المنزلة الخصیصة لعلی علیه السلام عند رسول الله صلی الله علیه و آله

اشارة

مصدر الفهرسة: IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda.

رقم تصنیف LC : BP223.5 .A2 M8 2017.

المؤلف الشخصی: الخفاجی، محمد حمزة عباس، 1981-.

العنوان: المنزلة الخصیصة لعلی علیه السلام عند رسول الله صلی الله علیه و آله

بیانات المسؤولیة: تألیف محمد حمزة الخفاجی، تقدیم السید نبیل قدوری الحسنی

بیانات الطبعة: الطبعة الأولی.

بیانات النشر: کربلاء: العتبة الحسینیة المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

1438 ه = 2017 م.

الوصف المادی: 208 صفحه.

سلسلة النشر: سلسلة الکتب العلمیة - وحدة العلوم العقدیة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

تبصرة عامة:

تبصرة ببیلو غرافیة: الکتاب یتضمن هوامش - لأئمة المصادر (الصفحات 193 - 203)

تبصرة محتویات:

موضوع شخصی: محمد (صلی الله علیه و آله)، نبی الإسلام، 53 قبل الهجرة - 11 هجریاً - سیرة.

موضوع شخصی: علی بن أبی طالب (علیه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجریاً - سیرة.

موضوع شخصی: علی بن أبی طالب (علیه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجریاً - فضائل.

موضوع شخصی: علی بن أبی طالب (علیه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجریاً - خصائص.

موضوع شخصی: علی بن أبی طالب (علیه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجریاً - فی القرآن.

موضوع شخصی: علی بن أبی طالب (علیه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجریاً - إثبات خلافة.

مصطلح موضوعی: حدیث المنزلة.

مصطلح موضوعی: الإمامة.

مؤلف إضافی: الحسنی، نبیل قدوری، 1965 -، مقدم.

تمت الفهرسة قبل النشر فی مکتبة العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 1

اشارة

المنزلة الخصيصة لعلي عند رسول الله

ص: 2

سلسلة الكتب العلمية

(9)

المنزلة الخصيصة لعلي عند رسول الله

تألیف محمد حمزة الخفاجی

إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة فی العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1438 ه 2017 م

العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة

- مجاور مقام علي الاكبر (عليه السلام)

مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف: 07728243600

07815016633

الموقع الالكتروني: www.inahj.org

الايميل: Info@Inahj.org

تنويه:

إن الأفكار والآراء المذكورة في هذا الكتاب تعبر عن وجهة نظر كاتبها، و لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

مقدمة المؤسسة

الحمد لله عى ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن والاها، والصلاة والسلام على خیر الخلق أجمعین محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:

فلم يزل كلام أمیر المؤمنین (عليه السلام) منهلاً للعلوم من حيث التأسيس والتبيین ولم يقتصر الأمر على علوم اللغة العربية أو العلوم الإنسانية، بل وغيرها من العلوم التي تسیر بها منظومة الحياة وإن تعددت المعطيات الفكرية، إلا أن التأصيل مثلما يجري في القرآن الكريم الذي ما فرط الله فيه من شيء كما جاء في قوله تعالى:

«مَا فَرَّطْنَا فِی الْكِتَابِ مِنْ شَیْءٍ»(1)، كذا نجد يجري مجراه في قوله تعالى: «وَكُلَّ شْیَءٍ أحْصَيْنَاهُ فِی إِمَامٍ مُبِینٍ»(2)، غاية ما في الأمر أن أهل الاختصاصات في العلوم كافة حينما يوفقون للنظر في نصوص الثقلین يجدون ما تخصصوا فيه حاضراً وشاهداً فيهما، أي في القرآن الكريم وحديث العترة النبوية (عليهم السلام) فيسارعون وقد أخذهم الشوق لإرشاد العقول الى تلك السنن والقوانین والقواعد والمفاهيم والدلالات في القرآن الكريم والعترة النبوية.

من هنا ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تتناول تلك الدراسات العلمية المختصة بعلوم نهج البلاغة وبسرة أمیر المؤمنین الإمام علي بن أبي طالب (عليه

ص: 5


1- الأنعام: 38
2- يس: 12

السلام) وفكره ضمن سلسلة علمية وفكرية موسومة

ب-(سلسلة الكتب العلمية)،والتي يتم عبرها طباعة هذه الكتب واصدارها ونشرها في داخل العراق وخارجه،بغية إيصال هذه العلوم إلى الباحثین والدارسین وإعانتهم على تبین هذا العطاء الفكري والانتهال من علوم أمیر المؤمنین علي (عليه السلام) والسیر على هديه وتقديم رؤى علمية جديدة تسهم في إثراء المعرفة وحقولها المتعددة.

وما هذه الدراسة التي بن أيدينا إلا واحدة من تلك الدراسات التي وفق صاحبها للغوص في بحر علم أمیر المؤمنین عي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقد أذن له بالدخول إلى مدينة علم النبوة والتزوّد منها بغية بيان أثر تلك النصوص العلوية في ميدان علم المناقبية التي تربع على عرشه الإمام أمیر المؤمنین (عليه السلام) فكان زيناً لهذا العلم وذلك أن المناقب به تتزين وإليه (عليه السلام) تتسارع.

وهذه الدراسة وإن كانت قد شغلت حقلاً معرفياً خاصاً في الفكر الإسلامي إلا أنها في نفس الوقت تهدف إلى بيان جانباً مهماً من حياة سيد البشر (صلى الله عليه وآله) وما قدمه لحفظ الإسلام والمسلمين حينما بذل جهداً خاصاً في إرشادهم إلى من يلوذون به من بعده فعنى به غاية العناية، وقربه من نفسه وشمائله أخص التقريب، حتى كان مثال صورة النبي (صلى الله عليه وآله) وعنوان هديه وسنته التي من حاد عنها أي حاد عن علي (عليه السلام) وكان أبعد الناس من النبي (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة وكيف لا يكون كذلك وقد اخذ الوجهة الضالة واستمسك بالعروة الواهنة مخلفاً وراء ظهره العروة الوثقى الذي من استمسك بها نجى ومن أخذ بها اخذ بالدين الذي ارتضاه الله لعباده الصالحین.

فجزى الله الباحث فقد بذل جهده وعلى الله أجره.

السيد نبيل الحسني الكربلائي رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 6

المقدمة:

(الْحَمْدُ لِلّهِ النَّاشِرِ فی الْخَلْقِ فَضْلَهُ، وَالْبَاسِطِ فِیهمْ بِالْجُودِ یَدَهُ، نَحْمَدُهُ فِی جَمِیع أُمُورِهِ - وَنَسْتَعِینُهُ عَلَی رِعَایَهِ حُقُوقِهِ، وَنَشْهَدُ أَنْ لَاإلهَ غَیْرُهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بَأَمْرِهِ صَادِعاً وَبَذِکْرِهِ نَاطِقاً، فَأَدَّی أَمِیناً وَمَضَی رَشِیداً، وَخَلَّفَ فِینَا رَایَهَ الْحَقِّ، مَنْ تَقَدَّمَهَا مَرَقَ، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا زَهَقَ، وَمَنْ لَزِمَهَا لَحِقَ) أما بعد:

لا تخفى منزلة أمیر المؤمنین الخصيصة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي ظهرت تجلياتها في مواقفه القولية والفعلية، فمن القولية ما نجده في أحاديثه الشريفة ومنها حديث المنزلة، وحديث الكساء، وغيرها من الأحاديث الاخرى، وأما ما تجلى في أفعال النبي (صلى الله عليه وآله) في بيان منزلته عبر ما جرى في حادثة المباهلة حيث قرنه بنفسه.

وظهر التلازم بينهما عندما تركه في فراشه إذ يبین هذا المبيت بأنه الخلف له في كل مكان يخلو فيه وصولا الى المؤاخاة.

