الأثر: 282، وكمال الدّين: 378.
2- کمال الدّين : 378، بحار الأنوار: 30/51 و : 158/51 . الأنوار البهيّة : .347

42 - عن الإمام عليّ بن محمّد الهادي (علیهما السّلام) : « الْخَلَفُ مِنْ بَعْدِيَ ابْنِي الْحَسَنُ ، فَكَيْفَ لَكُمْ بِالْخَلَفِ بَعْدَ الْخَلَفَ ؟».

فقلت : ولِمَ جعلني الله فداك ؟

فقال : « لِأَنَّكُمْ لَا تَرَوْنَ شَخْصَهُ ، وَ لَا يَحِلُّ لَكُمْ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ » . قلت : فكيف نذكره؟

قال : « قُولُوا الْحُجَّةُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )»(1).

43 - وعنه (علیه السّلام) : «صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يُولَدْ بَعْدُ» (2).

44 - عن محمّد بن عليّ بن بلال أنّه قال : خرج إليَّ من أبي محمّد الحسن بن عليّ العسكري (علیه السّلام) قبل مضيّه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده ، ثمّ خرج إليَّ من قبل مضيّه بثلاثة أيّام يخبرني بالخلف من بعده(3).

45 - وعن أبي هاشم الجعفري ، قال : قلت لأبي محمّد الحسن بن

ص: 230


1- كمال الدّين : 381، 648. كفاية الأثر للخزّاز : 289 ، ومثله أحاديث كثيرة لكن باختلاف يسير.
2- الخرائج والجرائح : 1173/3 . بحار الأنوار : 159/51 .
3- الإرشاد: 348/2 ، ومثله باختلاف يسير في بحار الأنوار : 335/51 .

عليّ (علیه السّلام) : جلالتك تمنعني من مسألتك ، أفتأذن لي أن أسألك ؟

فقال : «سَل».

فقلت : يا سيّدي ، هل لك ولد ؟

قال : «نعم».

فقلت : فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه ؟

قال : «بالمدينة» (1).

46 - عن عمروالأهوازي ، قال : أراني أبو محمّد (علیه السّلام) ابنه ، وقال : «هَذَا صَاحِبُكُمْ بَعْدِي »(2).

47 - وعن العمري ، قال : مضى أبو محمّد (علیه السّلام) وخلف ولداً له(3).

48 - وعن أبي محمّد العسكري (علیه السّلام): «كَأَنِّي بِكُمْ وَقَدْ اخْتَلَفْتُمْ بَعْدِي فِي الْخَلَفِ مِنِّي ، أَمَا إِنَّ الْمُقِرُّ بِالْأَئِمَّةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ،

ص: 231


1- شرح اُصول الكافي : 226/6 . ومثله باختلاف يسير في: الكافي: 328/1 . روضة الواعظين: 262. الإرشاد: 348/2 . الغيبة للطوسي : 232. بحار الأنوار : 161/51 . کشف الغمّة : 246/3.
2- روضة الواعظين : 262. شرح الأخبار لمغربي : 314/3 . الإرشاد : 348/2 . إعلام الوری: 252/2 . کشف الغمّة : 246/3 .
3- الإرشاد: 349/2 . المستجاد من الإرشاد للعلّامة الحلّى : 238. کشف الغمّة : 3/ 246.

الْمُنْكَرُ لِوُلْدِي ، كَمَنْ أَقَرَّ بِجَمِيعِ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ وَ رُسُلِهِ ثُمَّ أَنْكَرَ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وَ الْمُنْكَرِ لِرَسُولِ اللَّهُ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) كَمَنْ أَنْكَرَ جَمِيعِ أَنْبِيَاءِ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ طَاعَةِ آخِرَنَا كَطَاعَةِ أَوَّلِنَا ، وَ الْمُنْكَرِ لآِخِرِنَا کالمنكر لِأَوَّلِنَا ، أَمَا إِنَّ لِوُلْدِي غَيْبَةَ يَرْتَابُ فِيهَا النَّاسِ إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجِلَ » (1).

49 - عن محمّد بن عثمان العمري ، عن أبيه ، قال : سئل أبو محمّد الحسن بن عليّ(علیهما السّلام) وأنا عنده عن الخبر الّذي روي عن آبائه (علیهم السّلام) : «أَنَّ الْأَرْضِ لَنْ تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ لِلَّهِ عَلَى خَلْقِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَأَنْ مَنْ مَاتَ وَ لَمْ يَعْرِفْ إِمَامَ زَمَانِهِ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».

فقال (علیه السّلام) : «إِنَّ هَذَا حَقُّ كَمَا أَنَّ النَّهَارَ حَقُّ ».

فقيل له : يابن رسول الله ، فمن الحجّة والإمام بعدك ؟

فقال : «ابْنِي مُحَمَّدُ هُوَ الْإِمَامُ وَ الْحُجَّةُ بَعْدِي ، مَنْ مَاتَ وَ لَمْ يَعْرِفْهُ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ، أَمَا إِنَّ لَهُ غَيْبَةُ يَحَارُ فِيهَا الْجاهِلُونَ ، وَ يُهْلَكُ فِيهَا الْمُبْطِلُونَ ، وَ يُكَذِّبُ فِيهَا الْوَقَّاتُونَ ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْأَعْلَامِ الْبَيْضِ تخفق فَوْقَ رَأْسِهِ بِنَجَفِ الْكُوفَةِ »(2).

ص: 232


1- کمال الدّين : 409، ومثله في بحار الأنوار: 160/51 مع اختلاف يسير ، وفي إعلام الوری : 252/2 ، وهكذا في كشف الغمّة : 3/ 335.
2- إعلام الوری : 253/2 ، ومثله باختلاف يسير في كشف الغمّة 3/ 335، وكفاية الأثر: 296.

50 - عن أحمد بن إسحاق بن سعد ، قال : سمعت أبا محمّد الحسن بن عليّ العسكري (علیهما السّلام) يقول : « الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُخْرِجْنِي مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى أَرَانِيَ الْخَلَفُ مِنْ بَعْدِي ، أَشْبَهَ النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهُ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) خَلْقاً وَ خُلُقاً ، وَ يَحْفَظَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فِي غَيْبَتِهِ ، ثُمَّ يُظْهِرُهُ فَيَمْلَأَ الْأَرْضَ عَدْلًا وَ قِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً»(1).

ص: 233


1- کمال الدّين : 409. كفاية الأثر: 295. بحار الأنوار : 161/51 .

ص: 234

الدّرس التّاسع عشر: شبهات وردود /1

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ورد في بعض أحاديث العامّة عن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : «المهدی مِنْ وَلَدَيَّ ، اسْمُهُ اسْمِي ، وَ اسْمُ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي » ، ونحن نقول : إنّ أباه الإمام الحسن العسكري (علیه السّلام) كما قالوا أيضاً إنّه من صلب الحسن بن علىّ (علیهما السّلام) ، وهو عندنا من صلب الحسين(علیه السّلام) فما الحلّ ؟ * أوّلاً : لقلّة اهتمام العامّة بشأن المهدي عجّل الله فرجه ، ممّا أدّى هذا التّساهل وعدم الاهتمام إلى وضع أخبار وأحاديث محرّفة في كتبهم عن المهدي(علیه السّلام) ، ليصرفوا وجه الاُمّة عن المهدي المنتظر الموعود أرواحنا فداه ، رغم اعترافهم بأنّه (علیه السّلام) من عترة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وقد عهدنا

ص: 235

منهم ذلك في كلّ ما يثبت موقفاً أو فضيلة أو مقاماً لأهل البيت صلوات الله عليهم.

ثانياً : لعبت الأنظمة السياسية، لاسيّما في العهد العبّاسي ، دوراً كبيراً في وضع هذه الأحاديث والترويج لها صرفاً للوجوه عن المهدي صلوات الله عليه ، وهذه الحالة ظهرت في عصر أبي العبّاس السفّاح والمنصور الدّوانيقي قبل قيام بني العبّاس وإنشاء ملكهم حين سعی بنو العبّاس وأزلامهم إلى تنصيب محمّد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (علیهما السّلام) بعد أن لقّبوه بالمهدي الموعود ليصرفوا وجوه النّاس عن الإمامين الباقر والصادق (علیهما السّلام) بعد أن لم يستجيبا للقيام معهم على الدولة الاُمويّة ، وهكذا ليصرفوا الوجوه عن سائر أئمّة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين ، تبعاً لذلك ، وإن قام وخرج محمّد بن عبدالله (رضی الله عنه) بعد ذلك على المنصور في خلافته ، حتّى نال الشّهادة على يديه(1).

ص: 236


1- راجع: مقاتل الطالبيّين : 166 - 183. المسائل الجاروديّة للشيخ المفيد: 11. هامش الاحتجاج : 131 و 153. الخرائج والجرائح: 764. عمدة الطّالب لابن عنبسة: 51، و : 105.102 . بحار الأنوار : 205/47و: 291/47 .

ثالثاً : تكرّرت الحالة ذاتها في عهد المهدي العبّاسي الّذي ادّعى أيضاً أنّه المهدي الموعود(1)، وكان اسمه محمّد المهدي ابن عبدالله المنصور.

رابعاً : وعادت هذه الدّعوى في العهد الفاطمي - في الدّولة الفاطمية - إبّان حكم الخليفة الفاطمي الأوّل المهدي أو الثّالث المنصور بالله ، أو المعزّ لدين الله ، الّذي ادّعى المهدويّة لنفسه، وغيرهما (2).

وكيف كان فإنّه زور و بهتان وتزوير للحقائق المسلّمة ، وتلاعب في التّأريخ ، بل هو تزوير وتلاعب في عقائد المسلمين ، وهو من أقبح أنواع التّزوير وأشنعه ، الّذي يكشف عن مدى حقد رواتها ، ومدی حقد هؤلاء الوضّاعين الكذّابين ، لأهل بیت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وعترته الهاديّة ، ويعبّر عن صلافة الواضعين والرّاوین لها ، وجهل المعتقدین بها ، وسيأتي في محلّه إن شاء الله تعالى جملة ممّن ادّعى المهدويّة.

ص: 237


1- بحار الأنوار: 86/51 ، الهامش (1) و : 189/51 ، الهامش (1) أيضاً . معجم أحادیث الإمام المهدي (علیه السّلام) الكوراني : /65 و: 189/1 .
2- شرح الأخبار للنعماني : 88/1، وفي : 62/2 و 293 و 249 و 350، وراجع هامش الجزء الثّاني منه للمحقّق المدقّق العلّامة السيّد الجلالي - دام عزّه - صفحة 350.

* كلّ ما ورد في هذا الفصل من الأحاديث كان عن المصادر الشّيعيّة ، فهلّا أوردتم شيئاً بهذا الخصوص عن مصادر

غيرهم من المسلمين ؟

* بلى ، سيأتي في الفصل القادم بحث مفصّل حول المهدي صلوات الله عليه في مصادر المسلمين ، وأقوال علماء الفريقين ، إن شاء الله تعالى .

* في بعض الأخبار أنّ المهدي صلوات الله عليه سيأتي بدين

جديد ، فهل هذا صحيح؟ وما المراد منه ؟

* نعم ، ورد ذلك على لسان المعصومين عليهم صلوات الرّحمن ، واشتهر عنهم ، وليس المراد أنّه سيأتي بدين سوی دین جدّه المصطفى(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، بل يكون الدّين قبل ظهوره أروحنا له الفداء قد انطمس نوره ، واندر ست معالمه، و حُرِّفت أحكامه ، واُخفيت حقائقه ، كما سيأتي تفاصيلها في الأبواب الّتي عقدناها لبيان علامات قبل الظّهور ، ومنها قوله عليه الصّلاة والسّلام : «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانُ لَا يَبْقَى مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا اسْمُهُ ، وَ لَا مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا رَسْمُهُ »(1).

ص: 238


1- الكافي: 308/8 . کنز العمّال : 280/11 . ومثله باختلاف يسير روایات كثيرة في كتب الطرفين . وقال مولانا أمير البيان صلوات الله وسلامه عليه: «مَا تَتَعَلَّقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا بِاسْمِهِ ، وَ لَا تَعْرِفُونَ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا رَسْمَهُ» . نهج البلاغة : 2/ 155. وقال (علیه السّلام) : «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانُ لَا يَبْقَى فِيهِمْ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا رَسَمْهُ ، وَ مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا اسْمُهُ » - نهج البلاغة : 4/ 87.

أضف إلى ذلك اختلال أحوال المؤمنين وارتداد أكثرهم عن الدّين وانحرافهم عن الصّراط المبين ، تبعاً لوقوع الخلل والانحراف في الشّريعة الغرّاء ، حتّى يصير المؤمن كالكبريت الأحمر ، بل أعزّ منه ومن حمر النّعم ، وحينئذٍ يبدو إحياء الدّين و تجدید معالمه بمثابة الإتيان بدین جدید ؛ إذ الجيل الّذي يظهر فيه مولانا الإمام المهدي روحي فداه أبعد ما يكون عن روح الإسلام وأحكامه وقوانينه بسبب ما يحدق به من سوء التّعليم والتّربية ، ولهذا نسبت هذه المقولة إلى النّاس المعاصرين لظهور الحجّة صلوات الله عليه.

وهذا لا يمنع من وجود طائفة قليلة العدد ، ضعيفة العدّة والمدد ، لا يكترثون بما حلٌ بعامّة النّاس ، وما يجري على معظم الشّعوب ، من الوقوع في حبائل الفتن «أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ » (1) والسّقوط في هاوية الضّلال ، «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ

ص: 239


1- سورة العنكبوت: 2.

وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ »(1) ؛ لتكون هذه الفئة القليلة اُمّة تهدي إلى الحقّ و تتمسّك بأواصر الدّين المبين ، رابطة الجأش ، ثابتة القدم ، راسخة الخطى ، لا تأخذها في الله لومة لائم ، وهي الفرقة الناجية المتمسّكة بالحبل المتين : «إِنِّي تَارِكُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي ، مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَبَداً (2)، فتكون حجّة على سائر الطّوائف والاُمم، يحتجّ بهم على من استسلم منهم للغواية ، و من مال عن سبل الهداية .

* ما جاء في بعض الأخبار - كالحديث الثّالث - أنّ «مَنْ أَنْكَرَ الْقَائِمِ مِنْ وُلْدِي فَقَدْ أنكرني » ، فَمَا وَجْهِ الملازمة بَيْنَ إِنْكَارَ الْإِمَامِ الْمَهْدِيِّ ( علیه السَّلَامُ ) وَ بَيْنَ إِنْكَارِهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ؟

ص: 240


1- سورة البقرة : 214.
2- خلاصة عبقات الأنوار: 28/1 . ومثله باختلاف يسير أو كثير في الألفاظ مع اتّحاد في المعنی: مناقب أمير المؤمنين (علیه السّلام) : 113/2 ، المسترشد للطبري الشّيعي: 559. دلائل الإمامة : 20. الهداية الكبرى للخصيبي : 18. التّعجب للكراجكي : 28. أمالي المفيد: 36. أمالي الطّوسي : 223. الاحتجاج : 147/2 . العمدة لابن يطریق: 71. ذخائر العقبی : 16. بحار الأنوار: 2/ 100، 226 و 21/5 .

* الوجه في غاية الوضوح بعد الّذي ذكرناه في المقدّمة ، وفي طيّ الدروس السابقة ، محصّل ذلك أنّ الإمام المهدي أرواحنا له الفداء هو الوصيّ الخاتم للنبيّ الخاتم (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الّذي تعقد على ظهوره آمال الأنبياء ، وجاءت به وبدولته بشارات الكتب السّماويّة ، والمأمول الّذي تتحقّق به وبظهوره دولة الحقّ ، فهو عصارة جهود الأنبياء، لاسيّما نبيّنا(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وخلاصة شرائع السّماء ، سيّما الشّريعة الإسلاميّة الغرّاء ؛ إذ بصارمه المحمّدي ينقطع دابر الكفر والنفاق «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ »(1)، وبصولته الحيدريّة تتحقّق إرادة الله تبارك وتعالى في خلقه ، وحكمته في أرضه وسماءه ، وبطلعته البهيّة تشرق الأرض بنور ربّها ، وبيديه ينصب میزان العدل في أرجاء المعمورة ، وبخروجه تظهر آيات الله والاؤه وبیّناته ، وتقطع أيدي الظّالمين ، ويجرّ الظّلم أذيال الخيبة من الأرض ليرحل بشقاءه من غير رجعة ، فلا يكون الحكم إلّا لله ، ولا يكون التّحكيم إلّا إلى وليّ الله أرواحنا فداه ، ليملأها قسطاً وعدلاً بعدما ملئت جوراً و ظلماً ، وإذا تمّ ذلك تجلّى لك وجه الملازمة بين إنكار هذا صلوات الله عليه وإنكار ذاك(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ؛ إذ ينجز الله على يدي هذا ما وعد به ذاك(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، فالوصي

ص: 241


1- سورة البقرة : 193.

الخاتم أرواحنا له الفداء يحقّق كلّ ما جاء به ومن أجله النبيّ الخاتم (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ).

ص: 242

الدّرس العشرون: شبهات وردود /2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

* في الحديث التّاسع المروي عن رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : «ذَاكَ الَّذِي وَجَّهَهُ کالدينار ، وَ أَسْنَانِهِ کالمنشار ، وَ سَيْفَهُ كحريق النَّارِ ، يُدْخِلُ الْجَبَلِ ذَلِيلًا ، وَ يَخْرُجُ مِنْهُ عَزِيزاً . . . الخ » هَلَّا وَضَحَتْ لَنَا ذَلِكَ كُلِّهِ ؟

أمّا قوله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : « وَجْهَهُ كالدينار » فإنّه يرمز إلى أنّ وجهه يتلألأ کدینار الذّهب وقطعة الذّهب المصفّى في سماحته وبشاشته وصفائه وصدقه ووضوحه وخلوّه من الغشّ والرّياء والشّوائب كلّها.

وأمّا قوله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : « أسنانه کالمنشار» لعلّة بيان لوصف أسنانه أنّها مرتّبة على هيئة أسنان المنشار ، أي غير متلاصقة ، بل بينها فواصل

ص: 243

و فجوات ، ولعلّه إشارة إلى أنّ بيانه فرقان كحدّ المنشار يفصل بين الحقّ والباطل.

و «سیفه کحريق النّار» إشارة إلى أنّه سيخرج بسيف رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وهو ذو الفقار ، الّذي في قطعه لدابر الظّالمين ، واستئصال الكافرين والمعاندین كحديد من النّار ، أو كحريق من النّار يُصبّ فوق رؤوسهم.

وأمّا دخوله روحي له الفداء الجبل ذليلاً ، فإشارة إلى قلّة ناصریه ووحدته في أزمنة حال الغيبة ، وخروجه بعد ذلك منه عزیزاً منصوراً عند اكتمال ناصریه واجتماع الخلق إليه وانقيادهم له.

* جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَشْرَةَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ : « أَلَا فَمَنْ ثَبَتَ مِنْهُمْ عَلَى دِينِهِ لَمْ يَقْسُ قَلْبُهُ لِطُولِ أَمَدَ غَيْبَةَ إِمَامَهُ » ، فَمَا الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ ؟

* المراد أنّ الانقطاع عن الإمام المعصوم أيّاً كان ، وعدم الاتّصال به مباشرة يبعث على قساوة القلب ونسيان الآخرة ونتيجته تكون «نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ » (1)و: «نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ» (2) ؛

ص: 244


1- سورة الحشر : 19.
2- التّوبة : 67.

لأنّه الحجّة الّذي يذكّر العبد بالله تعالى وبالآخرة ، والحبل المتين الّذي يوصله ويربطه بربّه جلّ وعلا ، ممّا يحول دون قساوة قلبه ، ويقرّبه إلى ربّه جلّت عظمته ، فكان لابدّ من وجود بديل ينفي قساوة القلب عن العبد ، ويعوّضه عن انقطاعه عن إمامه(علیه السّلام) ، ولا بديل عن ذلك إلّا التّعلّق والارتباط به مع الواسطة من خلال أصحابه ونوّابه ووكلاءه الخواصّ ، أونوّابه بالنيابة العامّة كالفقهاء والمجتهدین والعلماء والمحدّثين ممّن توفّرت فيهم الخصال الحميدة من الورع والتّقوى ، فيعمل بما رووه عنه (علیه السّلام) وأفتوا به في كافّة مجالات الحياة ومرافقها ، وهذا الأمر لا يختصّ بالإمام الغائب عجّل الله تعالى فرجه ، وإنّما شامل للأئمّة الأطهار جميعاً للظروف الّتي حالت دون اتّصال العباد بهم

* مَا الْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ الثَّالِثَ عَشَرَ : « يُقَالُ : مَاتَ أَوْ هَلَكَ . بَلْ فِي أَيِّ وَادٍ سَلَكَ »؟

* ذلك إشارة منه صلوات الله عليه إلى اختلاف أقوال المسلمين وآرائهم في شأن المهدي المنتظر أرواحنا له الفداء ، وسيأتي مفضلاً عند البحث عن الغيبة إن شاء الله تعالى .

ص: 245

* مَا الْمُرَادُ بِالرَّجْعَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الْحَدِيثِ الرَّابِعَ عَشَرَ ؟

* اعلم أنّنا نحن أصحاب الفرقة الناجية نعتقد أن هناك رجعتين : رجعة للإمام المهدي الموعود بعد غيبة طويلة ، وهو حيٌّ يرزق ؛ ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، وقد عقد هذا الكتاب لهذه الرّجعة ، وهناك رجعة اُخرى لمن رحلوا عن دار الفناء إلى دار البقاء ، وغابوا بأجسامهم عنّا ، وهي لرسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والأئمّة من آله صلوات الله عليهم وجملة من خيار أصحابهم رضوان الله عليهم ، وللأشرار من أعدائهم الّذين قاتلوهم أو قتلوهم وظلموهم ؛ ليحكم رسول الله وأهل بيته (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وخيار أصحابهم بين النّاس بالقسط والعدل في دار الدّنيا ، ويقتصّوا وينتقموا ممّن ظلمهم قبل يوم القيامة ، وستأتي تفاصيل هذه الرّجعة في ختام الحلقة الأخيرة من هذه المجموعة إن شاء الله تعالى.

* فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ - كَمَا فِي الخبرالسابع عَشَرَ - أَنَّهُ : « مَا مِنَّا أَحَدُ إِلَّا وَ يَقَعُ فِي عُنُقِهِ بِيعَتْ لطاغية زَمَانِهِ إِلَّا الْقَائِمِ » ، وَفِي الْخَبَرُ أَيْضاً : « لِئَلَّا يَكُونَ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ بِيعَتْ إِذَا خَرَجَ » ، فَمَا الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْبَيْعَةُ ؟ وَ كَيْفَ يَكُونُ فِي عنقهم ( علیهم السَّلَامُ ) بِيعَة للطواغيت ؟ وَ كَيْفَ لَا تَكُونُ فِي عُنُقِ الْحِجَّةِ أَرْوَاحُنَا فِدَاهُ

ص: 246

بِيعَة ؟ وَ هَلْ تَمْنَعُ الْبَيْعَةَ للطاغية مِنَ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ ؟ أَمْ ماذا ؟ * اعلم أنّ البيعة سيرة عقلائيّة أقرّها الشّارع الحكيم في الإسلام وهي تؤخذ للحاكم ، ويجب في الإسلام أن تعطى البيعة للحاكم والخليفة العادل المنصوب من قِبل رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ؛ لما يتمتّع بها من حقّ الولاية على المسلمين ، ولا تجوز مبايعة غير الخليفة والإمام العادل المعصوم إلّا أن تؤخذ البيعة غصباً أو تعطي تقيّة ، فإنّها جائزة حينئذٍ ، بل واجبة ، وكان في عهد الخلافة الإسلاميّة المغتصبة نظام المبايعة للأمير والخليفة والحاكم أمراً محسوماً، ونظاماً سياسياً مفروضاً متداولاً لامحيص للنّاس - لاسيّما الوجوه والسّادة والمشاهير منهم - دون الرّضوخ والتّسليم لها والخضوع أمامها ، وإلّا كان مآلهم القتل ومصيرهم الاغتيال والغدر ، ولم يكن أئمّة أهل البيت صلوات الله عليهم بمنأي من هذه المأساة ولا ملجأ أو مفرّ من هذا البلاء ، حتّى اُرغم الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه على البيعة للثلاثة الأوائل ، ثمّ اُرغم الإمام الحسن (علیه السّلام) على بيعتهم والبيعة لمعاوية ، وكان تخلّف سیّد الشّهداء والسّبط الأصغر وريحانة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الإمام الحسين صلوات الله عليه عن البيعة ليزيد بن معاوية لعنه الله سبباً في إخراجه من المدينة ومكّة وقتله هو وجميع أهل بيته

ص: 247

وأصحابه شرّ قتلة لم يسبق لها نظير ، کما أدّى إلى سبي عياله ونساءه وهم آل الرسول(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، ومن بعده لزمت البيعة أعناق أئمّتنا لخلفاء الجور وطواغيت الزّمان خلفاً عن سلف بالتقيّة ، حتّى انتهت بوفاة الإمام الحسن العسكري صلوات الله عليه ، كلّ ذلك حقناً لدمائهم ، وصوناً لشيعتهم من السّجن والقتل والاغتيال ، هكذا جرت بيعة الطّواغیت بدعة وظلماً وجوراً على أئمّة أهل البيت (علیهم السّلام).

وأمّا الحجّة المنتظر فإنّه بعدما جرى عليه قلم التّقدير بالغيبة ، واحتجبه الله تعالى خلف ستار الغيب ، فحجبه عن أعين النّاس ، سلم من التّسليم والرّضوخ لبيعة طواغيت الزّمان لعدم المسوّغ من تقيّة ، ولا الإكراه بعد احتجابه أرواحنا له الفداء عن الأنظار ، حتّى انتهت فترة الخلافة المغتصبة ، المنتزعة من أهلها زوراً و غدراً ، وولّي دعاتها وارتفعت بذلك بدعة البيعة للخلفاء المزعومين والسّلاطين الجبابرة ، وأنعم الله تعالى علينا بنظام دولي حاكم لا يقوم على أساس البيعة ، وحرّر الشّعوب من قيودها، رغم ما في هذا النّظام العالمي الحديث من مساوئ لا يختلف عليها اثنان ، لكنّ البيعة ونظام المبايعة للطواغيت الّذي استعبد الشّعوب الإسلاميّة في تلك العصور من أسوء ما تجرّعته تلك الشّعوب ، ولا سيّما الأحرار منها ، في عصر الخلافة

ص: 248

المزعومة ، لهذا خفيت البيعة وآثارها وسلبياتها ومآسيها عن أذهان أجيالنا في العصور المتأخّرة، ولم يعد لها ذكر إلّا في طيّات الكتب وبين صفحات التّاريخ.

وبما أنّ البيعة كانت تؤخذ أو تعطى على السّمع والطّاعة لخليفة

المسلمين وعدم الخروج عليه ، فإنّ الخروج عليه كان يعرّض المعصوم (علیه السّلام) لسخط من جهة النّاس والمسلمين ، وتأليباً لمشاعر النّاس ، وتأجيجاً للعوامٌ ضدّه (علیه السّلام) من قِبل النّظام الحاكم وأجهزة إعلامه ، ممّا يثبّط عزم المسلمين عن نصرته والقتال معه .

نعم ، لا يعني ذلك أنّ طاعة الخليفة المزعوم كانت تجب على من

بايعوه ، كلّا لا تجب طاعته لا لمن بایعه طوعاً ولا لمن بایعه کرهاً، بل لا تجوز طاعته مطلقاً مع الإمكان ووجود المندوحة عن الطّاعة ؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولكن من جهة أنّه لابدّ للنّاس من أمير برّ أو فاجر ، فلا تجوز المخالفة أو الخروج على القوانين دفعاً للضرر الجسيم والمفسدة العظيمة ، وهي استلزام ذلك مفسدة الهرج والمرج الّتي يجب دفعها بكلّ السّبل الممكنة والوسائل المتاحة ، وذلك صوناً للفروج ، وحقنا للدماء ، وحفظاً للحقوق ، واستتباباً الأمن .

* في الرواية (18): «يُصْلِحُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَمْرُهُ فِي لَيْلَةٍ

ص: 249

وَاحِدَةً » ، ماذا تَعْنِي هَذِهِ الرِّوَايَةَ ، وَ كَيْفَ يُمْكِنُ ذَلِكَ ؟

* المراد أنّ الله تعالى يوفّر أسباب ظهوره(علیه السّلام) في ليلة واحدة ، وهو على كلّ شيء قدير ، فلا عجب من ذلك.

* و ما معنى قوله (علیه السّلام) في الحديث (22) : «الطّريد، الشّريد ، الموتور بأبيه ،.. الخ ؟

* الطّريد الّذي يطارده الأعداء من فجّ إلى فجّ ،والمهدي أرواحنا له الفداء أتمّ مصادیق هذا الوصف ؛ لأنّه الطّريد منذ ما يربو على ألف ومئتي عام.

والشّريد هو المشرّد من أهله ودياره ووطنه ، وهو(علیه السّلام) أيضاً أتمّ مصادیقه ، سيّما أنّه مشرّد كلّ هذه السّنين عن حقوقه الحقّة.

والموتور هو المنقطع المفجوع ، وأي فجيعة وانقطاع أعظم من فجيعة الحسين عليه الصّلاة والسّلام ، ومن أشدّ انقطاعاً عن جدّه و فجيعة بجدّه کمولانا الحجّة أرواحنا فداه ، فهو الفرد الوتر الّذي لا نظير له في الخلائق بعد أجداده الطّاهرين ، وهو الموتور بأبيه. وأمّا أنّه مكنّى بأبيه فهو أنّه صلوات الله عليه يكنّى بكنية عمّه الإمام الحسن المجتبي صلوات الله وسلامه عليه كما يكنّی بكنية جدّه (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وهي ( أبو القاسم)، وقيل : اُريد به كنيته بأبي عبدالله الّتي هي كنية عمّه

ص: 250

جعفر بن أبي طالب رضوان الله تعالى عليه ، وستكون الفترة الّتي تستغرقه قتاله للأعداء حتّى تحقيق النّصر وإقامة الدّولة هي ثمانية أشهر ، وفي بعضها بين ثمانية و تسعة أشهر.

* فِي الْحَدِيثَ ( 27 ) : « عَلَيْكَ بِسُنَّتِهِ » ، هَلْ لِلْإِمَامِ المهدی عَجَّلَ اللَّهُ فَرَجَهُ سَنَةً خَاصَّةً عَدَا سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ؟

* كلّا، هي سُنّة رسول الله( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يحييها وينشرها من جديد ، ولا بأس من نسبة الدّين أو المذهب أو السُنّة إلى محیيها وناشرها أحياناً ، حدث ذلك في نسبة التّشيع إلى الإمام الصّادق صلوات الله عليه حتّى لم يعرف إلّا بالمذهب الجعفري ، وحصل منه التّبادرالّذي هو دليل الحقيقة ؛ لكثرة الاستعمال.

* فِي الرِّوَايَةِ ( 28 ) عَنِ الْإِمَامِ الْبَاقِرِ ( علیه السَّلَامُ ) « المکنّی بکنیتي » ، فَكَيْفَ ذَلِكَ ؟

* المراد أنّ ممّا يكنّى به الإمام المهدي صلوات الله عليه ( أبو جعفر )، وهي نفس كنية الإمام الباقر صلوات الله عليه .

ص: 251

ص: 252

الدّرس الحادي والعشرون: الإمام المهدي (علیه السّلام) في مصادر المسلمين /1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أهمّيّة الاعتقاد بالمهدي الموعود أرواحنا فداه وعظمة شأنه ،

والغاية السّامية الّتي من أجلها خلق المنتظر الموعود عجّل الله تعالى فرجه ، والحقيقة الّتي أحكمتها الأحاديث وجرى عليها قلم التّحقيق والتّوكيد من صاحب الرّسالة(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، حفّزت علماء الإسلام على بذل المزيد من العناية والاهتمام بهذا الشأن الّذي بات أعظم هاجس يؤرّق ضمائرهم ، ويزرع الأمل في نفوسهم ، وهذا الحدث المرتقب الّذي سيغيّر وجه التّأريخ ، وتعود برکاته على الخلائق كافّة ، لهذه الأسباب وتلك العلل بذلوا المساعي الحثيثة ، وصرفوا الهمم العالية ، عاكفين على التّحقيق والتّدقيق عبر الكتابة والتّأليف أملاً منهم في ترسيخ دعائم هذه الحقيقة الغيبيّة ، وعملاً بما أملت عليهم الوظيفة الشّرعيّة

ص: 253

من التّبليغ والإرشاد وتوعية الأجيال ، الّتي ظلّت مسؤولية جسيمة عالقة في أعناقهم ، من واقع قوله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : «زَكَاةُ الْعِلْمِ نَشْرُهُ »(1).

وكان لعلماء الإماميّة رضوان الله تعالى عليهم قصب السّبق ، والقدح المعلّى ، والمساهمة العظمى في رفع هذا اللّواء، ونشر هذه المعالم ، وساهم غيرهم من علماء المسلمين في التّعريف بالمهدي الموعود عجّل الله تعالی فرجه مساهمة دون ما آلت إليه مساعي علماء الإماميّة ، كمّاً وكيفاً، رغم اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم العقائديّة والفكريّة.

فماذا قال علماء الإسلام بهذا الخصوص ، وماذا خطّت أقلامهم

ودوّن بنانهم ؟

أوّلاً: الكتب الّتي ألّفها الفريقان من الشّيعة والسّنّة في هذا المجال :

أ- أشهرالكتب الشّيعيّة :

کمال الدّین وتمام النّعمة

تأليف : المحدّث الجليل والعالم الكبير الشيخ أبي جعفر محمّد بن

ص: 254


1- وفي الخبر المروي عن أبي جعفر ( الباقر (علیه السّلام) ) قال : « زَكَاةُ الْعِلْمِ أَنْ تُعَلِّمَهُ عِبَادَ اللَّهِ ... - الكافي: 41/1.

عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي ، الملقّب بالشيخ الصّدوق - أعلى الله مقامه الشّریف -.

ولد بمدينة قم ، أخذ الفقه والحديث من كبار الفقهاء والمحدّثين في عصره كأبيه عليّ بن بابويه ، ومحمّد بن الحسن بن الوليد ، وأحمد بن عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّي ، وأحمد بن محمّد بن يحيى العطّار الأشعري القمّي ، والحسن بن إدريس القمّي، وحمزة بن محمّد العلوي ، وهم جميعاً من أعلام الطّائفة في العلم والورع.

في عام 347ه. ق هاجر إلى الرّي ، وسمع الحديث من الشّيخ أبي الحسن محمّد بن أحمد بن عليّ الأسدي.

وانتقل في عام 352ه. ق إلى مدينة نیشابور ليستفيد من علمائها ، وذهب منها إلى المشهد الرّضوي على ساكنه آلاف التّحية والثّناء ، ومنه إلى الكوفة ، ثمّ بغداد ، ثمّ همدان ، ثمّ بلخ، ثمّ سرخس ، ثمّ إيلاق ، ومنه ذهب إلى مكّة المكرّمة ، كلّ ذلك حرصاً منه على استماع الحديث وتلقّي العلم من ذويه.

ذكر البعض أنّه تلقّى العلم والحديث عند أكثر من مأتين وخمسين عالماً ومحدّثاً كلّهم من الأجلّاء وذوي الاختصاص ، حتّى بلغ أعلى مراتب العلم والمعرفة ، واُطلق عليه « رئیس المحدّثين».

ص: 255

قال رضوان الله عليه في علّه تأليفه لهذا الكتاب :

«أنّي لمّا قضيت وطري من زيارة عليّ بن موسی الرّضا صلوات الله عليه رجعت إلى نیشابور وأقمت فيها ، فوجدت أكثر المختلفين إلىَّ من الشّيعة قد حيّرتهم الغيبة ، ودخلت عليهم في أمر القائم (علیه السّلام) الشّبهة ، وعدلوا عن طريق التّسليم إلى الآراء والمقاييس ، فجعلت أبذل مجهودي في إرشادهم إلى الحقّ، وردّهم إلى الصّواب بالأخبار الواردة في ذلك عن النّبيّ والأئمّة صلوات الله عليهم ، حتّى ورد إلينا من بخارا شيخ من أهل الفضل والعلم والنّباهة ببلدة قم ، طال ما تمنّيت لقاءه واشتقت إلى مشاهدته لدينه وسديد رأيه واستقامة طريقته ، وهو الشّيخ نجم الدّين أبو سعيد محمّد بن الحسن بن محمّد بن أحمد بن عليّ بن الصّلت القمّي - أدام الله توفيقه - وكان أبي يروي عن جدّه محمّد بن أحمد بن عليّ بن الصّلت - قدّس الله روحه - ويصف علمه وعمله وزهده وفضله وعبادته ، وكان أحمد بن محمّد بن عیسی في فضله وجلالته يروي عن أبي طالب عبدالله بن الصّلت القمّي(رضی الله عنه) ، وبقي حتّى لقيه محمّد بن الحسن الصّفّار وروى عنه ، فلمّا أظفرني الله تعالى ذكره بهذا الشّيخ الّذي هو من أهل هذا البيت الرّفيع شكرت الله تعالى ذكره على ما يسّر لي من لقائه وأكرمني به من إخائه و حباني به

ص: 256

من ودّه وصفائه ، فبينا هو يحدّثني ذات يوم إذ ذكر لي عن رجل قد لقيه ببخارا من كبار الفلاسفة والمنطقیّين كلاماً في القائم (علیه السّلام) قد حيّره وشكّكه في أمره لطول غيبته وانقطاع أخباره ، فذكرت له فصولاً في إثبات كونه (علیه السّلام) ، ورويت له أخباراً في غيبته عن النّبيّ والأئمّة (علیهم السّلام) سكنت إليها نفسه ، وزال بها عن قلبه ما كان دخل عليه من الشکّ والارتياب والشّبهة، وتلقّی ما سمعه من الآثار الصّحيحة بالسمع والطّاعة والقبول والتّسليم ، وسألني أن اُصنّف (له) في هذا المعنى کتاباً ، فأجبته إلى ملتمسه ووعدته جمع ما ابتغي إذا سهّل الله ولي العود إلى مستقرّي ووطني بالرّي . فبينا أنا ذات ليلة اُفكّر فيما خلّفت وراني من أهل وولد وإخوان ونعمة إذ غلبني النّوم ، فرأيت كأنّي بمكّة أطوف حول بيت الله الحرام وأنا في الشّوط السّابع عند الحجر الأسود أستلمه واُقبّله ، وأقول : أمانتي أدّيتها ، وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة ، فأری مولانا القائم صاحب الزّمان - صلوات الله عليه - واقفاً بباب الكعبة ، فأدنو منه على شغل قلب و تقسم فکر ، فعلم (علیه السّلام) ما في نفسي بتفرّسه في وجهي ، فسلّمت عليه ، فردّ عليَّ السّلام ، ثمّ قال لي : «لِمَ لَا تصنف كِتَاباً فِي الْغَيْبَةِ حَتَّى تَكْفِي مَا قَدْ هَمُّكَ ؟». فقلت له : یابن رسول الله ، قد صنّفت في الغيبة أشياء ، فقال (علیه السّلام) : «لَيْسَ عَلَى ذَلِكَ السَّبِيلِ أَمَرَكَ أَنْ تصنّف ( وَ لَكِنَّ صِنْفٍ ) الْآنَ كِتَابَاً فِي الْغَيْبَةِ .

ص: 257

وَ اذْكُرْ فِيهِ غيبات الْأَنْبِيَاءِ ( علیهم السَّلَامُ ) » ، ثمّ مضى صلوات الله عليه ، فانتبهت فزعاً إلى الدّعاء والبكاء والبثّ والشّكوى إلى وقت طلوع الفجر ، فلمّا أصبحت ابتدأت في تأليف هذا الكتاب ممتثلاً لأمر وليّ الله وحجّته ، مستعيناً بالله ومتوكّلاً عليه ومستغفراً من التّقصير ، وما توفيقي إلّا بالله ، عليه توكّلت وإليه اُنيب» (1).

بدأ الكتاب بمقدّمة عالية المضامين ، في غاية الأهميّة ، ثمّ تعرّض للعناوين التّالية وبحثها بحثاً وافياً ، قال عنه العلّامة المحقّق الاُستاذ علي أكبر الغفّاري في مقدّمته:

«کتاب بَلِيغٍ فِي موضوعه ، ممتاز فِي بَابَهُ ، وَ مَا رُؤِيَ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ كِتَابِ أَنْبَلُ مِنْهُ ، وَ لَا أُعَذِّبُ مشرعاً ، وَ لَا أَطْيَبَ مَنْزَعًاً ، لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَ لَا الْمُتَأَخِّرِينَ مِثْلَهُ عَلَى كَثْرَةِ مَا صنّفوا فِي ذَلِكَ فِي حِدَةِ الْفِكَرُ ، وَ نَفَاذِ الْخَاطِرِ ، وَ مَا لمؤلّفه مِنِ الذَّكَاءِ والنّباهة .

تشرق آراؤه القيّمة في تضاعيفه ، وأومضت بروق علومه في

صفحاته ، تدلّ على تضلّعه وبراعته وحسن إيراده وإصداره.

يبحث فيه بحثاً تحليلياً عن شخصيّة الإمام الغائب(علیه السّلام) ، ووجوده ،

ص: 258


1- كمال الدّين : 3.

وغيبته ، وما يؤول إليه أمره(علیه السّلام) . كلّ ذلك بالأخبار الّتي وردت عن المعصومين (علیهم السّلام) ، ويناضل ويبارز فيه مخالفيه ومنکریه ، وأجاب عن شبهاتهم ، وردٌ على تشکیکاتهم ببراهين ساطعة وحجج بالغة داحضة. وأطال البحث في ردّ المنكرين ، وأورد فيه أبحاثاً ضافية في إثبات إمامته (علیه السّلام) وغيبته ، ويوطّد دعواه المدعومة بالبرهان بآي من القرآن وصحاح من الأخبار عن النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وعترته الأخيار ما لا مزيد عليه.

وجمع فيه ما روي في هذا الموضوع واشتهر بين النّاس ، صحيحاً كان أو ضعيفاً ، حسناً كان أو زيفاً، لكن لم يحتجّ إلّا بالصحاح أو بالمجمع عليه أو المتواتر منها.

وقال في غير موضع منه كما في ص 529 و 638 بعد نقل أخبار : ليس هذا الحديث وما شاكله من أخبار المعمّرين وغيرهم ممّا اعتمده في أمر الغيبة ووقوعها؛ لأنّ الغيبة إنّما صحّت لي بما صحّ عن النّبيّ (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والأئمّة (علیهم السّلام) من ذلك بالأخبار الّتي بمثلها صحّ الإسلام و شرایعه وأحكامه » (1).

ص: 259


1- مقدّمة المحقّق : 19.

ثمّ شرع في الردّ على شبهات الفِرق الإسلامية المختلفة في غيبة الإمام أرواحنا له الفداء ، كالكيسانيّة والنّاووسيّة والواقفيّة والزّيديّة وغيرها.

ثمّ أقام أجلى البراهين وأسطع الأدلّة على وجود الإمام الغائب روحي له الفداء مستشهداً بحياة الأنبياء و مستنداً إلى الأئمّة الهداة (علیهم السّلام) .

تنبيه : وإن كان هذا الكتاب كسائر كتب الحديث لا يخلو من روایات مرسلة أو ضعيفة لكنّه يحوي كثيراً من الصّحاح والحسان من الأخبار، واعتمد في إثبات الغيبة والظّهور على الصّحيح منها دون

غيرها.

الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد

تأليف : المحدّث المتكلّم جامع المعقول والمنقول الشّيخ محمّد بن محمّد بن النّعمان العكبري ، الملقّب بالشيخ المفيد -أأعلى الله مقامه الشّريف ..

زعيم الطّائفة الحقّة بلا منازع في القرنين الرّابع والخامس الهجريّين . ولد عام 336ه. ق في قرية عُكبرا ، كان أبوه من أهل البصرة ، انتقل إلى واسط واشتغل بالتدريس وكان معلّماً بها.

ص: 260

لهذا لقّب الشّيخ المفيد بابن المعلّم قبل أن يلقّب بالمفيد ، ثمّ أخذه أبوه إلى مدينة بغداد ليشتغل بالتعليم.

تلقّى الشّيخ المفيد دراسته وعلومه في بغداد حتّى تشرّف بمحضر الأعلام كالصدوق ، ومحمّد بن جنيد الإسكافي ، وأبي عليّ الصّولي ، وأبي غالب الرّازي ، وابن قولويه القمّي ، وغيرهم.

شرع بالتدريس في جانب الكرخ من بغداد ، فتخرّج من حلقات درسه العديد من العلماء الأعلام كالسيّد المرتضی علم الهدی ، والسيّد الرّضي ، والنّجاشي ، والشّيخ الطوسي وابن حمزة وأضرابهم .

توفّي عام 413 ه. ق ودفن بمنزله في بغداد ، حتّى نقلوا جثمانه إلى مقبرة قريش فيما بعد ودفنوه إلى جوار الإمام الجواد(علیه السّلام) .

مؤلّفاته كثيرة جدّاً عدّ النّجاشي منها (78) کتاباً ، منها كتاب الإرشاد الّذي خصّ القسم الأخير من الجزء الثّاني منه بحياة الإمام المهدي عجّل الله تعالی فرجه مستنداً في ذلك إلى الأدلّة العقليّة والنقليّة .

ص: 261

الفصول العشرة في الغيبة

تأليف : زعيم الطّائفة الأوحد الشّيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه .

تعرّض فيه للإجابة على عشرة أسئلة حول الإمام المهدي صلوات الله عليه ، وهي رسالة تمثّل أهمّ آراءه(رحمه الله) وتغني عن سائر ما كتبه في هذا المجال.

وقد طبع باسم «المسائل العشرة في الغيبة» و«الأجوبة عن

المسائل العشرة».

وهي عبارة عن مسائل هامّة حول الإمام الحجّة صلوات الله عليه يجيب عنها ، وهي غاية في الأهميّة لمن أراد الاطلّاع على حياة الإمام وغيبته والمذاهب الشّيعيّة المختلفة .

رسالة ثانية في الغيبة

تأليف : زعيم الطّائفة الشّيخ المفيد أعلى الله مقامه الشّريف.

وهو عبارة عن الإجابة على مجموعة من الأسئلة الّتي وردته من مسائل عن الغيبة والظّهور ، والدّليل العقلي والنّقلي على وجود صاحب الأمر أرواحنا له الفداء.

وقد أثرى الشّيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه المكتبة الإسلاميّة

ص: 262

بهذه الكتب وغيرها من الرّسائل حول صاحب العصر والزّمان عجّل الله تعالى فرجه ، مثل : «خمس رسائل في إثبات الحجّة»، وقد طبعت له أربع رسائل اُخرى في هذا الخصوص.

إثبات الوصيّة للمسعودي

تأليف : المؤرّخ الجليل والمحدّث والرّجالي الخبير أبي الحسن

عليّ بن الحسين بن عليّ المسعودي.

أخذ علومه في بغداد ثمّ انتقل إلى مصر ومنها إلى البصرة كلّ ذلك سعياً وراء طلب العلم والمعرفة ، كما سافر إلى جملة من المدن الفارسيّة في ذلك الزّمان ، وهكذا الهند والصّين وأنهی سیاحته العلميّة هذه في عمّان الأردن ، ثمّ سافر إلى فلسطين والشّام طلباً للزيادة من جديد حتّى حطّ رحاله بمصر ومات فيها.

والكتاب دراسة مفصّلة في تأريخ خلق الجنّ والإنس والملائكة وجنود العقل والجهل ، وتأريخ الأنبياء لاسيّما نبيّنا الخاتم (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، ونزول القرآن و ...، ثمّ تأريخ الأئمّة الأطهار والأحداث الّتي وقعت في عهدهم وجرت عليهم ، وفي الختام تعرّض لإثبات إمامة صاحب العصر أرواحنا فداه وجملة من خصائصه وانتظار الفرج وعلائم الظّهور .

ص: 263

كفاية الأثر

تأليف : الفقيه المحدّث القدير والثّقة المتكلّم النّحرير أبي القاسم عليّ بن محمّد بن عليّ الخزّاز القمّي الرّازي ، من علماء القرن الرّابع الهجري ، ومن تلامذة الشّيخ الصّدوق(رضی الله عنه) . ولد بمدينة قم المقدّسة وعاش بالرّي ، وهذا الكتاب أثر نفیس حول الإمام المهدي أرواحنا له الفداء و في غاية الجودة والإتّقان.

کتاب الغيبة

تأليف : العلّامة المحدّث ، الشّيخ محمّد بن إبراهيم النّعماني من تلامذة الشّيخ الصّدوق ، ومن أعلام القرن الرّابع الهجري ، بحث فيه مسألة الإمامة وأهمّ ما يتعلّق بحياة الإمام الغائب (علیه السّلام) على ضوء الأخبار والأحاديث .

ص: 264

الدّرس الثّاني والعشرون: الإمام المهدي (علیه السّلام) في مصادر المسلمين /2

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

المقنع في الغيبة

تأليف : زعيم الطّائفة ونقيب الطّالبيّين ، الفقيه المحدّث المتكلّم الجامع للمعقول والمنقول السيّد المرتضی علم الهدی من نوابغ القرن الرّابع والخامس الهجريّين ، تلمّذ على يد الشّيخ المفيد أعلى الله مقامهما ، وغيره من أعلام ذلك العصر ، بعد ما ولد في بغداد ، و تخرّج من حلقات درسه الكثير من الأعلام.

هذه الرّسالة رغم صغر حجمها تعدّ من أتقن وأفضل ما كتب في هذا المجال ، تحوي أدلّة عقليّة ونقليّة على ولادته وغيبته وظهوره وعلمه عليه الصّلاة والسّلام.

ص: 265

البرهان على صحّة طول عمر صاحب الزّمان (عجّل الله تعالی فرجه الشریف)

تأليف: العلّامة الفقيه ، والمتكلّم النّبيه ، والمحدّث الخبير محمّد الكراجكي الطّرابلسي. تلمّذ على يد الشّيخ المفيد (قدّس سرّهما) وغيره من أعلام ذلك العصر.

ففي الجزء الثّاني من كتابه کنز الفوائد الّذي يعدّ من أعظم تصانیف الإماميّة تعرّض للبحث عن طول عمر صاحب الزّمان أرواحنا له الفداء ، وقدّم فيه بحثاً وافياً.

إعلام الوری بأعلام الهدی

تأليف : الفقيه ، المحدّث ، المفسّر، أمين الإسلام ،أبي عليّ الفضل بن الحسن الطوسي.

ولد بمدينة طوس الفارسيّة ، وتلقّى علومه فيها وفي غيرها من

المراكز العلميّة الشيعيّة .

وقدّم في كتابه هذا بحثاً وافياً شافياً حول الإمام الغائب (علیه السّلام) .

کتاب الغيبة

تأليف: شيخ الطّائفة وزعيمها بلا منازع ، الفقيه، المتكلّم ، المحدّث ، الجامع للعلوم ، أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي أعلى الله -

ص: 266

مقامه الشّریف.

ولد في طوس من محافظة خراسان الفارسيّة ، ثمّ هاجر إلى العراق ونزل بغداد ، أدرك الشّيخ المفيد فتلمّذ على يده طيلة خمسة أعوام، وحضر ما يربو على عشرين عاماً عند السّيّد المرتضی علم الهدی وغيره من الأعلام ، وتزعّم الطّائفة حتّى لقّب بشيخها إلى هذا اليوم .

وفي كتابه هذا الّذي يعدّ من أركان الكتب في هذا الخصوص ، قدّم بحثاً وافياً مفصّلاً متقناً مستدلاً قلّ له من نظير حول شخصيّة الإمام وغيبته وظهوره وكلّ ما يحوم حوله صلوات الله عليه.

کشف الغمّة في معرفة الأئمّة

تأليف : العلّامة المحدّث ، أبي الحسن عليّ بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي(قدس سرّه) .

ولد في أربيل شمال العراق ، وهو من أعلام القرن السّابع الهجري ، كتابه هذا أثر قيّم يستحقّ التّقدير والثّناء ، تعرّض في القسم الأخير من الجزء الثّالث لحياة الإمام صاحب الزّمان عجّل الله فرجه .

ويتميّز بحثه بالجودة والاتقان ، مستوفياً بذلك أهمّ جوانب حياته وما يتعلّق به وبظهوره ودولته الكريمة ، ثمّ الإجابة والردّ على أهمّ الشّبهات الّتي تحوم حوله صلوات الله عليه .

ص: 267

شرعة التّسمية حول حرمة التّسمية

تأليف : العلّامة المحقّق ، والفقيه الاُصولي ، الفيلسوف المدقّق، السّيّد محمّد باقر الدّاماد ، المقلّب « میر داماد»، أو «المحقّق الدّاماد»، أخذ علومه في مدينة مشهد المقدّسة وتلمّذ على أيدي أساطين عصره. وكتابه هذا عبارة عن بحث علمي محقّق حول مسألة جواز تسمية الإمام (علیه السّلام) في عصر الغيبة أو كراهته أو حرمته .

بحار الأنوار

تأليف : المحقّق المحدّث ، والفقيه المسدّد مولانا العلّامة محمّد باقر المجلسي نورٌ الله ضريحه المقدّس.

من الأعلام الذين لا تخفى على الأنام جلالة قدره وعظمة شأنه ، وكتابه أشهر من نار على علم ، حتّى اشتهر (رحمه الله) فسمّي بصاحب البحار. فقد عقد الجزء الثّاني عشر منه بالطبعة القديمة ، والأجزاء 51 و 52 و 53 - بحسب الطبعة الجديدة - للبحث عن حياة مولانا الحجّة صاحب الزّمان أرواحنا له الفداء ، وقد أشبع ذلك بحثاً وتدقيقاً و تحقیقاً و تعليقاً ، وهو من أفضل ما كتب في هذا المجال ، ولم تخل سائر أجزاء هذا الكتاب من التعرّض لأحاديث المهدي صلوات الله عليه ، وما يتعلّق بحياته أرواحنا فداه .

ص: 268

المحجّة فيما نزل في القائم الحجّة (عجّل الله تعالی فرجه الشریف)

تأليف : العلّامة الفقيه ، والمفسّر المحدّث ، السيّد هاشم البحراني(قدس سرّه) ، من أعلام القرن العاشر والحادي عشر الهجريّين ، تناول في هذا الكتاب بحثاً قرآنياً حول الإمام صاحب الزّمان عجّل الله فرجه ، على ترتيب السّور ، فاستخرج الآيات المفسَّرة أو المؤوّلة بالأخبار في الإمام صلوات الله عليه ، وعدّها مأةً وعشرين آية في الكتب الروائيّة.

النّجم الثّاقب في أحوال الإمام الغائب

تأليف : المحقّق المدقّق المتكلّم ، والفقيه الرّجالي والمحدّث العلّامة الشّيخ الميرزا حسين النّوري الطبرسي قدّس الله نفسه ، شرع في التعليم بمدينة طهران ، ثم هاجر إلى العراق واستقر في النّجف الأشرف ، فتلقّى علومه على أيدي الأعلام والفحول الشيخ الأعظم الأنصاري(قدّس سرّه) ، ثمّ الميرزا حسن الشّيرازي (قدّس سرّه) بسامراء، ثمّ عاد ليستقرّ بمدينة النّجف الأشرف حتّى فارق الحياة. الكتاب ألفه باللّغة الفارسيّة .

قال عنه المحدّث النّحرير ، والرّجالي الخبير ، الشّيخ عبّاس القمّي أعلى الله مقامه في الفوائد الرضوية : « أمّا علمه فأحسن فنّه الحديث ،

ص: 269

ومعرفة الرّجال ، والإحاطة بالأقوال ، والاطّلاع بدقايق الآيات ، و نکات الأخبار بحيث تتحيّر العقول عن كيفيّة استخراجه جواهر الأخبار عن كنوزها ، وترجع الأبصار حاسرة عن إدراك طريقته في استنباط إشاراتها ورموزها».

ويتألف كتابه هذا من اثني عشر باباً تبدأ بالولادة وتنتهي

بظهوره (علیه السّلام) .

کشف الأستار

تأليف : اُستاذ الفقهاء في عصره ووحيد دهره، خاتمة المحدّثين

الحاج الميرزا حسين النّوري الطّبرسي نوّر اللہ مرقده .

من أفضل ما كتب في هذا المجال ، وهو بحث تحليلي روائي قيّم ، يتضمّن فوائد جمّة.

أعيان الشّيعة

تأليف : العلّامة المحقّق ، والرّجالي المدقّق ، السّيّد محسن الأمين العاملي(قدّس سرّه) .

ولد بقرية شقرا من قرى جبل عامل ، أنهى دراسته للمقدّمات فيها، ثمّ هاجر إلى النّجف الأشرف وحضر دروس أعلامها ،

ص: 270

وكتابه هذا عبارة عن دائرة معارف شيعيّة لمشاهير الطّائفة وأعلامها وزعمائها ، تعرّض في شطر منه للبحث عن الإمام صاحب العصر والزّمان أرواحنا فداه على ضوء الأخبار والرّوايات وأقوال الأعلام من العلماء ، مستوفياً بذلك البحث عن أهمّ جوانب حياته (علیه السّلام) منذ الولادة حتّى الظّهور ، كما يتعرّض فيه إلى الرّدّ على أهل الشّبهات ، وهي إحدى عشرة شبيهة بناءً على ما في الكتاب.

المهدي

تأليف : العلّامة الفقيه ، والاُصولي النّبيه ، السّیّد صدرالدّین

الصدر(قدّس سرّه) .

ولد(رحمه الله) بمدينة كاظمين أو الكاظميّة في اُسرة علميّة عريقة ، تلقّى علومه الابتدائيّة حتّى السّطوح بمدينتي سامراء وكربلاء ، و تلمّذ على أساطين العلم كالشيخ الآغا ضیاء الدّین الملقّب بالمحقّق العراقي ، ثمّ هاجر إلى النّجف الأشرف وحضر فيها لدى الفقيه الاُصولي المحقّق المدقّق العلّامة زعيم الحوزات في عصره الشّيخ الآخوند الخراساني المشهور بصاحب الكفاية ، ثمّ تلميذه النّحرير وفحل الزّمان العلّامة الميرزا النّائيني (قدّس سرّهما) ، ثمّ رحل إلى مدينة مشهد المقدّسة ، ثمّ انتقل إلى قم المقدّسة بدعوة من مؤسّس الحوزة فيها المرحوم الشّيخ عبدالكريم

ص: 271

الحائري(قدّس سرّه) ، وأقام فيها حتّى فارق الحياة ، وقبره معروف في الحرم الشّريف إلى جوار قبر الشّيخ أعلى الله مقامهما.

كتابه عبارة عن دراسة علميّة تحقيقيّة مفصّلة حول الإمام المهدي عجّل الله فرجه ، استناداً إلى العقل والنّقل مستوفياً بذلك جميع الجوانب الشّخصيّة وما يرتبط بحياته وولادته وظهوره عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التّسليم ، كما هو عبارة عن دراسة تأريخيّة وتحقيق في کتب العامّة واستقراء آرائهم واستقصاء أقوالهم ممّا لا يدع مجالاً للشكّ والشّبهة حول شخصيّة الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه .

أثبت فيه أنّه (علیه السّلام) بشارة الله تبارك وتعالى وأنبياءه.

منتخب الأثر

تأليف : آية الله العظمى الصّافي الگلپایگاني دام ظلّه .

کتاب رواني تحقيقي تحليلي ، بحث فيه كلّ ما يتعلّق بشخص الإمام الثّاني عشر عجّل الله تعالی فرجه وسيرته وحياته وغيبته وظهوره ودولته الكريمة.

ص: 272

الدّرس الثّالث والعشرون: الإمام المهدي (علیه السّلام) في مصادر المسلمين /3

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ب- أشهر الكتب السُّنيّة : نور الأبصار

اشارة

تأليف : العلّامة سيّد مؤمن بن حسن بن مؤمن الشّبلنجي ، من

أعلام أهل السّنّة.

ولد بقرية شبلنج من قرى مصر العربيّة ، حفظ القرآن في العاشرة من عمره، تلقّى علومه لدى الشّيخ محمّد الخضري المياطي ، والشّيخ محمّد الأشموني ، والشّيخ محمّد الأنباني ، والشّيخ إبراهيم الشّرقاوي وغيرهم من أعلام ذلك العصر، خصّ شطراً من هذا الكتاب بما

ص: 273

يتعلّق بشأن المهدي المنتظر صلوات الله عليه من الولادة إلى الغيبة وأسهبها، بل أشبعها دراسة وافية بالنقد والنّقض والإبرام ، وهو من خيرة ما كتبه علماء السّنّة في هذا المجال.

القول المختصر في علامات المهدي المنتظر (علیه السّلام)

تأليف : أحمد بن حجر الهيثمي، من أعلام أهل السّنّة. جمع فيه روايات كثيرة عن الإمام المهدي صلوات الله عليه وأنّه من ولد فاطمة ، وتواتر الأخبار بمجيء المهدي ، وأنّه من أهل البيت من صلب الحسن والحسين - على حدّ زعمه - ، وذكر روايات في أوصافه وشمائله ومدّة ملکه وعدله ، وأحداث قبل ظهوره وکمال سیاسته وتدبيره ، وسياسته الماليّة ، وتطبيقه للسنّة النّبويّة الحقّة ، واختلاف النّاس قبل بيعته ، والخسف بأعدائه ، وكراماته ومدّة مكثه ، وعطائه الغزير ، وسائر ما يتعلّق به صلوات الله عليه و عجّل الله تعالى فرجه .

الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي السّاعة

تأليف : السّيد محمّد صدّیق حسن ، من علماء الهند .

ولد بمدينة قنوج ، وتعلّم في دلهي ، واشتغل بالتجارة فاكتسب ثروة وافرة، وتزوّج بالملكة بهوبال ، ترك آثاراً علميّة ومؤلّفات قيّمه بثلاث لغات: العربيّة والهنديّة والفارسيّة .

ص: 274

بدأ كتابه بالأحاديث الواردة في السنن والجوامع الرّوائية والمسانيد وغيرها من الكتب حول المهدي صلوات الله عليه . واستفاد منها التّواتر ، ثمّ تعرّض للردّ على شبهات ابن خلدون حول الإمام المهدي أرواحنا له الفداء ، ثمّ أورد کلاماً للشوكاني في معرض التّأييد والتّوكيد على ما ذهب إليه . قال : « والأحاديث الواردة في المهدي الّتي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً ، فيها الصّحيح والحسن والضّعيف المنجبر ، وهي متواترة بلا شكّ ولا شبهة ، بل يصدق وصف التّواتر على ما هو دونها على جميع الاصطلاحات المحرّرة في الاُصول ، وأمّا الآثار عن الصّحابة المصّرحة بالمهدي فهي كثيرة أيضاً... الخ».

كما أشار فيه إلى كتاب السّيّد العلّامة بدر الملّة والدّين محمّد بن إسماعيل اليماني ، وما جمعه من الأخبار الواردة بشأن المهدي (علیه السّلام) من آل محمّد ، و علامات الظّهور وغير ذلك.

وكيف كان فقد استوفي البحث عن اسم الإمام سلام الله عليه ونسبه ومولده وغير ذلك ، كما تطرّق فيه إلى آراء المتصوّفة والشّيخيّة وغيرهم ، كالشيخ العلّامة محمّد بن أحمد السّفاريني الحلبي الّذي ذهب إلى حصول القطع بخروج المهدي (علیه السّلام) من الرّوايات والأخبار ، والحكم بوجوب الإيمان بخروجه ، (علیه السّلام) وأنّه مدوّن في عقائد أهل السّنّة والجماعة.

ص: 275

التّذكرة في أحوال الموتى واُمور الآخرة

تأليف : الإمام المفسّر ، الفقيه ، الحافظ القرطبي .

من أشهر علماء العامّة ، كان مالكيّاً ، وله تألیفات و تصانیف

كثيرة ، أشهرها على الإطلاق تفسير القرطبي.

تعرّض في الجزء الثّاني من التّذكرة للبحث عن الإمام المهدي عجّل الله فرجه ، و علامات ظهوره في آخر الزّمان ، وتطرّق فيه أيضاً إلى ذكر الموطّئين والمهّدين للمهدي سلام الله عليه و محلّ ظهوره (علیه السّلام) ، وغيرها من المباحث الهامّة ، والكتاب رغم ما فيه من آراء شاذّة لا أساس لها من الصحّة وأخطاء واضحة إلّا أنّه محاولة حسنة في هذا المجال.

فرائد السّمطين في فضائل المرتضى والبتول والسّبطين

تأليف : شيخ الإسلام صدرالدّین أبي الجامع إبراهيم بن سعد الدّين محمّد بن المؤيّد الجويني الخراساني ، من أعلام أهل السّنّة وحفّاظها . قال عنه الذّهبي في تذكرة الحفّاظ : 1505/4 : «الإمام ، المحدّث ، الأوحد، الأكمل ، فخر الإسلام ،...» إلى أن قال : « وكان شديد الاعتناء بالرواية وتحصيل الأجزاء ، وعلى يده أسلم غازان

ص: 276

الملك ... الخ». .

خصِ قسماً كبيراً من الجزء الثّاني من كتابه هذا بموضوع الإمام المهدي صلوات الله عليه وما يتعلّق به وبظهوره، وقد أبلى بذلك بلاءاً حسناً.

ينابيع المودّة

تأليف : الفقيه المتكلّم ، الحافظ ، سلمان بن إبراهيم بن القندوزي

الحنفي ، من أعلام السّنّة وكبار محدّثيها.

ولد عام 1220ھ بمدينة بلخ ، وهاجر إلى بخاری ، ثمّ الهند وأفغانستان طلباً للعلم حتّى نال بذلك أعلى مراتب العلم والمعرفة بين علماء السّنّة في عصره، وحاز بمنصب شيخ الإسلام في بخاری.

تضمّن هذا الكتاب بين طيّاته ، وعلى وجه التّحديد من الباب السّبعين فصاعداً، تضمّن مباحث قيّمة حول غيبة الإمام صلوات الله عليه ، واعتمد الكثير من روايات الفريقين فيه ، ولم يدع شاردة ولا واردة من الأخبار والأحاديث الّتي تعني بشأن الإمام المهدي عجّل الله فرجه إلّا وتعرّض لها.

ص: 277

المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصّحيحة وأقوال العلماء وآراء الفِرق المختلفة

تأليف : الدكتور عبد العليم عبد العظيم البستوي ، وهو رغم ما فيه

من الخلط والخبط وكثرة الخطأ والبعد عن الحقيقة؛ لأنّه لم يعتمد على أحاديث العترة الطّاهرة ، لكنّه يستحقّ القراءة ، ولنا معه ومع نظرائه وقفة في الحلقة القادمة من هذه السلسلة إن شاء الله تعالى.

وكيف كان فقد قام فيه بدراسة وافية تناسب مذهبه ومعتقده ، وقدم بحثاً روائي محقّقاً تحليليّاً عن الإمام المهدي صلوات الله عليه اعتمد فيه قواعد الجرح والتّعديل عند أهل السّنّة والجماعة ، ونحن لا نتوقّع من هؤلاء النّواصب أحسن من هذا ، وهذه العلّة لا تختصّ بهذا المؤلّف وكتابه ، بل السّنّة جارية فيه وفي أشباهه ممّن يبطنون العداء للعترة الطّاهرة ، ويظهرون المحبّة لهم نفاقاً ، كنفاق بني اُميّة قتلة أهل البيت (علیهم السّلام)؛ وذلك أنّ هؤلاء يعظّمون أعداء أهل البيت وقاتليهم من الأمويّین والعبّاسيّين وغيرهم ، ويتظاهرون بالمحبّة الأهل بيت النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) .

وليت شعري كيف حال رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، مع ظالمي عترته وقاتليهم وناصبي عدائهم وهو القائل : « يَا عَلِيُّ ، حربك حَرْبِي ، وَ سَلَّمَكَ

ص: 278

سِلْمِي »(1) ، وهو القائل : « يا عَلَيَّ ، لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنُ ، وَ لَا يُبْغِضُكَ إِلَّا مُنَافِقُ » (2)، وقد رووها ونقلوها لكن قست قلوبهم واُشربوا في قلوبهم العجل ، ولا أظنّهم يرضون بذلك لأنفسهم، ذلك أنّك لو عادیت لهم صديقاً أو صادقت لهم عدوّاً عادوك وأبغضوك ، ولو عادیت لهم عدوّاً أو صادقت لهم صديقاً أحبّوك وأكرموك ؛ إذ الإنسان مطبوع مفطور على أن يبغض عدوّه وعدوّ صديقه وصديق عدوّه ، وأن يحبّ صديقه وصديق صديقه وعدوّ عدوّه ، لكنّنا قد ابتلينا باُناس يكيلون بمكيالين ، لا ينصفون لهم عدوّاً، ولا يعدلون في الحكم ، بل عالمهم- المنتحل للعلم - لا يقرأ إلّا ما يريد ويعجبه ، ولا ينصف حتّى في القراءة ونسبة الأقوال إلينا ، بل اعتادوا أن يحرّفوا الكلم عن مواضعه ، فالافتراء والكذب دینهم ، والنّفاق والدّخل دیدنهم؛ لأنّهم إذا نسبوا إلينا شيئاً فإنّما ينقله بعضهم عن بعض ولا ينقلونه إلّا عن أعدائنا من غير أن يتكلّفوا مراجعة مصادرنا تقليداً لآبائهم وأسلافهم «إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى

ص: 279


1- تفسیر فرات الكوفي : 266، شواهد التّنزيل للحسكاني : 416/1 .
2- خلاصة عبقات الأنوار : 3/ 135. وفي رواية : «لَا يُحِبُّهُ إِلَّا مُؤْمِنُ ، وَ لَا يُبْغِضُهُ إِلَّا مُنَافِقُ » رواها : الغارات : 520/2 ، الفضائل لابن شاذان : 122.

آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ »(1)، وإن رجعوا إلى بعض مصادرنا بتروا أقوال سلفنا الصّالح، وعبثت أيديهم الخبيثة بنصوصنا، يحرّفون الكلم عن مواضعه ، فتبّاً لهم من علماء سوء ابتليت اُمّة نبيّنا(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بهم ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا آلِ مُحَمَّدٍ وَ شِيعَتِهِمْ حَقُّهُمْ ، أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ، وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .

أخبار المهدي

تأليف : عباد بن يعقوب الرّواجني ، المتوفّى سنة 250ه(2).

کتاب المهدي

کتاب المهدي (3)

تأليف: أبي نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني ، المتوفّى سنة 430ه.

البيان بأخبار صاحب الزّمان

تأليف : محمّد بن يوسف الكنجي الشّافعي ، المتوفّى سنة 658ه.

ص: 280


1- سورة الزُّخرف : 22.
2- راجع المهدي المنتظر بين التّصوّر والتّصديق لمحمّد حسن آل ياسين : 30.
3- هكذا سمّاه ابن القيم والسّيوطي في الجامع الصّغير ، لكنّه ذكره في العرف الوردي باسم «الأربعين».
عقد الدّرر في أخبار المهدي المنتظر

تأليف : يوسف بن يحيى السّلمي الشّافعي ، المتوفّى سنة 685ه.

المهدي المنتظر

تأليف : ابن قيّم الجوزية ، المتوفّى سنة 751ه.

کتاب الفتن و الملاحم

تأليف : عماد الدّين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي ، المتوفّى سنة 774ه. فقد أفرد فيه جزءاً على حده في ذكر المهدي كما صنع أيضاً في «البداية والنّهاية».

العُرف الوردي في أخبار المهدي

تأليف : جلال الدّین عبدالرّحمن بن أبي بكر السّيوطي ، المتوفّى

سنة 911ھ.

تلخيص البيان في علامات مهدي آخر الزّمان

تأليف : ابن كمال باشا الحنفي ، المتوفّى سنة 940ه.

المُهدي إلى ما ورد في المهدي

تأليف : محمّد بن طولون الدّمشقي ، المتوفّى سنة 953ه.

ص: 281

البرهان في علامات مهدي آخر الزّمان

تأليف : عليّ بن حسام الدّين المتّقي الهندي ، المتوفّى سنة 975ه.

المهدي من آل الرسول

تأليف : الملّا عليّ بن سلطان القارئ ، المتوفّى سنة 1014ه. ويُعرف أيضاً باسم : «المشرب الوردي في مذهب المهدي »

العواصم من الفتن القواصم

تأليف : ابن بريدة.

فرائد الفكر في الإمام المهدي المنتظر

تأليف : مرعي بن يوسف الكرمي ، المقدّسي الحنبلي ، المتوفّى سنة1033ه.

التّوضيح في تواتر ما جاء في المهدي والمنتظر ...

تأليف : القاضي محمّد بن عليّ الشوكاني ، المتوفّى سنة 1250ه.

القطر الشّهدي في أوصاف المهدي

تأليف : شهاب الدّين أحمد بن أحمد بن إسماعيل الحلواني

الشّافعي ، المتوفّى سنة 1308ه.

ص: 282

العطر الوردي في شرح القطر الشّهدي

تأليف : محمّد بن محمّد بن أحمد الحسيني البلبيسي.

تأليف في المهدي

تأليف : أبي العلاء إدريس بن محمّد بن إدريس الحسيني العراقي .

الهداية النّدية للاُمّة المهديّة ...

تأليف : الشّيخ مصطفى البكري.

تحديق النّظر في أخبار الإمام المنتظر

تأليف : محمّد بن عبدالعزيز بن مانع ، من علماء نجد في القرن (14).

الأربعين في أخبار المهديّين

تأليف : الشّيخ ولاية الله الصّادق بوري الهندي.

تلخيص البيان في علامات مهدي آخر الزّمان

تأليف : حنیف الدّین عبدالرحمٰن المرشدي.

المهدي والمهدويّة

تأليف : الدّكتور أحمد أمين .

المرشد المبدي لفساد طعن ابن خلدون في أحاديث المهدي

تأليف : أحمد بن محمّد بن الصّدّيق.

ص: 283

المهديّة في الإسلام منذ أقدم العصور حتّى الآن

تأليف : سعد محمّد حسن.

عقيدة أهل السّنّة والأثر في المهدي المنتظر

تأليف : عبدالمحسن العبّاد .

قال آية الله العظمى الشّيخ لطف الله الصّافي الگلپایگاني مدّ ظلّه العالي فيا كتبه في الرّدّ على مخاريق بعض المعاندین و افتراءاته وتحامله على الفرقة الإماميّة النّاجية ، تحت عنوان (الإيمان بالمهدي (علیه السّلام) فكرة إسلامية ) ما هذا نصّه:

« ممّا اتفق عليه المسلمون خلفاً عن سلف ، وتواترت فيه الأخبار عن النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أنّه لابدّ من إمام يخرج في آخر الزّمان من نسل عليّ وفاطمة يسمّي باسم الرّسول ، ويلقّب بالمهدي ، ويستولي على الأرض ، ويملك الشّرق والغرب، ويتبعه المسلمون ، ويهزم جنود الكفر، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً ، و ينزل عيسی ويصلّي خلفه ... وأخرج جمع من أعلام السنّيّن روايات كثيرة في أنّه من عترة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، ومن ولد فاطمة ، ومن ولد الحسين ، وأنّه يملأ الأرض عدلاً ، وأنّ له غيبتين إحداهما تطول ، وأنّه الخليفة الثّاني عشر من الخلفاء الّذين أخبر

ص: 284

النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بأنّهم يملكون أمر هذه الاُمّة ، وأنّه لا يزال هذا الدّين منيعاً إلى اثني عشر ، وفي شمائله ، وخلقه ، وخُلقه ، وسیرته بين النّاس ، وشدّته على العمال ، وجوده بالمال ، ورحمته بالمساكين ، وفي اسم صاحب رايته ، وما كتب فيها ، وكيفيّة المبايعة معه بين الرّكن والمقام ، وما يقع قبل ظهوره من الفتن ، وذهاب ثلثي النّاس بالقتل والموت . وخروج السّفياني ، واليماني ، والدّجّال ، ووقوع الخسف بالبيداء ، وقتل النّفس الزّكية ، وفي علائم ظهوره، وأنّه ينادي ملك فوق رأسه : هذا المهدي خليفة الله فاتّبعوه، وأنّ شيعته يسيرون إليه من أطراف الأرض ، و تطوى لهم طيّاً حتّى يبايعوه ، وأنّه يستولي على الممالك والبلدان ، وأنّ الاُمّة ينعمون في زمانه نعمة لم ينعموا مثلها ، وغيرها من العلائم والأوصاف الّتي اقتطفناها من روايات أهل السّنّة ، فراجع كتبهم المفردة في ذلك :

1- أربعين الحافظ أبي نعيم الأصبهاني .

2 - البيان في أخبار صاحب الزّمان لأبي عبدالله محمّد بن يوسف

الكنجي الشّافعي (المتوفّى سنة 658ه).

3- البرهان في علامات مهدي آخر الزّمان للعلّامة المتّقي صاحب

منتخب کنز العمّال (المتوفّى سنة 975ه).

ص: 285

4 - العرف الوردي في أخبار المهدي للسيوطي (المتوفّى سنة 911ه).

5 - القول المختصر في علامات المهدي المنتظر لابن حجر

(المتوفّى سنة 974ه).

6- عقد الدرر في أخبار المنتظر للشيخ جمال الدّین یوسف

الدّمشقي من أعلام القرن السّابع .

7 - التّوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر ، والدّجّال ،

والمسيح للشوكاني (المتوفّى سنة 1250ه).

أضف إلى ذلك روايات أخرجها أكابر المحدّثين منهم في كتبهم

وصحاحهم ومسانیدهم :

1- كالحاكم النيشابوري .

2 - أحمد بن حنبل .

3 - أبي داود .

4 - ابن ماجة .

5 - التّرمذي .

6 - مسلم.

7 - البخاري .

8 - النّسائي

9 - ابن عبدالبرّ

10 - الماوردي .

11 - الطّبراني .

12 - السّمعاني.

13 - الرّوياني.

ص: 286

14 - العبدري .

15 - ابن عساکر .

16 - الدّارقطني .

17 - أبي عمرو الدّاني .

18 - ابن حبّان .

19 - البغوي .

20 - ابن الأثير.

21 - ابن الدّيبع.

22 - السّهيلي.

23 - البيهقي .

24 - الصبّان.

25 - الشّبلنجي .

26 - الشّيخ منصور علىّ ناصيف وغيرهم، ممّن يطول الكلام

بذكر أسمائهم»، انتهى كلامه دام ظلّه.

أقول:

1- ابن حجر في عدّة مواضع من لسان الميزان .

2 - وابن حجر في موضعين من الإصابة .

3- والسيّد إعجاز حسين في مقدّمة كشف الحجب والأستار .

4- والحاجي خليفة في كشف الظّنون .

5 - وإسماعيل باشا البغدادي في إيضاح المكنون ، وهدية العارفين .

6- ونعيم بن حمّاد المروزي في كتاب الفتن ، في مواضع عديدة . 7- وابن شبة النّميري في تاريخ المدينة .

8- والطّبري في تأريخه.

9- وابن كثير في عدّة مواضع من البداية والنّهاية .

ص: 287

10- وابن خلدون في تأريخه .

11 - والقاضي عياض في الشّفا بتعريف حقوق المصطفى .

12 - ومحمّد بن سعد في الطّبقات الکبری.

13 - والبخاري في التّاريخ الكبير .

14- وأحمد بن حنبل في العلل.

15 - والعجلي في معرفة الثّقات.

16 - والعقيلي في الضّعفاء.

17 - وابن حبّان في مشاهير علماء الأمصار ، وفي الثّقات .

18 - و عبدالله بن عدي في الكامل ، في مواضع عديدة .

19 - وعبدالله بن حبّان في طبقات المحدّثين بإصبهان .

20 - والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد.

21 - وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ، في مواضع كثيرة جدّاً.

22 - والمزّي في تهذيب الكمال ، في مواضع عديدة.

23 - والذّهبي في تذكرة الحفّاظ و میزان الاعتدال ، في مواضع

عديدة.

24 - والجاحظ في سيرة أعلام النّبلاء، في مواضع عديدة .

25 - وابن حجر في تهذيب التّهذيب ، في مواضع عديدة .

ص: 288

26 - والحاكم في مواضع عديدة من المستدرك .

27 - وابن حجر في مواضع عديدة من فتح الباري لا سيّما في :

6/ 358- 359.

28 – والهيثمي في مجمع الزوائد ، في مواضع عديدة .

29 - والأحوذي في عدّة مواضع من تحفة الأحوذي.

30 - والعظيم آبادي في عون المعبود، فيمواضع عديدة .

31 - والصّنعاني في المصنّف .

32 – وابن شيبة في المصنّف.

33 - وأبي داود في سؤالات الآجري .

34 - وأبي يعلى في مسنده .

35 - وابن حبّان في صحيحه .

36 - والطّبري في المعجم الصّغير، والمعجم الأوسط، والمعجم الكبير ، ومسند الشّاميّين .

37 - والبغدادي في الكفاية .

28 – والزّمخشري في الفائق.

39 - وابن أبي الحديد في مواضع عديدة من شرح نهج البلاغة . . 40 - والحارث بن أبي اُسامة في بغية الباحث .

ص" 289

وقال آية الله العظمى الصافي دام ظلّه أيضاً:

«ثمّ أضف إليها تصريحات جماعة من علمائهم بتواتر الأحاديث الواردة في المهدي (علیه السّلام) . فلا خلاف بين المسلمين في ظهور المهدي الّذي يملأ الأرض عدلاً... وإنّما الخلاف وقع بينهم في أنّه ولد أو سيولد ، فالشيعة الإماميّة يقولون بولادته ، وبوجوده ، وحياته ، وغيبته ، وأنّه سيظهر بإذن الله تعالى ، وأنّه الإمام الثّاني عشر ، وهو ابن عليّ بن أبي طالب (علیهم السّلام) ، ورواياتهم في ذلك تجاوز حدّ التّواتر ، معتبرة في غاية الاعتبار ، مؤيّدة بعضها ببعض ، وكثير منها من الصّحاح ، بل مقطوع الصّدور رووها في جمع الطّبقات الأثبات الثّقات من الأجلّاء الّذين لا طريق للغمز فيهم ، وإن شئت أن تعرف مقدار ذلك فراجع ما ألّفه الحافظ الجليل الثّقة أبو عبدالله النّعماني بأسانيده العالية ، وما ألّفه الشّيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطّوسي الإمام في جميع العلوم الإسلامية ،وكتاب كمال الدّین وتمام النّعمة تأليف الشّيخ المحدّث الكبير محمّد بن عليّ بن الحسين الصّدوق (المتوفّى سنة 381ھ) ، وكتابنا منتخب الأثر ، ومئات من الكتب المصنّفة في ذلك.

وهذه الرّوايات مخرجة في اُصول الشّيعة وكتبهم المؤلّفة قبل ولادة الإمام الحجّة بن الحسن العسكري (علیهما السّلام) ، بل قبل ولادة أبيه وجدّه . ومنها كتاب المشيخة لإمام أهل الحديث الشّيخ الثقة الثّبت الحسن بن

ص: 290

محبوب السّرّاد الّذي كتابه هذا في كتب الشّيعة أشهر من کتاب المزني ونظرائه. وصنّفه قبل ولادة المهدي بأكثر من مائة سنة ، وذكر فيه أخبار الغيبة ، فوافق الخبر المخبر، وحصل كلّما تضمّنه الخبر بلا اختلاف.

وأمّا ولادته (علیه السّلام) ، فقد ثبتت بأوكد ما يثبت به أنساب الجمهور من النّاس إذ كان النّسب يثبت بقول القابلة ومثلها من النّساء اللّاتي جرت عادتهنّ بحضور ولادة النّساء وتولّي معونتهنّ عليه ، وباعتراف صاحب الفراش وحده بذلك دون من سواه ، وبشهادة رجلين من المسلمين على إقرار الأب بنسب الابن منه ، وقد ثبتت أخبار عن جماعة من أهل الدّيانة والفضل والورع والزّهد والعبادة والفقه عن الحسن بن علي (علیهما السّلام) إنّه اعترف بولادة المهدي(علیه السّلام) ، وآذنهم بوجوده ، ونصّ لهم على إمامته من بعده ، وبمشاهدة بعضهم له طفلاً . وبعضهم له یافعاً وشابّاً كاملاً.

وهذا فضل بن شاذان العالم المحدّث المتوفّي قبل وفاة الإمام أبي محمّد الحسن العسكري (علیه السّلام) روي عنه في كتابه في الغيبة خبر ولادة ابنه المهدي وكيفيّتها وتاريخها ، وكانت ولادته (علیه السّلام)ا بين الشّيعة وخواصّ أبيه من الاُمور المعلومة المعروفة ، وقد أمر أبوه (علیه السّلام) أن يعقّ

ص: 291

عنه ، وعرضه على أصحابه يوم الثّالث من ولادته. والأخبار الصّحيحة الواردة بأسانيد عالية في ذلك كثيرة متواترة جدّاً، وقد أحصى بعض العلماء أسماء جماعة ممّن فازوا بلقائه في حياة أبيه وبعدها ، كما قد نقل عن بعض أهل السّنّة الاجتماع به(علیه السّلام) ، بل أخرج بعض من حفّاظهم مثل حافظ زمانه أحمد بن محمّد بن هاشم البلاذري الحديث عنه(علیه السّلام) .

ولقد كان أبوه و شیعته يحفظون ولادته عن أعدائه من بني العبّاس وغيرهم ، وكان السّرّ في ذلك أنّ بني العبّاس لمّا علموا من الأخبار المروية عن النّبيّ والأئمّة من أهل البيت (علیهم السّلام) أنّ المهدي هو الثّاني عشر من الأئمّة ، وهو الّذي يملأ الأرض عدلاً ، ويفتح حصون الضّلالة ، ویزیل دولة الجبابرة أرادوا إطفاء نوره بقتله ، فلذا عيّنوا العيون والجواسيس للتفتيش عن بيت أبيه ، ولكن أبي الله إلّا أن يجري في حجّته المهدي سنّة نبيّه موسى (علیهما السّلام) .

وقد ورد في الرّوايات الكثيرة عن آبائه (علیهم السّلام) خفاء ولادته(علیه السّلام) ، وشباهته في ذلك بموسى(علیه السّلام) . فعلى هذا لم ينبعث الإيمان بظهور المهدي (علیه السّلام) إلّامن الإيمان بنبوّة جدّه محمّد(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وليس في الخصوصيّات المذكورة أمر غير مألوف ممّا لم تجد مثله في هذه الاُمّة

ص: 292

أو الاُمم السّالفة ، فلابدّ لمن يؤمن بالله وبالنبيّ الصّادق المصدّق بعد العلم بهذه الأخبار الكثيرة الإيمان بظهور المهدي المنتظر صاحب هذا النّسب المعلوم والسّمات والنّعوت المشهورة ، ولا يجوز مؤاخذة الشّيعي بانتظار هذا الظّهور ، ولا يصحّ دفع ذلك بمجرّد الاستبعاد.

ووافق الإماميّة من أعلام السّنيّين في أنّ المهدي هو ابن الحسن العسكري (علیهما السّلام) جمع کثیر کصاحب روضة الأحباب ، وابن صبّاغ مؤلّف (الفصول المهمّة)، وسبط ابن الجوزي مؤلّف (تذكرة الخواصّ) ، والشّيخ نور الدّين عبدالرّحمن الجامي الحنفي في كتاب (شواهد النّبوّة)، والمحافظ محمّد بن يوسف الكنجي الشّافعي مؤلّف (البيان في أخبار صاحب الزّمان)، والحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي الفقيه في (شعب الإيمان)، فإنّه يظهر منه على ما حكي عنه الميل إلى موافقة الشّيعة ، بل اختیار قولهم؛ وذلك لأنّه نقل عقيدة الشّيعة ولم ينكرها ، وكمال الدّین محمّد بن طلحة الشّافعي (المتوفّى سنة 652)، صرّح بذلك في كتابيه (الدّرّ النّظيم ) و (مطالب السّؤول). وله في مدحه (علیه السّلام) أبيات ، والقاضي فضل بن روزبهان شارح الشّمائل للترمذي ، ومؤلّف (إيطال نهج الباطل)، وابن الخشّاب ، والشّيخ محيي الدّين ، والشّعراني ، والخواجه محمّد پارسا ، وملك العلماء

ص: 293

القاضي شهاب الدّین دولت آبادي في (هداية السّعداء)، والشّيخ سلیمان المعروف بخواجه کلان البلخي القندوزي في (ينابيع المودّة ) والشّيخ عامر بن عامر البصري صاحب القصيدة التّائيّة المسماّة بذات الأنوار ، وغيرهم من العلماء ممّن يطول بذكرهم الكلام. وقد صرّح بولادته جماعة من علماء أهل السّنّة الاُستاذ في النّسب والتّاريخ والحديث كابن خلّكان في (الوفيات)، وابن الأزرق في (تاریخ میافارقين ) - على ما حکی عنه ابن خلّکان - وابن طولون في (الشّذرات الذّهبيّة ) ، وابن الوردي على ما نقل عنه في نور الأبصار والسّويدي مؤلّف (سبائك الذّهب)، وابن الأثير في (الكامل)۔ وأبي الفداء في (المختصر)، وحمد الله المستوفي في (تاریخ گزیده) . والشّبراوي الشّافعي شيخ الأزهر في عصره في (الاتحاف ) والشّبلنجي في (نور الأبصار)، بل يظهر منه اعتقاده بإمامته ، وأنّه المهدي المبشّر بظهوره، وإن شئت أن تقف على أكثر من ذلك فراجع کتابنا (منتخب الأثر) الباب الأوّل من الفصل الثالث منه ... الخ »

انتهی کلام آیة الله العظمى الصّافي دام ظلّه.

أقول: وقد ادّعى الحافظ أبو الحسن محمّد بن الحسين الآبري السّجزي في كتابه« مناقب الشّافعي» تواتر أحاديث المهدي (علیه السّلام)

ص: 294

قائلاً: «وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بذكر المهدي ، وأنّه يملأ الأرض عدلاً ، وأنّ عيسى (علیه السّلام) يخرج فيساعده على قتل الدّجّال ، وأنّه يؤمّ هذه الاُمّة ويصلّي عیسی خلفه في طول من قصّته وأمره». .

وقد نقل هذا الكلام عنه عدد من أئمّة أهل السّنّة وعلماؤهم

وارتضوه:

1- كالإمام القرطبي في كتابه «التّذكرة بأحوال الموتى والآخرة » . 2 - والإمام أبو الحجّاج المزّي في كتابه «تهذيب الكمال ».

3 - والإمام ابن قيم الجوزية في كتابه «المنار المنيف» .

4- والحافظ ابن حجر في «فتح الباري شرح صحيح البخاري » ،

وفي «تهذيب التّهذيب ».

5 - والسّخاوي في كتابه « فتح المغيث بشرح ألفيّة الحديث » .

6- والسّيوطي في آخر كتابه «العرف الوردي في أخبار المهدي » .

7- وابن حجر الهيثمي المكّي في كتابه «الصّواعق المحرقة » -

وأيضاً في كتابه «القول المختصر في علامات المهدي المنتظر » من غير تصريح باسمه ، بل قال : قال بعض الأئمّة.

ص: 295

8- والملّا عليّ القارئ في كتابه «رسالة المهدي من آل الرّسول» .

9- ومرعي بن يوسف الحنبلي في كتابه « فوائد الفكر في ظهور

المهدي المنتظر». .

10 - ومحمّد البرزنجي في كتابه «الاشاعة في أشراط السّاعة » 11 - والزّرقاني في «شرح المواهب » ومنهم من لم يكتفِ بذکر کلام الآبري ، بل نصّ على تواتر الأحاديث الواردة في المهدي(علیه السّلام) :

1- کمحمّد بن رسول الحسيني البرزنجي في كتابه «الاشاعة في أشراط السّاعة » ، فإنّه قال في الصّفحة 87: « الباب الثّالث عشر في الأشراط العظام ، والأمارات القريبة الّتي تعقبها السّاعة ، وهي أيضاً كثيرة ، فمنها المهدي وهو أوّلها ، واعلم أنّ الأحاديث الواردة فيه على اختلاف رواياتها لا تكاد تنحصر».

وقال أيضاً في الصّفحة 112 منه: «قد علمت أنّ أحاديث وجود المهدي وخروجه آخر الزّمان ، وأنّه من عترة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من ولد فاطمة بلغت حدّ التواتر المعنوي فلا معنى لإنكارها».

وقال أيضاً في الصّفحة 189 منه : « وغاية ماثبت بالأخبار الصّحيحة الكثيرة الشّهيرة الّتي بلغت حدّ التّواتر المعنوي وجود

ص: 296

الآيات العظام الّتي منها ، بل أوّلها ، خروج المهدي ، وأنّه يأتي في آخر الزّمان من ولد فاطمة ، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً »

2 - وهكذا الشّيخ محمّد السّفاريني في كتابه لوائح الأنوار البهيّة

(80/2 ) : « والصّواب الّذي عليه أهل الحقّ أنّ المهدي غير عیسی ، وأنّه يخرج قبل نزول عيسى(علیه السّلام) ، وقد كثرت بخروجه الرّوايات حتّى بلغت حدّ التّواتر المعنوي ، وشاع ذلك بين علماء السّنّة حتّى عُدّ من معتقداتهم ... وقد روي عمّن ذكر من الصّحابة وغير من ذكر عنهم رضي الله عنهم بروایات متعدّدة وعن التّابعين من بعدهم ما يفيد مجموعه العلم القطعي ، فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرّر عند أهل العلم ، ومدوّن في عقائد أهل السّنّة والجماعة». .

3- والقاضي محمّد بن عليّ الشّوكاني ، فقد قال في كتابه : «التّوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر والدّجّال والمسيح » ، كما في الاذاعة صفحة 114، وفي نظم المتناثر صفحة 146: « والأحاديث الواردة في المهدي المنتظر الّتي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً ، فيها الصّحيح والحسن والضّعيف المنجبر ، وهي متواترة بلا شكّ ولا شبهة ، بل يصدق وصف التّواتر على ما دونها في جميع الاصطلاحات المحرّرة في الاُصول» .

ص: 297

وقال أيضاً: «فتقرّر أنّ الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة والأحاديث الواردة في الدّجّال متواترة ، والأحاديث الواردة في نزول عیسی بن مریم متواترة»..

4 - والنّواب صدّیق حسن خان القنّوجي ، فقال في كتابه

« الإذاعة...» : « الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الْمَهْدِيِّ عَلَى اخْتِلَافِ رواياتها كَثِيرَةُ جِدّاً تَبْلُغَ حَدَّ التَّوَاتُرِ المعنوي ، وَ هِيَ فِي السُّنَنِ وَ غَيْرِهَا مِنَ دَوَاوِينَ الْإِسْلَامِ مِنْ المعاجم والمسانید »(1).

وقال أيضاً في معرض ردّه على ابن خلدون: «فَلَا مَعْنَى للريب فِي أَمْرِ ذَلِكَ الفاطمي الْمَوْعُودُ الْمُنْتَظَرُ المدلول عَلَيْهِ بِالْأَدِلَّةِ ، بَلْ إِنْكَارِ ذَلِكَ جُرْأَةِ عَظِيمَةً فِي مُقَابَلَةِ النُّصُوصِ الْمُسْتَفِيضَةِ الْمَشْهُورَةِ الْبَالِغَةِ حَدَّ التَّوَاتُرِ »(2).

5 - من القائلين بالتواتر أيضاً في أحاديث المهدي (علیه السّلام) : الشّيخ محمّد بن جعفر الكناني في كتابه «نظم المتناثر من الحديث المتواتر» في الصّفحة 229.

ص: 298


1- الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي السّاعة : 112.
2- المصدر المتقدّم : 146.

وهناك علماء آخرون كثيرون من أهل السّنّة صحّحوا أحادیث

المهدي (علیه السّلام) وذكروها في مؤلّفاتهم ، ونصّوا على الاحتجاج بها(1):

1- فمنهم الإمام سفیان بن سعيد الثّوري ، المتوفّى سنة 161ھ،

وهذا يدلّ على أنّ موضوع خلافة المهدي كان أمراً مسلّماً عندهم .

2 - والإمام الحافظ أبو جعفر العقيلي ، المتوفّى سنة 323ه في

الضّعفاء (ص 300) و (ص 139 - 160).

3- والإمام أبو الحسين بن المنادي ، المتوفّى سنة 236ھ، على ما في فتح الباري ( 213/13 ).

4 - والإمام أبو حاتم ابن حبّان البستي ، المتوفّى سنة 354ھ، في «الإحسان في تقريب صحيح ابن حبّان » : (293/8

و 294 و 266) .

5- والإمام أبو سليمان الخطابي ، المتوفّى سنة 388ه ، كما في تحفة الأحوذي (625/6 ).

6- والإمام البيهقي ، المتوفّى سنة 458ھ، على ما في تهذيب الكمال ( 597/6 )، والمنار المنيف (143).

7- والحافظ أبو القاسم السّهيلي ، المتوفّى سنة 581ھ ،

ص: 299


1- راجع المهدي المنتظر للدكتور عبدالعليم عبدالعظیم البستوي : 47.

راجع الرّوض الأنف (160/1 ).

8- والإمام أبو عبدالله القرطبي ، المتوفّى سنة 761ھ ، راجع الحاوي للسيوطي (2/ 165) والتذكرة (723/2 ).

9- وشیخ الاسلام ابن تيميّة الحرّاني ، المتوفّى سنة 728ھ ،

في منهاج السّنّة (211/4 ) و (132/2 ).

10 - والإمام ابن قيّم الجوزية ، المتوفّى سنة 751ه، في إغاثة

اللّهفان ( 332/2 )، والمنار المنيف (145 و 148).

11 - والإمام الحافظ عماد الدّین ابن كثير ، المتوفّى سنة 744ه ،

كما في تفسير ابن كثير (35/2 ) ، والبداية والنّهاية ( 248/6 )،

والفتن و الملاحم (27/1 ) و (30/1 - 31).

12 - والإمام الحافظ جلال الدّين السّيوطي ، المتوفّى سنة 911ھ ، في الإعلام بحكم عیسی (علیه السّلام) ، الحاوي (289/2

)، وفي الكشف عن مجاوزة هذه الاُمّة الألف ، الحاوي (167/2

).

13 - والشيخ أبو الحسن السّمهودي ، المتوفّى سنة 911ھ، ذكره العباد في مقالته « عقيدة أهل السّنّة والأثر »: (114).

14 - والشيخ شهاب الدّين أحمد بن حجر الهيثمي المكّي ، المتوفّى سنة 974ه، في القول المختصر (129) ، والصّواعق المحرقة (100).

ص: 300

15 - والشيخ الإمام المحافظ عليّ المتّقي الهندي ، المتوفّى سنة 975ه، في رسالته «الرّدّ على من حكم وقضى أنّ المهدي قد جاء ومضى» (134)، وفي «البرهان في علاقات مهدي آخر

الزّمان » : ( 3).

16 - والشيخ الملّا عليّ القارئ الهروي ، المتوفّى سنة 1014ه.

في شرح الفقه الأكبر: (101).

17- والشيخ عبد الرؤوف المناوي ، المتوفّى سنة 1031ه، في فيض القدير (363/1 ) و (17/6 ).

18 - والشيخ محمّد بشير السّهسواني ، المتوفّى سنة 1362ھ ،

في صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان : (322).

19 - والعلّامة الشّيخ شمس الحقّ العظيم آبادي ، المتوفّى

سنة 1329ه، في عيون المعبود ( 361/11 - 362).

20 - والعلّامة الشّيخ عبد الرّحمن المباركفوري ، المتوفّى

سنة 1353ه، في تحفة الأحوذي (485/6).

21 - والعلّامة الشيخ أحمد شاكر ، المتوفّى سنة 1377ه، في شرح مسند الإمام أحمد ( 198/5 ).

22 - والشيخ عبدالعزیز بن باز مفتي عام المملكة العربيّة

ص: 301

السعوديّة ، على ما في مجلّة الجامعة العربيّة عدد ذي القعدة 1389ه: .(162) .

23 - والعلّامة المحدّث الشّيخ محمّد ناصر الدّين الألباني ، تخریج أحاديث فضائل الشّام ودمشق : (16) الحديث رقم (18). فالمسلم الّذي يؤمن بحياة عيسى ، بل وحياة الدّجال الكافر ، وخروجه في آخر الزّمان ، وبحياة خضر وإدريس ، ويروي عن نبيّه (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في أصحّ كتبه في الحديث كصحیح مسلم ، والترمذي ، وسنن أبي داود ، وابن ماجة - باب ذكر ابن صیّاد وخروج الدّجّال -، واحتمال کون ابن صیّاد هو الدّجّال ، ويروي عن تميم الدّاري ما هو صريح في أنّ الدّجّال كان حيّاً في عصر النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وأنّه يخرج في آخر الزّمان ، ويؤمن بطول عمر نوح ويقرء في القرآن : «فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا » (1)، وقوله تعالى : «فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ *لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ » . (2)، وأمثال هذه الاُمور ممّا يستغربه بعض الأذهان لقلّة الاُنس به ، كيف يعيب الشّيعة على قولهم ببقاء الإمام المنتظر ، وينسبهم إلى الجهل وعدم

ص: 302


1- العنکبوت: 14.
2- الصّافّات: 143 و 144.

العقل ، ومفاسد هذه الاستبعادات في المسائل الدّينيّة كثيرة ، ولو فتح هذا الباب لأمكن إنكار كثير من المسائل الاعتقادية وغيرها ، ممّا دلّ عليه صحيح النّقل، بالاستبعاد ، ويلزم من ذلك طرح ظواهر الأخبار والآيات ، بل وصريحها ، ولا أظنّ بمسلم أن يرضى بذلك .

وإليك أيّها القارئ العزیز ما ذكره ابن العربي المغربي في الفتوحات ، وهو من عرفاء النّواصب والمبغضين لأهل البيت و شیعتهم، ولا يبالي بأيّة فرية يرميهم ، ولا بأي سهم حقد يصيبهم ويجني عليهم ، على ما نقله الشّعراني في الیواقیت والجواهر في موضوع الصّاحب (علیه السّلام) ليكون القارئ على بصيرة من الأمر: قال الشّيخ الأكبر محيي الدّين العربي (المتوفّى 638ه) في الباب السّادس والسّتّين والثلاثمائة : واعلموا أنّه لابدّ من خروج المهدي(علیه السّلام) ، لكن لا يخرج حتّى تمتلی الأرض جوراً وظلماً، فيملأها قسطاً وعدلاً ، ولو لم يكن من الدّنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله تعالى ذلك اليوم حتّى يلي ذلك الخليفة ، وهو من عترة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، من فاطمة رضي الله عنها-، جدّه الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، ووالده حسن العسكري ابن الإمام عليّ النّقيّ - بالنّون - ابن محمّد التّقي بالتّاء - ابن الإمام عليّ الرّضا ، ابن الإمام موسى الكاظم ، ابن الإمام جعفر الصّادق ، ابن الإمام محمّد الباقر ، ابن الامام زین العابدين عليّ .

ص: 303

ابن الإمام الحسين ، ابن الإمام عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنهم - يواطئ اسمه اسم رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، یبایعه المسلمون بين الركن والمقام . يشبه رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في الخلق - بفتح الخاء -، وينزل عنه في الخلق -بضمّها -؛ إذ لا يكون أحد مثل رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في أخلاقه ، والله تعالى يقول : «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ » (1)، هو أجلى الجبهة ، أقنى الأنف . أسعد النّاس به أهل الكوفة ، يقسم بالسوية ، ويعدل في الرعية ، يأتيه الرّجل فيقول : يا مهدي أعطني - وبين يديه المال -فيحثو له في ثوبه ما استطاع أن يحمله ، يخرج على فترة من الّدين يزع الله به ما لا يزع بالقرآن ، يمسي الرّجل جاهلاً وجباناً وبخيلاً ، فيصبح عالماً شجاعاً كريماً ، يمشي النّصر بين يديه ، يعيش خمساً ، أو سبعاً ، أو تسعاً ، يقفو أثر رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، لا يخطئ ، له ملك يسدده من حيث لا يراه ، يحمل الكلّ (كذا)، ويعين الضّيف ، ويساعد على نوائب الحقّ- إلى أن قال : - يبيد الظّلم وأهله ، ويقيم الدّين ، وينفخ الرّوح في الإسلام ، يعزّ الله به الإسلام بعد ذلّه ، ويحييه بعد موته ، يضع الجزية ، ويدعو إلى الله بالسيف ، فمن أبي قتل ، ومن نازعه خذل ، يظهر من الدّين ما هو عليه الدّين في نفسه حتى لو كان رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) حيّاً للحكم به ، فلا يبقى

ص: 304


1- القلم: 4.

في زمانه إلّا الدّين الخالص عن الرّأي ، يخالف في غالب أحكامه مذاهب العلماء ، فينقبضون منه لذلك ؛ لظنّهم أنّ الله تعالى ما بقي يحدث بعد أئمّتهم مجتهداً . وأطال في ذكر وقائعه معهم ، ثمّ قال : واعلم أنّ المهدي إذا خرج يفرح به جميع المسلمين ، خاصّتهم وعامّتهم ، وله رجال إلٰهيّون ، يقيمون دعوته وينصرونه ، هم الوزراء له يتحمّلون أثقال المملكة ، ويعينونه على ما قلّده الله تعالى ، ينزل عليه عیسی بن مریم (علیه السّلام) بالمنارة البيضاء شرقي دمشق متّكئاً على ملكين ، ملك عن يمينه ، وملك عن يساره ، والنّاس في صلاة العصر ، فیتنحّی له الإمام عن مكانه ، فيتقدّم فيصلّي بالنّاس ، یأمر النّاس بسنّة محمّد(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، يكسر الصّليب ، ويقتل الخنزير ، ويقبض الله المهدي إليه طاهراً مطهّراً، وفي زمانه يقتل السّفياني عند شجرة بغوطة دمشق ، ويخسف بجيشه في البيداء ، فمن كان مجبوراً مکرهاً يحشر على نيّته وقد جاءکم زمانه ، وأظلّكم أوانه ، وقد ظهر القرن الرّابع اللّاحق بالقرون الثّلاثة الماضية ، قرن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وهو قرن الصّحابة ، ثمّ القرن الّذي يليه ، ثمّ الّذي يلي الثّاني ، ثمّ جاء بینهما فترات وحدثت اُمور ، وانتشرت أهواء ، وسفكت دماء ، فاختفي إلى أن يجيء الوقت الموعود . وأطال الشّيخ الكلام نحو اثنتي عشرة ورقات إلى أن قال : -

ص: 305

واعلم أنّ ظهور المهدي(علیه السّلام) من أشراط السّاعة ، كذلك خروج الدّجّال ، فيخرج من خراسان من أرض الشّرق موضع الفتن ، يتبعه الأتراك واليهود ، ويخرج إليه من اصبهان وحدها سبعون ألفاً مطيلسين ، وهو رجل كهل أعور العين اليمني ، كأنّ عينه عنبة طافية مکتوب ین عینیه کاف فارا - إلى آخر ما قال - راجع الجواهر والیواقیت ج 2، ص 142 لعبد الوهاب الشّعراني الفقيه الشّافعي (المتوفّى سنة 973ھ) بالقاهرة.

ص: 306

الدّرس الرابع والعشرون: لمحة تاريخيّة

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يظهر للمحقّق المدقّق في التأريخ الإسلامي ، والمتتبّع للسيرة ، والمتصفّح لكتب المسلمين بأدنى تأمّل أنّ الظروف الّتي مرّ بها أئمّتنا الأطهار (علیهم السّلام) في العهدين الأمويّ والعبّاسيّ كانت عصيبةً للغاية ؛ ذلك أنّ الّذين تقمّصوا الخلافة واغتصبوها من عليّ وأبناءه (علیهم السّلام) وتربّعوا عرش الخلافة الإسلاميّة كانوا على دراية تامّة بأحقّيّة العترة الهادية . وكانوا على علم ويقينٍ بعدم أهليّتهم لهذا المنصب الخطير للغاية . وقد ألقي في قلوبهم الرّعب والرّهبة استمرار الإمامة في أهل البيت عليهم الصّلاة والسّلام، وأحسّوا بخطر يُهدّد ملكهم وسلطانهم ما دامت هذه الإمامة باقية ، وطالما تنتقل من صلب إلى صلب ، وهي متّصلة الحلقات في سلسلة مترابطة مستحكمة ، أئمّة هادون مهدیّون

ص: 307

یتلو بعضهم بعضاً و یعقب الإمام إمام ، یجدوا بُدّاً من ذلک إلّا بتضییق الخناق علی أهل البیت(علیهم السّلام) ، ووضع القيود على شيعتهم وأتباعهم ، فارسوا بشأنهم من القهر والاضطهاد أقسى الأنواع وأشدّها ، ومن القتل والتّشريد أفظعهما، غير مبالين بالحدود الإلٰهيّة ، ولا مكترثين بالقوانين الإنسانيّة.

فما كان لأهل البيت (علیهم السّلام) في ظلّ تلك الأزمة المتفاقمة والممارسات الوحشيّة من الأنظمة الغاشمة إلّا أن يتّخذوا أساليب حكيمة يقطعون بها الطّريق على سلاطين الجور و علماء السّوء من وعّاظ السّلاطين وأتباعهم الّذين نصبوا العداء لأهل بيت النّبوّة عليهم الصلاة والسلام ، لئلا يزول الحق عن مقره ، ويغلب الباطل على أهله . حرصاً منهم على الشّريعة المحمّديّة(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، اُصولاً وفروعاً . واختلفت أساليب المواجهة والتّصدّي لأهل الباطل طبقاً للظّرف الّذي كان يعيشه الإمام (علیه السّلام) ؛ لأنّه كان مأموراً مكلّفاً بأمرين و تقع على عاتقه مسؤوليّتان:

مسؤوليّة الذّبّ عن الشّريعة والتّصدّي للباطل وبيان الحقيقة .

ومسؤوليّة الحفاظ على نفسه المقدّسة ونفوس المؤمنين في ظلّ الأنظمة الغاشمة الطّاغية وعلماء السّوء وأتباعهم ، تارة بالخروج

ص: 308

والمواجهة ، كما وقع لمولانا أمير المؤمنين عليٍّ عليه الصّلاة والسّلام في قتال القاسطين والنّاكثين والمارقين ، وما صنعه الإمام الحسن المجتبى (علیه السّلام) في قتاله لمعاوية ، وخروج الإمام الحسين الشّهيد (علیه السّلام) على یزید بن معاوية ، وتارة بالبیان وإبداء الحقّ وإظهاره باللّسان كما حدث لكثير من أئمّة أهل البيت (علیهم السّلام) ، سيّما الإمامين الصّادق والباقر عليها الصّلاة والسّلام ، وتارة بالعزوف عن الدّنيا والانصراف إلى الآخرة ، كما صنع الأئمّة الأطهار في فترات مختلفة لاسيّما الإمام السّجّاد عليّ بن الحسين زين العابدين عليه أفضل صلوات المصلّين ، وتارة بالعزلة والصّمت والتزام السُّكوت ، وأخيراً بالتقيّة والمداراة ، حتّى قال الإمام الصّادق صلوات الله عليه : « التَّقِيَّةُ دِينِي وَ دِينُ آبَائِي» (1).

فاستمرّت الأحوال على هذا المنوال حتّى انتهت فترة إمامة الإمام عليّ بن موسى الرّضا(علیه السّلام) بقتله مسموماً على يد المأمون العبّاسيّ ، وبدأت مرحلة جديدة من الأساليب والممارسات الظّالمة من سلاطين بني العبّاس وحكّامهم ، وفي المقابل بدأ عهد جديد من أساليب

ص: 309


1- مشكاة الأنوار : 87. الصراط المستقیم : 71/3 . عوالي اللئالي : .433/1

المواجهة الّتي تكفّلت بتحقيق الأهداف والمسؤوليّات الملقاة على عاتق الإمام عليه الصّلاة والسّلام ، حيث أنّ المأمون ومن تولّى الخلافة بعده من بني العبّاس فرضوا رقابة صارمة وإشرافاً لصيقاً على الإمام محمّد الجواد والإمام عليّ الهادي ، والإمام الحسن العسكري (علیهم السّلام) ، وفرضوا عليهم حصاراً شديداً بالإقامة الجبريّة تارة ، وحبسهم في المنفى وبين معسكرات الجيش تارة اُخرى ؛ ليقطعوا كلّ سبيل لاتّصال شیعتهم بهم، ويحولوا دون اتّصالهم بشيعتهم ، ظنّاً منهم أنّ تلك القيود الّتي فرضوها عليهم ستحول دون تسلُّل أنوارهم.

وأنّ الحصار الشّائك الّذي ضربوه عليهم ، سيؤول إلى تحقيق أهدافهم ، «يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ »(1).

بدأت هذه الممارسات الإجراميّة بتزويج المأمون ابنته للإمام الجواد (علیه السّلام) وإدخاله في سجن المصاهرة، واستمرّت باستدعاء المتوکّل ثمّ المعتصم للإمامين الحادي والعسكري سلام الله عليهما إلى مركز الخلافة حينذاك -أعني مدينة سامراء -، وحبسهم بين العساکر

ص: 310


1- سورة الصّف : 8.

والجيوش ، وهكذا العيون والجواسيس ، وقد بلغ هذا الحصار أعلى مراتبه ، والممارسات الوحشيّة بلغت أشدّها في عهد الإمام الحسن العسكري (علیه السّلام) ، حيث ضيّق الخناق على الإمام (علیه السّلام) وعلى شيعته ، وقطع كلّ اتّصال بينه وبينهم ؛ لأنّه كان يرتقب ولادة المهديّ الّذي بشّر به رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وبشّر به أئمّة أهل البيت (علیهم السّلام) ، وأخبروا عنه بأنّه المنقذ الّذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً و جوراً ، وسيقضي على فراعنة الزّمان وجنودهم ، ويجتثّ جذورهم ويقطّع أوصالهم ، فسعى الخليفة العبّاسي إلى علاج الواقعة قبل وقوعها . والتّصدّي لها بالمنع من ولادته أو القضاء عليه بكلّ ما اُوتي من قوّة کما صنع فرعون ببني إسرائيل خوفاً من ولادة موسی(علیه السّلام) ، فما حصد سوى الخيبة والخسران، وما كان إلّا أن نشأ موسى (علیه السّلام) وترعرع في قصر فرعون وبين أحضانه بمرأى ومسمع منه ومن جنوده «قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ » (1).

فكانت ولادته عليه الصّلاة والسّلام أعظم إعجازاً من ولادة موسی بن عمران (علیه السّلام) ؛ ذلك أنّ فرعون موسي وجنوده لم يكونوا يعلمون بالبيت الّذي سيولد فيه وسيخرج منه موسی (علیه السّلام) ، ولم يعرفوا

ص: 311


1- سورة الشُّعراء : 18.

أباه ولم تُعرف لديهم شمائله ، ولهذا فقد بقروا بطون الحوامل من بني إسرائيل ، ثمّ استحيوا النّساء وذبحوا الأبناء والذّكور، بينما كان فرعون المهدي -أعني المعتمد العبّاسي - وجنوده عالمين بخصوص البيت الّذي سيولد فيه المهديُّ من آل محمّد(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، يعرفون أباه بعينه ، ولم تكن تخفي عليهم شمائله وأوصافه ، فكان التّضييق عليهم أهون وفرض الرّقابة للقضاء عليه أيسر ؛ لعلمهم بأنّه التّاسع من ولد الحسين(علیه السّلام) ، والرّابع من ولد الرّضا (علیه السّلام) ، وأنّه ابن الحسن بن عليّ الهادي ، وهَلُمّ جرّاً ، لكنّ المشيئة الإلٰهيّة خيّبت آمالهم كما خيّبت ظنونهم ؛ مصداقاً لقوله تعالى في الحديث القدسي: « أَشَاءُ وَ تَشَاءُ وَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَا أَشَاءُ »(1)، « وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ »(2).

أمّا الإمام الهادي (علیه السّلام) فقد بذل بدوره عناية خاصّة في تذلیل العقبات وتيسير المقدّمات وتوفير العلل المعدّة لولادة الإمام المهدي عليه الصّلاة والسّلام ، فاختار لابنه الإمام الحسن العسكري (علیه السّلام) إحدى جواري اُخته السّيّدة حكيمة رضوان الله عليها واسمها السّيّدة

ص: 312


1- لم أجد له مصدراً .
2- سورة التّوبة : 32.

نرجس روميّة الأصل من بنات الملوك والقياصرة -كما يبدو من جملة من الأخبار - أو من سلالة بعض أوصياء عیسی بن مريم (علیهما السّلام) ، وقد أحسنت السّيّدة حكيمة تربيتها وتعليمها ، فتزوّجها الإمام الحسن العسكري (علیه السّلام)(1).

أقول: لعلّ اختيار الإمام الهادي (علیه السّلام) لهذه الجارية جاء لإخفاء ولادة الإمام الحجّة المنتظر صلوات الله وسلامه عليه ؛ لأنّ الأعداء لم يتوقّعوا ولادته من جارية ، أو لعلّ الله تبارك وتعالى جعل هذه السّيّدة في عِداد الجواري ، وقدّر ذلك ليخفي أمر ولادة وليّه (علیه السّلام) ؛ إذ « أبی اللَّهُ أَنْ يُجْرِيَ الْأُمُورِ إِلَّا بأسبابها »(2)، وسيأتي أيضاً أنّه تعالى أخفي ولادة ولیّه الأعظم بعدم إظهار الحمل على اُمّه السّيّدة نرجس (رضي الله عنها ) إلى ليلة ولادته أرواحنا فداه .

لمّا بدأت إمامة الإمام الحسن العسكري (علیه السّلام) بعد وفاة أبيه الإمام الهادي (علیه السّلام) الّذي مضى مسموماً مقتولاً شهيداً ، بدأ الشّيعة الإماميّة يبحثون عن وصيّ الحسن والحلف الحجّة من بعده ، حتّى مضت الأيّام

ص: 313


1- الغيبة للشيخ الطوسي: 214. كمال الدّين : 417.
2- شرح اُصول الكافي : 201/4 ، 234/9 . شرح الزيارة الجامعة للسيّد شبّر : 62.

والسّنون وأخذ يساورهم الشك ویراودهم التّرديد لصعوبة الاتّصال بالإمام العسكري (علیه السّلام) ، ثمّ بعد جهد جهيد كلّما دخلوا عليه سرّاً جماعة وفرادی سألوه عن الإمام والحجّة من بعده ، فيجيبهم :

«... سيرزقني اللَّهِ ولداً بِمَنِّهِ وَ لُطْفِهِ»(1)، ويتلو قوله تعالى : «يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ » (2).

حتّى حملت به اُمّه السّيّدة نرجس رضوان الله عليها، وأخفى الله تبارك وتعالى ذلك عن الأعداء رغم محاولتهم البائسة للكشف عن ذلك والتّحرّي الدّائم عنه ، فلم يقف على حملها سوى الإمام الحسن العسكري (علیه السّلام) والخواصّ من شيعته ومواليه (3).

وكانت ولادته (علیه السّلام) - على المشهور - في ليلة الخامس عشر من شهر شعبان المعظّم عام 255 للهجرة، وقد هبط ساجداً لله تبارك وتعالى وسبّابتاه إلى السّماء ، وهو يتلو قوله تعالى : «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ

ص: 314


1- إثبات الوصيّة للمسعودي.
2- سورة الصّف:8.
3- كمال الدّين : 432.

قَبْلِهِمْ ...»(1) ، وقوله تعالى : «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ » (2)، فقال الإمام الحسن العسكري (علیه السّلام) : « زَعَمَتْ الظَّلَمَةُ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونِي ليقطعوا هَذَا النَّسْلِ ، فَكَيْفَ رَأَوْا قُدْرَةَ اللَّهُ ...» ، فولد الإمام المهدي المنتظر عجّل الله فرجه في تلك الظّروف العصيبة في ظلّ الرّعب والظّلم والاضطهاد.

أقول: في مثل هذه الظّروف الشّائكة لا يبقى مجال لمن طلب الدّليل القطعيّ على ولادة الإمام (علیه السّلام) ، ناهيك عن تسالم الطّائفة وإجماعها وإطباقها على ولادته(علیه السّلام) ، وهكذا الأدلّة القطعيّة على وجوده ورؤيته ومشاهدته في عصر أبيه(علیه السّلام) ، وفي عصر الغيبة الصّغرى ، وهكذا الكبرى ، كما سيأتي في محلّه إن شاء الله تعالى ، الدالّة جميعاً على أصل ولادته (علیه السّلام) ، ولا مجال معها لتشكيك المشكّكين وعناد المعاندین.

فقد تميّزت ولادته (علیه السّلام) بالخفاء أيضاً، إذ أخفاها الإمام الحسن العسكري (علیه السّلام) عن جميع النّاس إلّا أخصّ الخواصّ لديه ، وبذل في سبيل ذلك قصارى جهده ، كما فعلت اُمّ موسى وأبوه ، وعدّه الشّيخ الطّوسي (قدس سرّه) عملاً طبيعيّاً ليس الأوّل ولا الأخير من نوعه ، وأنّ له

ص: 315


1- سورة النُّور: 55.
2- سورة القصص: 5.

نظائر كثيرة في التّأريخ(1)، وعلّق عليه المرحوم المجلسي(قدس سرّه) في البحار : أنّ هذا إشارة إلى ولادة إبراهيم (علیه السّلام) وولادة موسی(علیه السّلام) (2).

أقول: لا ضير بعد هذا إن لم تردنا رواية صحيحة في خصوص مولده الشّريف للظروف العصيبة الّتي أحاطت بهم وأجبرتهم على إخفاءه فترة طويلة ، كيف وقد أسردنا روایات وأخبار صحيحة مسندة عن ولادته سلام الله عليه ، بل في ما حكيناه من قصّة ولادته (علیه السّلام) ما يجزي ويزيد. وفي الأخبار الصّحيحة والنّصوص الصّريحة الدّالّة بالمطابقة على رؤيته ومشاهدته كفاية في الدّلالة الالتزاميّة والأولويّة القطعيّة الّتي لا تقبل النّقاش على ولادته (علیه السّلام) .

مکان ولادته (علیه السّلام) :

أوردوا احتمالاتٍ أربعة في ذلك :

أوّلها : أنّه (علیه السّلام) ولد في سامرّاء ، وعاش هناك طيلة حياة والده العسكريّ (علیه السّلام).

ثانيها : أنّه ولد بمدينة سامرّاء «سُرّ من رأي » العراقيّة ، وقد اُرسل

ص: 316


1- الغيبة للطوسي : 112.
2- بحار الأنوار: ج 12 و : ج 13.

في حياة أبيه الإمام الحسن صلوات الله عليه إلى مكّة.

ثالثها : أنّه (علیه السّلام) ولد بسامرّاء ، ثمّ أرسله أبوه (علیه السّلام) إلى المدينة المنوّرة .

رابعها: أنّه ولد بالمدينة المنوّرة ، واستقرّ فيها، وكانت غيبته فيها

أيضاً.

دليل القول الأوّل :

1- رواية أبي الفضل الحسين بن الحسن العلوي : دخلت على

أبي محمّد (علیه السّلام) بسُرّ من رأى فهنّأته بسیّدنا صاحب الزّمان (علیه السّلام) لمّا ولد(1).

2- ما روي عن السيّدة حكيمة عمّة الإمام الحسن العسكري

سلام الله عليه من قصّة ولادته صلوات الله وسلامه عليه (2).

ويرد على الاُولى وأمثالها أنّها لا تدلّ بالضرورة أنّ ولادته (علیه السّلام) كانت في سامراء ، كما يرد على الثانية أنّها رويت عن السيّدة حكيمة رضوان الله علیها بألفاظ مختلفة وطرق مضطربة لا يمكن التّعويل عليها مع وجود ما يعارضها فيما يأتي إن شاء الله تعالى .

3- والطّائفة الثّالثة أخبار الرؤية والمشاهدة واللقاء بصاحب

ص: 317


1- الغيبة للطوسي: 230، 251.كمال الدّين : 634.
2- الغيبة للطوسي : 232. كمال الدّين : 429.

الأمر أرواحنا فداه بمدينة سامرّاء ، مثل قولهم: دخلنا على الإمام أبي محمّد العسكري صلوات الله عليه فأرانا الحجّة(علیه السّلام) ، وقال : «هَذَا إِمَامَكُمْ مِنْ بَعْدِي وَ خَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ ، أَطِيعُوهُ وَ لا تَتَفَرَّقُوا مِنْ بَعْدِي فَتَهْلِكُوا فِي أَدْيَانِكُمْ ، أَمَا إِنَّكُمْ لَا تَرَوْنَهُ بَعْدَ يَوْمِكُمْ هَذَا » ، قالوا: فخرجنا من عنده فما مضت إلّا أيام قلائل حتّى مضى أبو محمّد(علیه السّلام)(1).

وهذه و مثيلاتها أيضاً لا تدلّ بالضرورة على ولادته (علیه السّلام) بسامرّاء.

وللاستدلال على القول الثّاني يمكن التمسّك بجملة من الأخبار كالذي رواه المسعودي في إثبات الوصيّة عن الحميري عن أحمد بن إسحاق أنّه قال : دخلت على أبي محمّد (علیه السّلام) فقال لي :

«ما كانَ حَالُكُمْ فِيمَا كَانَ النَّاسُ فِيهِ مِنَ الشِّدَّةِ وَ الِارْتِيَابِ ؟»..

قلت : يا سيّدي ، لما ورد الكتاب بخبر سیّدنا و مولده لم يبقَ رجل

ولا امرأة ولا غلام بلغ الفهم إلّا قال بالحقّ؟

فقال : « أَمَّا عَلِمْتُمْ أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةِ اللَّهُ ؟ »، ثمّ أمر أبو محمّد (علیه السّلام) والدته بالحجّ في سنة تسع وخمسين وماتین و عرّفها

ص: 318


1- کمال الدّين : 435.

ما يناله في سنة السّتّين ، وأحضر الصّاحب (علیه السّلام) فأوصى إليه وسلّم الاسم الأعظم والمواريث والسّلاح إليه ، وخرجت اُمّ أبي محمّد مع الصاحب جميعاً إلى مكّة ..»(1)

يظهر من هذه الرواية أنّ الشّيعة كانوا في حيرة من أمر الإمامة بعد الإمام الحسن العسكري(علیه السّلام) ، ولولا الكتاب الوارد عليهم منه سلام الله عليه لظّلوا في حيرتهم إزاء ولادة الإمام الصّاحب عجّل الله فرجه ، وأنّ ولادته روحي فداه كانت في سامرّاء ثمّ انتقل مع جدّته رضي الله عنها إلى مكّة قبل وفاة الإمام العسكري سلام الله عليه بعام واحد في الرّابعة من عمره الشّريف واستقرّ بها ، يؤيّد هذا الاحتمال ما ورد في بعض الأخبار أنّه عجّل الله فرجه مقيم بمكّة في مكان يسمّی «ذي طوى».

أمّا الاحتمالان الأخيران فقد تمسّك طائفة من الأصحاب بأدلّة عليها منها الأدلّة التّأريخيّة والروائيّة ، كالخبر المروي عن أبي هاشم الجعفري أنّه قال لأبي محمّد (علیه السّلام) : جلالتك تمنعي من مسألتك ، فتأذن لي أن أسألك ؟ فقال : «سل».

ص: 319


1- إثبات الوصيّة : 271.

قلت : يا سيّدي ، هل لك ولد ؟

فقال : «نعم».

فقلت: فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه ؟

قال : « بالمدينة» (1).

وهذا إنّما يدلّ على أنّه مقيم بالمدينة ولا دلالة فيه على مكان ولادته(علیه السّلام) ، وليس أبو هاشم ممّن يتّقيه الإمام العسكري (علیه السّلام) حتّى يُخفي عليه شيئاً، وحمل المدينة على إرادة مطلق المدينة أو على احتمال إرادة مدينة سامراء وأنّه لا يدلّ بالضرورة على المدينة المنوّرة خلاف الظّاهر لانصراف المدينة بالإطلاق، لا سيّما في تلك الأزمنة إلى المدينة المنوّرة والتبادر دليل الحقيقة.

ولهذا قال العلّامة المجلسي(قدّس سرّه) : «وَ قَالَ بِالْمَدِينَةِ أَيُّ الطَّيِّبَةِ الْمَعْرُوفَةِ ، أَوْ لَعَلَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُهُ أَوْ خَبَراً مِنْهُ فِي الْمَدِينَةِ ، وَ قِيلَ اللَّامُ لِلْعَهْدِ ، وَ الْمُرَادُ بِهَا سُرَّ مِنْ رَأْيِ ، يَعْنِي أَنَّ سفراءه مِنْ أَهْلِ سُرَّ مَنْ رَأَى يَعْرِفُونَهُ فَسَلْهُمْ عَنْهُ »(2).

يؤيّد كلامنا طائفة من الأخبار منها أنّه سُئل الإمام الجواد (علیه السّلام) :

ص: 320


1- الكافي: 328/1 .
2- مرآة العقول : 2/4.

من الخلف بعدك ؟ فقال : « ابني عليّ ، وابنا عليّ » ، ثمّ أطرق مليّاً ، ثمّ رفع رأسه ، ثمّ قال : « إِنَّها سَتَكُونُ حَيْرَةِ » ، قلت : فإذا كان ذلك فإلى أين ؟ فسكت ، ثمّ قال: «لا أين » -حتّى قالها ثلاثاً فأعدت عليه ، فقال : « إلى المدينة» ، فقلت : أي المدن ؟ فقال : «مدینتا هَذِهِ ، وَ هَلْ مَدِينَةٍ غَيْرِهَا» (1).

وكيف كان فالأدلّة كثيرة على خفاء ولادته وخفاء مكانها

ونشأته (علیه السّلام) ، كما في الكافي 341/1 ، ومرآة العقول 57/4 ، وغيرهما ، فيحتمل أن تكون ولادته في المدينة المنوّرة ، ويحتمل أن تكون بمدينة سامرّاء ، وإن كان الاحتمال الأخير -أعني ولادته بسامراء - أقرب إلى القبول ، لكنّه لا يمنع وقوع الولادة في المدينة المنوّرة ، وهذا الاختلاف ليس بغريب لا سيّما لمن اطّلع على تواريخ المسلمين ، ووقوع الخلاف بينهم في أهمّ الأحداث الإسلاميّة الّتي وقعت في صدر الإسلام.

ص: 321


1- كتاب الغيبة للنعماني : 185.

ص: 322

الدّرس الخامس والعشرون: ولادة الإمام المهدي عجّل الله فرجه

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ولد المهدي (علیه السّلام) ليلة النّصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين بسر من رأى في أيّام المعتمد.

قال المفيد:

« وَ لَمْ يُخَلِّفْ أَبُوهُ وَلَداً ظاهِراً وَ لا بَاطِناً غَيْرِهِ ، وَ خَلْفَهُ غَائِباً مُسْتَتِراً ، وَ كَانَتْ سِنُّهُ عِنْدَ وَفَاةِ أَبِيهِ خَمْسِ سِنِينَ ، آتَاهُ اللَّهُ فِيهَا الْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ الْخِطابِ ، وَ جَعَلَهُ آيَةً لِلْعالَمِينَ ، وَ آتاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ كَمَا آتاها يَحْيَى ( علیه السَّلَامُ ) صَبِيًّا ، وَ جَعَلَهُ إِمَاماً فِي حَالِ الطّفوليّة الظَّاهِرَةِ ، كَمَا جَعَلَ عیسی بْنِ مریم ( علیه السَّلَامُ ) فِي الْمَهْدِ نَبِيّاً »(1).

ص: 323


1- الإرشاد: 2/ 339.

وروى الصّدوق في كمال الدّین(1)، والكليني في الكافي ، ودلائل الإمامة (2)، والشّيخ في كتاب الغيبة(3) بألفاظ متقاربة عن بشر بن سليمان النّخّاس وهو من ولد أبي أيّوب الأنصاري وأحد موالي أبي الحسن وأبي محمّد العسكريّين وجارهما بسر من رأى ، قال : كان مولانا أبو الحسن علي بن محمّد العسكري (علیهما السّلام) فقّهني في أمر الرّقيق ، فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلّا بإذنه ، فاجتنبت بذلك موارد الشّبهات حتّى كملت معرفتي فيه ، فأحسنت الفرق فيما بين الحلال والحرام ، فأتاني ليلة كافور الخادم فقال : مولانا أبو الحسن عليّ بن محمّد العسكري يدعوك ، فأتيته ، فقال لي: «یا بَشَرٍ ، إِنَّكَ مِنْ وُلْدِ الْأَنْصَارُ ، وَ هَذِهِ الْوَلَايَةِ لَمْ تَزَلْ فِيكُمْ يَرِثُهَا خَلَفٍ عَنْ سَلَفَ ، فَأَنْتُمْ ثِقَاتُنَا أهل البيت ، وَ إِنِّي مزکّيك ومشرّفك بفضيلة تَسْبِقُ بِهَا شأو الشِّيعَةِ فِي الْمُوَالَاةِ بِهَا : بُسْرٍّ أَطْلَعَكَ عَلَيْهِ وأنفذك فِي ابتیاع أَمَةً»، فكتب كتاباً ملصقاً بخطّ رومي ولغة روميّة ، وطبع عليه بخاتمه ، وأعطاني مائتين وعشرين ديناراً ، فقال : « خُذْهَا وَ تَوَجَّهْ بِهَا إِلَى بَغْدَادَ ، وَ احْضُرْ مَعْبَرَ الْفُرَاتِ ضَحْوَةَ يَوْمَ كَذَا ، فَإِذَا وَصَلَتْ إِلَى جَانِبِكَ

ص: 324


1- كمال الدّين : 418.
2- دلائل الإمامة : 495.
3- الغيبة للطوسي : 208.

زَوَارِقُ السَّبَايَا وَ بَرْزَنُ السَّبَايَا مِنْهَا فَسَتَحْدِقُ بِهِنَّ طَوَائِفُ المبتاعین مِنْ وُكَلَاءِ قُوَّادُ بَنِي الْعَبَّاسِ وَ شِرْذِمَةٍ مِنْ فِتْيَانِ الْعَرَبِ، فَأَشْرِفْ مِنَ الْعَبْدِ عَلَى الْمُسَمَّى عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ النَّخّاسِ عَامَّةَ نَهَارِكَ إِلَى أَنْ تَبْرُزَ جَارِيَةُ صِفَتُهَا كَذَا وَ كَذَا ، لَابِسَةً حريرتين صفيقتين تَمْتَنِعُ مِنَ الْعَرْضَ وَ لَمَسَ الْمُعْتَرِضُ ، وَ تَسْمَعُ صَرْخَةً رُومِيَّةٍ مِنْ وَرَاءِ سَتَرَ رقیق فَاعْلَمْ أَنَّهَا تَقُولُ : وَا هَتَكَ ستراه ، فَيَقُولُ بَعْضِ الْمُبْتَاعِينَ عَلِيِّ بِثَلَاثِمِائَةِ دینار فَقَدْ زَادَنِي الْعَفَافُ فِيهَا رَغْبَةٍ ، فَتَقُولُ لَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ لَوْ بَرْزَةَ فِي زِيِّ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ وَ عَلَى شِبْهِ ملکه مَا بَدَتْ فِيكَ رَغْبَةٍ ، فَأَشْفَقَ عَلَى مَالِكَ ، فَيَقُولُ النَّخَّاسِ : فَمَا الْحِيلَةُ وَ لَا بُدَّ مِنْ بَيْعَكَ ، فَتَقُولُ الْجَارِيَةِ : وَ مَا الْعَجَلَةِ لَا بُدَّ مِنْ اخْتِيَارِ مبتاع يَسْكُنُ قَلْبِي إِلَيْهِ وَ إِلَى وَفَائِهِ وَ أَمَانَتِهِ . فَعِنْدَ ذَلِكَ قُلْ لَهُ : أَنَّ مَعَكَ كِتَاباً مُلْصِقاً لِبَعْضِ الْأَشْرَافِ بِلُغَةٍ رُومِيَّةٍ وَ وَصَفَ فِيهِ کرمه وَ وَفَاءَهُ وَ نُبْلَهُ وسخاءه ، فَنَاوِلْهَا لِتَتَأَمَّلَ مِنْهُ أَخْلَاقَ صَاحِبِهِ ، فَإِنْ مَالَتْ إِلَيْهِ وَ رَضِيَتْهُ فَأَنَا وَكِيلُهُ فِي ابْتِيَاعِهَا ».

قال بشر: فامتثلت جميع ما حدّلي مولاي أبو الحسن (علیه السّلام) ، نظرت في الكتاب بكت بكاء شديداً وقالت له : بِعني من صاحب هذا الكتاب ، وحلفت بالمحرجة والمغلّظة إنّه متى امتنع عن بيعها منه قتلت نفسها ، فما زلت أشاحه في ثمنها حتّى استقر الأمر على مقدار ما كان أصحبنیه مولاي من الدّنانير فاستوفاه و تسلّمتُ الجارية ضاحكة

ص: 325

مستبشرة ، وانصرفتُ بها إلى حجرتي ببغداد ، فما أخذها القرار حتّى أخرجتُ کتاب مولانا من جبينها وهي تلثمه وتطبقه على جفنها وتضعه على خدّها و تمسحه على بدنها.

فقلت : تلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه ؟

فقالت : أيّها العاجز الضّعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء أعرني سمعك ، وفرّغ قلبك ، أنا مليكة بنت یشوعا بن قيصر الرّوم ، واُمّي من ولد الحواريّين تنسب إلى وصيّ المسيح شمعون ، اُنبئك بالعجب إنّ جدّي قیصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه وأنا بنت ثلاث عشرة سنة ، فجمع في قصره من نسل الحواريّين من القسّيسين والرّهبان ثلاثمائة رجل ، ومن ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجل ، ومن اُمراء الأجناد وملوك العشائر أربعة آلاف ، وأبرز من بهي ملکه عرشاً مصوغاً من أصناف الجواهر ورفعه فوق أربعين مرقاة ، صعد ابن أخيه وأحدقت الصّلب وقامت الأساقفة عكفا ونشرت أسفار الإنجيل تساقطت الصّلبان من الأعلى فلصقت بالأرض ، و تقوّضت أعمدة العرش ، وخرّ الصّاعد إلى العرش مغشياً عليه ، فتغيّرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم .

فقال كبيرهم لجدّي : اعفنا أيّها الملك من ملاقاة هذه النّحوس

ص: 326

الدّالّة على زوال هذا الدّين ، فتطيّر جدّي من ذلك تطيّراً شديداً وقال للأساقفة : أقيموا هذه الأعمدة ، وارفعوا الصّلبان، وأحضروا أخا هذا المدبّر العاثر المنكوس جدّه لأزوّجه هذه الصّبيّة فيدفع نحوسه عنكم بسعوده ، ولمّا فعلوا ذلك حدث على الثّاني مثل ما حدث على الأوّل ، وتفرّق النّاس ، وقام جدّي مغتّماً، ورأيت في تلك اللّيلة كأنّ المسيح وشمعون وعدّة من الحواريّين قد اجتمعوا في قصر جدّي ونصبوا فيه منبراً من نور يباري السّماء علوّاً في الموضع الّذي كان نصب جدّي فيه عرشه ، ودخل عليه محمّد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وختنه ووصيّه و عدّة من أنبيائه ، فتقدّم المسيح (علیه السّلام) إليه فاعتنقه فيقول له محمّد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : « یا رُوحَ اللَّهُ ، إِنِّي جِئْتُكَ خَاطِباً مَنْ وَصِيُّكَ شَمْعُونُ فتاته مُلَيْكَةَ لِابْنَيْ هَذَا» ، وأومأ بيده إلى أبي محمّد (علیه السّلام) ابن صاحب هذا الكتاب ، فنظر المسيح إلى شمعون وقال له : أتاك الشّرف فصل رحمك ، وشهد أبناء محمّد(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والحواريّين ، فلمّا استيقظت أشفقت أن أقصّ هذه الرؤيا على أبي وجدّي مخافة القتل ، وضرب صدري بمحبّة أبي محمّد (علیه السّلام) حتّى امتنعت من الطّعام والشّراب ، ومرضت مرضاً شديداً ، فما بقي في مدائن الرّوم طبيب إلّا أحضره جدّي ، فلمّا برح به اليأس قال : یا قرّة عيني ، هل تشتهين شيئاً ؟ فقلت: يا جدّي ، لو كشفت العذاب عمّن في سجنك من اُسارى المسلمين ، وتصدّقت عليهم رجوت أن

ص: 327

یهب المسيح واُمّه لي عافية ، ففعل ذلك ، فتجلّدت في إظهار الصحّة ، وتناولت يسيراً من الطّعام ، فسرّ بذلك ، وأقبل على إكرام الاُسارى ، فرأيت أيضاً بعد أربع عشرة ليلة كأن سيّدة النّساء فاطمة قد زارتني ومعها مريم بنت عمران ، وألف من وصائف الجنان فتقول لي مريم : هذه سيّدة النّساء اُمّ زوجك أبي محمّد ، فأتعلّق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمّد من زيارتي .

فقالت: «إِنَّ ابْنِي لَا يزورك وَ أَنْتِ مُشْرِكَةُ ، وَ هَذِهِ أُخْتِي مَرْيَمَ تَبَرَّأُ إِلَى اللَّهِ مِنْ دَيْنِكَ ، فَقُولِي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنْ أَبِي مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )» ، فلمّا قلت ذلك ضمّتني إلى صدرها ، وطيّبت نفسي ، وقالت: « الْآنَ توقعي زیارة أَبِي مُحَمَّدٍ » ، فلمّا كان في اللّيلة القابلة رأيت أبا محمّد وكأنّي أقول له : جفوتني يا حبيبي بعد أن أتلفت نفسي معالجة حبّك .

فقال : «ما كانَ تَأَخَّرِي عَنْكَ إِلَّا لشركك ، وَ إِذْ قَدْ أَسْلَمَتْ فَإِنِّي زَائِرُكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ إِلَى أَنْ يَجْمَعُ اللَّهُ شَمْلَنَا فِي الْعِيَانِ »، فما قطع عنّي زیارته بعد ذلك إلى هذه الغاية . قال بشر: فقلت لها : وكيف وقعت في الاُسارى ؟ فقالت : أخبرني أبو محمّد ليلة من اللّيالي : «أَنَّ جَدِّكَ سيسیر جَيْشاً إِلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ كَذَا وَ كَذَا ، فَعَلَيْكَ بِاللِّحَاقِ بِهِمْ مُتَنَكِّرَةً فِي زِيِّ الْخَدَمِ مِنْ طَرِيقِ كَذَا » ، ففعلت فوقعت علينا طلائع

ص: 328

المسلمين ، فكان من أمري ما رأيت ، وما شعر بأنّي ابنة ملك الرّوم أحد سواك ، ولقد سألني الشّيخ الّذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته وقلت : نرجس ، فقال : اسم الجواري قال : العجب إنّك روميّة ولسانك عربي ؟

قلت: بلغ من لوع جدّي وحمله إيّاي على تعلّم الآداب أن أوعز

إلى امرأة ترجمان له بلا اختلاف إليَّ وتعليمي العربيّة .

قال بشر: فلمّا دخلت على مولاي أبي الحسن(علیه السّلام) قال لها: «كَيْفَ أَرَاكَ اللَّهُ عِزُّ الْإِسْلَامِ وَ شَرَّفَ مُحَمَّدٍ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ؟»..

قالت : كيف أصف لك يابن رسول الله ما أنت أعلم به منّي.

قال : «فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَكْرَمَكَ ، فَأَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ أَمْ بُشْرى لَكَ بشرف الْأَبَدِ ؟ » . قَالَتْ : بَلِ الشَّرَفِ.

قال : « فَأَبْشِرِي بِوَلَدٍ يَمْلِكُ الدُّنْيَا شَرْقاً وَ غَرْباً ويملؤ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً ». قالت : ممّن ؟

قال : « ممّن خطبك رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وهل تعرفينه ؟». قالت : وهل خلت ليلة لم يزرني فيها منذ أسلمت على يد سيّدة النّساء ؟

فقال : « یا کافور ، ادْعُ أُخْتِي حکيمة » ، فلمّا دخلت قال لها: «هاهية» ، فاعتنقتها طويلاً وسرّت بها ، فقال لها أبو الحسن (علیه السّلام) :

ص: 329

« یا بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ ، خذيها إِلَى مَنْزِلِكَ وعلميها الْفَرَائِضِ وَ السُّنَنِ فَإِنَّهَا زَوْجَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ وَ أُمِّ الْقَائِمِ ( علیه السَّلَامُ ) »..

وقال عليّ بن الحسين المسعودي في كتاب إثبات الوصيّة لعليّ بن أبي طالب (علیه السّلام): روى لنا الثّقات من مشايخنا أنّ بعض أخوات أبي الحسن عليّ بن محمّد الهادي (علیه السّلام) كانت له جارية ولدت في بيتها وربّتها تسمّی نرجس ، فلمّا كبرت وعبلت دخل أبو محمّد الحسن العسكري (علیه السّلام) فنظر إليها فأعجبته ، فقالت له عمّته : أراك تنظر إليها ؟

فقال(علیه السّلام) : « إِنِّي مَا نَظَرَتْ إِلَيْهَا إِلَّا مُتَعَجِّباً أَمَّا أَنَّ الْمَوْلُودَ الْكَرِيمِ عَلَى اللَّهِ جَلَّ وَ عَلَا يَكُونُ مِنْهَا » ، ثمّ أمرها أن تستأذن أبا الحسن في دفعها إليه ففعلت ، فأمرها بذلك.

وروى الصّدوق في كمال الدّین بسنده عن المطهّري عن حكيمة بنت الإمام محمد الجواد (علیه السّلام) قالت : كانت لي جارية يقال لها نرجس ، فزارني ابن أخي ( يعني الحسن العسكري (علیه السّلام) ) وأقبل يحدّ النّظر إليها ، فقلت له: يا سيّدي ، لعلّك هويتها فأرسلها إليك ؟

فقال: « لا یا عَمَّةٍ لَكِنْ أَتَعَجَّبُ مِنْهَا سَيَخْرُجُ مِنْهَا وَلَدُ کریم علی اللَّهِ عَزَّ وَجَلِ الَّذِي يملؤ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ عَدْلًا وقسطأ كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً ». .

فقلت : فأرسلها إليك يا سيّدي ؟

ص: 330

فقال : استأذني أبي ، فأتيت منزل أبي الحسن (علیه السّلام) فبدأني وقال : «یا حکيمة ابْعَثِي بنرجس إِلَى ابْنِي أَبِي مُحَمَّدٍ ».

فقلت : يا سيّدي ، على هذا قصدتك.

فقال : « یا مُبَارَكَةٍ ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَحَبَّ أَنْ يشركك فِي الْأَجْرِ»، فزيّنتها ووهبتها لأبي محمّد (علیه السّلام) ، فضي أبو الحسن (علیه السّلام) وجلس أبو محمّد (علیه السّلام) مكانه ، فكنت أزوره كما كنت أزور والده ، فجاءتني نرجس يوماً تخلع خفّي وقالت: يا مولاتي ، ناوليني خفّك ؟

فقلت: بل أنت سيّدتي ومولاتي ، والله لا دفعت إليك خفّي ، ولا خدمتني ، بل أخدمك على بصري ، فسمع أبو محمّد (علیه السّلام) ذلك فقال :

«جَزَاكَ اللَّهُ خَيْراً يَا عَمَّةٍ » ، فلمّا غربت الشّمس صحتُ بالجارية :

ناوليني ثيابي لأنصرف.

فقال : «یا عمتاه ، بَيْتِي اللَّيْلَةِ عِنْدَنَا ، فَإِنَّهُ سَيُولَدُ اللَّيْلَةِ الْمَوْلُودِ الْكَرِيمِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلِ الَّذِي يُحْيِيَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها ».

وفي رواية اُخرى في كمال الدّين (1) أنّه بعث إليها فقال : « یا عَمَّةٍ . اجْعَلِي إِفْطَارِكَ اللَّيْلَةِ عِنْدَنَا ، فَإِنَّهَا لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى سَيَظْهَرُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْحُجَّةُ فِي أَرْضِهِ ».

ص: 331


1- كمال الدّين : 424.

فقالت : ومن اُمّه ؟

قال : « نرجس ». قالت له : والله جعلني الله فداك ، ما بها أثر ؟

فقال : «هو ما أقول لك». قالت : فجئت ، فلمّا سلّمت وجلست جاءت تنزع خفّي وقالت لي: يا سيّدتي ، كيف أمسيت ؟ فقلت : بل أنت سيّدتي وسيّدة أهلي ، فأنكرت قولي وقالت: ما هذا يا عمّة ؟ فقلت : يا بنيّة ، إنّ الله سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً سيّداً في الدّنيا والآخرة ، فجلست واستحيت ، ثمّ قال لي أبو محمّد(علیه السّلام) : «إِذَا كَانَ وَقْتُ الْفَجْرِ يَظْهَرُ لَكَ بِهَا الْحَبَلَ لِأَنَّ مَثَلُهَا مَثَلُ أُمِّ مُوسَى لَمْ يَظْهَرْ بِهَا الْحَبَلِ ، وَ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَحَدُ إِلَى وَقْتِ وِلَادَتِهَا ؛ لِأَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ يَشُقُّ بُطُونِ الْحِبَالِی فِي طَلَبِ مُوسى ، وَ هَذَا نظیر مُوسى ( علیه السَّلَامُ ) .

قالت حكيمة : فلمّا فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت وأخذت مضجعي ، فرقدت ، فلمّا كان في جوف اللّيل قمت إلى الصّلاة ، ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث ، ثمّ جلست معقّبة ، ثمّ انتبهت وهي راقدة ، ثمّ قامت فصلّت ، فدخلتني الشّكوك . فصاح أبو محمّد من المجلس : « لا تعجلي يَا عَمَّةٍ ، فَإِنَّ الْأَمْرَ قَدْ قُرْبٍ » . فقرأت أم السّجدة ويس ، فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة ، فوثبت إليها ، فقلت : اسم الله عليك ثمّ قلت : تحسّين شيئاً ؟ قالت : نعم،

ص: 332

فقلت لها : اجمعي نفسك واجمعي قلبك ، ثمّ أخذتني فترة وأخذتها فترة ، فانتهت بحسّ سيّدي ، فكشفت الثّوب عنه فإذا به ساجد يتلقّى الأرض بمساجده ،فضممته إليَّ ، فإذا به نظيف منظّف ، فصاح بي أبو محمّد (علیه السّلام): « هَلُمِّي إِلَى ابْنِي يَا عَمَّةٍ » ، فجئت به إليه ، فوضع يده تحت إليتيه وظهره ، ووضع قدميه على صدره ، ثمّ أدلى لسانه في فيه ، وأمرّ يده على عينه وسمعه ومفاصله.

ثمّ قال : « تكلّم يا بُني ؟ »

فقال : «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، ثمّ صلّى على أمير المؤمنين و على الأئمّة إلى أن وقف على أبيه ، ثمّ أحجم ، فلمّا أصبحت جئت لاُسلّم على أبي محمّد فافتقدت سيّدي فلم أره ، فقلت : جعلت فداك ، ما فعل سيّدي ؟ فقال: «استودعناء الّذي استودعته اُمّ موسی» ، فلمّا كان اليوم السّابع جئت فقال : هلمّي إلى ابني ، ففعل به کالأوّل ، ثمّ أدلى لسانه في فيه كأنّه يغذیه لبناً أو عسلاً، ثمّ قال : « تكلّم يا بُنيّ ؟ »

فقال : « أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ، وثنّى بالصلاة على محمّد وعلى أمير المؤمنين والأئمّة (علیهم السّلام) حتّى وقف على أبيه ، ثمّ تلا هذه الآية: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً

ص: 333

وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ » (1).

وروى الصّدوق في كمال الدّين أيضاً أنّ أبا محمّد (علیه السّلام) أمر أن يشتری عشرة آلاف رطل خبزاً و عشرة آلاف رطل لحماً ويفرَّق ، وعقّ عنه بكذا وكذا شاة : عن أبي جعفر العمري ، قال : لمّا ولد السيّد(علیه السّلام) قال أبو محمّد (علیه السّلام) : « ابعثوا إلى أبي عمرو» ، فبعث إليه ، فقال له: « اشْتَرِ عَشَرَةَ آلَافِ رِطْلِ خُبْزاً وَ عَشَرَةَ آلَافِ رِطْلِ لَحْماً وَ فَرِّقْهُ - أَحْسَبُهُ قَالَ عَلِىُّ بْنِ هَاشِمٍ - وَ عُقَّ عَنْهُ بِكَذَا وَ كَذَا شَاةٍ» (2).

شبهات و ردود

* الحكاية الّتي أوردتها عن السّيّدة اُمّ الإمام صاحب الزّمان (علیه السّلام) وقصّة زواجها بالإمام العسكري صلوات الله عليه ، وقصّة ولادة الإمام المهدي عجّل الله فرجه المرويّة عن السّيّدة

حكيمة اُخت الإمام الهادي (علیه السّلام) وعمّة الإمام العسكري (علیه السّلام) .

ألا ترى أنّها أشبه بالقصص الخياليّة والأساطير ؟

ص: 334


1- سورة القصص : 5 و 6.
2- کمال الدّين : 431.

* منذ أكثر من ألف عام ومذهب الحقّ يواجه من جهلة هذه الاُمّة وسفلتها مثل هذه الطّعنات والافتراءات ، وطيلة هذه الفترة لم تسلم الفِرقة النّاجية من سهام الحقد المسمومة بأقذع الأباطيل ، وقد امتلئت بطون کتب الضّلال منها ، ولا عجب من ذلك إذ قال تعالى : «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ » (1)؟ فأهل الباطل حين يجدون أنفسهم مهزومين أمام منطق الحقّ عاجزين عن مواجهة سلاح البرهان الّذي لا يقاومه أفتك السّلاح ، لا جرم يلجأون إلى إحدى الجريمتين في محاولة يائسة لمواجهة الحقّ وأهله ، و تبرير ما هم عليه من الضّلال ، فتارةً يتوسّلون بالإفتراء عليهم بأن يلبسوا الحقّ بالباطل فينسبوا إلى أهل الحقّ ما هم منه براء ، أو يتلاعبوا في الحقيقة بإلغاء شبهات تلتبس على العوامّ والسّذّج من النّاس ، وتارة اُخرى يتربّصون بهم الدّوائر بالقتل والتّهديد والمطاردة والتّشريد، وفي سيرة أهل الباطل إزاء الأنبياء والأولياء ما يكفينا مؤونة التّطويل ، وقد لجأ أعداؤنا منذ صدر الإسلام إلى كلا الاُسلوبين واقترف في حقّنا كلتا الجريمتين ، وهذه كتبهم تشهد عليهم ، وفتاواهم تنطق بما لديهم ، وهي دينهم وديدنهم يتفاخرون ويتبجّحون بها «وَتَحْسَبُونَهُ

ص: 335


1- سورة النّساء: 54.

هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ »(1)؛ إذ لا يرقبون في مؤمن إلّاً ولا ذمّة ، «وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا » (2)، فلم يزد قمعهم الفكري و تصفياتهم الجسديّة أهل الحقّ إلّا صلابة في الدّين وقوّة في البرهان واليقين ، وما ازداد الحقّ بتلك الممارسات القمعيّة الوحشيّة والأساليب البربريّة إلّا عزّاً وانتصاراً وانتشاراً ، وما خُیّل إليهم أنّه نقمة على أهل الحقّ، غدا نعمة لهم أثارت حفيظة المنصفين والمستضعفين وأصحاب الضّمائر ، فانقلب السّحر على السّاحر حين وعى هؤلاء وما أكثرهم - إلى عمق المأساة الّتي يعانيها أهل الحقّ فتعاطفوا معهم ومالوا إليهم.

وكيف كان فالاُمم السّابقة رمت الأنبياء بمثل هذه التُّهم ، کما رمت هذه الاُمّة نبيّها(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بأن ما يخبر عنه من أحوال الآخرة وأهوال يوم القيامة والحشر والنشر والحساب وغير ذلك كلّها أساطير الأوّلين ، وقد رماه بعض أصحابه وهو يحتضر في رمقه الأخير قائلاً : « دَعَوْا الرَّجُلُ فَإِنَّهُ ليهجر » (3)، أي يهذي ولا يفقه ما يقول ، فإذا

ص: 336


1- سورة النُّور: 15.
2- سورة الكهف : 104.
3- عمر بن الخطّاب لعبد الرحمن البكري : 64، سرّ العالمين وكشف و ما في الدارين 316/1 ، مسند أحمد 343/3 . وفي رواية اُخرى : « إنّ نبي الله ليهجر » فتح الباري : 101/8 ، الطبقات الكبری: 242/2 ، عمر بن الخطّاب للبكري: 66. وبلفظ ثالث : « إنّما يهجر رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، الطبقات 37/2 . وفي رابع : « إنّ الرجل ليهجر » صحیح مسلم: 1259/3 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 55/2 و 51/6 ، الملل والنحل للشهرستاني: 92/1 ، المسند للحميري : 241/1 ، طبقات ابن سعد: 36/2 و 37، مسند أحمد : 293 و 355 ، صحيح البخاري : 39/1 و 85/6 و 125 ، المعجم الكبير للطبراني : 445/11 ، شرح السنّة للبغوي: 180/11 ، تاریخ ابن الأثير :2/ 320.

كان رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لم يسلم من تلك الأراجيف والاتّهامات وهي سُنّة الحياة ، فما بالنا نعجب إذا كالوا إلينا مثلها ، بل أقبح منها؛ إذ لا غرابة حينئذٍ في ذلك بل خلافه يثير الدّهشة والاستغراب.

أمّا هذه الحكاية بتفاصيلها فما الغريب فيها ؟ وما المحال فيها ؟ ولو رجعت إلى سيرة الأنبياء وكتب الحديث عند الفريقين لوجدت أدهش من ذلك ، بل في كتب القوم عن بعض علمائهم أو الصّحابة قصص عجيبة ، ولبعضهم حکایات غريبة لم يتعرّضوا لها بالطعن والاستغراب ولو أردنا سردها لطال بنا الكلام وخرج الكتاب عن حدوده المرسومة له، ويكفيك الرّجوع إلى ما يروونه للبخاري

ص: 337

والكيلاني وأمثالهما من أعاجيب الحکایات ، على أنّ ما في القرآن الكريم من قصّة السّيّدة مريم (علیها السّلام) وولادة عيسى صلوات الله عليه ممّا هو خلاف المألوف أعجب منها، وهكذا في قصّة يوسف (علیه السّلام) و موسی (علیه السّلام) وزکریا و یحیی (علیهما السّلام) و داود وسلمان (علیهما السّلام) ما يغنينا مؤونة الاستدلال والتّحقيق ، ولو رجعت إلى قصص الأنبياء في كتب القوم لرأيت العجب العجاب ممّا لا تألفه عادة عقول السّذّج والبلهاء ، فهل يجوز لهم ما يحرم لغيرهم ؟ وهل باؤهم تجرّ وباء غيرهم لا تجر ؟ وهل يجوز لمنكر الرّسالات السّماويّة وبعثة الأنبياء وأهل العناد والكفر أن يطعنوا على المسلمين وعلى أهل الكتب السّماويّة بأنّ ما جاء فيها من قصص الأنبياء كلّها أساطير لا تقبلها عقولنا لمجرّد أنّها مخالفة للمألوف عندهم ، فيسخرون منها ومنهم ؟! ولكن هي شنشنة في صدور القوم وضغائن أمويّة على أهل بيت النّبوّة وشيعتهم ، وليست هذه أوّل قارورة كسرت في الإسلام ، « فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ » (1).

ص: 338


1- سورة الزُّمر : 17 و 18.

الدّرس السّادس والعشرون: إمامة الإمام المهدي عجّل الله فرجه

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

لقد اتّفقت كلمة المسلمين ولم يختلف اثنان منهم على الاعتقاد بخروج المهدي (علیه السّلام) في آخر الزّمان ، وأنّه من قريش ، ومن بني هاشم، ومن ذرّيّة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، وبالتحديد أنّه من ولد عليّ وفاطمة عليهما الصّلاة والسّلام ، وأنّ اسمه كاسم النّبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، والأحاديث في ذلك متواترة عند الشّيعة والسّنّة ، كما هو معلوم عند من تصفّح الأحاديث والأخبار الّتي سنعرض في هذا الدّرس شيئاً منها، ويشتمل بعضها على أكثر روایات أهل السّنّة ، مع أنّ ما تركناه منها قصداً للاختصار -لاسيّما روايات الشّيعة - أضعاف ما ذكرناه ، فالاعتقاد بالمهدي (علیه السّلام) هو من ملّة الإسلام و متواتراته ، بل من ضروريّاته الّتي لا مجال لمناقشته ، ولا خلاف فيه بين كافّة المسلمين ، وإنّما اختلفوا في اُمور:

ص: 339

أوّلاً: هل ولد أم سيولد ؟

ثانياً: ما اسم أبيه ؟

ثالثاً: في بعض علامات ظهوره .

رابعاً: في جملة من أوصافه.

فالشيعة وجماعة من علماء أهل السّنّة على أنّه ولد، وأنّه الإمام

محمّد بن الحسن العسكري (علیهما السّلام) .

بينما أكثر السّنّة على أنّه لم يولد بعد و سيولد ، وأنّ اسمه محمّد بن عبدالله .

وقد استعرضنا وجوه الخلاف بينهم في مباحث عدّة في الدّروس

السّابقة عند تعرّضنا لمصادر المسلمين.

والأدلّة على إمامته روحي له الفداء كثيرة جدّاً تفوق حدّ التّواتر اللّفظي والمعنوي من جهة الخاصّة والعامّة بالأدلّة العقليّة والنّقليّة ؛ إذ كلّ ما دلَّ على إمامة آبائه الطّاهرین صلوات الله عليهم فهو دالّ بالدلالة القطعيّة والالتزاميّة على إمامته صلوات الله عليه ، ومنها ما يدلّ بالدلالة المطابقیّة على إمامته (علیه السّلام) ، كحدیث «مِنْ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةَ ، وَكَّلَهُمْ مِنْ قریش »، الّذي أطبقت عليه الخاصّة والعامّة ، وحديث السّفينة ، وحديث اللّوح ، وحديث الثّقلين ، وحدیث

ص: 340

أهل بيتي كالنجوم ، وحديث الكساء وغيرها ممّا أجمع على نقلها الفريقان. أضف إلى ذلك الأدلّة العقليّة من وجوب نصب إمام حجّة معصوم في كلّ زمان ، وغيرها من الأدلّة الّتي سقنا شطراً منها في مبحث الإمامة من هذا الكتاب ، وفي الكتب المفصّلة الّتي عقدت للبحث عن اُصول العقائد والإمامة ، وما اختصّ منها للبحث عن المهدي عجّل الله تعالی فرجه ما يكفي ويزيد ، ويغني عمّا سواها لمن ألقى السّمع وهو شهيد ، وللّذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه .

وكيف كان فالحقّ ولادة الإمام المهدي عجّل الله فرجه وحياته .

ودليلنا على ذلك العقل والنّقل معاً، وحينئيذٍ فلا يلتفت إلى شبهات المغرضين و تشكيك المشكّكين ؛ لأنّ إلقاء الشّبهات وإثارة الشّكوك خلاف لدليل العقل ودليل النّقل ، كما سيتّضح جليّاً في هذا الدرّس إن شاء الله تعالى.

1- دليل العقل

والدّليل العقلي عبارة عن حكم العقل القطعي بوجوب اللّطف من الله تعالى ؛ إذ كتب الله تعالى على نفسه اللّطف بعباده ، وهو فعل ما يقرّب العبد إلى الطّاعة ، ويبعّده عن المعصية ، بحيث يلزم منه إزاحة العلّة لارتكاب المعصية ، وقطع المعذرة للعاصي ، من غير أن يصل إلى حدّ الإجبار والإكراه على الطّاعة وسلب الاختيار من العبد المكلّف ،

ص: 341

« لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ »(1)، بل تكون له الحجّة البالغة عليهم «قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ» (2).

فالعقل حاکم بوجوب إرسال الرُّسل وبعثة الأنبياء ليبيّنوا للنّاس ما أراد الله تعالى منهم من التّكاليف المقرّبة من الخير ، والمبعّدة عن الشّرّ ، ويحكموا بينهم بالعدل.

ويشترط في هؤلاء الأنبياء والرُّسل صلوات الله عليهم أجمعين أن

يكونوا معصومين من الخطايا والذّنوب ، مبرّئين من النّقائص والعيوب ، منزّهين من القبائح ، وذلك لتقبل أقوالهم و تقع في النّفوس المستعدّة ، وتنجذب إليها القلوب الطّيّبة ، ويُؤمن منهم الكذب والتحريف.

والعقل حاكم أيضاً بوجوب نصب أوصياء لهم ، وخلفاء ينوبون عنهم ويخلّفونهم من بعدهم ، يقومون مقامهم في حفظ الشّريعة وإبلاغها للناس ، ونفي التّحريف والتّبديل عنها ، والحكم بين النّاس بالعدل وشريعة السّماء ، بإنصاف المظلوم من الظّالم ، وإحقاق الحقّ . وإيطال الباطل ، ونشر الحكمة والفضيلة ، وإقامة العوج ، وتوحيد

ص: 342


1- سورة النّساء : 165.
2- سورة الأنعام: 149.

الصّفوف ، والدّفاع عن بيضة الإسلام ، ودفع كيد الأعداء إلى نحورهم.

ويشترط فيهم أيضاً أن يكونوا معصومین عمّا عصم منه الأنبياء والرُّسل ، لنفس العلّة الّتي وجب عصمة الأنبياء (علیهم السّلام) ، وبذات الدّليل الّذي دلّ على عصمتهم ، وقد بحثنا ذلك في الحلقة الاُولى من كرّاسنا المسمّی (كيف نفهم الرّسالة العمليّة ؟)، ولقوله تعالى ردّاً على إبراهيم الخليل عليه الصّلاة والسّلام حين قال تعالى :«إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا » ، فقال الخليل عليه الصّلاة والسّلام : « وَمِنْ ذُرِّيَّتِي» أي اجعل الإمامة في ذرّيّتي ، فأجابه الحكيم جلّ وعلا: «لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ » (1)، وكلّ من لم يكن معصوماً جازت عليه المعصية . والمعصية ظلم، وعهد الله تعالى وهي الإمامة على الناس لا يناله

الظالم ، سواء كان ظالماً لنفسه أو لغيره.

ويجب أن يكونوا منصوبين من عند الله تعالى ، منصوصاً عليهم من

النّبيّ الّذي استخلفهم على الاُمّة والنّاس ؛ لأنّ العصمة:

أوّلاً : من الاُمور الخفيّة والأسرار الّتي لا يطّلع عليها إلّا الله تعالى. وثانياً: لأنّ إيكال ذلك إلى النّاس يؤدّي إلى الهرج والمرج ،

ص: 343


1- سورة البقرة: 124.

والنّزاع ، والاختلاف ، وحصول الفساد.

وثالثاً : للزوم أن يكون أكمل النّاس على الإطلاق يحتاج إليه كل واحد من أهل زمانه ، ويكون غنياً عنهم جميعاً في كلّ ما تدور عليه رحى الدّين والدّنيا ، وهذا لا يتمّ إلّا بالاختيار والنّصب الإلٰهيّن . وفي كتاب السّياسة المدنيّة للفارابي المبحوث فيه أنواع المدينة . وأقسام الحكومات ، وشروط المدينة الفاضلة ، وآراء أهلها وأخلاقهم ، قال : « الرّئيس الأوّل من هو على الإطلاق ، هو الّذي لا يحتاج في شيء أصلاً أن يرأسه إنسان ، بل يكون قد حصلت له العلوم والمعارف بالفعل ، ولا تكون به حاجة في شيء إلى إنسان یرشده ، و تكون له قدرة على وجوه إدراك شيء ممّا ينبغي أن يعمل من الجزئيات ، وقوّة على جودة الإرشاد لكلّ من سواه إلى كلّ ما يعمله ، وقدرة على استعمال كلّ من سبيله أن يعمل شيئاً ما في ذلك العمل الّذي هو معدّ نحوه ، وقدرة على تقدير الأعمال و تحديدها نحو السّعادة جودة ، وإنّما يكون ذلك في أهل الطّبائع العظيمة الفائقة إذا اتّصلت نفسه بالعقل الفعّال ، وإنّما يحصل له أوّلاً العقل المنفعل ثمّ أن يحصل له بعد ذلك العقل الّذي هو المستفاد ، فبحصول المستفاد یکون الاتّصال بالعقل الفعّال على ما ذكر في كتاب النّفس ، وهذا الإنسان

ص: 344

هو الملك بالحقيقة عند القدماء ، وهو الّذي ينبغي أن يقال فيه أنّه يوحى إليه ... الخ» .

ثمّ قال : « وَ النَّاسِ الَّذِينَ يدبرون برئاسة هَذَا الرَّئِيسِ هُمُ النَّاسُ الفاضلون وَ الْأَخْبَارِ السُّعَدَاءِ ، فَإِنْ كَانُوا أُمَّةً فَتِلْكَ هِيَ الْأَمَةِ الْفَاضِلَةُ ، وَ إِنْ كانُوا أُنَاساً يَجْتَمِعُونَ فِي مُسَكِّنِ وَاحِدُ كَانَ ذَلِكَ الْمَسْكَنُ الَّذِي يَجْمَعُ جَمِيعِ مِنْ تَحْتِ هَذِهِ الرِّئَاسَةَ هُوَ الْمَدِينَةُ الْفَاضِلَةُ ».

ثمّ قال بعد ذلك : « وَ الْمَدِينَةِ الْفَاضِلَةُ تَضَادِّهَا الْمَدِينَةِ الجاهلة ، وَ الْمَدِينَةِ الْفَاسِقَةَ ، وَ الْمَدِينَةِ الضَّالَّةِ ، ثُمَّ البهيمیّون بالطبع ».

وقد علّق شارح اُصول الكافي (رحمه الله) على هذا الكلام بعد نقله إيّاه : « وَ الْغَرَضُ مِنَ نَقْلِ كَلَامِهِ أَنْ يَعْلَمَ تُطَابِقُ النَّقْلِ وَ الْعَقْلِ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبُ الشِّيعَةِ فِي الْإِمَامَةِ »(1).

ونقل عن الشّيخ الرّئيس ابن سینا قوله في الإمام عليّ (علیه السّلام) : «حَاجَةِ الْخَلْقِ إِلَيْهِ وَ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْهُمْ دلیل إِمَامَتُهُ عَلَى الْخُلُقِ».

والحاصل: يجب القول بوجود امام معصوم في كلّ زمان منصوب من قِبل الله تعالى؛ لئلا تخلو الأرض من حجّة قائم بالحقّ ، ظاهراً

ص: 345


1- شرح اُصول الكافي للمازندراني : 126/5 .

أو غائباً؛ إذ « لَولَا الْحِجَّةِ لَسَاخَتْ الْأَرْضِ بِأَهْلِهَا»(1)، وشأن الإمام في الاُمّة شأن الجبال الّتي هي أوتاد الأرض ، الّتي لولاها تميد الأرض بأهلها ، فالإمام وتد معنوي كما أنّ الجبال أوتاد مادّيّة ، وهو الرّوح الّتي بها يستقيم الجسد ، والجسد ينعدم بانعدام الرّوح ، والعكس بالعكس ، أي الجسد غير مقوّم للروح ، فلاتنعدم الرّوح بانعدام الجسد الّذي تحلّ فيه ، ثمّ إنّ دمار الأرض وانعدامها يعني وقوع الدّمار في المنظومة الشّمسيّة وما يدور في فلكها ، فالإمام (علیه السّلام) والحجّة روح الكون ، به قوام الكائنات لأنّه الوتد الّذي جعله الله تعالى سبباً ليمسك به السّماوات والأرض.

ولهذا قال الشّيخ المفيد أعلى الله درجاته في العلّيّين :

« ذَكَرَ طَرَفُ مِنَ الدَّلَائِلِ عَلَى إِمَامَةِ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ ( مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ) ( علیهما السَّلَامُ ) : فَمَنِ الدَّلَائِلِ عَلَى ذَلِكَ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْلِ بِالِاسْتِدْلَالِ الصَّحِيحِ مِنْ وُجُودِ أَمَامَ مَعْصُومُ کامل غَنِيُّ عَنْ رعاياه فِي الْأَحْكَامِ وَ الْعُلُومِ فِي كُلِّ زَمَانٍ ؛ لِاسْتِحَالَةِ خِلْوُ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ سُلْطَانٍ یکونون بِوُجُودِهِ أَقْرَبَ إِلَى الصَّلَاحِ ، وَ أَبْعَدُ مِنَ الْفَسَادِ ، وَ حَاجَةِ الْكُلِّ مِنْ

ص: 346


1- شرح اُصول الكافي: 126/5 ، وادّعى السّبحاني في كلّيات علم الرجال تواتره .

ذَوِي النُّقْصَانِ إِلَى مُؤَدِّبَ للجناة ، مقوِّم لِلْعُصَاةِ ، رادعٍ للغواة ، مُعَلَّمِ لِلْجُهَّالِ ، مَنِيُّهُ لِلْغَافِلِينَ ، محذر مِنِ الضَّلَالِ ، مُقِيمُ للحدود ، مَنْفَذُ للأحكام ، فاصل بَيْنَ أَهْلِ الِاخْتِلَافِ ، نَاصِبٍ لِلنَّاسِ فِي الْجُمُعَاتِ وَ الْأَعْيَادِ ، وَ قِيَامِ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّهُ مَعْصُومُ مِنَ الزَّلَّاتِ لِغِنَاهُ عَنِ الْإِمَامِ بالاتّفاق ، وَ اقْتِضَاءِ ذَلِكَ لَهُ الْعِصْمَةَ بِلَا ارْتِيَابُ ، وَ وُجُوبِ النَّصِّ عَلَى مِنْ هَذِهِ سَبِيلِهِ مِنِ الْأَنَامِ ، أَوْ ظُهُورُ المعجزعلیه لتمییزه مِمَّنْ سِوَاهُ . وَ عَدَمِ هَذِهِ الصِّفَاتِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ سِوَى مَنْ أَثْبَتَ إِمَامَتُهُ أَصْحَابِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ( علیهما السَّلَامُ ) ، وَ هُوَ ابْنِهِ الْمَهْدِيِّ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ ، وَ هَذَا أَصْلُ لَنْ يُحْتَاجُ مَعَهُ فِي الْإِمَامَةِ إِلَى رِوَايَةِ النُّصُوصِ وَ تعداد مَا جَاءَ فِيهَا مِنَ الْأَخْبَارِ ؛ لقياسه بِنَفْسِهِ فِي قَضِيَّةِ الْعُقُولِ ، وَ صِحَّتِهِ بثابت الِاسْتِدْلَالِ » .

ولا تكاد تجد طائفة من المسلمين أطبقت على اثني عشر مصداقاً تنطبق عليهم أوصاف الإمامة الإلٰهيّة من حيث العصمة والطّهارة والاتّصال ببيت النّبوّة والوحي والكمال والفضل عدا الشّيعة الإماميّة الاثني عشريّة ، المعتقدين بإمامة الأئمّة الاثني عشریّة من أهل بیت رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ، الّذين استجمعوا كافّة صفات الفضل والكمال فوجب القول بأنّ أصحاب هذه الأوصاف والكمالات و مصادیقها هم أئمّة أهل البيت الاثنا عشر صلوات الله عليهم ، وإلّا لزم خلوّ

ص: 347

العصور والأزمنة المتأخّرة عن عصير اللنّبيّ (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من الحجّة والإمام المعصوم ، وقد ثبت بطلانه لترتّب مفاسد عظيمة ومخاطر جسيمة عليه.

2 - دليل النّقل

وأمّا الأدلّة النّقليّة فكثيرة سقنا بعضاً منها في الدّروس السّابقة وهي عبارة عن نصوص عن النّبيّ(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والأئمّة (علیهم السّلام) ، ونكتفي هنا بالتالي :

قال الشّيخ المفيد عليه الرّحمة والرضوان: « وَقَدْ سَبَقَ النَّصِّ عَلَيْهِ فِي مِلَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ نَبِيِّ الْهُدَى ( علیه السَّلَامُ ) ، ثُمَّ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ( علیه السَّلَامُ ) ، وَ نَصَّ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةِ ( علیهم السَّلَامُ ) وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ إِلَى أَبِيهِ الْحَسَنِ ( علیه السَّلَامُ ) ، وَ نَصَّ أَبُوهُ عَلَيْهِ عِنْدَ ثِقَاتِهِ ، وَ خَاصَّةً شِيعَتِهِ ، وَ كَانَ الْخَبَرُ بغيبته ثَابِتاً قَبْلَ وُجُودِهِ وبدولته ، مستفيضاً قَبْلَ غَيْبَتِهِ ، وَ هُوَ صَاحِبُ السَّيْفَ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى ( علیه السَّلَامُ ) ، وَ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ ، الْمُنْتَظَرُ لِدَوْلَةِ الْإِيمَانِ ، وَلَهٍ قَبْلَ قِيَامِهِ غیبتان : إِحْدَاهُمَا أَطْوَلُ مِنَ الْأُخْرَى ، كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ الْأَخْبَارِ ، فَأَمَّا الْقَصْرِيِّ مِنْهُمَا فمنذ وَقْتُ مَوْلِدِهِ إِلَى انْقِطَاعِ السِّفَارَةَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ شِيعَتِهِ ، وَ عُدِمَ السُّفَرَاءُ بالوفاة . وَ أَمَّا الطَّوْلِ فَهِيَ بَعْدَ الْأُولَى ، وَفِي آخِرِهَا يَقُومُ بِالسَّيْفِ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجِلَ : .

ص: 348

«وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ*وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ »(1).

وقال جلّ اسمه : «وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ » (2).

وقال رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) : « لَنْ تَنْقَضِي الْأَيَّامُ وَ اللَّيَالِي حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ، يواطئ اسْمُهُ اسْمِي ، يَمْلَؤُهَا عَدْلًا وَ قِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً » (3). وقال (علیه السّلام): «لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمُ وَاحِدُ لطَّوْلِ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلًا مِنْ وَلَدَيَّ ، يواطئ اسْمُهُ اسْمِي ، يَمْلَؤُهَا عَدْلًا وَ قِسْطاً ، كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً» (4)»(5).

وقال عليه الرّحمة والرّضوان في موضع آخر: « ثُمَّ قَدْ جَاءَتْ رِوَايَاتٍ فِي النَّصِّ عَلَى ابْنَ الْحَسَنِ ( علیه السَّلَامُ ) مِنْ طُرُقِ يَنْقَطِعَ بِهَا الْأَعْذَارِ ، وَ أَنَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ مَوْرِدَ طَرَفاً مِنْهَا عَلَى السَّبِيلِ الَّتِي سَلَفَتِ مِنَ الْأَئِمَّةِ

ص: 349


1- سورة القصص: 5 و 6.
2- سورة الأنبياء : 105.
3- روضة الواعظين: 261.
4- روضة الواعظين: 261.
5- الإرشاد: 339/2 .

صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي مُجْمَلُ وَ مُفَضِّلُ عَلَى الْبَيَانِ »(1)، ثمّ أورد جملة من هذه الأخبار فمنها:

عن أبي جعفر (علیه السّلام) قال : « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ اسْمُهُ أَرْسَلَ مُحَمَّداً ( صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) إِلَى الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ ، وَ جَعَلَ مَنِ بَعْدِهِ اثْنَيْ عَشَرَ وَصِيّاً ، مِنْهُمْ مَنْ سَبَقَ ، وَ مِنْهُمْ مَنْ بَقِيَ ، وَكَّلَ وَصِيُّ جَرَتْ بِهِ سَنَةٍ ، فالأوصياء الَّذِينَ مِنْ بَعْدِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ عَلَى سُنَّةِ أَوْصِيَاءِ عِيسَى ( علیه السَّلَامُ ) ، وَ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ ، وَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( علیه السَّلَامُ ) عَلَى سُنَّةِ الْمَسِيحِ ( علیه السَّلَامُ ) » (2).

وعن أبي جعفر الثّاني ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين (علیهم السّلام) ، قال : قال رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لأصحابه : آمنوا بليلة القدر فإنّه ينزل فيها أمر السّنة ، وإنّ لذلك ولا من بعدي عليّ بن أبي طالب وأحد عشر من ولده (3).

كما أورد (قدس سرّه)في الإرشاد الجزء الثّاني ، ص 455 فما بعد ، جملة من الأحداث الدّالّة بالضرورة القطعيّة على إمامته (علیه السّلام) وعصمته .

وأمّا شيخ الطّائفة الطّوسي أعلى الله مقامه الشّريف فقد استدلّ

ص: 350


1- الإرشاد : 342/2
2- الإرشاد : 343/2 .
3- الإرشاد : 343/2 .

بجملة من الأحاديث على إمامة صاحب الزّمان أرواح العالمين له الفداء ، ثمّ قال : « هذه الأخبار متواتر بها لفظاً ومعنىً ، فأمّا اللّفظ فإنّ الشّيعة تواترت بكلّ خبر منه ، وأمّا المعنى فإنّ كثرة الأخبار ، واختلاف جهاتها، وتباين طرقها ، وتباعد رواتها، يدلّ على صحّتها؛ لأنّه لا يجوز أن يكون كلّها باطلة ، ولذلك يستدلّ في مواضع كثيرة على معجزات النّبیّ (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

الّتي هي سوى القرآن واُمور كثيرة في الشّرع بالتواتر معنىً، وإن كان كلّ لفظ منها منقولاً من جهة الآحاد . وذلك معتمد عند من خالفنا في هذه المسألة ،فلا ينبغي أن يتركوه وينسوه إذا جئنا إلى الكلام في الإمامة ، والعصبية لا ينبغي أن تنتهي بالإنسان إلى حدّ يجحد الاُمور المعلومة ، وهذا الّذي ذكرناه معتبر في مدائح الرّجال وفضائلهم ، ولذلك استدلّ على سخاء حاتم وشجاعة عمرو وغير ذلك ، بمثل ذلك ، وإن كان كلّ واحد ممّا يروى من عطاء حاتم ووقوف عمرو في موقف من المواقف من جهة الأحاد، وهذا واضح »(1).

ثم قال (رحمه الله) : «وَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى إِمَامَةِ ابْنَ الْحَسَنِ ( علیهما السَّلَامُ ) زَائِداً عَلَى مَا مَضَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَنَّهُ سَيَخْرُجُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مَهْدِيٍّ يملؤ

ص: 351


1- الغيبة: 174.

الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً ، وَ إِذَا بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ الْمَهْدِيُّ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنُ ( علیه السَّلَامُ ) ، وأفسدنا قَوْلُ كُلُّ مَنْ يَدَّعِي ذَلِكَ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ سوی ابْنَ الْحَسَنِ ( علیه السَّلَامُ ) ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُوَ ( علیه السَّلَامُ ) ، وَ الْأَخْبَارُ الْمَرْوِيَّةِ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى ، غَيْرَ أَنَّا نَذْكُرُ طَرَفاً مِنْ ذَلِكَ ، فَمِمَّا رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ خُرُوجِ مَهْدِيٍّ فِي هَذِهِ الْأُمَّةُ . . . . الخ »(1) وأسرد جملة من الرّوايات في هذا الشّأن.

وقد ساق ابن بابويه القمّي رضوان الله عليه جملة من الأخبار في

هذا الباب أوّلها وهو صحيح أعلائي:

عن الحسين بن أبي علاء ، عن أبي عبدالله (علیه السّلام) ، قال : قلت له :تكون الأرض بغير إمام ؟ قال : «لا». .

قلت : أفيكون إمامان في وقت واحد ؟ قال : «لا، إلّا أحدهما

صامت » .

قلت : فالإمام يعرف الإمام الّذي بعده ؟ قال : «نعم».

قلت : القائم إمام ؟ قال : «نعم ، إمام بعد إمام، قد اؤتمّ به

قبل ذلك (2).

ص: 352


1- الغيبة : 174.
2- الإمامة والتبصرة : 101.

وقال العلّامة الحلّي أعلى الله مقامه بعد سرده مجموعة من الأخبار والأدلّة على إمامته عليه الصّلاة والسّلام: « وَ هَذَا طَرَفِ يَسِيرُ مِمَّا جَاءَ فِي النُّصُوصِ عَلَى الثَّانِي عَشَرَ مِنِ الْأَئِمَّةِ ( علیهم السَّلَامُ ) ، وَ الرِّوَايَاتُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةُ قَدْ دُونَهَا أَصْحَابُ الْحَدِيثُ مِنْ هَذِهِ الْعِصَابَةِ وأثبتوها فِي كُتُبِهِمْ الْمُصَنَّفَةِ ، فَمِمَّنْ أَثْبِتْهَا عَلَى الشَّرْحِ وَ التَّفْصِيلُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ المكنى أَبَا عبدالله النُعْمَانِيُّ فِي كِتَابِ صَنَّفَهُ فِي الْغَيْبَةِ ، فَلَا حَاجَةَ بِنَا مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ إِلَى إثباتها عَلَى التَّفْصِيلِ فِي هَذَا الْمَكَانِ »(1).

وقال ثقة الإسلام الطّبرسي (قدّس سرّه) بعد أن ساق جملة من هذه الأخبار : «وَ الْأَخْبَارُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةُ ظَاهِرَةً فِي الشِّيعَةِ ، مُتَوَاتِرَةُ ثَابِتَةٍ فِي أُصُولِها الْمُتَقَدِّمَةِ لزمان الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيِّ ( علیه السَّلَامُ ) ، وَفِي ذَلِكَ أَصَحُّ دلیل وَ بُرْهَانٍ عَلَى إِمَامَةِ الْقَائِمِ ابْنَ الْحَسَنِ ( علیهما السَّلَامُ ) »(2).

وللمزيد ، راجع: بحار الأنوار: 241/55 و : 103/52 . عيون

المعجزات: 134. الغيبة للطوسي: 342. والغيبة للنعاني.

ص: 353


1- المستجاد من الإرشاد: 235.
2- إعلام الوری: 2/ 247.

ص: 354

الدّرس السّابع والعشرون: شبهات وردود

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

*ذكرتم أنّ الإمام المهدی صلوات الله عليه تقلّد الإمامة بعد

أبيه وقد ناهز الخامسة من عمره الشرّيف ، فهنا ترد أسئلة

ثلاثة :

أوّلاً: هل يعقل أن تعطى الإمامة لصبي في هذا العمر ؟

ثانياً : ما فائدة الإمامة في هذا العمر؟

ثالثاً: أليست الإمامة منصباً عظيماً بها تتحقّق الولاية على کافّة البشر ؟ وعلى الإمام أن يقيم العدل والحقّ ويطبَق القوانين الإلٰهيّة ، ويحمي ثغور المسلمين وغير ذلك من المسؤوليّات الجسيمة ؟ فكيف تؤتي لصبي يعجز عقلاً وعادّة عن القيام بها ؟

ص: 355

* أوّلاً : لا يمنع العقل من أن يتقلّد صبي في هذا العمر إمامة الخلق ؛ ذلك أنّ العقل حاکم بوجوب أن ينصب للإمامة من هو أهل لهذا المقام فيه من الكمالات العقليّة والخلقيّة ما يؤهّله لذلك ، فإذا كان تامّ العقل ، کامل الجسم ، جامعاً للمعارف ، أفضل ممّن سواه ، لا يدانيه في الفضل والكمال أحد من أهل زمانه ، وجب عقلاً أن يتقدّم النّاس کافّة في كلّ شيء ، وهي الإمامة على النّاس ، وصدّق العقل بلزوم نصبه حينئذٍ للإمامة على الخلق ، هذا ما يريده ويحكم به العقل ، وأمّا سائر العوامل من كبر السنّ وصغره، أو كبر الجسم ونحوله وصغره فلا مدخليّة للعقل بها ولا حكم له فيها ، ألا ترى أنّ العقل إنّما يذهب إلى وجوب کون الإمام قادراً على تحمّل أعباء الإمامة ، سواء كان طفلاً أو كان شيخاً، ويمنع عن تقلّد غيره ممّن لا كفاءة له في إدارة شؤون البلاد ، سواء كان شيخاً أو كان طفلاً ، فالكفاءة الإدارية هي موضع اهتمام العقل ، وهي الملاك عنده ، وأمّا العمر فهو أمر اعتباري . فقد يبلغ الشّخص ويكمل عقله ويكتمل علمه في الطّفولة ، وقد يشيخ الرّجل دون أن يكمل عقله أو يتمّ له علم أو قدرة على إدارة البلاد و تسيير العباد.

على أنّ الإمامة وهي منصب إلٰهي تدور رحاها بيد الخالق الحكيم.

ص: 356

القادر على كلّ شيء، وكثير من أفعال الله تعالى لا يحتملها العقل ولا يهتدي إلى كنه ذاتها والسرّ المكنون فيها ، فلا ينبغي للمعبد أن يحكم باستحالتها إذا ما عجز عن تفسيرها والوقوف على حقيقتها وسرّ حكمتها، وإنّما على العبد أن يتعبّد بأمر الله جلّت عظمته ويستسلم بامتثاله التامٌ لأمره تعالى ، وإلّا فلا معنى للعبودية إذا كان العبد يريد تفسيراً لكلّ جزئي أو كلّي صادر من الله تعالى .

ورغم ذلك فسيرة العقلاء قائمة أيضاً على لزوم القدرة والكفاءة والكمال فيمن يتقلّد منصب الإمامة ، وليس من سيرتهم وجوب کونه بالغاً من العمر حدّاً معيّناً ، بل إذا وجدوا صبيّاً كامل العقل ، وافر العلم ، ناقد الذهن ، نافذ البصيرة ، صائب القرار ، شجاعاً، فطناً . کاملاً ، انقادوا إليه وقدّموه عليهم لرجاحة عقله وسائر صفاته الكماليّة غير عابئين بصغر سنّه ونحولة جسمه.

نعم ، قد لا يتقبّل بعضهم أو كثير منهم ذلك ، ولا تميل إليه أو تطمئنّ نفسه ، لكن ذلك ليس بحكم العقل ولا بسيرة العقلاء ، كلا بل اتّباعاً للهوى وطلباً لحطام الدنيا ، فإنّهم اجتمعوا على تنحية عليّ بن أبي طالب (علیه السّلام) من الخلافة واغتصابها منه وهو حينئذٍ لم يكن صبيّاً صغيراً ، ولا طفلاً نحيلاً، رغم اعترافهم بأنّه أفضلهم على الاطلاق ،

ص: 357

وأكملهم بالإجماع ، وأنت عارف بأنّ ما فعلوه لم يكن إلّا مخالفة منهم الحكم العقل وتمرّداً منهم على سيرة العقلاء ، وذلك اتّباعاً للهوى ، وانحرافاً عن الهدى ، ورغبة في الرّئاسة وحطام الدّنيا ، وعليه فأصحاب البدع والأهواء من أتباع الأنبياء لم يكترثوا بحكم العقل ولا بسيرة العقلاء ، بل جرت سيرتهم على خلاف ذلك دائماً وأبداً . وقد خالفوا في ذلك الأتقياء والصّالحين من أصحاب الأنبياء وأتباعهم ، والتّأريخ شاهد صدق على ذلك.

كيف لا وقد اُوتيت النّبوّة وهي أعظم من منصب الإمامة - عند المخالفين - لمن دون عمر الحجّة المنتظر عجّل الله تعالی فرجه ، فقد قال تعالى عن عیسی (علیه السّلام) بعد ساعات قليلة من ولادته : «فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا *قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا *وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا *وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا *ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ »(1)، وهو الّذي ادّخره الله تعالى لنصرة صاحب الزّمان أرواحنا له الفداء ، ويصلّي خلف إمامنا ، ويقتدي به .

ص: 358


1- سورة مريم: 29- 34.

ويكون حامل رایته.

وهذا يحیی بن زکریّا (علیهما السّلام) تقلّد النّبوّة في صباه ، وقيل كان في الخامسة أو دونها. قال تعالى : «يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا » (1)، فهل بعد ذلك غرابة في إمامة الحجّة صلوات الله عليه سوى الأحقاد والضّغائن واتّباع الهوى؟

فإن قلت : أليس من شؤون الإمامة خوض المعارك والجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى ، وأنّي لصبيٍّ في هذا العمر أن يخوض ذلك ؟

قلت : أوّلاً : ليس على الإمام والقائد الأعلى بالضرورة أن يبرز للقتال ، ويتقدّم صفوف المقاتلين والمجاهدين ، و يكفي فيه القدرة على تدبير شؤونهم والعلم بالحروب ، و تعيين من يقود جيوش المقاتلين ، وقد فرضنا توفّر ذلك في الإمام (علیه السّلام) ، والقرآن الكريم يحكي لنا قصّة نبي من الأنبياء حين اُمر بجهاد الكفّار والمشركين أمره أن ينصب لقومه قائداً عالم بفنون الحرب والقتال ، قويّاً في الجسم. قال تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ... » .

إلى قوله تعالى : «وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا

ص: 359


1- سورة مريم: 12.

قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ»(1)، وهذه عادة أهل الأهواء أنّهم يستشكلون على كلّ شيء . فإنّهم لم يشكلوا هنا على صغر سنّه ، ولا نحولة جسمه ، و لا قلّة خبرته وعلمه بالحرب؛ لأنّ الاشكال من هذه الجهات لم يكن وارداً أصلاً.

«قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ » . وهما المنوط بهما في القتال ، وإنّما أشكلوا بما لا دخل له في قيادة الحرب وخوض الجهاد ، شأنهم في ذلك شأن أهل الأهواء؛ إذ وقع الإشكال منهم على أنّهم أحقّ منه بالملك ، لماذا؟ لأنّه كان مغمور الحسب والنَّسب فيهم ، فهو لم يكن من بني إسرائيل المعجبين بأنفسهم أنّهم شعب الله المختار ، ولا كان من ذوي العشائروالقبائل والرّئاسة الشّهيرة حينذاك ، فما كان المفترض أن يقصد في الإشكال وهو العلم والجسم هنا، لم يقع منهم ، وما وقع منهم من الإشكال لم يكن في محلّه ، ثمّ إنّ الله تعالى ختم الآية بما فيه عبرة لمن اعتبر ، وصرخة في وجه من زعم أنّ النّاس يختارون لأنفسهم من شاؤوا، وأنّ الاُمّة قادرة على اختيار الأصلح لقيادتها، والأخذ بزمام أمرها حين قال

ص: 360


1- سورة البقرة: 246 و 247.

تعالى :«وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ » (1).

کما أنّ في سيرة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) دليلاً قاطعاً وبرهاناً ساطعاً على ما ذكرنا؛ وذلك أنّه لم يبرز للقتال إلّا إذا حمي الوطيس ، و تخاذل المسلمون عن النّصرة والجهاد وولّوا الأدبار کما في معركة اُحد. وكما هو الحال لدى الزّعماء والاُمراء والملوك ، فإنّهم قلّما يبرزون للقتال ويقودون الجيوش بأنفسهم في ساحات المعارك ، وإنّما ينوب عنهم قائد عسكري في ساحات القتال ، و في سيرة الخلفاء الثّلاثة ومعاوية وغيابهم عن ميادين القتال خير شاهد على ما نقول .

نعم ، الفرق بين الأنبياء والأئمّة عليهم الصّلاة والسّلام وبين غيرهم أنّ الأنبياء والأئمّة صلوات الله عليهم أعلم النّاس بفنون القتال وخوض المعارك وأشجعهم لا يدانيهم أحد في الفضل والكمال مطلقاً .

بينها أكثر الملوك والاُمراء والحكّام لا سيّما الخلفاء ومعاوية عليه الهاوية لم تثبت لهم فضيلة ولا علم ولا معرفة سوى البطش والمكر والحيلة.

وإن قلتَ : ليس من عادة النّاس طاعة الصّبيان .

ص: 361


1- سورة البقرة : 247.

قلت : ليس من عادة العصاة وأهل الغواية وأصحاب الهوى طاعة أحد من الأنبياء والصّالحين والأولياء ، وليس كلّ النّاس من هذا

القبيل.

وأمّا ثانياً : فالفائدة من هذه الولاية والإمامة هي ذاتها الّتي في

نبوّة المسيح (علیه السّلام) ويحیی (علیه السّلام) ؛ ذلك أنّ فيها:

1- الإعجاز الإلٰهي و تجلّي قدرة الله تعالى وعظمته جلّ شأنه من جهة إيداع الأسرار كلّها ، وجعل الكمالات بأكملها ، والفضائل بأسرها في أطفال وصبية صغار ، فهم صغار السّنّ ، کبار الحقائق والأنوار والتّجليّات ، عظماء في الصّفات ، حجج الله على خلقه ، يمثّلون عظمة الخالق تعالى وحكمته وقدرته ليعلم الجنّ والإنس « إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ »(1).

2- ليتمّ التّصديق من الجنّ والإنس أنّ اختيار الأفضل الأكمل الأقدر لحمل الأمانة لا يكون إلّا من الله تعالى ، وليس لغيره أن ينصب النّبيّ والإمام (علیهما السّلام) کائناً من كان : «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ »(2)،

ص: 362


1- سورة البقرة : 20.
2- سورة الأحزاب : 36.

وأن يذعنوا بهذه الحقيقة وتتمّ عليهم الحجّة .

3- أنّه اختبار من الله تعالى لعباده ، «لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ » (1)، ويعلم الصّادق في إيمانه من الكاذب المنتحل المتصنّع ؛ إذ كم من عالم يتظاهر بالصلاح أو عابد متظاهر بالطاعة والإخلاص ، أو متلبّس بزيّ أهل الإيمان لا يسقط عن وجوههم قناع النّفاق ، ولا تنكشف وجوههم على حقيقة ما تكنّه أنفسهم إلّا بهذا القبيل من الاختبار ، فإذا افتتن بمثل هذه الفتنة سقط القناع الزّائف عن حقيقة ما كان يخفيه ويستره ، و تزلّ أقدامه في أوّل خطوة يواجه الحقيقة فيها ، بالتمرّد والعصيان ومحاربة النّبيّ والإمام.

4- وليعلموا أنّ حمل الرّسالة والأمانة لا تقتصر على عمر معيّن دون غيره ، بل ليس لسنّ النّبيّ والإمام دخل في استحقاق تلك المنزلة ، بل يؤتي الحكمة من يشاء ، وليس على النّاس سوى السّمع والطّاعة.

5- ولكي يعرفوا أنّ الملاك في النّبوّة والإمامة والمناصب الإلٰهيّة هو حسن السّيرة ورجاحة العقل وكمال النّفس وسموّ الرّوح بأن

ص: 363


1- سورة الأنفال : 37.

يكون مصداق الإنسان الكامل الجامع للكمالات والفضائل والكفاءات.

6- وليذعنوا أيضاً بأنّ هذين المنصبين لا ينالهما عبد بمجرّد الطلب والاكتساب وبذل الجهد والاجتهاد؛ لأنّ الله جلّت قدرته خصّ بها أقواماً وطائفة من أصفياء شجرة واحدة في سلسلة متماسكة مترابطة يتلو بعضها بعضاً «كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا »(1) في توالي النّبيّ بعد النّبيّ، والإمام بعد الإمام ، « كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا » (2) ، فلا يطلبنّ العبد مهما اُوتي من العلم ومهما اجتهد بالعمل والعبادة أن ينال تلك المنزلة ، فإذا حرم منها يرتدّ على أدباره فيخسر الدّنيا والآخرة؛ لأنّ الأنبياء والأئمّة هم المصطفون الأخيار الّذين يفوقون حدود الإدراك البشري القاصر ، ولا يقوى على إدراك مقاماتهم الخفيّة ومنازلهم الغيبية عقل الألمعي من الرّجال .

ولو سألناهم أليس الله تعالى قادراً على أن يجمع كلّ الفضائل والكمالات والعلوم في نملة ، لأجابوا: بلى ، وإلّا كفروا ، فما بالهم يحيلونها وينكرونها ويسخرون منها إذا ما اُودعت في صبي و ظهرت

ص: 364


1- سورة إبراهيم: 24.
2- سورة إبراهيم: 25.

منه جهراً وعلانية ؟! « فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ »؟

وثالثاً : يظهر الجواب ممّا تقدّم آنفاً حيث أنّ ادّعاء العجز عادة للقيام بتلك المهام الخطيرة الجسام وارد في حيطة قدراتنا المحدودة الأسيرة بيد الطّبيعة والأجرام الماديّة المقيّدة ، وأمّا الإمام المنصوب من قِبل الله جلّت عظمته القادر على كلّ شيء فلا يمتنع عليه لا عقلاً ولا عادة القيام بمثل هذه الشؤون ، على أنّا نمنع ادّعاء العجز عادة حتّى في البشر ممّن هم دون مرتبة الأنبياء والأئمّة ، ونمنع امتناعه منهم مطلقاً، ذلك أنّ جوهر النّفس الإنساني وجوهره العقلاني يحتملان فوق ما يتصوّره أصحاب العقول السّاذجة ، إذا ما بلغت قواه الرّوحانيّة أقصاها ، وتجاوزت قدراته النّفسانيّة مداها، وسيرة العظماء والعباقرة في التّاريخ كابن سینا عبقري زمانه ، بل جميع الأزمنة ، خير شاهد على ما نقول.

