السلفیة الجهادیة

اشارة

سرشناسه : فاطمی نژاد، مجید، 1360 -

عنوان و نام پديدآور : السلفیه الجهادیه [کتاب]/ تالیف مجید فاطمی نجاد؛ اشراف مهدی فرمانیان؛ ترجمه حسین صافی؛ بطلب من الأمانه لعامة للمؤتمرالعالمي لمواجهه التیارات المتطرفة والتکفیریه.

مشخصات نشر : قم: موسسه دارالاعلام لمدرسه اهل البیت علیهم السلام، 2016 م.= 1394.

مشخصات ظاهری : 74 ص.؛ 5/12×20 س م.

شابک : 40000 ریال: 978-600-7667-39-2

وضعیت فهرست نویسی : فاپا

يادداشت : عربی.

يادداشت : پشت جلد به انگلیسی: .Salafi jihadism

یادداشت : کتابنامه: ص. 72 - 75؛ همچنین به صورت زیرنویس.

موضوع : سلفیه

موضوع : Salafiyah

موضوع : سلفیه -- عقاید

موضوع : Salafiyah -- Doctrines

موضوع : بنیاد گرایی اسلامی

موضوع : Islamic fundamentalism

موضوع : بنیاد گرایی اسلامی -- جنبه های سیاسی

موضوع : Islamic fundamentalism -- Political aspects

موضوع : رادیکالیسم -- جنبه های مذهبی -- اسلام

موضوع : Radicalism -- Religious aspects -- Islam

شناسه افزوده : صافی، حسین، 1340 -، مترجم

شناسه افزوده : فرمانیان، مهدی، 1352 -

شناسه افزوده : Farmanian, Mehdi

شناسه افزوده : کنگره جهانی جریان های افراطی و تکفیری از دیدگاه علمای اسلام. دبیرخانه دائمی

شناسه افزوده : موسسه دار الاعلام لمدرسه اهل البیت علیهم السلام

رده بندی کنگره : BP207/5/ف2س8 1394

رده بندی دیویی : 297/416

شماره کتابشناسی ملی : 4100178

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

ص: 3

السلفية الجهادية

ص: 4

فهرس المحتويات

نبذة عن نشاطات المؤتمر 7

مقدمة 11

الإخوان المسلمون و إرهاصات ظهور السلفية الجهادية 15

غياب الزعيم الكاريزماتي و بروز التطرّف... 19

سید قطب، مؤسس السلفیة الجهادية 20

مرّة أخرى، عاد سيد قطب إلى إصدار ... 24

معالم فی الطریق، منشور السلفية الجهادية 26

ظهور الجماعات الجهادية - التكفيرية ... 29

حزب التحریر الإسلامي 31

حزب جماعة المسلمین 34

عبدالسلام فرج و العقيدة الجهادية المتطرّفة 37

أفكار و معتقدات السلفية الجهادية 40

مفهوم الحاکمیة 43

مفهوم العبودیة 47

مفهوم الجاهلیة 51

دار الاسلام و دار الکفر 57

أحکام و آثار دار الإسلام و دارالحرب 60

الجهاد 63

السلفیة الجهادية و الوهابية 67

السلفیة الجهادیة و الشیعة 69

المصادر 72

ص: 5

نبذة عن نشاطات المؤتمر 7

مقدمة 11

الإخوان المسلمون و إرهاصات ظهور السلفية الجهادية 15

غياب الزعيم الكاريزماتي و بروز التطرّف... 19

سید قطب، مؤسس السلفیة الجهادية 20

مرّة أخرى، عاد سيد قطب إلى إصدار ... 24

معالم فی الطریق، منشور السلفية الجهادية 26

ظهور الجماعات الجهادية - التكفيرية ... 29

حزب التحریر الإسلامي 31

حزب جماعة المسلمین 34

عبدالسلام فرج و العقيدة الجهادية المتطرّفة 37

أفكار و معتقدات السلفية الجهادية 40

مفهوم الحاکمیة 43

مفهوم العبودیة 47

مفهوم الجاهلیة 51

دار الاسلام و دار الکفر 57

أحکام و آثار دار الإسلام و دارالحرب 60

الجهاد 63

السلفیة الجهادية و الوهابية 67

السلفیة الجهادیة و الشیعة 69

المصادر 72

ص: 6

نبذة عن نشاطات المؤتمر

يشهد العالم الإسلامي في عصرنا الحاضر نمواً و انتشاراً متزايداً للتيارات المتطرّفة و التكفيرية، على الرغم من الجهود المبذولة من قبل كبار العلماء لمواجهتها. لا شكّ في أنّ الأعمال الوحشية التي ارتكبتها هذه التيارات مثل القتل و النهب و انتهاك الحرمات و اغتيال علماء الإسلام و تهديم الأماكن المقدسة التي ترمز إلى هوية المسلمين، هذه الأعمال سدّدت ضربة موجعة لكيان العالم الإسلامي. لقد دأب أعداء الإسلام من خلال استراتيجية «الإسلام ضدّ الإسلام» على تأسيس و دعم الجماعات المتطرّفة و النفخ في نار الخلافات الطائفية، فقدّموا للعالم صورة مشوّهة عن الإسلام و المسلمين.

ص: 7

انطلاقاً من ذلك، ارتأى سماحة آية الله العظمى مكارم شيرازي (دام ظله الوارف) بحكمته و نظرته الثاقبة مواجهة هذه التيارات المتطرّفة و التكفيرية بالفكر و المنطق العلمي، فكان الحل الأنجع للخروج من هذه المحنة المبادرة إلى إقامة المؤتمر العالمي حول «آراء علماء الإسلام في التيارات المتطرّفة و التكفيرية» و الذي حضره نخبة من أبرز العلماء و المفكرين في العالم الإسلامي.

إنّ الأثر الطيب الذي تركه عقد هذا المؤتمر لدى العلماء و المفكرين و المراكز الثقافية في مختلف أنحاء البلاد الإسلامية، و إلحاحهم على ضرورة إدامة زخم التواصل و التعاطي البنّاء بين علماء الإسلام، و وجوب الحفاظ على الوحدة و التآلف بينهم للقضاء على التطرّف و التكفير، كلّ هذه العوامل شجّعت سماحة آية الله العظمى مكارم شيرازي (دام ظله الوارف) الرئيس الأعلى للمؤتمر، على الموافقة على تأسيس أمانة دائمة للمؤتمر تأخذ على عاتقها مهمة التصدّي للتيارات المتطرّفة و التكفيرية.

و في هذا السياق، انطلقت أعمال الأمانة العامة منذ نيسان̸ أبريل 2015م بأقسامها الثلاثة: قسم البحوث، قسم الشؤون

ص: 8

الدولية، قسم الشؤون التنفيذية، و وضعت في جدول أعمالها العديد من البرامج المتنوعة. و من الأهداف المطروحة أمام هذه الأمانة نذكر على سبيل المثال: التواصل مع أكثر من 2000 شخصية من علماء و مفكري العالم الإسلامي، سنّةً و شيعة؛ إصدار مجلة تحت عنوان «الأمة الواحدة»؛ إصدار نشرة خبرية لرصد و تحليل التيارات التكفيرية و سبل مواجهتها؛ إصدار سلسلة منشورات حول التيارات التكفيرية؛ عقد ندوات علمية بالتعاون مع مختلف المراكز و الجامعات في البلدان الإسلامية؛ فضلاً عن عقد مؤتمر في السنوات القادمة إن شاء الله، بنفس عظمة المؤتمر السابق، لبحث أهداف الأمانة العامة، هذه الأهداف السامية التي نأمل أن تتحقّق بفضل الله و منّه و بتظافر جهود العلماء الأفاضل في العالم الإسلامي.

و فيما يلي نعرض على القرّاء الأعزاء بعضاً من إصدارات الأمانة العامة للمؤتمر.

قسم البحوث

ص: 9

مقدمة

بعد انفراط عقد الإمبراطورية العثمانية في عام 1922 م، بدأ حلم إحياء الخلافة الإسلامية يراود العالَم السنّي، فتبلورت في هذا الإطار العديد من الحركات في العالم الإسلامي. و دوّنت في مصر الكثير من المؤلفات في هذا الموضوع، كما تولّدت تيارات مختلفة. و يعتبرمحمد رشيد رضا (1865-1935 م) من أوائل الرواد الذين طرحوا فكرة إحياء الخلافة الإسلامية في كتابه الإمامة و الخلافة العظمی، بيد أنّه اعتبر أنّ القيام بهذه المهمة في تلك الأوضاع أمر متعذّر، لذلك طرح موضوع الدولة الإسلامية كبديل للخلافة. و المقصود بالدولة الإسلامية هو تشكيل حكومة إسلامية في حدود جغرافية أصغر تنسجم مع

ص: 10

مقدمة

بعد انفراط عقد الإمبراطورية العثمانية في عام 1922 م، بدأ حلم إحياء الخلافة الإسلامية يراود العالَم السنّي، فتبلورت في هذا الإطار العديد من الحركات في العالم الإسلامي. و دوّنت في مصر الكثير من المؤلفات في هذا الموضوع، كما تولّدت تيارات مختلفة. و يعتبرمحمد رشيد رضا (1865-1935 م) من أوائل الرواد الذين طرحوا فكرة إحياء الخلافة الإسلامية في كتابه الإمامة و الخلافة العظمی، بيد أنّه اعتبر أنّ القيام بهذه المهمة في تلك الأوضاع أمر متعذّر، لذلك طرح موضوع الدولة الإسلامية كبديل للخلافة. و المقصود بالدولة الإسلامية هو تشكيل حكومة إسلامية في حدود جغرافية أصغر تنسجم مع

ص: 11

فكرة القومية و يمكن أن تشكّل مقدمة للخلافة الإسلامية في جميع البلاد الإسلامية، و هو المشروع الذي طرحه رشيد رضا.

بعد تأسيسه لجماعة الإخوان المسلمين سار حسن البنّا على نهج رشيد رضا علّه ينجح في نهاية المطاف في تأسيس حكومة إسلامية في مصر، غير أنّ السياسة العنيفة التي اتبعتها السلطات المصرية ضدّ جماعة الإخوان المسلمين دفعت بسيد قطب، الزعيم الروحي لها بعد حسن البنّا إلى نهج التشدّد و التطرّف و هو في السجن، فدوّن كتابه معالم في الطریق الذي أطلق فيه تعبير البلاد الجاهلية على جميع بلاد المسلمين. و ممّا يؤسف له أنّ هذا الكتاب أصبح بمثابة المنشور أو المانيفست بالنسبة للجماعات التكفيرية، فبادر بعض الشباب المتطرّف و انطلاقاً من تصوّراته الخاطئة المستلهمة من هذا الكتاب إلى تشكيل العديد من الجماعات و التنظيمات في مصر، و التي أضحت في الوقت الراهن من أهم التيارات التكفيرية في هذا البلد، و أداة طيّعة بيد الولايات المتحدة و إسرائيل و بعض دول المنطقة.

بعض زعماء الجماعات التكفيرية مثل شکري مصطفی، و محمد عبدالسلام فرج، و الدکتور عبد الله عزام، و

ص: 12

أسامة بن لادن، و الدکتور أیمن الظواهري و أبو مصعب الزرقاوي، كلّ هؤلاء، بنحوٍ أو بآخر، كان يراودهم حلم إنشاء الخلافة الإسلامية تحت شعارات براقة من قبيل العودة إلى نهج السلف و إحياء العصر الذهبي للخلفاء و الأمويين. و على هذا الأساس، فتح الشباب العربي المتطرّف صفحة دموية جديدة تحت مسمّى الجهاد في التاريخ المنكوب للعالم الإسلامي، أصبحت تُعرف اليوم ب-«السلفية الجهادية».

تفور كتب العالم الحنبلي ابن تيمية الحرّاني (661-707 ه-) بفكرة الجهاد و تطبيقاته في مواجهة الكفار، و يعتبر مرجعاً يستند إلى آرائه و أقواله جميع التكفيريين. لقد خصّ ابن تيمية مساحة واسعة من كتابه السیاسة الشرعیة لموضوع الجهاد، فكان يحثّ الناس على الجهاد ضدّ حملة المغول في عام 702 ه-(1). و كان يعتبر أنّ أيّة طائفة أو حكومة تمنع إقامة شرائع الإسلام مثل الصلاة و الصوم و الزکاة، و الجهاد ضدّ الكفار و ما شابه ذلك، قتلها واجب، و زعم أنّ هذه المسألة تحظى بإجماع المسلمين(2). و

ص: 13


1- . محمد أبو زهره، ابن تیمیة حیاته و عصره، آرائه و فقهه، ص 35.
2- . ابن تیمیة، مجموع الفتاوی، ج 28، ص 545 - 556.

يبدو أنّ معارضته لأغلب فقهاء زمانه و تكفيره للمغول و الصليبيين و إصداره حكم الجهاد ضدّهم جعلت من أفكاره أساساً و قاعدة يستند عليها سلفيو اليوم(1).

بعد ابن تيمية، نجد أنّ الفكر الجهادي ضدّ المشركين و الكفار تجسّد في سلوك محمد بن عبد الوهاب و فتاواه، و أعقب ذلک انبعاث شرارة الجهاد في الهند ضدّ الإنجليز. و بلغ دخول الجهاد إلى ميدان السياسة ذروته مع أفكار أبي الأعلى المودودي في كتابه المصطلحات الأربعة في القرآن الکریم و البيان الشيّق لسيد قطب في كتابيه في ظلال القرآن و معالم في الطریق لدرجة أصبح يُنظر إليه في عصرنا الراهن على أنّه زعيم السلفية الجهادية بلا منازع.