وقد بین الإمام علي (عليه السلام) هذه المنزلة في مواقف كثیرة ومنها خطبته التي هي موضوع هذا الكتاب التي بیّن فيها قربه المادي والمعنوي عما سواه، التي ارتأينا أن نجعلها فاتحة هذا الكتاب:

ص: 7

قال أمير المؤمنين (عليه السلام):

(وقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِی مِنْ رَسُول الله (صلی الله علیه و آله) بِالقَرَابِةِ القَرِیبةِ وَالمَنْزِلَةِ الْخَصِیصَةِ، وَضَعَنِی فِی حَجْرِهِ وأنَا وَلَدٌ یضُمُّنی إلَی صَدْرِهِ، وَیکْنفُنِی إلی فِرَاشِهِ وَیمسُّنِی جَسَدَهُ، وَیشِمُّنِی عَرْفَهُ، وَکَان یمْضُغُ الشیء ثُمَّ یلْقِمُنِیه، وَمَا وَجَدَ لِی کَذْبَةً فِی قَوْل وَلا خَطْلَةً فِی فِعْل، وَلقَدْ قَرَنَ اللَّهُ بِهِ (صلی الله علیه وآله)، مِنْ لَدُنْ أنْ کَانَ فَطِیماً أعْظَمَ مَلَک مِنْ مَلأئِکَتِه؛ یسْلُکُ بِهِ طَرِیقَ المْکَارِمِ، وَمَحَاسِنِ أخْلاقِ الْعَالَمِ لَیلَهُ وَنَهَارَهُ، وَلَقَدْ کُنْتُ أتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِیلِ أثَرَ أُمّهِ، یرْفَعُ لِی فِی کُلِّ یوْم مِنْ أخْلاقِه عَلَماً، وَیأْمُرُنی بالاقْتدَاء بِه، وَلَقَدْ کَانَ یجَاوِرُ فِی کُلِّ سَنَة بِحرَاء، فَأرَاهُ وَلا یرَاهُ غَیری، وَلَمْ یجْمَعْ بَیتٌ واحِدٌ یوْمَئذ فِی الإسْلامِ، غَیرَ رَسُوِل الله (صلی الله علیه وآله)، وَخَدِیجةَ وَأنَا ثَالِثُهُمَا، أرَی نُورَ الوَحْی والرِّسَالَةِ وأشُمُّ رِیحَ النُّبُوُّةِ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّیطَان حِینَ نَزَلَ الوَحْی عَلَیه (صلی الله علیه و آله)، فَقُلْتُ یا رَسُولَ اللهِ، مَا هذِهِ الرَّنَّةُ، فَقَالَ: هذَا الشَّیطَانُ قَدْ أیسَ مِنْ عِبَادَتِهِ، إنَّکَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَتَرَی مَا أرَی، إلّا أنّکَ لَسْتَ بِنَبِی وَلکنّکَ لَوَزِیرٌ، وَإنّکَ لَعَلَی خَیر وَلَقَدْ کُنْتُ مَعَهُ (صلی الله علیه وآله)، لَمَّا أتَاهُ المَلأ مِنْ قُرَیش، فَقَالُوا لَهُ یا مُحَمّدُ إنَّکَ قَدِ ادَّعَیتَ عَظِیماً، لَمْ یدَّعِهِ آباؤُکَ وَلا أحَدٌ مِنْ بَیتکَ، وَنَحْنُ نَسْألُکَ أمْراً إنْ أنْتَ أجَبْتَنَا إلَیه وَأرَیتَنَاهُ، عَلمنَا أنَّکَ نَبِی وَرَسُولٌ، وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ عَلِمْنَا أنَّکَ سَاحِرٌ کَذَّابٌ، فَقَالَ (صلی الله علیه وآله) وَمَا تَسْألُونَ قَالُوا، تَدْعُو لَنَا هِذِه الشَّجَرَةَ حَتَّی تَنْقَلِعَ بِعُرُوقهَا، وَتَقفَ بَینَ یدَیکَ فَقَال (صلی الله علیه و آله)، (إنَّ اللَّهَ عَلَی کُلِّ شیء قَدِیرٌ)، فَإنْ فَعَلَ اللَّهُ لَکُمْ ذلِکَ أتُؤْمِنُونَ وَتَشْهَدُونَ بِالحَقِّ، قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَإنِّی سَأُرِیکُمْ مَا تَطْلُبُونَ، وَإنِّی لأعْلَمُ أنَّکُمْ لا تَفِیئُونَ إلی خَیرِ، وإنَّ فِیکُمْ مَنْ یطرَحُ فِی القَلیب وَمَنْ یحَزِّبُ الأحْزَابَ، ثُمَّ قَالَ (صلی الله علیه وآله) یا أیتُهَا الشَّجَرَةُ، إنْ کُنتِ تُؤمنِینَ باللهِ والیومِ الآخِرِ، وَتَعْلمین أنِّی رسول الله لهِ فَانْقَلعِی بِعُرُوِقک، حَتَّی

ص: 8

تَقِفی بَینَ یدَی بإذْنِ اللهِ، فوَالَّذی بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لانْقَلَعتْ بِعُرُوقهَا، وَجَاءَتْ وَلَها دَوِی شَدِیدٌ، وَقَصْفٌ کَقَصْفِ أجْنِحَة الطَّیرِ، حَتَّی وَقَفَتْ بین یَدَیْ رَسُولِ الله (صلی الله علیه و آله) مُرَفْرفَةً، وألْقَتْ بِغُصنَها الأعْلَی عَلَی رَسُولِ الله (صلی الله علیه و آله)، وَبِبَعْضِ أغْصَانِهَا عَلَی مَنْکبِی وَکنْتُ عَنْ یَمِینِه (صلی الله علیه و آله)، فَلَمَّا نَظَرَ الْقَوْمُ إلَی ذلکَ قَالوُا عُلُوَّاً وَاُسْتکْبَاراً، فَمُرْها فَلْیأتِکَ نِصْفُهَا وَیبْقَی نِصْفُهَا، فَأمَرَهَا بِذَلِکَ فَأقْبَلَ إلَیهِ نِصْفُهَا، کَأعْجَبِ إقْبَال وَأشَدِّهِ دَوِیّاً، فَکَادَتْ تَلتَفُّ بِرَسُولِ الله (صلی الله علیه و آله)، فَقَالُوا کُفْراً وَعُتُوَّاً فَمُرْ هَذا النِّصْفَ، فَلْیرْجِعِ إلَی نِصْفِهِ کَمَا کَانَ، فَأمَرَه (صلی الله علیه و آله) فَرَجَعَ، فَقُلْتُ أنَا لا إلهَ إلا اللهُ إنِّی أوَّلُ مُؤْمِن بِکَ یا رَسُولَ اللهِ، وَأوَّلُ مَنْ أقَرَّ بأنَّ الشَّجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأمْرِ اللهِ تَعَالی، تَصْدیقاً بِنُبُوَّتِکَ وَإجْلالاً لِکَلِمَتکَ، فَقَالَ القَوْمُ کُلُّهُمِّ بَلْ (سَاحِرٌ کَذَّابٌ) عَجِیبُ السِّحْرِ خَفِیفٌ فیهِ، وَهَلْ یصَدِّقُکَ فی أمْرِکَ إلّا مِثُلُ هذَا یعْنُونَنی، وَإنِّی لَمِنْ قَوْم لا تَأُخُذُهُمْ فی اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ، سِیمَاهُمْ سِیمَاء الصِّدِّیقینَ وَکَلامُهُمْ کَلامُ الأبْرَارِ، عُمَّارُ اللَّیلِ وَمَنَارُ النَّهَارِ، مُتَمَسِّکُوَن بِحَبْلِ الْقُرآنَ یُحْیُونَ سُنَنَ اللهِ وَسُنَنَ رَسُولِهِ، لا یسْتَکْبِرُونَ وَلا یَعْلُونَ، وَلا یَغُلُّونَ، وَلا یُفْسِدُونَ، قُلُوبُهُمْ فی الجْنَانِ وَأجْسادُهُمْ فی الْعَمَلِ)(1).

***

ص: 9


1- نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، الخطبة القاصعة، ص 300 - 302

تمهيد:

إن الغاية من هذا البحث هو بيان منزلة الإمام علي (عليه السلام) الخصيصة عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومعنى الخصيصة (الخاصة) وقد أشار إليها بقوله (عليه السلام): (وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ (صلى الله عليه وآله) بِالْقَرَابَةِ اَلْقَرِيبَةِ وَاَلْمَنْزِلَةِ اَلْخَصِيصَةِ).

وقد بیّن الإمام (عليه السلام) إن هذه القرابة القريبة والمنزلة الخصيصة لا تخفى عى الجميع فالكل يعرف قرابته القريبة من رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فهذه القرابة وهذه المنزلة تختلف عن باقي الناس، فلو أتينا إلى قرب الإمام (عليه السلام) من رسول الله من حيث العشیرة فهو من بني هاشم، وابن عمه، وزوج ابنته، وأبو ولديه، أما منزلته فهو أقرب شخص من النبي، وقد بیّن النبي منزلة أمیر المؤمنین (عليه السلام) في آية المباهلة حيث وصفه كنفسه، فأي شيء أقرب إلى الانسان من النفس.

فضلاً عن هذه القرابة هنالك قرابة روحية عجيبة، فهم يتشابهون بصفات وكمالات لا توجد عند مخلوق سواهم، لذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (يا عليّ، ما عرف الله إلّا أنا وأنت، وما عرفني إلّا الله وأنت، وما عرفك إلّا الله وأنا)(1).

وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): (ما عرفك يا عليّ حقّ معرفتك إلّا الله

ص: 10


1- روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، محمد تقي المجلسي (الأول)، ج 5، ص 492

وأنا)(1)، فثبت بذلك أن منزلته (عليه السلام) اختلفت حيث لم يعرف منزلته وقدره سوى الله ورسوله.

وقد بیّن الإمام (عليه السلام) من خلال هذه الخطبة رعاية النبي (صلى الله عليه وآله) له مذ كان طفلا حتى نزول الوحي بقوله: (وَضَعَنِي فِي حِجْرِهِ وَأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَى صَدْرِهِ وَيَكْنُفُنِي فِي فِرَاشِهِ وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ وَمَا وَجَدَ لِي كَذْبَةً فِي قَوْلٍ وَلاَ خَطْلَةً فِي فِعْلٍ.... وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ وَلاَ يَرَاهُ غَيْرِي وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الْإِسْلاَمِ غَيْرَ رَسُولِ الله صلی الله علیه و آله وَخَدِيجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا، أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ وَأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ صلی الله علیه و آله وسلم فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله مَا هَذِهِ الرَّنَّةُ فَقَالَ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَتَرَى مَا أَرَى إِلاَ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ وَلَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وَإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ).

فلم يحظَ أي شخص بهذا المنزلة وهذا القرب سوى الإمام علي (عليه السلام) ولم يحظَ شخص غره بتواجده جنب النبي (صلى الله عليه وآله) طوال حياته أكثر منه، فمنذ الصغر تربى بحجره وكان (صلى الله عليه وآله) يأمره بالاقتداء به كونه سيد الخلق وحبيب الله فنال هذه الكرامة بتربية النبي له، ثم جاوره بحراء وشاركه في كل الأمور وكان بقربه حتى آخر أنفاس النبي (صلى الله عليه وآله) فمن هو أقرب من عي ومن هو أوفى من علي ومن هو أحرص منه على دين النبي لذا اختاره الله لأن يكون وزير رسوله وحامل لوائه.

ص: 11


1- المصدر السابق ج 5، ص 492

ميزان المنزلة:

إن المنازل والمراتب لا تكون إلا من عند الله فهو الذي يضع المنازل والدرجات لعباده في الدنيا والآخرة، ومن أراد أن يعرف منزلته عند الله فعليه أن يزنها في نفسه ليعرف مدى منزلة الله في قلبه وإلى أي حد وصلت، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): (من أراد أن يعرف كيف منزلته عند الله فليعرف كيف منزلة الله عنده، فإن الله ينزل العبد مثل ما ينزل العبد الله من نفسه)(1).

عن الحسن بن الجهم قال: سألت الرضا (عليه السلام) فقلت له: (... جعلت فداك أشتهي أن أعلم كيف أنا عندك، فقال: أنظر كيف أنا عندك)(2).

فهذه الأحاديث نطبّقها على موضوع المنزلة الخصيصة فنستنتج منها إن منزلة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) عند علي (عليه السلام) منزلة خصيصة فلا يوجد بقلب علي أحب من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا أحد أقرب إليه من نفسه، لذا نال الامام (عليه السلام) هذه المنزلة الخصيصة عند النبي فصار عي أحب شخص إلى النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وأقربهم إليه، فعن جميع قال دخلت مع أمي على عائشة وأنا غلام فذكرت لها عليا فقالت ما رأيت رجلا أحب إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) منه ولا امرأة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من امرأته)(3).

ص: 12


1- عدة الداعي ونجاح الساعي - ابن فهد الحلي، ص 167
2- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 312
3- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 249، ح 32، السنن الكبرى، النسائي، ج 5، ص 140، خصائص أمیر المؤمنين (عليه السلام)، النسائي، ص 109، تاريخ دمشق، ابن عساكر، ج 42، ص 262

وفي الاحتجاج روي عن جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) عن أبيه عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال: كنت أنا ورسول الله (صلى الله عليه وآله) في المسجد بعد أن صلى الفجر، ثم نهض ونهضت معه، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أراد أن يتجه إلى موضع أعلمني بذلك، وكان إذا أبطأ في ذلك الموضع صرت إليه لأعرف خبره، لأنه لا يتصابر قلبي عى فراقه ساعة واحدة فقال لي:

أنا متجه إلى بيت عائشة، فمضى (صلى الله عليه وآله) ومضيت إلى بيت فاطمة الزهراء (عليها السلام) فلم أزل مع الحسن والحسین فأنا وهي مسروران بهما، ثم إني نهضت وسرت إلى باب عائشة، فطرقت الباب فقالت: من هذا؟ فقلت لها:

أنا علي فقالت: إن النبي راقد، فانصرفت، ثم قلت: النبي راقد وعائشة في الدار، فرجعت وطرقت الباب فقالت لي عائشة: من هذا؟ فقلت لها: أنا علي فقالت:

إن النبي صلى الله عليه وآله علی حاجة فانثنيت مستحييا من دق الباب، ووجدت في صدري ما لا أستطيع عليه صبرا، فرجعت مسرعا فدققت الباب دقا عنيفا، فقالت لي عائشة: من هذا؟ فقلت: أنا علي فسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يا عائشة افتحي له الباب، ففتحت ودخلت، فقال لي: أقعد يا أبا الحسن أحدثك بما أنا فيه، أو تحدثني بإبطائك عني، فقلت يا رسول الله حدثني فإن حديثك أحسن، فقال: يا أبا الحسن كنت في أمر كتمته من ألم الجوع، فلما دخلت بيت عائشة، وأطلت القعود ليس عندها شيء تأتي به، فمددت يدي وسألت الله القريب المجيب، فهبط علي حبيبي جبرئيل عليه السلام ومعه هذا الطیر ووضع إصبعه على طائر بین يديه، فقال: إن الله عز وجل أوحى إلي: أن آخذ هذا الطیر وهو أطيب طعام في الجنة فآتيك به يا محمد، فحمدت الله عز وجل كثیرا، وعرج جبرئيل فرفعت يدي إلى السماء فقلت: «اللهم يسر عبدا يحبك ويحبني يأكل معي من هذا الطیر» فمكثت مليا فلم أر أحدا يطرق الباب، فرفعت يدي ثم قلت:

ص: 13

«اللهم يسر عبدا يحبك ويحبني وتحبه وأحبه يأكل معي من هذا الطیر» فسمعت طرق الباب وارتفاع صوتك، فقلت لعائشة: أدخلي عليا فدخلت، فلم أزل حامدا لله حتى بلغت إلي إذ كنت تحب الله وتحبني ويحبك الله وأحبك، فكُلْ يا علي، فلما أكلت أنا والنبي الطائر، قال لي: يا علي حدثني فقلت: يا رسول الله لم أزل منذ فارقتك أنا وفاطمة والحسن والحسین مسرورين جميعا، ثم نهضت أريدك فجئت فطرقت الباب فقالت لي عائشة: من هذا؟ فقلت: أنا علي فقالت: إن النبي راقد، فانصرفت، فلما أن صرت إلى بعض الطريق الذي سلكته رجعت، فقلت: النبي صلى الله عليه وآله راقد وعائشة في الدار لا يكون هذا، فجئت فطرقت الباب فقالت لي: من هذا؟ فقلت لها: أنا علي فقالت: إن النبي (صلى الله عليه وآله) على حاجة فانصرفت مستحييا، فلما انتهيت إلى الموضع الذي رجعت منه أول مرة، وجدت في قلبي ما لا أستطيع عليه صبرا وقلت: النبي (صلى الله عليه وآله) على حاجة وعائشة في الدار، فرجعت فدققت الباب الدق الذي سمعته، فسمعتك يا رسول الله وأنت تقول لها: أدخي علياً فقال النبي: (صلى الله عليه وآله) أبى الله إلا أن يكون الأمر هكذا، يا حمیراء ما حملك على هذا؟ قالت: يا رسول الله اشتهيت أن يكون أبي يأكل من هذا الطیر فقال لها: ما هو بأول ضغن بينك وبین علي)(1).

وجاء في كتاب كشف الغمة، روي عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد سئل بأي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج؟ قال خاطبني بلغة عي بن أبي طالب فألهمني أن قلت يا رب أنت خاطبتني أم علي؟ فقال: يا أحمد أنا شيء لا كالأشياء ولا أقاس بالناس، ولا أوصف بالأشياء خلقتك

ص: 14


1- الاحتجاج، ص 392 - 394

من نوري وخلقت عليا من نورك، فاطلعت على سرائر قلبك فلم أجد إلى قلبك أحب من علي بن أبي طالب فخاطبتك بلسانه كيما يطمئن قلبك)(1).

وقال صلى الله عليه وآله: (... معاشر أصحابي لا تلوموني في حب عي بن أبي طالب فإنما حبي عليا من أمر الله والله أمرني أن أحب عليا وأدنيه، يا علي من أحبك فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله ومن أحبه الله كان حقيقا على الله أن يسكن محبيه الجنة، يا علي من أبغضك فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله ومن أبغض الله أبغضه الله ولعنه، وكان حقيقا على الله أن يوقفه يوم القيامة موقف البغضاء ولا يقبل منه صرف ولا عدل ولا إجارة)(2).