ص: 365

ص: 366

المُحتویات

المقدّمة .....5

الدّرس 1: العلم والمعرفة /1 .......27

الدّرس 2: العلم والمعرفة /2 .......41

الدّرس 3: ما يجب الاعتقاد به/1

1. التّوحيد ....53

الدّرس 4: ما يجب الاعتقاد به /2

2 - النّبوة ....67

الدّرس 5: ما يجب الاعتقاد به /3

3- الإمامة:.......73

الدّرس 6: ما يجب الاعتقاد به /4

3- الإمامة ...... ...83

الدّرس 7: ما يجب الاعتقاد به /5

3- الإمامة .....103

الدّرس 8: ما يجب الاعتقاد به /6

3- الإمامة ... ......121

الدّرس 9: ما يجب الاعتقاد به /7

ص: 367

التّقيّة ..... 135

الإسلام والإيمان .......137

الدّرس 10: الإمام المهدي (علیه السّلام) وحياته الاجتماعية .... 141

الدّرس 11: هوية الإمام المهدي (علیه السّلام) /1 ....151

الدّرس 12: هوية الإمام المهدي (علیه السّلام) /2 ....161

الدّرس 13: شبهات وردود .......171

الدّرس 14: أوصافه وشمائله (علیه السّلام) ...185

الدّرس 15: شبهات وردود .. ...195

الدّرس 16: الإمام المهدي (علیه السّلام) في الكتاب والسنّة .....199

الدّرس 17: الإمام المهدي (علیه السّلام) في الأخبار /1 ......205

الدّرس 18: الإمام المهدي (علیه السّلام) في الأخبار /2 .... 221

الدّرس 19: شبهات وردود /1 ....235

الدّرس 20: شبهات وردود /2 .......243

الدّرس 21: الإمام المهدي (علیه السّلام) في مصادر المسلمين /1 ......253

الدّرس 22: الإمام المهدي (علیه السّلام) في مصادر المسلمين /2.......265

الدّرس 23: الإمام المهدي (علیه السّلام) في مصادر المسلمين /3 ......273

الدّرس 24: لمحة تاريخيّة ....307

الدرس 25: ولادة الإمام المهدي عجّل الله فرجه .......323

شبهات و ردود .....334

الدّرس 26: إمامة الإمام المهدي عجّل الله فرجه ....... 339

الدرس 27: شبهات وردود ....355

ص: 368

المجلد 2

اشارة

سرشناسه : مومن، مهدی

عنوان و نام پديدآور : خاتم الاوصیاء/ محمدمهدی المؤمن.

مشخصات نشر : قم: موسسه المعارف الاسلامیه، 1424ق-= 1382-

فروست : بنیاد معارف اسلامی؛ 148، 154.

يادداشت : عربی.

يادداشت : ج.1 (چاپ دوم: 1426ق.= 1384).

يادداشت : ج.3 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).

یادداشت : کتابنامه.

موضوع : محمدبن حسن (عج)، امام دوازدهم، 255ق -

موضوع : امامت

شناسه افزوده : بنیاد معارف اسلامی

رده بندی کنگره : BP51/35/م 84خ 21382

رده بندی دیویی : 297/959

شماره کتابشناسی ملی : م 82-14025

خیراندیش دیجیتالی : انجمن مددکاری امام زمان (عج) اصفهان

ص: 1

اشارة

تم طباعة هذا الكتاب على نفقة

السيدة العلوية انتصار زلزلة

جزاها الله خيرا

دارالفقه للطباعة والنشر

اسم الكتاب : خاتم الأوصياء (الحلقة الثانية)

المؤلف:محمد مهدي المؤمن

الطباع:السيد أبوعلاء الموسوي

تاريخ الطبع : الأولى 1426ه. ق - 2005 م

عدد المطبوع: 1000 نسخة

المطبعة : برهان

السعر : 1000 تومان

شابك:9_012_499_964 ISBN964-499-012_9

ص.ب.3663-58173

تلفن:7736873 - 251-98+

مرکز توزيع: قم - شارع معلم - مركز الإمام السجاد عليه السلام

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

اَلُلهم وَصَلِّ عَلى وَلِىِّ اَمْرِكَ الْقائِمِ الْمُؤَمَّلِ ،وَالْعَدْلِ الْمُنْتَظَرِ، وَحُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبينَ ،وَاَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ يا رَبَّ الْعالَمينَ

عن مولانا صاحب الأمر صلوات الله وسلامه عليه :

أَنَا خَاتَمُ الْأَوْصِيَاءِ وَ بِي يَدْفَعُ اللَّهُ الْبَلَاءَ عَنْ أَهْلِي وَ شِيعَتِي.

غيبة الطوسی:264.كمال الدين : 441. بحار الأنوار52/30

ص: 5

ص: 6

الاهداء

بما أن من حسن الصدف أن حالفنا الحظ والتوفيق إذ صادف طباعة الكتاب أيام الفاطمية الأليمة فإني أهديته إلى الصديقة الطاهرة ، سيدة نساء العالمين

فاطمه الزهرا علیها السلام

أم أبيها،وروحه التي بين جنبيه،

وأم السبطين والقائم المنتظر الموعود

صلوات الله وسلامه عليها وعليهم أجمعين

محمد مهدي

غرة جمادی الثانية /1426ه ق

ص: 7

ص: 8

الدرس الأول: شبهات وردود

بسم الله الرحمن الرحیم

لقد فاتتنا الإجابة في الحلقة الٱولى على بعض الشبهات والإشكاليات التي قد ترد على الحكاية المروية عن كيفية سبي السيدة نرجس أم الإمام المهدي علیه السلام،وعن شرائها،وزواج الإمام العسكري علیه السلام منها،وهكذا الأخبار المروية عن ولادة مولانا الحجة بن الحسن علیهما السلام ،حيث نقلناها هناك ولم نبحث وجوه الإشكال المحتملة فيها، فلنشرع في هذه الحلقة بسردها والإجابة عنها

لقد أوردت ثلاثة أخبار في الدرس الخامس والعشرين من

ص: 9

الحلقة الأولى من هذا الكتاب ،جاء في الخبر الأول (1) أنها كانت ملكا للإمام علي الهادي علیه السلام،وفي الثاني(2) أنها ملکا لبعض أخوات الإمام الهادي علیه السلام،وفي الثالث (3)أنها كانت ملكا للسيدة حكيمة ٱخت الإمام الهادي علیه السلام طی،فكيف نوفق بينها؟

وجه الجمع بينها أن الإمام الهادي علیه السلام هو الذي اشتراها بتلك الكيفية الخاصة التي وردت في الخبر الأول مفصلة،ثم أهداها لٱخته حكيمة کی تباشر تربيتها وتعليمها وتعريفها بالإسلام ٱصولا وفروعا، وعقيدة وعملا، فيكون المراد من بعض أخواته كما في الخبر الثاني - هي السيدة حكيمة رضی الله عنها، فاعتنت بها السيدة الحكيمة خير عناية،كما هو عادة بني هاشم مع العبيد والإماء فبقيت السيدة نرجس علیها السلام عندها طيلة تلك الفترة ، وهي قرابة الثلاث سنوات، حتى اشتهر بأنها جارية السيدة حكيمة رضی الله عنها، ويكون بذلك قد أخفي خبرها وخبر المولود الذي

ص: 10


1- کما فی روایة الصدوق و دلائل الإمامة و غیبة الطوسی علیهم الرحمة
2- کما فی روایة المسعودی رحمه الله
3- کما فی روایة الصدوق علیه الرحمة

سيولد منها عن عيون السلطة الحاكمة آنذاك ، الذين كانوا يتربصون الدوائر به، ويترصدون أنباءه ليل نهار،ويترقبون ولادته، يريدون القضاء عليه ، حتى يأتي اليوم المعهود ويزور الإمام العسكري علیه السلام عمته فيري تلك الجارية ويحد النظر إليها،ويخبر عمته عن ذلك السر المكنون في تلك الجارية،وما الآخر الله لها من الشرف العظيم؛لتكون أم المهدي المنقذ،بشارة الأنبياء،ويتم إرسالها إليه علیه السلام.

ولكن في الخبر الثاني،وهو خبر المسعودي ،أنها ولدت في دار السيدة حكيمة،وقد رواه عن الثقات من مشايخه، ولعلهم توهموا ذلك،أو لعلهم إنا نسبوها إلى السيدة حكيمة رضی الله عنها من جهة الخوف والتقية،والعلم عند الله تعالى.

وكيف كان،فسواءكانت جارية السيدة حكيمة - كما في خبر المسعودي والصدوق عن المطهري - أو كانت جارية مولانا الإمام الهادي علیه السلام واشتراها على الوصف الذي ورد في خبر بشر النخاس ، فإنها السيدة نرجس ٱم الحجة صاحب الأمر أروحنا له الفداء،فربما يكون هذا الاضطراب والتشویش نابعة من الظروف المعقدة التي أحاطت في تلك الحقبة بالبيت العلوي،والحصار الشائك الذي كان يحول دون اتصال الشيعة بإمام زمانهم، أضف إلى ذلك

ص: 11

اضطرار الإمام الهادي والعسكري علیهماالسلام في تلك الظروف إلى اللجوء إلى الكتمان ، واستعمال التقنية في أكثر الأحيان ، تفادية للأخطار التي كانت تحدق بهم وبشيعتهم ومواليهم،فلا غرابة إن اضطربت حينئذ بعض الأخبار المتعلقة بهم، والمنسوبة إليهم ، أو تضاربت فيما بينها، على أن خبر المسعودي هذا لم يرو عن أهل البيت ؛ إذ ليس مرویا عن أحد الإمامين الهادی والعسكري عليهماالسلام ،ولا عن السيدة حكيمة رضی الله عنهابخلاف الخبرين الأول المروي عن الإمام الهادي علیه السلام،والثالث المروي عن السيدة رضی الله عنها، فلا مانع من حمله على توهم الرواة، كما فعلنا آنفا،فراجع وربماعاضدنا ما في ذيل هذا الخبر من أن الإمام العسكري علیه السلام أمر عمته أن تستأذن أباه الإمام الهادي علیه السلام في دفعها إليه، مما يدل على أنها كانت ملكة للإمام الهادي علیه السلام.

في الخبر الأول أن الإمام الهادي علیه السلام زوجها ابنه العسكري علیه السلام وفی الثاني والثالث أن السيدة حكيمة رضی الله عنها أرسلته إلى الإمام العسكري علیه السلام،أي لم تكن زوجته ، فكيف التوفيق؟

لعل الإمام الهادي علیه السلام زوجها ابنه الإمام العسكري علیه السلام أول ما اشتراها،ثم أهداها إلى ٱخته السيدة حكيمة لتتكقل بتربيتها وتعليمها،وأخفي عليها ذلك،حتى يحين وقت الجمع بينها وبين

ص: 12

زوجها الإمام العسكري علیه السلام الإنجاز الوعد الإلهي.

ولعله لم يزوجها إياه في بدء وصولها،بل أهداها لٱخته حكيمة رضی الله عنها،وإنما زوجها ابنه العسكري علیه السلام بعد زيارته لعمته في دارها،وتحديق النظر إليها، وإخبار عمته عن السر الذي يكمن ورائها، وليس في الخبرين ما يعارض أحد هذين الاحتمالين .

ولكن يرد على هذا الاحتمال:

أولا:ما جاء في ذيل الخبر الأول،فقال لها أبو الحسن:«یا بنت رسول الله ،خذيها إلى منزلك، وعلميها الفرائض والسنن ، فإنها زوجة أبي محمد، وأم القائم علیه السلام».

وثانيا:ما في الخبر الثالث أن السيدة حكيمة تقول:«فزينتها،ووهبتها لأبي محمد عليه السلام»؛ إذ لو كانت زوجته علیه السلام،لم يكن معنی لأن تهبها عمته ایاه، ولو کانت جاریتها أو جاریة أخیها الإمام الهادی علیه السلام ولم تکن زوجة للإمام العسکری علیه السلام -کما فی الخبرین الثانی والثالث-فکیف نوفق بینه وبین ماذکرناه مما فی ذیل الخبر الأول؟!

وعلیه حينئذ فلا بد من طرح أحد الخبرين الثاني أو الأول،وبما أن الأول أوفق لما عليه المشهور، أولا من جهة ما اشتهر لدى الأعلام أن السيدة نرجس بنت ابن ملك الروم، وٱمها من

ص: 13

سلالة شمعون الصفا وصي المسيح على نبينا وآله وعليه السلام ، ولرواية جملة من الأصحاب له، ثانيا،بالإضافة إلى انفراد المسعودي في الرواية للخبر الثاني، ثالثا،لهذه الأسباب والقرائن الثلاث يمكن طرح الخبر الثاني؛ليبقی الأول والثالث،ولا تنافي بینها، فتكون السيدة نرجس رضی الله عنها زوجة الإمام العسكري علیه السلام كانت عند عمته السيدة حكيمة رضی الله عنها.

هذا إن اخترنا التمسك والأخذ بما اشتهر لدى الجمهور من الأعلام ، غير أن التحقيق يقتضي الإعراض عن الخبر الأول والأخذ بالثاني للقرائن التالية:

أولا:لموافقة الخبر الثاني للخبر الثالث من وجوه:

1- أن في كليهما تصريحا بكون السيدة نرجس جارية للسيدة حكيمة رضی الله عنهما.

2- أن في كلا الخبرين دخول الإمام العسكري علیه السلام على عمته السيدة حكيمة ، والنظر إلى جاريتها -السيدة نرجس -

3- أن في كلیهما طلب الإمام العسكری علیه السلام من عمته الاستئذان من أبيه الإمام الهادي علیه السلام لإرسالها إليه.

4- في كليهما أن السيدة حكيمة وهبت تلك الجارية إلى ابن أخيها لإمام العسكري علیه السلام.

ص: 14

ثانيا:رواية الصدوق أعلى الله مقامه للخبر الثالث مسندا، كما روى الأول مرسلا ، وإذ كان الثالث الذي رواه الصدوق رحمة الله و مسندا ، موافقا للخبر الأول الذي رواه المسعودي عن الثقات من مشايخه، ربما كان بالإمكان طرح الخبر الأول لاحتمال تعارضه للخبر الثالث والثاني من وجوه:

1- كونها زوجة للإمام العسكري علیه السلام في الأول،وموهوبة له من عمتهالسيدة حكيمة في الثاني والثالث.

2- کونها جارية للإمام الهادي علیه السلام في الأول،وجارية للسيدة حكيمة في الثاني والثالث.

ثالثا:أن ما في الخبرين الثاني والثالث من كتمان أمرها ، وعدم اطلاع أحد على سرها، وأنها من تكون ، ومن سيولد منها سوى الإمامين الهادي والعسكري علیهماالسلام، والسيدة حكيمة ليلة زفافها أوفق لما نحن بصدده،وأنسب لحالها وحال مولودها، خلافا للخبر الأول الصريح في معرفة بشر النخاس لتلك الحقيقة واطلاعه على ذلك السر فالكتمان والسرية المستفادة من الرواية الثانية والثالثة أنسب من المكاشفة،وإن كان الظاهر من ال بشر الناس كما هو صريح الحبر الأول وكونه من خواص الأصحاب يدفع هذا الاحتمال؛لجواز اطلاع الخواض على مثل هذه الأسرار

ص: 15

رابعا:ربما استفيد من الخبرين الثاني والثالث بمعاضدة القرينة التي ستأتي إن شاء الله تعالى، أن الله تعالى أطلع وليه الإمام العسكري ، وهكذا أباه الإمام الهادي علیهما السلام على اختياره للسيدة نرجس جارية السيدة حكيمة رضی الله عنها کی تكون ٱما للقائم صاحب الزمان صلوات الله عليه،قبل ذهاب الإمام العسكري علیه السلام إلى دار عمته،ولم يكن قبل ذلك قد أطلع وليه على هذه الحقيقة ، أو لم يكن قد اختارها قبل ذلك أصلا ، على نحو قوله تعالى :« يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»(1) فيكون الأمر أنسب لحال مولانا الحجة علیه السلام وشأنه ومقامه ، والقرينة في ذلك:أنا لا نشك في دخول الإمام العسكري علیه السلام دار عمته السيدة حكيمة قبل ذلك مرارا وتكرارا، وبناء على اختيارنا للروايتين الثانية والثالثة الصريحة بكون السيدة نرجس جارية للسيدة حكيمة ووجودها في دارها منذ أمد بعيد، ومعرفة الإمام علی السلام ورؤيته لها، فلم ينظر إليها ولم يحدق النظر إليها بتلك الحال ، ولو كان عالما باختيار الله تعالى لها، الصنع ما صنع قبل ذلك ، بل لو كان الله سبحانه وتعالى قد اختارها لذلك لأطلع وليه عليه ، ولصنع ما صنع من التحديق والنظر قبل

ص: 16


1- سورة الرعد : الآية 39

بني هاشم يومئذ، وتربيتها في دارها و في كنفها ، أوفق وأنسب الشأنها ؛ لوضوح حالها حينئذ منذ نشأتها حتى وقوع الاختيارعليها،وخروج القرعة لهذا المقام العظيم باسمها.

سادسا:أن ما في الخبرين الثاني والثالث أنسب لخفاء حالها وحال مولودها.

سابعا:خلو الخبرين الثاني والثالث من تلك القصة والتفاصيل التي لا حاجة إليها -كما في الخبر الأول - وإن لم تكن بعيدة فضلا عن استحالتها ، فما في الخبر الأول وإن لم يكن به بأس ولا يقدح فيه حالته القصصية ، غير أن الأخذ بما يخلو تماما من كل تلك الشوائب، واحتمال ورود الشبهة ممن لا حظ له من العلم والمعرفة أوفق ،وتقديمه على مايخالفه من هذه الجهة أنسب وأفضل.

ثامنا:أن ما جاء في الخبر الأول من حديث السيدة نرجس وما بثته من أسرار إلى بشر النخاس بتلك التفاصيل لا يناسب شأن السيدة نرجس رضی الله عنها،خلافا لما في الخبرين الأخيرين المصرحين بولادتها ونشأتها في بيت السيدة حكيمة ، الذي يناسب شأنها ومقامها تماما.

تاسعا: كما أن بعض ما في الخبر الأول من إخراجها لكتاب الإمام الهادي علیه السلام وهي تلثمه وتجعله على خدها وجفنها وتمسحه

ص: 17

ببدنها أمام رجل أجنبي كبشر - قد ينافي أيضا شأنها ومقامها،بخلاف ما في الخبرين الأخيرين،إلا إذا حملنا فعلها هذا على ٱمور:

1- إرسال رسالة إلى بشر وغيره وإلينا أنها كانت عالمة بحال صاحب الكتاب و مقامه ومؤمنة بإمامته من قبل أن يأتيها كتابه علیه السلام.

2-تعليم بشر وغيره أنه كيف يجب التعامل والتصرف حيال كتاب الإمام علیه السلام وما ينسب إليه وتعظيمه،فضلا عن الإمام ذاته علیه السلام.

3-أن نعرف فضلها ومقامها؛ذلك أن مقياس منازل التاس ومقاماتهم بمدى معرفتهم بمن منه الوجود،و من له الوجود، ومن إليه الوجود،ومن به الوجود،أعني الله تبارك وتعالى ونبته وإمامه.

عاشرا:بل ما في الخبر الأول من بیان تفاصيل حياتها قد لا يناسب مقامها،خلافا لما في ذينكما الخبرين،وبناء على اختيارهما فلا يبقى مجال لما سيأتي من وجوه الشبهة والإشكال التي أوردناها فيما مضى، وفيما يأتي إن شاء الله تعالى،وإن أجبنا عنها جميعا.

وأهم من ذلك كله ما يعترض الخبر الأول من ضعف السند الجهالة رواته، مما يقوي ما ذهبنا إليه من اختيار الخبرين الثاني والثالث ، والله العالم.

والحاصل:فالله تعالى أعلم بحقيقة الأمر، ونحن له مسلمون

ص: 18

غير أنا حيث استعرضنا تلك القرائن والوجوه فقلبنا يميل إلى الخبرين الثاني والثالث ، وإلى الحصيلة التالية، والنتائج الآتية المستفادة منها، خلافا لما عليه المشهور، والنتائج هي:

1- أن السيدة نرجس رضی الله عنها كانت جارية للسيدة حكيمة رضی الله عنها.

2- أنها ولدت في دار السيدة حكيمة ونشأت في حجرها.

3- أن الله تعالى أطلع ولیيه الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام على اختياره لها قبل ليلة زفافها .

4- أن الإمام العسكري علیه السلام بعدما اطلع على ذلك خرج إلى دار عمته السيدة حكيمة؛ ليخبرها بذلك؛إذ قد أينعت وحان وقت حصادها.

5- أن السيدة حكيمة رضی الله عنها إلا استأذنت أخاهاالإمام الهادي علیه السلام ، ثم زينتها وأرسلتها إلى الإمام العسكري صلوات الله عليه ؛ لأن عرسه علیه السلام بها كان في غاية الخفاء والسرية الظروف التقية.

6-ولم يثبت - بناء على الخبرين الثاني والثالث -أنها من سلالة شمعون وصي المسيح على نبينا وآله وعليه السلام، ولا أنها ابنة ابن الملك قيصر الروم، وإن لم يرد نفي لهذه المقولة ، فلا منافاة بين كونها بهذه الأوصاف ، وعلى تلك الأحوال من النسب والحسب ، وبين كونها جارية ولدت في دار السيدة حكيمة رضی الله عنها؛إذ لعل أمها

ص: 19

كانت على تلك الصفة،وقد ٱسرت، فاشترتها السيدة حكيمة ، وولدت السيدة نرجس

وكيف كان فالله ورسوله وأولياؤه أعلم بواقع الأمر ، وسواء أخذنا بالخبر الأول الذي عليه المشهور،أو أخذنا بالأخيرين،كما هو مختارنا ،فالنتيجة واحدة أن السيدة نرجس سلام الله عليها ٱم الإمام القائم صاحب الأمر والزمان عجل الله تعالی فرجه الشریف.

وبذا نكون قد أجبنا عن إشكال أو استفهام آخر، وهو وجه تحديق الإمام العسكري علیه السلام النظر إليها وهي جارية عمته؟فعلى الأول أنها كانت زوجته ، وعلى الثانية أنه علیه السلام جاء إلى دار عمته متعمدا يريد أن يطلب يدها ويتزوجها ، وقد أجمع المسلمون على جواز تحديق النظر إلى من يريد الرجل الزواج منها قبل أن يعقد عليها ، بل استحباب ذلك عندنا ، كما بيناه مفصلا في الحلقة الٱولى من كتابنا(الزواج بين سنن التكوين وسنن التشريع).

وحتى بناء على عدم قبول الاحتمالين ، فلربما يعود الأمر إلى أن السيدة حكيمة كانت قد أباحت لابن أخيها النظر إلى تلك الجارية من قبل،وبناء على احتمال بقائها في ملكية الإمام الهادي عليه السلام، وأن وجودها في دار السيدة حكيمة إنما جاء بغرض تعليمها وتربيتها لا إهدائه عليه السلام لتلك الجارية إليها، ولا نقل ملكيتها إلى ٱخته

ص: 20

فبناء على هذا الاحتمال، یرد احتمال إجازة الإمام الهادي عليه السلام النظر إلى تلك الجارية لابنه الإمام العسكري عليه السلام؛لجواز أن يهب المالك النظر إلى جاريته لمن شاء ، بل له أن يهب لمن شاء فرجها،وكيف كان فالإمام علیه السلام أدرى بتكليفه، وهو حجة الله، وفعله حجة علينا ، وإنما أوردنا كل تلك الاحتمالات لنبرهن أن لا تهافت في ما ورد من الأخبار.

لقد نسبت السيدة نرجس في الأخبار تارة إلى ملك الروم،وتارة إلى يشوعاء، وتارة إلى شمعون الصفا وصي السيد المسيح عليه السلام فكيف الجمع بينها؟

وجه الجمع بينها في غاية الوضوح،أنها مليكة بنت یشوعاء بن قیصر ملك الروم ، وأمها من ولد أحد الحواريين المنتهي نسبه إلى شمعون وصي سيدنا المسيح على نبينا وآله وعليه السلام، ولا يوجد أي منافاة بين تلك الأخبار.

ما الذي نستفيده من هذه الأخبار؟

نستفيد منها عدة ٱمور هامة هي كالتالي:

أولا:أن هذه السيدة جليلة القدر،عظيمة المنزلة، ومن أشرف لسلالات.

ثانيا:لهذا السبب جاء اختيارها لتكون وعاء يحمل أعظم ولي

ص: 21

من أولياء الله تعالى ، الذي يملأ الله به الأرض قسطا وعدلا،وليس هذا الشرف مما يناله كل أحد.

ثالثا:أنها كانت تنطق العربية الفصحى بطلاقة ،وهذا مما يسهل عليها كثيراالتعرف على حقيقة الإسلام وأحكامه.

رابعا:أنها عليها السلام كانت تختلف في سلوكها عن سائر الجاريات ، فليس من عادة الجارية أن تمتنع عن السفور والمكاشفة والملامسة عمن يريد شرائها فضلا عن يملكها، وليس من عادتهن اختیار مواليهن ومن يريد شرائهن

خامسا:أن زواج الإمام العسكري عليه السلام بالسيدة نرجس رضي الله عنها كان في حياة الإمام الهادي عليه السلام عام 254ه ،أو قبل ذلك عند أول قدومها.

سادسا:أن ولادة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه کانت بعد وفاة جده الإمام الهادي عليه السلام عام 255.

سابعا:أنه لا مانع أن يكون زواج الإمام العسكري عليه السلام من السيدة نرجس قد وقع في المنام بواسطة رسول الله صلي الله عليه وآله و سلم، وأن علقة الزوجية بينها تمت منذ تلك الرؤية ؛ إذ لرسول اللهصلی عليه و آله و سلم الولاية التامة على جميع الخلق في اليقظة والمنام، وفي حياته وبعد وفاته :

ص: 22

«النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِم»(1)، ولقوله صلی الله علیه و آله و سلم:«من رآني في منامه فقد رآني ،فإن الشيطان لا يتمثل بی»،(2)436أي من رآني في المنام فقد رآني في اليقظة ، أو كمن رآني في اليقظة ، فما أنطق به في المنام حجة كما لو نطقت به في اليقظة ، طبعا بعد التوكيد من أنه هو بعينه صلي الله علیه و آله و سلم.

نعم،أجمع أعلام الطائفة وعلمائها على عدم حجية المنامات،والظاهر أن عدم حجيتها يختص بالإخبار عن الأحكام الشرعية،أي ليست حجة في البرهنة والاستدلال على استنباط أو بيان حكم فقهي،ويعضد ما قلناه،ما روي عن الإمام العسكري علیه السلام لبعض أصحابه:« واعلم أن كلامنا في النوم مثل كلامنا في اليقظة» (3)

ولم يكتف الإمام الهادي علیه السلام بما جاء في منام السيدة نرجس حتى أجرى عقد الزواج والنكاح بين ابنه العسكري علیه السلام وأمته السيدة نرجس عليها السلام،عملا بسنة رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم.

وأما زيارة رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم والصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء علیها السلام للسيدة نرجس في المنام قبل إسلامها ، فما المانع منها؟وما المحذور

ص: 23


1- سوره الأحزاب الآیة 6
2- سوره الأحزاب الآیة 6.رسائل المرتضی2/12.الأمالی/الصدوق:121.وسائل الشیعه :10/
3- المناقب:3/534

الذي يترتب عليها؟بعد أن ثبت وجه الحكمة في هذه الزيارة وأهميتها، والغرض منها؛ذلك أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم كان يأتي المشركين والكفار في حياته الشريفة لأسباب عديدة، أهمها:الإبلاغ والدعوة إلى اعتناق الإسلام،وهدايتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور،فإذا كان ذلك سائغا،بل فرضا عليه صلی الله علیه و آله و سلم في اليقظة ، كان حضوره صلی الله علیه و آله و سلم مع الصديقة الطاهرة في المنام لهداية من شاء الله هدایته بذلك ، أمرا طبيعيا ممكنا لا يحول دون احتال وقوعه شيء، لا سيما إذا كان الأمر من قبيل ما نحن فيه.

ألا ترى تهافتا واضحا وتنافیا صریحا بين صدر الخبر الأول وذيله؟حيث ينص في أوله على أن الكتاب الذي جاء به بشر الناس إلى السيدة نرجس عند إرادة شرائها كان للإمام الهادي علیه السلام ،وأنه هو الذي كتبه، بينما دل في آخره أنه كان للإمام العسكري علیه السلام، فكيف التوفيق؟

وجدت هذه الشبهة في بعض الكتب، ولعله توهم المؤلف ذلك ، وليس الأمر كما توهم. نعم ، جاء في صدر هذا الخبر أن الإمام الهادي صلوات الله عليه : «کتب کتابا ملصقا بخط رومي ، ولغة رومية،وطبع عليه بخاته ، ثم دفعه إلى بشر الناس»، ثم دفعه إن بشرة لما أراد شرائها دفع الكتاب إلى بائعها ليدفعه إليها

ص: 24

حتى إذا نظرت في الكتاب : «بكت بكاء شديدا وقالت له : بعني من صاحب هذا الكتاب ...»، ولما أخذها بشر إلى داره: «أخرجت الكتاب وهي تلثمه ، وتطبقة على جفنها، وتضعه على خدها ، وتمسحه على بدنها»، حتى أثار ذلك حفيظة بشر الذي سألها : « تلثمين کتاب لا تعرفين صاحبه ؟»، فأخبرته عن معرفتها له خير معرفة ، فالكتاب للإمام الهادي عليه السلام ، وأما الظاهر من فعلها وقولهاالمفيد بأن الكتاب للإمام العسكري عليه السلام فيمكن الجمع بينهما بوجوه:

الأول: لأن ما يكتبه الإمام الهادي علیه السلام يصح نسبته إلى الإمام العسكري عليه السلام ، لا سيما إذا كان عما يخص الأخير.

الثاني:لاحتمال أن الإمام الهادي علیه السلام إنما كتب الكتاب باسم ولده العسکری صلوات الله عليه.

الثالث:لاحتمال أنه عليه السلام إنما شراها أو طلب شرائها في الكتاب لابنه العسكري عليه السلام.

الرابع:لاحتمال أنها علمت من مضمون الكتاب أن ابتياعها سيكون للإمام العسكري عليه السلام.

كيف ولماذا أخفى الله تعالى ولادة وله القائم المنتظر صلوات الله عليه؟

أما كيف؟فالأمر ليس بغريب على الله تعالى؛إذ تعلقت مشيئته

ص: 25

بولادة وليه في ظروف خارقة للقوانين الطبيعية بسبب ما تحيط بولادته من تحديات وصعوبات،وكان لا محيص دون تحقيق الإرادة الالهية بقانون المعجزات ،كما فعل الله تعالى بموسي عليه السلام الذي مرت ولادته بنفس هذه الظروف أو مشابهاتها،وقد أوردنا تفاصيل في مواضيع عديدة من هذا الكتاب وروايات عديدة تعلل ذلك.

هناك أربع روایات تخبر عن الكلام الذي نطق به مولانا الحجة صلوات الله عليه ، في إحداها أنه علیه السلام تلا قوله تعالی:«شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ» (1) وفي ٱخرى :أنه قال:«أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن جدي محمدا رسول الله ، وأن أبي أمير المؤمنين، ثم عدد إماما إمامة إلى أن بلغ إلى نفسه، ثم قال : اللهم أنجز لي ما وعدتني، وأتمم لي أمري وثبت وطأتی... الخ»، وفي رواية ثالثة:أنه تلا قوله تعالی:«وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ»(2) وفی رابعة انه علیه السلام قال:«الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله.

ص: 26


1- سوره آل عمران:الآیة18
2- وسوره القصص الآیة 5

الطاهرین، زعمت الظلمة أن حجة الله داحضة، ولو ٱذن لنا في الكلام لزال الشك».

أقول:أليس هذا تناقضاوتهافتا في ما تكلم ونطق به علیه السلام ؟

:كلا،ليس كما ظننت،بل الظاهر والله العالم - أنه علیه السلام قال کلاما واحدا يتضمن ما تقدم في الروايات الأربع، فكل مانقل إنما صدر منه علیه السلام في مجلس واحد لدى ولادته، غير أن الرواة قطعوه إربا إربافنقل كل واحد مقطعا من كلامه علیه السلام ، وهو مما يحدث كثيرا في النقل ، خصوصا إذا كان الراوي بصدد الاستشهاد بكلارم المعصوم في مطلب خاص و موضوع بعينه،إذ لا معنى حينئذ من الإتيان بتمام ما نطق به المعصوم صلوات الله عليه، ويكتفي بذكر موضع الشاهد لاغير.

وإن لم يمتنع من احتمال کونه علیه السلام تكلم في أكثر من موضع،فتكلم في كل مجلس بشيء مما نقل، وإن كان ينافي هذا الاحتمال تصريح بعضها أنه مما نطق به علیه السلام لحظة ولادته ، وعليه فيبق محصورا في الوجه الأول. كما يحتمل أيضا أنه علیه السلام تكلم بعد ولادته مباشرة بكلام،ثم أعقبه بكلام وهكذا، فكان الكل في مجلس واحد لكن مع شيء من الفصل والتعقيب،وقد تكلم عیسی علیه السلام في المهد ساعة ولادته

ص: 27

حينما استنطقه بنو إسرائيل:«قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا»(1)وقد ثبت بالأدلة القاطعة أن في المهدي علیه السلام خصلة من كل نبي من الأنبياء ، ليكون جامعا لأفضل خصال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وورث هذه الخصلة والمنقبة من السيد المسيح على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام.

ص: 28


1- سورة مریم: الآیة 30

الدرس الثاني: إمامة الإمام المهدي - 2

بسم الله الرحمن الرحیم

بعد أن قضى الإمام العسكري علیه السلام نحبه مسموما شهیدا دب الخلاف وظهر النزاع، واشتعل فتيل النزاع في تحديد الإمام الذي يليه،ومن يستخلفه من بعده،ولذلك أسباب عديدة أهمها:

1- عزل الإمام العسكري علیه السلام عن شيعته بفرض الحصار الشائك عليه والإقامة الجبرية في سجیش العساكر بين معسكرات الجيش العباسي ، والحيلولة بينه وبين اتصال شیعته به ووصولهم إليه ، حتى تفرقوا في البلاد دون ارتباطهم بإمام زمانهم علیه السلام ، مما کان له أثر بالغ في زعزعة عقائدهم في حياته وبعد وفاته علیه السلام.

2- خفاء ولادة الإمام المهدي صلوات الله عليه ، وصعوبة إبلاغ كل أحد من الشيعة بخبره وخبر ولادته ؛ لقساوة الظروف وملاحقة

ص: 29

النظام الحاكم، وتجسسه الذي يفوق الوصف والخيال، ومتابعته لكل إشارة تدل عليه أو على ولادته ، أسهم إسهاما فاعلا في ظهور تلك الخلافات والارتداد عن العقيدة الحقة.

3- التضليل الإعلامي الذي مارسه النظام بحنكة وتجربة ودراسة متأنية وأساليب خبيثة ، واستعانته بعلماء السوء والبلاط الحاكم وأبواق السلطان من أعداء الفضيلة وأهل البيت،حيث وجهوا كل طاقاتهم،ودفعوا بجميع قواهم للنيل من عقائد الإمامية، والتفريق بين صفوفهم بنسبة الخرافة إليهم،والسخرية من عقائدهم،مما أسفر عن كتان الشيعة لعقائدهم وانحراف جملة منهم.

4-الممارسات الوحشية وملاحقة الشيعة،والتضييق عليهم في ممارسة شعائرهم وعقائدهم، وحتى منعهم من إبراز هويتهم والتظاهر بتشيعهم طوال فترة حكم الأمويين والعباسيين - إلا ما خرج بالدليل،وهي فترات قصيرة جدا-لا سیما في عصر الإمامين العسكريين علیهماالسلام بالقمع والسجن والقتل والاغتيال والترهيب والتشريد والتعذيب،حالت دون اتصال الشيعة بإمام زمانهم، بل دون تعرفهم عليه(1)

ص: 30


1- ولا أبشع ولا أكذب وأبغض مما قرأته لبعض هؤلاء النواصب والحاقدين،حيث ٱنهم غدوا ينكرون مثل هذه الممارسات الوحشية والتضليل الإعلامي طيلة القرون المتمادية جملة وتفصيلا،بل تمادوا فيغيهم،وتولوا في أوحال بغيهم وضغائنهم حتی نسبوا ذلك إلى الشيعة،واتهموهم وافتروا عليهم أنهم مارسوا القتل والتشريد و الغيلة في حق العامة والجماعة بالاستغاثة بالسلاطين والاستعانة بأعداء الدين. والجواب لهؤلاء سهل للغاية،وشواهده القديمة والحديثة لكثرتها تنوء من حملها العصبة،ولا تسعها أوراق الأشجار ولا بياض مافي الصفحات على وجه الأرض.

5-ولعل أعظم مصيبة حلت بالشيعة تلك الفتنة التي خرجت من البيت الشيعي، وكانت أشد قساوة ووبالا على المذهب و معتنقيه،كما هو المعتاد،أن الجسد الواحد لا تفتت أوصاله،ولا تمزق أواصره ،ولا تنهك قواه،إلا إذا استفحل به المرض،وعصفت به الجرثومة من الداخل لتقضي على ما تمون به كريات الدم الحمراء من الحصانة،و تخرق حواجزها وحریم قدسيتها لتنال من صاحبها،و تخترق كل حرمة له، وتنتهك قدسيته،فتنال منه ومن صحته وتسلمه جثة هامدة إلى مغتسله ومثواه الأخير، أو تسوقه إلى غرف العلميات والانعاش.

فهي الفتنة التي أخبر عنها أئمة أهل البيت علیهم السلام قبل وقوعها

ص: 31

بزمن طويل،فقد قال مولانا الإمام الرضا صلوات الله عليه:«...لا بد من فتنة صماء صیلم،يسقط فيها كل وليجة وبطانة،وذلك بعد فقدان الشيعة الثالث من ولدي»(1)

من هنا جاءت الفتنة المدبرة المخطط لها مسبقا من قبل النظام الحاكم واندلعت أجيج نيرانها في داخل البيت الشيعي حينذاك لزعزعة عقائدهم والنيل من وحدتهم و تفریق شملهم إلى مجموعات و مذاهب متعددة مختلفة متنافرة متناحرة،من واقع الدهاليز السياسية القائلة:«فرق تسد»،والفلسفة الأرسطوئية الميكافلية القائلة:«الغاية تبرر الوسيلة»؛ذلك أنهم وجدوا في جعفر الكذاب أخ الإمام العسكري علیه السلام، وعم مولانا الحجة صلوات الله عليه ، وهو الفرع الخبيث المستثنى من تلك الشجرة الطيبة:«إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ»(2)وجدوا فيه أداة طيعة،وخير وسيلة تحقق أهدافهم لتفريق الجموع الشيعية،وتمزيق وحدة الصف الشيعي المجتمع على إمامة الحسن العسكري علیه السلام، بالتشكيك في الإمام من.

ص: 32


1- کتاب الغيبة/النعماني«:180.کمال الدين: 370.سفينة البحار :2/703.
2- سورة هود:الآیة 46

بعده،وادعائه الإمامة بعد أخيه الإمام العسكري علیه السلام، وهو يلاقي دعما وحماية من النظام الحاكم آنذاك، مما فسح المجال وعبد الطريق أمام كل النفعيين والانتهازيين وضعاف النفوس المتحنين للفرصة للتكشير عن أنيابهم،والتكالب على هذا المنصب الإلهي والمقام السماوي،حيث كثرت المزاعم،وازداد عدد الذين ادعوا الإمامة في الفترة ذاتها،فانقسموا إلى مذاهب شتى،ودب الخلاف فيهم حتى ظهرت أربع عشرة فرقة كما ذكر المؤرخون وجماعة من أعلام الطائفة(1)-وقد عدها المسعودي في تاريخه عشرين فرقة.(2)وإن بدأت تتلاشى بعد أن مات جعفر الكذاب عام 271ه.ق،وبفضل جهود الأصحاب وأعلام الطائفة وسعيهم الحثيث،لا سيما الذين كانوا قد نالوا شرف اللقاء بإمام عصرهم علیه السلام في دار أبيه الإمام العسكري علیه السلام،وبايعوه بمحضر من أبيه وامتثالا لأمره علیه السلام،وشهدوا بإمامته،فاضمحلت تلك الفرق والأحزاب رويدا رويدا حتى لم يبق لها أثر على أرض الواقع،ولا بقي لها وجود في الوسط الشيعي

ص: 33


1- فرق الشیعه/النوبختی:139.المقامات والفرق/عبدالله الأشعری:102
2- مروج الذهب 4/199بحارالأنوار 50/336.

كما صرح بذلك شيخ مشايخ الطائفة زعيمها بلا منازع في عصره الشيخ المفيد أعلى الله مقامه،الذي أسهم في كشف هذه الغمة،وكان له قصب السبق،والكأس الأوفي في نزع فتيل الخلاف و الشقاق والتفرقةوالنزاع،وإعادة المياه إلى مجاريها،وتطهير الجسد الشيعي،ووضع البلسم على تلك الجراح،حين تصدی هو والمخلصون من أمثاله الأعلام لإلحاق الهزيمة بأهل الباطل ،وإحقاق الحق،بالبيان والبنان المستندين إلى الدليل والبرهان،فتلاشت واضمحلت تلك المزاعم والدعاوى الجزافية الواهية،حتى قال أعلى الله مقامه في العليين عن تلك الحقبة الأليمة، والفترة العصيبة التي فارق فيها الإمام الحسن العسكري صلوات الله عليه الدنيا في الثامن من ربيع الثاني عام 260ه بمدينة سامراء:«فلما ذاع خبر وفاته صارت سر من رأي ضجة واحدة،عطلت الأسواق،وركب بنو هاشم والقواد وسائر الناس إلى جنازته،فكانت سر من رأى يومئذ كأنها قيامة،فلما فرغوا من تهيئته بعث السلطان إلى أبي عیسی ابن المتوكل يأمره بالصلاة عليه» (1)

وفي رواية الصدوق رحمة الله: ...فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن

ص: 34


1- الإرشاد:3/324.

علي علیه السلام على نعشه مكفنا، فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه،فلما هم بالتكبير خرج صبي...فجبذ برداء جعفر بن علي،وقال:«تأخر یا عم،فأنا أحق بالصلاة على أبي»،فتأخر جعفر وقد أربد وجهه واصفر...»(1)

ووجه الجمع بين مقولة الشيخ المفيد ورواية الصدوق عليهما الرحمة أن الصلاة ٱقيمت على إمامنا العسكري علیه السلام مرتين،مرة بإمامة مولاناالحجة عجل الله تعالى فرجه،في داره مع خاصة أصحابه،ومرة بإمامة أبي عیسی بن المتوكل بأمر الخليفة العباسي المقتدر في الملأ العام.

ولعل الحق أن نقول:أمر السلطان ابن المتوكل للصلاة عليه،وبعث ابن المتوكل جعفر الكذاب ليقيم الصلاة نيابة عنه،فلما أراد جعفر الصلاة، تقدم مولانا الحجة صلوات الله عليه نحاه ليقيم هو الصلاة على أبيه،وبذلك تكون صلاة الميت ٱقیمت على الإمام العسكري علیه السلام مرة واحدة من غير تكرار.

ويبدو أن القول بالتكرار أوجه وأنسب؛ذلك أن الظاهر من قول شيخنا المفيد أن هناك صلاة أقيمت على الإمام علیه السلام في ملأ من

ص: 35


1- کمال الذین:475

الناس خارج دار الإمام علیه السلام،ومن عادة السلاطين والحكام أن ينتهزوا مثل هذه المناسبات العظيمة لا سيما في تلك الأزمنة - ليحققوا بها مكاسب سياسية،ولم يكن للقواد وبني هاشم وعامة الناس أن يخرجوا في مثل هذه المناسبات،إلا أن يدعوهم السلطان إلى ذلك ، كما أن صلاة خاصة قبل هذه الصلاة العامة ٱقيمت في داره علیه السلام بالتأكيد حضرها جعفر الكذاب،وبعض الموالي والخواص من شيعة الإمام وأصحابه،أم المصلين فيها ابنه القائم أرواحنا فداه، وهي التي نطقت بها الأخبار والأقوال،كما في رواية شيخنا الصدوق الآنفة.

فانتقلت الإمامة بمون مولانا العسکری علیه السلام إلی اینه صاحب الأمر صلوات الله علیه،و هو فی الخامسة من عمره،بعد ما علمنا أن الله تعالی یجتبنی من یشاء من عباده،«وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ»(1)

كما أن التطبيقات والمصادیق والشواهد القرآنية صريحة في الوقوع،و تتجلى تلك الحقيقة في قصة يحيى على نبيناوآله وعليه السلام،قال تعالى:«يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ

ص: 36


1- سورة القصص:الآیة 68

صَبِيًّا (1)وهكذا في قصة سيدنا المسيح على نبينا وآله وعليه السلام.قال تعالى: «فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ۖ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا،قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا...»(2)على أن بعض أئمتنا الأطهار علیهم السلام أيضا تقلدوا الإمامة في الصبي ، كالإمام الجواد علیه السلام الذي تقلدها الإمامة في الثامنة،والإمام الهادي علیه السلام الذي تقلدها في العاشرة من عمره الشريف.

وبدأت الغيبة الصغرى منذ ذلك الحين،وسيأتي الكلام فيها بعدهذا الفصل إن شاء الله تعالى.

وقال الشيخ الصدوق رضی الله عنه:«وكل من سألنا من المخالفين عن القائم علیه السلام لم يخل من أن يكون قائلا بإمامة الأئمة الأحد عشر من آبائه علیهم السلام أو غير قائل بإمامتهم،فإن كان قائلا بإمامتهم لزمه القول بإمامة الإمام الثاني عشر النصوص الأئمة علیهم السلام عليه باسمه ونسبه وإجماع شيعتهم على القول بإمامته، وأنه القائم الذي يظهر بعد غيبة طويلة فيملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت جورا وظلما،وإن لم يكن السائل من القائلين بالأئمة الأحد عشر علیهم السلام لم يكن له

ص: 37


1- سورة مریم:الآیة 12.
2- سورة مریم الآیتان29و30

علينا جواب في القائم الثاني عشر من الأئمه علیهم السلام، وكان الكلام بيننا وبينه في إثبات إمامة آبائه الأئمة الأحد عشر علیهم السلام، وهكذا لو سألنا يهودي فقال لنا: لم صارت الظهر أربعا والعصر أربعا ،والعتمة أربعا،والغداة ركعتين والمغرب ثلاثا؟ لم يكن له علينا في ذلك جواب،بل لنا أن نقول له:

إنك منكر لنبوة النبي الذي أتى بهذه الصلوات وعدد ركعاتها،فكلمنا في نبوته وإثباتها، فإن بطلت بطلت هذه الصلوات وسقط السؤال عنها،وإن ثبتت نبوته صلی الله علیه وآله لزمك الإقرار بفرض هذه الصلوات على عدد ركعاتها لحصة مجيئها عنه واجتماع أمته عليها، عرفت علتها أم لم تعرفها ، وهكذا الجواب لمن سأل عن القائم علیه السلام في حذو النعل بالنعل»(1)

ثم أعقب قائلا:«و مما سأل عنه جهال المعاندين للحق أن قالوا:أخبرونا عن الإمام في هذا الوقت يدعي الإمامة أم لا يدعيها، ونحن نصير إليه فنسأله عن معالم الدين، فإن كان يجيبنا ويدعي الإمامة علمنا أنه الإمام،وإن كان لا يدعي الإمامة ولا يجيبنا إذا صرنا إليه فهو ومن ليس بإمام سواء

ص: 38


1- کمال الدین/الشیخ الصدوق:45.

فقيل لهم:قد دل على إمام زماننا الصادق الذي قبله ولیست به حاجة إلى أن يدعي هو أنه إمام إلا أن يقول ذلك على سبيل الإذكاروالتأكيد ،فأما على سبيل الدعوى التي تحتاج إلى برهان فلا؛لأن الصادق الذي قبله قد نص عليه وبين أمره وكفاه مؤونة الادعاء،والقول في ذلك نظير قولنا في علي بن أبي طالب علیه السلام في نص النبي صلی الله علیه و آله وسلم واستغنائه عن أن يدعي هو لنفسه أنه إمام ، فأما إجابته إياكم عن معالم الدين فإن جئتموه مسترشدین متعلمين عارفين بموضعه ،مقرين بإمامته عرفكم وعلمكم، وإن جئتموه أعداء له ، مرصدين بالسعاية إلى أعدائه ، منطوين على مكروهه عند أعداء الحق، متعرفين مستور أمور الدين لتذيعوه لم يجبكم؛لأنه يخاف على نفسه منكم ، فمن لم يقنعه هذا الجواب قلبنا عليه السؤال في النبي صلی الله علیه و آله و سلم وهو في الغار أن لو أراد الناس أن يسألوه عن معالم الدين هل كانوا يلقونه ويصلون إليه أم لا ، فإن كانوا يصلون إليه فقد بطل أن يكون استتاره في الغار،وإن كانوا لا يصلون إليه،فسواء وجوده في العالم وعدمه على علتكم.

فإن قلتم:إن النبي صلی الله علیه و آله و سلم كان متوقيا،قيل:وكذلك الإمام علیه السلام في هذا الوقت متوق.

فإن قلتم:إن النبي صلی الله علیه وآله و سلم بعد ذلك قد ظهر ودعا إلى نفسه.

ص: 39

قلنا:وما في ذلك من الفرق أليس قد كان نبيا قبل أن يخرج من الغار؟!ويظهر وهو في الغار مستتر ولم ينقض ذلك نبؤته،وكذلك الإمام يكون إماما وإن كان يستتر بإمامته من يخافه على نفسه،ويقال لهم:ما تقولون في أفاضل أصحاب محمد صلی الله علیه وآله و سلم؟والمتقدم في الصدق منهم لو لقيتهم كتيبة المشركين يطلبون نفس النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، فلم يعرفوه فسألوهم عنه هل هو هذا؟وهو بين أيديهم،أو كيف أخفي؟وأين هو؟ فقالوا:ليس نعرف موضعه،أو ليس هو هذا ؟ هل كانوا في ذلك كاذبين مذمومين غير صادقین ولامحمودين أم لا؟ فإن قلتم:كاذبين خرجتم من دين الإسلام بتكذيبكم أصحاب النبي صلی الله علیه وآله وسلم،وإن قلتم:لا يكون ذلك كذلك لأنهم يكونون قد حرفوا كلامهم وأضمروا معنى أخرجهم من الكذب ، وإن كان ظاهره ظاهر كذب،فلا يكونون مذمومين بل محمودين؛لأنهم دفعوا عن نفس النبي صلی الله علیه و آله و سلم القتل.

قيل لهم:وكذلك الإمام إذا قال: لست بإمام، ولم يجب أعداءه عما يسألونه عنه لا يزيل ذلك إمامته ؛ لأنه خائف على نفسه ، وإن أبطل جحده لأعدائه أنه إمام في حال الخوف إمامته ، أبطل على أصحاب النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يكونوا صادقين في إجابتهم المشركين بخلاف ما علموه عند الخوف ،وإن لم يزل ذلك صدق الصحابة لم يزل أيضا

ص: 40

ستر الإمام نفسه إمامته،ولا فرق في ذلك،ولو أن رجلا مسلما وقع في أيدي الکفار وكانوا يقتلون المسلمين إذا ظفروا بهم فسألوه هل أنت مسلم ؟ فقال : لا ، لم يكن ذلك بمخرج له من الإسلام ، فكذلك الإمام إذا جحد عند أعدائه ومن يخافه على نفسه أنه إمام لم يخرجه ذلك من الامامة.

فإن قالوا : إن المسلم لم يجعل في العالم ليعلم الناس ويقيم الحدود، فلذلك افترق حکماهما ووجب أن لايسترالإمام نفسه.

قيل لهم:لم نقل إن الإمام يستر نفسه عن جميع الناس؛ لأن الله عز وجل قد نصبه وعرف الخلق مكانه بقول الصادق الذي قبله فيه ونصبه له، وإنماقلنا:إن الإمام لا یقر عند أعدائه بذلك خوفا منهم أن يقتلوه،فأما أن يكون مستورا عن جميع الخلائق فلا؛ لأن الناس جميعا لو سألوا عن إمام الإمامية من هو؟ لقالوا: فلان ابن فلان مشهور عند جميع الأمة،وإنما تكلمنا في أنه هل يقر عند أعدائه أم لا يقر ،وعارضناكم باستتار النبی صلی الله علیه و آله و سلم في الغار،وهو مبعوث معه المعجزات،وقد أتى بشرع مبتدع،و نسخ كل شرع قبله ، وأريناكم أنه إذا خاف كان له أن يجحد عند أعدائه أنه إمام،ولا يجيبهم إذا سألوه، ولا يخرجه ذلك من أن يكون إماما،ولا فرق في ذلك.

ص: 41

فإن قالوا:فإذا جوزتهم للإمام أن يجحد إمامته أعداءه عند الخوف فهل يجوز للنبي صلی الله علیه و آله أن يجحد نبوته عند الخوف من أعدائه ؟قيل لهم:قد فرق قوم من أهل الحق بين النبي صلی الله علیه و آله وبين الإمام ، بأن قالوا:إن النبي صلی الله علیه وآله هو الداعي إلى رسالته والمبين للناس ذلك بنفسه ، فإذاجحد ذلك وأنكره للتقية بطلت الحجة ، ولم يكن أحد يبين عنه ، والإمام قد قام له النبي صلی الله علیه و آله بحجته ، وأبان أمره ، فإذا سكت أو جحد كان النبي قد كفاه ذلك.

وليس هذا جوابنا،ولكنا نقول:إن حكم النبي صلی الله علیه و آله وسلم حكم الإمام سیان في التقية إذا كان قد صدع بأمر الله عز وجل،وبلغ رسالته ، وأقام المعجزات، فأما قبل ذلك فلا ، وقد محى النبی صلی الله علیه و آله و سلم اسمه من الصحيفة في صلح الحديبية حين أنكر سهيل بن عمرو ، وحفص بن الأحنف نبؤته ، فقال لعلي:امحه واكتب:هذا ماصالح عليه محمد بن عبدالله ، فلم يضر ذلك نبوته إذا كانت الأعلام في البراهين قد قامت له بذلك من قبل، وقد قبل الله عز وجل عذر عمار حين حمله المشركون على سب رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وأرادوا قتله فسبه، فلما رجع إلى النبيصلی االه علیه وآله وسلم، قال:قد أفلح الوجه ياعمار ، قال: ما أفلح وقد سببتك يا رسول الله ، فقال علیه السلام:أليس قلبك مطمئنا بالإيمان ؟ قال :بلى يا رسول الله،فأنزل الله تبارك وتعالى:

ص: 42

«إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ»(1)

والقول في ذلك ينافي الشريعة من إجازة ذلك في وقت وحظره في وقت آخر، وإذا جاز للإمام أن يجحد إمامته ويستر أمره جاز أن يستر شخصه متى أوجبت الحكمة غيبته ، وإذا جاز أن يغيب يوما لعلة موجبة جاز سنة ، وإذا جاز سنة ، جاز مائة سنة ، وإذا جاز مائة سنة جاز أكثر من ذلك إلى الوقت الذي توجب الحكمة ظهوره كما أوجبت غيبته ، ولا قوة إلا بالله ، ونحن نقول في ذلك : إن الإمام لا يأتي جميع ما يأتيه من اختفاء وظهور وغيرهما إلا بعهد معهود إليه من رسول الله صلی الله علیه و آله، كماقد ورد به الأخبار عن أئمتنا علیهم السلام:

حدثنا محمد بن موسی بن المتوكل رضی الله عنه،قال: حدثنا علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد السلام بن صالح الهروي ، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا ، عن أبيه، عن آبائه،عن علي علیهم السلام، قال:قال النبي صلی الله علیه و آله و سلم:

« والذي بعثني بالحق بشيرا ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه مني حتى يقول أكثر الناس : ما الله في آل محمد حاجة ، ويشك

ص: 43


1- سوره النحل:الٱیه 106

آخرون في ولادته،فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه،ولا يجعل للشيطان إليه سبيلا بشکه ، فيزيله عن ملتي ، ويخرجه من دیني ، فقد أخرج أبويكم من الجنة من قبل، وإن الله عز وجل جعل الشياطين أولياء للذين لايؤمنون (1)

ص: 44


1- کمال الذین:48_51.

الدرس الثالث: علماء السنة والمهدي عليه السلام-1

بسم الله الرحمن الرحیم

تلخص مما تقدم في الحلقة الٱولی من هذا الكتاب أن معرفة شخص المهدي بعينه صلوات الله عليه ، حسبا ونسبا، يعد القدر المتيقن الذي يجب الاعتقاد به ، وهو الحجر الأساس الذي تدور عليه رحی کافة ما يتعلق ببحوث کتابنا هذا الذي بين يديك ، ولا معنى للبحث عن المهدي عجل الله تعالى فرجه سوى التوصل إلى هذه الحقيقة واعتناق هذه العقيدة بأنه :

أولا : من هذه الٱمة ، فلا يلتفت إلى ما يزعمه بعض العامة وما يروونه بطريق الآحاد أنه عیسی بن مريم علیهما السلام،وأنه ثانية من أهل بيت النبوة ، فلا يصغي لمارواه بعض العامة - بطريق الآحاد - أنه من ولد العباس بن عبدالمطلب زاعمين أن أباه عبدالله؛

ص: 45

القوله صلی الله علیه و آله و سلم فی الخبر المفترى على رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم:«اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي »،وقد فتدناه في محله(1)

كما لا مستند ولا دليل يعتمد عليه لما ادعاه وذهب إليه بعض من لا أثر له في الوجود في عصرنا هذا من شراذم العصور الغابرة والأزمنة القديمة من أنه من ولد محمد بن الحنفية (ابن علي أمير المؤمنين علیه السلام ، فلا يعتني بذلك كله؛ لأنه من ولد علي وفاطمة صلوات الله عليها، ثم إنه من ولد الحسن والحسين كما في الروايات الصحيحة ، لكن لا كما فهم القوم وذهب إليه جماعة غير قليلة ، بل هو من ذرية الحسين ، ومن صلب الحسن ، أعني أنه من صلب أبي محمد الحسن العسكري صلوات الله عليها، وإذا أمكن الجمع بين الروايات فلا معنى لطرح بعضها أو تأويل بعضها الآخر، والقوم من أصحابنا إنما طرحوا روایات ابن الحسن وأعرضوا عنهالحملهم الحسن على الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه ، وتوهمهم ذلك ، وأما بعد تصحيح المراد منه فلا مجال لطرح شيء منها.

ولقد وافقنا في أن المهدي صلوات الله عليه من هذه السلالة الطاهرة ، ومن هذه الشجرة العلوية الفاطمية،والدوحة الهاشمية

ص: 46


1- راجع الحلقة الٱولی من هذا السلسة(شبهات وردود)235

وأنه ابن الإمام الحسن العسكري،وأنه مولود عام 255ه. ق، فهو حي موجود غائب عن الأبصار ، وافقنا في هذه العقيدة جمع غفير من علماء العامة يربو عددهم على ثمانين عالما سنیا،وهم على النحو التالي:

1_كمال الدين بن طلحة الشافعي.

2_محمد بن يوسف الكنجي الشافعي .

3- ابن الصباغ المالكي .

4- سبط ابن الجوزي .

5- محيي الدين بن عربي .

6-الشيخ عبد الوهاب الشعراني

7- الشيخ حسن العراقي.

8- الشيخ علي الخواص.

9-الشيخ عبدالرحمن الجامي.

10-الحافظ محمد البخاري .

11-ابن أبي الفوارس الرازي

12-الشيخ عبد الحق الدهلوي.

13-السيد جمال الدین المحدث.

14-الحافظ أحمد البلاذري.

ص: 47

15-ابن الخشاب البغدادي

16-ملك العلماء الدولت آبادي .

17-الشيخ علي المتقي الهندي .

18-ابن روزبهان الشيرازي.

19-الناصر لدين الله العباسي.

20-الشيخ سليمان القندوزي.

21 - الشيخ أحمد الجامي .

22 - صلاح الدين الصفدي .

23 - الشيخ عبدالرحمن البسطامی .

24 -الشيخ علي أكبر المؤودي

25- الشيخ عبدالرحمن (صاحب مرآة الأسرار).

26-الشيخ قطب مدار.

27-الشيخ جواد الساباطي.

28-الشيخ سعد الدين الحموي .

29-الشيخ عامر البصري .

30-الشيخ صدرالدین القونوي.

31-الشيخ جلال الدين الرومي.

32-الشيخ العطار النيسابوري.

ص: 48

33-الشيخ شمس الدين التبريزي.

34-الشيخ نعمة الله ولي.

35-السيد النسيمي.

36-السيد علي الهمداني.

37-الشيخ عبدالله المطيري.

38-السيد سراج الدين الرفاعي.

39-الشيخ محمد الصبان المصري.

40-رشيد الدين الدهلوي.

41-الشيخ ولي الله الدهلوي

42-الحافظ عبدالرحمن السيوطي الشافعي.

43-الحافظ شمس الدين ابن الجزري الشافعي.

44-الحافظ محمد بن مسعود البغوي.

45-شهاب الدین ابن حجر المكي.

46-الشيخ محمد بدرالدين الرومي الحنفي.

47-السيد مؤمن الشبلنجي.

48-الحافظ أبو بكر البيهقي.

49-المؤرخ ابن الأزرق.

50-الشيخ عمر بن الوردي.

ص: 49

51-الشيخ علي القاري الهندي.

52-الحسين بن معین الدین الميبدي.

53-ابن خلكان الشافعي(المؤرخ).

54-القرماني(المؤرخ).

55-الزرندي(صاحب نظم درر السمطين).

56-الشيخ يوسف بن يحيى بن علي الشافعي .

57-الشيخ حسن العدوي الحمزاوي.

58-الشيخ شمس الدین ابن طولون.

59-أبو عبدالله زين الكافي.

60-الشيخ حسن العجيمي.

61-الحافظ جمال الدین الباهلي.

62-الشيخ محمد الحجازي الواعظ.

63-الحافظ أبو نعيم رضوان العقبي.

64-الإمام جمال الدین محمد بن محمد الجمال.

65-الشيخ إسماعيل بن مظفر الشيرازي.

66-الشيخ عبدالسلام بن أبي الربيع الحنفي.

67-الشيخ أبو بكر عبدالله بن شابور القلانسي.

68-الحافظ محب الدين ابن النجار.

ص: 50

69-علي بن الحسين المسعودي (المؤرخ).

70-یحیی بن سلامة الحصكفي

71-ابن الأثير الجزري (المؤرخ).

72-أبو الفداء الأيوبي( المؤرخ).

73-علاء الدين السمناني.

74-أبو الوليد محمد بن شحنة الحنفي (المؤرخ).

75-محمد خواند أمير (صاحب روضة الصفا).

76-خواند أمير(صاحب حبيب السير).

77-الحسين بن محمد الدياربكري ( المؤرخ).

78-الشيخ ابن العماد الحنبلي.

79-الشيخ عبدالله بن محمد الشبراوي.

80-الشيخ عبدالعزيز الدهلوي.

81-الشيخ عبدالكريم اليماني.

82-القاضي بهلول بهجت أفندي.

هلم معي نجوب بين كلماتهم، ونتصفح كتبهم ، ونتأمل في أقوالهم کشفا عن الحقيقة ، وإزاحة للحجاب عن وجه المشرق بشمس الضحی.

قال المحدث المحقق النوري قدس الله روحه:«نعم،بين أهل

ص: 51

السنة والإمامية خلاف معروف في موضعين:الأول:أنه حسني أو حسيني ؟».

ذهب إلى الأول من أهل السنة وجماعة أخرى منهم،وكافة الإمامية ذهبوا إلى الثاني، وأوضحوا فساد القول الأول بما لا مزيد عليه ، وبسط القول فيه الحافظ الكنجي الشافعي في كتاب (البيان) من أراده راجعه.

والثاني:أنه ولد وغاب ثم يظهر في وقت أراد الله تعالى إنفاذ أمره، أو أنه ما ولد وسيولد من بعد ويظهر ويملأ الأرض قسطا وعدلا...؟

ذهب إلى الأول کافةالإمامية ، وعينوا شخصه ، وأنه الحجة بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسی بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن أبي طالب علیهم السلام، وأنه المهدي الموعود،ولد ثم غاب بأمر الله تعالى مدة ، كان يصل إليه نوابه وبعض خواصه، ثم غاب غيبته الكبرى ، فلا يظهر إلا في وقت يؤمر بالخروج وتطهير الأرض عن أرجاس الكافرين والملحدين حيث كانوا في مشارق الأرض ومغاربها، وأثبتوا ذلك بالنصوص عن جده النبي صلی الله علیه و آله و سلم ، وعن كل واحد من آبائه الذين أقوالهم عندهم حجة ، خصوصا في مثل هذا المقام المقترنة أقوالهم فيه بالإخبار عما يأتي ، فكان الأمر

ص: 52

كما قالوا بالمعجزات،وقد وافقهم على هذا القول جماعة من أعيان علماء المذاهب الأربعة ، بل رووا نصوصا ومعاجز ، وتصدوا لدفع شبهات ربما تورد في المقام».

ثم شرع بذكر أسماء هؤلاء ، وأورد أقوالهم من مصادرها ، وقدم في ذلك بحثا وافيا، فجزاه الله عن الحجة صلوات الله عليه ، وعن شيعته ، خير، وقد حققت ذلك ثم لخصته هنا لما تترتب عليه من الفوائد الجسيمة ولمناسبة المقام.

1- أبو سالم كمال الدين محمد بن طلحة بن محمد بن الحسن القرشي النصيبي.

ماذا قال عنه أهل الجرح والتعديل ؟

أ- تقي الدين أحمد بن قاضي شهبة ، المعروف بابن جماعة الدمشقي الأسدي في طبقات فقهاء الشافعية أنه:«كان أحد الصدور والرؤساء المعظمين»(1)

ب-قال عبد الغفار بن إبراهيم العكي الشافعي:«إنه أحد العلماءالمشهورين» (2)

ج-ذکره و بالغ في مدحه جمال الدین عبدالرحيم حسن بن علي

ص: 53


1- کشف الأستار
2- کشف الأستار

الأسنوي الشافعي في طبقات فقهاء الشافعية.(1)

قال هذا العالم الجليل في كتابه مطالب السؤول:«الباب الثاني عشر في أبي القاسم محمد ابن الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدین ، بن الحسين الزكي بن علي المرتضى أمير المؤمنين بن أبي طالب،المهدي الحجة الحلف الصالح المنتظر علیهم السلام ورحمته وبرکاته».

ثم أورد قصيدة تظمت فيه صلوات الله علیه مطلعها:

فهذا الخلف الحجة قد أیده الله***هدانا منهج الحق و آتاه سجایاه

وأما کون الکتاب المذكور من مؤلفاته فهو من الوضوح بمكان لم يقدر ابن تيمية على إنكاره مع إنكاره جملة من الأحاديث المستفيضة المشهورة ، فصرح في كتابه (منهاج السنة) بأنه له. (2)

2-الحافظ أبو عبدالله محمد بن يوسف بن محمد القرشي الكنجي الشافعي(المتوفى سنة 658ه).

قال عنه أهل الجرح والتعديل:

ص: 54


1- کشف الأستار
2- کشف الأستار

أ.عبر عنه ابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة بقوله:

«الإمام الحافظ».

ب-وقال البارع الخبير الكاتب الچلبي في كشف الظنون:

« البيان في أخبار صاحب الزمان للشيخ أبي عبدالله محمد بن يوسف الكنجي ، المتوفى سنة 858ه»(1)

وقال أيضا:«كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب للشيخ الحافظ أبي عبدالله محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي...»(2)

ج . وقال أبو المواهب عبد الوهاب الشعراني في اللواقح في ترجمة السيوطي: «وكان الحافظ ابن حجر يقول : الشروط التي إذا اجتمعت في الإنسان سمي حافظة: الشهرة بالطلب ، والأخذ من أفواه الرجال ، والمعرفة بالجرح والتعدیل لطبقات الرواة ومراتبهم ،وتميز الصحيح من السقيم حتى يكون ما يستحضره من ذلك أكثر مما لا يستحضره ، مع استحفاظ الكثير من المتون ، فهذه الشروط من جمعها فهو حافظ»(3)انتهى،ومنه يعلم جلالة قدر الكنجي.

ص: 55


1- کشف الظنون:1/263.
2- کشف الظنون: 2/1497.
3- خلاصة عبقات الأنوار8/217

قال في الباب الثامن من الأبواب التي ألحقها بأبواب الفضائل من كتابه الكفاية-بعد ذكر الأمة من ولد أمير االمؤمنين علیه السلام - ما لفظه:«وخلف-يعني علي الهادي طلا - من الولد أبا محمد الحسن ابنه...»،ثم قال:« ابنه،وهو الإمام المنتظر ونختم الكتاب بذكره مفردا» (1) انتهی.(2)

وكتابه البيان في أخبارصاحب الزمان مشتمل على بابا، والباب الأخير منه في الدلالة على جواز بقاء المهدي منذ غيبته ، وذكر فيه مطالب مهمة جدا، منها قوله:«ولا امتناع في بقائه كبقاء عیسی بن مريم والخضر وإلياس من أولياء الله تعالى،وبقاء الأعور الدجال ، وإبليس اللعين من أعداء الله، وهؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنة» (3)

3-الشيخ نور الدين علي بن محمد بن الصباغ المالكي، الذي ذكروه في التراجم بكل وصف جمیل:

أ-فقال شمس الدین محمد بن عبدالرحمن السخاوي المصري

ص: 56


1- جاء ذلك في آخر کتاب المناقب.
2- الصراط المستقیم: 2/219.
3- كتاب الأربعين /الماحوزي: 218.

تلميذ الحافظ ابن حجر العسقلاني فيكتابه الضوء اللامع في أحوال القرن التاسع : « علي بن محمد بن أحمد بن عبدالله نورالدين الأسفاتي، الغزي الأصل ، المكي المالكي ، ويعرف بابن الصباغ،ولد في العشر الأول من ذي الحجة سنة أربع وثمانين وسبعباءة بمكة ونشأ بها ، فحفظ القرآن والرسالة في الفقه و...» (1)

ب - وذكره أيضا أحمد بن عبدالقادر العجيلي الشافعي في ذخيرة المال في مسألة الخنثی (2)

ج-وقال عنه إسماعيل باشاباشا العبر فیمن سفه النظر ، والفصول المهمة في معرفة الأئمة وفضلهم ومعرفة أولادهم ونسلهم» .(3)

قال في الفصول المهمة: الفصل الثاني عشر في ذكر أبي القاسم الحجة الخلف الصالح ابن أبي محمد الحسن الخالص ، وهو الإمام الثاني عشر ، وتاريخ ولادته ، ودلائل إمامته ، وذكر طرف من أخباره وغيبته ، ومدة قيام دولته، وذكر نسبه وكنيته ولقبه، وغير ذلك.

وقال في ذيل ترجمة والد الحجة صلوات الله عليه:«وخلف

ص: 57


1- الضوء اللامع:5/283.
2- کشف الأستار
3- هديةالعارفين:1/732

أبو محمد الحسن رضی الله عنه في من الولد ابنه الحجة القائم المنتظر لدولة الحق، وكان قد أخفي مولده وستر أمره لصعوبة الوقت وخوف السلطان وتطلبه للشيعة وحبسهم والقبض عليهم»(1)

4-الفقيه الواعظ شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزاغلي بن عبدالله البغدادي الحنفي سبط العالم الواعظ أبي الفرج عبدالرحمن بن الجوزي.

أ- قال سبطه ابن خلكان في ترجمته: «وكان سبطه شمس الدين أبو المظفر يوسف بن قزاغلي الواعظ المشهور الحنفي المذهب ، وله صیت وسمعة في مجالس وعظه وقبوله عند الملوك وغيرهم ...». (2)

ب.وقال محمود بن سلیمان الكفوي في أعلام الأخبار- بعدذکر نسبه وولادته-:

« وتفقه وبرع وسمع من جده لٱمه، وكان حنبليا في صغره التربية جدة ...»إلى أن قال: «وكان إماما عالما فقيها جيدا نبيها يلتقط الدرر من كلمه ، ويتناثر الجوهر من حكمه»(3)،وبالغ

ص: 58


1- کشف الأستار
2- خلاصة عبقات الأنوار 9/203 .كشف الأستار.
3- خلاصة عبقات الأنوار :9/204.كشف الأستار

في مدحه(1)

ج - وذكره اليافعي في المرآة ، وابن شحنة في روضة الناظر ، و تاج الدين في كفاية المتطلع ، وغيرهم.

قال في آخر كتابه الموسوم بتذكرة خواص الٱمة - بعد ترجمة العسكري علیه السلام - :«ذكر أولاده:منهم محمد الإمام ، فصل هو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا بن موسی بن جعفر ، بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وكنيته أبو عبدالله ، وأبو القاسم ، وهو الخلف الحجة صاحب الزمان القائم والمنتظر والتالي ، وهو آخر الأئمة علیهم السلام ...»، فأورد روایات بهذا الشأن ثم قال:«ويقال له ذو الاسمين ، قالوا:ٱمه ٱم ولد يقال لها صقيل ».(2)

ه-الشيخ الأكبر محيي الدين أبو عبدالله محمد بن علي بن (3)

ص: 59


1- معجم المطبوعات العربیة:1/68.
2- ذكر إلياس سرکسين في معجم المطبوعات1/68، وأيضا ذكر الزركاني في الأعلام :8/248 ، وأيضا جاء في البداية والنهاية / ابن کثیر : 13/226.
3- کشف الأستار.

عربي الحاتم الطائي الأندلسي (1)

قال عنه الشعراني في لواقح الأخبار ما لفظه: «هو الشيخ الإمام المحقق رأس أجلاء العارفين والمقربين ، صاحب الإشارات الملكوتية ، والنفحات القدسية ، والأنفاس الروحانية ، والفتح الموقق ، والكشف المشرق ، والبصائر الخارقة،والحقائق الزاهرة...» (2)، وبالغ في مدحه والثناء عليه ، وذكر مقاماته.وقد أوردنا جملة من كلامه ، واستشهدناه بها في الحلقة الأولى.

6- الشيخ العارف الخبير أبو المواهب عبدالوهاب بن أحمد بن على الشعراني،(3) له کتاب الیواقیت ، وهو شرح المغلقات الفتوحات المكية ، ذكر فيه المهدي صلوات الله عليه بشخصه وعينه و تفاصيل ٱخری عنه(4)

ص: 60


1- البداية والنهاية: 13/182.
2- کشف الأستار
3- معجم المؤلفين :6/218 ، وأخذ الشعراني علمه من السيوطي وعلي الخواص، من علماء الباطن ، وسلك طريق التصوف بعد علوم الشريعة ، وكان يكثر من الصوم، ولا يكتسي إلا ثياب بالية ، توفي سنة 983ه ( الكني والألقاب:2/364).
4- في كتابه الیواقیت والجواهر: 2/128، في المبحث الخامس

هذا المؤلف العظيم الشأن...»

د-وقال الشيخ محمد البرهمتوشي: «وبعد، فقد وقف العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن محمد البرهمتوشي الحنفي على اليواقيت والجواهر في عقائد الأكابر لسيدنا ومولانا الإمام العالم العامل المحقق المدقق الفهامة ، خاتمة المحققين ، وارث علوم الأنبياء والمرسلين ، شیخ الحقيقة والشريعة ...» وبالغ جدا في مدحه وبيان فضائله وكمالاته.قال في المبحث الخامس والستين من جملة ما قال: «قال الشيخ تقي الدين بن أبي منصور في عقيدته ...» إلى أن قال:« فهناك يترقب خروج المهدي علیه السلام ، وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري علیه السلام، ومولده علیه السلام ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ، وهو بات إلى أن يجتمع بعیسی بن مريم علیه السلام، فيكون عمره إلى وقتنا هذاوهو سنة ثمان وخمسين وسبعماءة - تسعماءة سنة وست سنين ، هكذاأخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كوم الريش المطل على بركة رطلي بمصر المحروسة عن الإمام المهدي علیه السلام حين اجتمع به، ووافقه على ذلك شيخنا سيدي علي الخواص رحمهما الله تعالى (1)

ص: 61


1- ينابيع المودة لذوي القربی:3/345

الدرس الرابع: علماء السنة والمهدي عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحیم

7-الشيخ حسن العراقي المذكور آنفا.

قال الشيخ عبدالوهاب الشعراني في الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخبار في الجزء الثاني من النسخة المطبوعة بمصر سنة 1305ه. ق: «ومنهم الشيخ العارف بالله تعالی سید حسن العراقي رحمه الله تعالى ...» إلى أن قال:«ترددت إليه مع سيدي أبي العباس المريئي ، وقال:ٱريد أن أحكي لك حكايتي من مبتدأ أمري إلى وقتي هذا، كأنك كنت رفيقي من الصغر ، فقلت له:نعم ، فقال: كنت شابا من دمشق ، وكنت صانعا، وكنا نجتمع يوم الجمعة على اللهو واللعب والخمر، فجاء لي التنبيه من الله تعالى يوما:ألهذا خلقت؟ فتركت ماهم

ص: 62

فيه وهربت منهم،فتبعوا ورائي فلم يدركوني ، فدخلت جامع بني ٱمیه فوجدت شخصا يتكلم على الكرسي في شأن المهدي علیه السلام، فاشتقت إلى لقائه ، فصرت لا أسجد سجدة إلا وسألت الله تعالى أن يجمعني عليه ، فبينما أنا ليلة بعد صلاة المغرب أصلي صلاة الشتة إذا بشخص جلس خلفي على كتفي وقال لي : قد استجاب الله دعاءك يا ولدي ، مالك ، أنا المهدي ، فقلت : تذهب معي إلى الدار ؟ فقال : نعم ، وذهب معي ، فقال لي: أخل لي مکانا أنفرد فيه ، فأخليت له مکانا، فأقام عندي سبعة أيام بلياليها...» إلى أن قال: «وسألت المهدي عن عمره؟فقال:يا ولدي ، عمري الآن ستماءة سنةوعشرون سنة، ولي عنه الآن ماءة سنة،فقلت: ذلك لسيدي علي الخواص، فوافقه على عمر المهدي رضی الله عنه»(1)

8-الشيخ العارف على الخواص.

مدحه الشعراني كثيرا،وأثنى عليه طويلا في طبقاته المسماة باللواقح،وذكر شرحا طويلا في كراماته ومقاماته وحالاته.

وقد عرفت تصريع الشعراني في اليواقيت وفي الطبقات بأنه

ص: 63


1- مجموعة الرسائل/ الشيخ لطف الله الصافي: 2/213

صدق الحسن العراقي فيما أخبره به من عمر المهدي علیه السلام،على ما نقله عنه.(1)

9- نورالدین عبدالرحمن بن أحمد بن قوام الدين الدشتي الجامي الحنفي،الشاعر المعروف ، صاحب شرح الكافية الدائر في أيدي المشتغلين بطلب العلم.(2)

أ- قال محمود بن سلیمان الكفوي في أعلام الأخیار من فقهاء مذهب النعمان المختار: «الشيخ العارف بالله، والمتوجه بالكلية إلى الله،دليل الطريقة،ترجمان الحقيقة ...»،ومدحه مدحا طويلا.

وله من المؤلفات کتاب شواهد النبوة.

ب-قال الحلبي في كشف الظنون: «شواهد النبوة فارسي لمولانا

نور الدين عبدالرحمن بن أحمد الجامي...الخ»(3)

ج.وقال العالم العلامة القاضي حسين الدياربكري في أول كتابه الموسوم بتاريخ الخميس:«هذه مجموعة من سيرة سيد المرسلين

ص: 64


1- جاء ذلك في كتاب العهود المحمدية /عبدالوهاب الشعراني
2- الشيخ نور الدين المولود(817ھ)، والمتوفی (898ھ)،له:دیوان جامي ، وشواهد النبوة،وشرح الكافية.
3- کشف الظنون / حاجي خليفة:2/1066

وشمائل خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وأصحابه أجمعين، انتخبها من الكتب المعتبرة ،وهي التفسير الكبير والكشاف...» إلى أن قال:«و شواهد النبوة ...الخ.(1)

وفي هذا الكتاب جعل الحجة بن الحسن علیهم السلام الإمام الثاني عشر ، وذكر غرائب حالات ولادته وبعض معاجزه، وأنه الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا،وروى عن حكيمة عمة أبي محمد الزكي علیه السلام قصة ولادة المهدي صلوات الله عليه ، وروي عن آخر قصة خروج الإمام أبي محمد العسكري علیه السلام حاملا الإمام المهدي علیه السلام وهو ابن ثلاث سنين.

كما روى حكاية بعض من رآه في دار أبيه الإمام أبي محمد العسكري علیه السلام ، وروى حكايات ٱخری عن لقائه صلوات الله علیه.(2)

10-الحافظ محمد بن محمد بن محمود البخاری، المعروف خواجه پارسا ، من أعيان علماء الحنفية وأكابر مشايخ النقشبندية .

أ- قال عنه الكفوي في أعلام الأخبار:«قرأ على علماء عصره،وکان مقدماعلى أقرانه في دهره، وحصل الفروع والأصول،وبرع في المعقول والمنقول،وكان شابا،ثم ذكر سلسلة مشايخه في

ص: 65


1- کشف الأستار
2- کشف الأستار

العلوم ،وأنهاها إلى الإمام الأعظم أبي حنيفة ...الخ»(1)

ب-ومن مؤلفات عبدالرحمن الجامي الآنف الذكر،شرح کلمات خواجه پارسا،فقال في كتابه فصل الخطاب:«وهو کتاب معروف. قال في كشف الظنون:فصل الخطاب في المحاضرات للحافظ الزاهد محمد بن محمد الحافظي من أولاد عبیدالله نقشبندي...الخ» (2)

فقال ما لفظه:«ولما زعم أبو عبدالله جعفر بن أبي الحسن علي الهادي رضی الله عنه أنه لا ولد لأخيه أبي محمد الحسن العسكري رضی الله عنه، وادعى أن أخاه الحسن العسكري رضی الله عنه جعل الإمامة فيه شي الكذاب، وهو معروف بذلك ، والعقب من ولد جعفر بن علي هذا في علي بن جعفر ،وعقب على هذا في ثلاثة:عبدالله وجعفر وإسماعيل» (3)

«وأبو محمد الحسن العسكري ولده م ح م د رضی الله عنهما عند خاصة خواص أصحابه،و ثقات أهله. ثم ذكر قصة حكيمة أخت الإمام علي الهادي صلوات الله عليه عمة أبي محمد الحسن

ص: 66


1- خلاصة عبقات الأنوار: 4/74.
2- کشف الظنون 2/126.
3- خاتمة المستدرك: 4/487

العسكري صلوات الله عليه، وأورد حكاية ولادة الإمام الحجةصلوات الله وسلامه عليه»(1)

ذكر في حاشية الكتاب كلاما طويلا في تضعیف ما نقله في المتن من حديث منسوب إلى ابن مسعود من أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم قال عن المهدي علیه السلام:« يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي » ، كما تطرق أيضا في الكتاب إلى كلام مفصل عن المهدي صلوات الله عليه ،ودولته،وعلامات ظهوره، وأنصاره، وصلاة عیسی خلفه ، وغيره من الأخبار (2).

11-الحافظ أبو الفتح محمد بن أبي الفوارس.

أ-ذكره الذهبي في دول الإسلام وأنه مات سنة 412ه.

ب - وكذلك جاء ذكره في كامل ابن الأثير في حوادث السنة ذاتها.

ج_وقد وصفه السيد نعمان الآلوسي زاده في بعض مکاتیبه المطبوع مع كتابه الموسوم بجلاء العينين بقوله:«عالم الملوك ، وملك العلماء ، ومرجع الغني والصعلوك ، و مستند الفضلاء ، وارث علوم السلف الصالح، وناشر لواء الحق من كل قول راجح ، کشاف غوامض التأويل ...الخ»، وبالغ في وصفه والثناء عليه.(3)

ص: 67


1- کشف الأستار
2- کشف الأستار
3- کشف الأستار

د-قال عنه الخطیب:«كان ذا حفظ ومعرفة وأمانة وثقة،مشهورا بالصلاح ...»(1)

قال في أول أربعینه: «أخرج الرجال الثقات من قول النبي: من حفظ من أمتي أربعين حديثا کنت له شفيعا ثم نسب إلى محمد بن إدريس الشافعي _إمام الشافعية - أنه قال : هي مناقب أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ونسب إلى أحمد بن حنبل – إمام الحنابلة - تأییدا قاطعا لمقولة الشافعي هذه ، إلى أن قال:الحديث الرابع، وذكر سلسلةالسند،وفيها الأئمة من الرضا إلى مولاناأمير المؤمنين علي عليه وعليهم الصلاة والسلام،وأنه قال:«قال لي أخي رسول الله صلی الله علیه و آله:من أحب أن يلقى الله عزوجل وهو مقبل عليه،غير معرض عنه،فليوال عليا علیه السلام...»، وعدد الأئمة واحدا واحدا إلى أن قال:«ومن أحب أن يلقى الله عز وجل وقد كمل إيمانه ، حسن إسلامه ، فلیوال ابنه صاحب الزمان المهدي ، فهؤلاء مصابيح الدجى ، وأئمة الهدى ، وأعلام التقى ، فمن أحبهم وتولاهم كنت ضامنا له على الله الجنة»،انتهی.(2)

ص: 68


1- تاریخ بغداد:1/370. سؤالات مزة:32، في مقدمة المحقق.
2- عبقات الأنوار: 12/253و254

ولولا اعتقاده بصحة الخبر ومضمونه لما أودعه في أربعينه.

12-أبو المجد عبدالحق الدهلوي البخاري (المتوئی 1052ه)(1)

العارف ، المحدث ،الفقيه، صاحب التصانيف الشائعة الكثيرة.

أ- قال العالم المعاصر الصدیق حسن خان الهندي في كتابه أمجد العلوم ، المطبوع سنة 1295ه:« الشيخ عبد الحق الدهلوي وهو المتضلع من الكمال السوري والمعنوي ، رزق الشهرة قسطا جزيلا،وأثبت المؤرخون ذكره إجمالا وتفصيلا، حفظ القرآن، وجلس على مسند الإفادة وهو ابن اثنتين وعشرين سنة ... الخ»،وزاد في وصفه هناك.

ب - وذكره الشيخ عبد القادر البدایوني المعاصر له في منتخب التواريخ وبالغ في مدحه، وذكر فضائله. وكذا مؤلف منتخب اللباب المطبوع في كلكتا. وكذا السيد الممجد حسان الهند المولى غلام علي آزاد البلكرامي في مآثر الكرام في كلام طويل.وبالغ في

ص: 69


1- الغدیر1/140،وجاء في كتاب (هدية العارفين )/ إسماعيل باشا البغدادي: 503: « عبدالحق الدهلوي المحدث الحنفي ، بلغت تصانيفه مائة مجلد ، منها : أخبار الأخبار ، زبدة الآثار في أخبار قطب الأخيار

الإطراء عليه أيضا في سبحة المرجان.

قال الصدیق حسن خان في أبجد العلوم : «السید غلام علي آزاد ابن السيدنوح ، الحسيني نسبا ، الواسطي حسبا ، البلكرامي مولدا و منشئا، والحنفي مذهبا، الجشی طريقة ، والملقب بحسان الهند ، وذكر شرحا طويلا في ترجمته ، إلى أن قال : وله مصنفات جليلة ممتعة مقبولة ، منها: ضوء الدراري شرح صحيح البخاري ،وعد منها سبحة المرجان وهو في آثار هندوستان ومآثر الكرام تاریخ بلکرام... الخ».

ومن مؤلفاته جذب القلوب إلى ديار المحبوب ، وهو تأريخ المدينة الطيبة . فقال في رسالة له في المناقب وأحوال الأئمة الأطهار عليهم السلام وهي مذكورة في فهرست مؤلفاته وأشار إليها في کتاب تحصيل الكمال على ما نقله عنه بعض الثقات الأعلام من المعاصرين رحمة الله، فقال فيه بعد ذكر أمير المؤمنين والحسنين والسجاد والباقر والصادق علیهم السلام : وهؤلاء من أئمة أهل البيت ، وقع لهم ذكر في الكتاب ، إلى أن قال : ولقد تشرفنا بذكرهم جميعا في رسالة منفردة ... إلى آخره ، فقال في تلك الرسالة :

« وأبو محمد الحسن العسكري ولده م ح م د رضی الله عنهما معلوم عند خواص أصحابه وثقاته»، ثم نقل قصة الولادة بالفارسية

ص: 70

على طبق ما مر عن فصل الخطاب للخواجة محمد پارسا.(1)

13-السيد جمال الدین عطاء الله ابن السيد غیاث الدین فضل الله ابن السيد عبدالرحمن الشيرازي، المحدث المعروف ، صاحب کتاب روضة الأحباب الدائر بين ٱولي الألباب ، الذي عده القاضي حسين الدياربكري في أول تاريخ الخميس من الكتب المعتمدة، وفي كشف الظنون: «روضة الأحباب في سيرةالنبي والأصحاب » ، فارسي، لجلال الدین عطاء الله بن فضل الله الشيرازي النيسابوري ، المتوفى سنة ألف في مجلدين ... الخ»(2)

فإنه ذكر الإمام الثاني عشر صلوات الله عليه وتأريخ ولادته ومكانها ، واسم أمه ، كما ذكر السرداب الشريف ، وكلاما طويلا عنه علیه السلام باللغة الفارسية ، إليك نص كلامه:

«کلام در بیان امام دوازدهم م ح م د ابن الحسن علیهما السلام،تولد همایون آن در درج ولایت و جوهر معدن هدایت به قول اکثر اهل روایت در منتصف شعبان سنه دویست و پنجاه در سامره اتفاق افتاد، و گفته شده در بیست و سیم از شهر رمضان دویست

ص: 71


1- ينابيع المودة لذي القربي/ القندوزي :3/304.
2- هدية العارفين 1/664.معجم المؤلفين|عمر كحالة: 6/385

و پنجاه و هشت.و ما در آن عالی گهر ٱم ولد بود،و مسماة بصیقل یا سوسن ، وقيل:نرجس و قیل حکیمه.وآن امام ذوى الاحترام در کنیت و نام با حضرت خير الأنام عليه و آله تحف الصلاة والسلام موافقت دارد، ومهدی منتظر و الخلف الصالح و صاحب الزمان در القاب او منتظم است... الخ»(1)

أقول:وهذه الكلمات صريحة جدا في موافقة عقيدته بالإمام المهدي علیه السلام لعقائد الإمامية.

14 - الحافظ أبو محمد أحمد بن إبراهيم بن هاشم الطوسي البلاذری - بفتح الباء الموحدة وبعدها الألف وضم الذال وفي آخرها الراء- وهذه النسبة إلى البلاذر.

أ- قال السمعاني في الأنساب الكبير:«المشهور بهذا الانتساب أبو محمد أحمد بن إبراهيم بن هاشم المذكور الطوسي البلاذري الحافظ من أهل طوس ، كان حافظ،فها، عارفا بالحديث ، سمع بطوس... الح»،حتى قال:

«وأبو محمد البلاذري الواعظ الطوسي كان واحد عصره في الحفظ والوعظ،ومن أحسن الناس عشرة،وأكثرهم فائدة ،وكان يكثر

ص: 72


1- کشف الأستار

المقام بنيسابور...»،إلى أن قال:«وكان أبو علي المحافظ ومشايخنا يحضرون مجالسه ، ويفرحون بما يذكره على الملأ من الأسانيد ، ولم أرهم غمزوه قط في إسناد أو اسم أو حديث ، وكتب بمكة عن إمام أهل البيت علیهم السلام أبي محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسی الرضا علیهم السلام»(1)

ب-وذكره أبو الوليد الفقيه قائلا:«كان أبو محمد البلاذري يسمع كتاب الجهاد من محمد بن محمد بن إسحاق،وأمه عليلة بطوس ...»(2)،إلى أن قال: «قال الحاكم: استشهد بالطاهران سنة 339ه. فقال علامة عصره الشاه ولي الله الدهلوي -والد عبدالعزيز المعروف بشاه صاحب التحفة الاثنا عشرية في الرد على الإمامية - الذي وصفه ولده بقوله:خاتم العارفين، وقاصم المخالفين ، سید المحدثين ، وسند المتكلمين ، حجة الله على العالمين ...الخ.

ج- في كتاب النزهة أن الوالد روي في كتاب المسلسلات المشهور بالفضل المبين: «قلت شافهني ابن عقلة بإجازة جميع ما يجوز له روايته ووجدت في مسلسلاته حديثا مسلسلا بانفراد كل راو من رواته بصفة عظيمة تفرد بها.

ص: 73


1- الأنساب /السمعاني:1/423
2- الأنساب /السمعاني:1/423

قال رحمة الله:«أخبرني فريد عصره الشيخ حسن بن علي العجمي...فأورد رواية مسلسلة»، إلى أن قال:«ثنا محمد بن الحسن بن علي المحجوب ، إمام عصره ، ثنا الحسن بن علي ، عن أبيه، عن جده ، عن أبي جده علي بن موسى الرضا علیهم السلام ، ثنا موسى الكاظم ، قال ثنا أبي جعفر الصادق ، ثنا محمد الباقر بن علي، ثنا أبي علي بن الحسين زين العابدين السجاد ، ثنا أبي الحسين سيد الشهداء، ثنا أبي علي بن أبي طالب علیهم السلام سيد الأولياء ، قال: أخبرنا سيد الأنبياء محمد بن عبدالله صلی الله علیه و آله و سلم قال :أخبرني سيدالملائكة جبرئيل، قال:قال الله تعالی سید السادات»(1)وهي الرواية المعروفة عندنا بحديث السلسلة الذهبية.

د-وقال الشاه ولي الله المذكور أيضا في رسالة النوادر من حديث سيد الأوائل والأواخر ما لفظه:«حديث م ح م د بن الحسن الذي يعتقد الشيعة أنه المهدي عن آبائه الكرام ، وجدت في مسلسلات الشيخ محمد بن عقلة المكي عن الحسن العجيمي(ح)أخبرنا أبو طاهر أقوى أهل عصره سندا إجازة لجميع ما تصح له روايته،قال:أخبرنا فريد عصره الشيخ حسن بن علي العجيمي...

ص: 74


1- الجواهر السنية/ الحرالعاملي:147

إلى آخر ما تقدم باختلاف يسير في تقديم بعض الألقاب وتأخيره على الأسلمي. وعن السيوطي في رسالة التدريب ، قال:وذكر في شرح النخبة أن المسلسل بالحفاظ مما يفيد العلم القطعي ...الخ.

وقد عرفت ما ذكره السمعاني في حق البلاذري فلا موقع لما ذكره الجزري.

أقول:وروايته حديث السلسلة الذهبية عن الإمام الحجة صلوات الله عليه دليل بين على اعتقاده بولادته وحياته.

ص: 75

الدرس الخامس: علماء السنة والمهدي عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحیم

15-الشيخ العالم الأديب الأوحد حجة الإسلام أبو محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن الخشاب ،المذكور في تاريخ ابن خلکان.

أ- قال ابن خلكان بعد ترجمته له«المعروف بابن الخشاب البغدادي العالم المشهور في الأدب والنحو والتفسير والحديث والنسب والفرائض والحساب وحفظ القرآن العزيز بالقراءات الكثيرة ، وكان متضلعا من العلوم ، وله فيها اليد الطولى ..الخ»(1)

ب-وقال عنه اليان سركيس: «... بن الخشاب البغدادي

ص: 76


1- کشف الأستار

اللغوي النحوي المحدث الإمام أبو محمد...الخ.»(1)

ج_وکذا ذكره السيوطي في طبقات النحاة ، وبالغ في الثناء عليه في كتابه في تواريخ مواليد الأئمة ووفياتهم علیهم السلام ، وهو كتاب صغير معروف ينقل عنه ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة ، وعلي بن عيسى الأربلي الموثق المعتمد عند أهل السنة في كتابه الموسوم بکشف الغمة ، روی حدیث مسندة عن الرضا عنه أنه قال:« الخلف الصالح من ولد أبي محمد الحسن بن علي، وهو صاحب الزمان ، وهو المهدي»(2)

وروى حديثا آخر عن الإمام جعفر بن محمد الصادق علیهماالسلام:«الخلف الصالح من ولدي هو المهدي م ح م د ، وكنيته أبو القاسم يخرج في آخر الزمان يقال لأمه صیقل »(3)

وقال:«وفي رواية ٱخرى:بل ٱمه حكيمة ، وفي رواية ٱخرى ثالثة يقال لها نرجس،ويقال:بل سوسن،والله أعلم بذلك.

ص: 77


1- معجم المطبوعات العربية : 2/2026.
2- تاریخ مواليد الأئمة ( المجموعة ) / ابن الخشاب البغداد:44.بحار الأنوار:51/43.کشف الغمة :3/375.
3- ينابيع المودة لذوي القربي /القندوزي :3/392. کشف الغمة / الإربلي: 3/375. بحار الأنوار:51/24

يكنى بأبي القاسم ، وهو ذو الاسمين ، خلف م ح م د يظهر في آخر الزمان على رأسه غمامة تظله من الشمس ، تدور معه حيث ما دار، تنادي بصوت فصيح: هذا هو المهدي»(1)

16- شهاب الدین بن شمس الدين بن عمر الهندي المعروف ملك العلاء ، صاحب التفسير الموسوم بالبحر المواج. قال في سبحة المرجان: مولانا القاضي شهاب الدین بن شمس الدين بن عمر الزاولي الدولت آبادي ، ولدالقاضي بدولة آباد دهلي، وتلمذ على القاضي عبدالمقتدر الدهلوي ، ومولانا خواجكي الدهلوي ، ففاق أقرانه ، وسبق إخوانه ، وكان القاضي عبدالمقتدر يقول في حقه: يأتيني من الطلبة من جلده علم ولحمه علم وعظمه الحم... إلى أن ذكر هجرته إلى جورنفور ، ولقبه سلطانه بملك العلماء... وأطال في الثناء عليه. (2)

قال في كتاب المناقب - الموسوم بهداية السعداء -: «يقول أهل السنة أن خلافة الخلفاءالأربعة ثابت بالنص، كذا في عقيدة الحافظیه.

ص: 78


1- بحار الأنوار: 51/24.ينابيع المودة لذوي القربی :3/392 . مستدرك سفينة النجاة :8/20
2- معجم المطبوعات العربية/إليان سرکیس: 1/190.

قال النبی صلی الله علیه واله خلافتی ثلاثون سنة و قد تمت بعلی وکذلک خلافة الائمة الاثنی عشر ، اولهم : الامام علی کرم الله وجهه ، وفی خلافته ورد حدیث الخلافة ثلاثون سنة والثانی : الشاه حسن رضی الله عنه قال صلی الله علیه واله : هذا ابنی سید سیصلح بین المسلمین ، الثالث : الشاه حسین رضی الله عنه قال صلی الله علیه واله : ابنی سید ستقتله الباغیة و تسعة من ولد الشاه حسین رضی الله عنه ، قال صلی الله علیه واله : بعد الحسین بن علی کانوا من ابناءه تسعة ائمة آخرهم القائم علیهم السلام » (1).

و روی حدیث اللوح المعروف عن جابر بن عبدالله الانصاری.

ثم تکلم عن سبب ترک الامام زین العابدین صلوات الله علیه للخلافة و عدم المطالبة بها بکلام طویل ثم ذکر الائمة التسعة من ولد الحسین علیه السلام واحدا واحدا ، الی ان قال :« والتاسع الامام حجة الله القائم الامام المهدی ابنه ، وهو غائب ، وله عمر طویل ، کما بین المومنین عیسی والیاس وخضر ، وفی الکافرین الدجال والسامری ... الخ » (2).

17- الشیخ العالم المحدث علی المتقی بن حسام الدین بن القاضی عبدالملک بن قاضی خان القرشی ، من کبار العلماء ،

ص: 79


1- کشف الاستار.
2- کشف الاستار.

و قد مدحوه فی التراجم و و صفوه بکل جمیل .

أ-قال الشیخ عبدالقادر ابن الشیخ عبدالله فی النور السافر هم أخبار القرن العاشر:«فی لیلة الثلاثاء وقت السحر توفی العالم الصالح الولی الشهید العارف بالله تعالی علی المتقی...إلی أن قالب:وکان من العلماء العاملین و عبادالله الصالحین علی جانب عظیم من الورع و التقوی و الاجتهاد فی العبادة و رقص السوی ،و له مصنفات عدیدة.وذکر شرحا فی ریاضتة فی الأکل و النوم و عزلته عن الماس...إلی أن قال:و مؤلفاته کثیرة نحو مائه مؤلف ما بین صغیر و کبیر و محاسنه جمة و مناقبه ضخمة،و قد أفردها العلامة عبدالقادر بن أحمد الفاکهی،فی تألیف لطیف سماه القول النقی فی منتقل المتقی، و نقل (1)عنه فال:مااجتمع به أحد من العارفين أو العلماء العاملين إلا أثنوا عليه ثناء بليغا كشيخنا تاج العارفين أبي الحسن العسكري ، وشيخنا الفقيه العارف الزاهد الوجيه العمودي وشيخنا إمام الحرمين الشهاب ابن حجر الشافعي، وصاحبنا فقيه مصر شمس الدين الرملي الأنصاري، وشيخنا فصیح علماء عصره شمس البكري ،ولكل من هؤلاء الجلة عندي ما دل على كمال مدحه شيخنا المتقي بحسن

ص: 80


1- الغدیر 1/135.کشف الأستار.

استقامته...الخ».(1)

ب- وذكره الشعراني في الواقع الأخيار بالثناء والتجليل.

ج - وبالغ في مدحه أيضأ محمد طاهر الكجراتي في خطبة كتابه مجمع البحار.

د- وذكره حسان الهندي غلام علی آزاد في سبحة المرجان ،وأطال الكلام فيه ، وقال: وكان الشيخ ابن حجر صاحب الصواعق المحرقة ٱستاذا للمتقي، وفي الآخر تلمذ على المتقي ولبس الخرقة منه... الخ.

ه-وذكره أيضا الشيخ عبدالحق ابن سيف الدين الدهلوي البخاري،وأثنى عليه ثناءا بليغا.

ومن مؤلفاته المعروفة كنز العمال ، وتبويب جامع الصغير للسيوطي على أبواب الفقه،ورتب جامع الجوامع أيضا ... الخ.(2)

قال في المرقاة شرح المشكاة بعد ذکر حدیث اثني عشرية الخلفاء،قلت:وقد حمل الشيعة الاثني عشرية على أنهم من أهل النبوة متوالية ، أعم من أن لهم خلافة حقيقية يعني ظاهرا ، أو استحقاقا،فأولهم علي...،وذكرالأئمة إلى القائم صلوات الله عليهم أجمعين،

ص: 81


1- کشف الأستار
2- کشف الأستار

ثم قال:على ما ذكرهم زبدة الأولياء خواجه محمد پارسا في كتاب فصل الخطاب مفضلة، وتبعه مولانا نور الدين عبد الرحمن الجامي في أواخر شواهد النبوة،وذكرا فضائلهم ، ومناقبهم وكراماتهم مجملة ، وفيه رد على الروافض ، حيث يظنون بأهل الشتة أنهم يبغضون أهل البيت باعتقادهم الفاسد،ووهمهم الكاسد، انتهی.(1)

وقال أيضا في كتابه:البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: عن أبي عبدالله الحسين بن علي علیهما السلام،قال:«لصاحب هذاالأمر -يعني المهدي - غيبتان إحداهما تطول حتى يقول بعضهم:مات،وبعضهم:ذهب ،لا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره، إلا المولى الذي يلي أمره»(2)

وأورد رواية ٱخرى في الإمام المهدي صلوات الله عليه عن الإمام الباقر علیه السلام.

18-العالم المعروف أبو الخير فضل الله بن أبي محمد روزبهان بن محمد بن فضل الله بن محمد بن إسماعيل بن علي،الأنصاري أصلا وتبارا،الخنجي محتدا، الشيرازي مولدا،

ص: 82


1- کشف الأستار
2- الغنية / الشيخ الطوسي:161.بحار الأنوار:52/152و53/32

الأصبهاني دارا،المدني موتا وإقبارا، على ما في مقدمة شرح الشمائل وقد اشتهر بفضل بن روزبهان،شارح الشمائل للترمذي.

وهو الذي تصدى للرد على كتاب نهج الحق للعلامة الحلي حسن بن يوسف بن المطهر،وسماه:« إبطال الباطل»،الذي برز القاضي الشهيد التستري نور الله مضجعه بنقضه بكتاب سماه إحقاق الحق.

قال بعد قول العلامة أعلى الله مقامه الشريف:المطلب الثاني في زوجته وأولاده علیه السلام: كانت فاطمة سيدة نساء العالمين علیها السلام زوجته ، وبعد أن ساق بعض فضائلها وفضائل الأئمة من ولدها عليها علیهم السلام، أقول:«والقول للفضل بن رزوبهان»:ما ذكر من فضائل فاطمة صلوات الله على أبيها وعليها وعلى سائر آل محمد والسلام ، أمر لا ينكر ، فإن الإنكار على البحر برحمته، وعلي البر بسعته،وعلى الشمس بنورها،وعلى الأنوار بظهورها، وعلى السحاب بجوده،وعلى الملك بسجوده،إنكار لا يزيد المنكر إلا الاستهزاء به،ومن هو قادر على أن ينكر جماعة هم أهل السداد ، وخزان معدن النبوة ، وحفاظ آداب الفتوة صلوات الله وسلامه عليهم،ونعم ما قلت فيهم منظوما:

سلام على المصطفى المجتبي*** سلام على السيد المرتضی

سلام على ستنا فاطمة***من اختارها الله خير النسا

ص: 83

سلام على المسك أنفاسه ***على الحسن الألمعي الرضا

سلام على الأورعي الحسين*** شهید برى جسمه کربلا

سلام على سيد العابدين*** علي بن الحسين المجتبی

سلام على الباقر المهتدی***سلام على الصادق المقتدی

سلام على الكاظم الممتحن***رضي السجايا إمام التقي

سلام على الثامن المؤتمن***علي الرضا سيد الأصفيا

سلام علی المتقی النقی ***محمد الطيب المرتجی

سلام على الأريحي النقي ***علي المكرم هادي الوری

سلام على السيدالعسكري ***إمام يجهز جيش الصفا

سلام على القائم المنتظر***أبي القاسم العرم نور الهدى

سيطلع كالشمس في غاسق*** ينجيه من سيفه المنتقی

ترى يملأ الأرض من عدله***كما ملئت جور أهل الهوى

سلام عليه وآبائه***وأنصاره ما تدوم السما(1)

فنص في هذه الأبيات من غير تردد أن المهدي الموعود هو الثاني عشر من هؤلاء الأئمة عليهم السلام.

19-الناصر لدين الله أحمد بن المستضيء بنور الله من خلفاء.

ص: 84


1- مقالات وگفتارها(مسجد انگجی تبریز): 249. كشف الأستار

العباسيين،وهو الذي أمر بعمارة السرداب وجعله على الصفة التي فيه شباكا من خشب ساج منقوش عليه:«بسم الله الرحمن الرحيم «قُل لا أَسئَلُكُم عَلَیهِ أَجراً إِلاَّ المَوَدَّةَ فِی القُربى حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ»(1)

هذا ما أمر بعمله سيدنا ومولانا الإمام المفترض الطاعة على جميع الأنام أبو العباس أحمد الناصر لدین الله أمير المؤمنين ، وخليفة رب العالمين ، الذي طبق البلاد إحسانه وعدله ، وعم البلاد رأفته وفضله ، قرب الله أوامره الشريفة باستمرار الجح والنشر، وناطها بالتأیید والنصر ،...» إلى أن قال :« بتوتي المملوك معد بن الحسين بن معد موسوي ...»إلى قوله : « من سنة ستة وستمائة الهلالية ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، وصلى الله على سيدنا خاتم النبيين ، وعلى آله الطاهرين وعترته وسلم تسليما.»

و نقش أيضا في الخشب الساج داخل الصفة في دابر الحائط :«بسم الله الرحمن الرحيم، محمد رسول الله ، أمير المؤمنين علي ولي الله ، فاطمة ، الحسن بن علي ، الحسين بن علي ، علي بن الحسين ، محمد بن علي، جعفر بن محمد ، موسی بن جعفر ، علي بن موسی ، محمد بن

ص: 85


1- سورة الشوری:الآية23

علي ، علي بن محمد ، الحسن بن علي، القائم بالحق علیهم السلام، هذا عمل علي بن محمد ولي آل محمد رحمه الله»(1)

ولولا اعتقاد الناصر بانتساب السرداب إلى المهدي علیه السلام بكونه محل ولادته أو موضع غيبته أو مقام بروز کرامته ، لا مكان إقامته في طول غيبته كما نسبه بعض من لا خبرة له إلى الإمامية،وليس في كتبهم قديما وحديثا منه أثر أصلا، لما أمر بعمارته وتزیینه،ولو كانت كلمات علماء عصره متفقة على نفيه وعدم ولادته لكان إقدامه بحسب العادة صعبة ممتنعا ، فلا محالة فيهم من وافقه في معتقده الموافق لمعتقد جملة ممن سبقت إليهم الإشارة،وهو المطلوب ، وإنما أدخلنا الناصر في سلك هؤلاء لاختياره عن أقرانه بالفضل والعلم، وعداده من المحدثين ، فقد روى عنه ابن سكينة وابن الأخضر وابن النجار وابن الدامغاني.

20-العالم العابد العارف الورع البارع الألمعي الشيخ سليمان ابن خواجة كلان الحسين القندوزي البلخي ، صاحب کتاب ینابیع المودة ، فقد بالغ فيه في إثبات كون المهدي هو الحجة بن الحسن العسكري عليهم السلام ، وعقد لذلك أبوابا،وكان حنفي المذهب

ص: 86


1- الكنى والألقاب / الشيخ عباس القمي :3/235و236کشف الأستار

صوفي المشرب. جامعا للشريعة والطريقة،مدرسا مرشدافي المدرسة والخانقاه. (1)

21-العارف المشهور شيخ الإسلام أحمد الجامي.

ذكره صاحب الينابيع،ونسب إلى عبد الرحمن الجامی في كتابه النفحات مدحا طويلا له ،وثناء جزيلا عليه..،ثم قال في الينابيع:ومن كلماته قدس الله أسراره ، ووهب لنا من فيوضاته وبرکاته بالفارسية:

من ز مهر حیدرم هر لحظه اندر دل صفاست***همچو یک مهدی سپهسالار در عالم کجاست(2)

22۔صلاح الدين الصفدي.

قال في الينابيع : قال الشيخ الكبير العارف بأسرار الحروف ، صلاح الدين الصفدي في شرح الدائرة:«إن المهدي الموعود هو الإمام الثاني عشر من الأئمة ، أولهم سيدنا علي، وآخرهم المهدي رضی الله عنهم و نفعنا الله بهم.(3).

ص: 87


1- جاء ذلك في كتابه ينابيع المودة لذوي القربی:3/225 إلى آخر الكتاب.
2- ينابيع المودة:3/349.
3- المصدر المتقدم:347

23_ بعض المصريين من مشايخ الشيخ العارف الشيخ إبراهيم القادري الحلبي.

قال في ينابيع المودة : وكان الشيخ إبراهيم في طريقةالقادرية

ومن كبار مشايخ حلب الشهباء المحروسة ، نفعنا الله من فيضه.

وقال صاحب الينابيع : قال لي الشيخ عبد اللطيف الحلبي سنة ألف ومائتين وثلاث وسبعين أن أبي الشيخ إبراهيم رحمة الله قال : سمعت بعض مشايخي من مشايخ مصر يقول: بايعنا الإمام المهدي علیه السلام،انتهى.(1)

26-الشيخ عبدالرحمن البسطامي.(2)

قال في الينابيع:قال الشيخ الكبير عبد الرحمن البسطامي صاحب

ص: 88


1- ینابیع المودة:346.
2- عبدالرحمن بن محمد بن علي بن أحمد بن محمد ، الأنطاكي ، الحنفي ، نزيل بروسه ، عالم مشارك في أنواع من العلوم في الحديث والتفسير والفقه والتاريخ، وخواص الحروف والتصوف. ولد بانطاكية، وأقام بالقاهرة وببروسه إلى أن توفي.من مؤلفاته الكثيرة:نظم السلوك في تواریخ الخلفاء والملوك، لوامع أنوار القلوب وجوامع أسرار الغيوب في علم الحروف ،الفوائح المسكية في الفواتح المكية،در الأفكار في معرفة أوقات الليل والنهار ، وغيرها من الكتب ، توفي سنة 858ه - معجم المؤلفين: 5/184.

کتاب درة المعارف قدس الله سره،وأفاض علينا فتوحه وغوامض علومه:

ويظهر ميم المجد من آل محمد ***ويظهر عدل الله في الناس أولا

كما قد روينا عن علي الرضا ***وفي كنز علم الحرف أضحى محصلا.(1)

وقال أيضا:

ويخرج حرف الميم من بعد شینه ***بمكة نحو البيت بالنصر قد علا

فهذا هو المهدي بالملحق ظاهر***سيأتي من الرحمن مرسلا

أشار بقوله:روينا،إلى ما رواه الشيخ المحدث الفقيه محمد بن إبراهيم الجويني الحمويني الشافعي في كتابه فرائد السمطين بإسناده عن أحمد بن زیاد ، عن دعبل بن علي الخزاعي،قال:أنشدت قصيدتي لمولاي الإمام علي الرضا رضي الله عنه أولها: مدارس آیات خلت من تلاوة*** ومنزل وحي مقفر العرصات

ص: 89


1- ينابيع المودة: 3/337.

إلى أن قال دعبل:ثم قرأت بواقي القصيدة عنده ، فلما انتهيت إلى قولي:

خروج إمام لا محالة واقع ***يقوم على اسم الله والبركات

يميز فينا كل حق وباطل***ويجزي على النعماء والنقمات

بكى الرضا بكاءا شديداً،ثم قال:يا دعبل ، نطق روح القدس بلسانك،أتعرف من هذا الإمام ؟قلت:لا،إلا إني سمعت بخروج إمام منكم يملأ الأرض قسطا وعدلا ، فقال:إن الإمام بعدي ابني محمد ، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجة القائم،وهو المنتظر في غيبته،المطاع في ظهوره...،الخ.(1)

ص: 90


1- شرح الأخبار|القاضي النعمان المغربي :3/352.مدينة المعاجز :7/189

ص: 91

الدرس السادس: علماء السنة والمهدي عليه السلام - 4

بسم الله الرحمن الرحیم

25-المولوي على أكبر بن أسد الله المؤؤدي من متأخري علماء الهند،قال في كتاب المكاشفات الذي جعله كالحواشي على کتاب النفحات للمولى عبدالرحمن الجامي قال في حاشية ترجمة علي بن سهل بن الأزهر الإصبهاني:

«ولقد قالوا إن عدم الخطأ في الحكم مخصوص بالأنبياء آکد الخصوصية والشيخ لا يخالفهم في ذلك الحديث ورد في شأن الإمام المهدي الموعود على جده وعليه الصلاة والسلام ، كما ذكر ذلك صاحب الیواقیت عنه حيث قال:صرح الشيخ رضی الله عنه في الفتوحات بأن الإمام المهدي يحكم بما ألقي عليه ملك الإلهام من الشريعة ، وذلك أنه يلهمه الشرع المحمدي فيحكم به كما أشار إليه حديث

ص: 92

المهدي علیه السلام أنه يقفو أثري ولا يخطئ ، فعرفناصلی الله علیه و آله و سلم أنه متبع لا مبتدع،وأنه معصوم في حكمه؛ إذ لا معنى للمعصوم في الحكم إلا أنه لا يخطئ ، وحكم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم لا يخطئ،فإنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، وقد أخبر عن المهدي أنه لا يخطئ وجعله ملحق بالأنبياء في ذلك الحكم... الخ».

ثم تكلم عن عصمة الأنبياءعلیهم السلام في المبحث الحادي والثلاثين، حتى تكلم في المبحث الخامس والثلاثين عن القطب وعلاماته ، وعدها خمس عشرة علامة ، وهي أن يمتد يمدد العصمة والرحمة والخلافة والنيابة ومدد حملة العرش ويكشف له عن حقيقة الذات وإحاطة الصفات ...الخ».

إلى أن قال:«فبهذا صح مذهب من ذهب إلى كون غير النبي صلی الله علیه و آله معصوما...»إلى أن قال:

«فإن الحكم بكون المهدي الموعودرضی الله عنه موجودا، وهو كان قطبا بعد أبيه الحسن العسكري عليهما السلام كما كان قطبا بعد أبيه إلى الإمام علي بن أبي طالب كرمنا الله بوجوههم يشير صحة حصر تلك الرتبة في وجوداتهم من حين كان القطبية في وجود جده علي بن أبي طالب علیه السلام إلى أن تتم فيه،لا قبل ذلك، فكل قطب فرد يكون على تلك الرتبة نيابة عنه لغيبوبته من أعين العوام

ص: 93

والخواص،لا عن أعين أخص الخواص...الخ»(1)

قال الشيخ عبد الوهاب الشعراني في المبحث الخامس والستين:قال الشيخ تقي الدين بن أبي المنصور في عقيدته بعد ذکر تعيين السنين للقيامة:

«فهناك يترقب خروج المهدي علیه السلام،وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري علیه السلام ...الخ»

26-العارف عبدالرحمن من مشايخ الصوفية صاحب کتاب مرآة الأسرار الذي ينقل عنه الشاه ولي الله الدهلوي والد الشاه صاحب عبد العزيز، صاحب التحفة الاثني عشرية في كتاب الانتباه في سلاسل أولياء الله وأسانید وارثي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم،قال في الكتاب الذي ألفه بالفارسية المذكور:

ذکر آن آفتاب دین و دولت آن هادی جمیع ملت و دولت آن قائم مقام پاک احمدی امام بر حق ابوالقاسم م ح م د بن الحسن المهدی رضی الله عنه وی امام دوازدهم است از ائمه اهل بیت ، مادرش ام ولد بود ، نرجس نام داشت ، ولادتش شب جمعه پانزدهم ماه رمضان سنة خمس وخمسين ومائتين ، و به روایت شواهد النبوه

ص: 94


1- کشف الأستار

بتاريخ ثلاث و عشرین شهر رمضان سنة ثمان و خمسين در سر من رأی عرف سامره واقع شد...»(1)

ثم ذكر جملة من أوصافه علیه السلام، وأنه تقلد الإمامة في الخامسة من عمره ، كما بعث يحيی علیه السلام بالنبوة في طفولته و عیسی بن مریم علیهماالسلام في المهد صبيا ...الخ.

ثم نقل أقوالا مفصلة عن ابن عربي وعبدالرحمن الجامي في شأن الامام المهدي علیه السلام وقيامه ودولته وغيبته مؤيدا ذلك كله.

27-القطب المدار الذي كتب عبد الرحمن الصوفي کتاب مرآة الأسرار لأجله، وذكر أحواله فيه، فمدحه وأثنى عليه مفصلا ، وذكر رؤيته ورياضته بالنجف الأشرف عند قبر مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ، ولقاءه بالإمام الحجة بن الحسن

ص: 95


1- ترجمة نصية لكلامه:«ذکر شمس الدين والدولة ، ذلك الهادي لكافة الملة والدولة ، ذلك القائم مقام الطهر الأحمدي، الإمام بالحق أبي القاسم م ح م د بن الحسن المهديرضی الله عنه ، هو الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت ، ٱمه ٱم ولډ، اسمها نرجس ، كانت ولادته ليلة الجمعة الخامس عشر من شهر رمضان سنة خمس وخمسين ومائتين ، وبرواية شواهد النبوة بتاريخ ثلاث وعشرين من شهر رمضان سنة ثمان وخمسين في سر من رأى الذي عرف بسامراء ... الخ»

المهدي صلوات الله علیه.(1)

28-الفاضل القاضي جواد الساباطي.

وكان نصرانيا فأسلم ، وهو من أهل السنة والجماعة ، وألف كتابا في إثبات حقية الإسلام سماه البراهين الساباطية ،وهو رد على النصرانيةوالنصارى ، ونقل فيه من کتاب شعیا: انذر برشل کم فورت اراداوات آن ذی ستم آن جیسی اندرا برن شل کرداوت آن هر زوقس اندزی سیرت آف و زدم اند اندر ستیزنک اندژی ... الخ». وترجمته بالعربية:«وستخرج من قنس الأسى ينبت من عروقه غصن وستستقر علیه روح الرب ، أعني روح المحكمة والمعرفة ، وروح الشورى والعدل وروح العلم وخشية الله، ويجعله ذا فكرة وقادة مستقيا في خشية الرب فلا يقضي كذا بلجامات الوجوه ولا يدين بالسمع»(2)

ثم ذكر تأويل اليهود والنصارى هذا الكلام ، ورده ، وقال:« فيكون المنصوص عليه هو المهدي رضی الله عنه بعينه بصريح قوله ، ولا يدين بمجرد السمع؛ لأن المسلمين أجمعوا على أنه رضی الله عنه لا يحكم بمجرد السمع والحاضر، بل لا يلاحظ إلا الباطن، ولم يتفق ذلك لأحد

ص: 96


1- کشف الأستار
2- کشف الأستار

من الأنبياء والأوصياء».

إلى أن قال:«وقد اختلف المسلمون في المهدي رضی الله عنه،فقال أصحابنا من أهل السنة والجماعة أنه رجل من أولاد فاطمة يكون اسمه محمدا واسم أبيه عبدالله ، وأمه آمنة ،وقال الإمامیون:بل إنه هو محمد بن الحسن العسكري رضی الله عنهما ، وكان قد تولد سنة 255 من فتاة للحسن العسكري رضی الله عنه اسمها نرجس في سر من رآی بزمن المعتمد ثم غاب سنة ثم ظهر ، ثم غاب ، وهي الغيبة الكبرى ، ولا يؤب بعدها إلا إذا شاء الله ، ولما كان قولهم أقرب لتناول هذا النص ، وكان غرضي الذب عن ملة محمد صلی الله علیه وآله مع قطع النظر عن التعصب في المذهب ذكرت لك مطابقة ما يدعيه الإماميون مع هذا النص»انتهی.

29-الشيخ العارف سعدالدین محمد بن المؤيد بن أبي الحسين بن محمد بن حمويه، المعروف بالشيخ سعد الدين الحموي خليفة نجم الدين الكبرى ، وقد ألف كتابا مفردا في حالاته وصفاته علیه السلام، ووافق الإمامية كما نقله عنه عبد الرحمن الصوفي في مرآةالأسرار.

وقال المولى عزیز الدین عمر بن محمد بن أحمد النسفي المعروف،

ص: 97

صاحب کتاب العقائد المعروف بالعقائد النسفية في رسالته في تحقيق النبوة والولاية: قال الشيخ سعد الدين الحموي :«إنه لم يكن الولي قبل محمد صلی الله علیه و آله و سلم في الأديان السابقة ، ولا إسم الولي، وإن كان في كل دین صاحب شريعة ، والذين كانوا يدعون الناس إلى دينه كانوا يسمون بالنبي، فكان في دين آدم أنبياء يدعون الخلائق إلى دينه ، وكذا في دين موسى وفي دین عیسی وفي دين إبراهيم علیهم السلام ، ولما بلغت النوبة إلى نبينا صلی الله علیه و آله ، قال:لا نبي بعدي يدعو الناس إلى ديني والذين يأتون بعدي ويتبعوني يسمون بالأولياء ، وهؤلاء الأولياء يدعون الخلق إلى ديني ، واسم الولي ظهر في ديني ، والله تعالى جعل اثني عشر نفسا في دين محمدصلی الله علیه و آله و سلم نوابه ، والعلماء ورثة الأنبياء قال في حقه ...الخ»

30-الشيخ العارف المتأله عامر بن عامر البصري، المتوطن في سواين الروم ، صاحب القصيدة التائية الطويلة المسماة بذات الأنوار ، التي باري بها أبا حفص عمر بن الفارض المغربي الأندلسي في قصيدته التائية ، وهي في المعارف والأسرار والحكم والآداب،

ص: 98

مشتملة على اثني عشر نورا، فقال في النور التاسع في معرفة صاحب الوقت ذاته وقت ظهوره:

إمام الهدى حتى متى أنت غائب ***فن علينا يا أبانا بأوبة

تراءت لنا رايات جيشك قادما*** ففاحت لنا منها روايح مسكة

وبشرت الدنيا بذلك فاغتدت*** مباسمها سفرة عن مسرة

مللنا وطال الانتظار فجدلنا***بربك يا قطب الوجود بلقية

إلى أن قال:

فعجل لنا حتى نراك فلذة***المحب لقا محبوبه بعد غيبة

زرعت بذور العلم في مريرة***فجاءتت كما تهوى بأينع خضرة

وریع منها كلما كان راكبا*** فقد عطشت فامدد قواها بسقية

ولم يروها إلا لقاك فجذبه*** ولو شربت ماء الفرات ودجلة

31- الشيخ الفاضل العارف أبو المعالي صدرالدین القونوي،المستغني عن نقل مناقبه وفضائله بما في التراجم ، نقل عنه صاحب ينابيع المودة قصيدة في مدح الإمام المهدي صلوات الله وسلامه عليه:

يقوم بأمر الله في الأرض ظاهرا***على رغم شيطانين يمحق للكفر

يؤيد شرع المصطفى وهو ختمه*** ويمتد من ميم بأحكامها يدري

ص: 99

ومدته ميقات موسي وجنده ***خیار الورى في الوقت يخلو عن الحصر

على يده محق اللئام جميعهم*** لسيف قوي المتن علك أن تدري

الخ تلك القصيدة:

ثم قال:وقد قال الشيخ صدرالدین لتلاميذه في وصاياه: إن الكتب التي كانتلي من كتب الطب وكتب الحكماء وكتب الفلاسفة بيعوها وتصدقوا ثمنها للفقراء ، وأما كتب التفاسير والأحاديث والتصوف فاحفظوها في دار الكتب، واقرأوا كلمة التوحيد«لا إله إلا الله » سبعين ألف مرة ليلة الأولى بحضور القلب ، وبلغوا مني سلامة إلى المهدي علیه السلام،انتهی.

ويعضده أنه كان على طريقة الشيخ محيي الدين ومتبعا آثاره،وفي النفحات لعبد الرحمن المحامي في ترجمته: أنه كان نقاد كلام الشيخ.

32 - شيخ مشايخ الصوفية المولى جلال الدين الرومي، صاحب کتاب المثنوي المعروف ،وهو ديوان شعر عرفاني أخلاقي مفصل باللغة الفارسية ، قال في قصيدة عن أئمة أهل البيت علیهم السلام أولها:

ای سرور مردان على*** مستان سلامت میکنند

ص: 100

وعد الأئمة من ولده عليه وعلیهم السلام إلى أن قال:

به امير دين هادی بگو***با عسکری مهدی بگو

با آن ولی مهدی بگو***مستان سلامت میکنند

33-الشيخ العارف محمد، الشهير بشیخ عطار، صاحب الدواوين المعروفة ، وقد صرح المولوي عبدالعزيز الدهلوي المعروف بشاه صاحب في الباب الحادي عشر من كتابه الموسوم بالتحفة الاثني عشرية: أن الشيخ العطار من الأكابر المقبولين عند أهل السنة ، ومن الأعاظم الذين بناء عملهم في الشريعة والطريقة على مذهب أهل السنة من القرن إلى القدم. وقد جاء في نفحات الجامي شيء كثير من مناقبه.

قال في قصيدة له في كتابه مظهر الصفات ، على ما نقله عنه صاحب ينابيع المودة:

صد هزاران اولیا روی زمین ***از خدا خواهند مهدی را يقين

یا الهی مهدیم از غیب آر*** تا جهان عدل گردد آشکار

34-شمس الدين التبریزی،على ما نسبه إليه صاحب ينابيع المودة،وقال:«ذكره في أشعاره»،ولم يذكر شيئا منها.

35-السيد نعمة الله الولي ،على ما نسبه إليه صاحب الينابيع.

ص: 101

36- السيد النسيمې

قال في الينابيع بعد ذکر هؤلاء وغيرهم من أهل العرفان: ذکروا في أشعارهم في مدائح أئمة أهل البيت الطيبين رضی الله عنهم مدح المهدي في آخرهم متصلا بهم ، فهذه أدلة على أن المهدي علیه السلام ولد أولا رضی الله عنه ومن تتبع آثار هؤلاء الكاملين العارفين يجد الأمر واضحاعينا.

37- العالم العارف الكامل السيد علي بن شهاب الدين الهمداني،الذي ذكروا في ترجمته أنه وصل إلى خدمة أربعباءة من الأولياء ، وبالغ في مدحه عبدالرحمن الجامي في كتابه نفحات الأنس ، ومحمد بن سلمان الكفوي في أعلام الأخيار ، وحسين بن معين الدين المبيدي في الفواتح، وغيرهم ، صرح بذلك في المودة العاشرة من كتابه الموسوم بالمودة في القربي.

38-الفاضل البارع عبدالله بن محمد المطيري شهرة المدني حالا ، الشافعي مذهبا، الأشعري اعتقادا، والنقشبندي طريقة،في كتابه الرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبي وعترته الطاهرة صلوات الله عليهم، صدر كتابه هذا بذكر تمام رسالة:إحياء الميت بفضائل أهل البيت علیهم السلام للإمام جلال الدين السيوطي،

ص: 102

وهي تشتمل على ستين حديثا فتتمها وأنهاها إلى مائة وواحد وخمسين،وروى في الحديث الأخير:إن من ذرية الحسين بن علي المهدي رضی الله عنه المبعوث في آخر الزمان.

ثم ذكر شيئا عن نسل الحسين وذریته صلوات الله عليه وفضائلهم.. الخ ، وساق أسامي الأئمة ، ثم قال:الحادي عشر ابنه الحسن العسكري رضی الله عنه، الثاني عشر ابنه محمد القائم المهدي رضی الله عنه، وقد سبق النص عليه في ملة الإسلام من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم،وكذا من جده علي بن أبي طالب رضی الله عنه،ومن بقية آبائه أهل الشرف والمراتب ، وهو صاحب السيف القائم المنتظر كما ورد ذلك في صحيح الخبر، وله قبل قيامه غیبتان ... الخ.

39-شيخ الإسلام والبحر الطمطام، ومرجع الأولياء الكرام،أبو المعالي محمد سراج الدين الرفاعي، ثم المخزومي الشريف الكبير، فقد ذكر في كتاب صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطمية الأخيار في ترجمة أبي الحسن الهادي علیه السلام ما لفظه:

«أما الإمام علي الهادي ابن الإمام محمد الجواد عليهما السلام،ولقبه النقي، والعالم، والفقيه ، والأمير، والدليل ، والعسكري، والنجيب ، ولد في المدينة سنة اثني عشر ومائتين من الهجرة، وتوفي شهیدا بالسم

ص: 103

فی خلافة المعتز العباسي يوم الاثنين...إلى أن قال:فأما الحسن العسكري فأعقب صاحب السرداب الحجة المنتظر ولي الله الإمام محمد المهدي علیه السلام، فأما محمد فلم يذكر له ذيل ...الخ».

40- علامة زمانه،وفريد أوانه الشيخ محمد الصبان المصري، كذا وصفه في الينابيع ، صرح بذلك في إسعاف الراغبين المطبوع بمصر.

أضف إلى ذلك أخطب خطباء خوارزم، فإنه ذكر في مناقبه من الأحاديث ما هو صريح في الدلالة على هذا القول،ومجرد ذكرالخبر في الكتاب وإن لم يكن دالا على كون مؤلفه معتقدا بمضمونه إلا أن بعض القرائن تشهد عليه كمطابقته لعنوان الباب الذي هو فيه ، فإن العلماء لا زالوا يستنبطون مذاهب صاحب الكتاب مما ذكره في عناوين الأبواب أو بنى على جمع ما هو معتبر عنده مما رواه الأئمة الثقات عنده وغير ذلك،فينبغي مراجعة كتابه المناقب للوقوف على هذه الحقيقة.

كما قال الإمام أبوبكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي الشافعي المعروف بالإمام أبي بكر البيهقي ،وهو من أعظام علماء الشافعية وكبار أصحاب الحاكم أبي عبدالله بن البيع، وفي تاريخ بن خلکان

ص: 104

قال إمام الحرمين:ما من شافعي المذهب إلا وللشافعي عليه منة، إلا أحمد البيهقي ،فإنه له على الشافعي منة، في كتابه شعب الإيمان:اختلف الناس في أمر المهدي، فتوقف جماعة وأحالوا العلم إلى عالمه،واعتقدوا أنه واحد من أولاد فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم يخلقه الله متى شاء يبعثه نصرة لدينه،وطائفة يقولون إن المهدي الموعود ولد يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وهو الملقب بالحجة القائم المنتظر محمد بن الحسن العسكري ، وأنه دخل السرداب بسر من رآی، وهو حي مختف عن أعين الناس ، منتظر خروجه ، وسيظهر ويملأ الأرض عدلا وقسطا ، كما ملئت جورا وظلما، ولا امتناع في طوال عمره وامتداد أيامه لعیسی بن مریم والخضر علیهماالسلام ، وهؤلاء الشيعة خصوصا الإمامية ، ووافقهم عليه جماعة من أهل الكشف ،انتهى.

ومراده من جماعة أهل الكشف غير الشيخ محيي الدين ومن تقدمت أسماؤهم لتقدم البيهقي عليهم بسنين ذلك أنه توفي سنة ثمان وخمسين وأربعأة على ما في تاريخ ابن خلکان،ومن ذكرناهم جاؤوا بعده بسنين كثيرة،فأراد بأهل الكشف جماعة أخرى من علاء أهل السنة ،وأشهرهم في هذه الطبقة :الحلاج والجنيد وأبوالحسن الوارف وأبو بكرالشبلي ،وأبو علي الرودباري،وسهل بن عبدالله

ص: 105

التستري ، وأضرابهم.

وهو أيضأ ظاهرالشيخ المتبحر عبدالملك العصامي في تأريخه ، فإنه ساق ولادة الحجة بن العسكري عليهما السلام وقال: وألقابه الحجة،والخلف، والصالح... ثم ذكر أوصافه ...إلى أن قال:ولما توفي أبوه كان عمره خمس سنين ، والشيعة يقولون إنه دخل السرداب ...الخ.

ص: 106

ص: 107

الدرس السابع: غيبة الإمام المهدي عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحیم

للمهدي عجل الله فرجه غیبتان:صغرى وكبرى،كما جاءت بذلك الأخبار عن أئمة أهل البيت علیهم السلام،ويقال: قصری و طولی.

(أما الغيبة الصغرى )فهاهنا قولان:قول إنها بدأت من مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته ، هكذا ذكر المفيد وغيره ، فجعلوا ابتداءالغيبة من مولده لا من ابتداء إمامته؛لأنها كانت كذلك ، وقيل: لاوجه لجعلها من ابتداء إمامته ، ولذلك كانت أربعة وسبعين سنة،هذا بناء على أن وفاة السمري سنة ثلمائة وتسع وعشرين ،أما بناء على أن وفاته سنة ثمان وعشرين [328]،كما في أعلام الوری ، فتنقص سنة مع أنه ذكر أن مدة الغيبة الصغرى أربع وسبعون سنة،بوفاة السفراء وعدم نصب غيرهم،وهي أربع

ص: 108

وسبعون سنة،والقول الثاني: أنها بدأت منذ وفاة أبيه العسكري علیه السلام، وهو المشهور عند أعلام الطائفة، وانتهت بوفاة آخر سفرائه، كما هو المتفق عليه،فتكون بين عامي 260 و 328ه،أي ثمان وستين سنة تقريبا، وفي الرواية ما يؤيد هذا القول:

عن أم هاني،قالت:سألت أبا جعفر محمد بن علي عليهماالسلام عن قول الله تعالی:« فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْکُنَّسِ»(1)،قالت:فقال:« إمام يخنس -أي يغيب - سنة ستين ومائتين ، ثم يظهر كالشهاب يتوقد في الليلة الظلماء،فإن أدركت زمانه قرت عينك. (2)

وقد عاصر هذه الفترة أربعة من خلفاء بني العباس أولهم المعتمد(المتوفى سنة 279ه)، ثم المعتضد (المتوفى سنة 289ھ)، ثم المقتدر (المتوفى سنة 320ه)،وأخيرا الراضي بالله (المتوفى سنة 329ه).

ففي هذه المدة كان السفراء يرونه وربما رآه غيرهم ويصلون إلى خدمته،وتخرج على أيديهم توقيعات منه إلى شيعته في أجوبة مسائل وفي أمور شتى،وهو ممالا يكاد يختلف عليه اثنان من أعلام الطائفة.(وأما الغيبة الكبرى) فهي بعدالٱولى، بالإجماع والاتفاق

ص: 109


1- سورة التكوير:الآيتان 15و 16.
2- الكافي: 1/341

وضرورة المذهب ، وفي آخرها يقوم بالسيف ،وقد جاء في بعض التوقيعات أنه بعد الغيبة الكبرى لا يراه أحد، وإن من ادعى الرؤية قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب ، وجاء في عدة أخبار أنه يحضر المواسم كل سنة فيرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه ، وسيأتي في مبحث اللقاءوالمشاهدة مفصلا إن شاء الله تعالى.

وقد وردت أحاديث كثيرة في مصادرنا الروائية بأسانید صحيحة،بل لا شك في تواترها، تؤكد الغيبتين ، كما قام الإجماع عليها، بل غدى الأمر من ضروريات المذهب. وإليك جملة من هذه الروايات:

1- عن یمان التمار،قال: كنا عند أبي عبدالله علیه السلام

جلوسا،فقال لنا:«إن لصاحب هذا الأمر غيبة،المتمسك فيها بدینه کالخارط للقتاد » ثم قال هكذا بیده_« فأيكم يمسك شوك القتاد بيده؟»،ثم أطرق مليا،ثم قال:«إن لصاحب هذا الأمر غيبة ، فليتق الله عبد، وليتمسك بدینه.(1)

2- عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسی بن جعفر علیهماالسلام، قال:«إذا فقدالخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم، لايزيلكم

ص: 110


1- الکافی:1/335

عنها أحد. یابني،إنه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة ...)(1)،وسنوردها كاملة في البحث عن فلسفة الغيبة،إن شاء الله تعالى.

2_عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسی بن جعفر علیه السلام: في قول الله عزوجل:«قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ»(2)قال:«إذاغاب عنكم إمامكم فمن يأتيكم بإمام جدید» (3)

4- وعن المفضل بن عمر،قال: سمعت أباعبدالله علیه السلام يقول:«إياكم والتنويه_أي التشهير. أما والله ليغيبن إمامكم سنينا من دهركم، ولتمحصن)(4)، وسنوردها كاملة في البحث عن فلسفة الغيبة، إن شاء الله تعالى.

5. وعن زرارة،قال:سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول: «إن للغلام غيبة قبل أن يقوم، قال:قلت:ولم؟ قال: «يخاف... الخ)(5)،وستأتي كاملة في مبحث فلسفة الغيبة،إن شاء الله تعالى.

6-وعن عبيد بن زرارة،عن أبي عبد الله علیه السلام قال:( «للقائم

ص: 111


1- الکافی:1/336.
2- سوره الملك:الآیة30.
3- الکافی1/336.
4- الکافی1/336.
5- الکافی1/337

غیبتان:يشهد في إحداهما الموسم،يرى الناس ولا يرونه). (1)

7- وعن محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا عبد الله علیه السلام ،يقول:إن بلغكم عن صاحب هذا الأمر غيبة فلا تنكروها. (2)

8- وعن المفضل بن عمر،قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام

يقول :(لصاحب هذاالأمر غيبتان :إحداهما يرجع منها إلى أهله، والأخرى يقال:هلك،في أي واد سلك...الخ. (3)

9- وعن المفضل بن عمر ، قال : سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول :وإن لصاحب هذا الأمر غيبتين :إحداهما تطول ، حتى يقول بعضهم مات ، ويقول بعضهم قتل ، ويقول بعضهم ذهب ، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه ،إلا نفر يسير ، لا يطلع على موضعه أحد من ولده ،ولا غيره، إلا المولى الذي يلي أمره» (4)

10-عن إسحاق بن عمار، قال: قال أبو عبدالله علیه السلام:«للقائم

ص: 112


1- الکافی :1/399.
2- الکافی:1/338.
3- الکافی:1/340
4- الغیبة/الطوسی:102

غیبتان:إحداهما قصيرة، والأخرى طويلة ، ...) (1)،وستأتي مفضلة في مبحث الرؤية ولقائه علیه السلام،إن شاء الله تعالى.

11 - وعن أبي بصير عن أبي عبدالله علیه السلام،قال:«إن لصاحب هذاالأمر فيه غيبتين: واحدة قصيرة، والأخرى طويلة. (2)

12-عن سدير الصيرفي،قال: دخلت أنا،والمفضل بن عمر،و داود بن كثير الرقي،وأبو بصير،وأبان بن تغلب على مولانا الصادق علیه السلام، فرأيناه جالسا على التراب وعليه مسح خیبري مطرف بلا جیب مقصرالكمين ،وهو يبكي بكاءالوالهةالثكلى ذات الكبد الحري،قد نال الحزن من وجنتيه،وشاع التغير في عارضيه،وأبلى الدمع محجريه، وهو يقول:«سيدي،غيبتك نفت رقادي ، وضيقت علي مهادي، وابتزت مني راحة فؤادي.سيدي،أوصلت مصائبي بفجائع الأبد،وفقد الواحد بعد الواحد بفناءالجمع والعدد،فما ٱحس بدمعة ترقأ من عيني،وأنين يفشا من صدري»

قال سدير:فاستطارت عقولنا ولها،وتصدعت قلوبنا جزعامن ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل،فظنناأنه سمت لمكروهة

ص: 113


1- الكافي:1/340.
2- الغيبة/ الطوسي: 103

قارعة،أو حلت به من الدهر بائقة،فقلنا:لاأبكى الله عينيك یابن خيرالورى ، من أي حادثة تستذرف دمعتك، وتستمطر عبرتك؟وأية حالة حتمت عليك هذا المأتم؟

قال:فزفر الصادق علیه السلام زفرة انفتح منها جوفه،واشتد منها خوفه،فقال:«ويحكم إني نظرت صبيحة هذا اليوم في كتاب الجفر المشتمل على علم البلايا والمنايا،وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة،الذي خص الله تقدس اسمه به محمدا والأئمة من بعده علیهم السلام ،وتأملت فيه مولد قائمنا علیه السلام وغيبته،وإبطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين بعده في ذلك الزمان ، وتولد الشكوك في قلوب الشيعة من طول غيبته، وارتداد أكثرهم عن دينه، وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال الله عز وجل:« وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِه»(1)یعنی الولاية، فأخذتني الرقة، واستولت علي الأحزان ... الخ. (2)

أقول:وهو حديث طويل فيه الكثير من الفائدة،فلينظر هناك.

هذا غيض من فيض ، والروايات عن غيبته علیه السلام،كما قدمنا

ص: 114


1- سورة الإسراء:الآية 13.
2- الغيبة/الطوسی: 167،الحدیث 129.

كثيرة للغاية،بل أكثر الروايات الواردة عنه صلوات الله عليه ، صرحت بغيبته، ولعلك لا تجد بابا من أبواب هذاالكتاب وفصلا تطرقنا إليه عنه علیه السلام وعن حياته الشريفة إلا وفيه ما يصرح بهذه الحقيقة،سواء هذه الحلقة أو في الحلقة السابقة ،أو في اللاحقة منها،فهي تدل على الغيبتين الصغرى والكبرى بالدلالة القطعية ، إضافة إلى أن ما في أخبار الانتظاروالمنتظرين،وأخبار المشاهدة وأخبار التمحيص ، وأخبار علامات الظهور وما قبل الظهور،من دلالة التزامية على حقيقة الغيبة هذه،أضف إلى ذلك أن أخبار السفراء الأربعة،والوكلاء والمعارضين والمنحرفين،والتوقيعات الصادرة عن ناحيته المقدسة ،وأخبار من نالوا شرف لقائه ومشاهدته علیه السلام، سواء في حياة أبيه العسكري علیه السلام، أو بعد ذلك،تدل على خصوص الغيبة الصغرى بالدلالة القطعية المطابقية تارة، والالتزامية تارة ٱخرى.

ص: 115

الدرس الثامن: سفراء الإمام المهدي عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحیم

أما السفراء في زمن الغيبة الصغرى بينه وبين شيعته فهم أربعة :

الأول:أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عمرو العمري بفتح العين وسكون الميم ، وكان أسديا فنسب إلى جده أبي أمه جعفر العمري ، وقيل:إن أبا محمد الحسن العسكري علیه السلام أمر بکسر کنیته، فقيل العمري (1)

،ويقال له العسكري؛لأنه كان يسكن عسکر سر من رأى ، ويقال له السمان؛لأنه كان يتجر بالسمن تغطية للأمر،وكان الشيعة إذا حملوا إلى الإمام الحسن العسكري علیه السلام ما يجب عليهم من المال جعله أبو عمرو في زقاق السمن وحمله

ص: 116


1- الغیبة/الطوسی:214

إليه تقنية وخوفا (1) وكان علي الهادي علیه السلام نصبه وكيلا،(2)

ثم ابنه الحسن العسكري علیه السلام، ثم كان سفيرة للمهدي علیه السلام. قال الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة في حقه:«أنه الشيخ الموثوق به»، وقال الإمام علي الهادي في حقه:«هذاأبو عمرو الثقة الأمين ، ما قاله لكم فعني يقوله ، وما أداه إليكم فعنی يؤديه.(3)وسأله بعض أصحابه: لمن ٱعامل ، وعمن آخذ ، وقول من أقبل؟فقال:«العمري ثقتي،فما أدى إليك فعنی يؤدي،وما قال لك فعني يقول ،فاسمع له وأطع،فإنه الثقة المأمون.

وقال الإمام الحسن العسكري علیه السلام في حقه بعد مضي أبيه:هذا أبو عمرو الثقة الأمين ، ثقة الماضي ، وثقتي في المحيا والممات ، فما قاله لكم فعنی يقوله ، وما أداه إليكم فعني يؤديه». (4)وجاءه أربعون رجلا من أصحابه يسألونه عن الحجة من بعده، فإذا غلام كأنه قطع قمر أشبه الناس بأبي محمد، فقال:« هذا إمامكم من بعدي،وخليفتي عليكم،أطيعوه ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا

ص: 117


1- الغيبة / الطوسي: 214
2- الغيبة / الطوسي:215.
3- الغيبة / الطوسي: 215
4- الغيبة / الطوسي: 215

في أديانكم،ألا وأنكم لا ترونه بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر، فاقبلوا من عثمان بن سعيد ما يقوله وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم ، والأمر إليه. (1) وعثمان بن سعيد هو الذي حضر تغسيل الإمام الحسن العسكري علیه السلام ، وتولى جميع أمره في تكفينه وتحنيطه ودفنه مأمورة بذلك.(2).

قال الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة:«وكانت توقيعات صاحب الأمر علیه السلام تخرج على يده ويدابنه محمد إلى شيعته وخواص أبيه بالأمر والنهي وأجوبة المسائل بالخط الذي كان يخرج في حياة الحسن العسكري علیه السلام ، فلم تزل الشيعة مقيمة على عدالتها إلى أن توقي عثمان بن سعيد رحمه الله ورضي عنه، وغسله ابنه أبو جعفر ، وتولى القيام به ، وحصل الأمر كله مردودا إليه، والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته ... الخ ».(3)

لم يتيسر لنا الاطلاع على تاریخ وفاته. وغسله ابنه محمد ، ونقل عن أبي نصر هبة الله بن محمد أنه دفن بالجانب الغربي من مدينة السلام في شارع الميدان في قبلة مسجد الذرب ، يمنة الداخل إليه،والقبر في نفس قبلةالمسجد،

ص: 118


1- الغيبة / الطوسي: 217.
2- الغيبة/الطوسي: 217
3- الغيبة/الطوسي: 356.

قال الشيخ الطوسي رحمة الله:«رأيت قبره في الموضع الذي ذكره،وكان بني في وجهه حائط به محراب،وإلى جنبه باب يدخل إلى موضع القبر في بيت ضيق مظلم ، فكنا ندخل إليه ونزوره مشاهرة من وقت دخولي إلى بغداد سنة ثمان وأربعمائة إلى سنة نيف وثلاثين وأربعمائة ، ثم عمره الرئيس أبو منصور محمد بن الفرج وأبرز القبر إلى برا وعمل عليه صندوق وهو تحت سقف ، يدخل إليه من أراده ، يزوره ويتبرك جيران المحلة بزيارته ويقولون هو رجل صالح، وربما قالوا هو ابن داية الحسين علیه السلام،ولا يعرفون حقيقة الحال فيه،وهوكذلك إلى يومنا هذا، وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة»(1)

ولكن قبره الآن معروف بمدينة بغداد.

قال فيه:أبو العباس الحميري على ما نقله شيخ الطائفة أعلى الله مقامه:«فكنا كثيرا ما نتذاكر هذا القول - ويعني مدح الإمام العسكري له ونتواصف جلالة محل أبي عمرو» (2)

وقال وفد اليمن الذي حضر لزيارة الإمام العسكري علیه السلام، حين سمع من الإمام مدحه:«یا سیدنا،إن عثمان لمن خیار شيعتك،

ص: 119


1- الغيبة/الطوسي: 221.
2- الغيبة/الطوسي: 215.

ولقد زدتناعلمابموضعه من خدمتك،وإنه وكيلك وثقتك على مال الله تعالى»(1)،وقولهم له: «امض یا عثمان ، فإنك الوكيل والثقة المأمون على مال الله ...الخ. (2)

وحين ولد مولاناالقائم عجل الله تعالى فرجه أرسل إليه الإمام العسكري علیه السلام يأمره أن يشتري عشرة آلاف رطل خبز و عشرةآلاف رطل لحم ويفرقه على بني هاشم،وأن يعق عنه بكذاوكذاشاة.(3)

لما توفي ووافاه الأجل للقاء ربه عزوجل خرج التوقيع التالي من الناحية المقدسة لمولانا صاحب الأمر يعزي ولده محمد بن عثمان،وفيه:«إنا لله وإنا إليه راجعون ، تسليما لأمره، ورضاء بقضائه،عاش أبوك سعيدا ومات حميدا، فرحمه الله،وألحقه بأوليائه ومواليه علیهم السلام،فلم يزل مجتهدا في أمرهم ، ساعيا فيما يقربه إلى الله عز وجل واليهم،نصر الله وجه ،وأقال عثرته»(4)

وجاء في موضع آخر من التوقيع الشريف:«أجزل الله لك الثواب، وأحسن لك العزاء،رزیت ورزينا ،وأوحشك فراقه،وأوحشنا،

ص: 120


1- الغيبة/الطوسي: 216.
2- الغيبة/الطوسي: 216.
3- كمال الدين: 431.
4- الغيبة/الطوسي: 221.

فسره الله في منقلبه ، كان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالی ولدا مثلك يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره،ويترحم عليه،وأقول فإن الأنفس طيبة بمكانك،وما جعله الله تعالى فيك وعندك،أعانك الله وقواك وعضدك ووفقك،وكان لك وليا وحافظاوراعياوكافيا. (1)

والظاهرأن مدة توليه للسفارة كانت نحوا من خمس سنين.

الثاني:أبوجعفرمحمد بن عثمان بن سعيد العمري روى الشيخ في كتاب الغيبة عن هبة الله بن محمد عن شيوخه قالوا:«لم تزل الشيعة مجمعة على عدالته وثقته وأمانته للنص عليه بالأمانة والعدالة ،وأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن العسكري علیه السلام، وبعد موته في حياة أبيه عثمان بن سعيد لا يختلف في عدالته ولا يرتاب بإمامته، والتوقيعات تخرج على يده إلى الشيعة في المهات طول حياته بالخط الذي كانت تخرج به في حياة أبيه عثمان» (2)

وقال الشيخ أيضا:«لما مضى أبو عمروعثمان بن سعيد قام ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان مقامه بن أبي محمد الحسن االعسكري علیه السلام،

ص: 121


1- الغيبة/الطوسی:220.
2- الغيبة / الطوسی: 363.

ونص أبيه عثمان عليه بأمر القائم علیه السلام.(1)

قال الإمام الحسن العسكري علیه السلام:«اشهدوا على أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي ،وأن ابنه محمد وكيل ابني مهديكم.(2)

وقال علیه السلام لبعض أصحابه :«العمري وابنه ثقتان،فما أديا إليك فعنی يؤديان،وما قالا لك فعني يقولان،فاسمع لهماوأطعهما،فإنهماالثقتان (3)وقدأوردنا التوقيع الشريف الذي يعزیه مولانا الحجة علیه السلام بوفاة أبيه ويمدحه ويثني عليه، ونضيف هنا ما جاء فيه أيضا من مدحه وتنصيبه مكان أبيه:«لم يزل ثقتنا في حياة الأب رضی الله عنه وأرضاه وأنضر وجهه يجري عندنا مجراه، ویسد مسده ، وعن أمرنا يأمر الابن وبه يعمل ...الخ) (4)

(وکانت)لأبي جعفر محمد بن عثمان كتب في الفقه مما سمعه من أبی محمد الحسن علیه السلام، ومن الصاحب علیه السلام، ومن أبيه عثمان عن أبي محمد ، وعن أبيه علي بن محمد منها كتب الأشربة. (5)

ص: 122


1- الغيبة / الطوسی: 218و 221.
2- الغيبة/الطوسی: 216.
3- الغيبة/الطوسي: 219.
4- الغيبة / الطوسی: 220.
5- الغيبة / الطوسي: 221.

(وروي)عنه أنه قال:«والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم

كل سنة يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه»(1)

(وقيل)له رأيت صاحب هذا الأمر؟قال:نعم،وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام،وهو يقول :«اللهم أنجز لي ما وعدتني»(2)

(وقال)رأيته علیه السلام متعلقا بأستارالكعبة في المستجار وهو يقول:«اللهم انتقم بي من أعدائك»(3)

(ودخل)على محمد بن عثمان بعض أصحابه فرآه وبين يديه ساجة ونقاش ينقش عليها آيا من القرآن وأسماء الأمة علیهم السلام على حواشيها،فقال: هذه لقبري أوضع عليها أو قال أسند إليها،وقد فرغت منه،وأنا كل يوم أنزل فيه فأقرأ جزءا من القرآن، فإذا كان يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا صرت إلى الله ودفنت فيه ، وهذه الساجة معي، فكان كما قال»(4)

(وفي رواية:)«أنه حفر قبراوقال ٱمرت أن أجمع أمري ،فمات بعد شهرين»(5)

ص: 123


1- الغيبة /الطوسی: 363.
2- الغيبة/الطوسی: 251.
3- الغيبة /الطوسي:251
4- الغيبة /الطوسی: 363.
5- الغيبة /الطوسی: 222.

(وكانت وفاته)في آخر جمادى الأولى خمس وثلثمائة. (1)أو أربع وثلثمائة (2)وتولى هذاالأمر نحوا من خمسين سنة. هكذا حكاه الشيخ محمد بن الحسن الطوسي في كتاب الغيبة عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب ابن بنت أبي جعفر محمد بن عثمان العمري. (3)،ولا يخفى أن هذه المدة هي من حين ولادة الصاحب علیه السلام، وهي سنة 255ه إلى وقت وفاة محمد بن عثمان،وهي سنة 305ه، مع أن محمد بن عثمان لم يتول السفارة من حين ولادة الصاحب علیه السلام،بل بعد وفاة أبيه عثمان،فلا بدأن ينقص من هذه المدة خمس سنين من ولادة الحجة علیه السلام إلى حين وفاة العسكري علیه السلام، وينقص منها مدة سفارة عثمان بن سعيد إلى حين وفاته ، وتولى ولده السفارة بعده ، ودفن عندوالدته بشارع الكوفة في بغداد.قيل:وهوالآن في وسط الصحراء.لكن قبره في عصرنا هذا معروف مبني مشيد،وهو بمكان يسمى «الخلاني»،فعليه الرحمة والرضوان.

ص: 124


1- الغيبة/الطوسي : 223. الكامل في التاريخ : 6/159. ابن الوردي:1/255.
2- الغيبة/ الطوسي : 223.إعلام الوری:416.
3- الغيبة/الطوسي:223.

ص: 125

الدرس التاسع: سفراء الإمام المهدي عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحیم

الثالث:الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي

أقامه أبوجعفرمحمدبن عثمان مقامه قبل وفاته بسنتين أو ثلاث سنين،فجمع وجوه الشيعة وشيوخها وقال لهم:إن حدث علي حدث الموت فالأمر إلى أبي القاسم بن روح النوبختي ، فقدأمرت أن أجعله في موضعي بعدي،فارجعوا إليه وعولوا في ٱموركم عليه. (1)

وفي رواية:أن جماعة من وجو الشيعة منهم أبو علي بن همام،وأبوعبدالله بن محمد الكاتب،وأبو عبد الله الياقطاني ، وأبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي،وأبو عبدالله بن الوجناء، وغيرهم من.

ص: 126


1- الغیبة/الطوسی:225

الوجوه،اجتمعوا عنده وأنهم سألوه إن حدث أمر فمن یکون مكانك؟فقال لهم:هذا أبو القاسم الحسين بن روح بن أبي بحرالنوبختي القائم مقامي ،ظوالسفير بينكم وبين صاحب الأمر ، والوكيل له والثقة الأمين ،فارجعوا إليه في أموركم،وعولوا عليه في مهماتكم، فبذلك أمرت وقد بلغت.(1)

وكان محمد بن عثمان العمري له من يتصرف له ببغداد نحوا من عشرة أنفس منهم الحسين بن روح، وكلهم كان أخص به من الحسين بن روح ، وكان مشايخ الشيعة لا يشكون في أن الذي يقوم مقام محمد بن عثمان هو جعفر بن أحمد بن مثيل أوأبوه لما رأوه من الخصوصية به وكثرة وجوده في منزله حتى إنه كان في آخر عمره لا يأكل طعاما إلا ما أصلح في منزل جعفر أو أبيه بسبب وقع له ويأكله في منزل أحدهما ، فلما وقع الاختيار على أبي القاسم سلموا ولم ينكروا وكانوا معه وبين يديه كما كانوا مع أبي جعفر محمد بن عثمان ، ومنهم جعفر بن أحمد بن مثيل ، قال جعفر: لما حضرت محمد بن عثمان الوفاة كنت جالسا عند رأسه أسائله وٱحدثه وأبو القاسم بن روح عندرجليه،فقال لي: ٱمرت أن أوصي إلى

ص: 127


1- الغيبة/الطوسی: 224

أبي القاسم الحسين بن روح فقمت من عند رأسه وأخذت بيد أبي القاسم وأجلسته في مكاني و تحولت إلى عند رجليه.(1)

وفي رواية:أن الحسين بن روح کان وكيلا لمحمد بن عثمان سنين كثيرة ينظر له في أملاكه ، وكان خصيصا به، وكان يدفع إليه في كل شهر ثلاثين دينارا رزقا له غير ما يصل إليه من الوزراء والرؤساء من الشيعة مثل آل الفرات وغيرهم فتمهدت له الحال في طول حياة محمد بن عثمان إلى أن أوصى إليه. (2)

وقال الشيخ الطوسي رحمة الله في كتاب الغيبة:كان أبو القاسم رحمة الله من أعقل الناس عند المخالف والموافق ،ويستعمل التقية.وتوفي أبو القاسم الحسين بن روح في شعبان سنة ست وعشرين وثلثمائة، فتكون مدة سفارته حوالي الواحدة والعشرين سنة ، وبإضافة العامين أو الثلاث التي أمر فيهاأبو جعفر العمري قبل موته بتسليم الأموال إليه،ونص عليه بالوكالة في حياته،وأمكننا القول إن السفارة كانت حينئذ مسندة إلى شخصين ، فتكون مدة سفارته ثلاثة وعشرين سنة أو أكثر ، أو أن يكون قبل توليه السفارة وكيلا،

ص: 128


1- الغیبة/ الطوسي:225_226
2- الغیبة/الطوسی: 225.

وهو الحق،لعدم ثبوت تعدد السفراء في زمن واحد، والتعدد يحتاج إلى دليل. ودفن في النوبختية في الدرب الذي كانت فيه دار علي بن أحمد النوبختي النافذ إلى التل وإلى درب الآجر وإلى قنطرة الشوك (1)، لكن قبره في عصرنا هذا معروف بمدينة بغداد.

وكان أول كتاب تلقاه من الناحية المقدسة توقيعا مؤرخا بيوم الأحد 6 شوال سنة 305ه يشتمل على الثناء عليه ،جاء فيه:«عرفه الله الخير كله ورضوانه،وأسعده بالتوفيق، وقفنا على كتابه،وثقتنا بما هو عليه،وإنه عندنا بالمنزلة والمحل اللذين يسرانه،زاد الله في إحسانه إليه،إنه ولي قدير ، والحمد لله لا شريك له،وصلى الله على رسوله محمد وآله وسلم تسليما كثيرا.)

وقد كشف العالم الجليل أبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي عليه الرحمة عن سر اختياره ،وإحدى الخصائص التي تميز بها ليستحق منصب السفارة الخاصة،وذلك حين اعترض عليه بعض الشيعةلمعرفتهم بمكانته وجلالة قدره،وتوقع السفارة له:« فقيل له:كيف صار هذا الأمر أي السفارة - إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح دونك ؟!فقال:«هم أعلم وما اختاروه،ولكن أنا رجل ألقي الخصوم

ص: 129


1- رجال الطوسي: 432، کشف الغمة :3/207

وٱناظرهم،ولوعلم بمكانه - يعني المهدي علیه السلام- كماعلم أبوالقاسم،وضغطتني الحجة،لعلي كنت ٱدل على مكانه،وأبو القاسم،فلو كان الحجة تحت ذیله وقرض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه »(1)

وكان رحمة الله شديد التقية، كثيرالمداراة، حتى ظن العامة أنه منهم ويعتنق مذهبهم. يقول الراوي:لأنه كان يجارينا من فضل الصحابة ما رويناه، ومالم نروه،فنكتبه نحن عنه رضی الله عنه (2)،ونحن نعلم أنه لم يفعل ذلك إلا بأمر من الإمام صاحب الأمر أرواحنا فداه، وبتوجيه منه صلوات الله عليه ؛ لقساوة الظروف ،والحاجة الماسة إلى التقية.

وكان عالماجليلا،ومتكلما بارعا، له مناظرات قيمة أفحم بهاالخصوم ،وأدهش بها الأعلام،أوردهاالأعلام في كتبهم، لا سيماالشيخ في الغيبة.

الرابع:أبو الحسين علي بن محمد السمري

أوصى إليه الشيخ الحسين بن روح،فقام بما كان إليه.روى الشيخ

ص: 130


1- الغيبة/الطوسي: 391.
2- الغيبة/الطوسي: 228.

الطوسي رحمة الله في كتاب الغيبة بسنده عن أحمد بن إبراهيم بن مخلد،قال:حضرت بغداد عند المشايخ رحمة الله الشيخ أبو الحسن علي بن محمد الشمري قدس الله روحه ابتداء منه رحم الله علي بن الحسين بن بابويه القتي (وهو والد الصدوق) فكتب المشايخ تاريخ ذلك اليوم، فورد الخبر إنه توفي في ذلك اليوم.(1)

وفي رواية أنه كان يسألهم عن خبر علي بن الحسين بن بابویه فيقولون قد ورد الكتاب باستقلاله حتى كان اليوم الذي قبض فيه ، فسألهم فذكروا مثل ذلك ، فقال لهم : آجركم الله فيه، فقد قبض في هذه الساعة ، فأثبتوا التأريخ ، فلما كان بعد سبعة عشر يوما أو ثمانية عشر ورد الخبر بوفاته في تلك الساعة. (2)

ولم يذكرعام ميلاده،ولا تاریخ فجر حياته ، وإنما ذكر أولا

كواحد من أصحاب الإمام العسكري علیه السلام.(3)

وروى الشيخ في كتاب الغيبة أيضأ بسنده أن السمري أخرج قبل وفاته بأيام إلى الناس توقيعا(نسخته):« بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 131


1- الغيبة/الطوسي: 394.
2- الغيبة / الطوسی: 396
3- رجال الطوسي: 432.

يا علي بن محمد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك،فأنت میت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طولالأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جورة ، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة ألا فن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتړ ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم».

قال الراوي:فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه ، فقيل له : من وصيك من بعدك؟فقال:الله أمر هو بالغه وقضى ، فهذا آخر كلام سمع منه رضی الله عنه وأرضاه.(1)

وكانت وفاته في النصف من شعبان سنة ثمان وعشرين أو تسع وعشرين وثلثمائة ، ودفن في الشارع المعروف بشارع الخلنجي من ربع باب المحول قريبة من شاطئ نهر أبي عتاب.

وقبره في عصرنا الحاضر معروف يقصده المؤمنون بمدينة بغداد.

ويكون بذلك قد تولى السفارة مدة ثلاثة أعوام تقريبا.

وإنما وقع اختيار الإمام أرواحنا فداه على هؤلاء الأربعة لأسباب

ص: 132


1- الغیبة/ الطوسي: 243.

وأوصاف اجتمعت فيهم واختصوا بها في عصورهم حينذاك،هي:

أولا:التقوى والورع والعدالة في أعلى مدارجها وأنتم مراتبها.

ثانيا:شدة الإخلاص والمثابرة في القيام بوظائفهم. ثالثا:الصبر والتضحية والإيثار التي اتسموا بها في حياتهم.

رابعا:الشجاعة والقدرة على التقنية والكتان في أحلك الظروف،بشهادة الجميع، ومنهم العالم الجليل أبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي حين اعترض عليه بعض الشيعة ، وقد أسردنا خبره إذ قال: «وأبو القاسم فلو كان الحجة تحت ذیله وقرض بالمقاريض ما کشف الذيل عنه».

خامسا:الزهد في الدنيا الذي كان مانعة لهم عن طلب الرئاسة والمال،فلا يزعمون ما ليس لهم.

سادسا:العلم بمسائل الشريعة وأحكامهاعقائد وأحكاما، وكثرة مناظراتهم مع الخصوم ، ومحاولاتهم لدفع الأوهام والمعرفة بمقام الإمام ، من ذلك مناظرة الحسين بن روح لبعض المتكلمين الذي أثبت فيها فضل الصديقة الطاهرة صلوات الله عليها،أعجب بها الجمهور (1)

ص: 133


1- الغيبة / الطوسي : 239.

سابعا:الفطنة والفراسة وحدة النظر،والإحاطة بظروف الزمان والمكان.

فقد روي أن الحسين بن روح رضی الله عنه طرد بوابا له ومن شيعته،كان قد لعن معاوية وشتمه ، فبقي البواب مدة طويلة يسأل في أمره، فلا والله ما رده إلى خدمته (1)،وذلك حرصا منه على سيرالعمل،وحفظا للدماء والأنفس.

ثامنا:القدرة على الإدارة وتدبيرٱمورالشيعة في أقصى البلادوأدناها.

إذن لم تأت غيبة الإمام المهدي صلوات الله عليه دفعة، وإنما قدر الله سبحانه وتعالى لتلك الغيبة مراحل،بدأت باحتجاب الإمام الهادي علیه السلام،ثم ابنه الإمام العسكري علیه السلام عن شيعتها، احتجابا قهريا،في معسكرات الجيش،فرضته السلطة الحاكمة حينذاك،فكانا يتصلان بشیعتها عبر وكلائها والخواص من أصحابها،من هنا كانت غيبة القائم عجل الله تعالى فرجه أمراهینا على الشيعة،لاسیما أنه علیه السلام من بدأ غيبته التامة المطلقة بغيبة قصيرة يتصل خلالها بشيعته عبر قنواته الخاصة،وهم وكلاؤه الخواص وسفراؤه، تمهيدا

ص: 134


1- الغيبة | الطوسي: 237.

للغيبة التامة التي سيأتي الحديث عنهاإن شاء الله تعالى ،حيث يرجع فيها شيعته إلى عامة نوابه من الفقهاء الجامعين للشروط التي صرح بهاهووآباؤه الطاهرون صلوات الله عليهم أجمعين .

ثم إنه لم يرد شيء في كتب السيرة والحديث ، لا تصريحا ولا تلويحا،عن طريقة اتصال السفراء به علیه السلام خلال تلك الفترة،ونحن مأمورون بالسكوت عما سكتواعنه،ولا معنى حينئيذ لخوض مالا يعنينا،والتخرص بمالا يغنينا،في حقل ليس من حقولنا ، فلا يسمن ولا يغني من جوع، خلافا لمن أطلقوا عنان الخيال والظنون في هذاالمجال، منقبين عن تفاسیر مادية لماتوهموه،وما هي سوى فرضیات واحتمالات لا تجدي نفعا،ولا تغني من الحق شيئا.

ص: 135

الدرس العاشر: شبهات وردود

بسم الله الرحمن الرحیم

ذكرتم أن السفراء كانوا يشكلون حلقة الوصل، وواسطة الفيض والارتباط بين الشيعة وإمام زمانهم علیه السلام، أفهل كان ذلك خافياعلى الخليفةوأزلامه؟وكيف يمكن أن يخفی عليهم مثل هذا الأمر طيلة السبعين عاما؟وعلى فرض معرفتهم بواقع الحال، كيف التزمواالصمت ولم يجابهوهم بفرض الإقامة الجبرية عليهم،أوإلقائهم في السجون،كما صنعوا بالأئمة أنفسهم، لاسيما الإمامين الهادي والعسكري علیهماالسلام،أو بقتلهم أو مطاردتهم وما شابه ذلك؟بل كان أحرى بهم أن يعرضوهم لصنوف التعذيب لإزاحة الستار عن مكان الإمام الغائب صلوات الله عليه، والكشف

ص: 136

عن موضع إقامته والدلالة على شخصه، ما داموا يخشونه ويبحثون عن أي خيط يدلهم عليه،والسفراء أدل من يدل عليه،وأعرف بمكانه وموضعه وشخصه علیه السلام ؟!

الذي يقتضيه ظاهرالحال، والمستفادمن كتب السيرة والأخبارأن الخليفة وأزلامه كانوا على علم ودراية بحال السفراء،ولكن شاءت الأقدار واقتضت الظروف أن تختلف أساليب المواجهة من السلطة الحاكمة،وأن يتغير على أثر ذلك حال الشيعة عموما في تلك الآونة عما كانت عليه في عصر حضور الأئمة وظهورهم، ويحصلوا على فسحة من الحريات ولو في حدود ضيقة،وذلك للعوامل والأسباب التالية:

أولا:عجز الخليفة ورجاله عن مطاردة الشيعة وملاحقتهم، فضلا عن ملاحقة ومطاردة قادتهم وعلمائهم،أي لا سيما على المستوى الرفيع وعلى صعيد السفراء والقياديين ؛ لضعف الدولة المركزية وخواء نفوذ الخليفة ، وعدم بسط سيطرته ،كما يتضح جليا للمحقق،بل المتصفح لكتب السيرة والتأريخ.

ثانيا: تصدع أركان الدولة والخلافة بانشغالها بالحروب الطاحنة التي توالت هنا وهناك في أرجاء عديدة وأطراف مختلفة من البلاد الإسلامية المتخمة حينذاك بصنوف المتمردين والغزاة والخارجين

ص: 137

على القانون ،كصاحب الزنج، ثم القرامطة ، ثم الخوارج، ثم قادةالأطراف وٱمراء الماليك.

ثالثا:فسادالحاشية، وانحراف الوزراءوالقادة العسكريين والعال عن الخليفة و مسلکه ، وتمردهم أحيانا.

رابعا:ضعف الخليفة ووهنه ،وعجزه عن إدارة شؤون البلاد

وتسليم مقاليد الٱمور إلى الأتراك الذين أذلوا رقاب العرب خاصة والمسلمين عامة منذ عهد المعتصم، حيث بدأ نجم الخلافة العباسية بالأفول حتى ذلك العصر الذي شهد ديمومة ذلك الٱفول واستمراريته.

خامسا:أن المقتدر العباسي الذي تولى الخلافة في حياة الإمام العسكري علیه السلام، وامتدت خلافته طويلا حتى أدرك أول سفيرين من السفراء الأربعة رضی الله عنهم، قد بذل جهدا مضنيا في العثور على صاحب الأمر أرواحنا له الفداء ، والقضاء عليه ، ولم يأل جهدا في مطاردته ومطاردة من نسب إليه من الخاصة والعامة ،وكانت السفارة في عهده خافية عنه وعن أزلامه،وكان السفير الأول يعمل في غاية السرية والخفاء،فلم ينفضح أمره ولا انکشف سره للخليفة المقتدر،وحين علم بسفارة الحسين بن روح، وهو ثالث السفراء،ألقي عليه القبض وأودعه السجن ، فحبسه فترة ، ولما لم يعثر على

ص: 138

مستمسك يدله على الحجة صاحب الأمر صلوات الله عليه أطلق سراحه،فاستترالحسين بن روح عن الأعين مدة من الزمان، كما صرح بذلك شيخ الطائفة في كتابه الغيبة،وأوقف نشاطه ليصرف عنه الأنظار،وأما من جاء بعد المقتدر من الخلفاء فسهل أمرهم،ويتجلى ذلك في العوامل التالية:

سادسا:أن غيبة الإمام علیه السلام خففت الوطأة على خلفاء بني العباس ، وأنستهم طول غيبته ، ومرور السنين عليها بمرور الأيام ذلك الهاجس والهم الذي كان يعيشه أسلافهم من الخلفاء ، لمعاصرة الإمام المعصوم لهم عيانا ، مما كان يشكل تحديا صارخا لملكهم وخلافتهم المزعومة، ورؤيتهم من ينافسهم جهارا، وهو أحق بالخلافة منهم،وإن كان لا يطالب بها لقلة الناصر والمعين،وشدة الظروف المحيطة به ، وغياب المنافس والمعارض المتصف بتلك النعوت ، والمهدد لتلك العروش ، فترة طويلة عن الظهور ، وإن كان لعله لا يجدي في نسيان أصل الغائب وتهديده ، لكنه جدير بأن یهون الخطب على شيعته وأنصاره ، سيما إذا انقطعوا عنه في الظاهر؛إذ لا يرى الحاكم فيهم ما كان يراه من البأس في قائدهم لدى حضوره واتصاله بهم مباشرة،ولا يشعر بذات الخطر الذي كان يهدده ويهدد ملکه آنذاك.

ص: 139

سابعا:أن الخليفة وأزلامه سئموا من طول مطاردتهم وملاحقتهم الشيعة أهل البيت علیهم السلام، وفضلوا في ظل تلك الظروف رفع تلك القيود ولو بعض الشيء عنهم ،و تخفيف الوطأة ولو قليلا عنهم،لاسيما بعد غيبة إمامهم ، ولو من أجل مكاسب سياسية وإعلامية، ومن باب سياسة فرق تسد.

ثامنا:تمزق الصف الشيعي و تفرقه بظهور طوائف وانقسامات ومکاتب كل يجر القرص إلى ناره، ويدعي أنه على الحق، بعد استشهاد الإمام العسكري صلوات الله عليه ، وقد ذكرنا في محله أن الشيخ المفيد رحمة الله أحصى أربع عشرة فرقة منها ، وأما المسعودي فقد عدها عشرین فرقة ، ولا نشك أن للنظام السياسي الحاكم والفرق الإسلامية الٱخرى تواطئا واضحا ودسيسة فاضحة في ظهورها ودعمها،بل في إيجادها و تأسيسها، ولهايد إجرامية طولى في إلقاء الشبهات واصطناع الظروف وتذليل السبل من أجل ذلك ،وكيف كان ، فإن هذا الانقسام والتشرذم وهذه التفرقة وإن مثلت كارثة في العمق الشيعي ، وتفريقا في صفوفه، بانحراف جماعة منهم وضلالتهم، غير أنها ربما كانت من العوامل التي ساعدت على تخفيف معاناة الشيعة،لاسيماالأخیار والقادة منهم،عملا بقوله تعالى:« مَن یَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن یُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِیّاً

ص: 140

مُّرْشِداً»(1) قوله تعالى:« إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ»(2)

فرب ضارة نافعة :« وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ»(3)خاصة إذا علمنا أن هذه الفرق والجماعات والطوائف انقرضت وعاد أهلها إلى رشدهم،ولم يبق لهم ذكر إلا في طيات الكتب وعلى صفحاتها،ويعود الفضل في ذلك إلى علمائنا الأعلام ومتكلمينا الأجلاء،كالنوبختي وأبي عبدالله الياقطاني،وأبي عبدالله محمد الكاتب،وابن الوجناء، والصدوق ، والمفيد ، والطوسي ، والسيد المرتضى ، والكراجكي ، والنعماني ، وسلار بن عبدالعزیز ، وغيرهم من الأعلام والأوتاد ؛ لهذا كثرت في تلك الفترة بمجالس المناظرة بينهم وبين أصحاب البدع المغرر بهم من الشيعة من جهة،و بينهم وبين علماء الطوائف والمذاهب الٱخری من جهة ٱخرى، وكثرت مصنفاتهم وتأليفاتهم في هذا المجال، فأثروا

ص: 141


1- سورة الكهف : الآية 17.
2- سورة القصص : الآية 56.
3- سورة البقرة: الآية 216

المكتبات الإسلامية بما لا غنى عنه ، ولا مثيل له ، بل لا مزيد عليه،وكل من جاء بعدهم إنما حذى حذوهم ، وسار على أثرهم ، ونشأ على موائدهم ، وأكل من زادهم ، أو أكمل مسيرتهم ، وأتم خطاهم إلى يومنا هذا، فرحمة الله ورضوانه وبركاته وسلامه عليهم جميعا ، وحشرهم في أعلى منازل العليين،وأظلهم يوم لا ظل إلا ظله،وأفاض علينا بفضله وكرمه من نمير جودهم و برکات وجودهم.

تاسعا:لم تر الخلافة جدوى من سجنهم واعتقالهم وقتلهم والتنكيل بهم ؛ إذ كانت تعلم أن يد الغيب الإلهية ترعاهم ، إن لم يكن لهم بديل في القوم ، وكانت تعلم أنهم لم يتقلدوا هذا المنصب ولم يستحقوه إلا بعد علم صاحب الأمر علیه السلام بشجاعتهم وصمودهم ومثابرتهم وقدرتهم على كتمان سره،ولو قرضوابالمقاريض ، وتفديتهم إياه بالنفس والنفيس، وإمكان تبديلهم بغيرهم إن قتلوا وكان في القوم لهم مثيل ، حتى يتم وعد الله ، وكان عهد الله مفعولا.

عاشرا:ولعلها تركتهم يمارسون مهمتهم بحرية واسترخاء ، وهي تبث بينهم و تدس في صفوفهم جواسيس علهم يعثروا على دليل يهديهم ويرشدهم إلى صاحب الأمر صلوات الله عليه ، وأنت تعلم أن السلطات حين تقف حائرة عاجزة عن كشف الحقيقة وتحقيق مآربها بالممارسات القمعية والقتل والتعذيب والحبس والتشريد،

ص: 142

لاجرم تلين في سياستها ، وتعدل عن نهجها ، وتغير من استراتيجيتها ، لا سيما في مثل تلك الظروف ، أملا في أن تحصد بهذا الٱسلوب الجديد زرعا وتجني ثمارا طالما أخفقت من نيلها عن طريق الترهيب ، واستخدام ٱسلوبي الترهيب والترغيب كل بحسبه وفي ظروفه الملائمة له ، أو الأخذ بها معا في آن واحد إن اقتضى الأمر مما دأبت عليه الأنظمة السياسية على مر التاريخ ، بل لعله من سنة الحياة ، وعليه جرت سيرة العقلاء حتى في دائرة مجتمعاتهم ومحيطهم الٱسري.

الحادي عشر:وهو القطب الذي تدور عليه رحى الرسالات السماوية ، وبيت القصيد الذي تتلخص فيه أبيات القصيدة ، وتنتهي إليه كلماتها ومفرداتها،أعني العلة الغيبية ، والسبب الماورائي ، ونحن نؤمن أن الحجة يجب أن تتم على الخلائق ، واللطف يقتضي إيجاد السبل الكفيلة بإتمام نور الحجية عليهم ، فإذا اختار سبيلا لدوامه وإتمامه ، أو انحصرت لديه الوسيلة في سبيل ما لقصور ونقص في قابلية القابل لا لقصور ونقص في فاعليته ، تبارك وتعالى عن النقص والعجز والقصور - وجب أن يهيء له الظروف الملائمة الخارجةعن إرادته وقدرته لأداء رسالته ، وأن يحفظه حيث يعجز عن حفظ نفسه ، كما هو حال الأنبياء والأئمة علیهم السلام، حيث هم مکلفون

ص: 143

بأداء رسالتهم طبقا للموازين الطبيعية ، كما هم مكلفون بحفظ أنفسهم بالطرق والوسائل العادية ، فإذاٱحيط بهم وعجزوا عن القيام بذلك سقط عنهم التكليفان ، إلا أن يأتي الإمداد من عالم الغيب ، والنصرة باليد الماورائية ، وهذا الأمر لا يختص بالأنبياء والأوصياء، بل أعم من ذلك وأوسع دائرة ؛ إذ يشمل المؤمنين كافة:«كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».(1)

ذكرت أن هناك جماعة ادعوا البابية والسفارة وانتحلوها كذبا وزورا، سواء أثناء الغيبة الصغرى أو بعد ذلك، فكيف كان الناس يعرفونهم، ويميزون الصادق من الكاذب؟

أن هناك دلائل وقرائن عامة واضحة الدلالة لا تختص بزمان دون زمان ترفع عنهم الملابسات والأوهام،وهناك دلائل وبراهين خاصة قاطعة اللجاج تمنع من اعتبر بها والتزمها من خطر الانجراف والانحراف،أما العامة منها فهي كالتالي:

1- حسن السيرة والسلوك والاشتهار به عند العامة والخاصة.

2-الصدق في الحديث والأمانة.

3-الورع والإخلاص والتقوی.

ص: 144


1- کشف المحجة : 39. عوالي اللثالي: 1/129 بحار الأنوار: 72/38

4- كمال العقيدة وسلامة العمل.

5- قیامه بالوظيفة المنوطة إليه،من الواسطة بين الإمام علیه السلام وشیعته ، وقضاء حوائجهم من هذه الجهة.

وأما العلامات الخاصة فهي:

1- نص الإمام علیه السلام على سفارته ، وتنصيبه له، وتعيين من قبله ، كما صنع الإمام العسكري ، بل الهادي علیهم السلام ، من تنصيب وتعيين السفير الأول في حياتهما،أي قبل زمن الغيبة، تمهيدا وتهيئة لنفوس الشيعة ، وسوقا لهم نحو ما سيؤول إليه الأمر ، كي لا يفاجأوا، ولا يتحروا فيها، من باب توصيف العلاج قبل وقوع الحدث ، وترقب الحدث قبل وقوعه، والإعداد والاستعداد له قبل حلوله ، وأيضا ما ورد في توقيع مولانا الحجة صلوات الله عليه من تنصيبهم جميعا.

2- أن يتم تعيين اللاحق وتنصيبه والإشهاد على ذلك من قبل سلفه ، فيكون السابق قد عين اللاحق وأشهد الخواص على ذلك.

3- أن يظهر ارتباطه واتصاله الصادق بالإمام علیه السلام، وظهور ذلك يتبين من خلال التوقيعات والمراسلات التي يتم استلامها وإيصالها، فالناقد البصير، وحتى الساذج من العوام ، لا جرم یکشف الصادق عن الكاذب، وييز بينها ولو بعد حين؛ إذ حبل الكذب قصير

ص: 145

مهما طال وطالت الأيام.

4_ظهور بعض الكرامات والمعجزات على يديه ، بأن يجيب السائل أحيانا قبل أن يسأل ، أو يخبره عما أخفاه عن كل أحد من الناس ، أو غير ذلك ؛ لتقوم الحجة على من شاء الله تعالى منهم ، وليس هذا على الله ببعيد ، بعد ما فضلناه من أهمية الغيبة وضرورتها، ولزوم إقامة الحجة لمن ينوب مقام صاحب الغيبة علیه السلام، ودرءا للشبهات التي قد تخلفها تلك المزاعم الباطلة الصادرة من ذوي الأهواء بين شيعتهم.

فإنا نجد أمثال هذه الكرامات والمعجزات والأخبار بالغيبيات الكثير فيما نقله المحدثون في كتبهم وآثارهم ، فمن ذلك ما قاله الحسين بن روح رضی الله عنه للراوي الذي شک فيما قاله ، هل هو من عنده أم من الإمام علیه السلام،فابتدأه الحسين بن روح قائلا:«یا محمد بن إبراهيم ، لأن أخر من السماء فتخطفني الطير، أو تهوي بي الريح في مكان سحيق ، أحب إلي من أن أقول في دين الله برأيي ، ومن عند نفسي ، بل ذلك من الأصل ، مسموع من الحجة صلوات الله عليه»(1)

ومن ذلك أيضا ما ورد في الخبر: أن ابن روح رضی الله عنه تكلم مع امرأة.

ص: 146


1- الغيبة / الطوسي: 199.

من أهل آبة بلغة قومها ، فإنها جاءت تحمل معها ثلاثماءة دینارلكي تستمها إلى السفير ، واستصحبت معها مترجما ليترجم لها،لعلمها أو ظنها أن السفير لا يعرف لغتها ، لكنه كلمها بلغتها ، بل بدأ بالسؤال عنها وعن حال صبيانها وأولادها وتفاصيل ٱخرى (1)،وهي لا تعرفه،والمظنون أيضا أنه لا يعرفها.

وكذلك إخبار السمري ، وهو أحد السفراء ، بوفاة علي بن الحسين بن بابويه القمی، والأول في بغداد والثاني بقم ، وبينها مئات الفراسخ، فكتب المشايخ تأريخ ذلك اليوم ، حتى ورد الخبر بعد أيام أنه توفي في ذات اليوم والتأريخ الذي أخبر به السفير.(2)

ومن ذلك أن أبا جعفر العمري رضی الله عنه وصله رسول من قم إلى بغداد يحمل أموالا للإمام علیه السلام،وعندما دفعها إليه وأراد الانصراف ، قال له أبو جعفر : قد بقي شيء مما استودعته ، فأين هو؟ فقال له الرجل: لم يبق شيء يا سيدي في يدي إلا سلمته، فقال له أبو جعفر:بلى قد بقي شيء فارجع إلى ما معك، وفتشه و تذكر ما دفع إليك، فضي الرجل واجتهد في البحث حتى يئس وعاد إلى أبي جعفر ،فقال له أبو جعفر:

ص: 147


1- الغيبة / الطوسی: 195.
2- الغيبة / الطوسي : 242، منتخب الأثر: 399

فإنه يقال لك:«الثوبان السردانیان اللذان دفعها إليك فلان بن فلان ، ما فعلا» ، فقال له الرجل: إي والله يا سيدي لقد نسيتها حتى ذهبا عن عقلي ، ولست أدري الآن أين وضعتها.

ثم بحث عنها حتى أعياه البحث ،فعاد إلى أبي جعفر الذي قال له هذه المرة:يقال لك امض إلى فلان بن فلان القطان الذي حملت إليه عدلي القطن ،في دارالقطن ،فافتق أحدهما ،وهو الذي مكتوب عليه كذا وكذا، فإنها في جانبه ... الخ.(1)

ومن ذلك:أن الشلمغاني لما انحرف وادعي السفارة،أرسل إلى الشيخ الحسين بن روح عليه الرحمة ،يسأله أن يباهله ، وقال : أنا صاحب الرجل - يعني الإمام المهدي علیه السلام _وقدٱمرت بإظهار العلم ، وقد أظهرته باطنا وظاهرا، فباهلني ، فأنفذ إليه الشيخ رضی الله عنه في جواب ذلك: أينا تقدم صاحبه فهو المخصوم ،فتقدم العزاقري، فقتل وصلب ،وأخذ معه ابن أبي عون وذلك في سنة 323ه.(2)

وهناك الكثير من التوقيعات والمراسلات المكتوبة والمشافهة التي خرجت من ناحية االإمام علیه السلام، وفيها المعجزات والأخبار بالغيبيات

ص: 148


1- الغيبة/الطوسي: 179.
2- الغيبة/الطوسي: 187

وكانوا يبلغونها أصحابها، وبالتالي فإنها وإن كانت من قبل الإمام علیه السلام ،إلا أن في تبليغهم ووساطتهم ثم ظهور صحة ما نقلوه من مکتوب أو مقول أمكن نسبة هذه المعجزات والكرامات إليهم أيضا؛ لتكون أدلة صارمة وبراهين ساطعة على صدق ادعائهم.

ص: 149

الدرس الحادي عشر: تواقيع الإمام المهدي عليه السلام و مکاتباته -1

بسم الله الرحمن الرحیم

وامتازت فترة الغيبة الصغرى بالإضافة إلى السفراءالأربعة،

بأمور منها إمكان الارتباط والمشاهدة في حدود ضيقة للخواص من شيعته،ومنها خروج التوقيعات والمكاتبات من ناحيته المقدسة إلى شيعته عبر سفرائه والإجابة على أسئلتهم ورسائلهم.

فيجب أن نعلم أن ما خرج من التوقيعات في تلك الفترة -أعني الغيبة الصغری - كانت تمتاز بٱمور:

أولا:أنها كانت جميعا بخط واحد،هو خط مولانا الإمام الحسن العسكري علیه السلام، والسر في ذلك أن الإمام علیه السلام لما كان غائبا عن شيعته فكان من الضروري جدا أن یکاتبهم بطريقة مألوفة عندهم،معروفة في أوساطهم، وأفضل طريق يثق به شیعتهم لاعتيادهم عليه خلال

ص: 150

فترة إمامة الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام،حيث بدأت طريقة المكاتبة والمراسلة بين الإمامين عليهم السلام وشيعتهم؛ لانقطاع الشيعة عنها وحيلولة النظام الحاكم بينهم وبين إمامهم.

أقول:أفضل طريق لاطمئنان قلوب الشيعة بأن ما يخرج إليهم إنما هو من إمام زمانهم،هو ما صنعه مولانا القائم صلوات الله عليه في اتخاذ خط أبيه الذي اشتهر لدى الشيعة حينذاك للاتصال بشيعته ، وبث الاطمئنان في قلوبهم، ليقطعوا بأن ما يخرج إليهم إنما هو صادر من إمام زمانهم، ولا يسري الشك إليهم فيما نسب إليه علیه السلام(1)وهذا التعمد من الإمام صاحب الأمر علیه السلام جاء لمصلحة شیعته بترسيخ روح الإيمان واليقين فيهم،إذن كانت التوقيعات والمراسلات جميعها بخط واحد طيلة الغيبة الصغرى حتى نسب الخط إليه علیه السلام ، فكان يقال:إن هذا التوقيع بخط مولانا صاحب الدار.(2)

ثانيا:أنها كانت عبارة عن کلمات قصار مختصرة مفيدة تخبر عن حقائق،أو تأمر بأشياء، أو تجيب عن سؤال، أو جملة من الأسئلة الواردة عليه في أي حقل من الحقول الفقهية أو الاجتماعية أو السياسية أو غيرها،وستتضح هذه الأقسام عند استعراضنا

ص: 151


1- الغيبة/الطوسي: 216.
2- الغيبة/الطوسي: 216.

تلك البيانات إن شاء الله تعالى في هذا الفصل.

ثالثا:أنها لم تخرج إلى أصحابها مباشرة ، بل كانت تخرج بواسطة السفيرالذي يتولى النيابة الخاصة عنه علیه السلام، فكان خروجها من مهام السفراء الأربعة كل من موقعه وخلال فترة سفارته.

رابعا:أنها عندما كانت عبارة عن ردوإجابة على أسئلة شیعته ، كانت تصدر أحيانا في اليوم ذاته الذي تم تسليم الكتاب فيه إلى السفير ، بل ربما جاء الرد والمداد رطب لم يجفت به،أو جاء الجواب مكتوبا كالبرق الخاطف،فيرى الجواب مكتوبا على الورقة قبل أن يسلم الكتاب إلى السفير،وكانت الردود والإجابات في العادة تستغرق يومين أو ثلاثة أو حتى أياما، وسيتضح ذلك في هذا الفصل إن شاء الله تعالى.

خامسا:أن التوقيع وإن كان عادة يطلق على المكاتبات الخطية والرسائل المكتوبة، إلا أنها كانت تخرج أحيانا شفوية يبلغها السفير لأصحابها ، وكان يطلق عليها التوقيع أيضا، فالتوقيعات المشار إليها هنا أعم من المراسلات الشفوية والخطية.

سادسا: سيأتي إن شاء الله تعالى أن السفير ربما دون جملة من الأسئلة في ورقة واحدة وأوصلها إلى الإمام، أو كانت الإجابة

ص: 152

علی الأسئلة المتفرقة ترد من الناحية المقدسة دفعة واحدة وفي ورقة موحدة.

ولا ننسى أخيرا أن نحيط القارئ الكريم علما بأنه علیه السلام ماکان يجيب عن كل ما يرد عليه من الأسئلة ، وما كان يرد على جميع ما یرده من مراسلات ، بل هناك رسائل وأسئلة وجهت إليه أرواحنا فداه ما استلم أصحابها الرد والجواب ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى بتصريع أولئك وإقرارهم.

ويمكن تلخيص تلك التوقيعات تحت العناوين التالية:

1- تعيين السفير،أو تأییده.

2- تنبيه السفراء وتحذيرهم من المؤامرات والدسائس التي

تحاك ضدهم، سواء من الأنظمة والخلفاء أو من غيرهم.

3- الدعاء لمن سأله قضاء حاجته بالدعاء وإخبارهم عن قضاء حوائجهم.

4-عدم الإذن لمن استئذنه بالسفر.

5-منع عازم للسفر إلى الحج وإخباره بأنه سيحج من قابل

6- الدعاء للمريض بالشفاء. 7-الدعاء لجمع شمل الزوجين.

ص: 153

8- طلب الولد لمن سأله ذلك 9-اخبار السفير بدنو أجله. 10- تعزية السفير عند فقد أبيه.

11-تعزية الشيعة ببعض خواصه 12_إخبارالسفير بانقطاع السفارة من بعده، وبدء الغيبةالكبرى،ونهيه عن تنصيب من ينوب عنه.

13_الإخبار بامتناع المشاهدة قبل الصيحة وخروج السفياني. 14 - الأمر بتكذيب من يدعي المشاهدة في الغيبة الكبرى.

وستتضح هذه العناوين عند استعراضنا لتلك التواقيع ، وهي كالتالي:

1- توقيعه علیه السلام في العفو عن عمه جعفر،والتجاوز عن تقصيره، وقد خرج على يد السفير الثاني، وفيه: «وأما سبيل عمي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف علیه السلام... الخ).(1)

2-توقيعه علیه السلام إلى سفيره الثاني - محمد بن عثمان بن سعيد_يعزیه بأبيه السفير الأول _عثمان بن سعيد – رضی الله عنهما:«إنا لله وإنا إليه راجعون

ص: 154


1- الغيبة/الطوسي: 290. الاحتجاج:2/283

تسليما لأمره، ورضى بقضائه ،عاش أبوك سعيدا ومات حميدا ،فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه علیهم السلام، فلم يزل مجتهدا في أمرهم، ساعيا فيما يقربه إلى الله عز وجل وإليهم، نضر الله وجهه وأقال عثرته.(1)

وجاء فيه أيضا:«أجزل الله لك الثواب ، وأحسن لك العزاء، رزیت ورزينا ، وأوحشك فراقه وأوحشنا ، فسره الله في منقلبه ، كان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالى ولدة مثلك ، يخلفه من بعده ، ويقوم مقامه بأمره، ويترحم عليه ، وأقول: الحمد لله ، فإن الأنفس طيبة بمكانك وما جعله الله تعالى فيك وعندك ، أعانك الله وقواك وعضدك ووفقك ، وكان لك وليا وحافظا وراعیا وكافيا. (2)

3- توقيعه علیه السلام عن السفير الثاني رضی الله عنه،وفيه: «لم يزل ثقتنا في حياة الأب رضی الله عنه وأرضاه وأنضر وجهه ، يجري عندنا مجراه، ويسد مسده ، وعن أمرنا يأمر الابن وبه يعمل ...)(3)

4-التوقيع الذي أثنى فيه صلوات الله عليه على سفيره الثالث

ص: 155


1- الغيبة/الطوسی: 220 - 221.
2- الغيبة / الطوسی: 220 - 221.
3- الغيبة/الطوسی: 220.

الحسين بن روح رضی الله عنه، وفيه:«عرفه الله الخير كله ورضوانه، وأسعده بالتوفيق ، وقفنا على كتابه ، وثقتنا بما هو عليه ، وإنه عندنا بالمنزلة والمحل اللذين يسرانه ، زاد الله في إحسانه إليه،إنه ولي قدير، والحمد لله لا شريك له ، وصلى الله على رسوله محمد وآله وسلم تسليما كثيرا.(1)

5- التوقيع الذي خرج ابتداء من غير سؤال،وفيه:«أما السكوت والجنة ، وأما الكلام والنار ، فإنهم إن وقفوا على الاسم أذاعوه ، وإن وقفوا على المكان دلوا عليه. (2)

6- التوقيع الذي خرج من ناحيته المقدسة ردا على طلب الدعاء من زوج فارقته زوجته ، وكانت بينها الكثير من المشكلات ، وفيه:والزوج والزوجة فأصلح الله ذات بينهما ، فسهل الله له نقل زوجته بأيسر كلفة،وأقامت معه سنین كثيرة ، وأنجبت منه أولادا. (3)

7- وأن شخصا خرج به ناسور، فعرضه على الأطباء وأنفق في التداوي عليه مالا،فلم يجد فيه شيئا، فكتب رقعة إلى الإمام علیه السلام

ص: 156


1- الغيبة/الطوسی: 228.
2- الغيبة / الطوسی: 222.
3- الغيبة / الطوسی:197,186.

يسأل فيها الدعاء ، فخرج التوقيع إليه قائلا:«ألبسك الله العافية،وجعلك معنا في الدنيا والآخرة.(1)

8-ومن ذلك أن القاسم بن العلا، وهو من الوكلاء في آذربيجان ولد له عدة بنين ، فكان يكتب إلى المهدي علیه السلام يسأل الدعاء لهم، فلا يجاب بشيء في أمرهم ، فماتوا كلهم،فلماولد له ولده الحسين ، كتب يسأل الدعاء له،فٱجيب إلى ذلك ، وبقي ابنه في الحياة. (2)

9-ومنه أن رجلا يمانیا كان في بغداد،فأراد الخروج مع قافلة إلى اليمن،فكتب إلى الإمام علیه السلام يستأذنه في الخروج،فخرج التوقيع قائلا:«لا تخرج معهم،فليس لك في الخروج معهم خيرة،وأقم بالكوفة. (3)

10-توقيعه علیه السلام فی أحمد بن هلال الكرخي الذي ادعى السفارة ، جاء فيه: «قد كان أمرنا نفذ إليك في المتصنع ابن هلال _لا رحمه الله – بما قد علمت ، ولم يزل - لا غفر الله ذنبه ولا أقال عثرته - بداخلنا في أمرنا بلا إذن منا ، ولا رضى يستبد برأيه فتحامی دیوننا، لا يمضي من أمرنا إياه إلا بما يهواه ويريده، أرداه الله في

ص: 157


1- الإرشاد: 332.
2- الإرشاد: 331.
3- الإرشاد: 332.