إذن، فالسلفية الجهادية عبارة عن تيار وُلد من رحم السلفية، يؤمن بأنّ الجهاد هو السبيل الوحيد لتحقيق حلم الحكومة الإسلامية و إسقاط الطواغيت و رفع الظلم. هذه الجماعة تعتبر نفسها الفرقة الناجية الوحيدة(2). و السلفية الجهادية هي، في

ص: 14


1- . مهدي بخشي شیخ احمد، «جهاد از ابن تیمیه تا بن لادن»، في مجلة: علوم سیاسي، العدد 34، ص 169- 194.
2- . عبد الغني عماد، الحرکات الاسلامیة في الوطن العربي، ج 2، ص 1214.

الأغلب، حركة سياسية تسعى إلى إنشاء خلافة إسلامية(1)، و تقوم أيديولوجيتها على ثلاثة محاور هي التکفیر و الهجرة و الجهاد. و أصبح هذا التيار ملهماً لكثير من الجماعات التكفيرية من بينها تنظيم القاعدة و داعش، اللذين يرتكبان أفظع الجرائم تحت ذريعة تطهير المجتمع الإسلامي من الجاهلية و السلوكيات غير الإسلامية وصولاً إلى تشكيل الحكومة أو الخلافة الإسلامية، و لقد أصبح أفراد هذه التنظيمات عملياً، و للأسف الشديد، جنوداً للولايات المتحدة و إسرائيل، فأسّسوا لشرعة الحرب و النهب و سفك الدماء في العالم الإسلامي.

الإخوان المسلمون و إرهاصات ظهور السلفية الجهادية

منذ أواسط عقد الثلاثينات من القرن الماضي بدأت الأفكار الوسطية لرشيد رضا تتبلور في تنظيم الإخوان المسلمين بزعامة تلميذه حسن البنا. وُلد الأخير في مدينة الإسكندرية المصرية في عام 1906م، کان والده خريج جامعة الأزهر و إمام مسجد محلته، و كان من أتباع الطريقة الشاذلية [الصوفية]. تأثّر حسن

ص: 15


1- . نخبة من المؤلفين، السلفیة الجهادیة، ص 11.

البنّا، من جهة، بالتصوّف ، و من جهة ثانية، بالآراء السلفية لرشيد رضا و مجلته المنار، الأمر الذي يفسّر اضطلاعه بمسؤولية مواصلة إصدار هذه المجلة بعد رحيل رشيد رضا في عام 1935 م(1).

في عام 1928 م قام حسن البنّا مع ستّة أشخاص من أصدقائه و إخوانه بتأسيس جماعة الإخوان المسلمين(2). لقد أثّرت أزمة إلغاء الخلافة العثمانية و انمحاء الهوية الإسلامية بفعل الهجمة الثقافية الغربية على نفسية حسن البنّا فانعكس ذلك في تحوّله من النهج الصوفي إلى النهج السلفي الإصلاحي، و تأسيسه لتيار أصبح يُعرف فيما بعد بالإخوان المسلمين. أحد العوامل المهمة في انتشار هذا التنظيم و إقبال الشباب عليه، التناقض الطبقي و غياب العدالة الاجتماعية في المجتمعات الإسلامية، و هذا بدوره ناجم عن عدم كفاءة الحكام و النخب و سوء تدبيرهم(3).

يرسم بعض الباحثين الخط البياني لمراحل تأسيس تنظيم الإخوان المسلمين على النحو التالي: 1. مرحلة الدعوة و التبلیغ

ص: 16


1- . إبراهیم محمد و آخرون، جمعیت اخوان المسلمین مصر ، ص 18.
2- . المصدر نفسه، ص 22.
3- . هرایر دکمجیان، جنبش های اسلامی معاصر در جهان عرب، ص 65.

(1932-1939م)؛ 2. مرحلة التنظيم و وضع السياسات (1939-1945م) حيث تحوّل التنظيم في هذه المرحلة إلى تنظيم عالمي؛ 3. مرحلة النشاط و الكفاح (1945-1949م).

في المرحلة الأولى، كان نهج الإخوان يتركّز على الجانب الإعلامي و التنظيري و يعزى ذلك إلى المواقف الوسطية لحسن البنّا القائمة على الموعظة الحسنة و الحكمة و نبذ العنف و الاحتجاج على السلطة، و سرعان ما انتشر هذا النهج(1). بعد اشتعال الحرب العالمية الثانية و انتشار تشكيلات الإخوان، راح حسن البنّا يفكّر في استحداث تشكيلات سرية من أجل محاربة الإنجليز كرد فعل على مسلسل الاغتيالات الذي طال رموز التنظيم، و قد حدّد وظائف هذه التشكيلات في محاربة الاستعمار الإنجليزي و الكفاح ضدّ أعداء الجماعة و إحياء فريضة الجهاد(2). و تمثّل هذه المرحلة بداية تحوّل النهج الإصلاحي للتنظيم إلى نهج جهادي؛ في هذه المرحلة كان «الشیخ السابق» بوصفه أول مفتي ديني للتنظيم يضفي المشروعية على الإجراءات و القرارات

ص: 17


1- . إبراهیم محمد و آخرون، جمعیت اخوان المسلمین مصر ، ص 56.
2- . المصدر نفسه، ص 63.

الصادرة عن التنظيم(1). بعد وقوع نكبة فلسطين عام 1947 م و التي أدّت إلى تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية و عربية، اشتدّ النهج الجهادي قوة و صلابة خصوصاً مع إعلان حسن البنّا النفير العام من أجل الكفاح المسلح(2).

في الحقيقة، إنّ زيادة قوة الإخوان المسلمين و تحوّل استراتيجيتهم نحو الجهاد و العنف، زاد من قلق الحكومة المصرية و مخاوفها من قيام التنظيم بانقلاب يطيح بها، كما حصل مع انقلاب اليمن في عام 1948 م الذي أطاح بحكم الإمام الزيدي يحيى و كان للتنظيم دور في تدبيره.

هذه الحوادث و غيرها دفعت دولة النقراشي باشا إلى إصدار قرار بحلّ الجماعة. و لم يمض وقت طويل حتى اغتيل النقراشي فوجّهت أصابع الاتهام إلى الجماعة بتنفيذ حادث الاغتيال، فأصدر إبراهيم عبد الهادي الذي خلف النقراشي أمراً باعتقال أعضاء الجماعة و زجّهم في السجون. و في الثاني عشر من شباط̸ فبراير تم اغتيال حسن البنّا أمام «جمعية الشباب المسلم»(3).

ص: 18


1- . المصدر نفسه، ص 129.
2- . المصدر نفسه، ص 112 - 116.
3- . نخبة من المؤلفين، اندیشه سیاسی متفکران مسلمان، ج 14، ص 409.

غياب الزعيم الكاريزماتي و بروز التطرّف في أوساط الإخوان المسلمين

بعد حلّ جماعة الإخوان المسلمين و اغتيال حسن البنّا، حدث فراغ كبير في القيادة الكاريزماتية في أوساط الشباب الإخواني الأصولي. في عام 1951 م عُيّن حسن الهضيبي مرشداً عاماً للجماعة، و كان شخصية معارضة بشدة للتطرّف و الكفاح المسلح في الجماعة. لهذا السبب تحاشت الجماعة الانغماس في النشاطات السياسية، و جعلت أساس نشاطها الدعوة إلى الله على قاعدة الحكمة و الموعظة الحسنة. و قد التقى المرشد الهضيبي بالرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، و أثار هذا اللقاء حفيظة الإخوانيين فتفاقم الأمر إلى حدوث انشقاقات داخلية في التنظيم(1)، ذلك أنّ العديد من زعماء التنظيم و رموزه كانوا يقبعون في تلك الفترة في زنزانات النظام، فضلاً عن إعدام البعض الآخر، لذا، اعتُبرت خطوة المرشد العام تلك مخالفة لنهج جماعة الإخوان و سياساتها المتمثلة في مقارعة الظلم و الفساد.

ص: 19


1- . إبراهیم محمد و آخرون، جمعیت اخوان المسلمین مصر ، ص 184.

مع اشتداد الانشقاق و تصاعد الخلاف بين أعضاء الجماعة و بلوغه الذروة، و تعرّض أنصار الكفاح المسلح لضغوطات من قبل النظام فأصبحوا أقلية مطاردة، برز سيد قطب في غمرة هذه الحوادث فرسم نهجاً جديداً لمواجهة النظام، حيث استطاع من خلال تأليفه كتاب معالم فی الطریق أن يجذب إليه الشباب المتطرّف في جماعة الإخوان المسلمين و أن يحظى بإقبال كبير. و قد عُدّ هذا الكتاب كتاباً استراتيجياً في عملية المواجهة لنظام جمال عبد الناصر، بحيث أنّه بعد حلّ الجماعة في مصر كان المرجع الأمثل للشباب الإخواني، كما أنّه كان السبب وراء ظهور الجماعات التكفيرية العديدة مثل الجماعة الإسلامية و الهجرة و التكفير و جماعة الجهاد(1).

سید قطب، مؤسس السلفیة الجهادية

وُلد سید قطب في 1906 (1324 ه-) في محافظة أسيوط بصعيد مصر(2). في بداية حياته كان يميل إلى الأفكار غير الدينية، لكنّه بعد رحلته إلى الولايات المتحدة مرّ بتحولات فكرية، عبر

ص: 20


1- . لمزيد من المعلومات انظر: جیل کوپل، پیامبر و فرعون، ص 18 فما بعد.
2- . صلاح عبد الفتاح الخالدي، سید قطب از ولادت تا شهادت، ص 25.

خلالها من الأدبيات العلمانية إلى أفكار الإخوان المسلمين. و المثير في الأمر أنّ رحلة سيد قطب إلى الولايات المتحدة ليس فقط لم تجعل منه شخصاً متغرّباً، و إنّما زادت من كراهيته للغرب أضعافاً مضاعفة، ما دفعه إلى ترك حزب الوفد الليبرالي العلماني، و قد أعلن عن هذا الأمر رسمياً في مقالة له كتبها عام 1945 م تحت عنوان «أين أنت يا مصطفى كامل»(1).

بعد تركه لجميع الأحزاب و التشكيلات، انخرط في نشاطات شخصية كثيرة من أجل دعوة المجتمع إلى الإصلاح السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و التعليمي. كان ينشر مقالاته في العديد من المجلات التي كانت تصدر في تلك الفترة مثل الرسالة، الثقافة بالإضافة إلى مطبوعات أخرى كما قام بإصدار مجلات مثل العالم العربي و الفکر الجدید. لقد شكّلت المجلة الأخيرة أكثر منابره مقارعةً للظلم حيث كان ينشر فيها مقالات على درجة كبيرة من الشجاعة و الصراحة، فضاقت الحكومة و

ص: 21


1- . انظر: مجلة الرساله، «سید قطب، أین أنت یا مصطفی کامل؟»، العدد 648، ص 13.

البلاط به ذرعاً. و هكذا كان الأمر، حيث صدر أمر بإيقاف المجلة عن العمل بعد أربعة أشهر من صدورها(1).

بدأ سيد قطب أهم نشاطاته بعد دخوله الحركة الواسعة للإخوان المسلمين، فتأثّر الشباب الإخواني بكتاباته، و صار ملهمهم و موضع محبتهم و احترامهم. من ناحية ثانية، ارتبط سيد قطب بجماعة الإخوان المسلمين في عام 1951 م بعلاقة عاطفية و روحية نظراً للمكانة المهمة و الحسّاسة التي بلغتها الجماعة، و التي توّجت بانتمائه الرسمي إليها(2). و عن تلك الفترة كتب قطب ما يلي:

في هذه الفترة ترسّخت أواصر العلاقة و توطدت بيني و بين جماعة الإخوان، لأنّه بحسب تحليلي، کانت هذه الجماعة تشکّل إطاراً مناسباً لنشر الدين، و باعتقادي أنّ الجماعة عبارة عن حركة تتصدى للمخططات الصهيونية. هذه العوامل مجتمعة أدّت إلى أن أنتمي بصورة رسمية إلى الإخوان المسلمين في عام 1953 م(3).

ص: 22


1- . صلاح عبد الفتاح الخالدي، سید قطب از ولادت تا شهادت، ص 343.
2- . المصدر نفسه، ص409.
3- . قطب سید، لماذا أعدموني؟، ص7.

استمرّ نشاط سيد قطب مع الجماعة لمدة عام و نصف، و أهم مناصبه فيها هو إدارة مجلة الاخوان المسلمین. لكنّه أوقف صدورها بسبب الافتقاد إلى الحرية في نشر الموضوعات، و قام بدلاً من ذلك بإلقاء الكلمات و الخطب في المقر الرئيسي للجماعة. شارك في العديد من المؤتمرات و الملتقيات التي كانت تعقد خارج مصر ، فلفت إليه انتباه المفكرين و الناشطين(1). كان يمارس نشاطات واسعة قبل وقوع الانقلاب العسكري لجمال عبد الناصر، لدرجة أنّ البعض أطلق عليه «ميرابو الثورة المصرية»(2)،(3). و قد أشار في التقرير الذي قدّمه في عام 1965 م إلى المحققين الحکوميين إلى جهوده الإصلاحية قبيل قيام الثورة:

لقد سخّرت أوقاتي بشكل كامل للنضال الشاق عبر ممارسة الكتابة و إلقاء الخطب و عقد الندوات المناهضة للأوضاع الإقطاعية و الرأسمالية التي كانت سائدة آنذاك، و في هذا الصدد أصدرت كتابين هما: صراع الإسلام و الرأسمالية، و الإسلام و السلام العالمي. عدا ذلك، نشرت

ص: 23


1- . صلاح عبدالفتاح الخالدي، سید قطب از ولادت تا شهادت، ص425.
2- . میرابو اونوره گابریل ریکتي کنت دو (1749-1791 م) سياسي و كاتب و صحفي ثوري فرنسي مشهور، لعب دوراً مهماً في الثورة الفرنسية من خلال مقالاته و خطبه.
3- . صلاح عبد الفتاح الخالدي، سید قطب از ولادت تا شهادت، ص380.

