رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق - وزارة الثقافة العراقية لسنة 2017 - 2882
مصدر الفهرسة. IQ-KaPLI rda
رقم استدعاء مكتبة الكونجرس: BP 145. M84 2017
المؤلف الشخصي: الموسوي، فالح
العنوان: إمامة علي عليه السلام في حديث المنزلة / نظرة تحليلية سريعة في المصادر السنية
بيان المسؤولية: بقلم السيد فالح الموسوي
بيانات الطبعة: الطبعة الأولى
بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة - قسم الشؤون الدينية. شعبة النشاطات الدينية، 1438ه 2017م
الوصف المادي: [155 ] صفحة
سلسلة النشر: قسم الشؤون الدينية، (شعبة النشاطات الدينية؛)
تبصرة ببليوغرافية: يتضمن هوامش - لائحة مصادر الصفحات: (142-150)
مصطلح موضوعي: علي بن أبي طالب عليه السلام، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة- 40 للهجرة- اثبات خلافة
مصطلح موضوعي: علي بن أبي طالب عليه السلام، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة- 40 للهجرة الخلافة- أحاديث اهل السنة
مصطلح موضوعي: حديث المنزلة- اسناد
مصطلح موضوعي: حديث المنزلة- دفع مطاعن
مصطلح موضوعي: نظام الحكم في الاسلام
مصطلح موضوعي: نظام الحکم فی الاسلام
مصطلح موضوعي: الامامة في الحديث
تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة
خیراندیش دیجیتالی : انجمن مددکاری امام زمان (عج) اصفهان
ص: 1
بسم الله الرحمن الرحیم
امام علی في حديث المنزلة
ص: 2
امام علی في حديث المنزلة نظرة تحليلية سريعة في المصادر السنية
تالیف السيد فاتح عبدالرضا الموسوي
العتبة الحسينية المقدسة قسم الشؤون الدينية شعبة النشاطات الدينية
ص: 3
طبع برعایة العتبة الحسينية المقدسة
العراق : كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة
قسم الشؤون الدينية-شعبة النشاطات الدينية
تنويه: إن الأفكار والآراء المذكورة في هذا الكتاب تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة
ص: 4
* إلى حامل لواء الإسلام.
* إلى أمير المؤمنين ويعسوب الدين.
* إلى من هو من النبي صلى الله عليه وآله بمنزلة هارون من موسی علیه السلام.
يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ. يوسف : 88.
ص: 5
الحمد لله الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(1)، وأفضل الصلاة وأتم السلام على سيد الأنام، الذي ما يَنْطِقُ عَنِ اَلْهَوى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى(2)، وعلى آله الهداة الميامين، الذين طهرهم الله تعالى في محكم الذكر المبين، حيث قال : إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (3) .
أما بعد، فقد أولت الآيات القرآنية الكريمة موضوع الإمامة أهمية قصوى، إلى جانب التأكيد المتكرر من قبل النبي صلى الله عليه وآله - في أماكن مختلفة وأزمنة متفاوتة - عليها؛ ذلك لأن الإمامة والخلافة في
ص: 6
المنظور الإسلامي تعتبر من أهم دعائم الدين، ففي الرواية عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال : «بني الإسلام على خمس: على الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والولاية، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية، فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه - يعني الولاية -»(1)، وفي رواية ابن مردويه الأصفهاني في المناقب (عن أبي هارون العبدي، قال : كنت أرى رأي الخوارج لا رأي لي غيره، حتى جلست إلى أبي سعيد الخدري فسمعته يقول : أمر الناس بخمس، فعملوا بأربع وتركوا واحدة. فقال له رجل: يا أبا سعيد، ما هذه الأربع التي عملوا بها؟ قال : الصلاة، والزكاة، والحج، والصوم - صوم شهر رمضان ).
قال : (فما الواحدة التي تركوها ؟ قال : ولاية علي بن أبي طالب. قال : وإنها مفترضة معهن ؟ قال : نعم...)(2).
إن تجاهل المسلمين لمسألة الإمامة وتضارب آرائهم فيها، جعلها تتميز بدرجةٍ عاليةٍ من الخطورة والحساسية، لكونها تشكل العمود الفقري في صلب النزاع الفكري والسياسي الذي شهده المجتمع الإسلامي بعد رحيل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، والذي أدى بالأمة أن تكون
ص: 7
متفرقةً بعد أن كانت موحدة، ومتباغضةً بعد أن كانت متآلفة.
ثم إن أحد أكبر مفاصل هذا الاختلاف مبني على النزاع فيمن يتقلد زمام الأمة، ويدير شؤونها، ويدير أمورها، فكل يدعي الحق ويتهم غيره بالخروج عن جادة الصواب، في حين أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله قد عين - وبأمر من السماء - من يخلفه في قيادة الأمة وإدارة شؤونها، فجحده بعض علواً واستكباراً، وبعضٌ حسداً وحقداً، وبعضٌ - وهم النزر القليل - جهلاً، إلى أن توالت الدهور، وترادفت العصور، فأصبح الحسد والحقد عقيدةً يدين بها المتأخرون، أخذاً عن الأوائل بالتقليد لا بالدليل، والحال أن مصادر المسلمين حافلةٌ بكثيرٍ من الأدلة الصريحة والحجج الواضحة والبراهين الساطعة التي تبين الأحق بزعامة الأمة، والأولى بتدبير شؤونها، وما حديث المنزلة إلا واحد من تلك الأدلة القاطعة التي تأخذ بالأعناق، وتسد الطريق أمام المتصيدين في الماء العكر.
وهذا الكتيب بمثابة محاولة سريعة لبيان طرق هذا الحديث وقيمته الروائية، وما يمكن أن يستفاد منه، وقد اعتمدنا فيه على ما أورده علماء الطرف الآخر من روايات وأفادوه من آراء، بلغةٍ واضحةٍ، بعيدةٍ عن التعقيد والإبهام، وبأسلوب سهل يتيسر للقارئ فهمه، وقبل البدء في البحث لا بد من التنبيه على نقطتين :
ص: 8
لا شك في أن البحث وتبادل الآراء خير طريقٍ لتبيينِ الحقائقِ، وكشفِ الغوامضِ، وتنويرِ الأفكارِ، وإزالةِ سحبِ الإبهامِ الناتجة عن الجهل وسوء الفهم، أو تشويش الأعداء ودسائسهم. ثم إن للبحث أصولاً وقواعد وآداباً، لابد لمن ينشد الحقيقة ويبتغي الوصولَ إليها أن يلتزم تلك الأصول ويتقيد بتلك القواعد والآداب، ولعل من أهم تلك القواعد والأصول والآداب؛ بعد مراعاة التقوى والتحرر من قيود التعصب المقيت، هو الاعتماد على الأدلة الواضحة والحجج المقبولة، والتزام المنهج العلمي في عرض القضايا ومناقشتها، بالإضافة إلى تسليط الضوء على ما يمتلكه الطرف الآخر من أدلة وحجج، وعدم تجاهلها، بل الاستفادة منها في البت بالقضايا المتنازع عليها، لتحظی بالقبول عنده، وتتم الحجة عليه.
ولا ننسى أن الالتزام بمثل هذه القواعد من شأنه بيان المشتركات التي تجمع بين الطائفتين (السنة والشيعة) على صعيد العقيدة والشريعة والفكر، ويكون بمثابة إسهامةٍ متواضعةٍ في سبيل تقریب الخطی بین المسلمين وتوثيق أواصر الأخوة، وتعزيز التعاون المشترك بينهم؛ کي
ص: 9
يكونوا صفاً واحداً بوجه أعدائهم والمتربصين بهم، من الذين لا يفرقون بين شيعيهم وسنيهم.
سيما وأن الطريق المهيع لكسح الخلاف، وتقريب السبل، وتداني الآراء، هو دراسة روايات الطرف الآخر وآرائه، مما تُعدُّ من المشتركات التي من شأنها أن تكون محوراً لتوحيد الأمة، وعاملاً رئيسياً في إيجاد فهمٍ مشتركٍ للقضايا المهمة، وإثبات الحقائق على ضوء تلك المشتركات، فعند ذاك يتجلی الحق بصورةٍ واضحةٍ، ويرجع المخطئ المنصف عن خطئه، وتتم الحجة على المتمسك بغيه وعناده .
قد يتوهم البعض أن الشيعة الإمامية - أعلى الله كلمتهم - عندما يلتمسون الأدلة في مصادر الطرف الآخر، أنهم يفقدون الدليل ولا يجدونه في كتبهم ومصنفاتهم، فيلجأون إلى مصنفات غيرهم، ويعتمدون على أخبارٍ وردت من طرق خصومهم، في حال أن هذا الأسلوب من البحث يعتبر من أهم نقاط القوة عند الشيعة الإمامية، فإنهم - وإن كانت مصنفاتهم زاخرةً بما فيه البغية والكفاية في إثبات أحقية متبنيا تهم الفكرية والعقدية - غالباً ما يلجأون إلى إثباتِ أحقيةِ
ص: 10
عقائدهم وصحة آرائهم ومتانة أفكارهم من مصنفات الطرف الآخر، الأمر الذي يفتقر إليه الطرف الآخر نفسه، فلم نجد يوماً أن أحداً من علماء المذاهب الأخرى أثبت أحقية أبي بكر أو عمر أو عثمان بالخلافة معتمداً على الروايات والمصادر الشيعية. خلافاً لمدرسة الإمامية التي تميزت عن غيرها من المدارس الإسلامية الأخرى باعتماد هذا الأسلوب والمنهج.
نعم ينبغي التنبيه على أن استدلال الشيعة بروايات الطرف الآخر، واستشهادهم بأقوال بعض علماء المذاهب الأخرى وآرائهم، لا يعني القبول بكل ما يرويه ذلك الطرف من روايات أو يتبناه من آراء.
ص: 11
ص: 12
وفيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : بيان المفاهيم
المبحث الثاني : منهج نظام الحكم في الإسلام
المبحث الثالث : بطلان دعوى النص على أبي بكر
ص: 13
ص: 14
إن بيان معاني المصطلحات الدخيلة في البحث قبل الدخول في صلب الموضوع أمر ضروريٌ ومهمٌ يجب القارئ الكثير من مسببات الإبهام الناجمة عادة من الفهم الخاطئ، أو عدم الوضوح لديه، والذي عادة ما يكون ناشئاً من تقارب المعاني أو الخلط بين المفاهیم، لذا نرى من الضروري أن نبين - بصورة موجزة - بعض المفردات الدخيلة في البحث :
يطلق الإمام في اللغة على (كل من اقتدي به، وقدم في
ص: 15
الأمور)(1)، ومن هنا سمي النبي والخليفة والقرآن أئمة(2)، وبهذا المعنى سمي زعيم الفئة والجماعة المبطلة إماماً، قال تعالى: فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (3)، وبه أيضاً يطلق على غير العاقل، حيث أطلق على (الخيط الذي يمد على البناء فيبنى عليه ويسوى عليه ساف البناء)(4).
وبهذا المعنى صح استعماله في كل من تقدم القوم وتبعوه، سواء كان محقاً وأم مبطلاً، قال ابن منظور : (الإمام : كل من ائتم به قومٌ، كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين)(5)
وقال الطريحي : (قوله تعالى : إني جاعلك للناس إماماً أي يأتم بك الناس فيتبعونك ويأخذون عنك؛ لأن الناس يأمون أفعاله، أي يقصدونها فيتبعونها، ويقال للطريق إمام؛ لأنه يؤم أي : يقصد ويتبع)(6).
ص: 16
اتفقت كلمة المذاهب الإسلامية من حيث المبدأ على تعريف الإمامة مفهوماً، فهي كما يقول التفتازاني في تعريفها : (رئاسةٌ عامةٌ في أمر الدين والدنيا خلافةٌ عن النبي صلى الله عليه وآله)(1)، وعرفها المحقق الحلي في المسلك في أصول الدين بقولٍ جامعٍ، قائلاً : (هي رئاسةٌ عامةٌ لشخصٍ من الأشخاص، بحق الأصل، لا نيابة عن غيرٍ هو في دار التكليف)(2).
وقد احترز بقوله : (عامة) من رئاسة الأمراء والقضاة لعدم كونها عامة، وخرج بقوله : (بحق الأصل) من يستخلفه الإمام نائباً عنه، وبقوله : (لا نيابة عن غيرٍ هو في دار التكليف) احترز به عمن نص النبي أو الإمام على إمامته بعده، فلا تثبت إمامته ورئاسته مع وجود الناص عليه بل بعد موته.
وقد وقع اختلاف بعد ذلك في من له حقٌ زعامة الأمة وتسنم منصب الرئاسة والزعامة فيها، وهل أن الإمامة منصب رباني أم أنها كغيرها من الأمور الأخرى، كما اختلفوا في الطريق الموصل إليها وغيره مما هو مسطور في الكتب المطولة.
ص: 17
قال ابن منظور : (استخلف فلاناً من فلان : جعله مكانه، وخلف فلانٌ فلاناً إذا كان خليفته، يقال : خلفه في قومه خلافةً، وفي التنزيل العزيز : وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ... والخِلافةٌ: الإمارةُ)(1).
و(الخلف - محركة - مصدر خلفه خلفاً وخلافةً، كان خليفةً واسم الفاعل منه خليفة وخلیف، قال الجوهري : ومنه قوله تعالى : خْلُفْنِي فِي قَوْمِي(2) )(3)، وفي مختار الصحاح : (أَخْلَفَ فلانٌ لِنَفْسِه: إِذَا كَانَ قَدْ ذَهَبَ لَهُ شَيْ ءٍ فَجَعَلَ مَكَانَهُ آخَرَ ، وَ اسْتَخْلَفَهُ : جَعَلَهُ خَلِيفَةَ )(4) .
وقد اتضح من خلال ذلك كله : أن الخليفة من يخلف غيره، ويقوم مقامه ويسد مسده.
قال العسكري : (الخليفة والإمام واحد، إلا أن بينهما فرقاً، فالخليفة من استخلف في الأمر مکان من كان قبله، فهو مأخوذ من أنه
ص: 18
خلف غيره، وقام مقامه. والإمام : مأخوذ من التقدم، فهو المتقدم فيما يقتضي وجوب الاقتداء بغيره، وفرض طاعته فيما تقدم فيه)(1).
يكاد يتفق المسلمون على قضية عامة وهي أن المسار الرباني للخلافة الإلهية بعد النبي صلى الله عليه وآله تم تخطيه وتجاوزه، غير أن الكثير من أتباع أهل السنة يرى أن الانحراف جاء متأخراً عن زمن الخلافة الأول، وقد قرر ذلك الغزالي وأشار إليه بصورةٍ صريحةٍ فقال : (لما انقرض عهد الخلفاء أفضت الخلافة إلى قوم تولوها بغير استحقاق ولا استقلال بعلم الفتاوى والأحكام، فاضطروا إلى الاستعانة بالفقهاء واستصحابهم في جميع أحوالهم، وقد كان بعض من العلماء من هو مستمر على الطراز الأول وملازم صفو الدين، فكانوا إذا طلبوا هربوا وأعرضوا)(2).
فيما يرى أتباع أهل البيت عليهم السلام أن الابتعاد عن المسار الرباني كان سريعاً ومباغتاً، حيث تم تجاوز القواعد والأسس التي أسسها وأصل أصولها النبي صلى الله عليه وآله بمجرد رحيله.
ص: 19
لم تكن نظرية النص والاستخلاف السماوي من النظريات المتأخرة نشوءاً، أو بتعبير آخر أنها لم تنشأ متأخرة كما يحلو للبعض أن يصفها، بل هي من أولى النظريات الإسلامية بروزاً إلى السطح الاعتقادي، وإنها مكية المنشأ وعلى يد النبي صلى الله عليه وآله وليست من إفرازات فكر المتأخرين.
فالوثائق التأريخية تؤكد أن النبي صلى الله عليه وآله كان في مستهل دعوته يعرض دينه الجديد على القبائل، كبني عامر بن صعصعة - وذلك قبل الهجرة إلى المدينة المنورة بمدة بعيدة، وقبل أن تقوم للدين شوكة أو بشید له ركن - فيقول له بيحرة بن فراس وهو من كبرائهم وأقطابهم : (إن نحن تابعناک على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون الأمر لنا من بعدك؟)، فاشترط عليه أن تكون الخلافة فيهم،
ص: 20
فأجابه النبي صلى الله عليه وآله وهو بأمس الحاجة إلى من يمد له يد العون والمساعدة ويكفيه ألم الرفض والمقاطعة، فيقول صلى الله عليه وآله وبضرسٍ قاطع وإيمانٍ راسخ وعزيمةٍ ثابتة: «الْأَمْرُ للهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ»(1)، فأمر الخلافة لله تعالى فلا هو للنبي صلى الله عليه وآله، ولا هو لأحدٍ من أمته إنما هو لله تعالى وحده لا لأحدٍ سواه.
وفي حادثة تأريخية أخرى يقيم النبي صلى الله عليه وآله مهرجاناً هاشمياً كبيراً للدعوة إلى دينه، فيقوم بأمر الله تعالی داعياً ضراغمة المصر ووجوه البطحاء، وبعد نزول قوله تعالى: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ(2) تحديداً، فجمع بني عبد المطلب، وكانوا يومئذ أربعين رجلاً؛ الرجل منهم يأكل المستة ويشرب العس(3)، وأمر علياً عليه السلام أن يدخل شاةً فأدمها، ثم قال : «ادنوا بسم الله»، فدنا القوم عشرةً عشرةً، فأكلوا حتى صدروا، ثم دعا بقعب من لبن فجرع منه جرعةً، ثم قال : «اشربوا بسم الله»، فشربوا بأجمعهم حتى رووا، ولما لم يتمالك أبو لهب نفسه التي لم تطق رؤية هذا المنظر الإعجازي حتى
ص: 21
بدرهم بالقول : (هذا ما سحركم به الرجل)، فكان قوله سبباً لسكوت النبي صلى الله عليه وآله وتفرق القوم، ثم دعاهم النبي صلى الله عليه وآله من الغد على مثل ذلك، فأنذرهم قائلاً : «یا بني عبد المطلب، إلي أنا النذير إليكم من الله عز وجل، والبشير لما لم يجئ به أحد، جئتكم بخير الدنيا والآخرة، فأسلموا، وأطيعوا تهتدوا، ومن منكم يؤاخيني ويؤازرني فيكون وليي ووصيي بعدي وخليفتي في أهلي ويقضي ديني؟».
فسكت القوم، فأعاد النبي صلى الله عليه وآله ذلك ثلاثاً، فكان لا يجد منهم إلا الصمت والإحجام عن الرد، ولم يلب دعوته إلا علي عليه السلام فقد قام وقال : «أنا يا رسول الله». فقال له النبي صلى الله عليه وآله كما في لفظ الفخر الرازي في نهاية العقول في دراية الأصول-: «هَذَا خَلِيفَتِي فِيكُمْ مِنْ بَعْدِي فَاسْمَعُوا لَهُ وَ أَطِيعُوا»(1).
ص: 22
وفي رواية ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة للمعتزلي، والطبري في تأريخه(1)، وابن الدمشقي الشافعي في جواهر المطالب(2)، والمتقي الهندي في كنز العمال(3)، أنه صلى الله عليه وآله قال : «هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع»(4).
