الأفق أو الآفاق في مسألة الهلال

اشارة

الأفق أو الآفاق في مسألة الهلال

نويسنده:منتظری، حسینعلی

زبان:عربی

ناشر:نشر سايه - تهران - ایران

سال نشر:1384 هجری شمسی

کد کنگره:BP 188/13 /م 8 الف 7

ص: 1

اشارة

ص: 2

الأفق أو الآفاق في مسألة الهلال

نويسنده:منتظری، حسینعلی

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 5

ص: 6

كلام الشرائع في رؤية الهلال

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1)

قال المحقّق الحليّ رحمه اللّه:

«و إذا رؤي[الهلال]في البلاد المتقاربة كالكوفة و بغداد،وجب الصوم على ساكنيهما أجمع،دون المتباعدة كالعراق و خراسان؛بل، يلزم حيث رؤي» (2).

تمهيد في تقييد بعض الأحكام ببعض الأزمنة و الظروف

لا إشكال و لا شكّ في أنّ الإسلام قد جعل كثيرا من أحكامه و تكاليفه على موضوعات مقيّدة ببعض الأزمنة و الظروف بحيث لا يكون المكلّف مختارا في إتيانها في أيّ زمان شاء؛و من جملة ذلك ما يكون ظرفه بعض الشهور القمريّة بدوا أو ختما أو من البدو إلى الختم أو بعض الأيّام الواقعة فيه؛فمثلا قال اللّه تعالى في تحديد ظرف الصوم: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (3) (4)و قال في الحجّ: اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ... (5) (6)و على هذا فللشهور القمريّة و أهلّتها موقعيّة خاصّة في دائرة

ص: 7


1- سوره 1 - آیه 1
2- -شرايع الإسلام،ج 1،ص 181.
3- سوره 2 - آیه 185
4- -البقرة(2):185.
5- سوره 2 - آیه 197
6- -البقرة(2):197.

امتثال التكاليف و العبادات الموقّتة كالصيام و الزكاة و الحجّ،كما أنّها كذلك بالنسبة إلى محلّ ديون الناس و عدد نساءهم و ساير أمورهم العادية؛فقد ورد في الخبر:«أنّ معاذ بن جبل سأل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،ما بال الهلال يبدو دقيقا كالخيط ثمّ يزيد حتى يستوي ثمّ لا يزال ينقص حتّى يعود كما بدأ،فنزلت:

يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَ الْحَجِّ... (1) (2)-بحار الأنوار،كتاب السماء و العالم،ج 55،ص 118؛و راجع لنحوه:مجمع البيان، المجلّد الأوّل،الجزء الثاني،ص 283.(3) » (2)و أيضا قال اللّه تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ... (4) (5).

و المعتبر في تعرّف أوائل الشهور أصالة هو الأهلّة دون العدد على ما يذهب إليه قوم من شذاذ المسلمين (6)،فقد ورد في الخبر:«إذا صمت لرؤيته و أفطرت لرؤيته فقد أكملت صيام شهر رمضان» (7).

و الشهر القمريّ قد يكون كاملا يتكوّن من ثلاثين يوما و قد يكون ناقصا يتكوّن من تسعة و عشرين يوما،و لا يكون ثمانية و عشرين و لا واحدا و ثلاثين يوما بحال من الأحوال.0.

ص: 8


1- سوره 2 - آیه 189
2- -البقرة
3- :189.
4- سوره 10 - آیه 5
5- -يونس(10):5.
6- -راجع:تهذيب الأحكام،ج 4،صص 154 و 155؛ملاذ الأخيار،ج 6،صص 448 و 449؛ بحار الأنوار،ج 55،ص 375.
7- -مستدرك الوسائل،الباب 4 من أبواب أحكام شهر رمضان،ح 13،ج 7،ص 410.

محطّ البحث هل يكفي رؤية الهلال في قطر من الأقطار لسائر الأقطار

و السؤال هنا هو أنّه لو ثبتت رؤية هلال شهر من الشهور في قطر من الأقطار،فهل يكفي ذلك لسائر الأقطار أيضا و يجب عليهم العمل بالتكاليف الواردة في ذلك الشهر،أو لا يكفي إلاّ للقطر الّذي رؤي فيه الهلال؟

صور المسألة

اشارة

فنقول:إنّه قد بحث الأعلام عن المسألة المذكورة في ضمن صور متعدّدة،و لكنّا نجمعها في الصورتين التاليتين،و هما:

الصورة الأولى:إذا كانت رؤية الهلال خارج البلد و في حواليه القريبة

أو في إحدى البلاد المتقاربة التي كانت متحدة معه في الأفق (1)من دون اختلاف من حيث المطالع كالكوفة و بغداد،ففي هذه الصورة تكفي الرؤية

ص: 9


1- -الأفق و الأفق،جمعه آفاق:الناحية،و له في اصطلاح أهل الهيئة معنيان:الأوّل:الأفق الحقيقيّ،و هو محيط الدائرة العظيمة التي تنصف كرة الأرض بنصفين متساويين بحيث يمرّ الخطّ القائم المارّ على رءوس أهل كلّ ناحية على مركز هذه الدائرة.و الثاني:الأفق المحليّ،و هو الّذي يراد به هنا،و هو أكبر دائرة صغيرة على سطح الأرض يراها أهل كلّ ناحية موازية للدائرة العظيمة،و على هذا أنّ من يقف على سطح الأرض في صحراء مثلا يرى من الجهات الأربع اتصال السماء بالأرض،فهذا المقدار من السماء الّذي يراه الرّائي متصلا بالأرض هو المسمّى بالأفق المحليّ،و قيل:إنّ الأفق في كلّ منطقة من مناطق الأرض هو المحلّ الّذي تطلع و تغرب فيه الشمس و القمر و سائر النجوم؛قال في المعجم الوسيط، ج 1،ص 21 في معناه:«خطّ دائريّ يرى فيه المشاهد السّماء كأنّها ملتقية بالأرض،و يبدو متعرّجا على اليابس،و مكوّنا دائرة كاملة على الماء».

المذكورة لذاك البلد أيضا و إن لم ير الهلال فيه لجهة من الجهات كالغيم و غلظة الأبخرة و كدرة الهواء و نحوها،و لا يعتبر أن تكون الرؤية في نفس ذاك البلد،من دون خلاف و لا إشكال في ذلك كما في الجواهر (1)،بل عليه الإجماع كما في المستند (2)،بل عليه جمهور فقهاء العامّة،و إن قال بعض الشافعيّة منهم في تحديد مسافة البلدين المتقاربين:إنّه لا بدّ من ملاحظة الفرق بين البلد القريب و البعيد بحسب مسافة القصر،فإذا كان بينهما أقلّ من مسافة أربعة و عشرين فرسخا فهما قريبان و إلاّ فلا (3).

أجل،روي عن عكرمة أنّه قال:«لكلّ أهل بلد رؤيتهم»و هو مذهب القاسم و سالم و إسحاق بن راهويه (4).و ظاهر كلامهم عدم الفرق بين البلاد المتقاربة و المتباعدة.

و الدليل على ما قلناه،مضافا إلى ما مرّ من عدم الخلاف أو الإجماع و مضافا إلى الملازمة بينهما بسبب اتحاد أفقهما،هو إطلاق الروايات الآتية، بل في بعضها التصريح بذلك.

قال في كشف الغطاء:«متى يثبت الحكم في مكان بثبوت الهلال،تمشّى منه إلى الأماكن القريبة؛فإذا ثبت في مكّة أو المشهد الرضويّ أو بغداد أو بلاد الشام أو بلاد أصفهان،ثبت في نواحيها و جميع البلدان المقاربة لها،فالبصرة تتبع بغداد،و المدينة مكّة،و بعلبك الشام،و هكذا.و لا يسري إلى البلاد النائية،فلا يلحق العراق بمكّة،و لا بغداد بأصفهان،و هكذا» (5).9.

ص: 10


1- -جواهر الكلام،ج 16،ص 360.
2- -مستند الشيعة،ج 10،صص 420 و 423.
3- -الفقه على المذاهب الأربعة،ج 1،ص 550؛الفقه الإسلامىّ و أدلّته،ج 2،ص 605.
4- -المغني و يليه الشرح الكبير،ج 3،ص 7؛المجموع للنووي،شرح المهذّب للشيرازي، ج 6،ص 183.
5- -كشف الغطاء،ج 4،ص 59.

الصورة الثانية:إذا كانت رؤية الهلال في إحدى البلاد المتباعدة

كبغداد و خراسان و نحوهما من البلاد الّتي لم تكن متّحدة في الأفق بل اختلفت من حيث المطالع،

أقوال العلماء في كفاية الآفاق المتباعدة

اشارة

ففي هذه الصورة وقع الخلاف بين العلماء في كفاية تلك الرؤية لسائر البلاد على أقوال متعدّدة،أنهاها بعض علماء العامّة إلى ستّة،و إن كان بعضها عندهم من الأقوال الشاذّة (1)،و أمّا علماء الخاصّة فلهم فيها ثلاثة أقوال،و هي:

القول الأوّل:عدم الكفاية

،بل لكلّ بلد حكم نفسه،و هذا مقالة المحقّق الحليّ في المعتبر و أيضا في الشرائع الّذي اشتهر في الألسن ب:«قرآن الفقه» و قد سبقه في ذلك جمع من قدماء الأصحاب رحمهم اللّه كالشيخ الطوسي في المبسوط،و ابن حمزة في الوسيلة،و القاضي ابن البرّاج في المهذّب، و قطب الدين الكيدري في إصباح الشيعة. (2)

و أيضا تبعه في هذا الرأي يحيى بن سعيد الحليّ في الجامع،و العلاّمة في الإرشاد و القواعد و التلخيص و التذكرة،و فخر الإسلام في الإيضاح،و الشهيد الثاني في المسالك و حاشية الإرشاد،و المحقّق الأردبيليّ في مجمع الفائدة و البرهان،و السيّد العامليّ في المدارك،و المحدّث الكاشاني في المفاتيح ناسبا هذا الرأي إلى الأكثر،و الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كشف الغطاء،و السيد اليزديّ في العروة و جمع آخر من الأعلام (3)،بل في الحدائق

ص: 11


1- -المجموع،ج 6،ص 183.
2- -راجع:شرايع الإسلام،المصدر السابق؛المعتبر،ج 2،ص 689؛المبسوط،ج 1، ص 268؛الوسيلة،ص 141؛المهذّب،ج 1،ص 190؛إصباح الشيعة،ص 134.
3- -الجامع للشرائع،ص 154؛إرشاد الأذهان،ج 1،ص 303؛قواعد الأحكام،ج 1، ص 387؛تلخيص المرام،ص 53؛تذكرة الفقهاء،ج 6،صص 122 و 123؛إيضاح الفوائد،ج 1،ص 252؛الدروس الشرعيّة،ج 1،ص 285؛مسالك الأفهام،ج 2،ص 52؛ حاشية الإرشاد،المطبوع في ضمن غاية المراد،ج 1،ص 335؛مجمع الفائدة و البرهان، ج 5،صص 294 و 295؛مدارك الأحكام،ج 6،صص 172 و 173؛مفاتيح الشرائع،ج 1، ص 257،مفتاح 285؛كشف الغطاء،ج 4،ص 59؛مشارق الشموس،ج 2،ص 474؛العروة الوثقى،كتاب الصوم،مسألة 4 من مسائل طرق ثبوت الهلال؛غنائم الأيّام،ج 5،ص 291؛ تحرير الوسيلة،ج 1،ص 297،مسألة 6.

أنّه قد صرّح بهذا القول جملة من الأصحاب،بل الظاهر أنّه المشهور،و نسب في الوافي هذا القول إلى الشهرة بين متأخّري الأصحاب،بل في المستمسك نقل الإجماع عليه بلسان قيل. (1)

و هذا القول هو رأي بعض الشافعيّة،إلاّ أنّهم-كما ذكرنا سابقا-يحدّدون البعد بأن كان بين البلدين أكثر من مسافة قصر الصلاة،و هي عندهم أربعة و عشرون فرسخا (2).

قال العلاّمة رحمه اللّه في ضابط التباعد:«اختلفت الشافعيّة في الضابط لتباعد البلدين،فبعضهم اعتبر مسافة القصر.و قال بعضهم:الاعتبار بمسافة يظهر في مثلها تفاوت في المناظر،فقد يوجد التفاوت مع قصور المسافة عن مسافة القصر؛للارتفاع و الانخفاض،و قد لا يوجد مع مجاوزتها لها؛و هذا لا قائل به.

و بعضهم اعتبر ما قلناه و ضبطوا التباعد:بأن يكون بحيث تختلف2.

ص: 12


1- -الحدائق الناضرة،ج 13،ص 263؛الوافي،ج 11،ص 121؛مستمسك العروة الوثقى، ج 8،ص 470.
2- -راجع:المصادر السابقة من الفقه على المذاهب الأربعة،و الفقه الإسلامي و أدلّته،و المغني و يليه الشرح الكبير؛المجموع،ج 6،صص 180 و 182؛بداية المجتهد و نهاية المقتصد،كتاب الصوم،الركن الأوّل،ج 1،ص 231؛مغني المحتاج للمحمّد الشربيني الخطيب،ج 1،ص 422.

المطالع،كالحجاز و العراق،و التقارب:بأن لا تختلف،كبغداد و الكوفة.

و منهم من اعتبر اتّحاد الإقليم و اختلافه.» (1)

و نقل الدكتور وهبة الزحيلي عن الصنعانيّ أنّه قال:«و الأقرب لزوم أهل بلد الرؤية و ما يتصل بها من الجهات التي على سمتها،أي على خطّ من خطوط الطول،و هي ما بين الشمال إلى الجنوب،إذ بذلك تتّحد المطالع؛ و تختلف المطالع بعدم التساوي في طول البلدين أو باختلاف درجات خطوط العرض» (2).

و إطلاق كلمات تلكم العلماء أعمّ من الخاصّة و العامّة،يشمل ما كانت الرؤية في إحدى البلاد الشرقيّة أو الغربيّة،فلا تكفي الرؤية في البلد الشرقيّ للبلد الغربيّ و بالعكس أصلا.

قال الشيخ رحمه اللّه في المبسوط:«و متى لم ير الهلال في البلد و رؤي خارج البلد-على ما بيّناه-وجب العمل به إذا كان البلدان الّتي رؤي فيها متقاربة بحيث لو كانت السماء مضحية و الموانع مرتفعة،لرؤي في ذلك البلد أيضا لاتّفاق عروضها و تقاربها،مثل بغداد و أوسط(واسط ظ)و الكوفة و تكريت و الموصل؛فأمّا إذا بعدت البلاد مثل بغداد و خراسان،و بغداد و مصر،فإنّ لكلّ بلد حكم نفسه،و لا يجب على أهل بلد العمل بما رآه أهل البلد الآخر» (3).

و قال القاضي ابن البرّاج رحمه اللّه:«و إذا كانت البلدان متقاربة و لم ير الهلال في البلد،و رؤي من خارجه-على ما قدّمنا بيانه في الشهادة-وجب العمل به،هذا إذا لم يكن في السماء علّة و كانت الموانع مرتفعة،أو كانت البلدان -كما ذكرناه-متقاربة حتى لو رؤي الهلال في أحدهما لرؤي في الآخر،مثلق.

ص: 13


1- -تذكرة الفقهاء،ج 6،ص 124؛و راجع:المجموع،ج 6،ص 183.
2- -الفقه الإسلاميّ و أدلّته،ج 2،ص 609.
3- -المبسوط،المصدر السابق.

طرابلس و صور و مثل صور و الرملة و مثل حلب و طرابلس و مثل واسط و بغداد و واسط و البصرة؛و أمّا إذا كانت البلدان متباعدة،مثل طرابلس و بغداد و خراسان و مصر و بغداد و فلسطين و القيروان و ما جرى هذا المجرى،فإنّ لكلّ بلد حكم سقعه (1)و نفسه،و لا يجب على أهل بلد ممّا ذكرناه العمل بما رآه أهل البلد الآخر» (2).

و أمّا ما ذكره العلاّمة رحمه اللّه في التحرير من قوله:«الثاني عشر:إذا رأى الهلال أهل بلد،وجب الصوم على أهل البلاد و جميع الناس،سواء تباعدت البلاد أو تقاربت.و الشيخ رحمه اللّه جعل البلاد المتقاربة الّتي لا تختلف في المطالع، كبغداد و البصرة،كالبلد الواحد؛و البلاد المتباعدة،كبغداد و مصر،لكلّ بلد حكم نفسه،و فيه قوّة...» (3)

فكلامه الأخير يشعر برجوعه عمّا ذكره أوّلا و الذهاب إلى القول المشهور،أو لا أقلّ يلوح منه التردّد في المسألة،لا الذهاب إلى القول الآتي، و إلاّ يكون ذيل كلامه مناقضا لصدره.

القول الثاني:ثبوت حكم الرؤية لسائر البلاد و على جميع المسلمين

في المشارق و المغارب في وقت واحد،و هذا مقالة جمهور فقهاء العامّة عدى بعض الشافعيّة (4)،و قد نسبه العلاّمة في التذكرة إلى«بعض علمائنا» (5).

ص: 14


1- -السقع لغة مثل الصقع،و هو الناحية من الأرض.
2- -المهذّب،المصدر السابق.
3- -تحرير الأحكام،ج 1،صص 493 و 494،الرقم 1712.
4- -الفقه الإسلاميّ و أدلّته،ج 2،صص 605-607؛و راجع في هذا المجال:المجموع،ج 6، صص 182 و 183؛الشرح الكبير لأبي البركات،ج 1،ص 510.
5- -تذكرة الفقهاء،ج 6،ص 123.

و أيضا ذهب إليه جمع من الأعلام كالمحدّث البحرانيّ في الحدائق، و المحدّث الكاشاني في الوافي خلافا لما مرّ عن مفاتيحه،و المولى أحمد النراقي في المستند،و الشيخ محمّد حسن النجفي في الجواهر،و السيّد الخوئي في مستند العروة و منهاج الصالحين،و بعض آخر (1).

و أمّا السيّد الحكيم رحمه اللّه و إن ذكر في منهاجه أنّ في هذا القول إشكالا، و لكن اختاره في مستمسكه في الجملة و في صورة خاصّة،و هي ثبوته للمناطق التي لا يعلم بعدم رؤية الهلال فيها (2).

قال ابن قدامة الكبير:«و إذا رأى الهلال أهل بلد،لزم جميع البلاد الصوم؛ و هذا قول الليث و بعض أصحاب الشافعي،و قال بعضهم:إن كان بين البلدين مسافة قريبة لا تختلف المطالع لأجلها كبغداد و البصرة،لزم أهلهما الصوم برؤية الهلال في إحداهما،و ان كان بينهما بعد،كالعراق و الحجاز و الشام، فلكلّ أهل بلد رؤيتهم.و روي عن عكرمة أنّه قال:لكلّ أهل بلد رؤيتهم، و هو مذهب القاسم و سالم و إسحاق...» (3)

و أمّا ما ذكره العلاّمة رحمه اللّه في المنتهى من قوله:«مسألة:إذا رأى الهلال أهل بلد،وجب الصوم على جميع الناس،سواء تباعدت البلاد أو تقاربت.و به7.

ص: 15


1- -الحدائق الناضرة،ج 13،صص 266-268؛الوافي،ج 11،صص 120 و 121؛مستند الشيعة،ج 10،صص 424-426؛جواهر الكلام،ج 16،صص 361 و 362؛مستند العروة الوثقى،كتاب الصوم،ج 2،صص 116-122؛منهاج الصالحين للمحقّق الخوئي،كتاب الصوم،الفصل السادس،ج 1،صص 294-300،مسألة 75؛الفتاوى الواضحة،تأليف الشهيد محمّد باقر الصدر،ج 1،ص 628؛فقه الصادق،ج 8،صص 277-281.
2- -منهاج الصالحين،كتاب الصوم،الفصل السادس،مسألة 20؛مستمسك العروة الوثقى، ج 8،ص 470.
3- -المغني و يليه الشرح الكبير،ج 3،ص 7.

قال أحمد،و الليث بن سعد،و بعض أصحاب الشافعيّ» (1).

ثمّ ذكر قول الشيخ رحمه اللّه ثمّ استدلّ على ما ذهب إليه بالوجوه الهيئويّة و الأدلّة النقليّة و العقليّة إلى أن قال في ختام كلامه:«و بالجملة إن علم طلوعه في بعض الأصقاع،و عدم طلوعه في بعضها المتباعدة عنه لكريّة الأرض،لم يتساو حكماهما،أمّا بدون ذلك فالتساوي هو الحقّ» (2).