مئات المقالات في العديد من الصحف مثل الحزب الوطني الجديد، و الحزب الشيوعي، و مجلة الدعوة، التي كان صالح العاوي يصدرها، بالإضافة إلى سائر المجلات التي كانت مستعدة لنشر مقالاتي(1).

عندما وصلت الاختلافات بين عبد الناصر و جماعة الإخوان المسلمين إلى وضع متأزم، بدأ عبد الناصر يفكر في قمع الجماعة و كبح جماحها. فأصدر مجلس قيادة الثورة في الخامس عشر من كانون الثاني̸ يناير 1954 م قراراً بحلّ جماعة الإخوان المسلمين بوصفها تشكّل تهديداً للشعب و أمن البلاد، و اتّهمها بالارتباط بالإنجليز. و نتيجة لذلك، اعتُقل زعماء الجماعة مثل حسن الهضيبي و سيد قطب، لكنّ الحكومة اضطرت إلى إطلاق سراحهما في وقت لاحق نظراً للتظاهرات الشعبية التي قامت لهذا السبب.

مرّة أخرى، عاد سيد قطب إلى إصدار صحيفة الإخوان المسلمون

و لكن هذه المرة بحرية أكبر، بيد أنّه اعتُقل ثانية بسبب الخبر الذي انتشر في أوساط الناس بعد فترة قصيرة عن المحاولة

ص: 24


1- . المصدر نفسه، ص 379.

الفاشلة التي قام بها أعضاء من الجماعة لاغتيال جمال عبد الناصر. و قد حُكم عليه بالسجن لمدة 15 سنة، و أصيب خلال وجوده في السجن ببعض الأمراض في الجهازين الهضمي و التنفسي. و استطاع في السجن أن يكتب أهمّ مؤلفاته مثل تفسير في ظلال القرآن الکریم، المستقبل لهذا الدين، معالم في الطريق و كتب أخرى(1). في عام 1964 م أطلق سراح سيد قطب بعفو طبي و ذلك لقصور شديد في وظائف القلب(2)، فزارته قيادات التشكيلات الإخوانية و طلبت منه أن يستلم قيادة جماعة الإخوان فوافق على طلبهم، لكنّ قيادته كانت قيادة فكرية و بحثية و تعليمية لا قيادة عملية و تنفيذية. لم تستمر قيادته للجماعة لأكثر من ستّة أشهر(3)، لأنّها واجهت مرة أخرى تهم بمحاولة قلب نظام الحكم ، و قد أدّى سيناريو الانقلاب المسلح ضدّ الحكومة إلى قيام الشرطة العسكرية بعد فترة قصيرة باعتقال جميع زعماء الجماعة و أعضائها. و عليه، تم اعتقال سيد قطب مجدداً في عام 1965م و حكمت عليه محكمة عسكرية بالإعدام

ص: 25


1- . المصدر نفسه، ص439.
2- . المصدر نفسه، ص468.
3- . قطب، سید، لماذا أعدموني، ص 31.

بأمرٍ من جمال عبد الناصر، في 21 حزيران̸ يونيو عام 1966م. تم تنفيذ الحكم بسيد قطب و اثنين من رفاقه المقرّبين و هما محمّد يوسف هواش و عبدالفتاح اسماعيل، في 29 حزيران̸ يونيو 1966م، و أخيراً نال الشهادة في الطريق الذي اختاره بنفسه(1) و وصل قطار عمره إلى محطته الستين و الأخيرة(2).

معالم فی الطریق، منشور السلفية الجهادية

يعدّ کتاب معالم في الطريق(3) ذروة الإنتاج الأدبي و الفکري لسيد قطب و يتناول فيه أيديولوجية الحرکات الإسلامية، و قد تحوّل

ص: 26


1- . صلاح عبد الفتاح الخالدي، سید قطب از ولادت تا شهادت، ص597.
2- . سید قطب، ترجمه فارسي تفسیر في ظلال القرآن، ج1، ص 14.
3- . کتاب معالم في الطریق نفحة أخرى من كتاب المصطلحات الأربعة في القرآن بقلم أبي الأعلى المودودي (1903-1979 م)، و هذه دلالة على تأثّر سيد قطب بأفكار المودودي. يتناول سيد قطب في جميع صفحات كتابه مفهومي «العبودية» و «الحاکمية» بوصفهما مفتاح علاقة الإنسان بربه. يقوم المودودي في کتاب المصطلحات الأربعة بالبحث في جذور المصطلحات الأربعة «الله، الرب، العبادة، الدين» طبقاً لتصور العرب في عصر الرسول الأكرم $، لا كما تم تفسير هذه المصطلحات في القرون الأخيرة. يضع المودودي في مقابل الحاکمية و العبودية لله، مصطلحي «الجاهلية» و «الطاغوت» اللذين يقومان على التسليم لربوبية غير الله و تدبير الأمور الفردية و الاجتماعية طبقاً لقوانين غير قوانين الله و أحكامه. بحسب رأي المودودي، إنّ الفكر العلماني و رفض العلاقة بين الدين و السياسة، و الذي يعتبر أمراً متداولاً في إدارة الحكم طبقاً لمعتقدات عصرنا، هو رمز الجاهلية الجديدة في زماننا. باعتقاده أنّ الإسلام عبارة عن فكر و نظام ثوريين يهدف «إلى إسقاط الأنظمة الفاسدة الحاكمة، و إرساء الأساس لنظام عادل و راق» و أنّ هدفه النهائي هو محاربة المجتمع الجاهلي، و إلغاء سلطان الإنسان على الإنسان، و تأسيس مجتمع توحيدي و إقامة حكومة الله الواحد المطلقة في جميع أنحاء العالم. من هنا، شُرّعت فريضة اسمها «الجهاد» للوصول إلى هذه الأهداف المقدسة في التعاليم الإسلامية (لمزيد من المعلومات عن أفكار المودودي، انظر: أبو الأعلی المودودي، اسلام و جاهلیت یا أبو الأعلی المودودي در کشاکش سنت و مدرنیته).

إلى منشور عام لمعظم الحرکات الإسلاموية المتطرفة و التکفيرية. و بعبارة أخرى يمکن القول أنّ کتاب معالم في الطريق هو بوابة الوصول إلى أيديولوجيا الحرکة الإسلامية في عقد السبعينات من القرن الماضي. طبعاً لقد استنکر علماء جامعة الأزهر و جميع العلماء المسلمين هذا الکتاب معتبرين إيّاه بدعة و عملاً قبيحاً، حتى أنّ حسن الهُضَيبی، المرشد العام للإخوان المسلمين، ألّف کتاب في الردّ عليه تحت عنوان دعاة لا قضاة(1).

و معالم في الطريق هو آخر کتاب صدر في حياة سيد قطب.

و قد قامت مکتبة وهبة بنشره في عام 1964 م. الکتاب في الأصل عبارة عن کتابات رشحت عن قلم سيد قطب في سجن

ص: 27


1- . جیل کوپل، پیامبر و فرعون، ص35؛ عندما ألّف حسن الهضیبي، ثاني زعيم لجماعة الإخوان المسلمين في عام 1969 م كتابه نحن دعاةٌ لا قضاة بعد إعدام سيد قطب، و انتقد صراحة كتاب المصطلحات الاربعة في القرآن، فإنّه، في الحقيقة، كان يقصد بنقده كتاب معالم في الطريق أيضاً!

طرة و قامت شقيقته حميدة و کذلک زينب الغزالي – شقيقة الشيخ محمد الغزالي- بإيصالها إلى جماعة الإخوان لطبعها. بعد فترة، تمّ إطلاق سراح سيد قطب من السجن إثر وساطة قام بها عبد السلام عارف [الرئيس العراقي آنذاک]، فعاد من جديد لقيادة الجماعة و الإشراف على نشاطاتها. حين أعلن عبد الناصر في عام 1965 م اکتشاف مؤامرة الإخوان المسلمين لقلب نظام الحکم، قامت السلطات باعتقال سيد قطب بوصفه الزعيم الأصلي للجماعة. و طبقاً لما أفادت به الشرطة، فإنّه قد عُثر على کتاب معالم في الطريق في منازل جميع أعضاء جماعة الإخوان أثناء التحقيق معهم. و قد کتبت زينب الغزالي ذات مرة قائلة: إذا أردت أن تعرف لماذا أُعدم سيد قطب فعليک بمطالعة کتابه معالم في الطریق(1).

کُتب معالم في الطريق في 1964 بهدف تسليط الضوء على المواجهة بين الثقافة الإسلامية و التحديات المعاصرة التي تواجهها، و يعتقد رضوان السيد أنّ الکتاب صار بمثابة البيان الأساسي للأحزاب الإسلامية المناضلة. من وجهة نظر سيد

ص: 28


1- . المصدر نفسه، ص41.

قطب، إنّ الحکم على أيّ شيء في البلاد الإسلامية يجب أن يبدأ بسؤال رئيسي و هو: من الذي يحکم في مجالات الفکر و الثقافة و السياسة و الحکومة، الله (شريعة الله) أم الطاغوت (قوانين الطاغوت أو رجاله و أنظمته)(1)؟!

ظهور الجماعات الجهادية - التكفيرية هو ثمرة كتاب معالم في الطریق

بعد نشر کتاب معالم في الطریق ظهرت طيلة عقد السبعينات ثلاث جماعات تکفيرية - جهادية، استطاعت أن تهزّ الحياة السياسية في مصر. هذه الجماعات هي: منظمة التحرير الإسلامي أو منظمة شباب محمد، جماعة المسلمین أو التکفیر والهجرة، و منظمة الجهاد و التي تسمّى أحياناً «الجهاد المعاصر». يُنظر إلى هذه الجماعات من الناحية الأيديولوجية بمثابة الأبناء المباشرون لجماعة الإخوان المسلمين، و سيد قطب هو حلقة الوصل بينهم و الذي استطاع أن يجذبهم نحوه بإصداره کتاب معالم في الطریق. من وجهة نظر المناضلين الجدد، کان سید قطب يمتلک ثلاث خصوصيات فريدة هي: 1. منظّر معاصر مع قدرة

ص: 29


1- . رضوان السيد، اسلام سياسي معاصر در کشاکش هويت و تجدد، ص 24.

عالية على التأثير؛ 2. عضو بارز في جماعة الإخوان المسلمين؛ 3.عنصر فاعل استطاع بموته أن يلهم المناضلين الشباب نهج الشهادة(1).

من بين العوامل المهمة التي تقف وراء إقبال الشباب الإخواني المتطرّف على أفکار سيد قطب، بيانه الأدبي الرائق و إرشاده الشباب نحو الجهاد الابتدائي و الحرب ضدّ النظام العسکري في مصر.

أضف إلى ذلک، إنّ وجود جمعية سرية للجهاد منذ أيّام حسن البنا مهّد الظروف المناسبة لنزوع الشباب العربي نحو الجهاد المتطرّف. لقد علّم سيد قطب الشباب العربي أنّ النزعة الجهادية نوع من الثورة العالمية الدائمة و وسيلة للقضاء على الحکام العلمانيين، و بذلک وضع أمضى سلاح لمواجهة الحکومات في متناول الشباب الذي کان قابعاً تحت تسلّط الحکم الناصري(2).

ص: 30


1- . هرایر دکمجیان، جنبش های اسلامی معاصر در جهان عرب، ص165.
2- . المصدر نفسه، ص35.

حزب التحریر الإسلامي

عبارة عن حزب سياسي و إسلامي هدفه الرئيسي التأکيد على عودة الخلافة الإسلامية. مؤسّس الحزب و زعيمه هو الشیخ تقي الدین النبهاني(1) (1909-1979م)، قام بتأسيسه بمساعدة بعض الرفاق الإخوانيين مثل الشیخ داوود حمدان و الأستاذ نمر المصري(2). الشیخ تقي الدین النبهاني من مواليد مدينة حيفا، تأثّر بشدّة بشخصية سيد قطب و أفکاره لدرجة أنّه کان يدرّس کتاب قطب العدالة الاجتماعية في الإسلام. کما انعکس هذا التأثير بوضوح على کتابه الشخصیة الإسلامیة(3)،(4). قام النبهانی في 1950م بتأسيس هذا الحزب کرد فعل على الهزائم التي لحقت

ص: 31


1- . ولد في عام 1909 م في قرية اجزم بفلسطین في أسرة متدينة و علمية. أرسله والده الشیخ یوسف إلى جامعة الأزهر ليكمل دراسته فيها. أسّس في عام 1952 م حزب التحریر (لمزيد من المعلومات انظر: عبدالغني عماد، الحرکات الإسلامیة في الوطن العربي، ج 1، ص698-700).
2- . سعود المولی، الجماعات الاسلامیة و العنف، ص 442.
3- . صدرت جميع الكتب مثل نظام الإسلام، مفاهیم حزب التحریر، نقطة الانطلاق، الدولة الإسلامیة، أسس النهضة بین عامي 1952-1953 (سعود المولی، الجماعات الاسلامیة و العنف، ص 446).
4- . المصدر نفسه، ص445؛ حسن حضرتي، «اندیشه سیاسي حزب التحریر»، پژوهش هاي تاریخي، العدد 7، ص 59.