ذلك في نار جهنم ، فصبرنا عليه حتى بتر الله بدعوتنا عمره، وكنا قد عرفنا خبره قوما من موالينا في أيام - لا رحمه الله - وأمرناهم بإلقاء ذلك إلى الخاص من موالينا ، ونحن نبرأ إلى الله من ابن هلال ، لا رحمه الله ولا ممن لا يبرأ منه ، وأعلم الإسحاقي سلمه الله وأهل بيته بما أعلمناك من حال هذا الفاجر ، وجميع من كان سألك ويسألك عنه من أهل بلده والخارجي ، ومن كان يستحق أن يطلع على ذلك ، فإنه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما روی عنا ثقاتنا، قد عرفوا بأننا نفاوضهم بسرنا ونحمله إياه إليهم ، وعرفنا ما يكون من ذلك إن شاء الله تعالی.(1)

11-وخرج في مذمته توقيع آخر يقول:«لا شكر الله قدره ، لم يدع المرزعة بأن لا يزيغ قلبه بعد أن هداه ، وأن يجعل ما من به عليه مستقرة، ولا يجعله مستودعا، وقد علمتم ما كان من أمر الدهقان لعنه الله وخدمته وطول صحبته ، فأبدله الله بالإيمان كفرا، حين فعل ما فعل، فعاجله الله بالنقمة،ولم يمهله،والحمد لله لا شريك له ،وصلى الله على محمد وآله وسلم.(2)

12-وتوقيع خرج يذم الشلمغاني ،جاء فيه:«إن محمد بن علي

ص: 158


1- رجال الكشي: 450
2- رجال الكشي: 450

المعروف بالشلمغاني،وهو ممن عجل الله له النقمة،ولا أمهله،قد ارتد عن الإسلام وفارق ، وألحد في دين الله،وادعی ما کفر معه بالخالق جل وعلا،وافتری كذبا وزورا،وقال بهتانا وإثماعظيمة،كذب العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيدا، وخسروا خسرانا مبينا،وإننا قد برئنا إلى الله تعالى وإلى رسوله وآله صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته عليهم ، منه، ولعناه،عليه لعائن الله تترى من الظاهر والباطن في السر والعلن ، وفي كل وقت ، وعلى كل حال ، وعلى من شایعه وتابعه أو بلغه هذا القول منا ، وأقام على توليه بعده ، وأعلمهم أننا من التوقي والمحاذرة منه على ما كنا عليه من تقدمه من نظرائه من الشريعي والنميري والهلالي والبلالي وغيرهم،وعادة الله عندنا جميلة،وبه نثق،وإياه نستعین ، وهو حسبنا في كل أمورنا ونعم الوكيل. (1)

13-وحين ظهر انحراف الشلمغاني وشك الناس في التوقيعات التي كانت قد خرجت إليهم وكاتبوا الإمام علیه السلام يسألونه عن حالها،خرج إليهم التوقيع التالي:«بسم الله الرحمن الرحيم،قد وقفنا على هذه الرقعة وما تضمنته،فجميعه جوابنا،ولا مدخل للمخذول

ص: 159


1- الغيبة/الطوسي:252 – 254

الضال المضل المعروف بالعزاقري لعنه الله ، في حرف منه ، وقد كانت أشياء خرجت إليكم على يدي أحمد بن بلال وغيره من نظرائه،وكان من ارتدادهم عن الإسلام مثل ما كان من هذا عليهم لعنة الله(1)

ص: 160


1- الغيبة / الطوسي : 228

ص: 161

الدرس الثاني عشر: تواقيع الإمام المهدي عليه السلام و مکاتباته-2

بسم الله الرحمن الرحیم

14-وهذا توقيع خرج إلى بعض شیعته حين اختلفوا وتنازعوا في ولادته وحياته علیه السلام:

«بسمم الله الرحمن الرحيم

عافانا الله وإياكم من الضلالة والفتن،ووهب لنا ولكم روح اليقين،وأجارنا وإياكم من سوء المنقلب أنه ٱنهي إلى ارتياب جماعة منكم في الدين ،وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة ٱمورهم، فعمنا ذلك لكم لا لنا ، وساءنا فيكم لا فينا؛لأن الله معنا ولا فاقة بنا إلى غيره ، والحق معنا فلن يوحشنا من قعد عنا،ونحن صنائع ربنا،والخلق بعد صنائعنا.

یاهؤلاء،ما لكم في الريب تترددون،وفي الحيرة تنعكسون ؟

ص: 162

أو ما سمعتم الله عز وجل يقول :«یاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ »(1) أوما علمتم ما جاءت به الآثار مما يكون ويحدث في أئمتكم عن الماضين والباقين منهم علیهم السلام؟أوما رأيتم كيف جعل الله لكم معاقل تأوون إليها ، وأعلاما تهتدون بها من الدن آدم علیه السلام إلى أن ظهر الماضي علیه السلام ، كلما غاب علم بدا علم،وإذا أفل نجم طلع نجم؟ فلما قبضه الله إليه ظننتم أن الله تعالى أبطل دينه،وقطع السبب بينه وبين خلقه،كلا ما كان ذلك ولا يكون حتى تقوم الساعة،ويظهر أمر الله سبحانه وهم کارهون.

وإن الماضي علیه السلام مضي سعيدا فقيداعلى منهاج آبائه علیهم السلام حذوالنعل بالنعل،وفينا وصيته وعلمه، ومن هو خلفه ومن هو يس مسده ، لا ينازعنا موضعه إلا ظالم آثم، ولا يدعيه دوننا إلا جاحد کافر ، ولولا أن أمر الله تعالى لا يغلب ، وسره لا يظهر ولا يعلن،لظهر لكم من حقنا ما تبين منه عقولكم،ويزيل شكوکكم،لكنه ما شاء الله كان، ولكل أجل كتاب.

فاتقوا الله وسلموا لنا،وردوا الأمر إلينا ، فعلينا الإصدار كما كان مناالإيراد،ولا تحاولوا كشف ما غطی عنكم ولا تميلواعن

ص: 163


1- سورة النساء:الآية 59.

اليمين ،وتعدلوا إلى الشمال ، واجعلوا قصدكم إلينا بالمودة على السنة الواضحة ، فقد نصحت لكم ، والله شاهد علي وعليكم ، ولولا ما عندنا من محبة صلاحکم ورحمتكم ، والإشفاق عليكم ، لكنا عن مخاطبتكم في شغل فيما قد امتحنا به من منازعة الظالم العتل الضال المتتابع في غيه،المضاد لربه،الداعي ما ليس له،الجاحد حق من افترض الله طاعت،الظالم الغاصب.

وفي ابنة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم ٱسوة حسنة وسیردي الجاهل رداءة عمله، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار ، عصمنا الله وإياكم من المهالك والأسواء ، والآفات والعاهات كلها برحمته ، فإنه ولي ذلك والقادر على ما يشاء ، وكان لنا ولكم وليا وحافظا ، والسلام على جميع الأوصياء والأولياء والمؤمنين ورحمة الله وبركاته،وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما. (1)

15-وكتب صلوات الله عليه في الرد على ادعاء عمه جعفر الإمامة بعد أخيه الإمام العسكري علیه السلام:

« بسم الله الرحمن الرحيم

أتاني كتابك أبقاك الله، والكتاب الذي أنفذته درجه وأحاطت

ص: 164


1- الغيبة/الطوسي: 285- 287.

معرفتي بجميع ما تضمنه على اختلاف ألفاظه، وتكرر الخطأ فيه،ولو تدبرته لوقفت على بعض ما وقفت عليه منه ، والحمد لله رب العالمين حمدة لا شريك له على إحسانه إلينا ، وفضله علينا،أبي الله عز وجل للحق إلا إتماما ، وللباطل إلا زهوقا ، وهو شاهد علي بما أذكره ، ولي عليكم بما أقوله ، إذا اجتمعنا ليوم لا ريب فيه ويسألنا عما نحن فيه مختلفون ، إنه لم يجعل لصاحب الكتاب على المكتوب إليه ولا عليك ولا على أحد من الخلق جميعة إمامة مفترضة ، ولا طاعة ولا ذمة ، وسأبين لكم جملة تكتفون بها إن شاء الله تعالی.

ياهذا، يرحمك الله إن الله تعالى لم يخلق الخلق عبثا ، ولا أهملهم سدی ، بل خلقهم بقدرته ، وجعل لهم أسماعاوأبصارأ وقلوبا وألبابا ، ثم بعث إليهم النبيين علیهم السلام مبشرين ومنذرين ، يأمرونهم بطاعته ، وينهونهم عن معصيته ، ويعرفونهم ما جهلوه من أمر خالقهم ودينهم ، وأنزل عليهم كتابة ، وبعث إليهم ملائكة يأتين بينهم وبين من بعثهم إليهم بالفضل الذي جعله لهم عليهم ، وما آتاهم من الدلائل الظاهرة ، والبراهين الباهرة ، والآيات الغالبة.

فمنهم من جعل النار عليه بردا وسلاما واتخذه خليلا ، ومنهم من کلمه تكليما وجعل عصاه ثعبانا مبينا، ومنه من أحيي الموتى

ص: 165

بإذن الله ، وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله ، ومنهم من علمه منطق الطير وٱوتي من كل شيء ، ثم بعث محمدا صلی الله علیه و آله رحمة للعالمين ، وتمم به نعمته ، وختم به أنبياءه ، وأرسله إلى الناس كائة ، وأظهر من صدقه ما أظهر ، وبين من آیاته وعلاماته ما بين .

ثم قبضه صلی الله علیه و آله و سلم حمیدا فقیدا سعیدا، وجعل الأمر من بعده إلى أخيه وابن عمه ووصيه ووارثه علي بن أبي طالب علیه السلام، ثم إلى الأوصياء من ولده واحدا واحدا ، أحيی بهم دينه ، وأتم بهم دينه ، وأتم بهم نوره ، وجعل بينهم وبين إخوانهم وبني عمهم والأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقان بينا يعرف به الحجة من المحجوج ، والإمام من المأموم.

بأن عصمهم من الذنوب ، وبرأهم من العيوب ، وطهرهم من الدنس، ونزههم من اللبس ، وجعلهم څزان علمه ، ومستودع حكمته ، وموضع سره، وأيدهم بالدلائل ، ولولا ذلك لكان الناس على سواء ولادعى أمر الله عز وجل كل أحد، ولما عرف الحق من الباطل ، ولا العالم من الجاهل.

وقد ادعى هذا المبطل المفتري على الله الكذب بما ادعاه ، فلا أدري بأية حالة هي له رجاء أن يتم دعواه ، أبفقه في دين الله ؟ فوالله ! ما يعرف حلالا من حرام،ولا يفرق بين خطأ وصواب،

ص: 166

أم بعلم فما يعلم حقا من باطل ، ولا محكما من متشابه ، ولا يعرف حد الصلاة ووقتها،أم بورع فالله شهید علی ترکه الصلاة الفرض أربعين يوما، يزعم ذلك لطلب الشعوذة ، ولعل خبره قد تأذى إليكم ، وهاتيك ظروف مسكره منصوبة ، وآثار عصيانه لله عز وجل مشهورة قائمة ، أم بأية فليأت بها،أم بحجة فليقمها ، أم بدلالة فليذكرها.

قال الله عز وجل في كتابه:

بسم الله الرحمن الرحیم

«حم . تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ . مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ .قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ۖ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَٰذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ(1)

فالتمس تولی الله توفيقك من هذا الظالم ما ذكرت لك، وامتحنه

ص: 167


1- سورة الأحقاف :الآيات 1-6

وسله عن آية من كتاب الله يفسرها أو صلاة فريضة يبين حدودها وما يجب فيها ،لتعلم حاله ومقداره،ويظهر لك عواره ونقصانه،والله حسيبه.

حفظ الله الحق على أهله،وأقره في مستقره،وقد أبى الله عز وجل أن تكون الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين علیهما السلام، وإذا أذن الله لنا في القول ظهر الحق ، واضمحل الباطل ، وانحسرعنكم،وإلى الله أرغب في الكفاية،وجميل الصنع والولاية،وحسبنا الله ونعم الوكيل ، وصلى الله على محمد وآل محمد.(1)

16-وحين سأله إسحاق بن يعقوب عن مسائل ، ورد الجواب بخط مولانا صاحب الدارعلیه السلام: «أما ما سألت عنه أرشدك الله ، وثبتك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا ، فاعلم أنه ليس بين الله عز وجل وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس مني ، وسبيله سبيل ابن نوح علیه السلام.

وأما سبيل عمي جعفر وولده ، فسبيل إخوة يوسف على نبينا وآله وعليه السلام.

وأماالفقاع فشربه حرام ولا بأس بالشلماب.

ص: 168


1- الغيبة/ الطوسي: 287 - 290.

وأماأموالكم فما نقبلها إلا لتطهروا فمن شاء فليصل،ومن شاء فليقطع ، فما آتانا الله خير مما آتاكم.

وأما ظهور الفرج فإنه إلى الله عز وجل،كذب الوقاتون.

وأما قول من زعم أن الحسین علیه السلام لم يقتل،فكفر وتكذيب وضلال.

وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله عليكم.

وأما محمد بن عثمان العمري رضی الله عنه، وعن أبيه من قبل،فإنه ثقتي وكتابه کتابي.

وأما محمد بن علي بن مهزيار الأهوازي فسيصلح الله قلبه، ويزيل عنه شه.

وأما ما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلا لما طاب وطهر،وثمن المغنية حرام.

وأما محمد بن شاذان بن نعيم فإنه رجل من شيعتنا أهل البيت.

وأما أبو الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع فإنه ملعون وأصحابه ملعونون ، فلا تجالس أهل مقالتهم وائي منهم بريء وآبائي علیهم السلام منهم براء.

وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئا فأكله فإنما

ص: 169

يأكل النيران.

وأما الخمس فقد ٱبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهورأمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث.

وأماندامة قوم قد شكوا في دين الله على ما وصلونا به،فقد أقلنامن استقال ولا حاجة لنا في صلة الشاکین.

وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله عز وجل يقول :« یا أَیهَا الَّذینَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْیاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ»(1)إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي.

وأما وجه الانتفاع في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غبتها عن الأبصار السحاب ، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ، فاغلقوا أبواب السؤال عما لا يعنيكم ، ولا تتكلفوا على ما قد كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ، فإن ذلك فرجكم ، والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب ، وعلی من اتبع الهدی).(2)

17-وجاء في توقيع آخر ردا على ما اختلف عليه بعض الشيعة

ص: 170


1- سورة المائدة: الآية 101.
2- الغيبة/الطوسي: 290 – 293

في الخلق والرزق:«إن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام ، وقسم الأرزاق ؛ لأنه ليس بجسم ، ولا حال في جسم ، ليس كمثله شيء وهو السميع العليم ، وأما الأئمة علیهم السلام فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق ، ويسألونه فيرزق ، إيجابا لمسألتهم ، وإعظاما لحقهم».(1)

18-وكتب إلى علي بن الحسين بن بابويه الصدوق ، والد الصدوقين ، حين سأله الدعاء أن يرزقه الله أولادا فقهاء:« إنك لا ترزق من هذه،وستملك جارية ديلمية،وترزق منها ولدین فقيهين ».(2)

وقد رزقه الله تعالى بعد ذلك الصدوقين عليها الرحمة .

ص: 171


1- الغيبة / الطوسی: 293 - 294.
2- الغيبة/الطوسي : 308، الحديث 261.

الدرس الثالث عشر: دعاة السفارة - 1

بسم الله الرحمن الرحیم

« کَذَلِکَ جَعَلْنَا لِکُلِّ نَبِىٍّ عَدُوّاً شَیَطِینَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ«(1)

ما مضت السنون طويلا على الغيبة الصغرى حتى برزت ظاهرة جديدة للعيان ، وظهرت حركة الانتهازيين من أئمة الضلال ، المصطادين في الماء العكر ، لتبتلي الطائفة الملحقة بجملة من طالبي الزعامة باسم الدين ، والرئاسة على العوام ، ممن غرتهم الدنيا وحب الجاه والمقام ، ومن كانت لهم أهداف مشؤومة، وغايات شيطانية أخرى ، كالتآمر لبت الفرقة والخلاف والشقاق بين صفوف أهل الحق ، كما هو المعتاد من صراع الحق والباطل،وخصومة أهل

ص: 172


1- سورة الانعام:112.

الباطل لأهل الحق،للنيل منهم ،ومن مبادئهم الحقة،وهي ظاهرة دعاة السفارة،وحركة تزوير النيابة الخاصة ممن حاولوا التلبس بهذا المنصب الشريف كذبا وزورا ، و ممن سعوا إلى تقمص هذا المقام الرفيع،منافسين بدعاواهم الباطلة ، ومزاعمهم الزائفة ، أصحاب السفارة الملحقة،والمحقين من سفراء مولانا بقية الله الأعظم عجل الله تعالى فرجه،وهو ليس غريبا إذ علمنا أنه ما من حق إلا وفي وجهه باطل يعاديه ويصد عنه ، ومن الملفت أن مثل هذه الدعاوى لم يكن لها أثر في عهد السفير الأول - الشيخ عثمان العمري رحمة الله - وإنما ظهرت منذ عهد ثاني السفراء وهو ابنه الشيخ محمد بن عثمان العمري رحمة الله، كما حدثتنا كتب التاريخ والسيرة والحديث،وذلك للأسباب التالية:

1-كون أصل موضوع السفارة بهذه الكيفية الخاصة في غياب المعصوم عليه السلام ظاهرة جديدة،وفكرة مستحدثة لم يسبق لها مثيل ، وعدم اعتیاد الناس عليه.

2-قوة شخصية السفير الأول وارتباطه الوثيق بالإمامين الهادي والعسكري علیهم السلام.

3- معرفة الشيعة بمكانته الرفيعة عند الإمامين العسكريين علیهما السلام.

4-قرب عهده بزمن الحضور.

5-قصر مدة سفارته.

ص: 173

6-جدية السلطة في البحث عن المهدي علیه السلام،ومطاردته ومطاردة كل من يمت إليه بصلة.

7-عدم وجود الإغراءات الدنيوية في تلك الفترة حول السفارة کي يسيل لعاب الطامعين.

8- حاجة مدعي السفارة إلى قاعدة شعبية ينطلق منها،وإعدادها يفتقر إلى فترة من الزمان و ملائمة الظروف.

فوجود تلك الموانع،بالإضافة إلى عدم وجود ما يقتضي دعوى السفارة ؛ لعدم وضوح الرؤية ، وما تترتب عليه من منافع و مصالح حالت دون ظهور تلك المزاعم على عهد السفير الأول.

ونحن نستعرض أسماء من ادعوا السفارة عبر التاريخ ، وموجزا عن حياتهم بناء على ما أثبتته كتب التاريخ والسيرة والحديث ، وهم على النحو التالي:

1-أبو محمد الحسن الشريعي:

كان من أصحاب أبي الحسن الإمام الهادي علیه السلام، ثم أصبح من أصحاب الإمام أبي محمد الحسن العسكري علیه السلام، وهو أول من انحرف من الأصحاب عن جادة الصواب ، واخذ سئم التزوير ليدعي ما ليس له ، ويبتدع طريقة البابية المزورة کذبا ودجلا، ظنا منه أنه المؤهل المنصب السفارة بالأولوية،وافترى على أئمة

ص: 174

الهدی علیهم السلام،لا سیما على صاحب الأمر صلوات الله عليه ، ونسب إليهم ما لا يليق بهم، ثم ظهر منه القول بالكفر والإلحاد، فخرجت ضده التواقيع من الناحية المقدسة تلعنه وتتبرأ منه، وتأمر الشيعة بلعنه والبراءة منه ، فعلنته الشيعة وتبرات منه.(1)

2-محمد بن نصير النميري (2)و الفهری:(3)

وكان من أصحاب الإمام االعسكری علیه السلام ، فانحرف أيضا، وادعي السفارة زورا وبهتانا ، فكتب الإمام العسكري علیه السلام كتابا ضده وضد شخص آخر يدعى ابن بابا القمی واسمه الحسن بن محمد ، يكشف فيه انحرافها ، ويظهر البراءة منها، قائلا لأحد أصحابه:«أبرأ إلى الله من الفهري والحسن بن محمد بن بابا القمی فابرأ منهما،فإني محذرك وجميع موالي، وإني ألعنها ، عليها لعنة الله ، مستأكلين ، يأكلان بنا الناس ...الخ»(4)

وكان يدعي أنه رسول نبي ، وأن علي بن محمد الهادي علیه السلام أرسله،وكان يغلو في أبي الحسن الهادي علیه السلام، ويقول فيه بالربوبية ، ويقول بالتناسخ ، وإباحة المحارم،و تحلیل نکاح الرجال للرجال. وتبعه

ص: 175


1- الغيبة / الطوسی: 244.
2- الغيبة / الطوسی: 244.
3- رجال الكشي: 438
4- رجال الكشي: 438

في ذلك جماعة ستموا بالنميرية(1)

أحمد بن هلال الكرخي 180 المبرتائي (2)،180_267ه:

وقد عاصر الإمام الرضا والجواد والعسكريين صلوات الله عليهم، وعاصر الغيبة الصغرى لسبع سنين ،ادعى السفارة خلالها ، له كتاب يوم وليلة ، وكتاب النوادر (3) اتخذ مسلك التصوف ، وحجة أربعة وخمسين حجة ، عشرون منها على قدميه ،لقيه أصحابنا بالعراق وكتبوا عنه.(4)

كان صالحا ولم يدع السفارة في عهد السفير الأول ، وإنما ادعاها في زمن السفير الثاني ، وأنكر النص عليه بالسفارة ، وإن اعترف بالنص على أبيه عثمان بن سعيد عليهما الرحمة والرضوان.(5)

ذمه الإمام العسكري علیه السلام على ما روي عنه(6)، ومن بعده ذمه مولانا صاحب الأمر علیه السلام،فكتب إلى وكلائه بالعراق:

ص: 176


1- انظر: غيبة الطوسي: 244. رجال الكشي : 438. فرق الشيعة : 93.مروج الذهب 4/213.3-
2- رجال النجاشي :65. رجال الكشي : 449.
3- رجال النجاشي: 65.
4- رجال الكشي: 449.
5- الغيبة/ الطوسي: 245
6- رجال النجاشي: 65.

«احذروا الصوفي المتصنع»، وورد على القاسم بن العلاء نسخة ما كان خرج من لعن ابن هلال،ولما أنكر رواة أصحابنا بالعراق ذلك لروايتهم عنه،خرج التوقيع التالي من ناحيته المقدسة:«قد كان أمرنا نفذ إليك في المتصنعابن هلال لا رحمه الله بما قد علمت ، ولم يزل - لا غفر الله ذنبه، ولا أقال عثرته ...الخ(1)،وتقدم في قسم التواقيع بحمد الله تعالى ، ولما عاد جماعة منهم إلى إنكارهم ذلك على القاسم بن العلاء، خرج إليهم توقيع آخر من الناحية المقدسة بما نصه:«لا شكر الله قدره ... الخ ، وتقدم أيضا في قسم التواقيع بحمد الله تعالى.(2)

وحين لم يكف أتباعه عن الاعتقاد به والدعوة إليه خرج توقيع ثالث ضده على يد الشيخ أبي القاسم بن روح رحمةالله بلعنه والبراءة منه. (3)

4-محمد بن علي بن بلال، المعروف بأبي طاهر البلالي: (4)وهو أيضا كان من أصحاب الإمام العسكري علیه السلام،وعده ابن طاووس رحمة الله من السفراء الموجودين في الغيبة الصغرى ،والأبواب المعروفين،وظاهره کونه بمنزلة القاسم بن العلاء والأشعري.

ص: 177


1- رجال الكشي: 450.
2- رجال آلکسی:450.
3- الغيبة/ الطوسي: 245
4- الغيبة/ الطوسي: 245

والأسدي ونحوهم من الوكلاء في الوثاقة والجلالة(1)غير أن الشيخ الطوسي أعلى الله مقامه ذكره في المذمومين متن ادعوا البابية والسفارة الخاصة ، ولهذا توقف العلامة الحلي و عن مروياته.(2)

قال شيخ الطائفة طيب الله ثراه:«وقصته معروفة فيما جرى بينه وبين أبي جعفر محمد بن عثمان العمري نظر الله وجهه ، وتمسكه بالأموال التي كانت عنده للإمام ، وامتناعه من تسليمها، وادعاؤه أنه الوكيل حتى تبرأت الجماعة منه ولعنوه ، وخرج فيه من صاحب الزمان ما هو معروف ، ثم أورد قصته مع العمري رضی الله عنه و مفضلا».ولم تفلح محاولات أبي جعفر محمد بن عثمان العمري رضی الله عنه في ردعه و تقویم انحرافه. (3)

5-ومنهم أبو بكر محمد بن أحمد بن عثمان،المعروف بالبغدادي:

وهو ابن أخي جعفر العمري - السفير الثاني – رضی الله عنه ، وحفيد السفير الأول عثمان بن سعيد العمري ، قال شيخ الطائفة قدس الله سره

ص: 178


1- جامع الرواة: 1/153.الخلاصة: 69.
2- الخلاصة:69.
3- الغيبة/ الطوسي:400

في الغيبة:«وأمره في قلة العلم والمروة أشهر من أن يذكر»(1)، وقال عنه:«كان معروفا لدى عمه أبي جعفر العمري بالانحراف ، ولم يكن معروفا لدى بعض أصحابه، ولهذا حين دخل على أبي جعفر وبعض أصحابه وهم يتذاكرون أحاديث أهل البيت عطار علیهم السلام ،بصر به أبو جعفررضی الله عنه،وقال للجماعة مشيرا إليه:«أمسكوا، فإن هذا الجائي ليس من أصحابكم. (2)

ممن صحبه وتبعه في دعواه المزعومة:أبو دلف محمد بن المظفر الكاتب ، وقد كان في ابتداء أمره مخمسا مشهورا بذلك ، والخمسة جماعة من الغلاة ذهبوا إلى القول بأن الخمسة:سلمان وأبا ذروالمقداد وعمار وعمرو بن ٱمية هم الموکلون بمصالح العالم من قبل الرب جل وعلا، لأنه كان تربية الكرخیین وتلميذهم وصنيعهم،وكان الكرخيون مخمسة.

وكان يقول:نقلني سيدنا الشيخ الصالح قدس الله روحه ونور ضريحه عن مذهب أبي جعفر الكرخي إلى المذهب الصحيح،يعني أبابكر البغدادي.(3)

ص: 179


1- الغيبة/الطوسي: 255.
2- الغيبة / الطوسي: 256
3- الغيبة/الطوسي: 256.

6- الباقطاني:

وكان شيخا مهيبا ذا أموال وغلمان وفرس کثیر.(1)

7-إسحاق الأحمر:

وكان شابا نظيفا،أكثر مالا وفرسا و غلمانا من الباقطاني. (2)

ص: 180


1- بحار االأنوار13/79و51/301
2- بحار االأنوار13/79و51/301

ص: 181

الدرس الرابع عشر: دعاة السفارة_2

بسم الله الرحمن الرحیم

8- محمد بن علي الشلمغاني:

نسبة إلى قرية شلمغان بنواحي واسط(1)،المعروف بابن أبي االعزاقری،أو العزاقري،وكنيته أبو جعفر،قال عنه الشيخ والنجاشي:كان شيخا مستقيم العقيدة والسلوك، صالحا (2)،متقدما في أصحابنا(3)،وكان وكيلا عن الشيخ أبي القاسم بن روح رضی الله عنه عند استتار الشيخ من المقتدر العباسي وأزلامه،

ص: 182


1- الکامل فی التاریخ:6/241
2- الغيبة/الطوسي : 183. رجال النجاشي: 293. فهرست الشيخ : 173.
3- رجال النجاشی:293.

وكان الناس يقصدونه ، ويلقونه في حوائجهم ومهماتهم ، وكانت تخرج على يده التوقيعات من صاحب الأمر صلوات الله عليه عن طريق ابن روح الی رضی الله عنه(1)، وله كتب عديدة حال استقامته،منها:کتاب التكليف (2)ومنها كتاب التأديب(3) وكتاب الغيبة(4)،وكتاب االأوصيا(5)، وله كتب أخرى ذكرها النجاشي في رجاله (6)لم يعلم هل كتبها حال استقامته أو بعد انحرافه.

ولكن أخرج الشيخ في الغيبة عن أبي علي محمد بن همام،أنه وزع توقيع مولانا صاحب الأمر صلوات الله عليه في لعن الشلمغاني على المشايخ،وأنه قال:إن محمد بن علي الشلمغاني لم يكن قط بابا وکيلا- إلى أبي القاسم، ولا طريقا له ، ولا نصبه أبو القاسم لشيء من ذلك على وجه،ولا سبب ، ومن قال بذلك فقد أبطل

ص: 183


1- الغيبة/الطوسی: 183 - 184.
2- الفهرست: 173.
3- الغیبة/الطوسی:240
4- .الغيبة / الطوسی: 208.
5- .الغيبة / الطوسی: 294.
6- راجع،رجال النجاشي : 293. فهرست الشيخ : 173. رجال الشيخ: 512.الكامل في التاريخ :6/241.

-أي قال بالباطل-وإنما كان فقيها من فقهائنا ،خلط ، وظهر عنه ما ظهر ، وانتشر الكفر والإلحاد عنه ، فخرج فيه التوقيع على يد أبي القاسم بلعنه والبراءة ممن تابعه و شایعه وقال بقوله.

ولعله توهم بن همام ذلك،أولا :لعدم المنافاة بين الوكالة حال الاستقامة،وبين الانحراف المتأخر.(1)

ثانيا:وأن النقل بثبوت الوكالة له أكثر،وعند الأصحاب أشهر.قالوا:ثم إنه حمله الحسد لأبي القاسم بن روح على ترك المذهب ،والدخول في المذاهب الرديئة، وظهرت منه مقالات منكرة،وأصبح غاليا، يعتقد بالتناسخ وحلول الٱلوهية فيه(2)410،وله دعاوی أخر باطلة.

فلما بلغ ذلك أبا القاسم رضی الله عنه كتب إلى بني بسطام بلعنه والبراءة منه و ممن تابعه على قوله وأقام على توليته...الخ.(3)

كما كتب رضی الله عنه إلى بني نوبخت يأمرهم بلعن أبي جعفر الشلمغاني،والبراءة منه وممن تولاه ورضي بقوله أو كلمه،ثم ظهر توقيع

ص: 184


1- الغيبة/الطوسي: 250.
2- الغيبة /الطوسي : 405،397 -
3- الغيبة/ الطوسي : 249

من مولانا صاحب الأمر علیه السلام يلعن فيه أبا جعفر الشلمغاني ويتبرأ منه وممن تابعه وشایعه ، ورضي بقوله ، وأقام على توليه ، بعد المعرفة بهذا التوقيع(1)و تقدم في قسم التوقيعات بحمد الله تعالى.

ثم إنه بلغ به الأمر حتى طالب أن يباهل الشيخ أبا القاسم الحسين بن روح رضی الله عنه قال الشيخ:«فبلغ ذلك إلى الخليفة الراضي العباسي فأمر بالقبض عليه وقتله ، فقتل عام 322ه،وٱحرق بالنار وجماعة من أتباعه،واستراحت الشيعة منه»(2)

9- الحسين بن منصور الحلاج:

وهو صوفي مشهور،فإنه حاول أن يستغوي أبا سهل بن إسماعيل بن علي النوبختي رضی الله عنه، ظنا منه أنه ممن تنطلي عليه هذه الأباطيل، وقد فضحه النوبختي رحمة الله في بغداد،والشيخ ابن بابویه القمی رحمة الله في قم، على رؤوس الأشهاد، وهكذا كشف عن ضلاله وكفره أعلام الطائفة رحمة الله، وخرجت فتاوی صريحة بكفره.

وقال شيخ الطائفة طيب الله ثراه:«أخبرنا الحسين بن إبراهيم،عن أبي العباس أحمد بن علي بن نوح،عن أبي نصر هبة الله بن

ص: 185


1- الغيبة / الطوسي : 248 - 254.
2- الغيبة/الطوسي: 250، 183، 187.الكامل في التاريخ : 6/241.

محمد الكاتب ابن بنت ٱم كلثوم بنت أبي جعفر العمري ،قال:

لما أراد الله تعالى أن يكشف أمر الحلاج ويظهر فضيحته ويخزيه، وقع له أن أبا سهل إسماعيل بن علي النوبختي رضی الله عنه ممن تجوز عليه مخرقته،وتتم علیه حيلته،فوجه إليه يستدعيه،وظن أن أبا سهل كغيره من الضعفاء في هذا الأمر بفرط جهله،وقدر أن يستجره إليه فيتمخرق به،ويتسوف بانقياده على غيره ، فيستتب له ما قصد إليه من الحيلة والبهرجة على الضعفة ؛ لقدر أبي سهل في أنفس الناس و محله من العلم والأدب أيضا عندهم، ويقول له في مراسلته إياه:إني وکیل صاحب الزمان علیه السلام - وبهذا أولا كان يستجر الجهال ثم يعلو منه إلى غيره.وقد أمرت بمراسلتك وإظهار ما تريده من النصرة لك لتقوى نفسك،ولا ترتاب بهذاالأمر.

فأرسل إليه أبو سهل رضی الله عنه يقول له:إني أسألك أمرا يسيرا يخف مثله عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل والبراهين ، وهو أني رجل أحب الجواري وأصبو إليهن،ولي منهن عدة أتحظاهن والشيب يبعدني عنهن ويبغضني إليهن ،واحتاج أن ٱخضبه في كل جمعة،وأتحمل منه مشقة شديدة لأستر عنهن ذلك،وإلا انكشف أمري عندهن،فصار القرب عدة ،والوصال هجرا،وٱريد أن تغنيني عن الخضاب، وتكفيني مؤنته،وتجعل لحيتي سوداء،فإني

ص: 186

طوع يديك،وصائر إليك،وقائل بقولك،وداع إلى مذهبك،مع ما لي في ذلك من البصيرة ولك من المعونة ، فلما سمع ذلك الحلاج من قوله وجوابه علم أنه قد أخطأ في مراسلته وجهل في الخروج إليه بمذهبه،وأمسك عنه ولم يرد إليه جوابا،ولم يرسل إليه رسولا ، وصيره أبو سهل رضی الله عنه ٱحدوثة وضحكة ويطنز به عند كل أحد، وشهر أمره عند الصغير والكبير ، وكان هذا الفعل سببا لكشف أمره وتنفير الجماعة عنه ، وأخبرني جماعة ، عن أبي عبدالله الحسين بن علي بن الحسين بن موسی بن بابویه أن ابن الحلاج صار إلى قم، وكاتب قرابة أبي الحسن يستدعيه ويستدعي أبا الحسن أيضا،ويقول:أنا رسول الإمام ووكيله ، قال: فلما وقعت المكاتبة في يد أبي رضی الله عنه خرقها وقال الموصلها إليه:ما أفرغك للجهالات ؟ فقال له الرجل - وأظن أنه قال:إنه ابن عمته أوابن عمه - فإن الرجل قد استدعانا فلم خرقت مکاتبته وضحكوا منه وهزؤا به؟ثم نهض إلى دكانه ومعه جماعة من أصحابه وغلمانه.

قال:فلما دخل إلى الدار التي كان فيها دكانه نهض له من كان هناك جالسا غير رجل رآه جالسا في الموضع ، فلم ينهض له ولم يعرفه أبي ، فلما جلس وأخرج حسابه ودواته كما يكون التجار أقبل على بعض من كان حاضرا،فسأله عنه فأخبره فسمعه

ص: 187

الرجل يسأل عنه، فأقبل عليه وقال له:تسأل عني وأنا حاضر؟

فقال له أبي:أكبرتك أيها الرجل وأعظمت قدرك أن أسألك ،فقال له:تخرق رقعتي وأنا أشاهدك تخرقها ؟ فقال له أبي:فأنت الرجل إذا.

ثم قال:يا غلام برجله وبقفاه ، فخرج من الدار العدولله ولرسوله ، ثم قال له : أتدعي المعجزات عليك لعنة الله؟أو كما قال:فأخرج بقفاه فما رأيناه بعدها بقم. (1)

فلم يكن الحلاج لعنه الله شيعيا خلافا لمازعم بعض المؤرخين وغيرهم،كما لم يخرج فيه توقيع من الناحية المقدسة ؛ وذلك لانكشاف أمره سريعا ووضوح كفره،ولما رأى الخليفة المقتدر فتاوی علماء المسلمين وإجماعهم على كفره وارتداده وإباحة دمه سارع إلى القبض عليه ، وأمر بضربه ألف سوط ، وقطعت يده ، ثم رجله ، ثم يده الٱخرى ، ثم رجله الٱخرى ، ثم قتل ، ثم أحرق بالنار،وٱلقي رماده في دجلة،ونصب الرأس ببغداد، وأرسل إلى خراسان؛لأنه كان له بها أصحاب.(2)

ص: 188


1- الغيبة/الطوسي: 403.401.
2- الكامل في التاريخ :6/168-169.

أبو دلف محمد بن المظفر الكاتب:

كان من الخمسة،ثم آمن بأبي بكر البغدادي ، واعتبر مذهبه هو الحق (1)، وكان يقدمه على الحسين بن روح رضی الله عنه(2) حتى أوصى له البغدادي بعد وفاته (3)فادعى بذلك السفارة بعد السمري الذي كان آخر السفراء،يخبره فيه عن قرب موته وشروع الغيبة التامة ، ويأمره أن لا يوصي بالسفارة إلى أحد لانقطاع السفارة بموته، وعدم إمكان المشاهدة حتى تسمع الصيحة ويخرج السفياني.

وكان أبو دلف هذا معروفا بالإلحاد ، ثم أظهر الغلو، ثم جن وسلسل ، ثم مفضةمفوضا -أي قال بالتفويض - حتى استخف به كل الناس ، ولا عرفته الشيعة إلا مدة يسيرة، والجماعة تتبرأ منه ومن يوصي إليه وينمس له وأمره في الجنون أكثر من أن يحصى. (4)

فهذا حال خط الانحراف الذي تمثل فيمن ادعوا السفارة زورا ليصدوا عامة الناس عن جادة الصواب ،ويطعنوا المذهب الحق في

ص: 189


1- الغيبة/الطوسی:256.
2- الغيبة/الطوسی:250.
3- الغيبة/الطوسی:255.
4- الغيبة/الطوسی:254-256.

خاصرته بخناجر الحقد والحسد ، ويتضح من ذلك أن حال الفقهاء الصادقين النائبين عنه علیه السلام في الغيبة الكبرى - مثل زماننا هذا _كحال السفراء الصادقين في الغيبة الصغرى ، وهكذا حال المذهب وأهله ، من جهة ابتلائهم بطائفة من عبيد الدنيا وطالبي الرئاسة ممن نصبوا أنفسهم فقهاء بفضل الظروف السياسية ، وبقوة القهر والغلبة وسلاح الإعلام ، فجلسوا مجلس الفتيا، واحتكروا الزعامة الدينية وهم ليسوا من أهله ، وصرفوا وجوه المقلدين من العوام ،والمغرر بهم ،عن الأعلام من النواب الصادقين والفقهاء الجامعين لشرائط التقليد ، مما ضاعف المسؤولية الملقاة على عواتق أهل الخبرة والعلماء في التصدي لهذه الظاهرة السيئة التي عصفت بالمذهب الحق ، وضاعفت مسؤولیةالمقلدين في البحث والتحري عن الفقيه الأعلم الجامع الشرائط التقليد ، بعد تمييز الغث من السمين ، بعيدا عن التأثر والانفعال بالإعلام الكاذب المنادي بالشعارات البراقة التي لا شأن لها بالفقاهة والأعلمية من قريب أو بعيد ، قال تعالى :« فَأَمَّا الزَّبَدُ فَیَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا یَنفَعُ النَّاسَ فَیَمْکُثُ فِى الْأَرْضِ«(1)

ص: 190


1- سورة الرعد:الآية 17.

ص: 191

الدرس الخامس عشر: وكلاءالإمام عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحیم

ومما امتازت به هذه الفترة أعني الغيبة الصغرى - أيضا وجود وكلاء تم تنصيبهم من قبل السفراءالأربعة،بأمر من مولانا صاحب الزمان علیه السلام،يقومون بالوعظ والإرشاد لعامة الناس بالإضافة إلى استلام الحقوق المالية والمكاتبات لإرسالها إلى السفراءرضی الله عنه، وقد أورد أعلامنا المؤرخون والمحدثون أسماء هؤلاء في كتبهم ونحن ننقلها عنهم زيادة للفائدة ؛لأنهم قاموا بأدوار جيدة ساهمت في تسهيل مهمة السفراء ، وشكلوا حلقة الوصل بين الناس وبين السفراء المتصلين مباشرة بالإمام علیه السلام مما ساعد كثيرا في توعية الشيعة، لا سيما في البلاد والمناطق النائية التي كان يصعب فيها الاتصال بالسفراء ، كما ساعدوا بدورهم في تخفيف الأعباء والمسؤوليات

ص: 192

التي كانت تثقل كاهل السفراء ،ممهدين لهم سبيل التفرغ لما هو الأهم من القضايا والشؤون التي كانت تحيط بالأمة يومذاك.

1-حاجز بن يزيد الملقب بالوشا:(1)

فقد روى الشيخ المفيد أعلى الله مقامه بإسناده عن الحسن بن عبدالحميد ، قال:شككت في أمر حاجز ، فجمعت شيئا ثم صرت إلى العسكر - يعني سامراء- فخرج إلي:«ليس فينا شك ولا فيمن يقوم مقامنا بأمرنا، تردما معك إلى حاجز بن یزید.(2)

وروى الكليني بسنده عن محمد بن الحسن الكاتب المحروزي ،أنه قال:وجهت إلى حاجزالوشاء مائتي دينار ،وكتبت إلى الغريم بذلك ، فخرج الوصول ، وذكر أنه كان قبلي ألف دينار،وإنی وجهت إليه مائتي دينار،وقال:إن أردت أن تعامل أحدافعليك بأبي الحسين الأسدي بالري ، فوردالخبر بوفاة حاجز رضی الله عنه بعد يومين أو ثلاثة ... الخ.(3)

2-أبو طاهر محمد بن على بن بلال البلالي:

وقد عده ابن طاووس رحمة الله من السفراء-أي الوكلاء-المعروفين

ص: 193


1- منتهى المقال:1/241.
2- الإرشاد:333.
3- الغیبة/الطوسی:257.

في الغيبة الصغرى ،وخرج فيه التوقيع التالي:«أنه الثقة المأمون العارف بما يجب عليه»(1)

وعده الشيخ الصدوق رحمة الله من الوكلاء في القائمة التي أوردها بأسمائهم(2)لكن الشيخ رحمة الله ذكره في المذمومين (3)وروى فيه أحاديث تدل على انحرافه بعد ذلك وادعائه السفارة زورا.

3-العطار:(4)

وهو اسم مشترك بين كثيرين، أهمهم:محمد بن يحيى العطار ، وابنه أحمد بن محمد بن يحيى العطار ، ويحیی بن المثنى العطار ، والحسن بن زیاد العطار ، وإبراهيم بن خالد العطار ، وعلي بن عبدالله ،أبو الحسن العطار،وعلي بن محمد بن عمر العطار،ومحمد بن عبدالحميد العطار،ومحمد بن أحمد بن جعفر القمی العطار،وداود بن يزيد العطار ، وغيرهم...

ص: 194


1- رجال الكشي: 485.
2- کمال الدین:442.
3- الفیبة /الطوسی :353.
4- کمال الدين : 8 و 17 و 33 و 73 و 346 و 666 و 442.

4-العاصمی (1)

وهو مشترك أيضا بين شخصين:عیسی بن جعفر بن عاصم،وهو الذي دعا له الإمام الهادي علیه السلام(2)وأحمد بن محمد بن أحمد بن طلحة، وكنيته أبو عبدالله،قال النجاشي :كان ثقة في الحديث ، سالما، خيرا،أصله كوفي ، سكن بغداد ، وروي عن الشيوخ الكوفيين ، له کتب منها: کتاب النجوم وكتاب مواليد الأمة وأعمارهم (3)إلا أنهما لم يشتهرا بالوكالة ولم يعرف معاصرتها للغيبة الصغرى ، ولعل الشيخ الصدوق رحمة الله أراد شخصا ثالثا لم نعرفه، ولم يروله ذكر في كتب الرجال.

5- محمد بن إبراهيم بن مهزیار(4)

روى الشيخ في الغيبة بسنده إلى الكليني رحمة الله مرفوعا إلى محمد بن إبراهيم بن مهزیار،قال:شككت عند مضي أبي محمد الحسن العسكري علیه السلام.وكان اجتمع عند أبي مال جليل ، فحمله وركب السفينة وخرجت معه مشيعة له ،فوعك وعكا شديدا،فقال:

ص: 195


1- كمال الدين: 442.
2- رجال اکشی:502
3- رجال النجاشی:73.
4- جامع الرواة :1/44

يا بني، ردني ردني فهو الموت ، واتق الله في هذا المال ، وأوصى إلي ومات، فقلت في نفسي: لم يكن أبي ليوصي بشيء غير صحيح ، أحمل هذا المال إلى العراق وأكتري دارا على الشط، ولا ٱخبرأحدا، فإن وضح لي شيء کوضوحه أيام أبي محمد علیه السلام أنفذته،وإلا تصدقت به.

فقدمت العراق واكتریت دارا على الشط ، وبقيت أياما، فإذا أنا برسول معه رقعة فيها:« يا محمد،معك كذا وكذا في جوف كذا وكذا»،حتى قص على جميع ما معي ، مما لم أحط به علما، فسلمت المال إلى الرسول ، وبقيت أياما لا يرفع لي رأس، فاغتممت ،فخرج إلى:«قد أقمناك مقام أبيك فاحمد الله.(1)

وأما ما نسب إليه في رواية الإرشاد أنه قال: «وإلا أنفقته في ملاذي وشهواتي »(2)،أو ما نسب إليه في رواية الطبرسي أنه قال:«وإلا قصفت به(3)

، فلا يناسب شأن هذا الرجل ولا يروق لمقامه الشامخ فهو قطعا موضوع مدسوس.

ص: 196


1- الغيبة / الطوسي: 171.
2- الإرشاد: 331.
3- إعلام الوری : 418.

6-أحمد بن إسحاق بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري،أبو علي القمي.(1)

وكان وافد القميين،روي عن الإمامين أبي جعفر الثاني الجواد وأبي الحسن الهادي علیهماالسلام، وكان من خاصة أبي محمد العسكري علیه السلام.(2)

وعد له الشيخ في الفهرست کتبا،منها: کتاب علل الصلاة،و مسائل الرجال لأبي الحسن الثالث علیه السلام(3)،وعاش بعد أبي محمد العسكري علیه السلام ، (4) وعده الشيخ من الثقات المحمودين الذين كانت ترد عليهم التوقيعات من قبل السفراء، وممن خرج التوقيع في مدحهم وتوثيقهم(5)،وكان من خواص أبي محمد العسكري علیه السلام ممن بشرهم بولادة الإمام صاحب الزمان علیه السلام؛إذ أرسل إليه كتابا يقول فيه:«ولد لنا مولود فليكن عندك مستورا،وعن جميع الناس مكتوما،فإنا لم نظهر عليه إلا الأقرب لقرابته، والمولی لولايته،

ص: 197


1- كمال الدين: 442.
2- رجال النجاشي: 71.
3- الفهرست:50.
4- رجال الكشي : 467.
5- الغيبة/ الطوسي:258

أحببنا إعلامك ليسرك الله به مثل ما سرنا به،والسلام»(1) وكان متن نالوا شرف رؤية الحجة صلوات الله عليه بعد ولادته بأيام.

7- محمد بن صالح بن محمد، الهمداني،الدهقان:

من أصحاب الإمام العسكري علیه السلام،وكيل الناحية. (2)

جاء في التوقيع الذي خرج لإسحاق بن إسماعيل:«فإذا وردت بغداد ،فاقرأه على الدهقان وكيلنا وثقتنا،والذي يقبض من موالینا.(3)

ثم إنه غلا في آخر عمره(4)،وانحرف ،وخرج فيه توقيع يلعنه. (5)

8_الشامي(6)

لم نعرف نسبه،كان من أهل الري، وكان من وكلاء القائم عجل الله تعالی فرجه.

9-محمد بن جعفر بن محمد بن عون الأسدي،الرازي:

كان أحد الأبواب(7)يكنى أباالحسين،له کتاب الرد على

ص: 198


1- كمال الدين : 442.
2- جامع الرواة:1/131.
3- رجال الكشي: 485.
4- جامع الرواة:1/131.
5- جامع الرواة : 2/447
6- كمال الدين : 442.
7- جامع الرواة: 2/83

أهل الاستطاعة(1)وهو كوفي سكن الري ،يقال له:محمد بن أبي عبدالله،كان ثقة صحيح الحديث،إلا أنه روي عن الضعفاء،وكان يقول بالجبر والتشبيه،وكان أبوه وجها،روى عنه أحمد بن محمد بن عيسى،ومات ليلة الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة.(2)

قال عنه الشيخ رحمة الله:«وكان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل ، منهم: أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي رحمة الله، وخرج فيه توقيع يمدحه ويوثقه(3)وبعد هذا فلا معنى لما نسب إليه في قول النجاشي من القول بالجبر والتشبيه

10-القاسم بن العلا:

وهو من أصل أذربيجان،قال ابو طاووس:إنه من وكلاء الناحية،ويكنى بأبي محمد. (4)

قال الشيخ طيب الله ثراه:عمر مائة وسبع عشرة سنة ، منها ثمانون

ص: 199


1- الفهرست / الشيخ الطوسي: 179.
2- رجال النجاشی: 289.
3- الغيبة / الشيخ الطوسي : 257 - 258.
4- جامع الرواة : 2/19

سنة صحيح العينين ، لقي الإمامين الهادی والعسكري عليهماالسلام، وٱصيب بالعمى بعد الثمانين ، وكان مقيقابمدينة الان من آذربيجان، وكانت لا تنقطع توقيعات مولانا صاحب الزمان إليه ،على يد أبي جعفر محمد بن عثمان العمري ، وبعده على أبي القاسم بن روح، قدس الله روحهما،وقد أورد الشيخ والراوندي»حديثا مفصلا وتوقيعا إلى ولده،يدلان على جلالة قدره وعظمة شأنه. (1)

11-محمد بن شاذان بن نعيم النعيمي النيسابوري.(2)

عده ابن طاووس من وكلاء الناحية ،وممن وقف على معجزات مولانا صاحب الزمان ورآه عليه الصلاة والسلام. (3)

جاء في التوقيع الشريف:«وأما محمد بن شاذان بن نعيم،فإنه رجل من شيعتنا أهل البيت.(4)

12-إبراهيم بن مهزیار،أبو إسحاق الأهوازی:(5)

والد محمد بن إبراهيم بن مهزیار،جاء في التوقيع الشريف:

ص: 200


1- الغيبة/الشيخ الطوسي: 188 - 189.الخرائج والجرائح: 69.
2- کمال الدين: 442.
3- جامع الرواة :2/130.
4- إعلام الوری:424
5- رجال النجاشی:13.

«قدأقمناك مقام أبيك فاحمد الله.»(1)

روی آلکسی رحمة الله حكاية عن ولده محمد تدل على صحة وكالته عن الإمام صاحب الأمر أرواحنا فداه(2) وهكذا عده ابن طاووس من السفراء والأبواب المعروفين الذين لا يختلف الإثنا عشرية فيهم.(3).

وذكر النجاشي رحمة الله أن له کتاب البشارات.(4)

13-الحسين بن على بن سفيان بن خالد بن سفيان،أبوعبدالله البزوفري.

قال عنه النجاشي:«شيخ جليل من أصحابنا، له کتب »(5)،وروى الشيخ في الغيبة له خبرا يدل على جلالة قدره واعتماد السفراء عليه(6)،وعلق العلامة المجلسي رحمة الله فی البحار على هذا الخبر قائلا:«يظهر منه أن البزوفري كان من السفراء،ولم ينقل،ويمكن أن يكون وصل ذلك إليه بتوسط السفراء، أو بدون توسطهم

ص: 201


1- الغيبة/الطوسي: 282. الإرشاد: 2/356.الكافي: 1/518.
2- رجال الكشي: 447.
3- جامع الرواة: 1/35
4- رجال النجاشی:13.
5- رجال النجاشی:53-54.
6- الغیبة/الشیخ الطوسی:187.

في خصوص الواقعة»(1)

إبراهيم بن محمدالهمداني:

قال عنه ابن طاووس طيب الله ثراه:«وكيل الناحية،كان حج أربعين حجة.(2)

وقال الكشی رحمة الله:« روي عنه أنه قال:وكتب إلي -يعني الجواد علیه السلام أو الإمام صاحب الأمر علیه السلام:«وقد وصل الحساب،تقبل الله منك ورضي عنهم، وجعلهم معنا في الدنيا والآخرة ، وقد كتبت إلى النضر،أمرته أن ينتهي عنك وعن التعرض لك ولخلافك، وأعلمته موضعك عندي ، وكتبت إلى أيوب أمرته بذلك أيضا ،وكتبت إلى موالي بهمدان كتابا أمرتهم بطاعتك والمصير إليك ، وأن لا وكيل لي سواك. (3)

كما ورد توثيقه عن الإمام صاحب الزمان أرواحنا فداه أيضا.(4)

15-أحمد بن اليسع بن عبدالله القمي:

قال عنه النجاشي:«روی أبوه عن الرضا علیه السلام،ثقة ثقة،له کتاب

ص: 202


1- بحار الأنوار:13/86.
2- جامع الرواة: 1/32.
3- رجال الكشي:508 - 509.
4- رجال الكشي: 467.الغيبة/الطوسي : 258.

نوادر»(1)وروى الشيخ والكشی توثيقه عن الإمام صاحب الأمرعلیه السلام.الغيبة/ الطوسي : 258. رجال الكي : 467.

16-أيوب بن نوح بن دراج النخعي، أبو الحسين:

كان وكيلا لأبي الحسن الهادي وأبي محمد العسكري علیهماالسلام، عظيم المنزلة عندهما، مأمونا، وكان شديد الورع، كثير العبادة ، ثقة في رواياته ، وأبوه نوح بن دراج كان قاضيا بالكوفة، وكان صحيح الاعتقاد، له کتاب نوادر (2)، وروایات و مسائل عن أبي الحسن الثالث الهادي علیه السلام.(3)

وروى الشيخ عن عمر بن سعيد المدائني أنه كان عند أبي الحسن العسكري علیه السلام؛إذ دخل أيوب بن نوح... فلما انصرف التفت إليه أبو الحسن علیه السلام وقال:«یا عمرإن أحببت أن تنظر إلى رجل من أهل الجنة فانظر إلى هذا(4)

ص: 203


1- رجال النجاشي: 71.
2- رجال النجاشي:80
3- الفهرست / الطوسي: 40.
4- الغيبة/الطوسي: 80.

الدرس السادس عشر: فلسفة الغیبة-1

بسم الله الرحمن الرحیم

كان الاعتقاد بالمهدي الموعود سائدا منذ الصدر الأول للإسلام،حيث عبر عنه الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله قائلا:«المهدي منا أهل البيت يصلح الله له أمره في ليلة(1)،أو قال:«المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في لليله.(2)

وقد بلغت هذه الأحاديث من التواتر حدا حتى لم ينكر المهدي أحد من الشيعة والسنة ، سوى أن السنة أنكروا حياته وخصوها بآخر الزمان،واختلافات ٱخرى جوهرية بذلناها في محلها،

ص: 204


1- بحارالأنوار:52/280.
2- کمال الدین:152.دلائل الإمامة:464.بحارالأنوار:26/396و51/86و52/281

أما الشيعة فقد عقدوا حكمة وجودهم بفلسفة الغيبة وضرورة انتظار المهدي ، وبناء على هذه العقيدة أرسخوا دعائم نظرتهم الغيبية ، وبالإيمان بحياته استطاعوا أن يتجاوزوا المخاطر والعثار ، لئلايكونوا هدفا في مرمى السهام السياسية ، ولا صيدا سهل التناول في شرائك المفاسد الاجتماعية،ولا لقمة سائغة لآراء الزنادقة والعقائد الباطلة،بل كان الإيمان بحياته حصنا حصينا، ودرعا واقيا، وسدا منیعا يحمي ثغور العقيدة من زلازل الفتن،وعبث المغرضين،فيعيش الشيعي ببصيرة نافذة،ونظرة ثاقبة يحدوها الأمل المنبثق من الإيمان بالغد المشرق، والحياة الطيبة في الدولة الكريمة المرتقبة،من واقع اعتقاده بأن إمامه حي يراه ويعيش في جنبه ، ومطلع على حاله ، ليكون قد تمسك بالغاية ليعود إلى نفسه ويجد ضالته ، فيؤثر الحياة العقبي ولا يبيع الآخرة بالٱولى ، بل يكون على نفسه رقیبا ، يصده عن الانسياق وراء أهوائه وشهواته إيمانه بالغيب ، فلا ينخرط في سلك الظالمين ، ولا ينضوي تحت لوائهم ، بل كان الشيعي على مدى القرون والأعصار وعلى مر التاريخ متمسكا بٱصول مذهبه الحق ، والثوابت التي لا تتزلزل ولا يطرأ عليها التغيير ، فكان ولا يزال خصما للظالم وعونا للمظلوم،طالبا للحق والعلم والمعرفة،صلب الإيمان، داعيا إلى الخير ،نابذا مناهضاللشر ؛ذلك أنه تمسك

ص: 205

بالغاية،على نحو المقولة الشهيرة«خذ بالغايات ودع المبادي».

وانطلاقامن قوله صلی الله علیه و آله و سلم:«إن الأرض لا تخلو من حجة الله على خلقه إلى يوم القيامة،وأن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية. (1)

ومن لوازم معرفة الإمام المختار من السماء والمنصوب من قبل النبي صلی الله علیه و آله و سلم أن يبايعه ويتولاه ، ومن لوازم تلك البيعة وذلك الولاء أن لا يركن إلى غيره ،من واقع قوله تعالى:« وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ».(2)،ولا تكون لغير الإمام المعصوم بيعة في عنقه،ولا ولاء في قلبه و قرارة نفسه ، ولم يكن ليرضخ لحكومة سوى حكم الإسلام وشريعة القرآن ، فغدى منذ الصدر الأول للإسلام منتظرا صابرا محتسبا للمهدي الموعود،و مرتقبالدولته الكريمة ،التي ستملأ الأرض قسطاوعدلا، ولهذا كان المهدي علیه السلام في جذور التشيع وأعماقه،وفي ضمير كل شيعي هو الإنسان الكامل الذي سيحقق للعالمين أسمى وأجلى سمات العدل والفضيلة،

ص: 206


1- كمال الدين : 409، كفاية الأثر / الخزار القمي: 296. وسائل الشيعة :16/246
2- سورة هود:الاية 113.

و تتحقق به وعلى يديه الإرادة الإلهية « وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ»(1)،فلا يعبد ولا يطاع في الأرض غير الله سبحانه وتعالى،بعد تحطم للأصنام الجامدة الحجرية والأصنام المتحركة البشرية،وبعد ما يتم القضاء على القوانين والدساتير الوضعية التي تعبد بها الناس بدلا من التعبد بشرع الله تبارك وتقدس ، وذلك بعد أن تتهاوى مجالس التشريع التي أضحت تناهض التشريع الإلهي وتتحداه؛إذ لا حكم في دولة المهدي علیه السلام سوى حكم الله تعالى:« إِنِ الْحُکْمُ اِلاّ لله»(2)وحلال محمد حلال إلى يوم القيامة (3)، وحرامه حرام إلى يوم القيامة؛إذ قال تعالى:«لكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً»(4)وقال تعالى:«أَطِيعُوا الله و أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» (5)وقال تعالى:« وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ

ص: 207


1- سورة القصص : الآية 5.
2- سورة الأنعام: الآية 57. سورة يوسف : الآيتان 40 و67
3- بصائر الدرجات: 168. مستدرك الوسائل:18/11.ومثله انظر الكافي:1/58
4- سورة المائدة :الآية 48.
5- سورة النساء:الآية 59.

عَنْهُ فَانْتَهُوا»(1)،وقال تعالى:« مَنْ لَمْ یحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ». (2) «هُمُ الظَّالِمُونَ».(3)،«هُمُ الْفَاسِقُونَ»(4)

ولهذا جاء بعد التوكيد بعد التوكيد،والتذكير تلو التذكير ، على ضرورة انتظار الفرج ، ودوام التأمل والتعمق في فلسفة الغيبة ، من أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم،وتجلى ذلك في أقوالهم بمنتهی الفصاحة والبلاغة، فقد روي عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بالإسناد الصحيح:«أفضل العبادة انتظار الفرج» (5)،حتى أصبح طول الغيبة أكثر إيجابيا بعدما كان المتوقع أن يكون أمرا سلبيا، وكلما طالت الغيبة وطال انتظار الفرج تعمق معهما مفهوم الانتظار، وتجلت حقیقته،فضرب بجذوره في أعماق النفوس، وترسخت قواعده في عقيدة الناس، وكلماتجذرت هذه الحقيقة وترسخت تلك القواعد والأسس في العقائد والنفوس، أضحت فلسفة الغيبة أجلى،وغدت أقرب

ص: 208


1- سورة الحشر:الآية 7.
2- سورة المائدة: الآية44
3- سورة المائدة :الآية45
4- سورة المائدة:الآية 47.
5- الفرج بعدالشدة/ التنوخي:1/27.بحار الأنوار:52/125. الأنوارالبهية:368، ينابيع المودة:3/397

للعقول،وٱشدٱلفة لدى النفوس،حيث كانت النفوس تنفرمنها بطبيعتها،وكان من آثار هذا التجذر والتعميق تمسك الشيعي و تقيده بآداب الانتظار وسعيه الدؤوب وراء الإصلاحين:الإصلاح النفسي والإصلاح الاجتماعي،ومن ثم ظهرت الدعاوى والمزاعم الباطلة،وكثر دعاة المهدوية من ضلوا وأضلوا معهم خلقا من الناس،ولا عجب في ذلك ؛ إذ ما من حق إلا وفي وجهه باطل يتربص به ويصد عنه،وقد حدثنا التاريخ عن خلق كثير هلكوا في الحق وضلوا في سبيله،وإليك مقولة أميرالكلام عليه الصلاة والسلام:«فليس من طلب الحق فأخطأه،کمن طلب الباطل فأدركه»(1)،ويكفيك المأثورمن تعقيبات فريضةالصبح:

«اللهم صل على محمد وآل محمد،واهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك،إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقیم» (2)

ويزيدك تصديقا و تحقيقا قوله علیه السلام:

«اللهم صل على محمد وآل محمد،وأرني الحق حقا فأتبعه،

ص: 209


1- الفرج بعد الشدة/التنوخي:1/27. بحارالأنوار:52/125.الأنوارالبهية: 368. ينابيع المودة:3/397.
2- مصباح المتهجد: 54 و 111 و 200.

والباطل باطلا فأجتنبه»(1)ولاغرو في ذلك إذاكان أهل الباطل يلبسون الحق بالباطل ، فیضلون ویضلون.

ولهذا جاء في كتاب الغيبة للنعماني في بيان فلسفة الغيبة وعلتها عن أمير البيان عليه الصلاة والسلام أنه قال:«وليبعثن الله رجلا من ولدي في آخرالزمان يطالب بدمائنا، وليغيبن عنهم تمييزا لأهل الضلالة...الخ». (2)

وفي خبرآخرعنه علیه السلام:« واعلمواأن الأرض لا تخلو من حجة لله عزوجل،ولكن الله سيعمي خلقه عنها بظلمهم وجورهم وإسرافهم على أنفسهم..» (3)،« ذَلِکَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ یَکُ مُغَیِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى یُغَیِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ» (4)

وقد بذل الإمامان الباقر والصادق عليها الصلاة وا (5)جهودامضنية،واهتاما بالغا في بيان الفلسفة التي من أجلها وقعت الغيبة دفاعا منهماعن الغيبة المرتقبةللحجة الثاني عشر،

ص: 210


1- بخارالأنوار:33/434.نهج البلاغة:1/108
2- الغيبة/النعمانی :141.
3- الغيبة/النعمانی:141.
4- سورة الأنفال:الآية 53.
5- .منذ عام 95ه.ق حتى عام 148ه.ق.

ودفعا منهما لمزاعم المنکرین لغيبة المهدي عجل الله تعالى فرجه، وتصديا للعقائد الباطلة من الكيسانية والزيدية والغلاة والإسماعيلية وأضرابها ،ومن أجل ذلك تظافرت الروايات عنهماعلیهما السلام بهذا الشأن، وسنذكر جملة منها في محله إن شاء الله تعالى على سبيل التمثيل لا الحصر.

وقد تبين من تلك الأحاديث أن بين فلسفة الغيبة وانتظار الفرج ارتباطا وثيقا وعلقة حتمية ضرورية، وأنهما مرهونان بعمل الناس وإرادتهم ؛ إذ مصيرهم مرهون بها،ولا يحدد مصير الشعوب إلا ما كسبت أيديهم،فعلة الغيبة تكمن في إرادة الناس، وانتظار الفرج سر تكشف عنه سلوكياتهم وأفعالهم ؛ذلك«إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ»(1)،« ذلِکَ بِما قَدَّمت ايديكُم وَ اَنَّ اللهَ لَيسَ بِظَلاّمٍ لِلعَبيد»(2)؛لأن الظهور فرج ونجاة وسعادة للناس،ولا يكون ذلك إلا إذا شاء الناس وتعلقت بها إرادتهم وبذلوا في سبيلها النفس والنفيس،ومزقوا حجب الجهل والعصيان لتطل عليهم إشراقة شمس الحريةوالسعادة، ولهذا كان

ص: 211


1- سورة الرعد : الآية 11.
2- سورة آل عمران:الآية 182. سورة الأنفال:الآية 51

من وصايا الإمام الصادق علیه السلام لشيعته:«إن لصاحب هذا الأمرغيبة،فليتق الله عبد وليتمسك بدينه»(1)، وسنورد مثل هذه الوصايا عن أئمة أهل البيت علیهم السلام مفصلة عند البحث عن الانتظار والمنتظرین إن شاء الله تعالى.

وقال علیه السلام لإسحاق بن عمار الساباطي ، وهو من أجلة أصحابه:«للقائم غیبتان:إحداهما قصيرة والٱخرى طويلة،الغيبة الٱولى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته، والٱخرى لا يعلم بمكانه فيهاإلا خاصة مواليه.(2)

كان لوفاة الإمام الصادق علیه السلام وقساوة الظروف التي حلت بشیعته من بعده من ظلم وقتل وتشريد ، ونفي الإمام الكاظم علیه السلام إلى بغداد ثم إيداعه السجن فترة تربو على أربعة عشر عاما -وهو أول إمام من أئمة أهل البيت علیهم السلام تعرض للسجن في بغداد بعد النفي من المدينة المنورة،وطالت إلى ساحته المقدسة يد الخلافةالعباسية الجائرة بأبشع صور الغدروالتوهين-أدى إلى انقطاعهم عن إمام زمانهم،وكان لتلك الأسباب أسوأ الأثر على نفوس

ص: 212


1- الکافی1/396.
2- الكافي :1/40

الشيعة وعقائدهم،لا سيما على اعتقادهم بالغيبة وانتظار الفرج، حتى أصبح عنصر الانتظار سيفا ذا حدين استخدمته الأنظمة السياسية والانتهازينون لإغواء الناس وتحقيق مآربهم بمصادرة حقيقة الانتظار تارة، وتحريفها تارة ٱخرى، في مثل هذه الظروف الشائكة ظهرت فرق شيعية جديدة ٱطلق عليهاالإسماعيلية والفطحية والناووسية وغيرها،حيث ادعت الناووسية تبعا الزعيمهم عجلان بن ناووس أن الإمام الصادق علیه السلام هو المهدي الموعود،وأنه لم تدركه المنية،بل غاب عن الأنظار .

وأما الإسماعيلية فإنها زعمت أن إسماعيل ابن الإمام الصادق علیه السلام هو الإمام المهدي الغائب عن الأنظار - رغم أن إسماعيل قد توقي في حياة أبيه الإمام الصادق علیه السلام، وأكد على موته الإمام علیه السلام،وباشر غسله وتكفينه ودفنه، وأشهد كثيرا من شيعته وأصحابه على ذلك.ثم زعموا أن محمد بن إسماعيل،المتوفی 198ه.ق،هوالمهدي الموعود،كما أن الزيدية ادعت المهدوية لزيد بن علي بن الحسين علیهم السلام،وأنه رفع إلى السماء وسيظهر في آخر الزمان، ثم اشتد بهم التهافت حتى زعموا أن المهدوية هي الإمامة التي تتحقق في كل من قام بالسيف وخرج على الظلم والفساد ودعی

ص: 213

إلى الإصلاح.@لمزيد من التفصيل راجع الفصول المختارة : 305 – 307@

ومع استشهاد الإمام الكاظم علیه السلام ظهرت فرقة جديدة في الوسط الشيعي سميت بالواقفية؛لأنهم وقفوا على إمامته علیه السلام،وأنكروا إمامة ابنه علي الرضا علیه السلام، وسائر الأئمة علیهم السلام بتبع ذلك ،زاعمين أنه حي غاب عن الأنظار،وهو المهدي الذي سيخرج في آخر الزمان،ثم تفرقت هذه الفرقة إلى مجموعات أربع،ذهبت كل مجموعة إلى طريق وسلكت مسلكا عقائديا وعملیا خاصا بها حتى تلاشت جميعا، واندثرت آثارها وأخبارها،ولم يعد لها ذكرإلا بين طيات الكتب ،وعلى صفحات التأريخ ،وفي ألسن المؤرخين والمتكلمين،وكان ظهور هذه الفرق الضالة جرس إنذار وناقوس خطر لذوي الاهتمام من علمائنا الغيارى وأصحاب الأئمة علیهم السلام،ودفعهم للنهوض بأعباء المسؤولية من خلالجمعهم للأحاديث، وتدوينهم للجوامع الروائيةالخاصة بالإمام المهدي علیه السلام وما يتعلق بغيبته الصغرى والكبرى،قصدا منهم إلى توعية العامة وحفظهم من المزالق والانحراف.

قال الشيخ أيده الله:«ثم لم تزل الإمامية بعدمن ذكرنا على نظام الإمامة حتى قبض موسی بن جعفر علیه السلام، فافترقت بعد وفاته

ص: 214

فرقا،قال جمهورهم بإمامة أبي الحسن الرضا علیه السلام، ودانوا بالنص عليه، وسلكوا الطريقة المثلى في ذلك.

وقال جماعة منهم:بالوقف على أبي الحسن موسى علیه السلام، وادعواحياته، وزعمواأنه هوالمهدي المنتظر.

وقال فريق منهم:إنه قد مات وسيبعث،وهو القائم بعده.واختلفت الواقفة في الرضا علیه السلام ومن قام من آل محمد بعد أبي الحسن موسى علیه السلام فقال بعضهم: هؤلاء خلفاء أبي الحسن علا وأمراؤه وقضاته إلى أوان خروجه، وإنهم ليسوا بأئمة وماادعوا إمامة قط، وقال االباقو:إنهم ضالمون مخطئون ظالمون ، وقالوا في الرضا علیه السلام خاصة قولا عظيما،وأطلقوا تكفيره وتكفير من قام بعده من ولده.و شذت فرقة من كان على الحق إلى قول سخيف جدا، فأنكرواموت أبي الحسن علیه السلام وحبسه، وزعموا أن ذلك كان تخييلا للاس،وادعوا أنه حي غائب،وأنه هو المهدي،وزعمواأنه استخلف على الأمر محمد بن بشر مولى بني أسد، وذهبوا إلى الغلو والقول بالإباحةودانوا بالتناسخ. واعتلت الواقفية فيما ذهبوا إليه بأحادیث رووها عن أبي عبدالله علیه السلام منها أنهم حكوا عنه أنه لما ولد موسی بن جعفر علیه السلام دخل أبو عبدالله علیه السلام على حميدة البربرية ٱم موسی علیه السلام فقال لها:«یا حميدة، بخ بخ حل الملك في بيتك»، قالوا:

ص: 215

وسئل عن اسم القائم فقال :اسمه اسم حديدة الحلاق.

قال الشيخ أيده الله:ثم إن الإمامية استمرت على القول بٱصول الإمامة طول أيام أبي الحسن الرضا عليه السلام،فلما توفي وخلف ابنه أبا جعفر علیه السلام وله عند وفاة أبيه سبع سنين،اختلفوا و تفرقوا ثلاث فرق:فرقة مضت على سنن القول فی الإمامية، ودانت بإمامة أبي جعفر علیه السلام،ونقلت النص عليه وهم أكثرالفرق عددا. وفرقة ارتدت إلى قول الواقفة ورجعواعماكانوا عليه من إمامة الرضا علیه السلام، وفرقة قالت بإمامة أحمدبن موسی طلا وزعموا أن الرضا علیه السلام وصى إليه ونص بالإمامة ععلي.واعتل الفريقان الشاذان عن أصل الإمامة بصغر سن أبي جعفر علیه السلام.

قال الشيخ أيده الله:ثم ثبتت الإمامية القائلون بإمامة أبي جعفر علیه السلام بأسرها على القول بإمامة أبي الحسن علي بن محمد من بعد أبيه علیهماالسلام،ونقل النص عليه إلا فرقة قليلة العدد شذوا عن جماعتهم،فقالوا بإمامة موسی بن محمد أخي أبي الحسن علي بن محمد،ثم إنهم لم يثبتوا على هذا القول إلا قليلا حتى رجعوا إلى الملحق، ودانوا بإمامة علي بن محمد، ورفضوا القول بإمامة موسی بن محمد، وأقاموا جميعا على إمامة أبي الحسن علیه السلام،فلما توفي تفرقوا بعد ذلك،فقال الجمهور منهم بإمامة أبي محمد الحسن بن

ص: 216

علي علیه السلام،ونقلواالنص عليه وأثبتوه.وقال فريق منهم:إن الإمام بعد أبي الحسن محمد بن علي أخو أبي محمد علیه السلام،وزعموا أن أباه عليا علیه السلام نص عليه في حياته، وهذا محمد كان قد توفي في حياة أبيه، فدفعت هذه الفرقة وفاته،وزعموا أنه لم يمت،وأنه حي،وهو الإمام المنتظر،وقال نفر من الجماعة شذوا أيضا عن الأصل:إن الإمام بعد محمد بن علي بن محمد بن علي بن موسی علیهم السلام أخوه جعفر بن علي، وزعموا أن أباه نصت عليه بعد مضي محمد، وأنه القائم بعد أبيه.

فهذا الحسن بن محبوب الزراد صاحب کتاب المشيخة من أشهر الٱصول الحديثية الشيعيةوالجوامع الروائية الذي سبق عصرالغيبة بما يربو على مائة عام جمع شطرا من هذه الأحاديث ،وهكذا علي بن الحسن بن محمد الطائي الطاطري من أصحاب الإمام الكاظم علیه السلام ألف كتابا في الغيبة،(1)وأيضا فإن علي بن عمر الأعرج الكوفي ،وإبراهيم بن صالح الأنماطي الكوفي،وهما من أصحاب الإمام الكاظم علیه السلام الفا كتبا في الموضوع ذاته،وعلى خطاهم سار جملة من أصحاب الإمام الرضا علیه السلام، کالفضل بن شاذان الأزدي النيشابوري، المتوفي عام 260ه.ق، وحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني الكوفي

ص: 217


1- رجال النجاشي:193

إذ كتبوا جميعا في غيبة الإمام المهدي علیه السلام.

وفي عصر الإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري عليهم أفضل الصلوات وأتم التسليم ،زادت محن الشيعة واشتدت بهم الفتن بعدما اشتد الخناق على أئمة الهدى علیهم السلام،وزج بهم في السجون والمعسكرات، وحيل بينهم وبين شيعتهم،حتى وقع استشهادالإمام العسكري علیه السلام سنة 260ه.ق،فتشتت شمل الشيعة من جديد، وتفرقت جماعتهم،حيث كان موته علیه السلام إعلانا عن ظهور فرق جديدة في المذهب الشيعي وشق عصاهم الذي انجبته الظروف العصيبة التي أحدقت بهم من الفقر والظلم والتقنيةوانقطاعهم عن إمامهم وشدة الخوف من التجاهر بعقائدهم، وأهمها فقدان المراكز والمساجدالعلمية الحرة التي تتبنى الفكر الشيعي وتعمل جاهرة على تعليمهم وتسعى إلى توعيتهم، أضف إلى ذلك الدسائس والحيل التي كانت أجهزة الأمن ومراكز التجسس في البلاط الحاكم تبتها في الوسط الشيعي،من خلال تسخیر بعض عملائهم للتجاهروالتظاهر بأنه شيعي مخلص يتحرك في أوساطهم حتى إذا ذاع صيته بين الشيعة وصار وجيها عندهم(1)بادر إلى ابتداع مذهب وإغواء جمع منهم

ص: 218


1- کمال الدین: 1/101. الإرشاد:2/9.

وتفریق شملهم،أو نقبوا في أوساط الشيعة،فإذاوجدوا فيهم من ضعفاء النفوس والمقصرين في العقيدة من يمكن التعويل عليه والتهويل له بالترغيب او الترهيب لينفذوا من خلاله وعبر بوابته في الجسد الشيعي ويطعنوا التشيع في خاصرته غدراوخديعة وخيانة،استخدموه واشتروه في التفريق والتشتيت.

ص: 219

الدرس السابع عشر: فلسفة الغيبة - 2

بسم الله الرحمن الرحیم

قال الشيخ أيده الله: ولما توفي أبو محمد الحسن بن علي بن محمد علیهم السلام افترق أصحابه بعده على ما حكاه أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي رضی الله عنه أربع عشرة فرقه،فقال الجمهور منهم بإمامة ابنه القائم المنتظر علیه السلام،وأثبتوا ولادته، وصححوا النص عليه، وقالوا:هو سمی رسول الله ومهدي الأنام،واعتقدوا أن له غيبتين؛إحداهماأطول من الٱخری،والٱولى منهما هي القصري،وله فيها الأبواب والسفراء، وروواعن جماعة من شيوخهم وثقاتهم أن أبا محمد الحسن علیه السلام أظهره لهم وأراهم شخصه،واختلفوا في سته عند وفاة أبيه،فقال كثير منهم:كان سنه إذ ذاك خمس سنين؛لأن أباه توفي سنة ستين ومائتين،وكان مولد القائم علیه السلام سنة خمس وخمسين ومائتين،

ص: 220

وقال بعضهم:بل كان مولده سنة اثنتين وخمسين ومائتين،وكان سنه عند وفاة أبيه ثماني سنين، وقالوا:إن أباه لم يمت حتى أكمل الله عقله وعلمه الحكمة وفصل الخطاب، وأبانه من سائر الخلق بهذه الصفة ؛إذ كان خاتم الحجج ووصي الأوصياء وقائم االزمان.واحتجوا في جواز ذلك بدليل العقل من حيث ارتفعت إحالته ودخل تحت القدرة، وبقوله تعالى في قصة عيسی علیه السلام:« وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ»(1)،وفي قصة يحيى علیه السلام:«وَآتَیْنَاهُ الْحُکْمَ صَبِیّاً» (2)و قالوا:إن صاحب الأمر علیه السلام حي لم يمت، ولا يموت،ولو بقي ألف عام حتى يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا،وأنه يكون عند ظهوره شابا قويا في صورة ابن نيف وثلاثين سنة، وأثبتوا ذلك في معجزاته،وجعلوه من جملة دلائله وآياته علیه السلام، وقالت:فرقة ممن دانت بإمامة الحسن علیه السلام مات وعاش بعد موته،وهو القائم المهدي واعتلوا في ذلك بخبر رووه أن القائم إنما سمي بذلك؛لأنه يقوم بعد الموت.وقالت فرقة ٱخرى إن أبا محمد علیه السلام قد توفي لا محالة،وإن الإمام من بعده أخوه جعفر بن علي واعتلوا في ذلك

ص: 221


1- سورة آل عمران:الآية 46.
2- سورة مريم: الآية 12.

بالرواية عن أبي عبدالله علیه السلام،إن الإمام هو الذي لا يوجد منه ملجأ إلا إليه،قالوا:فلما لم نر للحسن علیه السلام ولدا ظاهراالتجأنا إلى القول بإمامة جعفرأخيه.ورجعت فرقة ممن كانت تقول بإمامة الحسن علیه السلام عن إمامته عند وفاته وقالوا لم يكن إماما، وكان مدعيا مبطلا، وأنكروا إمامة أخيه محمد،وقالوا الإمام جعفر بن علي بنص أبيه عليه، قالوا:إنما قلنا بذلك لأن محمدا مات في حياة أبيه، والإمام لا يموت في حياة أبيه،وأما الحسن علیه السلام فلم يكن له عقب، والإمام لا يخرج من الدنيا حتى يكون له عقب.وقالت فرقة ٱخرى:إن الإمام محمد بن علي أخو الحسن بن علي علیه السلام،ورجعوا عن إمامة الحسن علیه السلام وادعوا حياة محمد بعد أن كانوا ينكرون ذلك.وقالت فرقة ٱخرى:إن الإمام بعد الحسن علیه السلام ابنه المنتظر وأنه علي بن الحسن،وليس كما تقول القطعية إنه محمد بن الحسن،وقالوا بعد ذلك بمقالة القطعية في الغيبة والانتظار حرفا بحرف. وقالت فرقة ٱخرى إن القائم محمد بن الحسن علیه السلام ولد بعد أبيه بثمانية أشهر وهو المنتظر، وأكذبوا من زعم أنه ولد في حياة أبيه. وقالت فرقة أخرى إن أبا محمد علیه السلام مات عن غير ولد ظاهر ولكن عن حبل من بعض جواريه والقائم من بعد الحسن محمول به، وما ولدته ٱمه بعد وإنه يجوز أنها تبقى مائة سنة حاملا به،فإذا ولدته أظهرت ولادته، وقالت فرقة ٱخرى :

ص: 222

إن الإمامة قد بطلت بعد الحسن علیه السلام فارتفعت الأئمة وليس في الأرض حجة من آل محمد علیهم السلام،وإنما الحجة الأخبار الواردة عن الأئمة المتقدمين علیهم السلام، وزعموا أن ذلك سائغ إذا غضب الله على العباد فجعله عقوبة لهم.

وقالت فرقة ٱخرى:إن محمد بن علي أخا الحسن بن علي علیه السلام،كان في الحقيقة مع أبيه علي علیه السلام، وأنه لما حضرته الوفاة وصی إلى غلام له يقال له: نفيس،وكان ثقة أيضا،ودفع إليه الكتب والسلاح، ووصاه أن يسلمها إلى أخيه جعفر، فسلمها إليه، وكانت الإمامة في جعفر بعد محمد، على هذا الترتيب.

وقالت فرقة ٱخری:وقد علمنا أن الحسن علیه السلام كان إماما،فلما قبض التبس الأمر علينا،فلاندري أجعفر كان الإمام بٱخر،أم غيره؟ والذي يجب علينا أن نقطع على أنه لابد من إمام،ولا نقدم على القول بإمامة أحد بعينه حتى يتبين لنا ذلك.

وقالت فرقة ٱخرى: بل الإمام بعد الحسن ابنه محمد وهو المنتظر،غير أنه قد مات،وسيجيء ويقوم بالسيف،فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.

وقالت الفرقة الرابع عشرة منهم،أن أبا محمد علیه السلام كان الإمام من بعد أبيه،وإنه لما حضرته الوفاة نص على أخيه جعفر بن علي بن

ص: 223

محمد بن علي،وكان الإمام من بعده بالنص عليه بالوراثة له،وزعموا أن الذي دعاهم إلى ذلك ما يجب في العقل من وجوب الإمامة مع فقدهم لولد الحسن علیه السلام،وبطلان دعوی من ادعى وجوده فيما زعموا من الإمامية.

وقال الشيخ أيده الله:ليس من هؤلاء الفرق التي ذكرناها فرقة موجودة في زماننا هذا،وهو من سنة ثلاث وسبعين وثلاثماءة،إلا الإمامية الاثنا عشرية القائلة بإمامة ابن الحسن المسمى باسم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم،القاطعة على حياته وبقائه إلى وقت قيامه بالسيف ، حسبما شرحناه فيما تقدم عنهم، وهم أكثر فرق الشيعة عددا وعلماء ومتكلمين ونظارا وصالحين، وعبادا ومتفقهة وأصحاب حدیث وٱدباء وشعراء، وهم وجه الإمامية، ورؤساء جماعتهم،والمعتمد عليهم في الديانة».

وكيف كان فإن شدة الحال وقساوة الظروف حالت دون أن يفصح الإمام العسكري علیه السلام عن ولادة الحجة المنتظر علیه السلام لعامة شيعته؛إذ لم يطلع على أمره سوى الخاصة من أصحابه(1)، بل اضطر إلى إخفائه عن الأنظار وستره عن عيون النظام وجواسيسه،

ص: 224


1- الغيبة / الشيخ الطوسي: 167و 275.

فهذا الخليفة المعتمد بعث بجنده يفتشون عن أي مولود ذكر في داره علیه السلام،ويبحثون عن أية امرأة حامل من نسائه وجواريه،وقد أخفي الله تعالى حمله كما أخفي ولادته،وقد كتم أبوه العسكري عليهما السلام أمره خوفا عليه كما كتمت أم موسي علیه السلام أمر ابنها عن كل قریب وبعيد ،ولهذا لم يعرفوا وصية للإمام العسكري علیه السلام لشدة كتمانه على سره،وقسموا إرثه بعد سبعة أعوام في ٱمه وأخيه جعفر الملقب بالكذاب الذي ادعى الإمامة لنفسه ، وكان يشي بالإمام العسكري علیه السلام عند الخليفة وأزلامه،حيث لم يعثروا على الوريث الشرعي الذي يكون من صلبه.وقد غاب عن الأنظار بعد استشهاد أبيه الإمام العسكري علیه السلام. (1)

ثم إن جعفرالكذاب أثار الكثير من الشبهات وأجج كثيرا من الفتن العقائدية في صفوف الشيعة مؤيدا من الخليفة وأزلامه، منتهزا فرصة غياب الإمام المعصوم علیه السلام وحيرة الناس في أمر إمامهم علیه السلام، فصال في تلك الفترة أعداء الشيعة الاثني عشرية ، كالمعتزلة وأصحاب الحديث والمخالفون والزيدية والنظام الحاكم،وجالوا

ص: 225


1- انظر ترجمة جعفر الكذاب في كتب الرجال،وهكذا حياته في غيبة الشيخ والنعماني رحمهما الله تعالی

بأقلامهم وأفواههم ليزيدوا في معاناة الشيعة ويوسعوا الهوة عمقا، بإلقاء الشبهات في عقيدة الشيعة ، وينحوا بهم عن جادة الصواب،مما حدى بالشيعة أن ينقسموا إلى مذاهب شتى؛إذ ظهرت في تلك الآونة أربع عشرة فرقة،لم يعتقد بوجود الإمام المهدي علیه السلام سوی ثلاث فرق منها -كما تقدم عن الشيخ المفيد رحمة الله - على اختلاف منهم في تطبيق المهدي على المصداق ، وكان ذلك الشتات أمرا معيبا لكنه سرعان ما انقلب إلى عامل أساسي ودافع قوي كحركة علمية ناشطة في مجال التأليف والتصنيف ، والدفاع عن حقيقة المهدي علیه السلام،حيث برز من أعلام الطائفة وأفذاذها من حمل القلم مسطرا في إثبات هذه الحقيقة ما يدفع عنها أغمض الشبهات ،ويرفع عنها غبار الإبهام، ويرد أيدي المتقولين إلى أفواههم، وكان أبرز من صنف کتبا في الإمام المهدي علیه السلام وغيبته هم حسن بن حمزة بن عبدالله بن محمد بن الحسن بن الحسين بن علي السجاد علیه السلام،وعبدالله بن جعفر بن حسن الحميري،وحسن بن محمد بن یحیی المعروف بابن أخي طاهر،ومحمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني،المعروف بابن أبي زينب المتولد في أوائل الغيبة الصغرى، وهو من تلامذة ثقة الإسلام الكليني رضوان الله عليهم جميعا، فقد كتب النعماني قدس سره:«وشكوا جميعا إلاالقليل في إمام زمانهم،وولي أمرهم،

ص: 226

وحجة ربهم التي اختارها لعلمه».(1)

كما أن محمد بن الحسن بن أحمد بن أبي الصامت القمي كان من العلماء الذين لم يسلموا من هذه الفتنة العمياء،وارتاب في أمر المهدي علیه السلام فعكف علی جمع الأحاديث المثبتة لوجود المهدي علیه السلام من الٱصول الأربعمأة.(2)

ولهذا تجد أخبارا وأحاديث رويت عن فلسفة الغيبة في الٱصول والجوامع الروائية قبل الغيبة الكبرى بما يربو على عشرين عاما،مما يدل بجلاء على مدى اهتمام أعلامنارضی الله عنهم بهذاالشأن،وعلى مستوى اليأس الذي منيت به الإمامية من عودة الإمام سلام الله عليه إلى الظهور في القريب العاجل،وأنهم كيف وقعوا في الحيرة من غيبة إمامهم معتقدين بطول تلك الغيبة، امتدت من نيسابور إلى بغداد،لا سيماأن علماء الطوائف الإسلامية الٱخرى كأبي القاسم البلخي المعتزلي، (3)وأبي زيد العلوي(4)،والصاحب بن عباد(5)

ص: 227


1- الغيبة/النعماني: 31.
2- کمال الدین:1/203.
3- المغني:2/176.
4- كمال الدين : 1/ 122، 126.
5- نصرة مذهب الزيدية: 211.

بدأوا يطعنون في غيبته علیه السلام ويسخرون من شیعته.

بدأت أهمية الاستدلال العقلي لفلسفة الغيبة تظهر للعيان منذ الوهلة الٱولى من غيبة الإمام علیه السلام،والتفت أعلام الطائفة إلى هذه الحقيقة التي كان من الضرورة بمكان بذل غاية ما في الوسع من أجلها،بتوطيد قواعدها وتثبيت أركانها، وكان أول تعليل نسب إلى الإمام المهدي علیه السلام في كتابه إلى إسحاق بن يعقوب هو قوله علیه السلام:«وأما علة ما وقع من الغيبة،فإن الله عز وجل يقول: «یا أَیهَا الَّذینَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْیاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ»(1)إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه،وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي. (2)

وقد علل آباؤه صلوات الله عليهم من قبل- غيبته في مواضع عديدة أوردنا شيئا يسيرا منها،وستأتي البقية في محلها إن شاء الله تعالى.

1-فعن علي بن جعفر،عن الإمام موسی بن جعفر علیه السلام، قال:قال لي:«یا بني،إذا فقدالخامس من ولد السابع من الأئمة،فالله الله

ص: 228


1- سورة المائدة:الآية 101.
2- الغيبة/ الطوسي:292.كمال الدين: 485.

في أديانكم،فإنه لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة يغيبها،حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به.يا بني،إنما هي محنة من الله،امتحن الله بهاخلقه،لوعلم آباؤكم وأجدادكم دينا أصح من هذاالدين لاتبعوه...» (1)

2-وعن محمد بن منصور،عن أبيه،قال:كنا عند أبي عبدالله علیه السلام بلا جماعة نتحدث، فالتفت إلينا،فقال:«في أي شيءأنتم؟أيهات أيهات،لا والله لا يكون ما تمون إليه أعينكم،حتى تغربلوا،لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تميزوا(لا والله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى تمځصوا)،لاوالله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم إلا بعد إياس، لاوالله لا يكون ما تمدون إليه أعينكم حتى يشقی من شقي ويسعدمن سعد. . (2)

3-وعن المفضل بن عمر، قال:سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول:«إياكم والتنويه ،أماوالله ليغيب إمامكن سنین من دهركم،وليمخصئ حتى يقال: مات،قتل،(هلک)،بأي واد سلك، ولتدمع عليه عيون المؤمنين ،ولتكفأين كما تكفأ السفن بأمواج

ص: 229


1- الغيبة/الطوسی:الحديث 128
2- الغيبة/الطوسي: 336،الحديث 281.

البحر،فلا ينجوإلا من أخذالله میثاقه،وكتب في قلبه الإيمان، وأيده بروح منه،ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدرى أي من أي»،قال: فبكيت،وقلت:فكيف نصنع؟فقال:«ياأبا عبداللهونظر إلى الشمس داخلة إلى الصقة،قال:فترى هذه الشمس ؟»،قلت:نعم،قال:« والله لأمرناأبين من هذه الشمس».(1)

وفي حديث ابن عباس، عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم ...إلى أن قال:فقام إليه جابر بن عبدالله الأنصاري فقال:يا رسول الله،وللقائم من ولدك غيبة؟قال:«إي وربي،وليمحصن الله الذين آمنوا،ويمحق الكافرين..الخ.(2)وقد نقلناه کاملا في الحلقة الٱولی من هذاالكتاب:الصفحة 207

5-ورواية عن أبي جعفر الثاني،عن آبائه،عن أمير المؤمنين علیهم السلام جميعا أنه قال: «للقائم منا غيبة أمدها طويل...»،ثم قال:«إن القائم ما إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة ،فلذلك تخفى ولادته،ويغيب شخصه».(3)وقد أوردناها كاملة في الحلقة الٱولى من

ص: 230


1- الغيبة/الطوسي: 337،الحديث 285.
2- کمال الدین: 287.
3- بحار الأنوار:15/109.مستدرك سفينة البحار:10/508

هذاالکراس: الصفحة 209

6-وعن مولانا الرضا صلوات الله عليه في رواية طويلة إلى أن قال:«لأن له غيبة تكثر أيامها ،ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون،وينكره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذب فيها الوقاتون،ويهلك فيها المستعجلون،وينجو فيها المسلمون»(1).وقد سردتها كاملة في الحلقة الٱولی:229فراجع.

7-وفي حديث عن أبي سعيد عقیصا،قال:لما صالح الحسن بن علي عليهما السلام العاوية بن أبي سفيان دخل عليه الناس ،فلامه بعضهم على بيعته، فقال علیه السلام:«ويحكم ما تدرون ماعملت،والله الذي عملت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت...»إلى أن قال سلام الله عليه:«أما علمتم أنه ما منا إلا ويقع في عنقه بيعة الطاغية زمانه،إلا القائم الذي يصلي روح الله عیسی بن مریم علیه السلام علاخلفه؟ فإن الله عز وجل يخفي ولادته، ويغيب شخصه،لئلا يكون الأحد في عنقه بيعة إذا خرج،ذلك التاسع من ولد أخي الحسين،ابن سيدة الإماء،يطيل الله عمره في غيبته،ثم يظهره بقدرته في

ص: 231


1- كمال الدين: 378.بحار الأنوار:51/30.الأنوار البهية: 347

صورة شاب دون الأربعين سنة؛ ذلك ليعلم أن الله على كل شيء قدیر(1)

8-وعن محمد بن مسلم،قال:قال أبو جعفر علیه السلام:«ما أجاب رسول الله صلی الله علیه و آله أحد قبل علي بن أبي طالب وخديجة علیهماالسلام،ولقد مكث رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بمكة ثلاث سنين مختفيا خائفا يترقب،ويخاف قومه والناس...الخ)(2)

9-وعن المفضل بن عمر،عن أبي عبدالله جعفربن محمد الصادق،عن أبيه أبي جعفر الباقر علیهماالسلام ،قال:«إذا قام القائم علیه السلام قال: فررت منكم لما خفتكم،فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين.(3)

10-وعن أبي بصير،قال:سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول:«في صاحب هذا الأمر سنة من موسى،وسنة من عیسی،وسنة من يوسف ،وسنة من محمد صلی الله علیه وآله وسلم، فأما سنته من موسى فخائف يترقب،وأما من عیسی فیقال فيه ما قد قيل في عیسی،وأما من يوسف

ص: 232


1- كمال الدين:316
2- کمال الدين: 328،الحديث 9.
3- كمال الدين: 328،الحديث 10.

فالسجن والغيبة،وأما من محمد صلى الله عليه وسلم قالقيام بسيرته، وتبين آثاره،ثم يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر،فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله عز وجل...الخ). (1)

11-وظعن المفضل بن عمر،عن أبي عبدالله علیه السلام،قال:«أقرب ما يكون العباد من الله عز وجل وأرضى ما يكون عنهم إذا افتقدوا حجة الله عزوجل،فلم يظهر لهم،ولم يعلموا بمكانه،وهم في ذلك يعلمون أنه لم يبطل حجج الله عنهم وبيناته)،فعندها فتوقعواالفرج صباحا ومساء،وإن أشد ما يكون غضب الله تعالى على أعدائه إذا افتقدوا حجة الله ،فلم يظهر لهم، وقدعلم أن أولياءه لا يرتابون،ولو علم أنهم يرتابون لما غيب عنهم حجته طرفة عين،ولا يكون ذلك إلا على رأس شرار الناس.(2)

12-وعن أبي بصير، عن أبي عبدالله علیه السلام،قال:سمعته يقول:منااثنا عشر مهديا مضي ستة، وبقي ستة ، يصنع الله بالسادس ما أحب.(3)

ص: 233


1- کمال الدين: 329،الحدیث 11.
2- کمال الدين:337،الحديث 10.
3- كمال الدين: 338،الحدیث 13

13-وعن يحيى بن أبي القاسم،قال:سألت الصادق علیه السلام عن قول الله عز وجل:«

الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْب»(1)،فقال:«المتقون شيعة علي علیه السلام،والغيب فهو الحجة الغائب.(2)

14-وعن داود بن كثير الرقي،عن أبي عبدالله علیه السلام في قول الله عزوجل:« الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بالْغَیْبِ »،قال:«من أقر بقيام القائم أنه حق».(3)

15-وعن حنان بن سدير،عن أبيه،عن أبي عبدالله علیه السلام،قال:إن للقائم مناغيبة يطول أمدها»،فقلت له:يابن رسول الله،ولم ذلك؟قال:«لأن الله عزوجل أبي إلا أن تجري فيه سنن الأنبياء علیهم السلام فی غيباتهم،وإنه لا بد له- يا سدير- من استيفاء مدد غيباتهم،قال الله تعالى:« لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ»(4)،أي سنن من كان قبلكم).(5)

16-وعن زرارة،قال:قال أبو عبدالله علیه السلام:«یا زرارة،لابد

ص: 234


1- سورة البقرة : الآيات 1- 3.
2- کمال الدین: 340،الحديث 20.
3- كمال الدين: 340،الحديث 19.
4- سورة الانشقاق : الآية 19.
5- كمال الدين: 480،الحديث6.

للقائم من غيبة»، قلت:ولم؟قال:«يخاف على نفسه الذبح. (1)

17-وعن عبدالله بن الفضل الهاشمي ، قال:سمعت الصادق جعفر بن محمد علیهماالسلام يقول:«إن لصاحب هذا الأمر غيبة لا بد منها،پرتاب فيها كل مبطل»،فقلت:ولم جعلت فداك؟ قال:«لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم»،قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟قال:«وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره،إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره كمالم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر علیه السلام من خرق السفينة،وقتل الغلام ،وإقامة الجدار لموسى علیه السلام إلى وقت افتراقهما.

یابن الفضل،إن هذا الأمر أمر من (أمر ) الله تعالى،وسر من سر الله تعالى،وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنه عز وجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة ،وإن كان وجهها غير منکشف. (2)

18-وعن مروان الأنباري،قال: خرج من أبي جعفر علیه السلام:

أن الله إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم».(3)

ص: 235


1- كمال الدين :481، الحديث 10.
2- کمال الدين:481،الحديث 11.
3- بحار الأنوار:52/90

الدرس الثامن عشر: فلسفة الغیبة-3

بسم الله الرحمن الرحیم

ويمكن تلخيص وجوه الحكمة في غيبة مولانا القائم صلوات الله عليه،وأسبابها التي نطقت بها روايات أمة أهل البيت صلوات الله عليهم في النقاط التالية:

19-أنها محنة من الله تعالى لشيعته علیه السلام،حتى يفيئوا إلى أمر الله ويصلحوا أنفسه.

قال تعالى:«وَمَا ظَلَمْنَهُمْ وَلَکِن کَانُواْ أَنفُسَهُمْ یَظْلِمُونَ«(1)

وقال تعالى:« وَمَا رَبُّکَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِیدِ» (2)

ص: 236


1- سورة النحل :الآیة 118
2- سورة فصلت:الآیة 46

وقال تعالى:« إِنَّ اللهَ لاَ یُغَیِّرُ مَا بِقَوْم حَتَّى یُغَیِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ»(1)

2-امتحان واختبار منه تعالى لشيعته علیه السلام.

3- تمحيص وغربلة،حتى يميز الخبيث من الطيب،والصادق من الكاذب.

4_لئلا تكون في عنقه بيعة لأحد من الحكام والسلاطين.

5_ليحفظه الله تعالى من الأعداءخوفا عليه من القتل، كما خاف موسى علیه السلام وقال عنه القرآن الكريم: «فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ»(2)،وقوله تعالى:« فَأَصْبَحَ فِى الْمَدِینَةِ خَآئِفاً یَتَرَقَّبُ...» (3)،وقوله تعالى:« فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» (4)،قوله حكاية عن موسى علیه السلام:« قالَ رَبِّ إِنِّی قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ یَقْتُلُونِ »(5)

6-ليرضى عن عباده المؤمنين بعد طول انتظار وصبر على المكاره بعد غيبة إمامهم؛إذ آمنوا به ولم يروه،وهو من الإيمان بالغيب

ص: 237


1- سورة الرعد:11
2- سورة الشعراء:21
3- سورة القصص:الآية 18.
4- سورة القصص:الآية 21.
5- سورة القصص: الآية 33.

الذي مدح الله تعالى أهله،بل جعل الإيمان بالغيب أول علائم المتقين؛ لقوله تعالى:«هُدىً لِّلْمُتَّقِینَ. الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بالْغَیْبِ وَیُقِیمُونَ الصَّلَوةَ«(1)

7- ليشتد غضب الله تعالى على أعدائه المنکرین لحجته صلوات الله عليه بسبب جرائمهم ومروقهم عن الدين،واغتصابهم للخلافة الحلقة من أهلها.

8-التعبد المحض له ولشیعته بما اختار الله تعالى له ولهم من المصير في هذه الدنيا،« وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِیرُ» (2)؛لقول مولاناالصادق علیه السلام:«يصنع الله بالسادس ما أحب»،كما مضى هنا.

9-استيفاء لفترة غيبات الأنبياء علیهم السلام،حتى تجري سننهم فيه،ويغيب كما غاب أولئك الصفوة عن أقوامهم.

10-العلة خافية علينا لا يعلمها إلا الله تعالى ورسوله صلی الله علیه و آله و سلم وأئمة الهدى علیهم السلام؛ لأنها سر من الأسرار،وهناك حكمة هي الأهم بين هذه الحكم والأسباب خافية علينا، وستنكشف بعد ظهوره علیه السلام؛إذ جميع أفعال الله سبحانه وتعالى مبنية على الحكمة.

فهذه أهم ما نطقت به الأخبار من الحكم والأسباب التي من أجلها

ص: 238


1- سورة البقرة: الآيتان 2 و 3.
2- سورة آل عمران : الآية 28.

وقعت غيبة مولانا وسيدنا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه.

بيد أن هذه التوجيهات للغيبة لم تكن لتقنع الخصم،ومع تطورالمباحث الكلامية وانتشار علم الكلام لم تف الجوامع الروائية التي جمعهاوصنفهاالمرحوم الكليني والنعماني والصدوق رضوان الله عليهم،وإن كان أبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي من قبل قد صنف في القرن الثالث للهجرة كتابا في فلسفة الغيبة عندالمتكلمين وعلى ضوء علم الكلام،وهو السباق في هذا المضمار،وحذى حذوه كل من أبي الحسن محمد بن بشر السوسنجردي،وأبي الحسن علي بن وصيف النائي الأصغر، المتوفى365ه.ق وأبي الجيش مظفر بن محمد البلخي، المتوفى 367ه.ق،والشيخ المفيد أبو عبدالله محمد بن محمد بن النعمان،المتوقى 413ه.ق،والسيد الأجل علم الهدی أبي القاسم علي بن الحسين المرتضى،المتوفی 436ه.ق،وشيخ الطائفة الطوسي أبي جعفر محمد بن الحسن، المتوفي 460ه.ق رضوان الله عليهم جميعا،فنقلوا عنه أي عن أبي سهل النوبختي- بالواسطة أو من غير واسطة وتلقوا علومهم عنه كذلك، وقد أورد الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه في كتابه كمال الدين (1)شطرا من كتابه

ص: 239


1- کمال الدين:53-55

التنبيه ونقل جملة من آرائه هناك.

وقد تصدى المرحوم النوبختي للرد على مزاعم الحسين بن منصور الحلاج البيضاوي، الصوفي الشهير،حين تعمد إلى بث البدع والأباطيل في المراكز الشيعية آنذاك،لا سيما مدينتي قم و بغداد، حيث ادعى البابية والنيابةالخاصة،وأنه رسول الإمام الغائب،ملحقا به هزيمة نكراء بإبطال حججه ودحض مزاعمه خلال مناظر تین بین عامي 298و 301ه. ق.

وقد صنف الشيخ أبو جعفر بن قبة الرازي من أعاظم متكلمي الشيعة كتاب سماه الإنصاف، اعتمد عليه الشيخ الصدوق رضی الله عنه في كتابه كمال الدين عند التعرض لفلسفة الغيبة،وكان ابن قبة معتزليا ستيا ثم اهتدى ،واعتنق المذهب الحق،ولم يأل جهدا في نصرته والذب عنه.فهذا الشيخ الصدوق رضی الله عنه، المولود بدعاء مولانا صاحب الزمان،والذي أطبقت تراجم الرجال على كمال عقله ، وجودة فهمه ، وشدة حفظه ، وحسن ذكائه ، وعلو همته، ووصفه علماء الرجال بكثرة الفضل وغزارة العلم،وأنه حامل راية الفقه،وإمام رواية الحديث ودرايته ، وابن بجدة علم الكلام،الذي أحرز قصب السبق من جميع أقرانه في الذود عن المذهب الحق،وليس لأحد معشار ما له نصيب من الذب عن أهل البيت صلوات الله عليهم

ص: 240

والقيام بفروض الخدمة، وأداء واجب الحق،ونشر ألوية المعارف،وترویج المذهب،إذ تصدى لدفع الشبه والأوهام التي كثرت في عصره،لا سيما دفاعه عن الغيبة حيث كانت ولا تزال مناظراته وتأليفاته ضربة على هامة الأعداء، وبلسما يشفي صدور المؤمنين ،فقد قال عن فلسفة الغيبة: «و في قول الله عز وجل:« وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً»(1) في غيبة الإمام علیه السلام؛وذلك أنه عز وجل لما قال:« إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً »أوجب بهذا اللفظ معنى،وهو أن يعتقدوا طاعته،فاعتقد عدوالله إبليس بهذه الكلمة تفاقا،وأضمره حتى صار به منافقا؛وذلك أنه أضمر أنه يخالفه متى استعبد بالطاعة له،فكان نفاقه أنكر النفاق ؛لأنه نفاق بظهر الغيب، ولهذا من الشأن صار أخزى المنافقين كلهم...»إلى أن قال رحمة الله: «فالطاعة والموالاة بظهر الغيب أبلغ في الثواب والمدح ؛لأنه أبعد من الشبهة والمغالطة،ولهذا روي عن النبي أنه قال:«من دعالأخيه بظهر الغيب ناداه ملك من السماء:ولك مثلاه» (2)وأن الله تبارك وتعالى أكد دینه بالإيمان بالغيب

ص: 241


1- سورة البقرة:الآية 30.
2- الفهرست/ابن الندیم: 178.

فقال:«هُدًى لِلْمُتَّقِينَ،الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ»(1)فالإيمان بالغيب أعظم مثوبة لصاحبه؛لأنه ځل من كل عيب وريب؛لأن بيعة الخليفة وقت المشاهدة قد يتوهم على المبايع أنه مايطيع رغبة في خير أو مال ، أو رهبة من قتل أو غير ذلك مما هو عادات أبناء الدنيا في طاعة ملوكهم ،وإيمان الغيب مأمون من ذلك كله،ومحروس من معايبه بأصله،يدل على ذلك قول الله عز وجل:« فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ،فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا» (2)ولما حصل للمتعبد ما حصل من الإيمان بالغيب لم يحرم الله عز وجل ذلك ملائكته،فقد جاء في الخبر أن الله سبحانه قال هذه المقالة للملائكة.قبل خلق آدم بسبعمئة عام،وكان يحصل في هذه المدة الطاعة لملائكة الله على قدرها».

ثم قال له:«ولو أنكر منكر هذا الخبر والوقت والأعوام، لم يجد بدأ من القول بالغيبة ولو ساعة واحدة،والساعة الواحدة لا تتعرى من حكمة ما ،وما حصل من الحكمة في الساعة حصل في الساعتين حکمتان،وفي الساعات حکم، وما زاد في الوقت

ص: 242


1- سورة البقرة: الآيتان 2 و 3.
2- سورة غافر: الآیتان 84 و 85.

إلا زاد في المثوبة،وما زاد في المثوبة إلا كشف عن الرحمة، ودل على الجلالة ، فصح الخبر أن فيه تأييد الحكمة،و تبليغ الحجة».

ثم وضع النقاط على الحروف وفصل بعد إجمال قائلا:«وفي قول الله عز وجل:« وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَ-ٰۤىِٕكَةِ إِنِّی جَاعِلࣱ فِی ٱلۡأَرۡضِ خَلِیفَةࣰۖ» حجة في غيبة الإمام علیه السلام من أوجه كثيرة:

أحدها:أن الغيبة قبل الوجود أبلغ الغيبات كلها؛وذلك أن الملائكة ما شهدوا قبل ذلك خليفة قط،وأما نحن فقد شاهدناخلفاء كثيرين غير واحد قد نطق به القرآن، وتواترت به الأخبار حتى صارت كالمشاهدة والملائكة لم يشهدوا واحدا منهم،فكانت تلك الغيبة أبلغ.

وآخر:أنها كانت غيبة من الله عز وجل،وهذه الغيبة التي للإمام علیه السلام هي من قبل أعداء الله تعالى،فإذا كان في الغيبة التي هي من الله عز وجل عبادة لملائكته فيما الظن بالغيبة التي هي من أعداء الله .وفي غيبة الإمام علیه السلام عبادة مخلصة لم تكن في تلك الغيبة؛وذلك أن الإمام الغائب علیه السلام مقموع مقهور مزاحم فيحقه،قد غلب قهرة، وجرى على شيعته قسرا من أعداء الله ما جرى من سفك الدماء،ونهب الأموال، وإبطال الأحكام ، والجور على الأيتام، و تبدیل الصدقات،وغير ذلك مما لا خفاء به،ومن اعتقد موالاته

ص: 243

شاركه في أجره وجهاده، وتبرأ من أعدائه،وكان له في براءة مواليه من أعدائه أجر،وفي ولاية أوليائه أجر يربو على أجر ملائكة الله عزوجل على الإيمان بالإمام المغيب في العدم،وإنما قص الله عزوجل نبأه قبل وجوده توقيرا وتعظيما له ليستعبد له الملائكة ويتشتروا لطاعته».(1)

ثم أردف قائلا:«فمثل من آمن بالقائم علیه السلام في غيبته مثل الملائكة الذين أطاعوا الله عز وجل في السجود لآدم،ومثل من أنكر القائم لا في غيبته مثل إبليس في امتناعه من السجود لآدم، وكذلك روي عن الصادق جعفر بن محمد علیهماالسلام:«أن الله تبارك وتعالى علم آدم علیه السلام أسماء حجج الله كلها، ثم عرضهم - وهم أرواح - على الملائكة فقال:« أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»(2)بأنكم أحق بالخلافة في الأرض لتسبیحکم و تقدیسكم من آدم علیه السلام،« قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (3)قال الله تعالی:«آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ»(4)

ص: 244


1- كمال الدين : 12.
2- سورة البقرة:الآية 31.
3- سورة البقرة: الآية 32،
4- سورة البقرة: الآية 33.

وقفوا على عظيم منزلتهم عند الله تعالى ذكره، فعلموا أنهم أحق بأن يكونوا خلفاء الله في أرضه وحججه على بريته،ثم غيبهم عن أبصارهم واستبعدهم بولايتهم ومحبتهم،وقال لهم: « أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ «(1)

ثم قال رحمة الله:«وهذا استعباد الله عز وجل للملائكة بالغيبة، والآية أولها في قصة الخليفة ،وإذا كان آخرها مثلها كان للكلام نظم،وفي النظم حجة ،ومنه يؤخذ وجه الإجماع الأمة محمد صلی الله علیه و آله و سلم و أولهم وآخرهم...». (2)

وقال رحمة الله عن الغيبة:«وذلك أن الأئمة علیهم السلام قد أخبروا بغيبته علیه السلام كونها لشيعتهم فيما نقل عنهم،واستحفظ في الصحف ودون في الكتب المؤلفة من قبل أن تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقل أو أكثر، فليس أحد من أتباع الأئمة علیهم السلام إلا وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودونه في مصفاته، وهي الكتب التي تعرف بالأصول مدونة مستحفظة عند شيعة آل محمد علیهم السلام من قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين ،وقد أخرجت ما حضرني من الأخبار المسندة في الغيبة في

ص: 245


1- سورة البقرة: الآية 33.
2- کمال الدين : 13- 14.

هذا الكتاب في مواضعها ، فلا يخلو حال هؤلاء الأتباع المؤلفين للكتب أن يكونوا علموا الغيب بما وقع الآن من الغيبة ، فألفوا ذلك في كتبهم ودونوه في مصنفاتهم من قبل كونها،وهذا محال عند أهل اللب والتحصيل،أو أن يكونوا قد أسسوا في كتبهم الكذب فاتفق الأمر لهم كما ذكروا ، وتحقق كما وضعوا من كذبهم على بعد ديارهم، واختلاف آرائهم،وتباين أقطارهم ومحالهم،وهذا أيضا محال کسبیل الوجه الأول، فلم يبق في ذلك إلا أنهم حفظوا عن أمتهم المستحفظين للوصية علیهم السلام عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من ذكر الغيبة ، وصفة كونها في مقام بعد مقام إلى آخر المقامات ما دونوه في كتبهم، والفوه في أصولهم ، وبذلك وشبهه فلج الحق وزهق الباطل ، إن الباطل کان زهوقا.(1)

وقال عليه الرحمة والرضوان في موضع آخر:«وان خصومنا ومخالفينا من أهل الأهواء المضلة قصدوا لدفع الحق وعناده بما وقع من غيبة صاحب زماننا القائم ، واحتجابه عن أبصار المشاهدين ليلبسوا بذلك على من لم تكن معرفته متقنة،ولا بصيرته مستحكمة»(2)

ص: 246


1- کمال الدین:19
2- کمال الدین:20

ص: 247

الدرس التاسع عشر: فلسفة الغیبة_4

بسم الله الرحمن الرحیم

وقال رحمة الله عن إثبات الغيبة والحكمة فيها:

فأقول وبالله التوفيق:إن الغيبة التي وقعت لصاحب زماننا علیه السلام قد لزمت حكمتها،وبان حقها،وفلجت حجتها للذي شاهدناوعرفناه من آثار حكمة الله عز وجل، واستقامة تدبيره في حججه المتقدمة في الأعصار السالفة مع أئمة الضلال،وتظاهر الطواغیت واستعلاء الفراعنة في الحقب الخالية،وما نحن بسببيله في زماننا هذا من تظاهر أئمة الكفر بمعونة أهل الإفك والعدوان والبهتان؛ وذلك أن خصومنا طالبونا بوجود صاحب زماننا علیه السلام کوجود من تقدمه من الأئمة علیه السلام، فقالوا:إنه قد مضى على قولكم من عصر وفاة نبينا علیه السلام أحد عشر إماما، كل منهم كان موجودا

ص: 248

معروفا باسمه وشخصه بين الخاص والعام، فإن لم يوجد كذلك فقد فسد عليكم أمر من تقدم من أئمتكم كفساد أمر صاحب زمانكم هذا في عدمه وتعذر وجوده.

فأقول وبالله التوفيق:إن خصومنا قد جهلوا آثار حكمة الله تعالى،وأغفلوا مواقع الحق ومناهج السبيل في مقامات حجج الله تعالى مع أئمة الضلال في دول الباطل في كل عصر وزمان؛إذ قد ثبت أن ظهور حجج الله تعالى في مقاماتهم في دول الباطل على سبيل الإمكان والتدبير لأهل الزمان،فإن كانت الحال ممكنة في استقامة تدبیرالأولياء لوجود الحجة بين الخاص والعام كان ظهور الحجة كذلك ، وإن كانت الحال غير ممكنة من استقامة تدبير الأولياء لوجود الحجة بين الخاص والعام، وكان استتاره مما توجبه الحكمة ويقتضيه التدبير حجبه الله وستره إلى وقت بلوغ الكتاب أجله.

كما قد وجدنا من ذلك في حجج الله المتقدمة من عصر وفاة آدم علیه السلام إلى حين زماننا هذا،منهم المستخفون،ومنهم المستعلنون ، بذلك جاءت الآثار و نطق الكتاب ».

ثم أورد رواية الصادق صلوات الله عليه:«یا عبدالحميد، إن الله رسلا مستعلنین ورسلا مستخفين، فإذا سألته بحق المستعلنین فسله بحق المستخفين»، واستشهد رحمه الله علی هذه الرواية بقوله تعالى:

ص: 249

«وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ«(1) (2)

ثم ذكر أحوال جملة من الأنبياء في غيبتهم، فمنها أن الله تعالى ستر شخص إبراهيم علیه السلام وأخفي ولادته عن الناس؛لاستحالة ظهور الحجة،وتعذره في ذلك الزمان؛إذ كان مطلوبامن قبل السلطان وجنوده،وكان علیه السلام في سلطان نمرود مستترا لأمره وغير مظهر نفسه،وأظهر لهم أمره بعد أن بلغت الغيبة أمرها،ووجب إظهار ما أظهره للذي أراده الله في إثبات حجته وإكمال دينه.

وهكذا حال موسی علیه السلام الذي ستر الله تعالى ولادته وترعرع في حجر فرعون پریبه ويبحث عنه،وهو لا يعرفه،وقد قتل الكثير من أطفال بني إسرائيل في طلبه.وقد جرت هذه السنة في أوصياء إبراهيم وموسى علیهماالسلام،في النبي بعد النبي،والوصي تلو الوصي ، فكان منهم المستعلن،وكان منهم المستخفي،حتى ظهر نبينا محمد صلى الله عليه و آله وسلم فقال الله عز وجل له في الكتاب:« مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ«(3)

ص: 250


1- سورة النساء:الآية 164.
2- کمال الدین:21.
3- سورة فصلت:الآية 43.

ثم قال عز من قائل:«سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا»(1)

إلى أن قال رحمه الله:

«فكان مما قيل له،ولزم من سنته على إيجاب سنته من تقدمه من الرسل إقامة الأوصياء له،كإقامة من تقدمه لأوصيائهم،فأقام رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أوصياء كذلك ، وأخبر بكون المهدي خاتم الأئمة علیهم السلام وأنهه يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما،نقلت الٱمة ذلك بأجمعها عنه،وأن عيسى علیه السلام ينزل في وقت ظهوره فيصلي خلفه، فحفظت ولادات الأوصياء ومقاماتهم في مقام بعد مقام إلى وقت ولادة صاحب زماننا علیه السلام المنتظر للقسط والعدل،كما أوجبت الحكمة باستقامة التدبير غيبة من ذكرنا من الحجج المتقدمة بالوجود؛وذلك أن المعروف المتسام بين الخاص والعام من أهل هذه الملة أن الحسن بن على والد صاحب زماننا علیهماالسلام قد کان وكل به طاغية زمانه إلى وقت وفاته، فلما توفي علیه السلام وكل بحاشيته وأهله ،وحبست جواريه،وطلب مولوده هذا أشد الطلب،وكان أحد المتولين عليه عمه جعفر أخو الحسن بن علي بما ادعاه لنفسه من الامامة،ورجا أن يتم له ذلك بوجود ابن أخيه صاحب الزمان علیه السلام،فجرت السنة في

ص: 251


1- سورة الإسراء:الآية 77.

غیبته بما جرى من سنن غيبة من ذكرنا من الحجج المتقدمة،ولزم من حكمة غيبته علیه السلام ما لزم من حكمة غيبتهم».(1)

ثم شرع طيب الله ثراه بالرد على جملة من الشبهات التي أوردها الخصوم،فقد رد على من زعم أنه لا يجوز تشبیه حال الأمة بالأنبياء علیهم السلام قائلا:

فأقول وبالله أهتدي:إن خصومنا قد جهلوا فيما عارضونا من ذلك،ولو أنهم كانوامن أهل التمييز والنظر والتفكروالتدبر باطراح العناد،وإزالة العصبية لرؤسائهم،ومن تقدم من أسلافهم لعلموا أن كل ما كان جائزا في الأنبياء فهو واجب لازم في الأئمة،حذو النعل بالنعل ،والقذة بالقذة؛وذلك أن الأنبياء هم أصول الأمة ومغيضهم،والأمة هم خلفاء الأنبياءوأوصياؤهم، والقائمون بحجة الله تعالى على من يكون بعدهم؛کیلا تبطل حجج الله وحدوده وشرائعه ما دام التكليف على العباد قائما،والأمر لهم لازما،ولو وجبت المعارضة الجاز لقائل أن يقول:إن الأنبياء هم حجج الله ، فغير جائز أن يكون الأمة حجج الله؛إذ ليسوا بالأنبياء ولا كالأنبياء،وله أن يقول أيضا،فغير جائز أن يسموا أئمة؛

ص: 252


1- کمال الدين: 22.

لأن الأنبياء كانوا أئمة وهؤلاء ليسوا بأنبياء فيكونوا أئمة كالأنبياء، وغير جائز أيضا أن يقوموا بما كان يقوم به الرسل من الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،إلى غير ذلك من أبواب الشريعة؛إذ ليسوا کالرسول ولا هم برسل ،ثم يأتي بمثل هذا من المحال ممتا يكثر تعداده ،ويطول الكتاب بذكره، فلما فسد هذا كله كانت هذه المعارضة من خصومنا فاسدة كفساده».(1)

وأردف رضوان الله عليه قائلا:

ثم نحن نبين الآن ونوضح بعد هذا كله أن التشاكل بين الأنبياءوالأئمة بين واضح،فيلزمهم أنهم حجج الله على الخلق،كما كانت الأنبياء حججه على العباد ، وفرض طاعتهم لازم کلزوم فرض طاعة الأنبياء،وذلك قول الله عزوجل:« وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» (2)وقوله تعالى:« وَلَوْ رُدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِى الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِینَ یَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ»(3)،فولاةالأمرهم الأوصياءوالأئمة بعد الرسول صلی الله علیه و آله و سلم،وقدقرن الله طاعتهم بطاعة

ص: 253


1- كمال الدين:23.
2- سورة النساء:الآية 59.
3- سورة النساء:الآية 83.

الرسول،وأوجب على العباد من فرضهم ما أوجبه من فرض الرسول،كماأوجب على العباد من طاعة الرسول ما أوجبه عليهم من طاعته عز وجل في قوله:«أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ «(1)

ثم قال:«مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ»وإذا كانت الأئمة علیهم السلام حجج الله على من لم يلحق بالرسول،ولم يشاهده ،وعلى من خلفه من بعده، كما كان الرسول حجة على من لم يشاهده في عصره لزم من طاعة الأئمة ما لزم من طاعة الرسول محمد صلی الله علیه و آله و سلم،فقد تشاکلوا واستقام القياس فيهم،وإن كان الرسول أفضل من الأئمة،فقد تشاکلوا في الحجة والاسم والفعل والفرض؛إذ كان الله جل ثناؤه قد سمى الإسل أئمة بقوله لإبراهيم:» إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا» (2)،وقد أخبرنا الله تبارك وتعالى أنه قد فضل الأنبياء والرسل بعضهم على بعض،فقال تبارك وتعالى:« تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ »(3)فتشاكل الأنبياء في النبوة،وإن كان بعضهم أفضل من بعض،وكذلك تشاكل الأنبياء والأوصياء،

ص: 254


1- سورة النساء: الآية 80
2- سورة البقرة: الآية 124.
3- سورة البقرة: الآية 253.

فمن قاس حال الأئمة بحال الأنبياء،واستشهد بفعل الأنبياء على فعل الأئمة،فقد أصاب في قياسه ، واستقام له استشهاده بالذي وصفناه من تشاكل الأنبياء والأوصياء علیهم السلام.

ووجه آخر من الدليل على حقيقة ما شرحنا من تشاكل الأئمة والأنبياء علي أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه:« لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» (1)،وقال تعالى:« وَمَآ آتَاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاکُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ »(2)،فأمرنا الله عزوجل أن نهتدي بهدي رسول الله،ونجري الٱمور الجارية على حد ما أجراها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من قول أو فعل، فكان من قول رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم المحقق لما ذكرنا من تشاكل الأنبياء والأئمة أن قال:«منزلة علي علیه السلام مني كمنزلة هارون من موسى،إلا أنه لا نبي بعدي»،فأعلمنا رسول الله أن عليا ليس بني،وقد شبهه بهارون،وكان هارون نبيا ورسولا،وكذلك شبه بجماعة من الأنبياء علیهم السلام.

حدثنا محمد بن موسی بن المتوكل رحمه الله،قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي،قال:حدثنا أحمد بن أبي عبدالله البرقي،

ص: 255


1- سورة الأحزاب:الآية 21.
2- سورة الحشر:الآية 7.

عن أبيه محمد بن خالد، قال:حدثنا عبدالملك بن هارون بن عنترة الشيباني ،عن أبيه،عن جده،عن عبدالله بن عباس،قال:کناجلوسا عند رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم،فقال:«من أراد أن ينظرإلى آدم في علمه ،وإلى نوح في سلمه،وإلى إبراهيم في حلمه،وإلى موسى في فطانته،وإلى داود في زهده، فلينظرإلى هذا»، قال:فنظرنا فإذا علي بن أبي طالب قد أقبل كأنما ينحدر من صبب،فإذا استقام أن يشبه رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم أحدا من الأئمة علیهم السلام بالأنبياء والرسل استقام لنا أن نشبه جميع الأئمة بجميع الأنبياء والرسل، وهذا دليل مقنع،وقد ثبت شکل صاحب زماننا علیه السلام في غيبته بغيبة موسي علیه السلام و غیره ممن وقعت بهم الغيبة؛وذلك أن غيبة صاحب زمانناوقعت من جهة الطواغيت لعلة التدبير من الذي قدمنا ذكره فيالفصل الأول.ومما يفسد معارضة خصومنا في نفي تشاكل الأئمة والأنبياء أن الرسل الذين تقدموا قبل عصر نبينا صلی الله علیه و آله و سلم كان أوصياؤهم أنبياء،فكل وصي قام بوصية حجة تقدمه من وقت وفاة آدم علیه السلام إلی عصر نبينا صلی الله علیه و آله و سلم كان نبيا، وذلك مثل وصي آدم کان شیث ابنه، وهو هبة الله في علم آل محمد صلی الله علیه و آله و سلم ،وكان نبيا،ومثل وصي نوح علیه السلام كان سام ابنه ،وكان نبيا،ومثل إبراهيم علیه السلام كان وصيه إسماعيل ابنه وكان نبيا ،ومثل موسی علیه السلام كان وصيه يوشع بن نون، وكان نبيا،ومثل

ص: 256

عیسی علیه السلام كان وصيه شمعون الصفا، وكان نبيا، ومثل داود علیه السلام كان وصيه سليمان علیه السلام ابنه،وكان نبيا، وأوصياء نبينا عليهم السلام لم يكونوا أنبياء؛لأن الله عز وجل جعل محمدا خاتما لهذه الٱمم كرامة له وتفضيلا، فقد تشاكلت الأئمة والأنبياء بالوصية،كما تشاکلوا فيما قدمنا ذكره من تشاکلهم، فالنبي وصي والإمام وصي،والوصي إمام والنبي إمام ، والنبي حجة والإمام حجة،فليس في الإشكال أشبه من تشاكل الأئمة والأنبياء،وكذلك أخبرنا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بتشاكل أفعال الأوصياء فيمن تقدم و تأخر من قصة يوشع بن نون وصي موسي علیه السلام مع صفراء بنت شعیب زوجة موسى وقصة أمير المؤمنين علیه السلام وصي رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم مع عائشة بنت أبي بكر،وإيجاب غسل الأنبياء أوصياؤهم بعد وفاتهم».(1)

فساق رواية في هذا الخصوص ،ثم قال:«فهذاالشكل قد ثبت بين الأئمةوالأنبياء بالاسم والصفة والنعت والفعل،وكل ما كان جائزا في الأنبياء،فهو جائز في الأئمة حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة،ولو جاز أن تجحد إمامة صاحب زماننا هذا لغيبته بعد وجود من تقدمه من الأئمة علیهم السلام؛لوجب أن تدفع نبوة موسی بن عمران علیه السلام.

ص: 257


1- کمال الدين: 24-27.

لغيبته؛إذ لم يكن كل الأنبياء كذلك،فلما لم تسقط نبوة موسی الغيبته ،وصحت نبوته مع غيبته کما صحت نبوة الأنبياء الذين لم تقع بهم الغيبة،فكذلك صحت إمامة صاحب زماننا هذا مع غيبته كما صحت إمامة من تقدمه من الأئمة الذين لم تقع بهم الغيبة ...الخ»(1)

ص: 258


1- كمال الدين: 27- 28.

ص: 259

الدرس العشرون: فلسفة الغيبة - 5

بسم الله الرحمن الرحیم

ثم تعرض رحمه الله لإشكالل ققائل:«ردإشکال:

فكان من الزيادة لخصومنا أن قالوا:ماأنكرتم إذ قد ثبت لكم ما ادعيتم من الغيبة كغيبة موسی علیه السلام،و من حل محله من الأئمة الذين وقعت بهم الغيبة أن تكون حجة موسى لم تلزم أحداإلا من بعد أن أظهر دعوته ودل على نفسه ،وكذلك لا تلزم حجة إمامكم هذا الخفاء مكانه وشخصه حتى يظهر دعوته ويد على نفسه كذلك،فحينئذ تلزم حجته وتجب طاعته،وما بقي في الغيبة فلاتلزم حجته، ولا تجب طاعته.

فأقول وبالله أستعين:إن خصومنا غفلوا عما يلزم من حجة حجج الله في ظهورهم واستتارهم،وقد ألزمهم الله تعالى الحجة

ص: 260

البالغة في كتابه،ولم يتركهم سدى في جهلهم وتخبطهم،ولكنهم كما قال الله عزوجل:« أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»(1) الله عز وجل قد أخبرنا في قصة موسى عليه السلام أنه كان له شيعة ، وهم بأمره عارفون،وبولايته متمسكون،ولدعوته منتظرون قبل إظهار دعوته،ومن قبل دلالته على نفسه حيث يقول:« ودَخَلَ الْمَدِینَةَ عَلَى حِینِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِیهَا رَجُلَیْنِ یَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِیعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِى مِن شِیعَتِهِ عَلَى الَّذِى مِنْ عَدُوِّهِ»(2)

وقال عز وجل حكاية عن شيعته:« قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا»(3)

فأعلمنا الله عزوجل في كتابه أنه قد كان لموسى علیه السلام شيعة من قبل أن يظهر من نفسه نبوة، وقبل أن يظهر له دعوة يعرفونه ويعرفهم بموالاة موسى صاحب الدعوة،ولم يكونوا يعرفون أن ذلك الشخص هو موسى بعينه؛ وذلك أن نبؤة موسى إنما ظهرت من بعد رجوعه من عند شعیب حين سار بأهله من بعد السنين التي رعى فيها لشعيب حتى استوجب بها أهله،

ص: 261


1- سورة محمد صلی الله علیه و آله و سلم:الآية 24.
2- سورة القصص:الآیة:15.
3- سورة الأعراف :الآية 129

فكان دخوله المدينة حين وجد فيها الرجلين قبل مسيره إلى شعیب،وكذلك وجدنا مثل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وقد عرف أقوام أمره قبل ولادته وبعد ولادته،وعرفوا مكان خروجه ودار هجرته من قبل أن يظهر من نفسه نبوة، ومن قبل ظهور دعوته؛وذلك مثل سلمان الفارسي رحمه الله،ومثل قس بن ساعدة الأيادي،ومثل تبع الملك،ومثل عبدالمطلب ،وأبي طالب،ومثل سيف بن ذي يزن،ومثل بحيرى الراهب ،ومثل كبير الرهبان في طريق الشام،ومثل أبي مويهب الراهب ، ومثل سطيح الكاهن،ومثل يوسف اليهودي،ومثل ابن حواش الحبر المقبل من الشام،ومثل زید بن عمرو بن نفیل.

ومثل هؤلاء كثير ممن قد عرف النبي صلی الله علیه و آله و سلم بصفته ونعته واسمه ونسبه قبل مولده وبعد مولده،والأخبار في ذلك موجودة عند الخاص والعام،وقد أخرجتها مسندة في هذا الكتاب في مواضعها ،فليس من حجة الله عز وجل نبي ولا وصي إلا وقد حفظ المؤمنون وقت کونه وولادته ،وعرفوا أبويه ونسبه في كل عصر وزمان حتى لم يشتبه عليهم شيء من أمر حجج الله عز وجل في ظهورهم وحين استتارهم،وأغفل ذلك أهل الجحودوالضلال والكنود فلم يكن

ص: 262

عندهم علم شيء من أمرهم، وكذلك سبیل صاحب زماننا علیه السلام،حفظ أولياؤه المؤمنون من أهل المعرفة والعلم وقته وزمانه،وعرفوا علاماته وشواهد أيامه،وكونه ووقت ولادته ونسبه،فهم على يقين من أمره في حين غيبته ومشهده،وأغفل ذلك أهل الجحودوالإنكاروالعنود، وفي صاحب زماننا علیه السلام قال الله عز وجل:« يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ» (1)،وسئل الصادق علیه السلام عن هذه الآية فقال:«الآيات هم الأئمة،والآية المنتظرة هو القائم المهدي عليه السلام ،فإذا قام لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف وإن آمنت بمن تقدم من آبائه علیهم السلام...»(2)

كيف يمكن تأويل الآيات في قوله تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ» (3)أو تفسيرها بأن المراد منها هم الأئمة علیهم السلام،بينما الظاهر أن المراد منها هي الأحداث والوقائع السماويةوالمعجزات الإلهية؟

قال الشيخ الصدوق رحمه الله:«وتصدیق ذلك»أي وتصديق أن المراد

ص: 263


1- سورة الأنعام: الآية 158
2- کمال الدين: 28 -30.
3- سورة الأنعام:الآية 158

بالآيات هنا هم حجج الله والأئمة علیهم السلام:«أن الآيات هم الحجج،من كتاب الله عزوجل قول الله تعالى:« وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْیَمَ وَأُمَّهُآيَةً» (1)يعني حجة،وقوله عز وجل لعزير حين أحياه الله من بعد ما أماته مائة سنة:« إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ»(2)،يعني حجة،فجعله الله عزوجل حجة على الخلق وسماه آیة.

لوكانت الغيبة بهذه الشهرة وهي جارية في الأنبياء علیهم السلام كما تزعمون فما بالها لم تكن مشهورة لدى الصحابة؟

أولا:كانت الغيبة مشهورة لدى الصحابة،إلا أن التعتيم الإعلامي والتضليل الذي أصاب الخلافة والإمامة من جراء السقيفة طال الغيبة أيضا، وقد سقنا لك بعض ما روي عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم في ذلك.

ثانيا:قال الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه الشريف:«وإن الناس لما صح لهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الغيبة الواقعة بحجة الله تعالى ذكره على خلقه وضع كثير منهم الغيبةغير موضعها،أولهم عمربن الخطاب،فإنه قال لما قبض النبي صلی الله علیه و آله و سلم:والله ما مات محمد،

ص: 264


1- سورة المومنون:الآیة 50.
2- سورة البقرة:الآية 259

وإنما غاب كغيبة موسی عليه السلام عن قومه،وإنه سيظهر لكم بعد غيبته».(1)

وقد رواه الخاصة والعامة بألفاظ مختلفة عن عمر بن الخطاب في كتبهم،راجع كتب السيرة والتاريخ والحديث عند الفريقين. (2)

وقال قدس الله روحه:

«الكيسانية:ثم غلطت الكيسانية بعد ذلك حتى ادعت هذه الغيبة لمحمد بن الحنفية قدس الله روحه،حتى إن السيد ابن محمد الحميري رضی الله عنه اعتقد ذلك وقال فيه:

ألاإن الأمة من فریش ***ولاة الأمر أربعة سواء

علي والثلاثة من بنيه*** هم أسباطنا والأوصياء

فسبط سبط إيمان وبر***وسبط قد حوته کربلاء

وسبط لا يذوق الموت حتى***يقود الجيش يقدمه اللواء

ص: 265


1- كمال الدين:30.
2- صحيح البخاري:5/8 جامع الأصول/ ابن الأثير:4/470.فتح الباري:7/21.تاریخ ابن الأثير:2/323.الملل والنحل/الشهرستاني:1/29و 30.مسند إسحاق بن راهويه:3/728و991.کنز العمال:10/292.الطبقات الکبری:2/269_ 271. تاريخ الطبري:2/442.عيون الأثر: 433.عمر بن الخطاب/ البكري:80.

یغيب فلا يرى عتا زمانا*** برضوى عنده عسل وماء

وقال فيه السيد رحمة الله عليه أيضا:

أيا شعب رضوی ما لمن بك لا یری*** فحتى متى يخفي وأنت قريب

فلو غاب عنا عمر نوح لأيقنت ***منا النفوس بأنه سيؤوب

فلم يزل السيد ضالا في أمر الغيبة يعتقدها في محمد بن الحنيفية حتى لقي الصادق جعفر بن محمد علیهماالسلام ورأى منه علامات الإمامة،وشاهد فيه دلالات الوصية،فسأله عن الغيبة،فذكر له أنها حق،ولكنها تقع في الثاني عشر من الأئمة علیهم السلام، وأخبره بموت محمد بن الحنفية،وأن أباه شاهد دفنه،فرجع السيد عن مقالته واستغفر من اعتقاده،ورجع إلى الحق عند اتضاحه له،ودان بالإمامة».(1)

ثم أورد رحمه الله رواية عن السيد الحميري عن الإمام الصادق علیه السلام التي اهتدى إلى الحق بعدها، ورجع عن الكيسانية إلى الحق الاثني عشرية،واعتنق مذهب الحق،ثم ذكر قصيدته الرائية التي أولها:

ص: 266


1- کمال الدين : 33.

فلما رأيت الناس في الدين قد غووا***|تجعفرت باسم الله فيمن تجعفروا

وسنوردها كاملة في فصل الأشعار إن شاء الله تعالى.

وهكذا ذكررضی الله عنه جملة من الطوائف والفرق الإسلامية التي زعمت الغيبة لبعض زعمائها غفلة وسهوا منهم،وانحرافاعن جادة الصواب،کالناووسية القائلين بغيبة الإمام الصادق علیه السلام، والواقفية الذاهبين إلى غيبة الإمام الكاظم علیه السلام،ومن زعموا غيبة الإمام العسكري صلوات الله عليه وتوقفوا على إمامته ،وإنا سنورد تفاصيل تلك الفرق والطوائف في محلها في الفصل الذي عقدناه لذكر آرائها ومعتقداتها.

ثم قال الصدوق رحمه الله في معرض الردعلى سائر الشبهات:

سؤال:وقد يعترض معترض جاهل بآثار الحكمة،غافل عن مستقيم التدبير لأهل الملة بأن يقول:ما بال الغيبة وقعت بصاحب زمانكم هذا دون من تقدم من آبائه الأمة بزعمكم،وقد نجد شيعة آل محمد علیهم السلام في زماننا هذا أحسن حالا، وأرغد عيشا منهم في زمن بني أمية ؛ إذ كانوا في ذلك الزمان مطالبين بالبراءة من أمير المؤمنين علیه السلام،إلى غير ذلك من أحوال القتل والتشريد،وهم في هذا الحال وادعون سالمون،قد كثرت شيعتهم،وتوافرت أنصارهم،وظهرت كلمتهم بموالاة كبراءأهل الدولة لهم وذوي

ص: 267

السلطان والنجدة منهم؟

فأقول-وبالله التوفيق-:إن الجهل غير معدوم من ذوي الغفلةوأهل التكذيب والحيرة،وقد تقدم من قولنا إن ظهور حجج الله علیهم السلام واستتارهم جرى في وزن الحكمة حسب الإمكان والتدبير لأهل الإيمان،وإذا كان كذلك فليقل ذوو النظر والتمييز:إن الأمر الآن-وإن كان الحال كما وصفت-أصعب ،والمحنة أشد مما تقدم من أزمنة الأمة السالفة علیهم السلام؛وذلك أن الأئمة الماضية أسروا في جميع مقاماتهم إلى شيعتهم والقائلين بولايتهم والمائلين من الناس إليهم حتى تظاهر ذلك بين أعدائهم أن صاحب السيف هو الثاني عشر من الأئمة علیهم السلام،وأنه علیه السلام لایقوم حتى تجيئ صيحة من السماء باسمه واسم أبيه والأنفس منيتة على نشر ما سمعت،وإذاعة ما أحست،فكان ذلك منتشرا بين شيعة آل محمد صلی الله علیه و آله و سلم وعند مخالفيهم من الطواغیت وغيرهم،وعرفوا منزلة أئمتهم من الصدق ومحلهم من العلم والفضل،وكانوا يتوقفون عن التسرع إلى إتلافهم،ويتحامون القصد لإنزال المكروه بهم مع ما يلزم من حال التدبير في إيجاب ظهورهم ، كذلك ليصل كل امرء منهم إلى ما يستحقه من هداية أو ضلالة ،كما قال الله تعالى:«مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ

ص: 268

وَلِيًّا مُرْشِدًا»(1)،وقال الله عز وجل:« وَ لَیَزیدَنَّ کَثیراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ طُغْیاناً وَ کُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْکافِرینَ»(2) وهذا الزمان قد استوفي أهله كل إشارة من نص وآثار فتناهت بهم الأخبار ،واتصلت بهم الآثار إلى أن صاحب هذا الزمان علیه السلام هو صاحب السيف والأنفس منيتة على(ما وصفنا من) نشر ما سمعت، وذكر ما رأت وشاهدت،فلو كان صاحب هذا الزمان علیه السلام ظاهرا موجودا لنشر شيعته ذلك،ولتعداهم إلى مخالفيهم بحسن ظن بعضهم بمن يدخل فيهم،ويظهر الميل إليهم،وفي أوقات الجدال بالدلالة على شخصه والإشارة إلى مكانه،كفعل هشام بن الحكم مع الشامي ،وقد ناظره بحضرة الصادق علیه السلام،فقال الشامي هشام:من هذا الذي تشير إليه،وتصفه بهذه الصفات ؟ قال هشام:هو هذا،وأشار بيده إلى الصادق علیه السلام،فكان يكون ذلك منتشرا في مجالسهم کانتشاره بينهم مع إشارتهم إليه بوجود شخصه ونسبه ومكانه،ثم لم يكونواحينئذ يمهلون ولا ينظرون کفعل فرعون في قتل أولاد بني إسرائيل اللذي قد كان ذاع منهم وانتشر بينهم من کون موسي علیه السلام بينهم،

ص: 269


1- سورة الكهف:الآية 17.
2- سورةالمائدة:الآية 68.

وهلاك فرعون ومملكته على يديه،وكذلك كان فعل نمرود قبله في قتل أولاد رعيته وأهل مملكته في طلب إبراهيم علیه السلام زمان انتشار الخبر بوقت ولادته ،وكون هلاك نمرود وأهل مملكته ودينه على يديه، كذلك طاغية زمان وفاة الحسن بن علي علیهماالسلام والد صاحب الزمان علیه السلام وطلب ولده والتوكيل بداره،وحبس جوارية، وانتظاره به وضع الحمل الذي كان بهن،فلولاأن إرادتهم كانت ما ذكرنا من حال إبراهيم وموسى علیهما السلام لما كان ذلك منهم،وقد خلف علیه السلام أهله وولده،وقد علموا من مذهبه ودينه أن لا يرث مع الولد والأبوين أحد إلا زوج أو زوجة،كلاما يتوهم غير هذا عاقل ولا فهم غير هذا مع ما وجب من التدبير والحكمة المستقيمة ببلوغ غاية المدة في الظهور والاستتار،فإذاكان ذلك كذلك وقعت الغيبة فاستتر عنهم شخصه،وضلوا عن معرفة مكانه،ثم نشر ناشر من شیعته شيئا من أمره بما وصفناه وصاحبكم في حال الاستتار فوردت عادية من طاغوت الزمان أو صاحب فتنة من العوام تفحص عا ورد من الاستتار،وذكر من الأخبار،فلم يجد حقيقة يشار إليها،ولا شبهة يتعلق بها،انكسرت العادية،وسكنت الفتنة،وتراجعت الحمية،فلا يكون حینئذ على شيعته ولا على شيء من أشيائهم لمخالفيهم متسلق،ولا إلى اصطلامهم سبيل متعلق،

ص: 270

وعندذلك تخمدالنائرة، وترتدع العادية،فتظاهر أحوالهم عند الناظر في شأنهم،ويتضح للمتأمل أمرهم،ويتحقق المؤمن المفكر في مذهبهم،فيلحق بأولياء الحجة من كان في حيرة الجهل ينكشف عنهم ران الظلمة عند مهلة التأمل بيناته وشواهد علاماته کحال اتضاحه وانکشافه عند من يتأمل كتابنا هذا مريد للنجاة، هاربا من سبل الضلالة، ملتحقا بمن سبقت لهم من الله الحسنى،فآثر على الضلالة الهدى».(1)

ثم بادرإلى الرد على شبهات ابن بشار قائلا:

«وقد تكلم علينا أبو الحسن علي بن أحمد بن بشار في الغيبة وأجابه أبو جعفر محمد بن عبدالرحمن بن قبة الرازي،وكان من کلام علي بن أحمد بن بشار علينا في ذلك أن قال في كتابه.

أقول:إن كل المبطلين أغنياء عن تثبيت إنية من يدعون له،وبه يتمسكون، وعليه يعكفون،ويعطفون لوجود أعيانهم وثبات إنياتهم وهؤلاءيعني أصحابنا۔فقراء إلى ما قد غني عنه كل مبطل سلف من تثبيت إتية من يدعون له وجوب الطاعة،فقدافتقروا إلى ما قد غني عنه سائر المبطلين،واختلفوا بخاصة ازدادوا بها بطلانا،

ص: 271


1- کمال الدین:45-48

وانحطوا بهاعن سائر المبطلين؛لأن الزيادة من الباطل تحط والزيادة من الخير تعلو،والحمد لله رب العالمين.

ثم قال:وأقول قولا تعلم فيه الزيادة على الإنصاف منا،وإن كان ذلك غير واجب علينا.

أقول:إنه معلوم أنه ليس كل مدع ومدعي له بحق،وإن كان سائل لمدع تصحیح دعواه بمنصف،وهؤلاء القوم ادعوا أن لهم من قد صح عندهم أمره ووجب له على الناس الانقياد والتسليم، وقد قدمنا أنه ليس كل مدع ومدعى له بواجب له التسليم،ونحن نسلم لهؤلاء القوم الدعوى ونقر على أنفسنا بالإبطال - وإن كان ذلك في غاية المحال-بعد أن يوجدوناإنية المدعى له ولا نسألهم تثبيت الدعوى،فإن كان معلوما أن في هذا أكثر من الإنصاف فقد و فينا بما قلنا،فإن قدروا عليه فقد أبطلوا، وإن عجزوا عنه فقد وضح ما قلناه من زيادة عجزهم عن تثبیت ما يدعون على عجز كل مبطل عن تثبیت دعواه، وأنهم مختصون من كل نوع من الباطل بخاصة يزدادون بها انحطاطا عن المبطلين أجمعين لقدرة كل مبطل سلف على تثبيت دعواه إنية من يدعون له،وعجز هؤلاء عما قدر عليه كل مبطل،إلا ما يرجعون إليه من قولهم:« إنه لا بد من تجب به حجة الله عز وجل»،وأجل لا بد من وجوده فضلا عن كونه،

ص: 272

فأوجدونا الإنية من دون ايجاد الدعوى ، ولقد خبرت عن أبي جعفر بن أبي غانم أنه قال لبعض من سأله فقال:يم تحاج الذين کنت تقول ويقولون:إنه لا بد من شخص قائم من أهل هذا البيت؟قال:أقول لهم هذا جعفر»(1)

ص: 273


1- كمال الدين: 51 - 53.

الدرس الحادي والعشرون: فلسفة الغيبة -6

بسم الله الرحمن الرحیم

فعلم الكلام الذي كان لهشام بن الحكم تلميذ الإمام الصادق علیه السلام قصب السبق فيه،استمر على أيدي مشايخ الطائفة علي بن منصور الكوفي،ويونس بن عبدالرحمن اليقطيني ، ومحمد بن أبي عميرة الأزدي البغدادي ، والحسن بن علي بن يقطين البغدادي ، وفضل بن شاذان النيسابوري ، وإسماعيل بن علي بن إسحاق ، وأبي سهل النوبختي البغدادي ، والحسن بن موسى النوبختي،وأبي الحسين السوسنجردي الحمدوني ،وأبي الحسن الناشي الأصغر ،ومظفر بن محمد بن أحمد البغدادي ، ولقي تطورا مذهلا خلال تلك الفترة ، لكن هذا العلم انتهى عند الشيخ المفيد وبلغ ذروته على يديه ؛إذ كان الشيخأعلى الله مقامه فارس میدان المناظرة والكلام،

ص: 274

لا ينافسه غيره، ولا يرقى إليه طيره،وقد تلمذ على أبي ياسر الطاهر تلميذ أبي الجيش الخراساني ، ومظفر بن محمد بن أحمد، وأبي الحسن النوبختي ، والحسن بن علي بن إبراهيم البصري ، وعلي بن عيسى بن علي بن عبدالله البغدادي ، وقد خرج من حلقات در سه أعلام الطائفة ، أمثال :المرحوم الكراجكي ، والسيد المرتضى ، وشيخ الطائفة الطوسي ، وغيرهم كثيرون.

وحين انتهت زعامة المذهب الحق إلى الشيخ المفيد و بين عامي 336ه.ق و 413ه.ق لم يكن بمعزل عن هذه الحقيقة، فقد وقف حياته على الدفاع عن حريم التشيع وحدوده، لاسيما الذب عن الغيبة الحقة وبيان أسرارها وأسبابها، ولهذا قال عنه ابن الندیم:

«ابن المعلم،أبو عبدالله .. في عصرناانتهت رئاسة متكلمي الشيعةإليه، مقدم في صناعةالكلام في مذاهب أصحابه،دقيق الفطنة، ماضي الخاطر، شاهدته فرأيته بارعا،وله من الكتب...». (1)

عاش الشيخ المفيد ذروة العصر الذهبي لعلم الكلام كما عاصر أحلك العصور وأعتمها ظلامة، حيث سهام النقد والتشكيك كانت

ص: 275


1- الفهرست : 226.

تتربص بمبادئ التشيع وٱصوله من كل حدب ومكان، فكشف عن ساعد الجد والاجتهاد متحديا إياها، متصديا لها،ذابا عن حرمات التشيع،لا تأخذه في الله لومة لائم،ناصبا نفسه درعا حصينا يذود عن المذهب وأهله بالقلم والبيان والحكمة والبرهان تحت ظل الدولة البويهيئة المظفرة إبان حكم الأمير عضد الدولة البويهي رضوان الله عليه ، وصنف في هذا المجال ما يربو على تسعين أثرا خالدا ، خص 33 مصنفا منها بموضوع الإمامة ، كما خصص ستة منها للبحث عن مسألة الغيبة ، فكانت له اليد الطولى،والكعب المعلی بين علماء الطائفة وزعمائها، وهي کتاب الغيبة(1) والمسائل العشرة في الغيبة، (2)والمختصر في الغيبة (3) ،والنقض على الطلحي في الغيبة(4)وجوابات الفارقين فی الغيبة (5) ، والجوابات في خروج الإمام المهدي علیه السلام.(6)

وقد تطرق إلى جملة من مسائل الغيبة في ستة من كتبه الٱخرى کالافصاح في الإمامة،والإيضاح في الإمامة ،والعمدة في الإمامة،والإرشاد في معرفة حجج الله على العباد،والعيون والمحاسن

ص: 276


1- النجاشی: 401.الذريعة:16/80.
2- النجاشی:339
3- النجاشی:339
4- النجاشی:400
5- النجاشی:400
6- النجاشی:401

والزاهر في المعجزات،علاوة على أربعين رسالة تركها، وهي عبارة عن مناظراته حول الغيبة وفلسفتها ، وفيها يناظر المعتزلة والزيدية والإسماعيلية والأشاعرة والمرجئة والجبرية وغيرهم، كلا على مسلکه وطبقا لمعتقداته،وهي عبارة عن أجوبة المسائل والشبهات التي كانت ترد عليه من البلاد الدانية والنائية ، من أهمها کتاب الفصول العشرة أو المسائل في الغيبة الذي يتضمن الرد على أسئلة وشبهات أبي العلاء ابن تاج الملك من علماء الشيعة آنذاك.

قال فيه:«فأما بعد انقراض من سميناه من أصحاب أبيه وأصحابه علیهم السلام ، فقد كانت الأخبار عن تقدم من أئمة آل محمد علیهم السلام متناصرة بأنه : لا بد للقائم المنتظر من غيبتين ؛ إحداهما أطول من الٱخرى ، يعرف خبره الخاص في القصري ، ولا يعرف العام له مستقر في الطولى،إلا من تولى خدمته منثقاة أوليائه،ولم ينقطع عنه إلى الاشتغال بغيره.(1)

وأعقب ذلك قائلا:«والأخبار بذلك موجودة في مصنفات الشيعة الإمامية قبل مولد أبي محمد وأبيه وجده علیهم السلام،وظهر حقها عند مضي الوكلاء والسفراء الذين سميناهم رحمه الله، وبان صدق رواتها

ص: 277


1- الفصول العشرة/المفيد: 82.

بالغيبة الطولى،فكان ذلك من الآيات الباهرات في صحة ما ذهبت إليه الإمامية،ودانت به في معناه.

وليس يمكن أن يخرج عن عادة أزماننا هذه غيبه بشر لله تعالى،في استتاره تدبير لمصالح خلقه لا يعلمها إلا هو،وامتحان لهم بذلك في عبادته،مع أنا لم نحط علما بأن كل غائب عن الخلق مستترا بأمر دينه لأمر يؤمه عنهم كما ادعاه الخصوم - يعرف جماعة من الناس مكانه ويخبرون عن مستقره ...» (1)

ثم أورد حكايات الأولياء والأنبياء ممن وقعت لهم الغيبة القصيرة أو الطويلة،كالخضر، وموسى ويوسف ويونس وأصحاب الكهف علیهم السلام جميعا،ثم قال:

«وليس من عادتنا مثل ذلك،ولا عرفناه،ولولا أن القرآن جاء بذكر هؤلاء القوم وخبرهم ،وما ذكرناه من حالهم لتسرعت الناصبة إلى إنكار ذلك كما يتسرع إلى إنكاره الملحدون والزنادقة والدهريون،ويحيلون صحة الخبر به...».(2)

وقال أيضارحمه الله:«فأي طريق للمقر بالإسلام إلى إنكار مذهبنا

ص: 278


1- الفصول المهمة: 82-83.
2- الفصول المهمة: 86.

في ذلك،لولا أنهم بعداء من التوفيق،مستمالون بالخذلان».(1) وقال في موضع آخر من الصفحة ذاتها:«و إن کنا نعرف من كثير من نفاقهم بذلك،ونتحقق استبطانهم بخلافه؛لعلمنا بإلحادهم في الدين،واستهزائهم به،وانهم كانوا ينحلون بظاهره خوفا من السيف ، وتصنعا أيضا، لاكتساب الحطام به من الدنيا ،ولولا ذلك لصرحوا بما ينتمون ، وظاهروا بمذاهب الزنادقة التي بها یدینون،ولها يعتقدون»(2)

فقد تعرض الشيخ المفيد رضی الله عنه في كتبه ومناظراته لمسائل عديدة تحوم حول الإمام المهدي علیه السلام منها فلسفة الغيبة وإنكار وجود الإمام علیه السلام،وادعاء أن الإمام العسكري علیه السلام لم يخلف من بعده وريثا ذکرا،وسبب إخفاء الولادة،وخروج دعاوى الإمامية في الغيبة عن المألوف والمعتاد،وطول عمر الإمام علیه السلام،ونظائرها، حتى إنه لم يترك شاردة ولا واردة من الشبهات إلا أجاب عنها بالدليل القاطع والبرهان الساطع،إليك مقاطع من كلامه في كتبه ومصنفاته:

وقال في الفصل السابع - ردا على من زعم بطلان الحاجة إلى

ص: 279


1- المسائل العشرة : 88.
2- المصدر المتقدم: 88 – 89.

الإمام الغائب عن الأنظار والأبصار؛إذ لم يتول إقامة الحدود ولا إنفاذ الأحكام،ولا الدعوة إلى الحق،وكان حينئيذ وجوده كعدمه:

«فإنا نقول فيه:إن الأمر بخلاف ما ظنوه؛وذلك أن غيبته لا تخل بماصدقت الحاجة إليه من حفظ الشرع والملة، واستيداعها له ، و تكليفها التصرف في كل وقت لأحوال الٱمة ،وتمسكها بالديانة،أو فراقها لذلك إن فارقته،وهو الشيء الذي ينفرد به دون غيره من كافة رعيته.ألا ترى أن الدعوة إليه إنما يتولاها شيعته،وتقوم الحجة بهم في ذلك،ولا يحتاج هو إلى تولي ذلك بنفسه،كما كانت دعوة الأنبياء علیهم السلام تظهر نایبا عنهم،والمقرين بحقهم،وينقطع العذر بها فيما يتأتى عن علتهم ومستقرهم،ولا يحتاجون إلى قطع المسافات لذلك بأنفسهم،وقد قامت أيضا نایبا عنهم بعد وفاتهم، وتثبت الحجة لهم في ثبوتهم ،بامتحانهم في حياتهم وبعد موتهم،وكذلك إقامة الحدود وتنفيذ الأحكام،وقد يتولاها أمراء الأمة وعمالهم دونهم، كما كان يتولى ذلك أمراء الأنبياء علیهم السلام وولاتهم، ولا يخرجونهم إلى تولي ذلك بأنفسهم،وكذلك القول في الجهاد،ألا ترى أنه يقوم به الولاة من قبل الأنبياء والأئمة دونهم،ويستغنون بذلك عن توليه بأنفسهم.

ص: 280

فعلم بما ذكرناه:أن الذي أحوج إلى وجود الإمام،ومنع من عدمه ما اختص به من حفظ الشرع،الذي لا يجوز ائتمان غيره عليه،ومراعاة الخلق في أداء ما كلفوه من أدائه.(1)

ثم ذكر وجها آخر لاستتاره علیه السلام قائلا:«وشيء آخر،وهو:أنه إذا غاب الإمام للخوف على نفسه من القوم الظالمين،فضاعت لذلك الحدود ،وانهملت به الأحكام،ووقع به في الأرض الفساد، فكان السبب لذلك فعل الظالمين دون الله عز اسمه،وكانوا المأخوذين بذلك،المطالبين به دونه...».(2)

وقال رضوان الله عليه - في معرض رده على شبهات القائلين بمساواة مذهبنا بالمذاهب الباطلة،كالسبائية والكيسانية والممطورة والإسماعيلية والزيدية وأشباهها القائلة باستتار أئمتها وقادتها،مما يستلزم بطلان مذهبنا على نحو بطلان تلك المذاهب:«فإنانقول:إن هذاتوهم من الخصوم،لو تيقظوا الفساد ما اعتمدوه في حجاج أهل الحق،وظنوه نظيرة للمقالتهم؛وذلك أن قتل من سموه قد كان محسوسا مدركا بالعيان...»إلى أن قال:«والإنكار للمحسوسات

ص: 281


1- المسائل العشرة/الشیخ المفید:105-107.
2- المسائل العشرة/الشیخ المفید:107

باطل عند كافة العقلاء، وشهادة الأئمة المعصومين بصحة موت الماضين منهم مزيلة لكل ريبة،فبطلت الشبهة فيه على ما بيناه، وليس كذلك قول الإمامية في دعوى صاحبهم علیه السلام؛لأن دعوى وجود صاحبهم علیه السلام لا تتضمن دفع المشاهد، ولا له إنكار المحسوس،ولا قام بعد الثاني عشر من أئمة الهدى علیهم السلام إمام عدل معصوم يشهد بفساد دعوى الإمامية،أو وجود إمامها وغيبته،فأي نسبة بين الأمرين لولا التحريف في الكلام ،والعمل على أول خاطر يخطر للإنسان من غير منكر فيه ولا إثبات».

ثم ختم ذلك بقوله رحمه الله:«ومن تأمل ما ذكرناه عرف الحق منه،ووضح له الفرق بيننا وبين الضالة من المنتسبين إلى الإمامية والزيدية،ولم يخف الفصل بين مذهبنا في صاحبنا علیه السلام،ومذاهبهم الفاسدة بما قدمناه،والمنة لله».(1)

ص: 282


1- المسائل العشرة / الشيخ المفيد: 109 – 112.

الدرس الثانی و العشرون: فلسفة الغیبة-7

بسم الله الرحمن الرحیم

وقال عليه الرحمة والرضوان في الفصل الأول:«أقول:إن استتار ولادة المهدي بن الحسن بن علي علیهم السلام عن جمهور أهله وغيرهم،وخفاء ذلك عليهم، واستمرار استتاره عنهم ليس بخارج عن العرف،ولا مخالفا لحكم العادات،بل العلم محيط بتهام مثله في أولاد الملوك والسوقة،لأسباب تقتضيه لا شبهة فيهاعلى العقلاء.

فمنها:أن يكون للإنسان ولد من جارية قد أستر تملكها من زوجته وأهله،فتحمل منه فيخفي ذلك عن كل من يشفق منه أن يذكره،ويستره عمن لا يأمن إذاعة الخبر به،لئلا يفسد الأمر عليه مع زوجته بأهلها وأنصارها،ويتم الفساد به، ويترتب ضرر عليه يضعف عن دفاعه عنه،وينشؤ الولد وليس أحد من أهل الرجل

ص: 283

وبني عمه وإخوانه وأصدقائه يعرفه،ويمر على ذلك إلى أن يزول خوفه من الإخبار عنه، فيعرف به إذ ذاك،وربما تم ذلك إلى أن تحضره وفاته فيعرف به عند حضورها،تحرج من تضييع نسبه،وإيثارا لوصوله إلى مستحقه من ميراثه.

وقد يولد للملك ولد لا يؤذن به حتى ينشؤ ويترعرع،فإن رآه على الصورة التي تعجبه ...

ومن الناس من يستر ولده عن أهله مخافة شنعتهم في حقه،وطمعهم في ميراثه ما لم يكن له ولد، فلا يزال مستورا حتى يتمكن من إظهاره على أمان منه عليه ممن سميناه.

ومنهم من يستر ذلك ليرغب في العقد له من لا يؤثر مناکحة صاحب الولد من الناس،فينم له في ستر ولده وإخفاء شخصه وأمره...واشتهر من الملوك من ستر ولد وإخفاء شخصه عن رعيته لضرب من التدبير، في إقامة خليفة له،وامتحان جنده بذلك في طاعته...

وغير ذلك مما يكثر تعداده من أسباب ستر الأولاد،وإظهار موتهم،واستتار الملوك أنفسهم،والإرجاف بوفاتهم، وامتحان رعاياهم بذلك...».

ثم قال:«وقد أجمع العلماء من الملل على ما كان من ستر ولادة

ص: 284

أبي إبراهيم الخليل علیه السلام وٱمه لذلك،وتدبيرهم في إخفاء أمره عن ملك زمانه لخوفهم عليه منه،وبستر ولادة موسی بن عمران علیه السلام ... فما الذي ينكره خصوم الإمامية من قولهم في ستر الحسن علیه السلام ولادة ابنه المهدي عن أهله،وبني عمه،وغيرهم من الناس،وأسباب ذلك أظهر من أسباب ستر من عددناه وسميناه...»(1)

ورد على من زعم المناقضة في مذهبنا بين قولنا بوجوب الإمامة وشمول المصلحة للأنام بوجود الإمام وظهوره وأمره ونهيه وتدبيره،وبين قولنا :إن الله تعالى قد أباح للإمام الغيبة عن الخلق،وسوغ له الاستتار عنهم،وأن ذلك هو المصلحة وصواب التدبير للعباد،قائلا:«وأقول:إن هذه الشبهة الداخلة على المخالف إنما استولت عليه لبعده عن سبيل الاعتبار،ووجوه الصلاح وأسباب الفساد؛وذلك أن المصالح تختلف باختلاف الأحوال،ولا تتفق مع تضادها ،بل يتغير تدبير الحكماء في حسن النظر والاستصلاح بتغير آراء المستصلحين وأفعالهم وأغراضهم في الأعمال...»،ثم ضرب مثالا بأفعال الحكماء من البشر وسيرة عقلائهم إلى أن قال:

«وعلى الوجه الذي بناه كان تدبير الله تعالى الخلقه، وإرادته

ص: 285


1- الرسالة الٱولی فی الغیبة:53-58.

عمومهم بالصلاح،ألا ترى أنه خلقهم فأكمل عقولهم وكلفهم الأعمال الصالحات؛ليكسبهم بذلك حالا في العاجلة،ومدحا وثناء حسنا وإكراما وإعظاما وثوابا في الآجل،ويدوم نعيمهم في دار المقام، فإن تمسكوا بأوامر الله ونواهيه وجب في الحكم إمدادهم بما يزدادون به منه،وسهل عليهم سبيله، ويسره لهم،وإن خالفوا ذلك و عصوه تعالى،وارتكبوا نواهيه تغيرت الحال فيما يكون فيه استصلاحهم،وصواب التدبير لهم،يوجب قطع مواد التوفيق عنهم،وحسن منه ذمهم حربهم،ووجب عليهم به العقاب،وكان ذلك هو الأصلح لهم،والأصوب في تدبيرهم مما كان يجب في المحكمة لو أحسنوا ولزموا السداد،فليس ذلك بمتناقض في العقل ولا متضاد في قول أهل العدل،بل هو ملتئم على المناسب والاتفاق ».(1)

ثم قال طيب الله ثراه في فصل آخر:«ألا ترى أن الله تعالى دعا الخلق إلى الإقرار به وإظهار التوحيد،والإيمان برسله علیهم السلام لمصلحتهم،وأنه لا شيء أصوب في تدبيرهم من ذلك ، فمتى اضطروا إلى إظهار كلمة الكفر للخوف على دمائهم كان الأصلح لهم والأصوب في تدبيرهم ترك الإقرار بالله، والعدول عن إظهار

ص: 286


1- المسائل العشرة/الشيخ المفيد : 113.

التوحيد،والمظاهرة بالكفر بالرسل،وإنما تغيرت المصلحة بتغير الأحوال،وكان في تغيير التدبير الذي دبرهم الله به فيما خلقهم له مصلحة للمتقين ، وإن كان ما اقتضاه من فعل الظالمين قبيحامنهم و مفسدة يستحقون به العقاب الأليم.

وقد فرض الله تعالى الحج والجهاد وجعلهما صلاحا للعباد،فإذا تمكنوا منه عمت به المصلحة،وإذا منعوا منه بإفساد المجرمين كانت المصلحة لهم ترکه والكفت عنه،وكانوا في ذلك معذورین ،وكان المجرمون به ملومين، وهذا نظير لمصلحة الحلق بظهور الأئمة علیهم السلام وتدبيرهم إياهم متى أطاعوهم ،وانطووا على النصرة لهم والمعونة،وإن عصوهم وسعوا في سفك دمائهم تغيرت الحال فيما يكون به تدبير مصالحهم، وصارت المصلحة له ولهم غيبته وتغييبه واستتاره، ولم يكن في ذلك عليه لوم، وكان الملوم هو المسبب له بإفساده و سوء اعتقاده».(1)

وفي معرض الرد على من زعم أنه إذا كان الإمام غائبا، ولم يكن رآه أحد إلا من مات قبل ظهوره،فليس للخلق طريق إلى معرفته بمشاهدة شخصه ولا التفرقة بينه وبين غيره بدعوته،

ص: 287


1- المسائل العشرة:116- 117.

ولو عرفوه بالمعجزات التي سوف تظهر على يديه وهي من خصائص الأنبياء،فلعل الناس ظنوه نبيا،وهذا نقض مذهبهم وخروج عن قول الٱمة كلها أنه لا نبي بعد نبينا عليه وعلى آله السلام.

قال في الفصل العاشر:«فإنا نقول:إن الأخبار قد جاءت عن أئمة الهدى من آباء الإمام المنتظر علیه السلام بعلامات تدل عليه قبل ظهوره،وتؤذن بقيامه بالسيف قبل سنته:منها،خروج السفياني،وظهورالدجال،وقتل رجل من ولد الحسن بن علي علیه السلام،يخرج بالمدينة داعيا إلى إمام الزمان،وخسف بالبيداء،وقد شاركت العامة الخاصة في الحديث عن النبي صلی الله علیه و آله و سلم بأكثر هذه العلامات.

ثم قال رحمه الله:«مع أن ظهور الآيات على الأئمة علیهم السلام لا يوجب الحكم بالنبوة؛لأنها ليست بأدلة تختص بدعوة الأنبياء من حيث دعوا إلى نبوتهم،لكنها أدلة على صدق الداعي إلى ما دعى إلى تصديقه فيه على الجملة دون التفصيل...».

ثم ذكرأن الآيات والمعجزات ظهرت على أيدي من ليسوا بالأنبياء على مر العصور، وقد أشار القرآن الكريم إلى جملة من تلك الآيات الباهرات التي ظهرت على مريم و ٱم موسى وغيرهما.(1)

ص: 288


1- المسائل العشرة:121-124

قال الشيخ المفيد أعلى الله درجاته عن بعض الأسباب المؤدية إلى غيبة الإمام علیه السلام:«فقلت له:إن قلت:إن الإمام في تقية مني وفي تقية ممن خالفني ما يكون كلامك عليه؟

قال:أفتطلق أنه في تقية منك كماهو في تقية من خالفك؟

قلت:لا.قال:فما الفرق بين القولين؟

قلت:الفرق بينهما أنني إذا قلت إنه في تقية مني كما هو في تقية ممن خالفني،أوهمت أن خوفه مني على حد خوفه من عدوه،وأن الذي يحذره مني هو الذي يحذره منه،أو مثله في القبح،فإذا قلت:إنه يتقي مني وممن خالفني ارتفع هذا الإبهام.

قال:فمن أي وجه إتقی منك؟ومن أي وجه إتق من عدوه؟فصل لي الأمرين حتى أعرفهما.

فقلت له:تقيته من عدوه هي لأجل خوفه من ظلمه له،وقصده الإضرار به،وحذره من سعيه على دمه.وتقيته مني لأجل خوفه إذاعتي على سبيل السهو أو للتجمل والتشرف بمعرفته بالمشاهدة،أو على التقية مني بمن أوعزه إليه من إخواني في الظاهر فيعقبه ذلك ضررة عليه،فبان الفرق بين الأمرين».(1)

ص: 289


1- الفصول المختارة:115

و قد رد شيخنا المفيد أعلى الله مقامه على اعتراض من زعم: أنه إذا كان الخبر المروي: «من مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » صحيحا،فكيف يصح قول الشيعة في إمام زمانهم أنه غائب مستتر عن جميع الناس لا يتصل به أحد، ولا يعلم بمكانه ومستقره،قائلا ما حاصله:«أن مدلول الخبرهو لزوم وجود الإمام ولزوم معرفة المسلم به)،ولم يتضمن (وجوب ظهوره وعدم غيبته)،فالاعتقاد بالغيبة لا ينافي مدلول الخبر،ثم إن المصلحة قد تتعلق بمجرد معرفة الشيء أو الشخص،ولا تتعلق بمشاهدته ومعرفة مكانه أو الاتصال به»

قال قدس الله نفسه الزكية:«لا مضادة بين المعرفة بالإمام وبين جميع ما ذكرت من أحواله ؛لأن العلم بوجوده في العالم لا يفتقر إلى العلم بمشاهدته لمعرفتنا ما لا يصح إدراكه بشيء من الحواس،فضلا عمن يجوز إدراكه وإحاطة العلم بما لا مكان له،فضلا عمن يخفي مكانه والظفر بمعرفة المعدوم والماضي والمنتظر، فضلا عن المستخفي المستتر... (1)

ص: 290


1- الرسالة الٱولى في الغيبة المطبوعة أخيرا في الجزء السابع من سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد أعلى الله مقامه

فإن قيل:فما ينفعنا من معرفته مع عدم الانتفاع به من الوجه الذي ذكرنا؟

قيل له:نفس معرفتنا بوجوده وإمامته وعصمته وكماله نفع لنا في اكتساب الثواب، وانتظارنا لظهوره عبادة نستدفع بها عظيم العقاب، ونؤدي بها فرضا ألزمناه ربنا المالك للرقاب،كما كانت المعرفة بمن عددناه من الأنبياء والملائكة من أجل النفع لنا في مصالحنا، واكتسابنا المثوبة في آجلنا ،وإن لم يصح المعرفة لهم على كل حال،وكما أن معرفة الٱمم الماضية نبينا قبل وجوده مع أنها كانت من أوكد فرائضهم لأجل منافعهم، ومعرفة الباري جل اسمه أصل الفرائض كلها،وهو أعظم من أن يدرك بشيء من الحواس. (1)

فإن قال:إذا كان الإمام عندكم غائبا،ومكانه مجهولا، فكيف يصنع المسترشد؟وعلى ماذا يعتمد الممتحن فيما ينزل به من حادث لا يعرف له حكما، وإلى من يرجع المتنازعون ...؟

قيل له:هذا السؤال مستأنف لا نسبة له بما تقدم...وإنما الإمام نصب لأشياء كثيرة، أحدها:الفصل بين المختلفين.

الثاني:بيان الحكم للمسترشدین .

ص: 291


1- الهامش المتقدم في الصفحة السابقة.

ولم ينصب لهذين دون غيرهما من مصالح الدنيا والدین، غير أنه إنما يجب عليه القيام فيما نصب له مع التمكن من ذلك والاختيار، وليس يجب عليه شيءلا يستطيعه، ولا يلزمه فعل الإيثار مع الاضطرار،ولم يؤت الإمام في التقية من قبل الله عز وجل،ولا من جهة نفسه وأوليائه المؤمنين،وإنما ٱتي ذلك من قبل الظالمين الذين أباحوا دمه،ودفعوا نسبه،وأنكروا حقه،وحملواالجمهور على عداوته ومناصبة القائلين بإمامته...وأما الممتحن بحادث يحتاج إلى علم الحكم فقد وجب عليه أن يرجع في ذلك إلى العلماء من شيعة الإمام ... وكذلك القول في المتنازعين،يجب عليهم رد ما اختلفوا فيه إلى الكتاب والسنة عن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم من جهة خلفائه الراشدين من عترته الطاهرين،ويستعينوا في معرفة ذلك بعلماء الشيعة وفقهائهم...».(1)

« فإن قيل:فإذا كانت عبادتكم تتم بما وصفتموه مع غيبة الإمام فقد استغنيتم عن الإمام.

قيل له:ليس الأمر كما ظننت في ذلك؛لأن الحاجة إلى الشيء قد تكون قائمة مع فقد ما يسدها...ولو لزمنا ما ادعيتموه وتوهمتموه

ص: 292


1- تقدم الهامش في الصفحة 287.

للزم جميع المسلمين أن يقولوا:إن الناس كانوا في حال غيبة النبي صلی الله علیه و آله و سلم للهجرة وفي الغار أغنياء عنه،وكذلك كانت حالهم في وقت استتاره بشعب أبي طالب علیه السلام،وكان قوم موسى علیه السلام أغنياء عنه في حال غيبته عنهم لميقات ربه، وكذلك أصحاب یونس علیه السلام....الخ»(1)

كما أجاب في الرسالة الثانية على جملة من الأسئلة والشبهات منها:

الدليل على وجود الإمام صاحب الغيبة علیه السلام؟فأجاب قدس الله نفسه ما حاصله:

«نقل الشيعة الإمامية نقلا متواترا،والأخبارالكثيرةعن غيبته علیه السلام»

ورد على من زعم احتمال تواطئ جماعة على وضع تلك النصوص والأخبار ونقل الشيعة لها، وهي غير عالمة بالأصل،بما حاصله:«أولا:إن هذا الاحتمال يأتي في جميع الأخبار المتواترة،وهوالطريق إلى إبطال الشرائع.وثانيا:لو كان أمر هذا الاحتمال صحيحا، وما ذكر فيه واقعا؛لظهر واشتهر على ألسن المعارضين للشيعة،وهم يطلبون نقض مذهبهم،ويتبعون عثرات عقيدتهم، وكان ذلك

ص: 293


1- رسائل في الغيبة/المفيد:1/16.

أظهر وأشهر من أن يخفي.

ورد على من ادعى لزوم هذه الأخبار من طريق غير الشيعة أيضا لو كانت ثابتة؟

بأن ذلك غير لازم ولا واجب،وإلا لوجب أن لا يصح خبر لا ينقله المؤالف والمخالف،ولبطلت الأخبار،ولم يتم الاحتجاج بشيء من الأخبار المروية من طائفة واحدة من المسلمين). (1)

وفي الرسالة الثالثة والرابعة أورد جملة من الإشكالات التي أوردها الخصوم ،منها:أنه إذا كان السبب في الغيبة هو كثرة الأعداء والخوف على نفسه منهم فقد كان الزمن الأول على الأمة من آبائه أصعب،وكان أعداؤهم أكثر،والخوف على أنفسهم أشد وأكثر،ومع ذلك كانوا ظاهرين ولم يستتروا.

ص: 294


1- الرسالة الثانية في الغيبة المطبوعة في الجزء السابع من سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد رحمه الله.

الدرس الثالث و العشرون: فلسفة الغیبة-8

بسم الله الرحمن الرحیم

ثم رد عليها قائلا بما حاصله: باختلاف الحالتين؛لإباحة التقية للأئمة عليهم السلام، وعدم تكليفهم بالقيام بالسيف حال الظهور لعدم مصلحة ذلك،ولم يكونوا ملزمين بالدعوة لاقتضاء المصلحة مداراة الأعداء ومخالطتهم،ولهذا أذاعوا تحريم إشهار السيوف عنهم، وحظر الدعوة إليها،لئلا يزاحم الأعداء ظهورهم ومخالطتهم للناس،بخلاف المهدي القائم المنتظر المنتقم الذي تعرف بأسمائه وألقابه تکاليفه ووظائفه،أي لا يخرج ولا يظهر إلا بالسيف ليكشف الله به الغمة،ويحيي به السنة،ويهدي به الٱمة،ولا تسعة التقية عند ظهوره، ولما عرف الظالمون منهم أن ليس فيهم من يقوم بذلك سوى مهدهم في آخر الزمان أمنوهم على أنفسهم،مطمئنين بذلك إلى ما يدبرونه من شئون

ص: 295

أنفسهم،بخلاف صاحب الأمر أرواحنا فداه،وحيث لم يكن أنصاره متهيئين إلى وقت ظهوره،لزمته التقنية،وفرضت عليه الغيبة حتى يتم له أولئك الأنصار،ولو أظهر نفسه في غير وقته لم يأل الأعداء جهدأفي استئصاله وجميع شیعته.

وأما كثرة شيعته وكون عدتهم في زماننا هذا أضعاف مضاعفة من أهل بدر،وفي الأخبار أنه يظهر لو تم له عدد أهل بدر من الأصحاب وهم ثلاثمائة وثلاثة عشرة رجلا، فإنه يجب أن يكون هؤلاء القوم معلوم من حالهم الشجاعة،والصبر على اللقاء،والإخلاص في الجهاد ،وإيثارالآخرة على الدنيا، ونقاء السرائر من العيوب، وصحة العقول،وأنهم لا يهنون ولا ينتظرون عند اللقاء، ويكون العلم من الله تعالى بعموم المصلحة في ظهورهم بالسيف...ولو علم الله تعالى أن في جملتهم العدد المذكور على ما شرطناه لظهر الإمام علیه السلام لا محالة،ولم يغب بعد اجتماعهم طرفة عين ....».

ثم استشهد رحمه الله بسيرة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم إلى أن ختمه بقوله:«فلم لم يقاتل بمكة،وما باله صبر على الأذى ،ولم منع أصحابه عن الجهاد وقد بذلوا أنفسهم في نصرة الإسلام ، وما الذي اضطره إلى الاستجارة بالنجاشي وإخراج أصحابه من مكة إلى بلاد الحبشة خوفا على دمائهم من الأعداء،وماالذي دعاه إلى القتال حين

ص: 296

خذله أصحابه وتثاقلوا عليه ،فقاتل بهم مع قلة عددهم، وكيف لم يقاتل بالحديبية مع كثرة أنصاره وبيعتهم له على الموت،وما وجه اختلاف أفعاله في هذه الأحوال؟فما كان في ذلك جوابکم فهو جوابنا في ظهور السلف من آباء صاحب الزمان ، واستتاره وغيبته،فلا تجدون من ذلك مهربا».

ومنها رده أعلى الله درجاته على من زعم أنه:لم لا يظهر الإمام وإن أتى ظهوره إلى قتله، فيكون البرهان له،والحجة في إمامته أوضح،ويزول الشك في وجوده بلا ارتياب؟قائلا:

«فقلت:إنه لا يجب ذلك عليه علیه السلام،كما لا يجب على الله تعالى معالجة العصاة بالنقات،وإظهار الآيات في كل وقت متتابعات...ولو علم علیه السلام أن في ظهوره صلاحا في الدين مع مقامه في العالم أو هلاکه وهلاك جميع شیعته وأنصاره لما أبقاه طرفة عين، ولا فتر عن المسارعة إلى مرضاة الله جل اسمه».(1)

وبعد أن قضى الشيخ المفيد نحبه والتحق بالرفيق الأعلى ،انتهت الزعامة الدينية في المذهب الجعفري الحق إلى السيد المرتضی علم

ص: 297


1- الرسالة الثالثة والرابعة في الغيبة،وهما مطبوعتان في الجزء السابع من سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد عليه الرحمة والرضوان.

الهدی قدست نفسه الزكية تلميذ الشيخ المفيد،وكان عصره عصرا مزدهرا بالعلوم والمعارف والأدب والحريات الفكرية والعملية،حيث كانت المواجهة سجالا بين معسكري الكلام الشيعي والكلام المعتزلي،فنهض بأعباء المذهب خير نهوض،وكان ٱمة في نفسه لشدة تمحضه في العلوم العقلية والجدليات الفكرية العقائدية،وخالف أستاذه في جملة من أنظاره وآرائه،وقد نقل العلامة قطب الدين الراوندي قدس سره عن ابن طاووس رضی الله عنه أنه جمع المسائل الخلافية بينهما ودونها في رسالة،وهي تزيد على خمس وتسعين مسألة، وادعى الراوندي رحمه الله أنها أكثر من ذلك.

وقد تصدى للرد على آراء ٱستاذه القاضي عبدالجبار الهمداني المعتزلي،المتوفی 415ه.ق،الذي كان يتقلد منصب قاضي القضاة في عهد ركن الدولة البويهي،وكان قد ألف كتابا في عشرين مجلدا سماه «المغني في أبواب التوحيد والعدل»،تعرض في الجزء الأخير منه لمسألة الإمامة،حيث نسب منقولاته هناك إلى أمة المعتزلة، کالجاحظ وأبي عبدالله الجعل، وأبي علي الجبائي،وأبي هاشم الجبائي ،وأبي القاسم البلخي ، كما استعان في نقد الشيعة على نظريات الشيخ أبي محمد بن الحسن بن موسى النوبختي،وكيف كان فقد أظهر شدة تعصبه لأئمة المعتزلة وباشر الدفاع عنهم وعن آرائهم،

ص: 298

وجاءت الردود عليه من السيد المرتضى رضی الله عنه في كتاب أسماء الشافي في الٱمة كالصاعقة على هامة مذهب الاعتزال،مستشهدا في ذلك ببعض ما ورد في كتاب الإمامة لابن الراوندي مدافعاعن آرائه(1) وأنظاره، فاضطر أبو الحسن البصري تلميذ القاضي عبدالجبار أن ينهض للدفاع عن مذهب الاعتزال ويجتهد إلى تأليف كتاب أسماه نقض الشافي ردا على السيد المرتضی،فنهض إليه أبو يعلا سلار بن عبدالعزيز الديلمي تلميذ السيد المرتضى،وكتب ردا على ردا أسماه نقض نقض الشافي(2)ثم أودع السيد المرتضى نهايةأفكاره وآخر نظرياته حول الغيبة في كتابه المقنع في الغيبة،إليك نبذة من آراءه في الغيبة،انظر العناوين التالية:

رسائل المرتضی:1/83،و:1/310-322،و2/293...الخ،و:3/144...الخ.

وفي عصر زعامة شيخ الطائفة الطوسي رضی الله عنه بلغ الكلام الشيعي ذروة علم الكلام وارتقی أعلى قممة الشامخة، فلخص الشافي وسماه تلخيص الشافي الذي يتطرق إلى موضوع الغيبة و فلسفتها

ص: 299


1- الفهرست/منتجب الدين:85.
2- المقنع في الغيبة/الشيخ الطوسي:مجلة تراثنا-العدد27.

في أوائل المجلدالأول منه، وفي الفصل الأخير من الجزء الرابع منه،ثم صنف کتاب الغیبة،وقد استعان بقاعدة اللطف في إثبات الغيبة للإمام المهدي علیه السلام،وفسر اللطف بقوله:

«ذكر رحمه الله أولا ثلاثة ٱصول عقلية عامة لفلسفة الغيبة تعضدها وتدل عليها دلائل النقل وأدلته هي وجوب الرئاسة،ووجوب القطع على العصمة.

وأخيرا:أن الحق لا يخرج عن الٱمة،ثم استدل عليها بموجز من القول،قائلا:«والذي يدل على وجوب الرئاسة ما ثبت من كونها لطفا في الواجبات العقلية،فصارت واجبة، كالمعرفة التي لا يعرى مكلف من وجوبها عليه،ألا ترى أن من المعلوم أن من ليس بمعصوم من الخلق متى تملوا من رئيس مهيب يردع المعاند ويؤدب المجاني،ويأخذ على يد المتغلب،ويمنع القوي من الضعيف،وأمنوا ذلك وقع الفساد،وانتشرت الحيل،وكثر الفساد، وقل الصلاح،ومتى كان لهم رئيس هذه صفته كان الأمر بالعكس من ذلك،من شمول الصلاح وكثرته وقلة الفساد ونزارته،والعلم بذلك ضروري لايخفى على العقلاء،ومن دفعه لا يخش مکالمته...».(1)

ص: 300


1- الغيبة / الطوسي:3 – 5.

وقال عن فلسفة الغيبة: «فقال:الكلام في الغيبة والاعتراض عليها من ثلاثة أوجه:

أحدها:أنا نلزم الإمامية ثبوت وجه قبح فيهاأو في التكليف معها،فیلزمهم أن يثبتوا أن الغيبة ليس فيها وجه قبح؛لأن مع ثبوت وجه القبح تقبح الغيبة؛وإن ثبت فيها وجه حسن كما نقول في قبح تکلیف ما لا يطاق(أن فيه وجه قبح)وإن كان فيه وجه حسن بأن يكون لطفا لغيره.

والثاني:أن الغيبة تنقض طريق وجوب الإمامة في كل زمان ؛لأن كون الناس مع رئيس مهيب متصرف أبعد من القبيح لو اقتضى كونه لطفا واجبا في كل حال،وقبح التكليف مع فقده الانتقض بزمان الغيبة؛ لأنا في زمان الغيبة نكون مع رئيس هذه صفته أبعد من القبيح،وهو الدليل على وجوب هذه الرئاسة،ولم يجب وجود رئيس هذه صفته في زمان الغيبةولا قبح التكليف مع فقده،فقد وجد الدليل ولا مدلول،وهذا نقض الدليل.

والثالث:أن يقال:إن الفائدة بالإمامة هي كونه مبعدا من القبيح على قولكم،وذلك لا يحصل مع وجوده غائبا فلم ينفصل وجوده من عدمه،وإذا لم يختص وجوده غائبا بوجه الوجوب الذي ذكروه لم يقتض دلیلکم وجوب وجوده مع الغيبة ،فدليلكم مع أنه منتقض

ص: 301

حيث وجد مع انبساط اليد، ولم يجب انبساط اليد مع الغيبة،فهو غير متعلق بوجود إمام غیر منبسط اليد ولا هو حاصل في هذه الحال.

والكلام عليه أن نقول:

أما الفصل الأول من قوله: «إنا نلزم الإمامية أن يكون في الغيبة وجه قبح»وعيد منه محض لا يقترن به حجة،فكان ينبغي أن يتبين وجه القبح الذي أراد إلزامه إياهم للننظر فيه ولم يفعل،فلا يتوجه وعیده.

وإن قال ذلك سائلا على وجه: «ماأنكرتم أن يكون فيها وجه قبح».فإنا نقول:وجوه القبح معقولة من كون الشيء ظلما وعبثا وكذبا ومفسدة وجهلا، وليس شيء من ذلك موجوداهاهنا،فعلمنا بذلك انتفاء وجوه القبح.

فإن قيل:وجه القبح أنه لم يزح علة المكلف على قولكم؛ لأن انبساط يده الذي هو لطف في الحقيقة والخوف من تأديبه لم يحصل،فصار ذلك إخلالا بلطف المكلف فقبح لأجله.

قلنا:قد بينا في باب وجوب الإمامة بحيث أشرنا إليه أن انبساط يده علیه السلام والخوف من تأديبه إما فات المكلفين لما يرجع إليهم؛لأنهم أحوجوه إلى الاستتار بأن أخافوه ولم يمكنوه فأتوا من قبل نفوسهم.

وجرى ذلك مجري أن يقول قائل :«من لم يحصل له معرفة الله تعالى

ص: 302

في تكليفه وجه قبح»؛لأنه لم يحصل ما هو لطف له من المعرفة،فينبغي أن يقبح تكليفه.

فما يقولونه هاهنا من أن الكافر ٱتی من قبل نفسه؛لأن الله قد نصب له الدلالة على معرفته ومكنه من الوصول إليها،فإذا لم ينظر ولم يعرف أتي في ذلك من قبل نفسه ولم يقبح ذلك تكليفه،فكذلك نقول:انبساط يد الإمام وإن فات المكلف فإنما أتي من قبل نفسه،ولو مكنه لظهر وانبسطت يده فحصل لطفه، فلم يقبح تكليفه؛لأن الحجة عليه لا له.

وقد استوفينا نظائر ذلك في الموضع الذي أشرنا إليه، وسنذكر فيما بعد إذا عرض ما يحتاج إلى ذكره.

وأما الكلام في الفصل الثاني :فهو مبني على المغالطة ولا نقول:إنه لم يفهم ما أورده؛لأن الرجل كان فوق ذلك لكن أراد التلبيس والتمويه في قوله:إن دلیل وجوب الرئاسة ينتقض بحال الغيبة؛لأن كون الناس مع رئيس مهيب متصرف أبعد من القبيح لو اقتضى کونه لطفا واجبا على كل حال وقبح التكليف مع فقده لانتقض بزمان الغيبة؛لأنا في زمان الغيبة فلم يقبح التكليف مع فقده، فقد وجد الدليل ولا مدلول وهذا نقض.

وإنما قلنا:إنه تمويه لأنه ظن أنا نقول:إن في حال الغيبة دليل

ص: 303

وجوب الإمامة قائم ولا إمام فكان نقضا،ولا نقول ذلك،بل دلیلنا في حال وجود الإمام بعينه هو دليل حال غيبته، في أن في الحالين الإمام لطف فلا نقول:إن زمان الغيبة خلا من وجوب رئیس،بل عندنا أن الرئيس حاصل،وإنما ارتفع انبساط يده لما يرجع إلى المكلفين على ما بيناه،لا لأن انبساط يده خرج من كونه لطفا بل وجه اللطف به قائم،وإنما لم يحصل لما يرجعإلى غيرالله.

فجری مجری أن يقول قائل: كيف يكون معرفة الله تعالى لطفا مع أن الكافر لا يعرف الله ،فلما كان التكليف على الكافر قائمة والمعرفة مرتفعة دل على أن المعرفة ليست لطفاعلى كل حال؛لأنها لوكانت كذلك لكان ذلك نقضا.

وجوابنا في الإمامة كجوابهم في المعرفة من أن الكافر لطفه قائم بالمعرفة،وإنما فوت نفسه بالتفريط في النظر المؤدي إليها فلم يقبح تكليفه،فكذلك نقول:الرئاسة لطف للمكلف في حال الغيبة، وما يتعلق بالله من إيجاده حاصل،وإنما ارتفع تصرفه و انبساط بده لأمر يرجع إلى المكلفين فاستوى الأمران، والكلام في هذاالمعنى مستوفي أيضأ بحيث ذكرناه.

وأما الكلام في الفصل الثالث :من قوله:«إن الفائدة بالإمامة هي كونه مبعدا من القبيح على قولكم»،وذلك لم يحصل مع غيبته،

ص: 304

فلم ينفصل وجوده من عدمه، فإذا لم يختص وجوده غائبابوجه الوجوب الذي ذكروه لم يقتض دلیلکم وجوب وجوده مع الغيبة،فدليلكم مع أنه منتقض حيث وجد مع انبساط اليد،ولم يجب انبساط اليد مع الغيبة،فهو غير متعلق بوجود إمام غیر منبسط اليد ولا هو حاصل في هذه الحال.

فإنانقول:إنه لم يفعل في هذا الفصل أكثر من تعقيد القول على طريقة المنطقيين من قلب المقدمات ورد بعضها على بعض،ولا شك أنه قصد بذلك التمويه والمغالطة،وإلا فالأمر أوضح من أن يخفي.

ومتى قالت الأمامية:إن انبساط يد الإمام لا يجب في حال الغيبة حتى يقول:دليلكم لا يدل على وجوب إمام غیر منبسط اليد؛لأن هذه حال الغيبة،بل الذي صرحنا به دفعة بعد ٱخرى أن انبساط يده واجب في الحالين في حال ظهوره وحال غيبته،غير أن حال ظهوره مكن منه فانبسطت يده وحال الغيبة لم يمكن فانقبضت يده،ججالا أن انبساط يده خرج من باب الوجوب،وبينا أن الحجة بذلك قائمة على المكلفين من حيث منعوه ولم ينوه فأتوا من قبل نفوسهم،و شبهنا ذلك بالمعرفة دفعة بعد ٱخرى.

وأيضا فإنا نعلم أن نصب الرئيس واجب بعد الشرع لما في نصبه من اللطف لتحمله للقيام بما لا يقوم به غيره ،ومع هذا فليس التمكين

ص: 305

واقعا لأهل الحل والعقد من نصب من يصلح لها خاصة على مذهب أهل العدل الذین کلامنا معهم،ومع هذا لا يقول أحد: إن وجوب نصب الرئيس سقط الآن من حيث لم يقع التمكين منه.

فجوابنا في غيبة الإمام جوابهم في منع أهل الحل والعقد من اختيار من يصلح للإمامة،ولا فرق بينهما فإنما الخلاف بيننا أنا قلنا: علمنا ذلك عقلا،وقالوا ذلك معلوم شرعا،وذلك فرق من غير موضع الجمع.

فإن قيل:أهل الحل والعقد إذا لم يمكنوا من اختيار من يصلح للإمامة،فإن الله يفعل ما يقوم مقام ذلك من الألطاف فلا يجب إسقاط التكليف،وفي الشيوخ من قال إن الإمام يجب نصبه في الشرع لمصالح دنیاوية،وذلك غير واجب أن يفعل لها اللطف

قلنا:أما من قال:نصب الإمام لمصالح دنیاوية قوله يفسد؛ لأنه لوكان كذلكلما وجبت إمامته،ولا خلاف بينهم في أنه يجب إقامة الإمام مع الاختيار.

علی أن ما يقوم به الإمام من الجهاد،وتولية الٱمراء، والقضاة،وقسمة الفيء، واستيفاء الحدود والقصاصات ٱمور دينية لا يجوز ترکها، ولو كان لمصلحة دنياوية لما وجب ذلك،فقوله ساقط بذلك.

وأما من قال:يفعل الله ما يقوم مقامه باطل؛لأنه لو كان كذلك

ص: 306

لما وجب عليه إقامة الإمام مطلقا على كل حال،ولکان یکون ذلك من باب التخيير، كما تقول في فروض الكفايات. وفي علمنا بتعيين ذلك ووجوبه على كل حال دليل على فساد ما قالوه.

على أنه يلزم على الوجهين جميعا المعرفة.

بأن يقال:الكافر إذا لم يحصل له المعرفة يفعل الله له مايقوم

مقامها،فلا يجب عليه المعرفة على كل حال.

أو يقال:إن ما يحصل من الانزجار عن فعل الظلم عند المعرفة أمر دنیاوي لا يجب لها المعرفة،فيجب من ذلك إسقاط وجوب المعرفة،ومتى قيل:إنه لا بدل للمعرفة،قلنا:وكذلك لا بدل للإمام على ما مضى وذكرناه في تلخيص الشافي - وكذلك إن بینوا أن الانزجار من القبيح عند المعرفة أمر ديني،قلنا:مثل ذلك في وجود الإمام سواء.

فإن قيل:لا يخلو وجود رئيس مطاع منبسط اليد من أن يجب على الله جميعذلك أو يجب علينا جميعه،أو يجب على الله إيجاده وعلينا بسط يده.

فإن قلتم:يجب جميع ذلك على الله،فإنه ينتقض بحال الغيبة لأنه،لم يوجد إمام منبسط اليد،وإن وجب علينا جميعه فذلك تکلیف ما لا يطاق؛لأنا لانقدر على إيجاده،وإن وجب عليه إيجاده

ص: 307

وعلينا بسط يده وتمكينه فما دليلكم عليه،مع أن فيه أنه يجب علينا أن نفعل ما هو لطف للغير،وكيف يجب على زيد بسط يد الإمام لتحصیل لطف عمرو،وهل ذلك إلا نقض الأصول.

قلنا:الذي نقوله إن وجود الإمام المنبسط اليد إذا ثبت أنه لطف لنا على ما دللنا عليه ولم يكن إيجاده في مقدورنا لم يحسن أن نكلف إيجاده؛لأنه تکلیف ما لا يطاق،وبسط يده وتقوية سلطانه قد يكون في مقدورنا وفي مقدور الله،فإذا لم يفعل الله تعالى علمنا أنه غير واجب عليه وأنه واجب علينا؛لأنه لا بد من أن يكون منبسط اليد ليتم الغرض بالتكليف،وبينا بذلك أن بسط يده لو كان من فعله تعالى لقهر الخلق عليه،والحيلولةبينه وبين أعدائه وتقوية أمره بالملائكة ربما أدى إلى سقوط الغرض بالتكليف،وحصول الإلجاء،فإذا يجب علينا بسط يده على كل حال وإذا لم تفعله ٱتينا من قبل نفوسنا.

ص: 308

الدرس الرابع والعشرون: فلسفة الغيبة -9

بسم الله الرحمن الرحیم

فأما قولهم:في ذلك إيجاب اللطف علينا للغير غير صحيح.

لأنانقول:إن كل من يجب عليه نصرة الإمام وتقوية سلطانه له في ذلك مصلحة تخصه،وإن كانت فيه مصلحة يرجع إلى غيره كمانقوله في أن الأنبياء يجب عليهم تحمل أعباء والأداء إلى الخلق ما هو مصلحة لهم؛لأن لهم في القيام بذلك مصلحة تخصهم وإن كانت فيها مصلحة لغيرهم.

ويلزم المخالف في أهل الحل والعقد بأن يقال:كيف يجب عليهم اختيار الإمام لمصلحة ترجع إلى جميع الٱمة،وهل ذلك إلا إيجاب الفعل عليهم لما يرجع إلى مصلحة غيرهم،فأی شيء أجابوا به فهو جوابنا بعينه سواء.

ص: 309

فإن قيل:لم زعمتم أنه يجب إيجاده في حال الغيبةوهلا جازأن يكون معدوما؟

قلنا:إنما أوجبنا ذلك من حيث إن تصرفه الذي هو لطفنا إذا لم يتم إلا بعد وجوده وإيجاده لم يكن في مقدورنا ،قلنا عند ذلك:أنه يجب على الله ذلك وإلا أدى إلى أن لا نكون ومزاحي العلة بفعل اللطف فنكون ٱتينا من قبله تعالى لامن قبلنا،وإذا أوجده ولم تمكنه من انبساط يده ٱتينا من قبل نفوسنا فحسن التكليف وفي الأول لم يحسن.

فإن قيل:ماالذي تريدون بتمكيننا إياه؟أتريدون أن نقصده ونشافهه وذلك لا يتم إلا مع وجوده.

قيل لكم:لا يصح جميع ذلك إلا مع ظهوره وعلمناأو علم بعضنا

بمكانه.

وإن قلتم:نريد بتمكيننا أن نبخع لطاعته والشد على يده ،ونكف عن نصرة الظالمين، ونقوم على نصرته متي دعانا إلى إمامته ودلنا عليها بمعجزته.

قلنالكم:فنحن يمكننا ذلك في زمان الغيبةوإن لم يكن الإمام موجودافيه،فكيف قلتم لا يته ما كلفناه من ذلك إلا مع وجودالإمام.

ص: 310

قلنا:الذي نقوله في هذا الباب ما ذكره المرتضى رحمه الله في الذخيرة وذكرناه في تلخيص الشافي أن الذي هو لطفنا من تصرف الإمام وانبساط يده لا يتم إلا بٱمور ثلاثة:

أحدها:يتعلق بالله وهوإيجاده. والثاني:يتعلق به من تحمل أعباء الإمامة والقيام بها.

والثالث:يتعلق بنا من العزم على نصرته،ومعاضدته، والانقياد له،فوجوب تحمله عليه فرع على وجوده؛لأنه لا يجوز أن يتناول التكليف المعدوم،فصار إيجاد الله إياه أصلا لوجوب قيامه،وصار وجوب نصرته علينا فرعا لهذين الأصلين لأنه إنما يجب علينا طاعته إذا وجد ، وتحمل أعباء الإمامة وقام بها، فحينئ يجب علينا طاعته،فمع هذا التحقيق كيف يقال:لم لا يكون معدوما.

فإن قيل:فما الفرق بين أن يكون موجودا مستترا(حتى إذا علم الله ما تمكينه أظهره، وبين أن يكون)معدوما حتى إذا علم ما العزم على تمكينه أوجده.

قلنا:لا يحسن من الله تعالى أن يوجب علينا تمكين من ليس بموجود لأنه تکلیف ما لا يطاق ،فإذا لا بد من وجوده.

ص: 311

فإن قيل:يوجده الله تعالى إذا علم أنا ننطوي على تمكينه بزمان واحد كما أنه يظهره عند مثل ذلك.

قلنا:وجوب تمكينه والانطواء على طاعته لازم في جميع أحوالنا،فيجب أن يكون التمكين من طاعته والمصير إلى أمره ممكنا في جميع الأحوال وإلا لم يحسن التكليف،وإنما كان يته ذلك لو لم نكن مكلفين في كل حال لوجوب طاعته والانقياد لأمره ،بل كان يجب علينا ذلك عند ظهوره والأمر عندنا بخلافه.