فالحقّ-كما ذكره المحقق الخوانساريّ رحمه اللّه في المشارق (3)-أنّ ذيل كلامه يشعر برجوعه عمّا ذكره أوّلا إلى القول بالتفاوت بين البلاد المتباعدة لو علم طلوع الهلال في بعضها و عدم طلوعه في بعضها الآخر على فرض كرويّة الأرض،فهو رحمه اللّه ليس قائلا بالتساوي بين البلاد مطلقا حتى على فرض كرويّة الأرض،و حيث إنّ كرويّة الأرض أصبحت في عصرنا هذا من الأمور العلميّة الواضحة البديهيّة الّتي ليس للنقاش فيها أيّ مجال،بل اعترف بها نفس العلاّمة في التذكرة في قوله:«و نمنع تسطيح الأرض،بل المشهور كرويّتها» (4).فيستنتج من هذا ذهابه رحمه اللّه إلى القول الأوّل الموافق للمشهور.

القول الثالث:التفصيل بين رؤية الهلال في البلاد الشرقيّة

ك«دهلي» مثلا.فيثبت حكم ثبوت الهلال للبلاد الغربيّة المتباعدة ك«طهران»أيضا، و بين رؤيته في البلاد الغربيّة فلا يثبت للبلاد الشرقيّة،و ذلك لأنّ غروب الشمس في المساكن الشرقيّة كان قبل غروبها في المساكن الغربيّة،بل قال فخر المحقّقين:«كلّ بلد غربيّ بعد عن الشرقيّ بألف ميل،يتأخّر غروبه عن غروب الشرقيّ ساعة واحدة.» (5)و إن لم نتحقّق ما ذكره من النسبة بين البعد

ص: 16


1- -منتهى المطلب،ج 9،ص 252.
2- -المصدر،ص 255.
3- -مشارق الشموس،ج 2،ص 474.
4- -تذكرة الفقهاء،ج 6،ص 124.
5- -إيضاح الفوائد،ج 1،ص 252.

ألف ميل و تأخير الغروب ساعة؛و على هذا فحيث إنّ القمر لا يرجع و لا يتوقّف في سيره فالرؤية في البلاد الشرقيّة تستلزم ثبوت الهلال في البلاد الغربيّة بالأولويّة القطعيّة أيضا،و لا يمكن رؤية الهلال هناك من دون قبوله للرؤية هنا.

و هذا القول هو المعتمد عندنا،و ذلك لما مرّ من أنّ الرؤية في المساكن الشرقيّة دليل الرؤية في المساكن الغربيّة بطريق أولى،و لا يكون كذلك في عكس المسألة.

و قد صرّح بهذه الأولوّية القطعيّة جمع من الأعلام في كتبهم أو في حواشيهم على العروة الوثقى (1)و قد نسب ذلك في العامّة إلى«السبكيّ» (2).

قال الشهيد الأوّل رحمه اللّه:«و البلاد المتقاربة كالبصرة و بغداد متّحدة لا كبغداد و مصر،قاله الشيخ،و يحتمل ثبوت الهلال في البلاد المغربيّة برؤيته في البلاد المشرقيّة و إن تباعدت؛للقطع بالرؤية عند عدم المانع» (3).

فالشهيد رحمه اللّه لم يذهب إلى القول الثاني و ما احتمله كما نسب إليه بعض (4)، بل هو كان بصدد بيان الآفاق المتّحدة موضوعا.

و وجه كلامه هو ما ذكره رحمه اللّه من الألوية القطعيّة دون ما احتمله صاحب الجواهر رحمه اللّه (5)و حينئذ فيرد على الشهيد؛جعله ذلك بنحو الاحتمال مع أنّه أمر قطعيّ.1.

ص: 17


1- -راجع:مشارق الشموس،ج 2،ص 474؛التحفة السنيّة للسيّد عبد اللّه الجزائري،ص 167؛مستمسك العروة الوثقى،ج 8،ص 470؛مستند العروة الوثقى،كتاب الصوم،ج 2، ص 116؛العروة الوثقى،طبع جماعة المدرّسين،كتاب الصوم،مسألة 4 من مسائل طرق ثبوت الهلال،ج 3،ص 631،الهامش 2 للسيّد محمّد رضا الجرفادقاني(الگلپايگانى)و السيّد عبد الهادي الشيرازي.
2- -مغني المحتاج،ج 1،ص 422.
3- -الدروس الشرعيّة،ج 1،ص 285.
4- -مستند العروة الوثقى،المصدر السابق،ص 116.
5- -جواهر الكلام،ج 16،ص 361.

و أمّا ما ذكره المحقّق الخوانساريّ رحمه اللّه في شرح الدروس في مقام تأويل كلام الشهيد بقوله:«و إنّما جعل احتمالا،لاحتمال أن لا يكون بناء الأحكام الشرعيّة على أمثال تلك العلوم الدقيقة،و لا سبيل إلى استفادة ذلك من الأخبار الواردة في هذا الباب» (1)ففيه ما لا يخفى.

و لعلّ مراد من ذهب إلى القول الأوّل،هو عدم الثبوت للبلاد الشرقيّة بسبب الرؤية في البلاد الغربيّة دون العكس الّذي هو أمر بديهيّ و قطعيّ،بل من القريب جدّا أن يكون هذا مرادهم.

و يفصح عن كون مرادهم ذلك كلام المحقّق الحليّ رحمه اللّه في رسائله،حيث قال:«المسألة الحادية و العشرون،قولهم:إذا بعدت المسافة بين بلدين في رؤية الهلال فلكلّ بلد حكم نفسه؛فنقول:إذا رؤي الهلال في البلد الشرقيّ الشاسع (2)من بلدك القريب منه عرضا بحيث يكون غروب الشمس في بلدك بعد ساعة من غروبها في ذلك البلد الشرقيّ،فبالضرورة أنّ القمر يبعد عن الشمس تلك الساعة ثلاثين دقيقة أو أقلّ أو أكثر،فإذا رؤي الهلال في البلد الشرقيّ،فبالضرورة يجب أن يرى في بلدتك إذا لم يكن ثمّ مانع،فكيف أطلقوا القول بأنّ لكلّ بلد حكم نفسه؟الجواب:لا نقول:إنّ لكلّ بلد حكم نفسه مطلقا،و كيف؟و المرويّ عن الأئمّة عليهم السّلام أنّه يجب الصوم إذا شهد عدلان يدخلان و يخرجان من مصر،لكن قد يقال:إذا كانت البلدان التي رؤي فيها متقاربة بحيث لو كانت السماء مصحية و الموانع مرتفعة لرؤي في ذلك البلد أيضا،لاتّفاق عروضها و تقاربها،مثل بغداد و واسط و الكوفة و تكريت و الموصل؛هكذا ذكر شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه اللّه في المبسوط.د.

ص: 18


1- -مشارق الشموس،المصدر السابق.
2- -شسع المنزل:بعد.

و هذا يدلّك على أنّ مع العلم بأنّه متى أهلّ في بلد يعلم أنّه مع ارتفاع المانع يجب أن يرى في الآخر،كانت الرؤية فيه رؤية لذلك الآخر.أمّا إذا تباعدت البلدان تباعدا يزول معه هذا العلم فإنّه لا يجب أن يحكم لها بحكم واحد في الأهلّة،لأنّ تساوي عروضها لا يعلم إلاّ من أصحاب الإرصاد و أرباب النجوم،و هو طريق غير معلوم،و لا يحصل به الوثوق فلهذا لا يعمل به» (1).

هذا تحرير خلاف الأصحاب في المسألة.أجل،قد توقّف فيها بعض الأصحاب،كالمحقّق السبزواري حيث إنّه بعد ذكر الأقوال و أدلّتها قال:

«و المسألة عندي محلّ إشكال». (2)

أدلّة الأقوال

اشارة

استدلّ في المسألة تارة من ناحية القواعد الهيئويّة و أخرى من ناحية الأدلّة الفقهيّة؛و أمّا الإجماع على أحد الأقوال فقد مرّ نقله عن المستمسك ناسبا إلى قيل في تأييد القول الأوّل و أيضا ادّعاه في الغنائم في ردّ القول الثاني حيث قال:«و بالجملة فلا قائل به من الأصحاب،و خلاف مقتضى إجماعهم ظاهرا» (3)،و فيهما ما لا يخفى،و ذلك لتخالف الأصحاب في المسألة كما لاحظت آراءهم،بل لم توجد المسألة في كلام جمع كثير من القدماء كالصدوقين و المفيد و السيد المرتضى و ابن إدريس و أبي المجد الحلبيّ و ابن زهرة و أبي الصلاح الحلبيّ و سلاّر بن عبد العزيز و قطب الدين

ص: 19


1- -الرسائل التسع،صص 321 و 322،مسألة 21.
2- -كفاية الأحكام،ص 52؛ذخيرة المعاد،ج 3،ص 532.
3- -غنائم الأيّام،ج 5،ص 291.

الراونديّ،بل أوّل من تعرّض للمسألة في الخاصّة على ما حقّقناه على مبلغ جهدنا هو الشيخ الطوسيّ رحمه اللّه في المبسوط.

أجل،يظهر ممّا سيأتي في أدلّة مقالة المشهور من خبر كريب،و كذا الخبر الّذي روي عن محمّد بن عيسى العبيدي في شأن الحسّاب،وجود البحث حول هذه المسألة في زمان ابن عباس و الأئمّة عليهم السّلام.

و نحن نقدّم هنا ما استدلّ به القائلون بكفاية رؤية الهلال في إحدى البلدان لسائر البلاد،من الناحيتين المذكورتين آنفا،و هما:

ص: 20

الناحية الأولى: ما تفيده قواعد علم الهيئة

اشارة

استدلّ من هذه الناحية بالوجوه التالية:

الوجه الأوّل:أنّ الأرض مسطّحة؛فإذا رؤي الهلال في بعض البلاد

اشارة

عرفنا أنّ المانع في غيره شيء عارض

،على ما استدلّ به في التذكرة للقائلين باتحاد حكم البلاد (1)،و مرجعه إلى عدم اختلاف البلدان في المغارب و المطالع.

و شيّد أركان هذا الاستدلال المحدّث البحرانيّ بقوله:«و ملخّصه:أنّا نقول بوجوب الصوم أو القضاء مع الفوات متى ثبتت الرؤية في بلد آخر قريبا أو بعيدا.و ما ادّعوه من الطلوع في بعض و عدم الطلوع في آخر،بناء على ما ذكروه من الكرويّة،ممنوع.أقول:و ممّا يبطل القول بالكرويّة أنّهم جعلوا من فروع ذلك أن يكون يوم واحد خميسا عند قوم و جمعة عند آخرين و سبتا عند قوم و هكذا،و هذا ممّا تردّه الأخبار المستفيضة في جملة من المواضع، فإنّ المستفاد منها على وجه لا يزاحمه الريب و الشكّ أنّ كلّ يوم من أيّام الأسبوع و كلّ شهر من شهور السنة،أزمنة معيّنة معلومة نفس أمريّة، كالأخبار الدالّة على فضل يوم الجمعة و ما يعمل فيه و احترامه و أنّه سيّد

ص: 21


1- -تذكرة الفقهاء،ج 6،صص 123 و 124.

الأيّام و سيّد الأعياد و أنّ من مات فيه كان شهيدا و نحو ذلك،و ما ورد في أيّام الأعياد من الأعمال و الفضل،و ما ورد في يوم الغدير و نحوه من الأيّام الشريفة،و ما ورد في شهر رمضان من الفضل و الأعمال و الاحترام و نحو ذلك،فإنّ ذلك كلّه ظاهر في أنّها عبارة عن أزمان معيّنة نفس أمريّة؛و اللازم على ما ادّعوه من الكرويّة أنّها اعتباريّة باعتبار قوم دون آخرين،و مثل الأخبار الواردة في زوال الشمس و ما يعمل بالشمس في وصولها إلى دائرة نصف النهار و ما ورد في ذلك من الأعمال،فإنّه بمقتضى الكرويّة يكون ذلك من طلوع الشمس إلى غروبها،لا اختصاص به بزمان معيّن،لأنّ دائرة نصف النهار بالنسبة إلى كلّ قوم غيرها بالنسبة إلى آخرين.

و بالجملة،فبطلان هذا القول بالنظر إلى الأدلّة السمعيّة و الأخبار النبويّة أظهر من أن يخفى،و ما رتّبوه عليه في هذه المسألة من هذا القبيل،و عسى أن ساعد التوفيق أن أكتب رسالة شافية مشتملة على الأخبار الصحيحة الصريحة في دفع هذا القول إن شاء اللّه تعالى» (1).

و استدلّ في الجواهر في هذا المجال بعدم اتفاق حصول الاختلاف بين البلاد الشرقيّة و الغربيّة في المطالع و المغارب،ضرورة عدم اتفاق العلم بذلك عادة (2)و أنكر أيضا في مبحث القبلة من كتاب الصلاة كرويّة الأرض، فقال:«و ما ذكروه في إثبات ذلك لا يثمر ظنّا فضلا عن القطع،خصوصا بعد عدم موافقة الفقهاء لهم على ذلك،بل ظاهر الكتاب العزيز بخلافهم، قال تعالى: اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً (3) (4)و قال تعالى: أَ لَمْ نَجْعَلِ (5)2.

ص: 22


1- -الحدائق الناضرة،ج 13،صص 266 و 267.
2- -جواهر الكلام،ج 16،ص 361.
3- سوره 2 - آیه 22
4- -البقرة(2):22.
5- سوره 78 - آیه 6

اَلْأَرْضَ مِهاداً (1) (2) و قال تعالى: وَ إِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (3) (4)...» (5).

أقول:إنّ مسألة كرويّة الأرض-كما ذكرنا-سابقا-و كذا مسألة اختلاف البلدان في المشارق و المغارب،صارت في هذه الأعصار من الأمور البديهيّة و لا مجال لإنكارها،و إن كانت في الأزمان السابقة مورد الإشكال و البحث و لم يتّفق العلم بها لأمثال صاحب الجواهر رحمه اللّه.

و الّذي يوضح كرويّة الأرض،مضافا إلى التصاوير الجويّة و غيرها،ما نشاهده الآن من اختلاف البلدان في الليل و النهار ففي الوقت الّذي يكون هنا ليلا،يكون النهار في بعض الأقطار،و أيضا لأنّ السائر من أيّة نقطة من نقاط الأرض بنحو الاستقامة إلى الشرق لا بدّ أن ينتهى إليها من طرف الغرب و بالعكس،و ليس في الآيات و الروايات ما ينافي مسألة كرويّة الأرض و اختلاف المطالع،بل فيها ما يدلّ على ذلك (6)و إليك نموذج منها:

1-قال اللّه تعالى: وَ أَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَ مَغارِبَهَا (7) (8)-المعارج(70):40.(9)

2-و قال: رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ رَبُّ الْمَشارِقِ (10) (11)

3-و قال: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَ الْمَغارِبِ إِنّا لَقادِرُونَ (12) (7)

4-و في خبر عبيد اللّه بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:سمعته يقول:0.

ص: 23


1- سوره 78 - آیه 6
2- -النبإ(78):6.
3- سوره 88 - آیه 20
4- -الغاشية(88):20.
5- -جواهر الكلام،ج 7،ص 343.و راجع في هذا المجال أيضا:رسائل المرتضى،تأليف السيّد المرتضى رحمه اللّه،ج 3،ص 141.
6- -راجع:البيان في تفسير القرآن،للمحقّق الخوئي رحمه اللّه،صص 73-77.
7- سوره 7 - آیه 137
8- -الأعراف
9- :137.
10- سوره 37 - آیه 5
11- -الصّافات(37):5.
12- سوره 70 - آیه 40

«صحبني رجل كان يمسي بالمغرب و يغلس (1)بالفجر،و كنت أنا أصلّي المغرب إذا غربت الشمس و أصلّي الفجر إذا استبان لي الفجر،فقال لي الرجل:ما يمنعك أن تصنع مثل ما أصنع؟فإنّ الشمس تطلع على قوم قبلنا و تغرب عنّا و هي طالعة على مرقد آخرين بعد،قال:فقلت:إنّما علينا أن نصلّي إذا وجبت الشمس عنّا،و إذا طلع الفجر عندنا،ليس علينا إلاّ ذلك،و على أولئك أن يصلّوا إذا غربت عنهم» (2)؛حيث إنّ الإمام عليه السّلام يقرّه على اختلاف المشارق و المغارب و لكن ينبّهه على وظيفته الشرعيّة.

قال فخر المحقّقين في هذا المجال:«و مبنى هذه المسألة على أنّ الأرض هل هي كرويّة أو مسطّحة؟الأقرب:الأوّل،لأنّ الكواكب تطلع في المساكن الشرقيّة قبل طلوعها في المساكن الغربيّة،و كذا في الغروب فكلّ بلد غربيّ بعد عن الشرقيّ بألف ميل يتأخّر غروبه عن غروب الشرقيّ ساعة واحدة، و إنّما عرفنا ذلك بإرصاد الكسوفات القمريّة حيث بدئت في ساعات أقلّ من ساعات بلدنا في المساكن الغربيّة و أكثر من ساعات بلدنا في المساكن الشرقيّة،فعرفنا أنّ غروب الشمس في المساكن الشرقيّة قبل غروبها في بلدنا،و غروبها في المساكن الغربيّة بعد غروبها في بلدنا،و لو كانت الأرض مسطّحة لكان الطلوع و الغروب في جميع المواضع في وقت واحد،و لأنّ السائر على خطّ من خطوط نصف النهار على الجانب الشماليّ يزداد عليه ارتفاع القطب الشماليّ و انخفاض الجنوبيّ و بالعكس» (3).2.

ص: 24


1- -الغلس بالتحريك:الظلمة آخر الليل.
2- -وسائل الشيعة،كتاب الصلاة،الباب 16 من أبواب المواقيت،ج 4،صص 179 و 180،ح 22.
3- -إيضاح الفوائد،ج 1،ص 252.

و قد بحث المولى أحمد النراقي رحمه اللّه في المستند في مبحث القبلة من كتاب الصلاة عن مسألة كرويّة الأرض و ذكر هناك ذهاب أكثر عظماء علماء الشريعة إليها (1).

دلائل اختلاف البلاد في المغارب و المطالع
اشارة

أمّا مسألة اختلاف البلاد في المغارب و المطالع لأجل الاختلاف في عرضها أو طولها،فهي أيضا قد صارت من المسائل البديهيّة الواضحة في هذه الأزمنة،و لا بأس أن نشير هنا إلى بعض جوانبها ملخّصا في ضمن الأمور التالية:

الأوّل:إنّ علماء الهيئة فرضوا للكرة الأرضيّة 360 خطّا وهميّا بين

القطبين؛

الشماليّ و الجنوبيّ،و سمّوا هذه الخطوط ب:«خطوط الطول»و فرضوا لها 180 خطّا وهميّا أخر تدور حول الكرة،أكبرها خطّ الاستواء الّذي يمرّ بوسطها،و أصغرها الخطّان اللذان يحيطان بالقطبين الشماليّ و الجنوبيّ،و سمّوا هذه الخطوط ب:«خطوط العرض».

الثاني:إنّ البلاد الواقعة على خطّ طوليّ واحد و خطوط عرضيّة متقاربة

يكون مشرقها و مغربها واحدا،

بينما تكون مشارق و مغارب البلدان الواقعة على خطوط طوليّة و عرضيّة متباعدة،مختلفة.

و التفسير الفنيّ لذلك هو:أنّ الأرض لمّا كانت كرويّة،و تدور حول نفسها في كلّ 24 ساعة مرّة،و تدور مع ذلك حول الشمس في كلّ سنة مرّة،فتكون مواجهة المدن الواقعة على خطّ طوليّ واحد للشمس في زمان واحد،بينما

ص: 25


1- -مستند الشيعة،ج 4،ص 170؛و راجع أيضا في هذا المجال:تذكرة الفقهاء،ج 6، ص 123؛الحبل المتين،تأليف الشيخ البهائيّ العامليّ،مبحث القبلة،صص 193 و 194؛ غنائم الأيّام،تأليف الميرزا القميّ،كتاب الصوم،ج 5،ص 291.

تكون مواجهة المدن الواقعة على خطوط طوليّة مختلفة،مختلفة أيضا،فإنّه كلّما ازدادت الفاصلة بين المدينتين من ناحية الطول،كانت الفاصلة بين شروق الشمس و غروبها فيهما أكثر.

هذا من ناحية خطوط الطول،و أمّا بالنسبة إلى خطوط العرض،فإنّها لو كانت متقاربة،تقاربت مشارقها و مغاربها،و إذا كانت متباعدة،تباعدت؛لأنّ المدينة كلّما قربت من خطّ الاستواء طال النهار فيها،و كلّما بعدت قصر،كما أنّ البلدان الواقعة في النصف الشماليّ تختلف عن الواقعة في النصف الجنوبيّ من الكرة في طول النهار و قصره،فإذا كان طويلا في أحدهما كان قصيرا في الآخر.و على هذا الأساس عرّفوا البلدان المتحدة في الأفق بأنّها البلدان المتّفقة في مشارقها و مغاربها،أو متقاربة فيها(أي فيما إذا وقعت على خطوط طوليّة متقاربة لا على خطّ واحد)؛و عرّفوا البلدان المختلفة في الأفق بأنّها البلدان المختلفة في مشارقها و مغاربها اختلافا كثيرا.