بالجيوش العربية في مقابل الکيان الصهيوني و اغتيال حسن البنا، و کذلک بهدف إحياء السلطة السياسية للإسلام و تأسيس حکومة إسلامية(1). لقد عزا حزب التحرير هزيمة المسلمين إلى عاملين اثنين هما: 1. المعرفة الناقصة للزعماء و الحکام المسلمين عن الفکر الإسلامي؛ 2. جهل الحکام المسلمين بالقوانين و السنن الإسلامية للوصول إلى الفکر الإسلامي. لهذا السبب، إذا أردنا إصلاح المجتمع، فلا بدّ أولاً من إصلاح أفراده، و لإصلاح أفراده يلزم إصلاح أفکارهم و مشاعرهم و قوانينهم، کما فعل رسول الله $ عندما أراد تغيير المجتمع الجاهلي فبدأ أولاً بتغيير عقائد هذا المجتمع. من هنا، ترکّز نهج الحزب على تغيير أفکار المجتمع ومعتقداته، طبعاً الفکر المقترن بالتطبيق(2). کان حزب التحریر يعتقد أنّ المجتمع مؤلف من جدارين، جدار العقيدة و الفکر، و جدار القوانين و اللوائح. و على هذا الأساس، طرح ثلاث مراحل عملية لتغيير المجتمع هي کالتالي: 1. مرحلة الحرب العقائدية و هي بنحو ما حرب ثقافية؛ 2.

ص: 32


1- . جون ال. سپوزیتو، دایرة المعارف جهان نوین اسلام، ج 2، ص 393.
2- . سعود المولی، الجماعات الاسلامیة و العنف، ص 499-450.

مرحلة الثورة العقائدية و هي مرحلة التعاطي مع المجتمع عبر النشاط الثقافي و السياسي؛ 3. مرحلة الاستيلاء على الحکم عن طريق الأمة(1). يشير برنامج الحزب إلى السعي لتوظيف العناصر الإسلامية التقليدية لتبرير الاستفادة من الأساليب التنظيمية و التعبئة السياسية(2).

صالح السرية(3) هو أحد أعضاء حزب التحرير قام بدمج فکر حزب «التحرير الإسلامي» ليؤسّس جماعة تحت عنوان «صالح السریه» أو «أکاديمية الجيش»، استولى من خلالها على الکلية الفنية العسکرية في القاهرة عام 1974 م، لکنّ محاولته هذه باءت بالفشل. يرى البعض أنّ محاولة صالح السرية هي أول

ص: 33


1- . المصدر نفسه، ص453.
2- . جون ال. سپوزیتو، دایرة المعارف جهان نوین اسلام، ج 2، ص 395.
3- . ولد في فلسطين و هاجر إلى العراق في عام 1948 م، دخل كلية الشريعة و تعرّف هناك على جماعة الإخوان المسلمین فرع العراق. في عام 1951 م أصبح عضو اللجنة التنفيذية للجماعة فرع العراق، و لعب دور الوسيط بين عبد السلام عارف رئیس الجمهورية العراقية آنذاك و بين الإخوان المسلمین. أسّس في عام 1958 أول جماعة فلسطينية تحت عنوان «جبهة التحریر الفلسطینیة» في العراق. امتدّ نفوذ هذه الجماعة من العراق إلى سائر البلدان العربية؛ انظر: سعود المولی، الجماعات الإسلامیة و العنف، ص567- 570.

حرکة لجماعة أصولية مسلحة لقلب نظام الحکم و تأسيس حکومة إسلامية(1).

حزب جماعة المسلمین

کان زعيم جماعة المسلمين شکري أحمد مصطفی الذي وُلد في محافظة أسيوط بمصر. اعتقل في عام 1965 م بسبب قيامه بتوزيع منشورات جماعة الإخوان المسلمين و أمضى ست سنوات في السجن، تعرّف خلالها على أعمال أبي الأعلى المودودي و سيد قطب، و تأثّر بأفکارهما و کان من نتائج هذا التأثّر أن أطلق على المجتمع المعاصر تسمية المجتمع الجاهلي(2). بعد خروجه من السجن أسّس شکري أحمد مصطفی الجماعة التکفيرية «جماعة المسلمين». و کانت وسائل الإعلام المصرية تسمّي هذه الجماعة بجماعة «التکفیر والهجرة». کان أعضاء هذه الجماعة يکفّرون المسلم الظاهري و الخائن، و يطالبون المسلمين [الحقيقيين] بالهجرة من بلاد الإلحاد أي مصر المعاصرة(3).

ص: 34


1- . جیل کوپل، پیامبر و فرعون، ص 104؛ محمد حسین سلطاني فرد، ریشه ها و تاریخچه­ اصول گرایي در مصر، ص 21؛ سعود المولی، الجماعات الإسلامیة و العنف، ص567.
2- . جیل کوپل، پیامبر و فرعون، ص 80.
3- . جون ال. سپوزیتو، دایرة المعارف جهان نوین اسلام، ج 2، ص 242.

استطاع شکري مصطفی أن يجذب إلى جماعته ألفين إلى ثلاثة آلاف شخص.

انتظم هؤلاء ضمن شبکة متصلة کانت تغطي جميع المدن الکبيرة و کذلک ضواحي المدن. لقد اعتمدت هذه الجماعة تطبيق سلسلة تراتبية في القيادة و قوانين صارمة و الوفاء و الانضباط. لم يعر المسؤولون الحکوميون لهذه الجماعة اهتماماً يُذکر ظنّاً منهم بأنّها لا تشکّل خطراً أو تهديداً و لکن في عام 1976م و أوائل 1977 م تم اعتقال عدد من أعضائها. في عام 1977 م قامت الجماعة باختطاف وزير الأوقاف الأسبق محمد الذهبي، و کان الهدف من هذه الخطوة إطلاق سراح أعضائها القابعين في زنزانات الدولة. و لمّا لم تستجب الحکومة لمطالبهم أقدموا على قتل رهينتهم محمد الذهبي. ما أدّى بالحکومة إلى منع نشاطات الجماعة، ثم أعقب ذلک اعتقال شکري مصطفی و أربعة من زعماء الجماعة و أعدموا جميعاً.و قد أدّى هذا إلى انحلال الجماعة و انفراط عقدها(1).

ص: 35


1- . المصدر نفسه.

زعم شکري مصطفی أنّه تم تدوين مجموعة أفکار و معتقدات الجماعة في أربعة آلاف صفحة(1). و تنبني أهم هذه الأسس و المعتقدات على رکنين أساسيين هما: 1. الحاکمیة: و المقصود بها هو أن يترک المرء المجتمع الجاهلي و أن يکون خاضعاً و طائعاً لحاکمية الله وحده. و لمّا کان المسلمون في العصر الحاضر لم يدرکوا بعد المفهوم التوحيدي لعبارة التوحيد «لا إله إلا الله»، فهم ما يزالون خارج دائرة الإسلام، و لم يخلصوا المحبة و الولاء لله تبارک و تعالى؛ 2. الجماعة: الاسم الذي اختاره هذا التنظيم لنفسه أي (جماعة المسلمين) يدلّ على الرغبة في الحصرية الدينية. على هذا الأساس، فإنّ هذه الجماعة کانت تعتبر نفسها الجماعة المسلمة الوحيدة، و کل من کان يمتنع من الانتماء إليها أو بصدد ترکها يعتبر عدوّ نفسه و عدو الله(2). من وجهة نظر هذه الجماعة، شرط الإيمان هو مواکبة هذه الجماعة، و من لم يبايع إمام الجماعة و لا ينتمي إليها فهو کافر، حتى و إن صلّى و صام(3).

ص: 36


1- . سید احمد رفعت، النبي المسلح: الرافضون، ص 53.
2- . جون ال. سپوزیتو، دایرة المعارف جهان نوین اسلام، ج 2، ص 242.
3- . سالم البهنساوي، نقد و بررسي اندیشه تکفیر، ص 40.

على الرغم من الظهور المتزامن لجماعة التحرير الإسلامي و جماعة التکفير و الهجرة على صعيد البيئة الاجتماعية و السياسية و الأيديولوجية، غير أنّ اختلافهما في الأيديولوجية و الزعامة، خلق بينهما تنافساً و صراعاً. صحيح أنّ لهاتين الجماعتين مواقف مشترکة في مناهضة الحکومة، حيث کانا يعتبرانها وثنية و طاغوتاً، و أنّ مشروعية الحکومة تقوم على العدالة الاجتماعية، لکنّهما لم يستطيعا تشکيل جبهة موحدة ضدّ الحکومة في ذلک الوقت، و يعود ذلک إلى الطبيعة الأيديولوجية الحصرية المتمثلة في التکفير و الهجرة، و شخصية شکري مصطفى القاطعة التي لا تعرف المهادنة، حيث کان يعتقد أنّ طريق خلاص المسلمين هو في الالتحاق بهذه الجماعة، و هو ما کان يؤدّي إلى التناحر بينهما و عدم التعاون بصورة مؤثرة فيما بينهما(1).

عبدالسلام فرج و العقيدة الجهادية المتطرّفة

اشتهر محمد عبد السلام فرج في 1981م حين عرضت شاشات التلفزة العالمية مشاهد من اغتيال الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، حيث کان خالد الإسلامبولي، أحد

ص: 37


1- . هرایر دکمجیان، جنبش هاي اسلامي معاصر در جهان عرب، ص 170.

أعضاء جماعة الجهاد الإسلامية، يحمل في يده عند القبض عليه کراساً تحت عنوان الفریضة الغائبة من تأليف عبد السلام فرج، الزعيم الأصلي لهذه الجماعة، و کان يتناول فيه موضوع الجهاد، معتبراً هذه الفريضة الحرب المقدسة الوحيدة ضدّ الحاکم الظالم، و هو ما حاول العلماء إخفاءه أو التعمية عليه(1). تتضمن رسالة الفریضة الغائبة أکثر آراء عبد السلام فرج جرأة و حماسة في موضوع الجهاد، و هي في الحقيقة ليست سوى عبارات ابن تيمية مع قليل من التنقيح و التعديل، و ذلک لتکون أکثر بساطة و فهماً للقارئ. کان نهجه في الاستيلاء على السلطة يقوم على الجهاد و محاربة الحاکم الظالم، على العکس من التقليديين الذين لا يجيزون الجهاد إلّا بعد استحصال الإذن من العلماء فقط و التشاور مع الآخرين. من هنا، راح الأصوليون الجدد يعمّمون مفهوم الجهاد و يسطّحونه و يؤکّدون على تکفيريته، ليجعلوا منه أداة فاعلة لمحاربة أعداء المسلمين و غير المسلمين(2)، و قد ذکر خالد الإسلامبولي في اعترافاته ثلاثة أسباب لاغتيال الرئيس

ص: 38


1- . جیل کوپل، پیامبر و فرعون، ص 233.
2- . المصدر نفسه، ص239.

أنور السادات هي: عدم مطابقة قوانين مصر للشريعة، و إبرام معاهدة السلام مع إسرائيل، و اعتقال الأصوليين المسلمين و الإساءة إليهم في عام 1981 م(1).

کان عبد السلام فرج يعتقد أنّ الأولوية هي لجهاد الحاکم الظالم و الحرب المقدسة في إطار الثورة على النظام و الاغتيال، و کان يعلّم الجماعات و الحرکات الإسلامية الجهاد المتطرّف، حيث کان له دور مؤثّر في هذا النمط من الجهاد. لقد لعب الخطاب الجهادي لعبد السلام الذي کان ذا قالب مبسط و لغة مفهومة للجميع و کذلک العمليات المسلحة، دوراً أساسياً في خطط منظمة الجهاد(2). اعتبر عبدالسلام فرج في كتابه الشهير الفریضة الغائبة أنّ إقامة الحكومة الإسلامية فريضة على المسلمين استناداً إلى الآية )وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا اَنْزَلَ اللَّهُ فَاُوْلئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ((3). و على هذا الأساس، إذا كان هذا الأمر أعني إقامة الحكومة الإسلامية يتطلّب قتالاً فالقتال في هذه الحالة يصبح

ص: 39


1- . هرایر دکمجیان، جنبش های جهان اسلام در دوران معاصر، ص171.
2- . جون ال. سپوزیتو، دایرة المعارف جهان نوین اسلام، ج 3، ص 25 و 26.
3- . سورة المائده: آية 44.

واجباً(1). و انطلاقاً من هذه الفرضية، يناقش مفهوم دار الكفر و الحاكم الكافر. في الحقيقة، إنّ تشبيه عبد السلام فرج للحكومات المعاصرة بحكومات المغول في عصر ابن تيمية هو بمثابة تمهيد لاستنساخ أفكار ابن تيمية و السير على نهجه. و أيضاً، بالاستناد إلى أقوال هذا الأخير و نهجه في مواجهة المغول، يدفع عبد السلام فرج موضوع الجهاد باتجاه التعميم و التسطيح. إنّ منظمة الجهاد، و بدلاً من الانفصال عن المجتمع كما كانت تفعل جماعة التكفير و الهجرة، كانت تحثّ على النفوذ داخل الجيش و القوات الأمنية و سائر المؤسسات الحكومية الأخرى، و كانت تخضع لقيادة جماعية؛ لذلك، فعلى صعيد التركيبة، هي عبارة عن منظمة تقاد عبر جهاز قيادي، و تدار شؤونها عبر جهاز تقييم(2).