ثم يقال لمن خالفنا في ذلك وألزمنا عدمه على استتاره: لم لا يجوز أن يكلف الله تعالى المعرفة ولا ينصب عليها دلالة إذا علم أنا لا ننظر فيها، حتى إذا علم من حالنا أنا نقصد إلى النظر ونعزم على ذلك أوجد الأدلة ونصبها، فحينئذ نظرونقول:ماالفرق بين دلالة منصوبة لا ننظر فيها،وبين عدمها حتى إذا عزمنا على النظر فيها أوجدها الله تعالى .

ومتى قالوا:نصب الأدلة من جملة التمكين الذي لا يحسن التكليف من دونه کالقدرة والآلة.

قلنا:وكذلك وجود الإمام علیه السلام من جملة التمكين من وجوب طاعته،ومتى لم يكن موجودا لم تمكنا طاعته،كما أن الأدلة إذا لم تكن موجودة لم یمکناالنظر فيها فاستوى الأمران.

ص: 312

وبهذاالتحقيق يسقط جميع ما يورد في هذا الباب من عبارات لانرتضيها في الجواب وأسئلة المخالف عليها،وهذاالمعنى مستوفي في كتبي وخاصة في تلخيص الشافي فلا نطول بذكره. والمثال الذی ذكره من أنه لو أوجب الله علينا أن نتوضأ من ماء بئر معينة لم يكن لها حبل نستقي به،وقال لنا،إن دنوتم من البئر خلقت لكم حبلا تستقون به من الماء،فإنه يكون مزيحا لعلتنا،ومتى لم يدن من البئر کنا قد ٱتينا من قبل نفوسنا لا من قبله تعالى.

وكذلك لو قال السيد لعبده وهو بعيد منه:اشتر لي لحما من السوق،فقال:لا أتمكن من ذلك لأنه ليس معي ثمنه،فقال :إن دنوت أعطيتك ثمنه،فإنه يكون مزيحا لعلته،ومتى لم يدن لأخذ الثمن يكون قد أتي من قبل نفسه لا من قبل سيده ،وهذه حال ظهور الإمام مع تمكيننا،فيجب أن يكون عدم تمكينناهوالسبب في أن لم يظهر في هذه الأحوال لا عدمه ؛إذ كنا لو مكناه علیه السلام لوجدوظهر.

قلنا:هذاكلام من يظن أنه يجب علينا تمكينه إذا ظهر ولا يجب علينا ذلك في كل حال، ورضينا بالمثال الذي ذكره؛ لأنه تعالى لو أوجب علينا الاستقاء في الحال لوجوب أن يكون الحبل حاصلا في الحال؛ لأن به تزاح العلة،لكن إذا قال:متى دنوتم من البئر خلقت لكم الحبل إنما هو مكلف للدنؤ لا للاستقاء،

ص: 313

فيكفي القدرة على الدنو في هذه الحال؛لأنه ليس بمكلف للاستقاء منها،فإذا دنا من البئر صار حينئذ مكلفا للاستقاء،فيجب عند ذلك أن يخلق له الحبل،فنظير ذلك أن لا يجب علينا في كل حال طاعة الإمام وتمكينه فلا يجب عند ذلك وجوده،فلما كانت طاعته واجبة في الحال ولم نقف على شرطه،ولا وقت منتظر وجب أن يكون موجودة لتزاح العلةفي التكليف ويحسن.

والجواب:عن مثال السيد مع غلامه مثل ذلك؛لأنه إنما كلفه الدنو منه لا الشراء،فإذا دنا منه وكلفه الشراء وجب عليه إعطاء الثمن.

ولهذا قلنا:إن الله تعالى کلف من يأتي إلى يوم القيامة ولا يجب أن يكونوا موجودين مزاحي العلة لأنه لم يكلفهم الآن، فإذا أوجدهم وأزاح علتهم في التكليف بالقدرة والآلة ونصب الأدلة حينئذ تناولهم التكليف،فسقط بذلك هذه المغالطة.

على أن الإمام إذا كان مكلفا للقيام بالأمر و تحمل أعباء الإمامة كيف يجوز أن يكون معدوما،وهل يصح تكليف المعدوم عند عاقل،وليس تكليفه ذلك تعلق بتمكيننا أصلا ، بل وجوب التمكين علينا فرع على تحمله على ما مضى القول فيه،وهذا أوضح.

ثم يقال لهم:أليس النبي صلی الله علیه و آله و سلم اختفي في الشعب ثلاث سنين لم يصل إليه أحد،واختفي في الغار ثلاثة أيام ولم يجز قياسا على ذلك أن يعدمه

ص: 314

الله تعالى تلك المدة مع بقاء التكليف على الخلق الذين بعثه لطفا لهم.

ومتى قالوا:إنما اختفى بعد ما دعا إلى نفسه وأظهر نبوته فلما أخافوه استتر.

قلنا:وكذلك الإمام لم يستتر إلا وقد أظهر آباؤه موضعه وصفته،ودلوا عليه،ثم لما خاف عليه أبوه الحسن بن علي عليه السلام أخفاه وستره، فالأمران إذا سواء.

ثم يقال لهم:خبرونا لو علم الله من حال شخص أن من مصلحته أن يبعث الله إليه نبيا معينا يؤدي إليه مصالحه،وعلم أنه لو بعثه لقتله هذا الشخص، ولو منع من قتله قهرا كان فيه مفسدة له أو لغيره،هل يحسن أن يكلف هذا الشخص ولا يبعث إليه ذلك النبي،أو لا يكلف.فإن قالوا:لا يكلف.

قلنا:وماالمانع منه،وله طريق إلى معرفة مصالحه بأن يمكن النبي من الأداءإليه.

وإن قلتم:يكلفه ولا يبعث إليه.

قلنا:وكيف يجوز أن يكلفه ولم يفعل به ما هو لطف له مقدور.

فإن قالوا:ٱتي في ذلك من قبل نفسه.

قلنا:هو لم يفعل شيئاوإنما علم أنه لا يمكنه،وبالعلم لا يحسن تكليفه مع ارتفاع اللطف،ولو جاز ذلك لجاز أن يكلف ما لا دليل

ص: 315

عليه إذا علم أنه لا ينظر فيه،وذلك باطل،ولا بد أن يقال :إنه يبعث إلى ذلك الشخص ويوجب عليه الانقياد له وليكون مزيحا لعلته،فإما أن يمنع منه بما لا ينافي التكليف،أو يجعله بحيث لا يتمكن من قتله،فيكون قد ٱتي من قبل نفسه في عدم الوصول إليه،وهذه حالنا مع الإمام في حال الغيبة سواء.

فإن قال:لا بد أن يعلمه أن له مصلحة في بعثة هذا الشخص إليه على لسان غيره ليعلم أنه قد أتي من قبل نفسه.

قلنا:وكذلك أعلمنا الله على لسان نبيه صلی الله علیه وآله و سلم والأئمة من آبائه علیهم السلام موضعه،وأوجب علينا طاعته،فإذا لم يظهر لنا علمنا أنا أتينا من قبل نفوسنا فاستوى الأمران.

وأما الذي يدل على الأصل الثاني وهو أن من شأن الإمام أن يكون مقطوعاعلى عصمته،فهو أن العلة التي لأجلها احتجنا إلى الإمام ارتفاع العصمة بدلالة أن الخلق متى كانوا معصومين لم يحتاجوا إلى إمام،وإذا خلوا من كونهم معصومين احتاجوا إليه، علمنا عند ذلك أن علة الحاجة هي ارتفاع العصمة،كما نقوله في علة حاجة الفعل إلى فاعل أنها الحدوث،بدلالة أن ما يص حدوثه يحتاج إلى فاعل في حدوثه،وما لا يصح حدوثه يستغني عن الفاعل،وحكمنا بذلك أن كل محدث يحتاج إلى محدث، فبمثل ذلك يجب الحكم

ص: 316

بحاجة كل من ليس بمعصوم إلى إمام وإلا انتقضت العلة،فلو كان الإمام غیر معصوم لكانت علة الحاجة فيه قائمة واحتاج إلى إمام آخر،والكلام في إمامه کالكلام فيه،فيؤدي إلى إيجاب أئمة لا نهاية لهم أو الانتهاء إلى معصوم وهو المراد.

وهذه الطريقة قد أحكمناها في كتبنا فلا نطول بالأسئلة عليهالأن الغرض بهذا الكتاب غير ذلك،وفي هذا القدر كفاية.

وأما الأصل الثالث وهو أن الحق لا يخرج عن الٱمة فهو متفق عليه بيننا وبين خصومنا،وإن اختلفنا في علة ذلك.

لأن عندنا أن الزمان لا يخلو من إمام معصوم لا يجوز عليه الغلط على ما قلناه،فإذا الحق لا يخرج عن الٱمة لكون المعصوم فيهم.

وعند المخالف لقيام أدلة يذكرونها دلت على أن الإجماع حجة،فلا وجه للتشاغل بذلك. فإذا ثبتت هذه الٱصول ثبت إمامة صاحب الزمان علیه السلام؛لأن كل من يقطع على ثبوت العصمة للإمام قطع على أنه الإمام،وليس فيهم من يقطع على عصمة الإمام ويخالف في إمامته إلا قوم دت الدليل على بطلان قولهم،کالكيسانية والناووسية والواقفة،فإذا أفسدنا أقوال هؤلاء ثبتت إمامته علیه السلام. (1)

ص: 317


1- الغيبة / الطوسي: 5 - 17.

قال في الفصل الأول منه:

«اعلم أن لنا في الكلام في غيبة صاحب الزمان علیه السلام طريقين :

أحدهما:أن نقول:إذا ثبت وجوب الإمامة في كل حال،وأن الخلق مع كونهم غير معصومين لا يجوز أن يخلوا من رئيس في وقت من الأوقات،وأن من شرط الرئيس أن يكون مقطوعا على عصمته،فلا يخلو ذلك الرئيس من أن يكون ظاهرا معلوما،أو غائبا مستورا، فإذا علمنا أن كل من يدعى له الإمامة ظاهرا ليس بمقطوع على عصمته ،بل ظاهر أفعالهم وأحوالهم ينافي العصمة، علمنا أن من يقطع على عصمته غائب مستور.

وإذا علمنا أن كل من يدعى له العصمة قطعا ممن هو غائب من الكيسانية والناووسية والفطحية والواقفة وغيرهم قولهم باطل علمنا بذلك صحة إمامة ابن الحسن علین السلام وصحة غيبته وولايته،ولا نحتاج إلى تكلف الكلام في إثبات ولادته،وسبب غيبته،مع ثبوت ما ذكرناه؛لأن الحق لا يجوز خروجه عن الٱمة.

والطريق الثاني:أن نقول: الكلام في غيبة ابن الحسن علیه السلام فرع على ثبوت إمامته،والمخالف لناإماأن يسلم لنا إمامته ويسأل عن سبب غيبته علیه السلام فتتكلف جوابه،أو لا يستم لنا إمامته،فلا معنى لسؤاله عن غيبة من لم يثبت إمامته.

ص: 318

ومتی نوزعنا في إثبات إمامته دللناعليها،بأن نقول:قد ثبت وجوب الإمامة مع بقاء التكليف على من ليس بمعصوم في جميع الأحوال والأعصار بالأدلة القاهرة،وثبت أيضا أن من شرط الإمام أن يكون مقطوعا على عصمته،وعلمنا -أيضا- أن الحق لايخرج عن الٱمة...الخ»(1)

ثم أسردرحمه الله جملة من الشبهات والإشكالات التي يلقيها خصومنا على مسألة الغيبة،وأجاب عنها بإجابات وافية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهید. انظر (2)

وقال في معرض نقضه لتلك الشبهات ورده عليها:

«فإن قيل:ما الذي تريدون بتمكينناإياه؟أتريدون أن نقصده ونشافهه،وذلك لا يتم إلا بوجوده.

قيل لكم:لا يصح جميع ذلك إلا مع ظهوره وعلمناأوعلم بعضنا بمكانه.

وإن قلتم:نريد بتمكينناأن نبخع لطاعته،والشد على يده ،ونكف عن نصرة الظالمين، ونقوم على نصرته متي دعانا إلى إمامته،

ص: 319


1- غيبة الطوسي:3و4.
2- غيبة الطوسي: 3 فما بعد.

ودلنا عليها بمعجزته.

قلنا لكم:فنحن يمكننا ذلك في زمان الغيبة وإن لم يكن الإمام موجودة فيه،فكيف قلتم لايتم ما كفناه من نوع إلا مع وجود الإمام.

قلنا:الذي نقوله في هذا الباب ما ذكره المرتضى رحمه الله في الذخيرة،وذكرناه في تلخيص الشافي (1/79-80)أن الذي هو لطفنا من تصرف الإمام وانبساط يده،لا يتم إلا بأمور ثلاثة:

أحدها:يتعلق بالله،وهو إيجاده.

والثاني:يتعلق به من تحمل أعباء الإمامة والقيام بها.

والثالث:يتعلق بنا من العزم على نصرته،ومعاضدته، والانقياد له،فوجوب تحمله فرع على وجوده؛لأنه لا يجوز أن يتناول التكيف المعدوم، فصار إيجاد الله إياه أصلا لوجوب قيامه،وصار وجوب نصرته علينا فرعا لهذين الأصلين؛ لأنه إنما يجب علينا طاعته إذا وجد،وتحمل أعباء الإمامة وقام بها،فحينئذ يجب علينا طاعته،فمع هذا التحقيق كيف يقال:لم لا يكون معدوما؟

فإن قيل:فما الفرق بين أن يكون موجودا مستترا(حتى إذا علم الله منا تمكينه أظهره، وبين أن يكون) معدوما حتى إذا علم ما العزم على تمكينه أوجده؟

ص: 320

قلنا:لا يحسن من الله تعالى أن يوجب علينا تمكين من ليس موجود؛لأنه تکلیف ما لا يطاق ،فإذا لا بد من وجوده.

فإن قيل:يوجده الله تعالى إذا علم أنا ننطوي على تمكينه بزمان واحد،كما أنه يظهره عند مثل ذلك.

قلنا:وجوب تمكينه والانطواء على طاعته لازم في جميع أحوالنا،فيجب أن يكون التمكين من طاعته والمصير إلى أمره ممكنا في جميع الأحوال،وإلا لم يحسن التكليف،وإنما كان يتم ذلك لو لم نكن مكلفين في كل حال لوجوب طاعته والانقياد لأمره،بل كان يجب علينا ذلك عند ظهوره،والأمر عندنا بخلافه».(1)

وإذ شبه رحمه الله غيبة صاحب الأمر واختفاءه باختفاء رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم في الشعب ثلاث سنين لم يصل إليه أحد،وهكذا في الغار،أجاب عن شبهة الخصوم قائلا:

ومتى قالوا:إنما اختفي-يعني النبي صلی الله علیه و آله و سلم- بعدما دعا إلى نفسه، وأظهر نبوته،فلما أخافوه استتر.

قلنا:وكذلك الإمام، لم يستتر إلا وقد أظهر آباؤه موضعه، وصفته،ودلوا عليه،ثم لما خاف عليه أبوه الحسن بن علي علیه السلام.

ص: 321


1- الغيبة / الشيخ الطوسي: 12-13.

أخافه وستره،فأمران إذا سواء»(1)

أقول:ولو قيل إن المشركين أجبروا النبي صلی الله علیه و آله و سلم علی الاختفاء والاستتار في شعب أبي طالب رضی الله عنه، وفي الغار.

قلنا:وهكذا إمامنا صاحب الزمان،فإن كثرة الأعداء وقلة الناصر أجبرته على الاختفاء والاستتار.

ولو قيل:لكن النبي صلی الله علیه و آله و سلم قد ظهر بعد ذلك،ولم يطل استتاره، خلافا لزعمكم في المهدي علیه السلام.

قلنا:أليست العلة في ظهوره صلی الله علیه و آله و سلم هی زوال العلة الموجبة لاختفائه؟ولولا ذلك لاستمر اختفاؤه واستتاره حتى تزول تلك العلة،و تتحقق علة الظهور،فإنما ظهر بعد أن أمن القتل،وتم له من الأنصار ،وما يلوذ به من المدينة والمكان ما يدفع به خطر الأعداء،وإلا لاستمر حاله في الاستتار حتى يتحقق له ذلك، أليس الأمر كذلك!

فهكذا حال مولانا القائم المنتظر صلوات الله عليه،طبق النعل بالنعل،غير أن علة اختفائه واستتاره مستمرة إلى يومنا هذا،وكل معلول مرهون بوجود علته بعد ضرورة التسليم بقانون العلية والمعلولية.

ص: 322


1- الغيبة/الشيخ الطوسي:15.

الدرس الخامس و العشرون: فلسفة الغیبة-10

بسم الله الرحمن الرحیم

ولو قيل:فليظهر وليباشر هداية العباد وإن تعرض للقتل،فكم من نبي ورسول قد قتل،فما يمنع من ذلك ؟

قلنا:أولا:لا يقاس حال صاحب الزمان أرواحنا فداه بغيره من الأنبياء والرسل والأئمة عليهم الصلاة والسلام؛ذلك أن النبوة والرسالة والإمامة ماكانت تنتهي بهم،بل كان الرسول يتلو الرسول،والنبي يتلوالنبي،والإمام يتلو الإمام.

ثانيا:مولانا صاحب الأمر علیه السلام خاتم الأوصياء،فحاله حال مولانا وسيدنا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم الذی كان خاتم الأنبياء،أما ترى لو كان يقتل رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم قبل إبلاغ رسالته وإتمام دینه لكان ذلك نقضا للغرض من بعثته صلی الله علیه و آله و سلم، ولكان عبثا تعالى الله علوا كبيرا؟!وهكذا

ص: 323

حال مولانا صاحب العصر علیه السلام،فإنه المدخر لاقامة العدل والشرع،وإحقاق الحق وإزهاق الباطل ،فوجب أن يوجد الأسباب لحفظه ،وأفضل هذه الأسباب أن يخفيه عن عيون الناس ويستره عن الأعداء، وإلا كان ځلفابعيداعن الحكمة،والحكيم لا يفعل عبثا.

ثالثا:أن الأرض يجب أن لا تخلو من حجة لله تعالى ظاهرا أو مستورا،وإذ كان لا مجال لظهوره وإعلانه،وجب إبقاؤه ولو خلف حجاب الغيبة،وقد أثبتنا في محله أنه ليس في عزلة بالكلية عن الناس،بل يخالطهم،ويطأ بسطهم،ويحضر مجالسهم،وينتفعون بوجوده من وجوه مختلفة بسطنا الحديث عنها في محله،فليراجع.

رابعا:أن الاستتار والاحتجاب اللذين حصلا لمولانا صاحب الأمر صلوات الله عليه لم يكونا سببة لزوال بيضة الدين،ولا سببا لانحراف كافة المسلمين ،سيما أن الإسلام هو خاتمة الشرائع والأديان،وأن له علیه السلام في كلتا غیبتیه نوابة ينوبون عنه من السفراء والفقهاء،هم حججه على العباد،وهو حجة الله عليهم،فيقومون بحمل أعباء الشريعة،وحفظ أركانها،وسد ثغور المسلمين،ويذودون عن الإسلام في غيابه.

خامسا:أن الخوف ممدوح و مذموم،فالممدوح أن يخاف المرء على نفسه الهلاك إن كان مأمورا بحفظ نفسه من أجل حكمة وأداء

ص: 324

وظيفة،لا الخوف من الهلاك بذاته،ودليل ذلك أنه حين يؤمر ويلي عليه تكليفه باقتحام المهالك لا يمنعه من اقتحامها خوفه على نفسه،بل يبذل في ذلك النفس والنفيس ،وهذا هو حال مولانا صاحب الزمان أرواحنا فداه،كما هو حال سائر الأنبياء والأئمة علیهم السلام،ومن هذا القبيل حكاية القرآن الكريم في سورة القصص وغيرها عن خوف موسى علیه السلام من الأعداء، وهو من ٱولي العزم ،ولم يعاتبه الله تعالى على خوفه.

وأما المذموم أن يخاف على نفسه من القتل والهلاك لا لمحكمة،ولا لتكليف مأمور به،بل حبا للحياة،أو الخوف في غير محله وإن كان خوفا عقلائيا،كما حصل لموسی علیه السلام لما ألقى عصاه أول مرة فانقلبت ،فإذا هي حية تسعى،هنالك أوجس في نفسه وخاف،فجاءه الخطاب بالعتاب: لا تخف إنه لا يخاف لدي المرسلون،فالخوف هنا وإن كان عقلائيا منطقيا لكنه لا ينبغي لموسى علیه السلام ولا يليق بشأنه،وهو کلیم الله وفي حضرة الذات الإلهية المقدسة .وليس خوف مولانا القائم صلوات الله عليه من هذين القسمين،بل هو من الخوف الممدوح المأمور به الواجب عليه.

وإن قيل:هلا أعد الله تعالى له سبل حفظه ظاهرا.

قلنا:أولا:هو ظاهروإنما نحن المحجوبون عنه؛لأننا نراه ولانعرفه.

ص: 325

ثانيا:يأبى الله تعالى أن يجري الٱمور إلا بأسبابها،وطالما أن السبب الطبيعي ممكن ومتوقر لحفظه من الأعداء، وهو الغيبة والاستتار فلا ينتقل الأمر إلى خرق الأسباب والتوسل بعوامل الإعجاز.

ثالثا:نعم،هناك ظروف تستوجب الأخذ بالمعجزة وبسط اليد الغيبية لحفظه علیه السلام،وحينئذ فلا بد من خرق قوانين الطبيعة إذا توقف حفظه علیه السلام على ذلك،ولنا في هذا الأمر شواهد سطرها المؤرخون ودونتها كتب الحديث ،ذكرناها في محلها.

رابعا:إن الله تعالى لم يشأ في يوم من الأيام إرغام الناس على القبول بشيء،ولو شاء الله لهدى الناس جميعا؛إذ الواجب على العباد أن يسعوا في حفظ أولياء الله تعالى وحججه،وأن يقدموهم على أنفسهم«

ألنَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنفُسِهِمْ»(1)ولو أجبرهم بأن حال بينهم وبينه بالقهر والعجز عن ظلمه وعصيانه،فذلك لا يصح اجتماعه مع التكليف،فيجب أن يكون ساقطا.

قال الشيخ رحمه الله:«وأما النبي صلی الله علیه و آله و سلم فإنما يجب أن يمنع الله منه،حتى يؤدي الشرع؛لأنه لا يمكن أن يعلم ذلك إلا من جهته،

ص: 326


1- سورة الأحزاب:الآية 6.

فلذلك وجب المنع منه.

وليس كذلك الإمام؛لأن علة المكلفين مزاحمة فيما يتعلق بالشرع،والأدلة منصوبة على ما يحتاجون إليه،ولهم طريق إلى معرفتها من دون قوله،ولو فرضنا أنه ينتهي الحال إلى حد لا يعرف الحق من الشرعيات إلا بقوله؛لوجب أن يمنع الله تعالى منه،ويظهره بحيث لا يوصل إليه مثل النبي صلی الله علیه و آله و سلم.(1)

هذه فقرات أحببت أن ٱضيفها إلى مناظرة شيخ الطائفة أعلى الله مقامه تتميما للفائدة ،وردا لشبهات ٱخرى محتملة لم أعثر عليها في کلاته رضي الله تعالى عنه.

وقال رحمه الله بعد ما تعرض لإبطال مزاعم الفرق المخالفة للإمامية:«وإذا ثبتت إمامته بهذه السياقة ثم وجدناه غائب عن الأبصار،علمنا أنه لم يغب عن عصمته،وتعين فرض الإمامة فيه وعليه،إلا لسبب سؤغه ذلك،وضرورة ألجأته إليه، وإن لم يعلم على وجه التفصيل.

وجرى ذلك مجرى الكلام في إيلام الأطفال والبهائم وخلق المؤذيات والصور المشينات، و متشابه القرآن،إذا سألنا عن وجهها بأن نقول:إذا علمنا أن الله تعالى حكيم لا يجوز أن يفعل ما ليس

ص: 327


1- سورة الأحزاب:الآية 6.

بحكمة ولا صواب،علمنا أن هذه الأشياء لها وجه حكمة،وإن لم نعلمه معينا.

وكذلك نقول في صاحب الزمان علیه السلام،فإنا نعلم أنه لم يستترإلا لأمر حکمی يسوغه ذلك،وإن لم نعلمه مفصلا. (1)

وقال رحمه الله في موضع آخر:«ومتى قالوا:نحن لا نسلم إمامة ابن الحسن علیه السلام،كان الكلام معهم في ثبوت الإمامة دون الكلام في سبب الغيبة،وقد تقدمت الدلالة على إمامته علیه السلام بما لا يحتاج إلى إعادته.

وإنما قلنا ذلك لأن الكلام في سبب غيبة الإمام علیه السلام فرع على ثبوت إمامته،فأما قبل ثبوتها فلا وجه للكلام في غيبته،كما لا وجه للكلام في وجوه الآيات المتشابهات وإيلام الأطفال وحسن التعبد بالشرائع قبل ثبوت التوحيد والعدل.

فإن قيل:ألا كان السائل بالخيار بين الكلام في إمامة ابن الحسن علیه السلام ليعرف صحتها من فسادها،وبين أن يتكلم في سبب الغيبة ؟!

قلنا:لا خيار في ذلك؛لأن من شك في إمامة ابن الحسن علیه السلام يجب أن يكون الكلام معه في نص إمامته،والتشاغل بالدلالة عليها،

ص: 328


1- الغيبة/الشيخ الطوسي: 85.

ولا يجوز مع الشك فيها أن نتكلم في سبب الغيبة؛لأن الكلام في الفروع لا يسوغ إلا بعد إحكام الٱصول لها...

وإنما رجحنا الكلام في إمامته علیه السلام على الكلام في غيبته وسببها؛لأن الكلام في إمامته مبني على ٱمور عقلية لا يدخلها الاحتال،وسبب الغيبة ربما غمض واشتبه، فصار الكلام في الواضح الجلي أولى من الكلام في المشتبه الغامض...»(1)

وقال نور الله ضريحه:«فإن قيل :بينوا على كل حال- وإن لم يجب عليكم-وجه علة الاستتار، وما يمكن أن يكون علة،على وجه،ليكون أظهر في الحجة،وأبلغ في باب البرهان.

قلنا:مما يقطع على أنه سبب لغيبة الإمام هو خوفه على نفسه بالقتل،وبإخافة الظالمين إياه،ومنعهم إياه من التصرف فيما جعل إليه التدبير والتصرف فيه،فإذا حيل بينه وبين مراده،سقط فرض القيام بالإمامة،وإذا خاف على نفسه وجبت غيبته، ولزم استتاره كما استتر النبي صلی الله علیه و آله و سلم تارة في الشعب،وٱخرى في الغار،ولا وجه لذلك إلا الخوف من المضار الواصلة إليه...». (2)

ص: 329


1- الغيبة/الشيخ الطوسي:87و 88.
2- الغيبة/الشيخ الطوسي: 90.

وقال أعلى الله مقامه في موضع آخر:

على أن أمر الله تعالى له بالاستتار بالشعب تارة،وفي الغارٱخرى،ضرب من المنع منه؛لأنه ليس كل المنع أن يحول بينهم وبينه بالعجز، أو بتقويته بالملائكة...» (1)

ثم قال رحمه الله:«وكذلك نقول في الإمام علیه السلام إن الله تعالى منع من قتله بأمره بالاستتار والغيبة،ولو علم أن المصلحة تتعلق بتقويته بالملائكة الفعل،فلما لم يفعل مع ثبوت حكمته،ووجوه إزاحة علة المكلفين في التكليف،علمنا أنه لم يتعلق به مصلحة،بل ربما كان فيه مفسدة»(2)

وقال رحمه الله أيضا:«فأما التفرقة بطول الغيبة وقصرها فغير صحيحة؛لأنه إذا لم يكن في الاستتار لائمة على المستتر إذا أحوجه إليها،بل اللائمة على من ٱحوج إليه،جاز أن يتطاول سبب الاستتار كما جاز أن يقصر زمانه»(3)

وقال رحمه الله:«فإن قيل:إذا كان الخوف أحوجه إلى الاستتار فقد كان آباؤه علیهم السلام عندكم على تقية وخوف من أعدائهم،فكيف لم يستتروا؟

ص: 330


1- الغيبة/الشيخ الطوسي: 091
2- الغيبة/الشيخ الطوسي: 92.
3- الغيبة/الشيخ الطوسي: 092

قلنا:ما كان على آبائه علیهم السلام خوف من أعدائهم،مع لزوم التقنية والعدول عن التظاهر بالإمامة ونفيها عن نفوسهم،وإمام الزمان علیه السلام كل الخوف عليه؛لأنه يظهر بالسيف،ويدعو إلى نفسه،ويجاهد من خالفه عليه،فأي نسبة بين خوفه من الأعداء وخوف آبائه علیهم السلام لولا قلة التأمل.

على أن آبائه علیهم السلام متى قتلوا أو ماتوا كان هناك من يقوم مقامهم،ويسد مسدهم يصلح للإمامة من أولاده،وصاحب الأمر علیه السلام بالعكس من ذلك لأن من المعلوم أنه لا بد أنه لا يقوم أحد مقامه،ولا يسد مسده،فبان الفرق بين الأمرين ...».(1)

وهكذااستمرت حركة المباحث الكلامية حول فلسفة الغيبة ولم تنقطع المناظرات والتأليفات بعد شیخ الطائفة ،بل غدت الغيبة حقيقة عقائدية في ضمير الشيعة الإمامية،وأصلا مسلما لا نزاع فيه إلى يومنا هذا.نعم،لا تخلوالحياة من دجالين ٱجراء يستخدمهم العدو بين فينة وٱخرى يجهدون أنفسهم وأسيادهم في محاولات فاشلة مفضوحة،ويلقون من خلالها ما يخيل إليهم أسيادهم من شياطين الإنس والجن،وتخيله إليهم أنفسهم المريضة أنها شبهات،وسرعان

ص: 331


1- الغيبة/الشيخ الطوسي: 92 و 93.

ماينكشف زيفهم وزيف إلقاءاتهم،وتنقشع كأنها سحابة صيف،ولا يجدون أنفسهم إلا في جري وراء سراب،فهذا أمين الإسلام الطبرسي صاحب التفسير الشهير مجمع البيان من أعلام القرن السادس الهجري كتب«إعلام الوری بأعلام الهدى»(1)،وكمال الدین میثم بن علي بن میثم البحراني ألف كتابه«قواعد المرام في علم الكلام»في فلسفة الغيبة ،وهما عبارة عن تلخيص وتهذیب لآراء الشيخ المفيد والسيد المرتضى والشيخ الطوسي، وظهر الاهتمام بهذا الأمر في بعض كتب المحقق الشيخ خواجةنصير الدين المعروف بالمحقق الطوسي الفيلسوف والمتكلم الشهير، «کالتجرید»و«تلخيص المحصل» ،حيث يقول رحمه الله بما حاصله:

«أن الغيبة لم تكن بإرادة الله تعالى،ولا هي ناشئة عن إرادة الإمام علیه السلام،بل كانت بسبب أفعال المكلفين وأعمالهم،لخوفهم وعصيانهم وتمردهم،ولا يجب الظهور إلا بعد زوال أسبابه»(2)

وإن شئت الزيادة في البحث والتحقيق عن فلسفة الغيبة فعليك بكنز الفوائد للعلامة الكراجكي قدس الله روحه الطاهرة ،فإنه

ص: 332


1- رسالة الإمامة/الشيخ المحقق الطوسي: 433،طبع مع تلخیص المحصل.
2- رسالة الإمامة/الشيخ المحقق الطوسي: 433،طبع مع تلخیص المحصل.

لك خير معين.

قال السيد ابن طاووس رضي الله تعالى عنه في بعض وصاياه لولده في كشف المحجة لثمرة المهجة:«واعلم يا ولدي محمد ألهمك الله ما يريده منك،ويرضى به عنك،أن غيبة مولانا المهدي صلوات الله عليه التي حيرت المخالف وبعض المؤالف هي من جملة الحجج على ثبوت إمامته وإمامة آبائه الطاهرین صلوات الله على جده محمد وعليهم أجمعين؛لأنك إذاوقفت على كتب الشيعة وغيرهم،مثل کتاب الغيبة لابن بابویه،وكتاب الغيبة للنعماني،ومثل کتاب الشفاء والجلاء،ومثل كتاب أبي نعيم الحافظ،في أخبار المهدي ونعوته وحقيقة مخرجه وثبوته،والكتب التي أشرت إليها في الطرائف،وجدتها أو أكثرها تضمنت قبل ولادته أنه يغيب علیه السلام غيبة طويلة،حتى يرجع عن إمامته بعض من كان يقول بها،فلو لم يغب هذه الغيبة،كان طعنا في إمامة آبائه وفيه،وصحة غيبته،مع أنه علیه السلام حاضر مع الله على اليقين،وإنما غاب من لم يلقه عنهم لغيبتهم عن حضرة المتابعة له ولرب العالمين».(1)

وقال في موضع آخر:«وإن أدركت يا ولدي موافقة توفيقك

ص: 333


1- کشف المحجة لثمرة المهجة :304.

لكشف الأسرار عليك عرفتك من حديث المهدي صلوات الله عليه ما لا يشتبه عليك،وتستغني بذلك عن الحجج المعقولات ومن الروايات،فإنه صلى الله عليه وآله حسي موجود على التحقيق ، ومعذور عن كشف أمره إلى أن يأذن له تدبير الله الرحيم الشفیق،كما جرت عليه عادة كثيرمن الأغنياء والأوصياء...» (1)

وقال في موضع ثالث:«وقد احتجنا كم مرة عند حوادث حدثت لك،إليه،ورأيناه في عدة مقامات في مناجاة،وقد تولى قضاء حوائجك بإنعام عظيم في حقنا وحقك لا يبلغ وصفي إليه».(2)

كما تطرق إلى فلسفة الغيبة شراح الباب الحادي عشر بإيجاز واختصار،کالمقداد بن عبدالله السيوري المعروف بالفاضل المقداد(المتوفى سنة 836ه)،وأبي الفتح العربشاهي(المتوفى سنة 976ه)من أحفاد الميرسيد شريف الجرجاني من معاصري العلامة الحلي،والميرزا محمد علي الحسيني الشهرستاني في كتابه الجامع في ترجمة النافع في شرح الباب الحادي عشر ، بعد ما حسم الأمر أعلامنا المتكلمون في القرن الثالث والرابع والخامس للهجرة.

ص: 334


1- کشف المحجة لثمرة المهجة: 304-305
2- کشف المحجة لثمرة المهجة: 305.

وقد أجاد علمائنا في الرد على من زعم أن لا نفع في وجود

الإمام الغائب للٱمة بإجابات كثيرة أهمها يتلخص في محاور ستة:

1-لا نسلم أن الإمام غائب عن أنظار الجميع؛إذ لا نمنع من اتصال بعض الأولياء والخواص وارتباطهم بإمام زمانهم.

2-الاعتقاد بوجود الإمام علیه السلام وحضوره -ولو أحيانا- بیننا وفي أوساطنا يمنع المؤمنين ويصدهم عن ارتكاب المعاصي.

3-وجودالإمام لطف،وإنما غائب عن الأنظار لكثرة ماله من الأعداءالمتربصين به الدوائر،وحيث لا تجوز له التقنية فالظروف غيرملائمة لظهوره.

4-الاعتقادبوجودالإمام وحياته ينير الطريق أمام الأجيال ويضيء في نفوسهم بارقة أمل في الصمود للظلم والظالمين.

5-الاعتقاد بوجود الإمام علیه السلام يبث الرعب والخوف والهلع في صفوف العدو ومعسكره.

6-الاعتقاد بوجود الإمام علیه السلام وحیاته صفعة مؤلمة وضربة عنيفة على هامة العدو؛لأنه ينبئ عن عدم اعتراف المسلمين بمشروعية الأنظمة الجائرة المستبدة التي لا تحكم بشرع الله تعالى،ورفض صارخ لسيادتها.

ص: 335

وكيف كان فلا مجال للملامة على غيبة الإمام عليه الصلاة والسلام بعد ما ثبت أن التقصير مناوليس من الله تعالى ،ولا من وليه،فغيبة الإمام فرضت ما وليس من الله تعالى؛ وذلك بما كسبت أيدينا«ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ»(1)،«إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ»(2)

ص: 336


1- سورة آل عمران:الآية 182.
2- سورة الرعد: الآية 11.

الدرس السادس والعشرون: متکلمو الشيعة

بسم الله الرحمن الرحیم

كما ذكر ابن النديم طائفة من متكلمي الشيعة من تناولوا موضوع الغيبة بالبحث والتحقيق،بل أشبعوها استدلالا وبرهنة،وعد أولهم إسماعيل بن ميثم التمار رضی الله عنهما،وذكر له کتابين:كتاب الإمامة،وكتاب الاستحقاق. (1)

أبو محمد هشام بن الحكم رضی الله عنه،ووصفه قائلا:«ممن فتق الكلام في الإمامة،وهذب المذهب بالنظر،وكان حاذقا بصناعة الكلام،حاضر الجواب »،وذكر له عدة كتب منها:كتاب الإمامة،وكتاب الدلالات على حدث الأشياء،وكتابالرد على أصحاب

ص: 337


1- فهرست ابن الندیم: 223.

الطبايع،وكتاب الرد على الزنادقة ... فعدها خمسة وعشرين كتابا في العقائد والكلام. (1)

3-أبو جعفر الأحول،محمد بن النعمان،ويلقب بمؤمن الطاق رضی الله عنه،وذكرله أربعة كتب في العقائد والكلام(2)

4-محمد بن الجليل السكاك من أصحاب هشام بن الحكم رضی الله عنهما،وذكر لنا كتبا أربعة في العقائد والكلام.(3)

5-أبو جعفر محمد بن قبة، ذكر له كتابين في العقائد والكلام.

6-أبو سهل إسماعيل بن علي بن نوبخت من كبار الشيعة، وذكر له اثنين وعشرين كتابافي العقائد والكلام. (4)

7-أبو محمدالحسن بن موسى، ابن ٱخت أبي سهل بن نوبخت، متکلم فیلسوف،وذكر له سبعة من الكتب في العقائد والكلام.(5)

8-أبو الحسين محمد بن بشر السوسنجردی،من غلمان أبي سهل النوبختي،وذكر له كتابا واحدا في العقائد والكلام.(6)

ص: 338


1- فهرست ابن الندیم: 223و 224
2- فهرست ابن النديم: 224.
3- فهرست ابن الندیم: 225.
4- فهرست ابن الندیم: 225.
5- الفهرست:225-226
6- الفرست:226

9-الطاطري،وذكر له كتابا واحدا.(1)

10-هشام الجواليقي.(2)

11-أبو ملك الحضرمي. (3)

12-ابن مملك الإصبهاني،وذكر له كتابين. (4)

13-أبوالجيش المظفر بن الخراساني،وذكر له عدة كتب.

14-الناشئ الصغير،أبو الحسين علي بن وصیف غلام أبي الجيش الخراساني،وذكرله كتبا في العقائد والكلام. (5)

وهناك جملة من هؤلاء النخبة من الأعلام من بذلوا عناية فائقة بشأن الإمام المهدي صلوات الله عليه،وألفوا أو صنفوا كتبا في هذا الخصوص يدفعون فيها الشبهات، ويذودون فيها عن حريم العقيدة،

ص: 339


1- الفهرست/ابن الندیم:226.
2- قال النجاشي:«هشام بن سالم الجوالیقی،مولی بشر بن مروان،أبوالحكم،كان من سبي الجوزجان،روي عن أبي عبدالله وأبي الحسن علیهماالسلام،ثقة ثقة،له کتاب پرویه جماعة»
3- الفهرست/ابن الندیم:226.
4- الفهرست/ابن الندیم:266. معجم رجال الحدیث:17/263.و:10/335.جامع الرواة:2/144.ثقة الرجال :3/42.رجال ابن داود: 177. رجال النجاشي: 236 و 380.
5- الفهرست/ابن الندیم: 226.

وهم على نحو الإجمال والاختصار لا الحصر والاستقراء التام:

1-أبوإسحاق إبراهيم بن إسحاق الأحمري النهاوندي، سمع منه أبو أحمد القاسم بن محمد الهمداني في سنة تسع وستين ومائتين،له كتاب الغيبة.(1)

2-أبو إسحاق إبراهيم بن صالح الأنماطي الكوفي الأسدي ،من أصحاب الإمام الكاظم علیه السلام،ثقة،له كتاب الغيبة،يرويه عنه جعفر بن قولویه بواسطة واحدة. (2)

3-أحمد بن الحسين بن عبدالله المهراني الآبي،له کتاب ترتیب الأدلة فيما يلزم خصوم الإمامية دفعة عن الغيبة والغائب. (3)

4-أبو بكر خيثمة أحمد بن زهير النسائي(المتوفى سنة 279ھ)،له جمع الأحاديث الواردة في المهدي(4)،وهو صاحب التاريخ الكبير.

ص: 340


1- رجال النجاشي:19/21. الفهرست/الشيخ الطوسي: 10. 11/11.الذريعة:16/74/371
2- النجاشي:15/13.الفهرست: 14/19.معالم العلماء/ابن شهرآشوب:5/5.الذريعة: 16/75/373.
3- المعالم:24/113.معالم العلماء:60.أمل الآمل: 3/12.معجم رجال الحدیث:3/104. الذريعة: 4/64.طرائف المقال:1/156.
4- مجلة تراثنا:العدد الأول. ويقال عنه ابن أبي خيثمة وأبو خيثمة.شرح الأخبار/القاضي النعماني:3/14،وقال عنه صاحب تاریخ بغداد:أخذ علم الحديث عن يحيى بن معين،توفي سنة 279ه. ق.المجروحين/ابن حبان:1/51،في الحاشية.الجرح والتعديل:3/52.

5-الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبدالله الإصبهاني(المتوفى سنة 430ه)،له كتاب الأربعين حديثا في ذكر المهدي.(1)

6-أبوالعباس(أبو علي)أحمد بن علي الرازي الخضيب(ابن الخضيب)الأيادي،له كتاب الشفاءوالجلاء في الغيبة. (2)

7-أبو العباس أحمد بن علي بن العباس بن نوح السيراني ، نزيل البصرة،كان ثقة في حديثه،متقنا لما يرويه، فقيها بصيرا بالملحديث والرواية،وهو ٱستاذالنجاشي وشيخه ومن استفاد منه،توفي حدود النيف والعشرة بعدالأربعاءة،له كتاب أخبار الوكلاء الأربعة.(3)

8-أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمران بن موسى المعروف بأبي الجندي،أستاذ النجاشي ،له کتاب الغيبة. (4)

ص: 341


1- مجلة تراثنا:العدد الأول والرابع .الأحاديث الطوال:6.الكفاية في علم الرواية:13
2- النجاشی:97/240.الفهرست:33/66.المعالم: 8/82.
3- النجاشی: 86و209/87.الذريعة: 1/353/1860.
4- النجاشی:85/206 .الذريعة:16/75/374

9-أبو عبدالله أحمد بن محمد بن عبيد الله بنالحسن بن عياش بن إبراهيم بن أيوب الجوهري، له کتاب مانزل من القرآن في صاحب الزمان علیه السلام وأخبار وكلاء الأئمة الأربعة. (1)

10-الحافظ النسابة،الواعظ الشاعر الأشرف بن الأغر بن هاشم،المعروف بتاج العلى العلوي الحسيني،المولود بالرملة سنة 482ه،والمتوفي بحلب سنة 610ه،عن 128 سنة، له كتاب الغيبة ما جاء فيها عن النبي والأئمة علیهم السلام،ووجوب الإيمان بها. (2)

11-الجلودي(المتوفى سنة 332)،له كتب أخبار المهدي. (3)

12-أبو محمد الحسن بن حمزة بن علي بن عبدالله بن محمد بن الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام،المعروف بالطبري والمرعش،كان من أجلاء هذه الطائفة وفقهائها،توفي سنة 308ه، له كتاب الغيبة. (4)

13-أبوعلي الحسن بن محمد بن أحمد الصفار البصري،

ص: 342


1- النجاشی:85-86/207. المعالم:20/90.
2- الذریعة:16/75/375.
3- الذریعة:1/352/1852
4- النجاشي:64/150.المعالم: 36/215.الذريعة:16/76/380.

شيخ من أصحابنا،ثقة،روى عنه الحسن بن سماعة،له کتاب دلائل خروج القائم علیه السلام(1)

14-أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبیدالله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام،المعروف بابن أخي طاهر،المتوفى في ربيع الأول سنة 358ھ،له كتاب الغيبة، وذكر القائم علیه السلام.(2)

15-أبوالحسن حنظلة بن زکریا بن حنظلة بن خالد بن العيار

التميمي القزويني،له كتاب الغيبة. (3)

16-أبو الحسن سلامة بن محمد بن إسماعيل(أسماء)بن عبدالله بن موسی بن أبي الأكرم الأزذني (الأزوني)،المتوفى سنة 339ھ، له کتاب الغيبة وكشف الحيرة. (4)

17-أبو سعيد عباد بن يعقوب الرواجني الأسدي الكوفي، المتوقى.سنة 250 أو 271ھ، له كتاب أخبار المهدي،ويسميه المسند. (5)

ص: 343


1- النجاشی:48/101.
2- النجاشي: 64/149.الذريعة:16/83/416.
3- النجاشی:147/380.الذريعة: 16/76/384.
4- النجاشی:192/ 514.الذريعة:16/83/419
5- الفهرست:176/374.المعالم:88/612.الذريعة: 1/352/1852

18-أبوالفضل عباس بن هشام الناشري الأسدي،من أصحاب الرضا علي،المتوفى سنة 220ه،له کتاب الغيبة. (1)

19-أبوالعباس عبدالله بن جعفر بن الحسين بن مالك الحميري القمي،ثقة،شیخ القميين ووجههم،له كتاب الغيبة والحيرة،وقرب الإسناد إلى صاحب الأمر علیه السلام،والتوقيعات. (2)

20-أبو محمدعبدالوهاب المادراني(البادراني )،له کتاب.(3)

21-أبو القاسم علي بن الحسين بن موسی بن بابويه القمي، المتوفى سنة 329ه،له كتاب الإمامة والتبصرة من الحيرة. (4)

22-أبو القاسم علي بن الحسين بن موسی بن محمد بن موسی بن إبراهيم بن موسی بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب علیهم السلام،المعروف بالشريف المرتضی علم الهدى،ولد في رجب 355ه،قال النجاشي:مات خمس بقين من شهر ربيع الأول سنة 436ھ ،وصلى عليه ابنه،وتوليت غسله ومعي الشريف

ص: 344


1- النجاشی:380/741.الذريعة: 16/76/386.
2- الفهرست:189/407.النجاشی: 247/573.الذريعة:16/83/415
3- النجاشی:247/652. الذريعة:16/76/387.
4- الفهرست: 119.النجاشي: 261/684.

أبو يعلى...،له كتاب الغيبة،المقنع في الغيبة. (1)

23-أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم بن أبان،المعروف بعلان والرازي الكليني،خال ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني،وأحد العدة الذين يروي عنهم سهل بن زياد في كتابه الكافي،له كتاب أخبار القائم علیه السلام. (2)

24-علي بن محمد بن علي بن سالم بن عمر بن رباح بن قیس

السواق القلا، له کتاب الغيبة(3)

25-أبوالحسن علي بن مهزيار الورقي الأهوازي،كان أبوه و نصرانيا،وقيل:إن عليا أيضا أسلم وهو صغير،ومن الله عليه بمعرفة هذاالأمر،وتفقه،وروي عن الرضا وأبي جعفر (الجواد) علیهماالسلام،واختص بأبي جعفر الثاني(الجواد)،له كتاب القائم.(4)

26-أبو موسی عیسی بن مهران المستعطف،له كتاب المهدي. (5)

ص: 345


1- الفهرست:218-220/472. النجاشی:270-708. المعالم69-70/477.الذريعة: 16/77/390.
2- الذريعة:1/345/1903
3- النجاشی:259/679. الذريعة:16/78/393.
4- النجاشي: 253_254/664
5- النجاشی:297/807الفهرست:249-250/549.المعالم:86/593.

27-أبو محمد الفضل بن شاذان بن جبرئيل(الخليل)الأزدي النيسابوري،المتوفى سنة 260ه، لقي علي بن محمد التقي علیه السلام،له کتاب إثبات الرجعة،والرجعة حديث،والقائم علیه السلام. (1)

28-أبو عبدالله محمد بن إبراهيم بن جعفرالنعماني،المعروف بابن أبي زينب الكاتب،تلميذ ثقة الإسلام الكليني،له كتاب الغيبة،ويعرف هذا الكتاب بملاء العيبة في طول الغيبة. (2)

29-أبو علي محمد بن أحمد بن الجنيد،قال النجاشي:سمعت بعض شيوخنا يذكر أنه كان عنده مال للصاحب علیه السلام وسيف أيضأ،و به إلى جاريته ،له كتاب إزالة الران عن قلوب الإخوان في الغيبة.(3)

30-أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عبدالله بن قضاعة بن صفوان بن مهران الجمال،المعروف بالصفواني،الشريك مع النعماني في القراءة على ثقة الإسلام الكليني،له كتاب الغيبة وكشف الحيرة. (4)

ص: 346


1- النجاشي: 306-307/840. الفهرست : 254 -255/559. المعالم:90-91/627. الذريعة:16/78/395.
2- النجاشی:383/1043.المعالم: 118/783.الذريعة:16/79/398
3- النجاشی:385/1048،الفهرست: 269-267/592.المعالم:97/665
4- الذريعة:16/37/157 و:16/84/420

31-أبو العنبس محمد بن إسحاق بن أبي العنبس الصيمري،له کتاب صاحب الزمان. (1)

32-أبو الحسين محمد بن بحر الرهني السجستاني (الشيباني)المتكلم،له كتاب الحجة في إبطاء القائم علیه السلام. (2)

33-محمدبن الحسن بن جمهورالعمي (القمي)البصري ،روی عن الرضاعلیه السلام،له كتاب صاحب الزمان علیه السلام،وكتاب وقت خروج القائم علیه السلام(3)

34-محمد بن زید بن علي الفارسي،له كتاب الغيبة. (4)

35-أبو جعفر محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني، المتوقى سنة323ه،كان متقدما في أصحابنا و مستقيم الطريقة ،فحمله الحسد لأبي القاسم الحسين بن روح على ترك المذهب والدخول في المذاهب الردية،فظهرت منه مقالات منكرة،وخرج في لعنه التوقيع ،له کتاب الغيبة. (5)

ص: 347


1- الفهرست/ابن الندیم:216-217.
2- المعالم: 96/662.
3- الفهرست:284/617. المعالم:103-104/104/689
4- الذريعة:16/79-80،الرقم400.
5- النجاشي:378/1029.الذريعة: 16/80/401.

36-أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي،المتوفى سنة 449ھ،له کتاب:البرهان على طول عمر صاحب الزمان، والاستطراف في ذكر ما ورد في الغيبة في الإنصاف. (1)

37-أبو بكر محمد بن القاسم البغدادي،معاصر بن همام الذي توفي سنة 332ه،له کتاب الغيبة.(2)

38-أبو النضر محمد بن مسعود بن محمد بن عياش السلمي السمرقندي،المعروف بالعياشي ،كان في أول عمره عامي المذهب وسمع حديث العامة فأكثر منه،ثم تبصر وعاد إلينا،له كتاب الغيبة. (3)

39-أبو الفرج المظفر بن علي بن الحسين الحمداني،من السفراء،قرأ على المفيد، وحضر مجلس درس المرتضى والشيخ الطوسي،ولم يقرأ عليها،له كتاب الغيبة. (4)

ص: 348


1- الذريعة:3/92/292.کشف الحجب:43/194.
2- الذریعة: 16/80/403.
3- النجاشي:350-353/944.الفهرست: 317-320/690.المعالم:99-100/668.
4- الذریعة:16/82/406

الدرس السابع والعشرون: اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه -1

بسم الله الرحمن الرحیم

بعدما ثبت أن الاعتقاد بوجود الإمام المهدي صلوات الله عليه مخوبحياته الشريفة من ضروریات مذهب الإمامية،دلت عليه صرع الأحاديث والنصوص الروائية،وأطبق عليه علماؤهم منذ عصير الرسالة إلى يومنا هذا،وامتلئت بهكتبهم قديما وحديثا،فهل يمكن الارتباط المباشر بهذا الإمام الغائب عن الأنظار صلوات الله عليه،وهل لشيعته أو لغيرهم في مقام الثبوت والإثبات أن ينالوا شرف اللقاء به في عصر الغيبة - سواء الصغرى منها أو الكبری _؟وهل لهم أن ينتفعوا بمحضره الشريف؟

وليس الكلام عن إمكان الرؤية واللقاء إمكاناعقليا؛لضرورة هذا الإمكان وشدة بداهته؛إذ لايمنع العقل ذلك ولا يحيله،

ص: 349

بل يمنع خلافه ويحكم بضرورة إمكان الرؤية والمشاهدة لكل مخلوق ذي جانب مادي،وكافة الأجسام والطبیعیات،وهو صلوات الله عليه مخلوق روحاني نوراني في قالب مادي جسماني ،وإنما الكلام في الأدلة والموازين الشرعية، والشواهد والقرائن الخارجية ،فهل قامت أدلة من الأحاديث والروايات على إمكان ذلك ؟ وهل هناك شواهد و قرائن دالة على إمكانها،أووقوعها؟ وبناء على ثبوتها فما هي؟ وما مدى صحتها؟وما رأي أئمة أهل البيت علیهم السلام؟وما الفائدة من الرؤية والمشاهدة ؟وما الأضرار التي تترتب على امتناع رؤيته أو مشاهدته علیه السلام؟

وقع الخلاف بين أعلام الطائفة في هذا الخصوص،حيث نتج عن ذلك اعتقادان عن إمكانية الرؤية وجوازها،وعدم الإمكان وامتناع الرؤية في زمن غيبته علیه السلام،فمنهم من ذهب إلى عدم الإمكان وعدم الحاجة إلى رؤية الإمام علیه السلام واللقاء به قبل ظهوره،كالشيخ المفيد،والمولي الفيض الكاشاني،والشيخ جعفر کاشف الغطاء،والمرحوم النعماني أعلى الله مقاماتهم،وطيب ثراهم،واختارالمشهور من علماء الطائفة جواز ذلك،بل وقوعه،خلافا لهؤلاء الأعلام،فليست المسألة إجماعية،بل هي قضية خلافية منذ ابتداء الغيبة الكبرى، وأوان انطلاقتها الٱولى، فينبغي التحقيق في أقوالهم

ص: 350

ومناقشة آرائهم بعد سرد ما استندوا إليه من أدلة وأحاديث،والتأمل فيها بالنقض والإبرام،وليس من أنكر إمكان الرؤية وجوازها أثناء الغيبة منكرا لضرورة من ضروريات المذهب الحق، وليس خارجا عن ربقة الدين وداخلا في عداد المرتدین کما توهم بعض من لاحظ لهم من العلم والمعرفة،كلا بل كل طائفة من الطائفتين تستند إلى جملة من الأدلة والقرائن تستحق البحث والتدقيق،وإن غدى جواز اللقاء وإمكان الرؤية،بل وقوعها لكثير من الصلحاء والعلماء،من مسلمات مذهبنا في عصرنا الحاضر.

وكيف كان فأهمية طرح هذا البحث والتطرق لهذه المسألة تحتمها أسباب و علل تترتب عليها جملة من المفاسد والمحاسن ، ينبغي التلميح إليها وسردها هنا:

أولا:أن هناك كتبا و مقالات سطرت - لاسيما في عصرنا هذا۔ مشحونة بحكايات وقصص عمن يزعمون اللقاء بالإمام علیه السلام،لا شك في كذب بعضها والمبالغة في بعضها.

ثانيا:استغلال بعض السياسيين ممن ينتسبون إلى مذهب الإمامية لهذه القصص والحكايات من أجل تمرير مشاريعهم وتحقيق أهدافهم السلطوية على العامة من أتباع أهل البيت صلوات الله عليهم.

ثالثا:ما يترتب من مفاسد عديدة على نقل مثل هذه الحكايات،

ص: 351

كالتدليس في الحقائق الثابتة بحيث ينطلي على من لا خبرة له،ويلتبس الحق بالباطل، فتشوب العقائد الحقة جملة من الخرافات والأباطيل التي لا تستند إلى برهان ولا دليل، فيختلط الصواب بالخطأ ليسفر عن ذلك مزاعم لا أساس لها، وأحداث خرافية لا قبل لها من زمرة الانتهازيين الضاحكين على ذقون العامة طلبا للرئاسة والدنيا أو جمعا للأموال.

رابعا:إن مثل هذه الكتابات والقصص الخرافية الموضوعة، لا سيما المبنية منها على المنامات الكاذبة، والمكاشفات المزعومة الباطلة،لتنقر أهل التعقل وأصحاب الفكر وذوي الألباب، وربماجعلتهم في حيرة من عقائدنا الحقة التي بات لا يختلف على صحتهااثنان من ذوي الإنصاف والرشاد، فتمهد و توقر بذلك سبل الانحراف وتعد طريق الضلال.

خامسا:إن العدو المتربص بنا لا يفرح بشيء کفرحه بنسبة الخرافات وعادات العوام إلى مذهبنا،والاحتجاج على أعلام الطائفة وزعمائها من العلماء بما دأب عليه الطائفة من العوام والجهلة ورجال السياسة والإعلام المنتسبين إليهم،فيفترون علينا وعلى مذهبنا وينسبون إلينا ما نحن منه براء،ليصدوا عن الحق ويحولوا دون انتشار العقائد الحقة ويطفئوا نور الله بأفواههم.

ص: 352

سادسا:تكمن الخطورة في جهة أن هذه المزاعم بعدما كانت تنطلق من أفواه العوام في الأزمنة الغابرة غدت في هذه الأيام والأعوام تجد لها صدى لدى بعض من يرتدي زي أهل العلم ويتشبه بهم ولدى جملة من الخواص من العوام، والعوام من الخواص ،وهو أمر يندى له الجبين،فلا حيلة ولا محيص دون أن نجابههم بمان عليه التوقيع الشريف الذي ورد من الناحية المقدسة، حيث أمرنا في قبال من يدعي ذلك بالتصدي والتكذيب واتهامه بأنه كذاب مفتر.

بما أن حياة الإمام الحجة المنتظر عجل الله فرجه تنقسم إلى أربع فترات رئيسية: فترة الطفولة حتى الخامسة، حيث كان صلوات الله علیه معاصرا لأبيه الإمام الحسن العسكري وتحت كفالته وفي رعايته،ثم فترة الغيبة الصغرى التي دامت سبعين عاما تمهيدية وتربوية لأصحابه وشیعته استعدادا للغيبة الكبرى الطويلة،وهي الفترة الثالثة من حياته الشريفة التي طالت علينا كثيرا، ونسأل الله تعالى أن يعجل له ولنا الفرج في ظهوره علیه السلام بإقامةالعدل والقسط بعد امتلاء الأرض بالجور والظلم،حيث فترة ما بعد ظهوره أرواحنا فداه تمثل المحطة الأخيرة من حياته الشريفة المباركة،فإنا سنبحث إمكانية اللقاء به عليه الصلاة والسلام في الفترات الثلاث الٱولى؛الخروج عصر الظهور عن محل النزاع تخصصا لا تخصیصا.

ص: 353

نعم،وقع الخلاف بين أعلام الطائفة في حدود عصر الغيبة الصغرى،هل تبدأ بولادته صلوات الله عليه؟أم تبدأ باستشهاد أبیه علیهماالسلام؟

فاختار الشيخ المفيد أعلى الله مقامه وجملة من أعلام الطائفة قدس الله أسرارهم القول الأول، وذهبواإلى أن غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه وهي الغيبة الصغرى أو الٱولى أو القصری - سمها ما شئت - بدأت بولادته وفي حياة أبيه علیهماالسلام،وانتهت بموت آخر سفرائه الأربعة رضوان الله عليهم(1)خلافا للمشهور لدى أكثر أعلامنا من أن الغيبة الصغرى بدأت بوفاة أبيه الإمام العسكري عليهما السلام،وهي بداية تقليده منصب الإمامة في عام مائتين وستين هجرية،أي في الخامسة من عمره الشريف،وهذا هو الحق كما يبدو.(2)

والدليل على ذلك:

أولا:أن غيبته علیه السلام ذات صلة وثيقة بإمامته،ولا معنى للغيبة.

ص: 354


1- الإرشاد: 2/340.
2- أعلام الوری: 416.مصنفات الشيخ المفيد -الجزء الثاني.کشف الغمة: 3/320.مرآة العقول: 4/52.

قبل هذه الفترة وقبل تقليده الإمامة والخلافة.

وثانيا:أن جل الروايات التي أشارت إلى الغيبة الصغرى ناظرة إلى فترة إمامته علیه السلام،ويكفي للبرهنة على ذلك مجرد نظرة وتأمل في تلك الروايات والأحاديث.

وثالثة:أن أعلام الطائفة ممن تقدموا على الشيخ المفيد طيب الله ثراه ومن أصحاب الأئمة علیهم السلام لم يعبروا عن تلك الفترة بالغيبة،وإنما عبروا بالغيبة عما تلتها من فترة زمنية،وأطلقوا الغيبة على فترة غيابه بعد أبيه علیهماالسلام،وهذالا يخفى على المحقق المدقق في كلات الأعلام والأصحاب رضوان الله عليهم، والحاصل أن الغيبة الصغرى على القول الأول وهو مذهب الشيخ المفيد وأصحابه قدس الله أسرارهم- دامت أربعة وسبعين عاما،وعلى القول الثاني وهو قول المشهور- دامت تسعة وستين عاما وأشهر.

1-اللقاء به في عهد أبيه علیهماالسلام

وكيف كان فقد ثبت بالدليل القاطع والبرهان الساطع أن جمع غفيرا من أصحاب الإمام الحسن العسكري علیه السلام وخواص شيعته نالوا شرف اللقاء علیه السلام،وحازوا مرتبة التشريف بلقياه،والظفر برؤيته،وقدأسردنا جملة من الأخبار والروايات الدالة

ص: 355

على ذلك في الحلقة الٱولى من هذا الكراس.

وقد عقد كثير من علمائنا في كتبهم أبوابا عمن رأوا الإمام والتقوا به وشاهدوه في عهد أبيه العسكري صلوات الله عليها ،ومن هؤلاء الشيخ المفيد أعلى الله مقامه في الإرشاد، حيث قال:

1-أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد،عن محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد،عن محمد بن إسماعيل بن موسی بن جعفر-وكان أسن شیخ من ولد رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم بالعراق - قال:رأيت ابن الحسن بن علي بن محمد علیهم السلام بين المسجدين وهو غلام.(1)

وهكذاذكرجملة من هذه الأخبار على النحو التالي:

2-وعن الحسين بن رزق الله أنه قال:حدثني موسی بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسی بن جعفر،قال:حدثتني حكيمة بنت محمد بن علي وهي عمة الحسن علي:أنها رأت القائم علیه السلام ليلة مولده وبعد ذلك. (2)

3- عن حمدان القلانسي،قال: قلت لأبي عمرو العمري:

ص: 356


1- الكافي: 2/266.الإرشاد: 2/351.الغيبة:268،230.أعلام الوری:396.
2- الإرشاد: 2/351. الغيبة/الطوسي:205/237. الكافي: 3/266.کمال الدین: 1/424.

قد مضى أبو محمد؟فقال لي: قد مضى،ولكن قد خلف فيكم من رقبته مثل هذه،وأشار بيده. (1)

4-وعن فتح-مولى الزراري- قال:سمعت أبا علي بن مطهريذكر أنه رآه،ووصف له قه.(2)

5-وعن عمروالأهوازي،قال: أرانيه أبو محمد،وقال:«هذا صاحبكم»(3)

6-وعن أبي نصر طريف الخادم أنه رآه علیه السلام(4)

واكتفي بهذا المقدار قائلا: «وأمثال هذه الأخبار في معنى ما ذكرناه كثيرة،والذي اختصرناه منها كاف فيا قصدناه؛إذ العمدة في وجوده وإمامته علیه السلام،ما قدمناه،والذي من بعد ذلك زيادة في التأكيد،ولو لم نورده لكان غير مخل بما شرحناه،والمنة لله تعالى(5)

وقال شيخ الطائفة الطوسي أعلى الله مقامه:

ص: 357


1- الإرشاد: 2/351.الكافی:4/ 264و4/266.البحار:52/60و 45.
2- الكافي:5/266.الغيبة الطوسي: 269،233.بحار الأنوار:52/60.الإرشاد: 2/352.
3- الكافي:2/264.الغيبة/الطوسي: 203، 234.الإرشاد: 2/355.
4- الكافي: 2/267.الإرشاد:2/355
5- الارشاد: 2/ 355.

«فصل:فأما الكلام في ولادة صاحب الزمان وصحتها فأشياء اعتبارية وأشياء إخبارية، فأما الاعتبارية فهو أنه إذا ثبتت إمامته وعلمنا بذلك صممت ولادته وإن لم يرد فيه خبر أصلا.

وأيضا ما دللنا عليه من أن الأئمة اثنا عشر يدل على صحة ولادته؛لأن العدد لا يكون إلا لموجود،وما دللنا على أن صاحب الأمر لابد له من غيبتين يؤكد ذلك؛لأن كل ذلك مبني على صحة ولادته.

وأما تصحيح ولادته من جهة الأخبار فسنذكر في هذا الكتاب طرفا مما روي فيه جملة وتفصيلا، ونذكر بعد ذلك جملة من أخبار من شاهده ورآه؛لأن استيفاء ماروي في هذا المعنى يطول به الكتاب».(1)

ثم روى أخبارا في ذلك ، منها ما كانت الرؤية والمشاهدة في حياة أبيه العسكري صلوات الله عليهما:

1_.... حدثني أبو الفضل الحسين بن الحسن العلوي،قال:دخلت على أبي محمد علیه السلام بشر من رأى فهنا ته بسيدنا صاحب الزمان علیه السلام لماولد(2)

2-...عن أحمد بن محمد،قال:خرج عن أبي محمدعلیه السلام حين

ص: 358


1- الغيبة / الطوسي: 230.
2- الغيبة / الطوسي: 230.

قتل الزبيري...إلى أن قال: «وولد له ولد وسماه محمداسنة ست وخمسين ومائتين».(1)

3-وروی محمد بن یعقوب رفعه عن نسيم الخادم،وخادم أبي محمد علیه السلام،قال:دخلت على صاحب الزمان علیه السلام بعد مولده بعشر ليال فعطست عنده،فقال:«يرحمك الله،ففرحت بذلك،فقال:ألا أبشرك في العطاس؟هوأمان من الموت ثلاثة أيام»(2)

4-...عن رجل من أهل فارس - سماه - قال:«أتیت سر من رأی ولزمت باب أبي محمد علیه السلام...إلى أن قال:فدخلت عليه يوما وهو في دار الرجال ، فسمعت حركة في البيت وناداني:مكانك لا تبرح،فلم أجسر أخرج ولا أدخل ، فخرجت جارية معها شيء مغطى،ثم ناداني:أدخل،فدخلت،ثم نادى المجارية فرجعت،فقال لها:اكشفي عما معک،فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه،فكشف عن بطنه،فإذا شعرناب من لبته إلى شرته أخضر ليس بأسود،فقال: هذا صاحبكم...» (3)

ص: 359


1- الغيبة/الطوسي: 231.
2- الغيبة/الطوسي: 232.
3- الغيبة/الطوسي : 233.

5-قال حدثني أحمد بن بلال بن داود الكاتب،وكان عاميا بحل من النصب لأهل البيت علیهم السلام يظهر ذلك ولا يكتمه،وكان صديقا لي...إلى أن قال:وقد كنت فقد جميع من خلفته من أهلي وقراباتي إلا عجوزا كانت ربتني،ولها بنت معها،وكانت من طبع الأول مستورة صائنة لا تحسن الكذب ...إلى أن قال نقلا؟عن العجوز أنها قالت له:فإني ٱحدثك بما رأيته بعيني بعد خروجك بسنتين...وساق الخبر الذي حاصله أنها رأت المولد الذي ولد لأبي محمد العسكري صلوات الله عليها،أعني صاحب الزمان أرواحنا فداه،وحضرت ولادته ،بل شاركت في تولیده - ولادته -الخ.(1)

6-عن السياري،قال:حدثني نسيم ومارية،قالت:لما خرج صاحب الزمان علیه السلام من بطن ٱمه سقط جاثيا على ركبتيه،رافعاستابته نحو السماء،ثم عطس فقال:«الحمد لله رب العالمين، وصلی الله على محمد وآله عبدا داخرا لله غير مستنكف ولا مستكبر»،ثم قال:«زعمت الظلمة أن حجة الله داحضة، ولو أذن لنا في الكلام لزال الشك. (2)

ص: 360


1- الغيبة/الطوسي: 242.
2- الغيبة/الطوسی:244

7-وروی محمد بن علي الشلمغاني في كتاب الأوصياء ، قال:حدثني حمزة ابن نصر غلام أبي الحسن علیه السلام عن أبيه،قال:لما ولد السيد علیه السلام تباشر أهل الدار بذلك،فلما نشأ خرج إلي الأمر أن أبتاع في كل يوم مع اللحم قصب مخ ،وقيلل:إن هذا لمولانا الصغير علیه السلام.(1)

8-عن أبي نعيم محمد بن أحمد الأنصاري ، قال:وجه قوم من المفوضة والمقصرة كامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمد علیه السلام،قال کامل:فقلت في نفسي:...إلى أن قال:فسلمت وجلست إلى باب عليه ستر مرخی،فجاءت الريح فكشفت طرفه،فإذا أنا بفتى كأنه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها،فقال لي :ياکامل بن إبراهيم، فاقشعررت من ذلك وٱلهمت أن قلت: لبيك يا سيدي،فقال:جئت إلى ولي الله وحجته و بابه تسأله:هل يدخل الجنة إلا من عرف معرفتك وقال بمقالتك؟

فقلت:إي والله.

قال:إذن والله يقل داخلها،والله إنه ليدخلها قوم يقال لهم الحقية.قلت:يا سيدي،ومن هم؟

ص: 361


1- الغیبة /الطوسی:245

قال:قوم من حبهم لعلي يحلفون بحقه،ولا يدرون ما حقه وفضله.

ثم سكت صلوات الله عليه عني ساعة،ثم قال:وجئت تسأله عن مقالة المفوضة،كذبوا،بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله، فإذا شاء شئنا،والله يقول:« وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّا أَن یَشَآءَ اللَّهُ »

ثم رجع الستر إلى حالته، فلم أستطع كشفه،فنظر إلي أبو محمد علیه السلام مبتسما ،فقال:يا کامل،ما جلوسك؟وقدأنبأك بحاجتك الحجة من بعدي.

فقمت وخرجت ولم ٱعاینه بعد ذلك.(1)

ص: 362


1- الغيبة/الطوسي: 247.

الدرس الثامن و العشرون: اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه-2

بسم الله الرحمن الرحیم

وهكذا نكتفي بهذا القدر، وهو غيض من فيض ، ولكن نقتصر على ذكر أسماء هذه الجماعات وهؤلاء الأفراد،وكيف كان، فالذين تشرفوا بلقاء مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه ونالوا شرف رؤيته ومشاهدته في حياة أبيه علیه السلام، وأثناء ولايته وإمامته ليسوا بالعدد القليل كما يظن البعض،وإليك أسماؤهم مما تقدم من الأخبار،وما لم نذكره همان من سائر الأخبار التي سنشير إلى مصادرها إن شاء الله تعالى:

1-السيد محمد بن إسماعيل بن موسی بن جعفر علیه السلام،وتقدم خبره.

2-السيدة حكيمة بنت الإمام الجواد،وأخت الإمام الهادي،وعمة الإمام العسكري علیهم السلام،كما تقدم خبرها.

ص: 363

3-أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري أول السفراء الأربعة رضی الله عنهم،كما تقدم خبره.

4-أبو علي بن مطهر،وقد تقدم خبره.

5-عمروالأهوازي،وقد تقدم خبره.

6-أبو الفضل الحسين بن الحسن العلوي،وقد تقدم خبره.

7-أحمد بن محمد،وقد تقدم خبره.

8- نسيم الخادم،وقد قدمنا خبره.

9-رجل منأهل فارس – ثقة. وقد قدمنا خبره.

10-العجوز التي حدثت أحمد بن بلال بن داود الكاتب،وقد تقدم خبرها.

11-مارية،خادمة أو جارية للإمام العسكري علیه السلام،وقد تقدم خبرها.

12-أبو نصر،غلام أبي الحسن العسكري علیه السلام،وقد قدمناخبره.

13-أبو نعيم محمد بن أحمد الأنصاري،وقد قدمنا خبره.

14-جعفر ابن الإمام الهادي الملقب «بالكذاب.(1)

ص: 364


1- الغيبة: 268.

15-أبو هارون-رجل من أصحابهم. (1)

16-أبو جعفر العمري محمد بن عثمان،ثاني السفراء الأربعة رضی الله عنهم(2)

17-جارية من جواري الإمام العسكري علیه السلام.(3)

18-أبو غانم الخادم.(4)

19-عقيد الخادم.(5)

20-يعقوب بن منفوس،أو منقوش.(6)

21- معاوية بن حكيم.(7)

22-محمد بن أيوب بن نوح.

وكيف كان فقد قال الشيخ المفيد أعلى الله مقامه ونسب ذلك(8)

ص: 365


1- الغيبة/الطوسی:250
2- بحار الأنوار:52/25-26.
3- بحار الأنوار:51/5.
4- بحارألانوار:15/5
5- بحارالأنوار:51/16
6- بحارالأنوار:52/25
7- بحارالأنوار:25/25_26
8- بحارالأنوار:52/25_26

إلی الإمامية:«إن جماعة من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي بن محمد علیهم السلام قد شاهدوا خلفه في حياته،وكانوا أصحابه وخاصته بعد وفاته، والوسائط بينه وبين شيعته دهرا طويلا في استتاره،ينقلون إليهم عن معالم الدين،ويخرجون إليهم أجوبة عن مسائلهم فيه،ويقبضون منهم حقوقهم لديهم.

وهم جماعة كان الحسن بن علي علیه السلام عدلهم في حياته، واختصهم ٱمناء له في وقته، وجعل إليهم النظر في أملاكه والقيام بمآربه،معروفون بأسمائهم وأنسابهم وأمثالهم.

كأبي عمرو عثمان بن سعيد السمآن،وابنه جعفر بن محمد بن عثمان،وبين الرحبا،وبني سعيد،وبني مهزیار، وبين الركولي وبني نوبخت،وجماعة من أهل قزوین،وقم وغيرها من الجبال مشهورون بذلك،وكانوا أهل عقل وأمانة وثقة ودراية وفهم وتحصيل ونباهة...»

إلى أن قال رضی الله عنه:«وهذا يسقط دعوی الخصوم وفاق الإمامية لهم أن صاحبهم لم ير منذ ادعوا ولادته،ولا عرف له مكان،ولا خبر أحد بلقائه».(1)

وقد عد الشيخ الصدوق رضی الله عنه من رأوه في تلك الفترة فإنهم يزيدون

ص: 366


1- الفصول العشرة:82.

عن ذلك العدد بكثير(1)

والظاهر،بل التحقيق،أن شطرأ ممن ذكرهم لميقصد بهم أنهم رأوه في هذه الفترة،بل في الغيبة الصغرى،فجمع بين طائفتين:

1-من رآه علیه السلام في حياة أبيه علیه السلام

2-من رآه بعد وفاة أبيه علیه السلام،فهم مجموع من رآه في الغيبة الصغرى وقبلها،لاعلى نحو الحصر.

فلا ريب في الرؤية والمشاهدة له علیه السلام ثبوتاإثباتا،إمكاناووقوعا، خلال هذه الفترة ونيل ذلك في الفترة الٱولى من حياته الشريفة،وهي الفترة المعاصرة الحياة أبيه وإمامته علیه السلام،ولا خلاف بين أعلام الطائفة،وحتى عوامها،في ذلك،بل وقع الإجماع والإطباق حتى غد ذلك ضروريا من ضروریات مذهبنا.

2-لقاؤه علیه السلام في عصر الغيبة الصغرى.

لا شك أن الإمام علیه السلام کان في عصر الغيبة الصغرى على اتصال دائم بشیعته ولم ينقطع عنهم؛إذ كان يتقصى الشيعة ويتفقد أخبارهم،وهكذا يتفقدون أخباره عبر نوابه الأربعة الذين مثلوا حلقة الوصل

ص: 367


1- كمال الدين:442-443و:476- 479و:434-482.

بينه وبينهم،فكانت ترد عليه كتبهم ورسائلهم فيجيب عنها ويرد على أسئلتهم،و تخرج إليهم تواقيع من ناحيته المقدسة،وقد وردت في بعض كتب الأعلام ودونها الثقات ممن لا يرد أدنى شك أو شبهة في صدقهم وإخلاصهم،فقد أورد الشيخ الطوسي طيب الله ثراه تواقيع خرجت من الناحية المقدسة إلى جملة من الثقات الأخيار كأبي الحسين محمد بن جعفرالأسدی(1)،وأورد غيره من الأعلام تواقيع لآخرين خرجت من ناحيته المقدسة.

کما خرجت تواقيع ٱخر عديدة تلعن الذين ادعوا النيابة الخاصة كذبا وزورا،وتتبرأ منهم بأسمائهم وأشخاصهم کالشريعي،ومحمد بن نصير النميري،وأحمد بن هلال الكرخي،والشلمغاني الغيبة/ (2)،أوردناها في محلها بحمد الله تعالى.

کماوفق جماعة من خواص الشيعة وثقاتهم لفيض لقائه عليه الصلاة والسلام في مواطن عديدة ،بل كان الشيعة يشدون الرحال إلى العراق والحجاز -لا سيما في أيام الحج وعند أداء مناسكه - بحثا عنه وابتغاء الفوز بشرف لقائهعلیه السلام،فكم من هؤلاء قد أدركوا

ص: 368


1- الغيبة: 415-417.
2- الشيخ الطوسي: 397 - 412.

نوابه الخواص،وأيقنوا بوجوده وسلموهم الوجوه الشرعية وأدوا إليهم الحقوق التي كانت عليهم،وتلقوا إجابات وردودا على أسئلتهم التي بعثوها إلى ناحيته المقدسة،واشتهر ذلك عند الشيعة حتى غدى من المسلمات لديهم لا تعتريه شك ولا شبهة، حرصا منهم على تقضي أخبار إمامهم،وتفقدأحواله،وتثبيت عقائدهم،وترسيخ دعائم إيمانهم بأدلة قطعية من العلم والوجدان،وتطهير معتقداتهم من الخرافة والأوهام.

فقد أورد الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه أسماء جماعة من أدركواالمأمول،وتحققت لهم آمالهم وأمانيهم بمشاهدته والفوز بلقياه،وقرت أعينهم برؤية حسنه وجماله الملكوتي. (1)

وإليك جملة من أسماء هؤلاء من كتب الحديث وجوامعه ومصادره على نحو الإيجاز والتمثيل دون الإحصاء والاستقراء:

1-رشيق صاحب المادراي.

2-عثمان بن سعيد العمري، أول السفراء الأربعة.

3- محمد بن عثمان العمري، ثاني السفراء الأربعة.

4-الحسين بن روح،ثالث السفراء الأربعةمنها

ص: 369


1- کمال الدين:434

5-علي بن محمد السمري،السفير الرابع والأخير.

6-أبو جعفر أحمد بن الحسين بن عبدالملك الأزدي أو الأودي. 7-أحمد بن عبدالله الهاشمي من ولد العباس.

8-أبو نعيم محمد بن أحمد الأنصاري.

9- علي بن إبراهيم بن مهزیار.

10-محمد بن إسماعيل بن موسی بن جعفر علیه السلام.

11-أبي علي أحمد بن محمد بن مطهر.

12-محمد بن الحسن بن عبدالله التميمي-الزيدي-

13-الزهري.

14-أبو سهل إسماعيل بن علي النوبختي.(1)

15-يوسف بن أحمد الجعفري.

16-أحمد بن عبدالله الهاشمي.

17-إبراهيم بن عبدة النيسابوري.

18-إبراهيم بن إدريس.

19-حاجز-من وكلاء الإمام علیه السلام-

20-العاصمي وكيله في الكوفة

ص: 370


1- 1من (1- 14)الغيبة / الطوسي: 248 - 272.

21-محمد بن إبراهيم بن مهزیار-وكيله في الأهواز- 22-أحمد بن إسحاق -وكيله في قم-

23-محمد بن صالح-وکيله في همدان-

24-البسامي- وكيله في الري- 25-القاسم بن العلاء-وكيله في آذربيجان-

26-محمد بن شاذان -وکيله في نيسابور.

27-أبو القاسم بن أبي حابس –من بغداد-

28-أبو عبدالله الكندي-من بغداد-

29-أبو عبدالله الجنيدي-من بغداد-

30-هارون القزاز - من بغداد 31-النيلي-من بغداد-

32-أبوالقاسم بن دبیس-من بغداد-

33-أبوعبدالله بن فروخ-من بغداد-

34-مسرور الطباخ-مولى أبي الحسن علا

35-أحمد ومحمد ابنا الحسن وإسحاق الكاتب - من بني نوبخت.

36-صاحب الفراء - من بغداد

37-صاحب الصرة المختومة من بغداد–

38-محمد بن کشمرد-من همدان

ص: 371

39-جعفر بن حمدان-من همدان-

40-محمد بن هارون بن عمران - من همدان-

41- محمد بن هارون بن عمران -من الدينور-

42-أحمد بن أخيه وأبو الحسن - من الدينور-

43-ابن باداشاكة-من اصفهان

44-الحسن بن نضر-من قم-.

45- محمد بن محمد-من قم-.

46- علي بن محمد بن إسحاق - من قم-.

47- محمد بن إسحاق-من قم-

48- الحسن بن يعقوب-من قم-

49-القاسم بن موسی وابنه - من الری-.

50-أبو محمد بن هارون - من الري-

51- صاحب الحصاة -من الري-52-علي بن محمد-من الري. (1) وقد عد مولانا العلامة صاحب البحار طيب الله ثراه عددا كبيرا من هؤلاء في بحاره بأسمائهم وذكر مدتهم،فشكر الله سعيه وعليه

ص: 372


1- من(15-52) بحارالأنوار:52/5-32

أجره)(1)،وأورد قصص جملة منهم ،وفيهم من ادعى الرؤية أو المشاهدة أو الرؤيا المنامیة في زمن الغيبة الكبرى،وسيأتي الحديث عنها في الصفحات الآتية لدى الحديث عن حال الرؤية والمشاهدة،وحكم مدعيها في عصر الغيبة الكبرى إن شاء الله تعالى.

ص: 373


1- راجع بحار الأنوار: 52/32-31

ص: 374

الدرس الثامن و العشرون: اللقاءبالإمام المنتظر عجل الله تعالی فرجه_3

بسم الله الرحمن الرحیم

3-لقاؤه علیه السلام فی الغيبة الكبرى

لقد بذل الشيعة اهتماما خاصا بموضوع الإمكان الوقوعي الرؤية الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه، وشرف اللقاء به في عصر الغيبة الكبرى، وألفوا في ذلك كتبا استدلالية تبحث الإمكان وعدمه،فهل الرؤية ممكنة في هذا العصر أم لا؟وعلى فرض الإمكان فما حدود الرؤية الممكنة؟هل ممكنة لكل أحد أم للخواص والأوحدي من الشيعة؟وهل هي مختصة بظروف طارئة أم لا؟وهل يعرفه الرائي عند اللقاء أم لا يعرفه؟وهل يمكن أخذ معالم الدين والأحكام الشرعية عنهاوهل تطرح عليه الشبهات فيجيب عنها؟فما الذي نطقت به الأحاديث والأخبار في هذا الخصوص؟

ص: 375

وماذا قال علاء الطائفة في ذلك؟

وقع الخلاف في أصل الرؤية وإمكان اللقاء بالإمام علیه السلام في هذا العصر أعني عصر الغيبة الكبرى - بين أعلام الطائفة،فمنهم من قال بالإمكان،ومنهم من نفي ذلك من الأساس ، ثم إنهم اختلفوا في معنى الرؤية والمراد منها؟والذي يبدو لي-والعلم عند الله تعالى-أن اختلافهم في إمكان الرؤية وعدمه نابع من اختلافهم في معنى الرؤية وما يراد منها،فالنزا- كما يبدو-لفظي أكثر من كونه حقيقيا معنويا،ولهذا لزم أن نبحث أمرين:

أولا:معنى الرؤية،وما يترتب عليها من أقسام اللقاء والحضور والشهود التي هي من مراتبها.

ثانيا:نستعرض أدلة المثبتين للرؤية والنافين لها،لنقف على حقيقة هذا الأمر، ونكشف عن الإجابة على تلك الأسئلة التي لا زالت تشغل حيزا من بال أبناء الطائفة صغيرهم وكبيرهم، وشريحة واسعة من أهل العلم وعلماء الطائفة،رغم كثرة التأليف والتصنيف والتحقيق في هذا الباب.

فنقول من باب المقدمة:

أولا:الرؤية،وهي أعم من الرؤية مع المعرفة،والرؤية من غير معرفة به؛إذ الرؤية تطلق على ما رآه الإنسان بعينه مطلقا،

ص: 376

سواء كانت مقرونة بالمعرفة أي بمعرفة المرئي بشخصه وعينه وتميیزه عمن سواه بوجوه الامتياز-أو كانت خالية من المعرفة،أي لم يعرفه بعينه وشخصه.

وبعبارةٱخرى:الرؤية هي الإبصار أعم من كونها مع المعرفة الحالية أو المتأخرة،أو عدم المعرفة بالمبصر المرني أصلا،لافي الحال ولا في المستقبل.

بيان ذلك:أن المرء قد ينال شرف رؤية الإمام الغائب علیه السلام وهو لا يعرفه حينئيذ،بل يجهله ساعة رؤيته له علیه السلام،وهو ربما عرفه بعد ذلك،أي بعد ما غاب عنه وفارقه وغادر ذلك المكان؛لظهور قرائن قطعية دالة على أنه الإمام صاحب الأمر صلوات الله عليه،أو لشواهد و قرائن باعثة على الاطمئنان.

وقد يبقی جاهلا به طيلة حياته ،ويظل في جهله لا يعرفه دهرا بل دهورا.

وربما حالفه الحظ،وشمله التوفيق فنال شرف العلم، وحاز على مرتبة المعرفة بأنه هو الإمام أرواحنا فداه.

فالرؤية هي الإبصار مطلقا بغض النظر عن المعرفة وعدم المعرفة،وهي:

1-إما خالية من المعرفة أصلا، سواء المعرفة الحالية أو المستقبلية.

ص: 377

المتأخرة عن زمن الرؤية.

2-وإما ملحوقة بمعرفة بالمرئي والمبصر بعد ذهابه وغيابه ومغادرته المكان، وهي تسمى المعرفة اللاحقة أو المتأخرة.

3-وإما أن تكون مصحوبة بالعلم والمعرفة،فيكون الرائي حال رؤيته عارفا بالمرئي معرفة عينية خالية من كل شائبة،وتسمی المعرفة الحالية أو المتصلة أو المتزامنة،وتسمى هذه الرؤية بالمشاهدة.وهذاالنوع من الرؤية-أعني المشاهدة- على قسمين ووجهين أيضا:

أ_المشاهدة الخالية من المحادثة.

ب_المشاهدة التي ترافقها المحادثة والحوار والسؤال والجواب.

وهذا الأخير:

-إما مع الصحبة لساعات أو يوم أو أيام.

وإما من غير صحبة كذلك.

2-فالمشاهدة التي هي من أقسام الرؤية،لكنها الرؤية الخاصة،عبارة عن المعاينة مع الحضور الحقيقي الجسماني-والمعرفة العينية،بحيث يعرف المرئي بشخصه،ويميزه عمن سواه.

قال صاحب اللمعة البيضاء بیان:«الشهادة تجيء بمعنى الحضوروالمعاينة،يقال: شهده

ص: 378

متعديا بنفسه،أي حضره وعاينه،ومنه الشاهد يرى ما لا يراه الغائب،و« شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ ».(1)

وقال في البصائر -والكلام للمرحوم التبريزي الأنصاري -:«الشهود والشهادة حضور مع المعاينة والمشاهدة، سواء كان بالبصر أو البصيرة ،والثاني يرجع إلى معنى العلم،قال:والأولى أن يستعمل في الحضور المجد -الشهود- وفي الحضور مع المشاهدة- الشهادة - وإن الشهادة قد تطلق على القول الصادر من العلم الحاصل بالبصر أو البصيرة...إلى أن قال: ومنه المشاهدة بمعنى المعاينة،وهو أعم من الحضور لجواز الاطلاع من بعد بدون صفة الحضور...الخ» (2)

وقال الراغب الأصفهاني: «الشهود والشهادة،الحضور مع المشاهدة،إما بالبصر أو بالبصيرة،لكن الشهود بالحضور المجردأولى، والشهادة مع المشاهدة أولى ،ويقال للمحضر:مشهد».(3)

وقيل:المشاهدة:جمع مشهدي، وهو المنسوب إلى المشهد، وهو مفعل من الشهود،أي الحضور،فمعناه محضر الناس،ومشاهد مكة:

ص: 379


1- سورة البقرة:185.
2- اللمعة البيضاء:366
3- مفردات الراغب:267.

المواطن التي يحضرها الناس.(1)

وقال الفراهيدي رحمه الله:

«الشهد:العسل ما لم يعصير من شمعة،شهاد،والواحدة:شهدة وشهدة(2)

وقال الجوهري:«والمشاهدة: المعاينة،وشهده شهودا،أي: حضره،فهو شاهد،وقوم شهود، أي حضور،وهو في الأصل مصدر ...»(3)

وقال ابن منظور في لسان العرب:«والمشاهدة: المعاينة،وشهده شهودا،أي: حضره،فهو شاهد...الخ» (4)

ومن يدعي مشاهدة صاحب الأمر أرواحنا له الفداء،فهو يدعي رؤيته العينية مع العلم به ومعرفة شخصه علیه السلام،وقد يزيد عليها ادعاء المحادثة والمحاورة والمجالسة،قليلاأو كثيرا،وطويلا أو قصيرا.

وهذا القسم الأخير أعلى مراتب التوفيق،وأعظم درجات المعرفة والنعيم،حيث لا يناله إلا ذو حظ عظيم من الخواص،

ص: 380


1- حاشية شرح الشافية: 2/186
2- کتاب العيين: 3/397.
3- الصحاح: 2/294.
4- لسان العرب: 3/239

بل أخص الخواص.

3-الرؤيا المنامية:وهي ليست من الرؤية العينية؛ لأنها عبارة عن رؤية الشيء أو الشخص في المنام لا في اليقظة.

4-الكشف والشهود:وهو عبارة عن حصول العلم والمعرفة بوجود الإمام عليه السلام وحياته عن طريق السير والسلوك،وتهذیب النفس، والرياضات النفسانية، والمكاشفات،والاشراقات الروحانية،كأن يدرك أهل الكشف والشهود والعارفون الصادقون بما لهم من قوى إشراقية مدركة لحقائق العوالم العلوية والسفلية والأكوان والطبيعة وما وراء الطبيعة أنه لا بد من وجود هذا الإمام،ولا بد من حياته،ويعرفونه بعينه،وقد يزعمون رؤيته بالعين المجردة أيضا عن طريق المكاشفة الحضورية، والارتباط به علیه السلام كذلك.

فهذه أربعة أنواع أساسية من وجوه وطرق اللقاء والرؤية والتشرف بمحضر مولانا صاحب الأمر وقطب دائرة الإمكان صلوات الله وسلامه عليه.والكلام في مبحثنا هذا عن الرؤية بمعنى المشاهدة،والمشاهدةبجميع أقسامها ووجوهها لأنها موضع الشاهد والابتلاء ،وقد وقع النزاع في إمكان المشاهدة في عصر الغيبة الكبرى بين مثبت وناف،فيقع الكلام فيها،وفي المسألة قولان:

الأول:عدم إمكانها الوقوعي قطعا ومطلقا،أي لا تمكن المشاهدة

ص: 381

الأحد قبل الظهور،وهو امتناع وقوعي واستحالة وقوعية.

الثاني:إمكانها،واختصاصها بالأولياء،وأخص الخواص،والأوحدي من التاس.

وأما الكلام في القسم الأول ،وهوالرؤية مع الجهل المطلق،والقسم الثاني من الرؤية،وهو الرؤية مع المعرفة المتأخرة فخارج عن محل الابتلاء بالتخصیص؛لعدم ترتب أثر على الرؤية مع الجهل المطلق به علیه السلام.

كما أن الكلام في القسمين الأخيرين،أعني الرؤية المنامة،والرؤية الكشفية الشهودية خارجان عن موضع البحث بالتخصص،لتأكيد النصوص على ضرورة وقوع الرؤية الخالية من المعرفة ،وهو ما لا نقاش فيه ولا جدال ، وقد سقنا إليك جملة من هذه النصوص في مطاوي المباحث السابقة في الحلقة الٱولى وهذه الحلقة؛ولأن الأدلة والنصوص إنما منعت وقوع المشاهدة،ولم تمنع إمكان وقوع الرؤية مع المعرفة اللاحقة،ولا وجه لرد مثل هذه الدعاوی إن كانت تستند إلى شواهد و دلائل و قرائن قطعية،و تتبعث من کرامات ومعجزات،و تعتمد عليها،تورث العلم واليقين ،أو على الأقل ظئية تفيد وتبعث على الاطمئنان.

وقد أورد الشيخ الطوسي- شيخ الطائفة-أعلى الله مقامه هذا

ص: 382

القسم،وذكر جملة من الأحداث والقصص الحقة التي وقعت في عصره وقبل زمانه،الدالة على وقوع الرؤية عن جهل بشخصه علیه السلام،ثم معرفته بعدغيابه علیه السلام عن الأنظار،وخص بابا من أبواب کتاب الغيبة من رأوه ثم عرفوه(1)).وسنوردها شواهد في محلها إن شاء الله تعالى.

كما أن الرؤية المنامية والكشفية ممكنة لأهلها، وهما غير ممتنعتين،ونحن وإن كنا نحترم المنامات الصادقة لكثرة ما تترتب عليها من آثار عملية أو علمية،ولكثرة ما فيها من بركات وفوائد جسام تنفع للهداية والإرشاد،وتساعد على الاستبصار،ولأنها جزء من سبعين جزءا أو من أربعين جزءا من الوحي والنبوة، وكذلك لسنا ننكر المكاشفة الحقيقية الحقة ولا نستنكر على أهلها الصادقين المستحقين لها دعاويهم،بل نحترم أقوالهم ونعظم شأنهم بعد اطمئناننا إلى وثاقتهم وعدالتهم وصحة أقوالهم،والحاصل بعد علمنا بأحوالهم وصلاح بواطنهم وخفاياهم،من غير اکتفاء بحسن ظواهرهم؛لأن الكشف والإشراق والشهود والعرفان والرؤى المنامة أثواب فضفاضة قد يستغلها الكثيرون من المحتالين إن لم تخضع لأصول ثابتة،وقواعد

ص: 383


1- الغيبة/الطوسي: 253.

حتمية،وٱسس راسخة من البرهان، وصلاح واقع الحال، و ثبوت الصدق والأمانة في المقال،لكنهما خارجان عما نحن فيه موضوعا و تخصصأ؛ لعدم العبرة بها شرعا،وعدم حجيتهما.

كما أن أعلامنا المتقدمين، كالشيخ الصدوق والشيخ المفيد والنعماني وشیخ الطائفة الطوسي،وهكذا من المتأخرين،كالعلامة النوري والعلامة المجلسي أعلى الله مقاماتهم،وطيب ثراهم، أوردوا في مجامعهم الروائية جملة من أسماء من نالوا شرف رؤية الإمام،وذكروا جملة من الأحداث والأخبار والقصص الحقة التي وقعت في عصر الغيبة الكبرى الدالة على إمكان وقوع الرؤية مع الجهل بشخص الإمام علیه السلام في الحال ،والمعرفة المتأخرة الحاصلة بعد غيابه عن الأنظار،وخصوا لذلك بابا أو فصلا من أبواب كتبهم أو فصولها،وهذا القسم تقدم منا أنه خارج بالتخصيص إذ لم يقل أحد باستحالته، ووقوعه في غاية الإمكان،إن كانت خاضعة لقواعد الرواية والاخبار من توثيق الراوي والرائي أو عدالتها، وعدم شمول الحكاية على ما ينافي ضرورة من ضرورات المذهب أو الدين أو حکما شرعيا أو عقليا أو عقلائيا أمضاه الشارع المقدس أو مخالفا لقواعد الأخلاق والقوانين والآداب وأمثال ذلك، ولا تشتمل على مفسدة اجتماعية أو أخلاقية وغير ذلك،نذكر بعضا منها على سبيل المثال:

ص: 384

1-حكاية أمير إسحاق الاسترابادي.(1)

2- حكاية رجل من أهل کاشان.(2)

3- حكاية أبي نعيم محمد بن أحمد الأنصاري ومحمد بن القاسم العلوي(3)

4-محمد بن الحسن بن عبدالله التميمي عن أبيه،فالحكاية للحسن بن عبدالله التميمي. (4)

هذه بعض الأمثلة التي اكتفينا بسردها هنا رعاية للاختصار، وشاهدا على الدعوى،ولهذا قال شيخ الطائفة:«وأما ما روي من الأخبار المتضمنة لمن رآه علیه السلام وهو لا يعرفه ، أو عرفه فيما بعد،فأكثر من أن تحصى...»(5)

أماأدلة النانين:

وقد شرعنا في البحث هنا بذكر أدلة النافين.

ص: 385


1- بحار الأنوار:52/175
2- بحار الأنوار:52/176.
3- بحارالأنوار:52/6
4- بحارالأنوار:52/14.
5- الغيبة/ الطوسي: 253.

ذهب جمع غفير من الأعلام والمحققين إلى امتناع الاتصال بالإمام الحجة صلوات الله عليه مطلقا،لا بطريق الرؤية ولا اللقاء ولا الحضور ولا المشاهدة،وقالوا بوجوب تکذیب مدعي ذلك مطلقة،أيا كان وبأي نحو يكون،وهم:

1-محمد بن إبراهيم النعماني طيب الله ثراه،من علماء القرن الرابع الهجري ومؤلف كتاب الغيبة(1).

قال رحمه الله- بعد أن ساق جملة من روايات الغيبة:«هذه الروايات التي قد جاءت متواترة تشهد بصحة الغيبة وباختفاء العلم،والمراد بالعلم الحجة للعالم،وهي مشتملة على أمر الأئمة علیهم السلام للشيعة بأن يكونوا فيها على ما كانوا عليه،لا يزولون ولا ينتقلون،بل يثبتون ولا يتحولون،ويكونون متوقعين لما وعدوا به ، وهم معذورون في أن لا يعرفوه بعينه واسمه ونسبه، ومحظور عليهم الفحص والكشف عن صاحب الغيبة والمطالبة باسمه أو موضعه أو غيابه أو الإشادة بذكره، فضلا عن المطالبة بمعاينته، وقال لنا:«إياكم والتنويه، وكونوا على ما أنتم عليه، وإياكم والشك ، فأهل الجهل الذين لا علم لهم بما أتى عن الصادقين علیهم السلام من هذه الروايات الواردة للغيبة وصاحبها

ص: 386


1- الغيبة / النعماني: 160.

يطالبون بالإرشاد إلى شخصه والدلالة على موضعه ، يقترحون إظهاره لهم،وينكرون غيبته ؛لأنهم بمعزل عن العلم.

وأهل المعرفة مسلمون لما أمروا به،ممتثلون له، صابرون على ما ندبوا إلى الصبر عليه.وقد أوقفهم العلم والفقه مواقف الرضا عن الله ، والتصديق لأولياء الله،والامتثال لأمرهم،والانتهاء عم نهوا عنه،حذرون ما حذر الله في كتابه من مخالفة رسول الله صلی الله علیه و آله و سلم والأئمة الذين هم في وجوب الطاعة بمنزلته لقوله:« فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»(1)،ولقوله:« وَأَطِیعُواْ اللَّهَ وَأَطِیعُواْ الرَّسُوَل وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّیْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَغُ الْمُبِینُ«(2)

وفي قوله في الحديث الرابع من هذا الفصل - حديث عبدالله بن سنان:«كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدئ، ولا علمأ يرى »،دلالة على ما جرى،وشهادة بما حدث من أمر السفراء الذين كانوا بين الإمام علیه السلام وبين الشيعة من ارتفاع أعيانهم،وانقطاع نظامهم؛لأن السفير بين الإمام حال غیبته وبين شيعته

ص: 387


1- سورة النور:الآية 63.
2- سورة المائدة:الآية:92.

هو العلم،فلا تمت المحنة على الخلق ارتفعت الأعلام،ولا ترى حتى يظهر صاحب الحق علیه السلام،ووقعت الحيرة التي ذكرت ...الخ) (1).

2-الفيض الكاشاني قدس الله روحه في كتابه الوافي (2).

3-الشيخ الأكبر كاشف الغطاء طيب الله ثراه،في رسالة الحق المبين.(3)

4-الشيخ المفيد أعلى الله مقامه الشريف الذي خص ذلك كله بخدام الإمام علیه السلام (4)قال الشيخ المفيد قدس الله روحه:

«فأما بعد انقراض من سميناه من أصحاب أبيه وأصحابه علیهما السلام، فقد كانت الأخبار عمن تقدم من أئمة آل محمد علیهم السلام متناصرة بأنه:لابد للقائم المنتظر من غيبتين،إحداهما أطول من الٱخرى،يعرف خبره الخاص في القصوى،ولا يعرف العام له مستقرا في الطولى،إلا من تولى خدمته من ثقاة أوليائه ،ولم ينقطع عنه إلى الاشتغال بغيره»(5)

ص: 388


1- الغيبة/النعمانی:160
2- الوافي: 2/ 416.414
3- الحق المبين: 87.
4- المسائل العشرة في الغيبة: 92.الرسالة الٱولى في الغيبة:12
5- الفصول العشرة: 82.

وقد استدلوا بروايات كثيرة دالة على هذا المعنى نستعرضهاجميعا،وهي على أربعة أصناف:

1-التواقيع،كتوقيعه علیه السلام لعلي بن محمد السمري رضوان الله عليه.

2-الروايات الدالة على عدم معرفة الناس به علیه السلام وخفائه عليهم.

3-الروايات الدالة على عدم رؤية الناس له علیه السلام في موسم

الحج وعدم ظهوره لهم،أو عدم معرفتهم له وهم يرونه.

4-الروايات الدالة على امتحان الشيعة واختبارهم وغربلتهم في زمن الغيبة

ص: 389

ص: 390

الدرس الثلاثون: اللقاءبالإمام المنتظر عجل الله تعالی فرجه-4

بسم الله الرحمن الرحیم

1-التوقيع الشریف

أهم الأدلة القائمة على نفي المشاهدة في الغيبة الكبرى وأبرزها وأصحها سندا هو التوقيع الذي خرج من الناحية المقدسة على السفير الرابع من النواب الأربعة وهو علي بن محمد السمري رضي الله تعالى عنه.وقد رواه أكثر علمائنا في كتبهم الروائية كالشيخ الصدوق (1)،وشيخ الطائفة الطوسي(2)،وأمين الإسلام الطبرسي (3) ،والسيد

ص: 391


1- کمال الدین:516
2- الغیبة/الطوسی:395
3- إعلام آلوری بأعلام الهدی:417.الاحتجاج:2/478.

ابن طاووس (1)،والأربلی(2)،،والعلامة المجلسي(3)53والفيض الكاشاني(4)،والقطب الراوندی (5)،والحر العاملي (6)،أبو منصور الطبرسي(7) ،وغيرهم،وجميعهم نقل الرواية عن الشيخ الصدوق في كمال الدين.وهذا نص ما أورده الشيخ أعلى الله مقامه: حدثني أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب.

«بسم الله الرحمن الرحيم

يا علي بن محمد السمري... إلى قوله:فاجمع أمرك،ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك،فقد وقعت الغيبة التامة،فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره،وذلك بعد طول الأمد،وقسوة القلوب،وامتلاء الأرض جورا،وسيأتي من شيعتي من يدعي المشاهدة،ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني

ص: 392


1- مجمع الرجال/القهيائي:7/189،نقلا عن ربيع الشيعة/ابن طاووس.
2- کشف الغمة:3/320.
3- بحار الأنوار:51/361.مرآة العقول: 4/
4- نوادرالأخبار:233.
5- الخرائج والجرائح: 3/1128،الحديث 46.
6- إثبات الهداة: 3/693،الحديث 112.
7- الاحتجاج: 2/478.

والصيحة فهو كاذب مفتر... الخ»(1)

وفي غيبة الطوسي رحمه الله:« فهو كذاب مفتر»(2)

فيستفاد من هذا التوقيع ٱمور:

1-انقطاع السفارة والنيابة الخاصة بموت السمري.

2- تكذیب كل من يدعي السفارة والنيابة الخاصة بعد ذلك إلى ظهوره علیه السلام.ولهذا كان من دأب علماء الطائفة في تلك العصور تکذیب كل من ادعى السفارة حينذاك،فقد ذكر الشيخ الطوسي قدست روحه القدسية نقلا عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولویه رضی الله عنه و أنه قال في الرد على أبي بكر البغدادي حين ادعى السفارة:

«لأن عندنا أن كل من ادعى الأمر بعد السمري فهو كافرمنمس ضال مضل» (3)

وعليه،فالظاهر أن سائر ما ورد في تتمة التوقيع الشریف لايتعلق بأمرالسفارة والنيابة الخاصة؛ذلك أن ختم النيابة والسفارة

ص: 393


1- كمال الدين: 516،وقد أعرضنا عن نقله بكامله واكتفينا بإيراد الشاهد منه لأنا أوردناه مفصلا في الحلقة الأولى من هذه الحلقات،وعنداستعراضنا لتوقيعاته علیه السلام في هذه الحلقة.
2- الغيبة/الشيخ الطوسی:395.
3- الغيبة/الشيخ 412.بحار الأنوار:51/377

ثبت في صدر هذا التوقيع، أعني قوله علیه السلام:«ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك»،فلا علاقة لما سيأتي بأمر النيابة الخاصة،وهي ٱمور.

3-أن كل من ادعى أو يدعي المشاهدة قبل خروج السفياني

والصيحة السماوية فهو«كذاب مفتر»،وعليه فيجب تكذيبه .

4-أن المدعي أعم ممن كان يطمئن إلى صدق ادعائه،أو كان كاذبا في ما يتعيه،أو التبس عليه الأمر فتوهم ذلك حقا،فسواء كان محقا في دعواه بالأدلة والبراهين أو كان كاذبا أو متوهما وجب تكذيبه ورد دعواه إليه،بعدم الاكتراث إليه ولا ترتيب الأثر على مزاعمه وتقولاته.أو تصديقه في الصورة الٱولى وتكذيبه إذا ادعى المشاهدة من غير دلیل ساطع وبرهان قاطع.

نقاش في التوقيع الشریف

لعل أول من أشكل على هذا التوقيع الشريف وطعن فيه دلالة وسندة هو المحلات النوري خاتمة المحدثين طيب الله ثراه، وتبعه في ذلك جميع غفير ممن عاصروه أو تخلفوا وتأخروا عنه،قال رحمه الله في كتابه جنة المأوى :

«إنه خبر واحد مرسل،غير موجب علما، فلا يعارض تلك الوقائع والقصص التي يحصل القطع عن مجموعها،بل ومن بعضها

ص: 394

المتضمن لكرامات ومفاخر لا يمكن صدورها من غيره علیه السلام، فكيف يجوز الإعراض عنها لوجود خبر ضعیف لم يعمل به ناقله وهو الشيخ في الكتاب المذكور كما يأتي كلامه فيه،فكيف بغيره، والعلماء الأعلام تلقوها بالقبول وذكروها في زبرهم وتصانيفهم معولين عليها معتنين بها(1)

وقد أعادها بتفصيل أكبر في كتابه النجم الثاقب(2)

وقال رحمه الله في موضع آخر بعد أن أورد تسعا وخمسين حكاية،ثم ساق التوقيع الشريف في الفائدة الٱولى من أصل فائدتين مهمتين:«وهذا الخبر بظاهره ينافي الحكايات السابقة وغيرها مما هو مذكور في البحار،والجواب عنه من وجوه:

الأول:أنه خبر واحد مرسل غير موجب علما، فلا يعارض تلك الوقائع والقصص التي يحصل القطع عن مجموعها ، بل وبعضها المتضمن لكرامات ومفاخر لايمكن صدورها من غيره علیه السلام،فكيف يجوز الإعراض عنها لوجود خبر ضعیف لم يعمل به ناقله،وهو الشيخ في الكتاب المذكور،كما يأتي كلامه فيه،فكيف بغيره؟

ص: 395


1- جنة المأوى المطبوع في بحار الأنوار:53/318
2- النجم الثاقب: 484. بحار الأنوار:53/325-318.

والعلماء الأعلام تلقوها بالقبول-أي هذه القصص والحكايات - وذكروها في زبرهم وتصانيفهم معولين عليها،معتنين بها.

الثاني:ما ذكره في البحار بعدذكر الخبر المزبور ما لفظه:لعله محمول على من يدعي المشاهدة مع النيابة، وإيصال الأخبار من جانبه إلى الشيعة على مثال السفراء...

الثالث:ما يظهر من قصة الجزيرة الخضراء،قال الشيخ الفاضل علي بن فاضل المازندراني:فقلت للسيد شمس الدین محمد،وهوالعقب السادس من أولاده علیه السلام:يا سيدي ، قد روينا عن مشايخنا أحاديث رويت عن صاحب الأمر علیه السلام عنه أنه قال لما أمر بالغيبة الكبرى:«من رآني بعد غيبتي فقد كذب»، فكيف فيكم من يراه؟!فقال: صدقت إنه علیه السلام إنما قال ذلك في ذلك الزمان لكثرة أعدائه من أهل بیته،وغيرهم من فراعنة بني العباس، حتى أن الشيعة يمنع بعضها بعضا عن التحدث بذكره، وفي هذا الزمان تطاولت المدة وأيس منه الأعداء،وبلادنا نائية عنهم وعن ظلمهم وعنائهم.

وعلق على ذلك قائلا:«وهذا الوجه كما ترى يجري في كثير

من بلاد أوليائه علیهم السلام ».

الرابع:ما ذكره العلامة السيد بحر العلوم الطباطبائي أعلى الله مقامه في رجاله في ترجمة الشيخ المفيد بعد ذكر التوقيعات المشهورة

ص: 396

الصادرة منه علیه السلام في حقه ما لفظه:«وقد يشكل أمر هذاالتوقيع بوقوعه في الغيبة الكبرى،مع جهالة المبلغ ودعواه المشاهدة المنافية بعد الغيبة الصغرى ،ويمكن دفعه باحتمال حصول العلم بمقتضى القرائن، واشتمال التوقيع على الملاحم ،والإخبار عن الغيب الذي لا يطلع عليه إلا الله وأولياؤه، بإظهاره لهم ، وأن المشاهدة المنفية أن يشاهد الإمام علیه السلام ويعلم أنه الحجة علیه السلام حال مشاهدته له ،ولم يعلم من المبلغ ادعاؤه لذلك.

وقال رحمه الله في فوائده - في مسألة الإجماع بعد اشتراط دخول كل من لا نعرفه-:«وربما يحصل لبعض حفظة الأسرار من العلماء الأبرار العلم بقول الإمام علیه السلام بعينه على وجه لا ينافي امتناع الرؤية في مدة الغيبة،فلا يسعه التصريح بنسبة القول إليه لا فيبرزه في صورة الإجماع،جمعا بين الأمر بإظهار الحق والنهي عن إذاعة مثله بقول مطلق»،انتهى.

قال:ويمكن أن يكون نظره في هذا الكلام إلى الوجه الآتي.

الخامس: ما ذكره رحمه الله فيه أيضا بقوله:«وقد يمنع أيضا امتناعه في شأن الخواص وإن اقتضاه ظاهر النصوص بشهادة الاعتبار،ودلالة بعض الآثار.

وعلق عليه بقوله:«ولعل مراده بالآثار،الوقائع المذكورة هنا

ص: 397

وفي البحار،أو خصوص ما رواه الكليني في الكافي والنعماني في غيبته والشيخ في غيبته بأسانيدهم المعتبرة عن أبي عبدالله علیه السلام أنه قال:

«لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة،ولا بد له في غيبته من عزلة،وما بثلاثين من وحشة(1).

ثم قال:«وظاهر الخبر کماصرح به شراح غيبة الطوسي:أنه علیه السلام يستأنس بثلاثين من أوليائه في غيبته،وقيل:إن المراد أنه على هيئة من سنة ثلاثون أبدا،وما في هذاالسن وحشة،وهذاالمعني بمكان من البعد والغرابة.

وهذه الثلاثون الذين يستأنس بهم الإمام علیه السلام في غيبته لابد أن يتبادلوا في كل قرين إذ لم يقدر لهم من العمر ما قدر لسيدهم علیه السلام،ففي كل عصر يوجد ثلاثون مؤمنا وليا يتشرفون بلقائه.

واستمر قائلا:

وفي خبر علي بن إبراهيم بن مهزيار الأهوازي المروي في إكمال الدين وغيبة الشيخ ومسند فاطمة علیهما السلام لأبي جعفر محمد بن جریر الطبري،وفي لفظ الأخير:أنه قال له الفتى الذي لقيه عند باب

ص: 398


1- الكافي:1/340.الغيبة/النعماني:99.الغيبة/ الطوسي:111. بحار الأنوار:52/153-157.

الكعبة وأوصله إلى الإمام علیه السلام:ما الذي تريد يا أبا الحسن؟ قال:الإمام المحجوب عن العالم ،قال:ما هو محجوب عنكم ولكن حجبه سوء أعمالكم»(1)

قال رحمه الله:وفيه إشارة إلى أن من ليس له عمل سوء فلاشيء يحجبه عن إمامه علیه السلام،وهو من الأوتاد أو من الأبدال،في الكلام المتقدم عن الكفعمي رحمه الله.

وقال المحقق الكاظمي في أقسام الإجماع الذي استخرجه من مطاوي كلمات العلماءو فحاوی عباراتهم،غير الإجماع المصطلح المعروف:وثالثها- أن يحصل لأحد من سفراء الإمام الغائب عجل الله فرجه،وصلى الله عليه،العلم بقوله إما بنقل مثله له سرا،أو بتوقيع أو مکاتبة،أو بالسماع منه شفاها،على وجه لا ينافي امتناع الرؤية في زمن الغيبة ،ويحصل ذلك لبعض حملة أسرارهم،ولا يمكنهم التصريح بمااطلع عليه،والإعلان بنسبة القول إليه،والاتكال في إبراز المدعى على غير الإجماع من الأدلة الشرعية لفقدها.

وحينئذ فيجوز له إذا لم يكن مأمورا بالإخفاء،أو كان مأمورا بالإظهار لا على وجه الإفشاء أن يبرزه لغيره في مقام الاحتجاج

ص: 399


1- بحار الأنوار:52/9و32.

بصورة الإجماع خوفا من الضياع وجمعا بين امتثال الأمر بإظهار الحق بقدر الإمكان، وامتثال النهي عن إذاعة مثله لغير أهله من أبناء الزمان ، ولا ريب في كونه حجة،أما لنفسه فلعلمه بقول الإمام علیه السلام،وأما لغيره فلکشفه عن قول الإمام علیه السلام أيضا...الخ.

السادس:أن يكون المخفي على الأنام والمحجوب عنهم مكانه علیه السلام ومستقره الذي يقيم فيه ، فلا يصل إليه أحد، ولا يعرفه غيره حتى ولده،فلا ينافي لقاءه ومشاهدته في الأماكن والمقامات التي قد مر ذكر بعضها،وظهوره عندالمضطر المستغيث به الملتجئ إليه الذي انقطعت عنه الأسباب،وٱغلقت دونه الأبواب ...الخ.

ثم استشهد برواية المفضل بن عمر،قال:«سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول:إن لصاحب هذاالأمر غيبتين...»إلى قوله علیه السلام:«لا يطلع على موضعه أحد من ولده،ولا غيره إلا الذي يلي أمره»(1).

ورواية إسحاق بن عمار ، قال أبو عبدالله علیه السلام:«للقائم غیبتان ،إحداهما قصيرة والٱخرى طويلة،الغيبة الٱولى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته،والٱخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاضة مواليه. (2)

ص: 400


1- الغيبة / الطوسي: 111.الغيبة / النعماني : 89. بحارالأنوار:52/153.الكافي :1/340.
2- الغيبة/النعماني: 89.

ثم قال رحمه الله تعالى:«وليس في تلك القصص ما يدل على أن أحدة لقيه علیه السلام في مقر سلطنته،ومحل إقامته،ثم لا يخفى على الجائس في خلال ديار الأخبار أنه علیه السلام ظهر في الغيبة الصغرى لغير خاضته ومواليه أيضا،فالذي انفرد به الخواص في الصغرى هو العلم بمستقره،وعض حوائجهم عليه علیه السلام فيه،فهو المنفي عنهم في الكبرى،فحالهم وحال غيرهم فيها كغير الخواصفي الصغرى ،والله العالم.

وهكذا تطرق لها صاحب منتخب الأثر على نحو آخر:(1)

والحاصل أنهم أوردوا على التوقيع الشريف إشكالات أربعه:

1-التوقيع خبر واحد لا يصح الاعتاد عليه.

2-خبر مرسل وضعيف لا يوجب علما.

3-الذي نقله وهو شيخ الطائفة الطوسي قدس الله نفسه لم يعمل به.

4-أعرض عنه الأصحاب؛لأنهم رووا ونقلوا أخبارا وقصصاو حکایات كثيرة عن الأخيار والصلحاء متن نالوا شرف لقائه علیه السلام.

ص: 401


1- منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر/آية الله الصافي الگلپایگاني:400.

الرد على المحدث النوري قدس سره وأتباعه:

ويرد على الإشكال الأول وهو الإشكال السندي أن التوقيع ليس مرسلا ولا ضعيفا،بل هو خبر واحد ينتهي إلى أبي محمد المكتب رضی الله عنه و مما ثبتت حجيته في مباحث الأصول، وأمكن الاستناد إليه، والاعتمادعليه،ولا معنى للخدش فيه،ولم يختلف علماء الٱصول-سیما المتأخرين ومتأخري المتأخرين إلى يومنا هذا- في حجيته، كما لم ينكر حجيته من المتقدمين سوى السيد المرتضی علم الهدی طیب الله ثراه،فهو حجة بلا أدنى شك ولا شبهة،ولعل المحدث النوري رحمه الله ظن أن الشيخ الطوسي قدس الله روحه قد تفرد بنقل التوقيع،ولهذا عده مرسلا ضعيفا أيضا.

والذي ثبت بالقطع واليقين أن التوقيع السالف الذكر مسند لیس بمرسل؛ذلك أن الشيخ الصدوق نور الله ضريحه قام بنقله عن سماع بالمباشرة عن الشيخ أبي محمد المكتب رحمه الله من غير إرسال،وأبو محمد هذا من مشايخ الصدوق عليه الرحمة،واستنسخه أبو محمد عن الأصل في دار السمري الذي خرج إليه التوقيع من الناحية المقدسة وكان هو المعني بها،فالصدوق رحمه الله نقله بواسطة واحدة لأنه لم يدرك السمري رضی الله عنه؛إذ كانت وفاة الشيخ الصدوق في العام 381 للهجرة بينما كانت وفاة السمري في عام 329 هجرية .

ص: 402

ولكن من هو أبو محمد المكتب مستنسخ هذا التوقيع وراويه؟

أورد القهيائي في خاتمة مجمع الرجال فوائد عدة، وقد ذكر في الفائدة الثانية، نقلا عن كتاب ربيع الشيعة للسيد ابن طاووس رحمه الله تعالى أسماء سفراء الإمام المهدي عجل الله فرجه ونوابه الأربعة،ثم عرج في الختام على التوقيع الشريف المروي عن أبي محمد الحسن بن أحمد المكتب مما يدل بوضوح تلقي ابن طاووس لذلك التوقيع بالقبول والاعتماد،وكتب في حاشية كتابه مجمع الرجال:

«الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب جاء في مشيخة

الفقيه».(1)

وذهب بذلك إلى احتمال كونه الحسين بن إبراهيم بن أحمد المكب بدلا من الحسن بن أحمد المكتب على ما في بعض المصادر،فهو من مشايخ الصدوق، وهو معتمد قطعا، وعليه فيكون التحقيق حول أبي محمد هذا على النحو التالي:

توهم بعضهم بناء على حاشية القهپائي أن الحسين بن إبراهيم هو جد أبي محمد المكتب ، حيث جعلوا التوقيع من مرويات أبي محمد

ص: 403


1- مجمع الرجال :7/190.

الحسن بن أحمد بن الحسن بن إبراهيم(1)،وهو ليس بشيء؛ذلك أن القهپائی رحمه الله احتمال کون الحسن بن أحمد هو الحسين بن إبراهيم الذي عد في مشيخة الفقيه من مشايخ الصدوق عليه الرحمة؛لاحتمال وقوع التصحيف والخطأ عند نقل التوقيع وتدوينه من قبل الكتاب ما أبدل الحسين حسنا.

غير أن المتأمل في كتب:الخصال،ومعاني الأخبار، وعيون الأخبار،و علل الشرائع ،وكمال الدين،وأمالي الصدوق ،ومشيخة الفقيه بعد الفحص والتدقيق يكاد يقطع بأن الحسن والحسين هنا شخص واحد ليسا متعددين،والحسين هو الحسن بعينه،وإنما حدث التصحيف بخطأ من الكتاب، وهذا ما نوافق فيه صاحب فوائد الرجال،بيد أنا نخالفه في زعمه تعدد المذكورين، فليس هناك شخصان أحدهما الحسن والآخر الحسين،بل شخص واحد کتب تارة هكذاوٱخرى هكذا.

دليل ذلك:

1-أن الشيخ الصدوق رحمه الله روي في كمال الدين عن أبي محمد الحسين بن إبراهيم بلا واسطة في موارد ثلاثة:

ص: 404


1- مجمع الرجال :2/507.

أولها:التوقيع الشريف. (1)

ثانيها:الحديث الذي رواه قبل التوقيع الشريف،وهو. (2)

«اللهم عرفنی نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك كم أغرف نبيك...»

وحينئذ يبدو التصحيف جليا" بتبديل لفظة الحسين حسنا في التوقيع الشريف الذي يتلو هذه الرواية .

ثالثها:التوقيع الآخر الذي صدر لأبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي الكوفي حيث ٱبدلت لفظة المكتب بالمؤدب ،وهو على ما يبدو لقبه الآخر الذي سيأتي في محله إن شاء الله تعالى،والتوقيع المزبور هو:

«49-...قالوا:حدثنا أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي ...إلى قولهم:عن أبي جعفر محمد بن عثمان في جواب مسائلي إلى صاحب الزمان علیه السلام:أما ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ...الخ»(3)

ص: 405


1- کمال الدین:516
2- کمال الدین:512.
3- کمال الدین:520

لايخفى على المتأمل في مرويات الشيخ الصدوق عن الحسين بن إبراهيم أن أكثرها مروي عن محمد بن أحمد الشيباني،وعلي بن أحمد بن محمد الدقاق،والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب،وعلي بن عبدالله الوراق رضی الله عنهم،بالإضافة إلى محمد بن أحمد السناني، وأحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ممتا يشعر بإقامتها مدينتي الري وقم المقدسة.

2-كما أن الشيخ الصدوق روى في علل الشرائع عن الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب في ثمانية مواضع، وأضاف إليه نسبة الرازي في موضعين(1)،ويشترك معه في النقل والرواية عادة كل من ذكرناهم سلفاعدي محمد بن أحمد الشيباني،وهم يروون عن ثلاثة:

1-علي بن إبراهيم بن هاشم (في أربعة مواضع)(2)

2-أبي العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان (في موضع واحد)(3)

3-محمد بن أبي عبدالله الأسدي الكوفي (في موارد ثلاثة)(4)

ص: 406


1- علل الشرائع:403،69
2- علل الشرائع:403،240،132،69.
3- علل الشرائع:175
4- علل الشرائع:405،131،68

وقد روى الصدوق عليه الرحمة تسعة أحاديث في الخصال بالترتیب ذاته عن أولئك الرواة،جاء في أحدها:«حدثنا علي بن إبراهيم سنة 307...» (1)،وفي بعضها عبر عنه بلفظ:«المكتب،»(2)وفي بعضها الآخر بلقب «المؤدب »(3)،وقد علق عليها في الحاشية أن كلا اللقبين «المكتب والمؤدب» يرجعان إلى شخص واحد والمراد منها واحد.

3-وفي معاني الأخبار روی عنهم في مواضع خمسة،ورد في أحد المواضع-طبقا للمطبوعة- باسم الحسن بن إبراهيم بن أحمد بن المؤدب(4)،وجاء في الثاني مكنى بأبي عبدالله، وذکر جد أبيه هاشما دون هشام المعروف(5)وفي ثلاثة موارد عنون بهشام المكتب(6)وفي موضعين جاء بعنوان «المؤدب »(7)

ص: 407


1- الخصال:451
2- الخصال:543-451-330-314.
3- الخصال:650-652-603-572-451.
4- الخصال:345
5- الخصال:387
6- الخصال:387-250-291.
7- الخصال:285-345

ص: 408

الدرس الحادي والثلاثون: اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه- 5

بسم الله الرحمن الرحیم

أما المرحوم المحقق والفقيه المدقق الإمام السيد أبو القاسم الخوئي أعلى الله مقامه الشريف فقد أشار إلى الموضع الذي ذكر فيه الحسن بن إبراهيم بن أحمد بن المؤدب ،على أنه من مشايخ الصدوق عليه الرحمة في معاني الأخبار (1)،ولم يتعرض لتصحيح السند ، ثم كتب في الصفحة التالية منه في ذيل الحسن بن إبراهيم بن هاشم

:«من مشايخ الصدوق قدس سره،ذكره الشيخ النوري قدس سره فی المستدرك،ولم نجده في كتبه».(2)

ص: 409


1- معجم رجال الحدیث:5/295.
2- معجم رجال الحدیث:5/260

وإن ذكر في بعض أحاديث معاني الأخبار باسم هاشم بدل هشام ،وهكذا في عيون أخبار الرضا علیه السلام،كما أسلفناه. لعل ما ذكرناه من الاختلاف في النسخ هو الذي أدخل الالتباس على المحدث النوري ليحسب الحسن بن إبراهيم بن هاشم من مشايخ الصدوق،وأوقعه في هذا الاشتباه إذ لم يرد لفظ أحمد أيضا في تلك النسخة،لا سيما إذا لاحظنا أن المحدث النوري طاب ثراه قد ارتكب خطأ فاحشا حين نقل في سند التوقيع بلفظ«المؤن»بدل «المؤدب)(1)

4-وروى الشيخ الصدوق رحمه الله سبعة عشر حديثا في عيون أخبار الرضاعلیه السلام،عن أبي محمد الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب بنفس تلك السلسلة من أصحابه ،وهم في العادة يروون عن علي بن إبراهيم،أو أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي الكوفي ،إلا في مورد واحد عن محمد بن يعقوب الكليني مع محمد بن موسى المتوكل،ومحمد بن محمد بن عصام الكليني،وعلي بن عبد الوراق،وعلي بن أحمد بن محمد بن عمر الدقاق حيث ذكر فيه بأبي محمد الحسن بن أحمد المؤدب(2)

ص: 410


1- مستدرك الوسائل:3/657
2- عیون أخبار الرضا علیه السلام:2/174.

وجاء في أحد هذه الموارد باسم الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هاشم االمكتب،وأما في سائر الموارد ذکر باسم هاشم المكتب(1) أو هشام المؤدب (2)وفي بعض الموارد باسم الحسين بن إبراهيم بن أحمد المؤدب (3)،وأخيرا في موضع واحد جرى ذكره باسم الحسين بن إبراهيم بن هشام المكتب،والحاصل أن الراوي في جميع هذه الموارد واحد ليس إلا،ولا عبرة بما وقع من الاختلاف والتصحيف في نقل اسم الراوي.

5-وروى عنه الصدوق رحمه الله ،أيضا في أحد عشر موضعا من الأمالي ، ففي ثلاثة موارد منه باسم الحسين بن إبراهيم (4)وفي مورد أضاف إليه المؤدب (5)،وفي مورد آخر باسم الحسين بن أحمد(6)

ص: 411


1- عیون أخبار الرضا علیه السلام:2/230
2- عیون أخبار الرضا: 2/ 24، 174، 214، 230، 237، 259،255، 262، 259، 263، 272.:1/72، 120، 141 ،192 ،277.
3- عیون أخبا. اارضا علیه السلام:1/141و2/24
4- عیون أخبار الرضا علیه السلام:2/ 259
5- أمالي الصدوق: 60، 68، 123.
6- أمالي الصدوق: 38.

المؤدب(1)،وفي سائر الموارد بإضافةأحمد بن هشام المؤدب. (2)

6-وجاء الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب في مشيخة الفقيه في طريق الصدوق إلى محمد بن سنان(3)، ومحمد بن جعفر الأسدي ، ومحمد بن إسماعيل(4)،وهكذا جاء في الطريق إلى محمد بن قاسم بن فضيل وريان بن الصلت وأبي ثمامة (5)باسم الحسين بن إبراهيم ، وعرفه الإمام الخوئي طيب الله ثراه بأنه ابن هشام المكتب ذاته(6)، كما روى عنه شيخ الطائفة الطوسي قدس سره في التهذيب في باب الزيارة الجامعة لسائر الشهداء ملقبا إياه بالكاتب عوضا عن المكتب،وسماه الحسين بن إبراهيم بن أحمد الكاتب.(7)

النتيجة:

بناء على ما تقدم لا يبقى سوى القول الفصل بأن راوي التوقيع

ص: 412


1- أمالي الصدوق: 243.
2- أمالي الصدوق: 409، 552، 583، 657، 670.
3- من لا يحضره الفقيه:4/422، مستدرك الوسائل: 3/ 660.
4- من لا يحضره الفقيه:4/476.مستدرك الوسائل:3/657.
5- من لا يحضره الفقيه: 4/91، 19، 132.
6- معجم رجال الحديث : 5/173.
7- تهذیب الأحکام: 6/95

الشريف هو أبو محمد الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب المؤدب الرازي.والمكتب يعني الخطاط ومعلم الكتابة ، وهو يناسب ادعائه استنساخ التوقيع في دار علي بن محمد السمري خاتم السفراء رضی الله عنه، كان معاصرا لعلي بن عبدالله الوراق،ومحمد بن أحمد السناني بمدينة الري الشهيرة يشتغلون جميعا بالكتابة والرواية عن مشايخ الشيعة(1)،والمؤدب أي مربي القرآن ومعلمه ، وقد اشتهر عنه أنه كان كاتبا خطاطأ، معلما للقرآن ، ومربيا للصبیان ، فكل هذه الألقاب والأوصاف تناسب الشخص المزبور.

فممن روى عنهم أبو محمد هذا:

1-أبو علي محمد بن همام،ببغداد.

2-محمد بن يعقوب الكليني.

3-أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي، بمدينة الري.

4-علي بن إبراهيم بن هاشم،بمدينة قم ،الذي روى عنهعام 307ه.

5- أحمد بن يحيى بن زكريا القطان.

ص: 413


1- أمالي الصدوق:15.

ثم إن أبا محمد الحسين بن إبراهيم(1)،كان بالري ملازما لأبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي المتوفی 312ه،وكان ممدوحا مقربا لدى السفراء،يبدو أنه رحل إلى بغداد أملا في لقاء الحجة صلوات الله عليه حيث نزل عند أحد أكابر الشيعة،وهو أبو علي محمد بن همام المتوقى 336ه الذي علمه دعاء كان هذا الأخير قد تعلمه من العمري رضی الله عنه_أحد سفراء الإمام علیه السلام - وهو:

««اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبیك.اللهم عرفنی نبیك فإنك إن لم تعرفني نبیك كم أعرف حجتك.اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفنی ضللت عن ديني...»(2)

ثم إنه ذهب للقاء السمري رضی الله عنه ولازمه حتى ورد التوقيع الشريف قبل وفاة السمري بستة أيام،ولما كان المترجم له _أعني الحسين المكتب - خطاطا وكاتبا ماهرا تواقا إلى نقل آثار أهل البيت علیهم السلام أخذ التوقيع الشريف واستنسخه من على الأصل حتى عاد بعد ذلك.

ص: 414


1- الغيبة/الشيخ الطوسي:417.
2- کمال الدین:512

إلى الري ورواه للشيخ الصدوق،ورواه الصدوق عنه،وإن لم يسلم ذلك التوقيع من تصحيف الكتاب وخطأ المصنفین بعد ذلك .

وهذا ابن حجر العسقلاني قد ذكره باسم الحسين بن إبراهيم بن أحمد المؤدب،قال في لسان المیزان:

«الحسين بن إبراهيم بن أحمد المؤدب روي عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي وغيره،وقال علي بن الحكم من مشايخ الشيعة كان مقيمابقم،وله كتاب في الفرائض أجاد فيه،وأخذ عنه أبو جعفر بن علي بن بابویه،وكان يعظمه».(1)

وكيف كان فليس الخبر واحدا ضعيفا ولا مرسلا،بل الحق أنه خبر واحد مسند بسند صحيح أو مقبول أو معتبر لرواية الصدوق له عن مشايخه المعتمدين وما قيل خلاف ذلك فليس بشيء،سيما إذا علمنا أن الطاعنين في سنده بعد ما ذكرناه من اللبس الواقع عليهم إنما أثاروا ضعف السند وإرساله لغرض إثبات تلك القصص والحكايات الصادقة التي لا يطروها شك ولا شبهة - على حد زعمهم - والتصديق بها،إلا أنه كان الأحرى بهم أن يبحثوا عن مخرج آخر للجمع بين التوقيع الشريف وتلك الوقائع والدعاوى الصادقة.

ص: 415


1- لسان المیزان : 2/271

من غير حاجة أو توسل إلى إنكار المروي والإعراض عنه،لا سيما أن ذلك يعد من معاجز الإمام وكراماته عليه الصلاة والسلام؛إذ أخبره عن تأريخ وفاته، وإنكاره يستلزم إنكارا لمعجزة مسلمة،وهو إذن قبيح من وجهين وجهتين ،ولهذا أورده المحدث المعظم الحر العاملي طاب ثراه في باب معجزاته علیه السلام(1)

وأما ادعاء القوم-المحدث النوري على وجه الخصوص - بأن الشيخ الطوسي رحمه الله أعرض عنه ولم يعمل به ، فإنه لا يوافق الواقع، بل يجانب الحقيقة بوضوح ، فإنهم طرحوا هذا الإشكال بوجهين:

الأول:أن الشيخ أعلى الله مقامه أعرض عنه ونقضه ورده حين بادر إلى نقل تلك الحكايات والقصص الصادقة الدالة على إمكان المشاهدة بل وقوعها. (2)

ويرد عليه أن بملاحظة تلك الوقائع والرجوع إليها في كتاب الغيبة يتضح للمتأمل جليا أن تلك الأحداث والقصص إنما تختص بزمن الغيبة الصغرى،ولا علاقة لها بالغيبة الكبرى،والحال أن التوقيع الشريف ناظر إلى زمن الغيبة الكبرى وبالتالي فما قصد لم يقع

ص: 416


1- إثبات الهداة:3/693.
2- الكافي: 1/431.

وما وقع لم يقصد؛إذ لم يدع أحد امتناع المشاهدة في عصر الغيبة الصغرى،بل لم يناقش أحد في إمكانها ؛ذلك أن جملة منها ترتبط بمشاهدته أو لقائه ورؤيته حال صغره علیه السلام ،وعلى عهد أبيه العسكري علیه السلام،وذكر تواريخ بعض تلك الوقائع التي وقعت عام 264ه،293ه،306ه، 309ه (1)کما أن القسم الأخير منها يدل على وقوعها في الغيبة الصغرى بمعاضدة القرائن والشواهد المحيطة بها،فلا وجه لما أورده المحدث النوري طاب ثراه ولا صاحب منتخب الأثر دام عزه في هذا المجال،على أنه لا علاقة لجملة منها المشاهدة، بل هي من قبيل الرؤية مع جهل الرائي له في الحال، وهو خارج عنا نحن بصدد البحث فيه نفياوإثباتا.

الثاني:زعموا أن الشيخ أعلى الله مقامه صرح في الغيبة بإمكان المشاهدة في زمن الغيبة الكبرى قائلا.

«والذي ينبغي أن يجاب عن السؤال الذي ذكرناه عن المخالف أن نقول: إناأولا:لانقطع عن استتاره عن جميع أوليائه،بل يجوز أن يظهر لأكثرهم،ولا يعلم كل إنسان إلا حال نفسه ، فإن كان

ص: 417


1- الغيبة/الشيخ الطوسي:253، 227، 224، 223، 225، 230،229،231 ،231 ،232.

ظاهراً له فعلته مزاحة.. الخ» (1)

ويجاب عنه:أن الشيخ رحمه الله إنما ذكر ذلك في مقام بیان احتمال المشاهدة للرد على المخالفين، وسنوضح ذلك في محله إن شاء الله تعالى ، على أنه ذكر التوقيع الشريف في الأبواب التالية بعد قوله السالف الذكر لتكذیب دعاة المشاهدة، وبيان عدم المنافاة بين التوقيع الشريف وبين إمكان تشرف بعض الأولياء وحصول التوفيق لهم للانتفاع غير المباشر بوجود الإمام صلوات الله عليه ، أو نيلهم شرف لقائه من غير ادعاء المشاهدة ، فهو طيب الله ثراه يرى إمكان الرؤية والمشاهدة غير أن من نالها لا يدعيها ولا يكشف عنها ولا يفشيها، ومن ادعاها وكشف عنها فهو كذاب مفتر.

وأما ادعاؤهم أن الأصحاب وأكابر القوم قد أعرضوا عنه وخالفوه،فباطل أيضا؛ذلك أن من أوردوا التوقيع الشريف من أعلام الطائفة ممن تأخروا عن الشيخ الصدوق لم يخدشوا ولم يطعنوا في سنده و دلالته،بل نقلوه وأخذوا به أخذ المستات كالشيخ الطوسي في الغيبة ، والطبرسي في إعلام الوری ، والإربلي في كشف الغمة ،وابن طاووس في ربيع الشيعة ، رغم أنهم ذكروا تلك الحكايات

ص: 418


1- الغيبة / الطوسي: 99.

والوقائع وتناقلوها في كتبهم،ولا دلالة على نقل تلك الحكايات على إعراضهم عن التوقيع ولا قرينة تدل على رفضهم وإنكارهم له سندا ولا دلالة.

فالعلامة المجلسي نور الله مرقده في مرآة العقول بعد أن نقل الروايات النافية لإمكان الرؤية والمشاهدة في الغيبة الكبرى والدالة على امتناعها بل المصرحة بالامتناع ، ذكر أسماء السفراء رضی الله عنهم، ثم أورد التوقيع الشريف كنتيجة حتمية ، كما نقل التوقيع في البحار أيضا وفي مقام الجمع بينه وبين تلك الحكايات الحقة.

فقد أول المشاهدة وحملها على ادعاء المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه علیه السلام؛إذ قال بعدما أورد التوقيع الشريف:

«بیان:لعله محمول على من يدعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه علیه السلام إلى الشيعة، على مثال السفراء ، لئلا ينافي الأخبار التي مضت وستأتي فيمن رآه عليه السلام ، والله يعلم»(1)

وقال أعلى الله مقامه - بعد استعراضه لقول مولانا الصادق أبي عبدالله - صلوات الله عليه:«لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولا بد

ص: 419


1- بحار الأنوار:52/151.

له في غيبته من عزلة،وما بثلاثين من وحشة»:

يدل على كونه علیه السلام غالبا في المدينة وحواليها، وعلى أن معه ثلاثين من مواليه وخواصه ، إن مات أحدهم قام آخر مقامه »(1).

مما يدل بوضوح على مدى اعتماده وثقته بالتوقيع الآنف الذكر ، حتى أن أعلاما وأوتادا كالعلامة السيد بحرالعلوم رضوان الله عليه الذي اشتهرت حکایات لقائه بالإمام صلوات الله عليه، اعتمادا على هذا التوقيع أشكل على تلك التواقيع التي أوردها الطبرسي في الاحتجاج وأسندها إلى الشيخ المفيد ٱعلى الله مقامه الشريف وصرح في رجاله. (2)

قال السيد السند العلامة بحر العلوم الطباطبائي رضی الله عنه عند ترجمته للشيخ المفيد طيب الله ثراه بعد ذكر التوقيعات المشهورة الصادرة منه علیه السلام في حقه - أي في حق الشيخ المفيد-:

«وقد يشكل أمر هذا التوقيع بوقوعه في الغيبة الكبرى مع جهالة المبلغ، ودعواه المشاهدة المنافية بعد الغيبة الصغرى ، ويمكن دفعه باحتمال حصول العلم بمقتضى القرائن،واشتمال التوقيع على

ص: 420


1- بحارالأنوار:52/153و157
2- رجال السیدبحر العلوم :3/320

الملاحم والإخبار عن الغيب الذي لا يطلع عليه إلا الله وأولياؤه بإظهاره لهم ، وأن المشاهدة المنفية أن يشاهد الإمام علیه السلام ويعلم أنه الحجة علیه السلام حال مشاهدته له، ولم يعلم من المبلغ ادعاوه ذلك.وقد يمنع أيضا امتناعها في شأن الخواص، وإن اقتضاه ظاهر النصوص بشهادة الاعتبار، ودلالة بعض الآثار»(1)

قال الأربلي رحمه الله تعالى:

«إن قال قائل:كيف يقول الطبرسي رحمه الله تعالى:إنا لانقطع على أن الإمام لا يصل إليه أحد ... إلى آخره، ويلزمه القطع بذلك لأنه قال قبل هذا بقليل فيما حكاه عن توقيعاته علیه السلام:«فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر»، والذي أراه أنه إن كان يراه أحد فقد علم منه أنهم لا يدعون رؤيته ومشاهدته ، وأن الذي يدعيها كذاب، فلا مناقضة إذا،والله أعلم»(2)

ولهذا أيضا قال المرحوم الخاقاني بعد سرده للتوقيع الشريف:

«ولعل ما نفاه علیه السلام من دعوى المشاهدة، وأن المدعي كذاب مفتر،

ص: 421


1- الفوائد الرجالیة:3/321.
2- کشف الغمة : 3/347.

إنما هو دعوى المشاهدة متى شاء على الاستمرار ،كما كان للأبواب الأربعة، مخافة الانتحال الجمع الأموال ، لا ما قد يقع لبعض الصلحاء الأبرار أو المتحيرين في القفار من المشاهدة بعض الأحيان مع المعرفة له صلوات الله عليه وعلى آبائه أو بدونها»(1)

وقال محقق المستدرك:

«نقل لي العلامة المرجع الديني السيد محمود الشاهرودي أعلى الله مقامه في 10 صفر 1384ه:كان العالم الجليل، والثقة النبيل،الشيخ أسد الله من تلاميذ العلم الكامل الحاج میرزا حبیب الله الرشتي في النجف شاكا في الحديث المشهور...إلى أن رأى الإمام أمير المؤمنين علیه السلام في المنام فأجابه...»

« ثم سأله أي سأل مولانا أمير المؤمنين علیه السلام في المنام - عن الحديث المعروف:من ادعى الرؤية في زمن الغيبة فكبوه،وما نقل من حکایات في رؤيته ؟

فقال-أي أمير المؤمنين علیه السلام-: كل ذلك صحيح، لأن الأول محمول على الرؤية والمشاهدة مع العرفان - أي مع المعرفة الحالية - وفي الحكايات لم يعرفوه حين المشاهدة ، وبعده عرفوه،وعليه

ص: 422


1- رجال الخاقاني:178.

شواهد من الروايات الٱخر...الخ.» (1)

وهذا محقق کتاب الهداية للشيخ الصدوق أعلى الله مقامه ذکر الاسم الكامل للحسين بن إبراهيم المعني هنا مع ذكر ألقابه المختلفة ، وهو:

«الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب (المؤدب)الرازي»(2)

ثم ذكر جماعة من قيل إنهم من مشايخ الصدوق -كما في مقدمة الأخبار - فكان الرقم (46 - الحسن بن إبراهيم بن أحمد (3)،وقال في حاشيته:( 4 - معاني الأخبار: 345، ولعله مصحف« الحسين» فيتحد مع من يأتي تحت الرقم 60)(4)

ص: 423


1- حاشية مستدرك سفينة البحار :4/18.
2- مقدمة الهداية: 59.
3- المؤدب مقدمة الهداية: 54.
4- حاشية مقدمة الهداية:55. تحقیق مؤسسة الإمام الهادي علیه السلام.

ص: 424

الدرس الثاني والثلاثون: اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه -6

بسم الله الرحمن الرحیم

ثم قال في الصفحة 59:(الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب -المؤدب - الرازي(1)

وفي الصفحة 89 شرع بإيراد جملة من أسماء الذين ذكروا في بعض الكتب بانهم من مشايخ الصدوق رحمه الله، إلا أنهم غالبا يتحدون مع من تقدم ذكرهم ...

ثم قال:

(6-الحسن بن إبراهيم بن هاشم، المستدرك:3/714 وقال سیدنا مد ظله: الظاهر أن فيه سقطا وتصحيفاوالصواب:الحسين بن

ص: 425


1- مقدمة الهداية:59،تحقیق مؤسسة الإمام الهادي علیه السلام

إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب، المتقدم برقم60) (1).

بعد الغوروالتفحص في كتب القوم يتبلور نصب أعيننا قولان أو احتمالان:

الأول:احتمال تعدد الراويين واختلاف أعيانهما كما هو المستفاد من ظاهر الحال ، ومن أقوال جملة من كتب الرجال ، وعليه فراوي التوقيع كما هو المنصوص عليه يكون:

«أبا محمد الحسن بن أحمد المكتب »،ويبقي«أبو محمد الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب المكتب » شخصا آخر مغايرا له لا علاقة له بالتوقيع الشريف.

الثاني:اتحاد الراويين وكونهما شخصا واحدا،رغم تعدد أسمائها،فالإسم وإن تعدد في مواضع عديدة بيد أنه تم بحسب اختلاف الناقلين ، لا بحسب تعدد المسمی.

وعليه فلا مغايرة بين مسمى الإسمين ليكون كل من «أبي محمد الحسن بن أحمد المكتب »أو«أبي محمد الحسين بن أحمد«أبو محمد الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب المكتب»أو«أبو محمد الحسن بن إبراهيم بن أحمد المؤدب المكتب »،فلا تعدد

ص: 426


1- مقدمة الهداية:90،تحقیق مؤسسة الإمام الهادي علیه السلام

ولا مفارقة بينها.

نعم،يعزز ويؤيد كل واحير منها بعض القرائن والشواهد،فيؤيد الاحتمال الأول وهو التعدد -

1-أن الشيخ الصدوق رضی الله عنه هو الراوي للتوقيع ، ويبعد في حقه ارتکاب مثل هذا الخطأ الجسيم.

2- الاختلاف بين الاسمين ليس باليسير، حتى یرد احتمال الخطأ أو التصحيف.

3- روى الصدوق عن الشخصين- باعتبار الإسمين - ولم يتطرق إلى اتحادهما أصلا، وليس بين الإسمين نقطة اشتراك سوى الحسن ، وهو في الأول أكثر، وفي الحسين ، وهو الثاني أكثر، وفي أحمد والمكتب.

4-ما سيأتي بعد قليل إن شاء الله تعالى من أقوال بعض الرجاليين تصريحا أو تلويحا،كالإمام الخوئي أعلى الله مقامه.

ويؤيد الاحتمال الثاني ويعززه:

ما حققه بعض الرجاليين جازما مصرحا به ، كالسيدهاشم الأبطحي ، أو محتملا له بالكناية أو التصريح ، کالسيد هاشم البحراني ، والسيد علي البروجردي ، والخاقاني ، وغيرهم، كما سيأتي إن شاء الله تعالى عند استعراض أقوالهم.

ص: 427

قال المحقق المدقق الإمام الخوئي أعلى الله مقامه:

«2726 - الحسن بن أحمد المكتب:

أبو محمد ، من مشايخ الصدوق قدس سره ترحم عليه ، کمال الدین :الباب 49، الحديث 41»(1)

وفي حاشية معاني الأخبار:

أبو محمد بن الحسن بن أحمد المكتب:

کمال الدين:284، وفي الصفحة 281: الحسين ، وفي العيون : الحسن بن أحمد المؤدب ، وفي أربعين الشهيد المطبوع في غيبة النعماني: 23: أحمد بن محمد المكتب ، و في الحرائج :أبو محمد بن الحسن بن محمد المكتب ، والظاهر أن لفظة(ابن ) في (أبو محمد بن الحسن)زائدة (2)

وأسند الخاقاني التوقيع إلى إبراهيم بن هشام(3)

أقول:لا شك أن مراده«الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب».

قال السيد علي البروجردي رحمه الله:

ص: 428


1- معجم رجال الحديث : 5/272.
2- حاشية معاني الأخبار:46.
3- رجال الخاقاني: 176.

«865 - الحسن بن إبراهيم بن أحمد المؤدب المكتب،أكثر(ق) -أي الصدوق - من الرواية عنه مترضیا محترماً(تعق) فلا بأس لقبول روايته ، لكونه محلا للاعتماد ، والظاهر أنه ابن أحمد بن هشام ، وهو أيضا غير مذكور في كتب الرجال» (1)

روى البحراني رحمه الله:

«و حدثنا الحسين بن إبراهيم بن أحمد المكتب رضی الله عنه...»

قال المحشي معلقا عليه:

كذا في المصدر والبحار، ولكنه في الأصل:«عن أحمد بن محمد المكتب»(2)

وقال في حاشية نقد الرجال:

«الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام :المكتب رضی الله عنه ، من مشايخ الصدوق - ابن بابویه - راجع عیون أخبار الرضاعلیه السلام:2/143 و149و 172،وعلل الشرائع:1/69.» (3)

وقال فی جامع الرواة:

ص: 429


1- طرائف المقال:1/168.
2- مدینة المعاجز:3/277.حاشیتها
3- حاشیة نقد الرجال:2/71.

«الحسین بن إبراهیم المکتب رضی الله عنه روی عنه محمد بن علی بن الحسین بن بابویه عن...»(1)

«الحسین بن إبراهیم بن أحمد بن هشام المؤدب(المؤذن_خ) روی عنه محمد بن علی بن بابویه مترضیا»(2)

قال الأبطحی فی تهذیب المقال:

«الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب المكتب ، ذكره ابن حجر في لسان المیزان:2/271قائلا:الحسين بن إبراهيم بن أحمد المؤدب،روي عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي وغيره، قال علي بن الحكم في مشايخ الشيعة: كان مقيما بقم،وله كتاب في الفرائض أجاد فيه،وأخذ عنه أبو جعفر بن علي بن بابویه،وكان يعظمه».

ثم قال المؤلف:«قلت:لم أقف على ترجمة في كتب أصحابنا غير علي بن الحكم على ما ذكره ابن حجر ، وكان الحسين من مشايخ الصدوق رحمه الله تعالى ، روى عنه في كتبه کثیرا مترضيا مترحما عليه . وقد كناه بأبي محمد كما في الإكال باب49/476.قائلا:حدثنا أبو محمد الحسين بن أحمد المكتب ، وصفحة 479:حدثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب رضی الله عنه،قال،كنت بمدينة السلام...

ص: 430


1- جامع الرواة:1/230
2- جامع الرواة:1/230

وذكر التوقيع الشریف.

الثانية:ورواه في الغيبة:242عن الصدوق نحوه.

ثم إن الموجود في كتب وروايات الصدوق رحمه الله(الحسين) مصغرا، إلا ما تقدم عن موضع من الإكمال والغيبة، وهو الأنسب لتكتيه بأبي محمد،إلا أنه بعد عدم الملازمة بين التسمية بالحسن ،والتكنية بأبي محمد ، فالأظهر ما علیه کتب الأصحاب ، ورواياته من الضبط بالحسين مصغرا.

ولقب بالمكتب كما تقدم عن مواضع من الخصال والعيون، وأيضا بالمؤدب كما في لسان المیزان،وفي الإكمال :484،وعيون أخبار الرضا علیه السلام: ج /72، و مواضع كثيرة ، والغيبة:180، ومشيخة الفقيه ، ومعاني الأخبار: 204، وغيره.

روى الصدوق رحمه الله عنه كثيرا في كتبه عن جماعة ، منهم علي بن إبراهيم بن هاشم:العيون: 1/72و 2/214و262وكثيرة،والخصال:1/148 ومعاني الأخبار: 285،وأبو علي محمد بن همام،الإكمال:479،وأبو العباس أحمد بن یحیی بن زکریا القطان، الخصال : 2/132،والمعاني: 204،وعلي بن محمد السمري السفير الرابع، الإكمال:479ومحمد بن جعفر أبي عبدالله الأسدي الأشعري الكوفي أبو الحسين، الخصال:2/114،والإكمال: 484،

ص: 431

والغيبة:180، ومشيخة الفقيه إليه رقم 194،و إلی محمد بن إسماعيل البرمكي ، ومعاني الأخبار:291،وعيون الأخبار:والأمالي: 34. ثم إن الاقتصار على اسم أبيه ، أو مع ذكر جده أحمد، أو ذكره كما تقدم في العنوان ، لا يدل على التعدد ، وذلك بقرينة من روی عنه،فلاحظ.(1)

قال المحقق المدقق الإمام الخوئي أعلى الله مقامه:

1-«3249-الحسين بن إبراهيم بن أحمد، روی عن...إلى أن قال رحمه الله:أقول:هو من مشايخ الصدوق ، وقد ترضى عليه في جميع هذه الموارد ، وهو متحد مع ما بعده(2)

2-«3250-الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام،ابن هاشم المؤدب ،روی عن ... إلى أن قال:وهذا أيضا متحد مع ما بعده»(3)

3-«3251-الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام:الحسين بن إبراهيم الكاتب، المكتب، روی عن... إلى أن قال:وهذا أيضا متحد مع ما بعده»(4)

ص: 432


1- تهذيب المقال: 2/ 372 – 273.
2- معجم رجال الحدیث: 6/189.
3- معجم رجال الحديث : 6/190.
4- معجم رجال الحديث : 6/190.

4-«3252 - الحسين بن إبراهيم بن أحمد الكاتب : روی عن... إلى أن قال :أقول:وهو متحد مع ما تقدم عليه»(1)

فالإمام الخوئي قدس الله أسراره يرى أن كل من ذكر تحت الأسماء الأربعة الماضية هم شخص واحد ليس إلا.

انتهى البحث في الرواية سنداومتنا.

وسواء كان الراوي هو الأول، أعني:«أبا محمد الحسن بن أحمد المكتب»أو كان الثاني ،أعني:«الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام»،وسواء تعددا أو اتحدا،فالرواية مقبولة إن لم تكون موثقة؛إذ أن الراويين كما تقدم في كتب الرجال معروفين،وهكذا الصریح من كتب الصدوق رضی الله عنه،حيث ترضى وترحم عليهما، ويكفيهماجلاله وشأنا ترضيه وترحمه عليها،وعدهما من مشايخه.

وكيف كان فلا مجال لتضعيف التوقيع،ولا طريق إلى الأعراض عنه،بل لا بد من الاستناد إليه،والاستشهاد به والتعويل عليه ،لا سیما أنه لا يخالف شيئا من ٱصول المذهب وقواعده ،بل هو قوي المتن والدلالة ؛لموافقته لظروف الزمان في تلك الآونة،ولهذا تلقاه جل الأصحاب إلا من شد وندر- بالقبول من المتقدمين والمتأخرين

ص: 433


1- معجم رجال الحدیث:6/190.

ومتأخري المتأخرين،وحتى المعاصرين،ومن أول المشاهدة ،ومن صدق الحكايات،وحتى من ادعى المشاهدة أو ادعيت في حقه،وغيرهم.

ومناسبة الحكم والموضوع يحتم علينا قبول التوقيع، وأخذه بعين الاعتبار، والضرورة تلزمنا وتحتم علينا التصديق بصدور مثل هذا التوقيع،وإلا وقع الهرج والمرج ووقع الناس في حيص وبيص بعد الغيبة الصغرى، ومنذ اللحظة الٱولى من الغيبة الكبرى،وجهلوا تكليفهم حينئذ،بل لم يعرفواحتى تبدأ الغيبة الكبری.

فلولا التوقيع الشريف لجهلنا ٱمورا:

ٱولها:انتهاء الغيبة الصغرى وشروع الغيبة الكبرى. الثاني:انتهاء فترة السفراء ،وأن لاسفارة في الغيبة الكبرى.

الثالث:أن لا ظهور للإمام-أي لا يراه أحد قط بعلم ومعرفةحالية،وهي المشاهدة- أثناء فترة الغيبة الكبرى.

الرابع:والأخبار بالغيب الذي يعد معجزة له علیه السلام،بقوله:وسيأتي شيعتي أو سيأتي من شيعتي أو سيأتي إلى شيعتي- على اختلاف النسخ - من يدعي المشاهدة.

الخامس:حكم مدعي المشاهدة في هذه الفترة،أنه«کذاب مفتر»أو«کاذب مفتر».

ص: 434

السادس:أن الخروج والظهور سیکون بعد خروج السفياني والصيحة ، ولعله يرمز إلى خروجه وظهوره علیه السلام مرتين -كما في الأحاديث المتظافرة-أولها يكون بعد خروج السفياني ، ثم يعودعلیه السلام إلى حجاب الغيبة، ويكون خروجه الثاني بعدالصيحة،وهوالخروج الحاسم،وسيأتي بحث ذلك مفضلا في بيان علامات الظهور إن شاء الله تعالى.

السابع:قرب وفاة السمري رضی الله عنه،وهو أيضا ضرب من الكرامة،والأخبار بالغيبيات الدالة على صدق مدعيها وقائلها.

هذه الٱمور قد نص عليها التوقيع الشريف،لكن الأمر لم ينته عند هذاالحد،ولم يقتصر على ذلك،فالمستفاد من التوقيع الشریف أيضاٱمور:

أولا:أن السفير لا يتم تعيينه واختياره إلا بأمر وقرار ونص

واختيار من مولانا الصاحب صلوات الله عليه.

ثانيا:أن هذا التوقيع إرشاد و تبیین و تبصير للشيعة،و تكليف لهم بتحري الحقيقة في غياب امام زمانهم،وأن لا ينقادوا لكل متقولي،ولا يسوقهم طالبوا الدنيا والرئاسة.

ثالثا:أن السفير يجب أن يأتي بوصية السفير الذي سبقه ، فالتالي لابد أن يكون موصى إليه من قبل السابق ، وعلى السابق

ص: 435

أن يوصي إلى اللاحق،بأمره علیه السلام.

رابعا:أن لا يحق لأحد أن يدعي المشاهدة ، ولا يجوز له ذلك ،فلا يدعيها إلا كاذب أو كذاب ،وهذا لا ينفي وقوع الرؤية- كما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى-

خامسا:أن من ينال شرف اللقاء به علیه السلام،ويتشرف بمشاهدة نورجماله،لا يتحدث عن ذلك إلى أحډ قط،ولا يحدث بها أحدا أبدا.

سادسا:أن من يدعي المشاهدة فهو حتما لم يرق إلى نيل هذا الشرف ، فيدعيها کذبا وزورا.

سابعا:أن على الشيعة أن يكذبوا مدعى المشاهدة كائنا من كان،ولا يوجد هنا استثناء متصل،کمالم نعثر على استثناء منفصل ، وإن ذهب بعض المتقدمين وأكثر المتأخرين والمعاصرين إلا أن قرائن الصدق ودلائل التصديق وعلامات ذلك كافية للدلالة والبرهنة على وجود الاستثناء ،ولهذا اختاروا المستثنى، وذهبوا إلى التفصيل بالاستثناء.

ثامنا:أن لا مجال للظهور والمشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة.وهاهنا يكمن سر عظيم ينبغي الالتفات إليه و عدم تجاهله،وهو:أنه عليه الصلاة والسلام قال: «فلاظهور إلا بعد إذن الله عز وجل».

ص: 436

وقال صلوات الله عليه:«ألا فمن ادعى المشاهدة .

أولا:إذ لا مشاهدة قبل الظهور ؛لارتباط المشاهدة بالظهور ارتباط العلة بالمعلول، لاتنفق المشاهدة عن الظهور لتوقفها

عليه ، فلا مشاهدة بلا ظهور، وكل ما لا ظهور له لا مشاهدة عينية له ، ولهذا قال مولانا سید الشهداء عليه الصلاة والسلام في دعاء يوم عرفة: «أيگو يترك من الظهور ما ليس لك»(1)

ثانيا:أن الظهور يرد بمعنى التجلي والبروز الظاهري، والتجلي والبروزالمعنوي الباطني ، والتجلي والبروز بمعنى السيطرة والانتصار والغلبة على الشيء، والمعنيان الأول والثالث أنسب بالمقام ، فلا تكن المشاهدة إلا بالظهور والبروز والخروج من خلف ستار الغيب ،أو به وبالغلبة على أعدائه ،والأقرب إلى الحكم من هذين المعنيين هو الأول ، أعني أن المشاهدة في التوقيع الشريف تناسب الظهور والخروج من خلف حجاب الغيب ، وعليه فالمشاهدة لأخص الخواص والأولياء الصالحين تكون في زمن الغيبة الكبرى بإزاحة حجاب المعصية والذنوب من أعينهم ، فإذا لم يتم ذلك لزم الانتظار حتى تنتهي فترة الغيبة الكبرى فيزيح حجاب الغيب ونقاب الستر

ص: 437


1- مفاتیح الجنان وكتب الأدعية المفضلة.

عن وجهه الملكوتي وجماله النوراني،فتتهيأ الفرصة لعموم الناس برؤيته ومشاهدته.

ثالثا:أنه عليه الصلاة والسلام لا يظهر خلال فترة الغيبة الكبرى الأحد قط،بل على الطالب والعاشق أن يعد أسباب الظهور ، أعني أن يزيح حجاب الذنوب والمعاصي عن عينه ، ويزيل بالتهذيب والتربية شوائب الأكدارعن نفسه،وينفض غبار الأوهام والخرافات والأباطيل عن عقله وذهنه وفكره وعقيدته.

فإذا تم له ذلك صار مستعدا للمشاهدة ، بعد صيرورة عقله ونفسه وروحه وبصره وبصيرته وعاء مستعدا لتلقي المشاهدة الخاصة،أعني المشاهدة في زمن الغيبة الكبرى؛إذ الوعاء الملوث المنکدر المتقذر لا يصلح لحمل ذلك،بل لا يعد حينئذ وعاء لتغاير الحكم والموضوع؛إذ لكل شيء وعاء يناسبه ، ووعاء كل شيء بحسبه.

والحاصل:أن لا مشاهدة إلا بالظهور،ولا ظهور في الغيبة الكبرى قط،فلا مشاهدة وقتئذ قط،ولا طريق حينئذ للجمع بين تلك الحكايات والقصص وبين هذا التوقيع الشريف إلا بما صنعه العلامة المجلسي طاب ثراه وغيره رحمهم الله تعالى من تأويل المشاهدة وحملها على إرادة السفارة والإخبار عن الإمام علیه السلام،وهو کماتری وسيأتي الكلام فيه.

ص: 438

أو بتضعیف الرواية التوقيع -وردالتوقيع ونفيه من الأساس،کما صنع المحدث النحرير والمحقق الأصيل الميرزا حسين النوري طاب ثراه،وسيأتي الكلام في كلا الوجهين،إن شاء الله تعالى.

2- خفاؤه علیه السلام

وأما الاستدلال بالأخبار الدالة على أن الإمام علیه السلام يحضر مجالسهم ويطأ فرشهم،ويشهد الموسم ويعرفهم ولا يعرفونه،على أنها دالة على نفي الرؤية مطلقا كرواية الإمام الصادق علیه السلام عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه:

«ولو خلت الأرض ساعة واحدة من حجة الله لساخت بأهلها ولكن الحجة يعرف الناس ولا يعرفونه ،كما كان يوسف يعرف الناس وهم له منکرون»(1)

ورواية مولانا أمير المؤمنين علیه السلام:

«إن حجتها عليها قائمة ماشية في طرقها،داخلة في دورها وقصورها،جوالة في شرق هذه الأرض وغربها،تسمع الكلام، وتسلم على الجماعة،ترى ولا ترى إلى الوقت والوعد ونداء

ص: 439


1- الغيبة/النعمانی:14

المنادي من السماء،ألا ذلك يوم فيه سرور ولد علي وشيعته(1)،وقد علق النعماني رحمه الله على الرواية بعد أن نقلها قائلا:

«وفي هذا الحديث عجائب وشواهد على حقية ما تعتقده الإمامية وتدين به،والحمد لله،فمن ذلك قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه:«حتى إذا غاب المتغيب من ولدي عن عيون الناس»،أليس هذا موجبا لهذه الغيبة وشاهدا على صحة قول من يعترف بهذا ويدين بإمامة صاحبها؟

ثم قوله علیه السلام:«وماج الناس بفقده أو بقتله أو بموته...وأجمعوا على أن الحجة ذاهبة،والإمامة باطلة»،أليس هذا موافقا لما عليه كافة الناس الآن من تکذیب قول الإمامية في وجود صاحب الغيبة؟وهي محققة في وجوده،وإن لم تره،وقوله علیه السلام:«ويحج الناس في تلك السنة للتجسس»،وقد فعلوا ذلك،ولم يرواله أثرا.

وقوله:«فعند ذلك سبت شيعة علي سبها أعداءها،وظهرت عليها الأشرار والفساق باحتجاجها»،يعني باحتجاجها عليها في الظاهر،وقولها: فأين إمامكم؟دلونا عليه، وسبهم لهم،ونسبتهم إياهم إلى النقص والعجز والجهل؛ لقولهم بالمفقود العين، وإحالتهم.

ص: 440


1- الغيبة/النعمانی:144.

على الغائب الشخص ، وهو السب ، وهذا القول من أمير المؤمنين علیه السلام في هذا الموضع شاهد لهم بالصدق، وعلى مخالفيهم بالجهل والعناد للحق...الخ».(1)

وقول الصادق علیه السلام عن الحجة المنتظرعلیه السلام:«فما تنكر هذه الٱمة أن يكون الله يفعل ما فعل بيوسف ،وأن يكون صاحبكم المظلوم المجحود حقه صاحب هذا الأمر، يتردد بينهم،ويمشي في أسواقهم ، ويطأ فرشهم ولا يعرفونه ، حتى يأذن الله له أن يعرفهم نفسه كما أذن ليوسف حين قال له إخوته:« أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ»(2)

وما روي عن مولانا الرضا صلوات الله عليه في معرض رده على السؤال عن القائم عجل الله فرجه حيث أجاب علیه السلام:«لا يرى جسمه ، ولا يسمى باسمه. (3)

وهكذا ما روي عن مولانا الإمام العسكري علیه السلام:«إنكم لا ترون

ص: 441


1- الغیبة /النعمانی:144
2- سورة یوسف:الآیة 90.الغیبة/النعمانی:146.
3- کمالدین:370.

شخصه،ولا يحل لكم ذكره باسمه. (1)

المستفاد من جملة هذه الروايات:

أولا:أن الأرض لا تبقى من غير حجة الله ولا تستقر.

ثانيا:أن الإمام صلوات الله عليه يعيش بيننا ويشاركنا همومنا وينتقل بين ظهرانينا وفي أسواقنا وطرقنا،بل يدخل بيوتنا فلا نعرفه،وهو يعرفنا کیوسف علیه السلام وإخوته.

ثالثا:أن الناس لا يرونه حتى يسمعوا النداء السماوي والصيحة الخبرة عن ظهوره علیه السلام.

رابعا:لا يذكر اسمه صلوات الله عليه،وقدبحثناه مفصلا في الحلقة الٱولى من هذه الحلقات.

ص: 442


1- الكافي: 1/322.الوافي:2/403.

الدرس الثالث والثلاثون: اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه -7

بسم الله الرحمن الرحیم

3- نفي الرؤية والمشاهدة في الموسم

لا ريب أنه علیه السلام يحضر الموسم ويحج كل عام وهو أمير الحجيج والحاج،وقد نال توفيق لقاء جمع من الأخبار في الغيبة الصغرى عند استلام الحجر الأسود وفي مواطن ٱخرى من مكة المكرمة ، وأما الكلام في الغيبة الكبرى فهل يمكن مشاهدته علیه السلام في الموسم حينئذ؟

استدل النافون لإمكان المشاهدة بروايات الحج: كقول مولاناالصادق علیه السلام«للقائم غیبتان:يشهد في إحداهما المواسم،يرى الناس ولا يرونه. (1)

ص: 443


1- الكافي:1/339.

وقد رواه النعماني رحمه الله في الغيبة عن الكليني رضی الله عنه(1)

قال العلامة المجلسي طاب ثراه في مرآة العقول في شرح هذا الحديث ما حاصله:أن المراد من هذه الغيبة هي الغيبة الكبرى،والمراد من الرؤية في هذا الحديث هي الرؤية مع المعرفة-أي المشاهدة - أي يرونه ولا يعرفونه خلافا للغيبة الصغرى ،حيث كان يعرفه السفراء وبعض خواص مواليه وخدمه ممن يتشرفون بلقياه.

ثم أعرض عن ذلك واحتمل أن المراد من هذه الغيبة هي الغيبة الصغرى،والمعنى:« يرى الناس» أي يراه الناس، وهم الخواص والموالى،ولا يراه عموم الناس،أي لا يرونه رؤية عن معرفة ، فلا يشاهده إلا خاصة مواليه وأصحابه (2)

واستدلوا أيضا بقول مولانا الصادق عليه الصلاة والسلام: «يفقد الناس إمامهم،فيشهد الموسم فيراهم ولا يرونه (3)،وقد نقله النعماني بسند آخر عن أبي علي محمد بن همام عن الكليني رضی الله عنه(4)

ص: 444


1- الغيبة/النعماني:176
2- مرآة العقول:4/47.
3- الكافي: 1/337.الغيبة/الشيخ الطوسي: 251. كمال الدين:440.الوافي :2/413.
4- الغيبة/النعماني: 175.

من هنا حمل العلامة المجلسي طاب ثراه الرؤية هنا على الرؤية مع المعرفة مستدلا بما رواه الحميري عن محمد بن عثمان العمري أحد السفراء الأربعة(1)وهو:«والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة فيرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولا يعرفونه.»

وفي البحار:«...عن زرارة، قال:سمعت أبا عبدالله علیه السلام يقول:إن للقائم غیبتين، يرجع في إحداهما، والٱخرى لا يدري أين هو،يشهد المواسم،يرى الناس ولا يرونه.» (2)

وفي البحار بعد سرده للرواية علق عليها قائلا:

بیان:لعل المراد برجوعه، رجوعه إلى خواص مواليه و سفرائه،أو وصول خبره إلى الخلق»(3)

فقد يوفق كثير من الناس في الغيبة الكبرى لرؤيته في موسم الحج،لكنهم يرونه ولا يعرفونه،وأما في الغيبة الصغرى، فإن من كان يعرفه من الأخبار كان يراه مع الحجيج ويعرفه کما حصل لسفيره محمد بن عثمان العمري رضی الله عنه الذي قال مجيبا عن سؤال الحميري رحمه الله:

ص: 445


1- مرآة العقول:4/42.
2- کمال الدین: 440، الحديث 8. من لا يحضره الفقيه:2/520 الوافي :2/413.
3- بحار الأنوا:52/156

فقلت له:أرأيت صاحب هذا الأمر؟فقال:نعم،آخر عهدي به عند بيت الله الحرام،وهو يقول: «اللهم أنجز لي ما وعدتني»،وقوله رضی الله عنه:«رأيته صلوات الله علیه متعلقا بأستار الكعبة في المستجار،وهو يقول:اللهم انتقم لي من أعدائي»(1)

ويعود السبب في ذلك إلى أن أحدا من الناس لا يعرفه في زمن الغيبة الكبرى بخلاف الصغرى التي كان بعض الأخيار قد ارتبط به وعرفه إنما منذ صباه في دار أبيه الإمام العسكري علیه السلام،أو بنيل شرف لقائه في عصر السفراء.

4-تمحيص الشيعة

تمسك بعضهم لنفي إمكان الرؤية والمشاهدة بما جاء في روايات عديدة بلغت حد التواتر عن أئمة الهدی صلوات الله عليهم أن لطول غيبته حكمة تمحيص شيعته ليخرج الخبيث منهم ويميز الخبيث من الطيب حتى يخرج دعاة التشيع ويتميزوا عن الشيعة الصادقين بالقول والفعل ، فيرتد كثير منهم ولا يبقی إلا العسل الخالص المصقى ، قالوا:لو أمكنت المشاهدة لما بقي معني لإنكارهم

ص: 446


1- کمال الدين:440.

إياه علیه السلام و ارتدادهم عن الحق وسقوطهم في هاوية الاختبار؛إذ يمكنهم مشاهدته ،أو التصديق بوجوده المقدس من خلال إخبار من شاهده من الصالحين ، فلا يبقى مجال للغربلة والتمحيص،وقد أمروا أن يؤمنوا بالغيب،أي بكل آيات الله وحججه الغائبة عن الأنظار والمحجوبة عن الأبصار ،ولهذا عتل الشيخ محمد حسین کاشف الغطاء طاب مثواه في كتابه:«جنة المأوى» اختبار الناس بطول الغيبة ليميز المؤمنين المخلصين الصادقين(1)

والروايات الدالة على هذا المعنى:

ماروي عن مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «للقائم منا غيبة أمدها طويل كأني بالشيعة يجولون النعم في غيبته،يطلبون المرعى فلا يجدونه ،ألا فمن يثبت منهم على دينه لم يقش قلبه الطول أمد غيبة إمامه ،فهو معي في درجتي يوم القيامة(2)

وعنه صلوات الله عليه أيضا: «ولكن بعد غيبة وحيرة فلا يثبت فيها على دينه إلا المخلصون المباشرون لروح اليقين (3)

ص: 447


1- جنةالمأوى:266.
2- کمال الدين:303،نوادر الأخبار:227.
3- كمال الدين:304.

وما روي عنه صلوات الله عليه: «حتى إذا غاب المتغيب من ولدي عن عيون الناس وحاج الناس بفقده أو بقتله أو بموته اطلعت الفتنة،ونزلت البلية،والتحمت العصبية، وغلا الناس في دينهم،وأجمعوا أن الحجة ذاهبة،والإمامة باطلة،ويحج حجيج الناس في تلك السنة من شيعة علي ونواصبه للتحسس والتجسس عن خلف الخلف ، فلا يرى له أثر ولا يعرف له خبر ولا خلف) (1)

ولهذا أفرد النعماني رحمه الله فصلا من كتابه الغيبة للبحث عن امتناع المشاهدة في عصر الغيبة الكبرى مصرحا بذلك وبعدم جواز السعي إلى المشاهدة أيضا،وعذرهم عن حجبهم وامتناع الرؤية والمشاهدة عليهم قائلا:

«ومحظور عليهم الفحص والكشف عن صاحب الغيبة والمطالبة باسمه أو موضعه أو غيابه أو الإشارة بذكره فضلا عن المطالبة بمعاينته.» (2)

سیما إذا علمنا أن مثل هذا الكلام خرج ممن قطع الفيافي والبراري وانتقل من بلدإلى بلد ليصنف كتابه هذا بعد جهد جهيد وعناء شديد،

ص: 448


1- الغيبة/النعمانی:143-144.
2- الغيبة/النعماني: 160.

فهو رحل إلى شیراز وبغداد وطبرية والأردن ودمشق وحلب، كل ذلك سعيا وراء التفحص والتحقيق،وبناء على ما حققناه إلى هنا ثبت امتناع المشاهدة في عصر الغيبة الكبرى،إلا إذا عثرنا في تتمة هذا البحث على دلیل معتبر ينفي ذلك أو يقيده أو يصرفه عن ظاهره.

خلاصة القول:

1-أن الرؤية مع المعرفة ممتنعة.

2-أن مدعي المشاهدة كاذب مفتر أو كذاب مفتر يجب تكذيبه.

3-أن مشاهدة الإمام علیه السلام ممتنعة أيضا.

4-أنه علیه السلام بحضر بين الناس يرونه ولا يعرفونه.

5-أنه علیه السلام يشهد المواسم كلها،فبعض الخواص من شيعته كانوا يعرفونه في الغيبة الصغرى ، وأما في الغيبة الكبرى فإنهم يعجزون عن معرفته.

6-أن عجزهم عن معرفته ومشاهدته نابع عن الاختبار الإلهي

لهم بالغربلة والتمحيص.

7-وقد التبس الأمر على من طعن في سند التوقيع الشريف ،فلا عبرة بأقوالهم بعد ما حققناه مفصلا.

8-وأما من زعموا أن المشاهدة هنا بمعنى ادعاء السفارة والنيابة الخاصة،ليجمعوا بين هذا التوقيع وتلك الحكايات الصادقة عن

ص: 449

رؤيته ومشاهدته أرواحنا فداه فإنهم تصرفوا تصرفا بعيدا،وحملوا التوقيع ما لا يحتمل،لتنافي الصدر والذيل حینئذ؛إذ بان لنا أن الصدر قد حسم مسألة ادعاء السفارة ،وأن الذيل ناظر إلى غيرها وهو المشاهدة بمعنى الحضور الجسماني والرؤية الحسية مع المعرفة ولعل المحادثة والمحاورة أحيانا.

ثانيا:إمكان الرؤية والمشاهدة.

في قبال ذلك ذهب جمع غفير من أعلام الطائفة -لا سيما المتأخرين منهم-إلى إمكان المشاهدة،وأول من اختار هذا الرأي هو السيد المرتضی علم الهدى أعلى الله شأنه في كتبه تنزيه الأنبياء،ورسالة في الغيبة،والشافي،والمقنع ،فإنه قال في معرض الرد على من سأل عن فائدة إمام غائب عن الأنظار لا ينتفع به؟

الجواب:«قلنا:أول ما نقرله إنا غير قاطعين على أن الإمام علیه السلام لا يصل إليه أحد ولا يلقاه بشر،فهذا أمر غير معلوم،ولا سبيل إلى القطع عليه»(1)

وقال في موضع آخر:«نحن نجوز أن يصل إليه كثير من أوليائه

ص: 450


1- تنزيه الأنبياء: 182.

والقائلين بإمامته فينتفعون به»(1)

وقال أيضا:«...لسنا نقطع على أن الإمام لا يظهر لبعض أوليائه وشیعته،بل يجوز ذلك ،ويجوز أيضا أن لا يكون ظاهرا لأحد منهم،وليس يعرف كل واحد منا إلا حال نفسه، فأما حال غيره فغير معلوم له،ولأجل تجويزنا أن لا يظهر لبعضهم أو لجميعهم،ما ذكرنا العلة المانعة من الظهور»(2)

قال السيد المرتضی علم الهدی رضوان الله عليه:

«...ومع هذا فما نمنع من ظهوره علیه السلام لبعضهم إما لتقويم أو تأدیب أو وعظ وتنبيه وتعليم،غير أن ذلك كله واجب،فيطلب في فوته العلل،وتتمحل له الأسباب، وإنما يصعب الكلام ويشتبه إذا كان ظهوره للولي واجبا من حيث لا ينتفع أو يرتدع إلا مع الظهور.

وإذا كان الأمر على خلاف ذلك سقط وجوب الظهور للولي؛لما دللنا عليه من حصول الانتفاع والارتداع من دونه،فلم تبق شبهة»(3)

ص: 451


1- رسائل الشريف المرتضی: 2/297.
2- المقنع في الغيبة: 78.
3- المقنع في الغيبة:77

وقال أيضا في موضع آخر: «إنه غير ممتنع أن يكون الإمام يظهر لبعض أوليائه من لا يخشى من جهته شيئا من أسباب الخوف،وإن هذا مما لا يمكن القطع على ارتفاعه وامتناعه،وإنما يعلم كل واحد من شيعته حال نفسه،ولا سبيل إلى العلم بحال غيره»(1)

ثم اشتهر بين الأعلام من المحققين كالشيخ الطوسي، والمحقق الكراجكي والمحدث النوري وغيرهم طيب الله ثراهم وأعلى درجاتهم،فالطبرسي رحمه الله أورد في إعلام الوری دعوى السيد المرتضی رحمه الله. (2)

وهكذا الإربلي في كشف الغمة (3)،واستعان سائر معاصريه بنقل قوله رحمه الله في الرد على نفس الشبيهة،كما صنع الكراجكي طاب ثراه،فإنه قال:«ولسنا مع ذلك نقطع على أن الإمام علیه السلام لا يعرفه أحد،ولا يصل إليه،بل قد يجوز أن يجتمع به طائفة من أوليائه تستر اجتماعها به و تخفيه.» (4)

ص: 452


1- المقنع:323.
2- إعلام الوری: 440
3- کشف الغمة:3/328.
4- کنز الفوائد:2/218

ومنهم العلامة سديد الدين الحمصي في المنقذ من التقليد(1)،وشیخ الطائفة الطوسي في كتاب (2)

وكتاب الغيبة،قال أعلى الله مقامه في الغيبة:

أنا أولا:لا نقطع على استتاره عن جميع أوليائه،بل يجوز أن يظهرلأكثرهم،ولا يعلم كل إنسان إلا حال نفسه،فإن كان ظاهرا له فعلته مزاحة،وإن لم يكن ظاهرا له علم أنه إنما لم يظهر له الأمر يرجع إليه،وإن لم يعلمه مفصلا لتقصير من جهته»(3)

ظهر مما تقدم أن احتمال المشاهدة وإمكان الرؤية كانت مسألة محسومة لدى البعض من أعلام المتقدمين حتى صارت قضية يقينية مسلما بها منذ عهد السيد ابن طاووس عليه الرحمة والرضوان، المتوقى 664ه،بعد ما نقلت عنه لقاءاته الشهيرة بالإمام علیه السلام،وإن سبقتها حكاية ابن قولویه عليه الرحمة عام 339ه،كما نقلها القطب الراوندي رحمه الله، المتوقى 573ه(4)،وهي قصة الحجر الأسود الذي رده القرامطة بعد أن سرقوه وأعاده الإمام علیه السلام إلى موضعه.

ص: 453


1- المنقذ من التقليد:2/378
2- تلخيص الشافي تلخيص الشافی:4/217،222،221
3- کتاب الغيبة:99.بحار الأنوار:51/196.
4- الخرائج والجرائح:1/475

يستفاد من هذه الأقوال ٱمور:

أولا:أن ما تقدم من أقوالهم أعلى الله شأنهم ناظر إلى دفع ما أورده المخالفون من الشبهات ، كما صنع الشريف المرتضى في الشافي عند رده على مزاعم القاضي عبدالجباربن أحمد الهمداني الأسدآبادي،المتوقى 415ه في كتابه المغني(1)،وأنت تعلم أن مجرد احتمال المشاهدة كاف للرد على الخصم.

ثانيا:لم يتطرق الشريف المرتضی وشیخ الطائفة الطوسي طيب الله ثراهما لموضوع الرؤية والمشاهدة إلا في حدود الاحتمال،ولم يظهر منها القطع بذلك والالتزام القائم على اليقين،فالاستدلال بمجرد جواز الرؤية واحتمال المشاهدة لا يستلزم القطع والاعتقاد والجزم بها،ففي تلخيص الشافي ما هذا نصه: «إنا لا نقطع على أنه مستتر عن جميع أوليائه،والتجويز في هذا الباب كاف»(2)

واستشهد الشيخ الطوسي رحمه الله بنفس عبارات الشريف المرتضى التي أوردها في تلخيص الشافي(3)

ص: 454


1- تلخيص الشافی:1/34.الأعلام/ الزركلي:2733
2- تلخيص الشافی: 4/217.
3- الغيبة/الشيخ الطوسي:93.

ثالثا:أن عبارة:«وليس يعرف كل واحد منا إلا حال نفسه،فأما حال غيره فغير معلوم له»الصادرة من العلمين الجليلين السيد والشيخ عليهما الرحمة،والتي نقلناها آنفاتدل على أنهما كانا يعتقدان بعدم جواز إظهار الرؤية والمشاهدة لمن أسعده حظه ونال شرف لقائه علیه السلام بناء على التوقيع السالف الذكر،أن مدعي المشاهدة كذاب مفتر،ويكونان بذلك قد جمعا بين التوقيع الشریف وحكايات الصالحين وهكذا صنع الإربلي رحمه الله حين قال:«الذي أراه إنه إن كان يراه أحد فقد علم منهم أنهم لا يدعون رؤيته ومشاهدته،وأن الذي يدعيها كذاب،فلا مناقضة إذن،والله أعلم. (1)

ومن خانه الحظ ولم يحظ بشرف اللقاء فليبحث عن العلة في نفسه ولا يلومن إلا نفسه ولا يلقين باللائمة على غيره، فعليه أن يرفع موانع التوفيق بالإصلاح والسداد،وإن خالفه في ذلك العلامة المجلسي رحمه الله وأشكل على هذا المقطع الأخير من كلامه بقول سدید يستحق الوقفة والتأمل(2)

رابعا:أن علمائنا الأعلام لم يقتصروا في ردهم على شبهة الانتفاع

ص: 455


1- کشف الغمة:3/328
2- بحار الأنوار:51/214

به صلوات الله عليه عند انقطاعهم عنه في الغيبة الكبرى بالجواب السابق وهو احتمال اتصال بعض الأولياء به وانتفاعهم بوجوده المقدس حتى يكون إمكان المشاهدة من معتقداتهم ، بل قدموا إجابات عديدة متنوعة ٱخرى،فالسيد المرتضی علم الهدی قدم إجابات ثلاث،إحداها الجواب الأنف الذكر(1)،وقال قدست نفسه أيضا:«لأنهم مع علمهم بوجوده بينهم،وقطعهم على وجوب طاعته عليهم ولزومها لهم لا بد من أن يخافوه ويهابوه في ارتكاب القبائح ويخشوا تأديبه و مؤاخذته فيقل منهم فعل القبيح ويكثر فعل الحسن ،أو يكون ذلك أقرب،وهذه جهة الحاجة العقلية إليه»(2)

كما أن الطبرسي في إعلام الوری قدم أربع إجابات عن تلك الشبهة(3)،وقد تعرضت الروايات إلى جملة من تلك المنافع ، فالانتفاع بالإمام علیه السلام لا يتوقف على مشاهدته علیه السلام؛إذ بيمنه رزق الوری وبوجوده استقرت الأرض والسماء، وامتناع اللقاء به لا ينفي سائر وجوه الانتفاع به والحاجة إليه،وهي كثيرة وضرورية للغاية،

ص: 456


1- الشافي في الإمامة:1/148-149
2- رسائل الشريف المرتضی: 2/299.
3- إعلام الوری: 440.

فسواء أمكنت الرؤية والمشاهدة أو امتنعتا بقیت الحاجة إليه ولو بقاعدة اللطف،ولهذا قال الشيخ المفيد أعلى الله مقامه:« الدليل على ذلك أن كل زمان لا بد فيه من إمام معصوم، وإلا لحلا الزمان من إمام معصوم مع أنه لطف،واللطف واجب على الله تعالى في كل زمان»(1)

كماادعى آخرون(2)

أن الإمام علیه السلام تأثيرا معنويا على بواطن ونفوس المؤمنين وأرواحهم،وإن غاب عن أبصارهم الظاهرة،وهو حق أيضا لا شك فيه كما كان لموسى علیه السلام قبل خروجه تأثير معنوي على نفوس بني إسرائيل تحت وطأة فرعون والأقباط، وهكذا لسائر الأنبياء على أقوامهم عند غيابهم عنهم.

ثم إنا نجد الشيخ المفيد أعلى الله مقامه لا يتمسك باحتمال المشاهدة في معرض رده على شبهة الانتفاع،بل جعل نفس معرفة الإمام علیه السلام وانتظار فرجه الشريف من فوائد وجوده خلف حجاب الغيب،قال رحمه الله:

«الدليل على ذلك أن كل زمان لا بد فيه من إمام معصوم،

ص: 457


1- النكت الاعتقادية:44- 45.
2- أعنى العلامة الطباطبائی صاحب الميزان رحمه الله في كتاب الشيعة في الإسلام باللغة الفارسية:152.

وإلا لخلا الزمان من إمام معصوم مع أنه لطف،واللطف واجب على الله تعالى في كل زمان(1)

وقال المحقق الطوسي رحمه الله:«انحصار اللطف فيه معلوم للعقلاء،ووجوده لطف وتصرفه لطف آخر،وعدمه منا.» (2)

قال أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه:«إن غاب عن الناس شخصه في حال هدايتهم فإن علمه وآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة فهم بها عاملون»(3)

والحاصل:أن غيبة الإمام لا تعني الانقطاع التام وعدم الانتفاع به ولا عدم الحاجة إليه،بل هو كالشمس إذا غبتها الغيوم،ولا يتوقف وجه الانتفاع به بمجرد المشاهدة حتى إذا امتنعت المشاهدة انتفي وجه الانتفاع به.

ص: 458


1- النكت الاعتقادية:44 - 45.
2- تجرید الاعتقاد:222.
3- كمال الدين:303.

الدرس الرابع والثلاثون: اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه –8

بسم الله الرحمن الرحیم

أدلة القائلين بإمكان اللقاء والمشاهدة

وكيف كان فإن للمثبتين أدلة وشواهد على أصناف ثلاثة: الأول:الروايات الدالة على المشاهدة.

الثاني:الإجماع.

الثالث:القصص والحكايات والشواهد الصادقة.

أما الروايات:فإنها ثلاث روایات سنحققها سندا ودلالة إن شاء الله تعالى.

1- فعن الإمام الصادق علیه السلام،قال:«لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة،ولا بد له في غيبته من عزلة ، ونعم المنزل طيبة،

ص: 459

وما بثلاثين من وحشة(1)

وفي بعض نسخ المجلسي رحمه الله:«ولا له في غيبته من عزلة»، والسقوط واضح في النسخة؛إذ في الأصل:«ولا بد له...»

ثم علق قائلا:«وظاهر الخبر کما صرح به شراح الأحاديث أنه علیه السلام يستأنس بثلاثين من أوليائه في غيبته،وقيل:إن المراد أنه على هيئة من سنه ثلاثون أبدا،وما في هذا السن وحشة،وهذا المعنى بمكان من البعد والغرابة،وهذه الثلاثون الذين يستأنس بهم الإمام علیه السلام فی غيبته لابد أن يتبادلوا في كل قرن؛إذ لم يقدر لهم من العمر ما قدر لسيدهم علیه السلام،ففي كل عصر يوجد ثلاثون مؤمنا وليا يتشرفون بلقائه»(2)

واختار في مرآة العقول المعنى الأول،أعني:«لا بد له في غيبته من عزله»(3)،ونحن وإن حملنا اللفظ الثاني على التصحيف وسهو الكتاب وأنه في الأصل «لابد له»،لكننا لا يمنع من تقديم المعنى الثاني ،فيكون المراد:أنه علیه السلام رغم غيبته عن الأنظار غير أنه ليس في

ص: 460


1- الكافي:1/340.بحارالأنوار:52/157،153.الغيبة النعماني: 188
2- بحار الأنوار:52/320.
3- مرآة العقول:4/50

معزل عنهم،بل يراهم ولا يرونه ،ويطأ فرشهم،ويدخل مجالسهم،ويشاركهم همومهم ،ولا يعد هذا عزلة؛لأنه أوفق لجملة من الروايات المصرحة باختلاطه للناس وحضور مجالسهم ،وإن كانت روايات ٱخر تعضد المعنى الأول،وهي التي يقول في بعضها أنه مأمور بالعزلة ،وأن يتخذ مواطن معزولة عن الناس،ولا يشاركهم في الوطن والمسكن،وطريق الجمع أنه إن كانت العزلة بمعنى الانقطاع التام وعدم الاختلاط مطلقا فهي تنافي كثيرا من الروايات التي لا شك في سلامة أسانید بعضها، فالأوفقالأنسب هو الأخذ بالثاني وهو قوله علیه السلام:«ولا له في غيبته من عزلة»،وإن كانت بمعنى اعتزال الناس في الموطن والمقام، فالأوفق الأخذ بالأول،وهو قوله علیه السلام:«ولا بد له في غيبته من عزلة»،وعلى كلا المعنيين تدل سائر الروايات الواردة في هذا الخصوص.

وعلى كل حال،فنحن الذين نعيش حالة العزلة؛لأننا في عزلة من هذه النعمة والبركات ،وليس الإمام صلوات الله عليه.

وقد اختار المرحوم المولى صالح المازندراني المعنى الثاني لأنه حمل العزلة على الانقطاع التام،وهو لا يتفق مع جملة من الروايات

ص: 461

الدالة على حضوره علیه السلام ومعاشرته لللناس(1)،وأنت ترى مافيه،بعد الذي قدمناه آنفا.

ثم إن العلامة المجلسي طاب ثراه علق على الحديث المزبور قائلا«بیان:..والعزلة-بالضم -اسم الاعتزال،والطيبة اسم المدينة الطيبة،فيدل على كونه علیه السلام غالبا فيها وفي جوانبها،وعلى أن معه ثلاثين من مواليه وخواصه،إن مات أحدهم قام آخر مقامه» (2)

واستندالمحدث النوري لإثبات حكايات الرؤية والمشاهدة بهذا الحديث قائلا:«وهذه الثلاثون الذين يستأنس بهم الإمام علیه السلام في غيبته لا بد أن يتبادلوا في كل قرن؛ إذ لم يقدر لهم العمر ما قدر لسيدهم علیه السلام،ففي كل عصر يوجد ثلاثون مؤمنا وليا يتشرفون بلقائه»(3)

نقد الرواية سنداودلالة

أولا:لا يمكن الاستناد إلى هذه الرواية لضعف سندها بعلي بن

ص: 462


1- شرح الكافي: 6/243
2- بحار الأنوار:52/158
3- جنة المأوى المطبوع ضمن بحار الأنوار:53/320

أبي حمزة البطائني زعيم الواقفة(1)،إلا أن يثبت أنه رواها قبل انحرافه وسقوط وثاقته،فهل هي من مروياته قبل الوقوف وإنكار إمامة مولانا الرضا صلوات الله عليه أم بعد ذلك؟

فتوقف العلامة المجلسي قدس سره في مرآة العقول عن التوثيق والتضعيف؛لاحتماله صدورها قبل ذلك أو بعده، ولهذا احتمل ضعفها کما احتمل وثاقتها أيضا،فلا يمكن الاستناد إليها.

وهو رحمه الله في البحار وإن روي لهذا الخبر عن غيبة النعماني سندا صحيحا(2)من غير أن ينقل الحديث،إلا أنه تدارك هذا الاشتباه في حاشيته مصرحا أن السند المزبور إنما هو للحديث الذي تلى هذا الحديث في غيبة النعماني (3)،وليس يرتبط بذات الحديث.

ثانيا یرد على المتن أن الوحشة غير معقولة في شأن الإمام علیه السلام كيف وهو مشغول بمهام الٱمور لا تخفى عليه ٱمور العباد والبلاد ويخالط الناس ويحضر المواسم وله مع الله تعالى وخلائقه شؤون تنفي معنى الاستيحاش،ولهذا حمل العلامة المجلسي رحمه الله هذه الوحشة

ص: 463


1- جامع الرواة:1/547.
2- بحار الأنوار:52/157
3- الغيبة/ النعماني: 188.

على معنى آخر هو ٱنس هؤلاء الثلاثين بعضهم ببعض،لا أدري وليت شعري ما علاقة غيبة الإمام صلوات الله عليه بعدم وحشة هؤلاء الثلاثين؟!وليتني علمت وجه العلاقة بين ذاوذا.

إلا أن نحمل الوحشة على معنى فوق إدراكاتنا الطبيعية، وهو كما ترى.نعم،الاستیناس بالأولياء وصحبتهم أمر مألوف لابد منه،وفي فقدان الإخوان وحشة للجميع حتى الأنبياء والأئمة علیهم السلام،وفي التاريخ والسيرة والحديث شواهد كثيرة.ولهذا جاء في الحديث:

وروى في البحار:

«المظفر العلوي عن...عن ابن فضال،عن الرضا علیه السلام، قال:«إن الخضر شرب من ماء الحياة، فهو حي لا يموت حتى ينفخ في الصور...»إلى أن قال علیه السلام:« وسيؤنس الله به وحشة قائمنا علیه السلام في غيبته،ويصل به وحدته»(1)

ولكن فيه أن الخضر الذي هو أطول عمرة منه علیه السلام بمن يستأنس؟أليس هو أيضا يستأنس بكل نبي أو وصي أو ولي في كل زمان؟فالأفضل أن يقال:يستأنس كل احد منها بصاحبه،ولا نشك

ص: 464


1- بحار الأنوار:52/152

في ذلك،فتأمل.

ثالثا:أن شراح الكافي حملوا هذا الخبر على الغيبة الصغرى حيث كان يسكن المدينة المنورة،بينما يظهر من العلامة المجلسي عليه الرحمة اختصاصه بزمن الغيبة الكبرى(1)،كما صرح لدي شرحه الحديث التالي لهذا الحديث باختصاص هذا الحديث بزمن الغيبة الكبری(2)وهكذا صنع المولى صالح المازندراني قائلا:«لأنه يعتزل الناس جميعا(3)فأرادرحمه الله أن الإمام لاعتزاله الناس في الغيبة الكبرى خصه الله تعالى بثلاثين من الأخبار والخدم؛لدلالة الحديث القادم والتصريع فيه بخاصة مواليه،وسيأتي إن شاء الله تعالى.

أما الفيض الكاشاني رحمه الله فقد خص الرواية بالغيبة الصغرى حيث قال:«ومعه ثلاثون من شيعته يأنس بعضهم ببعض، فلا وحشة لهم ، كأنه أشار بذلك إلى غيبته القصيرة، فإن في الطويلة ليس لشيعته إليه سبيل»(4)

ص: 465


1- مرآة العقول:4/50
2- مرآة العقول:4/52
3- شرح الكافي: 6/243.
4- الوافي:2/412

وكيف كان فسواء حمل على إرادة الصغرى القصيرة أو الكبرى الطويلة فالوحشة غير متصورة في حقه علیه السلام، إلا أن يحمل على إرادة الوحشة لٱولئك الموالي والأصحاب،كما تقدم من بعضهم عليهم الرحمة ،وهو في غاية البعد؛إذ الكلام عن غيبة الإمام أرواحنا له الفداء ووحشته لا عن أولئك الثلاثين ، بل ظاهر الخبر أن الثلاثين ٱنس له علیه السلام،يأنس بهم،وهو رغم بعده ليس ببعيد إذا وجدنا له مخرجا ومعنى يدفع الإشكال السابق.

2-واستندوا أيضأ بموثقة عار عن مولانا الصادق صلوات الله عليه:«للقائم غیبتان: إحداهما قصيرة والٱخرى طويلة ،الغيبة الٱولى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة شيعته،والٱخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه(1)

رواها النعماني عليه الرحمة عن ابن عقدة،والكليني رحمه الله باختلاف يسير في السند (2)وقال المجلسي طاب ثراه في شرح الرواية:«إلا خاصة مواليه»،أي خدمه وأهله وأولاده أو الثلاثين الذين مضى ذكرهم،وفي الغيبة الصغرى كان بعض خواص شیعته مطلعين

ص: 466


1- الكافي:1/340.
2- الغيبة/ النعماني: 170.

على مكانه کالسفراء وبعض الوكلاء»(1)،وقال المولى صالح المازندراني رحمه الله:«المراد من خاصة مواليه ، حواریوه علیه السلام(2)،وفسر الفيض الكاشاني «خاصة مواليه» بالخدم،قال رحمه الله:«كأنه پرید بخاصة الموالي الذين يخدمونه؛لأن سائر الشيعة ليس لهم فيها إليه سبيل»(3)

3-واستندوا أيضا لإمكان المشاهدة في زمن الغيبة الكبرى بخبر المفضل بن عمرو عن مولانا الصادق علیه السلام:«إن لصاحب هذا الأمر غيبتين ...»إلى قوله علیه السلام:«لا يطلع على موضعه أحد من ولي ولا غيره،إلا المولى الذي يلي أمره» (4)

ورواه صاحب البحار بلفظ:« من ولده ولا غيره»بدل«من ولي ولا غيره»(5)عن غيبة الطوسي قدس سره،حيث نرى أن الشيخ أعلى الله مقامه رواه بلفظين،تارة بلفظ«من ولده »(6)كما في البحار،

ص: 467


1- مرآة العقول:4/52
2- شرح الكافی:6/245
3- الوافي:2/416
4- الغيبة/النعمانی:172،171
5- بحار الأنوار:52/153.
6- الفیبة/الشیخ الطوسی:162

وتارة ٱخرى خاليا من عبارتي « من ولده»و«من ولي) كلتيهما ،مكتفيا بلفظ«من غيره»(1)،وقد المتقي الهندي ما جاء في غيبة النعماني راوياإياه عن الإمام الحسین علیه السلام(2)

ويرد عليه:

أولا:ضعف السند.

ثانيا:أنه لا يعرف موضعه إلا الغلام والمولى الذي يخدمه ويقوم بشؤونه،وهو كما ترى ينافي الروايتين الآنفتين، وروايات ٱخر أعرضنا عن إعادتها هنا لئلا يطول بنا المقام.