الثالث:هناك بعض العوامل تكون مؤثّرة في إمكان رؤية الهلال في بعض

المناطق دون بعض،

و هي:

أ-اختلاف البلدان في الطول،فإذا فرضنا خروج القمر من المحاق مقارنا للغروب في مدينة ما،بحيث لا يكون الهلال قابلا للرؤية فيها لصغره،لكن سوف يصبح بعد ساعات ممكن الرؤية،لازدياد الجزء المستنير من القمر كلّما بعد عن المحاق،فإذا غربت الشمس في بلد يقع غرب تلك المدينة-بعد ساعات-فيكون الهلال قابلا للرؤية فيها،و تزداد هذه القابليّة كلّما ازدادت فاصلة المدينة الثانية طولا،مثل مدينتي طهران و لندن،فطهران تقع في خطّ طوليّ يبلغ 51/5 درجة و لندن تقع بقرب كرينويج التي هي مبدأ محاسبة

ص: 26

خطوط الطول،و لذلك تغرب الشمس في طهران قبل لندن بما يقارب ثلاث ساعات و ربع الساعة؛فإذا كان خروج القمر من المحاق مقارنا للغروب في طهران بحيث لا تمكن رؤية الهلال لصغره،لكنّه سوف يكون قابلا للرؤية عند غروب الشمس في لندن،لأنّه سوف يتضخّم المقدار المستنير من القمر في هذه الساعات لابتعاده فيها عن المحاق كما تقدّم.

ب-اختلاف البلدان في العرض،فمثلا أنّ مدينة طهران التي يكون عرضها الشماليّ 35 درجة و 41 دقيقة و 59 ثانية،يكون أطول أيّام السنة فيها ما يقرب أربع عشرة ساعة و نصف الساعة،بينما يكون النهار في النقطة المقابلة لها الواقعة في النصف الجنوبيّ من الكرة،المتحدة معها في الطول، و يكون عرضها الجنوبيّ 35 درجة و 41 دقيقة و 59 ثانية تسع ساعات و نصف ساعة تقريبا،فيكون الاختلاف بينهما خمس ساعات،فتطلع الشمس في طهران قبل تلك النقطة بساعتين و نصف الساعة و تغرب فيه بعدها بساعتين و نصف الساعة أيضا؛فإذا فرضنا أنّ خروج القمر من المحاق في تلك النقطة يكون مقارنا لغروب الشمس بحيث لا يرى الهلال فيها،فسوف يكون قابلا للرؤية في طهران عند غروب الشمس فيها،لأنّ الهلال في هاتين الساعتين و نصف الساعة يأخذ في التضخّم و يكون قابلا للرؤية.

ج-البعد و القرب من خطّ الاستواء،و ذلك لأنّ مسير القمر لمّا كان حول خطّ الاستواء تقريبا فيكون الهلال في المناطق الاستوائيّة(القريبة من خطّ الاستواء)مرتفعا عند ظهوره،بينما يكون في البلدان البعيدة عن خطّ الاستواء منبطحا غير مرتفع،و لذلك تكون الغبارات المجتمعة المانعة من رؤية الهلال في هذه المناطق أكثر من المناطق الاستوائيّة،فربما يكون بلدان

ص: 27

متحدان في الطول،و لكن لبعد أحدهما عن خطّ الاستواء،و قرب الآخر له، يرى الهلال في القريب دون البعيد.

و هناك عوامل أخرى ربما تكون مؤثرة في رؤية الهلال و عدمها،كالغيوم و كدرة الهواء و غلظة الأبخرة و كون المنطقة جبليّة و أمثال ذلك،لكنّها لا تؤثّر في البحث.

الرابع:قد يتعارض الاختلاف العرضيّ مع الطوليّ،

كما إذا كان نهار بلد أقصر من الآخر،و لكن كان طول الأوّل أقلّ بحيث يتّحد وقتا مغربهما أو يتقاربان،و يكون ظهور تفاوت النهارين في الشرق،بل قد يتأخّر المغرب في الأقصر نهارا.

و ممّا ذكر يعلم أنّ محلّ الخلاف إنّما هو في البلدين اللذين يختلفان في الطول تفاوتا فاحشا،أي بقدر يسير القمر في زمن التفاوت بحركته الخاصّة درجة أو نصف درجة،و نصف الدرجة يحصل في خمس عشرة درجة تقريبا من الاختلاف الطوليّ.

أو يختلفان في العرض تفاوتا فاحشا،بحيث يكون تفاوت مغربيهما بقدر يسير القمر فيه بحركته الخاصّة الدرجة أو نصفها،و هو أيضا يكون إذا اختلف نهار البلدين بقدر ثلاث ساعات أو ساعتين لا أقلّ،ليكون تفاوتهما المغربيّ نصف ذلك،حتّى يسير القمر سيرا معتدّا به فيه.

و قد يتعارض الاختلافان الطوليّ و العرضيّ،و الخبير بعلم هيئة الأفلاك يقدر على استنباط جميع الشقوق،و استنباط أنّ الرّؤية في أيّ من البلدين -المختلفين طولا أو عرضا بالقدر المذكور-توجب ثبوتها في الآخر،و لا عكس.فالخلاف يكون في الرؤية في بغداد لبلدة قشمير،لتقارب عرضهما،

ص: 28

و أقليّة طول بغداد بخمس و عشرين درجة تقريبا.و في الرؤية بمصر لبغداد، إذ مع التفاوت العرضيّ قليلا يكون طول مصر أقلّ بسبع عشرة درجة.و كذا الطوس،لزيادة طوله بثلاثين درجة تقريبا.و في الرؤية في صنعاء يمن لبغداد و مدائن،إذ مع تقارب الطول يختلفان عرضا بتسع عشرة درجة تقريبا.و في أصفهان لبلدة لهاور،لاختلافهما في الطول باثنين و ثلاثين درجة تقريبا.بل في بغداد لطوس،لتفاوت طوليهما اثنتي عشرة درجة تقريبا (1).

الوجه الثانى:ما ذكره في المنتهى بقوله:

«و لو قالوا:إنّ البلاد المتباعدة تختلف عروضها فجاز أن يرى الهلال في بعضها دون بعض؛لكريّة الأرض.

قلنا:إنّ المعمور منها قدر يسير هو الربع،و لا اعتداد به عند السماء.» (2).

و الظاهر أنّ مراده رحمه اللّه ب:«عروضها»أعمّ من طول البلاد و عرضها،و قد عرفت وجهه فيما ذكرنا آنفا.

و قال في الجواهر أيضا في مقام ردّ مقالة المشهور:«لكنّه قد يشكل بمنع اختلاف المطالع في الربع المسكون،إمّا لعدم كرويّة الأرض بل هي مسطّحة، فلا تختلف المطالع حينئذ،و إمّا لكونه قدرا يسيرا لا اعتداد باختلافه بالنسبة إلى علوّ السماء» (3).

و توضيحه:أنّ المناطق المسكونة و المعمورة من الأرض بالنسبة إلى المناطق التي لا تصلح لسكنى الناس و تعيّشهم،قدر يسير لا اعتداد بها

ص: 29


1- -راجع:مستند الشيعة،ج 10،صص 421-424؛الموسوعة الفقهيّة الميسرة،للشيخ محمّد عليّ الأنصاريّ،ج 1،صص 87-91.
2- -منتهى المطلب،ج 9،ص 255.
3- -جواهر الكلام،ج 16،ص 361.

بالنسبة إلى سعة السماء و علوّها،و حينئذ فإذا رؤي الهلال في إحدى المساكن رؤي في ساير المساكن أيضا و إن لم نقل بتسطيح الأرض و سلّمنا كرويّتها.

و فيه:ما أورد عليه المحقّق الخوانساريّ رحمه اللّه بقوله:«ضعفه ظاهر،لظهور كريّة الأرض و التفاوت في الطلوع و الغروب و طول النهار و قصره بين البلاد بحسب اختلاف العرض و الطول على ما هو مضبوط في العلوم الهيويّة بحيث لا يحوم حوله شوب شكّ و شبهة» (1).

و مراده رحمه اللّه هو أنّ المناطق المسكونة في الأرض و إن كانت يسيرة بالنسبة إلى علوّ الفضاء،إلاّ أنّها وسيعة في حدّ نفسه و تكون بسبب كرويّتها ذات مغارب و مشارق و تختلف أماكنها أفقا،بل ربما يكون اختلاف مطلع قطرين من أقطارها ساعات كثيرة،و على هذا فلا تكفي الرؤية في أفق لسائر الآفاق.

الوجه الثالث:ما ذكره المحقّق الخوئي رحمه اللّه

بعنوان ما تقتضيه الحالة الكونيّة بنحو مبسوط،و هذا نصّ كلامه:«لا نرى أيّ وجه لاعتبار الاتحاد عدا قياس حدوث الهلال و خروج القمر عن تحت الشعاع بأوقات الصلوات، أعني شروق الشمس و غروبها،فكما أنّها تختلف باختلاف الآفاق و تفاوت البلدان،بل منصوص عليه في بعض الأخبار بقوله عليه السّلام:«إنما عليك مشرقك و مغربك...» (2)فكذا الهلال.

و لكنّه تخيّل فاسد و بمراحل عن الواقع،بل لعلّ خلافه ممّا لا إشكال فيه بين أهل الخبرة،و إن كان هو مستند المشهور في ذهابهم إلى اعتبار الاتحاد؛ فلا علاقة و لا ارتباط بين شروق الشمس و غروبها،و بين سير القمر بوجه.

ص: 30


1- -مشارق الشموس،ج 2،ص 474.
2- -وسائل الشيعة،كتاب الصلاة،الباب 20 من أبواب المواقيت،ح 2،ج 4،ص 198.

و ذلك لأنّ الأرض بمقتضى كرويّتها يكون النصف منها مواجها للشمس دائما و النصف الآخر غير مواجه كذلك و يعبّر عن الأوّل في علم الهيئة بقوس النهار،و عن الثاني بقوس الليل،و هذان القوسان في حركة و انتقال دائما حسب حركة الشمس أو حركة الأرض حول نفسها على الخلاف في ذلك، و إن كان الصحيح بل المقطوع به في هذه الأعصار هو الثاني.

و كيفما كان فيتشكّل من هاتيك الحركة حالات متبادلة من شروق و غروب،و نصف النهار،و نصف الليل،و بين الطلوعين،و ما بين هذه الأمور من الأوقات المتفاوتة.

و هذه الحالات المختلفة منتشرة في أقطار الأرض و متشتّة في بقاعها دائما،ففي كلّ آن يتحقّق شروق في نقطة من الأرض و غروب في نقطة أخرى مقابلة لها؛و ذلك لأجل أنّ هذه الحالات إنّما تنتزع من كيفيّة اتّجاه الكرة الأرضيّة مع الشمس الّتي عرفت أنّها لا تزال في تبدّل و انتقال،فهي نسبة قائمة بين الأرض و الشمس.

و هذا بخلاف الهلال فإنّه إنّما يتولّد و يتكّون من كيفيّة نسبة القمر إلى الشمس من دون مدخل لوجود الكرة الأرضيّة في ذلك بوجه؛بحيث لو فرضنا خلوّ الفضاء عنها رأسا،لكان القمر متشكّلا بشتّى أشكاله من هلاله إلى بدره و بالعكس كما نشاهدها الآن.

و توضيحه:أنّ القمر في نفسه جرم مظلم و إنّما يكتسب النور من الشمس نتيجة المواجهة معها،فالنصف منه مستنير دائما،و النصف الآخر مظلم كذلك،غير أن النصف المستنير لا يستبين لدينا على الدوام،بل يختلف زيادة و نقصا حسب اختلاف سير القمر؛فإنّه لدى طلوعه عن الأفق من نقطة

ص: 31

المشرق مقارنا لغروب الشمس بفاصل يسير،في الليلة الرابعة عشرة من كلّ شهر بل الخامسة عشرة-فيما لو كان الشهر تامّا-يكون تمام النصف منه المتّجه نحو الغرب مستنيرا حينئذ لمواجهته الكاملة مع النيّر الأعظم،كما أنّ النصف الآخر المتّجه نحو الشرق مظلم.

ثمّ إنّ هذا النور يأخذ في قوس النزول في الليالي المقبلة،و تقلّ سعته شيئا فشيئا حسب اختلاف سير القمر إلى أن ينتهي في أواخر الشهر إلى نقطة المغرب بحيث يكون نصفه المنير مواجها للشمس،و يكون المواجه لنا هو تمام النصف الآخر المظلم؛و هذا هو الّذي يعبّر عنه ب:«تحت الشعاع و المحاق»،فلا يرى منه أيّ جزء،لأنّ الطرف المستنير غير مواجه لنا،لا كلاّ كما في الليلة الرابعة عشرة،و لا بعضا كما في الليالي السابقة عليها أو اللاحقة.ثمّ بعدئذ يخرج شيئا فشيئا عن تحت الشعاع،و يظهر مقدار منه من ناحية الشرق و يرى بصورة هلال ضعيف،و هذا هو معنى تكوّن الهلال و تولّده؛فمتى كان جزء منه قابلا للرؤية و لو بنحو الموجبة الجزئيّة فقد انتهى به الشهر القديم و كان مبدءا لشهر قمريّ جديد.

إذا فتكون الهلال عبارة عن خروجه عن تحت الشعاع بمقدار يكون قابلا للرؤية و لو في الجملة،و هذا كما ترى أمر واقعيّ وحدانيّ لا يختلف فيه بلد عن بلد،و لا صقع عن صقع،لأنّه كما عرفت نسبة بين القمر و الشمس لا بينه و بين الأرض،فلا تأثير لاختلاف بقاعها في حدوث هذه الظاهرة الكونيّة في جوّ الفضاء.و على هذا فيكون حدوثها بداية لشهر قمريّ لجميع بقاع الأرض على اختلاف مشارقها و مغاربها،و إن لم ير الهلال في بعض مناطقها لمانع خارجيّ من شعاع الشمس أو حيلولة الجبال و ما أشبه ذلك.

ص: 32

أجل،إنّ هذا إنّما يتّجه بالإضافة إلى الأقطار المشاركة لمحلّ الرؤية في الليل و لو في جزء يسير منه بأن تكون ليلة واحدة ليلة لهما و إن كانت أوّل ليلة لأحدهما و آخر ليلة للآخر؛المنطبق-طبعا-على النصف من الكرة الأرضيّة دون النصف الآخر الّذي تشرق عليه الشمس عند ما تغرب عندنا، بداهة أنّ الآن نهار عندهم فلا معنى للحكم بأنّه أوّل ليلة من الشهر بالنسبة إليهم.

و لعلّه إلى ذلك يشير سبحانه و تعالى في قوله: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَ رَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (1) (2)باعتبار انقسام الأرض بلحاظ المواجهة مع الشمس و عدمها إلى نصفين لكلّ منهما مشرق و مغرب،فحينما تشرق على أحد النصفين تغرب عن النصف الآخر و بالعكس؛فمن ثمّ كان لها مشرقان و مغربان، و الشاهد على ذلك قوله سبحانه: يا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ (3) (4)الظاهر في أنّ هذا أكثر بعد و أطول مسافة بين نقطتي الأرض؛إحداهما مشرق لهذا النصف،و الأخرى مشرق للنصف الآخر.و عليه فإذا كان الهلال قابلا للرؤية في أحد النصفين حكم بأنّ هذه الليلة أوّل الشهر بالإضافة إلى سكنة هذا النصف المشتركين في أنّ هذه الليلة ليلة لهم و إن اختلفوا من حيث مبدء الليلة و منتهاها حسب اختلاف مناطق هذا النصف قربا و بعدا طولا و عرضا؛فلا تفترق بلاد هذا النصف من حيث الاتفاق في الأفق و الاختلاف في هذا الحكم،لما عرفت من أنّ الهلال يتولّد-أي يخرج القمر من تحت الشعاع-مرّة واحدة؛إذا فبالنسبة إلى الحالة الكونيّة و ملاحظة واقع الأمر، الفرق بين أوقات الصلوات و مسألة الهلال في غاية الوضوح حسبما عرفت» (5).0.

ص: 33


1- سوره 55 - آیه 17
2- -الرحمن(55):17.
3- سوره 43 - آیه 38
4- -الزخرف(43):38.
5- -مستند العروة الوثقى،كتاب الصوم،ج 2،صص 116-120.

و قد ذكر نحو ذلك ملخّصا في منهاجه (1).

أقول:إنّ القمر كرة صغيرة تابعة للأرض،يبعد عنها قريب 384400 كم، حجمه 012%حجم الأرض،يكتسب نوره من الشمس فينعكس على الأرض فيرفع ظلمة الليل،و يسمّى بالقمر لبياضه،و يدور حول نفسه في كلّ شهر مرّة واحدة،كما أنّه يدور في هذه المدّة حول الأرض أيضا مرّة من المغرب إلى المشرق،و هو كالأرض نصفه يواجه الشمس فيكون نيّرا و يكون الوقت في المناطق الواقعة فيه نهارا و نصفه الآخر لا يقابل الشمس فيكون مظلما و يكون الوقت في المناطق الواقعة فيه ليلا،فإذا ما دار القمر حلّ الليل في المناطق الّتي كانت في النصف النيّر و طلع النهار في المناطق التي كانت في النصف المظلم،و لا يرى أهل الأرض إلاّ طرفا واحدا منه بسبب اقتران الدورتين معا،و على هذا فلا يصحّ ما قد يقال من أنّ القمر لا يدور حول نفسه و ليست له حركة دوريّة على محوره،و لذلك يواجه الأرض دائما بطرف واحد،و قد أشرف الإنسان على طرفه الآخر لأوّل مرّة سنة 1959 ميلاديّة بواسطة السفينة الروسيّة،بل القمر مجذوب بجاذبة الأرض مثل جذب ذرّة حديد بآلة مغناطيسيّة يدور معها حيث ما دارت.

الحالات المختلفة للقمر بالنسبة إلى أهل الأرض

اشارة

ثمّ إنّ للقمر بالنسبة إلى أهل الأرض حالات مختلفة بسبب كيفيّة اقترانه مع الشمس و هي:

1-«المحاق»؛

و هي الحالة الّتي يقع القمر فيها بين الشمس و الأرض بأن تكون الكرات الثلاث على خطّ واحد تقريبا لا بنحو المائة في المائة و إلاّ يتّفق الكسوف،و يعبّر عن هذه الحالة ب:«قران النيّرين»،فيكون النصف المظلم

ص: 34


1- -منهاج الصالحين،كتاب الصوم،الفصل السادس،مسألة 75،صص 296 و 297.

للقمر مواجها للأرض و النصف الآخر المستنير مواجها للشمس،لكنّه غير قابل للرؤية لأهل الأرض،و لأجل ذلك لا يرون في هذه الحالة شيئا من القمر،و هذه الحالة تكون في أواخر الشهر فيما تصير مسافة القمر عن الشمس أقلّ من 12 درجة و تستمرّ إلى أن تصير الفاصلة بمقدار 12 درجة أو أكثر،و تطول الحالة المذكورة تقريبا إلى أربعين ساعة و ثمانية و أربعين دقيقة.

2-«الهلال»؛

بعد أن يتحرّك القمر و يخرج عن حالة التوسّط التقريبيّ بين الشمس و الأرض،يرى منه جزء من الجانب المستنير و حافّته الّذي يسمّى «الهلا».و إنّما سمّي بذلك لارتفاع الأصوات عند مشاهدتها بالذكر لها و الإشارة إليها بالتكبير أو التهليل،و منه قيل:استهلّ الصبيّ؛إذا ظهرت صوته بالصياح عند الولادة،و سمّي الشهر شهرا لاشتهاره بالهلال.

و يعتبر ذلك بداية الحركة الدوريّة للقمر حول الأرض و تسمّى ب:

«الحركة الاقترانيّة»لأنّ بدايتها تقدر من حين اقتران القمر بالأرض و الشمس و توسطه بينهما،و ظهور الهلال في أوّل الشهر يكون عند غروب الشمس و يرى فوق الأفق الغربيّ بقليل ثمّ يختفي تحت الأفق الغربيّ،و لهذا لا يكون واضح الظهور و كثيرا ما تصعب رؤيته.

3-«التربيع الأوّل»؛

ثمّ إنّ القسم المستنير يأخذ بالتزايد حتى يصل إلى الربع،و ذلك في الليلة السابعة من الشهر،و يعبّر عنه ب:«التربيع الأوّل».

4-«البدر»؛

و هكذا يتزايد الجزء المستنير حتى يرى في الليلة الرابعة عشر نصف القمر تماما،و هذا يسمّى:«البدر»لأنّه يبادر بالطلوع عند غروب الشمس.و في هذه الحالة تكون الأرض بينه و بين الشمس.

ص: 35

5-«التربيع الثاني»؛

ثمّ يأخذ السطح المستنير في النقصان حتى يرى في الليلة الحادية و العشرين ربعه،فيقال لهذه الحالة:«التربيع الثاني».

6-ثمّ يستمرّ نقصان السطح المستنير شيئا فشيئا حتّى لا يرى منه إلاّ

الهلال.