***

ص: 15


1- كشف الغمة، ج 1، ص 103
2- تفسير فرات الكوفي، ص 598

المبحث الأول

(مفهوم المنزلة الخصيصة ومصداقها)

بما أن لفظة المنزلة جاءت بألفاظ اخرى إلا أنها ذات صلة بها، وقد جاءت بمعاني عدة فلا بد من توضيح ذلك من خلال مفهوم المنزلة في اللغة والقرآن لكي يتوضح للقارئ الكريم معنى المنزلة، ثم نبیّن معنى الخصيصة لكي نصل إلى مرادنا وهو بيان منزلة الإمام الخصيصة من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، التي أشار اليها الإمام في هذه الخطبة ومقارنتها بحديث المنزلة.

المسألة الأولى: (المنزلة: في اللغة، في القرآن)

أولاً: (المنزلة لغة)

بما أننا نتناول في هذا البحث منزلة الإمام علي (عليه السلام) عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة يجب علينا بيان معنى المنزلة لغة:

جاء في الصحاح للجوهري (المنزل المنهل والدار والمنزلة مثل والمنزلة أيضا المرتبة لا تجمع واستنزل فلان أي حط عن مرتبته والمنزل بضم الميم وفتح الزاي الإنزال تقول أنزلني منزلا مباركا، والمنزل بفتح الميم والزاي النزول وهو الحلول تقول نزل ينزل نزولا ومنزلا وأنزله غیره واستنزله بمعنى ونزله تنزيلا والتنزيل أيضا الترتيب(1).

ص: 16


1- الصحاح، الجوهري، ج 5، ص 1829

قال ابن منظور، (والمَنْزِل: الدرجة،(1)، الدَّرَجَةُ: المنزلة،(2).

والنُّزُل: المَنْزِل؛ عن الزجاج، وبذلك فسر قوله تعالى: وجعلنا جهنم للكافرين نُزُلاً؛ وقال في قوله عز وجل: جناتٌ تجري من تحتها الأَنهارُ خالدين فيها نُزُلاً من عِند الله؛ قال: نُزُلاً مصدر مؤكد لقوله خالدين فيها لأَن خُلودهم فيها إِنْزالُم فيها، وقال الجوهري: جناتُ الفِرْدَوْسِ نُزُلاً؛ قال الأَخفش: هو من نُزول الناس بعضهم على بعض، يقال: ما وجدْنا عندكم نُزُلاً، والمَنْزَل، بفتح الميم والزاي:

النُّزول وهو الحلول، تقول: نزلْت نُزولاً ومَنْزَلاً، والتنزيل: الترتيبُ)(3).

فالمنزلة: هي المكانة والقدر الذي يعطيه الله لمن يستحق وهذه المنازل وهذه الدرجات وهذا التفضيل لا يكون إلا من عنده سبحانه كونه مطلعاً عى جميع خلقه ويعلم ما في النفوس، لذا كان ترتيب المنازل والمقامات والمراتب من عنده سبحانه، فمن جحد منزلة الأنبياء والحجج استحق اللعن كونها منازل رتبت من قبله سبحانه، فقد جاء في زيارة عاشوراء (لعن الله أمة دفعتكم عن مقامكم، وأزالتكم عن مراتبكم التي رتبكم الله فيها)(4).

إذاً فالمنازل مختلفة وصار ترتيب المنازل بحسب الأعمال الصالحة والقربى والطاعة له سبحانه وليس كل درجة دنيوية هي كرامة ورفعة بل هنالك من نصب نفسه خليفة وصار إمام المسلمين لا بتصريح من الله، فمثل هذا لا منزلة له

ص: 17


1- لسان العرب، ج 11، ص 658
2- لسان العرب، ج 2، ص 266
3- لسان العرب، ج 11، ص 657
4- كامل الزيارات، ص 329

ولا قدر وإنما المنزلة التي تنصب من قبله تعالى كيوم غدير خم حينما صرح النبي بقوله (من كنت مولاه فعلي مولاه)، حيث عُیّن أمراً عى المؤمنن من قبل الله.

وعليه فالمنزلة هي: المرتبة، والدرجة، والقدر، والرفعة، والمكانة، والشرف، والمجد، والزلفة، ولا يستحقها الا المقربون الذين أشار لهم الله في الكتاب والسنة المطهرة.

ثانياً: (المنزلة في القرآن)

اشارة

أشارت بعض الآيات القرآنية إلى منزلة المؤمنین والكافرين حيث ان لفظ (النزل) وردَ في القرآن الكريم يبیّن نزل المؤمنین تارةً ونزل الكافرين تارةً اخرى، إلا أنه في الأعم الأغلب نزلت في بيان منازل المؤمنین.

قال تعالى: «لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ»(1) قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا»(2).

قال تعالى: «أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(3).

ص: 18


1- آل عمران: 198
2- الكهف: 107
3- السجدة: 19

قال تعالى: «إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلا»(1).

وبما أن المنازل مختلفة فقد بينت بعض الآيات اختلاف درجات الأنبياء والأولياء والحجج والمؤمنین، فمن خلال هذه الآيات سنبيّن منازل العباد الصالحین ودرجاتهم:

أ- منازل الأنبياء في القرآن:

قال تعالى: «تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ»(2).

فهذه الآية المباركة تبیّن أن هنالك تفاوتاً بین درجات الأنبياء وإن كان هدفهم واحداً ورسالتهم واحدة ولكن الله بعدالته يعلم ما في النفوس وما فيها من طاقات ومدى صبرها وتحملها في سبيله، فلو كان الأنبياء متساوين في المنازل لما فضل بعضهم عن الآخر؛ ولكنه سبحانه وجد من بین الطيبین أطيبهم، ومن بین الصابرين أصبرهم، ومن بین الصديقین أصدقهم، ومن بین الشاكرين أشكرهم وأحرصهم، فكان التفضيل على هذا الأساس، فصار محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) سيداً عى السادة وإماماً على الأئمة لما صبر وتحمل فزاده الله قدراً وتعظيما، وليس هذا التفضيل في دار الدنيا وإنما درجات الآخرة أعظم عند الله، قال تعالى:

«انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا»(3).

ص: 19


1- الكهف: 102
2- البقرة: 253
3- الاسراء: 21

قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لا تقولن جنة واحدة، إن الله يقول: «ومِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ»، ولا تقولن درجة واحدة، إن الله تعالى يقول: «درجات بعضها فوق بعض» إنما تفاضل القوم بالأعمال».

قال: وقلت له: إن المؤمنین يدخلان الجنة، فيكون أحدهما أرفع مكانا من الآخر، فيشتهي أن يلقى صاحبه؟ قال: «من كان فوقه فله أن يهبط، ومن كان تحته لم يكن له أن يصعد، لأنه لم يبلغ ذلك المكان، ولكنهم إذا أحبوا ذلك واشتهوه التقوا عى الأسرة»)(1).

ولو تمعنا جيداً في هذه الآية بقوله: «.. مِّنْهُم مَّن کَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَیْنَا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ الْبَیِّنَاتِ وَأَیَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ»، نجد أن الله سبحانه وتعالى يتدرج في ذكر الأنبياء الذين وصلوا إلى أعلى المنازل فمنهم من كلم الله ومنهم من رفعه اليه.

أما حبيبه المصطفى فقد وصل إلى قاب قوسین أو أدنى وقد جاء في بعض الروايات بيان أفضلية أولي العزم على سائر الأنبياء، فعن سماعة بن مهران، قال:

قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) قول الله: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ»(2)، فقال: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد (صلى الله عليه وآله وعلى جميع أنبيائه ورسله) قلت: كيف صاروا أولي العزم؟ - قال: لأن نوحا بعث بكتاب وشريعة، فكل من جاء بعد نوح (عليه السلام) أخذ بكتابه وشريعته ومنهاجه، حتى جاء إبراهيم (عليه السلام) بالصحف، وبعزيمة ترك كتاب نوح لا كفرا به،

ص: 20


1- البرهان في تفسير القرآن، ج 5، ص 243 ، ح 3
2- الأحقاف: 35

وكل نبي جاء بعد إبراهيم جاء بشريعة إبراهيم، ومنهاجه، وبالصحف، حتى جاء موسى (عليه السلام) بالتوراة وشريعته، ومنهاجه، وبعزيمة ترك الصحف، فكل نبي جاء بعد موسى، أخذ بالتوراة وشريعته، ومنهاجه، حتى جاء المسيح (عليه السلام) بالإنجيل، وبعزيمة ترك شريعة موسى، ومنهاجه، حتى جاء محمد (صلى الله عليه وآله) فجاء بالقرآن، وشريعته، ومنهاجه، فحلاله حلال إلى يوم القيامة، وحرامه حرام إلى يوم القيامة، فهؤلاء أولوا العزم من الرسل)(1).