أفكار و معتقدات السلفية الجهادية

الجزء الأعظم من الأدبيات الفکرية - العقدية للسلفية الجهادية مستهلمة من کتب مثل معالم في الطریق لسید قطب، و -

ص: 40


1- . محمد عبد السلام فرج، الفریضة الغائبة، ص 4.
2- . هرایر دکمجیان، جنبش هاي اسلامي معاصر در جهان عرب، ص 176.

المصطلحات الأربعة في القرآن لأبي الأعلی المودودي، و رسالة الإیمان لصالح السریة، و الفریضة الغائبة لعبد السلام فرج. و في عصرنا الراهن أيضاً هناک بعض کتب العلماء الجهاديين التي تستقطب اهتمام السلفيين الجهاديين، من هذه الکتب الجهاد والاجتهاد لأبي قتاده الفلسطیني، ملة ابراهیم لأبي محمد المقدسي، فرسان تحت رایة النبي و الحصاد المر لأیمن الظواهري(1). و الحقيقة إنّ الأدبیات الفکرية للسلفيين الجهاديين بدأت بکلمات ابن تيمية و استمرت مع کتاب معالم في الطریق، وانساقت نحو التطرّف مع الفریضة الغائبة.

من خلال دراسة أفکار و آراء سيد قطب و أبي الأعلى المودودي نستشف هذه النقطة و هي أنّهم لم يکونوا يدعون إلى التکفير و الجهاد المتطرّف، و إن اشتهروا في وقتنا الحاضر بهذه الصفات. فأفکار و معتقدات شکري مصطفی أو عبد السلام فرج لا يمکن مقارنتها من حيث مستوى التطرّف مع أفکار و معتقدات سيد قطب. فهذا الأخير و إن کانت أفکاره في بعض المواضع تجيش بالحماسة و التطرّف، إلّا أنّها قابلة للإصلاح و

ص: 41


1- . نخبة من المؤلفين، السلفیة الجهادیة: دار الاسلام و دار الکفر، ص32.

التأويل نظراً لکونها أفکار مؤطرة بضوابط القرآن، و ذلک على النقيض من أفکار عبد السلام فرج و شکري مصطفی التي تغلي في مرجل العواطف و الانفعالات، حيث کانا يکفّران صراحة جميع حکّام البلدان الإسلامية و المسلمين إلّا نفسيهما،و کانا يختاران الکفاح المسلح کطريق أوحد بذريعة الجهاد(1).

و يمکن أن نلخّص محتوى کتاب الفریضة الغائبة في عشر نقاط هي کالتالي: 1. لمّا کانت قوانين البلدان الإسلامية هي نفسها قوانين الکفار، فعلى المسلمين الحقيقيين أن يعلنوا الجهاد ضد حکامهم؛ 2. حکام البلدان التي لا تطبق أحکام الإسلام مرتدون، و إن ادّعوا انتمائهم لهذا الدين؛ 3.تولّي الکفار خطيئة، و عقوبة الحاکم الذي يتولّى الکفار الموت؛ 4. الجهاد المستمر ضد الحکومة الکافرة يمثّل أعلى درجات التديّن و السبيل الوحيد؛ 5. إنّ الکفاح المسلح هو الطريق الأوحد للجهاد؛ 6. في البدء، لا بدّ من محاربة الکفر الداخلي، و من ثمّ محاربة الکفر الخارجي؛ 7. بمقدور کل مسلم أن يطالع موضوع الجهاد بأقل جهد و دونما حاجة إلى مستوىات عليا من التعليم ؛ 8. زعامة

ص: 42


1- . انظر: سالم البهنساوي، نقد و بررسي اندیشه تکفیر.

الإسلام يجب أن تناط بأقوى الأفراد و أکثرهم إيماناً؛ 9. التخلّي عن الجهاد مدعاة لانحطاط المسلمين و مذلتهم؛ 10. لقد وضع الله تبارک و تعالى خمس مراحل لتاريخ الإسلام هي: أ. الأمة في عهد النبي الأکرم $؛ ب. الأمة في عهد الخلفاء؛ ج. الأمة في عهد الملوک؛ د. الأمة في عهد الديکتاتوريات؛ ه. أمتنا التي يجب عليها إسقاط الأنظمة المستبدة و إقامة حکومة شبيهة بحکومة النبي الأکرم $(1).

أمّا أهم المفاهيم و العبارات المتداولة في أوساط السلفية الجهادية فهي عبارة عن: 1. الحاکمیة؛ 2. العبودیة؛ 3. الجاهلیة؛ 4. دار الاسلام و دار الکفر؛ 5. الجهاد.

مفهوم الحاکمیة

ثمّة مفهومان مهمّان تعرّضا للبحث و التمحيص في کل موضع من مواضع کتاب معالم في الطريق و کتب جهادية أخرى، و هذان المفهومان هما: العبودیة و الحکمة. مصطلح العبودية مشتق من کلمة العبادة و الشکر، و مصطلح الحکمة

ص: 43


1- . هرایر دکمجیان، جنبش هاي اسلامي معاصر در جهان عرب، ص181؛ و سید احمد رفعت، النبي المسلح: الرافضون، ص127.

مأخوذ من الحکومة و القضاء. و أوّل من نقل استعمال هذا المصطلح من المسائل العقدية إلى المسائل السياسية هو أبو الأعلی المودودي، بينما استطاع سید قطب أن يشيع تداوله في البلدان العربية في إطار المصطلحات و العبارات الحديثة(1). کان سيد قطب يعتقد أنّ حاکمية الله تبارک و تعالى هي وحدها الحاکمية القانونية و المشروعة في المجتمع الإسلامي. و على هذا النحو، فإنّ الله تبارک و تعالى هو موضوع العبادة الوحيد(2). ثم من خلال تفسيره لمعنى کلمة «إله» في عبارة «لا إله إلا الله» بيّن هذه الملاحظة و هي، أنّ أهم شيء في القضايا العقدية، الألوهية و العبودية، و قد تمّ تفسير الألوهية بمعنى الحاکمية العليا لله تبارک و تعالى. لذلک، لا يمکن القبول بأيّة حاکمية عدا حاکمية الله و لا أيّة شريعة إلّا شريعة الله تبارک و تعالى. في نهاية المطاف استنتج سيد قطب أنّه لا ينبغي لأيّ إنسان أن يکون له سلطان على إنسان آخر، فسلطانه غاصب، لأنّ السلطان لله وحده(3)،

و کان يعتقد أنّ الإسلام هو الإقرار ب- «لا إله إلا الله»

ص: 44


1- . عبدالغني عماد، الحرکات الاسلامیة في الوطن العربي، ج 1، ص 90.
2- . جيل كوپل، پيامبر و فرعون، ص 62.
3- . سید قطب، معالم في الطریق، ص25.

حيث يتجلّى معناه الحقيقي في حاکمية الله و سلطانه. و انطلاقاً من ذلک، فإنّ المجتمع الإسلامي يتشکّل في حال دخل الناس في هذا الدين و أخلصوا الطاعة لله وحده(1). من هذا الباب، فقد رتّبت الجماعات الجهادية آثاراً خطيرة و متطرّفة على مفهوم الحاکمية بحيث أنّ جميع الحکومات و الجماعات التي تقف بوجه تشکيل حکومة الله هي حکومات کفر و طاغوت، و تبعاً لذلک، فإنّ القوانين التي تشرّع في ظلّ هذه الحکومات هي قوانين کفر و مشرّعوها کفار(2).

و قد علّق بعض المفکّرين مثل محمد عماره في کتابه الاسلام والسلطة الدینیة على القائلين بأنّ الحاکمية لله وحده، بقوله إنّهم يعتقدون بأنّ السلطة السياسية في المجتمع الإسلامي لا تشکّل جزءاً من حقوق الشعب. في هذه المجتمعات الإنسان ليس هو الحاکم بل الحاکم الأوحد هو الله تبارک و تعالى. يظنّ واضعو هذه النظرية أنّ الإسلام السياسي يختلف في الجوهر عن الديمقراطية السياسية، ذلک أنّ الديمقراطية تؤمن بأنّ الحکومة

ص: 45


1- . سعود المولی، جماعات الاسلامیة و العنف، ص 269.
2- . صالح السریه، رسالة الایمان، برگرفته از کتاب النبي المسلح، ج 1، ص 44.

والسلطة ملک للشعب. الدکتور سالم البهنساوي، هو أحد المدافعين عن آراء و أفکار سيد قطب، و قد ردّ على هذه الإشکالية قائلاً لقد قصد سيد قطب بحاکمية الله أنّ على الحاکمين أن لا يحکموا الناس بالقوانين الوضعية و البشرية، بل المراد هو نفس العبارات التي أشار إليها القرآن الکريم: )وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ((1).

و في هذا السياق، يقول أبو الأعلی المودودي، لم يکل الإسلام أمر الخلافة إلى أسرة أو طبقة خاصة في المجتمع، بل أناط هذه المسؤولية بکل فرد يؤمن بأصول التوحيد و رسالة النبي الأکرم$، من هنا نشأت نظرية الجمهورية و الشعبية في الإسلام. لذلک، فجميع أفراد المجتمع الإسلامي لهم نصيب في الخلافة، و کل حکومة تسعى إلى تدبير شؤون البلاد لا بدّ أن تتشکّل وفقاً لآراء جمهور الناس و دعمهم(2). تأسيساً على ذلک، فإنّ الحاکمية المقبولة، من وجهة نظر سيد قطب و المودودي، هي القائمة على القرآن الکريم و السنّة المطهرة. بعبارة أخرى، إنّ

ص: 46


1- . سورة الزخرف: آية 84.
2- . سالم البهنساوي، نقد و بررسي اندیشه تکفیر، ص 186- 187.

الديمقراطية المقبولة من قبلهما هي الديمقراطية الإسلامية لا الديمقراطية الغربية.

مفهوم العبودیة

التوحيد في العبادة و الذي يعني إخلاص العبادة لله تبارک و تعالى هو التوحيد المقبول و المجمع عليه من قبل جميع الأديان الإلهية(1). و في ضوء أقوال السلفية الجهادية يمکن أن نلمس بوضوح العلاقة القوية التي لا انفصام لها بين مفهومي «الحاکمية» و «العبودية» لدى هذه الجماعة. و بالاستناد إلى النهج الفکري لسيد قطب، فإنّ العابد الحقيقي هو الخاضع لحاکمية الله وحدها، و يتبع شرائعه و أحکامه فقط. کان سید قطب يعتقد أنّه نظراً لکون ألوهية الله واحدة، فإنّه ينبغي أن تکون حاکميته و قيّوميته واحدة أيضاً، و هو وحده الحاکم و السلطان و لا أحد سواه. و عليه فالعبادة و الطاعة تختصّ به وحده(2).

و بحسب رأيه، لا يقتصر جوهر العبادة على أداء الفرائض و إقامة

ص: 47


1- . جعفر سبحاني،گزیده سیمای عقاید شیعه، ص 56.
2- . سید قطب، في ظلال القرآن، ج 3، ص 204.

الطقوس و الشعائر فحسب، بل العبادة تعني تبلور العبودية في حاکمية الله. و قد کتب في هذه المسألة قائلاً:

العبادة لا تعني مجرّد إقامة شعائر و مراسيم العبادة و العبودية، و لو کانت کذلک لما کانت هناک حاجة لإرسال هذا العدد من الأنبياء، و ما تحمّلوه من عناء و مشاق. إنّ الشيء الذي يستحقّ هذا الثمن الباهظ هو تحرير جميع أفراد البشرية من نير التبعية للعباد و العودة بهم إلى الله الواحد في کل الأعمال و في جميع برامج الحياة في هذه الدار و في الدار الأخرى. لقد بُعث الأنبياء من أجل توحيد الألوهية و توحيد الربوبية و توحيد الحاکمية و توحيد برامج الحياة(1).

من وجهة نظر سيد قطب أنّ إنکار توحيد الحاکمية يؤدّي إلى طاعة الطواغيت و عبادتهم، و الالتزام بغير شرع الله، و هذا ما يتنافى مع الفطرة الإنسانية منشأ الإله الواحد(2).

من هنا نلاحظ أنّه دفع بالتطرّف و التشدّد إلى أقصى الحدود، بحيث اعتقد أنّ أيّ نوع من الخضوع أو الطاعة مذموم. لذلک، أيّة طاعة للأشخاص أو التعلّق بالأشياء ينقض حاکمية الله و سلطانه، و

ص: 48


1- . المصدر نفسه، ج 6، ص757 .
2- . المصدر نفسه، ج 4، ص 1960.

يمثّل ذلک عبادة غير الله(1)،

و يندرج تحت هذا العنوان الموضات و الالتزام بها أيضاً. و على حدّ تعبيره:

من أقبح أنواع الخضوع و العبادات هو الخضوع أمام الحکام الذين يحکمون في الناس بقوانينهم و شرائعهم، و يميلون بهم ذات اليمين و ذات الشمال. هذه العبادة و العبودية لا تقتصر على الحکام، بل تتجلّى في أشکال خفية أخرى. من أمثلة ذلک عبادة الموضات و الأزياء، هذه الأزياء التي يفرض أربابها ارتداؤها في السيارات و المباني و المهرجانات و الأعياد، و في هذا دليل على العبودية القاطعة التي لا يليق بأيّ رجل أو امرأة جاهلية أن لا يلتزم بها أو يتمرّد عليها.