كل ذلك يؤكد أن ظهور نظرية الاستخلاف الإلهي لم تكن من مخترعات الشيعة الإمامية وإنما هي من أقدم النظريات ظهوراً على مسرح الحياة الاعتقادية، وقد احتضن هذه النظرية جم غفير وجمع کثير من خيرة الصحابة، عرفوا فيما بعد بأتباع نظرية النص أو شيعة علي
ص: 23
عليه السلام كأبي ذر وعمار والمقداد وسلمان وحذيفة وغيرهم(1).
وفي مقابل هذا الاتجاه برز إلى دنيا الاعتقاد خط آخر تبني فكرة الشوری كأساسٍ لنظام الحكم في الإسلام، وأنها المؤهل الرئيسي للخليفة لتسنم منصب الخلافة الإلهية، والأسلوب الوحيد الذي يقود رأس النظام إلى موقع الزعامة الدينية بعد رسول الله صلى الله عليه وآله متبنياً أسلوب العناد والمغالطة والتأويل والمماطلة في قلب الحقائق، مستفيداً من تقوية الشاذ، والطعن في الصحيح.
فصار الحق غرضاً لنبال الحقد، وفريسةً تنتهبها مخالب الباطل، فقل الإنصاف وكثر الإجحاف، وخذ لذلك مثالاً لتعرف به حقيقة الحال، يقول ابن جرير الطبري في تفسيره الموسوم بجامع البيان وهو بصدد تفسير آية الإنذار التي مرت عليك آنفاً فيقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
«من منكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي وكذا وكذا ... [ثم قال] في علي عليه السلام: «هذا أخي وكذا وكذا...»(2)
ص: 24
ولقد كانت الأمانة العلمية تحتم عليه ذكر النص بألفاظه وعد التلاعب بها أو استبدالها بكذکذة فارغة لا معنى لها، ولنا الحق في أن نتسائل عن هذه (الكذكذة) التي أحجم الطبري عن ذكر مضمونها، لأنها بيت القصيد، وغاية المريد، وركن الإمامة المشيد، وسوف يأتيك القول الفصل في بيانها وتحقيقها.
وأما الآن فإليك عرضاً مختصراً لمرتكزات الاتجاه الشورائي كما أثبته القوم في مصنفاتهم وصاروا إليه في تحقيقاتم :
يرتكز المبدأ الشورائي على ركيزتين أساسيتين نستعرضهما مع شيء من التفصيل، وما يمكن أن يقال أو قيل فيهما :
وهي قوله تعالى : وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ(1).
ص: 25
وبالتحديد قوله تعالى : وَ أَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ. ولعلها أهم الآيات التي حاول القائلون بالشورى التمسك بها لتصحيح ما صاروا إليه من اعتبارها أساساً لنظام الحكم في الإسلام والمؤهل الرئيسي لتسنم مقام الزعامة الدينية والخلافة الإلهية .
إن سياق الآية يؤكد أنها ناظرة إلى جملة من الظواهر الحسنة التي يتميز بها المجتمع الإسلامي، والتي تمثل مبادئ الإسلام وتعاليم الشريعة الحقة وآدابها المثلى، فإن الله تعالى كما مدحهم بحسن التوكل على الله، واجتناب الكبائر والفواحش والعفو والاستجابة لأمر الله وإقامة الصلاة، مدحهم بأن شأنهم المشاورة في الأمور، فمدح المشاورة في الأمور بمدح من اتصف بها، ولذلك أخذ المفسرون على عاتقهم مهمة بيان ذلك المجتمع النموذجي الذي مدحه الله تعالى بصفة المشاورة عند تفسير هذه الآية المباركة.
قال القرطبي في تفسيره : وَ اَمرُهُم شورَى بَینَهُم أي يتشاورون في الأمور، قال النقاش : كانت الأنصار قبل قدوم النبي إليهم إذا أرادوا أمراً تشاوروا فيه ثم عملوا عليه فمدحهم الله تعالى به، وقال الحسن:
ص: 26
أي أنهم [يعني الأنصار] لانقيادهم إلى الرأي في أمورهم متفقون لا يختلفون فمدحهم الله تعالی باتفاق كلمتهم.
وقال الضحاك : هو تشاورهم حين سمعوا بظهور النبي صلى الله عليه وآله وورود النقباء إليهم حتى اجتمع رأيهم في دار أبي أيوب على الإيمان به والنصرة له، فمدح الله المشاورة في الأمور بمدح القوم الذين يمثلون ذلك»(1).
فالمدح حقيقة للصفة، ومدح الأنصار إنما هو لاتصافهم بها، لذا اتفقت كلمة علماء الإسلام على استحباب مشاورة أولي الألباب والاستنارة بعقولهم لمن أهمه أمر أو نزل به خطب، فإن (مَنْ أَرَادَ أَمْرًا فَشَاوَرَ فِيهِ اهْتَدَى لأرشد الْأُمُورِ)(2).
ومنها استفاد المناوي في فيض القدير استحباب الاستشارة والنصح فيها، وإن كان المستشير - وهو من طلب المشورة - ذمياً، فقال : (وذلك مندوب لمدحه تعالى للأنصار بقوله : وَ أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ، فلیشر عليه بما هو الأصلح، وإلا فقد خانه)(3).
ص: 27
فالآية إذن لم تكن ناظراً لتأسيس مبدأ الشوری کمنهج أساسي لتعيين شخص الحاكم والخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وإنما أراد أن يعلمهم ما في المشورة من الفضل، ومدح الأنصار لاتصافهم بها كما عرفت ذلك من كلمات المفسرين فلا نطيل الكلام.
من الركائز التي اعتمدوا عليها لتدعيم مبدأ الشورى في الحكم قوله تعالى : فَبِما رَحمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُم ۖ وَلَو كُنتَ فَظًّا غَليظَ القَلبِ لَانفَضّوا مِن حَولِكَ ۖ فَاعفُ عَنهُم وَاستَغفِر لَهُم وَشاوِرهُم فِي الأَمرِ ۖ فَإِذا عَزَمتَ فَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلينَ(1).
أقول : اتفقت كلمة المفسرين في الجملة على أن الأمر الذي أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله أن يستشير فيه أصحابة لم يكن من أمور الدين ؛ لأن أمور الدين والشرع غير خاضعة للمشاورة أبداً، وليس لأحد من المسلمين - أياً كان - التدخل فيها أو التقول فيها برأيه.
قال الشوكاني في فتح القدير : (إن المراد : أي أمر كان مما يشاور في مثله، أو في أمر الحرب خاصة، كما يفيده السياق ... والمراد هنا:
ص: 28
المشاورة في غير الأمور التي يرد الشرع بها)(1)
وقال ابن جرير الطبري في روح البيان: وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ قال: ( هِيَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يتشاوروا فِيمَا لَمْ يَأْتِهِمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فِيهِ أَثَرُ
)(2).
فمورد الآية هو المشاورة في الأمور الدنيوية، وليست جميعها بل بعضها، وهي أمور الحرب خاصةً، وذلك لما في المشاورة من العون على ما يريده القائد من قوة شوكة أصحابه وشدة مدافعتهم، وليكون ذلك ألزم في الطاعة وبذل النفس والمال لمقاومة العدو، ولأن الاستبداد في الرأي غالباً ما يؤدي إلى الوهن في الطاعة.
وهذا ما تدل عليه (اللام) فهي ليست للجنس حتى يقال : إنها تشمل كل أمرٍ بل هي اللام العهدية (لام العهد) فيكون المعنى : شاورهم في الأمور التي يجري الحديث عنها، وهي أمور الحرب خاصة، كما هو ظاهر من ملاحظة الآيات التي سبقت الآية، والتي جاءت بعدها، وأن التعميم لغير مورد الآية يحتاج إلى دليل، وهو مفقود في المقام.
وقد تساءل الطبري عن الأمر الذي أمر الله نبيه صلى الله عليه
ص: 29
وآله أن يشاور فيه؟ ثم أجاب قائلاً : (قال بعضهم : أمر الله نبيه صلى الله عليه وآله بقوله : وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ بمشاورة أصحابه في مکاید الحرب وعند لقاء العدو، تطييباً منه بذلك أنفسهم، وتألفاً لهم على دينهم، وليروا أنه يسمع منهم ويستعين بهم، وإن كان الله عز وجل قد أغناه بتدبيره له أموره وسياسته إياه وتقويمه أسبابه عنهم)(1).
ولم يتفرد الطبري بما أفاده من أن مورد المشاورة أمور الحرب خاصة، بل هو رأي جماعة من المفسرين كقتادة والربيع وابن إسحاق والشافعي على ما صرح به القرطبي في تفسيره(2).
وقد أكد ذلك جملة من القرائن، ففي مجمع الزوائد للهيثمي والدر المنثور للسيوطي عن عبد الله بن عمرو، قال : (كتب أبو بكر إلى عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وآله شاور في الحرب فعليك به)(3)
وأخيراً : نحن لا نريد أن ننفي مشروعية الاستشارة في غير الحرب لكننا نقول بأن مورد الآية هو المشاورة فيها، كما لا نريد نفي حصول الاستشارة في غير أمور الحرب، ولكنها وإن حصلت في غير الحرب إلا
ص: 30
أنها نادرة جداً، وحتى في أمور الحرب لم تكن كلها خاضعة للشوری بل أثبتت الكثير من الوثائق أن النبي صلى الله عليه وآله لم يأخذ بالكثير من آرائهم ولم يكترث ببعض مشاوراتهم حتى في بعض أمور الحرب، كما حدث ذلك في الحديبية، حين عزم صلی الله عليه وآله على أمرٍ قد أشار عليه عمر بن الخطاب بخلافه فلم يعبأ بقوله ولم يركن لمشورته.
بالإضافة إلى ما ذكرنا يمكننا أن نورد بعض الأمور المهمة التي تسقط الاعتماد على الآيتين وجعلهما أساساً لانبثاق منهج الشورى في الحكم.
إن الأمر بالاستشارة في الآيتين لم يكن أمراً إلزامياً، وإنما أمر النبي صلى الله عليه وآله بها؛ لاستمالة قلوب أصحابه وجلب مودتهم وتعليمهم عدم الاستبداد بأمورهم، وإلا فهو صلى الله عليه وآله أتم الخلق رأياً، وأوسعهم علماً، وأرجحهم عقلاً، وهذا ما ذهب إليه الشافعي وغيره.
قال ابن الجوزي ناقلاً قول الشافعي في زاد المسير : (وهذا نظير قوله صلى الله عليه وآله : «الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ عَلَى نَفْسِهَا» إِنَّمَا أَرَادَ استطابة
ص: 31
نَفْسِهَا، فَإِنَّهَا لَوْ كَرِهْتَ كَانَ لِلْأَبِ أَنْ يُزَوِّجْهَا)(1). فلا إلزام في الأخذ برأيها. وقد أورد کلامه القرطبي في تفسيره(2) مصرحاً بعدم استفادة الوجوب من الآية، وعليه فكيف تؤسس الآيتان مبدأ الشورى في الحكم والحال أنهما لم تشرعا أمراً إلزامياً؟
هنالك جملة من الأمور تؤيد ما ذهب إليه الشافعي وابن الجوزي والقرطبي وغيرهم من عدم كون الاستشارة في الآية ملزمة، منها :
(1) إن الله تعالی علق وقوع الفعل بعزم النبي صلى الله عليه وآله وقراره دون رأيهم ومشورتهم، فإن كان الأمر للوجوب لقال : فإذا أشاروا عليك فاعمل وفق مشورتهم ورأيهم، ولما صح أن يقول : فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ .
(2) مما يؤيد عدم الإلزام قوله تعالى : وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ(3)، فهي من أقوى
ص: 32
القرائن الدالة على على عدم الإلزام بأخذ رأي الصحابة، فلا يمكن القول بوجوب قبول رأي قومٍ لو أطاعهم النبي صلى الله عليه وآله لوقع في العنت؛ لأنه بمنزلة الدعوة للوقوع في العنت في الجملة وهي مستحيلة.
(3) الروايات الكثيرة الواردة في المقام، والتي تعلل الأمر بالاستشارة للاستنان به من بعده لئلا يستبد القائد والحاكم بالأمور، بل یشاور أصحابه، أي أن ممارسة النبي صلى الله عليه وآله لاستشارة الصحابة ؛ لأجل أن يكون القادة من بعده أولى بممارستها والرجوع إليها، وهذا ما استنتجه الفخر الرازي في تفسيره وقرره، قائلاً : ( ليقتدي بِهِ غَيْرِهِ فِي الْمُشَاوَرَةِ وَ يَصِيرَ سُنَّةُ فِي أُمَّتِهِ)(1) ، فهو في الواقع أسلوب تعليمي ومنهج تربوي يبين جانباً مهماً من أخلاقيات الحاكم الإسلامي.
(4) مخالفة النبي صلى الله عليه وآله لآرائهم ومشاوراتهم في كثير من الأحيان، كما حدث ذلك في صلح الحديبية عندما أشار عليه عمر ابن الخطاب بعدم عقد الصلح مع المشركين، وقال - كما في رواية البخاري في صحيحه - : ( أَتَيْتَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَقُلْتُ : أَ لَسْتَ نَبِيِّ اللَّهِ حَقّاً ؟
ص: 33
قال : «بلى».
قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟
قال : «بلى».
قلت : فلم نعط الدنية في ديننا؟
إذ قال : « إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، وَ لَسْتُ أَعْصِيهِ وَ هُوَ نَاصِرِي...»(1).
فقد رد النبي صلى الله عليه وآله استشارته مما كان مدعاة لاستثارة غضبه، كما في رواية النسائي في السنن الكبرى، حيث قال : فرجع وهو متغيظ، فوصل إلى أبي بكر، وقال له ما قال(2)، وفي رواية أحمد في المسند : (فرجع وهو متغيظ)(3)، وفي شرح النهج للمعتزلي : (فقام عمر مغضباً وقال : لو أجد أعواناً ما أعطيت الدنية أبداً)(4).
ص: 34
إن في الآية ما يدلل على أن مورد الشورى هو الأمور المرتبطة بشؤونهم الخاصة ولا تتعدى إلى الأمور المتعلقة بالشارع المقدس فإنها من شؤون من بيده التشريع وحده، لأن الضمير في وَ أَمْرُهُمْ يرجع إلى المؤمنين، والمراد به الأمر الذي يرتبط بهم، والقرار الذي يتخذ من قبلهم لذلك من دون مدخلية الشرع فيه، فالشورى إنما هي في الأمور والقرارات التي ترجع إلى المؤمنين وشؤونهم الخاصة والتي لا يوجد للشرع فيها إلزام أو حكمٌ، كما في أمور معاشهم وحياتهم اليومية وتعاملاتهم الشخصية.
أما في حالة ورود الإلزام الشرعي فلا مشورة ولا قرار، قال تعالى : وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (1).
وكيف يسع مسلماً أن يخطر بباله هذا الفهم الخاطئ سيما مع قول الله سبحانه : وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ(2).
ص: 35
وهذا ما أكدته كلمات جملة من مفسريهم وعلمائهم، يقول الشوكاني في فتح القدير : (المراد هنا [أي في أمر المشاورة] المشاورة في غير الأمور التي يرد بهما الشرع)(1)، وقال ابن حزم في الإحكام : (قد صح أنه لم يأمره الله تعالى قط بمشورتهم في شيء من الدين سيما مع قوله تعالى : إِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)(2).
وبذلك يثبت أن الآية خالية من الدلالة على قبول رأيهم ومشورتهم أصلاً، بل هي صريحة بايكال الأمر إلى النبي صلى الله عليه وآله فيما يعزم عليه ويتخذه مما يراه مناسباً، حتى وإن أجمعوا بالمشورة على خلافه.
إن قوله تعالى: وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ(3) ظاهر في كون استحباب المشورة في حال كون المستشير حاكماً ووالياً، وهذا ما يعبر عنه بشوری الحاكم والقائد، فإن على الحاكم والقائد أن يستشير أصحابه في هذا الحال، وهذا لا يعني أبداً أن يكون الحكم نفسه شورائياً أو انتخابياً .
ص: 36
إن الآية جعلت قرار الحسم النهائي موكولاً إلى شخص المستشير، وهو حينئذ ربما وافق رأي الأكثرية وربما خالفه، كما هو نصٌ قوله تعالى: فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ(1)، وليس في الآية إلزام برأي الأكثرية، بل ولا برأي الكل ولو حصل إجماعهم على رأي واحد، وقد حدث نظير ذلك في غزوة أحد عند ما أشاروا على النبي صلى الله عليه وآله بالبقاء في المدينة وقد عزم النبي صلى الله عليه وآله على التوجه إلى أحد، ولبس لامة الحرب، فأشاروا عليه بالبقاء، فلم يمل إلى رأيهم، ولم يصغ لمشورتهم، ولم يسمع كلامهم، بل قال صلى الله عليه وآله: « لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ يَلْبَسُ لَامَتُهُ فَيَضَعُهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ»(2).
ثمة حقيقة مرة يخشى البعض من التفوه بها؛ لأنها تفتح على أتباع المنهج الشورائي(3) ثغرات لا تسد وإشكالات لا ترد، ولا يمكن توجيهها
ص: 37
بحال من الأحوال، وهي لماذا اختار الخليفة الثاني الشورى واعتبرها منهجاً لنظام الحكم بعده؟ وما هي الأحداث التي أفرزت هذه الفكرة المستحدثة ؟ وهل أنها كانت شوری حقيقية أم صورية لتمرير المآرب وتحقيق المطالب وإقصاء الحق عن علي بن أبي طالب عليه السلام؟
إن التدبر في التراث الحديثي عند أهل السنة جدير بأن يوصلنا إلى اكتشاف سر يفسر لنا الغموض الذي يكتنف نشوء فكرة الشورى والإصرار على جعلها منهجاً للخلافة بعد الخليفة الثاني، ومن تلك الرويات ما أخرجه البخاري، وأحمد بن حنبل، والنسائي، والهيثمي، وغيرهم عن ابن عباس قال : - في حديثٍ طويلٍ نقتطف منه موضع الحاجة - كنت أقرئ رجالاً من المهاجرين، منهم عبد الرحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى، وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجة حجها، إذ رجع إلى عبد الرحمن فقال : لو رأيت رجلاً أتی أمير المؤمنين [أي عمر] اليوم فقال : يا أمير المؤمنين، هل لك في فلان، يقول : لو قد مات عمر بایعت فلاناً، فو الله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت.
ص: 38
فغضب عمر ثم قال : إني إن شاء الله لقائم هذه العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء...
قال ابن عباس : فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة... فخطب عمر، فكان مما قال : (إنه قد بلغني أن قائلاً منكم يقول : والله لو مات عمر بایعت فلاناً فلا يغترن امرؤ أن يقول : إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها كانت كذلك، ولكن وقي الله شرها... فمن بايع رجلاً من غير مشورةٍ من المسلمين فلا يبايع هو والذي بایعه تغرةً أن يقتلا)(1)
وقد أحجم أغلب المحدثين من أهل السنة عن بيان هذا اللغز المحير، ورجحوا السكوت ولم يخوضوا في إيضاح تلك القضية المهمة التي شكلت منعطفاً كبيراً في تغيير منهج الحكم في الإسلام.
فمن هو فلان القائل : (لو مات عمر لبايعت فلاناً)؟ ولماذ أحجم القوم عن ذكره؟ ومن فلان الآخر الذي تراد البيعة له؟ ولماذا عمدوا إلى إخفائه؟ ولماذا يصر فلانٌ أن يبايع فلاناً دون غيره من الناس؟ وما هي المؤهلات والمرجحات التي يحملها؟ ولماذا عمد الخليفة عمر في الإسراع لسد الباب عليه؟ وماهو سبب تلك الحساسية المفرطة تجاه هذين الشخصين؟
ص: 39
إن معرفة مثل هذه الأحازير والألغاز حري بأن يساعدنا في الوصول إلى الحقائق ومعرفة السر وراء نشوء نظرية الشورى الصورية.