ب- منازل الأئمة (عليهم السلام) و سائر العباد الصالحين في القرآن:

كما أشارت بعض الآيات إلى منازل الأنبياء واختلاف درجاتهم كذلك أشارت آيات اخرى إلى منازل الأئمة ومنازل شيعتهم ومنها قوله تعالى: «فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ»(2).

جاء في تفسر البرهان، حدثنا عبد العزيز بن يحيى، عن محمد بن عبد الرحمن ابن الفضل، عن جعفر بن الحسین، عن أبيه، عن محمد بن زيد، عن أبيه، قال سألت أبا جعفر (عليه السلام)، عن قول الله عز وجل: «فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ»، فقال: (هذا في أمیر المؤمنین والأئمة من بعده (صلوات الله عليهم)(3).

وعن محمد بن حمران، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): فقوله عز وجل:

ص: 21


1- المحاسن، أحمد بن محمد بن خالد البرقي، ج 1، ص 269، ح 358
2- الواقعة: 88 - 91
3- تفسير البرهان، ج 5، ص 276

«فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ»؟ قال: (ذلك من كانت له منزلة عند الإمام)(1).

وعن أبي جعفر (عليه السلام)، في قول الله عز وجل: «وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ»، قال أبو جعفر (عليه السلام): (هم شيعتنا ومحبونا)(2).

إذاً فالمنازل مختلفة؛ فمنزلة الأنبياء تختلف، وكذلك منزلة الأولياء، والحجج، والصديقین، والصالحین، فكل له فضله ودرجتهُ عند الله.

***

ص: 22


1- المصدر نفسه، ج 5 ص 276
2- المصدر نفسه، ج 5 ص 276

المسألة الثانية: (الخصيصة ومصداقها).

أولاً: الخصيصة لغة:

(خصَّ) فلانا بالشيء يخصّ خصّا وخصوصا وخصوصا وخصوصية وخصوصية (والفتح أفصح): فضله به وأفرده يقال: خصه بالود: أي أحبه دون غیره، واختصصت الشيء لنفسي: اخترته، وأخص به: أزرى، واختص بالشيء:

انفرد به، واختصه به: أفرده به وفضله دون غیره، وتخصص لكذا: انفرد له دون مشاركة غیره)(1).

قال الخليل الفراهيدي: (والخاصة، الذي اختصصته لنفسك)(2).

وقال ابن منظور (الخاصّةُ: خلافُ العامّة، والخاصّة: مَنْ تخُصّه لنفسك، والخاصّة الذي اخْتَصَصْته لنفسك)(3).

(وفي الحديث إن الإمامة خص الله بها إبراهيم (عليه السلام) وأشاد بها ذكره يعني رفع بها قدره ومحله ومنزلته حتى كادت لا تخفى على أحد)(4).

ثانياً: مصداق منزلته (عليه السلام) من خلال حديث المنزلة:

اشارة

ص: 23


1- معجم الافعال المتعدية بحرف، موسى بن محمد الملياني الأحمدي، ص 80
2- العين، ج 4، ص 134
3- لسان العرب، ج 7، ص 25
4- مجمع البحرين، ج 3، ص 82

يعد حديث المنزلة من الأحاديث المشهورة والمذكورة في كتب الخاصة والعامة، بیّن فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) منزلة علي (عليه السلام) ومكانته عنده، فهو حبيب رسول الله، وقد أخرج هذا الحديث البخاري ومسلم وغره من أئمة أهل السنة وقد ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) هذا الحديث في عدة مواطن ومن المواطن التي ذكر فيها حديث المنزلة:

1- حديث المنزلة يوم غزوة تبوك:

حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الحكم عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن سعد بن أبي وقاص قال خلف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) علي ابن أبي طالب في غزوة تبوك فقال يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان فقال أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غیر أنه لا نبي بعدي)(1).

2- حديث المنزلة يوم فتح خيبر:

جاء في كتاب الغارات (لما قدم علي عليه السام على رسول الله صلى الله عليه وآله بفتح خيبر قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى ابن مريم لقلت فيك اليوم قولا لا تمر بملأ إلا أخذوا من تراب رجليك ومن فضل طهورك فيستشفون به ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك، ترثني وأرثك، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وأنك تؤدي عني، وتقاتل على سنتي، وأنك في الآخرة غدا أقرب الناس مني، وأنك غدا على الحوض خليفتي، وأنك أول من يرد علي الحوض غدا، وأنك أول من يكسى معي، وأنك أول من يدخل الجنة من أمتي، وأن

ص: 24


1- صحيح مسلم، ج 7، ص 120

شيعتك على منابر من نور مبيضة وجوههم حولي، أشفع لهم ويكونون في الجنة جیراني، وأن حربك حربي، وأن سلمك سلمي، وأن سرك سري، وأن علانيتك علانيتي، وأن سريرة صدرك كسريرة صدري، وأن ولدك ولدي، وأنك منجز عدتي وأن الحق معك، وأن الحق على لسانك وفي قلبك وبین عينيك، وأن الإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي، وأنه لا يرد علي الحوض مبغض لك، ولا يغيب عنه محب لك غدا حتى يرد الحوض معك، فخرّ علي عليه السلام ساجدا ثم قال:الحمد لله الذي مَنَّ عليّ بالإسلام، وعلمني القرآن، وحبني إلى خیر البرية خاتم النبيین وسيد المرسلين، إحسانا منه إلي وفضلا منه عليّ فقال له النبي صلى الله عليه وآله عند ذلك: لولا أنت يا علي لم يعرف المؤمنون بعدي)(1).

3- حديث المنزلة عند ولادة الامام الحسن والحسين (عليه السلام):

عن جابر، قال: لما حملت فاطمة (عليها السلام) بالحسن فولدت وقد كان النبي (صلى الله عليه وآله) أمرهم أن يلفوه في خرقة بيضاء فلفوه في صفراء وقالت فاطمة (عليها السلام): يا علي سمه، فقال: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجاء النبي صلى الله عليه وآله فأخذه وقبله وأدخل لسانه في فيه، فجعل الحسن عليه السلام يمصه، ثم قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألم أتقدم إليكم أن تلفوه في خرقة بيضاء؟ فدعا بخرقة بيضاء فلفه فيها ورمى بالصفراء، وأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ثم قال لعلي عليه السلام:

ما سميته؟ فقال: ما كنت لأسبقك باسمه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

ما كنت لأسبق ربي باسمه، فأوحى الله جل ذكره إلى جبرئيل عليه السلام أنه قد ولد لمحمد ابن فاهبط إليه فأقرئه مني السلام وهنئه مني ومنك، وقل له: إن عليا

ص: 25


1- الغارات، ابراهيم بن محمد الثقفي الكوفي، ج 1، ص 62 - 63

منك بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم ابن هارون. فأتى جبرئيل النبي (صلى الله عليه وآله) وهنأه وقال له [ك-] ما أمره الله تعالى به أن يسمي ابنه باسم ابن هارون، قال: وما كان اسمه؟ قال: شبر، قال: لساني عربي، قال: سمه الحسن، فسماه الحسن، فلما ولدت الحسین عليه السلام جاء إليهم النبي صلى الله عليه وآله ففعل به كما فعل بالحسن (عليه السلام) وهبط جبرئيل عى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: إن الله - عز وجل ذكره - يقرئك السلام ويقول لك، إن عليا منك بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم ابن هارون. قال: ما كان اسمه؟ قال: شبير، قال: لساني عربي، قال: سمه الحسین، فسماه الحسین)(1).

4- حديث المنزلة عند سد الأبواب:

عن أبي رافع قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطب الناس فقال:

أيها الناس إن الله أمر موسى وهارون أن يبنيا لقومهما بمصر بيوتا، وأمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب، ولا يقرب فيه النساء إلا هارون وذريته، وإن عليا مني بمنزلة هارون من موسى فلا يحل لأحد أن يقرب النساء في مسجدي، ولا يبيت فيه جنب إلا علي وذريته فمن ساءه ذلك فهاهنا - وضرب بيده نحو الشام)(2).

5- حديث المنزلة يوم المؤاخاة:
6- حديث المنزلة في خبر يرويه سليمان.
7- حديث المنزلة في فضل عقيل وجعفر.

ص: 26


1- علل الشرائع، ص 57، ح 6، (باب) (معاني أسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسین والأئمة عليهم السلام)
2- وسائل الشيعة، ج 2، ص 208
8- حديث المنزلة في مواضع أخرى.
9- حديث المنزلة في عشرة مواضع
اشارة

وقد حكى الله سبحانه في سورة طه عن منزلة هارون من موسى، قال تعالى:

«اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي»(1).