خلاصة القول

إن هذه الأدلة الروائية لا تنهض بالغرض،ولا هي تقدر على معارضة التوقيع الشريف وأدلة امتناع المشاهدة، وعليه فلم يقدم العلمان الجليلان السيد المرتضى وشيخ الطائفة ولا من تبعهما دليلا روائيا يمكن الاستناد إليه بحسب قواعد علم الٱصول وعلم الرجال وعلم دراية الحديث على إمكان المشاهدة في عصر الغيبة الكبرى،بل إنا نجد الشيخ المفيد أعلى الله مقامه قال مستندا إلى الروايات

ص: 468


1- الغيبة/الشيخ الطوسی: 161.
2- كما في منتخب الأثر: 253،نقلا عن البرهان في علامات آخر الزمان.

الثلاثة المتقدمة:«بأنه لا بد للقائم المنتظر من غيبتين، إحداهما أطول من الٱخری، ويعرف خبره الخاص في القصری ،ولا يعرف العام له مستقرأ في الطولى،إلا من تولى خدمته من ثقاة أوليائه،ولم ينقطع عنه إلى الاشتغال بغيره»(1)

نعم،حمل الملحدث النوري أعلى الله مقامه النفي الوارد في الأحاديث عن رؤيته،على إرادة مكان إقامته وموطنه وسكناه الخاصة بمن معه، مستندا في ذلك إلى بعض الأخبار والأحاديث التي قدمناها عند استعراضنا لنظر المحدث الجليل رحمه الله،فلتطلب من هناك،ونحن وإن وافقناه على صحة استتار موطنه الشريف،بيد أننا لا نقبل بحمل امتناع الرؤية على إرادة امتناع الاطلاع على موضعه وموطنه الخاص ، بل كل واحدة منهما-أعني المشاهدة ومعرفة المكان - ممتنعتان بدليلها الخاص بها، فهذا الحمل وأمثاله يحتاج إلى دليل ، كما أن استثناء البعض من هذا الحكم العام يحتاج إلى دليل من المعصوم علیه السلام وهو مفقود.

ص: 469


1- المسائل العشرة في الغيبة: 82.

ص: 470

الدرس الخامس والثلاثون: اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه - 9

بسم الله الرحمن الرحیم

وأما الإجماع:

ومما استند إليه دعاة إمكان المشاهدة هو الإجماع،ومعناه أن يسمع بعض العلماء كلاما أو حكما فقهيا من الإمام الحجة أرواحنا فداه مباشرة لا بالواسطة أو بواسطة معتبرة غاية الاعتبار فينقله في قالب دعوى الإجماع خشية تكذيبه ورده إليه،قال المحقق التستري - المعروف بالمحقق الكاظمي - في كشف القناع في إثبات الإجماع وأقسامه ما حاصله وخلاصته:أن جماعة من حملة أسرار أهل البيت علیهم السلام يقطعون بكلام الإمام الغائب ، يعلمون به بواسطة نقل أحد السفراء،أو مواليه علیهم السلام لهم في السر بحيث يحصل من نقله القطع واليقين بصحة نسبته إليه علیه السلام أو أن يبلغه ذلك بتوقيع ومراسلة من

ص: 471

جهة الإمام علیه السلام،أو أن يسمع كلامه مباشرة من غير واسطة في البين،بحيث لا ينافي امتناع الرؤية في زمن الغيبة الكبری.

ولما كان مثل هذه الجماعة لايجرأون على التصريح بذلك وإيصال قول الإمام علیه السلام إلی شيعته لمحذور امتناع ادعاء المشاهدة،بل المشاهدة ذاتها،كما حققناه هنا، وليس له دليل من الكتاب والسنة أو العقل عليه... مضافا إلى عدم تكليفه الكتمان،فهو حينئذ لا يجد بدا من ادعاء الإجماع عليه للافصاح عنه والإدلاءبه.

ولعل هذا الأصل هو المسوغ الشرعي الذي تستند إليه الكثير من الزيارات والآداب والأعمال التي اشتهرت بين الإمامية،مما لا سند ظاهر لها من الأخبار وكتب السلف والماضين(1)

هذامضمون وحاصل وملخص قوله رحمه الله.

وهو بذلك عد ثبوت أكثر الزيارات والآداب والأعمال الشهيرة التي يتم تداولها بين الإمامية ولا مستند لها من الأحاديث والأخبار وكتب الأعلام،بدليل هذا النوع من الإجماع،ولهذا واستنادا إلى ما تقدم من كلام المرحوم التستري،وبلحاظ ما تقدم في كتابه کشف القناع أجاز المحدث النوري في جنة المأوى والنجم الثاقب

ص: 472


1- کشف القناع:230.

الرؤية والمشاهدة في هذا العصر.

مناقشة المرحوم التستري ويرد على ذلك بوجوه:

أولا:أنه ينافي أدلة الامتناع. ثانيا:لايصح التعبير بالسفير في الغيبة الكبرى.

ثالثا:أن خروج التوقيع والمراسلة ممتنعان في هذا العصر إلا بدليل خاص،والدليل مفقود حتى يظهر.

رابعا:أنه لا دليل على حجية هذا النوع من الإجماع.

خامسا:لا يرى العلماء- الفقهاء والٱصوليون -حجية لهذا النوع من الإجماع،حتى أنهم رفضوا الاستناد إلى الإجماع الدخولي والإجماع اللطفي ولم يروا لهما حجية في الشريعة.

قال السيد المرتضی علم الهدى رضی الله عنه بعدما استعرض جملة من آراء الطوائف وعلماء المذاهب الإسلامية في مسألة الإجماع وحكمه:

«والصحيح الذي نذهب إليه أن قولنا(إجماع):إما أن يكون واقعا على جميع الٱمة،أو على المؤمنين منهم،أو على العلماء فيما يراعى فيه إجماعهم،وعلى كل الأقسام لابد من أن يكون قول الإمام المعصوم داخلا فيه؛لأنه من الٱمة،ومن أجل المؤمنين، وأفضل العلماء،فالإسم مشتمل عليه،وما يقول به المعصوم لا يكون

ص: 473

إلاحجة وحقا...الخ (1)

وقال الفاضل التوني أعلى الله مقامه:«الإجماع لغة:الاتفاق.

واصطلاحا-عندنا-اتفاق جمع يعلم به أن المتفق عليه صادر عن رئيس الٱمة وسيدها وسنامها صلوات الله عليه، والحق إمكان وقوعه،والعلم به،وحجيته»(2)

ثم قال:«الإجماع يطلق على معنيين؛أحدهما:اتفاق جمع على أمر،يقطع بأن أحد المجمعين هو المعصوم،ولكن لا يتميز شخصه.وهذا القسم من الإجماع ما لا يكاد يتحقق؛لأن الإمام علیه السلام قبل وقوع الغيبة كان ظاهرا مشهورا عند الشيعة في كل عصر، يعرفه كل منهم ، وبعد الغيبة يمتنع حصول العلم بمثل هذا الاتفاق...

وثانيهما:اتفاق جماعة على أمرلايقطع بدخول الإمام علیه السلام فيهم،بل قد يقطع بخروجه عنهم،إلاأن هؤلاء المجمعين كانوا ممن لا يجوز العقل اجتماعهم على الإفتاء من دون سماعهم لتلك الفتوى عن قدوتهم وإمامهم علیه السلام»(3)

ص: 474


1- الذريعة:2/ 605
2- الوافية: 151.
3- الوافية: 153.

ثم قال في البحث الثالث:«الحق إمكان الإطلاع على الإجماع بالمعنى الثاني ..الخ.»(1)

ومن أراد المزيد والتفصيل فعليه بكتب الأصول، لاسيما فرائدالٱصول الرسائل - للشيخ الأعظم الأنصاري (2)

والمحقق الروحاني أعلى الله مقامه ذكر في مبحث الإجماع عند تعرضه لبيان طرق معرفة رأي الإمام صلوات الله عليه:

الخامس:التشرف بخدمة الإمام علیه السلام،ومعرفة رأيه، فينقل الحكم بعنوان الإجماع لبعض الأغراض»(3)

قال الآخوند الخراساني أعلى الله مقامه في التنبيه الأول من مبحث الإجماع:«...وإن احتمل تشرف بعض الأوحدي بخدمته ومعرفته أحيانا...الخ»(4).فهما رحمها الله أیضا ممن یرون جواز التشرف واللقاء بحضرة الإمام صلوات الله عليه مع العلم والمعرفة به علیه السلام، أي:أنهما ذهبا إلى إمكان مشاهدته علیه السلام.

قال مؤسس حوزة قم ومجدد أمجادها الشيخ عبدالكريم الحائري

ص: 475


1- الوافية:154
2- الفرائد:1/184.
3- منتقى الٱصول:4/239
4- كفاية الأصول: 291.

طيب الله ثراه في معرض الرد على حجية الإجماع الدخولي والإجماع اللطفي:«إن الطريق الأول- يعني الإجماع الدخولي - مما لا يمكن تحصيله في عصر الغيبة ... والطريق الثاني - يعني الإجماع اللطيفي - ليس صحيحا لعدم تمامية البرهان الذي ٱقيم عليه،فإنه بعد غيبة الإمام علیه السلام بتقصير منا كل ما يفوتنا من الانتفاع بوجوده الشريف وبما يكون عندهمن الأحكام الواقعية قد فاتنا من قبل أنفسنا،فلا يجب عليه عقلا أن يظهر المخالفة عند اتفاق العلماء،إذا كان اتفاقهم على خلاف حکم الله الواقعي»(1)

وقال المرحوم المظفر في مبحث الإجماع:

«1-طريقة الحس،وبها يسمي الإجماع:الإجماع الدخولي، وتسمى الطريقة التضمنية، وهي الطريقة المعروفة عند قدماء الأصحاب التي اختارها السيد المرتضى وجماعة سلكوا مسلکه.

وحاصلها:أن يعلم بدخول الإمام في ضمن المجمعين على سبيل القطع من دون أن يعرف بشخصه من بينهم.

وهذه الطريقة إنما تتصور إذا استقصى الشخص المحصل للإجماع نفسه وتتبع أقوال العلماء،فعرف اتفاقهم ووجد من بينها أقوالا

ص: 476


1- درر الفوائد:372.

متميزة معلومة لأشخاص مجهولين حتى حصل له العلم بأن الإمام من جملة أولئك المتفقين،أو يتواتر لديهم النقل عن أهل بلد أو عصر، فعلم أن الإمام كان من جملتهم،ولم يعلم قوله بعينه من بينهم،فيكون من نوع الإجماع المنقول بالتواتر.

ومن الواضح أن هذه الطريقة لا تتحقق غالبا إلا لمن كان موجودا في عصر الإمام،أما بالنسبة إلى العصور المتأخرة فبعيدة التحقق،لاسيما في الصورةالٱولى وهي السماع من نفس الإمام ...الخ»(1)

وقال في موضع آخر:

«إذاعرفت ذلك ظهر لك أن الإجماع لا يستلزم القطع بقول المعصوم، عدا الإجماع الدخولي ،وهو بالنسبة إليها غير عملي»(2)

ثم قال رحمه الله:

«2-طريقة قاعدة اللطف،وهي أن يستكشف عقلا رأي المعصوم من اتفاق من عداه من العلماء الموجودين في عصره خاصة،أو في العصور المتأخرة،مع عدم ظهور ردع من قبله لهم بأحد وجوه الردع الممكنة،خفية أو ظاهرة،إما بظهوره نفسه،أو بإظهار من

ص: 477


1- ٱصول الفقه:2/95.
2- المصدر المتقدم: 100.

يبين الحق في المسألة،فإن قاعدة اللطف کما اقتضت نصب الإمام وعصمته تقتضي أيضا أن يظهر الإمام الحق في المسألة التي يتفق المفتون فيها على خلاف الملحق،وإلا لزم سقوط التكليف بذلك الحكم،أو إخلال الإمام بأعظم ما وجب عليه ونصب لأجله،وهو تبليغ الأحكام المنزلة.

وهذه الطريقة هي التي اختارها الشيخ الطوسي ومن تبعه،بل یری انحصار استكشاف قول الإمام من الإجماع فيها ...الخ»(1)

ورد على هذه الطريقة قائلا: «و لازم هذه الطريقة قدح المخالفة مطلقا،سواء كانت من معلوم النسب أو مجهوله، مع العلم بعدم کونه الإمام، ولم يكن معه برهان يدل على صحة فتواه.

ولازم هذه الطريقة أيضا عدم کشف الإجماع إذا كان هناك آية أو سنة قطعية على خلاف المجمعين،وإن لم يفهموا دلالتها على الخلاف» (2).

وقال رحمه الله فی حكم هذا النوع من الإجماع:

وأما القول بأن قاعدة اللطف تقتضي أن يكون الإمام موافقا لرأي المجمعين،وإن استند المجمعون إلى خبر الواحد الذي ربما لا تثبت

ص: 478


1- ٱصول الفقه:2/96.
2- ٱصول الفقه:2/97

لنا حجيته من جهة السند أو الدلالة لو اطلعنا عليه ، فإننا لم نتحقق جریان هذه القاعدة في المقام... لأن السبب الذي يدعو إلى اختفاء الإمام واحتجاب نفعه مع ما فيه من تفويت لأعظم المصالح النوعية للبشر هو نفسه قد يدعو إلى احتجاب حكم الله عند إجماع العلماء على حكم مخالف للواقع..الخ»(1)

ثم قال:«وعلى هذا فمن أين يحصل لنا القطع بأنه لابد للإمام من إظهاره حال غيبته عند حصول إجماع مخالف للواقع»(2)

واستنتج من ذلك كله : « وإذا جاء الاحتمال لا يبقى مجال لاستلزام الإجماع القطع بقول المعصوم من جهة قاعدة اللطف »(3)

اخترنا هذا القليل من أقوال علمائنا لتحرير موضع النزاع ، ولمجرد الاستشهاد ، وإلا فلكل واحد من أعلام الطائفة كلام مفصل وقول فصل بهذا الخصوص يمكن مراجعة أقوالهم في كتبهم الٱصولية التخصصية لذوي لاختصاص.

فإذا انتفت وظيفة الإمام علیه السلام في بيان ما يخالف حكم الله الواقعي

ص: 479


1- ٱصول الفقه.
2- ٱصول الفقه: 2/100.
3- المصدر المتقدم: 101.

فهو بالأولويةالقطعية ليس مكلفا بيان ما خفي علينا في أبواب الآداب والأدعية والزيارات،أضف إلى ذلك أنه علیه السلام وأبوه مولانا الإمام العسكري صلوات الله عليه ومن بعدهما وبلحاظ أوامرهما الممضية السيرة العقلاء وحكم العقل قد أرشدوا العامة إلى متابعة الفقهاء وأخذ الأحكام الشرعية عنهم، وتلقي تكاليفهم منهم بطریق التقليد(1)،فهذا العلامة الكراجكي طاب ثراه بعد بیان احتمال انتفاع بعض الأولياء من منبع الفيض الإلهي أرواحنا له الفداء قال :

«فأما الذي يجب أن يفعله اليوم المسترشدون ويعول عليه المستفيدون فهو الرجوع إلى الفقهاء من شيعة الأئمة، وسؤالهم في الحادثات عن الأحكام والأخذ بفتاويهم في الحلال والحرام ، فهم الوسائط بين الرعية وصاحب الزمان علیه السلام، والمستودعون أحكام الشريعة الإسلامية،ولم يكن الله تعالى يبيح لحجته صلى الله عليه الاستتار إلا وقد أوجد للٱمة من فقه آبائه ما تنقطع به الأعذار»(2)

ومن قبله صرح بذلك شيخ مشايخ الطائفة المفيد طاب ثراه قائلا:

ص: 480


1- ذكرنا ذلك مفضلا في محله من هذا الكتاب ، وقد فضلناه في الحلقة الثانية من كراسنا: «كيف نفهم الرسالة العملية
2- کنز الفوائد:2/218

ويستعينوا في معرفة ذلك بعلماء الشيعة وفقهائهم ، وإن كان -والعياذ بالله - لم يوجد فيا اختلفوا فيه نص على حكم سمعي فليعلم أن ذلك مما كان في العقول و مفهوم أحكام العقول...الخ »(1)

سادسا : لعل ما أشار إليه المحقق الكاظمي قدس الله روحه من الآداب والزيارات والدعوات يكون ممتا تلقاه الشخص في المنام، أو عن طريق السماع، كما هو الحال بالنسبة للسيد ابن طاووس رضی الله عنه في مورد واحد أنه سمع صوت الحجة عجل الله تعالى فرجه في السرداب الشريف وهو مشغول بالدعاء (2)،ولم يرد عنه رضی الله عنه أنه ادعی الرؤية قط،وسيأتي البحث فيما يحكي عنه مفصلا في الأسطر القادمة إن شاء الله تعالى.

وقال السيد ابن طاووس رضی الله عنه في وصاياه لابنه في كتاب كشف المحجة لثمرة المهجة: «وقد احتجناكم مرة عند حوادث حدثت لك ، إليه ، ورأيناه في عدة مقامات في مناجاة ، وقد تولى قضاء حوائجك بإنعام عظيم في حقنا وحقك ، لا يبلغ وصفي إليه» (3)

ص: 481


1- الرسالة الأولى في الغیبة:15
2- مهج الدعوات: 380.بحار الأنوار:53/228
3- کشف المحجة: 304.

أقول : لعل ادعاء السيد أعلى الله مقامه هنا لمجرد الرؤية کما صرح بها: «ورأيناه » ، وعليه فما أراد المشاهدة وما ادعاها، بل ادعی الرؤية، ولم يناقش أحد في إمكان الرؤية وجواز ادعائها إن لم تصحبها المعرفة الحالية ، وإن کا لانمنع المشاهدة له ولأمثاله ونظائره من الأوتاد، فتأمل.

سابعا : أنا لو فرضنا صحة ما ادعاه التستري رحمه الله وسلمنا به جملة و تفصيلا، فإنه لا يثبت صحة تلك الحكايات التي أوردها المرحوم المحدث النوري ، ولا ينهض بالاستناد والاستدلال کما لا يقوى على معارضة أدلة نفي المشاهدة ؛ ذلك أن المحقق التستري عليه الرحمة إنما استند إلى دعوى الإجماع في إبلاغ تلك الآداب والأعمال لإثبات إمكان المشاهدة مع فرض امتناع الرائي والمشاهد عن ادعاء المشاهدة والرؤية ، وهو يوافق روایات تکذیب المدعي ، والحال أن المحدث النوري طاب مثواه نقل حکایات وقصصا عن ادعوا المشاهدة ، وقدأمرنا بتكذيبهم ؛ لأن مدعي المشاهدة ثبت بالدليل الصحيح أنه كذاب مفتر أو كاذب مفتر.

ص: 482

الدرس السادس و الثلاثون: اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه-10

بسم الله الرحمن الرحیم

وأما القصص والحكايات:

فقد ورد في كثير من الكتب والمؤلفات قصص وحكايات جمة تدل على إمكان المشاهدة ووقوعها صراحة ممن ادعوا الرؤية والمشاهدة ، و عمن نسبت إليهم بعض تلك الحكايات ، وحكايات تدل على إمكان الرؤية والمشاهدة ضمنا لا صراحة . وأول هذه الحكايات على ما يبدو -والعلم عند الله تعالى - هي حكاية نصب الحجر الأسود عام 339ه المتعلقة والمنسوبة إلى ابن قولويه رحمت الله، التي لم نعثر لها على ناقل قبل القطب الراوندي ،المتوفی 573ه في كتابه الخرائج والجرائح،(1)

ص: 483


1- الخرائج والجرائح : 1/ 475. بحار الأنوار:52/56.

وبين ابن قولویه وهذا الأخير ما يربو على القرنين لتأخر الراوندي أعلى الله مقامه عن ابن قولویه بزمن طويل ، ثم وجدنا السيد ابن طاووس رحمه الله، المتوقى 644ه بذل اهتماما مضاعفا ليجمع ويروي جملة غفيرة من هذه القصص والحكايات(1)،وازدادت هذه الحكايات ورواتها ودعاتها يوما بعد يوم حتى غدى أمر الرؤية والمشاهدة ضروريا مسلما لا تكاد تطاله يد النقض والإبرام ، بل أضحت أدلة النافين للرؤية في غياهب النسيان تتطاولها سهام السنة الطاعنين .

فممن عنى بنقل هذه الحكايات محدثنا البارع المحدث النوري طاب ثراه، بعد ما أكد جواز المشاهدة ذكر إشكال امتناع الرؤية في زمن الغيبة الكبرى ، وإجابة السيد بحر العلوم ورده على الإشكال في خاتمة «مستدرك الوسائل»، ثم قال ردا على جواب السيد رضی الله عنه:«ونحن أوضحنا جواز الرؤية في الغيبة الكبرى بما لا مزيد عليه في رسالتنا « جنة المأوی» ، وفي كتاب « النجم الثاقب» ، وذكرنا شواهد و قرائن لا تبقي معها ريبة ، ونقلنا عن السيد المرتضی وشیخ الطائفة وابن طاووس التصريح بذلك ، وذكرنا لما ورد من تکذیب مدعي الرؤية ضروب من التأويل تستظهر من كلماتهم ، فلاحظ هذا».

ص: 484


1- فرج المهموم: 247.

ثم أضاف: «ومن أراد أن يجد – وجدا_مفاد قول الحجة علیه السلام فی حقه:«أیهاالولی الملهم »، فليمعن النظر في مجالس مناظراته مع أرباب المذاهب المختلفة ، وأجوبته المحاضرة المفعمة الملزمة ، كفاك في ذلك كتاب « الفصول» للسيد المرتضى رضی الله عنه ، الذي قد لخصه من کتاب « العيون والمحاسن» للشيخ ، ففيه ما قيل في مدح بعض الأشعار: یسکر بلا شراب ، ويطرب بلا سماع ، وقد عثرنا فيه على الأجوبة الممكنة التي يبعد عادة إعداده قبل المجلس ، ثم استطرف بذكر طريقة منه» (1)

ومن المعاصرين المرجع الديني سماحة الشيخ لطف الله الصافي الگلپایگانی دامت برکاته ، فإنه قال في مقام الرد على من زعم كذب الحكايات وقصص المشاهدة وادعی کونها موضوعة:

«أقول:ما نرى في هذه الحكايات ابتذالا لرؤيته علیه السلام، وهو علیه السلام يعرف من يليق برؤيته علیه السلام؛ لصلاحية في نفسه ، أو لحكمة ومناسبة تقتضي ذلك ، وأولياؤه والخواص من شیعته مخفيون في عباد الله تعالى يعرفهم علیه لإمام السلام »، ثم قال دام ظله:«... مضافا إلى أنه لو استظهر من هذا التوقيع حرمان الناس كلهم عن التشرف بلقائه،ينافي

ص: 485


1- رجال بحر العلوم: 3/519. الفوائد الرضوية: 630.

الحكايات المتواترة التي لا شك في صحتها ، سیما تشرف عدة من أكابر العلماء ، وهذه قرينة على أن المراد من کون من يدعيالمشاهدة كذابة مفترية ، من يدعيها ، كما كان متحققا للسفراء في عصر الغيبة الصغرى فيدعي بها النيابة والسفارة والوساطة بين الناس وبين الإمام عليه الصلاة والسلام ، والحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى»(1)

وقد تقدم الكلام في ما نسب إلى العلمين الجليلين: الشريف المرتضی وشیخ الطائفة عليهما الرحمة أنهما لم يجزما بالجواز والإمكان ، وإنما طرحا الأمر من جهة الاحتمال للرد على المخالفين ، كما أجبنا عن إشكال الإرسال وضعف السند اللذين أوردهما المحدث الجليل رحمه الله بخصوص التوقيع الشريف.

وأما العلامة المجلسي أعلى الله مقامه الشريف حيث سعى للجمع بين تلك الحكايات من جهة والتوقيع الشريف من جهة ٱخرى بتأويل المشاهدة إلى خلاف ظاهر اللفظ، قائلا:«لعله محمول على من يدعي المشاهدة مع النيابة وإيصال الأخبار من جانبه إلى الشيعة ، على مثال السفراء ، لئلا ينافي الأخبار التي مضت وستأتي فيمن رآه»(2)

ص: 486


1- مجموعة الرسائل: 2/212.
2- بحار الأنوار:52/151.

وهو غير تام بوجوه:

أولا:أن صدر التوقيع قد تكفل بهذا المعنى - كما تقدم - ولا معنى للإعادة هنا ، إلا بغرض آخر.

ثانيا:أن ذیل الرواية في مقام نفي الرؤية والمشاهدة قبل الصيحة وخروج السفياني مطلق ، وهذا الإطلاق ينفي دعوى التقييد بخصوص المشاهدة مع ادعاء النيابة الخاصة ، بل يجب تكذیب كل من يدعي المشاهدة سواء أكان دعواه مرافقأ لادعاه النيابه أم لا ؟

ثالثا : أن التقييد يجب أن يكون متصلا ضمن التوقيع وهو مفقود هنا، أو منفصلا في توقيع صحيح أو رواية أخرى صحيحة السند وهو مفقود أيضا ، وأما القصص والحكايات فلا تسمن ولا تغني من جوع؛ لأنها لا تنهض لتخصيص الأخبار الصحيحة وهو ما ثبت في علم الٱصول - وإلا عمت الفوضى وكان مآله الهرج والمرج.

رابعا: أنا لا نسلم بهذا التأويل البعيد و المخالف للظاهر وللقواعد الٱصولية ، ولو سلمنا ، فإن التوقيع ينفي الجميع ويأمر بتكذيب كل من ادعى المشاهدة ، سواء كانت مع ادعاء السفارة ، أو لم تكن كذلك ، لا حمله على خصوص ادعاء المشاهدة مع السفارة ، وإلا اختلط الحابل بالنابل.

ص: 487

خامسا: جلالة قدر أصحاب هذه القصص والحكايات لا تغير من الواقع العلمي المبني على الدراسة والتحقيق شيئا.

نعم ، ربما يحصل من مجملها علم إجمالي بصدق ولو بعضها -كما سيأتي إنشاء الله تعالى - وبالتالي حصول علم إجمالي بإمكان المشاهدة ، حینئذ يجب النظر والتأمل بحثا عن التأويل السليم الموافق لإطلاق الدليل ، من غير حاجة إلى مخالفة الظاهر بالحمل على الفرد البعيد أو خلاف الظاهر ، فينبغي کون التأويل ملائما للإطلاق ليتم الانصراف ويصح التصرف في لسان الدليل.

سادسا : هذه التوجيهات والتأويلات جاءت متأخرة جدا، ولو كانت صحيحة لتفطن لها أعلام الطائفة ، كالشيخ والسيد وغيرهما ، الذين لم يدخروا وسعا في البحث عن المخارج لهذه المآزق کما اجتهدوا كثيرا في التصنيف والتأليف والرواية والتحقيق فيما يخص أمر الحجة صاحب الأمر أرواحنا فداه .

سابعا : أن انقطاع السفارة كان من ضروريات المذهب لدى أعلام الطائفة رضی الله عنها ، بل لدى الشيعة كافة ولم يستند أحد في تكذيب مدعيها في الغيبة الكبرى بهذا التوقيع ، بل كل من تكلم عن جواز مطلق المشاهدة أو عدم جوازه إنما كان باعثه إلى البحث ذیل هذا التوقيع

ص: 488

وسائر الأدلة النافية لإمكان الرؤية(1)

وأما استناد المحدث النوري طاب ثراه ومن تبعه ، بقصة الجزيرة الخضراء والرد على النافين لإمكان الرؤية والمشاهدة هناك (2)،بدعوى أن تكذیب مدعي المشاهدة يختص بعصر العباسيين والعصور التي يكثر فيها أعداء أهل البيت علیهم السلام ، وبسط نفوذهم على العباد وسلطانهم على البلاد، وأن في عصرنا هذا الذي بعدت الشقة بينهم وبين صاحب الأمر صلوات الله عليه ، فإنهم يئسوا من العثور عليه والنيل منه ، فلا امتناع ولا محذور في رؤيته ومشاهدته علیه السلام.

فيرد عليه:

أولا:أنه لم يرد لهذه الجزيرة ذكر ولا إشارة في الكتب الحديثية المعتبرة القديمة.

ثانيا:لم يرد لها ذكر على لسان المتقدمين إلى زمن المحدث النوري طاب ثراه.

ثالثا:ليس لهذه القصة برمتها مستند صحيح يمكن التعويل عليه.

ص: 489


1- الغيبة/الشيخ الطوسي: 412
2- جنة المأوى المطبوع في البحار :53/319و:52/171.

رابعاً:وعلى فرض وجود المستند الصحيح فلا تنهض لمعارضة إطلاقات التوقيع والأدلة النافية ، ولا تقيد الخبر الصحيح.

خامساً: لم يسلم بها كثير من الأعلام،بل رفضها جملة من الأكابر والأعاظم أو عدوها من خيال القصاصين ، كالعلامة المحقق الشيخ الآغا بزرك الطهراني (1)،والإمام الأكبر العلامة الشيخ جعفر کاشف الغطاء،والشهيد السعيد القاضي الطباطبائي أعلى الله شأنهم.

قال الإمام الأكبررحمه الله:« ومنها اعتمادهم على كل رواية حتى أن بعض فضلائهم رآی في بعض الكتب المهجورة الموضوعة لذكر ما يرويه القصاص من أن جزيرة في البحر تدعي الجزيرة الخضراء فيها دور لصاحب الزمان ، فيها عياله وأولاده ، فذهب في طلبها حتى وصل إلى مصر فبلغه أنها جزيرة فيها طوائف من النصارى ، وكأنه لم ير الأخبار الدالة على عدم وقوع الرؤية من أحد بعد الغيبة الكبرى ، ولا تتبع كلمات العلماء الدالة على ذلك »(2).

ومن الغريب أن المحدث الجليل نقل قصة في بعض كتبه مفادها

ص: 490


1- طبقات أعلام الشيعة -القرن الثامن:145
2- حق المبين: 87.الأنوار النعمانية/السيد نعمة الله الجزائري: 2/64

تکذیب قصة الجزيرة الخضراء، فراجعها هناك(1)

وقال الشهيد القاضي رحمه الله معلقا على مقولة المحدث النوري رحمه الله وروايته للقصص والحكايات ، لاسيما قصة الجزيرة الخضراء، ما هذا نصه:

«وأما حياة مولانا الإمام المهدي المنتظر أرواحنا فداه وإثباتها،فلا احتیاج لنا في إثباتها إلى هذه الحكايات والقصص وسردها في الكتب ، مع أن الله تعالى على كل شيء قدير ، ودلالة الآيات القرآنية والأخبار المتواترة بطرق الشنة والشيعة وضرورة مذهب الإمامية كافية في إثباتها مع إثبات العلم اليوم إمكان الخلود للإنسان في الدنيا ألفا من السنين، وكذا لا احتیاج إلى القول بأنه علیه السلام يعيش في الإقليم الثامن أو في جابلقا أو جابلسا،أو أنه يعيش ببدنه المثالي البرزخي،وأمثال هذه الأقاويل المنكرة المزخرفة المخالفة لضرورة مذهب الإمامية،فإنها من الدعاوى التي لا دليل عليها أصلا».(2)

سادسا:عموم ما في التوقيع الشريف ينافي تخصيص المشاهدة

ص: 491


1- النجم الثاقب: 349.
2- تعليقة الشهيد القاضي على الأنوار النعمانية:2/69.

بالعصر العباسي؛ذلك أنه وصف كل من ادعى المشاهدة بالكذاب أو الكاذب المفتري إلى قبل الصيحة السماوية وخروج السفياني،فهو أعم من كونه في عصر العباسيين أو في غير عصرهم،ولا مخصص من داخل التوقيع ولا من خارجه،ولا تخصیص لسائر أدلة النفي أيضا.

سابعا:أن المتأمل في حكاية الجزيرة الخضراء يرى أن صاحب الحكاية المزعومة الذي يدعي أن نسبه ينتهي إلى الإمام صاحب العصر صلوات الله عليه بست وسائط يصرح أنه لم ير الإمام ولم يشاهده مع ادعاء جيرته(1)ورغم ادعائه النيابة الخاصة،خلافا لنص التوقيع ولضرورة المذهب وإجماع أهل الحل والعقد، فكيف بمن يدعي السفارة والجيرة فضلا عن القرابة للإمام أرواحنا له الفداء ولا يدعي رؤيته ولقائه،بينما يراه الآخرون؟!أليس يبدو الأمر غريبة؟!

ثم إن الفيض الكاشاني طاب ثراه وهو من تلقى خبر الجزيرة بالقبول- كمايبدو(2)-ونقله في كتابه نوادر الأخبار،لا يرى

ص: 492


1- نوادرالأخبار:304.
2- الوافی: 2/402.

جواز رؤية الإمام ومشاهدته في زمن الغيبة الكبرى،بل يصرح بعدم إمكان ذلك ، قال رحمه الله،:«فإن في الطويلة ليس لشيعته إليه سبيل»(1)

فلا جدال في صحة التوقيع بعد ما قدمناه،حتى أن العلامة بحر العلوم طابت نفسه الزكية رغم تواتر ما يروى عن حكايات لقائه بالإمام أرواحنا فداه (2)لم يسلم بإمكان المشاهدة في عصير الغيبة الكبرى،وتردد في توقيعات الشيخ المفيد أعلى الله مقامه،فاجتهد في تأويلها وإيجاد المخرج منها، للجمع بينها وبين الأدلة النافية للرؤية(3)

ص: 493


1- الوافي:2/412.
2- قصص العلماء: 173. بحار الأنوار: 53/202-312وفيها 59 حكاية بعضها للسيد أعلى الله مقامه
3- رجال بحر العلوم:3/320.

ص: 494

الدرس السابع والثلاثون: اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه - 11

بسم الله الرحمن الرحیم

توقيعات الشيخ المفيد رحمه الله

أماالتوقيعات التي نسبت للشيخ المفيد طاب ثراه-الذي ولد في ذي القعدة 336ه، وتوفي في 413ه الدالة على إمكان المشاهدةأو الارتباط به عليه الصلاة والسلام في الغيبة الكبرى،وهي ثلاثة تواقيع:

أولها خرج في شهر صفر المظفر من عام 410ه،والثاني في شوال عام412،والثالث في ذي الحجة من نفس العام،ففي صحتها کلام و تردید؛ذلك:

أولا:أن أول من نقلها الشيخ أبو منصور الطبرسي رحمه الله من أعلام

ص: 495

القرن السادس للهجرة في كتابه الاحتجاج (1)

ثانيا:رواها مرسلة غير مسندة.

ثالثا:يفصل بينه وبين الشيخ المفيد فترة زمنية تقرب من القرن؛التأخره عن الشيخ المفيد قرابة مائة عام،فلا يعقل سماعه لها منه رحمه الله؛ لأنه لم يدركه،ثم أشار إليها تلميذه ابن شهرآشوب، المتوقى 588ھ(2)،حتى جاء تلميذ هذا الأخير ابن بطريق، المتوفى 600ه(3)ونقلها عنه(4).

بينما لا نجد ذكرا لهذه التوقيعات قبل هذا الزمن، ولا تطرق إليها خواص تلامذة الشيخ المفيد رحمه الله كالسيد المرتضى والنجاشي وشیخ الطائفة الطوسي،وأبي يعلى الجعفري وأبي الفتح الكراجكي وسلار بن عبدالعزيز الديلمي وغيرهم أعلى الله مقاماتهم،مع كثرة تصانيفهم وتأليفاتهم واهتمامهم بهذه الآثار والمطالب والموضوعات،ولا نقلها غيرهم من أبناء الطائفة،ولو كان البان، وكان الأحرى

ص: 496


1- الاحتجاج:2/499،497،495.
2- معالم العلماء/ابن شهرآشوب: 101.
3- الذريعة: 15/334،
4- لؤلؤة البحرين/المحدث البحراني: 367.مستدرك الوسائل:3/518.

أن يرويها ٱولئك لو صح خبرها ،وإذانتفي نقلهم ولا حجة تقوى على إثباتها،فالاستدلال بها غير تام،ولا تنهض دليلا مقيدا ولا مخصصا للتوقيع الشريف وسائر أدلة النفي المسندة الصريحة.

على أن العلامة بحر العلوم في رجاله(1)،والزعيم المحقق سیدنا الخوني (2)طاب ثراهما ترددا في صحة هذه التوقيعات واستنادها إلى الشيخ المفيد طابت نفسه الزكية،ولا دلالة لما فيها من التنبؤات وأخبار الغيب على صحتها؛ذلك أن تلك التنبؤات والغيبيات كانت مما وقعت جميعا قبل نقل التوقيعات الثلاثة،وتقدمت عليها بزمان،وهذا كاف للكشف عن احتمال زيفها وجعلها.

وأخيرا:فلو صحت تلك التواقيع لأوردها الشيخ المفيد عليه الرحمة في بعض كتبه أو أملاها على أحد من أصحابه،والمقدم منتف،فالتالي مثله،وإذ احتمل بطلان الصغرى -وهي تواقيع المفيد رحمه الله - وعدم ثبوتها بالضرس القاطع،فقد احتمل بطلان الكبرى.وهي دعوى المشاهدة استنادا إلى تلك التواقيع-والنتيجة تتبع أخس المقدمتين،فلا معنى لإثبات إمكان المشاهدة بأدلة

ص: 497


1- رجال بحر العلوم:3/320.
2- معجم رجال الحدیث: 17/209

محتملة الوهن والبطلان.

لكن ذلك كله لا يمنع من صحة تلك التوقيعات وصحة استنادها إلى الناحية المقدسة،بل لعل ما عد منقصة وطعنا فيها يعد في الحقيقة دليلا على صحتها وقرينة على صدقها،فعدم ورودها في كتب المفيد رضی الله عنه وتلاميذه أو من عاصروه، وإرسالها يطابق التوقيع الشريف الداعي إلى تكذيب مدعي المشاهدة، الداعي إلى تكذيب مدعي خروج التوقيع بطريق أولى،وبالملازمة القطعية،ولهذا لعلها ظلت مخفية عن الأنظار مخافة إبراز ما يخالف التوقيع الشریف،حتى ظهرت بعض ما فيها أو كل ما فيها من التنبؤات الغيبية،فنهض الطبرسي رحمه الله وغيره من الأعلام بنقلها،حيث لا يرد حينئذ إشكال ادعاء المشاهدة، ولا مخالفة التوقيع الشريف، ولا مخالفة التنبؤات التي فيها للواقع،ومناسبة مضامينها لما كان يتمتع به من خصائل و فضائل،ولهذا تلقاها جل أعلامنا بالقبول.

فالحاصل أن حكايات الرؤية والمشاهدة والارتباط بالإمام علیه السلام ينبغي تقسيمها إلى أصناف:

1-ما يكون أصحابها من عامة الناس ولا طريق إلى إثبات صدقهم ووثاقتهم.

2-ما يكون أصحابها ممن ثبتت وثاقتهم،بل جلالة قدر بعضهم،

ص: 498

كالعلماء والصالحين.

3- ما يكون مصاحبا بالإعجاز ومرافقة له،ومالا يكون كذلك.

والصنف الأول لا ينهض للاحتجاج ولا يصح الاستناد إليه،فهو خارج عن مورد البحث تخصصا.

وأما الصنف الثاني والثالث فلم يرد عن أحدهم:

أولا:أنه ادعى الرؤية والمشاهدة وإنما نقلت عنهم ،إلا ما نقله المحدث النوري وغيره عن المرحوم السيد السند مولانا بحر العلوم، بأن الإمام ضمه إلى صدره،أو رأى الإمام في عزاءأهالي الطویریج يوم العاشر من المحرم(1)،وما قاله السيد ابن طاووس طاب ثراه في وصيته لابنه(2)

ثانيا:جملة من تلك الحكايات لا تنطبق على مولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه ولا تطابق قدسيته.

ثالثا:نعم لو صح نسبة شيء منها إليهم،وسلمنا بصحة ما نسب إليهم،علمنا أن امتناعهم عن رواية تلك الأحداث والحكايات وعدم سردها و تسطيرها في كتبهم نابع من تسليمهم بما دلت علیه

ص: 499


1- راجع بحار الأنوار:ج 53،قسم حكايات الرؤية
2- راجع الصفحة: 484 من هذا الكتاب.

ضرورة المذهب وما جاء في التوقيع الشريف من لزوم تکذیب مدعى المشاهدة.

رابعا:جملة من هذه الحكايات لم تندرج في كتبناولاأوردها المصنفون فيعصر وقوعها،بل نقلت بعد كذا من الزمان مايثير الدهشة والاستغراب ويصعب التصديق بها.

منها:ما نسب إلى العلامة الحلي،المتوفی 726ه،أنه كان يلتقي بالإمام علیه السلام،فلا دليل يعضدها ليجزم بها سوى النقل عن الملاصفر علي في قصص العلماء(1)أو القاضي الشهيد نور الله التستري، المتوفی 1019ه في كتابه مجالس المؤمنين حيث كتب ما حاصله:أن العلامة كأنما رأى الإمام علیه السلام بين اليقظة والمنام-كالمكاشفة-وسأله العون على استنساخ کتاب لبعض االمخالفين(2)

فعلق عليه المحدث التوري طاب ثراه(3): «أن الأفضل أن نقول:وقعت المحادثة في المنام»،أي في الرؤيا المنامية.

وهكذا روی بعض علماء العامة المعتقدين بحياة الإمام المهدي

ص: 500


1- قصص العلماء/التنكابني:359
2- مجالس المؤمنين / القاضي التستري:1/573
3- جنة المأوی - بحارالأنوار:1/252،الحكاية: 22.النجم الثاقب:294،الحكاية:15.

أرواحنا فداه قصصا عمن شاهدوه علیه السلام(1)،استشهد بها بعض علمائنا للرد على المخالفين(2)،كما نقل السيد مهدي الشيوخي،المتوفى 1287ھ حکایات في أسفاره لا تناسب الحقيقة،والواقع وتنافي العقل السليم،يمكن مراجعتها هناك.(3)

وأما ما أورده محدثنا القدير المحدث النوري رحمه الله في بعض كتبه(4)عن تاریخ قم القديم نقلا عن کتاب مونس الحزين، فلا يبدو صحيحا،وفيه نظر و تأمل من وجوه:

أولا:لم نعثر على شيء من هذا الكلام في الكتب التي صنفت عن(5)

،إلا إذا كان له مصدر لم يصلنا.

ثانيا:لم نعثر على دليل قطعي يدل على وجود کتاب مونس

الحزين.

ص: 501


1- کالمتقي الهندي في کنز العمال
2- المهدي / السيد صدرالدین الصدر: 149.
3- بوارق الحقائق: 318.
4- الكلمة الطيبة :461.النجم الثاقب: 247، الحكاية الٱولى.جئة المأوی- بحار الأنوار:53/230، الحكاية الثامنة
5- تأريخ قم القديم تاریخ قم / محمد حسین ناصر الشريعة: 153.خلاصة البلدان صفي الدين محمد بن محمد بن هاشم الحسيني القمي:المقدمة.

ثالثا: لم يرد للشيخ الصدوق رحمه الله في كتب التأريخ ولا الرجال والأعلام ولا التصنيف كتاب يسمی«مونس الحزين»، ولم تثبت صحة استناده إليه.

رابعا:الحكاية المروية هناك تنافي أحداث التأريخ ولا تتفق معها،إلا إذا كانت في عصر الغيبة الصغرى،وهو خارج عما نحن فيه.

وقد كثرت القصص والحكايات عن اللقاء بالإمام علیه السلام أو مشاهدته أو رؤيته في عصرنا الحاضر على ألسنة العوام، بل كثير من المعممين ينسبون ذلك إلى بعض الأعلام، بل بلغ بهم الجهل حتى نسبوا قصصا منها إلى بعض العوام، وبلغت ببعضهم الجرأة والصلافة أن ادعاها لنفسه، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونعم الوكيل .

ورغم أننا عاصرنا كثيرا من أكابر القوم من نسبت إليهم تلك الحكايات وأدركناهم عن قرب في حوزة قم المقدسة وغيرها، فلم نسمع من أحدهم شيئا يؤيدها أو يدل على صحتها،وكثيرا ما يتناولها العامة من الناس في مجالسهم ،والخطباء على منابرهم، وينسبون إلى العلماء ما هم منه براء،بل يزعمون المشاهدة،ويضعون الحكايات، ويكيلون الكرامات جزافا لهذا وذاك،ولكل من هب ودب. نستجير بالله تعالى من شر ذلك ونعوذ به من المزاعم الباطلة.

ص: 502

خلاصة القول:

تلخص مما تقدم:

أولا:أن جماعة من خواص شيعة الإمام العسكري علیه السلام نالوا شرف لقاء الإمام الحجة صلوات الله عليه.

ثانيا:أن جملة من خيار الشيعة التقوا بالإمام علیه السلام في زمن الغيبة الصغرى.

ثالثا:أن مراسلات تمت بين بعض أعلام الشيعة وخيارهم وبين إمام زمانهم عجل الله تعالى فرجه،وخرجت إلى بعضهم تواقيع في عصير الغيبة الصغرى بوساطة من السفراء الأربعة رضی الله عنهم.

رابعا:أن التوقيع الشريف الذي هو آخر توقيع ثبت بالدليل القطعي نسبته إلى الإمام علیه السلام صحیح سندا أو لا أقل أنه مقبول،أو معتبر، وتام دلالة،فلا نقاش فيه.

خامسا:بناء على التوقيع الشريف يجب تكذيب كل من ادعی المشاهدة وبطريق أولى وجب تکذیب مدعي السفارة في زمن الغيبة الكبرى.

سادسا:لا مانع من الرؤية الخالية من المعرفة،بل الأدلة قاضية بلزومها في زمن الغيبة.

سابعا:أن الرؤية مع المعرفة المتأخرة -أعني أن يرى الإمام

ص: 503

ولا يعرفه في الحال ثم يلتفت بعد أن غاب عن أنظاره - لا بأس بها،إن كانت محفوفة بالشواهد والقرائن القطعية الدالة على أنه هو علیه السلام،دون الالتفات إلى ما تمليه أوهام العوام عليهم وتصوراتهم الباطلة وخيالاتهم الزائفة.

ثامنا:الظاهر أن ادعاء المشاهدة إن كان محفوفا بالمعجزة القطعية والقرائن اليقينية،لا ينافي التوقيع الشريف،فالمعجزةالقطعية دليل قطعي على صحة الادعاء ممن هو أصل لذلك،ولا يكفي ادعاء المعجز والإعجاز بل يجب ثبوته عینا،وإلا وجب تكذيب معي المشاهدة.

تاسعا:أن هناك أدلة ٱخرى سوى التوقيع الشريف تدل على نفي الرؤية مع المعرفة الحالية-دون المعرفة الاستقبالية - وهي على ثلاثة أصناف: منها روایات حضوره علیه السلام مواسم الحج، ومنها روایات حضوره صلوات الله علیه مجالس شیعته.

عاشرا:أنه علیه السلام يحشر بيننا،ويطأ فرشنا،ويحضر مجالسنا،يعرفناولا نعرفه.

الحادي عشر:أن ما نقل عن العلمين الجليلين السيد الشريف المرتضی وشيخ الطائفة الطوسي قدس الله أسرارهما،وما نسب إليها من القول بإمكان المشاهدة باطل؛لأنهما إنما ذكرا ذلك في مقام إبطال دعوی الخصم بإيراد الاحتمال؛إذ متى جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

ص: 504

الثاني عشر:أن المشاهدة والارتباط ممكنان غير أن كل من نال شرف اللقاء يكتم أمره ولا يبديه لأحد،ولا يدعيهما في عصر الغيبة الكبرى إلا كذاب مفتر.

الثاني عشر:أن بعض الأخبار تدل على إمكان الارتباط والمشاهدة الخواضه من الموالي والأبدال دون غيرهم مطلقا،وقد استند إليها الشيخ المفيد أعلى الله مقامه الشريف.

الثالث عشر:الحكايات والقصص المحاكية عن مشاهدة الإمام علیه السلام والاتصال به مخدوشة إما لجهالة حال أصحابها،أو لأنها مرسلة،أو لوجود بعض القرائن المنافية لإمكان صحتها والداحضة الدعاوى أصحابها،أو لأنها قاصرة عن إثبات دعوى المشاهدة والارتباط،أو لضعف رواتها.

الرابع عشر:أن كل ما نسب إلى الأخبار والأعلام،کالسید ابن طاووس والسيد بحرالعلوم وغيرهم إلى عصرنا هذا لم يرد شيء منه عنهم لا بالمباشرة ولا بالواسطة،فلم يدع أحد منهم شيئا لنفسه ولا ذكر شيئا مما نسب إليه في كتبه،ولا نقل عنهم أحد لا سماعا بالمباشرة ولا نقلا بالواسطة عمن يمكن الاستناد إليه.

ولهذا نؤيد،بل نجزم،بوقوع مثل هذه الحكايات المنسوبة إلى هذين العلمين الجليلين والوليين الناصحين وأضرابها،لا سیما في

ص: 505

الحكايات المنقولة عن الثقات،والحكايات المصحوبة بالإعجاز والكرامات،والتي لا يرد نقلها،ولا يتم إفشاؤها من قبل أصحابها،فإنا لا نحيل ذلك على أخص الخواص،بل نرى اللقاء والمشاهدة لهم جائزة ،بل واردا.

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم،

والحمد لله رب العالمين،

وصلى الله على محمد وآله الطاهرین،

واللعن الدائم الأبدي على أعدائهم أجمعين

من الآن إلى قيام يوم الدين

انتهينا من الحلقة الثانية من هذه المجموعة المباركة في العاشر من شعبان المعظم لعام 1425ه.ق بمدينة قم المقدسة على ساكنها ومشرفها،أعني سیدتنا فاطمة المعصومة وعلى آبائها وأخيها وأبناء أخيها آلاف الصلاة والسلام، والتحية والثناء،والحمد لله رب العالمين

ص: 506

«اللّهُمَّ کُنْ لِوَلِیِّکَ الْحُجَّةِ بْنِ الْحَسَنِ صَلَواتُکَ عَلَیْهِ وَ عَلى آبائِهِ فی هذِهِ السّاعَةِ وَ فی کُلِّ ساعَةٍ وَلِیّاً وَ حافِظاً وَ قائِدا وَ ناصِراً وَ دَلیلاً وَ عَیْناً حَتّى تُسْکِنَهُ أَرْضَک َطَوْعاً وَ تُمَتِّعَهُ فیها طَویلاً»

ص: 507

ص: 508

الدرس 1: شبهات وردود

الدرس 2:إمامة الإمام المهدي-2

الدرس 3: علماء السنة والمهدي عليه السلام -1

الدرس 4: علماء السنة والمهدي عليه السلام-2

الدرس 5: علماء السنة والمهدي عليه السلام-3

الدرس 6:علماء السنة والمهدي عليه السلام-4

الدرس 7: غيبة الإمام المهدي عليه السلام

الدرس 8: سفراء الإمام المهدي عليه السلام-1

الدرس 9: سفراء الإمام المهدي عليه السلام-2

الدرس 10:شبهات وردود

الدرس 11: تواقيع الإمام المهدي عليه السلام و مکاتباته-1

الدرس 12:تواقيع الإمام المهدي عليه السلام ومكاتباته – 2

الدرس 13:دعاة السفارة-1

الدرس 14: دعاة السفارة - 2

الدرس 15: وكلاء الإمام عليه السلام

الدرس 16: فلسفة الغيبة-1

ص: 509

الدرس 17: فلسفة الغيبة - 2

الدرس 18: فلسفة الغيبة -3

الدرس 19: فلسفة الغيبة - 4

الدرس 20: فلسفة الغيبة -5

الدرس 21: فلسفة الغيبة .6

الدرس 22: فلسفة الغيبة - 7

الدرس 23: فلسفة الغيبة-8

الدرس24: فلسفة الغيبة-9

الدرس 25: فلسفة الغيبة - 10

الدرس 26: متکلمو الشيعة

الدرس 27: اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه-1

الدرس 28:اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه-2

الدرس 29: اللقاء بالإمام المنتظر عجل اللفرجه-3

الدرس 30: اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه-4

الدرس 31: اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه-5

الدرس 32: اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه-6

الدرس 33:اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه-7

الدرس 34:اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه-8

الدرس 35:اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه-9

الدرس 36:اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه-10

الدرس 37:اللقاء بالإمام المنتظر عجل الله فرجه - 11

ص: 510

المجلد 3

اشارة

سرشناسه : مومن، مهدی

عنوان و نام پديدآور : خاتم الاوصیاء/ محمدمهدی المؤمن.

مشخصات نشر : قم: موسسه المعارف الاسلامیه، 1424ق-= 1382-

فروست : بنیاد معارف اسلامی؛ 148، 154.

يادداشت : عربی.

يادداشت : ج.1 (چاپ دوم: 1426ق.= 1384).

يادداشت : ج.3 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).

یادداشت : کتابنامه.

موضوع : محمدبن حسن (عج)، امام دوازدهم، 255ق -

موضوع : امامت

شناسه افزوده : بنیاد معارف اسلامی

رده بندی کنگره : BP51/35/م 84خ 21382

رده بندی دیویی : 297/959

شماره کتابشناسی ملی : م 82-14025

خیراندیش دیجیتالی : انجمن مددکاری امام زمان (عج) اصفهان

ص: 1

اشارة

مؤمن ، مهدي -

خاتم الأوصياء / محمد مهدي المؤمن - قم . مؤسسة المعارف

الإسلامية. 1426 ق.= 1384. عربي

ج.- بنیاد معارف اسلامی ؛ 154 8 -55 - 7777 - 964 :ISBN

فهرستنویسی بر اساس اطلاعات فیپا . شابك دورة : x-54-777-964

1۔ محمد بن حسن ( عج ) إمام دوازدهم، 255 ق . خاتمیت.

2-إمامت-خاتميت.الف.بنیاد معارف إسلامي.ب.عنوان

2خ 84 م 51/35 BP 297/462

کتابخانه ملي ايران 14025 - 12 م

هویه الکتاب:

اسم الكتاب :...خاتم الأوصياء/3

تأليف :... محمد مهدي المؤمن

الناشر :... مؤسسة المعارف الإسلامية

الطبعة:...الأولي 1426 ه

المطبعة :... عترت

العدد :...1000

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة

المؤسسة المعارف الإسلامية

إيران - قم

ص . ب 37185/768 تلفون 7732009- فاکس 7743701

E-mail:info@maaref islami.COM

ص: 2

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

ص: 3

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

اللَّهُمَّ وَصَلِّ عَلَى وَلِيِّ أَمْرِكَ الْقَائِمِ الْمُؤَمَّلِ، وَ الْعَدْلِ الْمُنْتَظَرِ وَ حُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ وَ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

عن مولانا صاحب الأمر صلوات الله وسلامه عليه:

أنا خاتم الأوصياء ، بي يدفع االله البلاء عن أهلي وشيعتي

غيبة الطوسي: 246. كمال الدين : 441. بحار الأنوار : 30/52

ص: 4

الاهداء

«أَينَ الطالِبُ بِدَمِ المَقتُول بِكَربَلَاءَ؟ »

مع إطلالة شهر شعبان المعظم، شهر المواليد والعبادات، ومع إشراقة مولد السبط الشهيد، ريحانة رسول االله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه و مهجة قلبه، سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن علي عَلَيهِ السَّلَامُ لا أرى سعادة أعظم، ولا شرفا أسمى من إهداء هذا المجهود المتواضع إلى ساحته المقدسة، أرجو من الله تعالى القبول، والزلفي لديه

محمد مهدی

غرة شعبان المعظّم / 1426ه. ق

ص: 5

كلمة الناشر

لا عجب أنَّنا أخَّرنا كلمتنا هذه إلى هذا الموضع والحلقة الأخيرة من هذه المجموعة المباركة المتكاملة - والكمال لأهله -، ذلك انَّنا كنّا ننتظر بفارغ الصبر هذا الختام المسك لنثري به مكتبتنا الإسلامية الشيعية و نضيف إليها بحوثاً محقّقة منقّحة مدقّقة، تفيد الباحث والطالب والقاريء على اختلاف المشارب والمستويات.

والحديث عن أئمة أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ لا ينتهي ولا ينضب، لأنه بحر عميق لا ساحل له، مهما قيل عنهم وفيهم، ومهما قدمت من دراسات و تحقیقات فإنها لاتفيٍ بحقّهم، ولا تقوى على التعريف بهم، ولا تُحصي ما يحقّ لهم، ولا معشاراً من فضائلهم وأسرار حياتهم، لأنها إنما تعبّر عن وجهة نظر مؤلفيها ومصتّفيها، ولا تكفي إلّا للدلالة على مستوى معرفتهم بالأئمة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين، لا للتعريف بحقائق هذه الأنوار الزاهرة، لأنهم شمس الحقيقة بعينها، والعين أعجز من أن تبصر کنه الشمس، ولا تدرك مدى عظمتها، لا سيما إذا كان الحديث عن خاتم الأوصياء، وآخر الحجج الالهية بين الأرض والسّماء (عج) ، فإنّه أقرب إلى حمل الجبال الرّاسيات.

وقد بذل المؤلف القدير العلامة الشيخ مهدي المؤمن حفظه الله قصاری جهده لیقرّب هذه المعاني والحقائق إلى القارىء الكريم فجزاه الله خيراً وعلى الله أجره.

وتفخر مؤسسة المعارف الإسلامية بالتوفيق الذي نالته منذ تأسيسها للقيام بمهمة طباعة ونشر تراث أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ وأعلام الطائفة ومنها هذه الحلقات الثلاث التي عنت عناية فائقة بجملة من الحقائق والشؤون المتعلقة بولي نعمتنا وصاحب أمرنا الحجة المهدي المنتظر صلوات الله وسلامه عليه والحمد لله رب العالمین.

ص: 6

الدرس الأول: أهداف اللقاء

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

قد عرفت في الحلقة الثانية أنّ الغرض قد تحقّق من رؤية الإمام المنتظر صلوات الله عليه في عصر أبيه الإمام العسكري عَلَيهِ السَّلَامُ، و تجدّد أيضاً في عصر الغيبة الصغرى، إذ كان الغرض من رؤيته عَلَيهِ السَّلَامُ ونيل شرف لقائه هو إثبات وجوده الخارجي، وإثبات حياته عَلَيهِ السَّلَامُ لإقامة الحجّة على النّاس في الدنيا والآخرة، لئلا يكون للنّلاس حجة على الله تعالى، بل لتكون الحجّة لله تعالى على العباد جميعاً، وهذا الغرض قد تحقّق في فترة من الزمان، وثبوته ولو آن يكفي لإتمام الحجة وإقامة البرهان على النّاس، ولا يلزم لإتمام الحجية ظهوره الدائم، كما لا يحتاج المؤمن الصادق والعبد المسلم إلى أكثر من ذلك لتطمئنّ نفسه وتسلم عقيدته، إذ البراهين العقليّة أقوى

ص: 7

من كلّ حجّة وبرهان لإثبات الشيء ونفيه، ألا ترى أنّ الله تعالى الذي هو خالق الكائنات، وأشرف ما في الوجود، الذي عَنَت له الوجوه، لا يستدلّ عليه أوّلاً وبالذات، إلّا بالفطرة والعقل السليمَين؟! وإنّما هذه الآثار الحسّيّة آياته وبیّناته بحكم العقل السليم لا بشيء سواه، ولولاه لم تكن هذه الآثار المحسوسة تجدي نفعاً للدلالة عليه جلّت قدرته، فدليل العقل وبرهانه يأتيان قبل كلّ شيء، ويسبقان في إثبات الأشياء ونفيها كلّ دليل وبرهان، وهذا ممّا لا يختلف عليه اثنان من أولي الألباب، والأدلّة العقليّة والنقليّة كافية للدلالة على وجوده وحياته عَلَيهِ السَّلَامُ؛ لأنّها تكفي المولى للاحتجاج على العبد ، کما تكفي العبد للاعتذار لدى المولى ، ولا حاجة إلى المزيد.

ولكنّ الله جلّ وعلا كما عوّدنا من جلیل فضله وعظيم إحسانه وامتنانه، وشديد لطفه وحسن عنايته بعباده، وزادنا منّاً وإحساناً أن أطلعنا عليه في حياة أبيه العسكري صلوات الله عليهما، وهكذا في عصر الغيبة الصغرى، وكان ذلك زيادة في الحجّية علينا، وتضاعفاً للإحسان إلينا، ولا حجّة للمنکر بعد ما ثبت ذلك كلّه، وأثبتناه في الحلقتين السابقتين.

ثمّ إنّه كما لا يحتاج الاعتقاد بحياته عَلَيهِ السَّلَامُ إلى ظهوره الدائم فكذلك لا يحتاج ذلك إلى رؤية كل أحډ له، ولا تشرّف النّاس كلّهم بلقائه،

ص: 8

إذ يكفي في تمامیّة الحجّة وقيام البرهان على وجوده المقدّس وحياته المباركة تشرّف جماعة من النّاس بلقائه، وفوز بعضهم برؤيته، لا سيمّا إن كانوا أهل ورع و تقوی وصدق وأمانة وإخلاص، كما هو الحال بالنسبة إلى من نالوا هذا الشرف العظيم وأخبرونا بذلك وهم من الأخبار وأخصّ الخواصّ لدى الأئّمة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين.

فإخبار هؤلاء الخواصّ والثقات الذين لا يطرأ على إخبارهم ذرّة شکًّ ولا ارتياب، بالإضافة إلى أدلّة العقل والنقل من قبل لا يترك مجالاً لوسوسة النفس الأمّارة والشيطان، ولا يداخل أهل الإيمان والإنصاف شکّ بعد ذاوذي، ولكن هيهات هيهات أن يدرك ذلك الأفّاكون والخرّاصون، والنائون عن جادّة الحقّ والصواب بسوء اختيارهم، وبملا إرادتهم، ﴿كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ﴾ (1)، و ﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ﴾ (2)

فالأدلّة العقليّة القطعيّة التي لا تقبل الشكّ ولا يداخلها الريب بالإضافة إلى أدلّة النقل والحديث التي سقناها إليك وعرضناها

ص: 9


1- سورة المطففين : الآية 14.
2- سورة البقرة: الآية 88.

مفصّلة عليك في مواضع شتّى من الحلقتين الأوليين، بالإضافة إلى أدلّة الرؤية الحسّيّة في الفترتين الأوليين من حياته الشريفة المباركة لم تترك مجالاً لمقولة المتقولين، ولا عذراً أمام كل افّاکٍ أثيم، وإنّما لزمتهم بذلك الحجّة، وكانت الحجّة حينئذٍ أبلغ، والنعمة أنتمّ، إذ كان من سيرة العقلاء أن يختاروا من بينهم أخبارهم وثقاتهم للتحقّق من أمر يمتنع حصوله لكلّ واحدمنهم، أو يصعب عليهم بأجمعهم، على نحو قوله تعالى : ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ (1) وعلى نحو مفهوم الشرط المستفاد من قوله تعالى : ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا...﴾ (2) الدالّتين على حجّية قول الثقة والعدل وحجّية ما يخبران به ، حتّى وجدنا ذلك في أفعال الرسل والأنبياء وأقوامهم، کما صنع موسی عَلَيهِ السَّلَامُ بناء على طلب قدّمه إليه قومه بنو إسرائيل حيث قال تعالى: ﴿وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا... ۖ﴾(3)

ص: 10


1- سورة التوبة : الآية 122.
2- سورة الحجرات : الآية 6.
3- سورة المائدة : الآية 155.

ولم يطلب بنو إسرائيل الرؤية لهم جميعاً، ولا اعترضوا على اختیار موسی عَلَيهِ السَّلَامُ لأولئك الصفوة، لأنّهم كانوا الثقات في بني إسرائيل وكان إخبارهم حجّة عليهم، تطمئنّ إليه نفوسهم.

فلا حاجة للرؤية الدائمة، ولا حاجة إلى رؤية الجميع، وإلا فهذا رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه كان بين أظهر النّاس ، وما آمن به کلّهم، بل حاربه أكثرهم، وما أكثر النّاس ولو حرصت بمؤمنين، وهكذا قس عليه حال سائر الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم أجمعين، وأحوال الأئمة الطاهرين عَلَيهِم السَّلَامُ، وهم آباء مولانا صاحب الأمر والزمان صلوات الله عليه، ولا أوضح من حياة سيدنا نوح عَلَيهِ السَّلَامُ الذي دعا الناس قرابة ألف عام: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا*فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا﴾ (1)

﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ (2)، و ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ (3) ولو كانت الرؤية الحسّيّة شرط الإيمان والاعتقاد کان على النّاس أن يكفروا بالله تعالى جميعاً،

ص: 11


1- سورة نوح : الآيتان 5 و 6.
2- سورة الكهف : الآية 29.
3- سورة الإنسان : الآية 3.

ولم تكن الحجّة قائمة على من لم يروا الأنبياء والرسل عَلَيهِم السَّلَامُ، وكانوا معذورین جميعاً إذا أنكروا تلك النبوّات وجحدوا بالله العليّ العظيم جلّت عظمته ، بل كان المؤمنون منهم ملومين مذمومين عند العقلاء ، لأنّهم التزموا مشروطاً قبل تحقّق شرطه ، وآمنوا بالمشروط ولمّا يأت أوان شرطه.

ولمّا تحقّق الغرض من رؤيته عَلَيهِ السَّلَامُ في تلك الآونة لم تكن الحاجة ماسّة إلى رؤيته بعد ذلك إلّا على نحو التجديد والتأكيد وأمور أخرى لطفأ و تفضلا وإحساناً من الله عزّ وجلّ، وأمّا الأسباب والأمور التي من أجلها وقعت و تقع الرؤية في الغيبة الكبرى فإنّها على النحو التالي:

1- إمّا إثبات وجوده في زمن الغيبة الكبرى، فقد تمّ أيضاً لكي يطمئنّ الرائي ثمّ يرجع فيروي ما رآه في تلك المقابلات التي حفّت بقرائن قطعيّة دالّة على أنّ المرئي هو صاحب الأمر أرواحنا فداه، فيطمئنّ غيره طبقا لإخباره وبناء على شهادته وثقة بكلامه فيزداد المؤمنون إيماناً، ويهتدي من كتب الله تعالى له الهداية.

فقد أورد العلّامة المجلسي نوّر الله ضريحه أنّ أبا محمّد عیسی بن مهدي الجوهري خرج في سنة 268ه إلى الحجّ والتقي بالإمام في قصّة مفصّلة ننقل موضع الشاهد منها: يقول عيسى ، فقال

ص: 12

-أي صاحب الأمر عَلَيهِ السَّلَامُ- لي:«یا عیسی ، ما كان لك أن تراني لولا المكذّبون القائلون بأين هو؟ ومتى كان؟ وأين ولد؟ ومن رآه؟ وما الذي خرج إليكم منه؟ وبأي شيءٍ نبّأكم؟ وأي معجزٍ أتاكم؟ أما والله لقد دفعوا أمير المؤمنين مع ما رووه، وقدّموا عليه، وکادوه وقتلوه، وكذلك آبائي عَلَيهِم السَّلَامُ، ولم يصدّقوهم، ونسبوهم إلى السحر وخدمة الجن إلى ما تبين.

یا عیسی، فخبّر أوليائنا ما رأيت، وإيّاك أن تخبر عدوّنا فتسلبه» ، فقلت : يا مولاي، أدعُ لي بالثبات، فقال:«لو لم يثبّتك الله مارأيتني، وامض بنجحك راشداً» ، فخرجت أكثر حمدا لله و شکراً (1).

ومن ذلك قوله عَلَيهِ السَّلَامُ للآودي حين أعطاه حصاةً فتحوّلت في يده إلى ذهب : « أنا قائم الزمان، أنا الذي أملؤها عدلاً كما ملئت جوراً، إنّ الأرض لا تخلو من حجّة، ولا يبقى النّاس في فترة، فهذه أمانة في رقبتك، فحدّث بها أشقّائك من أهل الحق » (2).

وهذه من حكايات الرؤية في عصر الغيبة الصغرى ، لكنّها تفي بالغرض و في مقام الاستشهاد، وكيف أنّ الإمام صلوات الله عليه

ص: 13


1- بحار الأنوار :19/02 و 70.
2- الغيبة / الطوسي: 254، وقريب منه في كمال الدين : 445.

يهتمّ بدفع الأوهام و عدم سراية الشكّ بإلقاءات المخالفين والمنحرفين إلى قلوب المؤمنين، يحرص غاية الحرص على تثبيت قلوبهم وإيمانهم وترسيخ دعائم معتقداتهم، وإنّما يتمّ ذلك بإخباره َعَلَيهِ السَّلَامُ عن بعض الغيببّات على غرار إخبار الأنبياء عَلَيهِم السَّلَامُ، أو بحدوث إعجاز وكرامة منه عَلَيهِ السَّلَامُ ليتحقّق بذلك تثبيت الإيمان والعقائد، وهما أمران ملحوظان في جميع اللقاءات المرويّة من غير استثناء (1).

2- بیان الأسباب التي من أجلها وقعت الغيبة وطالت، والرد على أسئلة المؤمنين في مجال العقائد، والإجابة عن أسئلتهم الشرعيّة في مجال الأحكام الفقهيّة (2).

3- الإجابة عن الأسئلة العامّة، وقضاء حوائجهم، والدعاء والاستغفار لهم، وإرشادهم إلى ما فيه صلاحهم، و تكليفهم بالإبلاغ والتبليغ (3).

4- سعياً إلى تهذيبهم وتربيتهم، وتعليمهم من الأدعية ما يعينهم على تزكية نفوسهم واكتساب مدارج الكمال (4).

ص: 14


1- راجع البحار: في مواضع عديدة من الجزء 52، و : 202/03 إلى آخر الكتاب.
2- راجع حکایات اللقاء في كمال الدين، وغيبة الطوسي، والجزئين الثاني والخمسين والثالث والخمسين (52 و 53) من بحار الأنوار.
3- راجع حکایات اللقاء في كمال الدين، وغيبة الطوسي، والجزئين الثاني والخمسين والثالث والخمسين ( 52 و 53) من بحار الأنوار.
4- راجع حکایات اللقاء في كمال الدين، وغيبة الطوسي، والجزئين الثاني والخمسين والثالث والخمسين ( 52 و 53) من بحار الأنوار .

وكلّ ذلك بالنتيجة يعود إلى السبب الأوّل، والغاية الأولى من لقاءاته صلوات الله عليه بشيعته ومواليه، وهي إثبات وجوده وحياته و تردّده بين النّاس، واتّصاله بهم، وإلمامه بمجريات الأحداث، تثبيتاً لعقائدهم، وصوناً لإيمانهم.

بقي أن نقول: إنّ الإمام صلوات الله عليه كان له في لقاءاته رأيٌ صریحٌ بيّنٌ إزاء ما يسمّى بالحقوق الشرعيّة، من الأخماس والأنفال والخراج وغيرها کالموقوفات والنذورات، لاسيمّا ما اختصّ به صلوات الله عليه من سهم الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ، وكان موقفه صارماً إزاء من وقعت بأيديهم تلك الأموال والحقوق، أو اشتغلت ذممهم ورقابهم بها ، من ذلك أنه عَلَيهِ السَّلَامُ كتب إلى سفيره الخاصّ الشيخ محمّد بن عثمان العمري رَضِی اللهُ عَنه: «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين على من استحلّ من أموالنا درهماً»(1).

كما جاء في توقيع آخر في جواب مسائل إسحاق بن يعقوب الذي رواه صاحب الاحتجاج عن المرحوم الكليني قدّس الله أسرارهما : « وأمّا المتلبّسون بأموالنا فمن استحلّ شيئاً منها فأكله

ص: 15


1- کمال الدین : 522. الخرائج والجرائح : 1118/3.

فإنّما يأكل النيران »(1).

وجاء في جواب مسائل أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي رَضِی اللهُ عَنه: «وأمّا ما سألتَ عنه من أمر من يستحلّ ما في يده من أموالنا، ويتصرَف فيه تصرّفه في ماله من غير أمرنا ، فمن فعل ذلك فهو ملعون ، ونحن خصماؤه يوم القيامة ...»(2).

وهذا الإمام الرؤوف رغم حسم المواقف إزاء ما يرجع إليه من أموال، ورغم قراره الصارم بعدم السماح بالعبث في تلك الأموال التي خصّصت لنشر معالم الدين، وتوسيع نطاق الأنشطة الدينيّة، و تقوية الحوزات العلميّة، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، وصرفها في ما يتعلّق بشؤون المؤمنين الدينيّة أولاً، والدنيويّة بعد ذلك.

أقول: رغم ذلك كلّه فإنّه عَلَيهِ السَّلَامُ عفي عن كثيرين وأجاز لهم التصرّف حين كانت تتعلّق المصلحة الاجتماعيّة بالعفو وعدم المطالبة بها، حتّى يدرك الجميع أنّ الغرض من المطالبة هو الوصول إلى المصلحة الإسلاميّة العامة، والوفاء بالعهد ، وعدم الاستهانة بحقّ الله تعالى وأوليائه عَلَيهِم السَّلَامُ، وأن ليس الغرض من المطالبة هو الحرص وجمع

ص: 16


1- کمال الدين : 485. الغيبة / الطوسي : 292. الاحتجاج : 283/2.
2- کمال الدين : 520. الاحتجاج : 299/2.

الأموال ، ولا الدافع منها الصرف في الترف والتلهّي والشهوات، كما هو عادة الأغنياء وأصحاب الأموال، ألا ترى أنّ شيئاً من ذلك لا يصل إليه منذ الغيبة الكبرى، وإنّما يصرفها نوّابه الفقهاء الأمناء على شؤون المذهب؟ وألا ترى أنّ الإمام صلوات الله عليه لا سلطان له على النّاس في الظاهر - كما هو شأن آبائه عَلَيهِم السَّلَامُ- لكي يرغمهم على أخذ هذه الحقوق والأموال؟ فليس هو أرواحنا فداه بحاجة إلى هذه الأموال، ولا هو مرغم أحداً على إيصالها، ولا هو قابض ممّن يفي بها ويدفعها إلى أهلها - کالمجتهدين – شيئاً، فمتى اقتضت المصلحة أن يعفو ويغضّ الطرف عنها، غضّ وعفي عنها، وإليك الشواهد التالية على سبيل المثال:

قوله َعَلَيهِ السَّلَامُ في مقام الرد على أسئلة إسحاق بن يعقوب رَضِی اللهُ عَنه: «وأمّا الخمس فقد أبيح لشيعتنا، وجعلوا منه في حِلًّ إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث »(1).

و واضح من التعليل ، ومن مناسبة الحكم والموضوع في مقام الردّ على السؤال المحدّد، أنّ الذي وقع عليه حكم التحليل وجری علیه

ص: 17


1- کمال الدين : 485. الغيبة / الطوسي : 292. الخرائج والجرائح: 1114/3

حكم الإباحة لشيعتهم - على وجه الخصوص - هو خصوص خمس الجواري المملوكات اللائي يتمّ شراؤهنّ عن طريق الفتوحات الإسلاميّة و يجلبن من بلاد الحرب بعد اندلاع الحرب بين أهلها و بين المسلمين، وليس هذا الحكم عاماً شاملاً لكلّ ما وقع موضوعاً لحكم الخمس، بل حكم الخمس لا يزال سارياً على حاله، لم يطرأ عليه تعديل، وهو ما أجمع عليه فقهاؤنا بلا خلاف.

ومثل قوله َعَلَيهِ السَّلَامُ في توقيع آخر لأبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي رَضِی اللهُ عَنه: «وأما ما سألت عنه من أمر الضياع التي لناحيتنا، هل يجوز القيام بعمارتها، وأداء الخراج منها، و صرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية احتساباً للأجر، وتقرباً إليكم، فلا يحل لأحدٍ أن يتصرّف من مال غيره بغير إذنه، فكيف يحلّ ذلك من مالنا، و من فعل ذلك بغير أمرنا فقد استحلّ منّا ما حرّم عليه، ومن أكل من أموالنا شيئاً فإنّما يأكل في بطنه ناراً وسيصلي سعيراٌ...».

إلى قوله عَلَيهِ السَّلَامُ: «و أمّا ما سألت عنه من الثمار من أموالنا يمرّ به المارّ فيتناول منه ويأكل، هل يحل لّه ذلك؟ فإنّه يحلّ له أكله ويحرم علیه حمله »(1).

ص: 18


1- كمال الدين : 521. الاحتجاج : 299/2

هذا إضافة إلى أنه َعَلَيهِ السَّلَامُ كثيراٌ ما كان يدفع ولا يزال يوصل إلى مواليه وشیعته من معونات ماليّة ومساعدات، لا شكّ فيها ولا شبهة معها، ويدلّ على ذلك على سبيل المثال والتمثيل لا الحصر، حکایات السيّد ابن طاووس والسيّد بحر العلوم رضوان الله تعالى عليها، وللمزيد راجع الجزئين (52 و 53) من بحار الأنوار - قسم الحكايات.

وكيف كان فإنّ هناك أدلّة عامّة تدلّ على حجّية قول الثقة، ولزوم الأخذ والاحتجاج بقوله، کالسيرة العقلائية الممضاة من قِبل الشارع المقدّس، من ذلك قول مولانا الرضا َعَلَيهِ السَّلَامُ: «نعم»، في جواب من سألة: «أفيونس بن عبد الرحمن ثقة أخذ عنه ما احتاج إليه من معالم ديني»(1).

و من هنا قال صاحب الوسائل رَحْمَةِ اللَّهِ في الفائدة الثامنة:«و منها: کون الراوي ثقة يؤمن منه الكذب عادة، وذلك قرينة واضحة على صحّة الحديث بمعنى ثبوته، وكثيراٌ ما يحصل العلم بذلك حتّى لا يبقى شكّ أصلاٌ، و إن كان ثقة فاسد المذهب، كما صرّح به الشيخ وغيره، و خصوصاٌ إذا انضمّ إلى ذلك جلالته في العلم والفضل والصلاح،

ص: 19


1- وسائل الشيعة : 147/27.

و قد صرّح بذلك صاحب المدارك كما يأتي نقله، و هذا أمر وجداني تساعده الأحاديث المتواترة في الأمر بالعمل بخبر الثقة، والنهي عن العمل بالظنّ، و معلوم أنّ النسبة بين الثقة، والعدل العموم و الخصوص من وجه کما ذكره الشهيد الثاني ...»(1).

كما أنّ سيرة العقلاء قامت على حجّية قول العدل وحاز ذلك على إمضاء الشارع المقدّس في قوله تعالى :﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾(2)، الدالّة بمفهوم الشرط على عدم لزوم التبيّن والتثبت من قول العدل، و على حجّية إخباره و قوله.

كما أنّ هناك أدلّة في خصوص من يدّعي المشاهدة في عصير الغيبة الكبرى ناصة على امتناع الرؤية والمشاهدة، بل منها ما ينصّ على كاذبيّة مدّعيها أو كذّابیّته المستلزمة لوجوب تكذیب كلّ من يدّعي المشاهدة في هذا العصر، كالتوقيع الشريف الذي أسهبنا البحث فيه وأشبعناه تحقيقاٌ إلى جانب سائر أدلّة نفي إمكان الرؤية في الحلقة السابقة.

و طريق الجمع بين هاتين الطائفتين من الأدلّة - أدلّة نفي إمكان

ص: 20


1- وسائل الشيعة : 244/30.
2- سورة الحجرات: الآية 6.

المشاهدة التي تقدّمت في الحلقة الثانية - وأدلّة حجيّة قول الثقة يكون على النحو التالي:

1- حمل الطائفة الثانية منها - وهي أدلّة نفي إمكان الرؤية و المشاهدة على كونها مخصَّصة لعمومات الأدلّة المحاكية عن إمضاء السيرة العقلائيّة، أي كون الطائفة الأولى مخصَّصة بالطائفة الثانية، فيكون إخبار الثقة والعدل حجّة إلّا في مورد ادّعاء المشاهدة، فإنّه لا عبرة بقول العدل والثقة ، ولا حجّية لقولهما.

وهذا في غاية البعد لأنّ أدلّة حجّية قول الثقة والعدل غير قابلة للتخصيص شأنها شأن أحكام العقل غير قابلة للتخصيص.

2- ولم يبقَ طريق للجمع بينها إلّا بحمل الطائفة الثانية على كاذبيّة مدّعي المشاهدة أو كذّابيّته إن لم يكن عدلاٌ ولا ثقة، والحكم بوجوب تكذيبه حينئذٍ، وحصر التكذيب في غير العدل والثقة بردّ ادّعائهم وعدم الاكتراث ولا الاعتناء به.

وعليه فالحكايات المرويّة عن العدول أو الثقات، لاسيمَا أعلام الطائفة وأوتادها لا يجوز الإعراض عنها، بل يجب قبولها وترتیب الأثر عليها للزوم تصديقهم بالسيرة القطعيّة غير القابلة للتخصيص، والتي نالت شرف إمضاء الشارع المقدّس ، ولا نصّ أوضح ممّا جاء في التوقيع الشريف الذي ورد على القاسم بن العلاء من الناحية المقدّسة:

ص: 21

«فإنّه لا عذر لأحدٍ من موالينا في التشكيك فيما يرويه - يؤديه - عتّا ثقاتنا، قد عرفوا بأنّا نفاوضهم سرّنا، ونحملهم إيّاه إليهم »(1).

ونحن أيضاٌ نختار ما ذهب إليه جملة من أعلامنا على دلالة قوله َعَلَيهِ السَّلَامُ: «ثقاتنا» على كون الراوي الثقة من أهل الولاية للأئمّة الأطهار َعَلَيهِم السَّلَامُ، لا مطلق الثقة، لاسیّما في خصوص دعوى المشاهدة، ولهذا نرى لزوم تصديق دعاة المشاهدة إن كانوا عدولاٌ، أو ثقاتٍ إماميّين ، لا سيمَا إن كانوا من أعلام الطائفة وأساطينها وأوتادها.

نعم، قد يقال : إنّ كاذبيّة دعاة المشاهدة من غير الثقات والعدول ثابتة بأدلَة عامَة أخرى، وهي عدم اكتراث العقلاء باخبار غير الثقة، وعدم قيام السيرة، ولا دليل قطعي آخر على حجّية إخبار غير الثقة وأقوالهم ، وتأكيد الكتاب والسنة على عدم حجية مطلق الظنون، كقوله تعالى:﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾(2)، و قوله تعالى:﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾(3)، وقوله تعالى:﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ

ص: 22


1- وسائل الشيعة : 150/27 و : 38/1.
2- سورة النجم: الآية 28.
3- سورة يونس : الآية 36.

فَتَبَيَّنُوا﴾(1)، فلا حاجة إلى بيان خاص من الإمام َعَلَيهِ السَّلَامُ، هذا أولا، وأمّا ثانياٌ: فهو يقتضي تخصيص الأكثر، وإخراجهم من تحت العموم حتّى لا يبقى إلّاالنفر اليسير الذي لا يعتدّ به عادة ، ذلك أنّ أكثر دعاة المشاهدة من العدول والثقات ، فإذا استثنيناهم لم يبق فرد يعتدّ به تحت عموم أدلّة النفي وامتناع المشاهد.

وثالثاٌ: أنّ أدلّة النفي وامتناع المشاهدة لاسيمَا التوقيع الشريف مطلقة. تنفي إمكان المشاهدة مطلقاٌ، كما يكذّب التوقيع الشريف مطلق من يدّعي المشاهدة، ممّا لا يدع مجالاٌ لاحتمال التخصيص أو التقييد.

والجواب عن الأوَل: أنه لا مانع من التوكيد كما هو دأب الشارع المقدّس ، وهو ليس غريباٌ في الشريعة الغرّاء.

وأمَا عن الثاني : فإنّا نعتقد أوَلاٌ، بأنه لولا الأدلّة النافية والتوقيع الشريف لكثر دعاة المشاهدة من عامة النّاس وغير الثقات أضعافاٌ مضاعفة، ولعلّ هذه الأخبار حالت دون وقوع مثل هذه الكارثة والأزمة. و ثانياٌ: أنا لا نقبل بهذه الدعوى؛ لأنها دعوی بلا دلیل، بل الدليل على خلافها؛ إذ المتتبع يجد أنّ دعاة المشاهدة من غير العدول والثقات أضعاف مضاعفة من دعاتها من العدول

ص: 23


1- سورة الحجرات : الآية 1.

والثقات، لا سيمَا في زماننا هذا، وعدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود، والاستشهاد بما يرويه أعلامنا من الحكايات في كتبهم لا يعدّ دليلاٌ على صدق المدّعي وصحّته؛ لأنّه ليس من عادة هؤلاء الأعلام تدوین کلّ خبر، ولا الاعتماد على كلّ مخبر، أو نقل دعاویه ومزاعمه، بل دأبوا على رواية ما يثقون بصدقه أو بصدق راویه، وعادتهم الاقتصار على نقل ما یسمعونه عن طريق العدول أو الثقات. وثالثاٌ: أنّ العبرة في تخصيص الأكثر بالعناوين لا بالأفراد، کما عليه أكثر أعلامنا من المعاصرين.

وأمّا الإجابة عن الثالث : فإنّ هذا خلاف القاعدة المعتمدة المتّفق عليها، القائلة: «ما من عامّ إلّا وقد خصّ »، أو «ما من مطلق إلّا وقد قيّد-أو ورد عليه التقیید-»، وقد ذكرنا أن لا مجال لتخصيص ولا تقييد الطائفة الأولى من الأخبار، وهي الأخبار والأدلة الناصّة على لزوم قبول قول العدل والثقة، فتبقى على عمومها وإطلاقها، وهي تقتضي حينئذٍ المنجزیَة والمعذريَة، ولا محيص دون حمل التوقيع الشريف على إرادة غير العدول والثقات من دعاة المشاهدة، وعلى وجوب تكذيبهم خاصة، دون العدول والثقات ممّن قامت السيرة القطعیَة على حجّية قولهم، ولزوم الأخذ به، وترتيب الأثر على إخبارهم، والعلم عند الله تعالى، فتأمّل.

ص: 24

الدرس الثاني: حياته الزوجية - 1

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

بعد ما تمّ استعراض الحياة السياسيَة للإمام المهدي صلوات الله عليه من خلال عرضنا لمجالات عديدة من حياته المباركة، والتحقيق في جوانب مختلفة من حياته الشخصيّة والاجتماعيّة، ومنطلقاته، ومحاور عديدة من حيثيّاته الخاصّة والعامّة، فإنّا لابدّ أن نتعرّض لما بقي من حياته الاجتماعيّة الخاصّة َبه عَلَيهِ السَّلَامُ ليلا من جهة النكاح والتناسل والتكاثر والمسكن، بمقدار الحاجة وبما تسمح به الأدلّة الخاصَة والعامّة، بعيداٌ عن الإطالة والإطناب، والخوض فيا لا يعنينا، ممّا سكتت عنه الأحاديث والأخبار ، وأعرض عن خوضها أعلام الطائفة أعلى الله شأنهم، ولم يقحموا أنفسهم فيها، لئلّا يقتحموا المهالك، ولكي يجنّبوا أنفسهم المزالق والعثار، فالحديث عن

ص: 25

خاتم الوصیّین صلوات الله عليه، لا عن هذا وذاك حتّى يطلق المرء عنان اليراع ، ويطير بقوّة خياله أينما شاء، فيكتب وتسطّر یده ما يمليه عليه خياله الموّاج، أو يثرثر ويردّد لسانه ما یوحیه إليه خياله من الأوهام.

ولنشرع بمسكن الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ ومحلّ إقامته، وحيث أننا نعتقد، كما اعتقد أعلام الطائفة قدّس الله أسرارهم، بالغيبة الشخصيَة والعنوانيَة لمولانا صاحبالزمان عَلَيهِ السَّلَامُ(1)، خلافاٌ لمن زعم أنه غائب بعنوانه لا بعينه وشخصه، ولا نعني أنّه غائب بشخصه فلا يظهر لأحد أبداٌ، إذ لا ملازمة بينهما أصلاٌ، خلافاٌ لمن توهّم ذلك، فتصوّر للإمام عَلَيهِ السَّلَامُ حياةٌ عادية تخالف النصوص الصريحة(2)، والعقل السليم، فوقع في تناقض واضح ، وأكثر على نفسه الشبهات، فتخبط خبط عشواء، يميناٌ تارةً، وتارة إلى الشمال؛ لأنها كانت من نسج خياله وأوهامه ، يريد بها إقناع طائفة لا یُعجبهم الإيمان بالغيب والمعجزة.

أقول: وحيث أنَنا نعتقد بغيبته صلوات الله عليه على وجه الحقيقة كما نصت عليه الأحاديث والأخبار، نائين عن الحمل على المجاز

ص: 26


1- راجع الحلقة الأولى من كتابنا : 156.
2- الحلقة الأولى : 155-159.

المخالف للنصوص الصحيحة والمتواترة ، فالذي صرّحت به الأدلّة أنّ محلّ سكناه و موضع إقامته عَلَيهِ السَّلَامُ:

أوَلاٌ: يجب أن يكون في أوعر الجبال ، وفي البراري النائية، والأماكن الخالية من السكّان، ويدلّ عليه خبر محمّد بن إبراهيم بن مهزیار رَضِی اللهُ عَنه: « یابن المازيار أبي - أبو محمّد - عهد إليَّ أن لا أجاور قوماٌ غضب الله عليهم ولعنهم، ولهم الخزي في الدنيا والآخرة، ولهم عذاب أليم، وأمرني أن لا أسكن من الجبال إلّا وعرها، ومن البلاد إلّا عفرها ...»(1).

ويستفاد من هذا الخبر:

1- أنّ المدن والقرى والأماكن الآهلة بالسكّان لا تخلو من بعض العصاة الذين غضب الله عليهم ولعنهم ولهم عذاب أليم، ولا يدلّ على أنّ كلّ الناس مغضوب عليهم وملعونون ، ويؤيّده الوجدان والواقع ، من دون أدنى شكّ.

2- وهو عهد من أبيه عَلَيهِ السَّلَامُ عن آبائه، عن رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، عن الله عزّ وجلّ؛ لأَنه لا ينطق عن الهوى.

3- وأنه َعَلَيهِ السَّلَامُ مأمور بالسكن والإقامة في الجبال الوعرة والبراري

ص: 27


1- الغيبة / الطوسی: 266.

القاحلة البعيدة عن السكان والخالية من العمران.

ثانياٌ: ويجب أن يكون موضع سكناه و محلّ إقامته لا يتعدّى حدود مكّة والمدينة أو بينها ، فيسكن ويقيم في الصحاري و بين الجبال المحيطة بها أو الواقعة بينهما، يدلّ عليه ما ورد عن الامام أبي بصير عن الإمام أبي جعفر الباقر َعَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال : «لا بد لصاحب هذا الأمر من عزلة ، ولا بدّ في عزلته من قوة ، وما بثلاثين من وحشة ، ونعم المنزل طيبة ، والطيبة هي المدينة المنوّرة » ، وهناك أدلة أخرى:

منها: لقاء ابن المهزیار ، ووقع كثير من أخبار وأحداث الرؤية هناك (1)، وفي تلك المواضع ، ومنها ما رواه الكليني رَضِی اللهُ عَنه عن أبي هاشم الجعفري، عن الإمام العسكري عَلَيهِ السَّلَامُ، وفيه: «قلت : يا سيدي، هل لك من ولد ؟ فقال عَلَيهِ السَّلَامُ: نعم ، فقلت : فإن حدث حدث فأين أسأل عنه ؟ قال عَلَيهِ السَّلَامُ: بالمدينة»(2).

ومنها: قول الإمام الجواد َعَلَيهِ السَّلَامُ: « إنّها ستكون حيرة » ، قلت: فإذا كان ذلك فإلى أين ؟ فسكت عَلَيهِ السَّلَامُ، ثم قال : «لا أين » حتّى قالها ثلاثاٌ، فأعدت عليه ، فقال : « إلى المدينة» ، فقلت : أي المدن ؟

ص: 28


1- بحار الأنوار : 52 و 53.
2- الكافي : 328/1.

فقال:« مدينتنا هذه، وهل مدينة غيرها؟» (1).

ومنها: ما نصّ عليه في دعاء الندبة الشهير:«لَيتَ شِعْري اَينَ اسْتَقَرَّتْ بِكَ النَّويٰ؟ بَلْ اَي اَرْضٍ تُقِلُّكَ اَوْ ثَريٰ؟ اَبِرَضْويٰ اَوْ غَيرِها اَمْ ذي طُويٰ؟ عَزيزٌ عَلَيَّ اَنْ أَرَي الْخَلْقَ وَ لا تُريٰ، وَ لا اَسْمَعَ لَكَ حَسيساً وَ لانَجْوي...» (2)، والرضوى هي المدينة المنورَة ، أو أطرافها، كما أنّ ذي طوى جبال على أطراف مكّة على جهة المدينة المنورة.

ومنها: ما ورد في جملة من أخبار علامات الظهور أنّ الشمس تخرج من المغرب، والمدينة المنوّرة تقع في الجانب الغربي من مكّة وبيت الله الحرام، فيكون ظهوره وخروجه عَلَيهِ السَّلَامُ من ناحية المدينة المنورّة، كما تدلّ على ذلك أخبار أخرى أيضاٌ.

ثالثاٌ: إنّ الله عزّ وجلّ يكره لوليّه أن يجاور أهل المعاصي والذنوب ، وهو الذي ينئی بوليّه عن جوارهم وجيرتهم ، يؤيّده رواية مروان الأنباري ، عن أبي جعفر صلوات الله عليه : « إنّ الله

ص: 29


1- الغيبة / النعمانی : 185.
2- مفاتیح الجنان وكتب الأدعية والزيارات .

إذا كره لنا جوار قومِ نَزَعَنا من بين أظهرهم »(1).

فلا تعارض ولا منافاة بين الطائفة الأولى من الأخبار -أعني الناصّة أو الدالَة على سكنه وإقامته عَلَيهِ السَّلَامُ في الجبال والصحاري - والطائفة الثانية منها -أعني الناصّة على إقامته في المدينة المنوّرة - وأنت تعلم أنّ تلك المنطقة الواقعة بين مكّة والمدينة قاحلة وعرة وصحراويّة جبليّة.

كما لا تنافي أيضاٌ بين هاتين الطائفتين من الأخبار، وبين ما ينصّ أو يدلّ على حدوث الرؤية ووقوع اللقاء في منازل أو خیام أو أماكن في مختلف بقاع الأرض، كالعراق وإيران وبلاد الشام والحجاز وغيرها؛ لأنّ الطائفتين الأوليين تعبّران عن موضع الإقامة الدائمة، و تنصَان عليه، بينا هذه الأخبار دالة على أن له عَلَيهِ السَّلَامُ بيوت ومساكن عديدة يتردَد عليها بين الفينة والأخرى، وأنه رَبما تواجد في أي موضع من هذه المعمورة، ونحن بالأحاديث القطعيَة نؤكد هذا المعنى؛ إذ الإمام سلام الله عليه غير محبوس في بقعة معيَنة، ولا في دائرة بعينها، بل ينطلق من موضع إلى موضع متى شاء، وكيفما شاء، ومتى ما اقتضت الحكمة، لكنّها لا تعد مسكنه الدائم، ولكن كيف

ص: 30


1- بحار الأنوار: 90/52 .

يسير ويسافر وينتقل من بلد إلى آخر، وكيف يسيح في الأرض، فهو ممّا سكتت عنه الأدلّة والأخبار، ولا يعنينا أمره، بل هو شأن الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ، وهو أدرى بوظيفته وشؤونه، لا داعي للتخرّص، ولا حاجة إلى تصوّرات القصّاصين، و تنبّوات الخرّاصين.

ثمَ إنّ بعض هذه الروايات، وهي أكثرها، وردت في عصر الغيبة الصغرى، فلا يتوهّم أنّ إقامته في الصحاري والجبال بين مكّة والمدينة ربّما كان خاصاٌ بعصير الغيبة الصغرى؛ لأنَ سائر روایات الإقامة مطلقة لم تقيد أصلاٌ، وهذه الطائفة من الروايات لا تصلح للتقبيد؛ لأنَ مجرّد صدور خبر أو أخبار في زمن الغيبة الصغرى لا ينهض للصارفيّة، ولا يصلح للقيدة ، فانتبه.

ثمّ إنّ مكان إقامته عَلَيهِ السَّلَامُ بين مكّة والمدينة یعدّ استراتيجيّة إلهيّة حتميَة؛ لأنّه بين أشرف بقاع الأرض وأكرمه وأفضله بحسب الموازين السماويّة؛ لأنّه بين الكعبة الشريفة وقبر جدّه صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، وهو بين أهمّ المواضع من الناحية الجغرافية، وبحسب الموازين والقواعد السياسية والاجتماعيّة والماديّة والعسكريّة؛ لأن قلب الأمّة الإسلاميّة بل الكرة الأرضيّة والعالم بأسره ينبض من هذا الموضع، والأنظار كلّها تتّجه إليه، وذلك الموضع يزخر بالثروة بل الثروات، بالثروة الماديّة والثروة المعنوية. فهو بين ثراء مادي وثراء معنوي،

ص: 31

يراقب العالم من هذا الموضع، ويتّصل بشيعته وأوليائه من هذا المكان، يحجّ المواسم ويحضر المواقف كلّها، كما يحضر لزيارة قبر جدّه صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه على الدوام، وهكذا لزيارة قبور أجداده والصالحين والشهداء والصدّرياليقين، لاسيمَا قبر جدته الصدَيقة الطاهرة فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، فهو عاكف على زيارة قبرها الذي في خفائه وغيابه يضاهي ويشاكل غياب الصّاحب صلوات الله عليه وخفائه، وإذا كان غائباٌ منذ ما يربو على ألفٍ ومائتي عام، فإنّ قبر جدّته عَلَيهِا السَّلَامُ قد خفي علينا منذ ما يربو على ألف وأربعمائة عام، فهما متشابهان، ووجه الشبه بينهما الغيبة الطويلة والخفاء، وسيكون ظهور قبرها عَلَيهِا السَّلَامُ بظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ، ويقترن الظهوران: ظهور المظلوم المقهور المغصوب المهضوم حقّه، وظهور الثائر المنتقم الذي لا يبقي ظالماٌ وكافراٌ ، ولا يذر.

فالموضع بين مكَة والمدينة أفضل ما يمكن للقائد الإلهي الفذّ وإمام المسلمين أن يتّخذه مقاماٌ و مسكناٌ، لجلالة المكان وشرفه، وأهمّيته واستراتيجيّته، ومن أجل تيسير اتّصاله بالمسلمين، ومراقبة شؤونهم، ومتابعة أخبارهم عن حضور عينيّ، ومباشرة شخصيّة، وعن کَثَب، وهو إضافة إلى دلالة الأحاديث الصحيحة عليه يعضده دليل العقل وسيرة العقلاء والمنطق السليم، وأنّه لولا الظروف القهريّة

ص: 32

وما فرضته الأنظمة الحاكمة الظالمة المعادية لأهل البيت عَلَيهِ السَّلَامُ لما خرج من المدينة واحد منهم، وما أقام في غيرها أحدهم قطّ، بل اتّخذوها موطناٌ بأجمعهم، فهي مواطن جدّهم صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه في حياته وموضع قبره بعد وفاته إلى أن تقوم الساعة.

وحينئذٍ فلا عبرة بما رواه الأنباري (1) والمازندراني(2) بأنّ مسكنه وموطنه وموضع إقامته وعياله عَلَيهِ السَّلَامُ في بعض الجزر المجهولة في بعض البحار، بسبب الإرسال وضعف السند، ومخالفة النصوص الصحيحة أو الموثّقة، ومخالفة السيرة والذوق العامّ، والله العالم.

كما أنَه لا عبرة بالأكاذيب والافتراءات والقصص التي اختلقها أعداء الإماميَة والنواصب ثمَ نسبوها إلى أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ وإلى شيعتهم من قصّة السرداب الشريف الذي ولد فيه مولانا صاحب الأمر صلوات الله عليه، وكان في دارأبيه الإمام العسكري عَلَيهِ السَّلَامُ في سامرّاء، حيث افتروا على الشيعة عامَة وعلى الإماميّة خاصّة أكاذيب لا أثر لها في كتبهم ومصادرهم، وأشاعوها حتّى ظنّ بها كثير من جهلة العوام، وصدَقها مشايخ السُّتة وعلماء المخالفين، بل سلّطوا عليها

ص: 33


1- النجم الثاقب: 217.
2- المصدر المتقدم : 284.

الأضواء، وسخّروا من أجل شيوعها الإعلام قديماٌ وحديثاٌ حتّى جعلوه من ضروريّات المذهب و مسلّمات عقائد الإماميَة، وما زالوا يصرّون على عنادهم وغيّهم، ولا عجب في ذلك إذا كان أسلافهم يضعون الرواية على رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، ويكذبون بصريع القول عليه وعلى الأجلّة من أصحابه، وكان الكذب والافتراء والدسيسة دیدنهم، بل دينهم الذي يدينون به ، ومن يكذب على رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه يكذب على غيره بطريق أولى، ومن اعتاد الكذب والافتراء لا يتورّع عن جريمة قطّ، ولا عن نسبة الأباطيل والأكاذيب إلى خصومه، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوّة إلّت بالله العليّ العظيم، والعاقبة لأهل التقوى واليقين.

فهؤلاء النواصب الحاقدون نسبوا إلينا أنَنا نعتقد بأنّ المهدي المنتظر عَلَيهِ السَّلَامُ دخل هذا السرداب وغاب هناك، وهو يعيش مستتراٌ فيه لا يأكل ولا يشرب ولا يتّصل بأحدٍ حتّى يأذن الله له في الظهور، فما هي حقيقة هذه الفريَة؟ وما هي حكاية السرداب الشريف و غيبة المهدي المنتظر عَلَيهِ السَّلَامُ فيه؟

أولا: لم ترد هذه الفريَة في أي مصدر من مصادرنا الروائيَة، ولا في جوامعنا الحديثيَة، بل هذه الحكاية لم ترد في كتاب من کتب أعلامنا منذ أن غاب عَلَيهِ السَّلَامُ إلى يومنا هذا، ولا في كتب الأعلام قبل

ص: 34

الغيبة، ولا في كتاب معتبر من كتبنا ، فما أدري لماذا الإصرار؟ وليس ذلك إلّا من شدّة الحقد والعصبيّة والعناد.

ثانياٌ: بل لم يرد ذكر لهذا السرداب في شيء من كتبنا المعتبرة، ومصادرنا الروائية.

ثالثاٌ: لم نجد لهذا السرداب وهذه الحكاية المختلقة الكاذبة ذكراٌ سوى في كتب الستّة والنواصب؛ لأنهم واضعوها وصانعوها، بل أكثروا من سردها ونقلها وتسليط الأضواء عليها، وإشاعتها، سعياٌ منهم في تثبيت هذه الفرية على الإماميّة والشيعة ، على نحو المقولةالشهيرة: إكذب ثمّ اكذب حتى يصدّقك النّاس، محاولين دسّ هذه الكذبة في عقائدهم، وبثّها في نفوسهم، لعلّها تجد طريقاٌ في كتبهم، وصدیٌ عند عوامهم وخواصهم، ونفرةٌ في نفوس النّاس منهم ومن مذهبهم بنسبة الخرافة إليهم ، وعلّهم يجنون ثمار الطعن في عقيدتهم بالقضاء التامّ على مذهب الحقّ الذي هو مذهبهم، ﴿وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ (1)

رابعاٌ: نعم، كلّ الذي جاء في بعض كتب الشيعة، ونقله بعض رواتهم ومحدّثيهم، هو عبارة عن حكاية الجند والجيش الذين داهموا

ص: 35


1- سورة التوبة : الآية 32.

دار الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ بأمر من المعتضد العبّاسي، وكان هجومهم هذا يهدف إلى القبض على المهدي صلوات الله عليه، بناءٌ على دسائس وأخبار بلغت الخليفة من عيون النظام وجواسيسه تفيد بوجودالمهدي هناك، ورغم أنّهم رأوه وحاولوا الوصول إليه، إلّا أنّهم عجزوا عن ذلك الحيلولة الماء بينهم وبينه.

فليس في هذا الخبر ذكر للسرداب، ولا ورد فيه اسم السرداب، أو ما يدلّ عليه، بل هذا الخبر يفيد خلاف مايزعمه السنّیّون والنواصب؛ لأنّ فيه أنّ الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ بعد ذلك غادر المكان، وخرج من أمام أعينهم، من غير أن يروه، أو يشعروا به، بينما يزعم أعداؤنا أنّا نعتقد بوجوده وبقائه وغيابه في السرداب إلى أن يحين أوان ظهوره فيخرج منه.

خامساٌ: لعل منشأ هذه الدعاوى الكاذبة ، وهذه الفری والأقاويل، يكون تعظيم الشيعة للسرداب الخاصّ بالإمام العسكري صلوات الله عليه، الذي كان في داره، وعاش مولانا صاحب الزمانَ عَلَيهِ السَّلَامُ فترة من حياته في كنف أبيهَ عَلَيهِ السَّلَامُ فيه، ولعلّه قضى شطراٌ من حياته هناك في الغيبة الصغرى بعد وفاة أبيه عَلَيهِ السَّلَامُ، حيث ربّما عاش مع أمّه وجدّته رضي الله عنها فيه.

لكن تعظيم الشيعة لهذا السرداب، بل لدار أبي محمّد العسكري َعَلَيهِ السَّلَامُ،

ص: 36

وزيارتهم له، ليس نابعاٌ من اعتقادهم بوجوده فيه، أبداٌ، ولا يدلّ تعظيمهم لذلك المكان وتقديسهم له وزيارتهم فيه على مثل هذا الاعتقاد؛ لأنّهم يعتقدون أنّه من شعائر الله تعالى، وقد أمروا بتعظيم هذه الشعائر، ولا مانع من أن يقصدوا فيه زیارة إمام زمانهم المهدي المنتظر َعَلَيهِ السَّلَامُ؛ لأنّه ولد فيه ، وعاش فيه ردحاٌ من عمره، وفترة من حياته، كما يصنعون ذلك في كلّ مكان نسب إلى النبيّ محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه وأهل بيته الكرام َعَلَيهِ السَّلَامُ، فهل إذا زاروا دار عليّ وفاطمة َعَلَيهِا السَّلَامُ في المدينة المنوّرة ، أو زاروهما في تلك الدار ، كانت زيارتهم لاعتقادهم بوجودهما في ذلك الموضع؟ وهل زيارتهم لدار الإمام علي عَلَيهِ السَّلَامُ في الكوفة، أو زيارة عليّ َعَلَيهِ السَّلَامُ هناك، نابع من اعتقادهم بوجوده فيه؟ وهل زيارة سلمان وأبي ذر في مسجدهما المنسوب إليها يعدّ اعتقاداٌ بوجودهما فيها؟ أو يدّل على ذلك ؟ وهل زيارة مسجد السهلة في الكوفة، وزيارة الإمام المهدي َعَلَيهِ السَّلَامُ فيه، دالّ على اعتقاد الشيعة بوجوده فيه؟ أو نابع عن اعتقادهم بذلك؟ بل هناك مئات الشواهد والأدلّة التي ترفع هذا التوهّم والتصوّر الباطل الذي لا أصل له، ونحن بما نعرفه من حقد هؤلاء الأعمى، ونصبهم العداء الصارخ الصريح لأهل البيت َعَلَيهِم السَّلَامُ ولشيعتهم، لانظنّ أن شيئاٌ من هذه الأسباب والعوامل لها مدخليّة ولا هي منشأ في هذا التصوّر الباطل والفرية

ص: 37

الفاضحة على شيعة أهل البيت َعَلَيهِم السَّلَامُ، ولا نرى لذلك منشئاٌ سوى الحقدالأعمى، والعصبيّة الجاهليّة، وكفاهما دحراٌ بصاحبها نحو الهاوية، والرذيلة والهلاك، كما هو حال هؤلاء القوم في كلّ حقلٍ من الحقول، إذ لم تقتصر أكاذيبهم على موضع السرداب بل افتروا علينا في كلّ شيء، ولا نظنّهم يرتدعون عن غيّهم ولا يرشدون. بل نتوخّى منهم كلّ شرّ ونتأمّل أن يصيبنا منهم كلّ سوء، وهم ماضون وسيستمرّون على هذا المنوال الذي أسّسه لهم أسلافهم من نهج باطل، ومسلك الغواية والضلال.

ص: 38

الدرس الثالث: حياته الزوجية - 2

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

وأما زواج الإمام َعَلَيهِ السَّلَامُ:

فالقواعد الفقهيّة والأصول المسلّمة في الإسلام تقتضي زواج الإمام َعَلَيهِ السَّلَامُ ونكاحه؛ لأنّه من أهمّ السنن في الإسلام، وهو سنّة رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه من تركه فليس منه، وليس من أمّته، والإمام َعَلَيهِ السَّلَامُ أولى بستة جدّهَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، فكيف يعقل أن يعرض عنها؟

كما أنّ من الأخبار الخاصّة ما يعضد هذا المعنى ويؤيّده، فمنها ما رواه الشيخان الجليلان النعماني والطوسي أعلى الله مقامهما بطريق معتبر عن المفضّل بن عمر، قال : سمعت أبا عبدالله َعَلَيهِ السَّلَامُ يقول:«إّنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين، إحداهما تطول حتّى يقول بعضهم: مات ، وبعضهم يقول: قُتل، وبعضهم يقول: ذهب، فلا يبقى على

ص: 39

أمره من أصحابه إلّا نفر يسير لا يطّلع على موضعه أحد من ولده ولا غيره ، إلّا المولى الذي يلي أمره»(1).

فالأصول والأحكام الفقهيّة العامة المقتضية للعمل بالسنّة يكفي في تحقّقها وصدق وقوعها مجرّد الزواج والنكاح ولو مرّة واحدة في العمر، وإن كانت بعض أدلّة استحباب النكاح تنصّ أو تدلّ على استحباب أن يكون الرجل على نكاح طيلة حياته وعلى الدوام مع الإمكان، وأن لا يرضى بالعزوبة ولو ليلة واحدة، إلّا أنّ العمل بالسنّة يتحقّق بمجرّد الزواج ولو لمرّة واحدة، أو لليلة واحدة، على الظاهر، وهذا سهل للغاية بالنسبة للإمام المهدي صلوات الله عليه، لا يحتاج إلى مزيد بحث وعناء وتخرّص وثرثرة. ولكن هل يجب أو ينبغي أن تكون له زوجة على الدوام؟ إذ لو سلّمنا بهذا الفرض لزم أن نبحث له عن وجهٍ؛ معقول، وإذ سكتت الأخبار والأحاديث عن بیان هذا الأمر وامتنعت عن خوض تفاصيله، و تعبد بها أعلام الطائفة رضي الله تعالى عنهم، فإنّا نكتفي بالفرض الأوّل، ونسكت عمّا سكتوا عنه، وإن كنّا لانرى أي امتناعٍ واستحالةٍ عن كونه على نکاح دائم، وبما أنّ بقاء زوجة واحدة على ذمّته لهذا الزمن الطويل أمر

ص: 40


1- الغيبة / الطوسی: 102.

في غاية الاستبعاد، إن لم نقل أنّه محال وقوعاٌ، ولم يرد على ذلك دلیل قطّ، فإن بإمكانه عَلَيهِ السَّلَامُ أن يجدّد فراش الزوجيّة كلّما ماتت زوجته، واستبعاد حصول امرأة في غاية الإيمان والورع في كلّ زمان يقترن بها الإمام صلوات الله عليه و تحفظ سرّه عن كلّ أحد، استبعاد في غير محلّه، والواقع لا يستبعد هذه الحقيقة فضلاٌ عن امتناعها، بل لا نمنع أبداٌ، بل لانرى غرابة في وجود امرأة على هذا المستوى من الفضيلة والكمال تستحقّ السير في ركب الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ في كلّ زمان، وإن كنّا نری اکتفاء أن تكون للإمام عَلَيهِ السَّلَامُ زوجة بين فينة وفينة، بل بين حقبة وحقبة، ولا نرى لزوم الزوجيّة المتّصلة، بحيث يبادر إلى الزواج كلّما فقدَ زوجته بسبب الوفاة مثلاٌ، ليكون دائم النكاح ويصدق الاتّصال، و تنتفي العزوبة؛ لأنه عَلَيهِ السَّلَامُ لو تزوّج مرة واحدة كلّ مائة عام لكني في تحقّق العمل بالاستحباب قطعاٌ، وكان عاملاٌ بالسنّة على الفرض الثاني أيضاٌ، ولا غرابة من وجود هذا العدد من المؤمنات الفاضلات.

وحينئذٍ فهو أعرف كيف يخفي زوجته عن الأنظار بالوسائل والسبل الطبيعيّة تارة، وليس هذا ببعيد ولا غریب، وبالوسائل الماورائيّة ويد الغيب الإلهيّة تارة أخرى، إن استلزم الأمر، ولا يستغني الإمام صلوات الله عليه عن الرعاية الإلهيّة والعناية

ص: 41

الربّانيّة واليد الغيبيّة، طرفة عينٍ، ولا لمحة بصر، ولا دون ذلك قطّ، ولولاها لم يكن قادراٌ على حفظ نفسه بالعوامل الطبيعيّة مها أوتي من حنكةوذكاء و معرفة و علم ودراية، خلافاٌ لمن حاول تفسير ذلك كلّه تفسيراٌ ظاهریّاٌ مادياٌ، فوقع في هذه الورطة، وتجشّم عناء التدبيرات والتوجيهات، فخاض غمار الأوهام.

وأمّا الأولاد

فالأدلّة التي يمكن الاستناد إليها والتعويل عليها ثلاثة:

أوّلها: رواية المفضّل بن عمر المتقدّمة عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ: «لا يطّلع على موضعه أحد من ولده ولا غيره».

ويرد عليه: أنّه لاتصريح فيه على وجود أولادٍ للإمام عَلَيهِ السَّلَامُ، نعم يمكن الاستفادة من دلالته، لإفادته وجود الأولاد له عَلَيهِ السَّلَامُ، وإلّا لزم منه اللَّغوية.

ويمكن دفع دعوی احتمال اللَّغوية بحمل كلامه عَلَيهِ السَّلَامُ على التمثيل والقياس بالأولويّة، بمعنى أنّه لو كان له أولاد لامتنع عليهم الاطّلاع على موضعه أيضاٌ، فضلاٌ عن غيرهم؛ إذ لو ثبت امتناع ذلك على أولاده عَلَيهِ السَّلَامُ الذي هو خلاف المألوف والمعتاد، لامتنع على غيرهم بطريق أولى، وبالأولويّة القطعيّة.

ص: 42

أضف إلى ذلك اختلاف النسخ، فبينا نجد في رواية الشيخ الطوسي أعلى الله مقامه كلمة «ولده»، فإنّا نجد المرحوم النعماني رواه بلفظة «وليّ»، وهذا تهافت بين النسختين، ومع تهافت النسخ فيها هو محلّ الشاهد لايمكن الاستدلال بها، لوقوع الإجمال فيها، والله العالم.

ثانيها: رواية الإمام الجواد عَلَيهِ السَّلَامُ، وآخرها: «ثم يرجع إلى الكوفة، فيكون منزله بها »(1).

علّنا نستظهر من هذه الرواية أنّ الإمام يأتي بأهله وأولاده إلى الكوفة و يتّخذ فيها منزلاٌ لإسكانهم.

ويرد عليه أولاٌ: أنّ هذا ممّا يختصّ ببعد ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ، وبعد قیام دولته. و ثانياٌ: أنّه لا ينصّ على وجود الأولاد، ولا يصرّح بذلك.

وربّما قيل: إنّه لا معنى لوجود المنزل إلّا لإسكان الأهل والأولاد. لكنّه غير وارد؛ لأنّ المنزل لا يختصّ بحال وجودهم، فالأعزب كذلك يحتاج إليه، نعم يمكن تصديق ذلك بملاحظة الرواية التالية.

وثالثها: رواية الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ، أنّه ذكر مسجد السهلة، فقال: «أما إنّه منزل صاحبنا إذا قدم بأهله»، وهو صريح في وجود أهله، ولكن يرد عليه أيضا أولاٌ: أنّ الأهل قد يطلق على الزوجة والأزواج

ص: 43


1- كمال الدين : 329، 378. كفاية الأثر: 282.

فحسب، ولا دلالة له على وجود الأولاد.

ثانياً: أنه قد لا يراد بلفظ «صاحبنا» الإمام المهدي أرواحنا فداه، بل يقصد غيره.

وهذا الثاني غير وارد؛ لأنّ الحديث عن صاحب الأمر عَلَيهِ السَّلَامُ واضح في الرواية بقرائن قطعيّة عديدة منها خصوصيّة الموضوع ، و منها ذکر مسجد السهلة الذي اقترن باسم الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ.

وأمّا الإيراد الأوّل فغير وارد أيضاً، لإطلاق لفظة الأهل على الأعمّ من الأزواج والأولاد، ويعضد هذا المعنى ما جاء في الدعاء المأثور عن يونس بن عبد الرحمن، عن الإمام عليّ بن موسی الرضا عَلَيهِما السَّلَامُ في أعمال يوم الجمعة، أنّه كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر عَلَيهِ السَّلَامُ بهذا الدعاء:

«اللَّهُمَّ ادْفَعْ عَنْ وَلِيِّكَ وَ خَلِيفَتِكَ وَ حُجَّتِكَ عَلَى خَلْقِكَ،...إلى قوله: اللَّهُمَّ أَعْطِهِ فِی نَفْسِهِ وَ أَهْلِهِ وَ وَلَدِهِ وَ ذُرِّیَّتِهِ وَ أُمَّتِهِ وَ جَمِیعِ رَعِیَّتِهِ» ، فإنّه وإن فصل بين الأهل والأولاد غير أنّه نصّ على الأولاد، أو الولد الواحد الذي يتمّ به الغرض وإن لم يتعدّد ولم يزد، وبناء على تلك الرواية الأولى « رواية المفضّل بن عمر»، وهذه الرواية، يكون له ولد واحد، وإن كان حمله على إرادة النوع لاخصوص العدد الواحد أقوى، وأقرب إلى الصواب.

ص: 44

لكن يرد عليه: أنّه ربّما كان هذا تعلياً من الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ للشيعة أن يدعوا للإمام الحجة عَلَيهِ السَّلَامُ ولأهله ولولده وذرّيّته الذين سوف يأتون ويلدون في عصر ظهوره، ولا دلالة له على وجود زوجة وأولاد وذرّيّة له في الوقت الحاضر، فالشيعة مأمورون في جميع العصور بالدعاء للإمام الحجة عَلَيهِ السَّلَامُ، ثم الدعاء لأزواجه اللائي يتزوّج بهنّ -أو زوجته- ولأولاده، وأحفاده وذرّيّته الذين سوف يولدون في دولته الكريمة، وهذا أمر مألوف جدّاً نجد في الأخبار كيف كان رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه يدعوا لذرّيته قبل ولادتهم بقليل أو كثير، وهكذا دأب الأئّمة عَلَيهِ السَّلَامُ، وعلّموا أصحابهم، فاستُحبَّ الدعاء للولد وولد الولد -أي للأولاد والذراري والأحفاد قبل أن يولدوا، ولم يشترطوا في الدعاء حياة المدعو له ، كما أنّ في القرآن الكريم تصريح بذلك، فهذا نوح عَلَيهِ السَّلَامُ يدعو للمؤمنين وذرّياتهم ، كما يدعو على الكافرين وذراريهم(1)، وهذا إبراهيم الخليل عَلَيهِ السَّلَامُ يدعوا لذرّيّته ولمن سيولد من المؤمنين (2)، وهلمّ جرّاً(3).

ص: 45


1- راجع الآيات التي تحكي قصّتي نوح وإبراهيم عَلَيهِ السَّلَامُ وقومهما، وتكفيك سورتي نوح وإبراهيم عَلَيهِما السَّلَامُ خاصة.
2- راجع الآيات التي تحكي قصّتي نوح وإبراهيم عَلَيهِ السَّلَامُ وقومهما، وتكفيك سورتي نوح وإبراهيم عَلَيهِ السَّلَامُ خاصة.
3- راجع قصص الأنبياء َعَلَيهِم السَّلَامُ في القرآن الكريم ، وهكذا أدعية وأحاديث أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ في هذا الخصوص.

والحاصل: أنّه لا يمكن الجزم بشيء من ذلك نفياً ولا إثباتاً، فلا دليل قطعي على وجود الأولاد للمهدي عَلَيهِ السَّلَام وعدمهم، لكن الأدلّة تارة تميل إلى هذا، وتارةتميل إلى ذاك، وكما أنّه لا استبعاد ولا استحالة من وجود الأولاد له َعَلَيهِ السَّلَام، بل هو احتمال وارد تحفّ به قرائن عديدة عامة وخاصّة، فإنّه لا ضرورة من وجود الأولاداً في عصير الغيبة الكبرى، للظرف الخاصّ الذي يحيط بالإمام صلوات الله وسلامه عليه، ولا يعدّ انعدامهم منقصة، ولا يمكن أن ينعت بالأبتر وهو خلف حجاب الغيب؛ لأنّه سيظهر ويرزقه الله تعالى أولاداً وذراري إن شاء، كما يظهر من بعض الأحاديث، لا سيمَا إذا اقتضت ظروفه الخاصّة ذلك، وتوقّفت عليه المهمَة الأهمَ التي أسندت إليه، و اقتضاه أداء الرسالة الإلهيَة.

فلايمكن البتّ ولا القطع بهاتين القضيّتين، قضيَة زواجه، وقضيَة أولاده َعَلَيهِ السَّلَام، لاحتالهما النفي والإيجاب؛ ذلك أنّ لمولانا صاحب الأمر صلوات الله عليه حسابات و موازین فوق حدود إدراكاتنا، وفوق طاقاتنا فلانحيط بها علماً، والله العالم.

ص: 46

الدرس الرابع: انتظار الفرج - 1

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

ليس مفهوم الانتظار ممّا أوجدته ظروف غيبة الإمام الثاني عشر في المعتقد الشيعي، ولا هو وليد الديانة الإسلاميّة، فضلاً عن كونه مجرّد وهمٍ فرضته ظروف الحياة، كما زعم بعض من يجهلون حقائق التأريخ، بل هو حقيقة ضاربة بجذورها في عمق التأريخ لتمتدّ إلى أعماق الفكر الإنساني والمعتقد الديني، حتّى أصبح انتظار المنقذ السماوي ملازماً للفكر الديني ومن أبجديّاته، لا تكاد تنفكّ عن أذهان المتديّنين بالأديان السماويَة ولا عن عقائدهم؛ ذلك أنّ المتديّنين بالأديان والمؤمنين بالشرائع السماويَة ما انفكّوا يوماً ما من مطاردة وظلم واضطها, لحقتهم من الأنظمة المستبدّة الجائرة، وأذنابهم من أهل الكفر والعصيان، لا سيمّا في ظروف غياب الأنبياء والأوصياء،

ص: 47

والحجج الإلهيَة، حيث لم يجدوا بدّاً من الانتظار على أمل أن تتحقّق بشارات السماء بظهور نبيّ يحمل إليهم تباشير الخير والنجاة من براثن أهل الكفر والضلال . أو خروج مصلح ينقذهم من حياةالشقاء والعناء.

وهكذا وعلى هذه الوتيرة ظلّت مسيرة الانتظار ممتدّة ورایتها ترفرف، لتبقى بارقة الأمل تحيا في نفوس المؤمنين جيلاً بعد جيل، على مّر القرون والأعصار المتمادية، و تنبض لها قلوبهم. كي لا تخمد فيها حرارة الإيمانرغم طول الانتظار؛ إذ لولا الانتظار لانخمدت حرارة الإيمان، و تكوّر وميضها، ولم يجد المؤمنون بعد نوح عَلَيهِ السَّلَامُ سبيلاً إلى التمسّك بشريعته ومبادئ دينه، ولا بصیص نور يضيء لهم درب الصبر والاستقامة، لكن الأمل في تحقّق البشائر، وانتظار النبيّ تلو النبيّ، لا سيمَا انتظار ظهور إبراهيم الخليل عَلَيهِ السَّلَامُ كان الوقود الذي يشعل فتيل الإيمان في نفوس المؤمنين، ويحفظ حرارته في صدورهم، ولولا الانتظار لم تكن حال المؤمنين بعد إبراهيم الخليل عَلَيهِ السَّلَامُ بأفضل ممّا كان عليه حال المؤمنين بعد نوح عَلَيهِ السَّلَامُ، وهكذا لم تكن حال المؤمنين بعد موسی وعیسی ونبيّنا محمد صلى الله عليه وآله وعليها السلام بأفضل ممّا كانت عليه حال المؤمنين بعد إبراهيم الخليل عَلَيهِ السَّلَامُ، وإنّما هو الأمل والانتظار بظهور موسی عَلَيهِ السَّلَامُ هما اللذان أجّجا نار الإيمان

ص: 48

وحرارة اليقين في قلوب بني إسرائيل، وزيّنا لها الصبر على النوائب والمحن، حتّى كافح المؤمنون منهم فراعنة الزمان، ليظلّ مشعل الإيمان وقاداً لا يخمد باليأس لطول الفراق، ولا تطاله رياح القنوط العاتية، وجرى الحال واستمرّت هذه السيرة فيهم بعد موسی عَلَيهِ السَّلَامُ بانتظار عيسى المسيح صلوات الله عليه، حتّى غدا أهل الكتاب وأحبارهم و قساوستهم مزّمّلین برداء الصبر والانتظار، ينتظرون ظهور النبيّ الخاتم المسمّى عندهم في التوراة والإنجيل بأحمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، والمبشّر به من جهة أنبيائهم، ومن أجل ذلك رحل المؤمنون وطالبوا الحقيقة منهم من أوطانهم، وهاجروها إلى أرض الجزيرة، يتّخذون من مكّة والمدينة المنوّرة -یثرب- لهم أوطاناً يقطنونها، وينزلون في وديانها وسهولها وجبالها ينتظرون، بل يجادلون الكقّار والمشركين ، ويتوعّدونهم بهذا النبي صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه:﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚفَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾(1).

عن إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا عبد الله عَلَيهِ السَّلَامُ عن قول الله تبارك و تعالى :﴿وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ

ص: 49


1- سورة البقرة: الآية 89.

مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ﴾(1)، قال : «كان قوم فيما بين محمّد وعیسی صلّى الله عليهما، وكانوا يتوعَدون أهل الأصنام بالنبي صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، ويقولون: ليخرجنّ نبيّ فليكسرنّ أصنامهم، وليفعلنّ بكم -وليفعلن- فلما خرج رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه كفروا به »(2).

و انتظار الفرج بالمهدي الموعود في أمة محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه جعل من الشيعة طائفة لا تأخذها في الله لومة لائم، تتحدّى طواغیت بني اُميَة وجبابرة بني العبّاس، ومن حذى حذوهم، كالجبال الراسخة لا تهزّها العواصف والأعاصير، فلا تنحني أمام الباطل، ولا تركع للظالم، بل لا تداهن الباطل وأهله طرفة عين ولا لمحة بصر، لترفع لواء الحقّ، و تحمل مشعل الهداية في ظلمات بعضها فوق بعض، وفي أوحال جاهليّة دونها كلّ الجاهليّات.

نعم، إنّه الانتظار الذي سار بسفينة التشيّع إلى برّ الأمان، ورسی بها على شاطئ السلام، وبالانتظار شعشع ضیاء الحقّ من هذا المذهب ليملأ الخافقين، وأضحت شمس الحقيقة مشرقة لا تحجبها غيوم العصبيّة العمياء، وبالانتظار غدى المؤمن الشيعي أشدّ من زبر

ص: 50


1- سورة البقرة : الآية 89.
2- الكافي : 310/8، ومثله باختلاف يسير: 308/8.

الحديد؛ إذ الحديد يتغيّر ويتأثّر بالنّار، والمؤمن لا يغيّره شيء، وظلّ وقوراً عند الهزاهز، صبوراً عند نزول البلاء، والتاريخ الذي دوّنه العدوّ قبل الصديق خير شاهد ودليل، من هنا سقطت رایات عديدة لمن زعموا البطولات وتبجّحوا بها، في أحضان السلاطين وتهاوت ألويتهم في قبضة أعداء الإسلام، حين أنكروا وجود المهدي الموعود عجّل الله فرجه، إرضاءً لرغباتهم، ونزولا عند أهوائهم، فكانت عاقبتهم الرضوخ والاستسلام لطواغيت لا يدينون بدینٍ، ولا يلتزمون بشرعٍ، بل لا يرقبون في بشرٍ إلّا ولا ذمّة، يشاركونهم جرائمهم ويعينونهم على ظلمهم.

لا شكّ أنّ للانتظار في أذهان المنتظرين وعقائدهم معانٍ متفاوتة تختلف باختلاف رؤية كلّ منهم وفهمه لمفهوم الانتظار، والغايةالتي تسعى إليها في هذا الدرس بلورة حقيقة الانتظار من منظار أهل البيت صلوات الله عليهم، وأصحابهم وأعلام الطائفة، سواء من خلال دراسة سيرهم أو التحقّق في أقوالهم، لتّتضح الرؤية وينجلي غبار الأوهام من عقول السذّج والعوامّ ممّن أساؤوا الفهم، أو ساء إدراكهم لحقيقة الانتظار في زمن الغيبة، وهو الزمان الذي أدركناه، ولعلّنا نعيش أهمّ فتراته.

في القرنين الرابع والخامس الهجريّين ظهرت حركة مناهضة

ص: 51

للاعتقاد بحياة الإمام المنتظر عجّل الله فرجه وغيبته، أطلقها جماعة من علماء الفرق الإسلاميّة -السُّنّية- فكانت سبباً في بروز حركة علميّة شيعيّة ناشطة في التصدّي لها والذود عن هذه الحقيقة التي كانت ولا تزال أوضح من الشمس في رابعة النهار، وما ذنب الشمس إذا عجز الأعمى عن أن يبصر بها وأن يراها؟ وكيف كان فقد انطلق أعلام المذهب من واقع الاحساس بالمسؤولية الجسيمة التي تعلّقت في أعناقهم لإحقاق الحقّ ودحض الباطل، إلى تثبيت دعائم الإيمان بحياة حجّة الله وخليفته في أرضه، وإثبات غيبته سلام الله علیه، فوقعت مناظرات عديدة، وصُنَّفت في ذلك كتب كثيرة، أهمّها: الغيبة للنعماني، والغيبة للطوسي (المتوفّي 460ه)، وكمال الدين للصدوق (المتوفّی 381ھ)، والإرشاد للمفيد (المتوفّي 413ھ)، وغيرهم من الأعلام طيّب الله ثراهم، لكنّ محاولات هؤلاء الصفوة من الأعلام لم تمنع من ظهور أفكار خاطئة وآراء باطلة تفسّر الغيبة والانتظار بتفاسير لا علاقة لها بالواقع ولا تمتّ إليه بصلة، وهي لا تزال تجد لها صدىً لدى فئة من السُّذّج والجهلة.

وتتجلّى أهميَة مسألة الانتظار للفرج والظهور، في الأحاديث التي تحدّثنا عن أحوال آخر الزمان، وترصد بیان ما يؤول إليه حال الدین والمتديّنين، والأحداث التي تجري و تدور في بلاد المسلمين قبل

ص: 52

الظهور، كما أنّ هذه الأهمّية تتجلّى وتظهر أيضاً للناقد البصير، والمتأمّل في هذه الظروف والأحداث والأحوال على أرض الواقع، من غير حاجة إلى معرفة تلك الأحاديث والاطّلاع عليها، فإنّ العاقل اللبيب تغنيه بصيرته في مثل هذه الأمور عن بیان الشارع المقدّس، ويبني النتائج ويستخلصها من خلال تأمّله في المقدّمات والحقائق التي يراها من حوله ، ومن أهمّها:

أ- غلبة السياسة على الدين، وسيطرة رجالها على أزِمّة الدين، و تحويل الدين إلى حلبة صراع للنزاعات الحزبيّة والطائفيّة بل والفرديّة أيضاً، وهذا من خصائص هذا الزمان في مذهبنا، لم نعهد له مثيلاً في سائر الأزمنة، ولا سمعنا به أو مثله في السلف الصالح من علمائنا الأخيار ، رضي الله عنهم جميعاً.

ب- ظهور أوّل طائفة من علماء السلطة والبلاط، ووعّاظ السلاطين في مذهبنا الحقّ، وهي أيضاً حالة غريبة عن اُصول مذهبنا، تتنافي بل تتناقض مع أبسط وأوضح معالم مذهبنا ودينناالحنيف، ممّا يزيد من خطر التحريف والتضليل في المذهب الحقّ، وقد بدأت بعض معالمه وآثاره تظهر للعيان، وهو حقّاً من علامات قرب الظهور، ممّا يحتّم علينا وعلى كلّ الغيارى من أبناء الطائفة شحذالهمم والإعداد للظهور، ومواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، بما آتاهم

ص: 53

الله تعالى من قوّة الإيمان، قبل أن يستفحل هذا السرطان الذي غدا قاب قوسين أو أدنى من قلب هذا الدين ونبعه الصافي و العذب المعين.

ج- اختلال الموازين في المرجعيّة الدينيّة، وزعامة المذهب الحقّ، وإلغاء القوانين العقليّة والعقلائيّة والشرعيّة، وإحلال الفوضى، والمصالح السياسيّة الآنيّة، والأهواء والرغبات الفرديّة أو الجماعيّة والفئويّة والحزبيّة محلّها في تعيين المرجع الأعلى وزعيم الطائفة الذي يليق بمنصب النيابة العامّة لصاحب العصر والزمان صلوات الله عليه، وهذا أيضاً من خصائص هذا الزمان لم يسبق له مثيل ولا نظير في تأريخ مذهب الحقّ، فبعد أن تعوّدنا طيلة الأزمنة الماضية من تاريخناالمجيد وماضينا التليد العريق أن نرى المرجعيّة العليا والزعامة الدينيّة تتصدّى الصدارة، وترقى سلّم الأولويّة في الكمالات العلميّةاللازمة في عمليّة الاستنباط، والكمالات الأخلاقيّة اللازمة في سموّ الذات، فإنّا نأسف أن نرى كلّ ذلك فداءً لأهواء ثلّة من هواة السلطة وطالبي الرئاسة الدنيويّة، يسحقون المعايير والقوانين والأنظمة والموازين کافّة في سبيل أن ينالوا شهواتهم، ويحقّقوا رغباتهم، ليصبح المذهب أداة طيّعة لأهداف مشئومة لئيمة، وتصبح الزعامة الدينيّة عنواناً مجرداً من الحقائق، ومفهوماً عارياً من الفضيلة تتقاذفه أيدي السياسيّين، وتتلاعب به أهواء الحزبيّين، وتقدّم للمؤمنين نماذج

ص: 54

من المرجعيّات السياسيّة، والزعامات الحزبيّة، أو الوراثيّة المتقوقعة في بعض الأسر والعناوين الفضفاضة التي هي أخطر على سلامة هذا المذهب من القنابل الذريّة والصواريخ النوويّة؛ لأنّهم يفتون النّاس بغير علم ولا طبقاً للموازين والقواعد، وإنّما يفتونهم حسب أهوائهم ورغباتهم، وإلى هذه المأساة أشارت وعليها نصّت كثير من الأحاديث.

قال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: «لا يقبض العلم انتزاعاً من النّاس ، ولكنّه يقبض العلماء، حتّى إذا لم يبقَ عالم اتّخذ النّاس رؤساء جهالاً، استفتوا فأفتوا بغير علم ، فضلّوا وأضلّوا»(1).

وروي عن أبي جعفر عَلَیهِ السَّلَامُ أنه قال: «من أفتى الناس بغير علمٍ ولا هدئ لعنته ملائكة الرضا وملائكة العذاب فيلحقه وزره ، ووزر من يعمل بفتياه»(2).

د- ظهور طائفة من علماء السوء والسياسة، أو بالأحرى ممّن تقمَصوا رداء الفقاهة، وادّعوا العلم وانتسبوا إليه زوراً وبهتاناً، بفضل سلاح القوّة والبطش والإعلام الزائف ، والترهيب والترغيب،

ص: 55


1- تحف العقول: 37.
2- الكافي / الحلبي : 426. الكافي / الكليني : 42/1 و : 409/7.

وتصدّيهم للزعامة الدينيّة، ثمّ دعوته التّاس صراحةً وعلناً وجهراً إلى تقليده واتّباعه، وهو بدعة اُخرى ابتلينا بها في زماننا هذا، أعاذ لله المذهب، وأعاذنا من شروره و شراره، وهو قطعاً من دلائل قرب الظهور إن شاء الله تعالى، وشاهد حيُّ على أهمية الانتظار والاستعداد لفرج الله تعالى، وإلى مثل هذه الحقيقة المرّة، أو الظاهرةالخطيرة أشارت النصوص الشرعيّة، لتثبت لأصحابها معجزة حين المصدّقون صلوات الله عليهم أجمعين.

روی عليّ بن بابویه القمّي -الصدوق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، بسنده عن العالم -أي الإمام الكاظم عَلَيهِ السَّلَامُ - أنّه قال: «من دعا النّاس إلى نفسه، وفيهم من هو أعلم منه، فهو مبتدع ضال »(1).

وقال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « إنّ من تعلّم العلم ليماري به السفهاء أو يباهي به العلماء أو يصرف وجوه النّاس إليه ليعظّموه ، فليتبوأ مقعده من النّار ، فإنّ الرئاسة لاتصلح إلّا لله ولأهلها، ومن وضع نفسه في غير الموضع الذي وضعه الله فيه مقته الله، ومن دعا إلى نفسه فقال: أنا رئيسكم، وليس هو كذلك لم ينظر الله إليه حتّى يرجع عمّا قال

ص: 56


1- فقه الرضا عليلا : 383.

ويتوب إلى الله ممّا ادعى »(1).

وهل بعد الحقّ إلّا الضلال ، فما لكم كيف تحكمون ، وأنّى تصرفون، وإلى متى ترضون بطبع النعامة، تدسُّون رؤوسكم في التراب ظنّاً منكم أن لا يراكم أحد، ألا تستيقظون من هذا السبات المرير؟! هذا لعمري في الفعال بديع، وليس من شيمة أهل مذهب الحقّ، وأتباع الصادق جعفر بن محمّد صلّى الله عليه وآله، ولا هكذا علّمنا هو وأجداده الأطهار وأبناؤه الأخيار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، فهل أنتم منتهون؟ اللّهمّ هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهد.

هذه جملة من الشواهد على أهميّة الانتظار، وهو تحذير لمن ادّعى العلم أو الفقاهة و تقلّد منصب الإفتاء وهو ليس من أهله ، وهو تحذير أيضاً لأتباعهم الذين يتّبعونهم على ضلالتهم، فبئس المقلَّد وبئس المقلَّد هؤلاء الضالّون والمضلّون، كما هو تحذير لكلّ من يقول بغير علم ويتكلّم بغير هدى لقوله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « مَن أفتى الناس بغير علم فليتبوأ مقعده من النار»(2)، والذين لا تطابق بين أقوالهم وأفعالهم ، كقوله تعالى:﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ*كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا

ص: 57


1- تحف العقول : 43. مستدرك الوسائل : 243/17. الاختصاص : 251.
2- وسائل الشيعة : 19/18.

مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾(1) و قوله تعالى:﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُول-ئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾(2) وبما أنّ هذه الفئة من دعاة العلم الذين يفتون بغير علم، ويقولون في الدين بالجهل كثيرة، منذ الصدر الأوّل للإسلام وإلى يومنا هذا، ولم يخل منهم زمان دون زمان ولا مكان دون مكان، فإنّهم أحدثوا كثيراً في الإسلام، فضلّوا وأضلّوا النّاس معهم، ولهذا ففي الخبر المروي عن الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « يصنع (المهدي) كما صَنَعَ رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، يهدم ما كان قبله كما هدم رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه أمر الجاهليّة، ويستأنف الإسلام جديدة »(3).

وفي كثير من الأحاديث أنّه سيأتي بدين جديد ، إشارة إلى تجدیدالدين وتصحيحه من الانحرافات والتحريفات التي أدخلت فيه، وإظهار ما خفي منه بعد تغييب دور المعصومين عَلَيهِم السَّلَامُ، وبيان الأحكام الواقعيّة وما شابه ذلك، وكلّ ذلك يؤيّد وقوع التحريف في الدين أصولاً وفروعاً؛ لقول أمير البيان عَلَيهِ السَّلَامُ في وصف المهدي : « يعطف

ص: 58


1- سورة الصف: الآيتان 2 و 3.
2- سورة الإسراء : الآية 36.
3- الغيبة / النعمانی : 231. بحار الأنوار : 352/52.

-أي المهدي- الهوى على الهدى، إذا عطفوا الهدى على الهوى، ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي »(1)، فالأهواء تسيطر على الفكر الديني، وتزيد الغواية قبل ظهور الحجّة عَلَيهِ السَّلَامُ، ولهذا قال عليّ أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ: « ويُحيي ميّت الكتاب والسُّنَة»(2)؛ إذ لا يبقى حينئذ من القرآن إلا رسمه ، ولا من الإسلام إلا اسمه ، كما في الحديث الشريف(3).

وسيأتي في محلّه إن شاء الله تعالى (4) جملة كبيرة من الأخبار والأحاديث المؤكّدة لأحوال الدين والمسلمين قبل الظهور ، وكيف يستشري الانحراف العقائدي والفساد الفكري والانحطاط الأخلاقي، حتّى يبقى المؤمن أعزّ من الكبريت الأحمر (5).

قال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: «لأحدهم أشدّ بقيّةً على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء، أو كالقابض على جمر الغضا »(6).

وقال أبو عبدالله الصادق صلوات الله عليه : « ورأيت أهل الباطل

ص: 59


1- نهج البلاغة : الخطبة 138.
2- نهج البلاغة : الخطبة 138.
3- الكافي : 308/8. ثواب الأعمال: 253. كمال الدين: 66.
4- الغيبة / النعماني: 231.
5- بحار الأنوار: 128/52.
6- بحار الأنوار: 124/52.

قد استعملوا على أهل الحقّ، ورأيت الشرّ ظاهراً لا يُنهى عنه، ويعذّر أصحابه ... ورأيت الفاسق فيما لا يحبّ الله قوياً محموداً، ورأيت أصحاب الآيات يحقّرون ، ويحتقر من يحبّهم»(1).

من هنا تتابعت كلمات المعصومين عَلَيهِم السَّلَامُ في التأكيد تلو التأكيد، والخثّ بعد الحثّ على انتظار الفرج، وتحديد مفهوم الانتظار، و توصیف المنتظرين؛ لتزول جميع وجوه الالتباس بإنارة الطريق والإفصاح عن حقيقة الانتظار والمنتظرین، فما أهمّية الانتظار؟ وماذا يعني الانتظار؟ ومن هم المنتظرون؟ أسئلة وجيهة نُرجع الإجابة عنها إلى قادة الإسلام رسول الله وأهل بيته الكرام صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه.

قال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج من الله عزّ وجلّ»(2).

وانتظار الفرج وإن كان أعمّ من الفرج بظهور القائم صلوات الله علیه الذي هو الفرج المطلق - ومن مطلق الفرج، والانتظار للفرج من أفضل الأعمال مطلقاً أكان مطلق الفرج أو الفرج المطلق، إلا أنّ الفرج المطلق أتمّ مصادیقه ، فانتظاره أعظم وأفضل عند

ص: 60


1- بحار الأنوار: 124/52
2- کمال الدين : 644.

الله تعالى، أضف إلى ذلك أنّ هذا الانتظار فُسّر في أحاديث أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ بالانتظار المطلق الذي هو انتظار ظهور القائم عَلَيهِ السَّلَامُ، فلا معنى لحمله على إطلاقه، والأخذ بذلك الإطلاق بعد ورود المقيَّد، ولا معنى لحمله على العامّ بعد ورود الدليل المخصّص.

لهذا قال مولانا أبو عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «ألا أخبركم بما لا يقبل لله عزّ وجلّ من العباد عملاً إلّا به؟ » ، فقلت : بلى ، فقال : «شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ...، والانتظار للقائم عَلَيهِ السَّلَامُ»(1).

فانتظار الفرج وترقّب زوال العوائق والنوائب والبلايا والمصائب بالصبر والتصبّر وتحمّل المشاقّ أولاً: قضيّة فطريّة وطبيعيّة، تقتضيها طبيعة البشر، بل فطرتهم التي فطروا عليها ، ثانياً: قضيّة عقليّة مسلّمة، أي ممّا يرشد إليه العقل البشري بل يستلزمه ويؤكّد عليه، وثالثاً: هو مسألة عقلائيّة، أجمع عليها كاقّة العقلاء ولم يختلف عليها اثنان، وأخيراً: فهو الحلّ الوحيد، والطريق الأوحد الأسلم الذي لامحيص عنه للتخلّص من ألم المصيبة ومشقّة النوائب والبلايا.

وانتظار الفرج حاجة طبيعيّة من حوائج الإنسان دعا إليه الشارع

ص: 61


1- الغيبة / النعماني : 200. إثبات الهداة : 536/3 و 537.

المقدّس في كافّة الأديان، وأرشد إليه لأنّه لا يمكن للشارع الحكيم أن يخالف أمراً فطر عباده عليه، وجعله من أحكام العقل ومسلّماته، وأجراه في شرايين النفس الإنسانيّة مجرى الدم من شرایین بدنه، ولهذا لم يقع الخلاف في ذلك بين شرائع السماء، بل وقع الاتّفاق بینها کافّة.

ثمّ إنّ الفرج الذي يعني -تلقائيّاً وبصورة طبيعيّة- ارتفاع البلاء، وزوال المصيبة والنائبة، وحلول العافية والرخاء محلّه، أي تبديل المصيبة والبليّة بالعافية، هذا الفرج يكون تارة فرجاً خاصّاً، أعني انتظار ارتفاع بليّة أو مصيبة خاصّة لفرد خاصّ، ويكون تارةً فرجاً أعمّ من هذا القسم، ليكون عبارة عن طلب ذهاب بليّة أو مصيبة عن جماعة أو جماعات، أو طلب ذهاب بلایا و مصائب عديدة عن جماعة أو جماعات.

وقد يكون انتظاراً للفرج العامّ الأعمّ الذي لا أعمّ فوقه، وهو الأعمّ على الإطلاق، أعني أن ينتظر المرء فرجاً يستلزم ويقتضي ارتفاع المصائب والبلايا كلّها، وزوال اُمّهات النوائب واقتلاعها من أسسها وجذورها ، ليكون العلاج من المصدر والأصول والأسس، حتّى إذا عولج الشقاء من جذوره، حلّ محلّه الرخاء والعافية والسعادة الحقيقيّة التي يتمنّاها كلّ ذي لُبّ من أبناء البشر ، وكلّ من

ص: 62

وطئت قدماه سطح هذه المعمورة، ويسعى إليها كلّ النّاس، فلا يكون للبؤس والحرمان والشقاء والجهل والعناء والظلم والاضطهاد والشرّ والفقر والفاقة والطغيان و ... من صنوف الشرور والنوائب والبلايا محلّ، ولا مكان، ولا مجال.

ص: 63

ص: 64

الدرس الخامس: انتظار الفرج - 2

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

ولكن السؤال الذي يكاد يطرح نفسه هنا:

أنّ الفرج بقسميه وشطريه الأوّلين، وانتظار الفرج لها أمر معقول مقبول في هذه الدار الفانية الزائلة، ولا غرابة فيها أصلاً، بل يدلّ عليها الوجدان، والوجدان خير دلیل و برهان ، لكن الذي يصعب هضمه، ولا يسهل انقياد العقل واستسلامه له، ما جاء في القسم الأخير من أقسام الفرج وانتظاره، فهل:

أولاً- يعقل إمكان هذا النوع من الفرج؟ أعني هل يمكن الفرج بالتفصيل الذي قدّمتموه ثبوتاً؟ ألا يستحيل مثل هذا الفرج في دارالدنيا؟ أليس هذا من خصائص الجنّة ونعيمها الأخروي؟

أليس في القرآن الكريم قال تعالى:﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا

ص: 65

لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖوَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُالدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾(1).

ص: 66


1- سورة الحديد: الآية 20. ومثلها قوله تعالى في سورة يونس : الآية 24:﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ وأيضأ قوله تعالى في سورة آل عمران : الآية 185:﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ وكذلك قوله تعالى في سورة العنكبوت: الآية 64:﴿وَما هٰذِهِ الحَياةُ الدُّنيا إِلّا لَهوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوانُ ۚ لَو كانوا يَعلَمونَ﴾وقوله تعالى في سورة النساء: الآية 77:﴿قُل مَتاعُ الدُّنيا قَليلٌ وَالآخِرَةُ خَيرٌ لِمَنِ اتَّقىٰ وَلا تُظلَمونَ فَتيلًا﴾ وقوله تعالى في سورة الأنعام: الآية 32: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗأَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾. وقوله تعالى في سورة التوبة: الآية 38:﴿فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌوقما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل﴾. وهكذا في سورة الكهف : الآية 45:﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾

وأليس هو القائل في محكم آیاته: ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُالدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا ۘ وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗوَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾(1).

فذمّ الكفّار لأنّهم عكفوا على حبّ الدنيا ، وذمّ الدنيا لأنّها مطلوبة الكفار ومرادة لهم.

وقال عزّ من قائل في مذمّة الدنيا وأهلها:

﴿ومن كان يريد الحياة الدنيا وزينتها و إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا ينسون﴾(2).

أليس بين هذه الآيات وبين مقولتكم في الشطر الأخير من أقسام الفرج والانتظار تهافتة وعدم انسجام؟

ص: 67


1- سورة البقرة: الآية 212.
2- سورة هود: الآية 15.

وهذا نبيه المكرم صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه يقول:

«الدنيا سجن المؤمن ، والقبر بيته ، والجنّة مأواه، والدنيا جنّة الكافر، والقبر سجنه، والنار مأواه »(1).

ثمّ أليس هذا أمير المؤمنين وأمير الكلام والبيان صلوات الله وسلامه عليه قد طلّق الدنياً ثلاثا وقال عنها:

«و من أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا»(2).

وقال عَلَيهِ السَّلَامُ:« فمن حمد الدنيا ذم الآخرة »(3).

وقال عَلَيهِ السَّلَامُ أيضاً:

«و ليعلم المرء منكم أنّ الدنيا دار بلاء وفناء»(4)

وهو القائل : « الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمّروها»(5).

فكيف تكون الدنيا مكاناً مكيناً لدولة و ملکٍ لا يعصي فيها الباري جلّ وعلا ؟! وأنّى لها أن تكون موطناً للعدل الإلهي حتّى تمتلأ عدلاً

ص: 68


1- فقه الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: 339.
2- شرح النهج / ابن أبي الحديد: 130/1.
3- المصدر المتقدم : 150/5.
4- المصدر المتقدم : 66/6.
5- وهو مما نسب إلى السيد المسيح عَلَيهِ السَّلَامُ. شرح النهج : 231/6.

و قسطاً، وتعرى وتَطهُر من كلّ ظلم وجور؟! كيف يمكن الجمع بين الدنيا وبين العدل المطلق والخير المطلق والطاعة المطلقة لله تعالى؟

ثانياً- وعلى فرض التسليم بالإمكان الثبوتي ، وعدم استحالة ذلك_: كيف نتعقّل وقوع مثل هذه الاُمنية وتحقيقها على أرض الواقع، وبعد القول بإمكانه العقلي كيف يعقل إمكانه الإثباتي و تحقّقه في دار الدنيا؟!

والجواب: أمّا الفرض الأوّل وهو الإمكان الذاتي فإنّه لاتهافت ولا تنافي ولا تضادّ ولا تناقض بين شيء منها؛ إذ كلّ ذلك الذمّ متوجّه إلى الاغترار بالدنيا وزخارفها ومباهجها والعكوف عليها حتّى تُنسي الآخرة، وتحمل طالبها إلى أن يؤثر الحياة الدنيا على الآخرة، ويبيع آخرته بدنياه أو بدنيا غيره، فيأتي بكل منكر، و يرتكب كلّ إثم ومعصية وظلم واعتداء على الخليقة ، طلباً في الفوز بلذّة الدنيا، و تحقيقاً لما تمليه عليه شهواته وأهواؤه ليعمّر دنياه على حساب دينه، ويصلحها على حسابخراب دنیا غيره وآخرتهم، نعم هذا الذي ذمّته كافّة شرائع السماء، و ذمّه جميع العقلاء، واتّفق على ذمّه اُولوا الألباب، وصبغت على ذمّه فطرتهم، بل قامت عليها غرائزهم وطبائعهم.

وكيف لا تكون الدنيا قابلة لتقام على متنها دولة الحقّ الكريمة،

ص: 69

و ترفرف على قممها وفي أرجائها راية العدل؟ وتمتلي ربوعها بالخير والسعادة؟! ألم تكن الدنيا قد خلقت لتكون قنطرة إلى الآخرة، وتكون مزرعة الآخرة؟!

أليست الدنيا وما فيها وما عليها من الله تبارك و تعالى؟ ويكون مالها إليه ، هو خالقها وبارئها؟

خلقها ليسعد عليها النّاس بل الخلائق بأجمعها، ولا سعادةإلّا بالعدل المطلق، وهذا يستلزم بالضرورة كونها خلقت للطاعة والخير والسعادة والعدالة أولاً وبالذات، كما هو شأن كلّ مخلوقاته تبارك و تعالى، و إنّما عاث فيها شرار الخلق فساداً، ورفعوا فيها ألوية الباطل والضلال، فلم تكن الدنيا ولا خُلقت إلّا للعبادة والطاعة والسعادة، ولا تجتمع هذه إلا تحت لواء التوحيد، ولواء التوحيد عين العدل والقسط، فأينا رفع لواء التوحيد كان العدل والقسط ملازماً له، فالأرض لاجرم خلقت لهذا الغرض، ولهذا كانت دولة الحقّ التي بشّرت بها كافّة الشرائع السماويّة وانتظرهاالأنبياء والأولياء والصدّيقون والصالحون ، واُريقت من أجلها دماءالشهداء، وقدّموافي سبيلها كلّ غالٍ ونفيس من التضحيات، هذه الدولة الكريمة الحاملة للواء الحمد، والقائمة تحت راية التوحيد، كانت وستظلّ أملاً يضيء دروب الحياة أما مهم، وتستنير به قلوبهم حتّى

ص: 70

يحين وقت الظهور، ويأتي صاحب الراية المنصورة المظفرة التي طالما تمنى الأنبياء لو عاشوا وأدركوها، ليقاتلوا تحتها، وينالوا شرف العيش في كنف دولة الحق التي هي جنة تضاهي بعظمتها جنة الآخرة، و ما الجنة إلا بإقامة العدل المطلق وطاعة الخالق وعبادته المطلقة، وأينا وجد ذلك كانت الجنة حق، وكلما زال الشرك والكفر والنفاق والمعصية، وحل محلها الإيمانوالطاعة والعمل الصالح، حلت البركة والخير والسعادة، وما الجنة إلا هذه الحقائق والنعيم، فأينما حلت ونزلت و تحققت كان ذلك المكان جتة، سواء في الدنيا أم في الآخرة، فالأرض في دولة المهدي صلوات الله عليه هي الجنة التي يتمنى أهل جنة الآخرة لو عاصروها وأدركوها؛ لأنها حينئذ أفضل مزرعة يطلب فيها الآخرة، يزرع فيها ويحصد ثمارها بعد الموت، وأعظم قنطرة يسهل العبور من خلالها إلى أعلى درجات الجنة و قمها حيث النعيم الدائم المقيم.

إذن لامانع ثبوت من قيام مثل هذه الجنّة و تحقیق مثل هذا النعيم في دار الدنيا، بل خلقت الدنيا لكي يعمّرها الإنسان، ولا عمران في الأرض إذا فقدت العدالة، وغاب قانون السماء، ولا تفسير للإعمار والعمران سوى ضمان العيش الكريم والسعادة الحقيقية للإنسان، حتى يتفرغ باله فيسخر كل طاقاته لعبادة الله تعالى وطاعته،

ص: 71

وحینئذٍ:﴿حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّه﴾(1)، و يتحقق قوله تعالى :﴿وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾(2)، هذا كلّه بالنسبة للفرض الأوّل، ويؤيّده قوله تعالى :﴿وَنُريدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ استُضعِفوا فِي الأَرضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوارِثينَ﴾(3)، وليس القصد من الذين ﴿استُضعِفوا﴾ به سوى الأنبياء والأوصياء والأمة وأولادهم وشيعتهم، وما جعلهم أئمة وحكاما على الأرض إلا لإعمارها وجعلها جنة العدل والسعادة والطاعة والإيمان والرخاء والسلام.

وأمّا الفرض الثاني، وهو الإمكان الوقوعي، وإثبات مثل هذه الجنة، و تحقّقها على أرض الواقع، حتّى لا يبقى حلماً تتمنّاه الأجيال إلى يوم القيامة، ويحرمون تحقيقها، فالأدلّة على صدقه و تحقّقه كثيرة، يكفي التأمّل في ثقافة الأمم الماضية منها والجارية، والتدبّر في عقائدها وأفكارها، سیمّا الأديان والشرائع السماويّة؛ لأنّها كانت ولا تزال تعيش هذا الأمل، و تنتظر يوم الخلاص بفارغ الصبر،

ص: 72


1- سورة البقرة: الآية 193. سورة الأنفال : الآية 39.
2- سورة يس : الآية 61.
3- سورة القصص : الآية 5.

وتترقب قدوم المصلح الأعظم، و تستعدّ لاستقباله ليل نهار.

أضف إلى ذلك شواهد واضحة صريحة من القرآن الكريم كآية المستضعفين المتقدمة، وأحاديث كثيرة، لا تكاد تحصى لكثرتها، يتعلّق أكثرها بالإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالی فرجه، تطرّقنا لأكثرها في الحلقتين السابقتين وهذه الحلقة، يكفيك الإمعان فيها ومراجعتها، لتطمئن و يطمئن قلبك، وتصدّق بهذه الحقيقة التي جرت على ألسنة أهل بيت النبوّة و معدن الرسالة، وأكدوها بأشد التوكيد.

و عليه، فإن المنتظر المرتقب الذي ارتدی کفن التضحية والإيثار، واشتغل بالاستعداد ليل نهار، كان حريا أن ينال ذلك الإطراء وتلك المنقبة، وأن يرقي به انتظاره تلك المراتب والدرجات، ويستحق بطول عنائه وصبرهالجميل منازل العليين؛ لأن انتظار هذا الفرج بالصبر على النوائب التي تفوق قوة الأشداء من الرجال،الذي يقبل الاستخفاف والاستهانة، ولا عجب إن عد هذا الانتظار جهاداً مع رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه ضد مشركي صدر الإسلام، وكفاره، ولا عجب إن عد أعظم الجهاد وأفضل العبادة وأحسن الصبر، کما سيأتي إن شاء الله تعالى، وفقنا الله تعالى له، وجعلنا من أهله، ولهذا جاء في الحديث والرواية:

ص: 73

1- قال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: «مَن انتظر العاقبة صبر »(1).

و هو إشارة واضحة إلى أن الانتظار لا يقوم ولا يتحقق إلا بالصبر، وأن الصبر من دعائم الانتظار ، وكل منهما يلازم الآخر؛ إذ لا انتظار إلا بالصبر ، ولا يصبر المرء إلا أن ينتظر عاقبة أمر و يترقّبه.

2- و قال صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « انتظار الفرج بالصبر عبادة »(2).

وهذا دليل على أن انتظار الفرج إنما يكون عبادة إذا تحلى بالصبر الجميل، لا بالتصبر والتشكي والتضجر والغضب وإيذاء الأبرياء من الناس، ولهذا جاء أيضا في الخبر:

3- عن أحمد بن محمد، عن أبي الحسن الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال : « سمعته يقول: ما أحسن الصبر انتظار الفرج، أما سمعت قول العبد الصالح:انتظروا إني معكم من المنتظرين؟»(3).

بل انتظار الفرج من أفضل العبادات ، وأفضل الجهاد ، وأفضلالأعمال ، وأحب الأعمال عند الله تعالى.

ص: 74


1- عيون الحكم والمواعظ : 446، ومثله في الصفحة 452: «من انتظر العواقب صبر ».
2- بحار الأنوار : 145/52، عن دعوات الراوندي.
3- شرح الأخبار : 559/3

4- عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ، قال : قال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: أفضل العبادة انتظار الفرج »(1).

5- قال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « أفضل جهاد أمتي انتظار الفرج »(2).

6- عن أبي عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « أفضل العبادة بعد المعرفة،انتظار الفرج»(3).

وأنت تعلم أن المعرفة قبل كل شيء ، فلا عمل ولا جهاد ولا عبادةإلا بمعرفة ، وقيمة كل شيء بمقدار ما تحفت به من المعرفة ، وقد فصلنا ذلك في بداية الحلقة الأولى من هذا الكتاب ، فارجع إليه.

7- و عن الإمام الجواد عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال : « أفضل أعمال شیعتنا انتظار الفرج »(4).

8- وفي الحديث :« أفضل أعمال المرء انتظار الفرج »(5).

9- ومن وصايا أمير المؤمنين صلوات الله و سلامه عليه الشيخ

ص: 75


1- کمال الدين : 287.
2- تحف العقول: 37. بحار الأنوار : 141/74.
3- تحف العقول : 403 : بحار الأنوار : 326/75.
4- كمال الدين : 377. كفاية الأثر : 280. بحار الأنوار: 156/51.
5- الخصال : 621.

الشامي:« ... قال : فأي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟ قال عَلَيهِ السَّلَامُ:انتظار الفرج »(1).

10- كما روى الصدوق رضي الله تعالى عنه ضمن الوصية الأربعماة:«...انتظروا الفرج، ولا تيأسوا من روح الله ، فإن أحب الأعمال إلى الله عز وجل انتظار الفرج، ما دام عليه العبد المؤمن»(2).

بل عد انتظار الفرج من الفرج، ومن أعظم الفرج:

11- عنه، عن ابن أسباط، عن الحسن بن الجهم، قال:« سألت أبا الحسن عَلَيهِ السَّلَامُ شيء من الفرج، فقال: أوَلَستَ تعلم أن انتظار الفرج من الفرج؟ قلت: لا أدري إلا أن تعلمني، فقال عَلَيهِ السَّلَامُ: نعم انتظار الفرج من الفرج»(3)

12- وقال علي بن الحسین زین العابدین عَلَيهِما السَّلَامُ:«انتظار الفرج من أعظم الفرج »(4).

ذلك أن انتظار الفرج في حد ذاته يرفع من معنويات صاحبه،

ص: 76


1- من لا يحضره الفقيه : 383/4. معاني الأخبار : 199.
2- الخصال : 616. ونظيره في تحف العقول : 106.
3- الغيبة / الطوسی: 459، الحديث 471.
4- كمال الدين : 320. الاحتجاج: 50/2 . بحار الأنوار : 387/36.

ويعينه على الحياة، وعلى تحمل المشاق، وعلى التمسك بالآداب والأحكام، وعلى الطاعة ونبذ المعصية، وعلى التجمل بمكارم الأخلاق ومحاسنه، ويصد المرء عن الوقوع في الرذيلة وعن السقوط في هاوية الانحراف الحلقي والعقائدي والمملوكي والعملي.

13- فعن رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « إن محبنا ينتظر الروح والفرج»(1).

ولكن ما الذي ينتظره المؤمن لينال هذا الشرف العظيم؟ فهذا الذي بحثناه ، وإليك أدلته:

14- قال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « فأصبح محبنا ينتظر الرحمة ...»(2).

15- عن أبي الحسن عن آبائه عَلَيهِ السَّلَامُ: « أن رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه قال: أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج من الله عز وجل »(3).

16- عنه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ، قال: «أفضل عبادة المؤمن انتظار فرج الله» (4).

ص: 77


1- الغارات: 912/2.
2- الغارات : 911/2.
3- کمال الدين :644.
4- المحاسن : 291/1، الحديث .44.

فالواجب انتظار فرج الله تعالى ورحمته، وهما اللذان أشارت إليها الأحاديث التالية:

17- ورد في الدعاء: «... واجعلني أنتظر أمرهم ... الخ »(1).

18- وعن رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه:«ألا تعلم أن من انتظر أمرنا، و صبر على ما يرى من الأذى والخوف ، هو غدا في زمرتنا...»(2).

19- روى الطبري رَحْمَةِ اللَّهِ- الشيعي - بسنده عن الأصبغ بن نباتة، قال : « كا مع علي عَلَيهِ السَّلَامُ بالبصيرة، و هو على بغلة رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، و قد اجتمع حوله أصحاب محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، فقال: ألا أخبركم بأفضل خلق لله عند الله يوم يجمع الرُّسل؟

قلنا: بلى يا أمير المؤمنين .

قال : أفضل الوسل محمد ، وإن أفضل الخلق بعدهم الأوصياء، وأفضل الأوصياء أنا، وأفضل الناس بعد الرسل والأوصياء، الأسباط، وإن خير الأسباط سبطا نبيكم - الحسن والحسين -وإن أفضل الخلق بعد الأسباط: الشهداء، وإن أفضل الشهداء حمزة بن عبدالمطلب، قال ذلك النبي صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، وجعفربن أبي طالب

ص: 78


1- إقبال الأعمال : 348/1.
2- بحار الأنوار: 254/52.

ذو الجناحين ، مختصان بكرامة خط الله عز وجل بها نبيكم، والمهدي ما في آخر الزمان، لم يكن في أمة من الأمم مهدي ينتظر غيره»(1).

20- وقال محمد بن علي الجواد عَلَيهِ السَّلَامُ لعبد العظيم الحسني: «المهدي الذي يجب أن ينتظر في غيبته ، ويطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي، وإن الله ليصلح أمره في ليلة، كما أصلح أمر كليمه موسى عَلَيهِ السَّلَامُ، حيث ذهب ليقتبس لأهله نارا»(2).

21- وبالإسناد يرفعه إلى أبي بصير، عن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ، قال: «إن القائم ينتظر من يومه ذي طوى ، في عدة أهل بدر ... الخ»(3).

22- وجاء في توقيع مولانا الإمام العسكري صلوات الله عليه: « ومن وصايا رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه لعلي عَلَيهِ السَّلَامُ: وعليك بالصبر وانتظار الفرج، فإن النبي صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه قال : أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج ، ولا يزال شیعتنا في حزني حتى يظهر ولدي الذي بشر به النبي ، وأنه يملأ الأرض

ص: 79


1- دلائل الإمامة : 479. الكافي: 374/1. إثبات الهداة : 148/7، 720. شرح الأخبار: 1/ 124.
2- الخرائج والجرائح: 1171/3 . بحار الأنوار : 156/51. کمال الدین : 377. كفاية الأثر : 276. إثبات الهداة : 420.
3- بحار الأنوار : 307/52، الحديث 80.

عدلاً وقسطا، كما ملئت ظلما وجوراً»(1).

23- روى الشيخ المفيد رَحْمَةِ اللَّهِ بسند صحيح عن حنش بن المعتمر، قال: « دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عَلَيهِ السَّلَامُ و هو في الرحبة متكئا، فقلت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، كيف أصبحت؟

قال: فرفع رأسه ورد علي، وقال: أصبحت محبا لمحبنا، صابراً على بعض من يبغضنا ، إن محبنا ينتظر الروح والفرج في كل ليلة ...»(2).

وأما عن مفهوم الانتظار، فليس الانتظار سلوك سلبيا، ولا يعني الجمود والعزلة السلبية قطعا، ولا الكسل والتكاسل عن أداء المهام الاجتماعية والتكاليف الدينية، ولا التهرّب من تحمّل عناء المسؤولية، ولا التقاعس والتأقّف والتحسّر والأسى والتأسّف على الماضي و لا اليأس والقنوط من الحال والمستقبل، كلا ليس هذا ما أراده قادة هذا الدين، وليس هذا ما عناه رسول الله وأهل بيته المكرمون صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه من الانتظار، بل تتجلى حقيقة الانتظار في الأمل والمواجهة والصمود

ص: 80


1- الإمامة والتبصرة : 163. بحار الأنوار : 318/50 .
2- الأمالي : 233.

في وجه زخارف الدنيا وأهواء النفس الأمارة، وطغيان الحياة المادية و ملهياتها وملذاتها التي حرمها الله تعالى، وذلك تمسكاً بالكتاب الكريم والعترة الهادية، فالانتظار أمل وتفاؤل وحسن تفكير و تدبير، وإصلاح للنفس ودعوة إلى الصلاح، وكفاح وجهاد مع النفس، وصدود عما حرم الله تعالى وإقبال على الدين، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وجدال بالتي هي أحسن، وإعداد واستعداد للنهوض بالأعباء، وحمل الأمانة، وأداء الفرائض و تربيةالنفس وتهذيبها، والصعود بها نحو الكمال ، والتزين بمكارم الأخلاق وأجمل الخصال، ليكون صاحبه أسوة يشار إليه بالبنان ، فالانتظار(1) توحید و اعتقاد وصدق وإيان وعمل وإخلاص وأمانة وصبر على النوائب وإعانة للغير وكظم غيض، و تعقل و تدبر و تفکر و بحث عن الحق و تسلیم بالحق، وامتثال للحقيقة، ونبذ لكل صفة مذمومة، وهو سخاء وجود و کرم وشجاعة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وتسليم للقضاء والقدر، واستعداد تام للتضحية والإيثار في أحلك الظروف وبأعلى المستويات بالغالي والنفيس.

ولهذا قال مولانا الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «من عرف إمامه ثم مات قبل أن

ص: 81


1- الغيبة / النعمانی: 200.

يقوم صاحب هذا الأمر ، كان بمنزلة من كان قاعدة في عسكره »(1).

أي كان بمنزلة المرابط في سبيل الله المستعد للذود عن دينه و شریعته وولیه.

و قال سيد الكائنات صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه:« انتظار الفرج بالصبر عبادة »(2).

وقال أبو عبدالله الصادق صلوات الله عليه في جواب أبي بصير رضوان الله عليه: جعلت فداك، متى الفرج؟ فقال:« يا أبا بصير، وأنت ممن يريد الدنيا؟ من عرف هذا الأمر فقد فرج عنه لانتظاره »(3).

وحاشا لأبي بصير أن يكون ممن يريد الدنيا، ولكنها كلمة المعلم الخبير، والإمام الصادق البصير الذي أراد بذلك أن ينته شيعته أن لا يطلبوا الفرج من أجل الدنيا وحطامها العاجل الزائل والرئاسة على الناس، وأن يجعلوا نصب أعينهم المعرفة بمقام الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ؛ إذ المعرفة -كما تقدّم منّا في الحلقة الماضية من هذا الكتاب- لبّ لباب الدين، ولو عرف النّاس إمامهم حقّ المعرفة أو بالمعرفة اللحقّة

ص: 82


1- أصول الكافي: 371/1.
2- بحار الأنوار: 141/52.
3- بحار الأنوار : 145/52.

-على أقل تقدير- وعرفوا مقامه ومقام الإمامة والولاية الإلهية لسارعوا إلى نهرته في حينه، ولطلبوا الفرج لإقامة شرع الله تعالى مهما كلفهم ذلك من ثمن، خالصا لوجهه تعالى، لا يريدون بذلك جزاء ولا شكوراً ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا﴾(1)، وكانت قرة أعينهم في إحقاق الحق وإزهاق الباطل وإقامة العدل لإعمار الأرض وتطهيرها حتى لا يعبد على وجه البسيطة سوى الله عز وجل، ولا يذكر غيره ، ولا يطاع إلا هو وأولياؤه، وفي ذلك قال تعالى :﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه﴾(2)، ولا يشرك به شيء.

ص: 83


1- سورة الإنسان : الآية 9.
2- سورة البقرة: الآية 193.

ص: 84

الدرس السادس: المنتظرون

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

وأما المنتظر لظهوره أرواح العالمين له الفداء فلا بد أن يستعدّ ويتحلى بالفضائل والمكارم وشحذ الهمة والتضحية والإيثار.

1- قال باقر آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه في جواب من قال له: إنهم يقولون إنّ المهديّ لو قام لاستقامت له الأمور عفواً، ولا يهریق محجمة دمٍ، فقال : «كلا، والذي نفسي بيده، لو استقامت لأحد عفوا، لاستقامت الرسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه حين أدميت رباعيته، وشج في وجهه، كلا، والذي نفسي بيده، حتى تمسح نحن وأنتم العرق والقلق»(1).

2- وقال أبو عبدالله الصادق صلوات الله عليه في حديث:

ص: 85


1- بحار الأنوار: 358/52. الغيبة / النعماني : 284.

«ليعدن أحدكم لخروج القائم ولو سهماً، فإن الله تعالى إذا علم ذلك من نیّته رجوث لأن ينسى في عمره حتى يدركه ويكون من أعوانه وأنصاره»(1).

فللمنتظر مقام محمود عند الله تعالى وقدم صدق.

3- قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : «المنتظر لأمرنا کالمتشط بدمه في سبيل الله»(2).

4- وقال أبو عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ:«من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كان كمن هو مع القائم في فسطاطه»، قال : ثم مكث هنيئة ثم قال:«لا ، بل كان كمن قارع معه بسيفه » ، ثم قال : « لا والله! إلا كمن استشهد مع رسول الله»(3).

5- وقال عَلَيهِ السَّلَامُ:«رجال كأن قلوبهم زبر الحديد لا يشوبها شك في ذات الله، أشد من الحجر، لو حملوا على الجبال لأزالوها»(4).

6- وقال النبي الأكرم صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « يا علي ، واعلم أن أعظم الناس يقينا

ص: 86


1- بحار الأنوار: 366/52. الغيبة / النعماني : 320.
2- بحار الأنوار : 123/52.
3- مکیال المکارم: 210/2.
4- بحار الأنوار : 308/52.

قوم يكونون في آخر الزمان، لم يلحقوا النبي، و حُجب عنهم الحجة فآمنوا بسواد في بياض» (1).

7- وقال صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: «ولكن إخواني الذين يأتون من بعدكم، يؤمنون بي ويحبوني وينصروني ويصدقوني، وما رأوني »(2).

8- وقال زین العابدین صلوات الله عليه : « إن أهل زمان غيبته، القائلون بإمامته، المنتظرون لظهوره أفضل أهل كل زمان؛ لأن الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة ... أولئك المخلصون حقا»(3).

9- وقال الرسول الأكرم صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه:«سيأتي قوم من بعدكم، الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم»، قالوا: يا رسول الله، نحن كتا معك ببدر وأحد وحنين، ونزل فينا القرآن، فقال :«إنكم لو تحملوا لما څملوا لم تصبروا صبرهم »(4).

10- وقال سید الساجدين عَلَيهِ السَّلَامُ: «إن أهل زمان غيبته، القائلين

ص: 87


1- بحار الأنوار : 125/52.
2- بحار الأنوار : 132/52.
3- كمال الدين : 320/1.
4- بحار الأنوار : 130/52.

بإمامته والمنتظرين لظهوره .. الدعاة إلى دين الله عز وجل سرّاً وجهراً» (1).

11- عنه، عن السندي، عن جده، قال: قلت لأبي عبد الله عَلَيهِ السَّلَامُ:«ما تقول فيمن مات على هذا الأمر منتظراً له؟ قال : هو بمنزلة من كان معالقائم عَلَيهِ السَّلَامُ في فسطاطه، ثم سكت هنيئة، ثم قال: هو کمن كان مع رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه» (2).

12- عنه، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن موسى النميري، عن علاء بن سابة، قال: قال أبو عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ: «من مات منكم على هذا الأمر منتظرة له كان كمن كان في فسطاط القائم عَلَيهِ السَّلَامُ»(3).

13- عنه، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن عمر بن أبان الكلبي، عن عبد الحميد الواسطي، قال: «قلت لأبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ:أصلحك الله، والله لقد تركنا أسواقنا انتظار هذا الأمر حتى أوشك الرجل منّا يسأل في يديه، فقال : يا عبد الحميد، أترى من حبس نفسه على الله لا يجعل الله له مخرجا؟ بلى والله ليجعل الله له مخرجاً،

ص: 88


1- کمال الدين : 320.
2- المحاسن: 173/1، الحديث 146.
3- المصدر المتقدم: الحديث 147.

رحم الله عبدا حبس نفسه علينا ، رحم الله عبدا أحيي أمرنا.

قال: فقلت : فإن مث قبل أن أدرك القائم؟ فقال : القائل منکم إن أدركت القائم من آل محمد نصرته کالمقارع معه بسيفه، والشهيد معه له شهادتان »(1).

14- عنه، عن ابن فضال، عن علي بن شجرة، عن أبيه، عن أبي عبد الله عَلَيهِ السَّلَامُ، أو عن رجل، عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ، قال : « من مات على هذاالأمر كان بمنزلة من حضر مع القائم وشهد مع القائم عَلَيهِ السَّلَامُ»(2).

15- عنه: عن أبيه، عن حمزة بن عبد الله، عن حسان بن درّاج، عن مالك بن أعين ، قال : قال أبو عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ: «من مات منكم على أمرنا هذا كان من استشهد مع رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه»(3).

16- عنه: عن ابن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن مالك بن أعين الجهني، قال : « قال لي أبو عبد الله عَلَيهِ السَّلَامُ: إن الميت منكم على هذا الأمر بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل الله »(4).

ص: 89


1- المحاسن : 173/1، الحديث 148.
2- المصدر المتقدم : الحديث 149.
3- المصدر المتقدم : الحديث 144.
4- المحاسن: 174/1، الحديث 150.

17- عنه: عن عثمان بن عيسى، عن أبي الجارود ، عن قنوة ابنة رشيد الهجري، قالت: «قلت لأب : ما أشد اجتهادك ! فقال: یا بنية، سيجيء قوم بعدنا بصائرهم في دينهم أفضل من اجتهادأوليهم»(1).

18- عنه: عن...عن الحكم بن عيينة، قال: «لّما قتل أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ الخوارج يوم النهروان قام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، طوبى لنا إذ شهدنا معك هذا الموقف وقتلنا معك هؤلاءالخوارج، فقال أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، لقد شهدنا في هذا الموقف أناس لم يخلق الله آبائهم ولا أجدادهم بعد، فقال الرجل: وكيف شهدنا قوم لم يخلقوا؟ قال: بلى، قوم يكونون في آخر الزمان يشركوننا فيما نحن فيه وهم يسلمون لنا، فأولئك شركاؤنا فيما كنا حقاً حقاً» (2).

19- وعن رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « من حبس نفسه لداعينا، وكان منتظراً لقائمنا، كان كالمتشحط -بدمه- بين سيفه وترسه في سبيل الله»(3).

ص: 90


1- المحاسن: 251/1، الحديث 267.
2- المحاسن: 262/1، الحدیث 322.
3- شرح الأخبار: 357/3.

20- عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي خالد الكابلي، عن علي بن الحسين َعَلَيهِ السَّلَامُ، قال: « تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه والأئمة من بعده. یا أبا خالد، إن أهل زمان غیبته القائلون بإمامته، المنتظرون لظهوره، أفضل أهل كل زمان؛ لأن الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه بالسيف، أولئك المخلصون حقاً، وشيعتنا صدقة، والدعاة إلى دين الله سرا وجهراً»(1).

21- وفي حديث مفصل عن الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ، روى النعماني بسنده أنه قال: « ... المنتظر للثاني عشر - الشاهر سيفه بين يديه-كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه يذب عنه »(2).

22- وروى النعماني رَحْمَهُ اللَّهِ أيضا بسنده عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال:«إعرف إمامك، فإذا عرفته لم يضرك تقدم أم تأخر، فإن الله عز وجل يقول:﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِ﴾(3)، فمن عرف إمامه كان

ص: 91


1- بحار الأنوار : 122/52، الحديث 4.
2- الغيبة / النعماني : 91.
3- سورة الإسراء: الآية 71.

کمن هو في فسطاط القائم عَلَيهِ السَّلَامُ»(1).

23- وفي رواية الراوندي عن الإمام الجواد عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال:«... وسمي المنتظر أن له غيبة يطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويهلك المستعجلون»(2).

24- وبإسناده -أي الطبرسي رَحْمَهُ اللَّهِ - أيضا، عن الحارث بن المغيرة، قال : «کنّا عند أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ، فقال: العارف منكم هذا الأمر، المنتظر له، المحتسب فيه الخير، كمن جاهد والله مع قائم آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه بسيفه، ثم قال: بل والله كمن جاهد مع رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه فسطاطه...»(3).

25- و عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال ذات يوم: «ألا أخبركم بما لا يقبل الله عز وجل عن العباد عم إلا به ؟ فقلت: بلى ، فقال :... - إلى أن قال : – والطمأنينة والانتظار للقائم»، ثم قال: إن لنا دولة يجيء الله بها إذا شاء، ثم قال : من سر أن يكون من

ص: 92


1- الغيبة / النعماني: 331.
2- الخرائج والجرائح : 1172/3.
3- بحارالأنوار : 38/24.

ص: 93

العبادة مع الإمام منكم المستتر في السر في دولة الباطل أفضل؟ أم العبادة في ظهور الملحق ودولته مع الإمام الظاهر منكم؟

فقال: يا عمار، الصدقة في السر مع إمامكم المستتر في دولة الباطل أفضل، لخوفكم من عدوكم في دولة الباطل وحال الهدنة ممن يعبد الله في ظهور الحق مع الإمام الظاهر في دولة الحق، وليس العبادة مع الخوف في دولة الباطل مثل العبادة مع الأمن في دولة الحق.

إعلموا أنّ من صلّى منكم صلاة فريضة وحداناً مستتراً بها من عدوّه في وقتها فأتمها، كتب الله عز وجل له بها خمسة وعشرين صلاة وحدانية، ومن صلى منكم صلاة نافلة في وقتها فأتمّها، كتب الله عزّ وجلّ له بها عشر صلوات نوافل، ومن عمل منكم حسنة كتب الله له بها عشرين حسنة، ويضاعف الله تعالی حسنات المؤمن منكم إذا أحسن أعماله، ودان الله بالتقنية على دينه، وعلى إمامه وعلى نفسه، وأمسك من لسانه، أضعافا مضاعفة كثيرة، إن الله عزّ وجلّ كريم».

قال: فقلت: جعلت فداك، حثثتني عليه، ولكنّي أحبّ أن أعلم كيف صرنا نحن اليوم أفضل أعمالاً من أصحاب الإمام منکم، الظاهر في دولة الحق، ونحن وهم على دينٍ واحدٍ، وهو دين الله عزّ وجلّ؟

ص: 94

فقال: إنةّكم سبقتموهم إلى الدخول في دين الله، وإلى الصلاة والصوم والحج، وإلى كل فقير وخير، وإلى عبادة الله سرّاً من عدوّكم مع الإمام المستتر، مطیعون له، صابرون معه، منتظرون لدولة الحق، خائفون على إمامكم، وعلى أنفسكم من الملوك، تنظرون إلى حقّ إمامكم وحقكم في أيدي الظلمة، قد منعوكم ذلك، واضطروكم إلى جذب الدنيا وطلب المعاش، مع الصبر على دینکم، وعبادتكم، وطاعة ربّكم، والخوف من عدوّكم، فبذلك ضاعف الله أعمالكم فهنيئاً لكم هنيئاً.

قال: فقلت: جعلت فداك، فما نتمنّى إذاً أن نكون من أصحاب القائم عَلَيهِ السَّلَامُ في ظهور الحق، ونحن اليوم في إمامتك وطاعتك أفضل أعمالاً من أصحاب دولة الحق.

فقال: سبحان الله! أما تحبون أن يظهر الله عز وجل الحق والعدل في البلاد، ويحسن حال عامة الناس، ويجمع الله الكلمة، ويؤلف بين القلوب المختلفة، ولا يعصى الله في أرضه، ويقام حدود الله في خلقه، ورد الحق إلى أهله، فيظهره حتى لا يستخفي بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق؟

أما والله يا عمار، لا يموت منکم مت على الحال التي أنتم عليها إلا كان أفضل عند الله عزّ وجلّ من كثير ممّن شهدوا بدراً

ص: 95

وأحدة، فأبشروا»(1).

30- عن أبان بن تغلب عن أبي عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال: «كيف أنتم إذا وقعت السبطة بين المسجدين؟ تأرز العلم فيها كما تأرز الحية في جحرها، واختلفت الشيعة بينهم، وسمي بعضهم بعضا كذابين، ويتفل بعضهم في وجوه بعض؟

فقلت: ما عند ذلك من خير، قال: الخير كله عند ذلك، يقوله ثلاثاً: وقد قرب الفرج »(2).

31- وعن أبي بصير، عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال: «قال لي أبي عَلَيهِ السَّلَامُ لا بد لنا من أذربيجان لا يقوم لها شيء، وإذا كان ذلك فكونوا أحلاس بيوتكم وألبدوا ما ألبدنا، فإذا تحرك متحركنا فاسمعوا إليه ولو حبوا، والله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على کتاب جدید، على العرب شديد، وقال: ويل لطغاة العرب من شر قد اقترب »(3).

32- عن أبي المرهف ، قال : «قال أبو عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ: هلکت

ص: 96


1- بحار الأنوار: 128/52. الكافي: 1/ 334.
2- بحار الأنوار: 134/52.
3- بحار الأنوار: 135/52.

المحاضير، قلت: وما المحاضير؟ قال: المستعجلون، ونجا المقربون، وثبت الحصن على أوتادها، كونوا أحلاس بيوتكم، فإن الفتنة على من أثارها، وإنهم لا يريدونكم بحاجة إلا أتاهم الله بشاغل لأمر يعرض لهم»(1).

33- وعن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال: «كفوا ألسنتكم، والزموا بيوتكم، فإنه لا يصيبكم أمر تخصون به أبدا، ولا يصيب العامة، ولا تزال الزيدية وقاء لكم أبدأ»(2).

34- عن جابر، عن أبي جعفر، محمد بن علي الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ، قال: « مثل من خرج منا أهل البيت قبل قيام القائم مثل فرخ طار ووقع في كوة فتلاعبت به الصبيان »(3).

35- عن أبي جعفر، محمد بن علي الباقر عَلَيهِما السَّلَامُ أنّه قال : « اسكنوا ما سكنت السماوات والأرض، أي لا تخرجوا على أحد، فإن أمركم ليس به خفاء، ألا إنها آية من الله عز وجل، ليست من الناس، ألا إنها أضوء من الشمس، لا يخفى على بر ولا فاجر، أتعرفون الصبح؟ فإنه كالصبح ليس به خفاء»(4).

ص: 97


1- بحار الأنوار : 138/52.
2- بحار الأنوار : 139/52.
3- بحار الأنوار : 139/52.
4- بحار الأنوار : 139/52.

36- وعن أبي بصير، عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ، قال : «كلّ راية ترفع قبل قيام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله عز وجل »(1).

37- وقال مولى المتقين و أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه:«الزموا الأرض، واصبروا على البلاء، ولا تحركوا بأيديكم وسيوفكم وهوى ألسنتكم، ولا تستعجلوا بما لم يجعله الله لكم، فإنّه من مات منكم على فراشه وهو على معرفة ربّه، وحق رسوله وأهل بيته، مات شهيدا أوقع أجره على الله، واستوجب ثواب ما نوى من صالح عمله، وقامت النية مقام إصلاته بسيفه، فإن لكل شيء مدة وأجلا»(2).

خلاصة القول:

يمكن تلخيص ما ورد في الروايات المحاكية عن أحوال المنتظرین و أوصافهم ومقامهم وثوابهم والتي اخترنا شطر منها، لاكلها، و قطفنا من كل غصن زهرة لا الزهور بأجمعها - أقول: يمكن تلخيص ما جاء فيها من منطق أهل العصمة وقادة الإسلام المطهرين في النقاط التالية:

ص: 98


1- بحار الأنوار : 143/52.
2- بحار الأنوار : 144/52.

1- الردّ على النظريّة الباطلة المفتراة على أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ التي تزعم أنّ الأمور تستقيم لصاحب الزمان عَلَيهِ السَّلَامُ عفواً، من دون إراقة قطرة دم على الإطلاق.

2- أنّ صاحب الأمر صلوات الله عليه وأصحابه يخوضون معارك دامية تدور على قدم وساق حتّى يحرزوا النصر في معركة الحقّ على الباطل.

3- يجب على المنتظرين من أهل الإيمان أن يكونوا على أهبة الاستعداد لخروج قائدهم ومولاهم صاحب الزمان عَلَيهِ السَّلَامُ، ولو بإعداد سهم لنصرته عَلَيهِ السَّلَامُ.

4- لعلّ الله تعالى تقضي مشيّته أن يوفّق الرجل منّا لإدراك ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ إذا رآه يعد العدة للخروج ولنصرته عَلَيهِ السَّلَامُ.

5- أن المنتظر لظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ مفعم قلبه بالإيمان حتى يكون أشدّ من زبر الحديد، ومن الجبال الراسيات.

6- المنتظرون لظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ إخوان رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه وأنصاره وأحباؤه.

7- إنّهم أفضل أهل كلّ زمان.

8- إنّهم أعقل الناس وأفهمهم.

9- أنّ الغيب بمنزلة الشهود عندهم.

ص: 99

10- أنّهم المخلصون حقّاً.

11- هم الدعاة إلى الله تعالى سراً وجهراً.

12- أن من مات منهم قبل ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ فهو بمنزلة من كان مع القائم عَلَيهِ السَّلَامُ في فسطاطه.

13- بل هو كمن كان مع رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه.

14- إن الله تعالى يجعل لهم مخرجاً و فرجاً.

15- وهم کالمقارع معه بسيفه.

16- الشهيد مع صاحب الأمر أرواحنا فداه، له أجر شهیدین، أو تكتب شهادته شهادتين.

17- من مات منهم قبل الظهور كان كمن استشهد مع رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه

18- وهم بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل الله.

19- إنّهم كمن شهد القتال بين يدي أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ.

20- وإنّهم كالمتشحط بدمه في سبيل الله.

21- هم الشيعة صدقاً.

22- وهم كالشاهر سيفه بين يدي رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه.

23- من عرف إمامه كان كمن هو في فسطاط المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ يقاتل بين يديه.

24- لا يقبل عمل إلّا بالانتظار للقائم عَلَيهِ السَّلَامُ.

ص: 100

25- من انتظر وعمل بالورع ومحاسن الأخلاق كتب من أصحاب القائم عَلَيهِ السَّلَامُ.

26- المنتظرون هم أعظم الناس يقيناً.

27- للمنتظر أجر ألف شهيد.

28- يجب على المؤمنين المنتظرين أن يكونوا أحلاس بيوتهم، لا يخرجون مع من دعاهم إلى الخروج، ولا يقاتلون تحت راية قطّ، ولا يستجيبون لكلّ نداء، ولا يتبعون كل ناعق حتى يظهر صاحب الأمر صلوات الله وسلامه عليه. إلّا للدفاع عن بيضة الإسلام، وهي عبارة عن تعرض مبادئ الإسلام وأصوله لخطر الزوال والانقراض والقضاء على شهادة «أنّ محمّداً رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه»، أو للدفاع عن النفس، والدفاع عن بيضة الإسلام لا يكون ولا يجوز إلّا بإذن الفقيه الجامع للشرائط، و تحت لوائه وقيادته.

عن الإمام أبي عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «خمس علامات قبل قیام القائم ... فقلت: جعلت فداك، إن خرج أحد من أهل بيتك قبل هذه العلامات أنخرج معه؟ قال: لا، فلما كان من الغد تلوت هذه الآية ...»(1).

ص: 101


1- الكافي : 310/8. الغيبة / النعماني : 252. کمال الدين : 649.الخصال : 303. دلائل الإمامة : 261. الغيبة / الطوسی: 267. إعلام الوری : 426. عقد الدرر: 111.

29- العبادة والعمل والطاعة والتقوى في دولة الباطل -أي في غياب الحجة عَلَيهِ السَّلَامُ -أفضل من الطاعة والعبادة والتقوى والعمل الصالح في دولة الحق.

30- يمر الشيعة المنتظرون بظروف صعبة للغاية من قتل وحبس وتشريد و مطاردة وما شابه ذلك ، هذا من الخارج ومن جهة العدو.

31- وتمر عليهم بلایا ومصائب واختبارات من الداخل، حيث يكذّب بعضهم بعضاً، ويتفل بعضهم في وجه البعض الآخر، ويتّهم بعضهم بعضاً في آخر الزمان وقرب الظهور.

32- إنّ الحقّ كالشمس لاتبلّدها الغيوم إلّا لفترة قصيرة، ولا يخفى عن قلوب من أبصر وتبصّر واستبصر، بل هو كالشمس في رابعة النهار ، سواء كان في غيبة الحجة أو في ظهوره.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا من المنتظرين لظهوره، والنائلين شرف الصابرين المرابطين بين يديه.

والدعوة إلى الله تقوم على أسس من العلم والمعرفة والشجاعة والإخلاص والتضحية والإيثار، لا سيا في زمان يقل فيه المخلصون

ص: 102

والغيورون على الدين، ويكثر فيه أهل اللهو والغواية، والمناهضون للفكر الديني، والمتلاعبون بالدين، والانتهازيّون الذين يتّخذون من الدین جسراً للوصول إلى غاياتهم وتحقيق مصالحهم الشخصيّةوالحزبيّة والسياسيّة.

كما أنّ الدعوة يجب أن تكون وفقاً للموازين الشرعيّة والقواعد العقلية طبقاً لمقتضى الزمان والمكان، فتكون بالكلمة الطيّبة والجدال بالتي هي أحسن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأفضل أنواعها، بل رأسها وعمادها إحياء ذكر أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ:

قال الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ:«رحم الله من أحيا أمرنا »(1).

وقال تعالى:﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا استَجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسولِ إِذا دَعاكُم لِما يُحييكُم﴾(2).

وإقامة مآتم سيد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه ، فقد قال مولانا الرضا صلوات الله عليه : « إن لقتل الحسين حرارة في قلوب

ص: 103


1- بحار الانوار: 282/44 و: 343/71 و: 100/107. وسائل الشیعة: 20/12 و: 21/12 و: 22/12 و: 501/14 و 587/14 و: 92/27 و: 141/27.
2- سورة الأنفال : الآية 24.

المؤمنين لا تبرد أبدا»(1).

وقال إمامنا وسيّدنا الحسن المجتبى صلوات الله عليه:« لكن لا يوم كيومك يا أبا عبدالله»(2).

وإذا كنّا جميعاً رعاةً ومسؤولين عن الدين الحنيف لقوله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه:«كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»(3)، فكلّ مؤمن منتظر وداعية من الدعاة الذين ينبغي أن يكونوا مرابطين، يحمون ثغور هذاالدين، ويذودون عن المذهب الحق بالبنان والبيان والقلم واللسان.

قال مولانا أبو عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « فكن على حَذَرٍ، واطلب من االله عز وجل النجاة .. فكن مترقبا، واجتهد، ليراك الله عز وجل في خلاف ما هم علي »(4).

إشارة إلى ما عليه عامة الناس وأكثرهم من إهمال بأمور دينهم، وغفلة عن آخرتهم، وانشغالهم بزخارف هذه الدنيا الفانية، مآلهم إلى السقوط في هاوية الانحراف والضلال.

ص: 104


1- مستدرك الوسائل : 318/10.
2- أمالي الصدوق: 177. العوالم : 154/17. بحار الأنوار : 218/45.
3- کشف المحجة : 39. عوالي اللئالي : 129/1. بحار الأنوار : 38/72.
4- بحار الأنوار : 260/52.

ولهذا قال مولانا الصادق صلوات الله عليه:« ورأيت الناس ينظر بعضهم إلى بعض، ويقتدون بأهل الشرور، ورأيت مسلك الخير و طريقه خالية لا يسلكه أحد»(1).

تحت وطأة هذه الظروف الحالكة التي ينظر فيها بعضهم إلى بعض أي يتنافسون على الماديات، ويتولون في الشهوات، ويتسابقون إلى الملذات والمحرمات، ويتغافلون عن الكمالات؛ لاقتدائهم بأهل الشرور، تجد طائفة مؤمنة مخلصة يذوقون حلاوة الإيمان والعمل الصالح ويقومون بحمل الأمانة الإلهيّة، وينهضون بأعباء الذود عن دينهم، فيكون لذلك كلّه حلاوة لا يعادلها شيء، وتأتي الأهمّية من جهة أنّهم يتمسّكون بدينهم الحقّ، ويتزيّنون بفضائل الأخلاق و مکارمه ويسابقون إلى الخير في زمن يخلو طريق الخير ومسلك الحقّ من سالكيه، أو يقلّ فيه سالکوه.

فإذا حلّ الفساد، و عمت الشرور، وانفضّ النّاس عن طريق الخير، وسلكوا دروب الباطل حتّى ظلّت الفضائل في غياهب النسيان، وغدى الدين غريباً، وأهله منبوذين، وضاقت عليهم الدنيا بما رحبت، ظهرت أهمّية التديّن والصمود بوجه التحدّيات،

ص: 105


1- بحار الأنوار : 259/52.

والتمسك بشريعة السماء، و سلوك الطريق إلى الله تعالى، واتّباع طريق الحقّ والالتزام بالصراط القويم، وكان الملتزم بذلك في أعلى مراتب الجهاد، معدوداً من خيرة الأولياء، ولا شكّ أنّ أدنى مراتب التنديّن في مثل هذه الظروف تفوق أعلى درجاته في زمن الرخاء والرفاه.

قال الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ في الرد على بعض أصحابه: «کلا، إنكم مؤمنون ولكن لا تكملون إيمانكم حتّى يخرج قائمنا، فعندها يجمع الله أحلامكم فتكونون مؤمنین کاملین ...»(1)

ص: 106


1- الأصول الستة عشر :6. بحار الأنوار: 350/67.

الدرس السابع: أنصار الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ وأصحابه وأعداؤه - 1

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

قال تعالى :﴿وَكَذٰلِكَ جَعَلنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطينَ الإِنسِ وَالجِنِّ﴾(1) فما من نبيّ ولا إمام ولا مصلح إلّا تظاهر علیه طائفة من شرار الخلق وطواغيتها، وكلما كان هذا النبيّ أو الوليّ أعلى مقاماً وأعظم درجة كان أعداؤه أشد كفراً وزندقة وطغياناً.

وفي الآية الكريمة نكات لطيفة ، ودقائق ظريفة كقوله تعالى: ﴿جَعَلنَا﴾ الذي هو إشارة إلى الجعل التكويني والتقدير الإلهي، أي قدّرنا له عدوّاً، فأينا يوجد الخير لا بدّ أن يقابله شرّ، وأينا حلّ الحقّ، فلا عجب إن عانده الباطل و تصدّى له أهل الغواية؛ إذ المقابلة

ص: 107


1- سورة الأنعام : الآية 112.

بينها تقابل الضدين، والضدان لا يجتمعان ولا يرتفعان؛ ذلك أنّ الحقّ ليس أمراً نسبياً، والتنافي بين الحقّ المطلق والباطل المطلق ذاتي، كلّ ما وجد الحقّ المتجلّي في الأنبياء والأولياء قابله الباطل المتجلّي في أعداء الله وأعداء الأنبياء والأولياء؛ إذ تعرف الأشياء بأضدادها، كما قال أهل المعقول، وقال الشاعر: «والضدّ يظهر حسنه الضدّ»، وإنّما قال تعالى : ﴿جَعَلنَا﴾ و ليعلم أنّ المجعول ابتداء هو المجعول استمراراً، وأنّ المجاعل له ابتداءً هو الجاعل والمقدّر له استمراراً، لكي لا يظن أحد أن هذا العدو الذي يجهر بعداءه لله عز وجل ولأولياءه بالكفر الصريح، والتصدي الشنيع، أو يخفيه بالنفاق، أنّه خارج عن قبضة القادر المتعال، مهما طال به الأمد وممد له الأجل، ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾(1)؛ ذلك أن الله يمهل ولا يهمل ، وسيأخذهم في حينه أخذ عزيز مقتدر ، ففي الدعاء: «وَإنَّما يَعْجَلُ مَنْ يَخافُ الْفَوْتَ»(2).

ص: 108


1- سورة إبراهيم: الآية 42.
2- مصباح المتهجد: 563. وسائل الشيعة : 13/ 280. المزار / المشهدي : 471. إقبال الأعمال : 181/2.

وقوله تعالى : ﴿عَدُوّاً﴾ إشارة إلى نوع العدوّ وجنسه دون العدد، فليس المراد أنّ له عدواً واحداً، بل له أعداء كثيرون، ولعلّه إشارة إلى أنّ لكلّ واحد منهم عدوّاً واحداً يتزعّم جيشاً من الأعداء، فهو الزعيم الذي يقود جموعاً لمواجهة نبي عصره کما في حكاية إبراهيم الخليل عَلَيهِ السَّلَامُ، ونمرود، وموسى عَلَيهِ السَّلَامُ وفرعون و نبینا محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه وأبي جهل ... وهكذا.

وعليه فللمهدي صلوات الله عليه أعداء كثيرون ؛ لأنّه يهدّد ملكهم وسلطانهم ومعتقداتهم، فله أعداء من الحكام والسلاطين، وله أعداء من علماء المذاهب والحل والأديان الباطلة والضالّة، ومن أصحاب المصالح الشخصيّة والحزبيّة، كلّ يرى في ظهوره أرواحنا فداه خطر يهدد مصالحه وكيانه، وتجتمع كلمتهم على مواجهة الحقّ، وإن كنت تراهم جميعاً وقلوبهم شتّى، ومآلهم إلى الخيبة والخسران لقوله تعالى : ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾(1).

و لهذا جاء في الحديث : « إن صاحب هذا الأمر لو قد ظهر لقي من

ص: 109


1- سورة الصف : الآية 8.