ولقد تحمل ابن حجر العسقلاني عناء البحث عن هاتين الشخصيتين، وبذل جهداً مضنياً للوقوف على هذا السر المكتوم، فوقف على ما فيه فك اللغز، وتوصل إلى ما فيه إيضاح الرمز، فقال في مقدمة فتح الباري في شرح صحيح البخاري، وهو بصدد معرفة هذين الاسمين :
(وجدته في الأنساب للبلاذري بإسنادٍ قوي من رواية هشام بن يوسف عن معمر عن الزهري بالإسناد المذكور في الأصل ولفظه : (قال عمر بلغني أن الزبير قال : لو قد مات عمر لبايعنا علياً...))(1).
وبناءً على ذلك فالذي يظهر أن الخلافة القائمة إنما افتعلت منهج الشوری بهدف سد الطريق على علي عليه السلام والحيلولة بينه وبين حقه المشروع في الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله.
ولعل قائلاً يقول : ماذا يضر الخلافة القائمة لو بويع علي عليه السلام بالخلافة؟
أقول : إن الخلافة كانت قد عزمت على تنصیب عثمان بن عفان
ص: 40
منذ أمدٍ بعيد، واعتمدت استراتيجيةً دقيقة، قد خطط لها بإحكام، تهدف إلى إقصاء علي عليه السلام وإبعاده عن حقه المشروع ضمن تلك الاستراتيجية الدقيقة والمحكمة.
وليس هذا مجرد فريةٍ أو قولٍ بلا دليلٍ، فقد صرح به جهابذة أهل السنة وعلماؤهم، ومن روى ذلك : ابن حبان في صحيحه بأكثر من طريق والحافظ ابن عساکر، عن حذيفة قال : (قلت لعمر بالموقف من الخليفة بعدك؟ قال : عثمان)(1).
وفي موطنٍ آخر، ومناسبةٍِ أخرى، وفي المدينة تحديداً، على ما رواه المتقي الهندي عن حذيفة قال : (قيل لعمر بن الخطاب وهو بالمدينة : يا أمير المؤمنين، من الخليفة بعدك ؟ قال : عثمان بن عفان)(2).
وهذا ما أشرنا إليه في تعبيرنا أن الشوری کانت مناورة صورية؛ لأن الأمر قد حسم سابقاً، وأن جميع الخطى كانت محسوبةً، ونتائجها معلومة، وأن الذي حدث لعبة لها غايات محددة، ومن أبرز غاياتها :
1- التمويه على العامة وإسكانها .
2- تغطية المؤامرة بغطاء الشرعية.
ص: 41
3- سرقة الحق المشروع تحت غطاء الدين.
وإلى هنا قد عرفت أيها القارئ الحصيف أن الغاية من وراء انبثاق الشورى جملة من الدوافع السياسية المحضة، وأما مرحلة التنظير الفاشلة فقد جاءت متأخرة عن ذلك بكثير.
ومما يؤسف له أن المنظرين تمسكوا بكل قشة، وأوردوا الغث والسمين في سبيل إضفاء المقبولية والشرعية على الشورى، حتى جاءوا بمبالغات يستحي القلم من تدوينها وتسطيرها، فنسبوا المشورة إلى الخالق تعالی عن ذلك علواً كبيراً، ذهب إلى ذلك الطبري في تفسيره وتاريخه، وابن كثير، وابن أبي حاتم الرازي، قالوا : ( قَالَ قَتَادَةُ قَوْلِهِ : واذ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلُ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (1) فَاسْتَشَارَ الْمَلَائِكَةُ فِي خَلَقَ آدَمَ ، فَقالُوا : أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ ؟)(2)، ونسب هذا الرأي إلى السدي أيضاً.(3).
ص: 42
إلى هنا تبين - بكل وضوح - بطلان منهج الشورى في الحكم، ولم يتبق إلا نظرية النص التي أرسى دعائمها النبي صلى الله عليه وآله في بداية دعوته، وأصلها وأكدها طيلة فترة نبوته، ونظرا لوضوح ذلك وشيوعه في الآفاق حاول البعض من أتباع المذاهب الأخرى خلط الأوراق فادعى النص على أبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله .
وسنبين بطلان القول بالنص عليه قبل الدخول في البحث عن حديث المنزلة الذي يمثل واحداً من عشرات الأدلة القاطعة والنصوص الصريحة في إثبات إمامة أمير المؤمنين عليه السلام.
ص: 43
طفحت المصنفات السنية بمجموعة من الروايات المصرحة بعدم وجود نص على أبي بكر أو عمر، وإن دعوى النص عليهما مجازفة لا يعضدها دليل، ولا يقوم عليها برهان، ونحن نقتصر على إيراد بعض الوثائق التي تنفي النص عنهما بشكل قاطع تجنباً للمل والإطالة :
روی ابن عساكر في تاريخ دمشق عن أبي بكر قوله : (وددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وآله لمن هذا الأمر بعده، فلا ينازعه أحد، ووددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وآله هل للأنصار فيه شيء؟)(1).
ص: 44
وإقرار أبي بكر بعدم علمه بالنص من أقوى الحجج الدامغة على نفي النص عنه، فكيف يعقل أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد نص عليه وهو لا يعلم بذلك؟ وكيف يتمنى لو أنه سأل رسول الله صلى الله علیه و آله عن النص؟
علما أن المصادر السنية حافلة بالعديد من اعترافات أبي بكر بانتفاء النص عنه، وليس ما ذكرنا وحيداً في هذا الباب، فقد روى ابن عساكر والطبري، عنه أنه قال : (وددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وآله لمن هذا الأمر؟ فلا ينازعه أحد، ووددت أني كنت سألته هل للأنصار في هذا الأمر نصيب ؟)(1).
وأدرج ابن قتيبة الدينوري عدم النص عليه في ضمن الأمور التي تمنى أبو بكر لو أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله عنها لعدم علمه بها(2)، ومع هذا فلا يمكن للعاقل أن يتفوه بوجود نص على أبي بكر وهو ينفيه عن نفسه نفياً قاطعاً.
ص: 45
إمامة علي عليه السلام في حديث المنزلة
على الرغم من كون عمر بن الخطاب من أشد المتحمسين والمدافعين عن خلافة أبي بكر إلا أنه لم يدع وجود نص على صاحبه، بل على العكس من ذلك تماماً فقد سجلت المصادر السنية مجموعة من إقرارات الصريحة والتي تنفي النص عنهما بشكل قاطع، فقد أخرج ابن عبد البر والحاكم النيسابوري، بسند صحيح على شرط الشيخين، عن عمر قال : (لأن أكون سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن ثلاث، أحبُ إلي من حمر النعم : من الخليفة بعده؟ وعن قوم أقروا بالزكاة ولم يؤدوها، أيحل لنا قتالهم، وعن الكلالة)(1).
وأخرج الطيالسي نظير هذه الرواية، ونص ما رواه : (قال عمر : ثلاث لأن أكون سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عنها أحب إلي من أن يكون لي حمر النعم، الخلافة، والكلالة، والربا)(2).
وقد تلقى العلماء هذا الروايات بالقبول، ولم ينكروا جهل عمر
ص: 46
بوجود نص فيه أو في صاحبه، فهذا ابن كثير ينقل مجموع الروایات المصرحة بنفي النص عنهما، والتي أخرجها الحاكم النيسابوري، مؤكداً صحتها على شرط الشيخين(1).
ولذا لما (قيل لعمر : ألا تستخلف، قال : إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رسول الله صلى الله عليه وآله)(2)، وهو ينفي أي وجودٍ للنص، ولو كان للنص على أبي بكر رائحة لذكره.
ولم يكتف الخليفة الثاني بالإقرار بعدم وجود النص بل راح يصرح بأن خلافة أبي بكر تفتقر لأبسط المقومات الشرعية، فيقول كما روی الشهرستاني والباقلاني وابن أبي الحديد : (ألا إن بيعة أبي بكر كانت فلتة ، وقي الله المسلمين شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه)(3)، فأي فسادٍ
ص: 47
کفساد خلافة الأول، حتى يأمر عمر بقتل من عاد لمثلها؟
وقد أشرنا في البحوث السابقة إلى أنه لا يريد بذلك إلا سد الباب على علي عليه السلام، وقد اعترف غير مرة بعزم النبي صلى الله عليه وآله على تنصيبه من بعده، مقرا بأنه سعي جاهداً بكل ما أوتي من قوة وحنكة ودهاء، ليحول بين النبي صلى الله عليه وآله وبين تنصيبه، كما نقل ذلك في جملة من المصادر السنية ففي شرح نهج البلاغة قال أورد قوله وتصريحه : ( وَ لَقَدْ أَرَادَ فِي مَرَضِهِ أَنْ يُصَرَّحْ بِاسْمِهِ فَمَنَعَتِ مِنْ ذَلِكَ )
وذلك إشارة إلى ما جرى في رزية الخميس حين طلب النبي صلى الله عليه وآله كتفاً ودواة ليكتب لأمته كتاباً لن يضلوا بعده، فمنع عمر بن الخطاب من ذلك، وتنازع الصحابة فيما بينهم، منهم من يريد إنفاذ أمر رسول الله صلى الله عليه وآله ومنهم من يمنع منه كعمر ومن هم على رأيه، فقال عمر : إن النبي ليهجر، فأخرجهم النبي صلی الله عليه وآله من عنده ولم يكتب لهم كتابه ووصيته.(1).
وليس ذلك من الأسرار المخفية، فقد كان عمر يصرح علانية بأنه وصاحبه بذلاً جهداً حثيثاً في سبيل إجهاض مشروع النص على علي عليه السلام، فقد روى ابن أبي الحديد وهو بصدد کشف خيوط تلك
ص: 48
المؤامرة الكبيرة : (قال [عمر لابن عباس] : إن قومكم كرهوا أن يجتمع لكم النبوة والخلافة، فتذهبوا في السماء شمخاً وبذخاً، ولعلكم تقولون إن أبا بكر أول من آخركم، أما إنه لم يقصد ذلك، ولكن حضر أمر لم يكن بحضرته أحزم مما فعل، ولولا رأي أبي بكر فيه لجعل لكم من الأمر نصيباً، ولو فعل ما هنأكم مع قومكم، إنهم ينظرون إليكم نظر الثور إلى جازره)(1).
وروي ذلك الطبري موجزاً(2) كما هي عادته في نقل الأحداث المهمة، ولكن ابن الأثير أورد النص كاملاً، بما يشتمل على كثير من الحقائق الغامضة والأسرار المخفية، قال : (فقال [عمر بن الخطاب ] : یا ابن عباس أتدري ما منع قومكم منکم بعد محمد صلى الله عليه وآله؟
فكرهت أن أجيبه فقلت : إن لم أكن أدري، فإن أمير المؤمنين يدريني.
فقال عمر : کرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحاً بجحاً، فاختارت قریش لأنفسها فأصابت ووفقت
فقلت : يا أمير المؤمنين، إن تأذن لي في الكلام، وتمط عيني الغضب، تكلمت. قال : تكلم.
ص: 49
قلت : أما قولك يا أمير المؤمنين : اختارت قریش لأنفسها فأصابت ووفقت : فلو أن قريشاً اختارت لأنفسها [ما] اختار الله لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود.
وأما قولك : إنهم أبوا أن تكون لنا النبوة والخلافة فإن الله عز وجل وصف قوماً بالكراهة، فقال : ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ(1)
فقال عمر : هيهات والله يا بن عباس، قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أقرك عليها لتزيل منزلتك مني...)(2).
فكلام عمر صریح بوجود جهود مكثفة قد بذلت من أجل أن لا تجتمع النبوة والخلافة في البيت الهاشمي، كما أن في كلام ابن عباس تركيزاً وتأكيداً على وجود النص الإلهي وأن الله سبحانه قد اختار ذلك للأمة، وأن من منع ذلك وحال دونه داخل تحت قوله تعالى : ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ .
ولا يخفي عليك أيها القارئ اللبيب أن هذه الوثائق كما أنها تنفي النص عن الشيخين فهي تثبته لعلي أمير المؤمنين عليه السلام.
ص: 50
روى أحمد بن حنبل في مسنده والطبراني في معجمه الأوسط عن ابن أبي مليكة عنها قالت : (قبض رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يستخلف أحداً ولو كان مستخلفاً أحداً لاستخلف أبا بكر أو عمر)(1).
وأخرجه الحاكم في المستدرك مع اختلاف يسير بالألفاظ، مصرحاً بصحته على شرط الشيخين(2)
وفي هذا النقل الذي حفلت به المجامع الحديثية المعتبرة عند أهل السنة، دليل على عدم وجود إشارةٍ من النبي صلى الله عليه وآله على أبي بكر، مما يمكن أن يتمسك بما كنص على خلافته، وقد تأكد لنا أن عائشة من أشد النافين لوجود النص على أحد؛ أبي بكر فمن سواه.
وأعتقد أن الذي دفعها على الإصرار على نفي النص بصورة مطلقة أنها تروم سد الطريق على علي عليه السلام، وإلا فهي تعلم على نحو القطع واليقين بأن النبي صلى الله عليه وآله نص عليه عليه
ص: 51
السلام بحضرها، وقد أقرت بذلك، فقد (روى محمد بن محمد بن جميل، قال : حدثنا جرير، عن الأعمش عن أبي الأضحى عن مسروق، عن عائشة، أنها قالت : يا رسول الله، من الخليفة من بعدك؟
قال : «خاصف النعل».
قالت : من خاصف النعل؟
قال : «انظري»، فنظرت، فإذا علي بن أبي طالب عليه السلام».
قالت : يا رسول الله، ذاك علي بن أبي طالب - عليه السلام -، قال : «هو ذاك»(1).
ولا يخفى أننا نسجل إقرارها في نفي النص على أبيها، ونرد قولها في نفي النص على أمير المؤمنين عليه السلام لأنها من أشد أقطاب التيار القرشي المناهض لعلي بن أبي طالب عليه السلام، أو قل للبيت الهاشمي.
أورد الطبراني والهيثمي عن عبد الله بن مسعود قوله : (قلت : يا رسول الله، ألا تستخلف أبا بكر، فأعرض عيني، فرأيت أنه لم يوافقه، فقلت : يا رسول الله، ألا تستخلف عمر، فأعرض عني، فرأيت أنه لم
ص: 52
يوافقه ، فقلت : يا رسول الله، ألا تستخلف علياً - عليه السلام -، قال : «ذاك والذي لا إله إلا هو، إن بایعتموه وأطعتموه أدخلكم الجنة أكتعين»)(1). وهذا من الوثائق المهمة النافية لوجود النص على أبي بكر بل المصرحة بعدمه.
روی ابن مزاحم المنقري وابن أبي الحديد المعتزلي کتاب معاوية بن أبي سفيان إلى محمد بن أبي بكر، وفيه : (من معاوية بن أبي سفيان، إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر... فقد أتاني كتابك، تذكر فيه ما الله أهله في قدرته وسلطانه، وما اصطفی به نبيه، مع كلام ألفته ووضعته، لرأيك فيه تضعيف، ولأبيك فيه تعنيف، ذكرت حق ابن أبي طالب وقديم سابقته، وقرابته من نبي الله ونصرته له، ومواساته إياه، في كل خوف وهول... فقد كنا وأبوك معنا في حياة نبينا، نرى حق ابن أبي طالب لازماً لنا، وفضله میرزاً علينا... فكان أبوك وفاروقه، أول من ابتره وخالفه، على ذلك اتفقا واتسقا، ثم دعواه إلى أنفسهما فأبطأ
ص: 53
عنهما، وتلكأ عليهما، فهما به الهموم، وأرادا به العظيم... ثم أقاما بعدهما ثالثهما عثمان بن عفان، يهتدي بهديهما، ويسير بسيرتهما... أبوك مهد له مهاده، وبني ملکه وشاده، فإن يكن ما نحن فيه صواباً فأبوك أوله، وإن يكن جوراً؛ فأبوك أسه ونحن شركاؤه، فبهديه أخذنا، وبفعله اقتدينا، رأينا أباك فعل ما فعل، فاحتذينا مثاله، واقتدينا بفعاله، فعب أباك بما بدا لك، أو دع)(1).
وهذه الوثيقة التاريخية تشتمل على جملة من الحقائق المهمة التي تتعلق بالبحث عن الإمامة، منها : وجود مؤامرة كبيرة يدبرها الحزب القرشي لإقصاء أهل البيت عليهم السلام عن حقهم المشروع في الخلافة، كما ألمحنا إلى ذلك في السطور الماضية.
ومنها : نفي النص عن أبي بكر وعمر، وهو ما أردنا بيانه .
ومنها : أن الذي أوصل عثمان إلى دفة الحكم أنما هو أبو بكر وعمر
وغيرها من الحقائق المهمة، والتي يجدها المتدبر في طيات الكتاب.
ص: 54
انتهينا إلى هنا إلى بيان المراد من الإمامة والخلافة ثم أشرنا إلى وجود منهجين في الحكم، وهما منهج الشورى ومنهج النص(1)، وقد فرغنا من بطلان منهج الشورى في الحكم ولم يتبق إلا منهج النص الذي يقول به الشيعة الإمامية، وقبل الانتقال إلى بيان النص على إمامة علي عليه السلام أبطلنا النص المدعي على خلافة أبي بكر.
ص: 55
ص: 56
وفيه مبحثان :
المبحث الأول : بیان بعض روایات حديث المنزلة وطرقه
المبحث الثاني : ذكر السبب في بيان طرق الحديث وتصحيحها
ص: 57
ص: 58
يعد حديث المنزلة الشريف - وهو قول رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام : « أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» - واحداً من عشرات الآيات والأحاديث التي يستدل بها الشيعة على إثبات إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ووجوب طاعته، وكونه الخليفة المنصوص عليه من قبل الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله، وقد أكثر الشيعة في الكلام عن هذا الحديث، وجاءوا بمصنفاتٍ أنيقة، تشفي غليل الباحث عن الحقيقة، ولكننا سوف نحاول بهذه العجالة أن نسلك منهجاً جديداً في البحث عن العقائد، معتمدين فيه على استعراض وتحليل ما ورد في المصادر السنية مما يتعلق بحديث المنزلة؛ لإثبات إمامة أمير المؤمنين عليه السلام من خلال الاعتماد على المصادر والآراء السنية نفسها؛ لما عرفت من أن ذلك أبلغ في الرد، وأقوى في
ص: 59
میدان الاحتجاج والخصام، فنقول - وبالاتكال على الله سبحانه -:
هذا الحديث الشريف من الأحاديث التي تحظى بدرجةٍ عاليةٍ من القبول عند أبناء السنة؛ لوروده في أمهات الصحاح السنية، وبطرق متعددة، نص أهل العلم منهم على صحتها، بل على تواترها، حتى أصبح القول بصحته وتواتره من الأمور المفروغة، ولعل هذه الدعوى لا ترقى إلى رتبة القبول عند القارئ اللبيب إلا أن تكون مدعومة بالأدلة القاطعة والبراهين الواضحة والوثائق القاطعة، لذا نرى لزاماً علينا أن نستعرض رواياته في المصادر السنية، ونشير على نحو الإجمال إلى أسانيدها، مع إيراد كلمات علماء السنة بشأنها، ليرى القارئ متانة الأدلة وقوة الحجة التي يعتمد عليه الشيعة الإمامية - أعلى الله كلمتهم - في إثبات إمامة أئمتهم عليهم السلام.