فمن خلال هذه الآيات الشريفة ومقارنتها بحديث المنزلة نثبت عدة أمور قد ثبتت لعلي كما ثبتت لهارون (عليهما السلام) ومنها:

أ- بيان أمر الوزارة:

قال تعالى: «وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي».

طلب موسى من الله أن يجعل هارون وزيره فاستجاب الله له، فثبتت بذلك وزارة علي (عليه السلام) حيث كان علي (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمنزلة هارون من موسى فهو وزيره كما كان هارون وزير موسى (عليه السلام).

قال ابن أبي الحديد ويدل على أنه وزير رسول الله (صلى الله عليه وآله) من نص الكتاب والسنة قول الله تعالى «وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي»، وقال النبي (صلى الله عليه وآله) في الخبر

ص: 27


1- طه: 24 - 32

المجمع على روايته بین سائر فرق الاسلام (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)، فأثبت له جميع مراتب هارون من موسى، فاذن هو وزير رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وشاد إزره، ولولا أنه خاتم النبيین لكان شريكا في امره)(1).

ب- بيان الأخوة الخاصة بين النبي وعلي:

قال تعالى: «هَارُونَ أَخِي».

تبیّن الآية المباركة أن هارون كان أخ النبي موسى (عليه السلام) وقد بينت آية أخرى في السورة نفسها أن هارون كان آخا موسى من الأم نفسها، قال تعالى: «قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي»(2)، وبما أن النبي خص علياً بهذه المنزلة أي كما كان هارون أخاً لموسى فعلي أخ محمد (صلى الله عليه وآله) وإن لم يكن أخ له من الأب والام وإنما خصوا بالأخوة لتشابههم في الصفات، ونحن نعلم أن الرسول لا ينطق عن الهوى فكل فعل يصدر منه إنما هو بأمر الله فكيف بأمر يخص المنزلة والولاية، فحينما آخى الرسول (صلى الله عليه وآله) بین المهاجرين والأنصار تآخى النبي مع علي فعن عطية العوفي، عن مخدوج ابن زيد الذهلي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) آخى بین المسلمين ثم قال: يا علي أنت أخي وأنت مني بمنزلة هارون من موسى غر أنه لا نبي بعدي، أما علمت يا علي أنه أول من يدعى به يوم القيامة يدعى بي، فأقوم عن يمین العرش فأكسى حلة خضراء من حلل الجنة، ثم يدعى بأبينا إبراهيم (عليه السلام) فيقوم عن يمین العرش في ظله

ص: 28


1- شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد، ج 13، ص 211
2- طه: 94

فيكسى حلة خضراء من حلل الجنة، ثم يدعى بالنبيین بعضهم على أثر بعض، فيقومون سماطين عن يمین العرش في ظله ويكسون حللا خضرا من حلل الجنة، ألا وإني أخبرك يا علي إن أمتي أول الأمم يحاسبون يوم القيامة، ثم أبشرك يا علي إن أول من يدعى يوم القيامة يدعى بك، هذا لقرابتك مني ومنزلتك عندي، فيدفع إليك لوائي وهو لواء الحمد فتسیر به بین السماطين، وإن آدم وجميع من خلق الله يستظلون بظل لوائي يوم القيامة وطوله مسیرة ألف سنة، سنانه ياقوتة حمراء، قصبه فضة بيضاء، زجه درة خضراء، له ثلاث ذوائب من نور: ذؤابة في المشرق، وذؤابة في المغرب، وذؤابة في وسط الدنيا، مكتوب عليها ثلاثة أسطر، الأول: بسم الله الرحمن الرحيم والآخر: الحمد لله رب العالمین والثالث: لا إله إلا الله محمد رسول الله، طول كل سطر مسیرة ألف سنة، وعرضه مسیرة ألف سنة، فتسیر باللواء والحسن عن يمينك والحسین عن يسارك حتى تقف بيني وبین إبراهيم في ظل العرش، فتكسى حلة خضراء من حلل الجنة، ثم ينادي مناد من عند العرش: نعم الأب أبوك إبراهيم، ونعم الأخ أخوك علي، ألا وإني أبشرك يا علي إنك تدعى إذا دعيت، وتكسى إذا كسيت، وتحيا إذا حييت)(1).

وورد في كتاب كشف الغمة بالإسناد عن زيد بن آدمي قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فذكر (عليه السلام) قصة مواخاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: فقال علي: لقد ذهبت روحي وانقطع ظهري حین رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غیري، فإن كان هذا من سخط على فلك العتبى والكرامة فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): والذي بعثني بالحق ما اخترتك إلا لنفسي فأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وأنت أخي ووارثي

ص: 29


1- الأمالي، ص 402، ح 14

قال: قال: وما أرث منك يا رسول الله؟ قال: ما ورث الأنبياء قبلي كتاب الله وسنة نبيهم، وأنت معي في قصري في الجنة مع ابنتي فاطمة، وأنت أخي ورفيقي ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله) (إخوانا على سرر متقابلین) المتحابون في الله ينظر بعضهم إلى بعض)(1).

وفي الأمالي، (... قال أنس فقلت يا رسول الله، علي أخوك قال نعم، علي أخي. فقلت يا رسول الله، صف لي كيف علي أخوك قال إن الله عز وجل خلق ماء تحت العرش قبل أن يخلق آدم بثلاثة آلاف عام، وأسكنه في لؤلؤة خضراء في غامض علمه إلى أن خلق آدم، فلما أن خلق آدم نقل ذلك الماء من اللؤلؤة فأجراه في صلب آدم إلى أن قبضه الله، ثم نقله إلى صلب شيث، فلم يزل ذلك الماء ينتقل من ظهر إلى ظهر حتى صار في صلب عبد المطلب، ثم شقه الله عز وجل بنصفین، فصار نصفه في أبي عبد الله بن عبد المطلب، ونصف في أبي طالب، فأنا من نصف الماء وعي من النصف الآخر، فعلي أخي في الدنيا والآخرة، ثم قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا»(2))(3).

وفي رواية عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أحب إخواني إلي علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وأحب أعمامي إلي حمزة)(4).

ص: 30


1- كشف الغمة في معرفة الأئمة، علي ابن ابي الفتح الاربيلي، ج 1، ص 334
2- الفرقان: 54
3- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 313
4- المصدر السابق، ص 647، ح 7
ج- المؤازرة:

قال تعالى:«اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي».

جاء في لسان العرب «اشْدُدْ، شدد: الشِّدَّةُ: الصَّلابةُ، وهي نَقِيضُ اللِّینِ، والجمع شِدَدٌ، وشيء شَديدٌ: مُشتَدٌّ قَوِيٌّ، شَدَّ الله مُلْكَه: وشَدَّدَه: قَوَّاه، وشَدَدْتُ الشيءَ أَشُدُّه شَدّاً إِذا أَوثَقْتَه، قال الله تعالى: فشُدُّوا الوَثاق، وقال تعالى: اشْدُدْ به أَزري(1)، أزرْتُ فلاناً آزُرُه أَزْراً قوّيته، وآزَرْتُه عاونته)(2).

قال الشيخ الطوسي في تفسر التبيان: اشدد به أزري «الشد جمع يستمسك به المجموع يقال: شده يشده شدا، فهو شاد وذاك مشدود، ومثله الربط والعقد.

والأزر الظهر يقال: آزرني فان على أمري أي كان لي ظهرا، ومنه المئزر، لانه يشد عى الظهر، والإزار لأنه يشد عى الظهر، والتأزير لأنه تقوية من جهة الظهر(3).

قال تعالى في محكم كتابه:«قَالَ رَبِّ إِنِّی قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن یَقْتُلُونِ * وَأَخِی هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّی لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِیَ رِدْءاً یُصَدِّقُنِی إِنِّی أَخَافُ أَن یُکَذِّبُونِ * قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَکَ بِأَخِیکَ وَنَجْعَلُ لَکُمَا سُلْطَاناً فَلاَ یَصِلُونَ إِلَیْکُمَا بِآیَاتِنَا أَنتُما وَمَنِ اتَّبَعَکُمَا الْغَالِبُونَ»(4).