ثمّ بعد تلك الحالة لا يرى منه شيء و يدخل في حالة المحاق الّذي تقدّم بيانه،فإذا خرج من هذه الحالة و رؤي منه بمقدار الهلال،قد تمّ الشهر الهلاليّ السابق و بدأ شهر هلاليّ جديد،و انتهاء هذا الشهر أيضا يكون بخروج القمر من المحاق ثانيا.

فما ذكره المحقّق الخوئي رحمه اللّه في كيفيّة حدوث الشهر القمريّ و ما يظهر من الحالات المختلفة في طوال الشهر،كلام حقّ لا غبار عليه،و كذا لا إشكال فيما ذكره من عدم مدخليّة للأرض في أصل حدوث الهلال و ساير الحالات،بل هي تحدث و تتكوّن من كيفيّة نسبة القمر إلى الشمس بلحاظ موضع الناظر من دون ملاحظة الكرّة الأرضية أصلا بحيث لو فرضنا خلوّ الفضا عن الأرض رأسا،لكان القمر متشكّلا بأشكاله المختلفة من الهلال و التربيع الأوّل و البدر و نحوها لمن كان ناظرا إليه من موضع من الفضاء،و لكن في كلامه رحمه اللّه خلط ظاهر بين أصل حدوث الحالات و بين نوع الحالات الحادثة،ففي الأوّل لا مدخليّة للأرض بعنوان محلّ الناظر،بل الأمر كذلك و لو كان الناظر في الفضاء،و أمّا في الثاني فلا يصحّ ما قاله،بل لأمكنة الرؤية مدخليّة تامّة في تغيّر الحالات قطعا،و أنّ عروض تلكم الحالات تتغيّر بتغيّر موضع الرؤية و تغيّر زاوية نظر الناظر إليه من حادّة أو قائمة أو غيرهما،فمثلا إذا كانت حالة القمر للناظر في موضع من مواضع الفضاء بنحو الهلال،ففي

ص: 36

ذلك الوقت بعينه لو انتقل ذلك الناظر إلى موضع خاصّ آخر من الفضاء بحيث تغيّرت زاوية نظره إليه بتغيّر موضعه من القمر و الشمس،يرى القمر مثلا بحالة التربيع،و لو انتقل إلى مكان ثالث يراه بحالة أخرى،و هكذا؛ و الأمر كذلك لو فرضنا الناظر في مواضع متعددة من نفس الأرض أيضا، فمثلا لو شاهدنا القمر في هذه الليلة هنا في حالة البدر،توجد في الأرض مناطق لا يشاهد فيها قسم مستنير القمر في هذه الحالة،بل إمّا أن يصل إليها في الليل الآتي أو وصل إليها في الليل السابق ثمّ أخذ في النقصان.

و بالجملة ليست تلك الأحوال المذكورة من الأمور التكوينيّة المطلقة الثابتة في كلّ الأحوال و الشرائط و الأمكنة بحسب وضع القمر بالنسبة إلى الشمس من دون لحاظ الناظر و موقعيته،بل هي أمور نسبيّة تحدث للناظر بما له من الموقعيّة المكانيّة و الزمانيّة و بملاحظة كيفيّة وضع القمر بالنسبة إلى الشمس.

بحثنا في مسألة الهلال بحث شرعيّ لا بحث طبيعيّ أو رياضيّ

و المهمّ الّذي لا بدّ أنّ نصرّ عليه هنا و نلفت نظر القارئ إليه،هو أنّ محلّ البحث بيان وظيفة العباد الذين يسكنون الأرض،حيث إنّ خطابات الشرع في مثل:«إذا رأيتم الهلال فصوموا...»متوجهة إليهم،و رؤيتهم هي التي تكون موضوع صومهم أو فطرهم أو مناسك حجّهم؛فلا ينبغي الصفح عن محلّ سكناهم في الأرض بما لها من المدخليّة الأساسيّة في كيفيّة ظهور تلكم الحالات المختلفة و منها الهلال،و لا معنى لإلغاء محلّ الناظر معلّلا بعدم مدخليّة الأرض في تكوّن الأحوال المذكورة.

و ببيان آخر-سيأتي تفصيله-ليس بحثنا في مسألة الهلال بحثا طبيعيّا أو رياضيّا،بل بحثا شرعيّا من جهة أنّ الهلال جعل ميقاتا للناس و موضوعا

ص: 37

لحجّهم و صيامهم و نحو ذلك من متعلقات الأحكام الشرعيّة،و موضوع الحكم يجب أن يكون في متناول اطلاع المكلّفين،و في أعصارنا و إن اخترعت وسائل الارتباط و الاطلاع العالميّ من الراديو و التلفزيون و نحوهما،و لكن في عصر تشريع الأحكام الشرعيّة لم يكن في متناول اطلاع المكلّفين إلاّ هلال أفق بلدهم أو ما قاربه،فتذكّر.

أضف إلى ذلك،أنّه لو لم تكن مدخليّة للأرض في كيفيّة تلك الأحوال كالبدر و الهلال و نحوهما،فلم اقتصر رحمه اللّه على الأقطار المشاركة لمحلّ الرؤية في الليل و لو في جزء يسير منه،بأن تكون ليلة واحدة لهما،و إن كانت أوّل ليلة لأحدهما و آخر ليلة للآخر،المنطبقة على النصف من الكرة الأرضيّة،مع أنّ لازم كلامه أن يكون حدوث الهلال و تكوّنه بداية شهر قمريّ لجميع بقاع الأرض على اختلاف مغاربها و مشارقها حتى النصف الآخر من الكرة؟ و على هذا فإذا كان التشارك في النصف لازما،علم دخالة أفق الأرض طلوعا و غروبا في ذلك.

و لا يندفع هذا النقض بما أجاب رحمه اللّه به من الآيات الواردة في بيان تعدّد المغارب و المشارق،إذ في هذا أيضا قياس حدوث الهلال بشروق الشمس و غروبها،و قد ذكر رحمه اللّه في بدء كلامه أنّ هذا القياس تخيّل فاسد.

ص: 38

الناحية الثانية: ما تفيده الأدلّة الفقهيّة

استدلّ القائلون بكفاية الرؤية في منطقة لسائر المناطق بعدّة وجوه فقهيّة،

و هي:
الوجه الأوّل:نصوص البيّنة الواردة في رؤية الهلال ليوم الشكّ

في رمضان أو شوّال و أنّه في الأوّل يقضي يوما لو أفطره؛مثل ما رواه الشيخ الطوسيّ رحمه اللّه بإسناده عن الحسين بن سعيد،عن الحسن،عن صفوان،عن منصور بن حازم،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:«صم لرؤية الهلال و أفطر لرؤيته،فإن شهد عندك شاهدان مرضيّان بأنّهما رأياه فاقضه» (1).

و السند صحيح.

و أيضا ما رواه بإسناده عن عليّ بن مهزيار،عن عمرو بن عثمان،عن المفضّل،و عن زيد الشحّام جميعا،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن الأهلّة فقال:«هي أهلّة الشهور،فإذا رأيت الهلال فصم و إذا رأيته فأفطر».قلت:

أ رأيت إن كان الشهر تسعة و عشرين يوما،أقضي ذلك اليوم؟فقال:«لا،إلاّ يشهد لك بيّنة عدول،فإن شهدوا أنّهم رأوا الهلال قبل ذلك،فاقض ذلك اليوم» (2).

ص: 39


1- -وسائل الشيعة،كتاب الصوم،الباب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان،ح 8،ج 10،ص 254.
2- -المصدر،الباب 5 منها،ح 4،صص 262 و 263.

و السند صحيح،و ذلك لأنّ«المفضّل بن صالح الأسديّ»و إن ضعّف في الرجال،و لكن وقع في السند في طبقته«زيد بن يونس الشحّام»و هو ثقة.

إلى غيرهما من الأخبار الكثيرة المتفرّقة في الأبواب المختلفة (1).

حيث إنّ مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين ما إذا كانت الرؤية في بلد الصائم أو حواليه أو في ساير البلاد المتحدة معه في المطالع أو المختلفة،و على هذا فهو مثلا يوم من شهر رمضان في بعض البلاد للرؤية،و في الباقي بالشهادة، فيجب صومه،لقوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (2) (3).

قال ابن قدامة الكبير في هذا المجال:«و إذا رأى الهلال أهل بلد،لزم جميع البلاد الصوم...لنا:قول اللّه تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (4) و قول النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للأعرابيّ لمّا قال له:آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من السنة؟قال:«نعم»؛و قوله للآخر لمّا قال له:ما ذا فرض اللّه عليّ من الصوم؟ قال:«شهر رمضان».و أجمع المسلمون على وجوب صوم شهر رمضان،و قد ثبت أنّ هذا اليوم من شهر رمضان بشهادة الثقات،فوجب صومه على جميع المسلمين،و لأنّ شهر رمضان ما بين الهلالين،و قد ثبت أنّ هذا اليوم منه في سائر الأحكام من حلول الدين و وقوع الطلاق و العتاق و وجوب النذور و غير ذلك من الأحكام،فيجب صيامه بالنصّ و الإجماع،و لأنّ البيّنة العادلة شهدت برؤية الهلال فيجب الصوم كما لو تقاربت البلدان» (5).3.

ص: 40


1- -راجع:نفس المصدر السابق،ح 17،19،20 و 21،صص 266-268؛و كذا:الباب 3 منها،ح 28،ص 260؛و الباب 6 منها،ح 1 و 2،صص 275 و 276؛و الباب 8 منها،ح 1، صص 278؛مستدرك الوسائل،الباب 8 من أبواب أحكام شهر رمضان،ح 2،3 و 4،ج 7، صص 417 و 418.
2- سوره 2 - آیه 185
3- -البقرة(2)،185.
4- سوره 2 - آیه 185
5- -المغني و يليه الشرح الكبير،ج 3،صص 7 و 8؛و راجع لنحوه:كلام العلاّمة رحمه اللّه في منتهى المطلب،ج 9،ص 253.

أقول:قد أورد الشيخ الأعظم الأنصاريّ رحمه اللّه على التمسّك بإطلاق هذه الروايات بأنّ المراد منها بيان حكم انكشاف كون يوم الشكّ من رمضان بعد فرض ثبوت الكاشف،و ليست في مقام بيان حكم الكاشف و أنّه يحصل بمجرّد رؤيته في بلد من البلاد و لو كان في غاية البعد؛فكما لا دلالة في هذا الإطلاق على الشروط المعتبرة في البيّنة،فكذا لا دلالة على الشروط المعتبرة في البلد (1).

و لكنّ الحقّ أنّ النصوص المذكورة كما تكون في مقام بيان حكم الانكشاف،كذلك بإطلاقها دالّة على حكم الكاشف،إذ الملاك في التمسّك بالإطلاق هو البيان لا المقصود الأصليّ المجهول لنا.

أجل،إطلاقها من ناحية الكاشف لا يكون بحيث يعمّ كفاية رؤية الهلال في بلد للحكم بثبوته في جميع البلاد حتى المتباعدة التي تختلف معه في الأفق،بل النصوص منصرفة في تلك الأزمان عرفا و بحكم الغلبة إلى شهادة من رأى الهلال في حوالي البلد أو في البلاد المتقاربة منه،فإنّه المرتكز في أذهان العرف المخاطب بالحكم الشرعيّ آنذاك،مثل شهادة أهل مكّة بالنسبة إلى المدينة أو الكوفة إلى بغداد،و ذلك لأنّ في أزمنة صدور الروايات المذكورة كانت المسافرة من البلاد البعيدة كبلخ و مرو و بخارا إلى الكوفة أو المدينة تطول مدّة طويلة كشهر أو أزيد،و بعد مضيّ تلك المدّة الطويلة و تحمّل مشاقّ السفر،انصرفت الأذهان عن مسألة رؤية الهلال في تلك الأماكن،و توجّهت الهمم إلى أمور أخر غير زمان بداية شهر رمضان أو شوّال أو ذي الحجّة و أمثالها،و لا يسأل أحد أحدا غالبا عن زمان رؤية تلك الشهور،بل ربما ينسون أنّ أوّل الشهر أيّ يوم كان.6.

ص: 41


1- -كتاب الصوم للشيخ الأعظم رحمه اللّه،ص 256.

و هذه النكتة هي السرّ في السكوت العامّ الحاكم على روايات الرؤية و عدم الإشارة فيها إلى مسألة اختلاف البلدان في الأفق،فلا يدلّ هذا السكوت على كون بداية الشهر القمريّ واحدة لجميع بقاع الأرض؛معلّلا بأنّه لو لم يكن كذلك،فكان اللازم الإشارة في الأخبار إلى حدود اختلاف البلدان في الأفق و التصريح بعدم ثبوت الهلال في بلد إذا كان مختلفا مع بلد الرؤية في الأفق.

و بما ذكرنا يظهر ضعف ما ذكره المولى أحمد النراقيّ رحمه اللّه في مقام دفع الإشكال بقوله:«فإن قيل:المطلقات إنّما تنصرف إلى الأفراد الشائعة، و ثبوت هلال أحد البلدين المتباعدين كثيرا في الآخر نادر جدّا.قلنا:

لا أعرف وجها لندرته،و إنّما هي تكون لو انحصر الأمر في الثبوت في الشهر الواحد،و لكنّه يفيد بعد الشهرين و أكثر أيضا.و ثبوت الرؤية بمصر في بغداد أو بغداد لطوس أو للشام في أصفهان و نحو ذلك بعد شهرين أو أكثر ليس بنادر؛لتردّد القوافل العظيمة فيها كثيرا» (1).

الوجه الثاني:إطلاق بعض النصوص الخاصّة،

و إليك نصّ جملة منها:

1-ما رواه الشيخ الطوسي بإسناده عن سعد بن عبد اللّه،عن أحمد بن محمّد،عن الحسين بن سعيد،عن محمّد بن أبي عمير،عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال فيمن صام تسعة و عشرين،قال:«إن كانت له بيّنة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤية قضى يوما» (2).

و السند صحيح.

تقريب الاستدلال:أنّ الإمام عليه السّلام علّق القضاء على الشهادة على أهل

ص: 42


1- -مستند الشيعة،ج 10،صص 425 و 426.
2- -وسائل الشيعة،المصدر السابق،الباب 5 منها،ح 13،ص 265.

مصر،و هو نكرة شايعة متناولة للجميع على البدل و أنّها تدلّ بمقتضى إطلاقها بوضوح على أنّ الرؤية في مصر كافية لسائر الأمصار،و إن لم ير فيها الهلال من غير غيم أو أيّ مانع آخر،و لم يقيّد فيها بوحدة الأفق مع أنّ آفاق البلاد تختلف جدّا حتّى في الممالك الصغيرة كالعراق،فإنّ شمالها عن جنوبها كشرقها عن غربها يختلف اختلافا فاحشا،فعدم التقييد و الحالة هذه و هو عليه السّلام في مقام البيان،يكشف طبعا عن الإطلاق.

2-و ما رواه بإسناده عن الحسين بن سعيد،عن فضالة،عن أبان بن عثمان،عن إسحاق بن عمّار قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن هلال رمضان يغمّ علينا في تسع و عشرين من شعبان؟فقال:«لا تصمه إلاّ أن تراه،فإن شهد أهل بلد آخر أنّهم رأوه فاقضه،و إذا رأيته من وسط النهار فأتمّ صومه إلى الليل» (1).

و الحديث موثّق ب:«إسحاق بن عمّار»و أيضا على المشهور ب:«أبان بن عثمان»حيث قيل:إنّه من الناووسيّة،و لكن نقل صاحب الجواهر (2)عن المحقّق الأردبيليّ أنّ الموجود في النسخة التي كانت عنده من الكشيّ،أنّه من القادسيّة دون الناووسيّة؛و القادسيّة موضع في العراق.

3-و أيضا ما رواه بإسناده عن الحسين بن سعيد،عن القاسم،عن أبان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن هلال رمضان يغمّ علينا في تسع و عشرين من شعبان فقال:«لا تصم إلاّ أن تراه،فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه» (3).4.

ص: 43


1- -المصدر السابق،الباب 8 منها،ح 3،صص 278 و 279.
2- -جواهر الكلام،ج 42،ص 342.
3- -وسائل الشيعة،المصدر السابق،الباب 12 منها،ح 2،ص 293؛و أيضا:الباب 3 منها،ح 9،ص 254.

و في السند:«القاسم»و هو القاسم بن محمّد الجوهريّ،و لم يوثّق و لم يمدح في الرجال،بل ذكر الشيخ رحمه اللّه أنّه واقفيّ (1)،يروي عنه الحسين بن سعيد،و روى هو عن أبان بن عثمان في مواضع (2).

فالسند غير صحيح،و لكن عبّر عنه المحقّق الخوئي رحمه اللّه بالصحيح (3)بناء على ما ذهب إليه في الرجال من وثاقة كلّ من وقع في أسناد كامل الزيارات لابن قولويه (4).

و تقريب الاستدلال بهما كالسابق عليهما،حيث دلّتا بمقتضى الإطلاق على كفاية الرؤية في بلد لسائر البلاد،سواء اتّحد أفقها مع بلد الرؤية أم اختلف.

و الحقّ عدم ورود ما قيل في ردّ دلالة هذه الرواية و سابقتها،من أنّهما تنفيان البيّنة الداخليّة،أي البيّنة القائمة من نفس البلد،و ذلك لأنّ المفروض فيهما وجود الغيم في سماء البلد.

4-و أيضا ما رواه بإسناده عن الحسين بن سعيد،عن حمّاد،عن شعيب، عن أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن اليوم الّذي يقضى من شهر رمضان؟فقال:«لا تقضه إلاّ أن يثبت شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة متى كان رأس الشهر».و قال:«لا تصم ذلك اليوم الّذي يقضى إلاّ أن يقضي أهل الأمصار،فإن فعلوا فصمه» (5).

و السند صحيح.3.

ص: 44


1- -رجال الطوسيّ،أصحاب الكاظم عليه السّلام،ص 358،الرقم 1.
2- -راجع:جامع الرواة،ج 2،ص 20.
3- -مستند العروة الوثقى،كتاب الصوم،ج 2،ص 121.
4- -راجع:معجم رجال الحديث،ج 14،ص 54.
5- -وسائل الشيعة،المصدر السابق،الباب 12 منها،ح 1،صص 292 و 293.

قال المجلسيّ رحمه اللّه:«قوله عليه السّلام:«إلاّ أن يثبت شاهدان عدلان»قال بعض العلماء:يعني عادلين في مذهبهما،انتهى.أقول:كأنّ فيه تقيّة مع أنّ غير الاثني عشريّ غير عادل،فمع التقيّة أظهر عليه السّلام الحقّ» (1).

و قد جعل في مستند العروة هذه الرواية بملاحظة ما ورد فيها من قوله عليه السّلام:«جميع أهل الصلاة»و قوله:«يقضي أهل الأمصار»أوضح الروايات على عدم اختصاص رأس الشهر القمريّ ببلد دون بلد،و إنّما هو حكم وحدانيّ عامّ لجميع المسلمين على اختلاف بلادهم من حيث اختلاف الآفاق و اتحادها،فمتى قامت البيّنة على الرؤية من أيّ قطر من أقطار هذا المجموع،و هم كافّة أهل الصلاة،كفى (2).

أقول:يرد على الاستدلال بتلكم الروايات أيضا ما ذكرنا من عدم إطلاق لها حتى تعمّ البلاد المتباعدة المختلفة المطالع،بل تحمل على الفرد الغالب المنساق إلى الذهن،و لا أقلّ من الشكّ فيه.

و أمّا الرواية الأخيرة التي ادّعى أنّها أوضح من الجميع،فقد ورد فيها بعض التعابير و الألفاظ التي لا تلائم آداب العربيّة و الفصاحة،فمثلا أنّ المتفاهم من قوله:«شاهدان عدلان من جميع أهل الصلاة»هو كون الشاهدين منبعثين من بين جميع أهل الصلاة،و المتفاهم من قوله:«إلاّ أن يقضي أهل الأمصار»اعتبار قضاء جميع أهل الأمصار في وجوب قضاء الشخص دون رؤية أهل مصر واحد،و هذا ينتج أنّ رؤية البلد الواحد لا تثبت أوّل الشهر لجميع البلاد،فالرواية على خلاف المطلوب أدلّ؛كما أنّه قد استشكل فيه المحقّق الخوانساريّ رحمه اللّه أيضا بقوله:«...لا يخلو متنها عن2.

ص: 45


1- -ملاذ الأخيار،ج 6،صص 453 و 454.
2- -راجع:مستند العروة الوثقى،المصدر السابق،صص 121 و 122.