ص: 60
أخرج أصحاب الصحاح والمسانيد السنية حديث المنزلة بطرقٍ كثيرةٍ وألفاظٍ عديدة، نشير إلى بعض تلك الطرق والأسانيد إشارة مقتضبةً، مقتصرين على ما فيه الكفاية والبغية :
روي حديث المنزلة عن سعد بن أبي وقاص بعدة طرق، من أصحها إسناداً:
وابن عساكر في تاريخ دمشق، من طريق شعبة، عن سعد، قال : سمعت إبراهيم بن سعد، عن أبيه، قال : - واللفظ للبخاري - : (قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى»)(1).
والحديث لا يحتاج إلى البحث عن وثاقة رجاله وإثبات صحته وفق المباني السنية؛ لوردوه في الصحيحين، وقد أجمع أهل السنة على صحة ما فيهما، واعتبار رواياته كلها قطعية(2).
ص: 62
أخرج البخاري ومسلم(1) في الصحيحين، وابن حجر في تغليق التعليق، والمقريزي في إمتاع الأسماع، والقندوزي الحنفي في ينابيع المودة، عن شعبة، عن الحكم، عن مصعب بن سعد، عن أبيه - واللفظ للبخاري - : (إن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج إلى تبوك واستخلف علياً، فقال : «أتخلفني في الصبيان والنساء؟»، قال : «ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس نبي بعدي»)(2)، والحديث کسابقه من الأحاديث الصحيحة القطعية.
ص: 63
أخرج مسلم في صحيحه بإسناده عن سعيد بن المسيب عن عامر ابن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال : (قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي: « أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي»، قال سعيد : فأحببت أن أشافه بها سعداً، فلقيت سعداً، فحدثته بما حدثني عامر، فقال : أنا سمعته، فقلت : أنت سمعته؟ فوضع إصبعيه على أذنيه ، فقال : نعم، وإلا فاستكتا)(1).
وأخرجه مسلم أيضاً في صحيحه، والنسائي(2) في خصائص أمير
ص: 64
المؤمنين عليه السلام، وأبو يعلى الموصلي في مسنده، والخوارزمي في المناقب، وابن عساكر في تاريخ دمشق، وابن الأثير في أسد الغابة، من طریق بکیر بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال : ما منعك أن تسب أبا التراب(1)؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً، قالهن له رسول الله صلى الله عليه وآله فلن أسبه، لأن تكون لي واحدةٌ منهن أحب إلي من حمر النعم؛ سمعت
ص: 65
رسول الله صلى الله عليه وآله يقول له - [وقد] خلفه في بعض مغازيه ، فقال له علي : يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : « أَمَّا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّهُ لَا نُبُوَّةِ بَعْدِي ...»(1)
وأخرجه الترمذي(2) في صحيحه، ثم أعقبه بقوله : (هذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه)(3).
ص: 66
أخرج ابن ماجة في سننه، وابن أبي شيبة في مصنفه، وعمرو بن عاصم في كتاب السنة، وابن كثير في البداية والنهاية، والقندوزي الحنفي في ينابيع المودة، من طريق موسی بن مسلم، عن ابن سابط - وهو عبد الرحمن - عن سعد بن أبي وقاص، قال : قدم معاوية في بعض حجاته، فدخل عليه سعدٌ، فذكروا علياً، فنال منه.
فغضب سعدٌ، وقال : تقول هذا الرجل سمعت رسول الله صلی الله عليه وآله يقول : « مِنْ کنت مَوْلَاهُ فَعَلِيُّ مَوْلَاهُ»، وسمعته يقول : « أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي»، وسمعته يقول : « لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ الْيَوْمَ رَجُلًا ، يُحِبُّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ ...(1).
والحديث صحيح كما نص الألباني على ذلك وصرح به في هامش سنن أبي داود(2).
ص: 67
أخرج أحمد بن حنبل من طريق الجعيد بن عبد الرحمن، عن عائشة بنت سعد، عن أبيها : (أن علياً - عليه السلام - خرج مع النبي صلى الله عليه وآله حتى جاء ثنية الوداع وعلي - عليه السلام - يبكي، [و] يقول : « تُخْلِفَنِي مَعَ الْخَوالِفِ»(1)؟ فقال : « أَوْ مَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ، إِلَّا النُّبُوَّةِ»)(2).
وتعقبه شعيب الأرنؤوط، قائلاً : (إسناده صحيح على شرط البخاري)(3).
وأخرجه الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية، وقال : (هذا إسناد صحيح أيضاً، ولم يخرجوه، وقد رواه غير واحدٍ عن عائشة بنت سعد
ص: 68
عن أبيها)(1).
وقال الألباني : (قلت : وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري)(2).
أخرج أحمد بن حنبل عن طريق علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، قال : (قلت لسعد بن مالك : إني أريد أن أسألك عن حديث وأنا أهابك أن أسألك عنه، فقال : لا تفعل يابن أخي، إذا علمت أن عندي علماً فسلني عنه ولا تهبني، قال : فقلت قول رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي - عليه السلام -، حين خلفه بالمدينة في غزوة تبوك، فقال سعد : خلف النبي صلى الله عليه وآله علياً - عليه السلام - بالمدينة في غزوة تبوك فقال : « يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَتُخْلِفَنِي فِي الخالفة فِي النِّسَاءِ وَ الصِّبْيَانِ» ؟! فقال : « أَمَّا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى»؟ قال : «بلى يا رسول الله»، قال : فأدبر علي مسرعاً كأني أنظر إلى غبار قدميه يسطع...)(3).
ص: 69
وأخرجه النسائي عنه، قال : (سألت سعد بن أبي وقاص : فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لعلي: « أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ، إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مَعِيَ أَوْ بَعْدِي نَبِيٍّ »؟! قال : نعم، سمعته، قلت : أنت سمعته؟ فأدخل أصبعيه في أذنيه، قال : نعم، وإلا فاستكتا)(1).
وأخرجه الطبراني بسنده عن علي بن حسين، قال : حدثني سعيد بن المسيب، أن سعد بن أبي وقاص حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى»(2).
أخرج أحمد بن حنبل بسنده عن عمرو بن میمون، أنه سمع ابن عباس في حديث طويل، جاء فيه : (وخرج بالناس في غزوة تبوك، قال [أي ابن عباس] : فقال له علي : «أخرج معك»، قال : فقال له نبي الله : لا، فبكى علي، فقال له : « أَمَّا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ ، إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ أَذْهَبَ إِلَّا وَ أَنْتَ خَلِيفَتِي»،
ص: 70
قال : وقال له رسول الله: «أَنْتَ وَلِيِّي فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي»)(1).
وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد، ثم تعقبه بقوله : (رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط باختصار، ورجال أحمد رجال الصحيح غير أبي بلج الفزاري وهو ثقة، وفيه لين)(2).
وقال في مورد آخر : (رواه البزار والطبراني، إلا أنه قال : أنت مني بمنزلة هارون، ورجال البزار رجال الصحيح غير أبي بلج الكبير، وهو ثقة)(3) .
وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق، والطبراني في المعجم الكبير، وابن حجر في الإصابة، وابن كثير البداية والنهاية، والموفق الخوارزمي في المناقب، وابن الدمشقي في جواهر المطالب، وغيرهم، عن عمرو بن میمون، قال - واللفظ لابن عساکر - : (كنا عند ابن عباس فجاءه تسعة رهط(4)، فقالوا : يابن عباس، إما أن تقوم، وإما يخلونا هؤلاء، قال : فقال ابن عباس : بل أقوم معكم، قال : وهو يومئذٍ صحيح قبل أن
ص: 71
يعمي، قال : فابتدأوا فتحدثوا، فلا يدري ما قالوا، قال : فجاء ينفض ثوبه ويقول : أف وتف، وقعوا في رجلٍ له عشر، وقعوا في رجلٍ قال له النبي صلى الله عليه وآله : « أَمَّا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ، إِلَّا أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ ، إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ أَذْهَبَ إِلَّا وَ أَنْتَ خَلِيفَتِي»، قال : وقال له : « أَنْتَ وَلِيَّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي...»)(1) .
ورواه الألباني مختصراً في كتابه (ظلال الجنة في تخريج السنة لابن أبي عاصم)، وقال في تقييم إسناده : بأنه حديث (حسن)(2).
وأخرجه الحاكم في مستدرکه وصححه؛ حيث قال عقبه : (هَذَا حَدِيثُ صَحِيحِ الْإِسْنَادِ، وَ لَمْ یُخَرِّجَاهُ هَذِهِ السِّيَاقَةُ)(3).
وأخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السنة، بسنده إلى عمرو بن میمون، عن ابن عباس، وفيه : (قال رسول الله لعلي: «أنت مني
ص: 72
بمنزلة هارون من موسى، إلا أنك لست نبيا، وأنت خليفتي»)(1) .
أخرج الطبراني في معجمه الكبير، وابن سعد في طبقاته الكبرى، وابن عساكر في تاريخ دمشق، عن ميمون أبي عبد الله، عن البراء بن عازب، وزيد بن أرقم - واللفظ للطبراني - : (أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم قال لعلي - حين أراد أن يغزو -: « إِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ تُقِيمَ أَوْ أُقِيمُ»، فخلفه، فقال ناس : ما خلفه إلا لشيء كرهه، فبلغ ذلك علياً، فأتى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فأخبره، فتضاحك، ثم قال : « يَا عَلِيُّ ، أَمَّا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ، إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيَّ بَعْدِي»)(2).
وأخرجه عنه أيضاً بطريق آخر مختصراً(3)
وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد، ثم تعقبه بقوله : (رواه الطبراني بإسنادین، في أحدهما میمون، أبو عبد الله البصري، وثقه ابن حبان،
ص: 73
وضعفه جماعة، وبقية رجاله رجال الصحيح)(1).
أخرجه الإمام أحمد في مسنده وابن عساكر في تاريخ دمشق، من طريق فضيل بن مرزوق، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري، قال : (قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لعلي : «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي»)(2).
وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد، قال : ورواه أحمد والبزار، إلا أنه قال : (إن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم قال لعلي في غزوة تبوك: «خلفتك في أهلي»، قال علي : يا رسول الله، « إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ تَقُولَ الْعَرَبِ : خَذَلَ ابْنُ عَمِّهِ وَ تَخَلَّفَ عَنْهُ»، قال : « أَمَّا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي»، ثم تعقبه بقوله :
(وفيه عطية العوفي، وثقه ابن معين، وضعفه أحمد وجماعة، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح))(3).
ص: 74
أقول : وقول الهيثمي في التعقيب على الحديث لا يخلو من التعسف، خصوصاً قوله : (وضعفه أحمد)، وكأنه أراد توهين الخبر، ولكن الحقيقة شيء آخر، ولمعرفتها لا بد من عرض كلمات وآراء علماء الجرح والتعديل بشأن عطية العوفي، فنقول :
وهو عطية بن سعد جنادة بضم الجيم العوفي الجدلي الكوفي، روی له الترمذي في صحيحه، وأحمد بن حنبل في مسنده، وابن ماجة في سننه، والبيهقي في سننه، والطبراني في المعجم الأوسط والكبير، والدراقطني في سننه، وغيرهم، قال العباس بن محمد الدوري : (قيل ليحيى بن معين : كيف حديث عطية ؟ قال : صالح)(1)، وقال ابن حجر : (عطية بن سعد... صدوق)(2)، وقال ابن سعد : (كان ثقة إن شاء الله ، وله أحاديث صالحة)(3)، وقال أبو بكر البزار : (روى له أكثر الناس)(4).
فقول الهيثمي : (وضعفه أحمد) لا أظنه دقيقاً، سيما وأن الإمام
ص: 75
أحمد كان قد شرط ألا يخرج في مسنده حديثاً إلا عمن ثبت عنده صدقه، وديانته، دون من طعن في أمانته(1)، قال أبو موسى : (ومن الدليل على أن ما أودعه مسنده احتاط فيه إسناداً و متناً، ولم يورد فيه إلا ما صح عنده، ضربه على أحاديث رجال ترك الرواية عنهم في غير المسند)(2).
وأخرج له الإمام ابن خزيمة في صحيحه - الذي أسماه المسند الصحيح المتصل بنقل العدل عن العدل من غير قطع في السند ولا جرحٍ في النقلة - حديثاً، في حال (أن حكم الأحاديث في كتاب ابن خزيمة - كما يقول ابن حجر -... صلاحية الاحتجاج بها، لكونها دائرة بين الصحيح والحسن...)(3).
إن السبب الوحيد الذي تمسك به من ضعف عطية العوني على الرغم من وثاقته وجلالة قدره، هو - على ما قاله ابن حبان وغيره - ما زعم من أنه لما مات أبو سعيد الخدري جعل يجالس الكلي ويحضر قصصه، فإذا قال الكلبي : قال رسول الله كذا، فيحفظه، وكناه أبا سعيد،
ص: 76
ويروي عنه، فإذا قيل له من حدثك بهذا؟ فيقول : حدثني أبو سعيد ، فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري وإنما أراد الكلبي، وهذا نص كلام ابن حبان : (... سمعت أبا خالد الأحمر يقول : قال لي الكلبي : قال لي عطية : كنيتك بأبي سعيد، فأنا أقول : حدثني أبو سعيد)(1).
وهكذا زعم الكلبي أن عطية كناه بأبي سعيد فوهم الناس لذلك، وعليه فحكاية الكلبي هي أصل تضعیف عطية العوفي.
وهذا الذي اعتمدوا عليه لا يخلو من نظر، بل لا ينهض كحجةٍ على تضعيفه، وهو مع كونه عارياً عن الدليل، فإنهم لم يذكروا ما يؤيد مقالتهم، ويقيم صلب مستندهم، ولو كان ثمة شيء لذكروه وتمسكوا به ، فوقعت هذه الحكاية في أيدي المتأخرين، من الذين دأبوا على تقليد الماضين دون أن يكلفوا أنفسهم مؤونة البحث والتحقيق، فأدرجوها إدراج المسلمات، فحصل التوارد على الخطأ، وكم لهذا من نظائر في كتب الرجال.
ثم لو فرضنا بأن عطية كنى الكلبي بأبي سعيد فاشتبه الأمر على الناس، فما ذنب عطية في ذلك؟ وقد تنبه لهذا الخطأ بعض الحفاظ، منهم :
الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلي في شرح علل الترمذي، فإنه بعد أن نقل أصل الحكاية عن العلل قال ما نصه : (ولكن
ص: 77
الكلبي لا يعتمد على ما يرويه) (1)، فلو قال شيئا ينبغي أن لا يتابع عليه، وبناء على ذلك ينبغي القدح في أصل الحكاية التي نسبها الكلبي إلى عطية، لا أن يقدح بوثاقة عطية بالاعتماد على الكلبي الذي - كما قيل - لا يعتمد على ما يرويه.
الحافظ أحمد بن الصديق الغماري، فقال في الهداية في تخريج أحاديث البداية في أثناء كلامه عن عطية العوفي : (وإنما نقلوا عنه التدليس في حكاية ما أراها تصح مع الكلي)(2)، أي فلا أصل لتلك الحكاية إنما هي مختلقة ممن لا تروق له روايات عطية.
ثم إن الإمام أحمد بن حنبل قد خرج له العديد من الأحاديث منها هذا الحديث، وقد عرفت شرطه في تخريج الأحاديث، فإنه كان قد شرط ألا يخرج في مسنده حديثا إلا عمن ثبت عنده صدقه، وديانته، دون من طعن في أمانته (3)، قال ابن تيمية : (شرط أحمد في المسند أقوى من شرط أبي داود في سننه، وقد روى أبو داود عن رجال أعرض عنهم في المسند). (4)
ص: 78
تبين إلى هنا أن ماذكر من التضعيف بشأن عطية ليس في محله، وأن حديث أبي سعيد الخدري سالم من القدح، وهو حديث معتبر.
أخرجه أحمد بن حنبل في المسند، والنسائي في فضائل الصحابة والسنن الكبرى وخصائص أمير المؤمنين عليه السلام، وابن عساكر في تاریخ دمشق، والمزي في تهذيب الكمال، عن موسی الجهني، قال - واللفظ لأحمد-: دخلت على فاطمة بنت علي، فقال لها رفيقي أبو سهل :كم لك؟ قالت : ست وثمانون سنة، قال : ما سمعت من أبيك شيئا؟ قالت : حدثتني أسماء بنت عمیس : (أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم قال لعلي : « أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ، إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بَعْدِي نَبِيٍّ »)(1).
وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد، وتعقبه قائلا : (رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح غير فاطمة بنت علي، وهي ثقة) (2).
ص: 79
فرجال الحديث هم رجال الصحيح، ما عدا فاطمة بنت علي، وقد وثقها القوم، لذا نص الأرنؤوط على صحة إسناد الحديث، بقوله :(وإسناده صحيح، رجاله ثقات، رجال الصحيح غير فاطمة بنت علي، وهو ابن أبي طالب). (1)
أخرج ابن مردويه الأصفهاني في المناقب، والمتقي الهندي في كنز العمال، والحاكم النيسابوري في المستدرك، واللفظ له (عن الحسن بن سعد مولى علي، عن علي - عليه السلام -: « إِنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَرَادَ أَنْ يَغْزُوَ غَزَاةِ لَهُ ، قَالَ . . . فَدَعَانِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ فَعَزَمَ عَلِيٍّ لَمَّا تَخَلَّفْتُ ، قَبْلَ أَنْ أَتَكَلَّمَ ، قَالَ : فَبَكَيْتُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : مَا يُبْكِيكَ يَا عَلِيُّ ؟ قِلَّةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، يُبْكِينِي خِصَالٍ غَيْرَ وَاحِدَةً ؛ تَقُولُ قُرَيْشُ غَداً : مَا أَسْرَعَ مَا تَخَلَّفَ عَنِ ابْنُ عَمِّهِ وَ خَذَلَهُ ، وَ يُبْكِينِي خَصْلَةً أُخْرَى ؛ كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَتَعَرَّضُ لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ :[وَ لَا يطوون مَوْطِناً يَغِيظُ
ص: 80
الْكُفَّارَ وَ لا يَنالُونَ مِنْ عدونيلا ] إلى آخر الآية، فكنت أريد أن أتعرض لفضل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما قولك: تقول قريش ما أسرع ما تخلف عن ابن عمه وخذله، فإن لك بي أسوة، قد قالوا : ساحر وكاهن وكذاب، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي... فإن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك»، ثم قال : (هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه).(1)
أقول: والحديث له شواهد كثيرة، منها ما رواه الهيثمي في مجمع الزوائد، عنه عليه السلام قال : ( وَ عَنْ عَلِيِّ : « أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [ وَ آلِهِ ] وَ سَلَّمَ قَالَ : خلفتك أَنْ تَكُونَ خَلِيفَتِي ، قَالَ : أَ تَخَلَّفَ عَنْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ ! قَالَ : أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ، إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي ».رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح).(2)
ص: 81
إلى هنا أثبتنا صحة حديث المنزلة - بالقطع واليقين - وفق المباني السنية، وأوردنا بعض الوثائق القاطعة والحجج الدامغة من كلام أكابر علماء أهل السنة والمبرزين بالفضل عندهم بشأن تصحيح حديث المنزلة، وكان بإمكاننا الاكتفاء بتخريج حديث واحد وإثبات صحته، ولكننا أسهبنا في ذلك الأمرين أساسيين :
إن بعض من أعيته الحيلة في رد الحديث، أراد أن يستر شمس الحقيقة بكفه، فجانب الإنصاف ونطق بالإجحاف، وقال بملء فيه بأن حديث المنزلة ليس بصحيح، وإليك كلامه لتقف على رزية الإسلام، ومدی إجحاف البعض بحق أهل البيت عليهم السلام، قال القاضي الجرجاني في شرح المواقف : (قال الآمدي : الوجه الثاني من وجهي الاستدلال بهذا
ص: 82
الحديث هو أن من جملة منازل هارون بالنسبة إلى موسى إنه كان شريكا له في الرسالة، ومن لوازمه استحقاق الطاعة بعد وفاة موسى لو بقي، فوجب أن يثبت ذلك لعلي، إلا أنه امتنع الشركة في الرسالة فوجب أن يبقى مفترض الطاعة على الأمة بعد النبي صلى الله عليه وآله عملا بالدليل بأقصى ما يمكن)، ثم قال : (الجواب : منع صحة الحديث، كما منعه الآمدي، وعند المحدثين إنه صحيح، وإن كان من قبيل الآحاد).(1)
في حال أن الحديث صحيح بأكثر طرقه، ولم نورد إلا شيئا يسيرا من طرقه، ويكفيه قوة واعتبارا : وروده في الصحيحين بأكثر من طريق، وإنما ركزنا على الصحيحين لما قاله ابن خلدون في تاريخه : (ومن أجل هذا قيل في الصحيحين بالإجماع على قبولهما من جهة الإجماع على صحة ما فيهما من الشروط المتفق عليها فلا تأخذك ريبة في ذلك)(2)، وقال الدهلوي : (أما الصحيحان فقد اتفق المحدثون على أن جميع ما فيهما من المتصل المرفوع صحيح بالقطع، وإنهما متواتران إلى مصنفيهما، وإن كل من يهون أمرهما فهو مبتدع متبع غير سبيل المؤمنين) (3)
ص: 83
وقال الإمام النووي : (اتفقت الأمة على أن ما اتفق البخاري ومسلم على صحته فهو حق وصدق... وإنما يفترق الصحيحان وغيرهما من الكتب في كون ما فيهما صحيحا لا يحتاج إلى النظر فيه بل يجب العمل به مطلقا، وما كان في غيرهما لا يعمل به حتى ينظر وتوجد فيه شروط الصحيح)(1).