فإذا لم نعتبر الموضة و الالتزام بها و هذه الطاعة و الخضوع لمصمّمي الأزياء عبودية فما هي العبودية إذاً؟ إذا لم تکن هذه حاکمية و إمرة و ربوبية من قبل مصمّمي الأزياء، إذا لم تکن حاکمية و إمرة وربوبية إلهية، فما هي إذاً؟(2)

أسامة بن لادن أيضاً لا يعتبر طاعة الحاکم مشکلة شخصية، و إنّما هي مشکلة أساسية أغرقت القسم الأعظم من حياتنا.

ص: 49


1- . المصدر نفسه، ج 6، ص 766.
2- . المصدر نفسه، ج 6، ص 764.

فطاعة الحاکم ليست من أجل دين الله، بل عبادة الحاکم الظالم ،لا عبادة الله، و هذه خدعة يمارسها الحکام مع الشعب باسم طاعة الإسلام(1).

و لا يختلف أيمن الظواهري عن سيد قطب في نظرته التوحيدية للعبادة. حيث يقول: هل تظنّون أنّ العبادة مجرّد الصلاة و الصوم و الزکاة، أنا أقول لکم أنّ العبادة ليست هذا الفهم المحدود الذي في أذهانکم، بل هي أوسع و أشمل. العبادة تعني کلمة التوحيد التي خلق الله تبارک و تعالى عباده من أجلها، و أرسل الرسول و أنزل عليه الکتاب، العبادة هي کلمة «لا إله إلا الله» التي تنقسم إلى قسمين: 1. قسم النفي الذي يقول بأنّه لا يوجد إله و ينفي الألوهية عن غير الله؛ 2. و قسم الإثبات «إلا الله» الذي يؤکّد على أنّ الألوهية لله وحده، و يعلّمنا أن لا نطيع غيره في جميع الأمور صغيرها و کبيرها.

تطلق لفظة الطاغوت على كل شيء جاوز حدّه، و في الاصطلاح يعني كل شيء يعبد من دون الله. للطاغوت أشكال متعددة، تارةً يكون صنماً، و أخرى قبراً و ثالثة قانوناً. كما يقول

ص: 50


1- . آرشیف جامع کلمات و جملات بن لادن، ص 193.

ابن تيمية، من يطرح العلم الذي يستنبط من كتاب الله و رسوله جانباً ، و يطيع حكم الحاكم الذي يتعارض مع حكم الله و رسوله، يعتبر مرتداً و كافراً، و يستحق العقاب في الدنيا و الآخرة(1).

إذا أردنا تلخيص هذه الملاحظات فسوف نستنتج بأنّ السلفية الجهادية من خلال تركيزها على مسألة الحاكمية، تحصر التوحيد في العبادة في الشخص الذي لا يطيع إلّا الله و لا يتبع إلّا صراطه، لا الذي يحكم البلاد الإسلامية باسم الإسلام.

مفهوم الجاهلیة

يشكّل مصطلح الجاهلية مفهوماً محورياً في الخطاب السياسي للسلفية الجهادية. فمفهوم الجاهلیة يعني أنّ أيّ مجتمع يفتقد إلى حاكمية الله هو في زمرة المجتمعات الجاهلية، حتى و إن كان ذلك المجتمع في بلد إسلامي. و المجتمعات، عند المودودي و سيد قطب على قسمين: مجتمعات تتمتع بحاكمية الله، و أخرى

ص: 51


1- . أیمن الظواهري، الولاء و البراء، عقیدة منقولة و واقع مفقود، ص6 ؛ ورد ما يشبه هذا الكلام في الفصل الثاني من كتاب معالم في الطریق لسید قطب و الذي يتناول فيه تفسير معنى «لا إله إلا الله».

تفتقد إليها. فمجتمعات القسم الأول خيّرة، و مجتمعات القسم الثاني شريرة. ما يعني أنّه لا يوجد حد وسط بين الاثنين(1).

برأي سيد قطب أنّ هذين العالمين، أعني عالم الجاهلية و عالم الإسلام لا ينسجمان مع بعضهما و متنافران تماماً، و لا يوجد بينهما أيّ تعايش أو توافق. فالحقيقة واحدة و لا تقبل القسمة أو التجزئة، و يقيناً، أنّ كل ما عداها ،شرّ و خاطئ. إنّ مزج الحقيقة بالباطل أمر غير ممكن. الإسلام يعني الطاعة و التسليم التام لله و أحكامه، بينما النظام الجاهلي هو انحراف عن عبادة الله الواحد و عن النهج الإلهي في الحياة(2).

كان سيد قطب يرى أنّ الجاهلية ليست حکراً على عصر خاص، بل هي مفهوم عابر للزمان و المكان و الأجيال(3). و على هذا الأساس، فإنّه يعبّر عن جاهلية المجتمعات المعاصرة بالجاهلية المعاصرة، و هي على درجة من الخطورة تفوق خطورة

ص: 52


1- . جیل کوپل، پیامبر و فرعون، ص 51.
2- . سيد قطب، ويژگي هاي ايدئولوژي اسلامي، ص 130-137.
3- . نفس المؤلف، في ظلال القرآن، ج 1، ص 577.

المجتمعات الجاهلية في عصر النبي الأكرم (صلّى الله عليه و آله و سلّم)(1).

و أهم خاصة تميّز الجاهلية، بحسب سيد قطب، هي عبودية الإنسان للإنسان، و قد توسّعت هذه الصفة لدرجة أنّه لم يعد يوجد مسلم على وجه الأرض سوى قلّة قليلة جداً.

عن هذا الموضوع يقول سيد قطب:

أهم صفة تتميّز بها الجاهلية هي عبودية الإنسان للإنسان، على أيّ نحو و طريقة كانت، و كذا، إحلال الأهواء النفسانية بدلاً من عبادة الله، و إقصاء حاكمية الله عن حياة الناس و الأمور المتعلقة بقضاياهم الدنيوية. أولئك الذين يعيشون مثل هذه الأوضاع إنّما يتبعون الجاهلية، سواء اعترفوا بوجود الله تبارك و تعالى أم لم يعترفوا، لأنّه عندما تسلب الذات الإلهية المقدسة إحدى الصفات الخاصة، أعني الإلوهية و الحاكمية، و تُنسب إلى البشر بطرق مختلفة، فإنّهم شركاء في الصفة الأساسية للجاهلية مهما اختلفت أنظمتهم و أوضاعهم و أحوالهم. لهذا

ص: 53


1- . نفس المؤلف، معالم في الطريق، ص83.

السبب، لا يرضى الإسلام بهذا العمل، و لا يعترف لهم بحق الوجود(1).

إذا سلّمنا بإمكانية رجوع المجتمع المعاصر إلى جاهلية ما قبل الإسلام و محاكاته للمجتمع الجاهلي، ففي هذه الحالة لا بد أن ينظر المسلمون إلى المجتمع الجاهلي كما كان الرسول الأعظم$ و صحابته ينظرون إلى المجتمع الجاهلي في زمانهم. بمعنى، حين وجد النبي الأكرم$ أنّه في موقف ضعيف انسحب من مجتمعه و عقد اتصالات مع المجتمعات المجاورة ثم هاجر من مكة إلى المدينة، لكنّه عندما اكتسب قوة و قدرة، شنّ حرباً على الكفر و فتح المجتمعات الجاهلية(2). لقد طرح سید قطب برنامجاً من مرحلتين من أجل تغيير الوضع الجاهلي السائد إلى الإسلامي المنشود: 1. التأسّي بنهج النبي الأكرم $ في صدر الإسلام و الدعوة إلى العقيدة بأسلوب هادئ و تدريجي، ليتمكن المسلمون من إنقاذ أنفسهم من أغلال الجاهلية و ترسيخ العقيدة الإسلامية في نفوسهم عبر استلهام تعاليم القرآن و توجيهاته؛

ص: 54


1- . نفس المؤلف، مباني تفكر اسلامي، ص31.
2- . جیل كوپل، پيامبر و فرعون، ص 46.

2. لا بد من طليعة تعزم هذه العزمة. بحسب رأي سيد قطب، إنّه من أجل تأسيس مجتمع إسلامي لا بد من بعث الأمة الإسلامية على أساس العقيدة، و لكي تُبعث يجب على المسلمين أولاً أن يبتعدوا عن المجتمع الجاهلي لتتحوّل قلوبهم على كتاب الله وحده و تخلص نفوسهم له وحده، فيستطيعوا تبعاً لذلك تغيير مجتمعهم(1).

يشرح سالم البهنساوي بالتفصيل آراء سید قطب فيقول إنّ الجاهلية على نوعين: جاهلية المعصية و جاهلية الكفر. فإذا استُعملت الجاهلية لوصف أفراد محدّدين و كان هؤلاء الأفراد كفاراً، فالمقصود بالجاهلية هنا جاهلية الكفر أو جاهلية العقيدة، و إذا استُعملت لوصف أفراد مسلمين، كان المقصود بها جاهلية المعصية أو الجاهلية العملية. و هي الجاهلية التي قصدها النبي الأكرم $ عندما خاطب أبا ذر قائلاً «إنّك امرؤ فيك جاهلية» و المراد هنا عمل من أعمال الجاهلية (و هذا العمل هو تتبع عيوب الآخرين) لا يكفر الإنسان بارتكابه المعصية. بناءً عليه، إذا رأى أحد جماعة من المسلمين يشربون الخمر و وصفهم بأنّهم مجتمع

ص: 55


1- . سید قطب، معالم في الطریق، ص 9.

جاهلي، فليس لأحد أن يقول بأنّ مراده من هذه الكلمة هو أنّهم كفروا، ذلك لأنّ شرب الخمر معصية و لا ينضوي تحت أعمال الكفر. بيد أنّه إذا أصرّ أحدهم بعد المدارسة و المناقشة فيما يتعلّق بتشريع القوانين الوضعية المخالفة لشريعة الله تبارك و تعالى بأنّ القوانين الوضعية أفضل و أنسب، و وُصف بالجاهلية، فإنّ المراد بها هنا هو الكفر، لأنّ تشريع قوانين مخالفة لشريعة الله تبارك و تعالى كفر(1). لذا، من الضروري الإشارة إلى أنّ سيد قطب استعمل لفظ الجاهلية في معنى خاص. فمن وجهة نظره أنّ الجاهلية هي الابتعاد عن الشرائع و النواميس الإلهية (أي الإسلام) و معارضة حاكمية القوانين الإسلامية. من هنا جاء انتقاده لجاهلية القرن العشرين و رفض صلاحية أيّة أيديولوجية، و تأكيده على أنّ المنهج الإسلامي و التأصيل الإسلامي هو السبيل الوحيد لخلاص البشرية(2).

ص: 56


1- . سالم البهنساوي، نقد و بررسی اندیشه تکفیر، ص230.
2- . گل سخن شهری، مفهوم جاهلیت و اصول گرایي مذهبي سیاسي در اندیشه سید قطب، ص115.

دار الاسلام و دار الکفر

أبو حنيفة هو أول من قسّم المجتمعات و أطلق وصف دار الإسلام و دار الكفر(1). لقد شدّت هذه المسألة منذ القدم انتباه علماء أهل السنّة، بحيث قال السرخسي عنها: «دار الاسلام اسم لمكان تحت يد المسلمين و أمارته إقامة أحكام الإسلام، و أن ينعم المسلمين فيه بالأمان». و على حدّ تعبيره، فإنّ أبا حنيفة کان يعتبر انعدام الأمن في دين المسلمين و أرواحهم و إظهار أحکام الشرک في تلک البلاد من علائم دار الحرب، و کان يعتقد بوجوب التصدّي للمشرکين بکل شدّة و حزم، لإظهار تفوق المسلمين و غلبتهم(2). و باعتقاد صاحبي أبي حنيفة، أعني، أبو يوسف و محمد، إنّ الرأي الراجح هو، کل بلاد لا تُدار من قبل الإسلام فهي دار الکفر حتى و إن کان جميع ساکنيها من المسلمين(3). و يحظى هذا التعريف بإجماع جميع مذاهب أهل السنّة، المالکیة، و الشافعیة و الحنبلية. قال ابن قیم الجوزي في هذا الصدد: «يتفق جمهور الفقهاء على أنّ دار الإسلام هي البلاد

ص: 57


1- . رضوان السید، سیاسات الاسلام المعاصر، ص77.
2- . محمّد بن أحمد السرخسي، المبسوط، ج 10، ص 114.
3- . محمّد أمين بن عمر بن عابدين، رد المحتار على الدر المختار، ج 4، ص 174.

التي يعيش فيها مسلمون و تطبق فيها أحکام الإسلام، و إذا لم تطبق فيها أحکام الإسلام فليست بدار الإسلام»(1).

و قد انتهج ابن تيمية مساراً نظرياً مختلفاً حيث کان يعتقد أنّ دار الإسلام عبارة عن کل بلاد يقطنها مسلمون. و کان يقول في البلاد الإسلامية التي لا تطبق أحکام الإسلام:

هذه البلاد لا تدخل ضمن دار الحرب أو دار الکفر، لأنّ ساکنيها مسلمون. لکنّها أيضاً لا تُحسب على دار الإسلام، بسبب عدم تطبيقها لأحکام الإسلام و شرائعه.

و هذا نوع ثالث من البلاد يتطلّب التعامل مع ساکنيها المسلمين بما يليق بهم، و أن يتم قتال غير المسلمين بما يستحقون(2).

أمّا سید قطب فقد عرّف مصطلح دار الإسلام بالقول: «کل بلاد تحکم بموجب الشريعة الإسلامية و تطبّق أحکامها فهي دار الإسلام، و کل بلاد لا يعمل أهلها طبقاً لأحکام الإسلام و لا يحکمون بما تحکم به شريعة الإسلام فهي دار الکفر أو دار

ص: 58


1- . ابن قیم الجوزي، احکام اهل الذمه، ج 2، ص 728.
2- . ابن تیمیة، مجموع الفتاوی، ج 18، ص 282؛ ج 28، ص 241.