اشتباه،و كأنّه عليه السّلام أشار إلى تعليق وجوب القضاء بشهادة العدلين من بين جميع المسلمين أو بشيوع الرؤية بين أهل الأمصار،و يمكن أن يقال:إنّ العدلين من بين جميع المسلمين لا عموم له قربا و بعدا بالنسبة إلى العدلين، بل التعميم فيه فيمن لم ير،فهو مطلق يمكن حمله على القريب بقرينة التعارف كما عرفت في غيرها من الروايات،و عموم أهل الأمصار يفيد اعتبار القريب و البعيد جميعا،و لا يدلّ على جواز الاكتفاء بالبعيد كما هو مطلوبه رحمه اللّه؛و حيث لا يمكن اعتبار الجميع على ما هو معلوم من الخارج فيحمل على مصر كلّ أحد،و لا يفيده ذلك أصلا كما لا يخفى» (1).

الوجه الثالث:الخبر الوارد في شأن الحسّاب و المنجّمين،

و هو ما رواه محمّد بن الحسن الطوسي بإسناده عن محمّد بن الحسن الصفّار،عن محمّد بن عيسى قال:«كتب إليه أبو عمر:أخبرني يا مولاي!إنّه ربّما أشكل علينا هلال شهر رمضان فلا نراه و نرى السماء ليست فيها علّة و يفطر الناس و نفطر معهم،و يقول قوم من الحسّاب قبلنا:إنّه يرى في تلك الليلة بعينها بمصر و إفريقيّة و الأندلس،هل يجوز-يا مولاي!-ما قال الحسّاب في هذا الباب حتّى يختلف الفرض على أهل الأمصار فيكون صومهم خلاف صومنا، و فطرهم خلاف فطرنا؟فوقّع:«لا تصومنّ الشكّ (2)أفطر لرؤيته و صم لرؤيته» (3).

و الحديث صحيح سندا،و إن كان«أبو عمر»مجهولا لنا،لأنّ ظاهر الخبر أنّ محمّد بن عيسى رأى توقيع الإمام عليه السّلام بعينه،و الضمير في«إليه»يرجع

ص: 46


1- -مشارق الشموس،ج 2،ص 473.
2- -في وسائل الشيعة،طبعة المكتبة الإسلاميّة،ج 7،ص 215:«لا صوم من الشكّ...».
3- -وسائل الشيعة،الباب 15 من أبواب أحكام شهر رمضان،ح 1،ج 10،ص 297.

إلى أبي جعفر الثاني عليه السّلام؛و ذلك لما ذكر النجاشيّ من أنّ محمّد بن عيسى العبيدي روى عنه عليه السّلام مكاتبة و مشافهة (1).

و تقريب الاستدلال:أنّ الإمام عليه السّلام نهى السائل عن العمل بقول الحسّاب لمكان الشكّ من قولهم بالرؤية في تلك البلاد البعيدة،فيفهم من ذلك أنّه لو كان قاطعا بقولهم في ذلك،لكان له حكمهم و لزمه العمل بقولهم في رؤية تلك البلاد.

قال المحدّث الكاشانيّ رحمه اللّه في شرح الرواية:«يعني:لا تدخل في الشّكّ بقول الحسّاب و اعمل على يقينك المستفاد من الرّؤية،و هذا لا ينافي وجوب القضاء لو ثبتت الرّؤية في بلد آخر بشهود عدول.و إنّما لم يجبه عليه السّلام عن سؤاله عن جواز اختلاف الفرض على أهل الأمصار صريحا،لأنّه قد فهم ذلك ممّا أجابه به ضمنا،و ذلك لأنّه قد فهم من كلامه عليه السّلام أنّ اختلاف الفرض إن كان لاختلاف الرّؤية فجائز و إن كان لجواز الرّؤية بالحساب فغير جائز، و لا فرق في ذلك بين البلاد المتقاربة و المتباعدة كما قلناه» (2).

أقول:إنّ دلالة الرواية على عكس المطلوب أوضح،حيث إنّ الإمام عليه السّلام كان بصدد بيان قاعدة كليّة لجميع الناس في جميع الأصقاع تأكيدا لأهميّة إحراز الموضوع و تحقّقه حتى يترتّب عليه الحكم و أنّ الأمور المشكوكة لا تصلح للموضوعيّة،و في الحقيقة يقول عليه السّلام:حيث إنّ موضوع الصوم و الفطر هو رؤية الهلال،فإن كنت شاكّا في تحقّقه في بلدك-و إن تحقّق في إفريقيّة و الأندلس على ما يقوله الحسّاب-فلا تصم حتّى ترى الهلال،و لا يكون موضوع حكمك ما ليس في متناول يدك،و هو رؤية الهلال في مصر أو3.

ص: 47


1- -رجال النجاشيّ،ص 333،الرقم 896.
2- -الوافي،ج 11،ص 123.

الأندلس،بل الموضوع هنا أمر يسهل الوصول إليه و الظفر به،و هو الرؤية في بلدك أو حواليه أو البلاد المتقاربة منه،و لذا لم يقل عليه السّلام في جوابه:«لو تيقّنت من قول الحسّاب بالرؤية هناك،كفى لك ذلك هنا».

فجوابه عليه السّلام هنا يكون نظير ما مرّ في خبر عبيد اللّه بن زرارة من قوله عليه السّلام:

«...إنّما علينا أن نصلّي إذا وجبت الشمس عنّا،و إذا طلع الفجر عندنا،ليس علينا إلاّ ذلك،و على أولئك أن يصلّوا إذا غربت عنهم» (1).

و أيضا يكون نظير ما رواه حريز عن أبي أسامة أو غيره قال:صعدت مرّة جبل أبي قبيس و الناس يصلّون المغرب،فرأيت الشمس لم تغب،إنّما توارت خلف الجبل عن الناس،فلقيت أبا عبد اللّه عليه السّلام فأخبرته بذلك،فقال لي:«و لم فعلت ذلك؟!بئس ما صنعت،إنّما تصلّيها إذا لم ترها خلف جبل، غابت أو غارت ما لم يتجلّلها سحاب أو ظلمة تظلّها،و إنّما عليك مشرقك و مغربك،و ليس على الناس أن يبحثوا» (2).

قال الشيخ الطوسيّ رحمه اللّه في مقام نفي التنافي بين هذا الخبر و بين ما اعتبره في غيبوبة الشمس من زوال الحمرة من ناحية المشرق ما هذا لفظه:«لأنّه لا يمتنع أن يكون قد زالت الحمرة عنها و إن كانت الشمس باقية خلف الجبل، لأنّها تغرب عن قوم و تطلع على آخرين،و إنّما نهى عن تتبّعها و صعود الجبل لرؤيتها،لأنّ ذلك غير واجب،بل الواجب عليه مراعاة مشرقه و مغربه مع زوال اللبس و الأعذار» (3).3.

ص: 48


1- -وسائل الشيعة،كتاب الصلاة،الباب 16 من أبواب المواقيت،ج 4،صص 179 و 180،ح 22.
2- -نفس المصدر،الباب 20 منها،ح 2،ص 198.
3- -الاستبصار،ج 1،ص 266،ذيل ح 23.

فلسان تلك الرواية الواردة في شأن الحسّاب،لسان ما ورد في بعض الروايات الأخر،مثل قوله عليه السّلام:«إذا رأيتم الهلال فصوموا،و إذا رأيتموه فأفطروا،و ليس بالرأي و لا بالتظنيّ،و لكن بالرؤية» (1)و قوله عليه السّلام:«إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض اللّه فلا تؤدّوا بالتظنيّ» (2).

و كأنّ الإمام عليه السّلام أعرض عن جواب سؤال السائل صريحا و أجابه بما يفيده في مقام العمل،و إن كان يفهم من خلاله جواب السؤال أيضا؛حيث إنّ السائل لم يسأل الإمام عليه السّلام عن تكليفه بالصيام و لم يكن له في ذلك إشكال؛ لأنّه صرّح بعدم رؤيته و عدم رؤية الناس الهلال من دون وجود علّة في السماء،بل الظاهر أنّ في استخراج أهل الحساب كانت الرؤية ممتنعة في بلده حيث أناط إمكان الرؤية على نظرهم بتلك البلاد البعيدة خاصّة،فهو كان بانيا على عدم دخول شهر رمضان في بلده على ما هو المرتكز في ذهنه من عدم كفاية الرؤية في البلاد البعيدة لبلده على فرض الوقوع،و لكنّه كان شاكّا في اختلاف الآفاق و أنّه هل تجوز الرؤية في بلد فيترتّب عليها أحكام الرؤية و عدم الرؤية في آخر فلا يترتّب عليها أحكامها،و لعلّه كان يتخيّل أنّ الأرض مسطّحة،فتأمّل.

الوجه الرابع:ما رواه الكليني عن عدّة من أصحابنا،

عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد،عن القاسم بن محمّد الجوهريّ،عن أبي حمزة الثماليّ قال:«كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال له أبو بصير:جعلت فداك،الليلة التي يرجى فيها ما يرجى؟فقال:في ليلة إحدى و عشرين،أو ثلاث و عشرين، قال:فإن لم أقو على كلتيهما؟فقال:ما أيسر ليلتين فيما تطلب؟!قال:قلت:

ص: 49


1- -وسائل الشيعة،كتاب الصوم،الباب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان،ح 2،ج 10،ص 252.
2- -نفس المصدر،ح 16،ص 256.

فربما رأينا الهلال عندنا و جاءنا من يخبرنا بخلاف ذلك من أرض أخرى؟ فقال:ما أيسر أربع ليال تطلبها فيها...» (1).

و قد وقع في سند الوسائل طبعة آل البيت كما لا حظت:«أبي حمزة الثماليّ»و في الطبعة الأخرى:«ابن أبي حمزة الثمالي» (2)و في الكافي:

«عليّ بن أبي حمزة الثماليّ» (3)و لعلّ في المقام تصحيفا و أنّ الصحيح:«عليّ بن أبي حمزة البطائني»؛لأنّ القاسم بن محمّد الجوهريّ يروي في موارد كثيرة عن البطائني (4)الّذي كان قائد أبي بصير يحيى بن القاسم (5)،كما أنّ السائل في الرواية هنا أيضا كان أبا بصير،و قد ورد في التهذيب«عليّ»و في الفقيه«عليّ بن أبي حمزة»و لم يقيّد فيهما بالثّمالي (6).

و كيف كان فالحديث ضعيف ب:«القاسم بن محمّد الجوهريّ»و«عليّ بن أبي حمزة البطائنيّ»الّذي كان أحد عمد الواقفة.

و تقريب الاستدلال:إنّ في قوله عليه السّلام:«ما أيسر أربع ليال تطلبها فيها» دلالة على لزوم الأخذ بالهلال المرئيّ في الأفق الّذي جاء منه الخبر.

و فيه:أوّلا:ما ذكرناه من عدم إطلاق للرواية بحيث تشمل كلمة«أرض أخرى»الأراضي البعيدة،إذ البلاد التي كانت تصل منها الأخبار في تلك الأعصار هي البلاد القريبة.9.

ص: 50


1- -المصدر،الباب 32 منها،ح 3،صص 354 و 355.
2- -راجع:وسائل الشيعة،طبعة المكتبة الإسلاميّة،ج 7،ص 259.
3- -الكافي،ج 4،ص 156،ح 2.
4- -راجع مثلا:بحار الأنوار،ج 26،ص 86،ح 4.
5- -رجال النجاشيّ،صص 249 و 250،الرقم 656.
6- -تهذيب الأحكام،ج 3،ص 58،ح 201؛من لا يحضره الفقيه،ج 2،ص 102،ح 459.

و ثانيا:فبناء على ما ذكره المستدلّ لكان اللازم تحقّق الليلة التي يرجي فيها ما يرجى في ليلتين أيضا،و لكن على حساب الرؤية في أفق تلك الأرض لا في أربعة ليال.

و الظاهر أنّ الإمام عليه السّلام أراد بالأخذ بأربع ليال من باب الأخذ بالرجاء و الاحتياط لدرك فضيلة ليلة القدر على فرض وقوع الاشتباه في إحدى الرؤيتين:الرؤية في بلد السائل،و الرؤية في إحدى المناطق القريبة من بلده، التي ذكرها المخبر.

الوجه الخامس:ما ورد في دعاء صلاة يوم العيد من قوله عليه السّلام:

«أسألك (في) (1)هذا اليوم الّذي جعلته للمسلمين عيدا» (2).

بتقريب:أنّه يعلم منه أنّ يوما واحدا شخصيّا يشار إليه بكلمة«هذا»هو الّذي يكون عيدا لجميع المسلمين المتفرّقين في الأقطار المختلفة على اختلاف آفاقها،لا لخصوص بلد دون آخر.

و يؤيّد ذلك بما ورد في فضل ليلة القدر و أنّها خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) و فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) ،حيث إنّها ظاهرة في كونها ليلة واحدة معيّنة ذات أحكام خاصّة لكافّة الناس،لا أنّ لكلّ صقع و بقعة ليلة خاصّة مغايرة لبقعة أخرى.

و يؤيّد أيضا بما ورد في دعاء السمات:«و جعلت رؤيتها لجميع الناس مرئى واحدا».

و فيه:أنّه يراد بذلك،عنوان يوم العيد الّذي يفطر فيه و يكون بعد تمام

ص: 51


1- -في مستدرك الوسائل،الباب 22 من أبواب صلاة العيد،ح 2،ج 6،ص 142؛و كذا بحار الأنوار،ج 87،ص 379،ح 29:«بحقّ»بدل:«في».
2- -وسائل الشيعة،الباب 26 من أبواب صلاة العيد،ح 2 و 5،ج 7،صص 468 و 469.
3- سوره 97 - آیه 3
4- سوره 44 - آیه 4

الشهر،بمعنى أنّك جعلت الفطر عيدا للمسلمين،و إلاّ فمن المعلوم أنّ في النصف الآخر من الكرة الأرضيّة غربت الشمس،و كان نهار هذا النصف ليل الآخرين،و كذا الأمر بالنسبة إلى الآيات الواردة في شأن ليلة القدر و إلاّ يلزم أن تكون ليلة القدر مختصّة بنصف الكرة الأرضيّة دون النصف الآخر.

و أمّا ما ورد في دعاء السمات فمع الغضّ عن سنده و تسليم اعتباره فالمراد به غير معلوم،و ذلك لأنّه خلاف ما نراه بالوجدان.

الوجه السادس:بعض الوجوه الاستحسانيّة؛

مثل اتحاد الأمّة الإسلاميّة و عدم تشتّتهم في الصوم و العيد و غير ذلك؛قال الدكتور وهبة الزحيلي في بيان وجه تقدّم هذا القول الّذي هو رأي جمهور فقهاء العامّة:«و هذا الرأي (رأى الجمهور)هو الراجح لديّ،توحيدا للعبادة بين المسلمين و منعا من الاختلاف غير المقبول في عصرنا» (1).

و مثل ما ذكره المحدّث الكاشانيّ رحمه اللّه من عدم انضباط قرب البلاد و بعدها لجمهور الناس،و على هذا فلا فرق بين كون ذلك البلد المشهود برؤيته فيه من البلاد القريبة من هذا البلد أو بعيدة منه (2).

و غير خفيّ أنّ تلك الأمور الاستحسانيّة و أمثالها غير صالحة للاستدلال بها.أجل،على فرض وجود الأدلّة المعتبرة أنّها صالحة للتأييد.

ص: 52


1- -الفقه الإسلاميّ و أدلّته،ج 2،ص 610.
2- -الوافي،ج 11،ص 121.

أدلّة مقالة المشهور

البلاد المتباعدة تختلف في الرؤية باختلاف المطالع

عمدة ما استدلّ به لهذا القول هو أنّ البلاد المتباعدة تختلف في الرؤية باختلاف المطالع حيث إنّ الأرض كرويّة،و حينئذ فجاز أن يرى الهلال في بلد و لا يظهر في الآخر بسبب مانعيّة حدبة الأرض و ما أشرف و ارتفع منها، و ليس في الأخبار و الآثار ما يصرّح بكفاية الرؤية في قطر لسائر الأقطار أيضا،و إنّما النصوص في مقام بيان أصل وجوب الصوم و الفطر بسبب رؤية الهلال و أنّه لا يكفي الظنّ و الرأي في إثبات هلال الشهور،بل لا بدّ من إحرازه،و الإحراز تارة يكون برؤية المكلّف نفسه كما نطقت به صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه عليهما السّلام،قال:سألته عمّن يرى هلال شهر رمضان وحده لا يبصره غيره،أله أن يصوم؟فقال:«إذا لم يشكّ فيه فليصم وحده و إلاّ يصوم مع الناس إذا صاموا» (1)؛و أخرى بما لو رآه غيره،لوضوح عدم كون المراد رؤية الشخص بنفسه،لأنّه قد يكون أعمى أو يفوت عنه وقت الرؤية،و لكن لا بدّ أن يكون على نحو يفيد العلم أو الاطمئنان للإنسان،كأن يكون بنحو التواتر أو الشياع بين الناس من غير نكير كما ورد في موثّقة عبد اللّه بن بكير بن أعين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«صم للرؤية و أفطر للرؤية،و ليس رؤية الهلال أن يجيء الرجل و الرجلان فيقولان:رأينا،إنّما الرؤية أن يقول القائل:

ص: 53


1- -وسائل الشيعة،الباب 4 من أبواب أحكام شهر رمضان،ح 2،ج 10،ص 261؛و نحوه، ح 1،ص 260.

رأيت،فيقول القوم:صدق» (1).

و لو لم يتحقّق العلم الوجدانيّ الحاصل من رؤية نفسه أو الاطمئنان الحاصل من رؤية غيره،فلا محالة تصل النوبة إلى الطريق العلميّ،و قد نطقت روايات كثيرة بحجّية البيّنة في إثبات الهلال لو لم تحصل الشبهة و التهمة.

الأخبار الدالّة على ثبوت الشهر و هي على طوائف
اشارة

ثمّ إنّه بالتتبّع في الأبواب المختلفة يظهر أنّ الأخبار الدالّة على ثبوت الشهر و وجوب الصوم و الفطر و نحوهما برؤية الهلال على ثلاث طوائف، و هي:

الطائفة الأولى:الروايات التي تكون مطلقة و لا تكون مختصّة برؤية

المكلّف نفسه؛

مثل:

1-قوله عليه السّلام في خبر أبي العبّاس:«الصوم للرؤية و الفطر للرؤية» (2).

2-قوله عليه السّلام في خبر محمّد بن الفضيل:«صوموا للرؤية و أفطروا للرؤية» (3).

3-قوله عليه السّلام في خبر أبي خالد الواسطيّ:«صوموا لرؤيته و أفطروا لرؤيته» (4).

4-قوله عليه السّلام في صحيحة منصور بن حازم:«صم لرؤية الهلال و أفطر لرؤيته» (5).

ص: 54


1- -المصدر،الباب 11 منها،ح 14،ص 291.
2- -المصدر،الباب 3 منها،ح 4،ص 253؛و كذا الباب 11 منها،ح 12،ص 290.
3- -المصدر،الباب 3 منها،ح 5،ص 253؛و كذا الباب 5 منها،ح 7،ص 263.
4- -المصدر،الباب 3 منها،ح 17،ص 257.
5- -نفس المصدر السابق،ح 8،ص 254؛و كذا الباب 11 منها،ح 4،ص 287.

5-قوله عليه السّلام في موثّقة إسحاق بن عمّار:«صم لرؤيته و أفطر لرؤيته» (1).

6-قوله عليه السّلام في موثّقة عبد اللّه بن بكير و كذا في خبر عليّ بن محمّد القاسانيّ:«صم للرؤية و أفطر للرؤية» (2).

7-قوله عليه السّلام في موثّقة سماعة:«صيام شهر رمضان بالرؤية» (3).

8-قوله عليه السّلام في صحيحة الفضيل بن عثمان:«ليس على أهل القبلة إلاّ الرؤية و ليس على المسلمين إلاّ الرؤية» (4).

9-قوله عليه السّلام في خبر هارون بن حمزة،و كذا في خبر عبد الأعلى بن أعين:«إذا صمت لرؤية الهلال و أفطرت لرؤيته فقد أكملت صيام شهر رمضان» (5).

10-قوله عليه السّلام في حسنة أبي عليّ بن راشد،و كذا في خبر عبد اللّه بن سنان:«لا تصم إلاّ للرؤية» (6).

11-قوله عليه السّلام في خبر الفضل بن شاذان:«يصام للرؤية و يفطر للرؤية» (7).

12-قوله عليه السّلام في موثّقة عبيد بن زرارة و عبد اللّه بن بكير:«إذا رؤي الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوّال،و إذا رؤي بعد الزوال فذلك اليوم من9.

ص: 55


1- -المصدر،الباب 3 منها،ح 11،ص 255؛و راجع لنحوه:الباب 15 منها،ح 1،صحيحة محمّد بن عيسى.
2- -المصدر،الباب 3 منها،ح 19 و 13،صص 256 و 257؛و كذا الباب 11 منها،ح 14،ص 291.
3- -المصدر،الباب 3 منها،ح 6،ص 253.
4- -نفس المصدر السابق،ح 12،ص 255.
5- -نفس المصدر السابق،ح 15 و 24،صص 256 و 259.
6- -نفس المصدر السابق،ح 25 و 28،صص 259 و 260؛و كذا الباب 9 منها،ح 1،ص 281؛ و الباب 11 منها،ح 16،ص 292.
7- -المصدر،الباب 3 منها،ح 26،ص 259.