فكيف بعد ذلك يصح القول بعدم صحة حديث المنزلة؟ لا أعتقد أن أحدا من أهل السنة يجازف بمثل هذا القول، إلا من أعماه التعصب البغيض، وهاج في قلبه الحقد الأسود على أهل بيت النبوة وموضع الرسالة عليهم الصلاة والسلام.
ثم إن مما يثير العجب والاستغراب، ولا يجد له الباحث تبريرا، هو قوله : (والجواب : منع صحة الحديث ... وعند المحدثين أنه صحيح)، فما أدري ما هو الميزان الذي جعله يمنع صحة الحديث، إذا كان عند المحدثين صحيح؟ أليس في هذا القول توهين للصحيحين؟ الذين قال فيهما الدهلوي في كلامه الآنف : (إن كل من يهون أمرهما فهو مبتدع متبع غير سبيل المؤمنين).
ص: 84
طالما يحاول البعض أن يقدح بكل ما يمت لأهل البيت عليهم السلام بصلة، وهذا أمر معهود منذ الزمن الغابر وحتى يومنا هذا، حتى ادعي بعضهم معارضة حديث المنزلة بحديث مكذوب مفتری، رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، ونصه : (أخبرنا الطاهري، أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن بن علي بن زكريا الشاعر، حدثنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، حدثنا بشر بن دحية، حدثنا قزعة بن سوید، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وآله قال : (أبو بكر وعمر مي بمنزلة هارون من موسى))(1).
ولعمري فإن هذا الحديث من الأحاديث التي تفوح منه رائحة الافتراء، وتبدو عليها أمارات الكذب، لكون سنده ومتنه في غاية السقوط، وإليك نظرة عابرة وسريعة في بعض رجال سنده :
أما ابن أبي مليكة، فقد قال فيه ابن حجر في تهذيب التهذيب : (كان قاضيا لابن الزبير ومؤذنا له )(2)، ومنه يعرف حاله، ومدى انحرافه
ص: 85
عن أهل البيت عليهم السلام، فأقل ما يمكن أن يتوقع منه هو التشويش على فضائلهم والقدح بمناقبهم، ثم لو كان شرط المناقب أن تؤخذ من المنحرفين عن أصحابها لما بقي في دنيا الفضائل منها شيء.
وهو قزعة بن سوید بن حجير الباهلي البصري، قال عنه البخاري : (ليس بذاك القوي)(1).
وقال النسائي : (قزعة بن سوید بن حجير ضعيف بصري) (2).
وعده العقيلي من الضعفاء، قال : (حدثني آدم، قال سمعت البخاري قال : قزعة بن سوید بن حجير الباهلي بصري ليس بذاك ، حدثنا محمد بن عیسی، حدثنا عباس بن محمد، قال : سمعت يحيى بن معين، يقول : قزعة بن سوید ضعیف)(3).
وقال الرازي : (قال أحمد بن حنبل : قزعة بن سويد مضطرب الحديث... سئل يحيى بن معين عن قزعة بن سوید، فقال : ضعيف).(4)
ص: 86
وأدرجه ابن حبان في المجروحين، وقال : (كان كثير الخطأ، فاحش الوهم، فلما كثر ذلك في روايته سقط الاحتجاج بأخباره، أخبرنا مکحول قال : سمعت جعفر بن أبان يقول : سألت يحيى بن معين عن قزعة بن سوید، فقال : ليس بشيء) (1).
وذكره ابن عدي في الكامل في الضعفاء (2).
وقال ابن الجوزي : (قال أحمد بن حنبل : قزعة بن سوید مضطرب الحديث، وقال ابن حبان : كان كثير الخطأ، فاحش الوهم، فلما كثر ذلك في روايته سقط الاحتجاج بخبره) (3).
وقال أبو عبيد الآجري : (سألت أبا داود عن قزعة بن سوید، قال : ضعيف، كتبت إلى العباس العنبري أسأله عنه، فكتب إلى أنه ضعيف، وقال النسائي : ضعيف)(4).
وقال البزار : (لم يكن بالقوي ... وعن أحمدقال : هو شبه المتروك، ذكره الأثرم) (5).
ص: 87
ولا يختلف حال بقية رجال سند الحديث عن قزعة بن سوید، لذا قال ابن حجر في ترجمة بشر: (بشر بن دحية عن قزعة بن سويد وعنه محمد بن جرير الطبري، ضعفه المؤلف في ترجمة عمار بن هارون المستملي في أصل الميزان) (1).
قال الذهبي - بعد أن أورد حديثه، الآنف الذكر -: (هذا كذب، وهو من بشر... وقزعة ليس بشيء) (2).
ومن خلال هذه الكلمات تعرف قيمة الرواية، وسقوطها عن درجة الاعتبار، فضلا عن أهليتها للاحتجاج، أو صلاحيتها لمعارضة حديث المنزلة الصحيح المتواتر.
بالإضافة لما نقلناه من قدح العلماء برجال سند الحديث، فقد توالت كلمات جماعة من أهل العلم وتضافرت على تكذيب الحديث ، ومن أقوال هؤلاء:
ص: 88
فإنه بعد أن ساق الحديث بسنده، قال : (هذا حديث لا يصح، والمتهم به الشاعر، وقد قال أبو حاتم الرازي : لا يحتج بقزعة بن سوید : وقال أحمد : هو مضطرب الحديث (1).
قال في ترجمة الشاعر : (علي بن الحسن بن علي بن زكريا الشاعر، عن محمد بن جرير الطبري بخبر كذب، هو المتهم به، متنه : أبو بكر مني بمنزلة هارون من موسی)، ثم قال : (قال الخطيب في تاريخه :... حدثنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري حدثنا بشر بن دحية... فشيخ الطبري ما عرفته، فيجوز أن يكون هو المفتري، وقد قدمت كلام المؤلف فيه في ترجمته). (2)
عده من الأحاديث المنكرة، إذ قال في ترجمة قزعة بن سوید : (وله حديث منكر عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، مرفوعا) (3)، ثم ساق
ص: 89
الحديث، وقال في موضع آخر على ما نقله صاحب لسان المیزان : (هذا كذب، وهو من بشر) (1).
لا أدري ماذا أقول بعد هذا العرض المقتضب، فإني لآنف بالقلم أن ينزل إلى مستوى تلك الأكاذيب والافتراءات، التي لا يشك من له أدني نصيب من العلم بكذبهما واختلاقها بقصد التشويش على حديث المنزلة الصحيح المتواتر، ولم أكن أروم دفع المعارضة الموهومة، فإنها أوهن من بيت العنكبوت، وأئى للتراب أن يقاس بالتبر، وأين الثرى من الثريا، وإنما أردت أن أفتح للقارئ الكريم نافذة ليرى من خلالها شدة التحامل على أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومهبط الوحي والتنزيل عليهم السلام، وكيف أن أعداءهم سخروا الأقلام المأجورة لا للنيل منهم عليهم السلام فحسب، بل من أجل طمس معالم الدين، وتفریق كلمة المسلمين، والعبث بتراث الرسالة الخالدة، ضمن مخطط مدروس، يهدف إلى إقصاء الزعماء الحقيقين للإسلام وإبعادهم عن مسرح الحياة القيادية، ومن ثم التشوش على فكرهم الأصيل وإبعاده عن مسرح الحياة
ص: 90
الاجتماعية والسياسية، وما هذا الحديث المفترى إلا حلقة من ذلك المسلسل الذي لم ينته، وخطوة من ذلك المخطط، ولكنهم أقل من ذلك لأنهم «يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ»(1)
وبهذا العرض الموجز أصبح من الواضح جدا أن حديث المنزلة مما يقطع بصدوره عن قدیس الرسالة الأعظم، وأمين الوحي الأكمل صلی الله عليه وآله، كيف لا؟ وقد تضافرت بنقله الصحاح السنية، وأدرجه كبار المحدثين في أمهات مصنفاتهم إدراج المسلمات، بطرق كثيرة، وأسانید صحيحة، عن الثقات من الرواة.
وعليه فيمكن القول - وبكل اطمئنان - إن حديث المنزلة ما يقطع بصدوره وتواتره وصحته، إذ رواه أكثر من عشرين صحابيا، وما ينيف عليهم عددا من التابعين، وهكذا في مختلف الطبقات.
وقد تتبع الهيثمي الكثير من رواياته وطرقه، وكذا فعل ابن عساکر، حتى عدَّ من رواته ما ينيف على عشرين صحابيا، قال : (وقد
ص: 91
روى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم جماعة من الصحابة منهم: عمر، وعلي، وابن عباس، وعبد الله بن جعفر، ومعاوية، وجابر بن عبد الله، وجابر بن سمرة، وأبو سعيد، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وزيد بن أبي أوفي، ونبيط بن شريط، وحبشي بن جنادة، ومالك بن الحويرث، وأنس بن مالك، وأبو الفضل، وأم سلمة، وأسماء بنت عمیس، وفاطمة بنت حمزة)(1)
وقال الإمام الصالحي الشامي : (هو حديث متواتر عن نيف وعشرين صحابيا، واستوعبها الحافظ ابن عساكر عن نحو عشرين ورقة)(2)
ص: 92
أولا : حادثة المؤاخاة
ثانيا : فتح خیبر ثالثا : المناسبات المتفرقة
ص: 93
ص: 94
من خلال متابعة طرق الحديث يقف القارئ على حقيقة كبرى، تمثل محورا أسياسيا يدور عليه فهم حديث المنزلة الشريف، وهي تعدد المناسبات التي قيل فيها، فليس الأمر كما يصوره البعض ممن يصطاد في المياه العكرة، ويلبس الحق بالباطل، محاولا قصر الحديث على غزوة تبوك، بغية التمهيد للقول : بأن النبي صلى الله عليه وآله إنما خلف عليا عليه السلام على المدينة كما خلف غيره من الصحابة في غزواته الأخرى، لينتزع بذلك مأثرة عظيمة من مآثر بطل الإسلام، ويستلب منه منقبة كبيرة، تمثل مفصلا أساسيا في بيان الأسرار وراء حركة الصراع الفكري والعقائدي الذي احتل مساحة كبيرة من الجدل بين أبناء الطوائف الإسلامية المختلفة منذ العصور الغابرة وحتى يومنا هذا، فإنه وإن كان النبي صلى الله عليه وآله يخلف في كل غزوة من ينوب عنه
ص: 95
الإدارة شؤون المدينة، وتدبير أمورها، ولكن ليس كل من خلفه عليها أثبت له منزلة هارون من موسى، كما أن ليس كل من خلفه لا تصلح المدينة - أو قل : أمور المسلمين - إلا به أو بالنبي صلى الله عليه وآله حصرا، كما هو واضح. فلم يكن المراد من حديث المنزلة استخلافا مؤقتا، ولم تكن دلالته منحصرة بتلك الحقبة الزمنية المؤقتة.
ومما يدلل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله صرح بهذه المنزلة الأمير المؤمنين عليه السلام وأثبتها له في العديد من المناسبات، ونطق بالحديث في كثير من المواطن، كما صرحت المصادر والروايات السنية العديدة، ونحن نكتفي بالإشارة إلى بعض المناسبات، وعلى سبيل المثال فقط.
ص: 96
حاول جماعة من الذين لا يطيبون لعلي عليه السلام نفسا الإصرار على أن النبي صلى الله عليه وآله لم ينطق بحديث المنزلة إلا حين خلف عليا عليه السلام على المدينة، وفي غزوة تبوك تحديدا، وعليه فإن حديث المنزلة - بناء على هذا التصور القاصر - وإن كانت دلالته على خلافة أمير المؤمنين عليه السلام ظاهرة، ولكنها محدودة بخلو المدينة من النبي صلى الله عليه وآله، وهذا أمر طبيعي جدا، قد اعتاده النبي صلى الله عليه وآله في كل غزواته.
ولكن هذا الكلام يفقد مصداقيته عند إثبات أن النبي صلى الله عليه وآله قد كرر التصريح بحديث المنزلة في مواطن عدة، وليس الحديث مما تفوه به النبي صلى الله عليه وآله في غزوة تبوك فحسب، فقد روی الطبراني(1) في المعجم الكبير، وابن عساكر في تاريخ دمشق، والموفق
ص: 97
الخوارزمي في المناقب، وابن حبان في الثقات، وابن مخلد القرطبي في مرویات الصحابة في الحوض والكوثر، والحافظ ابن بشکوال، والسيوطي في الدر المنثور، والمتقي الهندي في كنز العمال، والزرندي الحنفي في نظم درر السمطين، كلهم عن زيد بن أبي أوفي، أنه قال - واللفظ للطبراني - :(دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله مسجده، فقال : «أين فلان ابن فلان»؟ فلم يزل أعداده ويبعث إليهم، حتى اجتمعوا عنده، فقال : «إني محدثكم بحديث فاحفظوه وعوه، وحدثوا به من بعدكم: إن الله عز وجل اصطفى من خلقه خلقأ»، ثم تلا: «اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ ۚ»(1)«خلقا يدخلهم الجنة، وإني مصطف منكم من أحب أن أصطفية، ومؤاخ بينكم كما أخى الله بين
ص: 98
ملائكة»... [فاخی بين أصحابه ]... فقال علي : «یا رَسُولَ اللَّهِ ، لَقَدْ ذَهَبَ رُوحِي وَ انْقَطَعَ ظَهْرِي حِينَ رَأَيْتُكَ فَعَلْتِ مَا فَعَلْتِ بِأَصْحَابِكَ غَيْرِي ، فَإِنْ كَانَ هَذَا مِنْ سَخِطْةٍ عَلِيِّ فَلَكَ الْعُتْبَى وَ الْكَرَامَةِ ».فقال صلی الله عليه وآله : «وَ الَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ ، مَا أَرَتْكَ إِلَّا لِنَفْسِي ، فَأَنْتَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ، ووارثي».فقال : يا رسول الله، وما أرث منك»؟ قال : «ما أورثت الأنبياء». قال : «وما أورثت الأنبياء قبلك؟ قال :«کتاب الله وسنة نبيهم، وأنت معي في قصري في الجنة مع فاطمة ابنتي ، ورفيقي»ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله الآية :«إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ...»(1).(2)
وهذا الحديث يبطل كلام القائلين بانحصار حديث المنزلة بخصوص غزوة تبوك.
ص: 99
أخرج الموفق الخوارزمي في المناقب، قال : (... حدثني إبراهيم بن عبيد الله بن العلاء، حدثني أبي، عن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال : «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ يَوْمَ فُتِحَتْ خَيْبَرَ : لَولَا أَنْ تَقُولَ فِيكَ طَوَائِفُ مِنْ أُمَّتِي مَا قَالَتِ النَّصَارَى فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، لَقُلْتُ فِيكَ الْيَوْمَ مَقَالًا لَا تَمُرُّ عَلَى مَلَأُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا أَخَذُوا مِنْ تُرَابٍ رِجْلَيْكَ ، وَ فَضْلِ طَهُورِكَ ، يَسْتَشْفُونَ بِهِ ، وَ لَكِنَّ حَسْبُكَ أَنْ تَكُونُ مِنِّي وَ أَنَا مِنْكَ ، ترثني وَ أَرِثَكِ ، وَ أَنْتَ مني بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي ، أَنْتَ تُؤَدِّيَ دِينِي وَ تُقَاتِلْ عَلَى سُنَّتِي ، وَ أَنْتَ فِي الْآخِرَةِ أَقْرَبَ النَّاسِ مني ، وَ أَنْتَ غَداً عَلَى الْحَوْضِ خَلِيفَتِي ، تذود عَنْهُ الْمُنَافِقِينَ ، وَ أَنْتَ أَوَّلُ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ الْحَوْضَ ، وأنتَ
ص: 100
أَوَّلَ دَاخِلِ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي ، وَ إِنْ شِيعَتَكَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ رواء مرويين ، مبيضة وُجُوهِهِمْ حَوْلِي ، اشْفَعْ لَهُمْ فَيَكُونُونَ غَداً فِي الْجَنَّةِ جِيرَانِي ، وَ إِنْ عَدُوِّكَ غَداً ظماء مظمئين ، مُسْوَدَّةُ وُجُوهِهِمْ مقمحين ، حربك حَرْبِي وَ سَلَّمَكَ سِلْمِي ، وَ سِرِّكَ سِرِّي وَ عَلَانِيَتِكَ عَلَانِيَتِي ، وَ سَرِيرَةً صَدْرُكَ كسريرة صَدْرِي ، وَ أَنْتَ بَابُ عِلْمِي ، وَ إِنْ وُلْدِكَ وُلْدِي ، وَ لَحْمُكَ لَحْمِي وَ دَمِكَ دَمِي ، وَ إِنِ الْحَقَّ مَعَكَ وَ الْحَقُّ عَلَى لِسَانِكَ وَ قَلْبِكَ وَ بَيْنَ عَيْنَيْكَ ، وَ الْإِيمَانِ مخالط لَحْمُكَ وَ دَمُكَ كَمَا خَالَطَ لَحْمِي ، وَأَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلٍ أَمَرَنِي أَنْ أُبَشِّرُكَ أَنَّكَ وَ عِتْرَتِكَ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَنْ عَدُوِّكَ فِي النَّارِ ، [ يَا عَلِيُّ ] لَا يُرَدُّ عَلَى الْحَوْضِ مُبْغِضُ لَكَ ، وَ لَا يَغِيبُ عَنْهُ مُحِبُّ لَكَ ، قَالَ : قَالَ عَلِيُّ : فَخَرَرْتُ لَهُ سُبْحانَهُ وتعالی سَاجِداً وَ حَمِدْتُهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيَّ مِنَ الْإِسْلَامِ وَ الْقُرْآنِ ، وَ حَبِّبْنِي إِلَى خَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَ سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله) (1).