الناس مثل ما لقي رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه وأكثر »(1).

فمن هم أعداء صاحب الأمر أرواحنا فداه؟ وما هي الملاكات العامّة الكلّية التي يتمّ من خلالها تصنيف أعدائه عليه الصلاة والسلام؟ وما هي أوصافهم ونعوتهم؟ ومن هم أعداؤه المحاربون له، البارزون لقتاله عند ظهوره؟ وكيف تكون مواجهته صلوات الله عليه لهذه الفئة الكافرة، والضالة عند ذاك؟

1- المتدينون المترفون والمصلحيّون من الحكّام ورجال السياسة الذين يمتطون صهوة الدين ما دام يخدم أغراضهم ولا يعارض شيئاً من مصالحهم، ولا يتعارض مع أهدافهم وأفكارهم، ولا يعرّض دنیاهم إلى المخاطرة والمجازفة، ممّن وصفهم مولانا أبو عبدالله الحسین صلوات الله عليه بقوله : « الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الدیّانون»(2).

ولهذا تجدهم حينئذ بين محارب للدين وأهله، وبين منتحل سبيل التأويل والتحريف تبريراً لخنوعهم وتقاعسهم تحت ستار التقنيّة

ص: 110


1- الغيبة / النعمانی : 297.
2- تحف العقول : 245. بحار الأنوار : 195/44، 383.

تارة، وخلف قناع التورية تارة أخرى، وعن هؤلاء قال: قال مولانا أبو عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « إنما جعلت التقنية ليحقن بها الدماء، فإذا بلغت التقنية الدم فلا تقية، وأيم الله لو دعيتم لتنصرونا لقلتم لانفعل، إنما نتقي، ولكانت التقنية أحب إليكم من آبائكم وأمهاتكم، ولو قد قام القائم ما احتاج إلى مسائلتكم عن ذلك، ولأقام في كثير منكم من أهل النفاق حدود الله »(1).

وفي الحديث: «لو قد قام قائمنا بدأ بالذين ينتحلون حبنا فيضرب أعناقهم»(2).

لأنّهم لم يكونوا يتّقون، بل كانوا ينافقون، وكم فرقاً بين التقيّة والنفاق، أو لعل شدة تمسّكهم بالتقيّة وطول المدّة جرفاهم إلى النفاق، وصنعا منهم أناس منافقين، إذ خلت قلوبهم من الإيمان.

2- فئة الجهلة والقشريّین والمتحجّرين ممّن جهلوا مقام الإمام صلوات الله عليه، والنّاس أعداء ما جهلوا، فتوقّفوا عند ظواهر النصوص والآيات، وأخذوا من الدين قشوره، معرضين عن لبابه، يعارضون كلّ تطوير وتحديث وتنمية وإصلاح وتغيير،

ص: 111


1- وسائل الشيعة : 483/11.
2- الإيضاح : 208 - 209.

وإن جاءت من المعصوم عَلَيهِ السَّلَامُ، لمجرد الجمود والتقليد؛ لأنّهم سیندهشون حينيكشف لهم الإمام أرواحنا فداه حقائق وأسراراً كانت خافية عليهم ولم تف الظروف ولا سنحت الفرصة لرسول الله وأهل بيته صلوات الله عليهم كي يكشفوا عنها الحجاب، ويبيّنوها للنّاس بالإفصاح عنها، وإزاحة الستار عن مكنونها، ومن جهةأنّه صلوات الله عليه حجّة الله، ووليّه بالولايتين التكوينيّة والتشريعيّة، فهو مشرّع يحيي من الشريعة ما حرّفته الأيدي الآثمة، وغيّبها طول الزمان، بل هو عَلَيهِ السَّلَامُ يأتي بتشريعات تناسب ظروف الزمان لكن ليس ممّا يخالف ما ثبت بالنصّ القرآني الجليّ والمتواتر من الحديث ممّا غدى من مسلّمات الدين.

قال الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا قام القائم استأنف دعاء جديداً كما دعا رسول الله»(1)، وهذا ممّا لا يروق لأهل الجمود والمتحجّرين والجهلة.

قال صادق آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « إنّ قائمنا إذا قام استقبل من جهلةالناس أشدّ ممّا استقبله رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه من جهال الجاهلية، فقلت : وكيف ذاك؟ قال: إن رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه أتى الناس وهم يعبدون الحجارة والصخور والعيدان والخشب المنحوتة، وإنّ قائمنا إذا قام أتی

ص: 112


1- الغيبة / النعماني : 322.

النّاس وكلّهم يتأوّل عليه كتاب الله ويحتجّ عليه وبه، ثمّ قال: أما والله ليدخلنّ عليهم العدل جوف بيوتهم كما يدخل الحرّ والقرّ»(1).

وقال عَلَيهِ السَّلَامُ: «إنّه أوّل قائم يقوم منا أهل البيت يحدثكم بحديث لا تحتملونه، فتخرجون عليه برميلة الدسكرة فتقاتلونه فيقاتلكم فيقتلكم»(2).

3- الكفّار والمنافقون واليهود والنصار

قال مولانا الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «إذا خرج القائم لم يبق مشرك بالله العظيم ولا کافر، إلا كره خروجه»(3).

وعن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ: « ثم يخرج عن الكوفة مائة ألف بين مشرکٍ ومنافق حتى يضربوا دمشق لايصدهم عنها صاد، وهي إرَمَ ذات العماد»(4).

وفي رواية مفصلة:«... فيقتل يومئذ فيما بين المشرق والمغرب ثلاثة آلاف من اليهود والنصارى، يقتل بعضهم بعضا، تأويل هذه

ص: 113


1- الغيبة / النعماني : 297.
2- بحار الأنوار : 375/52.
3- البرهان في تفسير القرآن / السيد هاشم البحراني : 121/2.
4- مختصر بصائر الدرجات : 195. بحار الأنوار : 83/53 - 84.

الآية: ﴿فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ﴾ (1) بالسيف وتحت ظل السيف »(2).

4- أهل العناد والعصبيات القومية والجاهلية والاجتماعية والمذهبية والطائفية والدينيّة

وهذه الطائفة لم تخضع لأية داعية حق وإصلاح، بل كذّبت الأنبياء والرسل بأجمعهم، وفي القرآن الكريم والأحاديث ما يكفي للدلالة على عدائهم للحق.

ه- الأغنياء والمترفون

عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ في تفسير قوله تعالى : ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ*لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَىٰ مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾ (3) «يعني القائم يسأل عن بني فلان عن كنوز بني أمية والكنوز التي كنز وها»(4).

ص: 114


1- سورة الأنبياء: الآية 15.
2- مختصر البصائر : 199 و 200.
3- سورة الأنبياء : الآيتان 12 و 13.
4- دلائل الإمامة :250. تفسير القمي : 68/2.

6- الزعماء والرؤساء والزعماء السياسيّون المتكالبون على مناصبهم والحريصون على حفظ كراسيّهم

وهذه الطائفة لا ترضى بالقليل، ولا ترضى إلّا بما تهواه أنفسها، وما خضعت أعناقها للحق قطّ، ولن تخضع أبدأ، والشواهد في الكتاب والسنّة والوجدان لا تحصى ، وقد اشتهر أنّ الملك عقيم.

7- بنو أمية وشيعتهم

عن الإمام الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال : « إذا قام القائم وبعث إلى بني أمية بالشام فهربوا إلى الروم ، فيقول لهم الروم : لاندخلنكم حتى تتنصروا، فيعلقون في أعناقهم اللبان، فيدخلونهم»(1).

وسيأتي في علامات الظهور عن السفياني الناصبي الكافر الذي يحمل راية العداء له عَلَيهِ السَّلَامُ، وهي راية أمويّة.

ولكنّ مكر أعدائه عَلَيهِ السَّلَامُ وغدرهم وفجورهم لايجد له صدىً في الآفاق، ولا يحيق المكر السيّئ إلّا بأهله، فقد قال صادق آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « إنّ مكرهم لتزول منه الجبال، إن كان مكر بني برهان -العباس - بالقائم لتزول منه قلوب الرجال »(2)

ص: 115


1- الكافي : 51/8.
2- تفسير العياشي : 235/2.

وأمّا عذاب أعدائه عَلَيهِ السَّلَامُ في الدنيا قبل الآخرة فهو الخسف والقذف والمسخ، فيومئذٍ تأويل هذه الآية : ﴿وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ﴾(1)»(2)

وأخيرا فإنه عَلَيهِ السَّلَامُ يقتل رأس كل الشرور والفتن والمعاصي والجرائم، أعني إبليس لعنه الله، وهو زعيم كلّ الأشرار وقائد أعداء الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ، ففي الحديث عن الإمام زين العابدین عَلَيهِ السَّلَامُ في تفسير قوله تعالى : ﴿قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِی إِلی یوْمِ یبْعَثُونَ * قالَ فَإِنَّک مِنَ الْمُنْظَرِینَ * إِلی یوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ (3)« إن الوقت المعلوم يوم قيام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ، فيقول : ويلاه من هذا اليوم ، فيأخذ بناصيته فيضرب عنقه ، فذلك يوم الوقت المعلوم، منتهى أجله»(4)، وكثرت الأحاديث بهذا المعنى.

وكما أنّ لكلّ نبيّ ووليّ عدواً، فإنّ لكلّ واحد منهم جملة من الأنصار والأصحاب، کالطوائف الاثنتي عشرة التي يطلق عليها الأسباط، وهم من سلالة أبناء سيدنا يعقوب عَلَيهِ السَّلَامُ الإثني عشر،

ص: 116


1- سورة هود: الآية 83.
2- مختصر البصائر : 200.
3- سورة الحجر : الآيات 31- 38.
4- بحار الأنوار: 376/52، عن الأنوار المضيئة.

الذين ناصروا سيدنا موسى عَلَيهِ السَّلَامُ، والحواريّين من أصحاب سيّدنا عیسی عَلَيهِ السَّلَامُ، وهكذا المهاجرين والأنصار الذين آمنوا برسولناالأكرم صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه وآزروه ونصروه، كذلك لإمامنا ولي الأمر عجل الله فرجه الشریف جملة من الأنصار، فنهم الخواص من الأصحاب المدخرون لنصرته، المأمونون على سره، وهم قادة جيشه عند القيام والخروج، وولاة أمره على أقطار الأرض وأطرافها، بعد أن يظهره االله تعالى على أهل الأرض، ويظهر الإسلام على الدين كلّه، تقوم على يديه الكريتين دولة الحقّ في مشارق الأرض ومغاربها.

ص: 117

ص: 118

الدرس الثامن: أنصار الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ وأصحابه وأعداؤه - 2

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

قال أبو عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ في موثقة مفضل بن عمر:

1- «كأني أنظر إلى القائم على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا على عدة أهل بدر »(1).

وقد جاءت الروايات مستفيضة بهذا المعنى، منها رواية محمّد بن الحنفيّة عن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه.

وأمّا الأنصار فقد تظافرت الروايات من طرق الخاصة أنّ عددهم عشرة آلاف، ويبدو جليّاً أنّ ذلك يكون في أوّل قيامه وخروجه عَلَيهِ السَّلَامُ، ولا شكّ أن هذا العدد سيتضاعف فيما بعد .

ص: 119


1- كمال الدين : 672.

2- ففي صحيحة أبي بصير عن مولانا أبي عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ:«لا يخرج القائم عَلَيهِ السَّلَامُ حتى يكون تكملة الحلقة»، قلت : كم تكملة الحلقة ؟ قال : «عشرة آلاف»(1).

3- عن أبي بصير، قال : «سأل رجل من أهل الكوفة أبا عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ: كم يخرج مع القائم عَلَيهِ السَّلَامُ؟ فإنهم يقولون إنّه يخرج معه مثل عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجل، قال: وما يخرج إلّا في أولو القوّة، وما يكون أولي القوة أقلّ من عشرة آلاف»(2).

4- وفي بعض الأخبار عبّر عنهم بكلمة «العقد»، وفي غيرها بتكملة «الفئة».

5- وفي رواية ابن زريق الغافقي عن مولانا أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ(3).

6- وفي رواية ابن مسعود(4).

7- وفي روايات أخرى لم يذكر العدد وإنّما وردت الإشارة إلى جموع غفيرة، لاسيما من جهة المشرق ، يخرجون ويلتحقون

ص: 120


1- الغيبة / النعمانی : 307.
2- کمال الدین: 654/2.
3- الملاحم والفتن / السيد ابن طاووس : 65.
4- الحاوي للفتاوي : 153/2.

بالإمام عَلَيهِ السَّلَامُ لنصرته كرواية(1).

8- وقد جاءت رواية الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ التالية موضحة بعض ما وقع في تلك الروايات من اختلاف في عدد الأنصار، قال صلوات الله عليه(2).

9- وجاء عن هؤلاء الأنصار ، وعلى رأسهم أولئك الأصحاب، قول مولانا الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « رجال كأن قلوبهم زبر الحديد، لا يشوبها شك في ذات الله ... کالمصابیح، كأنّ قلوبهم القناديل، وهم من خشية الله مشفقون، يدعون بالشهادة يتمنون أن يقتلوا في سبيل الله »(3).

وقال عنهم أيضا(4).

10- وعن مولانا الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «حتّى إذا صعد النجف قال لأصحابه: تعبّدوا ليلتكم، فيبيتون بين راكع وساجد يتضرعون إلى الله »(5).

ص: 121


1- بحار الأنوار :316/60.
2- الإرشاد : 383/2.
3- بحار الأنوار : 308/52.
4- كمال الدين : 356. الملاحم والفتن : 149. منتخب الأثر: 311.
5- بحار الأنوار : 308/52.

11- وقال عَلَيهِ السَّلَامُ: «كأني أنظر إليهم مصعدين من نجف الكوفة ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ، كأن قلوبهم زبر الحديد ... يسير الرعب أمامه شهرة وخلفه شهراً»(1).

وقال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه عنهم: «كدادون مجدون في طاعته »(2).

13- وقال أبو عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « وكأن خيولهم العقبان، يتمسحون بسرج الإمام، يطلبون بذلك البركة، ويحفّون به، ويقونه بأنفسهم في الحروب، ويكفونه ما يريد منهم»(3).

14- وقال عنهم مولانا الإمام الحسن العسكري عَلَيهِ السَّلَامُ في حديث لابنه القائم المنتظر عجّل الله تعالى فرجه (4)

15- وتشير الأخبار إلى شدّة ألفتهم ومحبّتهم فيما بينهم، فعن الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ: «كأنما رباهم أب واحد، وأم واحد، قلوبهم مجتمعة بالمحبة والنصيحة»(5).

16- وقال عنهم مولانا أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ: «كأني أنظر إليهم

ص: 122


1- بحار الأنوار: 343/52.
2- کشف الغمة : 271/3.
3- الغيبة / النعماني : 316.
4- بحار الأنوار : 35/52.
5- إلزام الناصب: 20/2.

والزّيُّ واحد، والقد واحد، والجمال واحدٌ، واللباس واحد»(1).

17- والمروي کما مرّ-: «أنّ عدّة من يخرج معه أوّلاً ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً بعدّة أهل بدر يجتمعون من أقاصي الأرض على غیر میعاد لا يعرف بعضهم بعضاً»(2).

18- وفي رواية: « يجمعهم الله بمكّة قزعاً(3) فيهم خمسون من أهل الكوفة »(4).

19- ويروى:« أربعة عشر والباقي من سائر النّاس»(5).

20- وروي:«أنّ بينهم خمسين امرأة، وهؤلاء هم خواص أصحابه »(6).

ص: 123


1- الملاحم والفتن : 148. بحار الأنوار :35/52.
2- بحار الأنوار : 306/52.
3- القزع - محركة - قطع السحاب الواحدة بهاء، ونسبته إلى الخريف، إما لسرعة اجتماعه، أو لتجمعه قطع صغيرة من أماكن شتی ، كما يؤمي إلي قوله : « يتبع بعضهم بعضا » كقزع الخريف يتبع بعضهم بعضا ؛ لأن سحب الخريف عادة تكون متفرقة وعبارة عن قطع صغيرة مشتتة هنا وهناك، بخلاف سحب الشتاء التي تكون مجتمعة قطعة واحدة ، أو قطعة كبيرة.
4- بحار الأنوار : 342/52، 306.
5- دلائل الإمامة : 314 - 320.
6- تفسير العياشي: 64/1. الغيبة / النعمانی : 279.

21- وروي: « أنّهم حكّام الأرض وعماله عليها، وبهم يفتح شرق الأرض وغربها »(1).

22- وروي: « أنّه يقبل أوّلاً في خمسة وأربعين رجلا من تسعة أحياء من حيّ رجل ومن حيّ رجلان وهكذا إلى التسعة، ولا يزالون كذلك حتى يجتمع العدد »(2).

23- وروي: «أنّ معه صحيفة مختومة فيها عدد أصحابه بأسمائهم وبلدانهم وطبائعهم وحلاهم وكناهم كدّادون مجدّون في طاعته، وما من بلد إلّا ويخرج معه منهم طائفة إلّا البصرة، فلا يخرج منها معه أحد»(3).

24- وروي : « أنّه يخرج منها رجلان، فإذا تم له هذا العدد، وهو ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، أظهر أمره، ثم يزيدون حتى يبلغوا عشرة آلاف، فإذا بلغوا هذا العدد خرج بهم من مكّة، ويسمّى هذا الجيش جیش الغضب»(4).

ص: 124


1- الخصال : 541. الغيبة / النعمانی : 244.
2- الخصال : 424.
3- عيون أخبار الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: 64/2 و 65. الصراط المستقیم: 155/2. بحار الأنوار: 311/52 و : 208/36.
4- ملاحم ابن طاووس: 145. كمال الدين : 378. الغيبة / النعماني: 31، 311 و 312.

25- وعن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « يخرج مع القائم من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلا، خمسة عشر من قوم موسي عَلَيهِ السَّلَامُ الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون وسليمان [سلمان] وأبو دجانة الأنصاري والمقداد ومالك الأشتر فيكونون بين يديه أنصارا وحكاماً»(1).

26- وفي غاية المرام: عن أبي جعفر محمFد بن جرير الطبري في مسند فاطمة بإسناده عن مسعدة بن صدقة، عن أبي بصير، عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ و ذکرحديثا فيه: «أن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ كان يعلم أصحاب القائم عَلَيهِ السَّلَامُ وعدتهم ويعرفهم بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم وحلائلهم ومنازلهم ومراتبهم، وكذلك سائر الأئمة عَلَيهِم السَّلَامُ، وأنه أملي على الكاتب: هذا ما أملی رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه على أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ، وأودعه إياه من تسمية المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ، وعدد من يوافيه من المفقودين عن فرشهم وقبائلهم السائرين في ليلهم ونهارهم إلى مكّة عند استماع الصوت وهم النجباء القضاة الحكام على النّاس»(2).

ص: 125


1- الإرشاد : 365. مجمع البيان : 489/2.
2- دلائل الإمامة : 307، 311 - 314. ملاحم ابن طاووس: 201 - 205.

27- في الحديث بعد بيان كيفيّة قيامه عَلَيهِ السَّلَامُ:

«... فيقومون إليه ليقتلوه، فيقوم ثلاثمائة ونيف على الثلاثمائة فيمنعونه منهم، خمسون من أهل الكوفة، وسائرهم من أفناء النّاس، لا يعرف بعضهم بعضا ، اجتمعوا على غير ميعاد »(1).

28- عن الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا ظهر القائم ودخل الكوفة بعث الله تعالى من ظهر الكوفة سبعين ألف صديق، فيكونون في أصحابه وأنصاره ...»(2).

29- عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ: «الأبدال من أهل الشام ، والنجباء من أهل الكوفة ، يجمعهم الله لشر يوم لعدونا » ، فقال جعفر الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « يرحمكم الله ، بنا يبدأ البلاء ، ثم بكم، وبنا يبدأ الرخاء ، ثم بكم، رحم الله من حبّبنا إلى النّاس، ولم يكرهنا إليهم»(3).

30- في الرواية: « أصحاب القائم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، أولاد العجم، بعضهم يحمل في السحاب نهاراً، ويعرف باسمه وباسمه أبيه ونسبه وحليته، وبعضهم نائم على فراشه، فيوافيه

ص: 126


1- بحار الأنوار : 306/52.
2- بحار الأنوار: 390/52.
3- أمالي المفيد : 30 و 31.

في مكّة على غير ميعاد »(1).

31- وعن ابن أبي يعفور، قال : «سمعت أبا عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ يقول: ويل لطغاة العرب من شرّ قد اقترب، قلت : جعلت فداك، كم مع القائم من العرب؟ قال: نفرٌ يسير، قلت: والله إنّ من يصف هذا الأمر منهم لكثير، قال: لا بدّ للناس من أن يمحّصوا ويميّزوا ويغربلوا، ويستخرج في الغربال خلق كثير»(2).

32- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ :« اتق العرب، فإن لهم خبر سوء، أما إنّه لا يخرج مع القائم منهم واحد»(3).

كان ممّا تآمر به بنو أمية على أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ، من خلال التآمر على شیعتهم، أن صادروا الحقيقة بمصادرتهم للعروبة، ونسبة شيعة أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ إلى الأصول غير العربية تنقيصة منهم ، وطعنة فيهم، واحتكار الأصول العربية لشيعتهم، نافين أن يكون شيعة أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ عرباً، لتكون حرب إعلامية وفكرية ضدهم، واتّهامهم حينئيذٍ بالأجانب عن معرفة الإسلام تارة، وبالدخلاء المتآمرين على

ص: 127


1- الغيبة / النعماني : 315.
2- الكافی: 370/1.
3- الغيبة / الطوسی: 284.

الإسلام تارة أخرى، وعملت أبواقهم الإعلامية جاهدة لبثّ هذه الكذبة في أوساط الشعوب الإسلاميّة، ولاسيمّا العربيّة منها، لشحنها بالعنصرية والشعوبية من جهة، وتأليبها على شيعة أهل البيت من جهة أخرى، و تخویف النّاس -المسلمين- من اعتناق مذهبهم، أو محاولة الاتّصال بأئمّتهم، فسرعان ما كان يتّهم بعدائه للعرب والإسلام، وكان ينسب إلى العجم -والأعاجم- ليحطوا من قدره، ويستصغروا شأنه، ليسهل عليهم اتهامه بما يسوقه إلى حتفه.

ولهذا وقعت التهمة على خيرة أصحاب الإمام علي عَلَيهِ السَّلَامُ بأنّهم من غير العرب ومن الأعاجم، وإن كان أكثرهم -إن لم نقل كلهم- من أصول عربيّة، ومن أشهر القبائل العربيّة، و يكفيك شاهداً على ذلك القائد العربي الفذّ، أسد الله وأسد رسوله وأسد أمير المؤمنين، الذي لم تردّ له راية قطّ، ولا خاض معركة إلّا وخرج منها منتصراً منصوراً مظفراً، وكانت تهابه أشجع الفرسان والأبطال، أعني مالك الأشتر النخعي رضوان الله تعالى عليه، فهذا البطل العربي لم يشتهر في مصر وبين المسلمين بالشيخ الأعجمي إلّا من جهة هذه المؤامرة الخبيثة التي لم يذعن لها أكثر الناس. وهكذا استمرّت المؤامرة حتّى تلاشت جموع الطائفة الشيعيّة هنا وهناك، وشرّدوا فلجأوا إلى بلاد العجم المجاورة، وما سلم من بقي منهم من البطش الأموي، وحقد النواصب لا في

ص: 128

بلادهم و لا فی بلاد العجم، لكنّهم في الغربة كانوا أحسن حالاً منهم في أوطانهم، وكان من بركات هذه المصائب التي نزلت بهم أن مالت إليهم قلوب هذه الشعوب، وأقبلوا على اعتناق مذهبهم الحقّ، حتّى جاء بنو العبّاس واستغلّوا حبّ هذه الشعوب وولائهم لأهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ للإطاحة بالدولة الأموية، لكنّ بني العبّاس لم يختلفوا عن أسلافهم الأمويّين، وما تخلّوا عن مبادئهم المشؤومة في ديموميّة الحرب على شيعة أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ، بل مضوا على السيرة ذاتها، بل زادوا النّار حطباً و وقوداً، فعدّ الشيعي منذ ذلك اليوم أعجمياً، واقترن اسمه بالأعاجم، کما صودرت هويّته على هذا الأساس ، وإن كان من أعرق القبائل والأصول العربيّة، و عُدّ شيعة بني أميّة وبني العبّاس عرباً، وإن لم يكونوا من العرب قطّ، والتأريخ مليء بهذه الشواهد.

ومع نجاح تلك المؤامرة أصبح الأمر في عصرنا هذا في غاية الوضوح، حيث غدی پر می كلّ شيعي بالعجمة وينسب إلى الأعاجم في البلاد العربية وإن كان عربياً أباً عن جدّ، بل وإن كان من أشهر قبائلهم ، حتى أنّ أناساً من بعض سكان الدول العربيّة تشيّعوا في زماننا هذا ، فنسبوهم إلى العجم ونفوا عروبتهم ، بعد أن كانوا قبل ذلك ينعتونهم بالعروبة ، ويحسبونهم من العرب.

وقد فضحهم الله حين أعلن صدّام الكافر في بداية التسعينيات:

ص: 129

«أن لا شيعة بعد اليوم في العراق، لأنّهم جميعاً من الفرس العجم»، والعالم يدري أنّ شيعة العراق هم من أعرق الشيعة، ومن أشهر القبائل العربيّة، ولم يكن هذا ممّا انفرد به صدّام العروبة الأمويةالناصبيّة وحامي حماها، وبطل أبطالها في جحور الزحائف والفئران، بل امتدّ ذلك إلى النواصب والشعوبيّين في كافِة هذه البلاد، وقد فضحهم الله جلّ وعلا في زماننا هذا حيث ما زال الشعوبي القومي العلماني الذي لا يعترف بالمبادئ والأديان يقف هو والناصبي الذي يدّعي التطرّف في تديّنه وشدّة التمسّك بمبادئه جنباً إلى جنب، ویداً بید، هذا يحارب الشيعي من منطق الحقد الأموي الدفين، وذاك من منطلق الشعوبيّة البغيضة. وكفتك وسائل إعلامهم المسموعة والمرئيّة والمطبوعة مؤونة الجهد والتحقيق، وتكفيك دلي صارخاًعلى هذه المؤامرة المستديمة المستمرّة، فالشيعة في العراق ليس من حقّهم أن يحكموا لأنّهم في منطق النواصب على غير ملّتهم، وفي منطق الشعوبيّين والشوفينيّين ليسوا بعرب، ولهذا لا تريد مصر وجامعة الدول العربيّة وأمينها العنصري مسؤولاً شيعية على مستوی رئیس الجمهوريّة أو رئيس الوزراء يشاركهم في اجتماعاتهم، بل ولا يعترفون بدولة عربية شيعية على الإطلاق؛ لأنّهم تآمروا منذ ألف وأربعمائة عام على أن يقرنوا وصف التشيع بالأعاجم،

ص: 130

ولا يفسحوا مجالأ لعربيًّ قاده عقله السليم، وحرصه على طلب الهداية إلى واحة التشيّع ومعينه الدائم الذي لا ينضب، ليروي غليله من عذب مائه الفرات عقائد وأحكاماً، أن يدنو منهم ومن هذاالماء المعين، والويل لمن تخلّف عن هذه الأوامر، وتمرّد على هذه القرارات الجائرة الحاقدة.

ألا ترى أنّ وسائل الإعلام العربيّة والإسلاميّة الأمويّة قد نجحت في تحقيق هذه الغاية الشيطانيّة؟! ألا ترى أنّهم أوجدوا ملازمة عفوية لا إرادية أحياناً لدى الشعوب بين الشيعي والأعجمي ؟! وأقنعوهم أن التشيع مذهب الأعاجم ؟! وشيعة لبنان رغم كلّ تضحياتهم وبطولاتهم ودحضهم لألدّ أعداء العرب فإنّهم فرسٌ وإيرانيون و عجم في منطق النواصب والشعوبييّن، وهكذا قس عليهم شيعة مصر والسعودية والأردن وسوريا والدول العربيّة كاقّة، إنّهم عجم لأنّهم شيعة أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ، وغيرهم عربي لأنه شيعة بني أميّة.

وهذه النعوت لم تثن شيعة أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ من التمسك بمبادئهم، بل زادتهم إصراراً وبصيرة و خلوصاً، لأنّهم إنّما يفخرون بمبادئهم وقيمهم السامية ، ويتبعون قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ (1)،

ص: 131


1- سورة الحجرات : الاية 13.

وهم على سنّة رسولهم صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه القائل: «لا فضل لعربيّ على أعجميّ، ولا أعجميّ على عربيّ إلا بالتقوى».

إذا عرفت ذلك وتحقّقت منه، وشواهده من حواليك لا تكاد تحصى، وما خفي أعظم وأعتی، فإنّك حينئذٍ تعرف ما عناه أهل البيت عَلَيهِ السَّلَامُ في هذا الحديثوأضرابه التي أعربوا فيها عن قلّة من ينصر الإمام المهدي صلوات الله عليه من العرب، وكثرة من ينصره من العجم، ألا ترى أنّ أكثر أصحابه وأنصاره من شيعة أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ وفيهم من أهل الكتاب أيضاً، وأكثر أعدائه من هؤلاء العرب، أعني شیعة بني أمية؟! وليس فيهم من يتبعه ويخرج لنصرته إلّا القليل، بل أقلّ القليل. أليس طغاة الأمس كالحجّاج وابن زیاد وصلاح الدين أبطالاً عربا ومسلمين في منطق النواصب وشيعة بني أمية، وكذلك طغاة اليوم كصدّام الكافر، وفرعون الزمان، أليسوا أبطالاً مؤمنين في هذا المنطق الأخرق؛ لأنّهم أجرموا بحقّ الشيعةإجراماً لا تفي أقلام الدنيا ودواتها لتسطيرها، وها قد امتلئت كتبهم منها، رغم أنهم مارسوا التعتيم على أضعافها وأضعافها، فهل يعجب المرء بعد ذا كله أن شيعة بني أمية هم أعداء المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ الحقيقيّون، وأنّ هؤلاء العرب هم أقلّ جميع الطوائف اتباعاً للمهدي عَلَيهِ السَّلَامُ، ووقوف إلى جانبه ؟!

ص: 132

الدرس التاسع: أنصار الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ وأصحابه وأعداؤه -3

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

33- في الرواية : « يبايع القائم بين الركن والمقام ثلاثمائة ونيف، عدة أهل بدر، فيهم النجباء من أهل مصر، والأبدال من أهل الشام، والأخبار من أهل العراق، فيقيم ما شاء الله أن يقيم »(1).

34- وعن أبي بصير عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ: «وما يخرج إلا في أولي قوة، وما تكون أولوا القوة أقل من عشرة آلاف»(2).

35- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: « يقبل القائم عَلَيهِ السَّلَامُ في خمسة وأربعين من تسعة أحياء: من حي رجل، ومن حي رجلان، ومن حي ثلاثة، ومن حي

ص: 133


1- الغيبة / الطوسي: 284. تاج المواليد : 151.
2- کمال الدين : 654.

أربعة، ومن حي خمسة، ومن حي ستّة، ومن حيّ سبعة، ومن حيّ ثمانية، ومن حيّ تسعة، ولا يزال كذلك حتّى يجتمع له العدد»(1).

36- في الحديث :«كأنّي بأصحاب القائم عَلَيهِ السَّلَامُ وقد أحاطوا بما بين الخافقين، فليس من شيء إلّا وهو مطيع لهم، حتّى سباع الأرض، وسباع الطير، يطلب رضاهم في كل شيء، حتى تفخر الأرض على الأرض وتقول : مرّ بي اليوم رجل من أصحاب القائم عَلَيهِ السَّلَامُ»(2).

37- وفي حديث آخر عن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ: «إن الله تعالى يلقي في قلوب شيعتنا الرعب، فإذا قام قائمنا وظهر مهديّنا كان الرجل أجرأ من ليث، وأمضى من سنان »(3).

38- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ أيضا: «ألقي الرعب في قلوب شيعتنا من عدوّنا، فإذا أوقع أمرنا، وخرج مهدیّنا كان أحدهم أجرأ من الليث، أمضى من السنان، يطأ عدوّنا بقدميه، ويقتله بكفيه»(4).

39- وفي الحديث :«إنّ الملائكة الذين نصروا محمدا صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه يوم

ص: 134


1- الخصال : 424.
2- کمال الدین: 673
3- حلية الأولياء : 184/3.
4- الاختصاص: 26. مثله باختلاف: بصائر الدرجات : 24.

بدر في الأرض، ما صعدوا بعد، ولا يصعدون حتّى ينصروا صاحب هذا الأمر، وهم خمسة آلاف»(1).

.4- وعن أبي بصير، عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ، قال : « وكلّ الله تعالی بالحسين عَلَيهِ السَّلَامُ سبعين ألف ملك يصلون عليه كلّ يوم، شعثا غبراً منذ يوم قتل إلى ما شاء الله، يعني بذلك قيام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ»(2).

41- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: «إنّ عدد الملائكة الذين ينزلون لنصرته عَلَيهِ السَّلَامُ ثلاثة عشر ألفاً وثلاثمائة وثلاثة عشر ...»(3).

42- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: «إنّ عددهم أربعة آلاف ملك يريدون القتال مع الحسين عَلَيهِ السَّلَامُ»(4).

43- وفي رواية النعماني : « تسعة آلاف ملك »(5).

44- وفي رواية أخرى: « إنهم ثلاثمائة وثلاثة عشر »(6).

45- وفي الحديث عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « بینا شباب الشيعة على

ص: 135


1- تفسير العياشي: 197/1.
2- کامل الزيارات: 84. ومثله باختلاف يسير : المصدر المتقدم: 119.
3- کامل الزيارات : 119 - 120.
4- كامل الزيارات : 192.
5- الغيبة / النعماني : 309.
6- الغيبة / النعمانی: 128.

ظهور سطوحهم نيام إذ توافوا -إلى صاحبهم- في ليلة واحدة على غیر میعاد ، فيصبحون بمكة»(1).

46- وعن أبي عبد الله جعفر بن محمد عَلَيهِ السَّلَامُ:

« يكون من شيعتنا في دولة القائم سنام الأرض وحكامها ، يعطى كل رجل منهم قوة أربعين رجلا »(2).

47- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: «إنما ذلك إذا قام القائم ، وجب عليهم أن يجهّزوا إخوانهم، وأن يقوّوهم»(3).

48- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ أيضا: «أما لو كملت العدّة الموصوفة ثلاثمائة وبضعة عشر، كان الذي تريدون، ولكن شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه، ولا شحناؤه بدنه، ولا يمدح بنا معلناً، ولا يخاصم بنا قالياً، ولا يجالس لنا عائباً، ولا يحدث لنا ثالباً، ولا يحبّ لنا مبغضاً، ولا يبعض لنا محباً.

فقلت: فكيف أصنع بهذه الشيعة المختلفة الذين يقولون: إنهم يتشيعون؟ فقال: فيهم التمييز، وفيهم التمحيص، وفيهم التبديل،

ص: 136


1- الغيبة / النعماني:316.
2- الاختصاص :8
3- مصادقة الإخوان :20

يأتي عليهم سنون تفنيهم، وسيف يقتلهم ، واختلاف يبدّدهم، إنّما شیعتنا من لايهّر هرير الكلب، ولا يطمع طمع الغراب، ولا يسأل الناس بكفه»(1).

49- وفي رواية المفضّل بن عمر، قال : «سمعت أبا عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ يقول: يكن -يكون- مع القائم ثلاث عشرة امرأة، قلت: وما يصنع بهن؟ قال: يداوين الجرحى، ويقمن على المرضى، كما كان مع رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، قلت: فسته لي، قال: القنواء بنت رشید، وأم أيمن، وحبابة الوالبية، وسمية أم عمار بن یاسر...»(2).

ملاحظة: لا يلتبس عليك أنّ سؤال السائل كان عن طلب أسماء اللواتي كنّ يداوين الجرحى مع رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، وليس عن أسماء من يخرجن ويكن مع الحجة صلوات الله عليه، ولهذا كانت الإجابة بتسمية أولئك النسوة، ولا مانع أن يحيي الله تعالى ويعيد هؤلاء النسوة اللواتي سياه الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ، إلى الحياة، ليكنّ من أصحاب الإمام صاحب الزمان عَلَيهِ السَّلَامُ، ولهذا سآهن بأسمائهن.

50- عن المفضل بن عمر، عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ، قال: «كأنّي أنظر

ص: 137


1- الكافی: 238/2. التمحيص: 70. دعائم الإسلام: 64/1.
2- دلائل الإمامة : 259 و 260.

إلى القائم عَلَيهِ السَّلَامُ على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدة أهل بدر، وهم أصحاب الألوية، وهم حكام الله في أرضه على خلقه ...»(1).

في تتمّة هذا الحديث أنّ القائم صلوات الله عليه يحدّثهم بكلام لا يتحمّلونه فيهربون من عنده ويكفرون به، إلّا الوزير وأحد عشر نقیبأ، ثمّ يعودون إليه ويتوبون.

والظاهر أنّه يحدّثهم بذلك لكي يختبرهم ويمتحنهم للمرحلة القادمة التي هي مرحلة أصعب، أو يخبرهم عن حقائق غيبيّة لا يتحملونها، وقد ورد عنهم أن كلامهم صعب مستصعب لا يحتمله إلّا ملك مقرّب أو نبيَّ مرسل أو عبدٌ امتحن الله قلبه للإيمان. والله العالم.

51- وفي رواية السيد عبد العظيم الحسني عن مولانا الإمام الجواد عَلَيهِ السَّلَامُ: « يجتمع إليه من أصحابه عدّة أهل بدر، ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، من أقاصي الأرض، وذلك قول الله عزّ وجلّ :﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾(2)، فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره،

ص: 138


1- كمال الدين : 167/8.
2- سورة البقرة: الآية 148.

فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله عزّ وجلّ، فلا يزال يقتل أعداء الله حتّى يرضى» (1).

52- عن الإمام الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «كأني أنظر إلى القائم عَلَيهِ السَّلَامُ وأصحابه في نجفالكوفة كأن على رؤوسهم الطير، فنيت أزوادهم، وخلقت ثيابهم، قد أثر السجود بجباههم، ليوث بالنهار، رهبان بالليل، كأن قلوبهم زبر الحديد، يعطى الرجل منهم قوة أربعين رجلا، ويعطيهم صاحبهم التوسُّم، لا يقتل أحد منهم إلّا كافراً أو منافقاً، فقد وصفهم ااالله بالتوشم في كتابه: ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾(2)»(3).

عن أبي خالد الكابلي ، عن علي بن الحسين -أو عن محمّد بن عليّ عَلَيهِم السَّلَامُ- أنّه قال : « القداء قوم يفقدون في فرشهم فيصبحون بمكة، وهو قول الله عز وجل: ﴿أَیْنَ ما تَکُونُوا یَأْتِ بِکُمُ اللَّهُ جَمیعاً﴾(4).

ومنها: رواية عبد الأعلى عن الإمام الباقر عَلَيهِ السَّلَام(5).

ص: 139


1- کمال الدين : 378.
2- سورة الحجر : الآية 75.
3- منتخب الأنوار المضيئة : 195. بحار الأنوار : 386/52.
4- الغيبة / النعماني : 313.
5- بحار الأنوار : 341/52.

ومنها: رواية أبي الجارود عن الإمام الباقر َعَلَيهِ السَّلَامُ(1).

ومنها أيضاً: رواية أبي بصير عن الإمام الباقر َعَلَيهِ السَّلَامُ(2).

وهكذا رواية أبي خالد عن الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ(3).

ورواية ابن الحضرمي عن الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ(4).

ورواية أبان بن تغلب عن الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ(5).

ورواية مفضّل بن عمرو عن الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ(6).

ولم يقتصر ذكر هذا العدد على روايات أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ، ولا المصادر الحديثية الشيعية، بل نجد ذلك عن طرق العامّة وفي كتبهم أيضاً، کرواية أمّ سلمة عن النبيّ الأكرم صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه(7).

ورواية السيوطي عن الإمام الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ(8).

يمكننا تلخيص هذه الأحاديث والأخبار في الموارد التالية:

ص: 140


1- الغيبة / النعمانی : 315.
2- الغيبة / النعمانی : 315.
3- بحار الأنوار : 56/52.
4- كفاية الأثر / ابن خزار القمی : 263.
5- الغيبة / النعماني : 315.
6- کمال الدين : 672.
7- مجمع الزوائد / الهيثمي: 119.
8- الحاوي للفتاوي : 2/ 150.

1- أنّ خواصّ أصحاب الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ ثلاثمائة وثلاثة عشر، هم القادة، والنقباء والنجباء والحكام على الأرض.

2- أنّهم يجتمعون من أقاصي الأرض، على غير ميعاد واتّفاق، ولا يعرف بعضهم بعضا.

3- فيهم من أهل الكوفة خمسون أو أربعة عشر نفراً.

4- أنّ بينهم خمسين امرأة يداوين الجرحى، أو أربع عشرة امرأة.

ه- أنّ اوّل مجموعة من أصحابه خمسة وأربعون رجلاً من تسعة أحياء، أو سبعة وعشرون.

6- أنه عَلَيهِ السَّلَامُ يعرف أصحابه قبل أن يجتمعوا بأسمائهم وأعيانهم و تفاصيل حياتهم.

7- أنّهم كدّادون مجدّون في طاعته.

8- أنّ له في البدء عشرة آلاف من الأنصار، حتّى يخرج بهم وينطلق في حركته، ویسمّی جیش الغضب.

9- أنّ من جملة أصحابه وخواصّه جماعة من الأقوام الماضية من أمة موسي عَلَيهِ السَّلَامُ وأهل الكهف ومن صحابة رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه ومن أصحاب أمير المؤمنين وسائر الأئمّة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.

10- أن بعد دخوله عَلَيهِ السَّلَامُ الكوفة يبعث الله تعالى سبعين ألف صدیق

ص: 141

من ظهر الكوفة فيكونون من أصحابه وأنصاره، والظاهر أنّ هذه المجموعة الكبيرة من الصدّيقين يحشرهم الله تعالى من قبورهم في وادي السلام المليئة بقبور الأخبار والأبرار والأولياء والصالحين، بدليل أنّ ظهر الكوفة هو النجف، والبعث هنا بمعنى الحشر والنشر من القبور، وهي الرجعة الأولى إن شاء الله تعالى.

11- أن في أصحابه عَلَيهِ السَّلَامُ جماعة من الأبدال وهم من الشام، وليس غريباً إذا عرفنا أن أصعب ما يكون المؤمن حالاً، وأشد ما يكون عليه، لاسيمّا قرب الظهور إذا كان من أهل الشام لكثرة النواصب فيها، وشدّة ما يلاقيه المؤمنمن إيذائهم، فمن ثبت على إيمانه هناك كان حقيقاً بأن يكون من الأبدال.

12- والنجباء من أهل الكوفة لأنّ فيها من أشرف القبائل وأعلاها حسباً و نسباً ممّن نصروا وآزروا أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ، وهؤلاء من سلالتهم.

13- أنّ في الأصحاب جماعة من غير العرب، لعل أكثرهم من العجم، وليس فيهم إلا قلة من العرب. ولا ريب أن المراد هنا من العجم شيعة أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ، والمراد من العرب من عداهم من المسلمين، كما فسرناه في محله ، فارجع إليه.

14- يجتمعون بادئ الأمر في مكة المكرمة.

ص: 142

15- أنه عَلَيهِ السَّلَامُ بعد ذلك يختبر خيار أصحابه بأشياء لا يتحملونها

فيولّون عنه مدبرین ثمّ يعودون إليه تائبين.

16- أنّ كلّ شيء مطيع لأصحابه عَلَيهِ السَّلَامُ.

17- أنّ جماعة من الملائكة ينزلون لنصرته، وهم خمسة آلاف الذيننزلوا لنصرة رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، والمسلمين، وسبعين ألفاً الذين وكّلوا بقبر الحسين عَلَيهِ السَّلَامُ، و ثلاثة عشر وثلاثمائة وثلاثة عشر آخرين، وهكذا فوج من الملائكة عددهم أربعة آلاف ملك كانوا قد استأذنوا سید الشهداء الحسين بن علي عَلَيهِما السَّلَامُ يوم عاشوراء ليقاتلوا بين يديه وينصروه، وهكذا فوج من تسعة آلاف، وأخيرة ثلاثمائة وثلاثة عشر ملكا.

18- هذا، وإنهم أهل شجاعة وبطولة وتضحية وإيثار، وأهل علم وفضل وکال وجود وسخاء، وهم أهل طاعة وعبادة واجتهاد.

ص: 143

ص: 144

الدرس العاشر: الخروج بالسيف -1

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

الخروج عبارة عن القيام والانتفاضة بوجه الحاكم أوالملك أو الخليفة، وضد نظام الحكم، والتمرّد على القوانين والوضع السائد في بلد من البلدان، أو بقعة من بقاع الأرض، إمّا من أجل إحداث الفوضى، أو من أجل إقامة العدل والقسط، أو لمجرد تغيير نظام الحكم والإطاحة به، وكيف كان فمن أجل ذلك وبحسب تناسب الحكم والموضوع أطلق على الحركات والثورات والانتفاضات الشعبية والانقلابات العسكرية تسميات تناسبها حقيقة، وتطابقها واقعاً، أو يراد بها التشويه لسمعتها ، والنيل منها أحياناً، والأمثلة في التأريخ عموماً، والتأريخ الإسلامي على وجه الخصوص، لا تعد ولا تحصى، بين حرکات و ثورات وانتفاضات حقّة أريد بها وجه الحقّ والعدالة،

ص: 145

و حرکات و ثورات وانتفاضات أريد بها الباطل، وكانت حينئذٍ إمّا عبارة عن قيام راية باطلة ضد راية باطلة أخرى، أو قيام راية الباطل بوجه راية الحق، أو قيام راية الحق بوجه الباطل، ولا رابع لها، هذا هو الواقع في عالم الإمكان، وهكذا في عالم الوقوع والإثبات.

ثمّ إنّ التسميات وإن كانت كثيراً ما تطلق جزافاً، من غير التزام من قبل الإعلاميّين المرتزقة للأنظمة الحاكمة في جميع العصور بواقع ما تصوره المسميات من حقيقة، وما تمثّله على أرض الواقع، ومن غير التفات إلى دلالاتها المطابقية، وانطباق التسميات لمسمّياتها أو عدم انطباقها لها، بل خضوع ذلك كلّه لمزاج الحاكم وحاشيته، وما تمليه مصلحة الأنظمة الحاكمة، من دون التفات ولا اكتراث بالحقيقة وتمثيل للواقع، فتسمى الانتفاضة الحقّة تمرّداً و تخریباً وإرهاباً وإجراماً، كما تطلق على المجاهد المناضل في سبيل الله وإحقاق الحقّ تسمية المجرم والإرهابي وما شابه ذلك ، كما فعل بأصحاب أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ وشیعته كسعید بن جبير ، وميثم التمار ، ورشيد الهجري ، وأبي ذر الغفاري ، والشهيد الصديق مالك بن نويرة رضي الله تعالى عنهم جميعا.

أجل، وإن كان الإعلام كثيراً ما يضلّل العوام، ويلبس الحقّ

ص: 146

بالباطل، ويطلق التسميات جزافاً، وعلى خلاف ما هي عليه، لأنّه يمثّل وجهة نظر الحاكم وحاشيته، وهو أداته الخاضعة لسلطته، إلّا أنّ الله جلّ وعلا ورسوله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه لأجل تفويت الفرصة على الأنظمة الغاشمةوأبواق الباطل، ولكي يوصدوا باب العبث والتحريف، ويصدوا عن التلاعب والتزييف، ويفوتوا الفرصة على أهلها، بادرواإلى إطلاق التسمية على كلّ حركة مواجهة للحقّ المتمثّل في شخص مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، وسميا تلك الأعمال قبل وقوع مسمّياتها، وقبل بلوغ أوانها بعشرات من السنين، حتّى تظلّ شمس الحقيقة دائمة الإشراق تضيء الدروب لباحثي الحقيقة، وتتمّريال الحجّية على أعداء الحق وأصحاب الباطل وجنوده.

من هنا جاءت التسمية لأهل الباطل وراياته الضالّة المضلّة قبل خروجها وبروزها، فستی الله تعالى ورسوله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه أصحاب الجمل الخارجين على الحق والمحاربين لرايته، والحاملين لراية الباطل المناهضة لإمام الحق الفاروق الأعظم، والصديق الأكبر، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه، بالناكثين؛ لأنهم الذين بايعوه قبل كل أحد، ثم نكثوا بيعتهم، وخرجوا يقاتلونه صلوات الله وسلامه عليه، ولعنة الله عليهم.

کما سمّى الله تعالى معاوية وجنده الشاميّين الخارجين على إمام

ص: 147

الحقّ والمحاربين لراية الحق براية الباطل و تحت لوائه، بالقاسطين الظالمين الطاغين.

وأخيراً أطلقا على راية الباطل وأصحاب النهروان تسمية الخوارج لخروجهم ومروقهم عن الدين، فهم المارقون والخارجون على لسان رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه.

وعلى عكس ما تقدّم أيضاً نجد خروج الحقّ المطلق وإمام الحقّ المتمثّل في سيّد شباب أهل الجنّة، براية الحقّ ولوائه الخفّاق، ضدّ الباطل المطلق المتمثل في يزيد الكافر وزمرة اليزيديّين براية الباطل ولوائه المنكوس، حيث سجلت تلك القلة من المتقين الأبرار والصفوة من الأخبار والأطهار أروع ملحمة دموية بطولية على صفحات التأريخ وفوق جبين الإنسانية، وخلدت مجدأ أنست كل محبي تتغنى بها الشعوب والأمم، فغدت دونها الأمجاد، ووصمت أهل الباطل بوصمة العار إلى قيام الساعة ويوم الجزاء.

وكيف كان فخروج الإمام القائم بالحق، الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف يكون على غرار خروج الأنبياء، سیمّا جده الخاتم الأنبياء صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، وكخروج جده سید الشهداء الحسين بن علي عليها الصلاة والسلام، الغاية واحدة والهدف واحد بينه وبين الأنبياء وأجداده الأمة كافّة، غير أنّه يمتاز عنهم جميعاً بخصائص

ص: 148

تقتضيه مهمته المناسبة الحكم والموضوع، فهو تجلي الرحمة الرحمانيّة للخواصّ من شیعته ومن تبعه على دعوته، واتّبع سنّة جدّه صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، وهو أيضاً تجلَّي غضب الجبّار وقهر المنتقم القهّار، بصولة شديد العقاب، الذي لا يبقي ولايذر، فلا يبقي للكافرين على الأرض دیاراً، استجابةً لدعاء نوح أبي الأنبياء على نبيّنا وآله وعليه السلام، حتّى لا تكون فتنة ويكون الدين الله عز وجل، بعد اجتثاث أصولهم وقلع جذورهم وطمس آثارهم.

وحيث أنّ الشواهد والأدلّة والقرائن والوجدان كلّها تمعن بحقيقة أنّ النّاس لا يطأطئون رؤوسهم للحقّ والعدل في الأعمّ الأغلب، وفي التأريخ ما يكفي شاهداً على المدّعي، بل ويزيد، لمن ألقى السمع وهو شهید، وليس أجدى في الإمعان بهذه الحقائق من التمسّك بالوجدان والرجوع إلى الضمير، فالنفس الإنسانيّة مجبولة على النسيان حتّى صرّحت بذلك الشريعة الغرّاء، ونطق به الكتاب العزيز:

﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾(1).

﴿وَالْعَصْرِ*إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾(2).

ص: 149


1- سورة الأنعام: الآية 28.
2- سورة العصر : الآيتان 1 و 2

﴿قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ*لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا﴾(1).

﴿قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ﴾(2)، والنسيان آفة بعد كفران النعمة أو قبلها لم يسلم من شرورها أبونا آدم عَلَيهِ السَّلَامُ:﴿فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عزْمًا﴾(3)، كلّ هذه الدلائل بإمضاء وإرشاد وتأكيد من الشارع المقدّس والخالق الحكيم الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، لهي جديرة بأن نذعن بحقيقة أنلا محيص لتحقيق غاية السماء، وإنجاز ما کافح من أجله الرسل والأنبياء، وأريقت في سبيل نجاحه وتحقيقه أطهر الدماء ، بل سالت لأجله أودية من دماء الأولياء والشهداء، أن لامحيص دون تطهير الأرض، بتصفية كلّ من لا يطأطئ رأساً، ولا يطلق عنان الطاعة والانقياد أمام الحقّ والقسط والعدل، وكلّ من لا يرضى بحقّه، بل تقوده النفس الأمارة بالسوء إلى التجاوز والتعدي على حقّ الخالق العظيم والمخلوقين، بتسليل سیف الملحق على رؤوسهم، وإشهاره في وجوههم ، وتسليطه على

ص: 150


1- سورة المؤمنون: الآيتان 99 و 100.
2- سورة عبس : الآية 17.
3- سورة طه : الآية 115.

رقابهم، لكيلا يرتفع لهم رأس أمام الحقّ، بل لا يبقى على وجه الثرى والبسيطة رأس عفن ضالّ يوجس منه خيفة أن يرتفع يوماً بوجه الحقّ.

إذن لا مجال ولا محيص ولا إمكان لتحقيق دولة الحقّ والخير والعدل والفضيلة والكمال، و تحقیق آمال الأنبياء والأولياء والشهداء والصالحين، إلّا بتطهير الأرض، ودون اجتثاث أصول الكفر والجور والعدوان، وقطع دابر الكفر والنفاق، وحصد الكافرين والمنافقين والخارجين على حكم الله تعالى ورسوله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، وما أكثر هؤلاء عدّة وعدداً، لغلبتهم على مدى التاريخ ، بل طيلة حياة البشريّة على وجه الصعيد بكثرة العدة والعدد وقلة أهل الدين والحق واليقين عدة وعدداً، وقد أنزل الله تعالى الحديد فيه بأس شديد ومنافع للنّاس بعدما أرسل الرسل وبعث الأنبياء، ليقوم النّاس بالقسط، فإذا عاند النّاس لكثرة غالبة من الأشرار وأهل الزيغ والأهواء، ولم يقيموا الحقّ بينهم، ولم يدينوا بدين الحقّ، أخرج الله تعالى إليهم وليه المدّخر القائم بالقسط، المنتقم لله تعالى ولأنبيائه وأوليائه وعباده الصالحين، من تلك الأمم والطوائف الخارجة على الحق، والمتبعة للباطل، أخرجه إليهم بالسيف الذي ما أصاب أحداً إلّا ألحقه بالدرك الأسفل من الجحيم، وما صوّبه إلى باطل وزيغ وضلال إلّا هدم بنيانه وجعله

ص: 151

رکاماً وقاعاً صفصفاً، ألا وهو دون أدنى شكّ سيف النبوّة الصمصام، والولاية القمقام، وهو ذو الفقار الذي لا سيف إلّا هو، ولا فتى سوی حامله، الذي به ضربت وستضرب خراطيم الجاهليّة والكفر والنفاق، الذي أنزله جبريل من السماء على الرسول الأمين صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، ولم يجد قبضه ويداً إلهيّة تحمله سوى يد أمير المؤمنين قالع باب خیبر، وفاتح حصونها، فورثهالمهدي القائم المنتظر صلوات ااالله وسلامه عليه أباً عن جدّ.

هذا السيف الصارم، وذو الفقار الحيدر الكرار، الذي ما قام الإسلام ولا استقام إلا به، فكان قيامه به، وسيكون قوامه وإعادته وتطبيقه به أيضاً، ولا محيص عنه، وإليه أشارت بالبنان أحاديث خروجه عليه الصلاة والسلام، فهو عجّل الله تعالی فرجه يخرج بالسيف قطعاً من دون أدنى شكّ، ولا يكون ذلك السيف سوی ذو الفقار جدّه، لتصريع الأخبار والأحاديث و توكيدها على هذه الحقيقة بكلّ صراحة ووضوح، وكلّ تأویل و تفسير مخالفٍ للظاهر المصرّح به عبث بالواقع وتزييف للحقيقة التي نطقت به النصوص المستفيضة، بل المتواترة والصريحة، إمّا عن جهل أو تجاهل، وكلاهما مستقبح منفور لدى العقلاء، والحكيم العليم الذي هو خالق العقل والعقلاء؛ إذ قال تعالى في محكم كتابه:

ص: 152

﴿وَلا تَقفُ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ ۚ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولٰئِكَ كانَ عَنهُ مَسئولً﴾(1).

فلا ينبغي للعاقل أن يتكلم بما لا يعلم، وأن يدلو بدلوه فيا يجهل، فلعله علم شيئا وغابت عنه أشياء ، فإذا أعياه تفسير شيء من أقوالهم عَلَيهِم السَّلَامُ، وعجز عن معرفة مقاصدهم فيا جرى من أحاديثهم صلوات الله عليهم لزمه بحكم العقل وسيرة العقلاء وإرشاد الشارع الحكيم وإمضائه أن يرجع إلى أهل العلم ﴿فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون ﴾(2)، لاسيمّا إن كان لا يتقن فنّ الحديث، ولا يحسن فقه الحديث، وليس من أهله؛ أو لقلّة علمه، ورداءة بضاعته، وعدم ضلوعه برادات الأئمة عَلَيهِم السَّلَامُ وبألسنتهم؛ لقلّة تحصيله واطّلاعه، فإذا أعياه شيء عن ذلك للأسباب الآنفة، أو لغيرها من العلل والأسباب، وجب أن يلتزم الصمت والسكوت، ويتّقي الله في تفسير كلامهم و تأويله، وعليه أن لا يستعجل الأمور، فيهوي ويهلك ضالّاً ويهلك الآخرين، حتّى يتفحّص ويفتّش عن الحقيقة ويجتهد في ذلك.

فليس كلامهم عَلَيهِم السَّلَامُ موطئاً سهلاً ناصياً يطؤه كلّ من هبّ ودبّ،

ص: 153


1- سورة الإسراء : الآية 36.
2- سورة النحل : الآية 43.

بل هو السهل الممتنع الذي لا يحتمله إلّا كلّ ذي عقل ودين وراسخ في العلوم، وكلّ فقيه ضليع «لا يكون الرجل منكم فقيهاً حتّى يعرف معاريض كلامنا »(1).

وهذا ما لا يكون إلّا لذي حظّ عظيم ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾(2)، فإذا عجزت فارم بالقلم ولا تطلق عنانه للخوض عن جهالة في أحاديثهم عَلَيهِم السَّلَامُ، وكف لسانك عن الخوض فيها عبطة، والتمس الصمت حتى يأتيك اليقين، والتمس العلم من أهله، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت »(3)، وخير لك الاحتياط ، بالتوقف على ما ظهر من أقوالهم، والوقوف عند ظواهرها، وعدم التمادي بالتعدي عليها وتجاوزها، فالظواهر حجة يحتج بها المولى عليك. فالإمام أرواحنا له الفداء يخرج إن عاجلا أم آجلا براية الحق ليدحض كل باطل ويمحو آثاره، ويقيم دولة الحق والعدل، ولا يخرج بغير السيف، وما قيل وما يقال عن خروجه عَلَيهِ السَّلَامُ بالأسلحة الأخرى سوى سلاح السيف ليس بشيء،

ص: 154


1- جواهر الكلام : 102/13. معاني الأخبار : 2.
2- سورة البقرة: الآية 269.
3- الكافي : 667/2. وسائل الشيعة : 126/12.

وهي مجرّد تأویلات و تفسیرات نردها بالأدلّة والقرائن في تحقيقنا هذا، إن شاء الله تعالى. وعليه فإنّا سنسعى ونبذل قصارى الجهد في إثبات حقیقتين كثر فيهااللغط والكلام في عصرنا الحديث، منذ أن اختلط حابل الدين بنابل السياسة، وظهرت طائفة من المستأكلين بالدين، الجاهلين لحقائقه الثابتة، المتلبسين بعباءة العلم، فاتّصلوا بجيل المثقّفين وطائفة من روّاد الفكر الحديث ومقلّدیهم الذين بهرتهم التكنولوجيا الحديثة والتطور العلمي والصناعي في بلاد الغرب والكفر، فأرخوا عنان اللسان والقلم أمامهم تحت تأثير السياسة أحيانا، و تحت تأثير الغزو الفكري والإعلامي المناهض لمذهب الحقّ، سواء الصادر من الطوائف الإسلاميّة الأخرى أو الوافد من بلاد الغرب، ومن يدينون بدينها، حيناً آخر، فأنكروا جملة من الحقائق المسلمة في تراثنا الإسلامي، وأوّلوا بعضها الآخر الذي كانت الحرب فيها بيننا وبين تلك المذاهب والطوائف والملل والأديان سجالاً حامية الوطيس لا تنقشع عنها الغبار، إمّا جهلاً منهم أو إرضاءً لأولئك المشكّكين، أو رغبة في مكاسب سياسيّة آنيّة أو حزبيّة متدنّية، وليس في هذا المختصر بمجال التعرّض لها جميعاً، ولا تسع هذه الوريقات لاستعراضها وتناولها بالبحث والتحقيق من ألفها إلى يائها، ولكن نشير إلى مجموعة منها بعناوينها الإجمالية الكلّية،

ص: 155

ولا نتعرّض لتفاصيلها هنا، وإن عقدنا هذا الفصل للتفصيل والتحقيق في حقيقتين من هذه الحقائق التي منها ما هو من أصول العقائد الحقّة، کالعدل والإمامة، ومنها ما هو من فروع العقائد، كالعصمة والتوسّل والشفاعة والبكاء على سيّد الشهداء عَلَيهِ السَّلَامُ وزيارة قبره وقبور الشهداء وغير ذلك ...، ومنها ما هو من حصون العقائد والحقائق التاريخيّة وشعائر الدين، كمظلوميّة الصدّيقة الطاهرة، ومظلوميّة بعلها الأمير صلوات الله عليها، و مظلوميّة أولادهما عَلَيهِم السَّلَامُ، وما جرى عليهم جميعاً من هضم للحقوق، وقتل وتشريد، وما أصابهم من سوء، وما لحقهم من أذى في عصير الخلافة الإسلاميّة، وعلى أيدي المسلمين ... وما شابه ذلك، وما هو من أحكام الدین و مسائله الفرعيّة وما يتعلّق بها، لاسیمّا ما يتعلّق بشؤون المرأة وما يسمّي بحقوق المرأة السياسيّة والاجتماعيّة التي ما انفكّت تشغل حيزاً كبيراً من أنشطة المؤسسات الرسميّة وغير الرسميّة، وفعاليّات الحكومات، وممارسات وسائل الإعلام، وأبواقها الدعائيّة، حتّى لقد استفحل هذا الداء في جسد الأمة الإسلاميّة وظلّ شغله الشاغل، وبات فوق همومه جميعاً، وهو لا يستحقّ كلّ هذا العناء، بعد أن حُسم الأمر في الشريعة الغرّاء، ورسمت الحدود، وبانت الحقوق -وقد أشبعناها بحثاً في الحلقة الأولى من كتابنا (الزواج بين سنن التكوين وسنن التشريع)- فالشريعة التي

ص: 156

لم تتجاهل حقّ الحيوان والنبات والجاد حاشاها أن تتجاهل حقوق نصف المجتمع، ومن عليه تدور عجلات الحياة، أو أنّ تغضّ الطرف عنها، أو تهمّش دورها، لكنّه العناد والعمى، أو الجهالة بالدين، أو التقليد للغرباء والجري الأعمى وراء سرابهم الذي لا يظمأ صاحبه، بل لا تزيده كثرة الجري إلا عطشاً وإرهاقاً.

ص: 157

ص: 158

الدرس الحادي عشر: الخروج بالسيف - 2

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

وأمّا عوداً على بدء ، وبالعودة إلى صلب الموضوع الذي عقد هذا الكتاب لأجله، فإنّا نقول: إن الحقیقتين اللتين لا يجوز الإغماض عنهما، ولا بدّ من إشباعها بحثاً و تحقيقاً، وهو ما صنعناه في هذا الفصل من الكتاب هما:

أولّاً: خروج مولانا صاحب الأمر أرواحنا له الفداء بالسيف.

وثانياً: الإطاحة بكلّ دین و مذهب وعقيدة، واجتثاث جذورها، واستئصالها من عروقها، وإزالة آثارها عن الوجود، والقضاء عليها، سوى مذهب الحقّ الذي هو الإسلام المحمّدي ؛ إذ لا دين في دولة المهدي يدان به سواه:﴿حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّه﴾، ولا عبرة بما يزعمه بعض من لاحظ له من

ص: 159

العلم، أو من لم يوفّق للتحقيق والتأمّل في كلمات أهل البيت صلوات لله عليهم، ممّن زعموا أنّ الإمام المهدي أرواحنا فداه سيبق على تلك الأديان والمذاهب الإسلاميّة وغير الإسلاميّة ويعاملها بما حکم عليهم في الكتاب والسنة من أخذ الجزية وما شابه ذلك، ولا يخالف في ذلك الكتاب والسنّة وسيرة رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، الذي أبقاهم في دولته الكريمة، بحجة أنّها حالة أقرّ بها القرآن الكريم والسنّة الشريفة، وحاشا وليّ العصر صلوات الله عليه أن يخالف سيرة جدّه ونصّ الكتاب والسنّة، وردّنا على هذه المزعمة أيضاً سيكون حاسماً بإذن ااالله تعالى.

فأقول مستعيناً بالله تعالى : إنّ دليلنا على خروجه عَلَيهِ السَّلَامُ بالسيف، وقتاله لأعدائه بالسيف دون غيره من أنواع السلاح يكون على النحو التالي:

أولاً: أنّ السيف سلاح الأنبياء جميعاً، لاسيمّا سلاح رسول ااالله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، به قام الإسلام، وبه سيعود حتماً بإذن الله تعالى .

ثانياً: أن السيف سلاح جميع الأمم، والذي يناسب جميع العصور والأزمنة والظروف، بينما الأسلحة الحديثة لا تنفع إلّا في ظلّ ظروفها المناسبة وعصير الطاقة والتكنولوجيا، ولا تنفع في كلّ زمان ومکان.

ثالثا: أنّ السيف سلاح الأبطال والشجعان والمقاتلين وجهاً

ص: 160

لوجه، به لا بغيره تظهر البطولات والشجاعة والجرأة على منازلة الأبطال، خلافاً للأسلحة الحديثة التي لا تعدّ ملاكاً يعوّل عليه في البطولة والشجاعة، بل قد يفتك الجبان بصاروخ أو رشّاش أو مسدس بسربٍ من الأبطال والشجعان، فلا تعدّ أدواتٍ تميز بين الشجاع والجبان.

رابعاً: أنّ السيف سلاح قليل المؤونة والتكاليف، سهل الحمل والنقل، خلافاً لغيره من الأسلحة الحديثة، وهو ما يناسب طريقة الأنبياء والأولياء في التزام الاقتصاد في تكاليف الحروب؛ لأنّها وسيلة وطريق وما هي بغاية، ولا أنسب لها من قلّة المؤونة والتكاليف.

خامساً: أنّ السيف أنسب بالغاية والشعارات والأهداف التي تحملها راية المهدي صلوات الله وسلامه عليه.

بيان ذلك: أن المهدي - كما تقدّم مفصلاً في الحلقة الأولى من هذا الكتاب وفي غيرها من الحلقات -ذخيرة الله تعالى في الأرض، والمدّخر لإقامة الأمني والعوج، و تحقیق آمال الأنبياء وأهدافهم بتطهير الأرض من الكفر والشرك والنفاق وإقامة العدل في دولة الحقّ تحت راية التوحيد، وهذه الأهداف التي تتلخّص في بسط العدل والقسط على أرجاء المعمورة التي هي محور المنظومة الشمسية

ص: 161

وقلبها، وهي قطب رحاها ، تستقيم المنظومة هذه باستقامتها و تفسد بفسادها، فهذه الأهداف المقدّسة تستلزم وسائل وسبل مقدِسة أيضاً، إذ لا ينتصر الحقّ من حيث ينتصر الباطل، ولا تتحقّق الأهداف المقدّسة بوسائل رخيصة غير مقدّسة؛ ذلك أنّ مبدأ الحقّ يرفض أباطيل من قبيل : « الغاية تبرر الوسيلة»، كلّا فالغاية في منطق أهل الحق وفي شريعتهم لا تبرّر الوسيلة قطّ، بل الوسائل الشريفة المقدسة للأهداف المقدّسة، هو الشعار الذي تعتمده شرائع السماء، وهو المبدأ الذي تتبنّاه و تقرّه قوانين أهل الحق وأعرافهم.

وإذا كان الأمر كذلك، أعني إذا كانت الغاية لا تبرّر الوسيلة، كما هو الحقّ، وكانت حركة المهدي المنتظر أوراحنا له الفداء تهدف إلى أسمى الغايات وأشرفها على الإطلاق، وهي إقامة العدل في دولةالحقّ، تحت لواء الحقّ،إذا كان الأمر هكذا -كما هو الحقّ- فالذي تمليه علينا هذه الحقيقة ضرورة أنّ كافّة السبل والطرق والأساليب والوسائل والاستراتيجيّات والأسباب والعدّة وحتّى الجند والمقاتلين، يجب أن تكون جميعاً وفق المعايير الإلهيّة، مطابقة للعدل الإلهي طبق القذّة بالقذّة، وأن يراعى فيها جانب العدل والإنصاف والبناء والإصلاح، ويمنع فيها كلّ ما من شأنه أن يؤدّي إلى الخراب والدمار وإزهاق الأرواح البريئة.

ص: 162

وبتعبير آخر: إنّ كلّ وسيلة وأداة يستخدمها ويسخّرها المهدي المنتظر صلوات الله عليه يجب أن تكون موافقة الأهدافه، فلا يستعين بأنصار وقادة وجنود لا يرتقون إلى مستوى المسؤوليّة، ودون مستوى الإيمان والعلم بتلك الأهداف السامية، ولهذا كان أنصاره من خيرة الأنصار، جاء وصفهم عظيمة على لسان رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه کما بحثناه في محلّه من هذه الحلقات، وكان الثناء عليهم فوق حدود الوصف والتصوّر، ويكفي أنّهم فضلوا على أصحاب بدر وأحد، بل وعلى أصحاب سيّد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه -كما يستفاد من بعض الأخبار- ومن هنا يذعن المرء إلى هذه الحقيقة: أنّه لماذا اختار ااالله خيرة عباده الصالحين لإنجاز هذه المهمّة، ولا غرابة في ذلك إذا علم المرء أنّ الإنجازات العظيمة لا سبيل إلى تحقيقها إلّا بأيدي الأكفّاء وسادة التّاس وأشرافهم وعظمائهم.

فإذا تمّ الإذعان بهذه الحقيقة علم واعتقد جزماً أنّ في سبيل إقامة دولة المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشریف و تشیید بنیانها ووضع أسسها ينبغي أن لا يقع الضرر على مظلوم قطُ، ولا يصاب نبات أو حيوان أو جماد، يجب أن لا توطأ نملة تحت أقدام سليمان الزمان و جنده الأبرار، فلا يلحقوا الأذى إلّا من يستحقّ، وأن لا يؤخذ مظلوم بذنب ظالم قطّ.

ص: 163

وعلى كلّ حال، من ينال شرف الجهاد والقتال أن يكون على مستوى المسؤوليّة بل فوقه؛ ذلك أنّ الله تعالى من أجل ذلك محّصهم تمحيصاً، وامتحنهم في أشدّ الميادين، واختارهم بعد ذلك لما تمتّعوا به من علم راسخ، وصلابة في الإيمان، و ثبات قدم في اليقين، وشدّة التزام في مقام العمل، وإذا كان هذا حال أصحابه وأنصاره عليه وعليهم الصلاة والسلام، فالقاعدة ذاتها تقتضي توسيع النطاق وتعديه إلى سائر الوسائل والأسباب والعدّة التي ذلّلت له أرواحنا فداه، والسلاح من أهمّها إن لم يكن الأهمّ على الإطلاق، ولهذا كان السيف هو السلاح الذي وقع عليه الاختيار؛ لأنّه سلاح الشجعان والأبطال والفرسان في ساحة القتال والمنازلة، وهو السلاح الذي لا يلحق الأذى إلّا من يستحقّ، ولا يصيب بشرره ولظاه إلّا من لا يستحقّ الحياة، يخضع لسيطرة صاحبه ليذيق بحرّ ناره من کتب على جبينه اليأس من الاهتداء، ويكتوي بحدّه القاطع الحاسم جنوب الأشرار وظهورهم، من غير أن يدمّر عناصر الطبيعة و شریان الحياة، أو أن يحرق الأخضر واليابس، أو أن يهلك الحرث والنسل، ويختلّف من ورائه ركاماً من الدمار لا تصلح بعد مئات من السنين التلحق أضراراً جسيمة بالطبيعة وما حولها، ومن يعيش على خيراتها من الأجيال.

ص: 164

نعم، ليس غريباً إذا جاء التوكيد بعد التوكيد، والتصريح بعد التصريح، على لسان الشارع المقدس -أعني رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه والأمة الأطهار من ذرّيّته صلوات الله عليهم -في السنّة الشريفة أنّ المهدي صلوات الله عليه يخرج بالسيف، وأنّ سلاحه السيف -كما سيأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى بالتفصيل- لا غرابة في ذلك بعد أن عرفنا السبب، و « وإذا عرف السبب بطل العجب »؛ لأنّ هذه الأسلحة الحديثة لا ترحم الأبرياء، ولا تعرف البريء، بل لا تميز بين من هو البريء ومن هو المذنب، ومن يستحقّ الموت والهلاك ممّن لا يستحقّ، فتفتك بالنساء والحوامل منهنّ والأطفال حتّى الرضّع ومن في بطون أمّهاتهم وبالشيوخ والعجزة والمقعدين والخوالف من غير رحمة ولا رأفة، ولا ترحم حيوانأ أو نباتاً أو جماداً، بل يكفي الكبس على زناد السلاح، بندقيّة كان أو مسدساً أو رشاشاً أو صاروخاً أو مدفعيّة أو ما شابه ذلك، حتّى تحمل إلى آلاف الأبرياء، ولعلّ الملايين منهم، رسالة الهلاك والدمار والوحشيّة، و تقضي بحكم جائر جبان بهلاك الحرث والنسل والطبيعة والحيوان، وهذا بعيد كل البعد عن شيمة المصلحين والأولياء الصالحين .

هیهات .. هيهات.. هیهات لمن يرفع لواء التوحيد، وراية العدل، ويسير بخطى الأنبياء عَلَيهِم السَّلَامُ أن يكون سلاحه هذا الذي لا يكاد يسلم

ص: 165

من آفته وبطشه وفتكه الطبيعة الآمنة المطمئنّة والبريء الذي لا ذنب له، وحاشاه أن يطأ نملة أو بيت نملة وإن كان خارجأ في جنده إلى أعظم الجيوش وأشدٌ المعارك، ولا يحطمنّ نملة فضلاً عن غيرها من الحيوان والنبات والجاد والطير والحشرات؛ لأنّه رحمة للعالمين، جاء ليكون رحمة لمن يستحقّ الرحمة، وغضباً على من يستحقّ الغضب، من دون أن يخطئ الهدف، ولا عجب إذا عرفنا من هو القائم المنتظر عجل الله تعالى فرجه، وما هي أهدافه، ومن هم أنصاره؟! فلا يلتفت إلى ما يزعمه جاهل لبساطة جهله أو آخر لجهله المركّب أو ثالث يسعى وراء مکاسب دنيوية أو سياسيّة، فيحلو له أن يفسّر كلّ شيء في الدين بما يحلو لزمرة من المثقّفين وغيرهم ممّن لا تعجبهم حجّية الظواهر، بل النصوص الصريحة، حتّى تطابق أهوائهم ورغباتهم، أو ما يطلق عليه بمواكبة العصر الحديث والتكنولوجيا الحديثة، ويعيشيون عقدة التطوّر العلمي المذهل، ويعيش أولئك السفهاء عقدة إرضاء هؤلاء، فإنا لله وإنّا إليه راجعون.

سادساً: أنّ الأخبار والأحاديث نصّت على السيف، ولم نعثر على مورد واحد فيه لفظ السلاح حتّى يمكن حمله على مطلق السلاح، و تأويل السيف بالقوّة والشدّة كما يحلو للبعض أن يفسّره -أو مطلق السلاح -كما زعم البعض الآخر- خلاف للواقع؛ إذ لو كان المراه

ص: 166

بالسيف مطلق ما يدلّ على القوّة أو السلاح لنطق به المعصوم عَلَيهِ السَّلَامُ ولو في رواية واحدة، واستعان بلفظ السلاح، ولو كان لبان، وإليك جملة من هذه الأحاديث والأخبار:

1- قال مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه في الخطبة (93) بعد وصفه لفتنة بني أمية، وما يجري على الشيعة من بعده:

«نَحْنُ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْهَا بِمَنْجَاةٍ وَ لَسْنَا فِيهَا بِدُعَاةٍ، ثُمَّ يُفَرِّجُهَا اللَّهُ عَنْكُمْ كَتَفْرِيجِ الْأَدِيمِ بِمَنْ يَسُومُهُمْ خَسْفاً، وَ يَسُوقُهُمْ عُنْفاً، وَ يَسْقِيهِمْ بِكَأْسٍ مُصَبَّرَةٍ، لَا يُعْطِيهِمْ إِلَّا السَّيْفَ، وَلَا يُحْلِسُهُمْ إِلَّا الْخَوْفَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَوَدُّ قُرَيْشٌ -بِالدُّنْيَا وَ مَا فِيهَا- لَوْ يَرَوْنَنِي مَقَاماً وَاحِداً، وَ لَوْ قَدْرَ جَزْرِ جَزُورٍ، لِأَقْبَلَ مِنْهُمْ مَا أَطْلُبُ الْيَوْمَ بَعْضَهُ فَلَا [يُعْطُونَنِيهِ] يُعْطُونِيهِ!»(1).

2- وذكر أيضا لأبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ، قال : « سلوني قبل أن تفقدوني، فإنّكم إن فقدتموني لم تجدوا أحدأ يحدّثكم مثل حديثي حتّى يقوم صاحب السيف»(2).

3- عنه: عن الوليد بن صبيح، قال : «سأل المعلّى بن خنیس

ص: 167


1- نهج البلاغة : الخطبة 93.
2- الأصول الستة عشر : 76.

أبا عبد الله عَلَيهِ السَّلَامُ، فقال : جعلت فداك، حدثني عن القائم إذا قام يسير بخلاف سیرة علي عَلَيهِ السَّلَامُ؟ فقال له: نعم، فأعظم ذلك معى وقال: جعلت فداك، من ذاك؟ قال : لأن علياً عَلَيهِ السَّلَامُ سار بالنّاس سيرة وهو يعلم أنّ عدوّه سيظهر على وليّه من بعده، وإنّ القائم إذا قام ليس إلّا السيف، فعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم ...»(1).

4- وبإسناده عن الحسين بن أبي العلاء، قال: «سمعت أبا عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ يقول: عندي الجفر ... قلنا: جعلت فداك، وأيّ شيء في الجفر الأحمر؟ قال: السّلاح؛ وذلك أنّها تفتح للدم، يفتحها صاحب السيف للقتل ...»(2).

5- عدّة من أصحابنا ... عن الحكم بن أبي نعيم، قال : « أتيت أبا جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ وهو بالمدينة ... فقال عَلَيهِ السَّلَامُ: سل عن حاجتك، فقلت: إنّي جعلت لله علَىَّ نذرأ وصياماً وصدقةً بين الركن والمقام، إن أنا لقيتك، أن لا أخرج من المدينة حتّى أعلم أنّك قائم آل محمّد أم لا؟ فإن كنت أنت رابطتك، وإن لم تكن أنتُ سر في الأرض فطلبت المعاش، فقال : يا حكم، كلّنا قائم بأمر الله، قلت : فأنت المهدي؟ قال : كلنا

ص: 168


1- الأصول الستة عشر : 164.
2- بصائر الدرجات : 171. الكافي : 240/1.

نهدي إلى الله، قلت: فأنت صاحب السيف؟ قال :كلّنا صاحب السيف، ووارث السيف، قلت: فأنت الذي تقتل أعداء الله، ويظهر بك دين الله؟ فقال: يا حكم، كيف أكون أنا وقد بلغت خمساً وأربعين -سنة- ؟ وإنّ صاحب هذا الأمر أقرب عهدة باللبن منّي، وأخفّ على ظهر الدابة »(1).

6- وبسنده عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ، أنه سئل عن القائم؟ فقال : «كلنا قائم بأمر الله واحداً بعد واحد، حتى يجيئ صاحب السيف، فإذا جاء صاحب السيف جاء بأمر غير الذي كان »(2).

7- عن يعقوب السرّاج، قال : « قلت لأبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ: متى فرج شيعتكم؟ قال: فقال : إذا اختلف ولد العباس، ووهی سلطانهم، وطمع فيهم من لم يكن يطمع فيهم، وخلعت العرب أعنّتها، ورفع كلّ ذي صيصيةٍ صيصيته، وظهر الشامي، وأقبل اليماني، وتحرك الحسني، وخرج صاحب هذا الأمر من المدينة إلى مكة بتراث رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، فقلت: ما تراث رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه؟ قال: سيف رسول ااالله، ودرعه، وعمامته، وبرده، وقضيبه، ورايته، ولامته، وسرجه،

ص: 169


1- الكافي: 536/1.
2- الكافي: 536/1.

حتّى ينزل مكّة فيخرج السيف من غمده، ويلبس الدرع ...»(1).

8- وفيالحديث الشريف، قال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه عن صاحب الأمر صلوات الله عليه: «... له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم ...» إلى أن قال صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: «وله سيف، فإذا حان وقت خروجه اختلع ذلك السيف من غمده، وأنطقه الله عز وجل فناداه السيف : اخرج یا ولي الله ...»(2).

9- وفي حكاية الرجل الهمداني الذي نال شرف لقاء مولانا الحجّة أرواحنا له الفداء: «... ثمّ قال لي: أتدري من أنا؟ فقلت: لا والله، فقال: أنا القائم من آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، أنا الذي أخرج في آخر الزمان بهذا السيف وأشار إليه ... الخ»(3).

10- وعن رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: «... فإذا كان وقت خروجه يكون له سيف مغمود ، ناداه السيف : قم يا ولي الله فاقتل أعداء الله »(4).

11- وقال الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ في حديث طویل : « ... إذا قام القائم سار إلى

ص: 170


1- الكافي : 225/8
2- عیون أخبار الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: 65/2. كمال الدين : 156.
3- كمال الدين : 454.
4- كفاية الأثر: 267.

الكوفة فيخرج منها بضعة عشر ألف يدعون التبرئة -أو البترية- فيقولون له: ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة، فيضع السيف حتّى يأتي على آخرهم...»(1).

12- وفي حديث طويل آخر عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ : «... ولا يعطيهم ولا يقبل منهم إلّا السيف، هرجاً هرجاً، يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر ...»(2).

13- عن محمّد بن مسلم، قال: «سمعت أبا جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ يقول : لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه مما يقتل من النّاس، أما إنّه لا يبدأ إلا بقريش فلا يأخذ منها إلا السيف، ولا يعطيها إلا السيف، حتّى يقول كثير من الناس: ليس هذا من آل محمّد، ولو كان من آل محمد لرحم»(3).

14- عن أبي بصير، قال : قال أبو جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ: « يقوم القائم بأمر جديد، وكتاب جديد، وقضاء جدید، على العرب شديد، ليس شأنه إلا السيف، لا يستتيب أحداً، ولا يأخذه في الله لومة لائم»(4).

ص: 171


1- روضة الواعظين : 265.
2- کتاب سلیم بن قیس : 258. الغارات : 12/1.
3- الغيبة / النعماني : 233.
4- الغيبة / النعماني : 233.

15- وعن أبي بصير، عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ، أنه قال: «ما تستعجلون بخروج القائم، فوالله ما لباسه إلّا الغليظ، ولا طعامه إلّا الجشب ، وما هو إلا السيف ، والموت تحت ظلّ السيف »(1).

16- وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال: « إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين قريش إلّا السيف، ما يأخذ منها إلّا السيف...»(2).

17- وعن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال: «... فإذا قام قائمنا سقطت التقية ، وجُرّدالسيف، ولم يأخذ من الناس ولم يعطهم إلّا بالسيف»(3).

18- حتّى أنّه عليه الصلاة والسلام قد لقّب « بالسيف الشاهر»: «السَّلامُ عَلَى السَّيفِ الشّاهر، وَالقَمَرِ الزّاهِرِ، وَالنَّورِ الباهِرِ ...»(4).

19- ولقّب أيضاً « بصاحب السيف »(5).

ص: 172


1- الغيبة / النعماني : 233.
2- الغيبة / النعماني : 234.
3- بحار الأنوار : 47/24.
4- المزار/الشهيد الأول : 208.
5- الإرشاد : 340/2. الأصول الستة عشر: 76. بصائر الدرجات : 171. الكافي: 240/1 و 536. كمال الدين : 46. الهداية الكبرى : 243. تاج المواليد: 65. الفضائل : 33، وفيه: «السلام عليك يا صاحب السيف القاطع ...».

20- عن سلمان بن خالد، قال:«سمعت أبا عبد الله عَلَيهِ السَّلَامُ يقول: قدام القائم موتان: موت أحمر، وموت أبيض، حتّى يذهب من كلّ سبعة خمسة، الموت الأحمر السيف، والموت الأبيض الطاعون»(1).

21- وعن أبي بصير ومحمّد بن مسلم، قالا: «سمعنا أبا عبد الله عَلَيهِ السَّلَامُ يقول: لا يكون هذا الأمر حتّى يذهب ثلث النّاس، فقيل له : إذا ذهب ثلث النّاس فايبقى؟ فقال عَلَيهِ السَّلَامُ: أما ترضون أن تكونوا الثلث الباقي؟»(2).

ص: 173


1- کمال الدين : 655.
2- کمال الدين : 655.

ص: 174

الدرس الثاني عشر: الخروج بالسيف -3

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

وقيل عن السيف الكثير من الكلام على سبيل المثال :

1- قال إمام المتقين عليّ بن أبي طالب عَلَيهِ السَّلَامُ: « بقية السيف أبقى عدداً وأكثر ولدأ »(1).

2- عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ، قال : « قال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: الخير كله في السيف، وتحت ظلّ السيف، ولا يقيم النّاس إلّا السيف، والسيوف مقاليد الجنّة والنّار»(2).

3- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ، قال:« إنّ الله عزّ وجلّ بعث رسوله بالإسلام إلى

ص: 175


1- نهج البلاغة : الرقم 84.
2- الكافي : 2/5. أمالي الصدوق: 674. ثواب الأعمال : 190.

الناس عشر سنين، فأبوا أن يقبلوا حتى أمره بالقتال، فالخير كلّه في السيف، وتحت السيف، والأمر يعود كما بدأ»(1).

4- عن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ، قال: « الخير كله في السيف، وتحت السيف، وفي ظل السيف »، وقال -أي الراوي -: «سمعته يقول: إن الخير كلّ الخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة »(2).

5- وفي الخبر: «أن رسول الله بعث بخسمة أسياف، ثلاثة منها شاهرة لا تغمد حتى تضع الحرب أوزارها، ولن تضع الحرب أوزارها حتى تطلع الشمس من مغربها -أي عند ظهور المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ- وسيف مكفوف ، وسيف منها مغمود »(3).

6- وفي الحديث : « السيف عزة الله تبارك وتعالى »(4).

7- وكان من نعت رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « نبي السيف »(5).

8- و قيل في حقه صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « يعطي السيف حقه »(6).

ص: 176


1- الكافي : 7/2.
2- الكافي : 9/5.
3- الكافي : 10/5. الخصال : 275.
4- عیون أخبار الرضا : 2/ 32.
5- كمال الدين : 188، 197، 200.
6- کمال الدین:191.

وأمّا عن سلاح أصحابه رضي الله تعالى عنهم فيكفيك هذا الحديث:

عن البطائني، عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ، قال : « إذا قام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ نزلت سيوف القتال، على كلّ سیف اسم الرجل، واسم أبيه »(1).

سابعاً: ولو سلّمنا نزولاً عند رغبة البعض من دعاة التنویر والاستنارة، ونوّرنا عقولنا وفتحناها على العصرنة لتواكب العلم الحديث وعصير الفضاء والتكنولوجيا العسكريّة المبهرة للعقول والمرعبة لأشجع القلوب، لو سلّمنا ونزلنا عند رغبتهم بأنّ هناك رواية أو روایات ربّمالم نعثر عليها -وعدم الوجدان لايدلّ على عدم الوجود -تنصّ على كلمة السلاح، وأنّه عليه الصلاة والسلام يخرج بالسلاح، فإنّا وبحسب مقتضى الأدلّة والقواعد الأصولية يجب أن نحمل المطلق على المقيّد والعامّ على الخاصّ، والسلاح لفظ مطلق وروايات السيف مقيّدة لإطلاقه، فيحمل على أنّ المراد بالسلاح هناك هو السيف الذي نصّت عليه أكثر الأخبار، بل لعلّ كلّها، كما أنّ هذا السيف بإطلاقه يحمل على إرادة « ذو الفقار»، أي يقيّد بالأخبار الناصّة على أنّه يخرج بسيف جدّه أمير المؤمنين صلوات الله عليه،

ص: 177


1- بحار الأنوار : 356/52. الغيبة / النعماني : 244.

وهو ذو الفقار، مصرحاً به.

لو سلمنا أنّ خروجه صلوات الله عليه يكون بالسيف، على ما في الأخبار والأحاديث، فما الدليل على أنّ سلاح أصحابه يكون السيف أيضا؟ إذ لعلّه يخرج بالسيف أي إحدی علائمه الدالّة عليه أن يحمل سيف ذو الفقار عند خروجه، وإنّما نصّ عليه للدلالة على صاحب الأمر أرواحنا فداه، فلا یدلّ أنّه يقاتل بالسيف، بقرينة إهمال الروايات وإعراضها عن ذكر سلاح أصحابه؟

والجواب عن هذا الإشكال يكون كالتالي :

أولاً: جرت السيرة على أنّ أمير الجيش وقائدهم لا يختلف سلاحه عن سلاح جنده.

ثانياً: جرت السيرة أيضا على أنّ المؤرّخين يستدلّون على سلاح الجيش بمجرّد سلاح القائد، وأنّهم إذا أوردوا سلاح القائد كفي للدلالة على نوع سلاحهم.

ثالثاً: أنّ النّاس عادة يستدلون على سلاح الجيش بسلاح قائد الجيش.

رابعاً: أنّ الأحاديث نصت في جملة منها أنّه يقاتل بالسيف، ويذيق أعدائهالهوان والموت الأحمر بالسيف، وهذا يكفي للدلالة

ص: 178

أيضاً على أنّ أصحابه يقاتلون بالسيف وما جرى مجرى السيف، کالسهام والنبال والرماح -كما هو الحال في المعارك القديمة-، لاستحالة التخالف بين القائد وجنده في السلاح، بل لزوم توافقها في ذلك، هذا إن لم ندّع -كما هو الحقّ- أنّ هذه الأحاديث دالّة بالدلالة الالتزاميّة القطعيّة أنّ جوّ تلك الحروب والمعارك وظروف القتال حينذاك تعتمد على القتال بالسيف، ولا مجال لاستعمال غيره من السلاح، لعلّه لاحتمال وقوع حرب عالمية ثالثة تدمّر الحرث والنسل، ولا تبقي إلّا القليل من النّاس، و تقضي على الآلة العسكريّة والمعدّات الحربيّة بأسرها، وتدمّر ترسانات الأسلحة ومصانعها، بل تقضي على التكنولوجيا العسكريّة والصناعات والعلوم بعد القضاء على الجامعات العلميّة ومراكز التعليم ومؤسساتها، وإزهاق نفوس المفكّرين وخبراء التصنيع وعلمائها لتعود الحياة بدائيّة بعد أن تستنفد تلك الحرب المدمّرة العارمة طاقات الأرض وخيراتها وطاقات البشريّة جمعاء، فلا يجدي هنالك إلّا السيف، بل لا سلاح يومئذ إلّا السيف، لاسيمّا إن تأمّلنا الأحاديث وأمعنّا فيها النظر، فإنّ جملة منها تنصّ على وقوع الحروب والفوضى والقتال والجوع والهرج والمرج في أرجاء الأرض من مشرقها إلى مغربها قبل قيام المهدي عجل الله تعالى فرجه، وما يسفر عنها من الموت الأحمر والأبيض

ص: 179

حتّى يقتل أو يموت ثلثا أهل الأرض، راجع بحثنا في علامات الظهور.

ولو أضفنا إلى تلك الأحاديث الواردة في الملاحم والفتن و علائم الظهور تصريحات بعض رجال السياسة والأعلام وما تخرج علينا بين الحين والآخر من تقريرات لمؤسّسات علميّة أو إنسانية أو بيئية وما شابه ذلك المحذّرة من وقوع حرب عالمية ثالثة تحرق كلّ شيء أتت عليه، و تخلّف الدمار والفوضى والهلاك والطاعون والأمراض القاتلة والفقر والهرج والمرج، و تعيد الإنسان إلى حياته البدائيّة الأولى، وترجع بالإنسانيّة إلى الحضيض، و تجعل الحياة لا تطاق، لو أضفنا هذه التوقّعات والأحاسيس إلى تلك الأحاديث لزالت الغشاوة عن أبصارنا، وتجلّت الحقيقة للعيان أكثر فأكثر.

ولو أضفنا إحساسنا وأحاسيس الشعوب بأجمعها بالأمر ذاته، وأنّ نهاية البشريّة تكون على أيدي قراصنة السياسة و تجّار الأسلحة إلى ذينكما الدليلين لانقشعت الغبرة عن وجه الحقيقة، و تجلت شمس الحقيقة أكثر فأكثر.

ولو أضفنا حقيقة أن هذا الإنسان لا يعود إلى رشده، ولا يصدع للحقّ، ولا يرعوي، ولا يرتدع، عن متابعة الهوى، والرقص على حلبة الباطل، إلّا بوقوع كارثة في حياته، وانفجار بركاني في أعماق

ص: 180

وجوده، بمشاهدة القتل والدمار والخراب، ورؤية ما کسبته يداه، وكيف جنى على نفسه وعلى حياته، وأنّه لا سبيل إلى النجاة إلّا بالتوبة النصوح الصادقة، والتمسك بحبل الله المتين، و التماس النجاة من الدين الخالص، لو أضفنا هذه إلى تلك الظهر الحقّ وانجلت الغبرة أكثر فأكثر.

ولو أضفنا إليها جميعاً حقيقة أنّ المهدي عجل الله تعالى فرجه لا يظهر حتّى ييأس النّاس من كلّ شخص تأمّلوا فيه الخير، ويقنطوا من كلّ حزب و نظام وداعية ومؤسسة، فيغسلوا أيديهم من الجميع، ويتوجّهوا بفطرتهم الصادقة، وعقولهم السليمة، بعد العودة إلى رشدها، نحو بارئهم وخالقهم ويلتمسوا منه النجاة والفرج، ويعقدوا العزم على الوفاء بعهدهم هذا، وهو لا يكون إلّا بعد أن يحلّ بهم البؤس والشقاء والفقر والحاجة والموت والدمار.

إذا أضفنا هذه إلى تلك العلل والأسباب والأدلّة والقرائن والشواهد، لزال كلّ التباس، وظهرت الحقيقة كالشمس في رابعة النهار.

ولعلّ مولانا صاحب الأمر صلوات الله وسلامه عليه يخمد الطاقات الأرضية بأسرها، ويقطع فتيلها ، فيوقف نبض الحياة عنها، ويحول بيده الموسويّة البيضاء دون وقوع التأثير فيها، وبأنفاسه

ص: 181

المحمّديّة كن فيكون يبطل كلّ مفعول لها، ويمنع كلّ دمار قد ينجم عنها، فيكون بذلك قد حال دون وقوع كارثة إنسانيّة بل طبيعيّة، ثمّ يبادر إلى علاج الواقعة بالقضاء على الأنظمة الكافرة الفاسدة المستبدّة وإبادتها، وإهلاك من لا ينحني أمام العدل والقانون الإلهي الحقّ کائناً من كان، حتّى يطهّر الأرضبشرع الله تعالى وحكمه.

ولعلّه -طبقأ لبعض التوقّعات - يستنفد الإنسان طاقات الأرض ومعادنها حتّى تأتي على نهايتها وتنتهي عن بكرة أبيها، فلا يجد الإنسان بدّأ دون الرجوع إلى الحياة البدائيّة، والاستعانة بركوب الخيل والبغال والحمير والإبل والقتال بالسيوف والنبال.

ومهما كان الأمر، وكيفما وقع التقدير الإلهي، وأياً كان الاحتمال الصائب من هذه الوجوه والتوقّعات، فإنّها جميعاً تؤيّد مقولة الخروج بالسيف، وهو المطلوب.

ولم تكن هذه الاحتمالات والتوقّعات بعيدة المنال والوقوع إذا أبحنا هنا عن حقيقتين صارختين وكشفنا الغطاء عنهما، وهما:

أولاً: بذل العناية والاهتمام في بعض من دول الغرب، وعلى رأسها الولايات المتّحدة الأمريكيّة وبريطانيا بتشكيل قوّات عسكريّة نظاميّة تقاتل بالسيوف والنبال، وتمارس ركوب الخيل، وتعتني كذلك بإنشاء معسكرات للتدريب على ذلك، وإقامة مراكز تعلّمهم

ص: 182

فنون القتال بالسيف و غيره من الأدوات والأسلحة القديمة؛ ذلك أنّهم يتوقّعون نفاد الطاقة والمعادن وعودة الإنسان إلى عصر الحجر أو ما شابه ذلك، ولهذا كعادتهم لم يستهينوا بهذه التوقّعات مهما كانت ضعيفة، بل نهضوا واستنهضوا الهمم و کشفوا عن ساعد الجدّ ليستعدّوا للواقعة قبل وقوعها، ويعدّوا العدّة لذلك اليوم، إن أصاب المتوقّعون في توقّعاتهم، ونحن في غفلةعن ذلك، وفي سبات مرير.

ثانياً: سيأتي في محلّه إن شاء الله تعالى أنّ مولانا الإمام المهدي صلوات الله عليه حين يخرج بإذن الله تعالى، وينزل سیّدنا عیسی بن مريم على نبيّنا وآله وعليها السلام يوجّهه بلواء الحقّ نحو بیت المقدّس فيدعو النصارى إلى اعتناق الإسلام، واتّباع المهدي المنتظر أرواحنافداه، ويظهر لهم المعجزات، ويخرج لهم الإنجيل، ويقيم عليهم الحجّة البالغة، فيتبعه كثير منهم.

ويذهب المهدي صلوات الله عليه إلى اليهود فيخرج لهم التوراة و تابوت السكينة، و تركة آل موسى وهارون وبني إسرائيل، وغير ذلك من الآيات والبیّنات، ثمّ يهتدي على يديه نفر قليل منهم ويتّبعونه، ثمّ يقاتل مع سيّدنا المسيح عَلَيهِ السَّلَامُ من بقي منهم وتمادى في غيّه، ومن تمسك بضلاله من أهل العناد، فلا يبقي لهم أثراً.

وترتكز جلّ اهتماماته وحروبه على الجزيرة العربيّة من اليمن إلى

ص: 183

العراق إلى الشام وما بينها وما حولها، وهي في الأغلب دول عربيّة، يقود هذه الجيوش رجل سفياني يريد حرب إبادة طائفيّة، فيأمر بقتل كلّ من انتسب إلى بني هاشم، وكلّ من كان من شيعتهم.

و بكلمة واحدة: السفياني ناصبي بغيض يحمل لواء آل أبي سفيان يريد بها القضاء على كلّ من انتسب إلى أهل البيت بصلة، حتّى يقتل بالشبهة والظنّة ولا يرحم أحداً، معقله الشام من الأكوار الخمسة، مسقط رأسه كما يبدو فلسطين، وجهته العراق والجزيرة العربيّة، يقصد انتهاز فرصة الهرج والمرج والفوضى العارمة في هذه البلاد ليستولي عليها، فيوحّد بلاد الشام أوّلاً تحت لوائه ثمّ يتّجه صوب العراق ومنه إلى الحجاز، وليس في جيشه سوىأولاد الزنا من النواصب المبغضين لعليّ وأهل بيته وشیعته .

بعد هذه المقدمة أقول: إنّ أكثر من يخرج عن طاعة المهدي المنتظر أرواحنا له الفداء، وينصب له العداء، ويشهر السیف بوجهه، ويتصدّى لقتاله، هم من الجزيرة العربيّة وما حولها من بلاد الشام وبلاد عربيّة مجاورة، وقد انكشف اللثام عن وجه هؤلاء البغيض في السنوات الأخيرة، حيث أذيعت عنهم تقارير مصوّرة وغير مصوّرة أوضحت عن معسكرات لهم خاصّة في بعض البلاد للتدريب على القتال بالسيف وركوب الخيل واستخدامهم السيف الحرّ الرؤوس

ص: 184

وقطع الأوداج، وظهور قادتهم على ظهور الخيل حاملين السيوف، ممّا يؤكّد إيمانهم وتمسّكهم بأنّ الحرب القادمة تكون ضدّ لواء المهدي المنتظر صلوات الله عليه ولا تكون إلّا بالسيف والدواب.

وبملاحظة وجه الشبه بين هؤلاء النواصب وأولئك أسيادهم من الأميركان والبريطانيّين يظهر للعيان كيف أنّ الكفر ملّة واحدة، وكيف أنّهم أجمعوا على الاستعداد لمواجهة لواء الحقّ والتوحيد، ماضين في إعداد العدّة لذلك اليوم العصيب.

وكيف كان فالأرض لا يتم تطهيرها إلّا بالسيف، والعدل لا يمكن بسطه ونشره إلّا بالسيف، ولواء الحقّ والتوحيد لا ينتصر إلّا بالسيف، ودولة الحقّ لا تقوم إلّا بالسيف.

ص: 185

ص: 186

الدرس الثالث عشر: تطهير الأرض - 1

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

وأمّا الحقيقة الثانية: التي يزعم هؤلاء المساكين أن لا أصل لها، ولا أساس لها من الصحّة، بدعوى أنّ صاحب الأمر أرواحنا فداه کجدّه المصطفى صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه رحمة للعالمين، وأنّ دعوته إلى الحقّ سلميّة إعلاميّة علميّة جدليّة برهانيّة كلاميّة، ليس فيها لغة العنف والقتل، ولا الإكراه لقوله تعالى :﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾(1)، وإنّما تعتمد على الإرشاد والموعظة، فيتبعه النّاس کافّة في عدله، ويبقى أهل الكتاب على دينهم بدفع الجزية للمسلمين، وتبقى المذاهب الإسلاميّة على حالها في دولة المهدي صلوات الله عليه، لا يمسّ أحداً منها بسوء،

ص: 187


1- سورة البقرة : الآية 256.

يحكم بينهم بمذاهبهم وأديانهم ويقيم العدل والقسط بينهم من منطلق أحكامهم وقوانينهم وشرائعهم.

وهي نظرة باطلة لا أدري أيّ شیطان جنّي ألقاها في روع بعض شياطين الإنس وبعض جهّالهم، فعمد إلى تدوينها في كتابه، ثمّ قام بنشرها وترويجها مبرهناً إيّاها، زاعماً أنّها من الحقائق الثابتة، ليضلّ بها العباد، ولو حكّم عقله القاصر، أو رجع إلى بعض أهل العلم، أو استمع لنصائحهم لما زلّ وضلّ وأضلّ، وكذب على الله تعالى ورسوله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، ثم أتى الحزبيّون والسفهاء من هذه الأمّة وتلقّوا سخافاته وأباطيله المبثوثة في كتابه تلقي المسلّمات، وأخذوها أخذ الضروريّات، بتقليد أعمى لا ترتضيه أبسط العقول، ولا يقرّبها ذوو الألباب، وأدهى من ذلك أن خرج كبيرهم الذي علّمهم السحر على منصّة صلاة الجمعة يلقي هذه الطامات على مسامع النّاس في خطبتها، وكأنّه جاء بالفتح المبين وفتح الفتوح، يتبجّح بسخافات كتبها جاهل بالحقائق قبل ما يربو على عشرين عاماً بقليل أو كثير، ومن سوء حظّه و جهالته أنّه لم ينسبها إلى صاحبها بل عدّها من رشحات فکره و تأمّلات ذهنه و تحقیق و تفحّصه بين الأدلّة، والأدلّة من هذه الخزعبلات براء، بل الأدلّة والبراهين بأجمعها على خلاف هذه المزاعم، فأقول وبالله التوفيق:

ص: 188

أولاً: أنّ نظرة فاحصة دقيقة، وحتّى عابرة صادقة، في أحاديث أهل البیت عَلَيهِم السَّلَامُ تکفي لتدلّ دلالة جزمٍ و یقین علی بطلان هذه امقولات والمزاعم، وهاك جملة من هذه الأخبار والأحاديث:

1- عن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال : « إذا قام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ من عرض الإيمان على كلّ ناصبٍ، فإن دخل فيه بحقيقته، وإلّا ضرب عنقه ، أو يؤدي الجزية كما يؤديها اليوم أهل الذمّة ...»(1).

وعلّق عليه المرحوم المازندراني قائلاً: «إلّا أنّه ضعيف » ، فهو رَحْمَةِ اللَّهِ أوّلاً ضعّف الحديث، وثانياً: قال بعد ذلك : « و على تقدير العمل به فلعلّ الجمع بينه وبين ما روي من أنّه يضع الجزية عند ظهوره، أنّه يضعها عن أهل الكتاب ، فإنّهم حينئيذٍ بمنزلة الحربي لا يرفع عنهم السيف حتّى يؤمنوا، أو يقتلوا، والله أعلم»(2).

فهو رَحْمَةِ اللَّهِ الخبير بالأحاديث والأخبار روايةً و درايةً، وخرّيت هذا الفنّ، أوّلاً: ضعّف الحديث من حيث السند، وكذا الدلالة، لمعارضتها الأخبار والأحاديث الصحيحة أو المعتبرة.

ثانياً: والظاهر أنّه رَحْمَةِ اللَّهِ لكي يجمع بين الطائفتين من الأخبار

ص: 189


1- الکافی : 227/8
2- شرح أصول الكافي : 303/12.

ذهب إلى رفع الجزية عن أهل الكتاب ، ووضعها على النواصب.

ونحن وإن وافقناه على تضعيف الرواية، وعلى تقديم روایات رفع الجزية عنأهل الكتاب وتخييرهم بين القتل بالسيف والدخول في الإسلام بحقيقة الإيمان، من غير نفاق باطن، و تظاهر کاذب بالإيمان، غير أنّنا من غير الممكن أن نوافقه على وجه الجمع بوضع الجزية على النواصب، وهم كلّ المسلمين من أتباع المذاهب الباطلة وغير المسلمين من النّاس عند ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ بعد إتمام الحجة عليهم وعنادهم في قبول الحقّ، عدا شیعته، ومن تاب ورجع عن غيّه، وعاد إلى رشده فصار من شيعته، إذن لا نقبل أنّه صلوات الله علیه سیخيّر أتباع هذه المذاهب الإسلاميّة بين دفع الجزية مع البقاء على عقائدهم وأعمالهم الباطلة، وبين القتل بالسيف؛ لأسباب عديدة أهمّها:

أ- بطلان حكم الجزية وانتفاؤه موضوعاً عند ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ.

ب- لاخيار لأحد سوى التشيّع واعتناق المذهب الحقّ، أو القتل بالسيف .

ج- النواصب أشدّ من أهل الكتاب، وأخطر منهم على الدين، وكيف يمكن إبقاؤهم والاكتفاء بأخذ الجزية منهم إن اختاروا دفع الجزية، بينما ترفع الجزية عن أهل الكتاب.

د- الإسلام لا يتعدد، ودين الحق في كل زمان واحد ليس إلّا،

ص: 190

ولا معنى حينئيذٍ لإبقاء مذاهب باطلة إلى جنب الحقّ الأبلج باسم الدين الإسلامي.

ه- حكم الجزية كان من الاستثناءات التي منّ الله تعالى بها على أتباع شريعتي موسى وعيسى على نبيّنا وآله وعليها السلام، وعلى أهل التوراة والإنجيل حتّى تتمّ عليهم كلّ الحجج إلى ظهور صاحب الأمر صلوات الله عليه، ولا يجوز أخذ الجزية من أهل الشهادتين، ولو كانوا مسلمين في ظاهر الحال، وبظاهر المقال.

و- ولو جاز أخذ الجزية من النواصب لعنهم الله، از من کلّ ذي نحلة ودين ، بل من الكفّار والمشركين؛ لأنّهم أهون حالاً من النواصب المخالفين له عَلَيهِ السَّلَامُ عند ظهوره، أو هم والنواصب المنافقين عل حدّ سواء، كما قال تعالى في محكم آیاته :

﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾(1).

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾(2).

ص: 191


1- سورة النساء : الآية 145.
2- سورة التوبة : الآية 73.

وقال تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾(1).

فلا يقبل الجزية من أهل الكتاب، ولا يضعها على النواصب والمخالفين مطلقاً.

2- قال أبو جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ: « أول ما يبدأ القائم عَلَيهِ السَّلَامُ بأنطاكية فيستخرج منها التوراة من غار فيه عصی موسی وخاتم سليمان ...»(2).

3- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ أيضا في تفسير قوله تعالى:﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ﴾(3)، قال : « إذا قام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ ذهبت دولة الباطل »(4).

4- وقال عَلَيهِ السَّلَامُ في حديث طویل: « إذا قام القائم ... ولا يترك بدعة إلّا أزالها، ولا شئة إلّا أقامها ...»(5).

ليت شعري كيف يمكن إزالة البدع والقضاء عليها مع ترك أهلها يمرحون ويسرحون؟! وهل إزالة شيء من الأفكار والعقائد الباطلة والبدع إلّا بإزالة أهلها والمروّجين لها؟! أليس معنى قوله عَلَيهِ السَّلَامُ هذا،

ص: 192


1- سورة النساء : الآية .14.
2- بحار الأنوار : 390/52.
3- سورة الإسراء : الآية 81.
4- الكافي : 287/8.
5- روضة الواعظين: 264.

أنّه يخيّر أهل جميع الملل والمذاهب والنَّحل والأديان بين القتل بالسيف وبين الإيمان بحقيقة الإيمان؟!

5- عن رفاعة بن موسى ، قال: «سمعت أبا عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ يقول: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَکرْهاً﴾(1)، قال: إذا قام القائم لا يبقى أرض إلا نودي فيها شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً رسول الله»(2).

6- وروى عليّ بن عقبة، عن أبيه، قال : « إذا قام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ حکم بالعدل ... ولم يبقَ أهل دين حتّى يظهروا الإسلام، ويعرفوا بالإيمان »(3).

وعن مولانا أبي الحسن الكاظم عَلَيهِ السَّلَامُ، أنه قال في تفسير قوله تعالى: «﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَکرْهاً﴾ نزلت في القائم عَلَيهِ السَّلَامُ إذا خرج باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردّة والكفّار في شرق الأرض وغربها، فعرض عليهم الإسلام، فمن أسلم طوعا أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويجب الله عليه،

ص: 193


1- سورة آل عمران : الآية 83.
2- بحار الانوار: 340/52
3- الإرشاد : 364. روضة الواعظين: 265/2. إعلام الوری : 432. إثبات الهداة : 528/3. کشف الغمة : 255/3.

ومن لم يُسلم ضرب عنقه حتّى لا يبقى في المشارق والمغارب أحدٌ إلّا وحدّ الله، قلت : جعلت فداك، إنّ الخلق أكثر من ذلك، فقال : إنّ الله إذا أراد أمرة قتل الكثير، وكثّر القليل»(1).

8- وأيضاً عنه عَلَيهِ السَّلَامُ في تفسير قوله تعالى : ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾(2)... قلت : ﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾(3)، قال : يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم»(4).

9- وفي تفسير القمّي رَحْمَةِ اللَّهِ: ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ﴾ قال : بالقائم من آل محمّد عَلَيهِم السَّلَامُ حتّى إذا خرج يظهره الله على الدين كلّه، حتّى لا يعبد غير الله، وهو قوله : يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(5).

ثانياً: أنه لمّا اختلق من هوى نفسه قواعد يستند إليها في رفضه للاستدلال بهذه الأحاديث، و عدّ كلّ خبر وحدیث مخالف لتلك

ص: 194


1- العياشي: 1/ 183. إثبات الهداة : 549/3. المحجة : 50.
2- سورة الصف : الآية 8.
3- سورة الصف : الآية 9.
4- الكافي: 432/1
5- تفسير القمي : 365/2. بحار الأنوار : 49/51.

القواعد خبراً مخالفاً للكتاب والسنّة، فضرب بهذه الأخبار جميعاً عرض الجدار، ليحقّق أهدافه وأهداف من كتب من أجلهم والتي أخفاها وراء تلك السطور والصفحات المسوّدة، لما عمد إلى هذا التصرّف والسلوك لزمنا الاستناد إلى حكم العقل والأدلّة القطعيّة التي تدحض مزاعمه و تقطع الحجّة عليه وتردّ عليه الصاع صاعين، فأقول مستعيناً بالله تعالى:

زعم الرجل تارة: أنّ هذه الأحاديث تخالف الكتاب والسنّة، فالستّة والكتاب نصّا على الجزية وإبقاء أهل الكتاب وعدم إكراههم على اعتناق الإسلام، وأجمع المسلمون على ذلك وجرت عليه سيرتهم حتّى عدّ من ضروريات الدين عندهم.

لكنّه لم يلتفت إلى هذه الحقيقة وغَفَل عنها، وهي أنّ حكم الجزية لم يكن حكماً أوّليّاً مطلوباً بذاته، بل كان حكماً ثانوياً مؤقتاً، وقد تمّ توقيته بظهور صاحب الأمر صلوات الله عليه، أي أمهلهم كما أمهل إيليس، حيث دعاقائ:﴿قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ*قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ*إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾(1)، فهل يعني هذا أنّ المهدي صلوات الله عليه سينظر إبليس ويمهله أيضاً؛

ص: 195


1- سورة الحجر : الآيات 36 - 38.

لأنّ الله أمهله، وأمهله جميع الأنبياء والرسل؟!

فحكم الجزية ينتهي بظهور بقيّة الله عجّل الله تعالى فرجه، ولا يمهل أهل الكتاب بعد ذلك، وإلّا كان الحقّ أن يرميهم الله تعالى بصاعقة من السماء تحرقهم إلى يوم القيامة حين جنحوا إلى الكفر والعناد ورضوا بمباهلة رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، ولولا أرسل رحمة للعالمين، ولولا قضاء الله تعالی برفع العذاب عن أمّته صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه إكراماً وإعظاماً له، لما وجدنا اليوم واحداً يدين بدين أهل الكتاب، أي لم يبق لهم أثراً على الأرض، ولا ذكراً في الوجود، فليس حكم الجزية والإبقاء، حكماً أوّليّاض سارياً إلى يوم القيامة، بل سينتهي بانتهاء أمده، وهو ظهور الإمام صاحب الزمان أرواحنا له الفداء.

ثالثاً: لو كان الأمر كما زعم هذا العبقري ومن تبعه من العميان، لم تكن حاجة إلى نزول عیسی بن مریم عَلَيهِما السَّلَامُ حاملا لواء الحجة صلوات الله عليه.

بيان ذلك: أنّ الله تعالى قد الآدّخر عیسی عَلَيهِ السَّلَامُ ورفعه إلى السماء ليكون شاهداً على النصارى وناصراً لصاحب الزمان عَلَيهِ السَّلَامُ، ولو كان قاضیاً بإبقائهم وقبول الجزية منهم في دولته الكريمة، لكان عمله هذا -والعياذ بالله - عبثاً نقضاً للغرض وخلفاً وخلافاً للحكمة، والحكيم تبارك وتعالى أجلّ وأنزه من أن يعبث بالجزاف.

ص: 196

رابعاً: لو أريد لأهل الكتاب البقاء بدفع الجزية، لم يكن حاجة القتال اليهود منهم في بيت المقدّس حتّى القضاء على آخر يهودي على وجه الأرض، إلّا من جنح إلى الحقّ، ولم تكن حاجة لإقامة الحجّة عليهم بالكيفية الواردة في الأحاديث -كما أسردناها في محلّه- وهي الكيفيّة التي لا يمهل بعده المحجوج ولا ينظر أو يعذّر، لأنّه آخر ما يحتجّ به الأنبياء على أمهم وأقوامهم.

خامساً: ولو صحّ ما زعمه لم يكن بدّ ولا ضرورة لادّخار المهدي صلوات الله عليه وأصحابه المنتجبين الأخيار، وستره و حفظه خلف ستائر الغيب وتحتل شيعته كلّ هذا العناء، فهل يعقل أن يفعل الحكيم هذا كلّه ويغيّب وليه ويأمر شيعته بالصبر عشرات القرون، ثمّ يعيد المياه إلى مجاريها ويحكم على الشرائع المنسوخة والمحرّفة غاية التحريف بالحياة وديموميّة البقاء، فيحيى الشرك من جديد ويحكم على المشركين بمواصلة الحياة على شركهم، وهو الذي يقول : ﴿لِيُظهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكونَ﴾(1)، ويقول : ﴿حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّ﴾(2)، ويقول :﴿فَقَاتِلُوا

ص: 197


1- سورة التوبة : الآية 33.
2- سورة البقرة: الآية 193. سورة الأنفال : الآية 39.

أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾(1)، ويقول على لسان نبّيه نوح عَلَيهِ السَّلَامُ: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾(2)، وغيرها من الآيات التي دلت الأحاديث على تحقيقها في زمن المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ، و تحققها بيديه المبارکتين.

فهل يبقى معنىً لقوله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول اللّه ُ ذلكَ اليومَ حتّى يَبعَثَ فيهِ رجُلاً مِن وُلدي...»(3)، او هل يبقى معنىً لقوله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه : «فيملؤها عدة وقسطأ كما ملئت جورة وظلماً»(4)؟

هل يبقى لها معنىً إذا قلنا إنّ النصرانيّة واليهوديّة باقيتان في دولة المهدي أرواحنا فداه، وأنّ أهل الديانتين باقون على ديانتهم بحكم الجزية؟! وما الجدوى من كلّ هذا الوعد والوعيد والإعداد والاستعداد والتمهيد والدعوة إلى الانتظار وتسليط الأضواء على ظهور الحجّة المنتظر صلوات الله وسلامه عليه، إذا كان لا يغيّر شيئاً، بل يقرّ للشرك الصريح بالبقاء والحياة، هذا ما لا تقرّه الشريعة الغرّاء،

ص: 198


1- سورة النساء : الآية 76.
2- سورة نوح: الآية 26.
3- کمال الدین: 318
4- کمال الدین: 318

ولا تنحني له جباه العقول السليمة.

كيف يجوز ذلك وقد نصّت الأحاديث على خصوصيّات امتاز بها المهدي أرواحنا فداه، وميّزت حركته ودولته عن رسالات جميع الأنبياء والمرسلين، وذكرت له خصائص ما منحت لأحد من قبل حتّى سلمان على نبينا وآله وعليه السلام، وإن كان هذا الأخير أشبه في حكمه بالمهدي صلوات الله عليه، ومن هذه الخصائص أنّه يحكم بعلمه لا بالشهود والأمان والبينات ، وعلمه من علم الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فيحكم بالواقع ولا يلتفت إلى ظاهر الحال، ولهذا لامجال للنفاق في دولته، وحدودها السماوات والأرضون، ولا حياة للمنافق على وجه الأرض، هذا حال المنافق الذي غضّ الله تعالى الطرف عنه في عهد رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، فماذا يكون حال المشركين؟! أليس من الغريب أن ندعو إلى هذه السخافات؟! أم أنّ هذا ومن على شاكلته بناءً على قواعده الزائفة يزعمون أن لانهاية للنفاق والمنافقين في دولة المهدي عجل الله تعالى فرجه، وأنّه يأويهم ويغضّ الطرف عنهم كما صنع رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه؟

ص: 199

ص: 200

الدرس الرابع عشر: تطهير الأرض - 2

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

وماذا يقول هذا وإخوته في الغي ، عن كثير من الأمور والأحكام الظاهریّة التي نصّت الأحاديث على تغييرها على يدي مولانا القائم المنتظر عجّل الله تعالی فرجه، لاسيمّا في القضاء حيث يقضي كما كان يقضي جدّه أمير المؤمنين صلوات الله عليه وسليمان النبِّي على نبيّنا وآله وعليه السلام، وهكذا تغييره لجملة من الموضوعات والتي تعرّضنا لها في محلّها.

فهل يريد هؤلاء إنكار هذه الحقائق المسلّمة كلّها ؟!

وهل يسعون إلى إنكار كل ما ورد في الأحاديث الصحيحة من إحداث التغيير في الأحكام والموضوعات حتّى يقول النّاس والسفهاء

ص: 201

عنه: « إنّه جاء بدین جدید »(1)، أو يقال عنه: «إنّه يأتي بدين جدید »(2)؟! وأنّى لهم ذلك ، ولهذا ظهر التهافت في كلامه حين أنكر البعض دون بعض، وداس برجليه على قواعده، وبرزت منه حقيقة أنّه إنّما ذهب إلى هذه الأباطيل، وبني تلك الأسس والقواعد ليستخلص منها ويستنتج عنها ما يرضي بعض الطوائف وتجني له مکاسب آنيّة.

فلو سلّمنا لهذا الفرض المحال، لنقضنا الغرض من وجود صاحب الأمر أرواحنا فداه ، كالتي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً، وكان الأحرى أن تعتقد كأكثر العامّة من أهل السنة بأنّ المهدي المنتظر سیولد وسيخرج وما هو سوی مصلح يصلح الله به امّة نبيه صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه ويعيدها إلى رشدها وصوابها.

سادساً: إبقاء هذه الأديان والمذاهب الباطلة إقرار بها في دولة ينبغي أن لا تذعن إلا للحق، ولا يستقرّ بين جنباتها ولا يسير على ثراها سوى أهل الحقّ، وإلّا لم تختلف عن سائر الدول والأنظمة.

سابعاً: وأمّا قياس المذاهب الإسلاميّة الباطلة باليهوديّة والنصرانيّة فهو قياس مع الفارق و قیاس باطل ، وليس من قیاس

ص: 202


1- مصباح الأصول / البهسودي : 271/2.
2- مصباح الأصول / البهسودي : 271/2.

الأولويّة القطعيّة حتماً.

بيان ذلك: أنّ هذا ومن على شاكلته زعموا طبقاً لقواعدهم المزعومة أنّ النصرانية واليهوديّة تبق ويحكم على أهلها بالجزية،وإذا تمّ ذلك -وهو الصحيح على حدّ زعمهم- فإنّ إبقاء المذاهب الإسلاميّة الأخرى، سواء الكلامية منها أو الفقهيّة، أمر مفروغ عنه بالأولويّة القطعيّة؛ إذ لا يعقل -عند هؤلاء- أن يسمح للأديان المنافية للإسلام بالبقاء، ويحكم على المذاهب الإسلاميّة -وإن كانت باطلة ضالّة -بالفناء.

ليت شعري كم يحطّ الجهل من شأن صاحبه، ولو سكت الجاهل لكان خيراً له، وأحفظ لدينه ودين النّاس، ولكن هو الجهل الذي لا يأتي على شيء إلّا شانه و حطّ من قدره وأهلك صاحبه، وليته تعلّم الفقه وأصوله حتّى لا يتحفنا بعواهن الكلام، أليس في الفقه أحكام النصارى أخفّ من أحكام المسلمين؟! أليس من اهتدى من غير المسلمين عفا الله تعالى عمّا فاته من تكاليف وواجبات والعقوبات المترتّبة على اقترافه للمحرّمات، سوى القصاص والديات وحقوق النّاس؟ بينما لم يعف عن المسلم إذا تاب، بل كلّفه بالقضاء، أليس كذلك؟ وهلمّ جرّاً، قس علیه ما شئت ... فبالله دلّني أين الملازمة بين هذا وذاك؟ وما وجه الملازمة بينها؟! أليس بناءً على قواعده

ص: 203

المزعومة يجب سقوط هذه الأحكام عن المسلمين بالأولويّة المزعومة؟!

وعليه، فإنّا أولّاً: لانسلّم بالملزوم، وهو إبقاء أهل الكتاب بأخذ الجزية منهم، حتى نسلّم باللازم، وهو إبقاء المذاهب الإسلاميّة الباطلة. ولو سلّمنا بفرضالمحال، فإنّا لانسلّم بالملازمة بينهما، فلا ملازمة ولا أولويّة بين هذا وذاك، ودعوى الملازمة والأولويّة خالية من الدليل، ونحن أبناء الدليل أينا ما نميل.

وثانياً: لو صحّ ما زعموه لم يستقرّ حجر على حجر، وكان ذلك إقراراً بجميع هذه المذاهب وعوناً لاستشراء الباطل ونفوذه واستفحاله في جسد الأمّة، وكان عذراً لمن يدين بها إن تمسّك بمذهبه.

ثالثاً: وجب حينئيذٍ على الحاكم -وهو المهدي صلوات الله عليه في مفروض الكلام- أن يداهن ويراعي کافّة هذه المذاهب وينصب لهم الألوية والصلوات والمساجد ومجالس القضاء ويحكم بينهم بأباطيلهم المناوئة لحقيقة الإسلام الحنيف، وهذا الإشكال لا يرد على فرض القبول بالأديان السماويّة الأخرى -أعني اليهودية والنصرانيّة- إذ أنه عَلَيهِ السَّلَامُ لو أبقاهم لحكم بينهم بالتوراة والإنجيل اللذين أنزلها الله تبارك وتعالى، وهي بالنتيجة أحكام الله جلّ وعلا حتّى المنسوخ منها، بخلاف ما في المذاهب الإسلاميّة الباطلة من أحكام مخالفة

ص: 204

لمذهب الحقّ، فإنّها لا ترتبط بصلة بعيدة أو قريبة بشريعة السماء.

رابعاً: هذه الدعوى مخالفة لصريح النصوص وظواهر جملة منها، هاك على سبيل المثال لا الحصر:

في رواية طويلة عن أبي جعفر الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «... فلا يبقى يهودي، ولا نصراني، ولا أحد ممّن يعبد غير الله إلّا آمن به وصدّقه، وتكون الملّة واحدة، ملّة الإسلام، وكلّما كان في الأرض من معبود سوى الله فينزل عليه ناراً، فيحرقه»(1).

وفي حديث طويل عن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ: «ثمّ ينطلق فيدعو النّاس إلى كتاب الله و سنّة نبيّه عليه وآله السلام، والولاية لعليّ بن أبي طالب عَلَيهِ السَّلَامُ، والبراءة من عدوّه...»(2).

عن الإمامين زین العابدين والباقر عَلَيهِما السَّلَامُ: «إنّ الإسلام قد يظهره لله على جميع الأديان عند قيام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ»(3).

10- وفي الحديث: « يقضي القائم بقضايا ينكرها بعض أصحابه ممن قد ضرب قدّامه بالسيف، وهو قضاء آدم عَلَيهِ السَّلَامُ، فيقدّمهم فيضرب

ص: 205


1- الفصول المهمة : 302.
2- تفسير العياشي: 56/2، 40. تفسير القمي: 205/2. الكافي: 313/8. الغيبة / النعماني: 181.
3- ينابيع المودة : 423، عن المحجة.

أعناقهم، ثمّ يقضي الثانية فينكرها قوم آخرون ممن قد ضرب قدّامه بالسيف، وهو قضاء داوود عَلَيهِ السَّلَامُ، فيقدّمهم فيضرب أعناقهم، ثمّ يقضي الثالثة فينكرها قوم آخرون ممّن قد ضرب قدّامه بالسيف. وهو قضاء إبراهيم عَلَيهِ السَّلَامُ، فيقدّمهم فيضرب أعناقهم، ثمّ يقضي الرابعة وهو قضاء محمّد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه فلا ينكرها أحد عليه»(1).

في الرواية: «... وإنما سمي المهدي مهديّاً لأنّه يهدي إلى أمرٍ خفيّ، ويستخرج التوراة وسائر كتب الله عزّ وجلّ من غار بأنطاكية. ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل، وبين أهل الزبور بالزبور، وبين أهل القرآن بالقرآن...»(2).

خامساً: أنّ إبقائهم إمّا نابع من ضعف الدليل والبرهان، والعجز عن إقناع الخصوم، وإمّا نابع عن عنادهم وعجز مولانا المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ ردعهم بالقوّة والسيف، أو نابع عن عمله بسنّة جدّه أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه في الإغماض عنهم، والمقدم كلّه باطل، فالتالي باطل مثله.

أمّا بطلان المقدَّم الأول والثاني فهو أبين من قرص الشمس في

ص: 206


1- بحار الأنوار: 389/52.
2- الغيبة / النعماني : 237. علل الشرائع : 161.

وضح النهار.

وأمّا بطلان المقدَّم الثالث فهو أوّلاً: أنّ سيرة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام لم تكن هذه، ولكنّ قلّة الأنصار وكثرة الأعداء منعته من محاربة هذه البدع والمذاهب الباطلة.

ثانياً: أنّ ضعف الدولة الإسلاميّة على عهده لكثرة المتمرّدين والخارجينوالمعاندين والمنشقّين والمائلين عن الحقّ إلى الباطل، وتربّص الكفّار والمشركين للنيل من الإسلام والقضاء على بيضته، هو الذي حال دون مواجهة الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ لتلك المذاهب الباطلة.

ثالثاً: انشغاله بحفظ الأمن الذي كانت تعبث به أيدي المخالفين، واشتغاله بتحسين حياة النّاس واقتصادهم، وتوفير سبل معاشهم، ومحاربته للفساد الإداري والاقتصادي الذي خلّفته الخلافات والأنظمة السابقة، حالت دون تفرّغه لإزالة هذه المذاهب الباطلة.

رابعاً: ثلاث حروب ومعارك دامية قادتها أيدي الخونة والمنافقين المحاربين الله ورسوله، كانت طعناً من الظهر في جسد الأمّة، حالت دون توجّه الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ للتصدّي لتلك المذاهب ودحض أباطيلها.

خامساً: يرد عليه كلّ ما ورد على السماح للنصرانيّة واليهوديّة ولأهل الكتاب بالبقاء.

وبعبارة أخرى: كلّ ما أوردناه من ردّ وإشكال على مزعمة

ص: 207

إبقاء الأديان السماويّة، يرد هنا على مزعمة إبقاء المذاهب الإسلاميّة الباطلة.

سادساً: لم يفتك بالإسلام شيء کا فتكت به هذه المذاهب الباطلة، وكلّ بلاء وفتنة وبدعة ومصيبة حلّت بالمسلمين كان السبب فيها هذه المذاهب الباطلة، التي لم تكن لتقوم وتبرز لولا مخترعوها من أقطاب المنافقين، فأيُّ مصيبة أعظم وأيُّ بلا أعمّ من إبقاء هذه المذاهب التي صنعتها واخترعتها أيدي النفاق وعقوله المتواطئة على الإسلام والمسلمين، وكانت سبياً وعلّة تامّة في انحطاط المسلمين، وسوء حظّهم، وذلّهم وخنوعهم؟!

فما لكم كيف تحكمون؟!

سابعاً: رغم ذلك كلّه فإنّ مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه لم يأل جهداً في التصدّي لها بالحكمة والموعظة الحسنة تارة، وبالمواجهة الإعلامية والكلاميّة الصارمة تارة أخرى، ولا ترك فرصة إلّا وشهر سيف الدليل والبرهان عليها وقطع عليها أنفاسها، وما يصنع إذا لم تُهيّأ له القدرة ولم تسنح له الفرصة في قتالها وتطهير الأمّة من دنسها و خلاصها من شرورها، لقلّة الأنصار وكثرة أهل العناد والضلال، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

ثامناً: عتل الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ ذلك بصريح العبارة حين قال : «لأن عليّاً

ص: 208

سار بالنّاس سيرة وهو يعلم أنّ عدوّه سيظهر على وليه من بعده، و انّ القائم اذا قام لیس الّا السیف...»

وأخيراً كيف نجمع بين القائم المنتقم أرواحنا له الفداء، الطالب بدماء الأنبياء وأبناء الأنبياء، والطالب بدم المقتول بکربلاء، وبين أولئك القتلة المجرمين وأبنائهم ومن يدينون بدينهم ويتباهون باتباع نهجهم؟!

وكيف الجمع بين الثائر المنتقم لأمّه الصدّيقة الطاهرة ممّن ظلمها وغصب حقّها وتمادى في إيذائها وأسقط جنينها وأحرق باب دارها ولم يتوانّ في إيلامها لحظة عينٍ، كيف يمكن الجمع بين هذا المنتقم للمحسن الشهيد وعبدالله الرضيع وشهداء بني هاشم ومظلوميهم ومطارديهم ومسجونيهم، وبين أولئك الأوغاد وأبنائهم، ممّن ظلموها واغتصبوا حقّها وقتلوا أبنائها وسبوا بناتها، أو من رضي بفعلتهم هذه، وسار على نهجهم؟!

أم كيف يرضى بممارسة طائفة من المعاندین شعائر وطقوس باطلة، وبدع ضالّة مضلّة، وتتّخذ الشرك بالله ديناً في دولته الكريمة؟ بل كيف تكون دولة كريمة وفيها يصول ويجول المعاند والمشرك؟! أليس مأموراً بتطهير الأرض من دنسهم ودنس بدعهم وعقائدهم؟! وهل عناد أبين ومكابرة أعظم من التديّن بالأباطيل في دولة الحقّ

ص: 209

تحت لواء التوحيد؟!

لا أدري كيف تجاسروا على الإمام روحي فداه وعلى لواء الحمد والتوحيد حتّى جعلوه جنباً إلى جنب مع رايات الباطل وألوية الضلال وأعدائه في صفّ واحد مع الأباطيل والبدع؟ ونسوا أو تناسوا أنّ السكوت عن الحقّ مع القدرة المطلقة والمكنة التامة شيطنة، وأنّ الساكت عنه في مثل ظروفه صلوات الله علیه شیطان أخرس، وحاشاه ألف مرّة ومرّة عن أن ينعت بمثل هذه الكفریّات والأوهام، نعوذ بالله تعالى من ذلك ونستغفره ألف مرّة.

ثمّ إنّ هؤلاء السفهاء المتسكّعين تمادوا أكثر في غيّهم حتى زعموا أنّ رسالة المهدي صلوات الله وسلامه عليه ترتكز على التأليف بين قلوب الجماعات الإسلاميّة، ودیدنها التوحيد بين صفوفها، وإيجاد الوحدة و سبيل التعايش السلمي بين هذه الطوائف على اختلاف عقائدها وأحكامها، أصولها وفروعها، کُلّیّها و جزئيّها بعدم المساس بشيء منها، عقائد كانت أو أحکاماً، جاهلين أو متجاهلين، ناسين أو متناسين أنّ المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ هو الفاروق الذي ادّخره الله تعالى للتفريق بين الحقّ والباطل، وهو الفرقان وبیده لواء الفرقان، وفي رايته فصل الخطاب، وعنه قال تعالى:

ص: 210

﴿وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً﴾(1).

فهل يعقل أن يصافح الباطل ويحتضنه ويتّحد به أو يتعايش معه؟! وهل يمكن الجمع بين الحقّ والباطل؟ وأين وجه الشبه ونقطة الاشتراك بينهما حتّى يجد صيغة مشتركة للتعايش والتسالم بینها؟! إلّا أن تتمّ المداهنة بينها فيتنازل هذا عن شيء من حقّه ويتنازل ذاك عن شيء من باطله ، على حدّ قوله تعالى :﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ (2)، وهذا هو المستحيل بعينه.

والأحاديث تكذّب مثل هذه المزاعم والأساطير، بل صريحة تنصّ على عكسها، وتخالفها جملة وتفصيلاً، فهي تنصّ على أنّ صاحب الأمر صلوات الله عليه لا يخرج إلّا لقتالهم والقضاء عليهم، و تنکيس رايتهم، ودحض مذاهبهم ومعتقداتهم، بل تزيد حتّى يخرج لهم أسيادهم وأصنامهم التي يدعون من دون الله تعالى من قبورهم -أي يردّ عليهم ثوب الحياة ويدمدم فيهم الروح- ويصلبهم ويحرقهم ويذرو رمادهم ذرو الرياح وما شابه ذلك، فأين هذه الأحاديث من هذه الوحدة المزعومة، ودعوى التعايش السلمي

ص: 211


1- سورة الإسراء : الآية 81.
2- سورة القلم : الآية 9.

الذي لا أساس له من الصحّة، ولا صلة له بالواقع و شريعة السماء؟!

إذن دولة صاحب الأمر أرواحنا له الفداء دولة الحقّ المطلق، لا يحيا فيها عدا ما كان حقّاً وصدقاً؛ لأنّها دولة التوحيد لا دولة الوحدة الإسلاميّة، كلّا، هذه الوحدة المزعومة ثوب لا يليق إلّا بأهله من الأعيان والوجوه المحترفين للألعاب السياسيّة والممارسين المنافساتها و مسابقاتها، أمّا المهدي المنتظر عليه الصلاة والسلام فلا تليق به مثل هذه الأباطيل وهو منزّه عنها.

ص: 212

الدرس الخامس عشر: علامات الظهور -1

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

ذكرنا في مقدّمة الحلقة الأولى من هذا الكتاب أنّ انتظار المصلح الأعظم، والاعتقاد بالمنقذ الأكبر على الإطلاق في آخر الزمان، أمر مسلّم لدى كافّة الأديان السماويّة، وأطبقت الأديان على ضرورة خروجه، رغم ما هي عليه من اختلافات فاحشة في الأمور العقائديّة والأحكام الفرعيّة، وهكذا اختلافها في شخص المنقذ بعينه، وفي خصائصه وأوصافه الذاتيّة، وسائر ما تحوم حوله من الخصائص الاجتماعيّة والسياسيّة، والحوادث والعوارض والأحداث والمعالم، فإنّ عموم هذه الحقيقة وكلّية هذا المعتقد في هذه المذاهب والأديان غدت أوضح ممّا يفتقر إثباتها إلى دليل وبرهان، ويجد الباحث التصريح بهذا المعتقد في العهد العتيق والعهد الجديد.

ص: 213

فليس الاعتقاد بالمنقذ الأعظم والمصلح الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً من خصائص الإسلام، وإن كان للإسلام نصيب الأسد والحظّ الأوفر، والرأي السديد الأقوم في حقيقة المهدويّة، وله القول الفصل في تبيين معالمه، وتحديد أوصافه وعلاماته ونعوته، بل تشخيصه بعينه، وهذا ما صنعه أئّمة أهل البيت صلوات الله عليهم، درءاً منهم لكلّ نزاع محتمل حوله، ودفعاً لكلّ لجاجة وعناد، فلا تشكيك ولا جدال في حقيقة الغائب عن الأنظار، وضرورة الاعتقاد بظهوره في آخر الزمان.

وإذا كان المنقذ الأعظم حقيقة كلّية قابلة للانطباق على كثيرين من غير تحديد -كما هو الحال في الديانات الأخرى- ثمّ تقلّصت هذه العموميّة، وضيّق ذلك الإطلاق لدى معظم الفرق الإسلاميّة، ليكون هو المهدي المنتظر من ذرّيّة الصدّيقة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، فلم يخرج عن كونه حقيقة كلّية أيضاً، وإن ضاقت دائرة انطباقه، فإنّ العترة الهاديّة أعرضت عن الكلّيات والعموميّات والاطلاقات، ولم تبال بها، وإنّما أشارت إلى الحقيقة العينية بالبنان، وصرّحت بشخصه المتشخّص المتعيّن في كلّ زمان، وأفصحت عنه بكلّ ما يتصف به من خصائص ونعوت تفصيليّة، وما تحيط به من ظروف وأحداث و علائم قريبة أو بعيدة، ليقطعوا بذلك دابر

ص: 214

ما قد يثار حوله من جدال، ويفوّتوا الفرصة على من أصيب بداء التخرّص والتشكيك.

وبذلك قد وضعوا حدّاً للفوضى العارمة التي قد تتيح مجال الزور والتزوير أمام دعاة المهدويّة، واختلاق الشخصيّات المقدّسة، وتقمّص أدوارها زوراً وبهتاناً، ومنعاً لعامّة النّاس عن الافتتان بالشعارات الإصلاحيّة الواهية، والرايات الباطلة الضالّة المنسوبة إلى من يزعمون الإصلاح، حتّى يكون عامّة الناس وهكذا خيارهم من طالبي الحقّ على بيّنة من أمرهم، لا يتيهون عن جادّة الحقّ والصواب، ولا يقعون فريسة لمآرب هذا وذاك ، ولئلا يزول الحق عن مقرّه، ويغلب الباطل على أهله، ولا يكون للنّاس على الله حجّة، بل لتكون الحجّة البالغة لله سبحانه وتعالى، لهذا بلغ اهتمامهم بشأن المهدي صاحب الأمر أرواحنا فداه ذروته، وما تركوا صغيرة ولا كبيرة تهدي إليه، وتفصح عن جمال وجهه الكروبي، وتزيح حجاب الجهل منّا عن أنوار وجوده المكلوتيّة، إلّا أحصوها، وأحاطونا بها علمأ، ليكون أمر صاحب الزمان أرواحنا له الفداء أبين من شمس الظهيرة، وأوضح منها في كبد السماء.

فما هي علائم الظهور التي يمكن الاعتماد عليها؟ ووضعها نصب أعيننا؟ وأخذها بعين الاعتبار ؟ لكي نبني قناعاتنا و تأملاتنا عليها؟

ص: 215

وكيف نميّز المهدي الموعود صلوات الله عليه عن دعاة المهدويّة المزيّفين؟ حتّى لا تلتبس علينا الأمور، ولا يلتبس الحقّ بالباطل، ولا نقع فريسة أهوائنا فنكون ممّن باع آخرته بدنياه، ولا أهواء الشخصيات المزوّرة الدخيلة على الدين، المتلبّسة برداء التقوى والصلاح من أهل الدنيا، وطالبي الرئاسة والزعامة تحت لواء الدين، فنكون ممّن باع آخرته بدنيا غيره.

ثمّ ما هو المحتوم المؤكّد المقطوع به من تلك العلائم؟ وما هو محتمل الوقوع وعدمه منها، الذي يخضع لقانون البداء في قوله تعالى: ﴿یمحوا الله ما یشاء ویثبت وعنده ام الکتاب﴾(1)؟ وماهي العلامات الصحيحة وغير الصحيحة؟ وما هي العلامات القريبة والبعيدة؟ وعلى كلّ حال، كيف يعرف المنتظر المتأهّب المشتاق إلى ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ و عجّل الله تعالی فرجه الشريف، أنّ وقت الظهور قد حان؟ بم يستدلّ العاشق الولهان على قرب ظهوره عجّل الله تعالى فرجه؟ وأخيراً، ما هي الشروط التي يجب توفّرها حتّى يحين ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ، وما الفرق بينها وبين تلك العلامات الدالّة على ظهوره صلوات الله وسلامه عليه؟

ص: 216


1- سورة الرعد : الآية 39.

ولنبدأ في الإجابة من السؤال الأخير:

مقدّمة:

إعلم أنّ أظهور مولانا صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه شروطأ لا يتمّ حلقات ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ إلّا باكتمال تلك الحلقات المفقودة، وهي الشرائط التي تكون بمثابة العلل المعدّة، لا يتحقّق المشروط إلّا بعد تماميّة شروطه، ولا يتمّ المعلول إلّا بعد تحقق علله، لاسيمّا الجزء الأخير من علّته، ولا يختلف جریان وقانون العليّة والمعلوليّة هنا عن سائر موارده، ولا يقبل استثناءً قطّ، بحكم العقل القطعي الذي لا يقبل النقاش، فهو على إطلاقه لا يطرو عليه التقييد.

وكيف كان فإنّ الشرط عبارة عمّا لا يقع المشروط إلّا به، کالمعلول الذي لا يقع إلّا بوقوع علّته، ولا يوجد إلّا بوجودها، حتّى إذا تّمت العلّة وقع المعلول تلقائيّاً، من غير حالة انتظار، وليس الأمر هكذا على إطلاقه بالنسبة إلى الأمارات والعلامات؛ إذ الأمارة والعلامة ليس إلّا دليلاً يرشد إلى قرب الوقوع أو بعده، فلا يتوقّف الظهور على تحقّق العلامة الدالّة عليه، وبينها بون شاسع، نعم ربّما خلط البعض بين ما هو شرط للظهور ، وما هو علامة دالّة عليه، ولهذا السبب عمدت بإيجاز واختصار، وفي هذه العجالة، إلى التفريق بين ما هو شرط، وما هو علامة، حتّى يتبيّن لنا الخيط الأبيض من الخيط

ص: 217

الأسود من فجر الظهور، وإن كنّا لا نمنع أن يكون الشرط علامة في الوقت ذاته، فإذا صحّ أن تكون العلامة دليلاً دالاًّ على الشيء وعلى وقوعه، فالشرط دليل عليه بطريق أولى، ودلالته تثبت بالأولوية القطعيّة، ولهذا لا مانع من كون الشرط علامة أيضاً، أو قل: لا مانع من التعبير عن الشرط بالأماريّة والعلامیّة.

وبما أنّ تحديد هذه الشرائط والعلائم، والإخبار عنها يعدّ من الغيب الذي استأثر الله علمه بذاته المقدّسة، وأطلع صفوة عباده المعصومين من الأنبياء والأئمّة عليهم السلام أجمعين، على ما شاء منه، متى شاء، فلا طريق للتخرّص والظنّ والتوهّم، بل علينا بالكتاب والسنّة الصحيحة، والمتواترةوالمستفيضة والمشهورة، لدى جمهور المحقّقين، وأعلام الطائفة الملحقّة، رضي الله تعالى عنهم.

ونحن نتدرّج في سرد العلائم، بدءاً بالعلائم العامّة، ثم الخاصّة، ثمّ نقسّم الخاصّة منها إلى قريبة وبعيدة، ثمّ نقسّم القريبة منها إلى الحتميّة وغيرها، ثمّ نختم بحثنا إن شاء الله تعالى ببيان الشروط اللازمة والعلل المعدّة والأسباب الممهّدة لظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ.

إذن يقع الكلام هنا عن:

أولا : علامات الظهور وأقسامه.

1- الحتمية وغير الحتمية.

ص: 218

2- القريبة والبعيدة.

3- المحتومة القريبة ، والمحتومة البعيدة.

4- غير المحتومة القريبة ، وغير المحتومة البعيدة.

ثانياً: ثمّ يجري الكلام في شرائط الظهور .

ثالثاً: الفرق بين شرط الظهور وعلامته.

رابعاً: أنّ بعض العلامات شرائط ، وكلّ ما هو شرط فهو علامة، فليس كلّ علامة شرطاٌ، أي بينها نسبة العموم و الخصوص مطلقاً.

خامساً: البحث في معنى المحتوم والبداء.

ولهذا كان الاهتمام من قادة الإسلام ببيان علامات الظهور في كلّ مناسبة من المناسبات ، وكان الاهتمام من قبل أصحابهم بالسؤال والاستفسار عن هذه العلائم، أمراً طبيعياً، لما في حقيقة الظهور من آيات وبیّنات و آثار و برکات، لا يرقى إلى مستوى إدراكها سوی من ذاق حلاوة الإيمان، وطابت نفسه به، ونزل به اللأواء، وتحمّل في سبيل إيمانه كلّ أنواع المشقّة والعناء، هذا الذي يدرك أهمّية الظهور، وعظمة الانتظار، ويقضي ليله ونهاره بحثاً و تفحّصاً عن علائم ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ.

من هنا وقع جلّ اهتمام أعلامنا الأخيار طيّب الله ثراهم وقدّس أسرارهم في التحقيق والتأليف والتصنيف في هذا المجال، وبذلوا أفضل

ص: 219

ساعات حياتهم، وفاء منهم بالعهد الذي قطعوه على أنفسهم، وكرّسوا من أجله حياتهم وسعادتهم، أن يظهروا الحقّ ويفصحوا عنه، ولا يكتموا منه شيئاً.

فالعلامات المروية عن أئمّة أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ، وقد رواها أصحابنا رضوان الله عليهم بأسانيدهم المتّصلة، كالنعماني والشيخ الطوسي في كتابي : الغيبة(1)، والمفيد في الإرشاد(2)، وغيرهم(3).

منها: بعید ، مثل اختلاف بني العبّاس و زوال ملكهم، وغير ذلك.

ص: 220


1- الغيبة / الطوسي: 441 - 448. الغيبة / النعماني : 278، 278، 289، 250، 252.
2- الإرشاد : 368/2، 372، 375.
3- روضة الواعظين: 262 و 263. قرب الإسناد : 370. الإمامة والتبصرة: 129. الكافی: 310/8. الخصال : 303. كمال الدين : 146، 328، 649. شرح أصول الکافی : 252/6، 254، 268 و: 321/11 ، 412، و: 82/12 ، 281، 291، 367، 434، 435. وسائل الشيعة: 498/6 و 52/15-56. رسائل في الغيبة : 4/3. تاج المواليد: 70. الخرائج والجرائح : 1153/3، 1156، 1169.المستجاد من الإرشاد: 253، 259. الصراط المستقیم: 248/2، 250. مدينة المعاجز: 325/7. بحارالأنوار: 119/52، 181، 183، 184، 193، 202، 204، 211، 212، 219، 222، 237، 268، 269، 304.

ومنها: قريب، كخروج السفياني، وطلوع الشمس من مغربها، وغير ذلك.

ومنها: محتوم، كما نصّ عليه في الروايات، کالسفياني، واليماني، والصيحة من السماء، وغير ذلك.

ومنها: غير محتوم.

قال المفيد -بعد سرده لعلامات الظهور كما سيأتي -: «ومن جملة هذه الأحداث محتومة، ومنها مشترطة »(1).

أقول: ولعلّ المراد بالمحتوم ما لا بدّ من وقوعه ولا يمكن أن يلحقه البداء الذي هو إظهار بعد إخفاء لا ظهور بعد خفاء، والذي هو نسخ في التكوين، كما أنّ النسخ المعروف نسخ في التشريع وبغير المحتوم أو المشترط ما يمكن أن يلحقه البداء والمحو والنسخ في التكوين یمحو ااالله ما يشاء فهو مشترط بعدم لحوق ذلك.

قال المازندراني قدَّس سرُّه: عن الفضيل، قال : «سمعت أبا جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ يقول: من الأمور مور موقوفة عند الله »، الأمور قسمان:

ص: 221


1- الإرشاد: 370/2 . وهكذا قال النيسابوري في روضة الواعظين : 263، والطبرسي في تاج المواليد : 76، وغيرهم في كتبهم.

القسم الأوّل: أمور محتومة حتمها الله تعالى قبل أوان وجودها، وهو يوجدها في أوقاتها لا محالة، ولا يمحوها، ومن هذا القبيل ما مرّ من أنّ ما علّمه ملائكته ورسله فإنّه سيكون ، وما رواه الصدوق عن أبي الحسن الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ حين قال له سلمان المروزي: ألا تخبرني عن ﴿إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِی لَیْلَةِ الْقَدْرِ﴾ في أي شيء أنزلت ؟

قال : « یا سلیمان، ليلة القدر يقدّر الله تعالى فيها ما يكون من السنه الى السنه، من حیاه أو موت، أو خیر أو شرّ، أو رزق، فما قدّره ااالله في تلك الليلة فهو من المحتوم».

والقسم الثاني: أمور غير محتومة حتمها موقوف على مشيّةٍ وإرادةٍ حادثةٍ في أوقاتها « يقدّم منها ما يشاء ويؤخّر منها ما يشاء»، فعلم من ذلك تجدّد إرادته تعالى في القسم الثاني، و هو معنى البداء.

وقيل: المراد بالأمور المحتومة: الأمور الماضية، وبالأمور الموقوفة: الأمور الآتية، ولا بداء في الأولى؛ إذ الماضي لا قدرة عليه بخلاف الآتي، وفيه أن الأمور الآتية قد تكون محتومة كما ذكرنا سابقاً، ودلّ عليه أيضاً حديث مولانا الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ»(1).

أقول: إنّ الأشياء كلّها في علم الله تعالى الأزلي محتومة مقطوعة ،

ص: 222


1- شرح أصول الكافي : 244/4.

لا ترديد في علمه تعالى، وما من شيء في علمه تعالى إلّا مقطوع محتوم، إمّا محتوم الوقوع ومقطوعه، وإمّا مقطوع الانتفاء ومحتوم عدم وقوعه، ولا ثالث لهما.

نعم، شاءت المشيئة الإلهيّة بقضائه وقدره المحتومين، أن يترك بعض الأمور معلّقة على إرادة البشر وأفعالهم، ويشترط وقوعها وعدم وقوعها بحسن اختيارهم و تدبيرهم وأفعالهم، أو بسونها؛ لكونها في الحقيقة أموراً ترتبط بهم ارتباطاً مباشراً وصريحاٌ، لا ينفكّ تأثير إرادتهم عن وقوعها وعدم وقوعها، وإن كان وقوعها وعدم وقوعها بيد باریها جلّت قدرته ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾(1)، ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾(2) ﴿یَمْحُو اللهُ مَا یَشَاءُ وَ یُثْبِتُ وَ عِندَهُ أُمُّ الْکِتَابِ﴾(3).

وإن كان كلّ ذلك في علم الله عزّ وجلّ معلوماً محتوماً مقطوعاً، يعلم هل يوفّق خيرها فيقع المشروط بوقوع شرطه؟ أو لا يقع لعدم وقوع شرطه؟ وهكذا في جانب الشرّ، هل سيصدر منه ما يحقّق

ص: 223


1- سورة الإنسان : الآية 3.
2- سورة الكهف : الآية 29.
3- سورة الرعد : الآية 39.

شرط وقوع الشرّ عليه؟ فيقع المشروط بتبع وقوع شرطه؟ أم لا يصدر منه ذلك، فينتفي المشروط لانتفاء شرطه؟

مثلاً: قد يكون المقدّر لزيدٍ أن يعيش أربعين عاماً، ويترك بیده الاختيار تبعاً لإرادته، أن يصل رحمه ويتصدّق ويبرّ بوالديه، فيكتب له ثمانين عاماً، ويقدر له ذلك، فإن لم يصل ولا تصدّق ولا برّ بوالديه بقيت له الأربعون، وقد يقطع رحمه، ويؤذي الفقير والمسكين، ويعقّ والديه فيدنو أجله، ويقصر عمره، حتّى لا يعيش أكثر من ثلاثين سنة، مثلاً.

هذا هو التقدير القابل للتغيير تبعاً لأفعال المكلّفين والعباد، وأمّا بالنسبة إلى قضاء الله تعالى فهو محتوم مقطوع لاتردید فيه؛ لأنّه يعلم أنّ هذا سيكون أم لا؟ وأنّ أي الاختبارات ستقع عليه إرادة العبد.

وهذا هو الفارق بين القضاء والقدر على نحو الإجمال الشديد، وقد تعرّضنا لها بشيء من التفصيل في الحلقة الثانية من كتابنا (كيف نفهم الرسالة العمليّة).

وروى الكليني رَحْمَةِ اللَّهِ بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ، قال : «إنّ لله علمين؛ علم مکنون مخزون، لا يعلمه إلّا هو، من ذلك يكون

ص: 224

البداء، وعلم علّمه ملائكته ورسله وأنبياءه، فنحن نعلمه »(1).

وفي معناه روايات أخرى مرويّة في البحار وغيره وهو حديث مستفیض مؤيّد بالعقل، وبه يضعف صحّة ما روي في بعض الأخبار، من أنّ بعض الأنبياء أو الأئمّة عَلَيهِم السَّلَامُ أخبروا بأشياء على البتّ والقطع والحتم، فلم يقع ما أخبروا به، أو لم يقع على الوجه الذي أخبروا به بسبب البداء ومن أجله.

وإنّما لا نقبل بهذا الكلام وإن نسب إليهم عَلَيهِم السَّلَامُ؛ لأنّ الثقة تتزلزل وتتزعزع، والاعتماد يرتفع ويسقط عن أخبار حجج الله تعالى عَلَيهِم السَّلَامُ، بل تسقط الحجّية عن أقوالهم وأحاديثهم وأخبارهم.

لكنّ العلّامة المجلسي طاب ثراه ومن قبله صدر المتأّلهين التزما بصحّة تلك الأخبار والأحاديث، وأنّ الأئمّة عَلَيهِم السَّلَامُ ربّما لم يطّلعوا على لوح المحو والإثبات، وأخبروا بشيء لم يقع على ما أخبروا.

قال العلّامة المجلسي: «أنّه يظهر من كثير من الأخبار المتقدمة أنّ البداء لا يقع فيها يصل علمه إلى الأنبياء والأئمّة عَلَيهِم السَّلَامُ، ويظهر من كثير منها وقوع البداء فيما وصل إليهم أيضاً، ويمكن الجمع بينها بوجوه ...الثاني: أن يكون المراد بالأولة الوحي، ويكون ما يخبرون به من جهة

ص: 225


1- بصائر الدرجات: 129. الكافي : 147/1.

الإلهام، واطّلاع نفوسهم على الصحف السماويّة»(1)، يعني يكون ما يخبرون به ويقع فيه البداء ممّا ألهموا به، لا من الله من اللوح المحفوظ، بل باطّلاع نفوسهم على الصحف السماويّة، فيكون إخبارهم بها من قبل أنفسهم، لا على وجه التبليغ، وأمّا ما أمروا بتبليغه فلا يقع فيه البداء.

والصحف السماويّه التي ذكرها صدر المتألّهين -كما سيأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى-.

والاشكال الذي يرد هنا هو الفرق بين الوحي والإلهام، وجواز الخطأ والتغيير في الثاني دون الأوّل، وهو غير سليم، إذ لو صحّ هذا لكان إخبارهم بخلاف الواقع قادحاً في عصمتهم فلا فرق بينهما.

ثمّ نقول: هل الأئمة عَلَيهِم السَّلَامُ يميزون بين ما ألهموا به، وبين ما أوحي إليهم ممّا لا يقبل التغيير؟ -هذا على فرض التسليم بأنّهم يوحى إليهم بهذا المعني -أو لا يميّزون بين هذا وذاك؟ وبعد التمييز ، هل يعلمون أنّ ما اطّلعوا عليه في الصحف السماويّة ربّما لا يكون موافقاً للواقع؟ أو لا يعلمون بذلك؟ وإن علموا، هل يخبرون بما رأوا على سبيل البتّ والقطع؟ أو لا يخبرون إلّا على وجه الاحتمال، ولا بدّ للعلّامة

ص: 226


1- بحار الأنوار : 133/4.

المجلسي رَحْمَةِ اللَّهِ أن يجيب بأنهم يميّزون ، وأنّهم لا يخبرون في ما رأوا إلّا على وجه الاحتمال ، فيرجع جوابه رَحْمَةِ اللَّهِ إلى الوجه الرابع الذي نقله الشيخ الطوسي أعلى الله مقامه ، وهو : « أنّ الحجج عَلَيهِم السَّلَامُ لم يخبروا قطّ بشيء يقع فيه البداء على البتّ»، وهو الكلام القاطع لمادّة الإشكال.

وإن توهّم متوهّم أنّ نبيّاً أو وصيّاً التي في روعه شيء ولم يميّزبين کونه محتوماً أو غير محتوم، تطرّق -نعوذ بالله- إلى جميع أحكام الشرائع والمبدأ والمعاد احتمال الخطأ برفع العصمة.

ثمّ قال العلّامة المجلسي قدّس الله روحه: « الثالث - أن تكون الأوّلة -يعني عدم البداء- محمولة على الغالب فلا ينافي ما وقع على سبيل الندرة»(1)، وهو ضعيف جدّاً، إذ تطرّق الخطأ إلى الوحي والإلهام ولو مرّة واحدة يرفع الاعتاد ويضع الثقة عن أقوال الأنبياء والأئّمّة، ولا يجوز الغلوّ في تصحيح الروايات بحيث يلزم منه إبطال أصل الشريعة.

فنحن نعتقد اعتقاداً جازماً أنّ الحجج والأئمّة عَلَيهِم السَّلَامُ معصومون من كلّ عيب ظاهري و باطني، و من كلّ منقصة أدركتها عقولنا أو لم تدركها، ومعصومون ممّا لا تدرکه عقولنا القاصرة ولا فطرتنا

ص: 227


1- بحار الأنوار :133/4.

الناقصة، وممّا لا يقبل الوصف فضلاً عن إدراك غير أهل العصمة لها، فعصمتهم عَلَيهِم السَّلَامُ فوق حدود تعقّلاتنا غير المعصومة، وفوق حدود إدراكاتنا القاصرة، ونفوسنا الضعيفة، وفوق تصوّر الخلائق ولهذا قال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه لعلي أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «يا عليّ، ما عرف الله إلا أنا وأنت، وما عرفني إلا الله وأنت، وما عرفك إلّا الله وأنا»(1)، وحكم الصديقة الطاهرة في هذا الموضع وهذه المعرفة المطلقة -وحقّ المعرفة- هو عين حكم أبيها رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، كما أنّ حكم معرفة أئمّتنا الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين عين معرفة مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه.

فإذن هم معصو مون جميعاً عن الاتّصال بالنفوس الجاهلة، وعن أن يغلطوا فيا يوحى إليهم، ولا يمكن أن يظنّوا ما ليس بحقًّ أنّه من عند الله تعالى وأنّه وحي مطابق للواقع.

وقال صدر المتألّهين رَحْمَةِ اللَّهِ: « إنّ القوى المنطبعة الفلكيّة لمّا حصل لها العلم بموت زید بمرض كذا، في ليلة كذا، لأسباب تقتضي ذلك، لم يحصل لها العلم بتصدّقه الذي سيأتي به قبل ذلك الوقت لعدم اطّلاعها على أسباب التصدّق بعد، ثمّ علمت به وكان موته بتلك

ص: 228


1- مختصر البصائر : 125. المحتضر: 38. مدينة المعاجز: 439/2.

الأسباب مشروطأ بأن لايتصدّق فتحكم أولاً: بالموت ، وثانياً: بالبرء، وإذا كانت الأسباب لوقوع أمرٍ ولا وقوعه متكافئة، ولم يحصل لها العلم برجحان أحدهما بعد، لعدم مجيء أوان سبب ذلكالرجحان بعد، كان لها التردّد في وقوع ذلك الأمر.. فإذا اتّصلت بتلك القوى نفس النبيّ أو الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ، وقرأ فيها بعض تلك الأمور فله أن يخبر بما رآه بعين قلبه، أو شاهده بنور بصيرته، أو سمع بأذن قلبه »(1)، انتهى كلامه.

ولعلّه أراد أنّ الحجة عَلَيهِ السَّلَامُ يخبر بما رآه وسمعه لاعلى سبيل البتّ والقطع، بل على سبيل الاحتمال والترديد، ثمّ نقول: اطّلاع بعض والنفوس والقوى على الغائبات أمر ممكن صحيح، سواء قلنا بالفلك والنفوس المنطبعة، أو لم نقل بها؛ إذ لا ريب في وجود موجودات مجرّدة غيبيّة لهم علم بما سيأتي كما يظهر لنا في الرؤيا الصادقة، ونسمّيهم ملائكة، وإن سماّهم نفوساً فلكيّة، ولا يبعد عدم علم بعضهم بجميع الشرائط کا ذکره رَحْمَةِ اللَّهِ، وأما اطلاع الأئمة عَلَيهِم السَّلَامُ واتصال نفوسهم بتلك النفوس فهو ممكن أيضاً، لكن لا يشتبه عليهم الأمر بأن يظنّوا ما ليس بمحتوم محتوماً، وما ليس بمقطوع مقطوعاً، ويخبروا به

ص: 229


1- شرح اُصول الکافی: 245/4

على البتّ والقطع؛ إذ هذا محال.

ثمّ إنّ كلامه هذا مبني على خیالات العرفاء وأوهامهم، ليس في الأحاديث والأخبار ما يعضده ويؤيّده، بل على العكس من ذلك يعدّ هذا تنقيصاً لشأن الحجج الإلهية عَلَيهِم السَّلَامُ؛ ذلك أنّ الأدلّة تشير إلى أنّ علومهم حضوريّة لدنيّة، والعلم الحضوري لا يقبل احتمال الخطأً، وإلّا لم يكن علأ حضوريّا؛ إذ من ضروريات العلم الحضوري إصابته الواقع بعينه وعدم تخلّفه، وإلّا استلزم الخلف ، ولزم منه التناقض المحال، وحصول العلم بشيء دون شيء كما في مثاله رَحْمَةِ اللَّهِ يناسب أصحاب النفوس غير القدسيّة، ولا يناسب شأنهم، إذ تلك النفوس القدسيّة لها قابليّة الاتّصال بطلق المعلوم، ولا تخبر عمّا لم يمضه قلم المحتم الإلهي، إلّا ما شاء الله، وهو على كلّ شيء قدير، وحينئيذٍ فلا بدّ أن يؤكّد عدم حتميّتها بقرينة متّصلة أو منفصلة حتّى لايضرّ بحجّيّة إخباره وحديثه، والله تعالى هو العالم.

وعن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ، قال : «إن الله لم يبد له من جهل »(1)، أي لم ينشأ منه حكم بمحو الثابت من أجل الجهل برعاية جهات حسنه ومصالحه، واعتبار ما ينبغي له، ثمّ علم اشتماله على الخلل والفساد،

ص: 230


1- الكافي : 148/1.

فمحاه، كما هو شأن النافعين في العلم، وكذا لم ينشأ منه حكم بإيجاد المعلوم في الوقت المعلوم لا قبله، من أجل الجهل به قبله، لتعاليه عن الجهل، بل كلّ ذلك لأجل مصالح وشرائط لا يعلمها إلّا هو، وفي هذين الحديثين -السابقين- إشارة إلى أن بداءه تعالى ليس بداء ندامةٍ ولا بداء جهلٍ.

وعن مالك الجهني، قال : سمعت أبا عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ يقول: «لو علم النّاس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه »(1)؛ لأنّ السعي في الشيء على قدر عظمته وزيادة أجره، وفي هذا الإبهام دلالة على عظمة الأجر في هذا القول. كيف لا وفيه اعتراف بتقديره تعالى وتدبيره وقدرته على إيجاد الحوادث، واختياره في إفاضة الوجود على ما تقتضيه الحكمة والمصالح، واقتداره على ما أراد عدمه، وإبقاء ما أراد بقاءه، وفيه أيضأ خروج عن قول اليهود القائلين بأنّه تعالى قد فرغ من الأمر فراغاً لا يريد، ولا يقدر ولا يدبّر بعده شيئاً، وعن قول الحكماء القائلين بأنّه واحد لا يصدر عنه إلّا الواحد، وينسبون ما زاد إلى العقل، وعن قول بعض المعتزلة القائلين بأنّه خلق الأشياء كلّها دفعة واحدة، ثمّ يظهر وجوداتها متعاقبة بحسب

ص: 231


1- الكافي: 148/1. التوحيد : 334.

تعاقب الأزمنة، وعن قول الدهريّة القائلين بأنّ الجالب للحوادث هوالدهر، وعن قول الملاحدة القائلين بأنّ المؤتر هو الطبائع.

والعلّامة المجلسي قدَّس سرُّه و بعد ما ذكر التوجيهات التي نقلها عن سائر العلماء قدّس الله أسرارهم- وزيفها جميعاً، قال : « ولنذكر ما ظهر لنا من الآيات والأخبار بحيث تدلّ عليه النصوص الصريحة ولا يأبي عنه العقول الصحيحة، فنقول وبالله التوفيق -أي الأئمّة الهداة صلوات الله عليهم -إنّهم إنّما بالغوا في البداء ردّاً على اليهود الذين يقولون : إنّ الله قد فرغ من الأمر وعلى النظام، وبعض المعتزلة الذين يقولون : إنّ لله خلق الموجودات دفعة واحدة على ما هي عليه الآن معادن ونباتاً وحيواناً وإنساناً، ولم يتقدم خلق آدم على خلق أولاده، والتقدّم إنّما يقع في ظهورها لا في حدوثها ووجودها، وإنّما أخذوا هذه المقالة من أصحاب الكمون والظهور من الفلاسفة، وعلى بعض الفلاسفة القائلين بالعقول والنفوس الفلكيّة، وبأنّ الله تعالى لم يؤثر حقيقة إلّا في العقل الأوّل، فهم يعزلونه تعالى عن ملكه، وينسبون الحوادث إلى هؤلاء، فنفوا عَلَيهِم السَّلَامُ ذلك وأثبتوا أنّه تعالى كلّ يوم في شأن من إعدام شيء وإحداث آخر، وإماتة شخص، وإحياء آخر، إلى غير ذلك »(1).

ص: 232


1- بحار الأنوار : 130/4.

الدرس السادس عشر: علامات الظهور - 2

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

ثمّ اعلم أنّ بعض العلامات البعيدة تكون من المحتومات التي لابدّ من وقوعها، كما أن بعض العلامات القريبة عدّت من المحتومات، وهي خمسة كما سيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى، ولهذا فقد وقع الخلاف بين جملة من الأخبار في ذكر المحتومات وعددها ؛ إذ في بعضها زوال ملك بني العبّاس واختلافهم وغير ذلك، وملاحظتها نعلم أنّ هذه الأحاديث إنّما كانت ناظرة إلى المحتوماتأعمّ من كونها قريبة من عهد الظهور أو كانت بعيدة منه، وأنّ تلك الأخبار الناصّية على الخمسة، والمعاصرة لها كذلك، إنّما هي ناظرة إلى العلامات المحتومة القريبة على وجه الخصوص، فلاتهافت ولا تداخل بين هذه الروايات.

ص: 233

وسيأتي إن شاء الله تعالى أنّ من هذه العلامات قسماً آخر هو العهد المعهود الذي لا يقبل نسخاً ولا بداءً، فلعلّ الذي لا يقبل التغيير هو هذا کا ورد في بعض الأحاديث، وأمّا البواقي فتقبل التغيير ويمكن ورود البداء عليها، ولحوق التغيير بها، حتّى المحتومة منها، وعلى ما يبدو ليس له إلّا فرد واحد، ومصداق واحد هو صاحب الأمر مولانا المهدي المنتظر صلوات الله وسلامه عليه، فهو الذي لا يخلف فيه الميعاد، وأمّا غيره عَلَيهِ السَّلَامُ فهو قابل للتغيير محتوماً كان أو غير محتوم، قريبا كان أو بعيداً.

فأمّا المحتوم، فقد اختلفت الروايات في تعداده زيادة ونقيصة، ففي بعضها: خمس علامات محتومات قبل قيام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ: السفياني، واليماني، والمنادي من السماء باسم المهدي، وخسف في البيداء، وقتل النفس الزكيّة(1).

وفي بعضها: قال من المحتوم وعدّ المذكورات أيضاً، إلّا أنّه ذكر طلوع الشمس من مغربها، واختلاف بني العبّاس في الدولة بدل

ص: 234


1- الكافی: 310/8 . كمال الدين : 650. الغيبة / النعمانی: 252، 289. بحار الأنوار: 204/52، 304. الإرشاد: 2/ 360، 289. الغيبة / الطوسی: 271، 267. الخصال : 303. دلائل الإمامة : 261.

اليماني والخسف، وعدّ معها قيام القائم من آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه(1).

قال النعماني رَحْمَةِ اللَّهِ في غيبته: « هذه العلامات التي ذكرها الأئمّة عَلَيهِم السَّلَامُ من مع كثرتها، واتّصال الروايات بها، وتواترها، واتّفاقها موجبة أن لا يظهر القائم عَلَيهِ السَّلَامُ إلّا بعد مجيئها وكونها؛ إذ كانوا قد أخبروا أنّه لا بدّ منها وهم الصادقون حتّى إنّه قيل لهم نرجو أن يكون ما نؤمّل من أمر القائم ولا يكون قبله السفياني، فقالوا: «بلى والله ! إنّه لمن المحتوم الذي لا بدّ منه »، ثمّ حقّقوا كون العلامات الخمس (أي : اليماني، والسفياني والنداء من السماء، وخسف البيداء ، وقتل النفس الزكيّة) التي هي أعظم الدلائل على ظهور الحقّ بعدها كما أبطلوا أمر التوقيت وقالوا:« من روی لكم عنّا توقيتاً فلا تهابوا أن تكذّبوه کائناً ما كان، فإنّا لا نوقّت»، وهذا من أعدل الشواهد على بطلان أمر كلّ من ادّعى أو ادّعي له مرتبة القائم ومنزلته، و ظهر قبل مجيء هذه العلامات »(2)، انتهی.

وقال المفيد رَحْمَةِ اللَّهِ في الإرشاد:«قد جاءت الآثار بذكر علامات

ص: 235


1- شرح أصول الكافي: 254/6 و : 434/12. دلائل الإمامة : 487. الغيبة النعمانی: 290. بحار الأنوار: 119/52. الغيبة / الطوسی: 271.
2- الغيبة / النعماني : 282 و 383.

الزمان قيام القائم المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ، وحوادث تكون أمام قيامه، و آیات ودلالات، فنها: خروج السفياني، وقتل الحسني، واختلاف بني العبّاس في الملك الدنياوي، وكسوف الشمس في النصف من شهر رمضان، وخسوف القمر في آخره على خلاف العادات، وخسف بالبيداء، وخسف بالمشرق (1)، وخسف بالمغرب (2)، ورکود الشمس من عند الزوال إلى وسط أوقات العصر، وطلوعها من المغرب، وقتل نفس زكيّة يظهر [بظهر الكوفة في سبعين من الصالحين وذبح رجلهاشمي بين الركن والمقام، وهدم حائط مسجد -سور - الكوفة، وإقبال رايات سود من قبل خراسان، وخروج اليماني، وظهور المغربي بمصر وتملّكه الشامات ، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم الرملة، و طلوع نجم بالمشرق يضيء كما يضيء القمر، ثم ينعطف حتى يكاد يلتقي طرفاه، وحمرة تظهر في السماء وتنتشر في آفاقها ونار تظهر بالمشرق طولا، وتبقى في الجو ثلاثة أيام أو سبعة أيام، وخلع العرب أعنّتها(3)، وتملّكها البلاد، وخروجها

ص: 236


1- وهو الخسف ببغداد والبصرة، كما سيأتي
2- هو الخسف بالشام، كما سيأتي
3- خلع العرب أعنتها كناية عن خروجها عن الطاعة لغيرها تشبيها و بالفرس الذي خلع عنانه فلا يكون له عنان يقاد به، ويمسك منه، ومنه قولهم : خلع فلان عذاره، أي أصبح كالفرس المرسل الذي لا عذار في رأسه، يفعل ما يشاء ويذهب أين شاء، و مقابله قولهم ملك فلان زمام الأمر أو مقاليده، وغير ذلك.

عن سلطان العجم، وقتل أهل مصير أميرهم وخراب الشام واختلاف ثلاث رايات فيه، ودخول رايات قيس والعرب إلى مصر، ورايات كندة إلى خراسان، وورود خيل من قبل المغرب حتّى تربط بفناء الحيرة، وإقبال رايات سود من قبل المشرق نحوها، وبثق في الفرات حتى يدخل الماء أزقة الكوفة، وخروج ستين كذّاباً كلّهم يدّعي النبوّة، وخروج اثني عشر من آل أبي طالب كلّهم يدّعي الإمامة لنفسه، وإحراق رجل عظيم القدر من شيعة بني العبّاس بين جلولاء وخانقين، وعقد الجسر ممّا يلي الكرخ بمدينة بغداد -السلام-، وارتفاع ريح سوداء بها في أوّل النهار، والزلزلة حتّى ينخسف كثير منها، وخوف يشمل أهل العراق وبغداد، وموت ذريع ونقص من الأنفس والأموال والثمرات و جراد يظهر في أوانه، و في غير أوانه حتّى أتي على الزرع والغلات، وقلّة ريع لمايزرعه النّاس، واختلاف صنفين من العجم، وسفك دماء كثيرة فيما بينهم، وخروج العبيد عن

ص: 237

طاعة ساداتهم، وقتلهم مواليهم، ومسخ لقوم من أهل البدع حتّى يصيروا قردة وخنازير، وغلبة العبيد على بلاد السادات، ونداء من السماء حتّى يسمعه أهل الأرض كلّ أهل لغة بلغتهم، ووجه وصدر يظهران من السماء للناس في عين الشمس، وأموات ينشرون من القبور حتّى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون، ثمّ يختم ذلك بأربع وعشرين مطرة تتّصل فتحيي بها الأرض بعد موتها، وتعرف بركاتها، وتزول بعد ذلك كلّ عاهة عن معتقدي الحقّ من شيعة المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكّة ، فيتوجّهون نحوه لنصرته، كما جاءت بذلك الأخبار»(1).

قال: « ذكرناها على حسب ما ثبت في الأصول و تضمنتها الآثار المنقولة الأثر المنقول - بالله نستعين وإياه نسأل التوفيق »(2)، ثم أورد الشيخ المفيد رَحْمَةِ اللَّهِ عدة أحاديث مسندة في علامات الظهور ننقلها في تضاعيف ما يأتي إن شاءالله.

وعن كتاب العدد القوّية: «قد ظهر من العلامات عدّة كثيرة، مثل: خراب حائط مسجد الكوفة، وقتل أهل مصر أميرهم،

ص: 238


1- الإشاد : 368/2 - 371.
2- الإرشاد : 371/2.

وزوال ملك بني العبّاس على يد رجل خرج عليهم من حيث بدأ ملكهم ، وموت عبدالله آخر ملوك بني العبّاس ، وخراب الشامات، ومدّ جسر ممّا يلي الكرخ ببغداد ، كلّ ذلك في مدة يسيرة، وانشقاق الفرات ، وسيصل الماء إن شاء الله إلى أزقّة الكوفة»(1).

أقول: يمكن أن تكون هذه علامات بعيدة ، ويمكن كون العلامة غير ما حصل ، بل شيء يحصل فيما بعد ولنشرع في تفصيل تلك العلامات المستفادة من الروايات فنقول .

الأوّل

اختلاف بني العباس وذهاب ملكهم، واختلاف بني أمية وذهاب ملكهم

أمّا الأوّل : فقد جاء في كثير من الروايات جعله من علامات الظهور ، بل في بعضها أنّ اختلافهم من المحتوم ، وفي جملة منها التعبير ببني فلان تقيّة :

1- قال الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «لا بد - لبني فلان من أن يملكوا - أن يملك

ص: 239


1- الغدد القوية : 77.

بنو العبّاس، فإذا ملكوا و -ثمّ- اختلفوا تفرّق ملكهم وتشتّت أمرهم خرج عليهمالخراساني والسفياني. هذا من المشرق، وهذا من المغرب يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان. هذا من هاهنا وهذا من هاهنا، حتّى يكون هلاكهم على أيديهما، أما أنّهما لا يبقون منهم أحدا»(1).

سيأتي في محلّه إن شاء الله تعالى أنّ ملك بني العبّاس وبني أميّة ما زال باقيا وسيبقى إلى ظهور الحجة عَلَيهِ السَّلَامُ، لأنّ أفكارهم وعقائدهم باقية ، بل سائدة ببقاء شيعتهم وأتباعهم.

2- ويأتي في بعض الروايات : « فعند ذلك زال ملك القوم وعند زواله خروج القائم، وأنّ آخر ملك بني فلان قتل النفس الزكيّة، وأنّه ما لهم ملك بعده غير خمس عشرة ليلة، وأن قدام القائم بلوى من الله أو علامات من الله » ، فقيل: ما هي فقرأ: ﴿ وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ...﴾ (2)، ثمّ قال: « الخوف من ملوك بني فلان ».

كان أئمّة الهدى عَلَيهِم السَّلَامُ كعادتهم يراعون مواضع التقنيّة، فإذا كانوا في

ص: 240


1- الغيبة / النعمانی : 255، 259. بحار الأنوار : 231/52، 235. الغيبة / الطوسی: 274.
2- سورة البقرة: الآية 155

عهد بني أميّة عبّروا عنهم ببني فلان، وإذا كان في العصر العبّاسي عبّروا عنهم ببني فلان.

3- عن محمّد بن مسلم، قال: «سمعت أبا عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ يقول: إنّ قدّام القائم علامات تكون من الله عزّ وجلّ للمؤمنين، قلت: وما هي؟ جعلني الله فداك، قال: ذلك قول الله عزوجل ﴿ وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ...﴾، يعني المؤمنين قبل خروج القائم عَلَيهِ السَّلَامُ ﴿بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾، قال: يبلوهم بشيء من الخوف من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم ... ﴿وَبَشِّرِ الصَّابرِینَ﴾ عند ذلك بتعجيل خروج القائم عَلَيهِ السَّلَامُ...»(1).

4- وعن صالح مولى بني العذراء، قال: «سمعت أبا عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ يقول: ليس بين قيام قائم آل محمد وبين قتل النفس الزكيّة إلّا خمس عشرة ليلة»(2).

ه- وقال الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا اختلف بنو العباس - بنو فلان . فيما

ص: 241


1- الإمامة والتبصرة : 129. کمال الدين: 649. دلائل الإمامة : 483. الغيبة / النعمانی: 251. الإرشاد : 361.
2- کمال الدين: 649. الإرشاد: 360. الغيبة / الطوسی: 271، ونظيره مع اختلاف : الغيبة / الطوسي: 266 و 267. الإرشاد: 358، و مصادر اخری.

بينهم فانتظروا الفرج، وليس فرجكم إلّا في اختلاف بني فلان، فإذا اختلفوا فتوقّعوا الصيحة في شهر رمضان، وخروج القائم، إنّ الله يفعل ما يشاء، ولن يخرج القائم ولا ترون ما تحبّون حتّى يختلف بنو فلان فيما بينهم»(1).

لعلّ ما ورد في بعض الروايات من التصريح ببني العبّاس، يكون من تفسير بعض علمائنا رَحْمَةِ اللَّهِ، ولا يكون مراد الإمام من قوله : « بني فلان أو بنو فلان» إلّا جماعة أخرى يحكمون في آخر الزمان.

6- وقال عَلَيهِ السَّلَامُ:«إنّ ذهاب ملك بني فلان كقصع الفخار، وكرجل كانت في يده فخارة وهو يمشي إذ سقطت من يده وهو ساهٍ فانكسرت، فقال حين سقطت : هاه -شبه الفزع- فذهاب ملكهم هكذا أغفل ما كانوا عن ذهابه »(2).

الثانی

خروج ستين كذاباً كلهم يقول أنا نبي:

ص: 242


1- الغيبة / النعماني: 255. بحار الأنوار : 231/52. الغيبة / الطوسي : 274.
2- الغيبة / النعماني : 256. بحار الأنوار: 232/52.

7- المفيد : بسنده عن عبدالله بن عمر، عن النبي صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: «لا تقوم الساعة حتّى يخرج المهدي من ولدي ، ولا يخرج المهدي حتّى يخرج ستّون كذّاباً كلّهم يقول : أنا نبّي »(1).

كثر دعاة النبوة حتى الآن، ولم يتمّ إحصاؤهم لصعوبة الاستقراء.

الثالث

خروج اثني عشر من بني هاشم كلهم يدعو إلى نفسه

8- المفيد: بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «لا يخرج القائم حتّى يخرج قبله اثنا عشر من بني هاشم كلّهم يدعو إلى نفسه »(2).

إنّنا مأمورون باحترام بني هاشم لقرابتهم من رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، لا سیمّا ذرّيّة مولانا أمير المؤمنين والصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، لكن ليس على حساب الدین.

الرابع

قول اثني عشر رجلاً أنّهم رأوه

ص: 243


1- الإرشاد : 371/2. کشف الغمة : 257/3. إعلام الوری: 2/ 279.
2- الإرشاد : 358/2. الغيبة / الطوسي: 267. إلزام الناصب : 146/2.

9- النعماني: بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «لا يقومالقائم حتّى يقوم اثنا عشر رجلا كلّهم يجمع على قول أنّهم قد رأوه فيكذّبونهم»(1).

أقول: لعلّهم صادقون في ادّعائهم، ويكون الذين يكذّبونهم من غير الشيعة، ولعلّ الشيعة يكذّبونهم، ولعلّهم يدّعون المشاهدة والشيعة مأمورون بتكذيبهم، وحينئيذٍ يصعب القول بأنّهم صادقون في ادّعائهم؛ لأنّه خلاف التوقيع الشريف - وقد بحثناه في محلّه من الحلقة الثانية مفضلاً-وقد يكونون صادقين بناءً على كونهم من الأخبار والصالحين الذين ذاع صيتهم واشتهر صدقهم وأمانتهم، وحينئيذٍ كان يجب تصديقهم؛ لأنّ التوقيع الشريف والأحاديث المانعة من الرؤية مقيّدة حتماً بالأدلّة العامّة الآمرة بتصديق الثقات والصالحين، وسيرة العقلاء هنا كافية للتخصيص والتقييد. والله تعالى هو العالم.

الخامس

خروج کاسر عينه بصنعاء

10- النعماني: بسنده عن عبيد بن زرارة، ذکر عند الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ

ص: 244


1- الغيبة / النعماني : 277. إثبات الهداة : 738/3 . بحارالأنوار: 244/52.

السفياني، فقال:«أنّي يخرج ذلك-ولمّا- يخرج کاسر عينه-عينيه- بصنعاء»(1).

ويحتمل أن يكون هو اليماني، والله أعلم.

السادس

خروج السفياني والخراساني واليماني وخسف بالبيداء

وقد استفاضت الروايات في أنّ السفياني من المحتوم الذي لا بدّ منه، وأنّه لا يكون قائم إلّا بسفياني ، ونحو ذلك:

11- وقال عبد الملك بن أعين: كنت عند أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ فجری ذكر القائم عَلَيهِ السَّلَامُ، فقلت له: أرجو أن يكون عاجلاً ولا يكون سفياني، فقال : « لا والله! إنه لمن المحتوم الذي لا بدّ منه »(2).

ومرّ في بعض الروايات أنّ اليماني أيضاً من المحتوم.

12- وعن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ:«السفياني والقائم في سنة واحدة »(3).

13- وفي عدّة روایات:«أنّ خروج السفياني واليماني

ص: 245


1- الغيبة / النعمانی: 277. بحار الأنوار :245/52.
2- الغيبة / النعماني : 282، 201. بحار الأنوار : 249/52.
3- الغيبة / النعماني: 267. عقد الدرر : 78. بحار الأنوار : 239/52.

والخراساني يكون في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد»(1).

14- وفي رواية:« ونظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كلِّ وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدیً؛ لأنّه يدعو إلى صاحبكم»(2).

15- وتدلّ بعض الروايات على أنّ خروج اليماني قبل خروج السفياني (3).

16- وفي رواية: « خروج الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد فليس فيها راية بأهدی من راية اليماني، تهدي إلى الحقّ»(4)

17- وفي الحديث:« اليماني والسفياني كفرسي رهان(5).

18- أمّا اليماني فيكون خروجه من اليمن، والمروي: أنّه ليس في الرايات الثلاث راية أهدی من راية اليماني لأنّه يدعو إلى الحق،

ص: 246


1- الغيبة / النعماني: 253، الغيبة / الطوسي: 274. بحار الأنوار: 230/52. إثبات الهداة: 540/3.
2- الغيبة/ النعماني: 253، الغيبة/ الطوسي: 274. بحار الأنوار: 230/52. إثبات الهداة: 540/3.
3- الغيبة / الطوسی: 447.
4- الإرشاد: 360/2. الغيبة/ الطوسی: 271. الصراط المستقیم: 250/2. بحار الأنوار: 210/52.
5- الغيبة / النعماني : 305.

أو لأنّه يدعو إلى صاحبكم فإذا خرجحرم بيع السلاح، وإذا خرج فانهض إليه، فإن رأيته راية هدى ولا يحلّ لمسلم أن يلتوي عليه.

19- ولمّا خرج طالب الحقّ باليمن، وهو من رؤساء الخوارج، قيل للصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: نرجو أن يكون هذا اليماني، فقال : «لا، اليماني يتوالى عليّاً، وهذا يبرأ منه »(1).

فلينتبه بعض إخواننا المغفّلين الذين سارعوا كعادتهم إلى تطبيق اليماني على زعيم النواصب في عصرنا هذا، وهو أسامة بن لادن.

20- وفي الخبر: أنّ اليماني يخرج من قرية يقال لها كرعة أو كريمة من اليمن(2).

21- وفي الحديث : « وإذا خرج -أي اليماني- فانهض إليه، فإنّ رايته رايةهدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النّار؛ لأنّه يدعو إلى الحقّ وإلى طريق مستقيم»(3).

22- وفي الحديث أيضاً: «ثمّ يرجع في قيس حتّى ينزل الجزيرة

ص: 247


1- بحار الأنوار : 297/47 و : 275/52.
2- الصراط المستقیم: 154/2. الفصول المهمة : 295. معجم أحاديث المهدي : 296/1.
3- الغيبة / النعماني : 253. مختصر بصائر الدرجات : 212 و 213. إعلام الوری : 428.

السفياني، فيسبق اليماني »(1).

23- وفي الحديث:« إنّ من علامات خروجه: خروج السفياني من الشام، وخروج اليماني ...»(2).

فاليماني على الظاهر من صنعاء اليمن، ربّما يكون من بني هاشم أو علويّاً، وربّما كان هو الحسني أو الحسيني ، وبالإجمال فالحسني والحسيني الواردان في بعض الأخبار قابلة للتطبيق في بعضها على اليماني، وبعضها على النفس الزكيّة، وثالثة على الخراساني، فانتبه ولا تختلط حتّى لا يلتبس عليك الأمر.

وأمّا الخراساني فيخرج من خراسان، وفي بعض الروايات من المشرق، وعن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ في ذكر العلامات:

24- « إذا قام القائم بخراسان، وغلب على أرض کرمان والملتان (3)، وحاز جزيرة بنی کاوان »(4).

ص: 248


1- الغيبة / الطوسي: 278. ملاحم ابن طاووس عن ابن حماد ، ومثله في الغيبة / الطوسی: 269.
2- کمال الدين: 327. إعلام الوری: 403. کشف الغمة : 313/3.
3- مدينة من الهند قرب غزنة، قال في المراصد: أهلها مسلمون منذ قدیم.
4- کاوان: جزيرة في بحر البصرة. قال صاحب المراصد: جزيرة عظيمة يقال لها: جزيرة لافت في بحر فارس بين عمان والبحرين، كان بها قرى و مزارع، وهي الآن خراب. وقال في معجم البلدان: 2/ 139 و : 7/5: «جزيرة كاوان، ويقال : جزيرة بني كاوان، وهي جزيرة عظيمة، وهي جزيرة لافت، وهي من بحر فارس بين عمان و بحرین، افتتحها عثمان بن أبي العاص الثقفي في أيام عمر بن الخطاب لما أراد غزو فارس في البحرين، مر بها في طريقه ، وكانت من أجل الجزائر عامرة آهلة، وفيها قرى ومزارع، وهي الآن خراب. ذكر المسعودي أنها كانت سنة 333ه عامرة آهلة.

توهّم البعض أنّ القائم عَلَيهِ السَّلَامُ يقوم من خراسان، أو أن له قياماً آخر من خراسان عملاً بهذه الرواية، وهو باطل قطعاً لأنّ القائم هنا يراد به الخراساني، لاستعماله وصفاً عامّاً، لا خصوص مسمّی الحجّة عَلَيهِ السَّلَامُ أو صفته.

25- وفي رواية طويلة عن مولانا أبي جعفر الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال: «لا بّد لبني فلان أن يملكوا، فإذا ملكوا ثمّ اختلفوا تفرّق كلّهم -أي جمعهم، أو كلمتهم -وتشتّت أمرهم، حتّى يخرج عليهم الخراساني والسفياني، هذا -أي الخراساني- من المشرق، وهذا -أي السفياني- من المغرب، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان ...»(1).

ص: 249


1- بحار الأنوار : 232/52، 234.

ولم يرد أكثر من هذا عن الخراساني في جوامعنا الحديثیّة، وأمّا تخرّص البعض ونسبة أشياء إليه ما أنزل الله بها من سلطان، أو نسبته إلى بعض البلاد والأوطان ، ونعته بجملة من النعوت والأوصاف الواهية ، فما هي إلّا من نسيج خيالاتهم وأوهامهم. والعلم عند الله عزّ وجلّ.

نعم ، جری ذکره ملقّباً بالحسني كما هو ظاهر بعض الأحاديث وهي:

26- وفي رواية مفصلة طويلة عن الإمام أبي عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ، قال المفضل: ثمّ يكون ماذا يا سيّدي؟

فقال: ثمّ يخرج الفتى الحسني -أي بعد خراب الزوراء، ويبدو أنّها مدينة بغداد أو طهران -ليصيح من نحو الديلم، فيصيح بصوتٍ عال له: يا آل محمّد، أجيبوا الملهوف، والمنادي من حول الضريح، فتجيبه کنوز الله بالطالقان، کنوز لا من ذهب ولا من فضّة، بل رجال كزبر الحديد، لكأنّي أنظر إليهم...».

وفيه كلام طویل حاصله أنّهم يأتون مسرعين لنصرته، وأميرهم فتى اسمه شعیب بن صالح من تميم، فيقبل الحسين عَلَيهِ السَّلَامُ معهم حتّى يلتقي هو وجيشه بالمهدي عَلَيهِ السَّلَامُ وأنصاره، والحسين هذا يعرف المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ لكنّه رغم ذلك يسأله عن علامات صدقه، ثمّ يبايعه، وينضمِّ هو

ص: 250

وجماعته إلى أنصاره، ويقاتلون تحت لوائه ... الخ(1).

وهو يبدو خلط من الرواة أو تصحيف من الكتّاب، والرواية القادمة توضّح وتبيّن الحقيقة، والتعويل عليها أصوب، ولعلّ هذا القائد هو الحسني أو الحسيني فوقع التصحيف من الكتّاب، أو لعلّ اسمه « حسين »، فخلط الرواة والمحدّثون بينه وبين سيّد الشهداء الحسين بن عليّ عَلَيهِما السَّلَامُ، والله العالم.

27- وفي رواية البحار فيه اختلاف كبير، وهي على ما يبدو أثبت ممّا في مختصير البصائر، وأضبط منها، إليك مقتطفات منها:

«ثمّ يخرج الفتى الصبيح الذي نحو الديلم، يصيح بصوت له فصیح: یا آل محمد، أجيبوا الملهوف، والمنادي من حول الضريح، فتجيبه کنوز الله بالطالقان، کنوژ وأيُّ كنوزٍ، ليست من فضّة ولا ذهب، بل هي رجال كزبر الحديد، على البراذين الشهب ...، ثمّ يطلب علامات إمامته عَلَيهِ السَّلَامُ فيبديها له، فيبايعه و یبایعه سائر العسكر الذي مع الحسنين عَلَيهِ السَّلَامُ، إلّا أربعين ألفا، فيقتلهم المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ، ويذبح السفياني، ثمّ يظهر الحسين عَلَيهِ السَّلَامُ في اثني عشر ألف صدّيق واثنين وسبعين رجلا أصحابه يوم كربلاء... ثمّ يخرج الصدّيق الأكبر

ص: 251


1- مختصر بصائر الدرجات : 188 و 189.

أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عَلَيهِ السَّلَامُ... ثمّ يخرج السيد الأكبر محمد رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه في أنصاره والمهاجرين ... وأنّ رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه وأمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ يكونان معه وبجانبه ينصرونه على أعدائه حتّى يقيم الدين على كلّ بقعة من الأرض ... وأنّ الأئمّة بين يدي رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، والصديقة فاطمة السَّلَامُ عَلَيهِا أوّل من تشتكي عنده ما نزل بها من القوم ، ثم تشتكي الأئمّة واحداً بعد واحد ... الخ »(1).

28- وفيه عن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا رأيتم الرايات السود من قبل المشرق من أطراف الأستة إلى زجّ القناة صوف أحمر ، فتلك رايات الحسني التي لا تكذب»(2).

تشير هذه الرواية إلى الرجعة بعد مولانا صاحب العصر والزمان عليه الصلاة والسلام، حيث يخرج الأئمة الأطهار عَلَيهِم السَّلَامُ، يحييهم الله عزّ وجلّ هم وخيرة أصحابهم، كما يحيى أعدائهم ، فيقتصّ لهم من أعدائهم ، ويحكمون الأرض ما شاء الله تعالى.

29- وفي رواية طويلة يذكر فيها أخذ المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ البيعة من أصحابه وأموراً أخرى ... « ويلحقه هناك ابن عمه الحسني،

ص: 252


1- بحار الأنوار : 15/53-18.
2- الصراط المستقيم : 261/2.

في اثني عشر ألف فارس ، فيقول: يابن عمّ، أنا أحقّ بهذا الجيش منك، أنا الحسن وأنا المهدي، فيقول المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ: بل أنا المهدي، فيقول الحسني: هل لك من آية فنبايعك؟ فيظهر بعض آیاته، فيقول الحسني: يابن عمّ، هي لك، ويسلّم إليه جيشه، ويكون على مقدمتهم...»(1).

30 - وروى المحقّق النوري رَحْمَةِ اللَّهِ في كشف الأستار، عن عقد الدرر، وهكذا صاحب إلزام الناصب، رواية مفصلة جدّاً تشبه الرواية السابقة، وتسمّى بخطبة البيان ، وفيها: « فيقول الحسني : الأمر لك، فيسلم وتسلم جنوده»(2).

31- وفي ملاحم ابن طاووس رَضِی اللهُ عَنه، رواية طويلة:«... ويلحقه الحسني في اثني عشر ألفا، فيقول له أنا أحق منك ... الخ»(3).

32- عن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ -في حديث طويل- قال:« وفيه يدخل

ص: 253


1- عقد الدرر: 90 - 99، رواها مرسلة عن الأمير صلوات الله عليه، ونحن الانعتمدها قط لأنها رواية عامية أولا، ولم نجد لها مثيلا في أخبارنا فيكتب الخاصة ولا عن طرقهم ثانية، وأخيرا : لأنها مرسلة. نعم، بعض مضامينها يوافق روایاتنا نكتفي بهذا القدر ، ليس إلا.
2- کشف الأستار : 178 - 183. إلزام الناصب: 178/2 - 213.
3- ملاحم ابن طاووس : 145، عن فتن السليلي.

المهدي الكوفة...قد اضطربت بينها... فيدخل...ويخطب، ولا يدري الناس ... وهو قول رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: كأنّي بالحسني والحسيني وقد قاداها ، فيسلّمها إلى الحسيني فيبايعونه ...»(1).

المراد بالحسيني في هذه الرواية هو الإمام المهدي صلوات الله عليه.

33– وفي رواية:« وهيهات ما لكم إلا السيف يأتيكم الحسيني الثائر فيحصدکم حصداً، والسفياني المرغم، والقائم المهدي، وعند القائم المهدي تحقن دماؤكم إلّا بحقها ...»(2).

فالخراساني على هذا إما حسني أو حسيني، وإمّا حسني من جهة، وحسيني من جهة أخرى، كأن يكون حسني الأب وحسيني الأمّ، أو العكس، وقد يكون أحد اللقبين تصحيفاٌ، وكيف كان فكونه حسنياً أشهر بملاحظة الأحاديث.

وهو كما يبدو قائد له من القوات والعساكر والجيوش ، ويأتي من خراسان ومن جهة دیلم على رأس جيش جرار، إثنا عشر ألفاً أو يزيدون، يقصد التصدّي للسفياني الملعون وجدّه الذي بدا

ص: 254


1- الغيبة / الطوسي : 380. روضة الواعظين : 263/2.
2- غاية المرام : 119، عن ندیم الفريد لابن مسکویه.

حينئيذٍ يفتك بشيعة آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، وببني هاشم قاطبة، يقتلهم قتلاً ويذبحهم ذبحاً في الشامات والعراق وما حولها من المدن والبلاد، وأنّه يلتقي بالمهدي صلوات الله عليه فيبايعه ويسلّم إليه الراية، والله العالم.

ص: 255

ص: 256

الدرس السابع عشر: علامات الظهور - 3

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

وأما السفياني:

33ب- فيخرج من وادي اليابس مکان بفلسطين(1).

34- وعن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « أن خروجه في رجب»(2).

35- وعن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ: « يخرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس، وهو رجل ربعة، وحش الوجه (3)، ضخم الهامة، بوجهه أثر الجدري، إذا رأيته حسبته أعور، اسمه عثمان، وأبوه عنبسة،

ص: 257


1- والوادي اليابس يقع في هذا العصر في الأردن.
2- الغيبة / النعماني : 299. كمال الدين :651/2 - 652.
3- أي يستوحش من يراه لشدة قبحه وقساوة قلبه.

وهو من ولد أبي سفيان حتّى يأتي أرضاً ذات قرار ومعين فيستوي على منبرها»(1).

والظاهر أنّها دمشق. كما تدلّ عليه رواية أخرى:

36- «أنّه يخرج من وادي اليابس حتّى يأتي دمشق فيستوي على منبرها»(2).

37- وعن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « إنك لو رأيته رأيت أخبث الناس، أشقر أحمر أزرق ، يقول: يا ربّ يا ربّ يا ربّ، أو یا رب ثاري ثاري، ثمّ للنار، أو یا رب ثاري والنار، ولقد بلغ من خبثه أنه يدفن أم ولد له، وهي حيّة مخافة أن تدلّ عليه »(3).

38- وعن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ:«السفياني أحمر، أشقر، أزرق، لم يعبد الله قطّ، ولم ير مكّة ولا المدينة قطّ»(4).