فالرسالة السماوية تحتاج إلى رجال أكفاء أقوياء يستند بعضهم إلى البعض

ص: 31


1- لسان العرب، ج 3، ص 233
2- لسان العرب، ج 4، ص 14
3- التبيان في تفسير القرآن، ج 7، ص 171
4- القصص: 33 - 34 - 35

لمواجهة قوى الشر لذا طلب موسى من الله أن يشد أزره بأخيه هارون ليكون له عون، لما له من منزلة عظيمة عند الله فهو مؤهلٌ لأن يكون سنداً للدين فمن مؤهلاته شجاعته ودليل ذلك أن فرعون وما له من قوة ونفوذ إلا أنهما (عليهما السلام) واجهاه با تردد وحينما سأل فرعون من يصدقك في أمرك أشار موسى إلى أخيه هارون، ومن الأسباب التي جعلت موسى يعتمد على هارون هي فصاحته، فهارون كان أفصح من موسى وهذا ما بينته الآية المباركة، كذلك امتاز الإمام علي (عليه السلام) بالفصاحة والبلاغة فهو كالنبي الأكرم وخیر دليل على فصاحته وبلاغته هذا الكتاب القيم أعني (كتاب نهج البلاغة) وما فيه من خطب تبیّن أنه (عليه السلام) لسان الله الناطق بالحق حتى وصف البلغاء كلامه بأنه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق.

لذا يحتاج كل نبي إلى وصي يصدقه فيكون حجة على الخلق، فكلما مر ذكر هارون وموسى في كتاب الله نتذكر حديث المنزلة.

د: بيان أمر الولاية:

قال تعالى: «وَأَشْرِكْهُ فِ أَمْرِي».

أي أشركه معي في أمر النبوة وهذا الأمر يخص النبي موسى وهارون (عليهما السلام)، أما دعاء النبي لعي وإشراكه في أمره إنما يخص الولاية فثبت بذلك ولاية أمیر المؤمنین، كما جاء في قوله تعالى:«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»(1).

ص: 32


1- المائدة: 55

روي في تفسیر مجمع البيان عن أبي ذر الغفاري، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهاتین وإلا فصمتا، ورأيته بهاتین وإلا فعميتا، يقول: (علي قائد البررة، وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، أما إني صليت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما من الأيام صاة الظهر، فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد شيئا، فرفع السائل يده إلى السماء، وقال: اللهم اشهد أني سألت في مسجد رسول الله، فلم يعطني أحد شيئا، وكان علي راكعا، فأومأ بخنصره اليمنى إليه، وكان يتختم فيها، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره، وذلك بعین رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فلما فرغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم من صلاته، رفع رأسه إلى السماء، وقال: اللهم إن أخي موسى، سألك فقال: «رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهي هارون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري» فأنزلت عليه قرآنا ناطقا (سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما) اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك، اللهم فاشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واجعل لي وزيرا من أهلي، عليا أشدد به ظهري. قال أبو ذر: فوالله ما استتم رسول الله الكلمة، حتى نزل عليه جبرائيل من عند الله، فقال: يا محمد إقرأ. قال:

وما أقرأ؟ قال: إقرأ «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ»(1).

وعن وهب بن منبه رفعه عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لما عرج بي إلى ربي جل جلاله أتاني النداء: يا محمد! قلت: لبيك رب العظمة لبيك، فأوحى الله تعالى إلي يا محمد فيم اختصم الملا الأعلى؟ قلت: إلهي لا علم لي، فقال: يا محمد هلا اتخذت من الآدميین وزيرا وأخا ووصيا من بعدك؟

ص: 33


1- تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج 3، ص 361

فقلت: إلهي ومن أتخذ؟ تخیر لي أنت يا إلهي، فأوحى الله إلي: يا محمد قد اخترت لك من الآدميین علي بن أبي طالب، فقلت: إلهي ابن عمي؟ فأوحى الله إلي يا محمد إن عليا وارثك ووارث العلم من بعدك وصاحب لوائك لواء الحمد يوم القيامة وصاحب حوضك، يسقي من ورد عليه من مؤمني أمتك، ثم أوحى الله عز وجل إلي: يا محمد إني قد أقسمت على نفسي قسما حقا لا يشرب من ذلك الحوض مبغض لك ولأهل بيتك وذريتك الطيبین الطاهرين، حقا أقول: يا محمد لأدخلن جميع أمتك الجنة إلا من أبى من خلقي، فقلت: إلهي (هل) واحد يأبى من دخول الجنة؟ فأوحى الله عز وجل إلي: بلى، فقلت: وكيف يأبى؟ فأوحى الله إلي: يا محمد اخترتك من خلقي، واخترت لك وصيا من بعدك، وجعلته منك بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدك، وألقيت محبته في قلبك وجعلته أبا لولدك فحقه بعدك عى أمتك كحقك عليهم في حياتك، فمن جحد حقه فقد جحد حقك، ومن أبى أن يواليه فقد أبى أن يواليك، ومن أبى أن يواليك فقد أبى أن يدخل الجنة، فخررت لله عز وجل ساجدا شكرا لما أنعم علي..)(1).

يقول الشيخ ناصر مكارم الشرازي (إن بعض المفسرين - كالآلوسي في «روح المعاني»- مع قبوله أصل الرواية، إلا أنه أشكل في دلالتها، وقالوا: إن جملة أشركه في أمري لا تثبت غر الاشراك في أمر إرشاد ودعوة الناس إلى الحق! إلا أن من الواضح أن مسألة الاشتراك في الإرشاد، وبتعبیر آخر: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر الدين، واجب على كل فرد من المسلمين، وهذا لم يكن شيئا يطلبه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعي (عليه السلام).. إن هذا توضيح للواضحات، ولا يمكن تفسر دعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك مطلقا.

ص: 34


1- كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، ص 250

ومن جهة أخرى، فإنا نعلم أن الأمر لم يكن الاشتراك في النبوة، وبناء على هذا نخلص إلى هذه النتيجة، وهي أن المطلوب مقام خاص غر النبوة، وهل يمكن أن يكون إلا الولاية الخاصة؟! أليس ذلك هو الخلافة بالمفهوم الخاص الذي تقول به الشيعة؟ وجملة «وزيرا» أيضا تؤيد وتقوي ذلك. وبتعبیر آخر، فإن هناك واجبات لا يقوم بها كل الأفراد، وهي حفظ دين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من كل أنواع التحريف والانحراف، وتفسیر أي إبهام يبديه البعض في محتوى الدين، وقيادة الأمة في غيبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعده، والمساعدة المؤثرة جدا في تحقيق أهدافه. إن هذا هو الشيء الذي طلبه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: «أشركه في أمري» لعي (عليه السلام) من الله سبحانه. ومن هنا يتضح أن وفاة هارون قبل موسى لا توجد إشكالا في هذا البحث، لأن الخلافة والنيابة تكون أحيانا في زمان غيبة القائد كما تولاها هارون عند غياب موسى، وتكون أحيانا بعد وفاته كما كان علي (عليه السلام) بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكلاهما لها نفس القدر المشترك والجامع الواحد، وإن كانت المصاديق متفاوتة)(1).

فلا زال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوصي بعي حتى آخر لحظات عمره الشريف وهذا الأمر هو من عند الله، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ»(2)، فكان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) فعن أبي يحيى، عن ابن عباس، قال: صعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنر

ص: 35


1- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، للشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج 9، ص 553
2- المائدة: 67

فخطب، واجتمع الناس إليه، فقال (صلى الله عليه وآله): يا معشر المؤمنین، إن الله عز وجل أوحى إلي أني مقبوض، وأن ابن عمي عليا مقتول، وإني - أيها الناس - أخبركم خبرا، إن عملتم به سلمتم، وإن تركتموه هلكتم، إن ابن عمي عليا هو أخي ووزيري، وهو خليفتي، وهو المبلغ عني، وهو إمام المتقین، قائد الغر المحجلین، إن استرشدتموه أرشدكم، وإن تبعتموه نجوتم، وإن خالفتموه ضللتم، وإن أطعتموه فالله أطعتم، وإن عصيتموه فالله عصيتم، وإن بايعتموه فالله بايعتم، وإن نكثتم بيعته فبيعة الله نكثتم. إن الله عز وجل أنزل علي القرآن، وهو الذي من خالفه ضل، ومن ابتغى علمه عند غیر علي هلك. أيها الناس، اسمعوا قولي، واعرفوا حق نصيحتي، ولا تخلفوني في أهل بيتي إلا بالذي أمرتم به من حفظهم، فإنهم حامتي وقرابتي وإخوتي وأولادي، وإنكم مجموعون ومساءلون عن الثقلین، فانظروا كيف تخلفوني فيهما. إنهم أهل بيتي، فمن آذاهم آذاني، ومن ظلمهم ظلمني، ومن أذلهم أذلني، ومن أعزهم أعزني، ومن أكرمهم أكرمني، ومن نصرهم نصرني، ومن خذلهم خذلني، ومن طلب الهدى في غيرهم فقد كذبني أيها الناس، اتقوا الله، وانظروا ما أنتم قائلون إذا لقيتموه، فإني خصم لمن آذاهم، ومن كنت خصمه خصمته، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم(1).