أقول : والحديث أخرجه القندوزي الحنفي في ينابيع المودة، والفقيه ابن المغازلي في المناقب، وعمر بن محمد الملا في وسيلة المتعبدين،وغيرهم .(2)
ص: 101
ولا يخفى على الناظر المنصف ما في الحديث من الدرر النظيمة، والمعاني الجليلة، والمناقب الحميدة، وإن من أجلها شأنا وأعلاها رتبة قوله صلى الله عليه وآله: « وَ لَكِنَّ حَسْبُكَ أَنْ تَكُونَ مِنِّي وَ أَنَا مِنْكَ ، ترثني وَ أَرِثَكِ ، وَ أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي »، فهل بعد هذا يبقى شك في شناعة تأويلات المتأولين، وفضاعة تخرصات المتقولين، وتقولات المعاندین؟
ص: 102
حتى اللحظة عرفنا أن حديث المنزلة لم يكن خاصا بغزوة تبوك، أو مؤطرا بإطارها الزماني والمكاني فحسب، وإنما هنالك الكثير من المناسبات التي أكد النبي صلى الله عليه وآله فيها على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام من خلال حديث المنزلة الشريف، وبالإضافة لما ذكرنا سوف نتحف القارئ الكريم بعض الدرر المتفرقة، واللآلئ المنتظمة مما جادت به شفتا رسول الرحمة صلى الله عليه وآله، الأمين على الوحي والرسالة، الذي«وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى»(1).
عليه [وآله] وسلم قال لعلي: «أَمَّا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي»، ثم قال في التعقيب على الحديث : (رواه أبو يعلى، والطبراني، وفي إسناد أبي يعلى محمد بن سلمة بن کھیل، وثقه ابن حبان وضعفه غيره، وبقية رجاله رجال الصحيح)) (1).
وفي ميزان الاعتدال للذهبي، ولسان الميزان لابن حجر، وسبل الهدى والرشاد للإمام الصالحي الشامي (عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : « يَا أُمَّ سَلَّمْة ، إِنَّ عَلِيّاً لَحْمِهِ مِنْ لَحْمِي ، وَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى مِنِّي ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي ».قال ابن عباس : ستكون فتنة، فمن أدركها فعليه بخصلتين : كتاب الله، وعلي بن أبي طالب، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول - وهو آخذ بيد علي - : «هذا أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة،
ص: 104
وهوفاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الظلمة، وهو الصديق الأكبر، وهو خليفتي من بعدي))(1).
وفي مناقب الخوارزمي (عن ابن عباس، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «هذا علي بن أبي طالب، لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي، وقال: يا أم سلمة! اشهدي واسمعي، هذا علي أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وعيب علمي، وبابي الذي أوتي منه، أخي في الدنيا ، وخدني في الآخرة، ومعي في السنام الأعلى)(2).
(نازعت عليا وجعفر بن أبي طالب في شيء، فقلت : والله، ما أنتما بأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله مني، إن قرابتنا لواحدة، وإن أبانا لواحد، وإن أمنا لواحدة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : «...يا عقيل، والله إني لأحبك لخصلتين: لقرابتك، ولحب أبي طالب إياك - وكان أحبهم إلى أبي طالب - وأما أنت يا جعفر، فإن خلقك يشبه خلقي، وأنت يا علي، فأنت مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي»).(1)
ص: 106
أخرج ابن عساکر بإسناده «عن عبد الله بن عباس، قال : سمعت عمر بن الخطاب - وعنده جماعة فتذاكروا السابقين إلى الإسلام - فقال عمر : أما علي فسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول فيه ثلاث خصال : لوددت أن لي واحدة منهن، فكان أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من الصحابة إذ ضرب النبي صلى الله عليه وآله بيده على منكب علي عليه السلام، فقال له : «يَا عَلِيُّ ، أَنْتَ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ إيمانة ، وَ أُوِّلَ الْمُسْلِمِينَ إِسْلَاماً ، وَ أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ».وأخرجه الخوارزمي في المناقب، وابن الدمشقي في جواهر المطالب، والإمام الصالحي الشامي في سبيل الهدى والرشاد، والقندوزي الحنفي في ينابيع المودة، وغيرهم)(1)
ص: 107
أخرج الحافظ ابن مردويه(1) الأصفهاني، بإسناده عن أنس بن مالك، قال : بينا أنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله قال : «الْآنَ يَدْخُلُ سَيِّدِ الْمُسْلِمِينَ ، وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ أَوْلَى النَّاسِ بِالنَّبِيِّينَ »، إذ طلع علي ابن أبي طالب عليه السلام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله يمسح العرق من جبهته ووجهه ويمسح به وجه علي بن أبي طالب عليه السلام، ويمسح العرق من وجه علي عليه السلام ويمسح به وجهه، فقال له علي عليه السلام : «یا رسول الله، نزل في شيء»؟ قال :«أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسی؟! إلا إنه لا نبي بعدي، أنت أخي، ووزيري، وخير من أخلف بعدي، تقضي ديني ، وتنجز وعدي، وتبين لهم ما اختلفوا فيه من بعدي، وتعلمهم من تأويل القرآن ما لم يعلموا ، وتجاهدهم على التأويل، كما جاهدتهم على التنزيل»)(2).
ص: 108
بعد هذه الإطلالة السريعة والمختصرة على المناسبات التي قيل فيها حديث المنزلة الشريف، بإمكاننا أن نجزم - وبضرس قاطع - بأن إصرار النبي صلى الله عليه وآله وتأكيده على التبليغ بحديث المنزلة واستغلال الظروف المناسبة والمواطن الملائمة يؤكد على أن المراد من الحديث الشريف أعلى وأكبر مما حاول البعض بيانه، وليس الاستخلاف المؤقت على المدينة هو المراد أبدا، فإنا لو تنزلنا جدلا، وقلنا بانحصار دلالته على ما في غزوة تبوك، يبقى السؤال عن تفسير الأحاديث التي قيلت في مناسبات أخرى کالمؤاخاة وفتح خيبر وغيرها من المناسبات المتفرقة الأخرى من غير جواب ، فهي من باب السالبة بانتفاء الموضوع، إذ ليس في البين سفر أصلا، كي يقال : إنما استخلفه خلافة محدودة أو مؤقتة، وعليه فكل ذلك يوحي بأن الحديث المنزلة العديد من الدلالات الخطيرة والمضامين الجليلة، والتي من شأنها أن تلعب دورا أساسيا ومحوريا في رسم معالم الحكم والخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله، الأمر الذي يمكن أن يستفاد صراحة من القرائن الكثيرة التي اشتملت عليها ألفاظ الحديث كما سيأتي، وهذا الذي يصلح تفسيرا منطقيا لبيان سبب إصرار البعض على إنكار حديث المنزلة تارة، وعلى تقييده بغزوة تبوك اخری و علی محاولة افراغه من محتواه ثالثة.
ص: 109
ص: 110
وفيه أربعة مباحث :
المبحث الأول : بیان منزلة هارون من موسى عليه السلام وثبوتها لعلي عليه السلام
المبحث الثاني : دلالة الحديث على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام
المبحث الثالث : دلالة الحديث على عصمة أمير المؤمنين عليه السلام
المبحث الرابع : دلالته على نجاة المتمسكين به
ص: 111
ص: 112
قبل الإشارة إلى دلالات حديث المنزلة الشريف وما يحمله من الكنوز المعرفية والمسائل العقائدية المحورية، نرى لزاما علينا أن نبين شيئا من منازل هارون عليه السلام، والتي كان النبي الأكرم صلى الله عليه وآله يريد إثباتها لعلي عليه السلام من خلال هذا الكلام المقتضب.
لا شك في أن النبي صلى الله عليه وآله أثبت لعلي عليه السلام جميع المنازل التي حظي بها هارون من أخيه موسى عليه السلام ولم يستثن منها سوى النبوة، الأمر الذي يحتم علينا - قبل البحث في دلالات حديث المنزلة والاستدلال به على إثبات إمامة أمير المؤمنين عليه السلام-معرفة منازل هارون عليه السلام، ليتسنى لنا بعد ذلك القول بثبوها لعلي عليه السلام، ومن حسن الحظ أن القرآن الكريم أشار إلى بعض تلك المنازل بصورة جلية وواضحة، فأثبت له :
ص: 113
إن من أجل منازل هارون عليه السلام هي النبوة وقد أشار إليها القرآن الكريم، قال تعالى : «وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا»(1)، وهذا المنزلة هي ما استثناه النبي صلى الله عليه وآله في حديث المنزلة، وإن كانت ظاهرة؛ لما أجمع عليه المسلمون من عدم وجود نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، إذ هو خاتم النبيين والمرسلين، قال الله تعالى : «مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَٰكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا»(2)، وعلى ذلك إجماع الشيعة الإمامية .
الوزارة من المنازل الثابتة لهارون عليه السلام بصريح القرآن، قال تعالى حكاية عن لسان موسى : «وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي .»(3)
وقال تعالى :«وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ جَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ
ص: 114
هارُونَ وَزِيراً»(1)
والوزارة مما لم تستثن من منازل هارون فيمكن القول بثبوها لعلي عليه السلام، سيما وأن النبي صلى الله عليه وآله قد أثبتها له عليه السلام في أحاديث أخرى، منها ما رواه الطبراني، والهيثمي والمتقي الهندي، عن ابن عمر، قال - واللفظ للأول - : (بينما أنا مع النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم في ظل بالمدينة، وهو يطلب عليا رضي الله عنه، إذ انتهينا إلى حائط(2)، فنظرنا فيه إلى علي وهو نائم في الأرض، وقد اغبر، فقال : لا ألوم الناس، يكنونك أبا تراب، فلقد رأيت عليا تغير وجهه واشتد ذلك عليه، فقال : «ألا أرضيك يا علي»؟! قال : بلى يا رسول الله»، قال : «أَنْتَ أَخِي ، وَ وَزِيرِي ، تَقْضِيَ دِينِي ، وَ تَنَجُّزَ مَوْعِدِي ، وَ تُبْرِئُ ذِمَّتِي ، فَمَنْ أَحَبَّكَ فِي حَيَاةِ مِنِّي فَقَدْ قَضَى نُحِبُّهُ ، وَ مَنْ أَحَبَّكَ بَعْدِي وَ لَمْ يرك خَتَمَ اللَّهُ لَهُ بِالْأَمْنِ وَ الْإِيمَانِ وَ آمَنَهُ يَوْمَ الْفَزَعِ ، وَ مَنْ مَاتَ وَ هُوَ يُبْغِضُكَ يَا عَلِيٍّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ، يُحَاسِبْهُ اللَّهُ بِمَا عَمِلَ فِي الْإِسْلَامِ»).(3)
ص: 115
وفي حديث المنزلة عند المؤاخاة - وسوف يأتي - تصريح بإثبات الوزارة له عليه السلام، فقد روى القرطبي والحافظ ابن بشكوال حديث المؤاخاة بأكمله ومنه : «وَ الَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا أَخَّرْتُكَ إِلَّا لِنَفْسِي ، فَأَنْتَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي ، وَ أَنْتَ أَخِي وَ وَزِيرِي ووارثي ».
قال : يا رسول الله ! وما أرث منك»؟
قال : كتاب الله وسنتی (1).
ويؤكد ثبوت الوزارة له قوله صلى الله عليه وآله في حادثة الدار المعروفة - على ما رواه النسائي وغيره -: (... قال : «أَنْتَ أَخِي ، وَ صَاحِبِي ، ووارثي ، وَ وَزِيرِي ، فَبِذَلِكَ وَرَثَت ابْنُ عَمِّي دُونَ عَمِّي...»)(2).
وفي شرح النهج للمعتزلي : (عن أبي رافع، قال : أتيت أبا ذر بالربذة أودعه، فلما أردت الانصراف، قال لي ولأناس معي : ستكون فتنة، فاتقوا الله، وعليكم بالشيخ علي بن أبي طالب، فاتبعوه، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول له: « أَنْتَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِي ،
ص: 116
وَ أَوَّلُ مَنْ يصافحني يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَ أَنْتَ الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرِ ، وَ أَنْتَ الْفَارُوقُ الَّذِي يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ ، وَ أَنْتَ يَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ الْمَالُ يَعْسُوبُ الْكافِرِينَ ، وَ أَنْتَ أَخِي وَ وَزِيرِي ، وَ خَيْرُ مِنَ أَتْرُكَ بَعْدِي ، تَقْضِيَ دَيْنِي وَ تَنَجُّزَ مَوْعِدِي»)(1).
قال تعالى : «وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ»(2)
قال تعالى :«وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ»(1)
قال تعالى في حكاية أمر موسى وهارون عليه السلام:«فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي»(2)
نص جماعة من مفسري العامة كالثعلبي والبغوي والإمام الجلالي والسيوطي عند تفسير قوله تعالى في حكاية أمر قارون : «قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي ۚ »(3)، على أن قارون كان أعلم بني إسرائيل بعد موسی وهارون(4) ، أما أعلميتهما عليهما السلام فلهما من العلم ما لا يصل إليه العالمون.
ص: 118
يعتبر حديث المنزلة من أمهات الأحاديث الواردة بشأن النص على علي عليه السلام وإثبات إمامته، ويمكن الاستدلال به من عدة جوانب، منها :
إن هذا الحديث يدل على إثبات عموم ما خص الله به هارون عليه السلام من المنازل، والتي من ضمنها النبوة، والخلافة، والوزارة، والفصاحة، والقرابة، عدا ما خرج بالاستثناء، وهو النبوة لا غير، وحينئذ فيكون الحديث نا في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله، وإثبات خلافته.
وتقريب الاستدلال : إن قوله صلى الله عليه وآله: «أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ »يحتوي على اسم الجنس وهو (المنزلة)، مضافا إلى علم،
ص: 119
وهو (هارون)، ومتى ما أضيف اسم الجنس إلى علم أفادت الإضافة العموم، فيثبت لعلي عليه السلام جميع منازل هارون من الخلافة والوزارة والقرابة وغيرها عدا ما خرج بالاستثناء وهو النبوة لا غير، كما بينا.
أما كون اسم الجنس المضاف من أدوات العموم، فهو أمرمفروغ عنه في علم الأصول واللغة، قال البهائي : (صيغ العموم حقائق فيه لا في الخصوص، کاسم الشرط والاستفهام والموصول واسم الجنس معرفا ب(لامه) أو مضافا، والجمع كذلك، والنكرة المنفية ...) (1)
وقال الخطائي : (إضافة المصدر إنما تفيد العموم؛ لأن اسم الجنس المضاف من أدوات العموم...)، وقال الجلبي في حاشيته على شرحه المطول : (قوله : (واستغراق المفرد أشمل)، قد سبق تصريح الشارح بأن إضافة المصدر تفيد الحصر، وحقق هناك أن مبناه کون المصدر المضاف من صيغ العموم، فهذه القضية کلية...)(2)، وممن صرح التفتازاني، قال : إن (اسم الجنس المضاف بمنزلة المعترف باللام)(3)، أي في إفادة
ص: 120
العموم، وقال العيني : (اسم الجنس المضاف من الألفاظ العامة)(1)، وفي شرح قوله صلى الله عليه وآله: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل»، قال : (قوله : (لأحدكم) أي كل واحد منكم، إذ اسم الجنس المضاف يفيد العموم على الأصح)(2).
لا شك في أن معيار العموم الاستثناء، وكل ما صح الاستثناء منه مما لا حصر فيه فهو عام، والحديث يشتمل على الاستثناء، فيكون صريحا في إثبات جميع منازل هارون لعلي عليه السلام والتي من أهمها الخلافة .
نعم لا بد من كون الاستثناء متصلا لا منقطعا، وهو كذلك في المقام، لما قرره العلماء في محله من أن الأصل في الاستثناء أن يكون متصلا لا منقطعا، كما صرح بذلك التفتازاني، والإمام النووي ، والمارديني، والعيني، والإيجي، والآلوسي، والشنقيطي، وغيرهم(3).
ص: 121
وأما الاستثناء المنقطع فهو من المجاز الذي لا يصار إليه إلا بقرينة صارفة، وهي مفقودة في المقام.
وأما ما ادعي من القرينة التي هي ورود الحديث في خصوص غزوة تبوك، فإنها مردودة بما بيناه مسبقا في إثبات ورود الحديث في مواطن مختلفة، منها المؤاخاة وفتح خيبر ومناسبات متفرقة كثيرة.
وأما القول بأن الاستثناء في الحديث منقطع بقرينة الجملة الخبرية، التي لا يمكن أن يكون استثناؤها متصلا، فهو مردود بالأحاديث الصحيحة التي ورد المستثنى فيها مفردا لا جملة خبرية، كما في الحديث الذي أخرجه أحمد بسند صحيح، عن عائشة بنت سعد، عن أبيها : (أن علي رضي الله عنه خرج مع النبي صلى الله عليه وآله حتى جاء ثنية الوداع وعلي رضي الله عنه يبكي، [و] يقول : «تخلفني مع الخوالف»؟ فقال : «أو ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا النبوة(1)، وهو صحيح على شرط البخاري كما صرح بذلك الحافظ
ص: 122
ابن كثير، والألباني، وشعيب الأرنؤوط (1).
وعليه فتكون دلالة الحديث على إثبات جميع مزايا هارون ومنازله الأخرى لعلي عليه السلام تامة وواضحة، وبهذا يثبت أن لعلي عليه السلام عموم منازل هارون؛ كالخلافة والوزارة، والأعلمية، والقرابة القريبة، وغيرها مما لم نذكره، ويكون علي عليه السلام هو صاحب النص والخليفة الشرعي بعد النبي صلى الله عليه وآله، لا ينازع في ذلك إلا مكابر أو صاحب شبهة أو هوى، لما عرفت من أن الإمامة والخلافة من جملة تلك المنازل.
إن المتابعة الدقيقة لألفاظ الحديث توصل القارئ إلى يقين لا يخامره شك في ثبوت الخلافة لأميرالمؤمنين عليه السلام، فإنه قد اشتمل على العديد من العبارات الصريحة فيها، ومن هذه الألفاظ والعبارات :
(1)قوله صلى الله عليه وآله : «أنت خليفتي»، وهذا المقطع من
ص: 123
كلامه صلى الله عليه وآله من الصراحة بمكان بحيث لا يحتاج إلى شرح وبيان؛ لأن الخليفة من يخلف غيره ويقوم مقامه، وينوب عنه في تدبير الأمور العامة(1) ، وهذه هي الإمامة صراحة، فكأنَّ النبي صلى الله عليه وآله لم يكتف بدلالة الحديث على إثبات عموم المنازل الهارونية لعلي عليه السلام، فخص الخلافة وأفردها بالذكر؛ لأنها أعلى تلك المنازل وأشرف تلك المراتب؛ ليؤكد المعنى ويفسره بأكمل المصادیق وأبرزها.