39- وعن زین العابدین عَلَيهِ السَّلَامُ:«أنّه من ولد عتبة بن أبي سفيان،

ص: 258


1- كمال الدين : 651. الخرائج والجرائح : 1150/3.
2- کتاب الفتن / المروزي : 425 و 426. الكشاف: 467/3 و 468. عقدالدرر: 74. غرف السيوطي / الحاوي: 81/2. جامع البيان / الطبري : 17/15.
3- كمال الدين: 651. بحار الأنوار: 206/52. إثبات الهداة: 721/3.
4- الغيبة / النعماني : 306. بحار الأنوار: 253/52 و 254.

وأنّه إذا ظهر اختفى المهدي، ثمّ يظهر ويخرج بعد ذلك »(1).

40- وعن جابر الجعفي عن أبي جعفر الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ:«إذا رأيتم أهل الشام قد اجتمع أمرها على ابن أبي سفيان فألحقوا بمكّة (أي أنّ المهدي قد ظهر بها)، ويجتمع في الشام ثلاث رايات كلّهم يطلب الملك : راية السفياني وراية الأصهب وراية الأبقع، ثمّ إنّ السفياني يقتل الأصهب والأبقع »(2).

41- وقال الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ:« السفياني يملك بعد ظهوره على الكور الخمس حمل امرأة ثمّ قال أستغفر الله حمل جمل »(3).

قال العلّامة المجلسي رَحْمَةِ اللَّهِ معلّقاً على هذه الرواية:« يحتمل أن يكون بعض أخبار مدّة السفياني محمولاً على التقيّة لكونه مذكوراً في رواياتهم، أو على أنّه ممّا يحتمل أن يقع فيه البداء، فيحتمل هذه المقادير، أو يكون المراد مدّة استقرار دولته، وذلك ممّا يختلف بحسب الاعتبار.

42- ويومئ إليه خبر موسی بن أعين عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ، قال:

ص: 259


1- الغيبة / الطوسی: 270. الخرائج والجرائح : 115/3.
2- تفسير العياشي: 64/1، 244. الغيبة / النعمانی : 279. الاختصاص : 255. الإرشاد : 359/2. الغيبة / الطوسی: 269.
3- الغيبة / الطوسي: 449.

«السفياني من المحتوم، وخروجه من أوّل خروجه إلى آخره خمسة عشر شهراً، ستة أشهر يقاتل فيها، فإذا ملك الكور الخمس ملك تسعة أشهر، ولم يزد عليها يوماً»(1).

43- وفي رواية : عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « يملك تسعة أشهر كحمل المرأة»(2).

44- وفي رواية عنه عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا ملك كور الشام الخمس دمشق وحمص وفلسطين والأردن وقنسرين فتوقّعوا عند ذلك الفرج»، قلت : يملك تسعةأشهر؟ قال: «لا، ولكن يملك ثمانية أشهر لا يزيد يوما»(3).

45- وعن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « أنّه من أوّل خروجه إلى آخره خمسة عشر شهراً، ستّة أشهر يقاتل فيها، فإذا ملك الكور الخمس ملك تسعة أشهر، ولم يزد عليها يوما»، وبهذا يجمع بين الخمسة عشر شهراً والتسعة أشهر، واحتمل المجلسي حمل بعض أخبار مدّته على

ص: 260


1- الغيبة / الطوسي: 449. إثبات الهداة : 411/7. بحار الأنوار: 215/52 و 216.
2- الغيبة / النعماني: 30، 301، 299. الغيبة / الطوسي : 278.
3- الإمامة والتبصرة 130. كمال الدين: 651.

التقيّة لذكره في رواياتهم(1).

46- وروى هشام بن سالم، عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ:«إذا استولی السفياني على الكور الخمس فعدّوا له تسعة أشهر-وزعم هشام أنّ الكور الخمس دمشق وفلسطين والأردن وحمص وحلب-، ثمّ إنّ السفياني بعد ما يقتل الأصهب والأبقع لا يكون له همة إلّا العراق»(2).

قوله: « وزعم هشام...الخ » ليس من كلام الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ، بل هو من كلام الراوي، والمراد هنا هشام بن سالم.

47- وفي رواية:«إلّا آل محمّد وشيعتهم، فيبعث جیشین جیشاً إلى العراق، وآخر إلى المدينة، فأمّا جيش العراق، فروي أنّ عدّتهم سبعون ألفا »(3).

48- وعن النبي صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « حتى ينزلوا بأرض بابل من المدينة الملعونة (يعني بغداد) فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف ويفضحون أكثر من مائة امرأة، ويقتلون ثلاثمائة كبش من بني العباس، ثم ينحدرون

ص: 261


1- الغيبة / النعماني : 299 و 300. كمال الدين : 651 و 652.
2- الغيبة / النعمانی : 304. بحار الأنوار: 222/52، 252. تفسير العياشي : 64/1. الغيبة / الطوي: 279.
3- الغيبة / النعماني: 279. بحار الأنوار: 222/52.

إلى الكوفة فيخربون ما حولها» الحديث(1).

49- « ويصيبون من أهل الكوفة ، وفي رواية: «من شيعة آل محمّد بالكوفة قتلا وصلباً وسبياً، ويمرّ جيشه بقرقيسا (بلد على الفرات) فيقتتلون بها»(2).

50- وعن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ:«إنّ لله مائدة أو مأدبة بقرقيسا يطلع مطلع من السماء فينادي: يا طير السماء، ويا سباع الأرض، هلمّوا إلى الشبع من لحوم الجبّارين، فبينما هم كذلك إذ أقبلت رايات من ناحية خراسان تطوي المنازل طيّاً حثيثاً، حتّى تنزل ساحل الدجلة ومعهم نفر من أصحاب القائم، ويخرج رجل من موالي أهل الكوفة ضعيف في ضعفاء فيقتله أمير جيش السفياني بظهر الكوفة »(3).

ص: 262


1- بحار الأنوار : 186/52، عن القرطبي في تذكرته : 693/2. عقد الدرر : 74. تفسير الطبري : 72/22. تفسير الكشاف: 468/3. مجمع البيان : 398/4.
2- هكذا في الرواية ، وليس فيها تصريح بأن المقاتل الجيش السفياني من هو ، فيحتمل أن يكون بعض من يدعو لآل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، ويحتمل أن يكون أهل قرقيسا وما جاورها ، فيقتل بها من الجبارين مائة ألف.
3- الغيبة / النعمانی : 278. إثبات الهداة : 739/3. بحار الأنوار : 222/52. تفسير العياشي: 64/1. إعلام الوری : 427.

أي رجل لا عشيرة له ولا أنصار أقوياء أشدّاء، لأنّه من الموالي والأعاجم، وليس من العرب، ومعه جماعة ضعفاء مثله.

51- وفي رواية:«بين الحيرة والكوفة »(1).

52- وقال الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «كأني بالسفياني أو بصاحب السفياني (2) قد طرح رحله في رحبتكم بالكوفة، فنادى منادیه من جاء برأس شيعة عليّ فله ألف درهم، فيثب الجار على جاره، ويقول هذا منهم فيضرب عنقه، ويأخذ ألف درهم، أما أنّ إمارتكم يومئير لا تكون إلّا لأولاد البغايا، وكأنّي أنظر إلى صاحب البرقع»، قلت : ومن صاحب البرقع؟ فقال:«رجل منكم يقول بقولكم، يلبس البرقع فيحوشكم فيعرفكم ولا تعرفونه، فيغمز بكم رجلاً رجلاً أما إنّه لا يكون إلّا ابن بغي»(3).

ص: 263


1- الغيبة / النعماني : 280. الاختصاص : 255 و 256. الإرشاد: 359/2. الغيبة / الطوسي : 269-271.
2- الصحيح بالسفياني ، ولو قيل : بصاحب السفياني لكان المراد صاحبجيشه مجازة ؛ لأن المروي أن السفياني يظهر بالشام ويقتل بها ولا يدخل العراق.
3- الغيبة / الطوسي : 273. بشارة الإسلام: 20. إثبات الهداة : 729/3. بحار الأنوار : 215/52.

لهذا الحديث مصادیق كثيرة في التأريخ الإسلامي، ولكنّ أبرز مصادیقه حتّى الآن هو ما نسمع به ونراه عبر وسائل الإعلام كلّ يوم في زماننا هذا على الساحة العراقيّة ، من جرائم دوليّة وإقليميّة منظّمة ضد شيعة أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ، لا شكّ أنّ ورائها فتاوی ناصبيّة محرّضة ، وأيدي إجراميّة محرّكة ومدبّرة ، وعقول أمنيّة مخطّطة ومساندة ، من تحالف النواصب الحاقدين مع القوميّين الشعوبيّن الملحدين .

53- وعن النبي صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: «ثمّ يخرجون (أي جیش السفياني) متوجّهين إلى الشام ، فتخرج راية هدى من الكوفة فتلحق ذلك الجيش ، فيقتلونهم لا يفلت منهم مخبر ، ويستنقذون ما في أيديهم من السبي والغنائم ، وأمّا الجيش الذي يبعثه السفياني إلى المدينة فيقتل بها رجلاً ويؤخذ آل محمّد صغيرهم وكبيرهم فيحبسون وينهبون المدينة ثلاثة أيّام بلياليها ، ويكون المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ بالمدينة فيخرج منها إلى مكّة على سنّة موسی بن عمران عَلَيهِ السَّلَامُ خائفا يترقّب» (1).

54- وفي رواية : «أنّه يهرب من بالمدينة منأولاد علي عَلَيهِ السَّلَامُ

ص: 264


1- تفسير الطبري : 72/22. تفسير الثعلبي : 3 سورة سبأ ، تفسير الآية 51. تفسير العياشي: 64/1. الغيبة / النعمانی : 279. بحار الأنوار : 186/52. الاختصاص : 255. الإرشاد : 359/2. الغيبة / الطوسي: 269.

إلى مكّة فيلحقون بصاحب الأمر عَلَيهِ السَّلَامُ، فيبلغ ذلك أمير جيش السفياني، فيبعث جيشأ على أثره، فلا يدركه وينزل الجيش البيداء (وهي أرض بين مكة والمدينة لها ذکر کثير في الأخبار)، فينادي مناد من السماء: یا بیداء، بيدي بالقوم، فيخسف بهم، فلا يفلت منهم إلّا مخبر».

55- وفي رواية:«إلّا ثلاثة نفر حتّى إذا كانوا بالبيداء يحوّل الله وجوههم إلى أقفيتهم، وهم من كلب »(1).

56- وفي رواية: عن النبي صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « يبعث الله جبرئيل فيقول : يا جبرئیل، اذهب فأبدهم، فيضربها برجله ضربة يخسف الله بهم عندها، ولا يفلت منهم إلّا رجلان من جهينة، فلذلكجاء القول عند جهينة الخبر اليقين، فذلك قوله تعالى :﴿وَ لَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا﴾(2)» أورده الثعلبي في تفسيره ، والطبري: 72/22.

57- وروی صاحب الكشّاف أيضاً: أنّها نزلت في خسف البيداء(3).

ص: 265


1- الغيبة / النعماني : 280.
2- سورة سبأ : الآية 51.
3- تفسير الكشاف : 467/3.

58- وروى الطبرسي عن زین العابدین عَلَيهِ السَّلَامُ، قال:«هو جيش البيداء يؤخذون من تحت أقدامهم»(1).

59- وروى عليّ بن إبراهيم في تفسيره عن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ في قوله تعالى:﴿وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾(2)، قال : « من تحت أقدامهم خسف بهم »(3)، وفي قوله تعالى : ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ﴾(4) قال: « هو الدجّال والصيحة»، ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾(5)« وهو الخسف(6)، والقائم يومئذٍ بمكة، فيجمع الله عليه أصحابه، وهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا».

60- وفي رواية:«ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدد أهل بدر فيبايعونه بين الركن والمقام، ثمّ يخرج بهم من مكّة فينادي المنادي باسمه وأمره من السماءحتّى يسمعه أهل الأرض كلّهم، ثمّ يأتي الكوفة فيطيل بها المكث ما شاء الله أن يمكث حتّى يظهر عليها،

ص: 266


1- مجمع البيان: 397/4.
2- سورة سبأ: الآية 51.
3- تفسير القمی: 205/2 و 206.
4- سورة الأنعام: الآية 65.
5- سورة الأنعام: الآية 65.
6- تفسير القمي: 204/2.

ثمّ يسير إلى الشام».

61- وفي رواية:«ثمّ يسير حتّى يأتي العذراء(1)، والسفياني يومئنذٍ بوادي الرملة، حتّى إذا التقوا، وهو يوم الإبدال، يخرج أناس كانوا مع السفياني من شيعة آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه ويخرج ناس كانوا مع آل محمّد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه إلى السفياني، ويقتل يومئذٍ السفياني ومن معه، والخائب يومئذٍ من خاب من غنيمة كلب، ثمّ يقبل إلى الكوفة فيكون منزله بها»(2).

جاء في معجم أحاديث الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ:

«ملاحظة: يظهر للمتتبّع في تاريخ الثورات على العبّاسيّين، والصراع بينهم وبين الخطّ الأموي الذي بقي له وجود ما بعد انهيار حکم بني أميّة، وبقي له وجود سیاسي في دولة الأندلس، يظهر له أنّ حديث السفياني الموعود كان معروفاً عند المسلمين، وأنّ عدّة أشخاص ثاروا على العّباسيّين بهذا الاسم، ولعلّ الدافع الأساسيّ لدعواهم هذه أنّ السفياني الموعود على رغم مساوئه فهو يغلب بني العبّاس ويعيد مجد بني أميّة.

ص: 267


1- لعلها القرية التي شرقي دمشق، وإليها ينسب مرج عذراء.
2- تفسير العياشي: 64/1 و : 261/2. الغيبة / النعماني : 279.

وقد ذكر صاحب کتاب خطط الشام عدّة ثورات باسم السفياني، منها: (154/1) ثورة عليّ بن عبدالله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، الذي خرج في الشام سنة 195ه في خلافة الأمين، وكان يعرف بأبي العبيطر، ومنها: ثورة سعيد بن خالد الأموي بعد أبي العميطر، ومنها: ما ذكره (ص 164) من ثورة المبرقع بالشام أيضاً سنة 227ه في خلافة المعتصم.

وذكر في (185/2): ثورة عثمان بن تقالة الذي ثار في عجلون بالأردن سنة 816ه، وادّعى أنّه السفياني الموعود، وذكر في (161/1) قول المأمون العبّاسي: وأمّا قضاعة فسادتها تنتظر السفياني وخروجه فتكون من أشياعه، إلى غير ذلك من أحداث ظاهرة ادّعاء السفيانيّة.

وقد أخطأ بعضهم كصاحب خطط الشام عندما فسّر ذلك بأنّ ملحمة السفياني وظهوره من الوادي اليابس من موضوعات أنصار الأموييّن، راجع (148/1)، فإنّ أحاديث السفياني يرويها أعداء الأمويّين قبل أصدقائهم، نعم لا يبعد أن تكون الروايات التي تمدح السفياني الموعود، أو تقول بتعدّده من وضعأنصارهم، كما أنّ الروايات التي تنفي وجود السفياني، كالرواية الأولى من هذه المجموعة يحتمل أن تكون من مقولات الأمويين للتبرّؤ من السفياني

ص: 268

المذموم، كما يحتمل أن تكون من مقولات العبّاسيّين لنفي أصل رواية السفياني، والتخلّص من الثورات الأمويّة باسمه، ونظراً لهذه الظروف التي أحاطت بمسألة السفياني من طرفي الصراع الأموي والعبّاسي تكون الروايات الواردة عنه من طرق الأئمّة من أهل البيت عَلَيهِ السَّلَامُ الي أبعد عن الشكّ ، وهي صريحة قاطعة في حتميّة أمره، وأسانيدها فيها الصحيح كما سيأتي إن شاء الله ... الخ »(1).

السابع

خسف الجابية، وكثرة الاختلاف والحروب، وخروج الأصهب والأبقع وخراب الشام

62- المفيد: بسنده عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ، قال:«ألزم الأرض ولا تحرّك بدأ ولا رجلا، حتّى ترى علامات أذكرها لك، وما أراك تدرك ذلك، اختلاف بني العبّاس، ومناد ينادي من السماء، وخسف قرية من قرى الشام تسمّى الجابيّة(2)، ونزول الترك الجزيرة، ونزول الروم

ص: 269


1- معجم أحاديث المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ: 413/1.
2- هي قرية كانت قريبة من دمشق وخربت، وإليها ينسب باب الجابية، ولا يعرف الآن محلها، ويمكن أن يكون قد بني مكانها قرية تسمى بغیر هذا الاسم.

الرملة، واختلاف كثير عند ذلك في كلّ أرض حتّى تخرب الشام، ويكون سبب خرابها اجتماع ثلاث رايات فيها راية الأصهب وراية الأبقع وراية السفياني »(1).

63- وفي رواية الشيخ في غيبته : « فتلك السنة فيها اختلاف كثير في كلّ أرض من ناحية المغرب(2)، أو في كلّ أرض من أرض العرب، فأول أرض تخرب الشام، يختلفون عند ذلك على ثلاث رایات ...الخ »(3).

64- وفي رواية : « راية حسنيّة وراية أمويّة وراية قيسية »(4).

65- غيبة الشيخ : بسنده عن عمّار بن یاسر ، وذكر جملة من العلامات -إلى أن قال:- « وتكثر الحروب في الأرض » إلى أن قال :-« ويظهر ثلاثة نفر بالشام كلّهم يطلب الملك : رجل أبقع،

ص: 270


1- تفسير العياشي: 64/1 و : 261/2. الغيبة / النعمانی: 279. الاختصاص : 255. الإرشاد : 359/2. الخرائج والجرائح : 1156/3.
2- هي الشام وما يليها ، فإنها مغرب بالنسبة إلى العراق، وتدل عليه الروايات التي سمّت الشام مغرباً، والعراق مشرقا.
3- الغيبة / النعماني : 280. الاختصاص : 256. الغيبة / الطوسي: 442. الخرائج والجرائح: 1157/3.
4- بحار الانوار: 270/52.

ورجل أصهب، ورجل من أهل بيت أبي سفيان ، يخرج في كلب » - الحدیث (1).

66- وفي رواية العيّاشي: «مع بني ذنب الحمار مضر، ومع السفياني أخواله من كلب فيظهر السفياني ومن معه على بني ذنب الحمار حتّى يقتلوا قتلاً لم يقتله شيء قطّ، ويحضر رجل بدمشق فيقتل هو ومن معه قتلاً لم يقتله شيء قطّ، وهو من بني ذنب الحمار»(2).

67- وفي رواية النعماني:« فيلتقي السفياني بالأبقع فيقتتلون، فيقتله السفياني ومن تبعه ثمّ يقتل الأصهب»(3).

ص: 271


1- الغيبة / الطوسي: 463. ملاحم ابن طاووس: 58.
2- تفسير العياشي: 1/ 64.
3- الغيبة / النعماني : 280.

ص: 272

الدرس الثامن عشر: علامات الظهور - 4

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

الثامن

اختلاف رمحين بالشام ، ورجفة بها، وخسف بحرستا، وإقبال قوم من المغرب إليها

68- غيبة الشيخ : بالإسناد عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ: «إذا اختلف رمحان بالشام فهو آية من آيات الله تعالى . قيل : ثمّ مه ؟ قال : ثمّ رجفة تكون بالشام يهلك فيها مائة ألف يجعلها الله رحمة للمؤمنين وعذاباً على الكافرين ، فإذا كان ذلك فانظروا إلى أصحاب البراذين الشهب(1) والرايات الصفر تقبل من المغرب حتّى تحلّ بالشام،

ص: 273


1- قال في مجمع البحرين : «البرذون هو من الخيل الذي أبواه أعجمیان ، والأنثى برذونة ، والجمع : براذين ، والشهب كناية عن سرعتها كالشهاب.

فإذا كان ذلك فانتظروا خسفاً بقرية من قرى الشام يقال لها حرستا(1)، فإذا كان ذلك فانتظروا ابن آكلة الأكباد بوادي اليابس » (2).

69- غيبة النعماني: مثله، إلّا أنّه قال: «لم تنجل إلّا عن آية من آیات الله »، قيل: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: « رجفة تكونپ بالشام يقتل فيها أكثر من مائة ألف، وقال: البراذين الشهب المحذوقة، وزاد بعد قوله: تحلّ بالشام وذلك عند الجزع الأكبر والموت الأحمر، وبعد قوله: حرستا: فإذا كان ذلك خرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس حتّى يستوي على منبر دمشق، فإذا كان ذلك فانتظروا خروج المهدي»(3).

70- النعماني: بسنده عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ:«انتظروا الفرج من ثلاث: اختلاف أهل الشام بينهم، والرايات السود من خراسان،

ص: 274


1- في نسخ الأصل: « خرشنا »، وهو بلد قرب مالطا من بلادالروم، وأما حسرتا - بالسين والحاء. فهي قرية كبيرة عامرة في وسط بساتين دمشق على طريق حمص ، بينها وبين دمشق أكثر من فرسخ ( مراصد الاطلاع ).
2- الغيبة / الطوسي: 461. الخرائج والجرائح : 1151/3.
3- الغيبة / النعماني : 305.

والفزعة في شهر رمضان » (1) -الحديث.

71- وبسنده: عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «لا يظهر القائم حتّى يشمل الشام فتنة يطلبون المخرج منها فلا يجدونه»(2) - الحديث .

التاسع

سقوط طائفة من مسجد دمشق الأيمن

72- رواه جابر الجعفي، عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ في جملة العلامات، قال: « وتسقط طائفة من مسجد دمشق الأيمن»(3) هكذا وجدناه، ولعلّ الصواب من الجانب الأيمن، أو من جانب مسجد دمشق الأيمن.

73- غيبة الشيخ: بسنده عن عمّار بن یاسر، قال في حديث: «ويخسف بغربي مسجد دمشق، حتّى يخدّ حائطه».

74- وفي رواية:« ويخرب حائط مسجدها »(4).

ص: 275


1- الغيبة / النعماني : 251.
2- الغيبة / النعماني : 279.
3- الغيبة / النعماني: 280.
4- الغيبة / الطوسي : 268.

العاشر

النداء على سور دمشق

75- غيبة الشيخ: بسنده عن عمّار بن یاسر -في حديث-: «وينادي منادٍ على سور دمشق ويل لأهل الأرض من شرّ قد اقترب»(1).

76- وفي رواية: « ويل لازم »(2).

77– وفي رواية أخرى عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ:«ويجيئكم الصوت من ناحية دمشق بالفتح »(3).

78- وفي رواية العياشي: «وتری منادياً ينادي بدمشق»(4).

79- النعماني: بسنده عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: « توقّعوا الصوت يأتيكم بغتة من قبل دمشق، فيه لكم فرج عظيم»(5).

ص: 276


1- الغيبة/الطوسي: 463.
2- الغيبة/الطوسی: 441.
3- الغيبة / الطوسي: 269.
4- تفسير العياشي: 64/1.
5- الغيبة / النعمانی: 279.

الحادي عشر

خروج المرواني وعوف السلمي وشعيب بن صالح

80- غيبة النعماني: بسنده عن الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: «قبل هذا الأمر السفياني واليماني والمرواني وشعيب بن صالح، فكيف يقول هذا هذا»(1).

81- وبسنده: عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «أنّ لولد العبّاس والمرواني لوقعة بقرقيسياء يشيب فيها الغلام الحزور(2)، يرفع الله عنهم النصر، ويوحي إلى طير السماء وسباع الأرض : اشبعي من لحوم الجبّارين، ثمّ يخرج السفياني »(3).

أقول: ظاهر بعض الأخبار الواردة في السفياني أنّ وقعة قرقیسا أو قرقیسیاء مع جيشه والتعدد جائز ، والله أعلم.

ص: 277


1- الغيبة / النعماني : 253، أي كيف يقول هذا -وهو محمد بن إبراهيم بن إسماعيل -المعروف بابن طباطبا ابن إبراهيم بن الحسن المثنى : إي القائم ، فكيف يقول هذا ، هذا الكلام، ويدعي المهدوية وأنه القائم؟!
2- الحزور -بالحاء المفتوحة والزاي، مخقفا ومشددا -بمعنى الغلامالقوي. ومن الغريب ضبط المجلسي له بالخاء المعجمة ، و تكلفه في تفسيره.
3- الغيبة / النعماني : 304.

82 - غيبة الشيخ: بسنده عن عليّ بن الحسين عَلَيهِم السَّلَامُ: « يكون قبل خروجه -المهدي- خروج رجل يقال له: عوف السلمي بأرض الجزيرة، ويكون مأواه تکریت(1)، وقتله بمسجد دمشق ، ثمّ يكون خروج شعیب بن صالح من سمرقند، ثمّ يخرج السفياني الملعون من الوادي اليابس، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان ، فإذا ظهر السفياني اختفى المهدي ثم يخرج بعد ذلك »(2) - الحديث .

83- وبسنده: عن عمّار بن ياسر -في حديث-: «ثمّ يخرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح»(3).

الثاني عشر

خروج الحسني وقتله

وقد مرّ في الأمر الأول عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ:«إذا اختلف ولد العبّاس، وهي سلطانهم، وطمع فيهم من لم يكن يطمع، وخلعت

ص: 278


1- قال في مراصد الاطلاع: تکریت - بفتح التاء والعامة تكسرها -: بلدمشهور بين بغداد والموصل ، وفي الأصل تکریت ، وهو اسم لعدة مواضع.
2- الغيبة / الطوسي: 444. الخرائج والجرائح : 155/3.
3- الغيبة / الطوسي:464. بحار الأنوار : 208/52.

العرب أعنّتها، ورفع كلّ ذي صيصة صيصيته، وظهر السفياني، وأقبل اليماني، وتحرّك الحسني، خرج صاحب هذا الأمر»(1) - الحديث .

لعلّ المراد من الحسني هنا الخراساني، لأنّ خروجه و تحرّکه يقترنان مع خروج السفياني و اليماني، بل هو الذي تطمئنّ إليه النفس.

84- وفي رواية:«أنّ المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ حينما يريد الخروج يطلع على ذلك بعض مواليه، فيأتي الحسني فيخبره الخبر فيبتدره الحسني إلى الخروج فيثب عليه أهل مكّة فيقتلونه ويبعثون برأسه إلى الشامي (أي السفياني) فيظهر عند ذلك صاحب هذا الأمر »(2) - الحديث.

لعلّ المراد من الحسني هنا هو النفس الزكيّة، وهو الأقرب، بل لعلّه المتعيّن، لكثرة القرائن المحفوفة به في الحديث.

الثالث عشر

خروج رايات من مصر إلى الشام وخروج المصري

85- المفيد: بسنده عن الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: «كأني برايات من مصر

ص: 279


1- بحار الأنوار: 242/52، عن النية / النعماني.
2- الغيبة / النعماني: 270.

مقبلات خضر مصبغات، حتّى تأتي الشامات فتهدي إلى ابن صاحب الوصيّات»(1).

86- وفي رواية عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال في جملة العلامات: «وقام أمير الأمراء بمصر »(2).

فهؤلاء أنصار الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ من بلاد النيل.

87- غيبة الشيخ : بسنده عن محمّد بن مسلم : « يخرج قبل السفياني مصري ويماني »(3).

الرابع عشر

رکز رایات قيس بمصر ورايات كندة بخراسان

88- المفيد: بسنده سأل رجل الحسن عَلَيهِ السَّلَامُ عن الفرج، فقال عَلَيهِ السَّلَامُ:

« تريد الإكثار أم أجمل لك ؟ » ، فقال : بل تجمل لي، قال : « إذا ركزت رايات قيس بمصر ورايات كندة بخراسان »(4).

ص: 280


1- الإرشاد: 376/2. الصراط المستقیم: 2/ 250.
2- بحار الأنوار: 210/52.
3- الغيبة / الطوسي: 447. إثبات الهداة : 728/3.
4- الإرشاد : 376/2. الغيبة / الطوسي : 272.

89- النعماني: بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ:« قبل قيام القائم تحرّك حرب قیس »(1).

الخامس عشر

نزول الترك الجزيرة، والروم الرملة

90- وجاء ذلك في عدّة روايات مسندة عن جابر الجعفي عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ، قال : « ألزم الأرض ولا تحرّك بدأ ولا رجلاً حتّى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها، وما أراك تدرك ذلك، ولكن حدّث بهن بعدي عنّي، وذكر جملة منها (إلى أن قال:) ونزول الترك الجزيرة ونزول الروم الرملة»(2).

91- وفي رواية:« وتنزل الروم فلسطين »(3).

92- وفي رواية:«ومارقة تمرق من ناحية الترك حتّى تنزل

ص: 281


1- الغيبة/النعمانی: 277. بحار الأنوار : 245/52.
2- بحار الأنوار: 219/52، عن الإرشاد . قال في المراصد: «الرملة واحدة الرمل ، مدينة بفلسطين ، كانت قصبتها ، وكانت رباطأ للمسلمين وبينها وبين بيت المقدس اثنا عشر ميلا ، وهي كورة منها».
3- الغيبة / الطوسي : 463.

الجزيرة وستقبل مارقة الروم حتّى ينزلوا الرملة»(1).

والظاهر أنّ المراد بالجزيرة، جزيرة العرب، والرملة بلدة بفلسطين.

93- وفي رواية:«إذا خالف الترك الروم أو يتخالف الترك والروم» (2)، والظاهر أنّه بمعنى نزول الترك الجزيرة والروم الرملة.

قد تكون الرواية «خالف الترك الروم، أو يتخالف الترك والروم» كما نقلناه، ومعناه وقوع النزاع بينهما على غرار النزاع الذي وقع بينهما، والحرب التي وقعت بين الدولة العثمانيّة الذين هم الترك، وبين بريطانيا العظمى التي كانت تمثّل الروم، وكان مآلها إلى سقوط الدولة العثمانيّة، ومن بعدها احتلالالأراضي الفلسطينيّة.

وقد تكون الرواية بلفظ «حالف الترك الروم، أو يتحالف...» بمعنی عقد تحالف واتّفاقيّة بين تركيا والدول الأوروبيّة، على غرار ما تسعى إليه تركيا وأوربا ، وقد قطع الفريقان شوطاً كبيراً في هذا الطريق حتّى الآن، والرواية التالية تؤيّد هذا المعنى.

94- وفي رواية:«فإذا استأثرت عليكم الروم والترك وجهّزت

ص: 282


1- الغيبة / النعماني : 280. الاختصاص: 256. الغيبة الطوسي : 442.
2- الغيبة/الطوسی: 441.

الجيوش»(1) - الحديث.

95- وفي رواية عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ: « وظهرت لولدي رايات الترك متفرقات في الأقطار والجنبات، وكانوا بين هنا وهنات»(2).

السادس عشر

حصار الكوفة، ولعله من جهة السفياني

السابع عشر

تخريق الروايا في سكك الكوفة

أي روايا الماء، والظاهر أنّه بغلبة أحد الفريقين المتحاربين على الآخر(3). وفي بعضها: تحریق الزوايا(4).

الثامن عشر

تعطيل المساجد أربعين ليلة، والظاهر أنه بالكوفة، أو العراق

ص: 283


1- الغيبة / الطوسي : 463.
2- الغيبة/النعماني : 275.
3- بحار الأنوار : 273/52.
4- مختصر بصائر الدرجات : 199.

كلّها، أو بعض مدنها(1)

التاسع عشر

کشف الهيكل، والمراد منه غير واضح

*کشف الهيكل، والمراد منه غير واضح(2)،فقد يكون المراد منه هيكل سليمان المزعوم، وقد يكون هيكل آخر، والله العالم.

العشرون

خفوق رايات حول المسجد الأكبر بالكوفة

*خفوق رايات حول المسجد الأكبر بالكوفة (3)

الحادي والعشرون

قتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين

*قتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين (4)

والذي ذكره المفيد رَحْمَةِ اللَّهِ كما مر قتل النفس الزكيّة في سبعين من الصالحين.

هناك اهتمام كبير بنبأ النفس الزكية في بجامعنا الروائيّة، وأحاديث العترة الهادية صلوات الله عليهم، لا سيمّا بقتله واستشهاده، وأكّدت

ص: 284


1- بحار الأنوار : 273/52.
2- بحار الأنوار : 273/52.
3- بحار الأنوار : 273/52.
4- مختصر بصائر الدرجات : 199.

على أنّ قتله آخر علامة من علامات الظهور، وأقربها، لكنّها قالت تارة يقتل بظهر الكوفة، وتارةً بمكّة، وللكشف عن هويّته وحقيقة أمره لا بدّ من التحقيق في هذه الأخبار:

96– ففي رواية طويلة عن عمّار بن یاسر رَضِی اللهُ عَنه: «وإذا رأي أهل الشام قد اجتمع أمرها على ابن سفيان فالحقوا بمكّة، فعند ذلك ثقتل النفس الزكيّة وأخوه بمكّة ضيعة، فينادي منابر من السماء: أيّها النّاس، إنّ أميركم فلان، وذلك هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً...»(1).

97- «إنّ المهدي لا يخرج حتّى قتل النفس الزكيّة، فإذا قتلت النفس الزكيةّ غضب عليهم من في السماء ومن في الأرض، فأتی النّاس المهدي فزقّوه كما تزفّ العروس ...»(2).

98- «تستباح المدينة حينئير وتقتل النفس الزكيّة»(3).

99– «ويقتل أهل الحجاز النفس الزكيّة، وهو من أنصار المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ»(4).

ص: 285


1- الغيبة / الطوسي: 278. ملاحم ابن طاووس: 58.
2- ابن حماد: 93. ابن أبي شيبة: 199/15.
3- ابن حماد: 90. عقد الدرر : 66، عن ابن حماد.
4- معجم أحاديث الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ: 509/2.

100- وعن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ أنّه كان يقول: «... وقتل النفس الزكيّة من المحتوم...»(1).

101– « ليس بين قيام قائم آل محمّد وبين قتل النفس الزكيّة إلا خمسة عشر -خمس عشرة- ليلة»(2).

102- يقول القائم عَلَيهِ السَّلَامُ لأصحابه:« يا قوم، إنّ أهل مكّة لا يريدونني، ولكنّي مرسل إليهم لأحتجّ عليهم بما ينبغي لمثلي أن يحتجّ عليهم، فيدعو رجلا من أصحابه فيقول له: امض إلى أهل مكّة، فقل: يا أهل مكّة، أنا رسول فلان إليكم، وهو يقول لكم: إنّا أهل بيت الرحمة، ومعدن الرسالة والخلافة، ونحن ذرّية محمّد وسلالة النبّيين، وإنّا قد ظلمنا واضطهدنا، وقهرنا وابتزّ منّا حقّنا منذ قبض نبيّنا إلى يومنا هذا، فنحن نستنصرکم فانصرونا.

فإذا تكلّم هذا الفتى بهذا الكلام أتوا إليه فذبحوه بين الركن والمقام، وهي النفس الزكيّة، فإذا بلغ ذلك الإمام، قال لأصحابه: ألا أخبرتكم أنّ أهل مكّة لا يريدوننا، فلا يدعونه حتّى يخرج ...»(3).

ص: 286


1- کمال الدين : 652. الإرشاد : 358/2.
2- کمال الدین: 649. الإرشاد: 360. الغيبة / الطوسی: 271.
3- بحار الأنوار : 307/52.

103- «نعم، وقتل النفس الزكية من المحتوم...»(1).

104- «من المحتوم الذي لا بد أن يكون من قبل قيام القائم خروج السفياني، وخسف بالبيداء، وقتل النفس الزكيّة ...»(2).

105- « قال: بلى، قلت: وماهي؟ قال: هلاك العبّاسي، وخروج السفياني، وقتل النفس الزكيّة ...»(3).

106- وعن أبي حمزة الثمالي ، قال : «قلت لأبي عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: إن أبا جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ كان يقول: إنّ خروج السفياني من الأمر المحتوم، قال: نعم، واختلاف ولد العبّاس من المحتوم، وقتل النفس الزكيّة من المحتوم...»(4).

107- وفي حديث آخر: «... وقتل النفس الزكيّة من المحتوم ...»(5).

108- وفي رواية:« يا أبا محمّد، إنّا أهل بيتي لانوقّت، وقد قال

ص: 287


1- الغيبة / النعمانی : 257.
2- الغيبة / النعماني : 264.
3- الغيبة / النعمانی : 262.
4- الغيبة / الطوسي : 266، ومثله في كمال الدين عن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ
5- الغيبة / النعماني: 252.

محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: كذب الوقّاتون.

يا أبا محمّد، إن قدام هذا الأمر خمس علامات ...، وقتل النفس الزكيّة ...»(1).

109- وفي رواية طويلة:«... وقتل غلام من آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه بين الركن والمقام اسمه محمّد بن الحسن، ولقبه النفس الزكيّة ...»(2).

110- «ليس بين قيام قائم آل محمّد وبين قتل النفس الزكيّة إلّا خمس عشرة ليلة»(3).

111- «وقتل غلام من آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه بين الركن والمقام، اسمه محمّد بن الحسن النفس الزكيّة...»(4).

112- وعن أمير المؤمنين صلوات الله عليه في خطبة طويلة: «...وقتل النفس الزكيّة بظهر الكوفة في سبعين، والمذبوح بين

ص: 288


1- الغيبة / النعماني : 289.
2- إثبات الرجعة / الفضل بن شاذان على ما في إثبات الهداة. الغيبة / الفضل على ما في المستدرك.
3- کمال الدين: 649. الإرشاد: 360. الغيبة / الطوسي: 271. إعلام الوری : 427.
4- كمال الدين: 330. کشف الغمة: 324/3

الركن والمقام...»(1).

113- وعن الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «خمس علامات قبل قیام القائم... وقتل النفس الزكيّة، واليماني،...»(2).

114- عن يعقوب السرّاج -عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ- قال: «قلت: وطمع فيهم من لم يكن يطمع...و تحرّك الحسني ، و خرج صاحب هذا الأمر من المدينة إلى مكّة...»(3).

115- عن يعقوب السرّاج، عن أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ في تتمّة الحديث السابق:«... ويستأذن -أي المهدي- الله في ظهوره، فيطّلع على ذلك بعض مواليه ، فيأتي - أي ذلك المولى وهو من خدم الحّجة عَلَيهِ السَّلَامُ- الحسني، فيخبره الخبر -أي يخبره بخروج المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ- فيبتدره -أي يسبق الحسني المهديّ في الخروج ، ويخرج قبل المهدي - إلى الخروج، فيثب عليه أهل مكّة، ويبعثون برأسه إلى الشامي -أي إلى السفياني- فيظهر عند ذلك صاحب هذا الأمر...»(4).

نستنتج من هذه المجموعة من الروايات أموراً:

ص: 289


1- مختصر بصائر الدرجات : 199.
2- الکافي: 310/8. الغیبة / النعماني:252. کمال الدین:649
3- الكافی:310/8. الغيبة / النعمانی: 252. كمال الدين: 649.
4- الكافی: 225/8. الغيبة / النعمانی : 270.

1- أنّ النفس الزكيّة وصف مدحٍ وتعظيم، وأنّه قابل للانطباق على كلّ من كانت نفسه على هذا المستوى العالي من التزكية والتربية والتهذيب.

2- فيمكن ويصحّ إطلاقه على أكثر من شخص، لإمكان تطبيقه على مصادیق متعدّدة.

3- وعليه فلعلّ وجه الجمع بين خبري مقتله بمكّة وبظهر الكوفة باحتمال أن يكون المقصود شخصين متّصفین بهذه الصفة يقتل أحدهما هنا، والآخر هناك، ويكون كلاهما من علامات قرب الظهور، واحتمال کون المقتول بمكّة وهو الأهم والأقرب الذي بين مقتله والظهور خمس عشرة ليلة، يؤيّد ذلك ما في رواية الأمير صلوات الله عليه: أنّ المقتول بظهر الكوفة يقتل في سبعين من أصحابه، وأنّ هناك أخر يقتل بين الركن والمقام، راجع الرقم 112، واحتمال كونه محمّد بن الحسن، وربّما وقع خلط هنا، فليس المطلوب محمّد بن الحسن، ولا هو المراد من الموصوف بالنفس الزكيّة، وإنّما وقع الخلط من الرواة، خلطاً منهم بين المهدي المنتظر صاحب الزمان صلوات الله عليه، وبين النفس الزكيّة، فأطلقوا اسم مولانا صاحب الأمر عليه، ولعلّ خبر قتله بظهر الكوفة خلط والتباس وقع من الرواة، لقوّة واستفاضة أخبار المقتول بمكّة، وبين الركن والمقام.

ص: 290

ولا عبرة بالرواية رقم (98) ولا غيرها ممّا لم نتجشّم عناء نقلها والتي تنسب قتله إلى المدينة المنوّرة؛ لأنّها روايات عاميّة بحتة، تعارض أحاديثنا أوّلاً، ونحن لا نبالي بالخبر الذي ليس له ما يؤيّده في مجامعنا الروائيّة، وليس له طريق من الخاصّة، ونردّها ردّاً قاطعاً، فضلاً عمّا إذا كان مخالفاً لنصوصنا ، فإنّه يضرب به عرض الجدار، إذ الرشد في خلافهم.

4- أنّ للنفس الزكيّة أخاً يقتل معه بمكّة بين الركن والمقام.

ه- أنّ من عظيم شأنه وعلو مقامه عند الله تعالى وعند مولانا صاحب الأمر، أن لا يمهلهم الله، ويعجّل عقوبة قاتلیه وظالمي آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه وغاصبي حقوقهم بالتعجيل في الإذن بخروجه عَلَيهِ السَّلَامُ.

6- أنّه المبعوث من قبل صاحب الأمر صلوات الله عليه إلى أهل مكّة، والمرسل من جهته إليهم لدعوتهم إلى نصرة المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ، وأخذ البيعة منهم.

7- يغضب لقتله أهل السماء وهم الملائكة، وأهل الأرض من المؤمنين والمستضعفين.

8- أنّ قتله من العلامات المحتومة القريبة.

9- أنّ بين قتله وظهور الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ خمس عشرة ليلة، ممّا يوحي بأنّه إنّما يقتل في الليل.

ص: 291

10- أنّ قاتليه هم من أهل مكّة.

11- أنّ الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ كان يعلم بمقتله کاکان حال جدّه سیّد الشهداء عَلَيهِ السَّلَامُ وعمّه مسلم بن عقیل سلام الله عليه، يدلّ على ذلك قوله عَلَيهِ السَّلَامُ قبل إرساله:«لكنّي مرسل إليهم لأحتجّ عليهم ...»، فتأمّل جيّداً.

12- أنّه يقتل ذبحاً، كما هو عادة النواصب، وقد سقط القناع في عصرنا هذا عن وجوههم القبيحة في أفغانستان والعراق على وجه الخصوص ، وهو من فعال الطغاة والقساة كالأمويّين.

13- أنّ أهل مكّة والحجاز هم أوّل المناوئين والمعادين لدعوة المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ.

14- أنّه يقتل بعد خروج السفياني.

15- أن تعيين العلامات ليس من التوقيت.

16- أنّه غلام یافع، أي شاب في مقتبل العمر، وعليه فلا يتجاوز السادسة أو السابعة عشر من عمره.

17- أنّه من بني هاشم.

18- أنه كما في الرواية رقم (115)- يخرج قبل المهدي، ولا تدلّ الرواية على أنّ خروجه من غير إذن من الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ، إذ ربّما كان قد أذن له الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ، وهم بإرساله إلى مكّة، لكنّه كان ينتظر

ص: 292

القرار الأخير، والوقت الموعود الذي حصل ذلك بعد أن جاء الإذن من الله تعالى بخروجه عَلَيهِ السَّلَامُ، ووصل الخبر إلى الحسني من قبل بعض موالي الإمام، فبادر إلى تنفيذ أمره عَلَيهِ السَّلَامُ.

19- ومن الرواية رقم (102) يظهر أنه فتىً وليس بغلام، وهو لعلّه أنسب لهذه المهمّة، إذ يقتضى حينئيذٍ كونه بين الثامنة عشرة وبين الثلاثين من العمر، وللجمع بينها يمكن أن نقول: عبّر عنه بالغلام بلحاظ سنّه قبل خروجه، وربّما عبّر عنه بالغلام لأنّه وإن كان في سنّ الفتيان، إلّا أنّ شمائل وجهه أشبه بالغليان، ولعلّه خلط من الرواة، أو أحدهما خلط منهم، والاحتمال الثاني أقرب.

20- كما يطلق عليه النفس الزكيّة فكذلك ملقب أيضاً بالحسني لانتسابه إلى الإمام الحسن المجتبى عَلَيهِ السَّلَامُ.

21- ولا مانع من كون الخراساني حسينيّاً أيضاً، ويدلّ عليه بعض الأخبار، كما أنّه لا مانع من كون النفس الزكيّة حسنياً أو حسينيّاً، طبقأ لجملة أخرى من الأخبار، والعلم عند الله تعالى.

ص: 293

ص: 294

الدّرس التاسع عشر: علامات الظهور - 5

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

الثاني والعشرون

قتل الأشفع صبرة في بيعة الأصنام

*قتل الأشفع صبرة في بيعة الأصنام(1)

والمراد بالأشقع غير ظاهر، ولعلّه مصحّف، ففي بعض المصادر: قتل الأسبغ المظفّر صبراً...(2)، وفي بعضها الآخر: «الأسقع » (3)، وبيعة الأصنام أي الكنيسة أو نحوها ذات الأصنام.

ص: 295


1- بحار الأنوار : 82/53.
2- مختصر بصائر الدرجات : 199.
3- بحار الأنوار: 273/52.

الثالث والعشرون

سبي سبعين ألف بكر من الكوفة

*سبي سبعين ألف بكر من الكوفة(1)

ويروى أنّ الكوفة تعظم كثيراً حتّى تتصل بكربلاء فلا يستبعد ذلك.

الرابع والعشرون

خروج مائة ألف من الكوفة إلى السفياني

الخامس والعشرون

خروج رامات من شرقي الأرض مع رجل من آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه مختوم في رأس القناة بخاتم السيد الأكبر

*خروج رامات من شرقي الأرض مع رجل من آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه مختوم في رأس القناة بخاتم السيد الأكبر(2)

السادس والعشرون

خروج رجل من نجران يستجيب للإمام عَلَيهِ السَّلَامُ

ص: 296


1- من الثالث والعشرين إلى الثامن والعشرين بحار الأنوار : 274/52.
2- قد ذكرنا في رواية سابقة أن المراد بالسيد الأكبر رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، فانتبه ولا تذهب بعيدة ، ويدل على ذلك روايات أخرى ليس هنا محلها و یکفیک ما فی دعاء الندبة فراجع

السابع والعشرون

نداء من جهة المشرق يا أهل الهدی، اجتمعوا، ومن جهة المغرب: يا أهل الباطل، اجتمعوا

الثامن والعشرون

تلون الشمس

التاسع والعشرون

بعث أهل الكهف وخروجهم مع القائم عَلَيهِ السَّلَامُ

وهذه العلامات من السادس عشر إلى التاسع والعشرون مع غيرها منقولة عن کتاب سرور أهل الإيمان في جملة رواية عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ، قال: ولذلك علامات أوّلهنّ: حصار الكوفة بالرصد والخندق، وتخريق الروايا في سكك الكوفة، وتعطيل المساجد أربعين ليلة، وكشف الهيكل، وخفق رايات حول المسجد الأكبر تهتزّ، القاتل والمقتول في النار، وقتل سریع و موت ذريع، وقتل النفس الزكيّة بظهر الكوفة في سبعين، والمذبوح بين الركن والمقام (إشارة إلى النفس الزكيّة أو إلى الحسني)، وقتل الأسقع صبراً في بيعة الأصنام، وخروج السفياني براية حمراء أميرها رجل

ص: 297

من بني كلب، واثنا عشر ألف عنان من خيل السفياني تتوجّه إلى مكّة والمدينة أميرها رجل من بني أميّة يقال له خزيمة أطمس العين الشمال، على عينه ظفرة غليظه يمثّل بالرجال، لا تردّ له راية حتّى ينزل المدينة في دار يقال لها دار أبي الحسن الأموي، ويبعث خيلاً في طلب رجل من آل محمّد إلى مكّة أميرها رجل من غطفان -إلى أن قال : -ويبعث مائة وثلاثين ألفاً إلى الكوفة وينزلون الروحاء(1)، والفاروق (2)، والظاهر أنّه الفاروت قرية على شاطئ دجلة بين واسط والمذار، أمّا الفاروق فقرية من قرى اصطخر فارس وإرادتها لا تناسب المقام، فيسير منها ستّون ألفاً حتىينزلوا الكوفة موضع قبر هود عَلَيهِ السَّلَامُ النخيلة فيهجمون عليهم يوم الزينة وأمير الناس جبّار عنيد يقال له الكاهن الساحر، فيخرج من مدينة الزوراء إليهم أمير في خمسة آلاف من الكهنة ويقتل على جسرها (أي الكوفة) سبعين ألفاً حتّى تحتمي الناس من الفرات ثلاثة أيّام من الدماء ونتن الأجساد ويسبي من الكوفة سبعون ألف بكر لا يكفّ عنها كفّ

ص: 298


1- في بعض الروايات : ويكون ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات يقال لها الروحاء قريبا من کوفتكم. وفي معجم البلدان : « الروحاء قرية من قرى بغداد ، وقرية بين مكة والمدينة.
2- كذا في النسخة.

ولا قناع حتّى يوضعن في المحامل ويذهب بهنّ إلى التوبة وهي الغري.

ثمّ يخرج من الكوفة مائة ألف ما بين مشرك ومنافق حتّى يقدموا دمشق لا يصدهم عنها صاد وهي ارم ذات العياد، وتقبل رايات من شرقي الأرض غير معلّمة ليست بقطن ولا كتّان ولا حریرها مختوم في رأس القنا بخاتم السيّد الأكبر يسوقها رجل من آل محمّد تظهر بالمشرق، وتوجد ريحها بالمغرب كالمسك الأذفر يسير الرعب أمامها شهراً حتّى ينزلوا الكوفة طالبين بدماء آبائهم فبينا هم على ذلك إذ أقبلت خيل اليماني والخراساني يستبقان كأنّها فرسا رهان شعث غبر جرد ويخرج رجل من أهل نجران يستجيب للإمام فیکون أوّل النصارى إجابة فيهدم بيعته ويدقّ صليبه فيخرج بالموالي وضعفاء النّاس فيسيرون إلى النخيلة بأعلام الهدى، فيكون مجمع الناس جميعاً في الأرض كلّها بالفاروق فيقتل يومئيذٍ ما بين المشرق والمغرب ثلاثة آلاف ألف وینادي مناد في شهر رمضان من ناحية المشرق عند الفجر: يا أهل الهدى، اجتمعوا، وينادي منادٍ من قبل المغرب بعد ما يغيب الشفق: يا أهل الباطل، اجتمعوا، ومن الغد عند الظهر تتلوّن الشمس تصفرّ فتصير سوداء مظلمة، ويوم الثالث يفرّق الله بين الحقّ والباطل، و تخرج دابة الأرض وتقبل الروم عند ساحل البحر عند کهف الفتية فيبعث الله الفتية من كهفهم مع كلبهم

ص: 299

معهم رجل يقال له ملیخا، وآخر حملاها و هما الشاهدان المسلمان للقائم عَلَيهِ السَّلَامُ (1).

الثلاثون

ظهور نار بالكوفة

116- النعماني: بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ في قوله تعالى: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾(2)، قال:«تأويلها فيما يأتي عذاب يقع في النوية يعني نار حتى ينتهي إلى الكناسة ، كناسة بني أسد حتى تمرّ بثقيف لا تدع وترأ لآل محمد إلّا أحرقته وذلك قبل خروج القائم عَلَيهِ السَّلَامُ (النوية) موضع قرب الكوفة (والكناسة) محلة بالكوفة »(3).

الحادي والثلاثون

ظهور نار من المشرق

117- النعماني: بسنده عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ:«إذا رأيتم نارا من

ص: 300


1- بحار الأنوار: 272/52-275
2- سورة المعارج: الآية 1.
3- الغيبة / النعماني : 272، ومثله باختلاف عن الإمام الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ. الغيبة / النعماني : 272. تفسير القمی: 385/2.

المشرق شبه الهردي (1) العظيم تطلع ثلاثة أيّام أو سبعة فتوقّعوا فرج آل محمّد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه»(2).

118- وبسنده عنه عَلَيهِ السَّلَامُ: «إذا رأيتم علامة في السماء ناراً عظيمة من قبل المشرق تطلع ليالي فعندما [ فعندها فرج الناس وهي قدّام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ بقليل »(3).

الثاني والثلاثون

النار والحمرة في السماء

119- المفيد : بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « يزجر النّاس قبل قيام القائم عن معاصيهم بنار تظهر في السماء وحمرة تجلّل السماء»(4) -الحديث.

ص: 301


1- الهردي : الثوب المصبوغ بالهرد - بالضم - وهو الكركم الأصفر وطين أحمر يصبغ به ، واسم لصبغ أصفر يسمى العروق، والمناسب هنا إرادة الطين الأحمر؛ لأن المصبوغ به هو الذي تشبه النار، وما في البحار من جعله بالواو لا بالدال اشتباه و تصحيف.
2- الغيبة / النعماني: 253.
3- الغيبة / النعماني : 267.
4- الإرشاد: 361. إعلام الوری : 429.

الثالث والثلاثون

انبثاق الفرات

120- المفيد : بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « سنة الفتح ينبثق الفرات حتى يدخل في أزقّة الكوفة »(1).

121- في الحديث : « إذا أراد الله أن يظهر آل محمّد ، بدأ الحرب من صَفَر إلى صَفَر ، وذلك أوان خروج المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ، قال ابن عبّاس: يا أمير المؤمنين ، وما أقربُ الحوادث الدالّة على ظهوره ؟ فدمعت عيناه ، وقال : إذا فَتَق بثق في الفرات ، فبلغ أزقّة الكوفة ، فليتهيّأ شیعتنا للقاء القائم »(2).

122- وفي الخطبة المرويّة عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه : « أوّلها تحريف الرايات في أزقّة الكوفة ...»(3).

الرابع والثلاثون

كثرة القتل بين الحيرة والكوفة

ص: 302


1- الإرشاد : 361. الغيبة / الطوسی: 273 و 274.
2- الصراط المستقیم: 285/2
3- إثبات الهداة : 598/1. غاية المرام : 57. مدينة المعاجز : 154. بحار الانوار : 354/36.

123- المفيد: بسنده عن جابر ، قلت لأبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ متى يكون هذا الأمر ؟ فقال : « أنّى يكون ذلك يا جابر ولما يكثر القتل بین الحيرة والكوفة »(1).

124- النعماني : بسنده عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «لا يظهر القائم عَلَيهِ السَّلَامُ إلى أن قال : ويكون قتل بين الكوفة والحيرة قتلاهم على سواء»(2)۔ الحديث.

125- وفي البحار: « على سواء أي في وسط الطريق »(3). أقول : الظاهر أنّ المراد تساوي قتلاهم في العدد.

الخامس والثلاثون

قتل رجل من الموالي بين الحيرة والكوفة

126- النعماني : بأسانيده عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ- في حديث -: « ثمّ يخرج رجل من موالي أهل الكوفة في ضعفاء فيقتله أمير جيش السفياني بين الحيرة والكوفة »(4).

ص: 303


1- الإرشاد: 360. الغيبة / الطوسی: 271.
2- الغيبة / النعماني : 279.
3- بحار الأنوار : 271/52. وعن الغيبة / النعماني : 297/52 و 298.
4- الاختصاص:255. الإرشاد : 359. الغيبة / الطوسی: 269.

السادس والثلاثون

هدم حائط مسجد الكوفة

127- النعماني : بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «إذا هدم حائط مسجدالكوفة من مؤخّره ممّا يلي دار ابن مسعود ، فعند ذلك زال ملك بني فلان أما أنّ هادمه لا يبنيه »(1).

128- المفيد : بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا هدم حائط مسجدالكوفة ممّا يلي دار عبدالله بن مسعود ، والقوم وبنو فلان عبارة عن بني العبّاس ، وقد مر في الأمر الأوّل أنّ زوال ملكهم من العلامات ومرّ الجواب عن قوله وعند زواله خروج القائم عَلَيهِ السَّلَامُ»(2).

السابع والثلاثون

خسف ببغداد ، والبصرة، وقتل بالبصرة ، وخراب وفناء وخوف بالعراق

129- المفيد: بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ، وذكر بعض علامات المهدي إلى أن قال : - « وخسف ببغداد وخسف ببلد البصرة ودماء

ص: 304


1- الغيبة / النعمانی: 276 و 277. الإرشاد : 360. الغيبة الطوسي: 271.
2- الإرشاد : 375/2. الصراط المستقیم: 249/2.

تسفك بها وخراب دورها وفناء يقع في أهلها وشمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار »(1).

الثامن والثلاثون

خراب البصرة

وهو مروي عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ، وقد مرّ في الأمر السابق أنّ من العلامات خراب دورها.

التاسع والثلاثون

خراب الري

130- النعماني : بسنده عن كعب الأحبار ، قال : « وخراب الزوراء ، وهي الريّ، وخسف المزورة (2)، وهي بغداد »(3) الحديث.

ص: 305


1- الإرشاد: 361. کشف الغمة : 252/3.
2- المشهور أن بغداد تسمى الزوراء ، وقد جعله في الخبر اسمة للري ، وسمى بغداد المزورة».
3- الغيبة / النعمانی : 361. إثبات الهداة : 532 و 533. بحار الأنوار: 225/52.

الأربعون

خروج الرايات السود من خراسان

131- غيبة الشيخ : بسنده عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: « تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان إلى الكوفة ، فإذا ظهر المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ بمكّة بعث إليه بالبيعة»(1).

132- النعماني : بسنده عن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ، عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ: «انتظروا الفرج من ثلاث ، وعدّ منها الرايات السود من خراسان »(2).

133- وبسنده: عن معروف بن خربوذ ما دخلنا على أبي جعفر الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ قطّ إلّا قال خراسان خراسان سجستان سجستان كأنّه يبشّرنا بذلك (3).

134- وفي الحديث: « تجيء الرايات السود من قبل المشرق كأنّ قلوبهم زبر الحديد ، فمن سمع بهم فليأت فيبايعهم ، ولو حبواً على الثلج »(4).

ص: 306


1- الغيبة / الطوسي: 274. الخرائج والجرائح : 1158/3.
2- الغيبة / النعماني : 251.
3- الغيبة / النعمانی: 273.
4- عقد الدرر: 129، ومصادره عامية.

تسفك بها وخراب دورها وفناء يقع في أهلها وشمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار »(1).

الثامن والثلاثون

خراب البصرة

وهو مروي عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ، وقد مرّ في الأمر السابق أنّ من العلامات خراب دورها.

التاسع والثلاثون

خراب الري

130- النعماني : بسنده عن كعب الأحبار ، قال : « وخراب الزوراء ، وهي الريّ، وخسف المزورة (2)، وهي بغداد »(3) الحديث.

ص: 307


1- الإرشاد: 361. کشف الغمة : 252/3.
2- المشهور أن بغداد تسمى الزوراء ، وقد جعله في الخبر اسمة للري ، وسمى بغداد المزورة».
3- الغيبة / النعمانی : 361. إثبات الهداة : 532 و 533. بحار الأنوار: 225/52.

الأربعون

خروج الرايات السود من خراسان

131- غيبة الشيخ : بسنده عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: « تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان إلى الكوفة ، فإذا ظهر المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ بمكّة بعث إليه بالبيعة»(1).

132- النعماني : بسنده عن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ، عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ: «انتظروا الفرج من ثلاث ، وعدّ منها الرايات السود من خراسان »(2).

133- وبسنده: عن معروف بن خربوذ ما دخلنا على أبي جعفر الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ قطّ إلّا قال خراسان خراسان سجستان سجستان كأنّه يبشّرنا بذلك (3).

134- وفي الحديث: « تجيء الرايات السود من قبل المشرق كأنّ قلوبهم زبر الحديد ، فمن سمع بهم فليأت فيبايعهم ، ولو حبواً على الثلج »(4).

ص: 308


1- الغيبة / الطوسي: 274. الخرائج والجرائح : 1158/3.
2- الغيبة / النعماني : 251.
3- الغيبة / النعمانی: 273.
4- عقد الدرر: 129، ومصادره عامية.

135- وفي الحديث عن أبي عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ، ثمّ قام فقال أبو عبدالله : « إذا بلغ الوقت وصدق الوصف فهو صاحب الرايات السود من خراسان ...»(1).

لا شكّ أنّ المقصود بالرايات السود في هذا الحديث هم أصحاب أبي مسلم الخراساني وجنده ، ولا علاقة لها بالرايات السود قبل ظهور القائم صلوات الله عليه ، يتّضح ذلك من تتمّة الحديث وهو صريح في ما قلنا ، وهو أيضاً من إخبارات الأئمّة الأطهار صلوات الله عليهم بالأحداث المستقبلية والغيبيّات.

وحيث أنّ أكثر أحاديث الرايات السود موضوعة ، أو مشوبة بالأكاذيب في زمن العبّاسيّين ، واستغلّ العبّاسيّون ما صحّ من روايات الرايات السود شرّ استغلال في سبيل أهدافهم السياسيّة ، كما يصنع السياسيّون دائماً وأبداً، فتجد كتب العامة مليئة بهذه الأحاديث والأخبار، وتجد علمائهم لم يألوا جهداً في تثبيتها ونقلها وروايتها ، وتلاحظ اهتماماً خاصّاً منهم إزائها ، ولهذا فإنّا أعرضن عنها وعن روايتها، واكتفينا بهذا اليسير ، إذ الأصل عندنا الاعتماد على مصادرنا الخاصّة ، وما يروى عن طريق أصحابنا رَضِی اللهُ عَنهُم،

ص: 309


1- دلائل الإمامة : 140. إثبات الوصية : 158.

والإعراض عمّا انفرد به القوم فضلاً عمّا كان مخالفاً لروايات أصحابنا ، ولما ورد في جوامعنا الروائيّة .

وعليه ، فالمعتبر من أحاديث الرايات السود ما أوردناه وملخّصها: أنّها تخرج من خراسان ، ومن ناحية المشرق - فيظهر أنّ روايات المشرق التي ستأتي إن شاء الله تعالى تنطبق عليها . والمراد مشرق العراق أو الجزيرة العربيّة ، أو مشرق مكّة أو المدينة المنوّرة على الأرجح.

وأنّ قائدها الأعلى هو السيّد الحسني أو الحسيني الذي مضى ذكره ، وهو المعروف بالخراساني ، كما أنّ أميرها -أي قائدها الميداني - هو شعیب بن صالح التميمي ، وأنّها قد تكون من المحتومة، وأنّها توالي المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ، و تخرج لنصرته ، ومواجهة جيش السفياني في العراق.

وأنّ أصحابها شجعان ، وأبطال أشدّاء ، وهي من علامات قرب الظهور ، وأنّها تبايع المهدي صلوات الله عليه و تقاتل بين يديه ، فهم من أنصاره أرواحنا فداه.

والكلام فيها وفيا بعدها -أعني خروج رايات من المشرق - حذو النعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة.

ص: 310

الحادي والأربعون

خروج قوم بالمشرق

136- النعماني : بسنده عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «كأنّي بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه ، ثمّ يطلبونه فلا يعطونه ، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتّى يقوموا ، ولا يدفعونها إلّا إلى صاحبكم، قتلاهم شهداء ، أما إنّي لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر»(1).

هذا الحديث صريح في وقوع حدثٍ هامّ في إيران أو بعض المناطق المجاورة لها ، قرب ظهور الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ، وأنّ صاحب هذه الراية يعدّ من الصالحين الذين يدركون ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ ويسلّمون الراية إليه ، ويكون هو وجنده من أنصاره عَلَيهِ السَّلَامُ.

ولكنّ ما يلفت الانتباه ، وهو الأهم من ذلك ، بل الأهمّ على الإطلاق ما تحمله من رسالة في غاية الدقّة للشيعة عامّة ، وما تحويه من إشارات لطيفة وحقائق ظريفة ، يجب أخذها بعين الاعتبار ، وتسليط الأضواء عليها، وهو ما حاول ولا يزال يحاول القوم إخفائه ، بل إنكاره طيلة العقدين الماضيين ، ونتوقّع استمرار الأمر

ص: 311


1- الغيبة / النعماني : 273.

على هذه الوتيرة إلى ما شاء الله تعالى.

وكيف كان ففي ذيل هذا الحديث ، وهو قوله عَلَيهِ السَّلَامُ: «لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر»، تكمن أسرار يمكن إزاحة الستار عنها بأدني تأمل و تدقيق مع مراعاة الإنصاف.

فبملاحظة هذه المقولة التي هي في ذيل الحديث وتدقيق النظر فيها نستنتج الحقائق التالية :

1- أنّ الحدث المشار إليه هنا سيكون قريب العهد من عصر الظهور ، وزمن خروج الحجّة صلوات الله عليه.

2- أنّه حدث هام تترتب عليه آثار إيجابيّة عديدة في الجانب الديني والمعنوي لكافّة الشيعة ولأهله على وجه الخصوص.

3- أنّ هذا الحدث رغم أهميّته فليس أهمّ من انتظار الفرج ، بل انتظار الفرج واستبقاء النفس بترك المجازفة والمخاطرة ، رجاء إدراك الظهور ، هو أفضل بكثير من طلب الشهادة والقتل في سبيل الله تعالى في عصر الغيبة عموماً.

4- أنّ الأفضل الذي لا يقاس به شيء هو استبقاء النفس بالتماس الطرق الصحيحة انتظاراً للفرج و ظهور الصاحب عَلَيهِ السَّلَامُ، وأملاً في إدراك خروجه عَلَيهِ السَّلَامُ، وليست الشهادة في هذا العصر بأهمّ وأفضل من

ص: 312

استبقاء النفس انتظاراً للفرج.

ه- أنّ استبقاء النفس في إدراك الصاحب أرواحنا فداه أفضل من الجهاد والاستشهاد في سبيل الله في عصر الغيبة ، بل في كافّة العصور على الإطلاق ، إلّا أن يكون الخروج بأمر من أحد المعصومين صلوات لله عليهم ، وتحت لوائه.

6- لو كانت الشهادة حينذاك أفضل من الانتظار لما حثّ الإمام صلوات الله عليه على استبقاء النفس ، ولما استبقى الإمام نفسه -لو كان يدرك ذلك الزمان - لادراك ظهور الحجّة عَلَيهِ السَّلَامُ بهذه الصراحة ، فكيف يجوز له عَلَيهِ السَّلَامُ أن يحرض على استبقاء النفس إلّا إذا كان الاستبقاء على مستوى عالٍ من الفضيلة لا تقاس به الشهادة في سبيل الله تعالى ، التي قال عنها الرسول الأكرم صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « فوق كلّ ذي برًّ برّ حتى يقتل الرجل في سبيل الله ، فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ »(1).

7- واللافت للنظر أنّ استبقاء النفس ، ومجرّد استبقاء النفس للمهدي يعدّ انتظاراً الفرج ، وقد أفردنا باباً خاصّاً مفصّلاً لانتظار

ص: 313


1- الكافي : 348/2 و : 53/5.

الفرج وأهميّته في هذه الحلقة تؤيّد ما ذهبنا إليه هنا ، وانتظار الفرج أفضل حتّى من الشهادة.

8- ليس شهداء هذا العصر ، بل ليس شهداء عصير الغيبة على الإطلاق بأفضل من المنتظرين والمستبقين لأنفسهم.

9- لم يقل الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ لانتظرت الفرج حتّى يقبل التأويل والتصرّف ، فيحمل على أنّ طلب الشهادة من انتظار الفرج ، وأنّ الشهيد في عصر الغيبة يعدّ أبرز مصاديق المنتظر الفرج ، والشهادة من أبرز مصاديق الانتظار للفرج ، بل قال عَلَيهِ السَّلَامُ: « لاستبقيت نفسي » ، فمجرّد استبقاء النفس لصاحب هذا الأمر صلوات الله عليه أفضل من الشهادة على الإطلاق ، أعني وإن لم يقدّر له أن يدرك عصر ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ، ولا نال شرف الشهادة بين يديه.

10- أنّ من استبق نفسه في الفترة التي تقع فيها الحدث المشار إليه كان أكثر أملا في إدراك ظهور مولانا المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ، وازداد في ذلك رجاؤه ، بل كاد أن يدركه عَلَيهِ السَّلَامُ؛ لأنه حينئيذٍ قاب قوسين أو أدنى من الظهور ، كما يستفاد من هذا الحديث ومن غيره.

11- فالأفضل في عصر الغيبة لاسيمّا في هذا العصر دعوة المؤمنين إلى التقيّة واستبقاء النفس لصاحب الأمر صلوات الله عليه ، وعدم

ص: 314

زجّهم في الحروب ، وعدم تشجيعهم على المخاطرة بأنفسهم والمجازفة بأرواحهم ، خلافاً لما دعى إليه رجال السياسة وتجّار الحرب ، وما زالوا يدعون إليه المؤمنين لاسيمّا فئة الشباب المخلص الصادق.

12- يدلّ على حرص الإمام صلوات الله عليه وشدّة اهتامه بأمور الشيعة ، وحفظ أرواحهم وأنفسهم من الإبادة التي يتمنّاها ويسعى إليها الأعداء بكلّ ما أوتوا من قوّة ، وبما أنّ أحداث هذا العصر تهيّئ ظرفاً مناسباً، وأرضاً خصبة لإبراز الشيعة المقهورين المضطهدين طوال التأريخ، هويّتهم ، وإبراز بطولاتهم ، وما كتموه طيلة قرون متمادية ، وبما أنّها فرصة لينال أخيارهم ومتحمّسوهم ما تمنّوه طيلة حياتهم من أمر الجهاد والشهادة ، فإنّ مسؤولية المعصومين من العترة الهادية صلوات الله عليهم في حفظ دماء شيعتهم تجلّت في مثل هذه الظروف ، وجاءت أوامرهم وكلماتهم وأحاديثهم حكماً، و الحكيم يضع الأمور في نصابها ، ويضع كلّ شيء موضعه الذي يناسبه ، لا يُفرِط ولا يفرّط ، ولهذا كانت صفعة في وجوه رجال السياسة وتجّار الحروب الذين يستبقون أنفسهم دائماً ويزجّون بالأبرياء إلى ساحة القتال ، فهم كرماء وأجواد في التضحية بأرواح الآخرينمن أجل كراسيهم ومناصبهم ، وكم من شيعة أبرياء

ص: 315

ذهبوا أضاحي و قرابين لأهواء هؤلاء.

وأخيراً، فإن لنا شواهد أخرى عديدة من الأحاديث والأخبار الصريحة بالنصّ أو الدالة بالدلالة الالتزاميّة والأولويّة القطعيّة على كلّ ما ادّعيناه هنا ، قد امتلئت بها كتب الرواية ومجاميع الحديث . والعلم عند الله تعالى .

ص: 316

الدرس العشرون: علامات الظهور -6

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

الثاني والأربعون

رفع اثنتي عشرة راية مشتبهة

137- عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « لترفع (يعني عند خروج المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ) اثنتا عشر راية مشتبهة ، ولا يدرى أي من أي » ، فبكى الراوي وقال: فكيف نصنع ؟ فنظر عَلَيهِ السَّلَامُ إلى شمس داخلة في الصفّة ، فقال : « والله لأمرنا أبين من هذه الشمس »(1).

ص: 317


1- بحار الأنوار: 281/52. الغيبة / الطوسي: 338. الغيبة / النعمانی : 153. كمال الدين: 347. الكافي: 336/1، مثله باختلاف يسير. الكافي : 339/1. الغيبة / النعمانی: 151 و 152. وأيضا : الغيبة / النعمانی: 152. الكافي : 1/ 339. وأيضا : الهداية الكبری: 361. الإمامة والتبصرة : 126.

الثالث والأربعون

قیام قائم من أهل البيت بجيلان

138- النعماني : بسنده عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ - في حديث -: « وقام قائم منّا بجيلان وأجابته الإبر والديلم(1)»(2).

الرابع والأربعون

حدث بين المسجدين ، وقتل خمسة عشر كبشاّ من العرب

139- المفيد : بسنده عن الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: « إنّ من علامات الفرج حدثا يكون بين المسجدين ، ويقتل فلان من ولد فلان خمسة عشر كبشأ من العرب »(3).

140- والمراد بالمسجدين [و یقتل فلان من ولد فلان خمسه عشر کبشاً من العرب، و امراد بالمسجدین]مسجدا مكّة والمدينة بدلیل

ص: 318


1- الآبر: قرية قرب أسترآباد ، والديلم أو الديلمان من قری اصفهان بناحية جرجان - كما في المراصد . والمشهور في عصرنا هذا أن الديلم مدينة في شمال ایران من توابع محافظة جرجان ، ولا علاقة لها بإصفهان ، كما أنها ليست الديلم الشهيرة التي تقع في جنوبی ایران.
2- الغيبة / النعمانی: 275.
3- الإرشاد : 360/2. الغيبة / الطوسي :272.

قول الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « إنّ قدّام هذا الأمر علامات حدث يكون بين الحرمين » قيل : ما الحدث ؟ قال : « عصبة تكون ويقتل فلان من آل فلان خمسة عشر رجلا»(1).

والمراد بفلان وفلان رجل من ولد العبّاس؛ لأنّ المتعارف في ذلك الوقت التعبير عن بني العبّاس ببني فلان ، كما في كثير من الروايات تقیّه.

الخامس والأربعون

الاختلاف الشديد في الدين

141- غيبة الشيخ : بسنده عن الحسن بن عليّ عَلَيهِ السَّلَامُ: «لا يكون هذا الأمر الذي تنتظرون حتّى يبرأ بعضكم من بعض ، ويلعن بعضكم بعضا ، ويتفل بعضكم في وجه بعض ، وحتّي يشهد بعضكم بالكفر على بعض » ، قلت : ما في ذلك خير ؟ قال : « الخير كلّه في ذلك ، عند ذلك يقوم قائمنا فيرفع ذلك كلّه »(2).

ص: 319


1- قرب الإسناد : 154، 164. الإرشاد: 360. الغيبة / الطوسی: 272.
2- الغيبة / النعماني : 206، 109. إثبات الهداة : 537/3. الغيبة / الطوسي: 267.

142- عليّ بن إبراهيم في تفسيره: عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ في قوله تعالى : ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا﴾(1)، قال : « هو الاختلاف في الدين وطعن بعضكم على بعض بعد ما ذكر الدجّال والصيحة والخسف »(2).

وقد ابتلينا في زماننا هذا بفئات عجيبة من عوام الشيعة وجهّالهم الذين قلبوا موازين المذهب رأساً على عقب باتّخاذ بعض العلماء أئمّة وجعلهم في عداد المعصومين عَلَيهِم السَّلَامُ بموالاة من يواليهم ومعاداة من يعاديهم ، فجعلوا الملاك في الإيمان والتديّن موالاتهم لا ولاية أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ، حتّى لقد فتقوا كلّ من يخالفهم فضلاً عمّن يعاديهم ، وبصقوا في وجوه مخالفيهم ، وأباحوا غيبتهم، وصنعوا ما صنعوا من أجلهم، وأكثر هذه الفئات جهلاً و انحرافاً، وأشدّهم حماقة وضلالة وغواية هم فئةالتكفيريّين الشيعة الذين تفنّنوا وما زالوا يتفنون بتكفير الشيعة لأغراض وأهداف سیاسية ثوريّة ، لأنّ ملاك التديّن صار عندهم اتّباع طائفة من الساسة والقياديّين ، واتّباع نهجهم الخاصّ لا غير ، ثمّ إنّهم يقدّمون الناصبي على شيعة أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ، وبينما يجاهدون بالنفس والنفيس في سبيل أن يكسبوا و دّهم بدعوی

ص: 320


1- سورة الأنعام : الآية 65.
2- تفسير القمي : 204/2.

الوحدة معهم ، فإنّهم يشهرون سلاح البغي علانية في وجوه إخوانهم من شيعة أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

السادس والأربعون

ظهور الفساد والمنكرات

143- إكمال الدين : بسنده عن محمّد بن مسلم ، عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ -في حديث -: قلت له : يابن رسول الله ، متى يخرج قائمكم ؟ قال : « إذا تشبّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال ، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء ، وركب ذوات الفروج السروج ، وقبلت شهادات الزور، وردّت شهادات العدول ، واستخفّ النّاس بالدماء، وارتكاب الزنا ، وأكل الربا ، اتّقي الأشرار مخافة ألسنتهم» إلى أن قال : - « وجاءت صيحة من السماء بأنّ الحق فيه(1) وفي شيعته فعند ذلك خروج قائمنا»(2) - الحديث .

144- وبسنده: أن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ قال : «إنّ علامة خروج

ص: 321


1- الظاهر رجوع الضمير إلى القائم عَلَيهِ السَّلَامُ، ويحتمل رجوعه إلى علي عَلَيهِ السَّلَامُ، كما في بعض الروايات.
2- کمال الدين : 330. مثله باختلاف : تفسير القمي: 302/2 - 307. کمال الدین: 528-525. إثبات الهداة : 3/ 570.

الدجّال إذا أمات النّاس الصلاة ، وأضاعوا الأمانة ، واستحلّوا الكذب ، وأكلوا الربا ، وأخذوا الرشا، وشیّدوا البنيان ، وباعوا الدين بالدنيا ، واستعملوا السفهاء ، وشاوروا النساء، وقطعوا الأرحام، واتّبعوا الأهواء ، واستخفوا بالدماء ، وكان الحلم ضعفا ، والظلم فخراً، وكان الأمراء فجرة ، والوزراء ظلمة ، والعرفاء خونة ، والقرّاء فسقة، وظهرت شهادات الزور، واستعلن الفجور وقول البهتان والإثم والطغيان ، وحلّيت المصاحف وزخرفت المساجد، وطوّلت المنار ،وأكرم الأشرار ، وازدحمت الصفوف ، واختلفت الأهواء ، ونقضت العقود ، واقترب الموعود ، وشارك النساء أزواجهنّ في التجارة حرصاً على الدنيا ، وعلت أصوات الفسّاق ، واستمع منهم وكان زعيم القوم أرذلهم واتقي الفاجر مخافة شرّه ، وصدق الكاذب ، واؤتمن الخائن ، واتّخذت القيان والمعازف ، ولعن آخر هذه الأمّة أوّلها ، وركب ذوات الفروج السروج، وتشبّه النساء بالرجال والرجال بالنساء ، وشهد الشاهد من غير أن يستشهد ، وشهد الآخ قضاء الذمام بغير حقّ، وتفقّه لغير الدين ، وآثروا عمل الدنيا على الآخرة ، ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب وقلوبهم أنتن من الجيف وأمرّ من الصبر ، فعند ذلك الوحا الوحا العجل العجل خير المساكن يومئذٍ بیت المقدس ليأتين على الناس زمان يتمنّى أحدكم

ص: 322

أنّه من سكّانه »(1). الحديث.

145- الكليني في روضة الكافي : بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ- في حدیث - قال : «ألا تعلم أنّ من انتظر أمرنا وصبر على ما يرى من الأذى والخوف هو غداً في زمرتنا ، فإذا رأيت الحقّ قد مات وذهب أهله ، والجور قد شمل البلاد ، والقرآن قد خلق وأحدث فيه ما ليس فيه ، ووجه على الأهواء، ورأيت الدين قد انكفأ كما ينكفئ الإناء - الماء -، ورأيت أهلالباطل قد استعملوا على أهل الحقّ، ورأيت الشرّ ظاهراً لا ينهى عنه ، ويعذر أصحابه ، ورأيت الفسق قد ظهر ، واكتفى الرجال بالرجال ، والنساء بالنساء، ورأيت المؤمن صامتاً لا يقبل قوله ، ورأيت الفاسق يكذب ولا يردّ عليه كذبه وفريته ، ورأيت الصغير يستحقر الكبير ، والأرحام قد تقطّعت ، ورأيت من يمتدح بالفسق يضحك منه ، ولا يردّ عليه قوله ، والغلام يعطي ما تعطي المرأة ، ورأيت النساء يتزوّجن النساء ، ورأيت الثناء قد کثر ، ورأيت الرجل ينفق المال في غير طاعة الله ، فلا ينهى ولا يؤخذ على يديه ، ورأيت الناظر يتعوّذ بالله ممّا يرى المؤمن فيه من الاجتهاد ، والجار يؤذي جاره وليس له مانع ، ورأيت الكافر

ص: 323


1- كمال الدين : 528-525/2. الخرائج والجرائح : 113/3.

فرحاً لما يرى في المؤمن مرحاً، لما يرى في الأرض من الفساد، ورأيت الخمور تشرب علانية ، ويجتمع عليها من لا يخاف الله عزّ وجلّ ، ورأيت الآمر بالمعروف ذليلاً ، ورأيت الفاسق فيما لا يحبّ لله قويّاً محموداً.

ورأيت أصحاب الآيات [الآثار خل] يحقّرون - يحتقرون - ويحتقر من يحبهم ، ورأيت سبيل الخير منقطعاً، وسبيل الشرّ مسلوكاً، ورأيت بيت الله قد عطّل ، ويؤمر بترکه ، ورأيت الرجل يقول ما لا يفعله ، ورأيت النساء يتّخذن المجالس كما يتّخذها الرجال ، ورأيت التأنيث في ولد العبّاس قد ظهر ، وأظهروا الخضاب ، وامتشطوا كما تمتشط المرأة لزوجها، وكان صاحب المال أعزّ من المؤمن ، وكان الربا ظاهرة لا يغيّر ، وكان الزنا يمتدح به النساء،ورأيت أكثر النّاس وخیر بیت من يساعد النساء على فسقهنّ ، ورأيت المؤمن محزوناً محتقرأ ذليلاً ، ورأيت البدع والزنا قد ظهر ، ورأيت النّاس يعتدون بشاهد الزور، ورأيت الحرام يحلّل ، ورأيت الحلال يحرّم، ورأيت الدين بالرأي ، وعطّل الكتاب وأحكامه ، ورأيتالليل لا يستخفي به من الجرأة على الله ، ورأيت المؤمن لا يستطيع أن ينكر إلّا بقلبه ، ورأيت العظيم من المال ينفق في سخط الله عزّ وجلّ ، ورأيت الولاة يقرّبون أهل الكفر ، ويباعدون

ص: 324

أهل الخير ، ورأيت الولاة يرتشون في الحكم، ورأيت الولاية قبالة لمن زاد، ورأيت المرأة تقهر زوجها، وتعمل ما لا يشتهي ، وتنفق على زوجها، ورأيت القمار قد ظهر ، ورأيت الشراب يباع ظاهراً ليس له مانع ، ورأيت الملاهي قد ظهرت يمرّ بها لا يمنعها أحد أحداً، ولا يجترئ أحد على منعها، ورأيت الشريف يستذلّه الذي يخاف سلطانه ، ورأيت الزور من القول يتنافس فيه ، ورأيت القرآن قد ثقل على النّاس استماعه ، وخفّ على النّاس استماع الباطل ، والجار یکرم الجارّ خوفاً من لسانه ، ورأيت الحدود قد عطّلت لعطلت، وعمل فيها بالأهواء ، ورأيت المساجد قد زخرفت ، ورأيت أصدق النّاس عند النّاس المفتري الكذب ، ورأيت الشرّ قد ظهر ، والسعي بالنميمة والبغي قد فشا، ورأيت الغيبة تستملح ويبشّر بها النّاس بعضهم بعضاً، ورأيت طلب الحجّ والجهاد لغير الله ، ورأيت السلطان بذل للكافر المؤمن ، ورأيت الخراب قد أديل من العمران ، ورأيت الرجل معيشته من بخس المكيال والميزان، ورأيت سفك الدماء يستخفّ بها ، ورأيت الرجل يطلب الرئاسة لعرض الدنيا ، ويشهر نفسه بخبث اللسان ليتّقى وتسند إليه الأمور ، ورأيت الصلاة قد استخفّ بها ، ورأيت الرجل عنده المال الكثير ثمّ لم يزکّه منذ ملکه ، ورأيت الهرج قد كثر ، ورأيت الرجل

ص: 325

يمسي نشوان ويصبح سكران ، لا يهمّ بما النّاس فيه ، والبهائم تنکح ، ورأيت البهائم يفرس بعضا [بعضها بعضا، ورأيت الرجل يخرج إلى مصلّاه ويرجع ، وليس عليه شيء من ثيابه ، ورأيت قلوب النّاس قد قست ، وجمدت أعينهم ، وثقل الذكر عليهم ، ورأيت السحت قد ظهر يتنافس فيه ، ورأيت المصلّي إنّما يصلّي ليراه النّاس ، ورأيت الفقّه يتفقه لغير الدين يطلب الدنيا والرئاسة ، ورأيت النّاس مع من غلب ، ورأيت طالب الحلال يذمّ ويعيّر ، وطالب الحرام يمدح ويعظّم.

ورأيت الحرمين يعمل فيهما بما لا يحبّ الله ، لا يمنعهم مانع ، ولا يحول بينهم وبين العمل القبيح أحد ، ورأيت المعازف ظاهرة في الحرمين ، ورأيت الرجل يتكلّم بشيء من الحقّ ، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فيقوم إليه من ينصحه في نفسه فيقول هذا عنك موضوع ، ورأيت النّاس ينظر بعضهم إلى بعض ، ويقتدون بأهل الشرّ - الشرور -، ورأيت مسلك الخير ، وطريقه خالياً لا يسلكه أحد، ورأيت الميت يهزأ به فلا يفزع له أحد، ورأيت كلّ عام يحدث فيه من البدعة والشرّ أكثر ممّا كان ، ورأيت الخلق والمجالس لا يتابعون إلّا الأغنياء ورأيت المحتاج يعطي على الضحك به ، ويرحم لغير وجه الله ورأيت الآيات في السماء لا يفزع لها أحد، ورأيت النّاس

ص: 326

يتسافدون كما تتساند البهائم لا ينكر أحد منكرة تخوّفاً من النّاس ، ورأيت الرجل ينفق الكثير في غير طاعة الله ، ويمنع اليسير في طاعة لله ، ورأيت العقوق قد ظهر ، واستخفّ بالوالدين ، وكانا من أسوأ النّاس حالاً عند الولد ، ويفرح بأن يفتري عليهما، ورأيت النساء قد لبن على الملك وغلبن على كلّ امر لا يؤتى إلّا ما لهنّ فيه هو.

ورأيت ابن الرجل يفتري على أبيه ، ويدعو على والديه ، ويفرح بموتهما ، ورأيت الرجل إذا مرّ به يوم ولم يكسب فيه الذنب العظيم من فجور أو بخس مكيال أو ميزان أو غشیان حرام أو شرب مسكر پری کئيباً حزيناً يحسب أنّ ذلك اليوم عليه وضيعة من عمره ، ورأيت السلطان يحتكر الطعام ، ورأيت أموال ذوي القربی تقسم في الزور ويتقامر بها ، ويشرب الخمور ، والخمر يتداوى بها ، وتوصف للمريض ويستشفي بها، ورأيت النّاس قد استووا في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وترك التديّن به، ورأيت رياح المنافقين وأهل النفاق قائمة ، ورياح أهل الحقّ لا تحرّك ، ورأيت الأذان بالأجر والصلاة بالأجر ، ورأيت المساجد محتشية ممّن لا يخاف الله ، مجتمعون فيها للغيبة ، وأكل لحوم أهل الحقّ ويتواصفون فيها شراب المسكر والسكران يصلّي بالنّاس وهو لا يعقل ولا يشان بالسكر ، وإذا سكر أكرم واتّقي وخيف وترك

ص: 327

لا يعاقب ويعذر بسكره ، ورأيت من أكل أموال اليتامى يحمد بصلاحه ، ورأيت القضاة يقضون بخلاف ما أمر الله ، ورأيت الولاة يأتمنون الخونة للطمع ، ورأيت الميراث قد وضعته الولاة الأهل الفسوق والجرأة على الله ، يأخذون منهم ويخلونهم وما يشتهون ، ورأيت المنابر يؤمر عليها بالتقوى ولا يعمل القائل بما يأمر ، ورأيت الصلاة قد استخفّ بأوقاتها، ورأيت الصدقة بالشفاعة لا يراد بها وجه الله ، وتعطى لطلب النّاس ، ورأيت النّاس همّهم بطونهم وفروجهم، لا يبالون بما أكلوا وما نكحوا، ورأيت الدنيا مقبلة عليهم ، ورأيت أعلام الحقّ قد درست فكن على حذر واطلب إلى الله عزّ وجلّ النجاة»(1)-الحديث.

السابع والأربعون

عضّ الزمان ، وجفاء الإخوان، وظلم السلطان، وخروج زندیق من قزوین

146- غيبة الشيخ : بسنده عن محمّد بن الحنفيّة قيل له : قد طال هذا الأمر حتّى متى ؟ فحرّك رأسه ، ثمّ قال : أنّى يكون ذلك

ص: 328


1- الكافی: 37/8. إثبات الهداة : 86/3.

ولم يعض الزمان ، ولم يجفوا الإخوان ولم يظلم السلطان، ولم يقم الزنديق من قزوین فيهتك ستورها، ويكفر صدورها، ويغيّر سورها، ويذهب بهجتها ؟ من فر منه أدركه ، ومن حاربه قتله ، ومن اعتزله افتقر ، ومن تابعه کفر ، حتّى يقوم باکیان باك يبسكي على دينه وباك يبكي على دنياه(1).

147- وقال : روي عن النبيّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « يخرج بقزوين رجل اسمه اسم نبي يسرع النّاس إلى طاعته ، المشرك والمؤمن ، يملأ الجبال خوفاً»(2).

الثامن والأربعون

السنون الخداعة

148- النعماني : بسنده عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ: « إنّ بين يدي القائم سنین خدّاعة يكذًّب فيها الصادق ، ويصدًّق فيها الكاذب ، ويقرًّب فيها الماحل »(3).

ص: 329


1- الغيبة / الطوسی: 441.
2- الغيبة / الطوسي : 444. الخرائج والجرائح : 1148/3.
3- الغيبة / النعماني : 278. والماحل : هو المكار .

149- وفي حديث : « وينطق فيها الرويبضة »(1).

وعن النهاية: في حديث أشراط الساعة وأن ينطق الرويبضة في أمر العامّة ، قيل : وما الرويبضة يا رسول الله ، فقال الرجل : التافه ، هو تصغير الرابضة ، أي العاجز الرابض عن معالي الأمور القاعد عن طلبها والتاء فيه للمبالغة ، والتافه الخسيس الحقير ، وفسّر الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ الماحل بالمكّار من قوله تعالى : ﴿شَدِیدُ الْمِحالِ ﴾ (2)، يريد المكر (3).

ص: 330


1- الغيبة / النعمانی: 278.
2- سورة الرعد : الآية 13.
3- بحار الأنوار : 310/6 و : 245/52.

الدرس الحادي والعشرون: علامات الظهور -7

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

التاسع والأربعون

الجوع، والخوف ، والقحط ، والقتل ، والطاعون ، والجراد ، والزلازل ، والفتن ، ونقص الأموال والأنفس والثمرات

150- النعماني : بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «لا بدّ أن يكون قدّام القائم سنة تجوع فيها النّاس ، ويصيبهم خوف شديد من القتل ، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ، فإنّ ذلك في كتاب الله لبيّن» .

ثمّ تلا هذه الآية : ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾(1).

ص: 331


1- الغيبة / النعماني : 250 و 251. والآية 155 من سورة البقرة.

151- وبسنده : « أنّ جابر الجعفي سأل الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ عن هذه الآية فقال : ذلك خاصّ وعامّ ، فأمّا الخاصّ من الجوع بالكوفة يخصّ الله به أعداء آل محمّد فيهلكهم ، وأمّا العامّ فبالشام يصيبهم خوف وجوع ماأصابهم به قطّ، وأمّا الجوع فقبل قيام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ، وأمّا الخوف فبعد قيام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ»(1).

152- قال المفيد : وفي حديث محمّد بن مسلم سمعت أبا عبد الله عَلَيهِ السَّلَامُ يقول: «إنّ قدّام القائم بلوی من الله » ، قلت: وما هي جعلت فداك ؟ ، فقرأ: ﴿ وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾و ولنبلونكم و الآية ، ثمّ قال : « الخوف من ملوك بني فلان ، والجوع من غلاء الأسعار، ونقص الأموال من کساد التجارات ، وقلّة الفضل فيها ، ونقص الأنفس بالموت الذريع، ونقص الثمرات بقلّة ريع الزرع، وقلّة بركة الثمار » ، ثمّ قال : « وبشّر الصابرين عند ذلك بتعجيل خروج القائم عَلَيهِ السَّلَامُ»(2).

153- المفيد : بسنده عن الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «أنّ قدّام القائم السنة غيداقة(3) يفسد فيها الثمار والتمر في النخيل فلا تشکّوا

ص: 332


1- الغيبة / النعماني : 251.
2- کشف الغمة : 260/3. الإرشاد : 377/2.
3- الظاهر أن المراد بالغيداقة الكثيرة المطر الذي يسبب کثرته تفشد الثمار والتمر ؛ لأنه يوجب اجتماع المياه حول الأشجار وبقاءها مدة طويلة.

في ذلك »(1).

154- وقال أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ: « بين يدي القائم عَلَيهِ السَّلَامُ موت أحمر وموت أبيض وجراد في حينه وجراد في غير حينه ، كألوان الدم، فأمّاالموت الأحمر فالسيف ، وأمّا الموت الأبيض فالطاعون»(2).

155- وروي : « حتّى يذهب من كلّ سبعة خمسة »(3).

156- وروي : «حتّى يذهب ثلثا النّاس »(4)، ويمكن الجمع بوقوع ذلك كلّه على التدريج.

157- وعن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «لا يكون هذا الأمر حتّى يذهب تسعة أعشار النّاس »(5).

158- وقال الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «لا يقوم عَلَيهِ السَّلَامُ القائم إلّا على خوف شديد ، وزلازل ، وفتنة ، وبلاء يصيب الناس ، وطاعون قبل ذلك ، وسيف قاطع بين العرب ، واختلاف شدید بين النّاس ، وتشتّت في دينهم ، وتغيّر من حالهم حتّى يتمنّى المتمنّي الموت صباحاً ومساءً من

ص: 333


1- الإرشاد : 361. الغيبة / الطوسی: 272.
2- الغيبة / النعمانی : 277. الإرشاد : 2/ 372. الغيبة / الطوسی: 438.
3- كمال الدين : 655. الغدد القوية : 66-69.
4- الغيبة / الطوسی: 339. الغدد القوية : 66.
5- الغيبة / النعماني : 274. حلية الأبرار : 682/2 و 683.

عظم ما يرى من كلب الناس ، وأكل بعضهم بعضاً،وخروجه إذا خرج يكون عند اليأس والقنوط من أن يروا فرجاً»(1).

الخمسون

اشتداد الحاجة والفاقة ، وإنكار النّاس بعضهم بعضاً

159- تفسير عليّ بن إبراهيم : عن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا اشتدّت الحاجة والفاقة ، وأنكر النّاس بعضهم بعضاً ، فعند ذلك توقّعوا هذا الأمر صباحاً ومساءً» ، فقيل : الحاجة والفاقة قد عرفناها ، فما إنكار النّاس بعضهم بعضاً ؟ قال : « يأتي الرجل أخاه في حاجة فيلقاه بغير الوجه الذي كان يلقاه به ، ويكلّمه بغير الكلام الذي كان يكلمه به»(2).

الحادي والخمسون

تمييز أهل الحق وتمحيصهم

160- المفيد : بسنده عن الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ، قال : «لا يكون ما تمدّنّ إليه

ص: 334


1- الغيبة / النعمانی: 235، 254.
2- بحار الأنوار : 185/52.

أعناقكم حتّى تميزوا وتمحصّوا ، فلا يبقى منكم إلّا القليل .

ثمّ قرأ:﴿الم*َحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾(1)»(2).

والظاهر أنّ المراد بذلك ارتداد الكثير عن الدين حتّى لا يبقى إلّا القليل ، وهم الخالصو الإيمان .

الثاني والخمسون

تمييز أولياء الله وتطهير الأرض من المنافقين

161- مجالس المفيد : بسنده عن حذيفة بن اليمان ، سمعت رسول لله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه يقول :« يميز الله أولياءه وأصفياءه حتّى يطهر الأرض من المنافقين والضالين وأبناء الضالين ، وحتى تلتقي بالرجل يومئذِ خمسون امرأة هذه تقول : يا عبد الله ، اشترني ، وهذه تقول یا عبد الله ، آوني »(3).

ص: 335


1- سورة العنكبوت : الآيتان 1 و 2.
2- الغيبة / الطوسي: 272. الخرائج والجرائح : 1170/3.
3- هذا الحديث وإن لم يصرح فيه بأن ذلك من علامات المهدي إلا أن العلماء ذكروه في عدادها ، وسياقه يدل على ذلك.

الثالث والخمسون

الفتن والمسخ

162- المفيد : بسنده عن الكاظم عَلَيهِ السَّلَامُ في قوله عزّ وجلّ: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾(1)، قال : « الفتن في الآفاق ، والمسخ في أعداء الحقّ »(2).

163- النعماني : بسنده سئل الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ عن قوله تعالى :﴿عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾(3)، فقال : « أي خزي أخزى من أن يكون الرجل في بيته وسط عياله إذ شقّ أهله الجيوب عليه ، وصرخوا فيقول النّاس : ما هذا ؟ فيقال : مسخ فلان الساعة » ، قيل : قبل قيام القائم أو بعده ؟ قال : « بل قبله »(4).

الرابع والخمسون

خلع العرب أعتها

ص: 336


1- سورة فصلت : الآية 53.
2- الإرشاد : 373/2.
3- سورة يونس : الآية 98.
4- الغيبة / النعمانی: 269.

164- وهو كناية عن خروجها عن طاعة ملوكها وفعلها ما تشاء ، ومرّ فيالأمر الأوّل أنّه قيل للصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: متى فرج شیعتكم ، فعدّ أشياء ثمّ قال : « وخلعت العرب أعنّتها »(1).

الخامس والخمسون

بيعة الصبي ، ورفع كلّ ذي صيصيّة صيصيّته

الصيصيّة ما يمتنع به من قرن ونحوه ، وهو كناية عن أنّ كلّ من له أدني قوّة يطلب الملك والإمارة ، ويحتمل أن يراد رفع البناء وتعليته .

165- ومرّ في الأمر الأوّل أنّه قيل للصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: متى فرج شيعتكم ، فعدّ أشياء إلى أن قال : - «ورفع كلّ ذي صيصية صيصيّته »(2).

166- وروي : « إذا ظهرت بيعة الصبي قام كلّ ذي صيصيّة بصيصيتّه »(3).

ص: 337


1- الغيبة / النعماني: 270.
2- الكافي : 225/8. الغيبة / النعماني : 270.
3- الغيبة / النعماني : 274.

السادس والخمسون

كثرة التولية والعزل

167- النعماني : بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « ما يكون هذا حتّى لا يبقى صنف من الناس إلّا وقد ولّوا على النّاس حتّى لا يقول قائل : إنّا لو وليّنا لعدلنا ، ثمّ يقوم القائم بالحقّ والعدل »(1).

السابع والخمسون

النداء من السماء باسم القائم

168- وقد جاءت به روایات كثيرة ، وعبّر عنه بالنداء وبالصيحة وبالفزعة ، ورواه المنصور الدوانيقي عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ وقال: «لا بدّ من منادٍ ينادي من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب من ولد فاطمة عَلَيهِما السَّلَامُ، فإذا كان فنحن أول من يجيبه لأنّه إلى رجل من بني عمّنا ولولا أنّي سمعته من أبي جعفر محمّد بن عليّ وحدّثني به أهل الأرض كلّهم ما قبلته منهم ، لكنّه محمّد بن علي »(2). والمستفاد من

ص: 338


1- الغيبة / النعماني : 274.
2- الكافي : 209/8 و 210. الإرشاد: 370/2، 358. الغيبة / الطوسی : 433، 265.

الأخبار أنّ هذا النداء يكون أربع مرّات:

169- المرّة الأولى : في رجب ، روى النعماني والطوسي في غيبتها بأسانيدهما عن الحميري وغيره ، عن الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ- في حديث -: «لا بدّ من فتنة صمّاء صیلم يسقط فيها كلّ بطانة ووليجة ؛ وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي يبكي عليه أهل السماء وأهل الأرض ، كأنّي بهم أسرّ ما يكونون وقد نودوا نداء أسمعه من بعد كما يسمعه من قرب يكون رحمة للمؤمنين وعذابا على الكافرين ينادون في رجب ثلاثة أصوات من السماء صوتاً منها : ألا لعنةالله على الظالمين ، والصوت الثاني أزفت الآزفة يا معشر المؤمنين ، والصوت الثالث : يرون بدناً بارزاً نحو عين الشمس هذا أمير المؤمنين قد ذكر [کر] في هلاك الظالمين »(1).

170- وفي رواية الحميري : والصوت بدن يرى في قرن الشمس يقول : إنّ الله بعث فلاناً فاسمعوا له وأطيعوا ، فعند ذلك يأتي النّاس الفرج وتودّ النّاس لو كانوا أحياء ويشفي الله صدور قوم مؤمنين(2).

ص: 339


1- إثبات الوصية : 227. الغيبة / النعماني : 180. كمال الدين : 370. كفاية الأثر: 156.
2- الخرائج والجرائح : 1168/3. إثبات الهداة : 258/3.

171- المرّة الثانية : النداء بعد مبايعته بين الركن والمقام ، كما مرّ في الأمر السادس ، وهذا يكون في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين في ليلة جمعة ينادي جبرئيل من السماء باسم القائم واسم أبيه : أنّ فلان ابن فلان قائم آل محمّد ، فاسمعوا له وأطيعوه ، فلا يبق شيء خلق الله فيه الروح إلّا يسمع الصيحة ، فتوقظ القائم، ويخرج إلى صحن داره ... وهي صيحة جبرئیل عَلَيهِ السَّلَامُ»(1).

172- وفي رواية : « أيّها النّاس ، إنّ أميركم فلان وذلك هو المهدي »(2).

173- وروي باسمه واسم أبيه وأمّه بصوت يسمعه من بالمشرق والمغرب وأهل الأرض كلّهم ، كلّ قوم بلسانهم اسمه اسم نبيّ حتى تسمعه العذراء في خدرها ، فتحرّض أباها وأخاها على الخروج، ولا يبقي راقد إلّا استيقظ ، ولا قائم إلّا قعد، ولا قاعد إلّا قام على رجليه فزعاً من ذلك(3).

ص: 340


1- الغيبة / النعماني : 289.
2- ملاحم ابن طاووس : 58. الإيقاظ من الهجعة : 357. بحار الأنوار : 207/52. کشف الأستار: 174.
3- الغيبة / النعمانی: 253 و 254، 233، 234، 247، 259. الغيبة / الطوسي: 274.

174- وروی : « الفزعة في شهر رمضان أنه تخرج الفتاة من خدرها ، وتوقظ النائم ، وتفزع اليقظان »(1).

175- وفي رواية : « صيحة في شهر رمضان تفزع اليقظان ، وتوقظ النائم ، وتخرج الفتاة من خدرها »(2).

176- وقال الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «الصيحة لا تكون إلّا في شهر رمضان ، وهي صيحة جبرئیل عَلَيهِ السَّلَامُ»(3).

177- وروی : « ينادي أن الأمر لفلان ابن فلان ، ففيم القتال ، أو فيم القتل ، أو فيم القتل والقتال ، صاحبكم فلان»، ولا يبعد أن يكون هذا نداء آخر كالذي يأتي بعده(4).

178- تفسير علي بن إبراهيم : بسنده عن أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ في قوله تعالى :﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا﴾(5)، قال : « من الصوت وذلك الصوت من السماء»(6)- الحديث .

ص: 341


1- الغيبة / النعمانی: 251.
2- بحار الأنوار : 285/52.
3- الغيبة / النعمانی: 253.
4- الغيبة / النعمانی : 266 و 267.
5- سورة سبأ: الآية 51.
6- بحار الأنوار : 185/52.

179- المرّة الثالثة : النداء باسم القائم یا فلان ابن فلان . رواه النعماني بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ(1)، والظاهر أنّه غير الندائين السابقين .

180- المرّة الرابعة : نداء جبرئیل ونداء إبليس.

181-روي : « أنه ينادي جبرئيل من السماء أول النهار : ألا أن الحق مع علي وشيعته ، ثم ينادي إبليس من الأرض في آخر النهار : ألا أن الحق مع فلان عثمان و شیعته »(2).

182- روي : «ألا أنّ الحقّ في السفياني وشيعته ، فعند ذلك پرتاب المبطلون كما نادي إبليس برسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه ليلة العقبة »(3).

183- وروي : « بعد الخسوف ينادي منابر من السماء : إنّ الحقّ في آل محمد ، في أوّل النّهار ، ثمّ ينادي مناد في آخر النهار : إن الحق في ولد عیسی ، وذلك نخوة من الشيطان »(4).

184- وعن أبي عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ، أنّه قال : « ... وينادي منادٍ من السماء أوّل النهار : ألا إنّ علياً وشیعته هم الفائزون » ، قال : « وينادي

ص: 342


1- الغيبة / النعمانی : 279.
2- الإرشاد: 358/2، ومثله باختلاف : کمال الدین: 652. الغيبة / الطوسی: 266 و 267.
3- الخرائج والجرائح : 1160/3.
4- الصراط المستقیم: 259/2، عن أخبار المهدي / أبو العلاء الهمداني .

منادٍ في آخر النهار : ألا إنّ عثمان و شیعته هم الفائزون»(1).

185- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: « ينادي مناد : ألا إن فلان ابن فلان وشیعته هم الفائزون ، أوّل النّهار ، وينادي آخر النهار : ألا إنّ فلان ابن فلان وشیعته هم الفائزون ، قال : وينادي أوّل النهار منادي آخر النهار .

فقال الرجل : فما يدرينا أيّما الصادق من الكاذب ؟

فقال عَلَيهِ السَّلَامُ: يصدّقه عليها كلّ من كان يؤمن بها قبل أن ينادي ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول : ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَىٰ﴾(2)»(3).

186- وعن أبي جعفر الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: « إنّ المنادي ينادي : إنّ المهدي . من آل محمّد - فلان ابن فلان ، باسمه واسم أبيه ، فينادي الشيطان: إنّ فلاناً وشيعته على الحقّ ، يعني رجلاً من بني أميّة »(4).

187- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: « إنب أمرنا أبيث من هذه الشمس » ، ثمّ قال : « ينادي منادٍ من السماء : فلان ابن فلان هو الإمام ، باسمه ، وينادي إبليس

ص: 343


1- الكافي : 310/8.
2- سورة يونس : الآية 35.
3- الکافی: 209/8. المحجة : 100.
4- الغيبة / النعماني : 246. بحار الأنوار : 294/52.

لعنه الله من الأرض كما نادى برسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه ليلة العقبة »(1).

188- وروي هما صيحتان : « صيحة في أول النهار ، وصيحة في آخر الليلة الثانية»(2)، ويمكن الجمع بوقوع الندائين نداء في الليل ونداء في النهار.

189- وقال الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: « لا بدّ من هذين الصوتين قبل خروج القائمصوت جبرئيل من السماء، وصوت إبليس من الأرض ، فاتّبعوا الأوّل ، وإيّاكم أن تفتنوا به »(3).

190- وفي رواية – بعد ذكر العلامات -: «فإن أشكل عليكم هذا فلا يشكل عليكم الصوت من السماء باسمه وأمره»(4).

191- وعن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « أشهد أني قد سمعت أبي عَلَيهِ السَّلَامُ يقول : والله إنّ ذلك (يعني النداء باسم القائم) في كتاب الله عزّ وجلّ لبيّن حيث يقول : إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلّت أعناقهم لها خاضعين ، فلا يبقى يومئذٍ في الأرض أحد إلّا خضع وذلّت رقبته

ص: 344


1- کمال الدین: 650. الخرائج والجرائح: 1160/3، باختلاف يسير . منتخب الأنوار المضيئة : 34. إثبات الهداة : 720. بحار الأنوار : 204/52.
2- الغيبة / النعمانی: 265.
3- الغيبة / النعمانی: 254. كمال الدين : 652.
4- تفسير العياشي: 64/1 و : 261. الغيبة / النعماني : 279.

لها » - إلى أن قال : - « فإذا كان من الغد صعد إبليس في الهواء ثمّ ينادي » (1) - الحديث .

192- وفي رواية : « إذا سمعوا الصوت أصبحوا وكأنّما على رؤوسهم الطير »(2)، وسأل زرارة الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ فقال : النداء خاصّ أو عام ؟ قال : « عام يسمعه كلّ قوم بلسانهم» ، فقال : فمن يخالف القائم وقد نودي باسمه ؟ فقال : «لا يدعهم إبليس حتّى ينادي - في آخرالليل - فيشكّك النّاس »(3)، وسأله أيضاً ، فقال : فمن يعرف الصادق من الكاذب ؟ فقال : « يعرفه الذين كانوا يروون حديثنا، ويقولون : إنّه يكون قبل أن تكون ويعلمون أنّهم هم المحقّون الصادقون»(4)، وسأله هشام بن سالم ، فقال : وكيف تعرف هذه من هذه -أي الصيحتان - ؟ فقال : « يعرفها من كان سمع بها قبل أن تكون»(5).

زعم بعض المعاصرين أنّ هذه الصيحة أو النداء تكون من خلال وسائل الإعلام الطبيعيّة عبر الأقمار الصناعيّة والقنوات الفضائيّة ،

ص: 345


1- الغيبة / النعماني: 260.
2- الغيبة / النعماني: 263.
3- كمال الدين : 650. ومثله باختلاف : الغيبة / النعمانی: 274.
4- الغيبة / النعماني : 264. إثبات الهداة : 736/3 - 737.
5- الغيبة / النعماني : 265.

ومن خلال الأمواج الصوتيّة والتردّدات الهوائيّة ، وهي جميعاً تأتي من الفضاء ، والفضاء الذي فوقنا كلّه من السماء ، وعلّلوا ظهور صورة من الرأس إلى الصدر ، سواء كان لجبرئيل أو لمولانا الأمير عَلَيهِما السَّلَامُ، فإنّها تظهر على شاشات التلفاز ، ومن خلال الأقمار و مراکز بثّ هذه الوسائل ، فإنّ الحدث لشدّته وعظمته يشدّ إلى نفسه ، ويعطف الأنظار إليه بدهشة عظيمة حتّى تقوم ببثّه جميع أجهزة الإعلام المسموعة والمرئيّة ، ولا يبقى أحد إلّا رآه وسمع به ، واحتار من هوله ، فهو من مصادیق النبأ العظيم المدهش المحيّر. ولنا على هذه المقولة تحفّظات عديدة قد نبيّنها في محلّ آخر إن شاء الله تعالى ، ويكفيك لدحضها نوع تأمّل في تلك الأحاديث والأخبار ، فتأمّل.

الثامن والخمسون

قتل النفس

193- عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: « أنّ المهدي حينمايخرج يبعث رجلاً من أصحابه إلى أهل مكّة يدعوهم إلى نصرته فيذبحونه بين الركن والمقام ، وهي النفس الزكيّة »(1). هذا مضمون الحديث ، وإلّا فالنصّ

ص: 346


1- بحار الأنوار : 307/52. إثبات الهداة : 570/3، 582 و 583 کمال الدین: 330. مختصر البصائر : 199.

طويل ، بل عبارة عن نصوص عديدة.

194- إكمال الدين : بسنده عن محمّد بن مسلم أنّه قال للباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: متى يظهر قائمكم ؟ فذكر علامات إلى أن قال: «وقتل غلام من آل محمّد بين الركن والمقام اسمه محمّد بن الحسن النفس الزكيّة »(1).

195- وبسنده عن إبراهيم الجريري: «النفس الزكيّة غلام منآل محمّد اسمه محمّد بن الحسن يقتل بلا جرم ولا ذنب ، فإذا قتلوه لم يبق لهم في السماء عاذر ، ولا في الأرض ناصر ، فعند ذلك يبعث الله قائم آل محمد في عصبة لهم أدقّ في أعين النّاس من الكحل ، فإذا خرجوا بکی لهم النّاس لا يرون إلا أنّهم يختطفون يفتح الله لهم مشارق الأرض ومغاربها ، ألا وهم المؤمنون حقاً ، ألا إنّ خير الجهاد في آخر الزمان »(2).

196- غيبة الشيخ : بسنده عن عمّار بن یاسر وذکر علامات خروج المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ -إلى أن قال : - « فعند ذلك يقتل النفس الزكية وأخوه

ص: 347


1- مختصر إثبات الرجعة : 216 و 217. إثبات الهداة : 570/3. کمال الدين : 330. إعلام الوری : 433.
2- الغيبة / الطوسي : 464. بحار الأنوار : 217/52، عن الغيبة / الطوسي .

بمكّة ضيعة » (1) - الحديث .

197- المفيد : بسنده عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «ليس بين قيام قائم آل محمّد عَلَيهِ السَّلَامُ وبين قتل النفس الزكيّة إلّا خمس عشرة ليلة»(2).

198 - غيبة النعماني : بسنده عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ - في حديث -:«ألا أخبركم بآخر ملك بني فلان ؟ » ، قلنا: بلى يا أمير المؤمنين ، قال : « قتل نفس حرام في يوم حرام في بلد حرام ، عن قوم من قريش ، والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، ما لهم ملك بعده غير خمس عشرة ليلة»، قلنا: هل قبل هذا من شيء أو بعده من شيء ؟ فقال : « صيحة في شهر رمضان »(3)- الحديث .

التاسع والخمسون

كسوف الشمس والقمر في غير وقته

199- عن الإمام أبي جعفر الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ. أنه قال : « آیتان تكونان قبل قيام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ، لم تكونا منذ هبط آدم عَلَيهِ السَّلَامُ إلى الأرض : تنکسف الشمس في النصف من شهر رمضان ، والقمر في آخره».

ص: 348


1- الغيبة / الطوسی: 464. بحار الأنوار : 208/52، عن كمال الدين.
2- کمال الدين : 649. الإرشاد: 360. الغيبة / الطوسي: 445.
3- الغيبة / النعماني : 258.

فقال رجل: يابن رسول الله ، تنکسف الشمس في آخر الشهر ، والقمر في النصف.

فقال أبو جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ: « إنّي أعلم ما تقول ، ولكنّهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم عَلَيهِ السَّلَامُ»(1).

200- وفي رواية : « خسوف القمر لخمس». وفي أخرى : «انکساف القمر لخمس تبقى ، والشمس لخمس عشرة وذلك في شهر رمضان »(2).

201- وفي رواية : «کسوف الشمس في شهر رمضان في ثلاث عشرة وأربع عشرة منه »(3).

202- وفي رواية : «تنکسف الشمس لخمس مضين من شهر رمضان قبل قيام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ»(4).

ص: 349


1- الكافي : 212/8. الغيبة / النعمانی : 271. الإرشاد: 374. الغيبة / الطوسي: 444.
2- الغيبة / النعمانی: 271. كمال الدين : 655.
3- الغيبة / النعماني : 272.
4- كمال الدين : 655. إثبات الهداة : 723/3. بحار الأنوار : 207/52.

ص: 350

الدرس الثاني والعشرون: علامات الظهور - 8

اشارة

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

الستون

ركود الشمس ، وخروج صدر ، ووجه في عين الشمس

203- المفيد : بسنده عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ في قوله تعالى : ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَیهِمْ مِنَ السَّماءِ آیةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِینَ﴾(1)، قال : « سيفعل الله ذلك بهم » ، قلت : ومن هم ؟ قال : « بنو أمية وشيعتهم»، قلت : وما الآية ؟

قال : « ركود الشمس ما بین زوال الشمس إلى وقت العصر ، وخروج صدر رجل ووجه في عين الشمس يعرف بحسبه ونسبه

ص: 351


1- سورة الشعراء: الآية 4

وذلك في زمن السفياني ، وعندها يكون بواره وبوار قومه »(1).

204- غيبة الطوسي : بسنده عن عليّ بن عبدالله بن عبّاس : «لا يخرج المهدي حتّى تطلع مع الشمس آية »(2)، مرّ في الأمر السابع والخمسين : « يرون بدناً بارزاً نحو عين الشمس (3) أو يرون بدناً بارزاً مع قرن الشمس»(4).

الحادي والستّون

وجه يطلع في القمر ، كف من السماء

205- النعماني : بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « العام الذي فيه الصيحة قبله الآية في رجب » ، قلت : وما هي ؟ قال : « وجه يطلع في القمر ، ويد بارزة »(5).

وبسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ أنّه عدّ من المحتوم : النداء ، والسفياني ،

ص: 352


1- الإرشاد: 359. إعلام الوری : 428. کشف الغمة : 3/ 250.
2- الغيبة / الطوسي: 280.
3- مختصر البصائر : 38، 214. الغيبة / النعماني : 181. الغيبة / الطوسي : 440.
4- مختصر البصائر : 38. الغيبة النعماني : 180. كمال الدين : 370 و 371.
5- الغيبة / النعماني : 252.

وقتل النفس الزكيّة ، وكفُّ يطلع من السماء ، وفزعة في شهر رمضان(1)، ومرّ في الأمر الحادي عشر : « وكفّ يقول هذا وهذا »(2).

وقد فسّر بعض المعاصرين هذه العلامة وما قبلها بعين ما فسّر النداء ، وقد فصّلناه هناك ، فارجع إليه.

الثاني والستّون

طلوع کوکب مذنب

206- رواه صاحب كفاية النصوص بسنده عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ، و مرّ في العلامات التي ذكرها المفيد : « وطلوع نجم بالمشرق يضيء كما يضيء القمر ، ثمّ ينعطف حتّى يكاد يلتقي طرفاه » ،لكنّ الظاهر أنّه غيره (3).

الثالث والستون

اشتداد الحر

207- النعماني : بسنده عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، سمعت

ص: 353


1- الغيبة / النعماني : 252. إثبات الهداة : 735/3.
2- الغيبة / النعماني : 253، وفي بعض النسخ : « فكيف يقول هذا هذا ».
3- روضة الواعظين : 262. الإرشاد: 368/2.

الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ يقول : « قبل هذا الأمر يبوح » ، فلم أدر ما اليبوح ، حتّى حججت ، فسمعت أعرابياً يقول : هذا يوم يبوح ، فقلت له : ما اليبوح ، فقال : الشديد الحرّ(1).

الرابع والستون

عدم بقاء صنف من الناس إلا قد ولوا

208- النعماني : بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « ما يكون هذا الأمر حتّى لا يبقى صنف من الناس ، إلا قد ولّوا حتّى لا يقول قائل إنّا لو ولينا لعدلنا ، ثمّ يقوم القائم بالحقّ والعدل »(2).

209- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: « إنّ دولتنا آخر الدول ، ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلّا ملكوا قبلنا لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا إذا ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء وهو قول الله عزّ وجلّ :﴿وَالعاقِبَةُ لِلمُتَّقينَ﴾(3)»(4).

ص: 354


1- الغيبة / النعماني : 271.
2- الغيبة / النعمانی : 274.
3- سورة الأعراف : الآية 128.
4- الإرشاد: 364. روضة الواعظين : 265/2. الغيبة / الطوسی: 282. منتخب الأنوار المضيئة : 194.

الخامس والستّون

موت خليفة

210- عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « بينا الناس وقوف بعرفات إذ أتاهم راكب على ناقة ذعلبة يخبرهم بموت خليفة يكون عند موته فرج آل محمّد وفرج النّاس جميعاً »(1).

السادس والستّون

قتل خليفة ، وخلع خليفة ، واستخلاف ابن السبية

211- النعماني : بسنده عن حذيفة بن اليمان : « يقتل خليفة ما له في السماء عاذر ،ولا في الأرض ناصر ، ويخلع خليفة حتّى يمشي على وجه الأرض ليس له من الأمر شيء ويستخلف ابن السبيّة » - الحديث (2).

السابع والستّون

أربع وعشرون مطرة

ص: 355


1- الغيبة / النعماني : 267.
2- الغيبة / النعماني : 268.

212- المفيد : بسنده عن سعيد بن جبير ، قال : « إنّ السنة التي يقوم فيها المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ تمطر الأرض أربعاً وعشرين مطرة ترى آثارها وبركاتها »(1).

الثامن والستّون

المطر في جمادى الآخرة ورجب

213- المفيد : بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا آن قیام القائم مطر النّاس جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب مطرأ لم ير الخلائق مثله ، فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم ، فكأنّي أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون شعورهم من التراب »(2).

أقول: والظاهر أنّ هؤلاء أنصار القائم عَلَيهِ السَّلَامُ الذين يبعثون من قبورهم عند قيامه ليكونوا من أنصاره.

التاسع والستّون

خروج دابة الأرض ، والدجّال ، والدخّان

ص: 356


1- الإرشاد: 373/2. الغيبة / الطوسي : 443.
2- الإرشاد: 381/2. الغيبة / الطوسي: 283. روضة الواعظين: 364.
ونزول عيسى عَلَيهِ السَّلَامُ، وطلوع الشمس من مغربها

214- تفسير عليّ بن إبراهيم: عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ في قوله تعالى: ﴿إِنَّاللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً﴾(1): « وسیریکم في آخر الزمان آیات منها دابة الأرض ، والدجّال ، ونزول عیسی بن مریم ، وطلوع الشمس من مغربها »(2)، وفي قوله تعالى : ﴿هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ یَبْعَثَ عَلَیْکُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِکُمْ﴾، قال : «هو الدجّال والصيحة ، ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ وهو الخسف ، ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا﴾ وهو اختلاف في الدين وطعن بعضكم على بعض ﴿يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾، وهو أن يقتل بعضكم بعضاً ، وكلّ هذا في أهل القبلة»(3).

215- غيبة الشيخ : بسنده عن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ، عن النبيّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « عشر قبل الساعة لا بّد منها : السفياني ، والدجّال ، والدخّان ، والدابة ، وخروج القائم ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عیسی عَلَيهِ السَّلَامُ، وخسف بالمشرق ، وخسف بجزيرة العرب ، ونار تخرج

ص: 357


1- سورة الأنعام: الآية 37.
2- تفسير القمي: 198/1 . بحار الأنوار : 204/17.
3- بحار الأنوار : 205/9 و : 182/52، عن تفسير القمي .

من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر »(1).

216- إكمال الدين : بسنده عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ- في حديث -: « وينزل روح الله عیسی بن مریم عَلَيهِ السَّلَامُ فيصلي خلفه أي خلف القائم» - الحديث (2).

217- وبسنده: أنّ أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ قال : « احفظ فإنّ علامة ذلك : إذا أمات النّاس الصلاة ...»، وذكر عدة أمور منكرة ، فقام إليه الأصبغ بن نباتة ، فقال : يا أمير المؤمنين ، من الدجّال ؟ فقال : « ألّا إنّ الدجّال صائد بن الصيد ، فالشقيّ من صدّقه ، والسعيد من كذّبه، يخرج من بلدة بإصفهان من قرية تعرف باليهوديّة ، عينه اليمينی ممسوحة ، والأخرى في جبهته تضيء كأنّها كوكب الصبح فيها علقة كأنّها ممزوجة بالدم ، بين عينيه مكتوب کافر ، يقرؤه کلّ کاتب وأمّي يخوض البحار وتسير معه الشمس ، بين يديه جبل من دخان ، وخلفه جبل أبيض يرى الناس أنّه طعام ، يخرج حين يخرج في قحط شدید ، تحته حمار أقمر(3)، خطوة حماره میل ، تطوى له الأرض

ص: 358


1- الغيبة / الطوسي: 436. الخرائج والجرائح : 1148/3، الخصال : 446/2 و 447.
2- کمال الدين : 331. مختصر إثبات الرجعة : 216 و 217.
3- القمرة - بالضم -: لون يميل إلى الخضرة أو بياض فيه كدرة.

منلاً منهلاً، لا يمرّ بماء إلّا غار إلى يوم القيامة ، ينادي بأعلى صوته يسمع ما بين الخافقين من الجنّ والإنس والشياطين . يقول إليَّ أوليائي ، أنا الذي خلق فسوّى ، وقدّر فهدى ، أنا ربّكم الأعلى ، وكذب عدوّ الله ، إنّه لأعور يطعم الطعام ، ويمشي في الأسواق ، وإنّ ربكم عزّ وجلّ ليس بأعور ، ولا يطعم ولا يمشي ولا يزول ، تعالی الله عن ذلك علوّاً كبيراً، ألا وأنّ أكثر أشياعه يومئني أولاد الزنا، وأصحاب الطيالسة الخضر، يقتله الله عزّ وجلّ بالشام على عقبة تعرف بعقبة أفيق (1) لثلاث ساعات مضت من يوم الجمعة على يد من يصلّي المسیح عیسی بن مریم عَلَيهِما السَّلَامُ خلفه »(2)، (يعني المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ) ، وسيأتي إن شاء الله تعالى أنّ المهدي يظفر بالدجّال ويصلبه على كناسة الكوفة (3).

ويمكن الجمع بأنّه يقتله على عقبة أفيق ويصلب جثّته على كناسة الكوفة ، والله أعلم ، ثمّ قال أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ: «ألا أن بعد ذلك الطامة الكبرى » ، قيل : وما ذلك يا أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ قال : « خروج دابة من

ص: 359


1- في القاموس : أفيق : قرية بين حوران والغور، ومنه عقبة أفيق .
2- کمال الدين : 527.
3- المهذب البارع: 194/1 و 195. الوسائل : 288/5 و 289.

الأرض من عند الصفا معها خاتم سليمان بن داوود ، وعصی موسی : يضع الخاتم على وجه كلّ مؤمن فينطبع فيه هذا مؤمن حقّاً ، ويضعه على وجه كلّ كافر فينكتب هذا کافر حقّاً، حتى أنّ المؤمن لينادي : الويل لك يا كافر ، وإنّالكافر ينادي طوبى لك يا مؤمن ، وددت أنّي اليوم كنت مثلك عظيماً، فأفوز فوزاً، ثمّ ترفع الدابة رأسها فيراها من بين الخافقين بإذن الله جلّ جلاله ، وذلك بعد طلوع الشمس من مغربها ، فعند ذلك ترفع التوبة ، فلا توبة تقبل ، ولا عمل يرفع ، ولا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً» - الخبر (1).

تحصّل ممّا تقدّم ، وممّا استعرضناه وعدّدناه من الأمور السابقة ، أنّ النتيجة النهائيّة يمكن حصرها في الموارد التالية:

1- أنّ اكتمال عدد الأصحاب والأنصار ، وخروج السفياني ، والنداء من السماء باسمه عَلَيهِ السَّلَامُ، إذا امتلأت الأرض ظلماً وجوراً، وظهرت المنكرات والمفاسد ، و عدم بقاء صنف من النّاس إلّا قد ولُّوا وحكموا ، ونزول عیسی عَلَيهِ السَّلَامُ.

ص: 360


1- كمال الدين : 526 و 527. ومثله باختلاف يسير : الخرائج والجرائح: 1136/3.

تعدّ من شرائط الظهور والعلل المعدّة لظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ، وقد تقدّم أنّ كلّ شرطٍ علامةٌ، وليس كلُّ علامهٍ شرطاً، ومن خصائص الشرط أنّه حتميّ الوقوع؛ إذ يتوقّف وقوع المشروط على وقوع شرطه ، ولهذا كانت محتومة مقطوعةالحدوث قبل ظهور الحجّة صلوات الله عليه .

2- أنّ ما ذكرناه آنفاً من الشرائط هي الأهمّ التي ينبغي أن ينصبّ عليها اهتمام المتابع والمنتظر ، وأن يكرّس الباحث عليها جهوده ، اليقف على أدقّ تفاصيلها ، ويسعى جاهداً لمعرفة جزئيّاتها ، بل الإحاطة بها علماً إن أمكنه ذلك.

3- أنّ عمليّة التطبيق وادّعاء وقوع بعض العلامات في الأزمنة الغابرة أو القريبة والمحاضرة غاية في الصعوبة ، وضرب من المجازفة لا ينبغي الاستعجال والتسرّع في اتّخاذ القرار إزائها ، بل لابدّ من التأنّي والتريّث والتحقيق والتدقيق للبتّ فيها.

4- إنّ جملة من هذه العلامات قد وقعت قطعاً، لوجود قرائن و شواهد قطعيّة على وقوعها وهي كالآتي:

الأوّل : اختلاف بني العبّاس وذهاب ملكهم ، واختلاف بني أميّة وذهاب ملكهم ، إلّا إذا أريد به ملكهم المعنوي ، وتراثهم الفكري والعقائدي والديني ، فإنّه باقٍ، والقوم كلّهم أنصاره، وهو لا يزول

ص: 361

إلّا بظهور الإمام الحجّة صلوات الله عليه ، بل لعلّه آخر ما يتمّ القضاء عليه قضاءً تاماً، لأنّه حينئيذٍ لا يمكن إزالته إلّا بإزالة آخر نفسٍ من شيعة بني أميّة وبني العبّاس ، ولا أخطر من هذا الملك المعنوي ، والتراث العقائدي ، والأهمّية تكمن هنا وفي زوال ملكهم هذا، لا ذلك الملك الظاهري .

بل صحّ ادّعاء بقاء ملكهم الظاهري المادّي أيضاً؛ إذ لاتزال البلاد الإسلاميّة يحكمها أنصار هذا الفكر حكماً ظاهرياً سياسيّاً، إلى جنب حكمهم المعنويوالفكري ، فلك بني أميّة وبني العبّاس ما زال موجوداً على حاله وإن تغيّرت الأسماء والأعيان ، ويقع القضاء على هذا الملك العضوض من أولويات أهداف المهدي صلوات الله عليه ، وعلى رأس جدول أعماله.

وبناءً على كونها من العلامات البعيدة التي تحقّقت حتماً فهي إذن من علامات الفرج من القسم الثاني ، وهو الفرج الآنيّ المحدود ، لا هذا الفرج النهائي الذي لا فرج فوقه ، أعني فرج مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه .

إلّا إذا تمسّكنا بالروايات الناصّة على أنّ الفرج كاد أن يقع في عصر الأمويّين مرّة ، وفي عصر العبّاسيّين مرّة أخرى بظهور أحد أئمّتنا

ص: 362

وخروجه صلوات الله عليهم ، غير أنّه أجّل ووقع فيه البداء لما حدثمن الإفشاء ، لكنّه رغم ذلك فلا يمكن عدّه فرجاً للمهدي المنتظر سلام الله عليه .

ويرد عليه: أنّ الفرج لو كان يتمّ لأحدهم عَلَيهِم السَّلَامُ لكان فرجأ لهم جميعاً، وكان فرجاً مطلقاً أبديّاً؛ لأنّ كلاً منهم مهديٌ، وكلّهم يهدي إلى الحقّ.

لكنّ الأدلّة لا تفي بهذا المعنى ، بل تدلّ على اختصاص هذا الفرج المطلق الدائم حتّى قيام الساعة بالإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيت صلوات الله عليهم جميعاً، وأنّ كلّ فرج كان يحصل لهم كان آنيّاً مقطعياًّ محدوداً، كما أنّ في زوال دولة بني أميّة وذهاب ملكهم کان فرج آنيَّ لهم ولشيعتهم ، وهكذا كان يحصل هذا القبيل من الفرج لأهل البيت وشيعتهم حتّى في العهد الأموي عند موت طاغية من بني أميّة ، وقيام آخر أقلّ بطشاً وطغياناً، وهكذا كان في العهد العبّاسي ، والله العالم بحقيقة الأمور.

الثاني: ادّعاء النبوّة ، فإنّ جملة من دعاة النبوّة قد ظهروا منذ الصدر الأوّل للإسلام إلى هذا اليوم ، وإن لم نعرف عددهم ولا أحصيناهم ، فقد تحقق ادّعاء بعض الستّين داعية قطعاً، وإن كنّا

ص: 363

لاندري هل تمّ عددهم واكتمل الستّون أم لا؟

الثالث: وأيضاً حدّثنا التاريخ أنّ بعض بني هاشم نهضوا وقاموا زاعمين المهدويّة ، وداعين النّاس إلى بيعتهم ، وإن كنّا لم نُخصِ عددهم جميعا ، إذن يكون بذلك قد تحقّق بعض الإثني عشر من بني هاشم قطعاً، هذا إن لم يكن قد ظهروا جميعاً ، فالعلم عند الله تبارك و تعالى .

الرابع: أنّ كثيرين قد ادّعوا الرؤية والمشاهدة لكننا لم نسمع أحداً من النّاس يكذّبهم ، ولا بلغنا ذلك ، ولا سمعنا أنّ صاحب الأمر عَلَيهِ السَّلَامُ قد كذّبهم ، بل قصص المشاهير من أعلام الطائفة معروفة يتداولها النّاس في محافلهم ، ويستند إليها كثير من أعلامنا في مؤلّفاتهم ومصنّفاتهم(1).

ثمّ إنّه إن كان المراد أنّ المؤمنين يكذّبونهم فهو راجع حتماً إلى تمسّكهم بالتوقيع الشريف وغيره من الأحاديث التي بحثناها بالتفصيل في مبحث الرؤية والمشاهدة من الحلقة الثانية ؛ لأنّها تنفي إمكان المشاهدة و توصف مدّعيها بالكذّاب أو الكاذب .

وإن كان المراد تکذیب غير المؤمنين لهم من أهل المذاهب الباطلة

ص: 364


1- لاحظ : مبحث الرؤية والمشاهدة - الحلقة الثانية من هذه الحلقات

والنَّحل الضالّة ، فإنه يعود إلى فساد عقيدتهم

وكيف كان فعلى الأوّل ذمٌّ لهؤلاء الاثني عشر، وعلى الثاني فهو مدحٌ لهم، لكنّ الظاهر أنّه مدحٌ لهم على كلّ حال، وربّما كان ذمّاً لمكذّبيهم على كلّ حال أيضاً ، والله تعالى هو العالم.

الخامس: قد يكون منها خسف المجابية، وكثرة الحروب والاختلاف على مرّ التاريخ لعدم اختصاصها بقبل الظهور مباشرة، وهكذا خراب الشام.

نعم، في بعض الأحاديث دلالة واضحة على كثرة الحروب بصورة ملفتة جدّاً قبل الظهور مباشرة.

السادس: واحتمال کون اختلاف رمحين بالشام، والرجفة بها، والخسف بحرستا، منها أيضاً.

السابع: ويبدو أنّ منها سقوط طائفة من مسجد دمشق الأيمن .

الثامن: ولعلّ النداء من سور دمشق منها أيضاً.

التاسع: وقد يكون منها نزول الترك الجزيرة العربيّة ، وذلك ما حدث في العهد العناني ، ونزول الروم الرملة ، وهو نزول القوّات البريطانيّة والأجنبيّة بأرض فلسطين واحتلالها .

ص: 365

العاشر: حصار الكوفة ، لاحتمال كونه منها ؛ إذ تمّ حصارها مراراً من قبل النواصب وأذنابهم، وأخيراً من جهة القوّات الأمريكيّة الكافرة.

الحادي عشر: وربّما عدّ منها تخريق الروايا في سكك الكوفة ، أو تحریق الزوايا فيها.

الثاني عشر: واحتمال کون خفوق رايات حول المسجد الأكبر بالكوفة ، منها.

الثالث عشر: ولعلّ منها سبي سبعين ألف بكر من الكوفة ، حيث فعل الأمويّون والعبّاسيّون والعثمانيّون بها وبأهلها من الجرائم والمنكرات ، ما لا تحتمله أطنان من الأوراق ، ولا تكفيه محابر الدنيا وأقلامها.

الرابع عشر: ولعلّ منها خروج رايات من شرقي الأرض مع رجل من آل محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، وقد فسّرت بالثورة الإسلامية في ايران ، والله العالم.

الخامس عشر: وقد يكون منها ظهور نار بالكوفة ، إشارة إلى حرب ودمار وخراب شديد ، وما أكثر النيران والحروب التي ظهرت بالكوفة حتّى الآن.

ص: 366

السادس عشر: وقد يكون انبثاق الفرات أيضأ منها.

السابع عشر: وربّما تكون كثرة القتل بين الكوفة والحيرة منها، لكثرة المجازر التي وقعت حتّى الآن في هذه المنطقة.

الثامن عشر: وقد يكون هدم حائط مسجد الكوفة منها أيضاً، حيث تمّ تخريبه أكثر من مرّة.

التاسع عشر: ولعلّ منها الخسف ببغداد والبصرة، والقتل بالبصرة، والخراب والدمار والخوف بالعراق؛ ذلك أنّ العراق بلد الخسف والحروب والخراب والدمار والخوف منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا.

العشرون: ولعلّ منها خراب الري أيضاً، إذ وقع فيها التخريب من قبل، وإن كان احتمال إرادة تخریب أعظم سيأتي لاقدّر الله تعالى ، أقوى.

الحادي والعشرون: والاختلاف الشديد في الدين وقع مراراً، منذ عهد الأمويّين إلى زماننا هذا، لكنّ القرائن تشير إلى احتمال وقوع فتنة طائفيّة مذهبية عظيمة لا مثيل لها تدبّرها أصابع صهيونيّة أجنبيّة كافرة خفيّة ، وتنقذها أيدي ناصبيّة مجرمة عميلة.

الثاني والعشرون: ومنها ظهور الفساد والمنكرات ، فقد ظهرت

ص: 367

ظهوراً فاحشاً، وظهورها في تزايد مستمّر.

الثالث والعشرون: وهكذا عض الزمان وجفاء الإخوان ، فإنّها أخلاقيات هذا العصر.

الرابع والعشرون: ولعلّ خروج زندیق من قزوین يكون منها ، فيروى أنّ رضا شاه پهلوي حين تقلّد السلطان زعم أنّه زندیق قزوین ، وكانمن مدينة قزوین.

الخامس والعشرون: ولعلّ منها السنون الخدّاعة التي أصبحت من لوازم هذا الزمان.

السادس والعشرون: ولعلّ منها الجوع والخوف والقحط والقتل والطاعون والجراد؛ لأنّها أمور وقعت مراراً، وإن كانت الشواهد تدلّ على احتمال وقوع أعظم منها في المستقبل.

السابع والعشرون: ومنها اشتداد الحاجة والفاقة ، وإنكار الناس بعضهم بعضا.

الثامن والعشرون: ومنها تمحيص أهل الحق وتمييزهم .

التاسع والعشرون: ومنها بيع الصبي ، وقد أصبح من المعتاد المألوف الذي لا ينكره أحد.

الثلاثون: ومنها كثرة التولية والعزل في المناصب الوزاريّة

ص: 368

والإداريّة والقياديّة ، وحتّى الرئاسيّة ، حيث الرئيس يأتي عبر صناديق الاقتراع، وسرعان ما يتغيّر من خلالها أيضاً ، أو يتغيّرون بكثرة الانقلابات والثورات والحروب ، وهلم جرّاً.

الحادي والثلاثون: طلوع کوکب مذنّب أو نجم بالمشرق ، لعلّه حصل ، وقد لا يكون منها.

الثاني والثلاثون: ومنها اشتداد الحرّ، ونحن نلاحظ كيف تكون حرارة الأرض في ازدياد دائم ينذر بالخطر ، ويخيف ذوي الاختصاص.

الثالث والثلاثون: ومنها موت خليفة ، فكم من خليفة كان موته فرجاً وراحة لهم.

الرابع والثلاثون: ولعلّ منها خلع خليفة ، وقتل خليفة ، واستخلاف ابن سبيّة.

5- أنّ بعض ما جاء في الأحاديث وعبّر عنه بعلامة الفرج، لا يدلّ بالضرورة أنّ المراد منه الفرج المطلق الأخير وهو ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ، بل لعلّه أريد بها أنّها علامة الفرج بمعناه وقسميه الأوّلين ، أعني الفرج المحدود الخاصّ ، أو الفرج الأوسع الأطول ، أي الأوسع دائرة شموله ، والأطول فترة امتداده ، و مدّة بقائه ، ويمكن الاستشهاد بالأمور التالية :

ص: 369

أ- اختلاف بني العبّاس وبني أميّة وزوال ملكهم على التفصيل الذي تقدّم في البند الأوّل من الرقم(4).

ب- ومثل: خسف المجابية وخراب الشام.

ج- ومثل: اختلاف الرمحين بالشام.

د- و مثل: نزول الترك الجزيرة، والروم الرملة.

ه- و مثل: تخريق الروايا في سكك الكوفة.

و- ومثل: حصار الكوفة.

ز- ومثل: خفوق رایات حول المسجد الأكبر بالكوفة.

ح- ومثل: خروج الرايات من المشرق.

ط- ومثل: ظهور نار بالكوفة.

ي- ومثل: انبثاق الفرات.

ك- ومثل: كثرة القتل بين الحيرة والكوفة .

ل- ومثل: هدم حائط مسجد الكوفة .

م- و مثل: الخسف ببغداد والبصرة ، والقتل بالبصرة وخراب وفناء وخوف بالعراق.

ن- ومثل : موت خليفة ، وكم من خليفة كان في موته فرجٌ آنيُّ لأهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ والشيعتهم.

ص: 370

6- أنّ العامّة أوردوا كثيراً من العلامات لقرب الظهور، بل أحاديث عن المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ في كتبهم الروائيّة، ونحن لا نعوّل على شيء ممّا انفردوا به من ذلك على الإطلاق، لا في هذا الباب ولا في غيره من الأبواب، وهي قاعدة أساسيّة لنا ننطلق منها في جميع ما كتبناه ونكتبه، في هذا الموضوع وغيره،إلّا إذا اقتضى الاحتجاج عليهم ذلك.

7- يبدو لي -والله العالم- أنّ جميع ما نطق به أهل البيت صلوات لله عليهم في أحاديثهم ، وكافّة ما جاء في مرويّاتهم من علامات الظهور ، إنّما يراد بها قرب الظهور ، ولا معنى لأن يقصدوا بشيء منها ما يخالف هذا المعنى؛ لأنّهم في صدد بیان علامات ودلائل تهدي الناس وترشدهم إلى قرب الظهور ، وشدّ الرحال ، والتأهّب والاستعداد ، وهم في مقام البيان والإرشاد والتوعية والتنبيه ، لا يمكن أن يحيّروا الناس بما هو بعيد العهد عن الظهور . نعم ، التأهّب والاستعداد على الدوام مطلوب دائماً، لكنّه لا يتوقّف على هذا الأسلوب من البيان الذي يزيد في حيرة النّاس في زمان ينبغي أن ينقذوا النّاس من الجهالة وحيرة الضلالة.

فالظاهر أنّ كلّ علامة تدلّ بظاهرها أنّها قد وقعت بزمن طويل کاختلاف بني أميّة وبني العبّاس وهلاكهم يجب أن يحمل على معنى

ص: 371

يناسب زمان الظهور ، كما صنعناه في الفقرات الماضية ، وأنّ ما له وجوه مشتركة وحالات وقوعيّة متعدّدة فيجب حمله على إرادة غير ما قد وقع ، وأنّه سيقع مثله بل أشدّ منه عند قرب الظهور وزمن الحضور.

ص: 372

الدّرس الثالث والعشرون: الظهور وما بعد الظهور

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

في ذكر السنة التي يخرج فيها المهدي، واليوم الذي يخرج فيه، والمكان الذي يخرج فيه، وما يفعله بعد خروجه، وأين يقيم، وهيئته بحسب السنّ، ومدّة ملكه، وما تكون عليه الأرض ومن عليها من النّاس، وسيرته عند قيامه، وطريقة أحكامه، وما يبيّنه الله تعالى من آیاته .

فأمّا السنة التي يخرج فيها :

1- فروى المفيد بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «لا يخرج القائم إلّا في وتر من السنين سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع»(1).

ص: 373


1- روضة الواعظين : 263. الإرشاد: 378/2 و 379، وباختلاف ما يسير في : الغيبة / الطوسي: 453. الخرائج والجرائح : 1161/3.

2- وعن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: « يقوم القائم عَلَيهِ السَّلَامُ في وتر من السنين تسع، واحدة ، ثلاث ، خمس »(1).

وأمّا اليوم الذي يخرج فيه:

3- فروى المفيد بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « ينادي باسم القائم في ليلة ثلاث وعشرين (أي من شهر رمضان كما في الروايات الأخر)، ويقوم في يوم عاشوراء ، وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين بن علي عَلَيهِما السَّلَامُ، لكأنّي به في يوم السبت العاشر من المحرّم قائماً بين الركن والمقام ، جبرئیل عَلَيهِ السَّلَامُ على يده اليمنى ينادي البيعة لله فتصير إليه شيعته من أطراف الأرض تطوى لهم طيّا حتّى يبايعوه فيملا الله به الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(2).

4- الخصال : بسنده عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « يخرج قائمنا أهل البيت يوم الجمعة» - الخبر (3).

ص: 374


1- الغيبة / النعمانی : 262. بحار الأنوار : 235/52.
2- الإرشاد: 379/2، وباختلاف يسير في: تاج المواليد: 73. روضة الواعظين : 263. المستجار في الإرشاد: 263. الصراط المستقیم : 250/2.
3- الخصال : 394/2. روضة الواعظين : 392/2.

5- وفي رواية : « يوم السبت »(1).

6- ويمكن الجمع بأنّ ابتداء خروجه يوم الجمعة ، وظهوره بین الركن والمقام ، ومبايعته يوم السبت كما يؤمي إليه قول الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «كأنّي بالقائم يوم عاشوراء يوم السبت قائماً بين الركن والمقام بين يديه جبرئیل بنادي البيعة لله » - الحديث(2).

7- مهذّب ابن فهد وغيره : بأسانيدهم عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «يوم النيروز هو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت ، وولاة الأمر ويظفره الله تعالى بالدجّال فيصلبه على كناسة الكوفة »(3).

وأمّا المكان الذي يخرج فيه ، وما يفعله بعد خروجه ، ومحلّ إقامته ، وهيئته بحسب السنّ :

8- فالمروي كما مرّ في علامات الظهور : «أنّ السفياني بعد ما يخرج من وادي اليابس بفلسطين ويلك دمشق وفلسطين والأردن وحمص وحلب وقنسرين ويخرج بالشام الأصهب والأبقع يطلبان الملك

ص: 375


1- كمال الدين : 653 و 654. الغيبة / الطوسي: 274.
2- الغيبة / الطوسی: 274. التهذيب : 4/ 333. الإرشاد: 361/2. روضة الواعظين : 263.
3- المهذب البارع: 194/1. بحار الأنوار: 119/56.

فيقتلها السفياني لا يكون له همّة إلّا آل محمّد و شیعتهم فيبعث جيشين أحدهما إلى المدينة ، والآخر إلى العراق(1).

أمّا جيش المدينة:

فيأتي إليها والمهدي بها وينهبها ثلاثاً ، فيخرج المهدي إلى مكّة فيبعث أمير جيش السفياني خلفه جيشاً إلى مكّة فيخسف بهم في البيداء(2).

وأمّا جيش العراق:

فيأتي الكوفة ويصيب من شيعة آل محمد قتلاً وصلباً و سبياً، ويخرج من الكوفة متوجّهاً إلى الشام فتلحقه راية هدى من الكوفة فتقتله كلّه وتستنقذ ما معه من السبي والغنائم(3).

أمّا المهدی عَلَيهِ السَّلَامُ:

فبعد أن يصل إلى مكة يجتمع عليه أصحابه وهم ثلثمائة وثلاثة

ص: 376


1- الغيبة / الطوسی: 270، 271، 278. دلائل الإمامة : 248 و 249، 253 و 254. ملاحم ابن طاووس: 145، 124. إلزام الناصب: 178/2 - 213. الصراط المستقیم: 2/260. إثبات الهداة : 615/3. بحار الأنوار: 217/52. الغيبة / النعمانی: 172 و 173، 302 - 304، للمزيد راجع مصادر علامات الظهور.
2- دعائم الإسلام: 301/1. الغيبة / النعماني : 280.
3- دعائم الإسلام: 301/1. الغيبة / النعماني : 280.

عشر رجلاً عدبة أهل البدر فإذا اجتمعت له هذه العدّة أظهر أمره فينتظر بهميومه بذي طوى ، ويبعث رجلاً من أصحابه إلى أهل مكّة يدعوهم فيذبحونه بين الركن والمقام ، وهو النفس الزكيّة ، فيبلغ ذلك المهدي فيهبط بأصحابه من عقبة ذي طوى حتّى يأتي المسجد الحرام ، فيصلّي فيه عند مقام إبراهيم أربع ركعات ، ويسند ظهره إلى الحجر الأسود ، ويخطب في النّاس ، ويتكلّم بكلام لم يتكلّم به أحد(1).

9- وروي أنّ أوّل ما ينطق به هذه الآية ﴿بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾(2)، ثمّ يقول: «أنا بقيّة الله في أرضه »(3).

10- وفي رواية : « يقوم بين الركن والمقام ، فيصلّي وينصرف ومعه وزيره ، وقد أسند ظهره إلى البيت الحرام مستجيراً، فينادي : يا أيّها الناس ، إنّا نستنصر الله ومن أجابنا من النّاس - أو وكلّ مسلم - على من ظلمنا، وإنا أهل بیت نبيّكم محمّد ، ونحن أولى النّاس بالله

ص: 377


1- ملاحم ابن طاووس: 63، 145. إلزام الناصب: 178/2 - 213. الصراط المستقیم: 260/2. إثبات الهداة : 615/3. بحار الأنوار : 305/52. إثبات الوصية : 226، للمزيد راجع مصادر علامات الظهور.
2- سورة هود : الآية 86.
3- مختصر إثبات الرجعة : 216 و 217. بحار الأنوار: 385/52. کمال الدين : 330. إعلام الوری : 433.

وبمحمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، فمن حاجني في آدم فأنا أولى النّاس بآدم ، ومن حاجني في نوح ، فأنا أولى الناس بنوح ، ومن حاجّني في إبراهيم فأنا أولى النّاس بإبراهيم ، ومن حاجّني في محمّد فأنا أولى النّاس بمحمّد ، ومن حاجّني في النبيين فأنا أولى النّاس بالنبيين . أليس الله يقول في محكم كتابه :﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ*ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(1)، ألا ومن حاجني في كتاب الله فأنا أولى الناس بكتاب الله ، ألا ومن حاجّني في سنّة رسول الله فأنا أولى النّاس بسنّة رسول لله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، فيبايعه أصحابه الثلاثمائة وثلاثة عشر بين الركن والمقام ، فإذا كمل له العقد، وهو عشرة آلاف ، خرج بهم من مكّة»(2).

11- وروي : « أنّه إذا خرج لا يبقى في الأرض معبود دون الله عزّ وجلّ من صنم وغيره إلّا وقعت فيه نار فاحترق ؛ وذلك بعد غيبة طويلة ليعلم الله من يطيعه بالغيب ، ويؤمن به »(3).

12- وروي : « أنّه يخرج من المدينة إلى مكّة بتراث رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه

ص: 378


1- سورة آل عمران : الآيتان 33 و 36.
2- تفسير العياشي: 64/1 و : 147/2. الغيبة / النعمانی : 279، 282. الغيبة / الطوسی: 269 و 274. الإرشاد : 361/2 و 362، 359.
3- كمال الدين : 330. إعلام الوری : 33. کشف الغمة : 324/3.

و درعه وعمامته وبرده ورايته وقضيبه وفرسه ولامته وسرجه فيتقلّد سيفه ذا الفقار ويلبس درعه السابغة وينشر رايته السحاب ، ويلبس البردة ، ويعتم بالعمامة ، ويتناول القضيب بيده ، ويستأذن الله في ظهوره »(1).

13- وروي أنّه : « له علم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلم من نفسه ، وأنطقه الله عزّ وجلّ ، ونادي اخرج یا ولي الله فاقتل أعداء لله ، وله سيف مغمد ، فإذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده وأنطقه الله عزّ وجلّ ، فناداه اخرج یا وليّ الله فلا يحلّ لك أن تقعد عن أعداء الله ، ثمّ يستعمل على مكّة ويسير إلى المدينة ، فيبلغه أنّ عامله بمكّة قُتل ، فيرجع إليهم فيقتل المقاتلة ، ثمّ يرجع إلىالمدينة فيقيم بها ما شاء »(2).

14- وفي رواية : « أنه يبعث جيشاً إلى المدينة فيأمر أهلها فيرجعون إليها ، ثمّ يخرج حتّى يأتي الكوفة فينزل علی نجفها ثمّ يفرّق الجنود منها في الأمصار»(3).

ص: 379


1- الکافی : 224/8 - 225. الغيبة / النعمانی : 270، 271.
2- العيون: 65/2. کمال الدين : 155، 268. الخرائج والجرائح: 551/2 و: 1167/3.
3- الغيبة / النعمانی: 270. الإرشاد : 379/2.

15- قال الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «كأنّي بالقائم علی نجف الكوفة وقد سار إليها من مكّة في خمسة آلاف من الملائكة : جبرائیل عن يمينه ،و میکائیل عن شماله ، والمؤمنون بين يديه ، وهو يفرّق الجنود في البلاد »(1).

16- وذكر عَلَيهِ السَّلَامُ المهدي ، فقال : « يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت ، وفتصفو له ، ويدخل حتّى يأتي المنبر ، فيخطب فلا يدري النّاس ما يقول من البكاء ، فإذا كانت الجمعة الثانية سألهالنّاس أن يصلّي بهم الجمعة ، فيأمر أن يخطّ له مسجد على الغري ويصلّي بهم هناك »(2).

17- وعن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا قام القائم سار إلى الكوفة ، فيخرج منها بضعة عشر ألف يدعون البتريّة عليهم السلاح ، فيقولون له : ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة ، فيضع فيهم السيف حتّى يأتي على آخرهم، ثمّ يدخل الكوفة فيقتل بها كلّ منافق مرتاب ، ويهدم قصورها ويقتل مقاتلتها حتّى يرضى الله عز وعلا،ثمّ يسير من الكوفة إلى الشام والسفياني يومئذٍ بوادي الرملة فيلتقون ويقتل

ص: 380


1- الإرشاد : 379/2 . إعلام الوری : 287/2. الصراط المستقیم: 2/ 250.
2- الإرشاد: 380/2. الغيبة / الطوسی: 280.

السفياني ومن معه حتّى لا يدرك منهم مخبر »(1).

18- قال الجواد عَلَيهِ السَّلَامُ: « ولا يزال يقتل أعداء الله حتّى يرضي الله » ، قيل : وكيف يعلم أنّ الله قد رضي ؟ قال : « يلقي الله عزّ وجلّ في قلبه الرحمة ويخرج اللّات والعزّى فيحرقهما ، ثمّ يرجع إلى الكوفة ، فيكون منزله بها »(2).

19- قال الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «ثمّ يأمر من يحفر من ظهر مشهدالحسين عَلَيهِ السَّلَامُ نهرا يجري إلى الغريّين حتّى ينزل الماء في النجف ، ويعمل على فوهته القناطير والأرحاء ، فكأنّي بالعجوز على رأسها مكتل فيه برّ تأتي تلك الأرحاء فتطحنه بلا كراء»(3).

20- وعن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ أنّه ذکر مسجد السهلة ، فقال : « أما أنّه منزل صاحبنا إذا قدم بأهله»(4).

21- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا قام قائم آل محمد عَلَيهِ السَّلَامُ بني في ظهر الكوفة

ص: 381


1- الإرشاد : 384/2. روضة الواعظين : 265. تفسير العياشي: 64/1 و : 261/2. الغيبة / النعمانی : 279.
2- کمال الدین : 329، 378. كفاية الأثر: 282.
3- الإرشاد : 380/2. الغيبة / الطوسی: 280.
4- الإرشاد : 380/2. الغيبة / الطوسي : 471. الكافي : 495/3.

مسجدأ له ألف باب ، واتّصلت بيوت أهل الكوفة بنهري کربلاء»(1).

22- وعن الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ:« أنّه إذا خرج يكون شيخ السنّ، شاب المنظر ، يحسبه الناظر ابن أربعين سنة أو دونها ، ولا يهرم بمرور الأيّام والليالي عليه ، حتى يأتي أجله، ويكون منزله بالكوفة ،فلا يترك عبدة مسلماً إلّا اشتراه وأعتقه ولا غارماً إلا قضى دينه ولا مظلمة لأحد من النّاس إلّا ردّها ولا يقتل منهم عبد إلّا أدّى ثمنه دية مسلّمة إلى أهله ، ولا يقتل قتيل إلّا قضي عنه دينه ، والحق عياله في العطاء حتّى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وعدوانأ ، ويسكن هو وأهل بيته الرحبة ، والرحبة إنّما كانت مسکن نوح ،وهي أرض طيّبة ولا يسكن الرجل من آل محمّد إلّا بأرض طيّبة زاكية فهم الأوصياء الطيّبون»(2).

ولكن ماذا يكون بعد القائم صلوات الله وسلامه عليه ؟ فإنّه أمر قد لا يعنينا كثيراً، واختلفت الأحاديث في بيان ذلك ، وما يصير إليه

ص: 382


1- الإرشاد: 2/ 380. الغيبة / الطوسي: 468. الخرائج والجرائح: 1176/3. روضة الواعظين: 263/2.
2- کمال الدين : 652. الخرائج والجرائح: 117/3. تفسير العياشي : 261/1. الغيبة / النعمانی : 279. الإرشاد : 359/2. الغيبة / الطوسی: 269.

أمر الخلائق بعد وفاة الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ؛ إذ بينما نجد طائفة منها تتحدّث عن عودة آبائه الأطهار عَلَيهِم السَّلَامُ ورجعتهم إلى هذه الدنيا ، وقيامهم بإدارة شؤون البلاد، ورئاستهم على العباد ، حيث أطلقت على تلك الحالة و تلك الفترة تسمية الرجعة ، أو الرجعة الثانية ، أو الرجعة الأخرى ، نظراً إلى أنّ ظهور الإمام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ هي الرجعةالأولى ، حيث يرجع طائفة من الصالحين إلى الدنيالينضمّوا إلى أصحابه أو أنصاره عَلَيهِ السَّلَامُ، فإننا نجد طائفة أخرى مثل هذه الرواية تحدّثنا عن اثني عشر مهديّاً يهدون إلى الحقّ بعد قيام القائم صلوات لله عليه ، وهي الرواية الصريحة:

عن أبي بصير ، قال: قلت للصادق جعفر بن محمّد عَلَيهِما السَّلَامُ: یابن رسول الله، إنّي سمعت من أبيك عَلَيهِ السَّلَامُ أنّه قال: «يكون بعد القائم اثنا عشر مهديّاً» ، فقال عَلَيهِ السَّلَامُ: «إنّما قال: اثنا عشر مهديّاً ، ولم يقل: إثنا عشر إماماً، ولكنّهم قوم من شيعتنا يدعون النّاس إلى موالاتنا ومعرفة حقّنا»(1).

والجمع بينهما في غاية السهولة إذ ربّما يكون الأئمّة عَلَيهِم السَّلَامُ هم الحكّام على الأرض ، ويكون هؤلاء الإثنا عشر المهديّين ولاةً في دولتهم

ص: 383


1- کمال الدين: 358.

الكريمة ، ولعلّهم يحكمون الأرض بعد مولانا الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ، ثمّ يرجع الأئمّة الطاهرون ليحكموا، ولعلّ الأئمّة عَلَيهِم السَّلَامُ يرجعون ولكنّهم لا يحكمون ، وهذا الأخير في غاية البعد ، والأوّل أنسب للجمع ، والله العالم .

ص: 384

الدرس الرابع والعشرون: العلم بعد الظهور

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

وأمّا العلم ، فقد صرّحت بعض روایاتنا بأنّ ما بين أيدينا ما هو إلّا شيء يسير من العلم ، وأنّه عَلَيهِ السَّلَامُ سيفتق العلم فتقأ ، ويبقره بقرأ عند ظهوره، وينشره حتى لكأنّ عقل الرجل الواحد يساوي عقول أربعين رجلاً، وأنّ الطفل يصير عقله كعقل رجل في الأربعين من عمره بل أكثر ، وأنّ العلم سیکون مذهلاً في عصره وزمانه.

1- قال أبو جعفر -الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ -: « إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد ، فجمع بها عقولهم ، وكملت به أحلامهم »(1).

2- وقال أمير المؤمنين عليّ عليه الصلاة والسلام : « یا کمیل،

ص: 385


1- الكافي: 25/1.

ما من علم إلّا وأنا أفتحه ، وما من شيء [سر] إلّا والقائم يختمه »(1).

3- وعن أبي عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ، قال : « العلم سبعة وعشرونحرفاً ، فجميع ما جاء به الرسل حرفان ، فلم يعرف النّاس حتّى الیوم غیر الحرفين ، فإذا قام قائمنا أخرج الخمسة والعشرين حرفاً ، فبثّها في النّاس ، وضمّ إليها الحرفين حتّى يبتّها سبعة وعشرين حرفاً»(2).

4- وعن الإمام الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ أنه قال : « إنّ العلم بكتاب الله عزّ وجلّ وسنّة نبيّه صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه الينبت في قلب مهديّنا كما ينبت الزرع على أحسن نباته ، فمن بقي منكم حتّى يراه ، فليقل حين يراه : السلام علیکم یا أهل بيت الرحمة والنبوّة ، ومعدن العلم ، وموضع الرسالة»(3).

5- وفي رواية طويلة عن أبي جعفر الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: « ... قال أبو جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ: لكأنّي أنظر إليهم -أي أصحاب المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ - مصعّدين من نجف الكوفة ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ، كأنّ قلوبهم زبر

ص: 386


1- بحار الأنوار: 269/77.
2- مختصر البصائر: 117. الخرائج والجرائح: 841/2. بحار الأنوار: 336/52.
3- کمال الدين: 635. إثبات الهداة: 491/3. العدد القوية: 65. حلية الأبرار: 639/2.

الحديد...»، ثمّ يمضي في كلامه عَلَيهِ السَّلَامُ حتّى يقول : «ثمّ يرجع إلى الكوفة فيبعث الثلاثمائة والبضعة عشر رجلا إلى الآفاق كلّها ، فيمسح بين أكتافهم ، وعلى صدورهم ، فلا يتعايون في قضاء ...»(1).

وهي رواية مفيدة جدّاً ، فيها الكثير من الحقائق والأسرار ، فينبغي مراجعتها والأخذ بها بعين الاعتبار.

6- وروی حمران بن أعين ، عن أبي جعفر الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ أنّه قال : «كأنّني بدينكم هذا لا يزال متخضخضة يفحص بدمه ، ثمّ لا يردّه عليكم إلّا رجل منّا أهل البيت ، فيعطيكم في السنّة عطائين ، ويرزقكم في الشهر رزقين ، وتؤتون الحكمة في زمانه ، حتّى أنّ المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى ، و سُنّة رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه»(2).

7- و عنه عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد ، فجمع بها عقولهم ، وكملت به أحلامهم»(3).

8- وقال الإمام الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «إنّ ذا القرنين كان عبدا صالحاً،

ص: 387


1- تفسيرالعياشي: 56/2، 140. تفسير القمي: 205/2. الكافي: 313/8. الغيبة / النعماني: 181.
2- الغيبة / النعمانی: 238. حلية الأبرار: 642/2.
3- الكافي: 25/1. كمال الدين: 675. الخرائج والجرائح: 840/2. مختصر البصائر: 117. حلية الأبرار: 625/2.

ناصح لله سبحانه فناصحه، وسخّر له السحاب، وطويت له الأرض، وبسّط له في النور، فكان يبصر بالليل كما يبصر بالنهار، وإنّ أئمّة الحقّ كلّهم قد سخّر الله تعالى لهم السحاب ، وكان يحملهم إلى المشرق والمغرب لمصالح المسلمين ، ولإصلاح ذات البين ، وعلى هذا الحال المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ، ولذلك يسمّى صاحب المرئي والمسمع ، فله نور یری به الأشياء من بعيد كما يرى من قريب ، ويسمع من بعيد كما يسمع من قريب ، وإنّه يسيح في الدنيا كلّها على السحاب مرّة وعلى الريح أخرى ، وتطوى له الأرض مرّة ، فيدفع البلايا عن العباد والبلاد شرقاً وغرباً »(1).

وهذا يدلّ على عظمة العلم الذي يحمله الإمام المهدي صلوات الله عليه، وإن كان يمكن تفسير كثير من الروايات المتقدّمة بما توصّل إليه العلم في عصرنا هذا، بل توصلت إليه البشريّة منذ قرين أو أكثر من الزمان ، كجهاز الهاتف والتلفاز والأقمار الصناعيّة - الاصطناعيّة - والطائرة والأجهزة الطبّيّة والعقاقير والعلاجات الحديثة ، وسائر موارد التكنولوجيا المتطوّرة التي بلغت قمّة الهرم، ولا تزال تسير بخطى سريعة نحو التطوّر والصعود ، حتّى أصبح فهم مثل هذه الأسرار

ص: 388


1- الخرائج والجرائح: 930/2 و 931.

والحقائق سهل التناول ، وغدى الإيمان بها في غاية اليسر ، بعدما كانت ألغازاً وطلاسم لا يفهمها ولا يدركها الإنسان ، بل يعجز عن تصوّرها وهضمها إلّا بالسبل الغيبيّة الإلهيّة ، والوسائل السماويّة ، الإعجاز ، ليس إلّا.

نعم ، قد تكون إشارة إلى حقائق أخرى من العلوم والتكنولوجيا التي لم ولن تخطر على قلب هذا البشر ، سيفجّرها الإمام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ بثورته الفكريّة ، ونهضته العلمية التي تعجز العباقرة ، وتحيّر عقول الألمعيّ من رجال العلم والفكر ، فتطأطئ له وتنحني أمامه رؤوس المفكّرين والجهابذة ، وتخرّ أمامه جباه العلماء والمخترعين والمكتشفين ، كما خرّ سحرة فرعون ساجدین عاجزين صاغرين مستسلمين أمام جبروت العصى الموسويّة المعجزة ، حين لم یکن ذلك يخطر ببال أحد قطّ.

9- وعن الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ أنّه قال : « إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كلّ إقليم رجلاً يقول: عهدك في كفّك ، فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه ، فانظر إلى كفّك ، واعمل بما فيها »

قال : « ويبعث جنداً إلى القسطنطينيّة ، فإذا بلغوا الخليج كتبوا على أقدامهم شيئاً ومشوا على الماء، فإذا نظر إليهم الروم يمشون

ص: 389

على الماء قالوا : هؤلاء أصحابه يمشون على الماء ، فكيف هو ؟ فعند ذلك يفتحون لهم أبواب المدينة ، فيدخلونها ، فيحكمون فيها ما يشاؤون »(1).

هذا هو العلم والتكنولوجيا الذي يحيّر العقول ، فهل هو من العلوم الطبيعيّة ، أو من وراء الطبيعيّات ؟ هل هو من العلوم المألوفة ، أم من العلوم الغريبة ؟

كلاهما جائزان ، وكلّ منهما ممكن ، قد يكون من هذا ، وقد يكون من ذاك ، إنّه العلم الذي لا يظهر إلّا في عصر الظهور ، عصر ظهور الخيرات والبركات كلّها ، بظهور القائم المنتظر صلوات الله عليه ، ولا يظهر إلّا بيده المباركة ، وكما أنّ آبائنا في العصور القديمة لم تقدر عقولهم على إدراك كيفيّة طيران الإنسان في الهواء وفوق السحاب ، ولم يدركوا كثيراً من رموز الأحاديث الرامية إلى بيان حال النّاس قبل الظهور ، وقرب الظهور ، فإنّا جميعاً . حتّى أكابر العلماء الطبيعيّين وأعاظم المخترعين وجهابذة الصناعة الحديثة في هذا العصر - لا ندرك معنى قوله عَلَيهِ السَّلَامُ: « یکتبون على أقدامهم شيئاً ويمشون على الماء،

ص: 390


1- الغيبة / النعماني: 319 و 320. دلائل الإمامة: 249. إثبات الهداة: 573/2. بحار الأنوار: 365/52.

وينظرون إلى أكفّهم فيرون تكاليفهم ووظائفهم، ويعملون بما ظهر في أكفّهم» ، إنّها تكنولوجيا دولة القائم صلوات الله عليه ، والعلم الذي توقّف على ظهوره، وعلماء هذا العصر صغار ، وجهّال أمام عظمتها وشموخهما ، وهم حيارى أمام تلك العظمة، رغم أنّ هذا الذي ذكر في الأحاديث أمثلة وإشارات فقط ، وإلّا فالظاهر أنّه في غاية التعقيد والتعظيم ، حتّى لا يطيق الصبر والمقاومة جهابذة الغرب وأعاظم علمائها وصنّاعها ، ورجال سياساتها وقادة عساکرها ، فيستسلمون له في حينه ، كما استسلم آباؤهم وأجدادهم من قبل لحامل لوائه روح الله المسيح عَلَيهِ السَّلَامُ، حين أحيا لهم الموتى ، وأخذ يشافي الأبرص والأكمه ، ويقضي على الأمراض التي عجز طبّ الرومان رغم تطوّره المدهش ونبوغه المذهل من القضاء عليها.

10- ومن هذا القبيل قول مولانا الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا قام القائم أتی رحبة الكوفة فقال برجله هكذا ، وأومأ بيده إلى موضع .

ثمّ قال : احفروا هاهنا، فيحفرون ، فيستخرجون اثني عشر ألف درع، واثني عشر ألف سيف ، واثني عشر بيضة ، لكلّ بيضة وجهان ، ثمّ يدعو اثني عشر ألف رجل من الموالي من العرب والعجم ، فيلبسهم ذلك ، ثمّ يقول : من لم يكن عليه مثل

ص: 391

ما عليكم فاقتلوه »(1).

ونظير هذا المعنى ممّا يدلّ على غرابة العلم في عصر ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ، وبلوغه القمّة التي لا يرقى إليها طير من طيور الفكر والعقل في زماننا هذا، وما جاء في الرواية التالية:

11- عن أبي عبدالله الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا قام القائم استنزل المؤمن الطير من الهواء فيذبحه فيشويه ويأكل لحمه ولا يكسر عظمه ، ثمّ يقول له: إخي بإذن الله ، فيحيي ويطير ، وكذلك الظباء من الصحاري ويكون ضوء البلاد ونورها ، ولا يحتاجون إلى شمس ولا قمر ، ولا يكون على وجه الأرض مؤير ولا شر ، ولا سمُّ ، ولا فساد أصلا ؛ لأنّ الدعوة سماويّة ليست بأرضيّة ، ولا يكون للشيطان فيها وسوسهٌ ولا عملً، ولا حسدً، ولا شيء من الفساد، ولا تشوك الأرض والشجر ، وتبقى الأرض قائمة ، كلّما أخذ منها شيء نبت من وقته ، وعاد كحاله ، وإنّ الرجل ليكسو ابنه الثوب فيطول معه كلّما طال ، ويتلون عليه أيَّ لونِ أحبَّ وشاء ، ولو أنّ الرجل الكافر دخل جُحر ضَبًّ أو توارى خلف مَدَرةٍ ، أو حجرٍ ، أو شجرٍ لأنطق الله ذلك الشيء الذي يتوارى فيه ، حتّى يقول : يا مؤمن خلفي کافر فخذه ، فيؤخذ

ص: 392


1- الاختصاص: 334. إثبات الهداة: 558/3.

ويقتل ، ولا يكون لإبليس هیکل -أي بدن- يسكن فيه ، ويصافح المؤمنون الملائكة ، ويوحى إليهم - أي يلهمون - ويحيون ويجتمعون الموتى بإذن الله ، قالوا : يأتي على الناس زمان لا يكون المؤمن إلّا بالكوفة ، أو يحنّ إليها »(1).

12- وعن الإمام أبي الحسن الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ أنّه قال : « إذا قام القائم يأمر الله الملائكة بالسلام على المؤمنين ، والجلوس معهم في مجالسهم ، فإذا أراد واحد حاجة أرسل القائم من بعض الملائكة أن يحمله ، فيحمله الملك حتّى يأتي القائم ، فيقضي حاجته ، ثمّ يرده ، ومن المؤمنين من يسير في السحاب ، ومنهم من يطير مع الملائكة ، ومنهم من يمشي مع الملائكة مشياً ، ومنهم من يسبق الملائكة ، ومنهم من يتحاكم الملائكة إليه، والمؤمن أكرم على الله من الملائكة، ومنهم من يصيّره القائم قاضياً بين مائة ألفٍ من الملائكة»(2).

13- وفي حديث طويل عن الرجعة وأحوال ما بعد الظهور يقول

ص: 393


1- دلائل الإمامة: 246. إثبات الهداة: 573/3. حلية الأبرار: 635/2، 681 و 682.
2- دلائل الإمامة: 241. إثبات الهداة: 573/3.

فيها -في آخرها- الإمام عَلَيهِ السَّلَامُ:«... ثمّ إنّ الله ليهب لشيعتنا كرامة لا يخفى عليهم شيء في الأرض ، وما كان فيها ، حتّى أنّ الرجل منهم يريد أن يعلم علم أهل بيته ، فيخبرهم بعلم ما يعلمون »(1).

14- وعن أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ في حديث ، إلى أن قال : « ... ويقذف في قلوب المؤمنين العلم ، فلا يحتاج مؤمن إلى ما عند أخيه من العلم ، فيومئير تأويل هذه الآية : ﴿يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ﴾(2)»(3).

هكذا تتدفّق عيون العلم والحكمة من معينها الزلال الصافي ، و تنفجر ينابيعها، وتعمّ البشريّة خيراتها وبرکاتها التي حرموا منها طيلة قرون وقرون ، صدّهم عن ذلك ومنعهم من بلوغ تلك النعم الجسام جشع الفئة الباغية التي تسلّقت عرش الخلافة الإلهيّة ، و تقمّصت ثوب الخلافة الحقة ، ونزت على منبر رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه جهرةً، تلعب وتعبث بمقدّرات هذه الأمّة.

وإذا عرف إنسان هذا العصر المغرور بما وصل إليه من العلم والصناعة - أنّه لم يبلغ معشار ما خفي عليه، وما سيظهره الإمام

ص: 394


1- الخرائج والجرائح: 2/ 850. مختصر البصائر: 50.
2- سورة النساء: الآية 130.
3- مختصر البصائر: 519 و 520.

القائم عَلَيهِ السَّلَامُ إن شاء الله تعالى ، فإنّه سيهبط عن صهوة جواد الغرور الذي يركبه ، ويمتطيه ، ويصبح إنساناً سويّاً كما ينبغی.

وباعتقادي أنّه عَلَيهِ السَّلَامُ سيأتي بقواعد وأصول وأسس للعلوم ، سواء العقليّة أو التجريبيّة والعمليّة منها ، تقلب الأمور وحسابات أهل الدنيا رأساً على عقب ، يملأ بها الدنيا بهجةً وسعادة وسروراً، علوم نافعة كاملة ، لا تخلف آثاراً سلبيّة على حياة الإنسان ، بل لا تترك من ورائها إلّا ما ينفع الناس ويفيدهم في شتّى حقول الحياة ، وفي كافّة جوانبها ، علوم يعلّمها النّاس ويكشف عنها الحجاب ، ويزيح عن أسرارها ستائر الجهل ، لم تكن خطرت على قلب إنسان ، ولا مرّت بباله ، وحرمت عن بركاتها وثمراتها ومنافعها البشريّة أیما حرمان ، بعد تقمّصها الخلافة من أهلها ، ومنع العلماء الربّانيّين الصادقين من ممارسة دورهم الرسالي ، وصرف أنظار النّاس عنهم إلى غيرهم ، وسيأتي بالعلوم من نبعها الزلال الصافي من غير أن تشوبه شائبة وهمٍ باطل ، أو كدورة خيال زائل، منقّحة نقيّة شافية وافية.

بيان ذلك: أنّ شأن العلوم التي كان فتقها ورتقها بيد الإنسان الناقص ، من غير إشرافٍ من الإنسان الكامل على مراحل نشأتها و تطوّرها وانبثاقها ، شأن التشريعات الأرضيّة وتسنين القوانين

ص: 395

ووضعها من قبل الإنسان للإنسان ذاته ، فكما أنّ وضع القوانين لم يكن ليرقى إليه عقل هذا الإنسان القاصر في الأزمنة الغابرة ، وبتبعها الأزمنة اللّاحقة حتّى المحاضرة ، إلّا بتقليد من الشرائع السماويّةودساتير الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم ، فكذلك نشأةالعلوم وتطورها على كافّة مستوياتها وأصعدتها ومجالاتها وتخصّصاتها ، فإنه لولا تعليم الأنبياء والرسل والأئمّة الهداة لهذا البشر القاصر الناقص ، ولولا تعاليمهم في هذا المجال لما التفتت إليها عقولهم ، ولا انفجر هذا البركان في وجودهم ووجدانهم، لكنّهم أخذوا أصل الفكرة وبعض الأصول والقواعد المسلّمة لجميع العلوم ومنها علم التشريع والتسنين من أولياء الله جلّ وعلا ، ثمّ بنوا عليها بنیاناً ، بل أبنية ، غير مستقيمة ، ظهر الخلل فيها كلّما تقدّموا في البناء ، ومهما طال المبني وكبر ، حتى غدى ما أسّس لأهداف سامية في نظرهم ، ولكي يحقّق السعادة للبشريّة والرفاه والرخاء والصلاح لهم ولذرّيّتهم ، غدى يهدّد حياتهم، ويكاد يقضي على وجودهم ؛ لأنّه يؤرّق ضميرهم ووجدانهم، ويسلب الراحة من أعينهم ، ويزيدهم توتراً وقنوطأ من مستقبلهم ومستقبل ذراريهم وأجيالهم ، فلم يعد الإنسان ينام قرير العين كما كان ينبغي ؛ لأنّ سلاح العلم الذي أسّس بنيانه على شفا جفٍ هار ، بدأ ينهار به في نار جهنّم ، صنعته يداه

ص: 396

بعقله غير المعصوم القاصر، فأصبحت حياته جحيماً لا تطاق ، ببركة علوم لم يشرف عليها الإمام المعصوم عَلَيهِ السَّلَامُ وإن وضع قوانينها وأصولها ، بل خاضها البشر بعقله القاصر ، ظانّاً أنّه سيبلغ شأوها و شاهقها ، وأنّه سيملأ بها الدنيا سعادة وبهجة ورفاهيّة ، وسيملك بها السماوات والأرض.

غير أنّه استخدم علم التشريع الذي امتدّ حبله من السماء ، في وضع تشريعات و تسنین قوانین مخالفة لإرادة باريها والخالق الحكيم جلّ وعلا ، فقطع الحبلالممدود من السماء ، وخطّ بيديه الملوّثتين بشتّى ضروب المعاصي والذنوب وبعقله المتكدّر بأصناف القصور وأنواع التقصير ، قوانين ليس مآلها إلّا الخيبة والخسران ، ولا تجني له سوی الشوكة والحنظل ، فتحيل حياته جحيماً ينذر بكارثة أخلاقيّة لا يعلم مداها إلّا الله عزّ وجلّ ، هذا في مجال وضع القوانين وتشريعها.

ولعلّ الكارثة في سائر العلوم واتّجاهاتها ، والجوانب الأخرى من الحياة وأصقاعها باتت أكبر ، وصارت تنذر بخطر أعظم ، وأنت ترى وتسمع كلّ يوم وليلة ، بل في كلّ ساعة من ساعات ليلك أو نهارك ، تقارير وأخباراً عمّا خلّفته و تخلّفه هذه العلوم والتكنولوجيا والصناعات من آثار مدمّرة مهدّدة لسلامة الإنسان وحياته ووجوده ، بل لسلامة الأحياء، الحيوان والنبات وغيرها قاطبة ،

ص: 397

ومضرّة بالكرة الأرضيّة ، وهذه المعمورة بأسرها ، تهدّد ما فيها وما عليها من حيًّ وجامدٍ ميّت على حدًّ سواء. تجوّل سریع و نظرة عابرة على تلك الأخبار والوثائق والمستندات والتقارير تضع المرء أمام حقيقة مخيفة مدهشة ، فإنّا لا نكاد نجد علاجاً أو عقاراً أو دواءً اكتشفه الأطباء وعلماء الطب ، ولا طريقة علاج اكتشفوها ، ولا أداة اخترعوها للعلاج إلّا وتأتينا الأنباء مسرعة على استحياء تارةً، وعلى حين غرّة تارةًأخرى ، أنّ كم من النّاس أصيبوا بداء عضال ، أو ماتوا وقضوا نحبهم ، بسبب هذا العقار أو الدواء أو طريقة العلاج أو أداته ، بل نسمع أحياناً تقارير عنها متناقضة ، حتًى أنً بعض هذه السلبيّات والنتائج السلبيّة المقيتة يتمّ الكشف عنها أو الإفصاح عنها بعد عشرات منالسنين ، وما استطاع علم الطب ولن يستطيع -لو استمرّ على هذا المنوال - أن يكتشف أو يخترع أو يصنع شيئاً خالياً من العوارض ، بحيث يعالج فقط ، من غير أن يخلّف آثاراً جانبيّة ، ولا يتسبّب في أمراض معضلة ، ولا يودي بحياة الإنسان ، ولا يهدّد سلامته وكيانه ، إذ شأن الطب التداوي والعلاج لا إصلاح جانب وإفساد جوانب أخرى.

وكذلك نظرة عابرة على الوثائق والمستندات تذهل العاقل حين يجد أنّ المصانع لم تصنع له وسيلة رفاهيّة قطّ ، وأداة سعادة وراحة

ص: 398

قطّ ، إلّا وهي تحمل معها و تخفي له في طيّاتها الخراب والدمار والشقاء له وللطبيعة من حوله ، فعلى سبيل المثال : هذه السيّارة التي لا يكاد يستغني عنها إنسان في عصرنا هذا، وكذلك الثلّاجة والغسّالة والمكيّف ومبردة الماء والطائرة والباخرة والمكائن الحديثة وآلات الحرث والزرع التي يستخدمها في حقوله الزراعيّة وأدوات البناء ، وكلّ ما يحيط به من صنائع يخالها في خدمته ، تذلّل له عقبات الحياة ، وتسهّل عليه سبل العيش ، كلّ ذلك وكلّ تلك الآلات والأدوات والصنائع والمصانع ما زادت الإنسان إلّا إرهاقاً فكريّاً، وقنوطاً من الحياة ، وعتمة وسوداويّة في نظرته إلى المستقبل وأمله في الحياة ، لم ترفع عنه عناءه لأنّها وإن ضمنت له راحة جسمانيّة آنيّة فإنّها حمّلته عناءً وأثقلت كاهله وزادته إرهاصات وأمراضأ وعقداً نفسانيّة ، وهدّدت حياته المعنويّة وروحانیّته الماورائيّة الميتافيزيقيّة إلى الخطر الجسيم ، بل هدّدت حياته الطبيعيّة أيضاً إلى الخطر ؛ لأنّها تترك من ورائها آثاراً، وإشعاعات ، وموادّ سامّة ، وغازاتکیمیاويّة ، وعشرات الأمور الأخرى المضّرة بالحياة على هذا الصعيد ، ولا يخفى على أحدٍ ما تعانيه الطبيعة من حولنا التي هي وسادة راحتنا ، وفيها نبض حياتنا - من الأخطار المحدقة بسلامتها ومستقبلها ، فارتفاع الحرارة أمر غدى يقلق الساسة والحكّام والمحكومين ، وذوبان الجليد

ص: 399

في القطبين، ومأساة ثقب طبقة الأوزون ، والفساد الذي خلّفه العلم والتكنولوجيا الحديثة المتطوّرة بعيداً عن إشراف المعصوم عَلَيهِ السَّلَامُ الخارجة عن سلطانه ، هذه المفاسد وتلك الآثار الهدّامة المخرّبة المدمّرة ملئت البرّ والبحر ، وطغت طغیاناً سافراً حتّى تجاوزت حدودالأرض وبلغت عنان السماء ، ﴿ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾(1).

ثمّ قس عليها ما شئت من العلوم التي خاضها البشر القاصر، واقتحم بحر لجّيها ، وجاب بين فجاجها ، إنك لا تجد شيئاً منها إلّا وكانت مساوئها ومضارّها على المدى القريب أو البعيد أكثر من نفعها وخيراتها ، أليس هذا ينذر بخطر عظيم ، ويدعو إلى التأمّل ويومئ إلى وجود خلل في سلوك الإنسان وطريقته في العيش والحياة عموماً، وفي منطلقاته و تأسیساته وأصوله العلمية والصناعيّة على وجه الخصوص ؟ ألا يكفي هذا التعثّر طيلة القرون المستادية في المكاسب والمكتسبات المرجوّة من العلم والصناعة ليكون عبرة يحول دون تمادي البشر في غيّه ومسارعته نحو مذبحه ويصدّه عن السباق نحو مدفنه ؟ أما حان للإنسان أن يستقيظ من هذا السبات ويثور على

ص: 400


1- سورة آل عمران: الآية 182. سورة الأنفال : الآية 51.

هذا النهج السقيم المرير الذي يسوقه حتّى أصبح قاب قوسين أو أدنى من هاوية السقوط ؟ هل العيب في العلم أم في من يخوضه ویسبر أغواره ويستعمله ويكشف عن أسراره ؟ وهل النقص في العلم أم في عقولنا القاصرة العاجزة عن الإحاطة بأسراره وحقائقه لكي نتجنّب مضارّه و شروره؟

حاشا وكلّا ، وهيهات أن يكون العيب والنقص في العلم ومنه ، فالعلم نور يمتنع أن يردي بصاحبه ، ويسوقه إلى منحره ويعتّم عليه الحياة ، والعلم هدىً واستقامة وهداية ، يستحيل أن يغوي صاحبه أو يضلّه ، فليس الخلل في العلم قطعاً، فأين العيب وأين الخلل یا أولي الألباب ؟

وكيف كان وعوداً على بدء ، نقول : هذا الخلل الذي حيّر عقول المبدعين والمفكّرين والعلماء والمخترعين والمكتشفين ، والصناعيّين والخبراء والسياسيّين والحكّام وصنّاع القرار ، بل والمحكومين من النّاس کافّة ، نابع بلا أدنى شكّ عن تحلّل الإنسان عن ربقة العبوديّة ، والتمرّد على وليّ نعمته وخالقه ، والعصيان لأوامره، وعدم الطاعة الأنبيائه ورسله وأوليائه الأئمّة الهادين المهديّين ، عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين، وعدم متابعتهم ، وعدم الأخذ بتعاليمهم ، وعدم العمل تحت إشرافهم الدائم ، وعدم الأخذ من نبعهم الصافي ومعينهم

ص: 401

الزلال ، واستبدادهم في القرار، وانفرادهم في دروب العلم والمعرفة ، وإعراضهم عن تعاليم الأئمّة الأطهار صلوات الله عليهم.

فإذا ظهر المهدي المنتظر صلوات الله عليه وعلى آبائه ، أظهر لهم حقائق العلوم جملة وتفصيلاً، وفتح لهم أبوابها شرّعاً، وأخرج لهم دفائنها وكنوزها ، وكشف لهم النقاب عن معینها ومنابعها ودقائقها ولطائفها ، وأماط اللثام عن أسرارها، وغاص بهم أعماق بحارها ، وجال بهم بين سهولها وجبالها ، وبرارها وصحارها ، وذللها وعثارها ، وجنانها ووديانها، وسقاهم من كأسها الأوفي ، وأطعمهم من أطيب ثمارها ، وحلّق بهم إلى ملكوتها وجبروتها ، وكساهم أجمل حلیّها وأفضل حریرها و دیباجها واستبرقها ، وأرقي كسوتها، حيث يؤتي العلم ثماره ولا يظلم منها شيئاً ، فتصحبه الخيرات والبركات ، وتكون الصناعات نافعة لا تشوبها الأضرار، ويصبح الطب منزّهاً صفواً من عوارض الأكدار ، ويغدو خلوّاً من ترتّب الأعراض والآثار السلبيّة على حياة الإنسان.

هكذا سيكون العلم ، وينبغي أن يكون ، و هكذا سينعم الإنسان ، كما ينبغي أن يعيش وينعم ، وهكذا تكون الحياة ، وينبغي أن تكون ، فلا استغراب ولا تعجّب إذا كان المهدي صلوات الله عليه خليفة الله في أرضه ، وحجّته على عباده ، وهو خلاصة أنبيائه وأوصيائه

ص: 402

وأوليائه ، والمأمول الذي ادّخر ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، ويصلحها ويعمّرها ، وهو بشارة الله في كتابه الكريم ، وكتبه السابقة ، وبشارة أنبيائهورسله ، وأمل المستضعفين والمحرومين ، وهو الجامع لأفضل صفات الأنبياء، والمستجمع لكمالاتهم ، والمدّخر لتحقيق رسالاتهم وأهدافهم ، التي حال دون تحقّقها غلبة أهل الباطل وأعوان الطغاة والفراعنة على أهل الحقّ والفئة القليلة المؤمنة المهتدية في العصور والأزمنة كلّها ، فإنّا ننتظر بفارغ الصبر، وبعيون ساهرة، ونترقّب بما أوتينا من قوّة الإدراك وأدوات الحواسّ هذا اليوم ، ونتأمّل ظهور المهدي المنتظر صلوات الله وسلامه عليه.

ص: 403

ص: 404

الدرس الخامس والعشرون: دولة الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

وأمّا مّدة ملكه عَلَيهِ السَّلَامُ:

1- فالمروي من طريق أهل السنّة كما مرّ في تضاعيف الأخبار التي نقلناها من طرقهم فيا تقدّم أنّه يملك -أو يمكث- يلبث سبعاً أو ثمانیاً أو تسعاً أو خمساً(1).

2- وروي : « تسعاً أو عشراً».

وروي : « يملك سبعاً أو عشراً».

ص: 405


1- الحاكم: 465/4. عبدالرزاق : 371/11. إسعاف الراغبين : 145. تذكرة القرطبی: 700/2 . عقد الدرر: 16 و 17، 238. تذكرة الحفاظ : 838/3. العطر الوردي : 44. الترمذي : 506/4.

وروي: « يلبث ستّاً أو سبعاً أو ثماني أو تسع سنين »(1).

3- أمّا المروي من طريق الشيعة ، فعن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « أنّه يملك سبع سنين تطول له الأيّام حتّى تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيّكم ، فيكون سنو ملکه سبعين سنة من سنيكم هذه»(2).

4- و نحوه عن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ، فقيل له : جعلت فداك ، فكيف تطول السنون ؟ قال : « يأمر الله الفلك باللبوث وقلّة الحركة فتطول الأيام لذلك والسنون». قيل له : إنّهم يقولون : إنّ الفلك إن تغيّر فسد ؟ قال : « ذلك قول الزنادقة ، فأمّا المسلمون فلا سبيل لهم إلى ذلك ، وقد شقّ لله القمر لنبيّبه صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، وردّ الشمس من قبله ليوشع بن نون عَلَيهِ السَّلَامُ، وأخبر بطول يوم القيامة ، وأنه كألف سنة مما تعدّون»(3).

5- وعن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: « أن القائم عَلَيهِ السَّلَامُ يملك ثلثمائة وتسع سنين كما لبث أهل الكهف في كهفهم »(4).

6- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: « والله ليملكن رجل منّا أهل البيت ثلاثمائة سنة

ص: 406


1- المصادر المتقدمة
2- الإرشاد: 381/2 ، 385. الغيبة / الطوسي : 283، 474. روضة الواعظين : 264/2.
3- الفقيه: 234/1. الإرشاد : 385/2. الغيبة / الطوسی: 283.
4- بحار الأنوار : 390/52. إثبات الهداة : 584/3.

وثلاث عشر سنة ، ويزداد تسعاً » قيل له : ومتى يكون ذلك ؟ قال : « بعد موت القائم» ، قيل : وكم يقوم القائم في عالمه حتّى يموت ؟ قال : « تسع عشرة سنة من يوم القيامة إلى يوم موته »(1).

7- وفي عدّة روايات : عن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « ملك القائم منّا تسع عشرة سنة وأشهر »(2).

8- وعن الحسن بن عليّ ، عن أبيه عَلَيهِ السَّلَامُ: « يبعث الله رجلاً في آخر الزمان » - إلى أن قال : - « يملك ما بين الخافقين أربعين عاماً ، فطوبی لمن أدرك أيّامه وسمع كلامه »(3).

9- قال المفيد عليه الرحمة - بعد ذكر رواية السبع سنين التي كلّ سنة مقدارها عشر سنين التي تقدّمت - ما لفظه : « وقد روي أنّ مدّة دولة القائم عَلَيهِ السَّلَامُ تسع عشرة سنة تطول أيّامها وشهورها ، على ما قدّمناه ، وهذا أمر مغيب عنّا، وإنما ألقي إلينا منه ما يفعله الله عزّ وجلّ بشرط يعلمه من المصالح المعلومة له جلّ اسمه ، فلسنا

ص: 407


1- مختصر البصائر : 39، 49، 214. الغيبة النعماني : 332. الاختصاص : 257. الغيبة / الطوسي : 478.
2- الغيبة / الطوسی: 331. إثبات الهداة : 547/3.
3- بحار الأنوار : 280/52. إثبات الهداة : 547/3.

نقطع على أحد الأمرين وإن كانت الرواية بذكر سبع سنين أظهر وأكثر »(1).

10- وفي البحار : الأخبار المختلفة الواردة في أيّام ملکه عَلَيهِ السَّلَامُ، بعضها محمول على جميع مدّة ملكه ، وبعضها على زمان استقرار دولته ، وبعضها على حساب ما عندنا من السنين والشهور ، وبعضها على سنیّه وشهوره الطويلة ، والله يعلم(2).

وأمّا ما تكون عليه الأرض وأهلها مدّة ملكه :

11- فعن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « إنّ قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنورها [بنور ربّها خل] واستغنى العباد عن ضوء الشمس ، وذهبت الظلمة ، ويعمّر الرجل في ملكه حتّى يولد له ألف ولد ذكر لا يولد فيهم أنثى ، وتظهر الأرض من كنوزها حتّى يراها الناس على وجهها ، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله ، ويأخذ منه زكاته فلا يجد أحداً يقبل منه ذلك ، استغنى النّاس بما رزقهم الله من فضله »(3).

ص: 408


1- الإرشاد : 386/2.
2- بحار الأنوار: 280/52.
3- روضة الواعظين: 264. دلائل الإمامة : 454، 486. الغيبة / الطوسي: 468. إعلام الوری: 293/2.

12- وعن الإمام عليّ بن موسى الرضا عَلَيهِما السَّلَامُ:

«... فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره - بنور ربّها - ووضع میزان العدل بين النّاس ، فلا يظلم أحد أحداً، وهو الذي تطوى له الأرض ، ولا يكون له ظلّ ، وهو الذي ينادي منادٍ من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء إليه ، يقول : ألا إنّ حجّة الله قد ظهر عند بيت الله فاتّبعوه ، فإنّ الحقّ معه ، وفيه ، وهو قول الله عزّ وجلّ:﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَیهِمْ مِنَ السَّماءِ آیةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِینَ﴾(1)»(2).

وأمّا سيرته عند قيامه:

13- فعن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ:«إذا أذن الله له في الخروج صعد المنبر فدعا النّاس إلى نفسه ، وناشدهم بالله ودعاهم إلى حقّه ، وأن يسير فيهم بسنّة رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه ويعمل فيهم ، فيبعث الله جبرئيل حتّى يأتيه فينزل على الحطيم يقول : إلى أي شيء تدعو ؟ فيخبره ، فيقول : أنا أوّل من يبايعك أبسط يدك فيمسح على يده » - الحديث(3).

ص: 409


1- سورة الشعرا: الآیه 4.
2- کمال الدين : 371. كفاية الأثر: 275.
3- الإرشاد: 382/2 . روضة الواعظين : 265/2. إعلام الوری : 431. الصراط المستقیم: 253/2. بحار الأنوار: 337/52.

14- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا قام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ في دعا النّاس إلى الإسلام جديداً(1)، وهداهم إلى أمر قد دثر فضل عنه الجمهور ، وإنّما سمّي المهدي مهدية ؛ لأنه يهدي إلى أمر مضلول عنه ، وسمي القائم لقيامه بالحقّ»(2).

15- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا قام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ هدم المسجد الحرام حتّى پردّه إلى أساسه وحوّل المقام إلى الموضع الذي كان فيه(3)، وقطع أيدي بني شيبة وعلقها بالكعبة ، وكتب عليها هؤلاء سرّاق الكعبة»(4).

16- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا قام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ جاء بأمر جديد (5)، كما دعا رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، في بدو الإسلام إلى أمر جديد »(6).

ص: 410


1- أي إلى الإقرار والعمل بما در من شرائع الإسلام ، والله العالم.
2- روضة الواعظين : 264. الإرشاد: 383/2.
3- المقام هو الصخرة التي كان يقوم عليها إبراهيم عَلَيهِ السَّلَامُ حين بناء الكعبة ، وعليها أثر قدمه ، وهي الآن بعيدة عن الكعبة مقابل الركن الذي فيه الحجر الأسود ، و عليها بناء من خشب ويصلي الناس خلفها ، والمروي أنها كانتبجنب الكعبة قريب الباب.
4- روضة الواعظين : 265. الإرشاد: 383/2 . کشف الغمة : 264/3.
5- وهو الإقرار والعمل بما در من شرائع الإسلام كما مر.
6- الإرشاد: 384/2. الغيبة/الطوسي: 282 و 283. إثبات الهداة : 448/3.

17- وعن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ نحوه ، وزادوا: «أنّ الإسلام بدئ غريباً وسيعود غريباً كما بدئ ، فطوبى للغرباء»(1).

18- وعن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: «إذا خرج يقوم بأمر جديد ، وکتاب جديد(2)، وسنّة جديدة ، وقضاء جديد على العرب شديد ، وليس شأنه إلّا القتل لا يستبقي أحداً ولا تأخذه في الله لومة لائم»(3).

قلنا: إنّ لفظة العرب يراد بها غير الشيعة من سائر فرق المسلمين ، راجع مبحث أنصار الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ وأصحابه وأعداؤه في الدرس الثامن.

19- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ في حديث : « لكأنّي أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع له النّاس بأمر جديد وكتاب جديد وسلطان جديد من السماء أما أنّه لا تردّ له راية أبدا حتى يموت »(4).

20- وعن جابر بن عبدالله الأنصاري ، قال : «سمعت رسول الله صلى الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه

ص: 411


1- کمال الدين: 201. عيون أخبار الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: 281/1 و: 200/2. الإيقاظ من الهجعة : 107. تفسیر فرات الكوفي : 44. شرح الأخبار : 371/3. الغيبة / النعمانی : 321 و 322.
2- في تفسيره وبيان أحكامه.
3- مختصر البصائر : 231. الغيبة / النعماني : 233، 235، 255.
4- الغيبة / النعماني : 262.

يقول : ... وإنّ الله تبارك وتعالی سيجري سُنّته في القائم من ولدي فيبلغه شرق الأرض وغربها ، حتّى لا يبقي منهلاً ولا موضعاٌ من سهل ولا جبل وطئه ذو القرنين إلّا وطئه ، ويظهر الله عزّ وجلّ له كنوز الأرض ومعادنها ، وينصره بالرعب ، فيملأ الأرض به عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً»(1).

21- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ-في حديث-: «يملأ الأرض قسطا وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويفتح الله له شرق الأرض وغربها ، ويقتل الناس حتّى لا يبقى إلّا دین محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، يسير بسيرة سليمان بن داوود عَلَيهِ السَّلَامُ»(2).

22- وفسّر في بعض الأخبار الآتية بأنّه لا يريد بيّنة ، وعن الحسن بن عليّ ، عن أبيه عَلَيهِم السَّلَامُ: « يبعث الله رجلا في آخر الزمان وكلب من الدهر ، وجهل من النّاس ، يؤيّده الله بملائكته ، ويعصم أنصاره ، وينصره بآياته ، ويظهره على الأرض حتّى يدينوا طوعاً أو كرهاً ، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً ونوراً وبرهاناً ، يدين له عرض البلاد

ص: 412


1- كمال الدين : 394. إعلام الوری : 412 و 413. إثبات الهداة : 3/ 480.
2- دلائل الإمامة : 241. الغيبة / الطوسی: 283. بحار الأنوار: 390/52. الغيبة / النعماني : 320، مثله باختلاف : تفسير العياشي: 1/ 183.

وطولها لا يبقى کافر إلّا آمن ولا طالح إلّا صلح وتصطلح في ملکه السباع وتخرج الأرض نبتها ، وتنزل السماء بركتها ، وتظهر له الكنوز »(1).

23- وعن الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا قام القائم عَلَيهِ السَّلَامُ حكم بالعدل ، وارتفع في أيّامه الجور ، وأمنت به السبل ، وأخرجت الأرض بركاتها ، وردّ كلّ حقّ إلى أهله ، ولم يبق أهل دين حتّى يظهروا الإسلام، ويعترفوا بالإيمان ، أما سمعت الله سبحانه يقول:﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا﴾(2)، وحكم بين النّاس بحكم داود عَلَيهِ السَّلَامُ، وحكم محمّد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، فحينئذ ظهر الأرض کنوزها ، وتبدي بركاتها ، ولا يجد الرجل منكم يومئذٍ موضعاً الصدقته ولا لبره ، لشمول الغني جميع المؤمنين »(3).

24- وعن الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ: « إذا قام القائم سار إلى الكوفة ، فيهدم بها أربعة مساجد ، ولم يبق على وجه الأرض مسجد له شرف إلّا هدمها ، وجعلها جماء ، ووسع الطريق الأعظم ، وكسر كلّ جناح

ص: 413


1- الاحتجاج: 290/2. إثبات الهداة : 524/3. بحار الأنوار : 20/44.
2- سورة آل عمران : الآية 83.
3- الإرشاد : 384/2 و 385. روضة الواعظين : 265.