الحرب»(1). کان سيد قطب يعتقد بوحدة دار الإسلام، و هي عبارة عن البلاد التي تقوم عليها الدولة الإسلامية و تحتکم لشريعة الله و تقام فيها حدود الله و يکون فيها المسلمون أخوة و متحابين(2). من هنا يأتي تأکيد سيد قطب على ضرورة تأسيس مجتمع يطبق جميع أصول الإسلام و أحکامه، و تکون فيه شريعة الله وحدها هي الحکم و الفيصل(3).

ما يميّز أفکار زعيم السلفية الجهادية عن باقي علماء أهل السنّة هو التطرّف في بعض خصائص دار الحرب. إذ إنّه بقراءته الجديدة التي طرحها عن دار الکفر تحت عنوان المجتمع الجاهلي، وضع جميع المجتمعات البشرية في دائرة دار الکفر، لأنّ عبودية البشر في هذه المجتمعات ليست خالصة لله الواحد(4). و قد ذکر في تفسيره قائلاً:

ص: 59


1- . سید قطب، في ظلال القرآن، ج 2، ص 874.
2- . نفس المؤلف، معالم في الطریق، ص247.
3- . المصدر نفسه، ص261 و 194؛ نفس المؤلف، في ظلال القرآن، ج 2، ص407.
4- . نفس المؤلف، معالم في الطريق، ص169.

«إنّ المجتمع الذي لا يطبّق شرائع الله تبارک و تعالى و أحکامه، و لا يخلص العبودية له، هو مجتمع جاهلي»(1). و على هذا الأساس، فإنّ سيد قطب يسلب المشروعية من الکثير من الأنظمة العالمية التي تتسلّط على رقاب البشر اليوم باسم الديمقراطية و الاشتراکية و الليبرالية، و يسعى إلى التغيير و الثورة عليها(2).

أحکام و آثار دار الإسلام و دارالحرب

طبقاً للنظرة السلفية الجهادية إزاء دار الإسلام و دار الحرب، فإنّ أيّة نقطة في العالم تعتبر جزءاً من دار الإسلام، يجب تغيير آثارها و أحکامها، و أهم هذه الآثار و الأحکام هي:

أ. وجوب المحافظة على دار الإسلام و الدفاع عن حياضها؛ فحينما تتعرّض إحدى البلدان الإسلامية أو، بصورة عامة، بقعة من دار الإسلام للتهديد و العدوان من قبل أعداء الإسلام، فعلى جميع المسلمين في کل بقعة من بقاع العالم الدفاع عن تلک

ص: 60


1- . نفس المؤلف، في ظلال القرآن، ج 4، ص 18.
2- . نخبة من المؤلفين، السلفیة الجهادیة: دار الاسلام و دار الکفر، ص 56 - 57.

البقعة عبر تقديم الدعم بالمال و الرجال و بکل الوسائل المتاحة. و هذا الحکم موضع إجماع فقهاء الشيعة و السنّة على حدّ سواء(1).

ب. عدم التعاون مع الکفار؛ بسبب افتراق طريق الکفار عن المؤمنين، لذلک لا يجوز بينهما أيّ نوع من التعاون بتاتاً(2). انطلاقاً من هذا الأمر، لا يجوز التعامل مع الحکومات الجاهلية على أيّ صعيد اقتصادي أو سياسي أو غير ذلک. يناقش سالم البهنساوي آراء العلماء في هذه المسألة فيقول: «إنّ تبوّء المناصب الحساسة في الأنظمة الفاسقة أو الکافرة يستند إلى جلب مصلحة و دفع مفسدة»(3).

ج. الهجرة من دار الکفر؛ يعتقد ابن تیمیة أنّ الهجرة من دار الکفر على من يستطيع ذلک واجبة(4). و تعدّ الهجرة من الأصول الفکرية لدى السلفية الجهادية، لأنّ النبي الأکرم $ کان قد أعلن براءته من المسلم الذي يعيش بين المشرکين(5). و طبقاً لذلک، فقد

ص: 61


1- . ظهر أحد أهم الآثار لهذا الحكم في عام 1979 م حين اتحد جميع علماء الإسلام ضد الدولة الشيوعية (روسيا) و أفتوا بالجهاد ضدّها بسبب غزوها لبلد مسلم هو أفغانستان.
2- . سید قطب، في ظلال القرآن، ج 4، ص 2716؛ ج 5، ص 2682.
3- . نقد و بررسی اندیشه تکفیر، ص 384.
4- . ابن تیمیة، مجموع الفتاوی، ج 18، ص 281.
5- . ابو داوود، السنن، ج 3، ص 45، حدیث 2645؛ النسائی، السنن الکبری، ج 6، ص347.

قسّم العلماء و فقهاء السلفية الجهادية أحکام الهجرة من دار الحرب أو دار الکفر إلى ثلاثة أقسام هي: 1. من وجبت عليه الهجرة؛ و هو الذي يقوى على الهجرة و لا يستطيع إبراز دينه في دار الکفر؛ 2. من لم تجب عليه الهجرة؛ و هو الذي لا يقوى على الهجرة مثل المرضى و العجزة؛ 3. من يستحبّ له الهجرة؛ و هو الذي يمتلک القدرة على الهجرة و في نفس الوقت يستطيع إبراز دينه في دار الکفر، و العمل بواجباته الدينية(1).

د. الحرب و الجهاد ضد دار الحرب؛ بالإضافة إلى موضوع الهجرة و الابتعاد عن المجتمع الجاهلي، فقد طرح سید قطب أيضاً مسألة الجهاد بمثابة آلية استراتيجية يُلجأ إليها، إذ کان يرى أنّ علاقة المسلمين بالمجتمع الجاهلي إمّا الحرب و القتال أو السلام على أساس الأمان و دفع الجزية(2). و کان يقول إنّ الجهاد لهذه الدعوة ضروري تماماً، سواء کان الوطن الإسلامي، أو بعبارة أخرى، دار الإسلام في أمن و أمان أو کان معرّضاً للخطر و التهديد، فلا فرق هنا أبداً، و لم يکن قصده من أنّ الإسلام

ص: 62


1- . عبد الغنی عماد، الحرکات الاسلامية في الوطن العربي، ج 1، ص 94.
2- . مجيد مرادي، «تقرير گفتمان سيد قطب»، في مجلة: علوم سياسي، العدد 21، 2003 م، ص 7.

يشجع على السلام هو السلام الذي لا معنى له المختصّ ببلاد محدودة تؤمن بالعقيدة الإسلامية فحسب، و إنّما کان يطالب بسلام يکون الدين في کنفه لله وحده، أي عبودية جميع الناس تکون خالصة لله وحده(1).

الجهاد

أحد أهم الموضوعات التي تميّز السلفية الجهادية عن غيرها من السلفيات، هو النهج الفکري الذي أخذ في عصر ابن تيمية شکلاً منطقياً و استدلالياً في مواجهة الصليبيين و المغول، حيث کان کل منهما يغتصب جزءاً من دار الإسلام(2).

ثم أدخل أبو الأعلی المودودي (1903-1979م) هذه الفکرة بأسلوب ذکي و حاذق إلى الأدبيات السياسية المعاصرة. و قد ترکت هذه المؤلفات تأثيرها على سيد قطب، فاستعمل بدوره هذه المفاهيم عند حديثه عن الولايات المتحدة و الصهيونية و الغرب(3).

و قد

ص: 63


1- . سید قطب، معالم في الطریق، ص 83.
2- . نقلاً عن: مهدي بخشي شیخ احمد، «جهاد از ابن تیمیه تا القاعده»، في مجلة: علوم سیاسي، العدد 34، 2006 م، ص 195؛ أبو الأعلی المودودي، نظام سیاسي اسلام، ص 63.
3- . المصدر نفسه، ص 197.

اعتبر الجهاد طريقاً للوصول إلى المجتمع الإسلامي و تشکيل الحکومة الإسلامية، و المسلم الحقيقي، برأيه، هو الذي يجاهد في سبيل اعتلاء کلمة الإسلام(1).

و من أهم أهداف الجهاد، برأيه، تحرير الإنسان من عبوديته للإنسان، و قيام الحکومة الإلهية على الأرض، و القضاء على الطواغيت الذين اغتصبوا سلطان الله و حکموا باسمه(2).

بعد دراسة و تحليل المجتمع الإسلامي و المجتمع الجاهلي، خصّص سيد قطب فصلاً مستقلاً في کتابه معالم في الطريق للجهاد تحت عنوان «الجهاد في سبيل الله»، مبيناً أنّ الجهاد هو الطريق الوحيد الموصل إلى الحکومة الإسلامية. و کان يعتقد أنّ الجهاد هو أنجع وسيلة لمواجهة اليهود و الصهيونية و الکفار، و في هذا الصدد أفرد فصلاً لمناقشة هذا الموضوع في کتاب معرکتنا مع الیهود(3) حيث کان يرى أنّه لا ينبغي اختزال مفهوم الجهاد و حصره في حدود «الحرب الدفاعية»، و في دائرة محاربة التهديدات و الأهواء.

ص: 64


1- . سید قطب، ما چه می گوییم، ص 37.
2- . سعود المولی، الجماعات الإسلامیة و العنف، ص 271.
3- .[3] سید قطب، معرکتنا مع الیهود، ص 56.

کتب سيد قطب في هذا الصدد يقول: «إذا اعتقدنا أنّه يمکن الجهاد بالکلام کنّا کمن يرکض وراء السراب»(1).

و قد نوّه سيد قطب بصورة ضمنية إلى الدعوة للإسلام عن طريق السيف و الکتاب، إذ کان يعتقد أنّ هذين الاثنين متلازمان و يکمّل بعضهما بعضاً(2).

من ناحية ثانية، حکم، أيضاً بصورة ضمنية، بوجوب الجهاد ضدّ الاستعمار(3)

و الحرب ضد القوات المعتدية البريطانية و الأمريکية و الصهيونية و الفرنسية، على بلاد المسلمين مثل فلسطين و بلدان شمال أفريقيا، و وصف هذه الحرب بالحرب الدفاعية(4).

يعدّ کتاب الفریضة الغائبة لعبد السلام فرج من أکثر الکتب تأثيراً على الشباب المتطرّف الذي يطرح على القارئ الجهاد کفريضة واجبة من خلال العديد من البراهين و الاستدلالات الفقهية. کان عبد السلام يعتقد أنّ جميع التبريرات و الآليات التي تتحجّج بها فصائل الجماعة الإسلامية لتأسيس الحکومة

ص: 65


1- . نفس المؤلف، معالم في الطريق، ص 60.
2- . المصدر نفسه، ص 62.
3- . سید قطب، عدالت اجتماعي در اسلام، ص 28.
4- . سید قطب، ما چه می گوییم، ص 114.

الإسلامية واهية و باطلة. و ثمّة مبدأن أساسيان يمثّلان المحور الرئيسي في فکر عبد السلام، الأول تکفير البلدان المسماة إسلامية – عربية التي تحکم باسم الإسلام، و الثاني، الجهاد بوصفه وسيلة وحيدة يمکن من خلالها تحرير أنفسنا من نير تلک الحکومات(1). و قد أعلن عبد السلام بصراحة و وقاحة في کتابه أنّ الجهاد المسلح هو «الرکن السادس» استناداً إلى الآيات القرآنية و السابقة التاريخية و کتابات ابن حزم و ابن تيمية و القاضي عياض و ابن القيم و ابن کثیر و النووي و سيد قطب. و في هذا الإطار، طرح نظرية جديدة حول «المسلم» لا يمکن الوصول إليها إلّا عن طريق الجهاد الدائم(2).

الزعيم الثاني لجماعة الجهاد هو أيمن الظواهري، الذي أصبح زعيم هذه الجماعة منذ عام 1992 م، و يرأس حالياً تنظيم القاعدة. يحاکي الظواهري في آرائه و أفکاره سيد قطب و عبد السلام فرج. و يعتقد أنّ عبارة التوحيد «لا إله إلا الله» تنطوي على حقائق هي عبارة عن: 1. البراءة من الطاغوت؛ 2. محاربة

ص: 66


1- . حسن أبو هنیة، السلفیة الجهادیة، ص 68.
2- . هرایر دکمجیان، جنبش هاي اسلامي معاصر در جهان عرب، ص 182-183.

أنواع الکفر؛ 3. رسم حدود الإيمان و الکفر؛ 4. إتمام معنى «لا إله إلا الله» بالجهاد في سبيل الله(1).

السلفیة الجهادية و الوهابية

في العصر الراهن، مع دخول أفكار سيد قطب إلى العربية السعودية، نشأ تيار في أوساط الوهابيين هو مزيج من الأفكار الوهابية و أفکار سيد قطب. و كان محمد قطب شقيق سيد قطب هو من أدخل تلك الأفكار إلى السعودية، فاستحدث تياراً وهابياً تمحور خطابه حول فكرة «توحيد القصور». كان هذا التيار الجديد منتقداً للحالة المحافظة للوهابية التقليدية و كان يرفض الطاعة العمياء للحكام السعوديين(2). كان لأفكار سيد قطب تأثير كبير على مسيرة تبلور التيارات السعودية، فاستحدثت تلك الأفكار تياراً جديداً بين الوهابيين أطلق عليه «القطبية» أو تيار «السرورية»(3)، و لقد عبّر هذا التيار عن اهتمام

ص: 67


1- . عبد الرحیم علي، حلف الارهاب، ج 3، ص 108.
2- . ذبیح الله نعیمیان،«جریان نوسلفي ها در دوران معاصر»، مطالعات انقلاب اسلامي، ص 91- 118.
3- . مؤسس هذه الجماعة اسمه محمد سرور بن نایف زین العابدین. کان عضواً في جماعة الإخوان المسلمين بدمشق، و تعرّف هناک على أفکار سيد قطب. في عام 1965 م ذهب إلى العربية السعودية و شرع بنشر أفکار قطب، و أسّس هناک جماعة السرورية؛ انظر: عبدالغني عماد، الحرکات الإسلامیة في الوطن العربي، ج 2، ص 2351-2359.