وأما كون الخلافة من منازل هارون فهو صریح قوله تعالی : «وَ قالَ مُوسى لاِ َخیهِ هارُونَ اخْلُفْنی فی قَوْمی وَ أَصْلِحْ وَ لاتَتَّبِعْ سَبیلَ الْمُفْسِدینَ»(2)
وقد أثبتها النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام ولم يستثنها كما استثنى النبوة، وهذا تثبت الخلافة لعلي عليه السلام كما هو واضح.
حاول بعض المتصيدين بالماء العكر القدح بدلالة حديث المنزلة
ص: 124
رغم وضوحها، ورغم إقراره بدلالة الحديث على الخلافة، إلا أنه قال : إن الخلافة التي أثبتها النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام في حديث المنزلة هي خلافة خاصة ومحددة بحقبة زمنية خاصة، وليست هي الخلافة والإمامة العامة التي يقول بها الشيعة الإمامية؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله إنما استخلفه في غزوة تبوك فقط.
والحق أن ماذكر أوهن من بيت العنكبوت، وهو مدفوع بالروايات السنية العديدة التي أكدت أن حديث المنزلة لم يكن منحصرا بغزوة تبوك، بل ورد في مناسبات متعددة، أكد النبي صلى الله عليه وآله فيها على استخلاف علي عليه السلام وإعطائه منازل هارون عليه السلام قبل غزوة تبوك بسنين متمادية، وقد ذكرنا ذلك في مناسبات حديث المنزلة، وأثبتنا أن النبي صلى الله عليه وآله قد خص عليا عليه السلام بتلك المنازل في العديد من المناسبات، منها حادثة المؤاخاة، وفي فتح خيبر وفي كثير من المناسبات الخاصة، وبالإضافة إلى ذلك كله فإن هناك الكثير من الروايات النبوية الصحيحة، أثبتت خلافة علي عليه السلام على نحو الإطلاق، وهي بمثابة قرينة تؤيد وتؤكد عموم الخلافة الواردة في حديث المنزلة، منها ما روي في حديث الدار المشهور:(عن علي بن أبي طالب عليه السلام، قال : لما أنزلت هذه الآية: «وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ
ص: 125
الْأَقْرَبِينَ»(1)، على رسول الله صلى الله عليه وآله دعاني، فقال: يا علي، إن الله أمرني أن أنذر عشيرتك الأقربين.. ثم تكلم رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: يا بني عبد المطلب، إني والله ما أعلم أن شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأُيُّكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟ فأحجم القوم عنها جميعا، وقلت: أنا - وإني لأحدثهم سنا وأرمصهم عينا، وأعظمهم بطنا، وأحمشهم ساقا - أنا يا رسول الله، أكون وزيرك عليه، فأعاد القول، فأمسكوا وأعدت ما قلت، فأخذ برقبتي ، ثم قال لهم : هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا ، فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع»)(2).
فالحديث صريح في إرادة الخلافة العامة، والتي فهمها القوم، واستعظموها، حتى قال قائلهم لأبي طالب : (قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع)، والتي كانت أحد أسباب نفور بعضهم، ولو لم يكن النبي صلى الله عليه وآله يريد ذلك المعنى العام من الخلافة لأنكر عليهم هذا الفهم.
ص: 126
فعلم من فهمهم بضميمة إقرار النبي صلى الله عليه وآله له : أن الخلافة هنا عامة وليست خاصة، سيما وأن النبي صلى الله عليه وآله قرنها بالوصية، وبالسمع والطاعة.
وقد روى هذا الحديث أحمد بن حنبل في المسند مع اختلاف يسير في الألفاظ، وابن عساكر في تاريخ دمشق، والمتقي الهندي في كنز العمال وصححه، وابن أبي حاتم الرازي في تفسيره(1) ، كما أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد، وقال : (إسناده جيد) (2) .
ويؤيده ما أخرجه الحاكم الحسكاني الحنفي (عن علي بن أبي طالب، قال : « قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ : إِذَا هَبَطَ نَجْمٍ مِنَ السَّمَاءِ فِي دَارِ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِي ، فَانْظُرُوا مَنْ هُوَ ؟ فَهُوَ خَلِيفَتِي عَلَيْكُمْ بَعْدِي ، وَ الْقَائِمُ فِيكُمْ بِأَمْرِي ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ انْقَضَّ نَجْمٍ مِنَ السَّمَاءِ ، قَدْ غَلَبَ ضَوْؤُهُ عَلَى ضَوْءِ الدُّنْيَا ، حَتَّى وَقَعَ فِي حُجْرَةِ عَلَيَّ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فهاج الْقَوْمِ ، وَ قالُوا : وَ اللَّهِ لَقَدْ ضَلَّ هَذَا الرَّجُلِ وَ غَوَى .
ص: 127
فأنزل الله: «وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ »(1) (2)
ويؤيده أيضا ما أخرجه ابن مردویه، عن أنس بن مالك، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « إِنَّ أَخِي وَ وَزِيرِي وَ خَيْرُ مِنَ أَخْلَفَ بَعْدِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ »(3).
ومن الواضح جدا أن هذه الأحاديث السنية الصريحة تعضد حديث المنزلة وتقوي دلالته على ثبوت الخلافة الأمير المؤمنين عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله، فهل هنالك دليل يضاهي حديث المنزلة في الدلالة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، سيما وأنه اشتمل - في بعض ألفاظه - على تصريح النبي صلى الله عليه وآله بخلافة علي عليه السلام من بعده صراحة وليس في حياته، كما أورد ذلك الذهبي، وابن حجر، وغيرهما، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : «يا أم سلمة، إن عليا لحمه من لحمي، وهو بمنزلة هارون من موسى متي، غير أنه لا نبي بعدي»، قال ابن عباس: ستكون فتنة، فمن أدركها فعليه بخصلتين : كتاب الله، وعلي بن أبي طالب، فإني
ص: 128
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول، وهو آخذ بيد علي:
«هَذَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِي ، وَ أَوَّلُ مَنْ يصافحني يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَ هُوَ فاروق هَذِهِ الْأُمَّةُ ، يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ ، وَ هُوَ يَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ الْمَالُ يَعْسُوبُ الظَّلَمَةَ ، وَ هُوَ الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرِ ، وَ هُوَ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي (1) .
وإني لأعجب من هؤلاء المشككين والمتقولين، فإنهم يروون بأن أبا بكر عندما استخلف عمر، دعاه، (فلما جاء وقعد بين يديه، قال له أبو بكر : يا عمر؟ إنه قد أبغضك مبغض وأحبك محب، وقديما كان الشر يحب والخير يبغض، فدونك هذا العهد فخذه إليك، فأنت خليفتي من بعدي...)(2)
ولا أدري كيف لا تكون كلمة : (أنت خليفتي من بعدي) صريحة في الخلافة والإمامة والزعامة والقيادة إذا نطق بها النبي صلى الله عليه وآله بحق علي عليه السلام، بينما تكون دالة على الخلافة والإمامة والزعامة بكل وضوح وصراحة إذا نطق بها أبو بكر بحق عمر بن الخطاب؟
ص: 129
(2) قوله صلى الله عليه وآله : «فَإِنِ الْمَدِينَةِ لَا تَصْلُحُ إِلَّا بِي أَوْ بِكَ »، ومن الواضح جدا أن صلاح عاصمة الإسلام لا يتوقف على وجود الأفراد العاديين، هذا أولا، وثانيا : يمكن القول بأنه إذا كانت المدينة لا تصلح شؤونها ولا ينتظم أمرها إلا بوجود علي عليه السلام، والحال أن النبي صلى الله عليه وآله ما زال على قيد الحياة، فإن أمورها لا تصلح ولا تنتظم بعد رحيله إلا بعلي عليه السلام قطعة ويقينا.
وهذا لعمري من أقوى الدلائل على صحة إمامته بل وجوبها، وبطلان إمامة غيره، فهو الفرد الذي ينحصر به صلاح الأمة وانتظام أمرها واستقامة شؤونها، وهذا من الأمور المسلمة ليس عند الشيعة المعاصرين فحسب بل عند رؤادهم الأوائل من الصحابة والتابعين، فهذا سلمان الفارسي المحمدي يقول في خطبته المشهورة : (أما والذي نفس سلمان بيده، لو وليتموها عليا عليه السلام لأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم، ولو دعوتم الطير في جو السماء لأجابتكم، ولو دعوتم الحيتان من البحار لأتتكم، ولما عال ولي الله، ولا طاش لكم سهم من فرائض الله، ولا اختلف اثنان في حكم الله، ولكن أبيتم فوليتموها غيره ، فأبشروا بالبلاء، واقنطوا من الرخاء...)(1)، كما هو رأي الكثير من
ص: 130
الصحابة المعروفين بإخلاصهم للرسالة وصاحبها الأقدس صلی الله عليه وآله.
(3) قوله صلى الله عليه وآله : «أَنْتَ وَلِيِّي فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي »، وهو من القرائن القوية على إرادة الخلافة وولاية الأمر، وليس المراد من الولاية ولاية الحب أو النصرة؛ لعموم ذلك في كل مؤمن ومؤمنة، قال الله تعالى : «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ »(1)، كما هي متوفرة في الكافرين إيضا، قال تعالى :«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»(2)
فالذي أعطاه النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام هو ولاية خاصة، وهي الإمامة والخلافة لا غير، وبخلاف هذا القول يدخل کلام النبي صلى الله عليه وآله في باب اللغو، أو يكون تحصيلا للأمر الحاصل، وهو قبيح من الحكيم العاقل، وسيد الحكماء صلی الله عليه وآله منزه عن كل ذلك، فهل يصح للرئيس أن يقول في مقام تبجيل أحد قادته : أنك أحد جنودي، في حال أن الجندية حاصلة لعامة الأفراد،
ص: 131
فضلا عن القادة؟ وهنا كذلك، وإن اختلف الوصفان.
(4) قوله صلى الله عليه وآله في حادثة المنزلة عند المؤاخاة :
«...فَأَنْتَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى ، ووارثي ».
فقال : «یا رسول الله، وما أرث منك»؟
قال : «ما أورثت الأنبياء»، قال : «وما أورثت الأنبياء قبلك»؟
قال : «كتاب الله وسنة نبيهم... »(1)
ففي هذه الألفاظ تصريح بأن النبي صلى الله عليه وآله أورث عليا عليه السلام الكتاب والسنة، ومن البديهي أنَّ من عنده وراثة الكتاب والسنة على نحو الحصر، ثبتت له الخلافة الإلهية والإمامة الشرعية، وكان أولى من غيره بها، قال تعالى : «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ »(2) ، فجعل وراثة الكتاب من ملحقات الاصطفاء، وقال تعالى :
ص: 132
«وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَىٰ وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ»(1) ، ومن الواضح أن الله لم يورث الكتاب لعموم بني إسرائيل، وفيهم الكافر والمعاند والمكابر، بل أورثه الأنبياء أو الأوصياء، ووراثة علي عليه السلام للكتاب والسنة من الصنف الثاني، أعني وراثة الأوصياء، نظير وراثة داود عليه السلام التي أشار إليها القرآن بقوله : «وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ»(2)، فإن وراثة الكتاب والسنة من أشرف ما ورثه داود من سليمان عليهما السلام، وليس المراد خصوص الوراثة المالية، فإن ذلك حاصل لعموم بني البشر، من غير فرق بين الأنبياء وغيرهم.
ص: 133
ودلالة الحديث على عصمة أمير المؤمنين عليه السلام - لكونها من منازل هارون عليه السلام ولم تستثن - واضحة، فلا نطيل الكلام فيها.
إن من أهم ما يمكن استفادته من حديث المنزلة نجاة المتمسكين بعلي عليه السلام والقائلين بإمامته، لما عرفت من حصول النجاة لمن تمسك بخلافة هارون عليه السلام وانخرط تحت ولايته عند غيبة موسی عليه السلام، ولم ينحرف مع السامري، فكما أن الضلال والهلاك نصیب من حاد عن هارون عليه السلام وابتعد عنه وجانبه، ومصير من سلك طريق السامري، واتخذ العجل، كذلك فمن حاد عن علي عليه السلام، وابتعد عنه، وجانبه، وحاربه بعد غياب النبي صلى الله عليه
ص: 134
وآله يكون من الضالين، وهذا ما تؤيده الكثير من الروايات :
منها ما أخرجه الخوارزمي وابن أبي الحديد والقندوزي الحنفي والآلوسي، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعلي عليه السلام : « حربك حَرْبِي وَ سَلَّمَكَ سِلْمِي »(1).
ومنها ما أخرجه الخوارزمي في المناقب، قائلا : (روى السيد أبو طالب بإسناده عن علقمة والأسود قالا : أتينا أبا أيوب الأنصاري فقلنا : یا أبا أيوب، إن الله أكرمك بنبيه صلى الله عليه وآله إذ أوحى إلى راحلته فيركت على بابك، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله ضيفا لك، فضيلة الله فضلك بها، فأخبرنا عن مخرجك مع علي بن أبي طالب عليه السلام، قال أبو أيوب : فإني أقسم لكما: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله في هذا البيت الذي أنتما فيه، وما فيه غير رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي جالس عن يمينه، وأنا جالس عن يساره، وأنس بن مالك قائم بين يديه، إذ تحرك الباب فقال صلى الله عليه وآله : «انظر من بالباب»؟ فخرج أنس فنظر فقال : هذا عمار بن یاسر.
ص: 135
فقال صلى الله عليه وآله : « افْتَحْ لِعَمَّارِ الطِّيبِ المطيب »، ففتح أنس ودخل عمار فسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله، فرحب به ثم قال لعمار : « إِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي هَنَاتُ حَتَّى يَخْتَلِفَ السَّيْفِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَ حَتَّى يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَ حَتَّى يَبْرَأُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ، فَإِذَا رَأَيْتَ ذَلِكَ فَعَلَيْكَ بِهَذَا الْأَصْلَعِ عَنْ يَمِينِي : عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَ إِنْ سَلَكَ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَادِياً وَ سَلَكَ عَلِيِّ وَادِياً ، فَاسْلُكْ وَادِي عَلِيٍّ وَ خَلِّ عَنِ النَّاسِ ، إِنَّ عَلِيّاً لَا يَرُدُّكَ عَنْ هَدى ، وَ لَا يُدْلَكُ عَلَى ردی ، يَا عَمَّارُ طَاعَةُ عَلِيٍّ طَاعَتِي وَ طَاعَتِي طَاعَةُ اللَّهِ»(1).
وعليه فإن الذين التزموا طريق علي عليه السلام، واقتفوا أثره، وركبوا سفينة ولائه، وقالوا بإمامته، ولم يغيروا ولم يبدلوا هم الناجون، كما ثبتت النجاة لمن تمسك بهارون أخي موسى عليه السلام، والمؤيدات لهذا الاستنتاج تفوق الحصر.
وبالإضافة إلى ذلك فإن في بعض نصوص حديث المنزلة ما يشير إلى تلك الحقيقة الناصعة، ففي ميزان الاعتدال للذهبي، ولسان الميزان لابن حجر، وسبل الهدى والرشاد للإمام الصالحي الشامي (عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : «يَا أُمَّ سَلَّمْتَ ، إِنَّ عَلِيّاً
ص: 136
لَحْمِهِ مِنْ لَحْمِي ، وَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى مِنِّي ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي ».قال ابن عباس : ستكون فتنة، فمن أدركها فعليه بخصلتين : كتاب الله، وعلي بن أبي طالب، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول - وهو آخذ بيد علي - : « هَذَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِي ، وَ أَوَّلُ مَنْ يصافحني يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وهوفاروق هَذِهِ الْأُمَّةُ ، يُفَرِّقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ ، وَ هُوَ يَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ الْمَالُ يَعْسُوبُ الظَّلَمَةَ ، وَ هُوَ الصَّدِيقَ الْأَكْبَرُ ، وَ هُوَ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي».(1)
ثبت بهذا العرض المختصر أن دلالة حديث المنزلة الصحيح المتواتر على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وعصمته ونجاة المتمسكين به والسائرين على نهجه مما لاشك فيه، ولكن لا يخفى على القارئ الكريم أن حديث المنزلة الشريف يمثل قطرة من بحر مکارم أمير المؤمنين ومناقب سيد الوصيين وخصائص قائد الغر المحجلين عليه السلام، وليست الخلافة إلا واحدة من تلك الخصائص الظاهرة والمناقب الزاهرة.
ص: 137
توصلنا في هذه الدراسة المختصرة والمعتمدة على المصادر السنية وآراء علماء أهل السنة، إلى العديد من النقاط المهمة، نشير إلى بعضها على نحو الإجمال :
إن حديث المنزلة الشريف من الأحاديث الصحيحة، بل المتواترة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، التي رويت بأسانید جيدة عما ينيف عن عشرين صحابيا، وقد أدرجه أصحاب الصحاح السنية في مصنفاتهم - کالبخاري ومسلم - إدراج المسلمات.
حاول من لا حظ له بمعرفة علم الحديث والدراية، التشكيك بحديث المنزلة الصحيح، فصرح - على الرغم من إقراره بصحة الحديث عند المحدثين - بالقدح في سنده، ولكن، عند هذه المحاولة على الموازين السنية في الحديث والدراية، تبين أنها تنبئ عن جهل صاحبها بعلم الحديث والدراية، مادام الحديث قد تسالم عليه العلماء والمحدثون، سیما
ص: 138
أصحاب الصحاح السنية.
حاولت بعض الأقلام المغرضة محاكاة حديث المنزلة الشريف، وذلك بافتراء حديث ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وآله، بقصد التشويش على حديث المنزلة الشريف، وإعارة الشيخين محاسن غيرهما، ولكن هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح؛ لأن رواة هذا الحديث المفتری، بين منحرف عن أهل بيت العصمة والطهارة، وبين من أجمع علماء الجرح والتعديل من أهل السنة على القدح به، وعليه فالحديث - الذي لا يشك في اختلاقه - لا يصلح للاحتجاج أو محاكاة حديث المنزلة الشريف، فأين الصحيح المتواتر من الضعيف المفترى؟ وأين الثريا من الثرى؟ ولذا صرح جماعة من علماء السنة بكونه من الأحاديث المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وآله على نحو القطع والجزم.
إن حديث المنزلة من الأحاديث التي بلغ بها النبي صلى الله عليه وآله في أماكن متعددة ومواطن متفرقة، كحادثة المؤاخاة، وفتح خيبر، وغزوة تبوك، وغيرها من المناسبات الخاصة، الأمر الذي يوجه ضربة قاصمة لمن ادعى انحصار حديث المنزلة بغزوة تبوك.
إن حديث المنزلة صريح في إثبات جميع المنازل التي خص الله بها
ص: 139
هارون صلى الله عليه وآله كالخلافة، والوزارة، والقرابة، والفصاحة، والعلم، والقرابة، وغيرها، عدا ما استثني منها، وهو النبوة خاصة، وقد أكد النبي صلى الله عليه وآله ذلك من خلال استعماله اسم الجنس المضاف، الذي يفيد العموم صراحة، سيما وأنه لم يستثن من تلك المنازل إلا النبوة، فيثبت لعلي عليه السلام منها جميع ما عدا النبوة من المنازل، فيكون دخول الخلافة دخولا قطعيا، مع أن بعض ألفاظ الحديث تصرح بثبوتها له تصريحا لا تلويحا.