خارج في الطريق ، وأبطل الكنف والميازيب إلى الطرقات ، ولا يترك بدعة إلّا أزالها ، ولا سنّة إلّا أقامها ، ويفتح قسطنطينيّة والصين وجبال الديلم» - الحديث(1).

25- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: « إنّ القائم منّا منصور بالرعب ، مؤيّد بالنصر ، تطوى له الأرض ، وتظهر له الكنوز، ويبلغ سلطانه المشرقوالمغرب، ويظهر الله عزّ وجلّ به دینه ، ولو كره المشركون ، فلا يبقى في الأرضخراب إلّا غمّر » - الحديث(2).

26- وعنه عَلَيهِ السَّلَامُ: «إذا قام قائم آل محمّد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه حكم بين النّاس بحكم داود ، ولا يحتاج إلى بيّنة يلهمه الله تعالى ، فيحكم بعلمه ويخبر كلّ قوم بما استبطنوه ، ويعرف وليّه من عدوه بالتوسّم . قال الله عزّ وجلّ:﴿إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ* وَ إِنَّهٰا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ﴾(3)»(4).

ص: 414


1- الإرشاد: 384/2. الغيبة / الطوسي : 475. بحار الأنوار: 91/55. روضة الواعظين : 265. الفقيه : 283 و 284.
2- مختصر إثبات الرجعة : 216 و 217. إثبات الهداه : 570/3. کشف الأستار: 222. كمال الدين : 331.
3- سورة الحجر : الآيتان 75 و 76.
4- روضة الواعظين : 266. الإرشاد: 386/2، ومثله باختلاف: الكافي : 397/1. الخرائج والجرائح : 861/2.

27- قال الشيخ المفيد: «ولیس بعد دولة القائم عَلَيهِ السَّلَامُ لأحد دولة إلّا ما جاءت به الرواية من قيام ولده إن شاء الله ذلك ، فلم يرد على القطع والثبات وأكثر الروايات أنّه لن يضي مهدي امّة إلّا قبل القيامة بأربعين يوماً يكون فيها الهرج والمرج وعلامات خروج الأموات وقيام الساعة للحساب والجزاء ، والله أعلم بما يكون»(1).

ص: 415


1- الإرشاد: 387/2.

ص: 416

الدّرس السادس والعشرون: الدعاء لصاحب الزمان عَلَيهِ السَّلَامُ وعنه

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

إذا كان الدعاء عبارة عن الطلب من الداني إلى العالي ، وسؤال الفقير المحتاج الضعيف من القويّ الغني على الإطلاق ، وكان عبارة عن الخشوع والخضوعوالتضرّع والتوسّل والرجاء، وغذاء الروح الذي لا يقوم مقامه غيره من أغذية الروح ، ولا يسدّ مسدّه شيء من الأطعمة المعنويّة ، وما أحوج النفس الإنسانيّة وروحه المجرّدة إلى هذا الغذاء ، حتّى أمرنا بالدعاء والقنوت - في كلّ صلاة فريضة ونافلة ، وبعد كلّ صلاة ، و في كلّ ساعة من الليل والنهار وفي جميع تقلّباتنا وأحوالنا ، إذا كان الأمر كما ذكرنا فما هي أهمّیتة الدعاء في الكتاب والسنّة ؟ وما الآداب التي ذكرت فيها وينبغي مراعاتها قبل أو أثناء الدعاء ؟

ص: 417

وللإجابة نقتصر على إيراد جملة من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة في هذا الخصوص :

قال تعالى في محكم كتابه : ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾(1).

وقال تعالى على لسان سيدنا إبراهيم عَلَيهِ السَّلَامُ:﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ﴾(2).

أما الأحاديث الشريفة في هذا الخصوص :

1- قال النبي صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « ما من شيء أكرم على الله من الدعاء»(3).

2- وفي رواية عن العالم - موسی بن جعفر عَلَيهِما السَّلَامُ -: «... والتي بيني وبينك : فعليك الدعاء وعلى الإجابة »(4).

3- وقال صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « أفضل عبادة أمتي بعد قراءة القرآن الدعاء»(5).

ص: 418


1- سورة البقرة: الآية 186.
2- سورة إبراهيم: الآية 39.
3- دعوات الراوندي
4- فقه الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: 354. الفقيه: 290/4. معاني الأخبار: 137. أمالي الصدوق: 487. الكافي: 118/2.
5- دعوات الراوندي: 19.

4- وفي دعاء كميل الشهير: «یَا سَرِيعَ الرَّضا، إِغفِر لِمَن لَا يَملِكُ إِلَّا الدُّعَاءَ ...»(1).

ه- وعن العالم عَلَيهِ السَّلَامُ: « الدعاء أفضل من قراءة القرآن ؛ لأنّ الله عزّ وجلّ يقول: ﴿قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً﴾ (2)»(3).

6- وروى ابن بابویه رَضِی اللهُ عَنه: « وأفضل الدعاء الصلاة على رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، والدعاء لإخوانك المؤمنين ، ثمّ الدعاء لنفسك بما أحببت»(4).

7- وقال النبيّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « ما من الذَّكر شيء أفضل من قول لا إله إلّا الله ، وما من الدعاء شيء أفضل من الاستغفار»، ثمّ تلا: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ﴾(5).(6)

8- وقال صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « الدعاء مخّ العبادة ، ولا يهلك مع الدعاء أحد»(7).

ص: 419


1- مصباح المتهجد: 850 ، وسائر كتب الأدعية.
2- سورة الفرقان: الآية 77.
3- فقه الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: 345.
4- فقه الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: 345.
5- سورة محمد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: الآية 19.
6- دعوات الراوندي: 20.
7- دعوات الراوندی: 18.

9- وقال النبيّ الأكرم صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « يا عليّ ، الداعي بلا عمل کالرامي بلا وتر»(1).

10- وقال النبيّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: «دعوة في السرّ تعدل سبعين دعوة في العلانية »(2).

11- وفي المأثور عنهم عَلَيهِم السَّلَامُ: « ... وَاغفِر لِىَ الذُّنُوبَ الَّتي تَرُدُّ الدُّعاء ...»(3).

12- وفي المأثور أيضاً: «... وَأَعِوذُ بِكَ مِنَ الذِّنُوب الَّتي تَرُدُّ تَحبِسُ الدُّعاءَ ...»(4).

13- وقال النبيّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « تدعون ربّكم بالليل والنهار ، فإنّ سلاح المومن الدعاء»(5).

14- وعن الإمام الرضا صلوات الله عليه أنّه قال : «عليكم بسلاحالأنبياء » ، فقيل له : وما سلاح الأنبياء یابن رسول الله ؟ فقال عَلَيهِ السَّلَامُ: « الدعاء»(6).

ص: 420


1- دعوات الراوندي: 19.
2- دعوات الراوندي: 18.
3- المقنعة: 321. مصباح المتهجد: 605.
4- مصباح المتهجد: 572، 844.
5- دعوات الراوندي: 18.
6- دعوات الراوندي: 18.

15- وقال النبيّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه:« إن الله تعالى يحبّ الملكين في الدعاء»(1).

16- روی شیخ الطائفة رَحْمَةِ اللَّهِ في الدعاء: «... يا من لا تزیده کثرة الدعاء إلا كرماً وجوداً، يا من لا يزداد على كثرة الدعاء إلّا كرماً وجوداً...»(2).

17- قال الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: « إنّ الدعاء يردّ القضاء المبرم بعد ما أبرم إبراماً، فأكثروا من الدعاء ، فإنّه مفتاح كلّ رحمة ، ونجاح كلّ حاجة ، ولا ينال ما عند الله إلّا بالدعاء ، إنّه ليس من باب يكثر قرعه إلّا ويوشك أن يفتح لصاحبه»(3).

18- وقال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه:«لا تعجزوا عن الدعاء ، فإنّه لم يهلك مع الدعاء أحد ، وليسأل أحدكم ربّه حتّى يسأله شسع نعله إذا انقطع ، واسألوا الله من فضله فإنّه يحبّ أن يُسأل »(4).

19 - قال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « إذا قلّ الدعاء نزل البلاء»(5).

ص: 421


1- دعوات الراوندي: 20.
2- مصباح المتهجد: 114.
3- دعوات الراوندي: 17. الكافی: 470/2.
4- دعوات الراوندي: 19.
5- دعوات الراوندي: 20.

20- وقال أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ:« ادفعوا أمواج البلاء بالدعاء »(1).

21- ویروي الصدوق - ابن بابویه رَضِی اللهُ عَنه- عن العالم عَلَيهِ السَّلَامُ-أي الإمام الكاظم عَلَيهِ السَّلَامُ - أنّه قال : « « لكلّ داء دواء»، سألته عن ذلك ، فقال : «لكلّ داء دعاء ، فإذا اُلهِمَ العليل الدعاء ، فقد أذن في شفائه »(2).

22- وروى أيضاً: «أن الدعاء يدفع من البلاء ما قُدّر وما لم يقدّر» ، قيل : وكيف يدفع ما لم يقدَّر ؟ قال : « حتّى لا يكون »(3).

23- وقيل : «لا يذهب بالأدواء إلا الدعاء ، والصدقة ، والماء البارد»(4).

24- وروى ابن بابویه رَضِی اللهُ عَنه: «وطين قبر أبي عبدالله عَلَيهِ السَّلَامُ شفاء من كلّ داء ، وأمان من كلّ خوف »(5).

25- وقال صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « من سرّه أن يستجيب الله سبحانه له في الشدائد

ص: 422


1- دعوات الراوندي: 21. نهج البلاغة: 528، الحدیث 30.
2- فقه الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: 345.
3- فقه الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: 345. الكافي: 340/2، باختلاف يسير .
4- فقه الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: 347.
5- فقه الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: 345. طب الأئمة: 52. الكافي: 266/6 باختلاف يسير . التهذيب: 89/9 . أمالي الطوسي: 326/1.

والكرب فليكثر الدعاء عند الرخاء»(1).

26- وقال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه: « ... وما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلّا أعطاه الله تعالى بها إحدى ثلاث: إمّا أن يعجّل له دعوته ، وإمّا أن يدّخرها له في الآخرة ، وإما أن يكفّ عنه من الشرّ مثلها » ، قالوا: يا رسول الله ، إذن نكثر ، قال : « الله أكثر »(2).

27- وقال الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «إنّ الله تبارك وتعالى ليعلم ما يريد العبد إذا دعاه ، ولكن يجب أن تبثّ إليه الحوائج، وإذا دعوتَ فَسَمَّ حاجتك ، ما من شيء أحبَّ إلى الله سبحانه من أن يُسأل »(3).

28- عن الإمام الكاظم عَلَيهِ السَّلَامُ: « وإنّ الله يؤخّر إجابة المؤمن شوقاً إلى دعائه ، ويقول : صوت أحبّ أن أسمعه ، ويعجّل إجابة دعاء المنافق ، ويقول : صوت أكره سماعه»(4).

29- كان النبيّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه يرفع يديه إذا ابتهل ودعا كا يستطعم المسكين ، وكان صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه يتضرع عند الدعاء يكاد يسقط رداؤه(5).

ص: 423


1- دعوات الراوندي: 19.
2- دعوات الراوندي: 19.
3- دعوات الراوندي: 17.
4- فقه الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: 345.
5- دعوات الراوندی: 21.

30- وقال أبو عبدالله -الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ-: «إيّاكم أن يسأل أحد منكم ربّه شيئا من حوائج الدنيا والآخرة حتى يبدأ بالثناء على الله عزّ وجلّ ، والمدحة له، والصلاة على النبي وآله ، ثمّ الاعتراف بالذنب ، ثمّ المسألة »(1).

31- قال أبو الحسن -الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ-: « من دعا لإخوانه من المؤمنين وكّل الله به عن كلّ مؤمن ملكاًٌ يدعو له ...»(2).

32- قال الصدوق رَضِی اللهُ عَنه: « اعلم أنّ أدني ما يجزي من الدعاء بعد المكتوبة . أي بعد الفرائض اليوميّة - أن تقول : اللّهمّ صلَّ على محمّد وآل محمّد ، اللّهمّ إنّا نسألك من كلّ خير أحاط به علمك ، ونعوذ بك من كلّ شرّ أحاط به علمك »(3).

33- وقد يجزيك عن الدعاء في القنوت أن تقول : « اللهمّ اغفر لنا ، وارحمنا، وعافنا، واعف عنا في الدنيا والآخرة»، ويجزيك ثلاث تسبیحات(4).

34- وقال الشيخ المفيد أعلى الله مقامه : « ومن كانت له إلى الله

ص: 424


1- دعوات الراوندي: 23.
2- دعوات الراوندي:26.
3- المقنع: 98.
4- المقنع: 133، ومثله في النهاية / الطوسي: 72.

عزّجلّ حاجة فليسأله إيّاها في الأسحار بعد فراغه من صلاة الليل ، فإنّها الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء، ووقت الزوال أيضاً يستحبّ فيه الدعاء ، وإن كان لا يكره في شيء من الأوقات ، إلّا أنّ هذين الوقتين أفضلها للدعاء ، لا سيّما في ليالي الجمع وأيّامها ، على ما جاءت به عن الصادقين عَلَيهِم السَّلَامُ الأخبار»(1).

35- وقال شيخ الطائفة أعلى الله مقامه : « ولا بأس أن يدعو الإنسان في الصلاة في حال القنوت و غیره بما يعرض له من الحوائج الدنياه وآخرته، ممّا أباحه الله تعالى له رغبهً فيه ، وإن كان ممّن لا يحسن الدعاء بالعربيّة جاز له أن يدعو بلغته ، أيَّ لغةٍ كانت ، ولا بأس بالرجل أن يبكي أو يتباكي في الصلاة خوفاً من الله ، وخشيةً من عقابه ، ولا يجوز له أن يبكي لشيءٍ من مصائب الدنيا -أي في حال الصلاة-»(2).

36- وقال أيضاً قدَّس سرُّه: «الصلاة في اللغة هي الدعاء ، لقوله تعالى : ﴿وَصَلِّ عَلَيهِم ۖإِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُم ۗوَاللَّهُ سَميعٌ عَليمٌ﴾(3)»(4).

ص: 425


1- المقنعة: 145. الوسائل: 7/ 23، 25، 26، 30 من أبواب الدعاء.
2- النهاية / الطوسي: 74.
3- سورة التوبة: الآية 103.
4- المبسوط: 70/1.

ص: 426

الدرس السابع والعشرون: لماذا ندعوا للإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ؟

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

وكان الأحرى بالعارف البصير أن يسأل : لماذا لا ندعوا لصاحب الأمر صلوات الله وسلامه عليه ؟ لا أن يسأل : لماذا ندعوا له ؟

فرعاية منّا لكافّة المستويات المعرفيّة والأنماط الفكريّة ، والادراكات العقليّة ، وجميع المراتب الثقافيّة والعقائديّة نجيب عن السؤال حتّى يبصر الكلّ طريقه ، ويتمّ الإفصاح عن هذه الحقيقة الخافية عن كثير من الأذهان ، فأقول مستعيناً بالله جلّ وعلا، إنّ الفائدة من هذه الزيارات والأدعية لصاحب الأمر عَلَيهِ السَّلَامُ تكون على النحو التالي :

1- حقّ الحياة والوجود ، إذ نحن مدينون له عَلَيهِ السَّلَامُ، ندين له بحياتنا ووجودنا ،وقد جاء في التوقيع الشريف: «نحن صنایع ربّنا ،

ص: 427

والخلق بَعدُ صنايعنا...»(1).

لأنّهم عَلَيهِم السَّلَامُ - كما في الخبر المروي عنهم - يسألون الله تعالى فيخلق ، ويسألونه فيرزق ، لا على نحو العلّيّة ، حاشا ، بل على نحو الطلب والسؤال والدعاء ، وهو في الواقع تعبير آخر عن ولايتهم التكوينيّة .

2- حقّ البقاء وديمومية الحياة ، ويظهر ذلك ويتجلّى في قوله عَلَيهِ السَّلَامُ: لولا الحجّة لساخت الأرض بأهلها»(2)، وأكثرها بلفظ: «لولا ذلك لساخت الأرض بأهلها»(3).

3- حقّ الوساطة والوسيليّة بيننا وبين الله تعالى إذا أعيتنا السُّبل ، وضاقت بنا الوسائل لكثرة ذنوبنا ومعاصينا ، فإنّا عند ذلك نتوجّه إلى أنبيائه ورسوله كما فعل إخوة يوسف حين لجأوا إلى أبيهم قائلين: ﴿يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ*قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾(4)، وكما كان يصنع أصحاب رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه حين أمرهم الله تعالى قائلاً: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ

ص: 428


1- الاحتجاج: 278/2 .
2- مستدرك سفينة البحار: 277/5.
3- بحار الأنوار: 213/57 عن كتاب تاریخ قم، غنائم الأيام: 29/1.
4- سورة يوسف: الآيتان 97 و 98.

تَوَّابًا رَحِيمًا﴾(1).

وقال تعالى في ذمّ المنافقين : ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ.﴾(2)، فإنّا مأمورون بالتوسّل إليه عندما تضيق بنا السُّبل و تعيينا الأسباب ؛ إذ جاء في دعاء الندبة : «أَیْنَ السَّبَبُ الْمُتَّصِلُ بَیْنَ الْأَرْضِ وَالسَّماءِ؟ »(3).

4- حق القرابة والرحم من رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه؛ إذ قال تعالى : ﴿قُلْ لا اَسْئَلُکُمْ عَلَیْه اَجْراً اِلاَّ المَوَدَّهَ فی الْقُربی﴾(4).

5- حقّ المنعم على المتنعّم ، فهو وليّ نعمتنا كما في زيارة الجامعة : « وأولياء النعم»(5).

6- حقّ واسطة الفيض؛ إذ كلّ فيض إلهي على البشر لا يتحقّق إلّا بواسطته عَلَيهِ السَّلَامُ.

7- حق الأب على الولد -حق الأبوة-، كما قال رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه:

ص: 429


1- سورة النساء: الآية 64.
2- سورة المنافقون: الآية 5.
3- دعاءالندبة: مفاتیح الجنان وكتب الأدعية جميعها .
4- سورة الشورى: الآية 23.
5- مفاتیح الجنان: زيارة الجامعة الكبيرة.

«یا على ّ، أنا وأنت أبوا هذه الأمّة»(1).

والإمام عَلَيهِ السَّلَامُ أبونا جميعاً لرواية مولانا الإمام الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ: « الإمام ، الأنيس الرفيق ، والوالد الشفيق »(2).

8- حقّ المولى على عبده - حقّ المولويّة - فهم السادة ونحن العبيد ، و في زيارة الجامعة: «وَالسّادَةِ الْوُلاةِ»(3)، وقال تعالى : ﴿النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾(4)؛ لأنّهم الموالي والسادة الحقيقيّون في الدنيا وفي الآخرة ، فالإمام الحجّة صلوات الله عليه له حقّ المولويّة والسيادة علينا ، ومن حقّ المولى والسيّد على عبده أن يدعو له العبد ، وأن يزوره ويخدمه في كلّ آن ، أو يكون على أهبة الاستعداد لأداء حقّ السيادة والولاية.

9- حق العالم على المتعلّم ، والأستاذ على التلميذ - حقّ التعليم - قال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾(5)، وفي رواية: «نحن العلماء، وشيعتنا المتعلمون، وسائر الناس

ص: 430


1- بحار الأنوار: 11/36.
2- أصول الكافي: 200/1.
3- مفاتیح الجنان: زيارة الجامعة الكبيرة.
4- سورة الأحزاب: الآية 6.
5- سورة النحل: الآية 16. سورة الأنبياء: الآية 7.

غثاء»(1)، وفي الزيارة الجامعة: «بكم علّمنا الله معالم ديننا ، وما فسد من دنيانا »(2).

10- حقّ الهادي والمرشد على المهتدي حقّ الهداية - فالإمام عَلَيهِ السَّلَامُ هو الحاي والمرشد إلى الحقّ ، والدالّ عليه ، ومن حقّه علينا الدعاء والزيارة له عَلَيهِ السَّلَامُ.

11- حقّ الإمام على الرعيّة - حقّ الإمامة - وهو من أعظم الحقوق ، بل هو الأعظم على الإطلاق بعد حقّ الله تبارك وتعالى.

بالإضافة إلى حقّ النصرة، وهو حقّ الناصر على المنصور ؛ لأنّه ناصرنا ومعينا في الشدائد بأمر الله عزّ وجلّ.

وحقّ الجيرة لأنّه يعيش بجوارنا ، ونحن نعيش في كنفه وجيرته. وحقّ الصُّحبة ؛ لأنّه صاحب زماننا ، وصاحب أمرنا ، وصاحب عصرنا ، فهو صاحبنا بالجنب ، بل أقرب أصحابنا منّا، وأخصّهم لدينا.

وحقّ الأخوّة في الدين ، فهو عَلَيهِ السَّلَامُ أفضل إخواننا وأصدقائنا في الدين ، وأكثرهم حقّاً علينا ؛ لأنّه يسهر على راحتنا ، ينشغل بحفظ

ص: 431


1- بصائر الدرجات: 29. وسائل الشيعة: 7/ أبواب صفات القاضي.
2- مفاتیح الجنان.

مصالحنا ، ومشغول بدعائنا. قال عَلَيهِ السَّلَامُ: « إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم »(1).

ونحن ندعوا له ونتشرّف بزيارته عليه الصلاة والسلام لما تترتّب على ذلك من منافع دنيويّة وأخرويّة عظيمة علينا وعلى أهل السماوات والأرض ، منها:

1- أنّ بزيارته والدعاء له عَلَيهِ السَّلَامُ بالا تتحقق فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

2- أن بزيارته والدعاء له عَلَيهِ السَّلَامُ إنّما ندعوا إلى أمّهات الفضائل والكمالات ، و نسعى إلى نشرها وبسطها في أرجاء المعمورة .

3- أنّ بذلك نمهّد السبيل إلى إعمار الأرض وإصلاحها بالعدل والقسط.

4- إنّ ذلك يعيننا على الصبر وانتظار الفرج، ويساعدنا على تحمّل العناء والسير بخطى راسخة نحو الظهور إن شاء الله تعالى.

5- إنّ في ذلك استجابة دعائنا -أدعيتنا - والتعجيل في الاستجابة ببركة الدعاء والزيارة له عَلَيهِ السَّلَامُ.

6- وفي زيارته و الدعاء له عَلَيهِ السَّلَامُ قبول أعالنا و عباداتنا ، واستحقاق

ص: 432


1- الاحتجاج : 323/2. الخرائج والجرائح : 903/2.

المثوبة من الله عزّ وجلّ.

7- وفي ذلك نيل الزلفي لدى الله تعالى ، ولديه عَلَيهِ السَّلَامُ، ولدي آبائه عَلَيهِم السَّلَامُ، واستحقاق نيل الشفاعة في الدنيا والآخرة.

8- وفي ذلك استحقاق الإحسان من الله جلّ وعلا ومنه عَلَيهِ السَّلَامُ، فإنّا بزيارته عَلَيهِ السَّلَامُ والدعاء له نكتسب هذه المنفعة.

9- بزيارته ودعائه عَلَيهِ السَّلَامُ نستوجب عليه الردّ بالمثل ، فكما أنّ القطيعة والنسيان مآلها إلى القطيعة والنسيان ، كما قال تعالى: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾(1)، فكذلك الصلة الدائمة مالها التواصل والتآخي ، كما قال تعالى في مدح ذاکریه: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ﴾(2)، وقال تعالى : ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اذكُرُوا اللَّهَ ذِكرًا كَثيرًا*وَ سَبِّحوهُ بُکرَةً وَ اَصی-لًا﴾،(3) فالإمام عَلَيهِ السَّلَامُ قطعاً يدعو لداعیه ویزور زائريه ، ويذكر ذاکریه ، وحاشاه أن يخلف الوعد .

10- ندعوا له ونزوره لكي يغيثنا وينصرنا عند الشدّة ، وساعة

ص: 433


1- ورة الحشر: الآية 19.
2- سورة آل عمران: الآية 191.
3- سورة الأحزاب: الآيتان 41 و 42.

العسرة ، وإذا اشتدّ بنا البلاء.

11- وفي الدعاء له دعاء لكافّة أولياء الله تعالى ، ولجميع خلقه؛ إذ لولاه لساخت الأرض بأهلها ، كما تقدّم مراراً.

12- وندعوا له لأنّ في ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ يكون العدل والسلام ، والأمن والأمان ، وإحياء دین الله جلّ جلاله ، وإحياء الكتاب والسنّة ، وإحياء الفضيلة والكمال.

13- ندعوا له ؛ لأنّ في الدعاء له ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ وطمس آثار الباطل والضلال ، وطمس البدع والضلالات ، ونهاية الظلم والطغيان ، والقضاء التامّ على الشرك والنفاق.

14- ولأنّ في ظهوره تكمن الصولة الحيدريّة ، وشجاعة عليّ عَلَيهِ السَّلَامُ وبطولاته ، لينتقم من أعداء الله تعالى ، وأعداء الإنسانية ، وأعداء الفضيلة ، ويثأر للمظلومين ، سيمّا سادة المظلومين أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ، والصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء السَّلَامُ عَلَيهِا، وسيد الشهداء أبي عبدالله الحسين عَلَيهِ السَّلَامُ، «أَيْنَ الطّالِبُ بِذُحُولِ الأَنْبِياءِ وَأَبْناءِ الأَنْبِياءِ؟ أَيْنَ الطَّالِبُ بِدَمِ المَقْتُولِ بِكَرْبَلاَء؟؟»(1).

15- ندعوا له لأنّه سيقيم الحدود الإلهيّة المعطّلة.

ص: 434


1- مفاتیح الجنان: دعاء الندبة.

16- ندعوا له لأنّه المضطرّ الذي يجاب إذا دعا ، وقد ابتلي بأشدّ ما ابتلي به أحدٌ من الأنبياء والأوصياء والأولياء.

17- ندعوا له رغبةً في عطائه ونواله.

18- ندعوا له رغبةً في الفوز بشرف لقائه ، ونیل مرادنا برؤية جمال وجهه و منظره صلوات الله عليه.

19- وندعوا له لأنّه جامع الكلمة على التقوى ، يجمع كلمتنا وشتاتنا وجمعنا على طاعة الله تعالى ، من بعد ما فرّق الأعداء شملنا.

20- ندعوا له ونزوره لكي نفوز برضاه ، ونستميل قلبه الشريف إلينا ، ونكسب ودّه.

21- ندعوا له ونزوره لكي يمنّ الله تعالى علينا بمعرفته - بحسن معرفته ، بل بحقّ معرفته - وأن ننال هذا الشرف ، ونفوز بهذه الكرامة ، التي ليس فوقها شرف ولا كرامة إلّا معرفة الله تعالى وتوحيده وطاعته وعبادته.

22- نزوره وندعوا له لأنّه الرحمة الرحمانية الإلهيّة .

23- ونزوره وندعوا له لأنّه خاتم العلوم ، به تختتم كلّها ، فنأمل منه أن يمنّ علينا بنمير هذا العلم ، وأن يتمم علينا هذه النعمة الجليلة .

24- ندعوا له ونزوره طلبأ في كسب العزّة منه لأنّه وليُّ الله تبارك

ص: 435

وتعالى ، وقد قال تعالى : ﴿وَلِلَّهِ العِزَّةُ وَلِرَسولِهِ وَلِلمُؤمِنینَ وَلٰكِنَّ المُنافِقينَ لا يَعلَمونَ﴾(1)، وقال تعالى : ﴿إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾(2)، وقال تعالى : ﴿فَاِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَميعا﴾(3)، وقال أيضا، ﴿فَلِلّهِ العِزَّةُ جَميعا﴾(4).

وفي الدعاء: «أين تمر الأولياء و الأعداء ؟»(5).

25- ندعوا له لأن في ظهوره عَلَيهِ السَّلَامُ النصر للمؤمنين ، وهزيمة الكافرين ، قال تعالى : ﴿قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً﴾(6)، وقال تعالى : ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾(7)، وقال تعالى :﴿ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكونَ﴾(8).

26- ندعوا له عَلَيهِ السَّلَامُ لتعجيل فرجنا ، ففي التوقيع الشريف : « وأكثروا

ص: 436


1- سورة المنافقون: الآية 8.
2- سورة يونس: الآية 65.
3- سورة النساء: الآية 139.
4- سورة فاطر: الآية 10.
5- مفاتیح الجنان: دعاء الندبة
6- سورة التوبة: الآية 36.
7- سورة البقرة: الآية 193.
8- سورة التوبة:الآية 33. سورة الصف: الآية 9.

الدعاءَ بتعجيل الفرج ، فإنّ ذلك فرجکم»(1).

وفي الدعاء: «هٰذَا يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَوْمُكَ الْمُتَوَقَّعُ فِيهِ ظُهُورُكَ، وَالْفَرَجُ فِيهِ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ يَدَيْكَ، وَقَتْلُ الْكافِرِينَ بِسَيْفِكَ»(2).

27- ندعوا له لأنّه عَلَيهِ السَّلَامُ بظهوره ينحر جميع الخبائث والرذائل والمعاصي والأرجاس ، أعني الشيطان اللعين الرجيم.

28- ندعوا له رغبة في قضائه بالحقّ ، وهو قضاء جدّه رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه وأمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ من جهة ، وقضاؤه بقضاء داوود عَلَيهِ السَّلَامُ من جهة أخرى.

29- ندعوا له ونزوره لأنّه المرابط في سبيل الله ، المحامي والذائد عن حرم المسلمين ، ونفوسهم ومصالحهم ، ففي التوقيع الشريف الذي كتبه إلى الشيخ المفيد أعلى الله مقامه : « من عبد الله ، المرابط في سبيله ، إلى مُلهَمِ الحَقَّ ودليله ...»(3).

30- وندعوا له عَلَيهِ السَّلَامُ لأنّه منبع الخيرات ، ومعدن البركات ،

ص: 437


1- الاحتجاج: 284/2.
2- مفاتیح الجنان: أعمال يوم الجمعة.
3- بحار الأنوار: 176/53.

و تترتّب على زيارته والدعاء له آلاف ، بل ملايين المنافع المادّيّة والمعنويّة ، والدنيويّة والأخرويّة ، لنا ولسائر الخلائق والكائنات ، وعلى رأسها جميعاً لتكون زيارتنا ودعائنا له عَلَيهِ السَّلَامُ شكراً للواجب تبارك و تعالى على هذه النعمة العظيمة ، أعني نعمة وجود ولیّه الأعظم مولانا صاحب العصر والزمان عجّل الله تعالى فرجه الشریف.

وكيف كان فإنّا ندعوا لصاحب زماننا ، وإمام عصرنا، ووليّ أمرنا صلوات الله وسلامه عليه ، ونقوم بزيارته لأنا نقرأ ونعتقد بما جاء في الزيارة الجامعة الكبيرة: « وَمُقَدِّمُکُمْ أَمامَ طَلِبَتِی وَحَوائِجِی وَإِرادَتِی فِی کُلِ أَحْوالِی وَأُمُورِی»(1).

وعليه فلابدّ من الدعاء لصاحب الأمر صلوات الله عليه ، بل ينبغي للمؤمن أن يقدّمه في الدعاء ، ويبدأ بالدعاء له عَلَيهِ السَّلَامُ قبل الدعاء لنفسه ، كما قال تعالى : ﴿النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾(2)، الدالّة على وجوب تقديم أوصيائه أيضاً ، وكما وصى الفقيه العلّامة الحقّق السيّد ابن طاووس رَضِی اللهُ عَنه، وقد أوردنا وصيّته في الحلقة الثانية من هذا الكتاب.

ص: 438


1- مفاتیح الجنان: الزيارة الجامعة الكبيرة.
2- سورة الأحزاب: الآية 6.

وقال المحدّث القمّي رَحْمَةِ اللَّهِ: «وينبغي أن تكون نیّتك في صوم حاجتك ، وصلاتك لنازلتك ، أنّك تصوم صوم الحاجة، وتصلّى صلاة الحاجة للأهمّ فالأهمّ من حاجاتك الدينيّة ، وأهمّها حوائج من أنت في حفاوة هدايته وحمايته ، وهو إمام العصر صلوات الله وسلامه عليه ، فيكون صومك و صلاتك أوّلاً: لأجل قضاء حوائجه صلوات لله عليه ... وإنّما قلنا : تقدّم حوائج إمام عصرك لأنّ بقاء الدنيا وأهلها مسبَّبٌ عن وجوده ، فإذا كنت محفوظاً بواحدٍ فكيف تقدّم حوائجك على حوائجه ؟ بل يجب أن تقدّم حوائجه ومراده على حوائجك و مرادك ، واعلم أنّه صلوات الله عليه مستغنٍ عن صومك وصلاتك لحاجاته ، وإنّما تكون أنت إذا عملت بما قلناه أدّيت الأمانة...»(1).

ص: 439


1- مفاتیح الجنان: کتاب الباقيات الصالحات / آداب صلاة الحاجة.

ص: 440

الدرس الثامن والعشرون: الأدعية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

فكيف ندعو له ؟ وبماذا ندعو له ؟ وما هي أفضل الأوقات للدعاء له عَلَيهِ السَّلَامُ؟ هذا ما أجاب عنه هو وآباؤه صلوات الله عليهم أجمعين ، وإليك ما ورد عنهم :

1- صلوات الجمعة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَ حُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْمُنْتَجَبِ فِي الْمِيثَاقِ، الْمُصْطَفَى فِي الظِّلالِ، الْمُطَهَّرِ مِنْ كُلِّ آفَةٍ، الْبَرِيءِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، الْمُؤَمَّلِ لِلنَّجَاةِ، الْمُرْتَجَى لِلشَّفَاعَةِ، الْمُفَوَّضِ إِلَيْهِ دِينُ اللَّهِ.

ص: 441

اللَّهُمَّ شَرِّفْ بُنْيَانَهُ، وَ عَظِّمْ بُرْهَانَهُ، وَ أَفْلِجْ حُجَّتَهُ، وَ ارْفَعْ دَرَجَتَهُ، وَ أَضِئْ نُورَهُ، وَ بَيِّضْ وَجْهَهُ، وَ أَعْطِهِ الْفَضْلَ وَ الْفَضِيلَةَ وَ الدَّرَجَةَ وَ الْوَسِيلَةَ الرَّفِيعَة، وَ ابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَ الْآخِرُونَ.

وَ صَلِّ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَارِثِ الْمُرْسَلِينَ وَ قَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، وَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ وَ حُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَ صَلِّ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ إِمَامِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَارِثِ الْمُرْسَلِينَ وَ حُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَ صَلِّ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ إِمَامِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَارِثِ الْمُرْسَلِينَ وَ حُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَ صَلِّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ سَيِّدِ الْعَابِدِين إِمَامِ الْمُؤْمِنِينَ، وَ وَارِثِ الْمُرْسَلِينَ وَ حُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ إِمَامِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَارِثِ الْمُرْسَلِينَ وَ حُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَ صَلِّ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ إِمَامِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَارِثِ الْمُرْسَلِينَ وَ حُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

ص: 442

وَ صَلِّ عَلَى مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ إِمَامِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَارِثِ الْمُرْسَلِينَ وَ حُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَ صَلِّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى إِمَامِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَارِثِ الْمُرْسَلِينَ وَ حُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ إِمَامِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَارِثِ الْمُرْسَلِينَ وَ حُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَ صَلِّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ إِمَامِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَارِثِ الْمُرْسَلِينَ وَ حُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَ صَلِّ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ إِمَامِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَارِثِ الْمُرْسَلِينَ وَ حُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَ صَلِّ عَلَى الْخَلَفِ الصَّالِحِ الْهَادِي الْمَهْدِيِّ، إِمَامِ الْهُدَى وَ إِمَامِ الْمُؤْمِنِين وَ وَارِثِ الْمُرْسَلِينَ وَ حُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ الْأَئِمَّةِ الْهَادِينَ، الْعُلَمَاءِ الصَّادِقِينَ، الْأَبْرَارِ الْمُتَّقِينَ، دَعَائِمِ دِينِكَ وَ أَرْكَانِ تَوْحِيدِكَ، وَ تَرَاجِمَةِ وَحْيِكَ، وَ حُجَجِكَ عَلَى خَلْقِكَ، وَ خُلَفَائِكَ فِي أَرْضِكَ، الَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ لِنَفْسِكَ، وَ اصْطَفَيْتَهُمْ عَلَى عِبَادِكَ،

ص: 443

وَ ارْتَضَيْتَهُمْ لِدِينِكَ، وَ خَصَصْتَهُمْ بِمَعْرِفَتِكَ، وَ جَلَّلْتَهُمْ بِكَرَامَتِكَ، وَ غَشَّيْتَهُمْ بِرَحْمَتِكَ، وَ رَبَّيْتَهُمْ بِنِعْمَتِكَ، وَ غَذَّيْتَهُمْ بِحِكْمَتِكَ، وَ أَلْبَسْتَهُمْ نُورَكَ، وَ رَفَعْتَهُمْ فِي مَلَكُوتِكَ، وَ حَفَفْتَهُمْ بِمَلائِكَتِكَ، وَ شَرَّفْتَهُمْ بِنَبِيِّكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَ آلِهِ،

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ عَلَيْهِمْ صَلاةً كَثِيرَةً دَائِمَةً طَيِّبَةً، لَا يُحِيطُ بِهَا إِلّا أَنْتَ، وَ لَا يَسَعُهَا إِلّا عِلْمُكَ، وَ لَا يُحْصِيهَا أَحَدٌ غَيْرُكَ.(1)

2- دعاء الحكمة:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

«اَللّ-هُمَّ اِنّي اَسْاَلُكَ اَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّد نَبِيِّ رَحْمَتِكَ وَكَلِمَةِ نُورِكَ، وَاَنْ تَمْلاََ قَلْبى نُورَ الْيَقينِ وَصَدْري نوُرَ الاْيمانِ وَفِكْري نُورَ النِّيّاتِ، وَعَزْمي نُورَ الْعِلْمِ، وَقُوَّتي نُورَ الْعَمَلِ، وَلِساني نُورَ الصِّدْقِ، وَديني نُورَ الْبَصائِرِ مِنْ عِنْدِكَ، وَبَصَري نُورَ الضِّياءِ، وَسَمْعي نُورَ الْحِكْمَةِ، وَمَوَدَّتي نُورَ الْمُوالاةِ لِمُحَمَّد

ص: 444


1- مفاتیح الجنان : أعمال يوم الجمعة.

وَآلِهِ عليهم السلام حَتّى اَلْقاكَ وَقَدْ وَفَيْتُ بِعَهْدِكَ وَميثاقِكَ فَتُغَشّيَنى رَحْمَتَكَ يا وَلِىُّ يا حَميدُ.

اَللّ-هُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد حُجَّتِكَ في اَرْضِكَ، وَخَليفَتِكَ في بِلادِكَ، وَالدّاعي اِلى سَبيلِكَ، وَالْقائِمِ بِقِسْطِكَ، وَالثّائِرِ بِاَمْرِكَ، وَلِيِّ الْمُؤْمِنينَ وَبَوارِ الْكافِرينَ، وَمُجَلِّي الظُّلْمَةِ، وَمُنيرِ الْحَقِّ، وَالنّاطِقِ بِالْحِكْمَةِ وَالصِّدْقِ، وَكَلِمَتِكَ التّآمَّةِ في اَرْضِكَ، الْمُرْتَقِبِ الْخآئِفِ وَالْوَلِيِّ النّاصِحِ، سَفينَةِ النَّجاةِ وَعَلَمِ الْهُدى وَنُورِ اَبْصارِ الْوَرى، وَخَيْرِ مَنْ تَقَمَّصَ وَارْتَدى، وَمُجَلِّي الْعَمَى الَّذي يَمْلاَ الاْرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَما مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، اِنَّكَ عَلى كُلِّ شَىْء قَديرٌ.

اَللّ-هُمَّ صَلِّ عَلى وَلِيِّكَ وَابْنِ اَوْلِيائِكَ الَّذينَ فَرَضْتَ طاعَتَهُمْ، وَاَوْجَبْتَ حَقَّهُمْ، وَاَذْهَبْتَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرْتَهُمْ تَطْهيراً،

اَللّ-هُمَّ انْصُرْهُ وَانْتَصِرْ بِهِ لِدينِكَ وَانْصُرْ بِهِ اَوْلِياءِكَ وَاَوْلِياءِهِ وَشيعَتَهُ وَاَنْصارَهُ وَاجْعَلْنا مِنْهُمْ.

اَللّ-هُمَّ اَعِذْهُ مِنْ شَرِّ كُلِّ باغ وَطاغ وَمِنْ شَرِّ جَميعِ خَلْقِكَ، وَاحْفَظْهُ مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمينِهِ وَعَنْ شَمالِهِ،

ص: 445

وَاحْرُسْهُ وَامْنَعْهُ مِنْ اَنْ يوُصَلَ اِلَيْهِ بِسُوء وَاحْفَظْ فيهِ رَسُولَكَ، وَآلِ رَسوُلِكَ وَاَظْهِرْ بِهِ الْعَدْلَ وَاَيِّدْهُ بِالنَّصْرِ، وَانْصُرْ ناصِريهِ، وَاخْذُلْ خاذِليهِ، وَاقْصِمْ قاصِميهِ، وَاقْصِمْ بِهِ جَبابِرَةَ الْكُفْرِ، وَاقْتُلْ بِهِ الْكُفّارَ وَالْمُنافِقينَ وَجَميعَ الْمُلْحِدينَ حَيْثُ كانُوا مِنْ مَشارِقِ الاْرْضِ وَمَغارِبِها بَرِّها وَبَحْرِها، وَامْلاَ بِهِ الاْرْضَ عَدْلاً وَاَظْهِرْ بِهِ دينَ نَبِيِّكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَاجْعَلْنِي اللّهُمَّ مِنْ اَنْصارِهِ وَاَعْوانِهِ وَاَتْباعِهِ وَشيعَتِهِ، وَاَرِني في آلِ مُحَمَّد عليهم السلام ما يَأمُلُونَ وَفي عَدُوِّهِمْ ما يَحْذَرُونَ، اِل-هَ الْحَقِّ آمينَ، يا ذَا الْجَلالِ وَالاْاِكْرامِ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ.»(1)

3- الصلاة على الحجة عَلَيهِ السَّلَامُ

«اَللّ-هُمَّ وَصَلِّ عَلى وَلِيِّكَ الْمحْيي سُنَّتَكَ الْقائِمِ بِاَمْرِكَ الدّاعي اِلَيْكَ الدَّليلِ عَلَيْكَ، حُجَّتِكَ عَلى خَلْقِكَ وَخَليفَتِكَ في اَرْضِكَ وَشاهِدِكَ عَلى عِبادِكَ.

اَللّ-هُمَّ اَعِزَّ نَصْرَهُ وَمُدَّ في عُمْرِهِ وَزَيِّنِ الاْرْضَ بِطُولِ بَقائِهِ.

ص: 446


1- الاحتجاج: 317/2 و 318.

اَللّ-هُمَّ اكْفِهِ بَغْيَ الْحاسِدينَ وَاَعِذْهُ مِنْ شَرِّ الْكائِدينَ وَازْجُرْ اَنْهُ اِرادَةَ الظّالِمينَ وَخَلِّصْهُ مِنْ اَيْدِي الْجَبّارِينَ.

اَللّ-هُمَّ اَعْطِهِ في نَفْسِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَشيعَتِهِ وَرَعِيَّتِهِ وَخاصَّتِهِ وَعامَّتِهِ وَعَدُوِّهِ وَجَميعِ اَهْلِ الدُّنْيا ما تُقِرُّ بِهِ عَيْنَهُ وَتَسُرُّ بِهِ نَفْسَهُ وَبَلِّغْهِ اَفْضَلَ ما اَمَّلَهُ فِي الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ اِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْء قَديرٌ.

اَللّ-هُمَّ جَدِّدْ بِهِ مَا اْمَتَحى مِنْ دينِكَ واَحْيِ بِهِ ما بُدِّلَ مِنْ كِتابِكَ وَاَظْهِرْ بِهِ ما غُيِّرَ مِنْ حُكْمِكَ حَتّى يَعُودَ دينُكَ بِهِ وَعَلى يَدَيْهِ غَضّاً جَديداً خالِصاً مُخْلَصاً لا شَكَّ فيهِ وَلا شُبْهَةَ مَعَهُ وَلا باطِلَ عِنْدَهُ وَلا بِدْعَةَ لَدَيْهِ.

اَللّ-هُمَّ نَوِّرْ بِنُورِهِ كُلَّ ظُلْمَةِ وَهُدَّ بِرُكْنِهِ كُلَّ بِدْعَة وَاهْدِمْ بِعِزِّهِ كُلَّ ضَلالَة وَاقْصِمْ بِهِ كُلَّ جَبّار وَاَخْمِدْ بِسَيْفِهِ كُلَّ نار وَاَهْلِكْ بِعَدْلِهِ جَوْرَ كُلِّ جائِر واجْرِ حُكْمَهُ عَلى كُلِّ حُكْم وَاَذِلَّ بِسُلْطانِهِ كُلَّ سُلْطان.

اَللّ-هُمَّ اَذِلَّ كُلَّ مَنْ ناواهُ وَاَهْلِكْ كُلَّ مَنْ عاداهُ وَامْكُرْ بِمَنْ كادَهْ وَاسْتَأصِلْ مَنْ جَحَدَهُ حَقَّهُ وَاسْتَهانَ بِاَمْرِهِ وَسَعى في

ص: 447

اِطْفاءِ نُورِهِ وَاَرادَ اِخْمادَ ذِكْرِهِ.

اَللّ-هُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد الْمُصْطَفى وَعَلِيٍّ الْمُرْتَضى وَفاطِمَةَ الزَّهْراءِ وَالْحَسَنِ الرِّضا وَالْحُسَيْنِ الْمُصَفَّى وَجَميعِ الاْوْصِياءِ مَصابيحِ الدُّجى وَاَعْلامِ الْهُدى وَمَنارِ التُّقى وَالْعُرْوَةِ الْوُثْقىوَالْحَبْلِ الْمَتينِ وَالصِّراطِ الْمُسْتَقيمِ، وَصَلِّ عَلى وَلِيِّكَ وَوُلاةِ عَهْدِكَ وَالاْئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ وَمُدَّ في اَعْمارِهِمْ وَزِدْ في آجالِهِمْ وَبَلِّغْهُمْ اَقْصى آمالِهِمْ ديناً وَدُنْيا وَآخِرَةً اِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيء قَديرٌ.»(1).

4- الدعاء الوعد

اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلي مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَکْرِمْ أَوْلِيآئَکَ بِإِنْجازِ وَعْدِکَ وَ بَلِّغْهُمْ دَرْکَ ما يُأَمِّلُونَهُ مِنْ نَصْرِکَ، وَ اکْفُفْ عَنْهُمْ بَأْسَ مَنْ نَصَبَ الخِلافَ عَلَيْکَ وَ تَمَرَّدَ بِمَنْعِکَ عَلي رُکُوبِ مُخالَفَتِکَ وَ اسْتَعانَ بِرِفْدِکَ عَلي فَلِّ حَدِّکَ وَ قَصَدَ لِکَيْدِکَ بأَيْدِيکَ وَ وَسَعْتَهُ حِلْماً لِتَأْخُذَهُ عَلي جَهْرَةٍ أَوْ تَسْتَأْصِلَهُ عَلي غَرَّةٍ، فَإِنَّکَ اللَّهُمَّ

ص: 448


1- مصباح المتهجد: 409.

قُلتَ وَ قَوْلُکَ الحَقُّ: ﴿حَتّي إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً کَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ کَذلِکَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَکَّرُونَ﴾(1).

وَ قُلْتَ: ﴿فَلَمّا آسَفُونا اِنْتَقَمْنا مِنْهُمْ﴾(2)، وَ إِنَّ الغايَةَ عِنْدَنَا قَدْ تَناهَتْ وَ إِنّا لِغَضَبِکَ غاضِبُونَ، وَ إِنّا عَلي نَصْرِ الحَقِّ مُتَعاضِبُونَ، وَ إِلي وُرُودِ أَمْرِکَ مُشْتاقُونَ، وَ لِاِنْجازِ وَعْدِکَ مُرْتَقِبُونَ، وَ لِحُلُولِ وَعِيدِکَ بِأَعْدآئِکَ مُتَوَقِّعُونَ.

اللَّهُمَّ فَأْذَنْ بِذلِکَ وَ افُتَحْ طُرُقاتِهِ وَ سَهِّلْ خُرُجَهُ وَ وَطِّئ مَسالِکَهُ وَ اشْرَعْ شَرايِعَهُ وَ أَيِّدْ جُنُودَهُ وَ أَعْوانَهُ وَ بَادِرْ بَأْسَکَ القَوْمَ الظّالِمِينَ، وَ ابْسُط سَيْفَ نَقِمَتِکَ عَلي أَعْدآئِکَ المُعانِدِينَ، وَ خُذْ بِالثّارِ إِنَّکَ جَوادٌ مَکّارٌ»(3).

ص: 449


1- سورة يونس: الآية 24.
2- سورة الزخرف: الآية 55.
3- مهج الدعوات : 67 و 68.

5- تسبيح صاحب الزمان عَلَيهِ السَّلَامُ في اليوم الثامن عشر إلى آخر الشهر:

«سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَرِضَا نَفْسِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ و مِدَادَ كَلِمَاتِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلَ ذَلِکَ» (1).

6- دعاؤه عَلَيهِ السَّلَامُ:

يَا نُورَ اَلنُّورِ، يَا مُدَبِّرَ اَلْأُمُورِ، يَا بَاعِثَ مَنْ فِي اَلْقُبُورِ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ، وَ اِجْعَلْ لِي وَ لِشِيعَتِي مِنَ اَلضِّيقِ فَرَجاً، وَ مِنَ اَلْهَمِّ مَخْرَجاً. وَ أَوْسِعْ لَنَا اَلْمَنْهَجَ وَ أَطْلِقْ لَنَا مِنْ عِنْدِكَ مَا يُفَرِّجُ وَ اِفْعَلْ بِنَا مَا أَنْتَ أَهْلُهُ يَا كَرِيمُ»(2).

7- حجابه عَلَيهِ السَّلَامُ:

«اللَّهُمَّ احْجُبْنِي عَنْ عُيُونِ أَعْدَائِي وَ اجْمَعْ بَيْنِي وَ بَيْنَ أَوْلِيَائِي وَ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي وَ احْفَظْنِي فِي غَيْبَتِي إِلَى أَنْ تَأْذَنَ لِي فِي ظُهُورِي وَ أَحْيِ بِي مَا دَرَسَ مِنْ فُرُوضِكَ وَ سُنَنِكَ

ص: 450


1- دعوات الراوندي : 94.
2- الجنة الواقية : الفصل السادس والعشرون.

وَ عَجِّلْ فَرَجِي وَ سَهِّلْ مَخْرَجِي- وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطٰاناً نَصِيراً وَ افْتَحْ لِي فَتْحاً مُبِيناً وَ اهْدِنِي صِرَاطاً مُسْتَقِيماً وَ قِنِي جَمِيعَ مَا أُحَاذِرُهُ مِنَ الظَّالِمِينَ وَ احْجُبْنِي عَنْ أَعْيُنِ الْبَاغِضِينَ النَّاصِبِينَ الْعَدَاوَةَ لِأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ وَ لَا يَصِلُ إِلَيَّ مِنْهُمْ أَحَدٌ بِسُوءٍ فَإِذَا أَذِنْتَ فِي ظُهُورِي فَأَيِّدْنِي بِجُنُودِكَ وَ اجْعَلْ مَنْ يَتْبَعُنِي لِنُصْرَةِ دِينِكَ مُؤَيِّدِينَ وَ فِي سَبِيلِكَ مُجَاهِدِينَ وَ عَلَى مَنْ أَرَادَنِي وَ أَرَادَهُمْ بِسُوءٍ مَنْصُورِينَ وَ وَفِّقْنِي لِإِقَامَةِ حُدُودِكَ، وَ انْصُرْنِي عَلَى مَنْ تَعَدَّى مَحْدُودَكَ وَ انْصُرِ الْحَقَّ وَ أَزْهِقِ الْبَاطِلَ إِنَّ الْبٰاطِلَ كٰانَ زَهُوقاً وَ أَوْرِدْ عَلَيَّ مِنْ شِيعَتِي وَ أَنْصَارِي مَنْ تَقَرُّ بِهِمُ الْعَيْنُ وَ يَشُدُّ بِهِمُ الْأَزْرُ وَ اجْعَلْهُمْ فِي حِرْزِكَ وَ أَمْنِكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ»(1).

8- استخاراته عَلَيهِ السَّلَامُ:

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ لِعِلْمِكَ بِعَاقِبَةِ الْأُمُورِ وَأَسْتَشِيرُكَ لِحُسْنِ ظَنِّي بِكَ فِي الْمَأْمُولِ وَالْمَحْذُورِ

ص: 451


1- مهج الدعوات: 302.

اللّهُمَّ إنْ كانَ الاَمْرُ الفُلاني مِمّا قَدْ نيطَتْ بِالبَرَكَةِ أَعْجازُهُ وَبَواديهِ وَحُفَّتْ بِالكَرامَةِ أَيّامُهُ وَلَياليهِ فَخِرْ لي اللّهُمَّ فيهِ خيرَةً تَرُدُّ شَمُوسَهُ ذَلولاً وَتَقْعَضُ أَيَّامَهُ سُرُوراً، اللّهُمَّ إمَّا أمْرٌ فَأئْتَمِرُ وَإمَّا نَهيٌ فَأنْتَهِي، اللّهُمَّ إنّي أسْتَخِيرُكَ بِرَحْمَتِكَ خِيرَةً في عافِيَةٍ.»(1).

9- حرزه عَلَيهِ السَّلَامُ:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يَا مالِكَ الرِّقابِ، وَيَا هازِمَ الْأَحْزابِ، يَا مُفَتِّحَ الْأَبْوابِ، يَا مُسَبِّبَ الْأَسْبابِ، سَبِّبْ لَنا سَبَباً لَا نَسْتَطِيعُ لَهُ طَلَباً، بِحَقِّ لَاإِلٰهَ إِلّا اللّٰهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّٰهِ، صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ أَجْمَعِينَ(2).

10- حرز آخر له عَلَيهِ السَّلَامُ:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ اِسْتَغْنَيْتُ فَأَغِثْنِي وَ لاَ تَكِلْنِي إِلَى

ص: 452


1- الذكري / الشهيد الأول : 253. الرسائل العشر / ابن فهد الحلي: 103. وسائل الشيعة : 82/8.
2- مهج الدعوات: 45.

نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ أَبَداً وَ أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ(1).

11- دعاء المعرفة:

اَللّهُمَّ عَرِّفْنى نَفْسَكَ، فَاِنَّكَ اِنْ لَمْ تُعَرِّفْنى نَفْسَكَ، لَمْ اَعْرِف رَسُولَکَ؛ اَللّهُمَّ عَرِّفْنى رَسُولَكَ، فَاِنَّكَ اِنْ لَمْ تُعَرِّفْنى رَسُولَكَ، لَمْ اَعْرِفْ حُجَّتَكَ؛ اَللّهُمَّ عَرِّفْنى حُجَّتَكَ، فَاِنَّكَ اِنْ لَمْ تُعَرِّفْنى حُجَّتَكَ، ضَلَلْتُ عَنْ دينى.

اللّٰهُمَّ لَاتُمِتْنِي مِيْتَةً جاهِلِيَّةً، وَلَا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي.

اللّٰهُمَّ فَكَما هَدَيْتَنِي لِوِلايَةِ مَنْ فَرَضْتَ عَلَيَّ طاعَتَهُ مِنْ وِلايَةِ وُلاةِ أَمْرِكَ بَعْدَ رَسُولِكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، حَتَّىٰ والَيْتُ وُلاةَ أَمْرِكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طالِبٍ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَعَلِيّاً وَمُحَمَّداً وَجَعْفَراً وَمُوسَىٰ وَعَلِيّاً وَمُحَمَّداً وَعَلِيّاً وَالْحَسَنَ وَالْحُجَّةَ الْقائِمَ الْمَهْدِيَّ صَلَواتُكَ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.

اللّٰهُمَّ فَثَبِّتْنِي عَلَىٰ دِينِكَ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِطاعَتِكَ، وَلَيِّنْ قَلْبِي لِوَلِيِّ أَمْرِكَ؛ وَعافِنِي مِمَّا امْتَحَنْتَ بِهِ خَلْقَكَ، وَثَبِّتْنِي عَلَىٰ طاعَةِ

ص: 453


1- مهج الدعوات : 5.

وَلِيِّ أَمْرِكَ الَّذِي سَتَرْتَهُ عَنْ خَلْقِكَ، وَبِإِذْنِكَ غابَ عَنْ بَرِيَّتِكَ، وَأَمْرَكَ يَنْتَظِرُ، وَأَنْتَ الْعالِمُ غَيْرُ الْمُعَلَّمِ بِالْوَقْتِ الَّذِي فِيهِ صَلاحُ أَمْرِ وَلِيِّكَ فِي الْإِذْنِ لَهُ بِإِظْهارِ أَمْرِهِ، وَكَشْفِ سِتْرِهِ، فَصَبِّرْنِي عَلَىٰ ذٰلِكَ حَتَّىٰ لَاأُحِبَّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ وَلَا تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ، وَلَا كَشْفَ مَا سَتَرْتَ، وَلَا الْبَحْثَ عَمَّا كَتَمْتَ، وَلَا أُنازِعَكَ فِي تَدْبِيرِكَ، وَلَا أَقُولَ لِمَ وَكَيْفَ وَما بالُ وَلِيِّ الْأَمْرِ لَايَظْهَرُ وَقَدِ امْتَلَأَتِ الْأَرْضُ مِنَ الْجَوْرِ ؟ وَأُفَوِّضُ أُمُورِي كُلَّها إِلَيْكَ.

اللّٰهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُرِيَنِي وَلِيَّ أَمْرِكَ ظاهِراً نافِذَ الْأَمْرِ، مَعَ عِلْمِي بِأَنَّ لَكَ السُّلْطانَ وَالْقُدْرَةَ وَالْبُرْهانَ وَالْحُجَّةَ وَالْمَشِيَّةَ وَالْحَوْلَ وَالْقُوَّةَ، فَافْعَلْ ذٰلِكَ بِي وَبِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّىٰ نَنْظُرَ إِلَىٰ وَلِيِّ أَمْرِكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ؛ ظاهِرَ الْمَقالَةِ، واضِحَ الدَّلالَةِ، هادِياً مِنَ الضَّلالَةِ، شافِياً مِنَ الْجَهالَةِ، أَبْرِزْ يَا رَبِّ مُشاهَدَتَهُ، وَثَبِّتْ قَواعِدَهُ، وَاجْعَلْنا مِمَّنْ تَقَِرُّ عَيْنُهُ بِرُؤْيَتِهِ، وَأَقِمْنا بِخِدْمَتِهِ، وَتَوَفَّنا عَلَىٰ مِلَّتِهِ، وَاحْشُرْنا فِي زُمْرَتِهِ.

اللّٰهُمَّ أَعِذْهُ مِنْ شَرِّ جَمِيعِ مَا خَلَقْتَ وَذَرَأْتَ وَبَرَأْتَ وَأَنْشَأْتَ وَصَوَّرْتَ، وَاحْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ،

ص: 454

وَعَنْ شِمالِهِ وَمِنْ فَوْقِهِ وَمِنْ تَحْتِهِ بِحِفْظِكَ الَّذِي لَايَضِيعُ مَنْ حَفِظْتَهُ بِهِ، وَاحْفَظْ فِيهِ رَسُولَكَ، وَوَصِيَّ رَسُولِكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ السَّلامُ.

اللّٰهُمَّ وَمُدَّ فِي عُمْرِهِ، وَزِدْ فِي أَجَلِهِ، وَأَعِنْهُ عَلَىٰ مَا وَلَّيْتَهُ وَاسْتَرْعَيْتَهُ، وَزِدْ فِي كَرامَتِكَ لَهُ فَإِنَّهُ الْهادِي الْمَهْدِيُّ، وَالْقائِمُ الْمُهْتَدِي وَالطَّاهِرُ التَّقِيُّ، الزَّكِيُّ النَّقِيُّ، الرَّضِيُّ الْمَرْضِيُّ،الصَّابِرُ الشَّكُورُ الْمُجْتَهِدُ.

اللّٰهُمَّ وَلَا تَسْلُبْنَا الْيَقِينَ لِطُولِ الْأَمَدِ فِي غَيْبَتِهِ وَانْقِطاعِ خَبَرِهِ عَنَّا، وَلَا تُنْسِنا ذِكْرَهُ وَانْتِظارَهُ، وَالْإِيمانَ بِهِ، وَقُوَّةَ الْيَقِينِ فِي ظُهُورِهِ، وَالدُّعاءَ لَهُ وَالصَّلاةَ عَلَيْهِ، حَتَّىٰ لَايُقَنِّطَنا طُولُ غَيْبَتِهِ مِنْ قِيامِهِ، وَيَكُونَ يَقِينُنا فِي ذٰلِكَ كَيَقِينِنا فِي قِيامِ رَسُولِكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَمَا جاءَ بِهِ مِنْ وَحْيِكَ وَتَنْزِيلِكَ، فَقَوِّ قُلُوبَنا عَلَى الْإِيمانِ بِهِ، حَتَّىٰ تَسْلُكَ بِنَا عَلَىٰ يَدَيْهِ مِنْهاجَ الْهُدَىٰ، وَالْمَحَجَّةَ الْعُظْمَىٰ، وَالطَّرِيقَةَ الْوُسْطَىٰ، وَقَوِّنا عَلَىٰ طاعَتِهِ، وَثَبِّتْنا عَلَىٰ مُتابَعَتِهِ، وَاجْعَلْنا فِي حِزْبِهِ وَأَعْوانِهِ وَأَنْصارِهِ وَالرَّاضِينَ بِفِعْلِهِ، وَلَا تَسْلُبْنا ذٰلِكَ فِي حَيَاتِنا وَلَا عِنْدَ وَفاتِنا، حَتَّىٰ تَتَوَفَّانا وَنَحْنُ

ص: 455

عَلَىٰ ذٰلِكَ، لَاشاكِّينَ وَلَا ناكِثِينَ وَلَا مُرْتابِينَ وَلَا مُكَذِّبِينَ.

اللّٰهُمَّ عَجِّلْ فَرَجَهُ وَأَيِّدْهُ بِالنَّصْرِ، وَانْصُرْ ناصِرِيهِ، وَاخْذُلْ خاذِلِيهِ، وَدَمْدِمْ عَلَىٰ مَنْ نَصَبَ لَهُ وَكَذَّبَ بِهِ، وَأَظْهِرْ بِهِ الْحَقَّ، وَأَمِتْ بِهِ الْجَوْرَ، وَاسْتَنْقِذْ بِهِ عِبادَكَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الذُّلِّ، وَانْعَشْ بِهِ الْبِلادَ، وَاقْتُلْ بِهِ جَبابِرَةَ الْكُفْرِ، وَاقْصِمْ بِهِ رُؤُوسَ الضَّلالَةِ، وَذَلِّلْ بِهِ الْجَبَّارِينَ وَالْكافِرِينَ، وَأَبِرْ بِهِ الْمُنافِقِينَ وَالنَّاكِثِينَ وَجَمِيعَ الُمخالِفِينَ وَالْمُلْحِدِينَ فِي مَشارِقِ الْأَرْضِ وَمَغارِبِها، وَبَرِّها وَبَحْرِها، وَسَهْلِها وَجَبَلِها، حَتَّىٰ لَاتَدَعَ مِنْهُمْ دَيَّاراً، وَلَا تُبْقِيَ لَهُمْ آثاراً، طَهِّرْ مِنْهُمْ بِلادَكَ، وَاشْفِ مِنْهُمْ صُدُورَ عِبادِكَ، وَجَدِّدْ بِهِ مَا امْتَحىٰ مِنْ دِينِكَ، وَأَصْلِحْ بِهِ مَا بُدِّلَ مِنْ حُكْمِكَ وَغُيِّرَ مِنْ سُنَّتِكَ، حَتَّىٰ يَعُودَ دِينُكَ بِهِ وَعَلَىٰ يَدَيْهِ غَضّاً جَدِيداً صَحِيحاً لَاعِوَجَ فِيهِ، وَلَا بِدْعَةَ مَعَهُ، حَتَّىٰ تُطْفِئَ بِعَدْلِهِ نِيرانَ الْكافِرِينَ، فَإِنَّهُ عَبْدُكَ الَّذِي اسْتَخْلَصْتَهُ لِنَفْسِكَ، وَارْتَضَيْتَهُ لِنَصْرِ دِينِكَ، وَاصْطَفَيْتَهُ بِعِلْمِكَ، وَعَصَمْتَهُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَبَرَّأْتَهُ مِنَ الْعُيُوبِ، وَأَطْلَعْتَهُ عَلَى الْغُيُوبِ، وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ، وَطَهَّرْتَهُ مِنَ الرِّجْسِ، وَنَقَّيْتَهُ مِنَ الدَّنَسِ.

ص: 456

اللّٰهُمَّ فَصَلِّ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آبائِهِ الْأَئِمَّةِ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَىٰ شِيعَتِهِ الْمُنْتَجَبِينَ، وَبَلِّغْهُمْ مِنْ آمالِهِمْ مَا يَأْمُلُونَ، وَاجْعَلْ ذٰلِكَ مِنَّا خالِصاً مِنْ كُلِّ شَكٍّ وَشُبْهَةٍ وَرِياءٍ وَسُمْعَةٍ، حَتَّىٰ لَانُرِيدَ بِهِ غَيْرَكَ، وَلَا نَطْلُبَ بِهِ إِلّا وَجْهَكَ.

اللّٰهُمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيِّنا، وَغَيْبَةَ إِمامِنا، وَشِدَّةَ الزَّمانِ عَلَيْنا، وَوُقُوعَ الْفِتَنِ بِنا، وَتَظاهُرَ الْأَعْداءِ عَلَيْنا، وَكَثْرَةَ عَدُوِّنا، وَقِلَّةَ عَدَدِنا .

اللّٰهُمَّ فَافْرُجْ ذٰلِكَ عَنَّا بِفَتْحٍ مِنْكَ تُعَجِّلُهُ، وَنَصْرٍ مِنْكَ تُعِزُّهُ، وَ إِمامِ عَدْلٍ تُظْهِرُهُ، إِلٰهَ الْحَقِّ آمِينَ .

اللّٰهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَأْذَنَ لِوَلِيِّكَ فِي إِظْهارِ عَدْلِكَ فِي عِبادِكَ، وَقَتْلِ أَعْدائِكَ فِي بِلادِكَ، حَتَّىٰ لَا تَدَعَ لِلْجَوْرِ يَا رَبِّ دِعامَةً إِلّا قَصَمْتَها، وَلَا بَقِيَّةً إِلّا أَفْنَيْتَها، وَلَا قُوَّةً إِلّا أَوْهَنْتَها، وَلَا رُكْناً إِلّا هَدَمْتَهُ، وَلَا حَدّاً إِلّا فَلَلْتَهُ، وَلَا سِلاحاً إِلّا أَكْلَلْتَهُ، وَلَا رايَةً إِلّا نَكَّسْتَها، وَلَا شُجاعاً إِلّا قَتَلْتَهُ، وَلَا جَيْشاً إِلّا خَذَلْتَهُ، وَارْمِهِمْ يَا رَبِّ بِحَجَرِكَ الدَّامِغِ، وَاضْرِبْهُمْ بِسَيْفِكَ الْقاطِعِ وَبَأْسِكَ الَّذِي لَاتَرُدُّهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ، وَعَذِّبْ أَعْداءَكَ وَأَعْداءَ وَلِيِّكَ

ص: 457

وَأَعْداءَ رَسُولِكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِيَدِ وَلِيِّكَ وَأَيْدِي عِبادِكَ الْمُؤْمِنِينَ.

اللّٰهُمَّ اكْفِ وَلِيَّكَ وَحُجَّتَكَ فِي أَرْضِكَ هَوْلَ عَدُوِّهِ، وَكَيْدَ مَنْ ارادَهُ، وَامْكُرْ بِمَنْ مَكَرَ بِهِ، وَاجْعَلْ دائِرَةَ السَّوْءِ عَلَىٰ مَنْ أَرادَ بِهِ سُوءاً، وَاقْطَعْ عَنْهُ مادَّتَهُمْ، وَأَرْعِبْ لَهُ قُلُوبَهُمْ، وَزَلْزِلْ أَقْدامَهُمْ، وَخُذْهُمْ جَهْرَةً وَبَغْتَةً، وَشَدِّدْ عَلَيْهِمْ عَذابَكَ، وَأَخْزِهِمْ فِي عِبادِكَ، وَالْعَنْهُمْ فِي بِلادِكَ، وَأَسْكِنْهُمْ أَسْفَلَ نارِكَ، وَأَحِطْ بِهِمْ أَشَدَّ عَذابِكَ، وَأَصْلِهِمْ ناراً، وَاحْشُ قُبُورَ مَوْتاهُمْ ناراً، وَأَصْلِهِمْ حَرَّ نارِكَ، فَإِنَّهُمْ أَضاعُوا الصَّلاةَ، وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ، وَأَضَلُّوا عِبادَكَ، وَأَخْرَبُوا بِلادَكَ.

اللّٰهُمَّ وَأَحْيِ بِوَلِيِّكَ الْقُرْآنَ، وَأَرِنا نُورَهُ سَرْمَداً لَالَيْلَ فِيهِ، وَأَحْيِ بِهِ الْقُلُوبَ الْمَيِّتَةَ؛ وَاشْفِ بِهِ الصُّدُورَ الْوَغِرَةَ ، وَاجْمَعْ بِهِ الْأَهْواءَ الْمُخْتَلِفَةَعَلَى الْحَقِّ، وَأَقِمْ بِهِ الْحُدُودَ الْمُعَطَّلَةَ وَالْأَحْكامَ الْمُهْمَلَةَ، حَتَّىٰ لَايَبْقىٰ حَقٌّ إِلّا ظَهَرَ، وَلَا عَدْلٌ إِلّا زَهَرَ، وَاجْعَلْنا يَا رَبِّ مِنْ أَعْوانِهِ، وَمُقَوِّيَةِ سُلْطانِهِ، وَالْمُؤْتَمِرِينَ لِأَمْرِهِ، وَالرَّاضِينَ بِفِعْلِهِ، وَالْمُسَلِّمِينَ لِأَحْكامِهِ،

ص: 458

وَمِمَّنْ لَاحاجَةَ بِهِ إِلَى التَّقِيَّةِ مِنْ خَلْقِكَ، وَأَنْتَ يَا رَبِّ الَّذِي تَكْشِفُ الضُّرَّ، وَتُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاكَ، وَتُنْجِي مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ، فَاكْشِفْ الضُّرَّ عَنْ وَلِيِّكَ، وَاجْعَلْهُ خَلِيفَةً فِي أَرْضِكَ كَما ضَمِنْتَ لَهُ.

اللّٰهُمَّ لَاتَجْعَلْنِي مِنْ خُصَماءِ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلامُ،وَلَا تَجْعَلْنِي مِنْ أَعْداءِ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، وَلَا تَجَعَلْنِي مِنْ أَهْلِ الْحَنَقِ وَالْغَيْظِ عَلَىٰ آلِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ السَّلامُ، فَإِنِّي أَعُوذُبِكَ مِنْ ذٰلِكَ فَأَعِذْنِي، وَأَسْتَجِيرُ بِكَ فَأَجِرْنِي .

اللّٰهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَاجْعَلْنِي بِهِمْ فائِزاً عِنْدَكَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ، وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ، آمِينَ رَبَّ الْعالَمِينَ(1).

12- دعاء له عَلَيهِ السَّلَامُ بعد الزيارة:

اللّٰهُمَّ صَلِّ عَلىٰ مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الْأَئِمَّةِ الْهَادِينَ، الْعُلَماءِ الصَّادِقِينَ، الْأَبْرَارِ الْمُتَّقِينَ، دَعَائِمِ دِينِكَ، وَأَرْكَانِ تَوْحِيدِكَ، وَتَراجِمَةِ وَحْيِكَ، وَحُجَجِكَ عَلَىٰ خَلْقِكَ، وَخُلَفَائِكَ فِى

ص: 459


1- مصباح المتهجد: 411.

أَرْضِكَ، الَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ لِنَفْسِكَ، وَاصْطَفَيْتَهُمْ عَلَىٰ عِبَادِكَ، وَارْتَضَيْتَهُمْ لِدِينِكَ، وَخَصَصْتَهُمْ بِمَعْرِفَتِكَ، وَجَلَّلْتَهُمْ بِكَرَامَتِكَ، وَغَشَّيْتَهُمْ بِرَحْمَتِكَ، وَرَبَّيْتَهُمْ بِنِعْمَتِكَ، وَغَذَّيْتَهُمْ بِحِكْمَتِكَ، وَأَلْبَسْتَهُمْ نُورَكَ، وَرَفَعْتَهُمْ فِى مَلَكُوتِكَ، وَحَفَفْتَهُمْ بِملائِكَتِكَ، وَشَرَّفْتَهُمْ بِنَبِيِّكَ، صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.

اللّٰهُمَّ صَلِّ عَلىٰ مُحَمَّدٍ وَ عَلَيْهِمْ، صَلَاةً زَاكِيَةً نَامِيَةً كَثِيرَةً دَائِمَةً طَيِّبَةً، لَايُحِيطُ بِهَا إِلّا أَنْتَ، وَلَا يَسَعُهَا إِلّا عِلْمُكَ، وَلَا يُحْصِيهَا أَحَدٌ غَيْرُكَ...الخ»(1)

13 - دعاء كل يوم بعد فريضة الصبح:

اللّٰهُمَّ بَلِّغْ مَوْلايَ صاحِبَ الزَّمانِ صَلَواتُ اللّٰهِ عَلَيْهِ عَنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ، فِي مَشارِقِ الْأَرْضِ وَمَغارِبِها، وَبَرِّها وَبَحْرِها، وَسَهْلِها وَجَبَلِها، حَيِّهِمْ وَمَيِّتِهِمْ، وَعَنْ والِدَيَّوَوُلَدِي وَعَنِّي مِنَ الصَّلَواتِ وَالتَّحِيَّاتِ زِنَةَ عَرْشِ اللّٰهِ وَمِدادَ كَلِماتِهِ،

ص: 460


1- مصباح المتهجد: 407. مزار المفيد : 208. الغيبة / الطوسي: 279. جمال الأسبوع: 305.

وَمُنْتَهىٰ رِضاهُ، وَعَدَدَ مَا أَحْصاهُ كِتابُهُ، وَأَحاطَ بِهِ عِلْمُهُ .

اللّٰهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي هٰذَا الْيَوْمِ وَفِي كُلِّ يَوْمٍ عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً فِي رَقَبَتِي.

اللّٰهُمَّ كَمَا شَرَّفْتَنِي بِهٰذَا التَّشْرِيفِ، وَفَضَّلْتَنِي بِهٰذِهِ الْفَضِيلَةِ، وَخَصَصْتَنِي بِهٰذِهِ النِّعْمَةِ، فَصَلِّ عَلَىٰ مَوْلايَ وَسَيِّدِي صاحِبِ الزَّمانِ، وَاجْعَلْنِي مِنْ أَنْصارِهِ وَأَشْياعِهِ وَالذَّابِّينَ عَنْهُ، وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ طائِعاً غَيْرَ مُكْرَهٍ فِي الصَّفِّ الَّذِي نَعَتَّ أَهْلَهُ فِي كِتابِكَ فَقُلْتَ: ﴿صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيٰانٌ مَرْصُوصٌ﴾(1) عَلَىٰ طاعَتِكَ وَطاعَةِ رَسُولِكَ وَآلِهِ عَلَيهِمُ السَّلامُ . اللّٰهُمَّ هٰذِهِ بَيْعَةٌ لَهُ فِي عُنُقِي إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ(2).

14- دعاء الإمام الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ للحجه عَلَيهِ السَّلَامُ:

اللّٰهُمَّ ادْفَعْ عَنْ وَلِيِّكَ وَخَلِيفَتِكَ وَحُجَّتِكَ عَلَىٰ خَلْقِكَ، وَ لِسانِكَ الْمُعَبِّرِ عَنْكَ، النَّاطِقِ بِحِكْمَتِكَ، وَعَيْنِكَ النَّاظِرَةِ

ص: 461


1- سورة الصف: الآية 4.
2- مصباح الزائر : 234. مفاتیح الجنان : بعد دعاء الندبة.

بِإِذْنِكَ، وَشاهِدِكَ عَلَىٰ عِبادِكَ، الْجَحْجاحِ الْمُجاهِدِ الْعائِذِ بِكَ الْعابِدِ عِنْدَكَ، وَأَعِذْهُ مِنْ شَرِّ جَمِيعِ مَا خَلَقْتَ وَبَرَأْتَ وَأَنْشَأْتَ وَصَوَّرْتَ، وَاحْفَظْهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَمِنْ خَلْفِهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ شِمالِهِ، وَمِنْ فَوْقِهِ، وَمِنْ تَحْتِهِ بِحِفْظِكَ الَّذِي لَايَضِيعُ مَنْ حَفِظْتَهُ بِهِ، وَاحْفَظْ فِيهِ رَسُولَكَ وَآباءَهُ أَئِمَّتَكَ وَدَعائِمَ دِينِكَ، وَاجْعَلْهُ فِي وَدِيعَتِكَ الَّتِي لَا تَضِيعُ، وَفِي جِوارِكَ الَّذِي لَايُخْفَرُ، وَفِي مَنْعِكَ وَعِزِّكَ الَّذِي لَايُقْهَرُ، وَآمِنْهُ بِأَمانِكَ الْوَثِيقِ الَّذِي لَايُخْذَلُ مَنْ آمَنْتَهُ بِهِ، وَاجْعَلْهُ فِي كَنَفِكَ الَّذِي لاَ ٰ يُرامُ مَنْ كانَ فِيهِ، وَانْصُرْهُ بِنَصْرِكَ الْعَزِيزِ، وَأَيِّدْهُ بِجُنْدِكَ الْغالِبِ، وَقَوِّهِ بِقُوَّتِكَ، وَأَرْدِفْهُ بِمَلائِكَتِكَ، وَوالِ مَنْ والاهُ، وَعادِ مَنْ عاداهُ، وَأَلْبِسْهُ دِرْعَكَ الْحَصِينَةَ، وَحُفَّهُ بِالْمَلائِكَةِ حَفّاً.

اللّٰهُمَّ اشْعَبْ بِهِ الصَّدْعَ، وَارْتُقْ بِهِ الْفَتْقَ، وَأَمِتْ بِهِ الْجَوْرَ، وَأَظْهِرْ بِهِ الْعَدْلَ، وَزَيِّنْ بِطُولِ بَقائِهِ الْأَرْضَ، وَأَيِّدْهُ بِالنَّصْرِ، وَانْصُرْهُ بِالرُّعْبِ، وَقَوِّ ناصِرِيهِ، وَاخْذُلْ خاذِلِيهِ، وَدَمْدِمْ مَنْ نَصَبَ لَهُ، وَدَمِّرْ مَنْ غَشَّهُ، وَاقْتُلْ بِهِ جَبابِرَةَ الْكُفْرِ وَعُمُدَهَ وَدَعائِمَهُ، وَاقْصِمْ بِهِ رُؤُوسَ الضَّلالَةِ، وَشارِعَةَ الْبِدَعِ، وَمُمِيتَةَ

ص: 462

السُّنَّةِ، وَمُقَوِّيَةَ الْباطِلِ، وَذَلِّلْ بِهِ الْجَبَّارِينَ، وَأبِرْ بِهِ الْكافِرِينَ وَجَمِيعَ الْمُلْحِدِينَ فِي مَشارِقِ الْأَرْضِ وَمَغارِبِها، وَبَرِّها وَبَحْرِها، وَسَهْلِها وَجَبَلِها، حَتَّىٰ لَاتَدَعَ مِنْهُمْ دَيَّاراً، وَلَا تُبْقِيَ لَهُمْ آثاراً.

اللّٰهُمَّ طَهِّرْ مِنْهُمْ بِلادَكَ، وَاشْفِ مِنْهُمْ عِبادَكَ، وَأَعِزَّ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَحْيِ بِهِ سُنَنَ الْمُرْسَلِينَ، وَدارِسَ حُكْمِ النَّبِيِّينَ، وَجَدِّدْ بِهِ مَا امْتَحَىٰ مِنْ دِينِكَ، وَبُدِّلَ مِنْ حُكْمِكَ، حَتَّىٰ تُعِيدَ دِينَكَ بِهِ وَعَلَىٰ يَدَيْهِ جَدِيداً غَضّاً مَحْضاً صَحِيحاً لَاعِوَجَ فِيهِ وَلَا بِدْعَةَ مَعَهُ، وَحَتَّىٰ تُنِيرَ بِعَدْلِهِ ظُلَمَ الْجَوْرِ؛ وَتُطْفِئَ بِهِ نِيرانَ الْكُفْرِ، وَتُوضِحَ بِهِ مَعاقِدَ الْحَقِّ وَمَجْهُولَ الْعَدْلِ، فَإِنَّهُ عَبْدُكَ الَّذِي اسْتَخْلَصْتَهُ لِنَفْسِكَ، وَاصْطَفَيْتَهُ عَلَىٰ غَيْبِكَ، وَعَصَمْتَهُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَبَرَّأْتَهُ مِنَ الْعُيُوبِ، وَطَهَّرْتَهُ مِنَ الرِّجْسِ، وَسَلَّمْتَهُ مِنَ الدَّنَسِ .

اللّٰهُمَّ فَإِنَّا نَشْهَدُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَوْمَ حُلُولِ الطَّامَّةِ أَنَّهُ لَمْ يُذْنِبْ ذَنْباً، وَلَا أَتَىٰ حُوباً، وَلَمْ يَرْتَكِبْ مَعْصِيَةً، وَلَمْ يُضَيِّعْ لَكَ طاعَةً، وَلَمْ يَهْتِكْ لَكَ حُرْمَةً، وَلَمْ يُبَدِّلْ لَكَ فَرِيضَةً، وَلَمْ يُغَيِّرْ لَكَ شَرِيعَةً، وَأَنَّهُ الْهادِي الْمُهْتَدِي الطَّاهِرُ التَّقِيُّ النَّقِيُّ الرَّضِيُّ الزَّكِيُّ.

ص: 463

اللّٰهُمَّ أَعْطِهِ فِي نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَأُمَّتِهِ وَجَمِيعِ رَعِيَّتِهِ مَا تُقِرُّ بِهِ عَيْنَهُ، وَتَسُرُّ بِهِ نَفْسَهُ، وَتَجْمَعُ لَهُ مُلْكَ الْمُمْلَكاتِ كُلِّها، قَرِيبِها وَبَعِيدِها، وَعَزِيزِها وَذَلِيلِها، حَتَّىٰ تُجْرِيَ حُكْمَهُ عَلَىٰ كُلِّ حُكْمٍ، وَتَغْلِبَ بِحَقِّهِ كُلَّ باطِلٍ.

اللّٰهُمَّ اسْلُكْ بِنا عَلَىٰ يَدَيْهِ مِنْهاجَ الْهُدَىٰ، وَالْمَحَجَّةَ الْعُظْمَىٰ، وَالطَّرِيقَةَ الْوُسْطَى الَّتِي يَرْجِعُ إِلَيْهَا الْغالِي، وَيَلْحَقُ بِها التَّالِي، وَقَوِّنا عَلَىٰ طاعَتِهِ، وَثَبِّتْنا عَلَىٰ مُشايَعَتِهِ، وَامْنُنْ عَلَيْنا بِمُتابَعَتِهِ، وَاجْعَلْنا فِي حِزْبِهِ الْقَوَّامِينَ بِأَمْرِهِ، الصَّابِرِينَ مَعَهُ، الطَّالِبِينَ رِضاكَ بِمُناصَحَتِهِ، حَتَّىٰ تَحْشُرَنا يَوْمَ الْقِيامَةِ فِي أَنْصارِهِ وَأَعْوانِهِ وَمُقَوِّيَةِ سُلْطانِهِ.

اللّٰهُمَّ وَاجْعَلْ ذٰلِكَ لَنا خالِصاً مِنْ كُلِّ شَكٍّ وَشُبْهَةٍ وَرِياءٍ وَسُمْعَةٍ، حَتَّىٰ لَا نَعْتَمِدَ بِهِ غَيْرَكَ، وَلَا نَطْلُبَ بِهِ إِلّا وَجْهَكَ وَحَتَّىٰ تُحِلَّنا مَحَلَّهُ، وَتَجْعَلَنا فِي الْجَنَّةِ مَعَهُ؛ وَأَعِذْنا مِنَ السَّأْمَةِ وَالْكَسَلِ وَالْفَتْرَةِ، وَاجْعَلْنا مِمَّنْ تَنْتَصِرُ بِهِ لِدِينِكَ، وَتُعِزُّ بِهِ نَصْرَ وَلِيِّكَ، وَلَا تَسْتَبْدِلْ بِنا غَيْرَنا، فَإِنَّ اسْتِبْدالَكَ بِنا غَيْرَنا عَلَيْكَ يَسِيرٌ، وَهُوَ عَلَيْنا كَثِيرٌ.

ص: 464

اللَّهُمَّ نَوِّرْ بِنُورِهِ كُلَّ ظُلْمَةٍ، وَ هُدَّ بِرُكْنِهِ كُلَّ بِدْعَةٍ، وَ اهْدِمْ بِغُرَّتِهِ كُلَّ ضَلالَةٍ، وَ اقْصِمْ بِهِ كُلَّ جَبَّارٍ، وَ أَخْمِدْ بِسَيْفِهِ كُلَّ نَارٍ، وَ أَهْلِكْ بِعَدْلِهِ كُلَّ جَبّارٍ، وَ أَجْرِ حُكْمَهُ عَلَى كُلِّ حُكْمٍ، وَ أَذِلَّ بِسُلْطَانِهِ كُلَّ سُلْطَانٍ.

اللَّهُمَّ أَذِلَّ كُلَّ مَنْ نَاوَاهُ، وَ أَهْلِكْ كُلَّ مَنْ عَادَاهُ، وَ امْكُرْ بِمَنْ كَادَهُ، وَ اسْتَأْصِلْ مَنْ جَحَدَ حَقَّهُ وَ اسْتَهَانَ بِأَمْرِهِ وَ سَعَى فِي إِطْفَاءِ نُورِهِ وَ أَرَادَ إِخْمَادَ ذِكْرِهِ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى وَ عَلِيٍّ الْمُرْتَضَى وَ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ وَ الْحَسَنِ الرِّضَا وَ الْحُسَيْنِ الْمُصَفَّى، وَ جَمِيعِ الْأَوْصِيَاءِ مَصَابِيحِ الدُّجَى وَ أَعْلامِ الْهُدَى، وَ مَنَارِ التُّقَى وَ الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَ الْحَبْلِ الْمَتِينِ وَ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَ صَلِّ عَلَى وَلِيِّكَ، وَ وُلاةِ عَهْدِكَ، وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ، وَ زِدْ فِي أَعْمَارِهِمْ، وَ زِدْ فِي آجَالِهِمْ، وَ بَلِّغْهُمْ أَفْضَل آمَالِهِمْ دِينًا وَ دُنْيَا وَ آخِرَةً، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ.»(1).

ص: 465


1- مصباح الزائر : 236.

15- دعاء ليلة النصف من شعبان:

الرابع: أن يدعو بهذا الدعاء الذي رواه الشيخ والسيد ، وهو بمثابة زيارة للإمام الغائب صلوات الله عليه:

اَللّ-هُمَّ بِحَقِّ لَيْلَتِنا وَمَوْلُودِها، وَحُجَّتِكَ وَمَوْعُودِها، الَّتي قَرَنْتَ اِلى فَضْلِها، فَضْلاً فَتَمَّتْ كَلِمَتُكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِكَ، وَلا مُعَقِّبَ لاِياتِكَ، نُورُكَ الْمُتَاَلِّقُ، وَضِياؤُكَ الْمُشْرِقُ، وَالْعَلَمُ النُّورُ في طَخْياءِ الدَّيْجُورِ، الْغائِبُ الْمَسْتُورُ، جَلَّ مَوْلِدُهُ وَكَرمَ مَحْتِدُهُ، وَالْمَلائِكَةُ شُهَّدُهُ، وَاللهُ ناصِرُهُ وَمُؤَيِّدُهُ، اِذا آن ميعادُهُ، وَالْمَلائِكَةُ اَمْدادُهُ، سَيْفُ الله الَّذي لا يَنْبُو، وَنُورُهُ الَّذي لا يَخْبُو، وَذُو الْحِلْمِ الَّذي لا يَصْبُو، مَدارُ الَّدهْرِ، وَنَواميسُ الْعَصْرِ، وَوُلاةُ الاَْمْرِ، وَالْمُنَزَّلُ عَلَيْهِمْ ما يَتَنَزَّلُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَاَصْحابُ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ، تَراجِمَةَ وَحْيِهِ، وَوُلاةُ اَمْرِهِ وَنَهْيِهِ.

اَللّ-هُمَّ فَصَلِّ عَلى خاتِمِهم وَقائِمِهِمْ الْمَسْتُورِ عَوالِمِهِمْ.

اَللّ-هُمَّ وَاَدْرِكَ بِنا أَيّامَهُ وَظُهُورَهُ وَقِيامَهُ، وَاجْعَلْنا مِنْ اَنْصارِهِ. وَاقْرِنْ ثارَنا بِثارِهِ، وَاكْتُبْنا في اَعْوانِهِ وَخُلَصائِهِ، وَاَحْيِنا في

ص: 466

دَوْلَتِهِ ناعِمينَ، وَبِصُحْبَتِهِ غانِمينَ وَبِحَقِّهِ قائِمينَ، وَمِنَ السُّوءِ سالِمينَ، يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمينَ وَصَلَواتُهُ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّد خاتَمِ النَّبِيّينَ وَالْمُرْسَلينَ، وَعَلى اَهْلِ بَيْتِهِ الصّادِقينَ وَعِتْرَتِهَ النّاطِقينَ، وَالْعَنْ جَميعَ الظّالِمينَ، واحْكُمْ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ يا اَحْكَمَ الْحاكِمينَ(1).

16- دعاء الافتتاح:

الحادي عشر : أن يدعو في كل ليلة من رمضان بهذا الدعاء:

اللّهُمَّ إِنِّي أَفْتَتِحُ الثَّناءَ بِحَمْدِكَ، وَأَنْتَ مُسَدِّدٌ لِلصَّوابِ بِمَنِّكَ، وَأَيْقَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فِي مَوْضِعِ العَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، وَأَشَدُّ المُعاقِبِينَ فِي مَوْضِعِ النِّكالِ وَالنَّقِمَةِ، وَأَعْظَمُ المُتَجَبِّرِينَ فِي مَوْضِعِ الكِبْرِياءِ وَالعَظَمَةِ.

اللّهُمَّ أَذِنْتَ لِي فِي دُعائِكَ وَمَسْأَلَتِكَ، فأَسْمَعْ ياسَمِيعُ مِدْحَتِي، وَأَجِبْ يارَحِيمُ دَعْوَتِي وَأَقِلْ ياغَفُورُ عَثْرَتِي، فَكَمْ يا الهِي مِنْ كُرْبَةٍ قَدْ فَرَّجْتَها، وَهُمُومٍ قَدْ كَشَفْتَها، وَعَثْرَةٍ قَدْ أَقَلْتَها،

ص: 467


1- مفاتیح الجنان: أعمال النصف من شعبان.

وَرَحْمَةٍ قَدْ نَشَرْتَها، وَحَلْقَةِ بَلاٍ قَدْ فَكَكْتَها؟

الحَمْدُ للهِ الَّذي لَمْ يَتَّخِذْ صاحِبَةً وَلا وَلَداً، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌ مِنَ الذُّلِ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً.

الحَمْدُ للهِ بِجَمِيِعِ مَحامِدِهِ كُلِّها عَلى جَمِيعِ نِعَمِهِ كُلِّها.

الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا مُضادَّ لَهُ فِي مُلْكِهِ وَلامُنازِعَ لَهُ فِي أَمْرِهِ، الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا شَرِيكَ لَهُ فِي خَلْقِهِ وَلاشَبِيهَ لَهُ فِي عَظَمَتِهِ، الحَمْدُ للهِ الفاشِي فِي الخَلْقِ أَمْرُهُ وَحَمْدُهُ، الظاهِرِ بالكَرَمِ مَجْدُهُ، الباسِطِ بالجُودِ يَدَهُ، الَّذِي لاتَنْقُصُ خَزائِنُهُ، وَلايَزِيدُهُ كَثرَةُ العَطاءِ إِلاّ جُوداً وَكَرَما، إِنَّهُ هُوَ العَزِيزُ الوَهَّابُ.

اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ قَلِيلاً مِنْ كَثِيرٍ، مَعَ حَاجَةٍ بِي إِلَيْهِ عَظِيمَةٍ وِغِناكَ عَنْهُ قَدْيمٌ، وَهُوَ عِنْدِي كَثِيرٌ وَهُوَ عَلَيْكَ سَهْلٌ يَسِيرٌ. اللّهُمّ إِنَّ عَفْوَكَ عَنْ ذَنْبِي، وَتَجاوُزَكَ عَنْ خَطِيئَتِي، وَصَفْحَكَ عَنْ ظُلْمِي، وَستْرَكَ عَلَى قَبِيحِ عَمَلِي، وَحِلْمَكَ عَنْ كَثِيرِ جُرْمِي عِنْدَ ما كانَ مِنْ خَطَأي وَعَمْدِي، أَطْمَعَنِي فِي أَنْ أَسْأَلَكَ ما لا اسْتَوْجِبُهُ مِنْكَ الَّذِي رَزَقْتَنِي مِنْ رَحْمَتِكَ، وَأَرَيْتَنِي مِنْ قَدْرَتِكَ، وَعَرَّفْتَنِي مِنْ إِجابَتِكَ، فَصِرْتُ أَدْعُوكَ آمِناً، وَأَسْأَلُكَ مُسْتَأْنِساً، لاخائِفاً

ص: 468

وَلا وَجِلاً، مُدِلاً عَلَيْكَ فِيما قَصَدْتُ فِيهِ إِلَيْكَ، فَإنْ أَبْطاء عَنِّي عَتِبْتُ بِجَهْلِي عَلَيْكَ، وَلَعَلَّ الَّذِي أَبْطَاءَ عَنِّي هُوَ خَيْرٌ لِي لِعِلْمِكَ بِعاقِبَةِ الاُمُورِ، فَلَمْ أَرَ مَوْلىً كَرِيماً أَصْبَرَ عَلى عبْدٍ لَئِيمٍ مِنْكَ عَلَيَّ يارَبِّ، إِنَّكَ تَدْعُونِي فَأُوَلِّي عَنْكَ، وَتَتَحَبَّبُ إِلَيَّ فَأَتَبَغَّضُ إِلَيْكَ، وَتَتَوَدَّدُ إِلَيَّ فَلا أَقْبَلُ مِنْكَ، كَأَنَ لِيَ التَّطَوُّلَ عَلَيْكَ، فَلَمْ يَمْنَعْكَ ذلِكَ مِنَ الرَّحْمَةِ لِي وَالاِحْسانِ إِلَيَّ، وَالتَّفَضُّلِ عَلَيَّ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ، فَأرْحَمْ عَبْدَكَ الجاهِلَ، وَجُدْ عَلَيْهِ بِفَضْلِ إِحْسانِكَ إِنَّكَ جَوادٌ كَرِيمٌ.الحَمْدُ للهِ مالِكِ المُلْكِ، مُجْرِي الفُلْكِ، مُسَخِّرِ الرِّياحِ، فالِقِ الاِصْباحِ، دَيّانِ الدَّينِ، رَبِّ العالَمِينَ.

الحَمْدُ للهِ عَلى حِلْمِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ، وَالحَمْدُ للهِ عَلى عَفْوِهِ بَعْدَ قُدْرَتِهِ، وَالحَمْدُ للهِ عَلى طُولِ أَناتِهِ فِي غَضَبِهِ، وَهُوَ قادِرٌ عَلى ما يُرِيدُ. الحَمْدُ للهِ خالِقِ الخَلْقِ باسِطِ الرِّزْقِ، فالِقِ الاِصْباحِ، ذِي الجَلالِ وَالاِكْرامِ، وَالفَضْلِ وَالاِنْعامِ، الَّذِي بَعُدَ فَلا يُرى، وَقَرُبَ فَشَهِدَ النَّجْوى، تَبارَكَ وَتَعالى.

الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مُنازِعٌ يُعادِلُهُ، وَلا شَبِيهٌ يُشاكِلُهُ، وَلاظَهِيرٌ يُعاضِدُهُ، قَهَرَ بِعِزَّتِهِ الاَعِزَّاءَ، وَتَواضَعَ لِعَظَمَتِهِ

ص: 469

العُظَماءُ، فَبَلَغَ بِقُدْرَتِهِ مايَشاءُ. الحَمْدُ للهِ الَّذِي يُجِيبُنِي حِينَ أُنادِيهِ، وَيَسْتُرُ عَلَيَّ كُلَّ عَوْرَةٍ وأَنا أَعْصِيهِ، وَيُعَظِّمُ النِّعْمَةَ عَلَيَّ فَلا اُجازِيهِ، فَكَمْ مِنْ مَوْهِبَةٍ هَنِيئَةٍ قَدْ أَعْطانِي، وَعَظِيمَةٍ مَخُوفَة قَدْ كَفانِي، وَبَهْجَةٍ مونِقَةٍ قَدْ أَرانِي، فأُثْنِي عَلَيْهِ حامِداً وَأَذْكُرُهُ مُسَبِّحاً. الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا يُهْتَكُ حِجابُهُ، وَلا يُغْلَقُ بابُهُ، وَلا يُرَدُّ سائِلُهُ، وَلا يُخَيَّبُ آمِلُهُ. الحَمْدُ للهِ الَّذِي يُؤْمِنُ الخائِفِينَ، وَيُنَجِّي الصَّالِحِينَ، وَيَرْفَعُ المُسْتَضْعَفِينَ، وَيَضَعُ المُسْتَكْبِرِينَ، وَيُهْلِكُ مُلُوكا وَيَسْتَخْلِفُ آخَرِينَ. الحَمْدُ للهِ قاصِمِ الجَبَّارينَ، مُبِيرِ الظَّالِمِينَ، مُدْرِكِ الهارِبِينَ، نَكالِ الظَّالِمِينَ، صَرِيخِ المُسْتصرِخِينَ، مَوْضِعِ حاجاتِ الطَّالِبِينَ، مُعْتَمَدِ المُؤْمِنِينَ. الحَمْدُ للهِ الَّذِي مِنْ خَشْيَتِهِ تَرْعَدُ السَّماء وَسُكَّانُها، وَتَرْجُفُ الأَرْضُ وَعُمَّارُها، وَتَمُوجُ البِحارُ وَمَنْ يَسْبَحُ فِي غَمَراتِها.

الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدانا لِهذا، وَما كُنا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللهُ. الحَمْدُ للهِ الَّذِي يَخْلُقُ وَلَمْ يُخْلَقْ، وَيَرْزُقُ وَلا يُرْزَقُ، وَيُطْعِمُ وَلايُطْعَمُ، وَيُمِيتُ الاَحْياءَ وَيُحْييَ المَوْتى وَهُوَ حَيٌ لايَمُوتُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

ص: 470

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، وَأَمِينِكَ وَصَفِيِّكَ وَحَبِيبِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَحافِظِ سِرِّكَ وَمُبَلِّغِ رِسالاتِكِ أَفْضَلَ وَأَحْسَنَ وَأَجْمَلَ وَأَكْمَلَ وَأَزْكى وَأَنْمى وَأَطْيَبَ وَأَطْهَرَ وَأَسْنى وَأَكْثَرَ ماصَلَّيْتَ وَبارَكْتَ وَتَرَحَّمْتَ وَتَحَنَّنْتَ وَسَلَّمْتَ عَلى أَحَدٍ مِنْ عِبادِكَ وَأَنْبِيائِكَ وَرُسُلِكَ وَصَفْوَتِكَ وَأَهْلِ الكَرامَةِ عَلَيْكَ مِنْ خَلْقِكَ. اللّهُمَّ وَصَلِّ عَلى عَلِيٍّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، وَوَصِيِّ رَسُولِ رَبِّ العالَمِينَ، عَبْدِكَ وَوَلِيِّكَ وَأَخِي رَسُولِكَ وَحُجَّتِكَ عَلى خَلْقِكَ وَآيَتِكَ الكُبْرى وَالنَّبَأ العَظِيمِ، وَصَلِّ عَلى الصِّدِّيقَةِ الطَّاهِرَةِ فِاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمِينَ، وَصَلِّ عَلى سِبْطَي الرَّحْمَةِ وَإِمامَي الهُدى الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ سَيِّدَيْ شَبابِ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَصَلِّ عَلى أَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ وَمُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ وَجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَمُوسى بْنِ جَعْفَرٍ وَعَلِيٍّ بْنِ مُوسى وَمُحَمَّدٍ بْنِ عَلِيٍّ وَعَليٍّ بْنِ مُحَمَّدٍ وَالحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَالخَلَفِ الهادِي المَهْدِي، حُجَجِكَ عَلى عِبادِكَ وَاُمَنائِكَ فِي بِلادِكِ، صَلاةً كَثِيرَةً دائِمَةً. اللّهُمَّ وَصَلِّ عَلى وَلِيِّ أَمْرِكِ القائِمِ المُؤَمَّلِ، وَالعَدْلِ المُنْتَظَرِ، وَحُفَّهُ بِمَلائِكَتِكَ المُقَرَّبِينَ، وَأَيِّدْهُ بِرُوحِ

ص: 471

القُدُسِ يارَبَّ العالَمِينَ.

اللّهُمَّ اجْعَلْهُ الدَّاعِيَ إِلى كِتابِكَ، وَالقائِمَ بِدِينِكَ، اسْتَخْلِفْهُ فِي الأَرْضِ كَما اسْتَخْلَفْتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِ، مَكِّنْ لَهُ دِينَهُ الَّذِي ارْتَضَيْتَهُ لَهُ، أَبْدِلْهُ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِ أَمْنا، يَعْبُدُكَ لايُشْرِكُ بِكَ شَيْئاً. اللّهُمَّ أَعِزَّهُ وَأَعْزِزْ بِهِ، وَانْصُرْهُ وَانْتَصِرْ بِهِ، وَانْصُرْهُ نَصْراً عَزِيزاً، وَافْتَحْ لَهُ فَتْحاً يَسِيراً، وَاجْعَلْ لَهُ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً. اللّهُمَّ أَظْهِرْ بِهِ دِينَكَ وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ، حَتَّى لا يَسْتَخْفِي بِشَيْءٍ مِنَ الحَقِّ مَخافَةَ أَحَدٍ مِنَ الخَلْقِ.

اللّهُمَّ إِنا نَرْغَبُ إِلَيْكَ فِي دَوْلَةٍ كَرِيمَةٍ، تُعِزُّ بِها الاِسْلامَ وَأَهْلَهُ، وَتُذِلُّ بِها النِّفاقَ وَأَهْلَهُ، وَتَجْعَلُنا فِيها مِنَ الدُّعاةِ إِلى طاعَتِكَ، وَالقادَةِ إِلى سَبِيلِكَ، وَتَرْزُقُنا بِها كَرامَةَ الدُّنْيا وَالآخِرَةِ. اللّهُمَّ ما عَرَّفْتَنا مِنَ الحَقِّ فَحَمِّلْناهُ، وَما قَصُرْنا عَنْهُ فَبَلِّغْناهُ، اللّهُمَّ أَلْمُمْ بِهِ شَعْثَنا، وَأَشْعَبْ بِهِ صَدْعَنا، وَأَرْتِقْ بِهِ فَتْقَنا، وَكَثِّرْ بِهِ قِلَّتَنا، وَأَعْزِزْ بِهِ ذِلَّتَنا، وَأَغْنِ بِهِ عائِلَنا، وَأَقْضِ بِهِ عَنْ مُغْرَمِنا، وَاجْبُرْ بِهِ فَقْرَنا، وَسُدَّ بِهِ خَلَّتَنا، وَيَسِّرْ بِهِ عُسْرَنا، وَبَيِّضْ بِهِ وُجُوهَنا، وَفُكَّ بِهِ أَسْرَنا، وَانْجِحْ بِهِ طَلَبَتِنَا، وَأَنْجِزْ بِهِ مَواعِيدَنا، وَاسْتَجِبْ بِهِ

ص: 472

دَعْوَتَنا، وَاعْطِنا بِهِ سُؤْلَنا، وَبَلِّغْنا بِهِ مِنَ الدُّنْيا وَالآخرةِ آمالَنا، وَاعْطِنا بِهِ فَوْقَ رَغْبَتِنا، يا خَيْرَ المَسْؤُولِينَ وَأَوْسَعَ المُعْطِينَ، اشْفِ بِهِ صُدُورَنا، وَأَذْهِبْ بِهِ غَيْظَ قُلُوبِنا، وَاهْدِنا بِهِ لِما اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَانْصُرْنا بِهِ عَلى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّنا، إِلهَ الحَقِّ آمِينَ.

اللّهُمَّ إِنَّا نَشْكُوإِلَيْكَ فَقْدَ نَبِيِّنا صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَغَيْبَةَ وَلِيِّنا، وَكَثْرَةَ عَدُوِّنا، وَقِلَّةَ عَدَدِنا، وَشِدَّةَ الفِتَنِ بِنا، وَتَظاهُرَ الزَّمانِ عَلَيْنا، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَعِنّا عَلى ذلِكَ بِفَتْحٍ مِنْكَ تُعَجِّلُهُ، وَبِضُرٍ تَكْشِفُهُ، وَنَصْرٍ تُعِزُّهُ، وَسُلْطانِ حَقٍّ تُظْهِرُهُ، وَرَحْمَةٍ مِنْكَ تُجَلِّلُناها، وَعافِيَةٍ مِنْكَ تُلْبِسُناها، بِرَحْمَتِكَ ياأَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ(1).

17- دعاء الفرج، يستحب بعد كل فريضة:

اَللّ-هُمَّ كُنْ لِوَلِيِّكَ الْحُجَّةِ بْنِ الْحَسَنِ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلى آبائِه في هذِهِ السَّاعَةِ وَفي كُلِّ ساعَة وَلِيّاً وَحافِظاً وَقائِداً

ص: 473


1- مفاتیح الجنان : القسم الثاني / ما يستحب إتيانه في ليالي شهر رمضان.

وَناصِراً وَدَليلاً وَعَيْنا حَتّى تُسْكِنَهُ اَرْضَكَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فیها طویلا (1).

18- دعاء يوم دحو الأرض (25 ذي الحجة):

اللّهمّ داحِيَ الْكَعْبَةِ، وَفالِقَ الْحَبّةِ، وَصارِفَ اللّزْبَةِ، وَكاشِفَ كُلِّ كُرْبَة، اَسْاَلُكَ في هذَا الْيَوْمِ مِنْ اَيّامِكَ الّتي اَعْظَمْتَ حَقّها، وَاَقْدَمْتَ سَبْقَها، وَجَعَلْتَها عِنْدَ الْمُؤْمِنينَ وَديعَةً، وَاِلَيْكَ ذَريعَةً، وَبِرَحْمَتِكَ الْوَسيعَةِ، اَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمّد عَبْدِكَ الْمُنْتَجَبِ فِى الْميثاقِ الْقَريبِ يَوْمَ التّلاقِ، فاتِقِ كُلِّ رَتْق، وَداع إِلى كُلِّ حَقِّ، وَعَلى اَهْلِ بَيْتِهِ الاَْطْهارِ الْهُداةِ الْمَنارِ دَعائِمِ الْجَبّارِ، وَوُلاةِ الْجَنّةِ وَالنّارِ، وَاَعْطِنا في يَوْمِنا هذا مِنْ عَطائِكَ المخزوُن غَيْرَ مَقْطوُع وَلا مَمْنوُع، تَجْمَعُ لَنا بِهِ التّوْبَةَ وَحُسْنَ الاَْوْبَةِ، يا خَيْرَ مَدْعُوٍّ، وَاَكْرَمُ مَرْجُوٍّ، يا كَفِيُّ يا وَفِيُّ، يا مَنْ لُطْفُهُ خَفِيٌّ اُلْطُفْ لي بِلُطْفِكَ، وَاَسْعِدْني بِعَفْوِكَ، وَاَيِّدْني بِنَصْرِكَ، وَلا تُنْسِني كَريمَ ذِكْرِكَ بِوُلاةِ اَمْرِكَ، وَحَفَظَةِ سِرِّكَ، وَاحْفَظْني مِنْ شَوائِبِ الدّهْرِ

ص: 474


1- مفاتیح الجنان : من أعمال ليلة الثالث والعشرين من شهر رمضان.

إِلى يَوْمِ الْحَشْرِ وَالنّشْرِ، وَاَشْهِدْني اَوْلِياءِكَ عِنْدَ خُرُوجِ نَفْسي، وَحُلُولِ رَمْسي، وَانْقِطاعِ عَمَلي، وَانْقِضاءِ اَجَلي.

اللّهمّ وَاذْكُرْني عَلى طُولِ الْبِلى إِذا حَلَلْتُ بَيْنَ اَطْباقِ الثّرى، وَنَسِيَنِى النّاسُونَ مِنَ الْوَرى، وَاحْلِلْني دارَ الْمُقامَةِ، وَبَوِّئْني مَنْزِلَ الْكَرامَةِ، وَاجْعَلْني مِنْ مُرافِقي اَوْلِيائِكَ وَاَهْلِ اجْتِبائِكَ وَاصْطَفائِكَ، وَباركْ لي في لِقائِكَ، وَارْزُقْني حُسْنَ الْعَمَلِ قَبْلَ حُلُولِ الاَْجَلِ، بَريئاً مِنَ الزّلَلِ وَسوُءِ الْخَطَلِ.

اللّهمّ وَاَوْرِدْني حَوْضَ نَبِيِّكَ مُحَمّد صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَاسْقِني مِنْهُ مَشْرَباً رَوِيّاً سائِغاً هَنيئاً لا اَظْمَأُ بَعْدَهُ وَلا اُحَلاّ وِرْدَهُ وَلا عَنْهُ اُذادُ، وَاجْعَلْهُ لي خَيْرَ زاد، وَاَوْفى ميعاد يَوْمَ يَقُومُ الاْشْهادُ.

اللّهمّ وَالْعَنْ جَبابِرَةَ الأوّلينَ وَالاْخِرينَ، وَبِحُقُوقِ اَوْلِيائِكَ الْمُسْتَأثِرِينَ.

اللّهمّ وَاقْصِمْ دَعائِمَهُمْ وَاَهْلِكْ اَشْياعَهُمْ وَعامِلَهُمْ، وَعَجِّلْ مَهالِكَهُمْ، وَاسْلُبْهُمْ مَمالِكَهُمْ، وَضَيِّقْ عَلَيْهِمْ مَسالِكَهُمْ، وَالْعَنْ

ص: 475

مُساهِمَهُمْ وَمُشارِكَهُمْ.

اللّهمّ وَعَجِّلْ فَرَجَ أَوْلِيائِكَ، وَارْدُدْ عَلَيْهِمْ مَظالِمَهُمْ، وَاَظْهِرْ بِالْحَقِّ قائِمَهُمْ، وَاجْعَلْهُ لِدينِكَ مُنْتَصِراً، وَبِاَمْرِكَ في اَعْدائِكَ مُؤْتَمِراً.

اللّهمّ احْفُفْهُ بِمَلائِكَةِ النّصْرِ وَبِما اَلْقَيْتَ اِلَيْهِ مِنَ الاْمْرِ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ، مُنْتَقِماً لَكَ حتّى تَرْضى وَيَعوُدَ دينُكَ بِهِ وَعَلى يَدَيْهِ جَديداً غَضّاً، وَيَمْحَضَ الْحَقّ مَحْضاً، وَيَرْفُضَ الْباطِلَ رَفْضاً.

اللّهمّ صَلِّ عَلَيْهِ وَعَلى جَميعِ آبائِهِ، وَاجْعَلْنا مِنْ صَحْبِهِ وَاُسْرَتِهِ، وَابْعَثْنا في كَرّتِهِ حتّى نَكُونَ في زَمانِهِ مِنْ اَعْوانِهِ.

اللّهمّ اَدْرِكْ بِنا قِيامَهُ، وَاَشْهِدْنا اَيّامَهُ، وَصَلِّ عَلَيْهِ وَارْدُدْ اِلَيْنا سَلامَهُ، وَالسّلامُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ(1).

19- دعاء العهد:

يستحب كل يوم بعد صلاة الصبح:

ص: 476


1- مفاتیح الجنان : في أعمال شهر ذي القعدة / يوم دحو الأرض.

اللَّهُمَّ رَبَّ النُّورِ الْعَظِيمِ وَ رَبَّ الْكُرْسِيِّ الرَّفِيعِ وَ رَبَّ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ وَ مُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الزَّبُورِ وَ رَبَّ الظِّلِّ وَ الْحَرُورِ وَ مُنْزِلَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَ رَبَّ الْمَلائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِوَجْهِكَ بِاسْمِكَ الْكَرِيمِ وَ بِنُورِ وَجْهِكَ الْمُنِيرِ وَ مُلْكِكَ الْقَدِيمِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ بِهِ السَّمَاوَاتُ وَ الْأَرَضُونَ وَ بِاسْمِكَ الَّذِي يَصْلَحُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَ الْآخِرُونَ يَا حَيّاً قَبْلَ كُلِّ حَيٍّ وَ يَا حَيّا بَعْدَ كُلِّ حَيٍّ وَ يَا حَيّاً حِينَ لا حَيَّ يَا مُحْيِيَ الْمَوْتَى وَ مُمِيتَ الْأَحْيَاءِ يَا حَيُّ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ. اللَّهُمَّ بَلِّغْ مَوْلانَا الْإِمَامَ الْهَادِيَ الْمَهْدِيَّ الْقَائِمَ بِأَمْرِكَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ عَلَى آبَائِهِ الطَّاهِرِينَ عَنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبِهَا سَهْلِهَا وَ جَبَلِهَا وَ بَرِّهَا وَ بَحْرِهَا وَ عَنِّي وَ عَنْ وَالِدَيَّ مِنَ الصَّلَوَاتِ زِنَةَ عَرْشِ اللَّهِ وَ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ وَ مَا أَحْصَاهُ عِلْمُهُ كِتَابُهُ وَ أَحَاطَ بِهِ كِتَابُهُ. اللَّهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِي هَذَا وَ مَا عِشْتُ مِنْ أَيَّامِي عَهْدا وَ عَقْدا وَ بَيْعَةً لَهُ فِي عُنُقِي لا أَحُولُ عَنْهَا وَ لا أَزُولُ أَبَدا اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ وَ أَعْوَانِهِ وَ الذَّابِّينَ عَنْهُ وَ الْمُسَارِعِينَ

ص: 477

إِلَيْهِ فِي قَضَاءِ حَوَائِجِهِ [وَ الْمُمْتَثِلِينَ لِأَوَامِرِهِ ] وَ الْمُحَامِينَ عَنْهُ وَ السَّابِقِينَ إِلَى إِرَادَتِهِ وَ الْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ اللَّهُمَّ إِنْ حَالَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ الْمَوْتُ الَّذِي جَعَلْتَهُ عَلَى عِبَادِكَ حَتْماً مَقْضِيّاً فَأَخْرِجْنِي مِنْ قَبْرِي مُؤْتَزِراً كَفَنِي شَاهِراً سَيْفِي مُجَرِّداً قَنَاتِي مُلَبِّياً دَعْوَةَ الدَّاعِي فِي الْحَاضِرِ وَ الْبَادِي اللَّهُمَّ أَرِنِي الطَّلْعَةَ الرَّشِيدَةَ وَ الْغُرَّةَ الْحَمِيدَةَ وَ اكْحُلْ نَاظِرِي بِنَظْرَةٍ مِنِّي إِلَيْهِ وَ عَجِّلْ فَرَجَهُ وَ سَهِّلْ مَخْرَجَهُ وَ أَوْسِعْ مَنْهَجَهُ وَ اسْلُكْ بِي مَحَجَّتَهُ وَ أَنْفِذْ أَمْرَهُ وَ اشْدُدْ أَزْرَهُ وَ اعْمُرِ اللَّهُمَّ بِهِ بِلادَكَ وَ أَحْيِ بِهِ عِبَادَكَ فَإِنَّكَ قُلْتَ وَ قَوْلُكَ الْحَقُّ:﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾، فَأَظْهِرِ اللَّهُمَّ لَنَا وَلِيَّكَ وَ ابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكَ الْمُسَمَّى بِاسْمِ رَسُولِكَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه حَتَّى لا يَظْفَرَ بِشَيْ ءٍ مِنَ الْبَاطِلِ إِلا مَزَّقَهُ وَ يُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُحَقِّقَهُ وَ اجْعَلْهُ اللَّهُمَّ مَفْزَعاً لِمَظْلُومِ عِبَادِكَ وَ نَاصِراً لِمَنْ لا يَجِدُ لَهُ نَاصِراً غَيْرَكَ وَ مُجَدِّداً لِمَا عُطِّلَ مِنْ أَحْكَامِ كِتَابِكَ وَ مُشَيِّداً لِمَا وَرَدَ مِنْ أَعْلامِ دِينِكَ وَ سُنَنِ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ اجْعَلْهُ اللَّهُمَّ مِمَّنْ حَصَّنْتَهُ مِنْ بَأْسِ الْمُعْتَدِينَ اللَّهُمَّ وَ سُرَّ نَبِيَّكَ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ

ص: 478

بِرُؤْيَتِهِ وَ مَنْ تَبِعَهُ عَلَى دَعْوَتِهِ وَ ارْحَمِ اسْتِكَانَتَنَا بَعْدَهُ اللَّهُمَّ اكْشِفْ هَذِهِ الْغُمَّةَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِحُضُورِهِ وَ عَجِّلْ لَنَا ظُهُورَهُ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدا وَ نَرَاهُ قَرِيبا بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .

ثم تضرب على فخذك الأمن بيدك ثلاث مرات و تقول كل مرة:

الْعَجَلَ الْعَجَلَ يَا مَوْلايَ يَا صَاحِبَ الزَّمَانِ(1).

20- دعاء الاستغاثة بالحجة عَلَيهِ السَّلَامُ:

سَلامُ اللّٰهِ الْكامِلُ التَّامُّ الشَّامِلُ الْعامُّ، وَصَلَواتُهُ الدَّائِمَةُ، وَبَرَكاتُهُ الْقائِمَةُ التَّامَّةُ عَلىٰ حُجَّةِ اللّٰهِ وَوَ لِيِّهِ فِى أَرْضِهِ وَبِلادِهِ، وَخَلِيفَتِهِ عَلىٰ خَلْقِهِ وَعِبادِهِ، وَسُلالَةِ النُّبُوَّةِ وَبَقِيَّةِ الْعِتْرَةِ وَالصَّفْوَةِ، صاحِبِ الزَّمانِ، وَمُظْهِرِ الْإِيمانِ، وَمُلَقِّنِ أَحْكامِ الْقُرْآنِ، وَمُطَهِّرِ الْأَرْضِ، وَناشِرِ الْعَدْلِ فِى الطُّولِ وَالْعَرْضِ، وَ الْحُجَّةِ الْقائِمِ الْمَهْدِيِّ، الْإِمامِ الْمُنْتَظَرِ الْمَرْضِيِّ ، وَابْنِ الْأَئِمَّةِ الطَّاهِرِينَ، الْوَصِيِّ ابْنِ الْأَوْصِياءِ الْمَرْضِيِّينَ، الْهادِي الْمَعْصُومِ ابْنِ الْأَئِمَّةِ الْهُداةِ الْمَعْصُومِينَ.

ص: 479


1- مفاتیح الجنان : بعد دعاء الندبة وقبل زيارة الجامعة الكبيرة.

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مُعِزَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مُذِلَّ الْكافِرِينَ الْمُتَكَبِّرِينَ الظَّالِمِينَ؛ السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مَوْلاىَ يَا صاحِبَ الزَّمانِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّٰهِ.

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ،

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ فاطِمَةَ الزَّهْراءِ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ الْأَئِمَّةِ الْحُجَجِ الْمَعْصُومِينَ وَالْإِمامِ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مَوْلاىَ سَلامَ مُخْلِصٍ لَكَ فِى الْوَلايَةِ،أَشْهَدُ أَنَّكَ الْإِمامُ الْمَهْدِىُّ قَوْلاً وَفِعْلاً، وَأَنْتَ الَّذِى تَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً بَعْدَ ما مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، فَعَجَّلَ اللّٰهُ فَرَجَكَ، وَسَهَّلَ مَخْرَجَكَ؛ وَقَرَّبَ زَمانَكَ، وَكَثَّرَ أَنْصارَكَ وَأَعْوانَكَ، وَأَنْجَزَ لَكَ ما وَعَدَكَ، فَهُوَ أَصْدَقُ الْقائِلِينَ وَ ﴿نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوٰارِثِينَ﴾.

يَا مَوْلاىَ يَا صاحِبَ الزَّمانِ، يَا ابْنَ رَسُولِ اللّٰهِ، حاجَتِى كَذا وَكَذا فَاشْفَعْ لِى فِى نَجاحِها، فَقَدْ تَوَجَّهْتُ إِلَيْكَ بِحاجَتِى لِعِلْمِى أَنَّ لَكَ عِنْدَ اللّٰهِ شَفاعَةً مَقْبُولَةً وَمَقاماً مَحْمُوداً، فَبِحَقِّ مَنِ

ص: 480

اخْتَصَّكُمْ بِأَمْرِهِ، وَارْتَضاكُمْ لِسِرِّهِ، وَبِالشَّأْنِ الَّذِى لَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ، سَلِ اللّٰهَ تَعالىٰ فِى نُجْحِ طَلِبَتِى وَ إِجابَةِ دَعْوَتِى وَكَشْفِ كُرْبَتِى(1).

ومنها دعاء الندبة الشهير الذي يستحب أيام الجمعة والأعياد والمناسبات الدينية ، وهو مروي في جميع كتب الأدعية لجزیل مثبوته ، وعظمة شأنه ، تركناه لطوله.

21- وقال المحدث القمي رَحْمَةِ اللَّهِ: «الثالث: روي أن من قال بعد فريضة الظهر و فريضة الفجر في يوم الجمعة وغيره من الأيام :اللهم صل على محملي والي محم؛ وعجل فرجهم لم يمت حتى يدرك القائم عَلَيهِ السَّلَامُ، وإن قاله مائة مرة قضى الله له ستين حاجة من حاجات الدنيا والآخرة(2)».

22- الصلاة على ولي الأمر عَلَيهِ السَّلَامُ: « اَللّ-هُمَّ صَلِّ عَلى وَلِيِّكَ وَابْنِ اَوْلِيائِكَ الَّذينَ فَرَضْتَ طاعَتَهُمْ وَاَوْجَبْتَ حَقَّهُمْ وَاَذْهَبْتَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرْتَهُمْ تَطْهيراً.

ص: 481


1- مفاتیح الجنان : دعاء الاستغاثة بالحجة عَلَيهِ السَّلَامُ.
2- مفاتیح الجنان: أعمال يوم الجمعة.

اَللّ-هُمَّ انْصُرْهُ وَانْتَصِرْ بِهِ لِدينِكَ وَانْصُرْ بِهِ اَوْلِياءَكَ وَاَوْلِياءَهُ وَشيعَتَهُ وَاَنْصارَهُ، وَاجْعَلْنا مِنْهُمْ، اَللّ-هُمَّ اَعِذْهُ مِنْ شَرِّ كُلِّ باغ وَطاغ وَمِنْ شَرِّ جَميعِ خَلْقِكَ، وَاحْفُظْهُ مِنْ بَيْنِ يَديهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمينِهِ وَعَنْ شِمالِهِ، وَاحْرُسْهُ وَامْنَعْهُ اَنْ يوُصَلَ اِلَيْهِ بِسوُء، وَاحْفَظْ فيهِ رَسُولَكَ، وَآلِ رَسوُلِكَ وَاَظْهِرْ بِهِ الْعَدْلَ وَاَيِّدْهُ بِالنَّصْرِ، وَانْصُرْ ناصِريهِ وَاخْذُلْ خاذِليهِ، وَاقْصِمْ بِهِ جَبابِرَةَ الْكُفْرِ وَاقْتُلْ بِهِ الْكُفّارَ وَالْمُنافِقينَ وَجَميعَ الْمُلْحِدينَ حيثُ كانُوا مِنْ مَشارِقِ الاَرْضَ وَمَغارِبِها وَبَرِّها وَبَحْرِها وَامْلاَ بِهِ الاَرْضِ عَدْلاً وَاَظْهِرْ بِهِ دينَ نَبِيِّكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ السَّلامُ، وَاجْعَلْنِى اللّهُمَّ مِنْ اَنْصارِهِ وَاَعْوانِهِ وَاَتْباعِهِ وَشيعَتِهِ وَاَرِنى فى آلِ مُحَمَّد ما يَأمَلوُنَ وَفى عَدُوِّهُمْ ما يَحْذَرُونَ اِل-هَ الْحَقِّ آمينَ»(1).

23- وأن يدعو له عَلَيهِ السَّلَامُ بعد فريضة الظهر بدعاء الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ: «أَيْ سَامِعَ كُلِّ صَوْتٍ يَا جَامِعَ كُلِّ فَوْتٍ يَا بَارِئَ كُلِّ نَفْسٍ بَعْدَ الْمَوْتِ يَا بَاعِثُ يَا وَارِثُ يَا سَيِّدَ السَّادَةِ يَا إِلَهَ الْآلِهَةِ

ص: 482


1- مفاتیح الجنان: المقام الثالث في ذكر الصلوات على الحجج الطاهرين عَلَيهِم السَّلَامُ.

أَيْ جَبَّارَ الْجَبَابِرَةِ يَا مَلِكَ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ يَا رَبَّ الْأَرْبَابِ أَيْ مَلِكَ الْمُلُوكِ يَا بَطَّاشُ يَا ذَا الْبَطْشِ الشَّدِيدِ يَا فَعَّالًا لِما يُرِيدُ أَيْ مُحْصِيَ عَدَدِ الْأَنْفَاسِ وَ نَقْلِ الْأَقْدَامِ يَا مَنِ السِّرُّ عِنْدَهُ عَلَانِيَةٌ أَيْ مُبْدِئُ يَا مُعِيدُ أَسْأَلُكَ بِحَقِّكَ عَلَى خِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ وَ بِحَقِّهِمُ الَّذِي أَوْجَبْتَ لَهُمْ عَلَى نَفْسِكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ، أَنْ تَمُنَّ عَلَيَّ السَّاعَةَ السَّاعَةَ بِفَكَاكِ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ وَ أَنْجِزْ لِوَلِيِّكَ وَ ابْنِ نَبِيِّكَ الدَّاعِي إِلَيْكَ بِإِذْنِكَ وَ أَمِينِكَ فِي خَلْقِكَ وَ عَيْنِكَ فِي عِبَادِكَ وَ حُجَّتِكَ عَلَى خَلْقِكَ عَلَيْهِ صَلَوَاتُكَ وَ بَرَكَاتُكَ وَعْدَهُ.

اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِنَصْرِكَ وَ انْصُرْ عَبْدَكَ وَ قَوِّ أَصْحَابَهُ وَ صَبِّرْهُمْ وَ اجْعَلْ لَهُمْ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً وَ عَجِّلْ فَرَجَهُ وَ أَمْكِنْهُ مِنْ أَعْدَائِكَ وَ أَعْدَاءِ رَسُولِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ»(1).

24- وأن يدعو له عَلَيهِ السَّلَامُ بعد فريضة العصر بدعاء الإمام موسی بن جعفر الكاظم عَلَيهِ السَّلَامُ: « أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ الأَوَّلُ وَ الآخِرُ

ص: 483


1- بحار الأنوار: 62/86. فلاح السائل : 170.

وَ الظّاهِرُ وَ الباطِنُ، وَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ إِلَيْکَ زِيادَةُ الأَشْيآءِ وَ نُقْصانُها، وَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ خَلَقْتَ الخَلْقَ بِغَيْرِ مَعُونَةٍ مِنْ غَيْرِکَ وَ لا حاجَةٍ إِلَيْهِمْ، وَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ مِنْکَ المَشِيَّةُ وَ إِلَيْکَ البَدْءُ، وَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ قَبْلَ القَبْلِ وَ خالِقَ القَبْلِ، وَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ بَعْدَ البَعْدِ وَ خالِقَ البَعْدِ، وَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ تَمْحُو ما تَشآءُ وَ تُثْبِتُ وَ عِنْدَکَ أُمُّ الکِتابِ، وَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ غايَةُ کُلِّ شَيْ ءٍ وَ وارِثُهُ، وَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ لايَعْزُبُ عَنْکَ الدَّقِيقُ وَ لَا الجَلِيلُ، وَ أَنْتَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلّا أَنْتَ لاتَخْفي عَلَيْکَ اللُّغاتُ وَ لا تَتَشابَهُ عَلَيْکَ الأَصْواتُ، کُلَّ يَوْمٍ أَنْتَ فِي شَأْنٍ لا يَشْغَلُکَ شَأْنٌ عَنْ شَأْنٍ، عالِمُ الغَيْبِ وَ أَخْفي، دَيّانُ الدِّينِ، مُدَبِّرُ الأُمُورِ، باعِثُ مَنْ فِي القُبُورِ، مُحْيِي العِظامِ وَ هِيَ رَمِيمٌ. أَسْأَلُکَ بِاسْمِکَ المَکْنُونِ الَمخْزُونِ الحَيِّ القَيُّومِ الَّذِي لا يُخَيَّبُ مَنْ سَأَلَکَ بِهِ أَنْ تُصَلِّيَ عَلي مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ أَنْ تُعَجِّلَ فَرَجَ المُنْتَقِمِ لَکَ مِنْ أَعْدآئِکَ وَ أَنْجِزْ لَهُ ما وَعَدْتَهُ، يا ذَاالجَلالِ وَ الإِکْرامِ»...الخ(1)»

ص: 484


1- فلاح السائل: 199.

25- وأن يدعو له عَلَيهِ السَّلَامُ بعد صلاة الصبح بدعاء العهد ، ويقول : « یا رب صل على محمد وآل محمد ، وعجل فرج آل محمد ، وأعتق رقبتي من النار»(1).

26- و ِإِن یدعو له عَلَيهِ السَّلَامُ بعد کلّ رکعتین من صلاة الیل بهذا الدعاء:

«اللّهم إِنّي أَسْأَلُكَ وَلَمْ يُسْأَلْ مِثْلُكَ، أَنْتَ مَوْضِعُ مَسْأَلَةِ السَّائِلينَ وَمُنْتَهى رَغْبَةِ الرَّاغِبينَ، أَدْعُوكَ وَلَمْ يُدْعَ مِثْلُكَ، وَأَرْغَبُ إِلَيْكَ وَلَمْ يُرْغَبْ إِلى مِثْلِكَ، أَنْتَ مُجيبُ دَعْوَةِ الْمُضْطَرّينَ وَأَرْحَمُ الرَّاحِمينَ، أَسْأَلُكَ بِأَفْضَلِ الْمَسائِلِ وَأَنْجَحِها وَأَعْظَمِها، يا الله يا رَحْمانُ يا رَحيمُ وَبِأَسْمائِكَ الْحُسْنى، وَأَمْثالِكَ الْعُلْيا، وَنِعَمِكَ الَّتي لا تُحْصى. وَبِأَكْرَمِ أَسْمائِكَ عَلَيْكَ، وَأَحَبِّها إِلَيْكَ، وَأَقْرَبِها مِنْكَ وَسيلَةً، وَأَشْرَفِها عِنْدَكَ مَنْزِلَةً، وأَجْزَلِها لَدَيْكَ ثَواباً، وَأَسْرَعِها فِي الْاُمُورِ إِجابَةً، وَبِاسْمِكَ الْمَكْنُونِ الْأَكْبَرِ الْأَعَزِّ الْأَجَلِّ الْأَعْظَمِ الْأَكْرَمِ، اَلَّذي تُحِبُّهُ وَتَهْواهُ، وَتَرْضى بِهِ عَمَّنْ دَعاكَ، فَاسْتَجَبْتَ لَهُ دُعاءَهُ،

ص: 485


1- المقباس / المجلسي: تعقیبات صلاة الصبح .

وَحَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ لا تَحْرِمَ سائِلَكَ وَلا تَرُدَّهُ. وَبِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجيلِ وَالزَّبُورِ وَالْقُرْآنِ الْعَظيمِ، وَبِكُلِّ اسْمٍ دَعاكَ بِهِ حَمَلَةُ عَرْشِكَ وَمَلائِكَتُكَ، وَأَنْبِياؤُكَ وَرُسُلُكَ، وَأَهْلُ طاعَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تُعَجِّلَ فَرَجَ وَلِيِّكَ وَابْنِ وَلِيِّكَ، وَتُعَجِّلَ خِزْيَ أَعْدائِهِ»(1).

27- وهناك دعاء القنوت لمولانا أبي جعفر عَلَيهِ السَّلَامُ المروي في منهج الدعوات(2).

28- وهكذا دعاء القنوت الوارد عن الإمام الجواد عَلَيهِ السَّلَامُ(3).

29- ودعاء القنوت المروي عن الإمام الجواد عَلَيهِ السَّلَامُ أيضا(4).

30- ودعاء القنوت المروي عن الإمام الهادي عَلَيهِ السَّلَامُ(5).

31- ودعاء القنوت للإمام الحجة صلوات الله عليه(6).

ص: 486


1- جمال الصالحين . مهج الدعوات: 49.
2- مهج الدعوات: 51.
3- مهج الدعوات: 59.
4- بحار الأنوار: 225/58 - 226.
5- مهج الدعوات: 61-62.
6- مهج الدعوات: 67.

32- ودعاء القنوت لمولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه: « اللهم إليك شخصين الأبصار ، وثقلت الأقدام .. إلخ »(1).

33- والدعاء المروي عن الإمام الباقر عَلَيهِ السَّلَامُ في قنوت صلاة يوم الجمعة(2).

34- والدعاء المروي عن الإمام الرضا عَلَيهِ السَّلَامُ في قنوت صلاة الجمعة(3).

35- والدعاء المروي عن الإمام الصادق عَلَيهِ السَّلَامُ، ويستحب قرائته كل صباح ومساء: «اَللّٰهُمَّ إِنّیٖ أَصْبَحْتُ أَستَغْفِرُکَ فیٖ هٰذَا الصَّبٰاحِ وَ فیٖ هٰذَا الْیَوْمِ ...»(4).

36- وما يستحب أن يقرأ في آخر ساعة من النهار(5).

وهناك أدعية أخرى كثيرة مروية في كتب الأصحاب يستحب أن يدعو بها المؤمن لامام زمانه عَلَيهِ السَّلَامُ، بعضها يخص الأيام، وبعضها

ص: 487


1- مستدرك الوسائل: 319/1.
2- من لا يحضره الفقيه: 487/1. جمال الأسبوع: 415.
3- جمال الأسبوع: 413.
4- الكافي: 529/2. مصباح المتهجد: 213.
5- بحار الأنوار: 340/86.

يخصّ الليالي ، وبعضها يختص بالأزمنة الخاصة المباركة ، وبعضها خاصّ بأماكن مشرّفة ، لا سيمّا أنّ هناك أدعية خاصّة كثيرة للدعاء له عَلَيهِ السَّلَامُ بالفرج و تعجیل فرجه جمعها العلّامة النحرير آية الله السيد محمّد تقي الموسوي الإصفهاني في كتابه « مکیال المکارم» الذي يعدّ حقّاً من كنوز آل محمّد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، فجزاه الله عن مولانا صاحب الأمر عجل لله تعالى فرجه الشريف ، وعن شيعته خير جزاء الصالحين ، وجعله ذخرا لآخرته ، ليوم فقره و فاقته.

وأما الأدعية والصلوات المروية عنه، فهی:

1- صلاة الحجة القائم عجل الله تعالی فرجه الشريف ودعاؤه(1).

2- دعاء: « اللّٰهُمَّ صَلِّ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَحُجَّةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ... الخ »(2).

3- دعاء زمن الغيبة: اَللّهُمَّ عَرِّفْني نَفْسَكَ، فَاِنَّك اِنْ لَمْ تُعَرِّفْني نَفْسَكَ َرَسُولَكَ...»(3).

4- دعاء السمات(4).

ص: 488


1- مفاتیح الجنان: بعد دعاء كميل.
2- مفاتیح الجنان: بعد دعاء كميل.
3- مفاتیح الجنان: أعمال يوم الجمعة.
4- مفاتیح الجنان: بعد دعاء العشرات.

ه- دعاء الفرج:«االلّهُمَ عَظُمَ الْبَلاءُ، وَ بَرِحَ الْخَفآءُ...الخ»(1).

6- دعاء الفرج: «اللّٰهُمَّ ارْزُقْنا تَوْفِيقَ الطّاعَةِ، وَبُعْدَالْمَعْصِيَةِ...الخ»(2).

7- دعاء الحجة عجل الله تعالی فرجه : «إِلٰهِى بِحَقِّ مَنْ نَاجَاكَ، وَبِحَقِّ مَنْ دَعَاكَ فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ...»(3)

8- دعاء الاستغاثة بالحجة عَلَيهِ السَّلَامُ: «سَلامُ اللهِ الْكامِلُ التّامُّ الشّامِلُ الْعامُّ، وَصَلَواتُهُ...إلخ »(4).

9- دعاء التوحيد : «اللّهم إِنّي أَسْأَلُكَ بِمَعاني جَميعِ ما يَدْعُوكَ بِهِ وُلاةُ أَمْرِكَ، اَلْمَأْمُونُونَ عَلى سِرِّكَ... إلخ »(5).

10- دعاء المولودین : «اللهم اني إني أسألك بالمولودين في رجب محمد بن علي الثاني وابنه علي بن محمد المنتجب... إلخ »(6).

11- صلاة يوم المبعث ودعاؤها(7).

ص: 489


1- مفاتیح الجنان: دعاء الحجة.
2- مفاتیح الجنان: أعمال شهر رجب.
3- مفاتیح الجنان: دعاء الحجة عَلَيهِ السَّلَامُ.
4- مفاتیح الجنان: دعاء الاستغاثة بالحجة عَلَيهِ السَّلَامُ.
5- مفاتیح الجنان: أعمال شهر رجب.
6- مفاتیح الجنان: أعمال شهر رجب.
7- مفاتیح الجنان: أعمال شهر رجب / يوم المبعث.

12- دعاء المولود: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ الْمَوْلُودِ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ اسْتِهْلالِهِ وَ وِلادَتِهِ...إلخ »(1).

13- صلاة الحجة عَلَيهِ السَّلَامُ في جامع جمکران(2).

14- حرز مولانا القائم عَلَيهِ السَّلَامُ(3).

15- الاستخارة بالعدد(4).

16- دعاء العلوي المصري(5).

17- لقضاء الحوائج:«اَللّهُمَّ اِنْ اَطْعَتُكَ فَالْمَحْمِدَةُ لَكَ واِنْ عَصَيْتُكَ فَالْحُجَّةُ لَكَ ... إلخ »(6).

18- «اللهُمَّ أنجِز لی ما وَعَدتَنی.اللهُمَّ انتَقِم لی مِن أعدائی»(7).

ص: 490


1- مفاتیح الجنان: أعمال شعبان الخاصة / اليوم الثالث.
2- مفاتیح الجنان: کتاب الباقيات الصالحات / صلاة الحجة عَلَيهِ السَّلَامُ
3- مفاتیح الجنان: کتاب الباقيات الصالحات: أحراز ودعوات موجزة .
4- مفاتیح الجنان: کتاب الباقيات الصالحات / الاستخارة بالعدد .
5- مهج الدعوات: 280 - 293.
6- مهج الدعوات: 294 - 295.
7- أمالي الصدوق.

19- دعاء المنن السابغة : «اَللّ-هُمَّ یا ذَا الْمِنَنِ السّابِغَةِ، وَالاْلاءِ الْوازِعَةِ، والرَّحْمَةِ الْواسِعَةِ...إلخ »(1).

20- دعاء يا من أظهر الجميل:«يَا مَنْ أَظْهَرَ الْجَمِيلَ وَ سَتَرَ الْقَبِيحَ يَا مَنْ لَمْ يُؤَاخِذْ بِالْجَرِيرَةِ...إلخ »(2).

21- دعاء القنوت : «اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ... إلخ »(3).

22- دعاء القائم: «لا إله إلا الله حقا حقا لا إله إلا الله إيمانا و تصديقا...إلخ »(4).

23- دعاء المعرفة والصابوني: «اَنَّکَ عَرَّفْتَنی نَفْسَک وَ عَرَّفْتَنی رَسُولَکَ... إلخ »(5).

24- دعاء المدد الروحاني: «رب أسألك مدداً روحانياً تقوي به قواى الكلية والجزئية... إلخ »(6).

ص: 491


1- مفاتیح الجنان: أعمال شهر رجب و مسجد صعصعة.
2- بحار الأنوار: 304/51 و 305.
3- مهج الدعوات.
4- بحار الأنوار:: 391/52
5- مهج الدعوات.
6- الكلم الطيب /السيد علي خان الشيرازي.

25- دعاء المبدأ والمعيد : «لأنْتَ ٰلله إلٰهَ إلّا، مُبْ-دِئُ الْخَلْقِ وَمُعيدُهُمْ... إلخ »(1).

26- دعاء الشفاء : «بِسمِ اللّه دَواءٌ وَ الحَمدُللّه شِفاءٌ...إلخ »(2).

27- دعاء الزيارة : «اللَّهُمَّ إِنِّی أَسْأَلُکَ بِاسْمِکَ الَّذِی خَلَقْتَهُ مِنْ کُلِّکَ، فَاسْتَقَرَّ فِیکَ... إلخ »(3).

28- دعاء القنوت المروي عنه عَلَيهِ السَّلَامُ(4).

ص: 492


1- الكلم الطيب / السيد علي خان الشيرازي.
2- البلد الأمين / الكفعمي.
3- بحار الأنوار: 39/94.
4- مهج الدعوات: 68.

الدرس التاسع والعشرون: ما روی له وعنه من الزيارات

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

الزيارة صلة بين المرء ومن يحب، وتعبير عن حبّ الإنسان و مودّته لمن يزوره ، كما أنّ الدعاء للغير تواصل و توادد، و تعبير عن محبّة الفرد ومودّته لمن يدعو له بظهر الغيب ، وكلّما ازدادت المحبّة ، وتضاعفت المودّة، وتناهي الشوق ، كلّما زاد الدعاء وتضاعف الإصرار عليه للغير ،وهكذا زادت وتضاعفت و تناهت الزيارة للغير ، ومن هذا المنطلق أمرنا بزيارة الوالدين والأرحام والأقربين والمؤمنين ، ونبادر إلى عيادة المرضى ، ونعود الأيتام والمحتاجين ، الأنّا مأمورون بمحبّة هؤلاء، وزيارتهم والدعاء لهم تعبیر صادق عن محبّتهم وإظهار لمودّتهم.

لكنّ الزيارة والدعاء قد يأخذان مسالك أدقّ، ويدخلان فضاءاً

ص: 493

أوسع ، ویردان بمعانٍ أشمل وأعظم ، وذلك عندما ينطلق المرء في زیاراته وأدعيته علاوة على مفهوم المحبّة والمودّة والتراحم والتواصل وحقائقها ، من مفاهيم أعظم ، ومبادئ أسمى، وحقائق أجلى ، کالزيارة والدعاء من أجل مرضاة الله تبارك وتعالى ، وخالصةً الوجهه الكريم ، أضف إليها المودّة والمحبة ، والإحساس الصادق بالتكليف ، وأداء الواجب والوظيفة الإلهيّة ، و تقوية عرى الإيمان ، واكتساب الفضائل والمكارم ، وشفاء غليل النفس والروح بالعلوم والمعارف ، وتقوية القوى الرحمانيّة من الورع والتقوى ، والتخلّص من أكدار المعاصي ، وأرجاس الذنوب ، وسيّئات الأخلاق والأفعال ، وطلب التهذيب والتزكية والتكامل والتسامي ، وهي أمور تکسب و ترجى من زيارة المرء لأولياء الله تعالى وأصفيائه من الأنبياء والرسل والأئمّة والصالحين ؛ لأنّها تعبير صادق عن مدى حبّه وإخلاصه لهم ، ورغبته في طاعتهم والاقتداء والتأسّي بهم ، والإيثار والتضحية في سبيلهم وسبيل رسالاتهم ومبادئهم ومعالمهم التي يدعون إليها ، ولأنّها تعبير عن تمسّكه بتلك المعارف والمبادئ والشريعة والأحكام ، و تعبير عن العمل بها وتطبيقها في كلّ مفاصل الحياة ومجالاتها.

لهذا نجد هذه الزيارات والأدعية المأثورة مليئة بالمعارف والعلوم

ص: 494

الربّانيّة ، وطرق التعليم والتربية والتهذيب ، فيها ما نحن بأمسّ الحاجة إليه ، والبشريّة لا تستغني عنه ، فيها علاج ما تعاني منه البشريّة في عصرنا هذا، وفي كلّ العصور ، فيها دواء النفوس السقيمة والأرواح المريضة ، فيها دواء الأمراض والعلل النفسانيّة التي يعاني منها الإنسان، لا سيمّا في هذا العصر ، ففيها علاج أمراض الكآبة والعزلة ، وفيها علاج أمراض الكبر والتكبّر والتجبّر والطغيان والاستبداد ، وفيها علاج حبّ الدنيا وحبّ الرئاسة الذي هو رأس كلّ خطيئة ، والسبب في كلّ هذه الجرائم ، وفيها علاج أمراض الغرور وحبّ الذات و تحقير الغير ، وفيها علاج الجهل ، وفيها علاج الجبن والخنوع ، وفيها علاج حبّ الظلم والاعتداء ، وفيها علاج حبّ المعصية والذنوب ، وفيها علاج الغفلة والسهو والنسيان ، وفيها علاج کافّة الأمراض والعلل النفسية والروحية التي باتت معضلة تؤرّق ضمير الإنسانيّة و تسلب الراحة من عينيه.

وإنّما كانت كذلك لأنّها صلة بين العبد وبين مولاه وسيّده وربّه أوّلاً، وبين أنبيائه ورسله وأئمّة الهدى ثانياً، كما أنّها تشدّه إلى الله تعالى عن طريق اتّصاله بأوليائه ، و تعلّمه مقاماتهم ومنازلهم ، وكيف كانوا ، وكيف ينبغي أن يكون هو ، وما هي آداب الدعاء والزيارة ، كيف يزور أنبياء الله تعالى ورسله ، وكيف يزور الأئمّة الراشدين

ص: 495

الهادين المهديّين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وماذا تدرّ عليه هذه الزيارات ، وما تعود عليه من مفاتيح دنيويّة وأخرويّة. فعلينا توثيق عرى الارتباط والاتصال بأولياء الله تعالى الدالّين عليه والدعاة إليه ، بزيارتهم في حياتهم ، وبعد مماتهم ؛ إذ لم ينقطع هذا الارتباط بيننا وبينهم بعد وفاتهم ، وكان من عظيم مننه تعالى علينا وجزيل فضله وإحسانه إلينا أن ترك باب الاتّصال والارتباط بأوليائه مفتوحاً علينا ولنا بمصراعيه ، وأمكننا من زيارتهم ، ولم يحرمنا من هذه النعمة ، بل علّمنا بواسطتهم كيف نأخذ بحجزتهم بعد وفاتهم ، وكيف نستفيد ونتفع من فيض وجودهم في عالم الآخرة والبرزخ.

وإليك جملة من الزيارات التي وردت لمولانا صاحب الأمر صلوات الله عليه ، مليئة بالمعارف الحجّة ، والتعاليم العظيمة ، تدلّك على معرفة مقاماته ومنازله ، وتعلّمك كيف تخاطبه ، وترشدك إلى سبل فضله ، وطرق کسب ودّه ورضاه ، والتقرّب منه ، وتأخذ بك إلى حيث التضحية والإيثار، والولاء الصادق بالعمل الدؤوب من أجل الانتظار في كلّ ساعات الليل والنهار ، وتهديك إلى طرق التهذيب والتركية والتربية ، ومكارم الأخلاق ، إنّها مدرسة خالدة تحوي كنوز العلم والأدب والمعرفة ، ورثناها من أبواب مدينة العلم ، الذين هم

ص: 496

ورثة رسول الله صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، وأمناءِ الله تعالى على أسراره وحِکَمِهِ ، وقادة هذا الدين الحنيف ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، فانظر إلى مضامینها ، ودقّق النظر وأمعن الفكر فيها ، و تأمّل في معانيها و كلماتها.

فأمّا الزيارات المأثورة عَلَيهِ السَّلَامُ، والتي نزوره بها من قريب أو بعيد فهي:

1- زيارة الإمام المهدي صلوات الله عليه(1).

بسم الله الرحمن الرحيم

لا لأمره تعقلون ، ولا من أوليائه تقبلون ، حكمة بالغة فما تغني النذر عن قوم لا يؤمنون ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، إذا أردتم التوجّه بنا إلى الله تعالى وإلينا فقولوا كما قال الله تعالى : ﴿سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ﴾(2)

اَلسَّلامُ عَلَيکَ يا داعيَ اللهِ وَ ربّانيَّ آياتِه، اَلسَّلامُ عَلَيکَ يا بابَ اللهِ وَ ديّانَ دينِه، اَلسَّلامُ عَليکَ يا خَليفةَ اللهِ وَ ناصِرَ حَقِّه، اَلسَّلامُ عَليکَ يا حُجَّةَ اللهِ وَ دليلَ إرادَتِه، اَلسَّلامُ عَليکَ يا تاليَ کِتابِ اللهِ

ص: 497


1- الاحتجاج: 315/2-317.
2- سورة الصافات 130:37.

وَ تَرجُمانَه اَلسَّلامُ عَلَيکَ في آناءِ لَيلِکَ وَ أطرافِ نَهارِکُ اَلسَّلامُ عَلَيکَ يا بَقيَّةَ اللهِ في أرضِه اَلسَّلامُ عَلَيکَ يا ميثاقَ اللهِ الَّذي أخَذَهُ وَ وکَّدَه اَلسَّلامُ عَليکَ يا وَعدَ الله الَّذي ضَمِنَه اَلسَّلامُ عَلَيکَ أيُّهَا الْعَلَمُ الْمَنصوبُ وَ الْعِلمُ الْمَصبوب وَ الْغَوثُ وَ الرَّحمَةُ الواسِعَة وَعداً غَيرَ مَکذوب اَلسَّلامُ عَليکَ حينَ تَقوم السَّلامُ عَليکَ حينَ تَقعُد السَّلامُ عَليکَ حينَ تَقرءُ وَ تُبيِّن اَلسَّلامُ عَلَيکَ حينَ تُصَلّي وَ تَقنُت اَلسَّلامُ عَلَيکَ حينَ تَرکَعُ وَ تَسجُدَاَلسَّلامُ عَلَيکَ حينَ تُهَلِّلُ وَ تُکَبِّر اَلسَّلامُ عَلَيکَ حينَ تَحمَدُ وَ تَستَغفِر اَلسَّلامُ عَلَيکَ حينَ تُصبِحُ وَ تُمسي اَلسَّلامُ عَلَيکَ في الَّليلِ إذا يَغشي وَ النَّهارِ إذا تَجَلّي اَلسَّلامُ عَليکَ أيُّهَا الإمامُ المَأمون اَلسَّلامُ عَلَيکَ إيُّهَا الْمُقَدَّمُ الْمَأمول اَلسَّلامُ عَلَيکَ بِجَوامِعِ السَّلام.

اُشهِدُکَ يا مَولاي أنّي اَشهَدُ أن لا إلهَ إلاّ الله وَحدَهُ لا شَريکَ لَهَ وَ اَشهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبدُهُ وَ رَسولُه لا حَبيبَ إلاّ هُوَ وَ أهلُه وَ اُشهِدُکَ يا مَولاي اَنَّ عليّاً أميرَ المُؤمِنينَ حُجَّتُه وَ الْحَسَن حُجَّتُه وَ الْحُسينَ حُجَّتُه وَ عَليَّ بنَ الْحُسينِ حُجَّتُه وَ مُحَمَّدَ بنَ عَليٍّ

ص: 498

حُجَّتُه وَ جَعفَر بنَ مُحَمَّدٍ حُجَّتُه، وَ موسَي بنَ جَعفَرٍ حُجَّتُه، وَ عَليَّ بنَ موسي حُجَّتُه، وَ مُحَمَّدَ بنَ عَليٍّ حُجَّتُه، وَ عَليٍّ بنَ مُحَمَّدٍ حُجَّتُهُ، وَالحَسَنش بنَ عَلِیًّ حُجَّتُه، وَ اَشهَدُ اَنَّکَ حُجَّةُ الله، أنتُم الاوَّلُ وَ الاخِر، وَ أنَّ رَجعَتَکُم حَقٌّ لا رَيبَ فيها يَومَ لايَنفَعُ نَفساً ايمانُها لَم تَکُن آمَنَت مِن قَبل، اَو کَسَبَت في ايمانِها خَيراً، وَ أنَّ الْمَوتَ حَقّ، وَ أنَّ ناکِراً وَ نکيراَ حَقّ، وَ اَشْهَدُ اَنَّ النَّشرَ حَقّ، وَ البَعثَ حَقِّ، وَ اَن الصِّراطَ حَقّ، وَ المِرصادَ حَقّ، وَ الميزانَ حَقّ، وَ الْحَشرَ حَقّ، وَ الحِسابَ حَقّ، وَ الْجَنَّةَ وَ النّارَ حَقّ، وَ الوَعدَ وَ الوَعيدَ بِهِما حَقّ.

يا مَولايَ، شَقِيَ مَن خالَفَکُم، وَ سَعِدَ مَن أطاعَکُم، فَاشْهَدْ ما أشهَدتُکَ عَلَيه، وَ أنَا وَليٌّ لَکَ، بَريءٌ مِن عَدُوِّک، فَالحَقُّ ما رَضيتُموه، وَ الباطِلُ ما أسخَطتُموهً، وَ الْمَعروفُ ما أمَرتُم بِه، وَ الْمُنکَرُ ما نَهَيتُم عَنه، فَنَفسي مُؤمِنَةٌ بِالله وَحدَهُ لا شَريکَ لَه وَ بِرَسولِه وَ بِأميرِالمُؤمِنينَ وَ بِکُم يا مَولاي، أوَّلِکُم وَ آخِرِکُم، وَ نُصرَتي مَعَدَّةٌ لَکُم وَ مَوَدَّتي خالِصَةٌ لَکُم، آمينَ آمين.

ص: 499

2- زيارة صاحب الأمر عَلَيهِ السَّلَامُ(1):

3- زيارة الندبة(2).

4- زيارة صاحب الأمر عَلَيهِ السَّلَامُ(3).

ه- زيارة لصاحب الأمر(4).

سَلامُ اللّٰهِ الْكامِلُ التَّامُّ الشَّامِلُ الْعامُّ، وَصَلَواتُهُ الدَّائِمَةُ وَبَرَكاتُهُ الْقائِمَةُ التَّامَّةُ عَلىٰ حُجَّةِ اللّٰهِ وَوَ لِيِّهِ فِى أَرْضِهِ وَبِلادِهِ، وَخَلِيفَتِهِ عَلىٰ خَلْقِهِ وَعِبادِهِ، وَسُلالَةِ النُّبُوَّةِ وَبَقِيَّةِ الْعِتْرَةِ وَالصَّفْوَةِ، صاحِبِ الزَّمانِ، وَمُظْهِرِ الْإِيمانِ، وَمُلَقِّنِ أَحْكامِ الْقُرْآنِ، وَمُطَهِّرِ الْأَرْضِ، وَناشِرِ الْعَدْلِ فِى الطُّولِ وَالْعَرْضِ، وَ الْحُجَّةِ الْقائِمِ الْمَهْدِيِّ، الْإِمامِ الْمُنْتَظَرِ الْمَرْضِيِّ ، وَابْنِ الْأَئِمَّةِ الطَّاهِرِينَ، الْوَصِيِّ ابْنِ الْأَوْصِياءِ الْمَرْضِيِّينَ، الْهادِي الْمَعْصُومِ ابْنِ الْأَئِمَّةِ الْهُداةِ الْمَعْصُومِينَ .

ص: 500


1- بحار الأنوار: 36/94.
2- مصباح الزائر / ابن طاووس: 223 - 225.
3- المصدر المتقدم: 216.
4- المصدر المتقدم: 225.

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مُعِزَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مُذِلَّ الْكافِرِينَ الْمُتَكَبِّرِينَ الظَّالِمِينَ؛ السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مَوْلاىَ يَا صاحِبَ الزَّمانِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّٰهِ.

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ.

السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ فاطِمَةَ الزَّهْراءِ سَيِّدَةِ نِساءِ الْعالَمِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ الْأَئِمَّةِ الْحُجَجِ الْمَعْصُومِينَ وَالْإِمامِ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مَوْلاىَ سَلامَ مُخْلِصٍ لَكَ فِى الْوَلايَةِ، أَشْهَدُ أَنَّكَ الْإِمامُ الْمَهْدِىُّ قَوْلاً وَفِعْلاً، وَأَنْتَ الَّذِى تَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً بَعْدَ ما مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، فَعَجَّلَ اللّٰهُ فَرَجَكَ، وَسَهَّلَ مَخْرَجَكَ؛ وَقَرَّبَ زَمانَكَ، وَكَثَّرَ أَنْصارَكَ وَأَعْوانَكَ، وَأَنْجَزَ لَكَ ما وَعَدَكَ، فَهُوَ أَصْدَقُ الْقائِلِينَ وَ ﴿نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوٰارِثِينَ﴾.

یا مولای یا صاحب الرمان ، يابن رشول الله ، حاجتی کذا وكذا فاشفع لي في تجاجها

ص: 501

6- زيارة صاحب الأمر عَلَيهِ السَّلَامُ(1).

7- زيارة صاحب الأمر صلوات الله وسلامه عليه(2).

8- زيارة صاحب الأمر صلوات الله عليه(3).

9- استئذان السرداب المقدس(4).

10- زيارة الإمام صاحب الزمان عَلَيهِ السَّلَامُ(5)

11- زيارته عَلَيهِ السَّلَامُ يوم الجمعة(6).

اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ في اَرْضِهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا عَيْنَ اللهِ في خَلْقِهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا نُورَ اللهِ الَّذي يَهْتَدي بِهِ الْمُهْتَدُونَ وَيُفَرَّجُ بِهِ عَنِ الْمُؤْمِنينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْمُهَذَّبُ الْخائِفُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْوَلِيُّ النّاصِحُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا سَفينَةَ النَّجاةِ،

ص: 502


1- مصباح الزائر: 226.
2- المصدر المتقدم: 228.
3- المصدر المتقدم: 229.
4- بحار الأنوار: 115/102.
5- المزار / ابن المشهدي: 194،وفي کثیر من کتب الأدعية والزيارات كمزار الشهيد الأول: 2.
6- مفاتیح الجنان: الفصل الخامس .

اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا عَيْنَ الْحَياةِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ بَيْتِكَ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ عَجَّلَ اللهُ لَكَ ما وَعَدَكَ مِنَ النَّصْرِ وَظُهُورِ الْاَمْرِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ، اَنَا مَوْلاكَ عارِفٌ بِاُولاكَ وَاُخْراكَ اَتَقَرَّبُ اِلَى اللهِ تَعالى بِكَ وَبِآلِ بَيْتِكَ، وَاَنْتَظِرُ ظُهُورَكَ وَظُهُورَ الْحَقِّ عَلى يَدَيْكَ وَأَسْأَلُ اللهَ اَنْ يُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد وَاَنْ يَجْعَلَنى مِنَ الْمُنْتَظِرينَ لَكَ وَالتّابِعينَ وَالنّاصِرينَ لَكَ عَلى اَعْدائِكَ وَالْمُسْتَشْهَدينَ بَيْنَ يَدَيْكَ في جُمْلَةِ اَوْلِيائِكَ.

يا مَوْلايَ يا صاحِبَ الزَّمانِ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْكَ وَعَلى آلِ بَيْتِكَ هذا يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَوْمُكَ الْمُتَوَقَّعُ فيهِ ظُهُورُكَ وَالْفَرَجُ فيهِ لِلْمُؤْمِنينَ عَلى يَدَيْكَ وَقَتْلُ الْكافِرينَ بِسَيْفِكَ وَاَنَا يا مَوْلايَ فيهِ ضَيْفُكَ وَجارُكَ وَاَنْتَ يا مَوْلايَ كَريمٌ مِنْ اَوْلادِ الْكِرامِ وَمَأْمُورٌ بِالضِّيافَةِ وَالْاِجارَةِ فَاَضِفْني وَاَجِرْني صَلَواتُ اللهِ عَلَيْكَ وَعَلى اَهْلِ بَيْتِكَ الطّاهِرينَ.

ص: 503

12- آداب السرداب الطاهر(1).

13- زيارة آل يس (2).

14- الصلاة على الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ(3).

اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلي مُحَمَّدٍ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ صَلِّ عَلي وَلِيِّ الحَسَنِ وَ وَصِيِّهِ وَ وارِثهِ القآئِمِ بِأَمْرِکَ وَ الغآئِبِ فِي خَلْقِکَ وَ المُنْتَظِرِ لِإِذْنِکَ.

اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ وَ قَرِّبْ بُعْدَهُ وَ أَنْجِزْ وَعْدَهُ وَ أَوْفِ عَهْدَهُ وَ اکْشِفْ عَنْ بَأْسِهِ حِجابَ الغَيْبَةِ وَ اظْهِرْ بِظُهُورِهِ صَحآئِفَ الِمحْنَةِ وَ قَدِّمْ أَمامَهُ الرُّعْبَ وَ ثَبِّتْ بِهِ القَلْبَ وَ أَقِمْ بِهِ الحَرْبَ وَ أَيِّدْهُ بِجُنْدٍ مِنَ المَلآئِکَةِ مُسَوِّمِينَ وَ سَلِّطْهُ عَلي أَعْدآءِ دِينِکَ أَجْمَعِينَ، وَ أَلْهِمْهُ أَنْ لا يَدَعَ مِنْهُم رُکْناً إِلّا هَدَّهُ وَ لا هاماً إِلّا قَدَّهُ وَ لا کَيْداً إِلّا رَدَّهُ وَ لا فاسِقاً إِلّا حَدَّهُ وَ لا فِرْعَوْنَ إِلّا حَدَّهُ وَ لا فِرْعَوْنَ إِلّا أَهْلَکَهُ وَ لا سَتْراً إِلّا هَتَکَهُ وَ لا عَلَمَاً إِلّا نَکَسَه وَ لا سُلْطاناً إِلّا کَبَتَهُ وَ لا شَيْطاناً إِلّا کَسَبَهُ

ص: 504


1- مفاتیح الجنان: المقام الثاني / في آداب السرداب الطاهر.
2- مفاتیح الجنان: بعد آداب السرداب الطاهر.
3- مفاتیح الجنان: قبل دعاء الندبة.

وَ لا رُمْحاً إِلّا قَصَفَهُ وَ لا مَطْرَداً إِلّا خَرَقَهُ، وَ لا جُنْداً إِلّا فَرَقَهُ وَ لا مِنْبَراً إِلّا أَحْرَقَهُ، وَ لا سَيْفاً إِلّا کَسَرَهُ وَ لا صَنَماً إِلّا رَضَّهُ، وَ لا دَماً إِلّا أَراقَهُ، وَ لا جَوْراً إِلّا أَبادَهُ وَ لا حِصْنَاً إِلّا هَدَمَهُ، وَ لا باباً إِلّا رَدَمَهُ، وَ لا قَصْراً إِلّا أَخَرَبَهُ، وَ لا مَسْکَناً إِلّا فَتَّشَهُ، وَ لا سَهْلاً إِلّا أَوْطَأَهُ، وَ لا جَبَلاً إِلّا صَعِدَهُ، وَ لا کَنْزاً إِلّا أَخْرَجَهُ، بِرَحْمَتِکَ يا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ.

15- الأمر الثاني: ما يزار به مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليه كل يوم بعد صلاة الفجر وهي:

اللَّهُمَّ بَلِّغْ مَوْلَايَ صَاحِبَ الزَّمَانِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، عَنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَاتِ، فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَ مَغَارِبِهَا وَ بَرِّهَا وَ بَحْرِهَا وَ سَهْلِهَا وَ جَبَلِهَا، حَيِّهِمْ وَ مَيِّتِهِمْ، وَ عَنْ وَالِدَيَّ وَ وُلْدِي وَ عَنِّي، مِنَ الصَّلَوَاتِ وَ التَّحِيَّاتِ، زِنَةَ عَرْشِ اللَّهِ وَ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ وَ مُنْتَهَى رِضَاهُ، وَ عَدَدَ مَا أَحْصَاهُ كِتَابُهُ، وَ أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ.

اللَّهُمَّ إِنِّي أُجَدِّدُ لَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَ فِي كُلِّ يَوْمٍ عَهْدًا وَ عَقْدًا وَ بَيْعَةً لَهُ فِي رَقَبَتِي.

اللَّهُمَّ كَمَا شَرَّفْتَنِي بِهَذَا التَّشْرِيفِ وَ فَضَّلْتَنِي بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ

ص: 505

وَ خَصَصْتَنِي بِهَذِهِ النِّعْمَةِ، فَصَلِّ عَلَى مَوْلَايَ وَ سَيِّدِي صَاحِبِ الزَّمَانِ، وَ اجْعَلْنِي مِنْ أَنْصَارِهِ وَ أَشْيَاعِهِ وَ الذَّابِّينَ عَنْهُ، وَ اجْعَلْنِي مِنَ الْمُسْتَشْهَدِينَ بَيْنَ يَدَيْهِ، طَائِعًا غَيْرَ مُكْرَهٍ، فِي الصَّفِّ الَّذِي نَعَتَّ أَهْلَهُ فِي كِتَابِكَ، فَقُلْتَ:﴿صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ﴾(1) عَلَى طَاعَتِكَ وَ طَاعَةِ رَسُولِكَ وَ آلِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، اللَّهُمَّ هَذِهِ بَيْعَةٌ لَهُ فِي عُنُقِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ(2).

16- وأفضل ما يزار به الأئمة جميعا، والإمام الحجة المنتظر صلوات الله عليه على وجه الخصوص ، هو زيارة الجامعة الكبيرة(3).

أما الزيارات التي رويت عنه وخرجت من ناحيته المقدسة ، ونزور بها الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم ، فهي:

1- زيارة الإمام أمير المؤمنين عَلَيهِ السَّلَامُ يوم الأحد: «السَّلامُ عَلى الشَّجَرَةِ النَّبَوِيَّةِ ، وَالدَّوْحَةِ الهاشِمِيَّةِ... إلخ»(4).

ص: 506


1- سورة الصف: الآية 4.
2- مفاتیح الجنان: بعد دعاء الندبة.
3- مفاتیح الجنان ، وأكثر كتب الأدعية والزيارات.
4- مفاتیح الجنان: الفصل الخامس في تعيين أسماء النبي والأئمة المعصومین عَلَيهِم السَّلَامُ بأيام الأسبوع، والزيارات لهم في كل يوم.

2- زيارة الشهداء - أعني شهداء کربلاء -: «إذا أردت زيارة الشهداء رضوان الله عليهم ، فقف عند رجلي الحسين عَلَيهِ السَّلَامُ، وهو قبر علي بن الحسين صلوات الله عليها ... إلخ »(1).

3- زيارة المعصومين عَلَيهِم السَّلَامُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَشْهَدَنَا مَشْهَدَ أَوْلِيَائِهِ فِي رَجَبٍ... إلخ »(2).

4- زيارة الناحية المقدسة:السَّلامُ عَلى آدمَ صَفْوةِ اللهِ مِن خَليقَتِهِ، السَّلامُ عَلى شِيثَ وَليِّ اللهِ وخِيرَتِهِ... إلخ »(3).

5- السابع:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَشْهَدَنَا مَشْهَدَ أَوْلِيَائِهِ فِي رَجَبٍ، وَ أَوْجَبَ علَيْنَا مِنْ حَقِّهِمْ مَا قَدْ وَجَبَ، وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الْمُنْتَجَبِ، وَ عَلَى أَوْصِيَائِهِ الْحُجُبِ.

اللَّهُمَّ فَكَمَا أَشْهَدْتَنَا مَشْهَدَهُمْ فَأَنْجِزْ لَنَا مَوْعِدَهُمْ وَ أَوْرِدْنَا مَوْرِدَهُمْ، غَيْرَ مُحَلَّئِينَ عَنْ وُرْدٍ فِي دَارِ الْمُقَامَةِ وَ الْخُلْدِ وَ السَّلَامُ

ص: 507


1- إقبال الأعمال / ابن طاووس .
2- مصباح المتهجد: 572.
3- بحار الأنوار: 317/101 - 328.

عَلَيْكُمْ إِنِّي قَدْ قَصَدْتُكُمْ وَ اعْتَمَدْتُكُمْ بِمَسْأَلَتِي وَ حَاجَتِي وَ هِيَ فَكَاكُ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ وَ الْمَقَرُّ مَعَكُمْ فِي دَارِ الْقَرَارِ، مَعَ شِيعَتِكُمُ الْأَبْرَارُ، وَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ، أَنَا سَائِلُكُمْ وَ آمِلُكُمْ فِيمَا إِلَيْكُمُ التَّفْوِيضُ وَ عَلَيْكُمْ التَّعْوِيضُ، فَبِكُمْ يُجْبَرُ الْمَهِيضُ وَ يُشْفَى الْمَرِيضُ، وَ عِنْدَكُمْ مَا تَزْدَادُ الْأَرْحَامُ وَ مَا تَغِيضُ، إِنِّي بِسِرِّكُمْ مُؤْمِنٌ مُوقِنٌ وَ لِقَوْلِكُمْ مُسَلِّمٌ، وَ عَلَى اللَّهِ بِكُمْ مُقْسِمٌ فِي رَجْعَتِي بِحَوَائِجِي وَ قَضَائِهَا وَ إِمْضَائِهَا وَ إِنْجَاحِهَا وَ إِبْرَاحِهَا وَ بِشُئُونِي لَدَيْكُمْ وَ صَلَاحِهَا.

وَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ سَلَامَ مُوَدِّعٍ وَ لَكُمْ حَوَائِجُهُ مُودِعٌ يَسْأَلُ اللَّهَ الَيْكُمُ الْمَرْجِعَ وَ سَعْيُهُ إِلَيْكُمْ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ، وَ أَنْ يُرْجِعَنِي مِنْ حَضْرَتِكُمْ خَيْرَ مَرْجِعٍ إِلَى جَنَابٍ مُمْرِعٍ وَ خَفْضٍ مُوَسَّعٍ وَ دَعَةٍ وَ مَهَلٍ إِلَى حِينِ الْأَجَلِ وَ خَيْرِ مَصِيرٍ وَ مَحَلٍّ فِي النَّعِيمِ الْأَزَلِ، وَ الْعَيْشِ الْمُقْتَبَلِ وَ دَوَامِ الْأُكُلِ وَ شُرْبِ الرَّحِيقِ وَ السَّلْسَلِ، وَ عَلٍّ وَ نَهَلٍ لَا سَأَمَ مِنْهُ وَ لَا مَلَلَ، وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ وَ تَحِيَّاتُهُ عَلَيْكُمْ حَتَّى الْعَوْدِ إِلَى حَضْرَتِكُمْ وَ الْفَوْزِ فِي كَرَّتِكُمْ وَ الْحَشْرِ فِي زُمْرَتِكُمْ وَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ وَ صَلَوَاتُهُ وَ تَحِيَّاتُهُ وَ هُوَ

ص: 508

حَسْبُنَا وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ (1).

6- زيارة النواب الأربعة(2).

7- زيارة أم القائم عَلَيهِا السَّلَامُ.

اَلسَّلامُ عَلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ الصّادِقِ الاَمينِ،السَّلامُ عَلى مَوْلانا اَميرِ الْمُؤْمِنينَ، اَلسَّلامُ عَلَى الاَئِمَّةِ الطّاهِرينَ الْحُجَجِ الْمَيامينِ، اَلسَّلامُ عَلى والِدَةِ الاِمامِ وَالْمُودَعَةِ اَسْرارَ الْمَلِكِ الْعَلاّمِ، وَالْحامِلَةِ لاَِشْرَفِ الاَنامِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ اَيَّتُهَا الصِّدّيقَةُ الْمَرضِيَّةُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا شَبيهَةَ اُمِّ مُوسى وَابْنَةَ حَوارِيِّ عيسى، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ اَيَّتُهَا التَّقِيَّةُ النَّقِيَّةُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ اَيَّتُهَا الرَّضِيَّةُ الْمَرْضِيَّةُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ اَيَّتُهَا اْلمَنْعُوتَةُ فِي الاِنْجيلِ الَمخْطُوبَةُ مِنْ رُوحِ اللهِ الاَمينِ، وَمَنْ رَغِبَ في وُصْلَتِها مُحَمَّدٌ سَيِّدُ الْمُرْسَلينَ، وَالْمُسْتَوْدَعَةُ اَسْرارَ رَبِّ الْعالَمينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ وَعَلى آبائِكِ الْحَوارِيّينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ وَعَلى بَعْلِكِ وَوَلَدِكِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكِ وَعَلى رُوحِكِ وَبَدَنِكِ الطّاهِرِ.

ص: 509


1- مفاتیح الجنان: أعمال شهر رجب.
2- مفاتیح الجنان: المطلب الثالث / في زيارة النواب الأربعة.

اَشْهَدُ اَنَّكِ اَحْسَنْتِ الْكَفالَةَ، وَاَدَّيْتِ الاَمانَةَ، وَاجْتَهَدْتِ في مَرْضاتِ اللهِ، وَصَبَرْتِ في ذاتِ اللهِ، وَحَفِظْتِ سِرَّ اللهِ، وَحَمَلْتِ وَلِىَّ اللهِ، وَبالَغْتِ في حِفْظِ حُجَّةِ اللهِ، وَرَغِبْتِ في وُصْلَةِ اَبْناءِ رَسُولِ اللهِ، عارِفَةً بِحَقِّهِمْ، مُؤْمِنَةً بِصِدْقِهِمْ، مُعْتَرِفَةً بِمَنْزِلَتِهِمْ، مُسْتَبْصِرَةً بِاَمْرِهِمْ، مُشْفِقَةً عَلَيْهِمْ، مُؤْثِرَةً هَواهُمْ، وَاَشْهَدُ اَنَّكِ مَضَيْتِ عَلى بَصيرَة مِنْ اَمْرِكِ، مُقْتَدِيَةً بِالصّالِحينَ، راضِيَةً مَرْضِيَّةً تَقِيَّةً نَقِيَّةً زَكِيَّةً، فَرَضِيَ اللهُ عَنْكِ وَاَرْضاكِ، وَجَعَلَ اْلجَنَّةَ مَنْزِلَكِ وَمَأواكِ فَلَقَدْ اَوْلاكِ مِنَ الْخَيْراتِ ما اَوْلاكِ، وَاَعْطاكِ مِنَ الشَّرَفِ ما بِهِ اَغْناكِ، فَهَنّاكِ اللهُ بِما مَنَحَكِ مِنَ الْكَرامَةِ وَأمْرَاَكِ.

اَللّ-هُمَّ اِيّاكَ اعْتَمَدْتُ، وَلِرِضاكَ طَلَبْتُ، وَبِاَوْلِيائِكَ اِلَيْكَ تَوَسَّلْتُ، وَعَلى غُفْرانِكَ وَحِلْمِكَ اتَّكَلْتُ، وَبِكَ اعْتَصَمْتُ، وَبِقَبْرِ اُمِّ وَلِيِّكَ لُذْتُ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد وَانْفَعْني بِزِيارَتِها، وَثَبِّتْني عَلى مَحَبَّتِها، وَلا تَحْرِمْني شَفاعَتَها، وَشَفاعَةَ وَلَدِها، وَارْزُقْني مُرافَقَتَها، وَاحْشُرْني مَعَها وَمَعَ وَلَدِها كَما وَفَّقْتَني لِزِيارَةِ وَلَدِها وَزِيارَتِها.

اَللّ-هُمَّ اِنّي اَتَوَجَّهُ اِلَيْكَ بِالاَئِمَّةِ الطّاهِرينَ، وَاَتَوَسَّلُ اِلَيْكَ

ص: 510

بِالْحُجَجِ الْمَيامينِ مِنْ آلِ طه وَيس، اَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد الطَّيِّبينَ، وَاَنْ تَجْعَلَنى مِنَ الْمُطْمَئِنّينَ الْفائِزينَ الْفَرِحينَ الْمُسْتَبْشِرينَ، الَّذينَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ وَاجْعَلْني مِمَّنْ قَبِلْتَ سَعْيَهُ، وَيَسَّرْتَ اَمْرَهُ، وَكَشَفْتَ ضُرَّهُ، وَآمَنْتَ خَوْفَهُ.

اَللّ-هُمَّ بِحَقِّ مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد وَلا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيارَتي اِيّاها، وَاْرزُقْني الْعَوْدَ اِلَيْها اَبَداً ما اَبْقَيْتَني، وَاِذا تَوَفَّيْتَني فَاحْشُرْني في زُمْرَتِها، وَاَدْخِلْني في شَفاعَةِ وَلَدِها وَشَفَاعَتِها، وَاغْفِرْ لي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ، وَآتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الاْخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا بِرَحْمَتِكَ عَذابَ النّارِ.

اَلسَّلامُ عَلَيْكُمْ يا ساداتي وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.

ص: 511

ص: 512

الدرس الثلاثون: أقواله عليه السلام

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيمِ

من أقواله صلوات الله عليه التي لم ننقلها في شيء من هذه الحلقات ، وهي أقوال وكلمات ذات عبر ومفاهيم جليلة ، ومعانٍ سامية ، وفيها معارف وعلوم جمّة ، تستحقّ التأمّل والتدبّر کسائر ما ورد عنه وعن آبائه الطاهرین صلوات الله عليهم أجمعين :

1- مع ابن مهزیار :

«إنّ أبي صلّى الله عليه عهد إلي أن لا أوطن من الأرض إلا أخفاها وأقصاها ، إسرارة لأمري ، وتحصين المحلي من مكائد أهل الضلال والمردة من أحداث الأمم الضوال ، فنبذني إلى عالية الرمال ، وجبت صرائم الأرض ، تنظرني الغاية التي عندها يحل الأمر، وينجلي الهلع .

وكان صلوات الله عليه أنبط لي من خزائن الحكم، وكوامن العلوم

ص: 513

ما إن أشعت إليك منه جزاءً أغناك عن الجملة.

اعلم يا أبا إسحاق ، أنه قال صلوات الله عليه : يا بني ، إن الله جل ثناؤه لم يكن ليخلي أطباق أرضه ، وأهل الجد في طاعته وعبادته ، بلا حجة يستعلی بها ، وإمام يؤتم به ، ويقتدي بسبل سننه ، ومنهج قصده ، وأرجو یا بني أن تكون أحد من أعده الله لنشر الحق ، وطي الباطل ، وإعلاء الدين، وإطفاء الضلال ، فعليك يا بني بلزوم خوافي الأرض ، وتتبع أقاصيها ، فإن لكل ولي من أولياءالله عز وجل عدو مقارعة ، وضداً منازعاً، افتراضا لمجاهدة أهل نفاقه وخلافه ، أولي الإلحاد والعناد ، فلا يوحشك ذلك.

واعلم أن قلوب أهل الطاعة والإخلاص .ع إليك مثل الطير إذا أمت أوكارها ، وهم معشر يطلعون بمخائل الذلة والاستكانة ، وهم عند الله ببرة أعزاء، يبرزون بأنفس مختلة محتاجة وهم أهل القناعة والاعتصام، استنبطوا الدين فوازروه على مجاهدة الأضداد ، حقهم الله باحتمال الضيم في الدنيا ، ليشملهم باتساع العز في دار القرار ، وجبلهم على خلائق الصبر لتكون لهم العاقبة الحسنى ، وكرامة حسن العقبي.

فاقتبس يا بني نور الصبر على موارد امورك ، تفز بدرك الصنع في مصادرها ، واستشعر العزة فيما ينوبك تحظ بما تحمد عليه إن شاء الله .

فكأنك يا بني بتأييد نصر الله قد آن ، وتيسير الفلج وعلو الكعب قد حان ، وكأنك بالرايات الصفر والأعلام البيض تخفق على أثناء أعطافك

ص: 514

ما بين الحطيم وزمزم ، وكأنّك بترادف البيعة وتصافي الولاء يتناظم عليك تناظم الدرّ في مثاني العقود ، وتصافق الأكف على جنبات الحجر الأسود ، تلوذ بفنائك من ملأ برأهم الله من طهارة الولاء ، ونفاسة التربة ، مقدّسة قلوبهم من دنس النفاق ، مهذّية أفئدتهم من رجس الشقاق ، ليّنة عرائكهم للدين ، خشنة ضرائبهم عن العدوان ، واضحة بالقبول أوجههم ، نضرة بالفضل عیدانهم ، يدينون بدين الحق وأهله .

فإذا اشتدّت أركانهم ، وتقومت أعمادهم ، فذت بمكاتفتهم طبقات الأمم ، إذتبعتك في ضلال شجرة دوحة بسقت أفنان غصونها على حاقات بحيرة الطبرية . فعندها يتلألأ صبح الحقّ ، وينجلي ظلام الباطل ، ويقصم الله بك الطغيان ، ويعيد معالم الأمان ، ويظهر بك أسقام الآفاق ، وسلام الرفاق ، يودُّ الطفل في المهد لو استطاع إليك نهوضأ ، ونواشط الوحش لو تجد نحوك مجازاً . تهتر به أطراف الدنيا بهجة ، وتهزّ بك أغصان العزّ نضرة ، وتستقر بواني العزّ في قرارها ، وتؤوب شوارد الدين إلى أوكارها ، يتهاطل عليك سحائب الظفر فتخنق كلّ عدو ، وتنصر كلّ وليّ ، فلا يبقى على وجه الأرض جبّار قاسط ، ولا جاحد غامط ، ولا شانئ مبغض ، ولا معاند کاشح و﴿ مَن یَتَوَکَّل عَلَی اللهِ فَهُو حَسبُه إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمرِهِ ۚ قَد جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيءٍ قَدرًا﴾َ(1).

ص: 515


1- سورة الطلاق: الآية 3

ثمّ قال عَلَيهِ السَّلَامُ: يا أبا إسحاق ، لیکن مجلسي هذا عندك مكتوماً، إلا عن أهل الصدق والاخوة الصادقة في الدين ، إذا بدت لك أمارات الظهور والتمكين فلا تبطئ بإخوانك عنا ، وبأهل المسارعة إلى منار اليقين ، وضياء مصابيح الدین تلق رشدأ إن شاء الله.

قال إبراهيم بن مهزیار : ... فلمّا أزف ارتحالي ، وتهيّأ اعتزام نفسي ،غدوت عليه مودَّعاً و مجدّداً للعهد ، وعرضت عليه مالاً كان معي يزيد على خمسين ألف درهم ، وسألته أن يتفضّل بالأمر بقبوله منّي ، فابتسم عَلَيهِ السَّلَامُ وقال :

یا أبا إسحاق ، استعن به على منصرفك ، فإنّ الشقّة قذفة ، وفلوات الأرض أمامك جمة ، ولا تحزن لإعراضنا عنه ، فإنّا قد أحدثنا لك شكره ونشره ، وأربضناه عندنا بالتذكرة وقبول المنَّة ، فبارك الله لك فيما خولك ، وأدام لك ما نؤلك ، وكتب لك أحسن ثواب المحسنين ، وأكرم آثار الطائعين ، فإنّ الفضل له ومنه.

وأسأل الله أن يردك إلى أصحابك بأوفر الحظ من سلامة الأوبة، وأكناف الغبطة ، بلين المنصرف ، ولا أوعث الله لك سبيلاً ، ولا حیَّرك دليلاً ، واستودعه نفسك وديعة لا تضيع ولا تزول بمته ولطفه إن شاء لله.

يا أبا إسحاق ، إنّ الله قتعنا بعوائد إحسانه ، وفوائد إمتنانه ، وصان

ص: 516

أنفسنا عن معاونة أوليائه ، إلا عن الإخلاص في النية ، وإمحاض النصيحة ، والمحافظةعلى ما هو أتقى وأبقى وأرفع ذكرا».

قال إبراهيم بن مهزیار: فأقفلت عنه حامداً لله عزّ وجلّ على ما هداني وأرشدني(1).

2- مع أحمد بن إسحاق

فأخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طيّ کسائه ، فوضعه بين يديه ، فنظر العسكري إلى الغلام وقال له :

يا بنيّ ، فضَّ الخاتم عن هدايا شيعتك.

فقال عجّل الله فرجه : يا مولاي ، أيجوز أن أمدّ يدأ طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة؟

فقال مولاي عَلَيهِ السَّلَامُ: یابن إسحاق ، استخرج ما في الجراب ليميز بين الحلال والحرام منها .

فأوّل صرّة بدأ أحمد بإخراجها .

قال الغلام عجّل الله فرجه : هذه لفلان بن فلان من محلّة (كذا) بقم تشتمل على اثنين وسبعين دينار ، فيها من ثمن حجرة باعها صاحبها ،

ص: 517


1- کمال الدین: 121/2 .

وكانت إرثاً له من أخيه خمسة وأربعون دیناراً، ومن عثمان تسعة أثواب أربعة عشر دیناراً، وفيها من أجرة حوانيت ثلاثة عشر دیناراً.

فقال مولانا عَلَيهِ السَّلَامُ: صدقت يا بنيّ ، دلّ الرجل على الحرام منها .

فقال عجّل الله فرجه : فتّش علی دینار رازي السكة تاريخه سنة كذا، قدانطمس من نصف إحدى صفحتيه نقشة ، وقراضه آملية وزنها ربع دينار ، والعلة في تحريمها أنّ صاحب هذه الجملة وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منّاً، وربع مَنًّ فأتت على ذلك مدّة فسرق الغزل سارق ، فأخبر به الحائك صاحبه ، فكذّبه واستردَ منه بدل ذلك منّاً ونصف مَنًّ غزل أدقَ مما كان دفعه إليه واتّخذ من ذلك ثوباً كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه.

فلمّا فتح أحمد رأس الصرّة صادفته رقعة في وسط الدنانير باسم من أخبر عنه ومقداره على حسب ماقال عجّل الله فرجه، واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة ، ثمّ أخرج صرّة أخرى.

فقال الغلام عجّل الله فرجه : هذه لفلان بن فلان ، من محلة كذا بقم ، تشتمل على خمسين ديناراً لا يحلً لنا مسّها.

قال : وكيف ذلك ؟

قال عجّل الله فرجه : لأنّها ثمن حنطة خان صاحبها على أكاره في المقاسمة ، وذلك أنّه قبض حصّته منها بكيل وافي وكال ما خص الأكار

ص: 518

بكيل بخس .

فقال مولانا عَلَيهِ السَّلَامُ: صدقت يا بنيّ .

ثمّ قال عجّل الله فرجه : یابن إسحاق ، احملها بأجمعها لتردّها أو توصي بردها على أربابها ، فلا حاجة لنا في شيء منها ، وأتنا بثوب العجوز.

قال أحمد: وكان ذلك الثوب في حقيبة لي نسيتها ، فلمّا انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إلىَّ مولاي أبو محمّد عَلَيهِ السَّلَامُ فقال :

ما جاء بك يا سعد؟

فقلت : شوّقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا .

قال عَلَيهِ السَّلَامُ: فالمسائل التي أردت أن تسأل عنها؟

قلت : على حالها يا مولاي.

قال عَلَيهِ السَّلَامُ: فسل قرّة عيني وأومأ إلى الغلام - عمّا بدا لك منها .

قلت : فأخبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا أتت المرأة بها في أيّام عدّتها حلّ للزوج أن يخرجها من بيته.

قال عجّل الله فرجه : الفاحشة المبينة هي السحق وليست بالزنا ، فإنّ المرأة إذا زنت وأقيم عليها الحد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزوج بها لأجل الحدّ، وإذا سحقت وجب عليها الرجم ، والرجم خزي ، ومن قد أمر الله عزّ وجلّ برجمه فقد أخزاه ، ومن أخزاه فقد

ص: 519

أبعده ، فليس لأحد أن يقربه .

قلت : فأخبرني يابن رسول الله عن أمر الله تبارك وتعالى لنبيّه موسی: ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً﴾(1)، فإنّ فقهاء الفريقين يزعمون: إنها كانت من إيهاب الميتة.

فقال عجّل الله فرجه: من قال ذلك فقد افترى على موسى واستجهله في نبوّته؛ لأنّه ما خلا الأمر فيها من خطيئتين ، إمّا أن تكون صلاة موسى فيهماجائزة أو غيره جائزة ، فإن كانت صلاتهجائزة جاز له لبسهما في تلك البقعة.

وإن كانت مقدّسة مطهرة ، فليست بأقدس وطهر من الصلاة ، وإن كانت صلاته غير جائزة فيهما فقد أوجب على موسى أنّهلم يعرف الحلال من الحرام ، ولم يعلم ما تجوز فيه الصلاة وما لم تجز، وهذا کفر.

قلت : فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيها.

قال عجّل الله فرجه: إنّ موسی ناجي ربه بالوادي المقدّس ، فقال: یا ربّ ، إنّي قد أخلعت لك المحبة منّي ، وغسلت قلبي عمّن سواك ، وكان شديد الحبّ لأهله ، فقال الله تعالى: اخلع نعليك ، أي انزع حبّ

ص: 520


1- سورة طه: الآية 12

أهلك عن قلبك إن كانت محبّتك لي خالصة ، وقلبك من الميل من سواي مغسولاً.

قلت : فأخبرني يابن رسول الله عن تأویل ﴿کھیعص﴾؟

قال عجّل الله فرجه: هذه الحروف من أنباء الغيب ، أطلع الله عليها عبده زکريا ثمّ قصّها على محمّد صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه، وذلك أنّ زکریّا سأل ربّه إذا ذكر محمّداً وعليشباً وفاطمة والحسن سری عنه همّه ، وانجلی کربه ، وإذا ذكر اسم الحسين عَلَيهِ السَّلَامُ خنقتهالعبرة ، ووقعت عليه البهرة ، فقال ذات يوم: إلهي ، ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم تسلیت بأسمائهم من همومي وإذا ذكرت الحسين عَلَيهِ السَّلَامُ تدمع عيني و تثور زفرتي؟

فأنباء الله تعالى عن قصته وقال: ﴿کھیعص﴾ ، فالكاف اسم کربلاء ، والهاء هلاك العترة ، والياء يزيد وهو ظالم الحسين عَلَيهِ السَّلَامُ، والعين عطشه ، والصاد صبره ، فلما سمع ذلك زکریا لم يفارق مسجده ثلاثة أيام، ومنع فيها للنّاس من الدخول عليه ، وأقبل على البكاء والنحيب وكانت نديته: إلهي ، أتفجۓ خیر خلقك بولده؟ إلهي ، أتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه؟ إلهي ، أتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة؟ إلهي ، أتحلُّ كربة هذه الفجيعة بساحتهما؟

ثمّ كان يقول: إلهي ، ارزقني ولداً تقرّ به عيني على الكبر ، واجعله لي وارثاً ووصيّاٌ ، واجعل محلّه منّي محلّ الحسين ، فإذا رزقتنيه فافتنًي

ص: 521

بحبّه ، ثمّ افجعني به كما تفجع محمداً صَلَّی اللَّهُ عَلَیهِ وَ آلِه حبيبك بولده.

فرزقه الله بيحيى وفجعه به ، وكان حمل یحیی ستة أشهر وحمل الحسين كذلك.

قلت: فأخبرني يا مولاي عن العلّة التي تمنع القوم من اختيار إمام

قال عجّل الله فرجه : مصلح أو مفسد .

قلت : مصلح.

قال عجّل الله فرجه : فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد بما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد.

قلت: بلی.

قال: فهي العلّة ، أوردتها لك ببرهان يثق به عقلك .

قلت: نعم

قال: أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله ، وأنزل الكتب عليهم ، وأيدهم بالوحي والعصمة ، وهم أعلى الأمم ، وأهدى إلى الاختيار منهم ، مثل موی وعیسی ، وهل يجوز مع وفور عقلهما ، وكال علمهما إذا هما بالاختيار أن تقع خيرتها على المنافق و هما يظنان أنه مؤمن ؟

قال: فهذا موسی کلیم الله مع وفور عقله ، وكمال علمه ، ونزول

ص: 522

الوحي عليه اختار من أعيان قومه ، ووجوه عسكره لميقات ربّه سبعين رجلاً ممن لا يشكّ في إيمانهم وإخلاصهم ، فوقعت خیرته على المنافقين.

قال الله عزّ وجلّ:﴿وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا﴾(1) إلى قوله:﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾(2)، فلمّا وجدنا اختیار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعاً على الأفسد دون الأصلح وهو يظن أنَه الأصلح دون الأفسد علمنا أن لا اختيار إلّا لمن يعلم ما تخفي الصدور وتكنّ الضمائر، ويتصرّف عليه السرائر ، وأن لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفسادلما أرادوا أهل الصلاح»(3).

3- مع ابن مازيار أيضاً :

وسألني عن أهل العراق ، فقلت : سيّدي قد ألبسوا جلباب الذلّة، وهم بين القوم أذلّاء.

ص: 523


1- سورة الأعراف: الآية 155.
2- سورة البقرة: الآية 55.
3- الاحتجاج: 267/2-274.

فقال لي : يابن المازیار لتملكونهم كما ملكوكم وهم يومئذٍ أذلاء.

فقلت: سيّدي ، لقد بعد الوطن ، وطال المطلب .

فقال: يا بن المازیار ، أبي - أبو محمد - عهد إليَّ أن لا أجاور قومأ غضب الله عليهم ، ولعنهم ولهم الخزي في الدنيا والآخرة ولهم عذاب أليم ، وأمرني أن لا أسكن من الجبال إلّا وعرها ، ومن البلاد إلّا قفرها ، والله - مولاكم - أظهر التقنية فوکَّلَهَا بي ، فأنا في التقنية لى يوم يؤذن لي فأخرج.

فقلت: يا سيّدي ، متى يكون هذا الأمر؟

فقال: إذا حيل بينكم وبين الكعبة ، واجتمع الشمس والقمر ، واستدار بهما الكواكب والنجوم .

فقلت: متی یابن رسول الله ؟

فقال لي: في سنة كذا وكذا تخرج دابّة الأرض من بين الصفا والمروة ، ومعه عصا موسى ، وخاتم سليمان ، تسوق الناس إلى المحشر»(1).

4- أنّا المهدي ، وأنا قائم الزمان ، وأنا الذي أملؤها عدلاً كما ملئت

ص: 524


1- الغيبة / الطوسي: 266.

جورأ، إنّ الأرض لا تخلو من حجّة، ولا يبقى الناس من فترة، وهذه أمانة لا تحدّث بها إلّا إخوانك من أهل الحق(1).

ه- إن الله تعالى هو الذي خلق الأجسام، وقسم الأرزاق، لأنّه ليس بجسم، ولا حالّ في جسم، ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير.

وأما الأئمة عَلَيهِم السَّلَامُ فإنّهم يسألون الله تعالى فيخلق، ويسألونه فيرزق، إيجاباً لمسألتهم، وإعظاماً لحقَّهم.

6- أنا صاحب الحقّ، ليس هذا أوان ظهوري، وقد بقي مدّة من الزمان.

ثمّ قلت له: يا سيّدي، متى يظهر أمرك؟

قال: علامة ظهور أمري كثرة الهرج والمرج والفتن، واتي مكّة فأكون في المسجد الحرام.

فيقال: انصبوا لنا إماماً.

ويكثر الكلام حتّى يقدم رجل من النّاس فينظر في وجهي ثم يقول: يا معشر النّاس، هذا المهدي انظروا إليه(2).

ص: 525


1- كمال الدين : 445. الغيبة / الطوسي: 254.
2- بحار الأنوار: 230/51

والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا خاتم الأنبياء والمرسلين، محمّد وآله الطيّبين الطاهرين، واللعن الدائم الأبدي على أعدائهم أجمعين، من الآن إلى قيام يوم الدين

آمین

انتهينا من كتابة الحلقة الثالثة من هذه المجموعة المباركة في ليلة الخامس والعشرين من رجب المرجّب من عام 1426ه. ق، وهی ليلة استشهاد سيّدنا ومولانا الإمام موسی بن جعفر الكاظم باب الحوائج صلوات الله وسلامه عليه، ونحن بجوار ابنته كريمة أهل البيت عَلَيهِم السَّلَامُ سيّدتنا ومولاتنا فاطمة المعصومة عليها وعلى آبائها الطاهرين، وعلى أخيها وأبناء أخيها الأبرار آلاف التحيّة والثناء، والصلاة والسلام، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

قم المقدّسة

ص: 526

المحتویات

الدرس 1: أهداف اللقاء...7

الدرس 2: حياته الزوجية - 1...25

الدرس 3: حياته الزوجية - 2...39

الدرس 4: انتظار الفرج - 1...47

الدرس 5: انتظار الفرج - 2...65

الدرس 6: المنتظرون...85

الدرس 7: أنصار الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ وأصحابه وأعداؤه . 1...107

الدرس 8: أنصار الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ وأصحابه وأعداؤه . 2...119

الدرس 9: أنصار الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ وأصحابه وأعداؤه - 3...133

الدرس 10: الخروج بالسيف . 1...145

الدرس 11: الخروج بالسيف . 2...159

الدرس 12: الخروج بالسيف .3...175

الدرس 13: تطهير الأرض - 1...187

الدرس 14: تطهير الأرض - 2...201

الدرس 15: علامات الظهور - 1...213

الدرس 16 : علامات الظهور - 2...233

ص: 527

الدرس 17: علامات الظهور - 3...257

الدرس 18: علامات الظهور - 4...273

الدرس 19: علامات الظهور - ه...295

الدرس 20: علامات الظهور - 6...315

الدرس 21: علامات الظهور-7...329

الدرس 22: علامات الظهور-8...349

الدرس 23: الظهور وما بعد الظهور...371

الدرس 24: العلم بعد الظهور...383

الدرس 25: دولة الإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ...403

الدرس 26: الدعاء لصاحب الزمان عَلَيهِ السَّلَامُ وعنه...415

الدرس 27: لماذا ندعوا للإمام المهدي عَلَيهِ السَّلَامُ؟...425

الدرس 28: الأدعية...439

الدرس 29: ما روي له وعنه من الزيارات...491

الدرس 30: أقواله عَلَيهِ السَّلَامُ...511

ص: 528

«اللَّهُمَّ كُنْ لِوَلِیِّكَ الحُجَةِ بنِ الحَسَن صَلَواتُکَ علَیهِ و عَلی آبائِهِ فِی هَذِهِ السَّاعَةِ وَ فِی كُلِّ سَاعَةٍ وَلِیّاً وَ حَافِظاً وَ قَائِداً وَ نَاصِراً وَ دَلِیلًا وَ عَیْناً حَتَّى تُسْكِنَهُ أَرْضَكَ طَوْعاً، وَ تُمَتعَهُ فِیهَا طَوِیلا»

ص: 529

بعض إصدارات مؤسسة المعارف الإسلامية باللغة العربية

1- معجم أحاديث الإمام المهدي

2- الأحاديث الغيبية 1-3

3- مدينة المعاجز 1-7

4- حلية الأبرار 1-10

5- کتاب الغيبة للشيخ الطوسي- مسالك الأفهام 1-19

7- الأنوار القدسية

8- زبدة التفاسير 1-7

9- ترتيب الأمالي 1-10

10- ينابيع المعاجز

11- تفسير الصراط المستقیم 1-5

12- تسلية المجالس 1-2

13- اقناع اللائم

14- أضواء على الصحيحين

15- الإمام علي في أراء الخلفاء

16- زبدة الأفكار (خلاصة المؤلفات الدكتور التيجاني )

17- رحلتي من الظلمات إلى النور

18- المزار

19- المستجاد من الإرشاد

20- شرح نهاية الحكمة 1-2

21- شرائع الإسلام 1-4

22- مذكرات المدرسة

23- عدة الداعي

24- رحال الشيعة في أسانيد السنة

25- المنطق - للمظفر

26- فرائد فوائد الفكر

27- حقيقة الشيعة الإثني عشرية

28- زاد المؤمنین

29- استجلاب ارتقاء الغرف

30- الصحيفة السجادية الثانية

31- أصول الصلاة

32- دروس في المنطق

33- فتاوى العلماء في تحريم تكفير المسلمين

34- الحقيقة الضائعة

35– مواعظ - فضائل - وصفات الشيعة

36- نصيحة لإخواننا علماء نجد

37- تفسير فاتحة الكتاب

38- أصالة المهدوية

39- الزواج بين السنن والتكوين

40- کشف الرمس عن حديث رد الشمس

41- مناظرة علمية

42- خاتم الأوصياء 1-3

43- المجالس الفاخرة

44- خلاصة المواجهة

45- الخلافة المغتصبة

ص: 530

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.