خاص بالجهاد و نقد الحكام العلمانيين، على الرغم من كونه تياراً وهابياً. من أهم رموز هذا التيار سلمان العودة و سفر الحوالي و عائض القرني، كان هؤلاء تلاميذ ابن باز و في نفس الوقت تلاميذ سيد قطب، و استطاعوا أن يضمّوا أفكار التيارين بعضها إلى بعض، و أصبحوا اليوم يحظون بقاعدة جماهيرية لا بأس بها في أوساط السلفيين في العالم الإسلامي، و هم لا يتورّعون عن توجيه النقد لنظام آل سعود، و يمكن القول أنّهم وهابيون معارضون، بنحو ما، للعربية السعودية.

إذن، ثمّة اختلافات جوهرية في المعتقدات تمايز بين السلفية الجهادية و بين الوهابية (التقليدية)، حيث تؤكّد السلفية الجهادية على التوحيد في حاكمية الله، و من هنا جاءت تسميتها ب-«توحيد القصور»، بينما اشتهر الوهابيون بمصطلح «توحيد القبور» بسبب تأكيدهم على التوحيد في مفاهيم التبرك و الشفاعة و التوسل و النذر و ما شابه ذلك. لهذا السبب نقول، إنّ أساس الرؤية السياسية للسلفية الجهادية محاربة الحاكم الظالم و إن في

ص: 68

إطار البلدان الإسلامية(1)، على العكس من الوهابية التي تحمل رؤية محافظة تتسم بالتسامح إزاء حكام البلدان الإسلامية. في السلفية الجهادية، فإنّ الأولوية هي لمحاربة الغرب و الولايات المتحدة، بينما من منظار الوهابية إنّ محاربة الشيعة لها الأولوية.

السلفیة الجهادیة و الشیعة

فكرة محاربة حكام الكفر التي تشكّل إحدى أسس السلفية الجهادية، تعتبر أيضاً جزءاً من أصول الشيعة و معتقداتهم. و في هذا السياق يمکن تفسير زيارة نواب صفوي زعيم جماعة فدائيي اسلام إلى مصر في عام 1954م بدعوة من سيد قطب، و قد أصدرت الجماعة بياناً نعت فيه شهادته(2). كما وصف أبو الأعلی المودودي انتصار الثورة الإسلامية في إيران بالقول: «ثورة الإمام الخميني ثورة إسلامية، و القائمون عليها هم من

ص: 69


1- . و تأکيداً لهذه النقطة، يمکن الإشارة إلى رسالة أسامة بن لادن التي بعثها في 17/07/1415ه- إلى ابن باز العالم السلفي السعودي الذي أفتى بجواز السلام مع أمريکا، و قد وجّه له النصح في تلک الرسالة لثنيه عن تلک الفتوى. و قد سمّى أمريکا في رسالته تلک الطاغوت و وصف حکام أمريکا بالمرتدين و الکفار، و حذّر ابن باز من عواقب فتواه (أبو جندل الأزدي، اسامه بن لادن مجدد الزمان و قاهر الأمریکان، ص 170، نقلاً عن موقع المنبر و التوحید).
2- . السید مهدي الحسیني، مروري بر تاریخچه فداییان اسلام، ص 169.

الجماعة الإسلامية و الشباب الذين ترعرعوا في أحضان الحركات الإسلامية. يجب على جميع المسلمين و الحركات الإسلامية تقديم التأييد و الدعم لها، و التعاون معها»(1). هذه أمثلة تشهد على أنّ قضية محاربة الاستكبار تعدّ جزءاً من أفكار السلفية الجهادية الأصيلة و الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الأمر الذي يفسّر ترجمة معظم كتب سيد قطب إلى اللغة الفارسية. بيد أنّ السلفية الجهادية المطروحة اليوم على الصعيد العالمي و المجتمعات الإنسانية(2)، قد عملت أموال البترودولار السعودية و السياسات الغربية على تغييرها و حرفها عن مسارها الأصلي، بحيث أنّها لم تعد تكتفي بمعاداة الثورة الإسلامية الإيرانية في العصر الحاضر، بل وضعت على صدر أولويات معركتها تصنيف هذه الثورة في دار الكفر(3). بعبارة أخرى، تربط الفكر الشيعي مشتركات کثيرة بالسلفية الجهادية الإخوانية،

ص: 70


1- . حمزة أمرایي، انقلاب اسلامي ایران و جنبش هاي اسلامي معاصر، ص 252.
2- . على الرغم من أنّ التحوّل في الرؤية المتطرفة تجاه أصول سيد قطب بدأ مع شکري مصطفی و عبد السلام فرج، غير أنّ تناميها و تمظهرها و تحوّل الأصول السلفية الجهادية الإخوانية إلى الأصول الوهابية ظهر مع تنظيم القاعدة.
3- . کان أبو مصعب الزرقاوي زعيم القاعدة في العراق يتبنّى أکثر المواقف تشدّداً تجاه الشيعة، و هي الجماعة التي تغيّر اسمها اليوم إلى تنظيم داعش.

أهمها محاربة الاستكبار و الغرب، لكنّ هذا الفكر ليس فقط لا تربطه بالسلفية الجهادية الوهابية أيّة نقاط مشتركة بل إنّه يعتبر الطرف النقيض لها.

ص: 71

المصادر:

1. القرآن الکریم.

2. ابراهیم محمد و آخرون (2005 م)، جمعیت اخوان المسلمین مصر، الخبراء في مؤسسة اندیشه سازان نور للدراسات، طهران، اندیشه سازان نور.

3. ابن عابدين، محمّد أمين بن عمر (1412ه-). رد المحتار على الدر المختار (حاشیه ابن عابدین)، بیروت: دار الفکر، الطبعة الثانیة.

4. أحمد حسن الزيات باشا (1933 م). مجلة الرساله، العدد627، نقلاً عن المکتبة الشاملة.

5. أسامه، بن لادن (2001 م). الارشیف الجامع لکلمات و خطابات أسامة بن لادن، نقلاً عن موقع منبر التوحيد.

6. ابن تيمية الحراني، تقي الدين أبو العباس أحمد (1416 ه-). مجموع الفتاوى، المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، المدینة، مجمع الملك فهد المدينة النبوية.

7. ابن قیم الجوزي، محمد بن أبي بکر (1418ه-). أحكام أهل الذمة، المحقق: يوسف بن أحمد البكري، الرمادي، الدمام.

8. أبو داوود، سليمان (بلا تاريخ). سنن أبي داود، المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد، بيروت: المکتبة العصرية.

9. أبو زهرة، محمد (بلا تاريخ). ابن تیمیه، حیاته و عصره، آرائه و فقهه، القاهرة، دار الفکر العربي.

10. الأزدي، أبو جندل، أسامه بن لادن مجدد الزمان و قاهر الأمریکان، نقلاً عن موقع منبر التوحید.

11. سپوزیتو، جون ال. (2012 م). دایرة المعارف جهان نوین اسلام، ترجمة: حسن طارمي و محمد و مهدي دشتي، طهران: نشر کنگره.

12. امرایي، حمزة (2004 م). انقلاب اسلامی ایران و جنبش هاي اسلامي معاصر، طهران: مرکز وثائق الثورة الإسلامية.

ص: 72

1. بخشي شیخ احمد، مهدي (2006 م). «جهاد، از ابن تیمیه تا بن لادن»، في مجلة: علوم سیاسي، العدد 34، ص169- 194.

2. البهنساوي، سالم (2013 م). نقد و بررسي اندیشه تکفیر، ترجمه: سالم افسري، طهران: نشر احسان.

3. حسیني، السید مهدي (2000 م). مروري بر تاریخچه فداییان اسلام (خاطرات محمد مهدي عبد خدایي)، طهران: مرکز وثائق الثورة الإسلامية، ط. 1.

4. حضرتي، حسن؛ قادري، عبد الواحد (2010 م). «اندیشه سیاسي حزب التحریر»، في مجلة: پژوهش هاي تاریخي، العدد 7، ص57- 76.

5. الخالدي، صلاح عبد الفتاح (2001 م). سيد قطب از ولادت تا شهادت، ترجمة: جلیل بهرامي نیا، طهران: نشر احسان.

6. دکمجیان، هرایر (2009 م). جنبش هاي اسلامي معاصر در جهان عرب، ترجمة: حمید احمدي، طهران: کیهان.

7. رفعت، سید احمد (1991). النبي المسلح: الرافضون، لندن: ریاض الریس للکتب والنشر.

8. سبحاني، جعفر (2010 م).گزیده سیماي عقاید شیعه، طهران، مشعر.

9. السرخسي، محمّد بن أحمد (1414 ه-). المبسوط، بیروت: دار المعرفة.

10. رفعت، سید احمد، النبي المسلح، کانون الثاني̸ يناير،1991م .

11. سلطاني فرد، محمد حسین (2007 م). ریشه ها و تاریخچۀ اصول گرایی در مصر، طهران: وزارة الخارجية.

12. السید، رضوان (1997 م). سیاسات الاسلام المعاصر، بیروت: دار الکتب العربي.

13. ---------------- (2004 م). اسلام سياسي معاصر در کشاکش هويت و تجدد، ترجمه: مجيد مرادي، طهران: مرکز بازشناسی اسلام و ایران.

شهری، گل سخن (2012 م). مفهوم جاهلیت و اصول گرایی

ص: 73

1. مذهبی - سیاسی در اندیشه سید قطب، طهران: احسان.

2. الظواهري، أیمن (1423 ه-). الولاء و البراء، عقیدة منقولة و واقع مفقود، بلا مكان للنشر: بلا ناشر.

3. علي، عبد الرحیم (2005 م). حلف الارهاب، القاهرة: مركز المحروسة للنشر و الخدمات الصحفیة و المعلومات.

4. عماد، عبد الغني (2013 م). الحرکات الإسلامیة في الوطن العربي، بیروت: مرکز دراسات الوحدة العربية.

5. خواجه سروي، غلام رضا (2012 م). بیداری اسلامی در گستره سیاست جهانی، گروه مترجمان، طهران: جامعة الإمام الصادق (عليه السلام).

6. فرج، محمد عبد السلام. الفریضة الغائبة، نقلاً عن موقع المنبر و التوحید

7. قطب، سید، لماذا أعدموني؟، نقلاً عن موقع www.twhed.com .

8. قطب، سید (2000 م). عدالت اجتماعي در اسلام، ترجمه: محمدعلي گرامي، سید هادي خسروشاهي، طهران، کلبه شروق.

9. ------------- (1412 ه-). في ظلال القرآن، دار الشروق - بيروت- القاهرة.

10. -------------

(1993 م). ما چه مى گوییم؟، ترجمه سید هادي خسروشاهي، ط. 22، طهران: دفتر نشر فرهنگ اسلامى.

11. ------------ (2008 م). مباني تفكر اسلامي، ترجمه: أبو بكر حسن زاده، طهران: احسان.

12. ------------- (1999 م). نشانه هاي راه، ترجمه: محمود محمودي، أمير كبير، طهران.

13. ------------- (1993م). معرکتنا مع الیهود، دار الشروق.

ص: 74

1. ------------- (1983 م). تفسير في ظلال القرآن، ترجمه: مصطفى خرم دل، طهران: احسان.

2. ------------- (2009 م). ويژگي هاي ايدئولوژي اسلامي، ترجمه: السيد محمد خامنئي، طهران: منشورات تولید کتاب.

3. کوپل، جیل (2003 م). پیامبر و فرعون، ترجمه: حمید احمدی، طهران: کیهان.

4. نخبة من المؤلفين (2011 م). السلفیة الجهادیة: دار الاسلام و دار الکفر، المسبار.

5. نخبة من المؤلفين (2011 م). اندیشه سیاسی متفکران مسلمان، طهران: معهد الدراسات الثقافية و الاجتماعية.

6. مرادي، مجيد (2003 م). «تقرير گفتمان سيد قطب»، في مجلة: علوم سياسي، العدد 21، ص195-216.

7. المودودي، أبو الأعلی (1980 م). فلسفه جهاد در اسلام، ترجمه: سيد محمود خضري، طهران: منشورات اسلامي.

8. ____________ (1980 م). نظام سیاسی اسلام، ترجمه: علی رفیعی، قم: مکتب.

9. ____________ (بلا تاريخ). اسلام و جاهلیت، ترجمه: السيد غلام رضا سعيدي، طهران: مؤسسه مطبوعاتي اسلامي.

10. المولی، سعود (2012 م). الجماعات الاسلامیة و العنف، دبی: مرکز المسبار.

11. نعیمیان، ذبیح الله (2007 م). «جریان نوسلفی ها در دوران معاصر»، في مجلة: مطالعات انقلاب اسلامی، العدد11، ص91-118.

12. النسائي، أبوعبد الرحمن احمد (1421 ه-). السنن الكبرى، المحقق:حسن عبد المنعم شلبي، بيروت: مؤسسة الرسالة.

ص: 75

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.