شهر رمضان» (1).

13-قوله عليه السّلام في حسنة حمّاد بن عثمان:«إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو للّيلة الماضية،و إذا رأوه بعد الزوال فهو للّيلة المستقبلة» (2).

الطائفة الثانية:الروايات التي ظاهرها التوجّه إلى رؤية المكلّف خاصّة

دون غيره؛

مثل:

1-قوله عليه السّلام في صحيحة الحلبيّ و كذا في صحيحة زيد الشحّام و كذا في أخبار كثيرة أخر:«إذا رأيت الهلال فصم و إذا رأيته فأفطر» (3).

2-قوله عليه السّلام في صحيحة محمّد بن مسلم:«إذا رأيتم الهلال فصوموا و إذا رأيتموه فأفطروا» (4).

3-قوله عليه السّلام في صحيحة محمّد بن قيس:«إذا رأيتم الهلال فأفطروا» (5).

4-قوله عليه السّلام في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه:«لا تصم إلاّ أن تراه» (6)؛و نحوه ما في موثّقة إسحاق بن عمار (7).

الطائفة الثالثة:الأخبار التي تؤكّد سعة دائرة الرؤية و تلغي الخصوصيّة الشخصيّة

كالأخبار الدالّة على حجيّة البيّنة أو الشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان.

ص: 56


1- -المصدر،الباب 8 منها،ح 5،ص 279.
2- -نفس المصدر السابق،ح 6،ص 280.
3- -المصدر،الباب 3 منها،ح 1،3،7،18،20،21،22،و 27،صص 252-260؛و كذا الباب 5 منها،ح 4 و 19،صص 263 و 267.
4- -المصدر،الباب 3 منها،ح 2،ص 252؛و كذا الباب 11 منها،ح 11،ص 289.
5- -المصدر،الباب 3 منها،ح 10،ص 255؛و كذا الباب 5 منها،ح 11،ص 265؛و الباب 11 منها،ح 6،ص 288.
6- -المصدر،الباب 3 منها،ح 9،ص 254؛و كذا الباب 12 منها،ح 2،ص 293.
7- -المصدر،الباب 8 منها،ح 3،ص 279.

و أخبار هذه الطائفة كثيرة جدّا،و قد مرّت جملة منها في تضاعيف الأبحاث السابقة،و نقتصر هنا على ذكر بعضها و نرجع القارئ المحترم إلى مصادر سائر الروايات،و هي:

1-صحيحة عبيد اللّه بن عليّ الحلبيّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال:قلت:أ رأيت إن كان الشهر تسعة و عشرين يوما،أقضي ذلك اليوم؟قال:

«لا،إلاّ أن يشهد بذلك بيّنة عدول،فإن شهدوا أنّهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم» (1).

2-صحيحة أخرى عنه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ عليّا عليه السّلام كان يقول:

«لا أجيز في رؤية الهلال إلاّ شهادة رجلين عدلين» (2).

3-صحيحة أبي أيّوب الخزّاز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قلت له:كم يجزي في رؤية الهلال؟فقال:«إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض اللّه فلا تؤدّوا بالتظنّي،و ليس رؤية الهلال أن يقوم عدّة فيقول واحد:قد رأيته، و يقول الآخرون:لم نره؛إذا رآه واحد رآه مائة،و إذا رآه مائة رآه ألف،و لا يجزي في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علّة أقلّ من شهادة خمسين، و إذا كانت في السماء علّة قبلت شهادة رجلين يدخلان و يخرجان من مصر» (3).3.

ص: 57


1- -المصدر،الباب 5 منها،ح 17،ص 266.
2- -المصدر،الباب 11 منها،ح 8،ص 288.
3- -نفس المصدر السابق،ح 10،ص 289؛و راجع في هذا المجال:ساير الروايات الواردة في الباب المذكور،أي الباب 11،صص 286-292؛و كذا الباب 5 منها،ح 9،13،19،20 و 21،صص 264-268؛و الباب 6 منها،ح 1 و 2،صص 275 و 276؛و الباب 8 منها،ح 1 و 3، صص 278 و 279؛و الباب 12 منها،ح 1-4،ص 293.
الجمع بين الطوائف الثلاث

و مقتضى الجمع بين الطوائف الثلاث عدم خصوصيّة لرؤية الشخص نفسه و لا للرؤية في خصوص بلده،بل تكفي الرؤية و لو في بعض البلاد الأخر،و لكنّ الحقّ-كما لاحظت-أنّ إطلاق تلكم الأخبار لا يكون بمثابة يفهم منه كفاية الرؤية أو الشهادة بها في منطقة لسائر المناطق مطلقا و لو كانت متباعدة عنه و اختلفت مطالعهم و أفقهم،بل النصوص المذكورة منصرفة بحكم الغلبة و بحسب الفهم العرفيّ في تلك الأعصار إلى بلد المكلّف أو حواليه أو البلاد القريبة منه،التي كانت في متناول أيديهم و يمكن لهم العثور عليه،دون البلاد البعيدة كالخراسان بالنسبة إلى المدينة أو حبشة بالنسبة إلى سمرقند و أمثالها التي كان الوقوف على أوضاع أهلّتها في تلك الأزمنة من الأمور الصعبة جدّا؛حيث كانت المسافرة تطول شهورا،و بعد مضيّ تلك المدّة و لا سيّما بملاحظة تحمّل مشاقّ السفر،انصرفت أذهان الناس غالبا عن مسألة رؤية الهلال و يوم بداية الشهور القمريّة إلى أمور أخر كانت ذات أهميّة عندهم.

أجل،كان قد يتّفق السؤال و التحقيق من ناحية بعض الخواصّ عن هلال ساير البلاد،و لكن لم يكن دائميّا؛فقد نقل في كتب العامّة عن كريب (1)أنّه قال:«إنّ أمّ الفضل (2)ابنة الحرث بعثته إلى معاوية بالشام،قال:فقدمت الشام

ص: 58


1- -و هو كما في تهذيب التهذيب،ج 4،ص 591،الرقم 6539،و شذرات الذهب،ج 1، ص 114:كريب بن أبي مسلم الهاشميّ أبو رشدين،روى عن مولاه ابن عبّاس و أمّه أمّ الفضل و أختها ميمونة بنت الحارث و عائشة و أمّ سلمة و أمّ هاني بنت أبي طالب،و روى عنه ابناه محمّد و رشدين و سليمان بن يسار و غيرهم.مات بالمدينة سنة 98 ه ق.
2- -هي كما في تهذيب التهذيب،ج 6،ص 614،الرقم 12034؛و أسد الغابة،ج 5،ص 539: لبابة بنت الحارث بن حزن...و هي أخت ميمونة زوجة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و يقال:إنّها أوّل امرأة أسلمت بعد خديجة،روت عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و روى عنها ابناها عبد اللّه و تمام و مولاها عمير بن الحارث و أنس بن مالك و كريب مولى ابن عبّاس.

فقضيت حاجتها،فاستهلّ رمضان و أنا بالشام فرأينا الهلال ليلة الجمعة،ثمّ قدمت المدينة في آخر الشهر،فسألنى ابن عباس،ثمّ ذكر الهلال،فقال:متى رأيتم الهلال؟قلت:رأيت ليلة الجمعة،قال:أنت رأيته؟قلت:نعم،و رآه الناس،و صاموا،و صام معاوية،قال:لكنّا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصومه حتّى نكمل الثلاثين أو نراه،فقلت:أ فلا تكتفي برؤية معاوية و صيامه؟قال:

لا،هكذا أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» (1).

و ما ذكرناه هو السرّ في عدم اكتفاء ابن عباس بما رؤي من الهلال في بلاد الشام و لا سيّما بملاحظة تعليله ذلك بقوله:«هكذا أمرنا رسول اللّه»و أيضا بملاحظة كون الشام غربيّة بالنسبة إلى المدينة،فلا يلزم من رؤية الهلال فيه رؤيته في المدينة،بل قد ذكر السبكيّ من العامّة أنّ هذا الأمر هو السبب في عدم قبول ابن عباس (2)؛لا الوجوه المذكورة الأخر،مثل ما ذكره العلاّمة رحمه اللّه في مقام الجواب عن هذه القضيّة بقوله:«ليس هذا دليلا على المطلوب؛ لاحتمال أنّ ابن عبّاس لم يعمل بشهادة كريب،و الظاهر أنّه كذلك؛لأنّه واحد.و عمل معاوية ليس حجّة؛لاختلال حاله عنده؛لانحرافه عن عليّ عليه السّلام و محاربته له،فلا يعتدّ بعمله» (3).

و لو كان الثبوت في بلد و قطر كافيا لجميع البلاد و الأقطار،لكان اللازم8.

ص: 59


1- -سنن أبي داود،ج 2،صص 299 و 300،الرقم 2332-السنن الكبرى للبيهقيّ،ج 4،ص 251.
2- مغني المحتاج،ج 1،ص 422.
3- -منتهى المطلب،ج 9،ص 255-و راجع لنحوه:المغني و يليه الشرح الكبير،ج 3،ص 8.

على المعصومين عليهم السّلام بيانه بنحو صريح،بل كان على المسلمين و المؤمنين التحقيق عن رؤيته في ساير البلاد بأن يبعثوا أشخاصا إلى المناطق البعيدة التي كانت قابلة لرؤية الهلال،حتّى تقع أعمالهم العباديّة كالصوم و الحج و نحوهما في ظروفها الخاصّة و أزمانها المقرّرة في الشريعة،و ذلك لأنّ المستفاد من الأدلّة أنّ شهر رمضان مثلا بوجوده الواقعيّ موضوع لوجوب الصوم،و كذا أيّام ذي الحجّة مثلا بوجودها الواقعيّ ظرف لإتيان المناسك.

ما هي وجهة نظركم في هذا الشأن؟فهل يمكن أن نلتزم أنّ المسلمين قد غفلوا عن هذه النكتة المهمّة و المعصومين عليهم السّلام أيضا أهملوها و لم يبيّنوا لهم حكم المسألة و فوّضوا بيانه إلى العلماء الذين سوف يأتون بعدهم كأمثال المحدّث البحرانيّ و المحدّث الكاشانيّ و صاحب الجواهر و غيرهم رحمهم اللّه؟

و هل لا يكون في مثل هذا الأمر تأخير البيان عن وقت الحاجة و تفويت المصلحة على العباد في الأعمال الّتي لا بدّ أن تقع في ظروفها الخاصّة بها في طوال قرون كثيرة إلى زمن هؤلاء الأعلام؟

و هل يصحّ أن يوجب الشارع أحكاما على الناس لجميع الأزمنة،و لكن يكون موضوع تلك الأحكام أمورا مجهولة ليست في متناول أيدي الناس و لا يمكن لهم الظفر به و العثور عليه و لا ينطبق على ما هو مراد الشريعة في بدو الجعل و بعده إلى أن تمضي سنون كثيرة ثمّ ينطبق على ذلك في العصور المتأخّرة بسبب التطوّرات العلميّة و التقدّمات الصناعيّة و اطلاع الناس عن رؤية الهلال في قطر من أقطار العالم عن طريق«التلغراف»،«التليفون»، «اللاسلكي»،«التليفزيون»،«الهاتف النقّال»،«الطابعة اللاسلكيّة»،«شبكة إنترنت»و غيرها من الأدوات الاتصاليّة؟

ص: 60

و هل يمكن الالتزام ببطلان حجّ من حجّ برؤية الهلال في بلادهم ليلة الجمعة مثلا ثمّ ظهر أنّ أهل المغرب رأوا الهلال بعد ثماني ساعات في ليلة الخميس،لعدم إدراكهم يوم عرفة و ليلة العيد و يومه بحسب الواقع؟

و ببيان آخر أنّ مقتضى قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَ الْحَجِّ... (1) (2)أنّ على الناس أن ينظّموا أعمالهم الموقّتة بالشهور أو الأيّام الخاصّة كالصوم و الحجّ و نحوهما على الأهلّة،و ما كان تحت اختيار الناس و اطّلاعهم في تلك الأعصار هى أهلّة بلادهم و ما قاربها لا أهلّة البلاد البعيدة التي لم يكن لهم في تلك الاعصار طريق إلى الاطّلاع عليها.

و اختلاف البلاد في تكوّن الهلال و رؤيته في آفاقها كان أمرا ثابتا بحسب الواقع،فلو كان الموضوع للصوم و الحجّ و نحوهما الهلال المتكوّن و المرئيّ في بلد مّا،و لو كان بعيدا جدّا،للزم بطلان أعمالهم إذا عملوا بها على طبق هلال بلدهم،و قد مضى على الناس قرون و هم كانوا يعملون كذلك لعدم اختراع الوسائل الإخباريّة الجديدة بعد.

و على هذا فهل يمكن أن يجعل الشارع أحكامه على موضوع لم يكن في اختيار المكلّفين و حيطة اطّلاعهم في تلك الأعصار و القرون إلى القرون الأخيرة الّتي اخترعت فيها هذه الوسائل.

و هل يمكن أن نلتزم بأنّ الشارع حكم بحجيّة البيّنة القائمة بعد ثلاثة أشهر أو أزيد على أنّ في البلدة الكذائيّة البعيدة رؤي الهلال،و بالتالي فلا بدّ لجميع الناس الذين أقيمت البيّنة عليهم أن يقضوا يوما مثلا،مع أنّ تشريع9.

ص: 61


1- سوره 2 - آیه 189
2- -البقرة(2):189.

القضاء بنحو عامّ فيما لا يمكن الأداء لجميع المكلّفين من زمن التشريع إلى أزمنة كثيرة،لعدم امكان العلم بتحقّق موضوع تكليفهم،غير متعارف،بل غير معقول،و إن كان لا مانع من ذلك بالنسبة إلى بعض الأفراد أو في برهة خاصّة من الزمان؟

ص: 62

فروع المسألة

ثمّ إنّه يتفرّع هنا فروع متعدّدة بناء على ما ذهبنا إليه في المسألة من التفصيل بين رؤية الهلال في البلاد الشرقيّة المتباعدة فيثبت للبلاد الغربيّة أيضا و بين رؤيته في البلاد الغربيّة فلا يثبت للبلاد الشرقيّة،و كذا بناء على القول الأوّل الّذي عليه المشهور إن لم يرجع ماهية و حقيقة إلى قولنا.

و أمّا على القول الثاني-الّذي كان يحكم بأنّ حكم البلاد كلّها واحد،متى رؤي الهلال في بلد و حكم على أهله بأنّه أوّل الشهر،كان ذلك الحكم ماضيا في سائر أقطار الأرض،سواء تباعدت أو تقاربت-فلا تتأتّى تلك الفروع، كما صرّح بذلك المحدّث البحراني و صاحب الجواهر رحمهما اللّه (1).

و بالجدير أن نشير قبل البحث عن هذه الفروع إلى جملة من كلمات العلماء في هذا المجال:

1-قال العلاّمة في القواعد:«و حكم المتقاربة واحد بخلاف المتباعدة، فلو سافر إلى موضع بعيد لم ير الهلال فيه ليلة الثلاثين تابعهم.و لو أصبح معيّدا و سار به المركب إلى موضع لم ير فيه الهلال لقرب الدرج ففي وجوب الإمساك نظر.و لو رأى هلال رمضان ثمّ سار إلى موضع لم ير فيه فالأقرب وجوب الصوم يوم أحد و ثلاثين،و بالعكس يفطر التاسع و العشرين» (2).

ص: 63


1- -الحدائق الناظرة،ج 13،صص 267 و 268-جواهر الكلام،ج 16،صص 361 و 362.
2- -قواعد الأحكام،ج 1،صص 387 و 388.

2-و قال في التذكرة:«ب-لو شرع في الصوم في بلد ثمّ سافر إلى بلد بعيد لم ير الهلال فيه في يومه الأوّل،فإن قلنا:لكلّ بلدة حكمها،فهل يلزمه أن يصوم معهم أم يفطر؟وجهان:أحدهما:أنّه يصوم معهم،و هو قول بعض الشافعيّة؛لأنّه بالانتقال إلى بلدهم أخذ حكمهم،و صار من جملتهم.و الثاني:

أنّه يفطر،لأنّه التزم حكم البلدة الأولى،فيستمرّ عليه،و شبّه ذلك بمن اكترى دابّة لزمه الكراء بنقد البلد المنتقل عنه.

و إن عمّمنا الحكم سائر البلاد،فعلى أهل البلدة المنتقل إليها موافقته إن ثبت عندهم حال البلدة المنتقل عنها،إمّا بقوله،لعدالته،أو بطريق آخر، و عليهم قضاء اليوم الأوّل.

ج-لو سافر من البلدة التي يرى فيها الهلال ليلة الجمعة إلى التي يرى فيها الهلال ليلة السبت،و رؤي هلال شوّال ليلة السبت،فعليهم التعييد معه و إن لم يصوموا إلاّ ثمانية و عشرين يوما،و يقضون يوما.

و على قياس الوجه الأوّل لا يلتفتون إلى قوله:رأيت الهلال،و إن قبل في الهلال قول عدل.

و على عكسه لو سافر من حيث لم ير فيه الهلال إلى حيث رؤي،فيعيّدوا التاسع و العشرين من صومه،فإن عمّمنا الحكم،و قلنا:حكمه حكم البلد المنتقل إليه،عيّد معهم،و قضى يوما؛و إن لم نعمّم الحكم و قلنا:إنّه بحكم البلد المنتقل عنه،فليس له أن يفطر.

د-لو رؤي الهلال في بلد،فأصبح الشخص معيّدا،و سارت به السفينة، و انتهى إلى بلدة على حدّ البعد،فصادف أهلها صائمين،احتمل أن يلزمه إمساك بقيّة اليوم حيث قلنا:إنّ كلّ بلدة لها حكمها،و عدمه،لأنّه لم يرد فيه

ص: 64

أثر،و يجزئه اليوم الواحد،و إيجاب إمساك بعضه بعيد.

و لو انعكس الحال،فأصبح الرجل صائما،و سارت به السفينة إلى حيث عيّدوا،فإن عمّمنا الحكم أو قلنا:إنّ حكمه حكم البلدة المنتقل إليها،أفطر، و إلاّ فلا.و إذا أفطر،قضى يوما،لأنّه لم يصم إلاّ ثمانية و عشرين يوما» (1).

3-و قال الشهيد الأوّل:«لو رأى الهلال في بلد و سافر إلى آخر يخالفه في حكمه انتقل حكمه إليه،فيصوم زائدا و يفطر على ثمانية و عشرين،حتّى لو أصبح معيّدا ثمّ انتقل أمسك،و لو أصبح صائما للرؤية ثمّ انتقل ففي جواز الإفطار نظر،و لو روعي الاحتياط في هذه الفروض كان أولى» (2).

4-و قال السيّد العامليّ:«و يتفرّع على اختلاف الحكم مع التباعد،أنّ المكلّف بالصوم لو رأى الهلال في بلد و سافر إلى آخر يخالفه في حكمه، انتقل حكمه إليه؛فلو رأى الهلال في بلد ليلة الجمعة مثلا ثمّ سافر إلى بلد بعيدة شرقيّة قد رؤي فيها ليلة السبت،أو بالعكس،صام في الأوّل إحدى و ثلاثين،و يفطر في الثاني على ثمانية و عشرين.

و لو أصبح معيّدا ثمّ انتقل ليومه و وصل قبل الزوال،أمسك بالنية و أجزأه، و لو وصل بعد الزوال أمسك مع القضاء.

و لو أصبح صائما للرؤية ثمّ انتقل،احتمل جواز الإفطار لانتقال الحكم، و عدمه لتحقّق الرؤية و سبق التكليف بالصوم.قال في الدروس:و لو روعي الاحتياط في هذه الفروض كان أولى،و لا ريب في ذلك،لأنّ المسألة قويّة الإشكال» (3).3.

ص: 65


1- -تذكرة الفقهاء،ج 6،صص 124 و 125.
2- -الدروس الشرعيّة،ج 1،ص 286.
3- -مدارك الأحكام،ج 6،ص 173.

5-و قال أبو زكريا محيي الدين النووي:«فرع:لو شرع في الصوم ببلد ثمّ سافر إلى بلد بعيد لم يروا فيه الهلال حين رآه أهل البلد الأوّل فاستكمل ثلاثين من حين صام،فإن قلنا:لكلّ بلد حكم نفسه فوجهان:أصحّهما:يلزمه الصوم معهم،لأنّه صار منهم؛و الثاني:يفطر،لأنّه التزم حكم الأوّل.و إن قلنا:

تعمّ الروية كلّ البلاد،لزم أهل البلد الثاني موافقته في الفطر إن ثبت عندهم رؤية البلد الأوّل بقوله أو بغيره،و عليهم قضاء اليوم الأوّل؛و إن لم يثبت عندهم لزمه هو الفطر،كما لو رأى هلال شوّال وحده،و يفطر سرّا.