إن حديث المنزلة يشتمل على العديد من القرائن التي تؤكد القول بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يرد من حديث المنزلة إلا التأكيد على منصب الخلافة وإثباتا لعلي عليه السلام، كقوله : «أنت خليفتي»، وقوله : «إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك»، وقوله : «أنت وليي في كل مؤمن بعدي»، وغيرها من الألفاظ التي سقناها في المباحث المتقدمة، والتي تؤكد جميعها على كون علي صلى الله عليه وآله هو الخليفة الشرعي، الذي انحصرت فيه مواريث النبوة.
إن العصمة من أهم منازل هارون عليه السلام، وهي مما لم يخرجه النبي صلى الله عليه وآله بالاستثناء، بل أثبتها لعلي الوصي عليه السلام
ص: 140
كما أثبت غيرها من المنازل الأخرى.
إن من أهم دلالات حديث المنزلة الشريف نجاة المتمسكين بنهج علي صلى الله عليه وآله والسائرين على خطاه، والقائلين بإمامته، والمنقطعين إليه، والمقتفين أثره، كما ثبتت النجاة لمن تبع هارون عليه السلام، ثم وكما أن الذي ترك هارون عليه السلام وحاد عنه، وصار إلى السامري لا شك في ابتعاده عن الصراط السوي، وانحرافه عن جادة الشريعة السمحاء، كذا من حاد عن علي عليه السلام، ومال إلى غيره ، يكون من المبتعدين عن الصراط المستقيم، والطريق القويم.
وأخيرا : نسال الله تعالى أن يجعل هذا الجهد خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفعنا به« يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالُ وَ لا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ »(1)، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة على أشرف الخلق أجمعين أبي القاسم المصطفى محمد وآله الطاهرين.
ص: 141
1.القرآن الكريم
2. ابن أبي الحديد المعتزلي، أبو حامد عبد الحميد بن هبة الله، شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، 1378ق، الطبعة الأولى.
3. ابن أبي حاتم الرازي، تفسير ابن أبي حاتم، تحقيق: أسعد محمد الطيب، صيدا، المكتبة العصرية، بدون تاریخ.
4. ابن أبي شيبة، عبدالله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي العبسي، المصنف، تحقيق: محمد سعيد اللحام، بیروت، دار الفكر، 1409ق، الطبعة الأولى.
5. ابن بشکوال، أبو القاسم خلف بن عبد الملك بن مسعود، الذيل على جزء بقي ابن مخلد من أحاديث الحوض، بدون تاریخ.
6. ابن الأثير، أسد الغابة في معرفة الصحابة، بيروت دار الكتاب العربي، بدون تاریخ
7. ابن التركماني، علاء الدين بن علي بن عثمان المارديني، الجوهر النقي، بيروت، دار الفكر، بدون تاريخ.
ص: 142
8. ابن الدمشقي، شمس الدين أبو البركات محمد بن أحمد الدمشقي الباعوني الشافعي، جواهر المطالب في مناقب الإمام الجليل علي بن أبي طالب، تحقيق: محمد باقر المحمودي، قم، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، 1415ق، الطبعة الأولى.
9. ابن حبان، محمد بن حبان بن أحمد ، الثقات، حيد آباد الدكن، الهند، مؤسسة الكتب الثقافية، 1393ق، الطبعة الأولى.
10. ابن حبان، محمد بن حبان بن أحمد، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان،تحقيق: شعيب الأرنؤوط، نشر مؤسسة الرسالة، 1414ق، الطبعة الثانية.
11.ابن حبان، محمد بن حبان بن أحمد، المجروحين من المحدثين والمتروکین، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، مكة المكرمة، دار الباز للنشر والتوزيع، بدون تاریخ.
12. ابن حجر، شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، بيروت، دار الكتب العلمية، 1415ق، الطبعة الأولى.
13. ابن حجر، شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن حجر العسقلاني، تغلیق التعليق، تحقيق: سعيد عبد الرحمن وموسى القزقي، عمان، المكتب الإسلامي دار عمار، 1405ق، الطبعة الأولى.
14. ابن حجر، شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن حجرالعسقلاني، تقريب التهذيب، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، بیروت، دار الكتب العلمية، 1415ق، الطبعة الثانية.
15. ابن حجر، شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن حجر
ص: 143
العسقلاني، تهذيب التهذيب، بیروت، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1404-1984 م، الطبعة الأولى.
16. ابن حجر، شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن حجر العسقلاني، لسان الميزان، الناشر: بیروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1390ق، الطبعة الثانية.
17. ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، الموضوعات، تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان، المدينة المنورة المكتبة السلفية، 1386ق، الطبعة الأولى.
18. ابن خلدون، عبد الرحمن المغربي، تاريخ ابن خلدون المسمى ب(العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر)، بیروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الرابعة.
19. ابن سعد، محمود بن منيع الزهري، الطبقات الکبری، بیروت، دارصادر، بدون تاریخ.
20. ابن عدي، عبد الله بن عدي، الكامل في ضعفاء الرجال، تحقيق: يحيی مختار غزاوي، بیروت، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، محرم 1409ق، الطبعة الثالثة.
21. ابن عساکر، أبو القاسم علي بن الحسين بن هبة الله بن عبد الله الشافعي، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق: علي الشيري، بيروت، دار الفكر، 1415ق.
22. ابن کثیر، البداية والنهاية، تحقيق: علي الشيري، بیروت، دار إحياء التراث العربي، 1408ق، الطبعة الأولى.
23. ابن ماجة، أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني ، سنن ابن ماجة، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، بیروت، دار الفكر للطباعة والنشر، بدون تاریخ.
ص: 144
24. ابن مردويه، أبو بكر أحمد بن موسى ابن مردويه الأصفهاني، مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام وما نزل من القرآن في علي عليه السلام، تحقيق: عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين، قم، دار الحديث، 1424ق، الطبعة الثانية.
25. ابن مخلد القرطبي ، مرويات الصحابة في الحوض والكوثر، تحقيق: عبد القادر محمد عطا صوفي، المدينة المنورة، مكتبة العلوم والحكم، 1413ق، الطبعة الأولى .
26. أبو السعود العمادي، محمد بن علي، تفسير أبي السعود المسمى بإرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم ، بیروت، دار إحياء التراث العربي، بدون تاريخ.
27. أبو يعلى الموصلي، أحمد بن علي بن المثنى التميمي، مسند أبي يعلى الموصلي، تحقيق: حسین سليم أسد، دمشق، دار المأمون للتراث، بدون تاریخ.
28. أحمد، أبو عبدالله أحمد بن حنبل الشيباني الوائلي، مسند أحمد، بیروت، دارصادر، بدون تاریخ.
29. الألباني، محمد ناصر، إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، تحقيق:زهير الشاويش، بيروت، المكتب الإسلامي، 1405ق، الطبعة الثانية.
30. الإيجي، المواقف، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، بيروت، دار الجيل، 1417-1997م، الطبعة الأولى.
31. الأنصاري، حياة بن محمد عبد الله الأنصاري الملتاني الباكستاني، المنتخب من الصحاح الستة، بدون تاریخ.
32. البري، محمد بن أبي بكر الأنصاري التاهساني، الجوهرة في نسب الإمام علي وآله، تحقيق: دكتور محمد التونجي، دمشق، مكتبة النوري، 1402ق، الطبعة الأولى.
ص: 145
33. البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، التاريخ الكبير ،دیار بكر، المكتبة الإسلامية، بدون تاریخ.
34. البخاري، أبو عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، صحيح البخاري، بیروت، دار الفكر، بدون تاریخ.
35. البخاري، أبو عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، الضعفاء الصغير، بیروت، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، 1406 ق، الطبعة الأولى.
36. البغوي، تفسير البغوي، تحقيق: خالد عبد الرحمن العك، بیروت، دار المعرفة بدون تاریخ.
37. البهائي، محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني العاملي، زبدة الأصول، تحقيق: فارس حسون کریم، مرصاد، 1423ق، الطبعة الأولى.
38. التفتازاني، سعد الدين، شرح المقاصد في علم الكلام، باكستان، دار المعارف النعمانية، 1401ق، الطبعة الأولى.
39. التفتازاني، سعد الدين، مختصر المعاني، قم المقدسة، دار الفكر، 1411ق، الطبعة الأولى.
40. الثعلبي ، تفسير الثعلبي المسمى تفسير الكشف والبيان عن تفسير القرآن، تحقيق: الإمام أبي محمد بن عاشور، بیروت، دار إحياء التراث العربي، 1422ق، الطبعة الأولى.
41. الدولابي، محمد بن أحمد، الذرية الطاهرة النبوية، تحقيق: سعد المبارك الحسن، الكويت، الدار السلفية، 1407ق، الطبعة الأولى.
ص: 146
42. الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، تحقيق: يوسف المرعشلي، بيروت، دار المعرفة، 1406ق.
43. الحاكم الحسكاني، عبيد الله بن أحمد المعروف بالحاكم الحسكاني الحذاء الحنفي، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، تحقيق: محمد باقر المحمودي، مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي- مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، 1411ق، الطبعة الأولى.
44. الجلالين، المحلي والسيوطي، تفسير الجلالين، تحقيق: مروان سوار، بيروت، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بدون تاریخ.
45. الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي، تاريخ بغداد ، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، بیروت، دار الكتب العلمية 1417.1997 م، الطبعة الأولى.
46. الخوارزمي، الموفق بن أحمد بن محمد المكي، المناقب، تحقيق: الشيخ مالك المحمودي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، 1411ق،الطبعة الثانية.
47. الرازي، أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم التميمي الحنظلي الرازي، كتاب الجرح والتعديل، بیروت، دار إحياء التراث العربي، 1371ق، الطبعة الأولى.
48. الرازي، تفسير الفخر الرازي المسمي بالتفسير الكبير أو مفاتح الغيب، الطبعة الثالثة، بدون تاریخ.
49. الزرندي الحنفي ، جمال الدين محمد بن يوسف بن الحسن، نظم درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين، 1377ق، الطبعة الأولى.
ص: 147
50. السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، بيروت، دار الفكر، 1365ق.
51. الشافعي، شمس الدين محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الحسيني الشافعي،الإكمال في ذكر من له رواية في مسند الإمام أحمد من الرجال سوى من ذكر في تهذيب الكمال، تحقيق: عبد المعاطي أمين قلعجي، كراتشي، جامعة الدراسات الإسلامية، الطبعة الأولى.
52. الشنقيطي، أضواء البيان، بيروت، دار الفکر للطباعة والنشر، 1415ق.
53. الذهبي ، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان، میزان الاعتدال، علي محمد البجاوي، بيروت، دار المعرفة للطباعة والنشر، 1382–1963 م، الطبعة الأولى.
54. الصالحي الشامي، محمد بن يوسف، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، تحقيق: الشيخ عادل أحمد والشيخ علي محمد معوض، بیروت، دار الكتب العلمية، 1414ق، الطبعة الأولى.
55. الطبراني، أبو القاسم سليمان بن أحمد، المعجم الكبير، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، القاهرة، مكتبة ابن تيمية، الطبعة الثانية، بدون تاریخ.
56. الطبرسي، أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب، الاحتجاج، دار النعمان للطباعة والنشر، 1386ق.
57. الكوفي، محمد أحمد بن اعثم، کتاب الفتوح، تحقيق: علي شيري، دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع، 1411ق، الطبعة الأولى.
58. عمرو بن أبي عاصم، عمرو بن أبي عاصم بن مخلد الضحاك الشيباني ، كتاب
ص: 148
السنة، تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني، بيروت، المكتب الإسلامي، 1413ق - 1993م، الطبعة الثالثة.
59. العيني ، عبد الرحمن بن محمود بن أحمد العيني الحنفي، عمدة القاري في شرح صحيح البخاري، بيروت، دار إحياء التراث العربي، بدون تاریخ.
60. القاضي الجرجاني، علي بن محمد، شرح المواقف، مصر، مطبعة السعادة، 1907م، الطبعة الأولى.
61. القندوزي الحنفي، سليمان بن إبراهيم، ينابيع المودة لذوي القربی، تحقيق: السيد على جمال أشرف الحسيني ، دار الأسوة للطباعة والنشر، 1416ق.
62. المتقي الهندي، علاء الدين علي المتقي الهندي البرهان نوري، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، تحقيق: بكري حياني وصفوة السقا، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1409ق.
63. المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي بن مقصود علي الأصفهاني، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، بیروت، مؤسسة الوفا، 1403ق، الطبعة الثانية.
64. مسلم النيسابوري، صحيح مسلم، بيروت، دار الفكر.
65. المزي ، جمال الدين أبو الحجاج يوسف، تهذيب الكمال في أسماء الرجال ،تحقيق: بشار عواد معروف، بغداد ، مؤسسة الرسالة، 1406ق، الطبعة الرابعة.
66. المقريزي، أحمد بن علي بن عبد القادر، إمتاع الأسماع، تحقيق: محمد عبد الحميد النميسي، بيروت، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، 1420ق - 1999 م، الطبعة الأولى.
ص: 149
67. المحاملي ، الحسين بن إسماعيل، أمالي المحاملي، تحقيق: إبراهيم القيسي،الأردن، دار ابن القيم، 1412ق، الطبعة الأولى .
68. الميلاني، علي، الإمامة في أهم الكتب الكلامية، قم المقدسة، منشورات شریف الرضي، 1413ق، الطبعة الأولى.
69. الهيثمي، نور الدين علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، بیروت، دارالكتب العلمية، 1408ق.
70. الهيثمي ، نور الدين علي بن أبي بكر، موارد الظمآن، تحقيق: حسين سليم أسد الداراني، دار الثقافة العربية، 1990م، الطبعة الأولى.
71. النسائي، أحمد بن شعيب النسائي الشافعي، خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، تحقيق: محمد هادي الأميني ، طهران، مكتبة نينوى الحديثة، بدون تاريخ.
72. النسائي، أحمد بن شعيب النسائي الشافعي، كتاب الضعفاء والمتروكين، بيروت، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، 1406ق - 1986 م، الطبعة الأولى.
73. النسائي، أحمد بن شعيب النسائي الشافعي، فضائل الصحابة، بیروت، دارالكتب العلمية، بدون تاريخ.
74. النووي، يحيى بن شرف، الأذكار النووية، بيروت دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1414ق.
75. النووي، يحيى بن شرف، شرح مسلم، بیروت، دار الكتاب العربي، 1407ق،بدون تاریخ.
ص: 150
الإهداء... 5
المقدمة ... 6
أولا ...9
ثانيا... 10
الفصل الأول بحوث تمهيدية
المبحث الأول : بيان المفاهیم ...15
تمهید ... 15
أولا : بیان معنى الإمامة والخلافة ... 15
(1) الإمام والإمامة في اللغة ... 15
(2) الإمام والإمامة في الاصطلاح 17
(3) الخلافة لغة واصطلاحا ... 18
ثانيا : الفرق بين الإمامة والخلافة ... 18
ص: 151
ثالثا : انحراف الخلافة عن المسار الرباني ... 19
المبحث الثاني : منهج نظام الحكم في الإسلام ...20
الأدلة على مبدأ الشورى في الحكم ... 25
الركيزة الأولى : آية الشورى ... 25
وقفة هادئة مع آية الشورى ... 26
الركيزة الثانية : المشاورة في أمور الحرب ... 28
تذييل وتعقيب على الركيزتين ... 31
الأمر الأول : لا إلزام في الشورى ... 31
مؤيدات القول بعدم الإلزام ... 32
الأمر الثاني : الاستشارة في أمورهم لا أمور الشرع ... 35
الأمر الثالث : دلالة الآية على شورى الحاكم ... 36
الأمر الرابع : إناطة الحسم بيد النبي صلى الله عليه وآله ... 37
سر انبثاق منهج الشورى ... 37
خلاصة ... 43
المبحث الثالث : بطلان دعوى النص على أبي بكر... 44
1. اعتراف أبي بكر بعدم النص ... 44
2. إقرار عمر بن الخطاب بعدم النص ... 46
3. حديث عائشة بنت أبي بكر ... 51
4. شهادة عبد الله بن مسعود ... 52
5. حديث معاوية بن أبي سفيان ... 53
خلاصة الفصل الأول ... 55
ص: 152
الفصل الثاني روايات حديث المنزلة وطرقه في المصادر السنية
المدخل ... 59
المبحث الأول : بیان بعض روایات حديث المنزلة وطرقه ...61
1.حديث سعد بن أبي وقاص ... 61
الطريق الأول : طريق إبراهيم عن سعد ... 61
الطريق الثاني : طريق مصعب عن سعد ... 63
الطريق الثالث : طريق عامر عن سعد ... 64
الطريق الرابع : طريق عبد الرحمن بن سابط عن سعد... 67
الطريق الخامس : طريق عائشة بنت سعد ... 68
الطريق السادس : طريق سعيد بن المسيب ... 69
2. حديث ابن عباس ... 70
3. حديث زيد بن أرقم ... 73
4. حديث أبي سعيد الخدري ... 74
توثيق علماء الجرح والتعديل لعطية العوفي ... 75
منشأ الخطأ في تضعيف عطية العوفي ... 76
5. حديث أسماء بنت عمیس ... 79
6. حديث أمير المؤمنين عليه السلام ... 80
المبحث الثاني : ذكر السبب في بيان طرق الحديث وتصحيحها ...82
الأمر الأول : قدح البعض في صحة الحديث ... 82
الأمر الثاني : إدعاء معارضته بحديث مكذوب ... 85
(1) ابن أبي مليكة ... 85
ص: 153
(2) قزعة بن سوید ... 86
(3) بشر بن دحية ... 88
رأي علماء أهل السنة في الحديث ... 88
(1) ابن الجوزي ... 89
(2) ابن حجر ... 89
(3) الإمام الذهبي ... 89
خلاصة المبحث الثاني ... 90
نتيجة الفصل الثاني ... 91
الفصل الثالث مناسبات حديث المنزلة في المصادر السنية
تمهید ... 95
أولا : حادثة المؤاخاة ... 97
ثانيا : فتح خیبر ... 100
ثالثا : المناسبات المتفرقة ... 103
(1) عند أم سلمة ... 103
(2) عند عقيل وجعفر ابني أبي طالب ... 105
(3) عند أبي عبيدة والشيخين ... 107
(4) عند أنس بن مالك ... 108
خلاصة الفصل الثالث ... 109
ص: 154
الفصل الرابع دلالات حديث المنزلة الشريف
المبحث الأول : بیان منزلة هارون من موسى عليه السلام وثبوقا لعلي عليه السلام ...113
أولا النبوة ... 114
ثانيا : الوزارة ... 114
ثالثا : الخلافة ... 117
رابعا : الاختصاص بالقرابة القريبة ... 117
خامسا:الشراكة في تبليغ الرسالة ... 117
سادسا : البلاغة والفصاحة ... 118
سابعا : الكفاءة ... 118
ثامنا : الأعلمية المطلقة على بني إسرائيل ... 118
المبحث الثاني : دلالة الحديث على إمامة علي عليه السلام ...119
1.دلالة الحديث على ثبوت منازل هارون لعلي عدا النبوة ...119
دلالة اسم الجنس المضاف على العموم ...120
2. ثبوت الإمامة والخلافة بدليل الاستثناء ... 121
3. تصريح النبي صلى الله عليه وآله باستخلاف علي عليه السلام ... 123
جواب شبهة المعاصرين ... 124
المبحث الثالث : دلالة الحديث على عصمة أمير المؤمنين عليه السلام ...134
المبحث الرابع : دلالة الحديث على نجاة المتمسكين به ... 134
خلاصة الفصل الرابع ... 137
الخاتمة ... 138
فهرست المصادر والمراجع ... 142
ص: 155