و لو سافر من بلد لم يروا فيه إلى بلد رؤي فيه فعيّدوا اليوم التاسع و العشرين من صومه،فإن عمّمنا الحكم أو قلنا:له حكم البلد الثاني،عيّد معهم و لزمه قضاء يوم؛و إن لم نعمّم الحكم و قلنا:له حكم البلد الأوّل،لزمه الصوم.

و لو رأى الهلال في بلد و أصبح معيّدا معهم،فسارت به سفينة إلى بلد في حدّ البعد فصادف أهلها صائمين،قال الشيخ أبو محمّد:يلزمه إمساك بقيّة يومه،إذا قلنا:لكلّ بلد حكم نفسه.و استبعد إمام الحرمين و الغزاليّ الحكاية.

قال الرافعيّ:و تتصوّر هذه المسألة في صورتين:إحداهما:أن يكون ذلك اليوم يوم الثلاثين من صوم البلدين،لكن المنتقل إليهم لم يروه؛و الثانية:أن يكون التاسع و العشرين للمنتقل إليهم لتأخّر صومهم بيوم.

قال:و إمساك بقيّة النهار في الصورتين إن لم يعمّم الحكم كما ذكرنا.

و جواب الشيخ أبي محمّد مبنيّ على أنّ لكلّ بلد حكمه و أنّ للمنتقل حكم البلد المنتقل إليه؛و إن عمّمنا الحكم فأهل البلد الثاني إذا عرفوا في أثناء اليوم أنّه عيد،فهو شبيه بما سبق في باب صلاة العيد إذا شهدوا برؤية الهلال

ص: 66

يوم الثلاثين.

و لو اتّفق هذا السفر لعدلين،و قد رأيا الهلال بأنفسهما و شهدا في البلد الثاني،فهذه شهادة رؤية الهلال يوم الثلاثين،فيجب الفطر في الصورة الأولى.

و أمّا الثانية فإن عمّمنا الحكم بجميع البلاد لم يبعد أن يكون كلامهما على التفصيل السابق في باب صلاة العيد؛فإن قبلنا شهادتهم قضوا يوما و إن لم نعمّم الحكم لم يلتفت إلى قولهما.

و لو كان عكسه بأن أصبح صائما فسارت به سفينة الى قوم معيّدين،فإن عمّمنا الحكم أو قلنا:له حكم المنتقل إليه،أفطر و إلاّ فلا.و إذا أفطر قضى يوما إذ لم يصم إلاّ ثمانية و عشرين يوما» (1).

و كما لاحظت قد أشير في تلك العبائر إلى أربعة فروع مبنيّة على عدم اتحاد حكم البلاد المتباعدة،و قد تعرّض للفروع المذكورة أو بعضها جمع آخر من المصنّفين من الخاصّة و العامّة،فراجع (2).

و الظاهر أنّ أصل تلك الفروعات من تخريجات العامّة،حيث لم نعثر عليها في كتبنا الفقهيّة قبل العلاّمة الحلّي رحمه اللّه.7.

ص: 67


1- -المجموع،ج 6،صص 183 و 184.
2- -راجع:تحرير الأحكام،ج 1،ص 494،ذيل الرقم 1712؛إرشاد الأذهان،ج 1،ص 303؛ منتهى المطلب،ج 9،ص 256؛إيضاح الفوائد،ج 1،صص 251 و 252؛مسالك الأفهام، ج 2،ص 52؛فوائد القواعد،ص 321؛مجمع الفائدة و البرهان،ج 5،ص 295؛ كشف الغطاء،ج 4،ص 59؛تحرير الوسيلة،ج 2،صص 632-634،مسائل 5-8؛ مغني المحتاج،ج 1،صص 422 و 423؛الفقه الإسلاميّ و أدلّته،ج 2،ص 607.

ص: 68

تفصيل الفروع و أحكامها

اشارة

حيث إنّ الفروع المتصوّرة في المقام كثيرة،نحن نكتفي بالبحث عن الصور التي تعرّض لها الأعلام مع بيان حكمها بالبيان التالي:

الفرع الأوّل:لو أصبح في بلده الغربيّ معيّدا،فسارت سفينته أو طائرته

قبل الزوال إلى بلدة بعيدة شرقيّة،

و أهلها صائمون بصيام شهر رمضان،و لم يتناول المفطر بعد،فهل يجب عليه الإمساك بقيّة اليوم أو لا؟مثلا لو صلّى صلاة عيد الفطر في«إسلامبول»ثمّ سافر إلى«طهران»و وصل إليه قبل الزوال من آخر شهر الصيام و بعد لم يفطر،فهل هو كمن وصل إلى وطنه قبل زوال يوم الصوم حيث وجب عليه الصيام؟

قد أفتى جمع بوجوب الصوم عليه مثل الشهيدين و السيّد العامليّ رحمهم اللّه و إلى هذا ذهب جمع من فقهاء العامّة أيضا (1).

و لكن تردّد في وجوبه العلاّمة رحمه اللّه في القواعد و التذكرة،و احتمل الوجوب و عدمه كما لاحظت عبارته،بل ذهب ولده فخر الإسلام رحمه اللّه إلى عدمه،و اتّجه الشهيد الثاني رحمه اللّه أيضا في فوائده عدم الوجوب (2).

وجه الوجوب:أنّه بانتقاله إليهم صار واحدا منهم،و حينئذ فلو وصل قبل

ص: 69


1- -راجع:المصادر السابقة من الدروس و المسالك و المدارك و المجموع و الفقه الإسلاميّ و أدلّته-مغني المحتاج،ج 1،ص 423.
2- -إيضاح الفوائد،المصدر السابق-فوائد القواعد،ص 321.

الزوال أمسك بالنيّة و أجزأه،و لو وصل بعد الزوال أمسك تأدّبا لشهر رمضان مع القضاء بعده.

و وجه العدم:أنّه يلزم من ذلك تجزية اليوم،ففي بعض اليوم كان الصوم حراما عليه و في بعضه الآخر كان واجبا،هذا أوّلا؛و ثانيا:أنّه قبل السفر كان متعبّدا بالعيد و هو مناف للصوم.

و الظاهر عدم الإشكال من ناحية تجزية اليوم واجبا و حراما،و لذا وجب على المسافر أن يصوم لو حضر من السفر قبل الزوال مع حرمة الصوم عليه قبل ذلك في السفر.

و لكنّ الاحتياط يقتضي الإفطار قبل الوصول إلى البلد الآخر و القضاء بعد ذلك،و لا سيّما إذا حضر اليوم من أوّله في البلد الثاني.

الفرع الثاني:عكس ذلك،بأن سافر من البلد الشرقيّ الّذي لم ير فيه

هلال شوّال إلى البلد الغربيّ

الّذي رؤي فيه،مثلا لو سافر الصائم من طهران في آخر شهر الصيام إلى إسلامبول و قد عيّدوا اليوم،فهل يجب عليه حينئذ الإفطار أو لا؟

أفتى الشهيد الثاني رحمه اللّه في المسالك جزما بوجوب الإفطار عليه و كذا جمع من فقهاء العامّة (1).

و لكن يظهر من كلام العلاّمة في التذكرة و محيي الدين النووي في المجموع-كما لاحظت عبارتهما-الترديد في وجوب الإفطار،حيث يقولان:إن قلنا:إنّ حكمه حكم البلدة المنتقل إليها،أفطر و إلاّ فلا.

و الظاهر أنّه يعيد معهم وجوبا؛لأنّه صار واحدا منهم،سواء صام ثمانية و

ص: 70


1- -راجع:المصدرين الماضين من المسالك و الفقه الإسلاميّ؛مغني المحتاج،ج 1،ص 423.

عشرين يوما في البلد الأوّل أم تسعة و عشرين،و لكن عليه أن يقضي يوما إن صام ثمانية و عشرين؛لأنّ شهر رمضان لا يكون كذلك.

الفرع الثالث:لو رأى هلال شهر رمضان في بلد غربيّ كإسلامبول مثلا،

فصار صائما،ثمّ سافر في اليوم الثاني إلى بلد آخر شرقيّ كطهران مثلا حيث لم يروا فيه الهلال حين رآه أهل البلد الأوّل الغربيّ،بل رأوه في اليوم الثاني، فبقي في طهران إلى آخر شهر الصيام و كان الشهر تامّا ثلاثين يوما؛فهل يجب عليه صوم يوم الثلاثين،الّذي كان في الحقيقة بالنسبة إليه يوم أحد و ثلاثين أو لا؟

قد مرّ عن التذكرة و المجموع أنّ فيه وجهين:

الأوّل:يفطر؛لأنّه التزم حكم البلدة الأولى فيستمرّ عليه.

الثاني:أنّه يصوم معهم،و ذلك لأنّه بالانتقال إلى بلدهم أخذ حكمهم و صار من جملتهم.

و لكن ذهب جمع كثير إلى وجوب موافقته لهم في صوم يوم أحد و ثلاثين،منهم نفس العلاّمة رحمه اللّه في الإرشاد جازما و أيضا جعله في المنتهى هو الوجه،و ذكر في القواعد أنّه الأقرب (1).

قال فخر المحقّقين في شرح ما ذكره والده من كونه أقرب:«وجه القرب:

أنّ الاعتبار برؤية الأهلّة و عدمها إنّما هو بالموضع الّذي فيه الشخص لا بلد سكناه،و إلاّ لوجب على الغائب عن بلده الصوم برؤية الهلال في بلده إذا

ص: 71


1- -راجع:المصادر السابقة من الإرشاد و التحرير و المنتهى و الدروس و المسالك و فوائد القواعد و كشف الغطاء و مجمع الفائدة و البرهان و المدارك و تحرير الوسيلة و مغني المحتاج و الفقه الإسلاميّ و أدلّته.

لم يستهلّ في موضعه،و لما وجب عليه الصوم برؤيته في موضعه إذا لم يهلّ في بلده،و هو باطل إجماعا.و يحتمل ضعيفا عدمه هنا،لاستلزامه الزيادة على الشهر...» (1).

و الأقرب عندي أيضا وجوب الصوم عليه،بل لو رأى هلال ليلة الفطر في بلد غربيّ كإسلامبول و سافر إلى بلد شرقيّ كطهران،و كان فيه ليلة آخر الصيام،لا يبعد أن يجب عليه أيضا الصوم،و لو صام في إسلامبول ثلاثين يوما.

أجل،يتأتّى هنا أيضا ما ذكرناه من الاحتياط الّذي مرّ في الفرع الأوّل، بأن يسافر في ذاك اليوم من طهران و يفطر صومه ثمّ يقضيه بعد الشهر.

الفرع الرابع:عكس الفرع السابق؛

بأن كان آخر شعبان في بلد شرقيّ كطهران،و كان هذا اليوم بعينه أوّل رمضان في بلد غربيّ كإسلامبول،فبقي في طهران إلى الليل،ثمّ سافر إلى إسلامبول في تلك الليلة،و الحال أنّ غدا يوم ثان من شهر الصيام في إسلامبول،فبقي هناك و صام إلى آخر الشهر، و لكن كان الشهر في إسلامبول تسعة و عشرين يوما،فهل يجب عليه الإفطار في يوم عيدهم مع أنّه لم يصم إلاّ ثمانية و عشرين يوما من شهر رمضان، و على فرض الوجوب،فهل يجب عليه قضاء يوم التاسعة و العشرين أو لا؟

ذكر العلاّمة في الإرشاد و القواعد،و فخر الإسلام في الإيضاح،و الشهيد الأوّل في الدروس،و الشهيد الثاني في فوائد القواعد و المسالك،و جمع آخر (2)أنّه يفطر على ثمانية و عشرين،و لم يتعرّض أكثرهم لحكم القضاء.

ص: 72


1- -إيضاح الفوائد،ج 1،ص 252.
2- -راجع:المصادر الماضية من الإرشاد و القواعد و الإيضاح و الدروس و فوائد القواعد و المسالك و مجمع الفائدة و البرهان و المدارك و كشف الغطاء و تحرير الوسيلة و المجموع و الفقه الإسلاميّ و أدلّته.

أجل،المستفاد من بعض العبارات هو قضاء يوم؛لأنّ الصوم لا يكون ثمانية و عشرين،بل صرّح بذلك بعض (1).و هذا هو الأقرب لدينا أيضا.

الفرع الخامس:لو رأى هلال شهر الصيام في بلدة كإسلامبول ثمّ سافر

صائما إلى موضع آخر بعيد

لم ير الهلال فيه كطهران،فهل يجوز له إفطار ذلك اليوم أو لا؟

قد ظهر تردّد الشهيد الأوّل و السيّد العامليّ رحمهما اللّه ممّا نقلنا من عبائرهما في صدر المسألة و أنّه يحتمل عدم الجواز،لتحقّق الرؤية سابقا و سبق التكليف بالصوم.

و لعلّ الظاهر أنّه بالانتقال إلى البلد الثاني صار واحدا منهم،فلا يكون مخاطبا بصيام شهر رمضان،فيجوز له الإفطار.

أجل،إنّه كما ذكر الشهيدان و السيّد العامليّ رحمهم اللّه (2)حيث لم يوجد النصّ الخاصّ في هذه الفروعات،بل ما ذكر فيها أمور اجتهاديّة،فالأولى فيها مراعات الاحتياط،بل يجب ذلك في بعض فروضها،لأنّها قويّة الإشكال.

ص: 73


1- -راجع:تذكرة الفقهاء،ج 6،ص 125؛تحرير الوسيلة،ج 2،ص 633،مسألة 5؛ المجموع،ج 6،ص 183.
2- -راجع:المصادرات السابقة من الدروس و المسالك و المدارك.

ص: 74

جملة فروع أخر

ثمّ إنّ هنا فروعا كثيرة أخرى لم تذكر في كثير من العبائر،و نحن نشير هنا إلى جملة منها إجمالا،و يعلم حكمها ممّا سبق،و هى:

1-لو صام في بلد-مثلا طهران-إلى غروب الشمس،و لكن لم يفطر، فسافر إلى بلد آخر كإسلامبول و وصل إليه قبل الغروب من هذا اليوم،فهل يجب عليه تارة أخرى الإمساك إلى الغروب أم لا؟

2-لو صام في إسلامبول مثلا و سافر قبل الغروب بساعتين إلى طهران و أدرك الليل في أثناء الطريق،و لم يتناول المفطر ثمّ رجع من جديد إلى إسلامبول قبل غروب الشمس في هذا اليوم فهل يجب عليه الإمساك في إسلامبول إلى الغروب مرّة ثانية أو لا؟

3-لو صام في بلد إلى الغروب و لم يفطر ثمّ ركب طائرة فصعدت عموديّا حتّى رأى الشمس،فهل يجوز له في هذا الحال الإفطار أو لا؟

4-لو سافر في غير شهر رمضان من طهران مثلا من دون نيّة الصوم بعد زوال الشّمس،و وصل إسلامبول قبل زوال هذا اليوم،فهل يجوز له نيّة الصوم الواجب لو لم يتناول المفطر بعد أو لا؟

5-لو أصبح في طهران مثلا صائما في شهر رمضان فأفطر عمدا،ثمّ سافر إلى إسلامبول فوصل إليه قبل الفجر،فصام اليوم بعينه،فهل تجب عليه القضاء و الكفّارة أو لا؟

ص: 75

6-لو عيّد في إسلامبول مثلا و أدّى زكاة الفطرة و وصل إلى طهران قبل غروب ليلة الفطر،فهل يجب عليه زكاة الفطرة ثانيا بإدراك غروب العيد هناك أو لا؟

7-و في الفرض السّابق لو صلّى العيد في إسلامبول،فبناء على وجوب صلاة العيد،فهل يجب عليه صلاة العيد مرّة أخرى في طهران أو لا؟و أيضا بناء على استحباب صلاة العيد،فهل هي مستحبّة و مشروعة مرّة ثانية أو لا؟

8-لو كان يوم الفطر في بلدة إسلامبول فيحرم عليه الصوم قطعا،و حينئذ لو سافر إلى طهران و كان الغد يوم العيد،فهل يحرم عليه الصوم لأجل العيد مرّة أخرى أو لا،و كذا الحال في الأضحى؟

ص: 76

تتمّة:

في رؤية الهلال بالأدوات

قد مرّ سابقا أنّ للقمر،مضافا إلى حركة وضعيّة حول نفسه،حركة أخرى انتقاليّة حول الأرض من المغرب إلى المشرق في كلّ شهر مرّة واحدة،و من ثمّ يتّفق أن يقع القمر في آخر الشهر بين الشمس و الأرض بنحو تكون الكرات الثلاث على خطّ وهميّ مستقيم تقريبا لا بنحو المائة في المائة حتّى يلزم تحقّق الكسوف،و يعبّر عن هذه الحالة ب:«المحاق»و«قران النيّرين»و «تحت الشعاع»،و حيث إنّ النصف المستنير منه يكون بتمامه نحو المشرق و مواجها للشمس فلا يرى منه أيّ جزء أصلا.

ثمّ بعد ذلك ينحرف القسم المستنير إلى الشرق و يستبين جزء منه إلى أن يحدث للناظر الهلال الجديد،غير أنّ الانحراف المذكور تدريجيّ الحصول و لا يحدث المقدار المعتدّ به القابل للرؤية دفعة واحدة و فجأة بل هوينا هوينا و شيئا فشيئا؛و على هذا فلو فرضنا أنّ أوّل جزء منه يتوجّه إلى الشرق كان واحدا من آلاف جزء من أجزاء النصف المستنير من القمر،فهو لقرب عهده بالمحاق و لشدّة صغره و دقّته و ضئولته غير قابل للرؤية بالعين الاعتياديّة غير المسلّحة بالآلات المكبّرة.

و حينئذ تخطر بالبال عدّة سؤالات،و هي:

1-هل يكفي العلم بخروج القمر عن تحت الشعاع،الحاصل من قواعد الفلك و ضوابط علم النجوم فيما إذا لم ير الهلال في الأرض بالعين المجرّدة

ص: 77

لشدّة هزله و صغره،و لكنّا نعلم بتحقّق الخروج عن المحاق حسب قواعد علم النجوم؟

2-هل تكفي رؤية ذاك الجزء الصغير الضئيل بالأدوات المستحدثة و النظّارات القويّة و الراصدات الفلكيّة من سطح الأرض؟

3-هل تكفي رؤيته بالصعود إلى السماء بالطائرات النفّاثة و السفن الفضائيّة و استعمال الأقمار الصناعيّة؟

فأقول:لا شكّ في عدم ثبوت الأحكام المترتّبة على رؤية الهلال و ثبوت الشهر أو بعض أيّامه الخاصّة،للعباد الذين يسكنون الأرض،بالصعود إلى الجوّ بالطيّارات و أمثالها،على ما يسمع قد يفعل في هذه الأزمنة،و ذلك لاختلاف أفق ساكني الأرض مع أفق ركّاب الطائرة أو ملاّحو سفينة الفضاء، هذا أوّلا،و ثانيا:إنّ الموضوع لترتّب الأحكام-كما سيأتي بيانه-هو حدوث الهلال للناظر الساكن في الأرض بحيث كان قابلا للرؤية له بالعين الاعتياديّة،لا مجرّد العلم بخروج جزء صغير من تحت الشعاع و المحاق بواسطة الصعود إلى السماء.

و أمّا ترتيب الآثار على العلم بخروجه عن المحاق بالمحاسبات النجوميّة أو رؤيته بالأدوات و المعدّات المستحدثة كالتلسكوپ،مع عدم قابليّة الهلال للرؤية في الأرض بالعين المجرّدة،ففيه خلاف،لأنّه قد يقال:

إنّ الرؤية الواردة في الأخبار المأثورة عن المعصومين عليهم السّلام طريق محض لثبوت الهلال،حيث إنّ الرؤية من المفاهيم الطريقيّة المحضة،إلاّ إذا صرّح بموضوعيّتها المحضة،كما هو كذلك في مسألة الشهادة على الزنا،و على هذا فالملاك هو وجود الهلال واقعا و لو ثبت من غير طريق الرؤية.

أقول:المستفاد من الأخبار-التي ذكرناها سابقا في ضمن ثلاث طوائف-أنّ العبرة في باب ثبوت هلال الشهر بخروجه عن تحت الشعاع

ص: 78

بمثابة يكون قابلا للرؤية للناظر الساكن في الأرض بالعين المجرّدة بحيث يصدق عليه الهلال.

نعم،لا موضوعيّة لرؤية الشخص بنفسه؛إذ قد لا تتحقّق الرؤية،لعدم ممارسة الاستهلال وقت الرؤية أو لوجود غيم و نحو ذلك في السماء أو لكونه أعمى أو يحدث له مانع آخر؛و حينئذ لو لم يكن الشخص قد رأى الهلال مباشرة و لكن شهدت البيّنة الشرعيّة التي ليست متّهمة أو شهد جمع كثير برؤيتهم له بالعين المجرّدة على نحو التواتر أو الشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان،فيثبت الهلال،بل قد مرّ سابقا أنّه لو ثبتت رؤية الهلال في البلاد الشرقيّة،و حدث مانع كالغيم و الأبخرة و نحوهما عن رؤيته في البلاد الغربيّة -و إن كان بينهما مسافة كثيرة-يثبت الهلال في المساكن الغربيّة،إذ كما ذكرنا سابقا أنّ الرؤية في المساكن الشرقيّة دليل قابليّة الرؤية في المساكن الغربيّة بطريق أولى،و ذلك لأنّ غروب الشمس في المساكن الشرقيّة كان قبل غروبها في المساكن الغربيّة.

فالملاك و المقياس في الثبوت هو العلم بإمكان الرؤية من الأرض لو لا الموانع الطارئة لا الرؤية بنفسها.

و على هذا فنحن أيضا نقول إنّ الرؤية هنا طريق،و لكن هي طريق إلى العلم بخروج القمر عن تحت الشعاع و عن المحاق بمقدار يتمكّن الناظر في الأرض أن يشاهده بالعين الاعتياديّة المجرّدة من دون استخدام الأدوات الصناعيّة المكبّرة،لا أن تكون طريقا إلى صرف العلم بخروجه عن تحت الشعاع من دون إمكان رؤيته في مساكن الأرض،كلّ ذلك لما يستفاد من الروايات السابقة،حيث إنّ المخاطب فيها في تلك الظروف و الشرائط التي لم توجد تلك الأدوات،هو الناس،عوامهم و خواصّهم،و لا يبتني الأمور العرفيّة على المداقّة و الحسابات الرياضيّة أو الفلكيّة،و في الحقيقة كانت

ص: 79

الروايات بصدد أن تبيّن للناس أنّ موضوع صومهم و فطرهم و حجّهم كان في متناول أيديهم من دون أيّ مئونة و مشقّة،بل يكفي لهم النظر إلى السماء، فإذا رأوه فيثبت الحكم.و هذا في الحقيقة تسهيل لتناول الشهور و إحرازها في الأحكام المترتّبة عليها في حقّ جميع الناس،حاضرهم و مسافرهم،في البرّ أو البحر أو قاطن على قلّة جبل أو بطن واد،بل المستفاد من بعض الروايات أنّ الرؤية ليست أن يقوم عشرة فينظروا فيقول واحد هو ذا،و ينظر تسعة فلا يرونه،بل لا بدّ أن يكون بنحو لو رآه واحد رآه عشرة آلاف (1).

و بالجملة أنّ الرؤية و إن كانت على نحو الطريقيّة،إلاّ أنّ ذا الطريق هو الهلال البالغ إلى مرتبة قابلة للرؤية بالعين المجرّدة،لا مجرّد الخروج عن المحاق من دون قابليّة للرؤية من سطح الأرض.

أجل،لا بأس باستخدام تلك المعدّات المكبّرة لتعيين محلّ الهلال في السماء ثمّ رؤيته بالعين المجرّدة.

تمّ بعون اللّه تعالى تحرير محاضرات سماحة الأستاذ آية اللّه العظمى المنتظري دام عزّه في مجلس درسه في طوال ليالي شهر رمضان المبارك سنة 1425 ه ق حول مسألة رؤية الهلال و اختلاف الآفاق فيها،و قد حقّقه و حرّره تلميذه الأقلّ ناصر مكاريان في جوار كريمة أهل البيت عليهم السّلام في بلدة قم،و كان الفراغ منه في العشر الأولى من شهر رجب المرجّب سنة 1426 ه ق.

وَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) و صلّى اللّه على محمّد و آله الطاهرين.0.

ص: 80


1- -وسائل الشيعة،الباب 11 من أبواب أحكام شهر رمضان،ح 11،ج 10،ص 290.
2- سوره 6 - آیه 45

فهرس أهمّ مصادر التحقيق

القرآن الكريم «أ» 1-«إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان»؛أبو منصور جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر الأسدي المعروف بالعلاّمة الحلّي(648-726 ه ق)،تحقيق فارس الحسّون،الطبعة الأولى،مجلّدان،قم،مؤسّسة النشر الإسلامي،1410 ه ق.

2-«الاستبصار فيما اختلف من الأخبار»؛أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي و شيخ الطائفة(385-460 ه ق)،تحقيق السيّد حسن الخرسان، الطبعة الثالثة،4 مجلّدات،بيروت،دار الأضواء،1406 ه ق.

3-«إصباح الشيعة بمصباح الشريعة»؛قطب الدين البيهقي الكيدري(من أعلام القرن السادس)تحقيق إبراهيم البهادري،الطبعة الأولى،قم،مؤسسة الإمام الصادق عليه السّلام، 1416 ه ق.

4-«إيضاح الفوائد في شرح القواعد»؛محمّد بن الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي المعروف بفخر المحقّقين(682-771 ه ق)،الطبعة الأولى،4 مجلّدات،قم، مؤسسة إسماعيليان،1389 ه ق.

«ب» 5-«بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار:»؛محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي(1037-1111 ه ق)،الطبعة الثانية،110 مجلّدات،بيروت،مؤسّسة الوفاء، 1403 ه ق.

6-«بداية المجتهد و نهاية المقتصد»؛أبو الوليد محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن رشد القرطبي(520-595 أو 597 ه ق)،مجلّدان،تحقيق خالد العطّار،نشر دار الفكر،1415 ه ق.

ص: 81

7-«البيان في تفسير القرآن»؛السيّد أبو القاسم الموسويّ الخوئيّ (1317-1413 ه ق)أنوار الهدى،المطبعة فروردين.

«ت» 8-«تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة»؛أبو منصور جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر الأسدي المعروف بالعلاّمة الحلّي(648-726 ه ق)،الطبع الجديد،5 مجلّدات،تحقيق إبراهيم البهادريّ،الطبعة الأولى،قم،مؤسسة الإمام الصادق عليه السّلام،1422 ه ق.

9-«تحرير الوسيلة»؛السيّد روح اللّه الموسوي الخميني المعروف بالإمام الخميني(1320-1409 ه ق)،مجلّدان،النجف الأشرف،مطبعة الآداب،1390 ه ق.

10-«التحفة السنيّة في شرح النخبة المحسنيّة»؛سيّد عبد اللّه بن نعمة اللّه الجزائريّ(المتوفّى 1091 ه ق)،نسخة خطيّة،كتبه عبد اللّه نور الدين بن نعمت اللّه،مكتبة الآستانة الرضويّة.

11-«تذكرة الفقهاء»؛العلاّمة أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي (648-756 ه ق)تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث،الطبعة الأولى،طبع إلى الآن 14 مجلّدا،قم،1419 ه ق.

12-«تلخيص المرام في معرفة الأحكام»؛العلاّمة الحلّي،تحقيق هادي القبيسي، الطبعة الأولى،مجلّد واحد قم،مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلاميّ،1421 ه ق.

13-«تهذيب الأحكام»؛أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي المعروف بالشيخ الطوسي و شيخ الطائفة(385-460 ه ق)،تصحيح و تعليق السيّد حسن الموسوي الخرسان،الطبعة الثانية،10 مجلّدات،طهران،دار الكتب الإسلاميّة،1417 ه ق.

«ج» 14-«جامع الرواة»؛محمّد بن عليّ الأردبيليّ(قد فرغ من تصنيفه سنة 1100 ه ق)مجلّدان،قم،مكتبة آية اللّه المرعشيّ النجفيّ،1403 ه ق.

15-«الجامع للشرائع»؛يحيى بن سعيد الحلّي الهذلي(601-690 ه ق)، الطبعة الأولى،قم،مؤسّسة سيّد الشهداء،1405 ه ق.

ص: 82

16-«جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام»؛محمّد حسن بن باقر النجفي المعروف بصاحب الجواهر(المتوفّى 1266 ه ق)،الطبعة الثانية،43 مجلّدا،طهران،دار الكتب الإسلاميّة،1405 ه ق.

«ح» 17-«الحبل المتين»؛الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العامليّ(المتوفّى 1031 ه ق)،مجلّد واحد،الطبعة الحجريّة،المطبعة مهر،قم،نشر مكتبة بصيرتى،1398 ه ق.

18-«الحدائق الناظرة في أحكام العترة الطاهرة:»؛يوسف بن أحمد البحراني (1107-1186 ه ق)،27 مجلّدا،قم،مؤسّسة النشر الإسلامي،1405 ه ق.

«د» 19-«الدروس الشرعيّة في فقه الإماميّة»؛شمس الدين محمّد بن مكّي العاملي المعروف بالشهيد الأوّل(734-786 ه ق)،3 مجلّدات،قم،مؤسّسة النشر الإسلامي.

«ذ» 20-«ذخيرة المعاد»؛المحقّق محمّد باقر بن محمّد مؤمن السبزواريّ(المتوفّى 1090)،3 مجلّدات،الطبعة الحجريّة،نشر مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

«ر» 21-«رجال الطوسي»؛أبو جعفر محمّد بن الحسن المعروف بالشيخ الطوسي و شيخ الطائفة(385-460 ه ق)تحقيق السيّد محمّد صادق آل بحر العلوم،الطبعة الأولى،قم، منشورات الرضى،1381 ه ق.

22-«رجال النجاشي»؛أبو العبّاس أحمد بن علي المعروف بالنجاشي(372-450 ه ق)،تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني،الطبعة الرابعة،قم،مؤسّسة النشر الإسلامي، 1413 ه ق.

23-«رسائل التسع»؛أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن المعروف بالمحقّق

ص: 83

الحلّي(المتوفّى 676 ه ق)،مجلّد واحد،تحقيق رضا استادى،الطبعة الأولى،قم،مكتبة آية اللّه المرعشيّ،1413 ه ق.

24-«رسائل المرتضى»؛الشريف السيّد المرتضى(المتوفّى 436 ه ق)، 4 مجلّدات،تحقيق السيّد مهدي الرجائي،مطبعة سيّد الشهداء،نشر دار القرآن،1405 ه ق.

«س» 25-«سنن أبي داود»؛أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي(202- 275 ه ق)،تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد،4 أجزاء في مجلّدين،بيروت،دار الفكر، 1408 ه ق.

26-«السنن الكبرى»؛«سنن البيهقي»؛أبو بكر أحمد بن الحسين بن عليّ البيهقي (المتوفّى 458 ه ق)و في ذيله الجوهر النقيّ،الطبعة الأولى،10 مجلّدات،بيروت،دار المعرفة،1354 ه ق.

«ش» 27-«شرائع الإسلام في مسائل الحلال و الحرام»؛أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن المعروف بالمحقّق الحلّي(المتوفّى 676 ه ق)،تحقيق عبد الحسين محمّد عليّ بقّال،الطبعة الثانية،4 أجزاء في مجلّدين،قم،مؤسسة إسماعيليان،1408 ه ق.

28-«الشرح الكبير»؛لأبي البركات أحمد الدردير(المتوفّى 1201 ه ق)،4 مجلّدات،بيروت،نشر دار إحياء الكتب العربيّة.

«ع» 29-«العروة الوثقى فيما تعمّ به البلوى»؛السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (المتوفّى 1337 ه ق)مع تعليقات عدّة من الفقهاء العظام،الطبعة الأولى؛5 مجلّدات،قم، مؤسسة النشر الإسلاميّ،1420 ه ق.

«غ» 30-«غاية المراد في شرح نكت الإرشاد»؛أبو عبد اللّه شمس الدين محمّد بن مكّي

ص: 84

العاملي المعروف بالشهيد الثاني(724-786 ه ق)،و يليه«حاشية الإرشاد»للشهيد الثاني،الطبعة الأولى،4 مجلّدات،قم،مركز الأبحاث و الدراسات الإسلاميّة،1407 ه ق.

31-«غنائم الأيّام في مسائل الحلال و الحرام»؛الميرزا أبو القاسم القميّ(المتوفّى 1221 ه ق)،تحقيق عباس تبريزيان،الطبعة الأولى،5 مجلّدات،نشر مكتب الإعلام الإسلاميّ،1417 ه ق.

«ف» 32-«الفتاوى الواضحة وفقا لمذهب أهل البيت عليهم السّلام»؛الشهيد محمّد باقر الصدر، الطبعة السابعة،مجلّدان،بيروت،لبنان،نشر دار التعارف للمطبوعات،1140 ه ق.

33-«الفقه الإسلامي و أدلّته»؛وهبة الزحيلي،الطبعة الثالثة،8 مجلّدات،دمشق، دار الفكر،1409 ه ق.

34-«فقه الصادق»؛السيّد محمّد صادق الحسينيّ الروحانيّ،26 مجلّدا،الطبعة الثالثة،قم،نشر مؤسسة دار الكتاب،1412 ه ق.

35-«الفقه على المذاهب الأربعة»؛عبد الرحمن الجزيري،الطبعة السابعة،5 مجلّدات،دار إحياء التراث العربي،بيروت،1406 ه ق.

36-«فوائد القواعد»؛زين الدين بن عليّ العاملي المعروف بالشهيد الثاني(911- 965 ه ق)،تحقيق السيّد أبو الحسن المطلبيّ،الطبعة الأولى،مجلّد واحد،قم،مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلاميّ.

«ق» 37-«قواعد الأحكام»؛أبو منصور جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهّر الأسدي المعروف بالعلاّمة الحلّي(648-726 ه ق)،الطبعة الأولى،3 مجلّدات،قم، مؤسّسة النشر الإسلامي،1419 ه ق.

«ك» 38-«الكافي»؛أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني(المتوفّى 328 ه ق)،تصحيح و تعليق علي أكبر الغفّاري،الطبعة الثانية،8 مجلّدات،طهران دار الكتب الإسلاميّة،1391 ه ق.

ص: 85

39-«كتاب الصوم»؛الشيخ مرتضى الأنصاريّ(المتوفّى 1281 ه ق)الطبعة الأولى،قم،المطبعة باقريّ،1413 ه ق.

40-«كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء»؛الشيخ جعفر كاشف الغطاء،تحقيق مكتب الإعلام الإسلاميّ،الطبعة الأولى،4 مجلّدات،قم،1422 ه ق.

41-«كفاية الأحكام»؛المحقّق محمّد باقر بن محمّد مؤمن السبزواريّ(المتوفّى 1090)،مجلّد واحد،الطبعة الحجريّة،المطبعة مهر-قم،نشر مدرسة صدر اصفهان.

«م» 42-«المبسوط في فقه الإماميّة»؛أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي المعروف بالشيخ الطوسي و شيخ الطائفة(385-460 ه ق)،تصحيح و تعليق السيّد محمّد باقر البهبوديّ،8 مجلّدات،طهران،المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة،1351 ه ش.

43-«مجمع البيان في تفسير القرآن»؛أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (المتوفّى 548 ه ق)،تصحيح السيّد هاشم الرسولي المحلاّتي و السيّد فضل اللّه الطباطبائي اليزدي،10 أجزاء في 5 مجلّدات،طهران،شركة المعارف الإسلاميّة،1379 ه ق.

44-«مجمع الفائدة و البرهان في شرح إرشاد الأذهان»؛أحمد بن محمّد الأردبيلي المعروف بالمقدّس الأردبيلي(المتوفّى 993 ه ق)،تحقيق مجتبى العراقي و علي پناه الاشتهاردي و حسين اليزدي الأصفهانيّ،الطبعة الأولى،14 مجلّدا،قم،مؤسّسة النشر الإسلامي،1416 ه ق.

45-«المجموع شرح المهذّب»؛أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النوويّ (631-676 ه ق)تحقيق محمّد نجيب المطيعي،الطبعة الأولى،25 مجلّدا،بيروت،لبنان، دار إحياء التراث العربيّ،1422 ه ق.

46-«مدارك الأحكام»؛السيّد محمّد بن السيّد عليّ الموسوي العاملي المعروف بصاحب المدارك(المتوفّى 1009 ه ق)،الطبعة الأولى،8 مجلّدات،مؤسّسة آل البيت:

لإحياء التراث-1410 ه ق.

47-«مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام»؛زين الدين بن علي العاملي المعروف بالشهيد الثاني(911-965 ه ق)،الطبعة الأولى،15 مجلّدا،قم،مؤسّسة المعارف الإسلاميّة،1413 ه ق.

ص: 86

48-«مستدرك الوسائل و مستنبط المسائل»؛الميرزا حسين النوري الطبرسي (المتوفّى 1320 ه ق)الطبعة الأولى،18 مجلّدا،قم،مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث،1407 ه ق.

49-«مستمسك العروة الوثقى»؛السيّد محسن الطباطبائي الحكيم(1306- 1390 ه ق)،14 مجلّدا،بيروت،دار إحياء التراث العربي.

50-«مستند الشيعة في أحكام الشريعة»؛أحمد بن محمّد مهدي النراقي(المتوفّى 1245 ه ق)،الطبعة الأولى،طبع إلى الآن 19 مجلّدا،قم،مؤسّسة آل البيت:لإحياء التراث،1415 ه ق.

51-«مستند العروة الوثقى،كتاب الصوم»؛محاضرات السيّد أبو القاسم الموسويّ الخوئيّ،تقرير الشيخ مرتضى البروجرديّ،مجلّدان.

52-«مشارق الشموس»؛المحقّق حسين بن جمال الدين محمّد الخوانساريّ (المتوفّى 1099)،مجلّدان،نشر مؤسسة آل البيت عليهم السّلام.

53-«معجم رجال الحديث و تفصيل طبقات الرواة»؛السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي(1317-1413 ه ق)،الطبعة الثالثة،23 مجلّدا،بيروت،مدينة العلم،1403 ه ق.

54-«المعجم الوسيط»؛إبراهيم مصطفى و أحمد حسن الزيّات و حامد عبد القادر و محمد عليّ النجّار،استانبول،تركية،دار الدعوة،مؤسسة ثقافية.

55-«المغني»؛عبد اللّه بن أحمد بن محمّد المعروف بابن قدامة(المتوفّى 620 ه ق)و في ذيله«الشرح الكبير»لعبد الرحمن بن أبي عمر محمّد بن قدامة المقدسي(المتوفّى 682 ه ق)،12 مجلّدا مع مجلّدين بعنوان المعجم،بيروت:دار الكتب العلميّة.

56-«مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج»؛محمّد الخطيب الشربيني (المتوفّى 977 ه ق)،و هو شرح«منهاج الطالبين»لأبي زكريا بن شرف النووي،4 مجلّدات،دار إحياء التراث العربيّ،1377 ه ق.

57-«مفاتيح الشرائع»؛محمّد محسن الفيض الكاشاني(المتوفّى 1091 ه ق)، تحقيق السيّد مهدي الرجائي،3 مجلّدات،قم،مجمع الذخائر الإسلاميّة،1401 ه ق.

58-«ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار»؛محمّد باقر بن محمّد تقيّ المجلسي (1037-1111 ه ق)،تحقيق السيّد مهدي الرجائي،16 مجلّدا،قم،مكتبة آية اللّه المرعشي،1406 ه ق.

ص: 87

59-«من لا يحضره الفقيه»؛أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق(المتوفّى 381 ه ق)،تحقيق و تعليق السيّد حسن الموسوي الخراسان،الطبعة الخامسة،4 مجلّدات،طهران،دار الكتب الإسلاميّة،1390 ه ق.

60-«المهذّب»؛عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي المعروف بالقاضي ابن البرّاج (400-481 ه ق)،مجلّدان،قم،مؤسّسة النشر الإسلامي،1406 ه ق.

61-«منتهى المطلب»؛«كتاب منتهى المطلب»؛جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف بن عليّ المطهّر الحليّ المشتهر بالعلاّمة الحليّ(المتوفّى سنة 762 ه ق)الطبع الجديد،تحقيق قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلاميّة،الطبعة الأولى،طبع إلى الآن 10 مجلّدات؛مشهد؛مؤسسة الطبع التابعة للآستانة الرضويّة المقدّسة؛1424 ه ق.

62-«منهاج الصالحين»؛السيّد أبو القاسم الموسويّ الخوئي(1317-1413 ه ق) الطبعة الثامنة و العشرون،مجلّدان،قم،نشر مدينة العلم 1410 ه ق.

63-«الموسوعة الفقهيّة الميسّرة»؛الشيخ محمّد عليّ الأنصاريّ،3 مجلّدات،قم، نشر مجمع الفكر الإسلاميّ،1415 ه ق.

«و» 64-«وسائل الشيعة»؛«تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة»؛ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي(1033-1104 ه ق):الطبعة الأولى:30 مجلّدا،قم، مؤسّسة آل البيت عليهما السّلام لإحياء التراث،1409 ه ق.

65-«الوسيلة إلى نيل الفضيلة»؛أبو جعفر محمّد بن علي بن حمزة الطوسي المعروف بابن حمزة(من أعلام القرن 6 ه ق)،تحقيق محمّد الحسّون،الطبعة الأولى،قم، مكتبة آية اللّه المرعشي،1408 ه ق.

66-«الوافي»؛«كتاب الوافي»؛محمّد محسن الكاشاني المعروف بالفيض الكاشاني(1007-1091 ه ق)،الطبعة الأولى،24 مجلّدا،أصفهان،مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام،1406 ه ق.

ص: 88

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.