***

ص: 36


1- الامالي، الشيخ الصدوق، ص 122

المبحث الثاني

(مفهوم القرابة القريبة ومصداقها)

في هذا المبحث سنبيّن معنى القرابة القريبة في اللغة والقرآن والسنة المطهرة، لكي يتوضح للقارئ الكريم أن الامام (عليه السلام)، لا تربطه بالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قرابة نسبية فقط، وإنما هنالك قرابة معنوية، فالقرابة من النبي عن طريق النسب لا تكفي إذا كان الإنسان بعيداً كل البعد عن صفاته (صلى الله عليه وآله)، ودليلنا ابو لهب فعلى الرغم من قربه النسبي إلا أنه بعيد عن نفس النبي، وكان النبي يقول سلمان منا أهل البيت ونحن نعلم أن سلمان ليس من بني هاشم بل هو صحابي جليل وإنما أشار إلى قربه الروحي.

أما علي فهو نفسه وروحه حيث قال النبي لعلي خلقنا أنا وأنت من شجرة، لذا اختلف عن جميع الخلق في قربه من النبي فالله سبحانه وتعالى وجدهم متشابهين في الصفات والافعال لذا فضلهم على سائر خلقه فخلقهم من شجرة واحدة وخلق باقي الناس من أشجار شتى.

ومن حكمه (عليه السلام) قَالَ: (إِنَّ أَوْلَی اَلنَّاسِ بِالْأَنْبِیَاءِ أَعْلَمُهُمْ بِمَا جَاءُوا بِهِ ثُمَّ تَلاَ «إِنَّ أَوْلَی اَلنّاسِ بِإِبْراهِیمَ لَلَّذِینَ اِتَّبَعُوهُ وَ هذَا اَلنَّبِیُّ وَ اَلَّذِینَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِیُّ الْمُؤْمِنین» اَلْآیَهَ - ثُمَّ قَالَ إِنَّ وَلِیَّ مُحَمَّدٍ مَنْ أَطَاعَ اَللَّهَ وَ إِنْ بَعُدَتْ لُحْمَتُهُ، وَ إِنَّ عَدُوَّ مُحَمَّدٍ مَنْ عَصَی اَللَّهَ وَ إِنْ قَرُبَتْ قَرَابَتُهُ)(1) فالإمام يشیر إلى أمر مهم وهو أنه (عليه السلام) أولى بالنبي من غیره لإتباعه

ص: 37


1- نهج البلاغة، الحكمة: 96

له وليس لقرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكذلك سائر الأئمة (عليهم السلام)، فالله سبحانه حينما جعل علي مولىً للمؤمنن لأنه أعلم الناس بما جاء به النبي وأكثرهم اتباعاً له بكل شيء، لذا اختاره الله واصطفاه وانتجبه لأن يكون وارث علمه وخصّه بما خص به حبيبه المصطفى ما عدا النبوة، فمن خلال هذا المبحث سنبيّن معنى القرابة القريبة بعدة مسائل.

***

المسألة الأولى: (القرابة لغة)

القرابة لغة:

(قرب: القاف والراء والباء أصل صحيح يدل على خلاف البعد، يقال قرب يقرب قربا، وفان ذو قرابتي وهو من يقرب منك رحما، وفان قريبي وذو قرابتي، والقربة والقربى القرابة والقراب مقاربة الأمر، وتقول ما قربت هذا الأمر ولا أقربه إذا لم تشامه ولم تلتبس به، ومن الباب القرب وهي ليلة ورود الإبل الماء وذلك أن القوم يسيمون الإبل وهم في ذلك يسیرون نحو الماء فإذا بقي بينهم وبین الماء عشية عجلوا نحوه فتلك الليلة ليلة القرب)(1).

وقال الفراهيدي (القربى: حق ذوي القرابة، والقرب ضد البعد، والاقتراب الدنو، والتقرب: التدني والتواصل بحق أو قرابة والقربان: ما تقربت به إلى الله تبتغي به قربا ووسيلة، والقريب نقيض البعيد)(2).

ص: 38


1- معجم مقاييس اللغة، ج 5، ص 81
2- العين، الفراهيدي، ج 5، ص 155

فقوله (عليه السلام): (القرابة القريبة).

أراد الإمام (عليه السلام) بلفظة القرابة: بيان قرابته النسبية من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أما لفظ (القريبة) أراد بها منزلته من رسول الله (صلى الله عليه وآله).

جاء في كتاب الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري (الفرق بین القرب والقربة والقرباء والقرابة: الأول: يقال في المكان، والثاني في المنزلة، والثالث والرابع في النسب، قاله الفيومي في المصباح)(1).

فالقرابة إما تكون قرابة نسبية كالأخ والعم والخال أو تكون قرابة سببية كزوج البنت وغيرها من ذوي الأرحام، وهنالك قرابة معنوية، والإمام علي (عليه السلام) جمع هذه القرابة من كل جهاتها فنال هذه القرابة القريبة التي أشار اليها في خطبته.

***

ص: 39


1- الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، ص 425

المسألة الثانية: (قرابة علي من رسول الله في القرآن والسنة)

اشارة

وردت مجموعة من الآيات والروايات التي تبیّن فيها قرابته (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالقرابة القريبة ومنها:

أولاً: قرابته من خلال القرآن:

قال تعالى: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَى»(1).

ويراد بذوي القربى أهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم، الذين فرض الله طاعتهم ومودتهم على الناس، روي في البرهان عن ابن عباس (رضي الله عنه)، قال: لما نزلت: «قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبی»، قالوا: يا رسول الله، من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال: «علي وفاطمة وأبناهما (عليهم السلام)(2).

وفي تفسر القمي، حدثني أبي عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن محمد ابن مسلم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: في قول الله عز وجل: «قل لا أسألكم عليه أجرا - إلا المودة في القربى» يعني في أهل بيته.

قال: جاءت الأنصار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: إنا قد آوينا ونصرنا فخذ طائفة من أموالنا فاستعن بها على ما نابك فأنزل الله عز وجل «قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى» أي في أهل بيته.

ص: 40


1- الشورى: 23
2- البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم البحراني، ج 4، ص 823، ح 23

ثم قال: ألا ترى أن الرجل يكون له صديق وفي نفس ذلك الرجل شيء على أهل بيته فلا يسلم صدره فأراد الله عز وجل أن لا يكون في نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيء على أمته ففرض الله عليهم المودة في القربى فإن أخذوا أخذوا مفروضا، وإن تركوا تركوا مفروضا. قال: فانصرفوا من عنده وبعضهم يقول: عرضنا عليه أموالنا فقال: لا. قاتلوا عن أهل بيتي من بعدي، وقال طائفة: ما قال هذا رسول الله وجحدوه وقالوا كما حكى الله عز وجل: «أم يقولون افترى على الله كذبا» فقال عز وجل: «فإن يشإ الله يختم على قلبك» قال: لو افتريت «ويمح الله الباطل» يعني يبطله «ويحق الحق بكلماته» يعني بالأئمة والقائم من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) «إنه عليم بذات الصدور)(1).

وعن الإمام الحسن بن علي (عليهما السلام)، أنه خطب الناس فقال في خطبته: (إنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم، فقال: «قُلْ لا أَسْئَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْراً إِلاَّ اَلْمَوَدَّهَ فِی اَلْقُرْبی وَ مَنْ یَقْتَرِفْ حَسَنَهً نَزِدْ لَهُ فِیها حُسْناً)، فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت»(2).

ومن الآيات الأخرى التي تبیّن قرابته في القرآن، قال تعالى: «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»(3).

فهذه الآية تبیّن قرابة الإمام (عليه السلام) من الرسول الأكرم (صلى الله عليه

ص: 41


1- تفسير القمي، ج 2، ص 275
2- البرهان، ج 4، ص 822، ح 17
3- آل عمران: 61

وآله) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة التي هي محل الشاهد، فقد جعل النبي علياً كنفسه، فهذا القرب الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وآله لم يحظَ به سوى علي (عليه السلام)، وفاطمة والحسنان (عليهم السلام)، فهم أقرب الخلق إلى النبي صلى الله عليه وآله.

روي عن جابر قال: (قدم على رسول الله) صلى الله عليه وسلم) العاقب والطيب فدعاهما إلى الاسلام فقالا أسلمنا يا محمد فقال كذبتما إن شئتما أخبرتكاما يمنعكما من الاسلام، فقالا فهات إلينا، قال حب الصليب وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير - قال جابر فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه إلى أن يفداه بالغداة فغدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخذ بيد علي والحسن والحسین وفاطمة فأرسل إليهما فأبيا أن يجيباه وأقرا له، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والذي بعثني بالحق لو فعلا لأمطر عليهم الوادي نارا، قال جابر فيهم نزلت ندع أبناءنا وأبناءكم، قال جابر أنفسنا وأنفسكم رسول الله وعلي وأبناؤنا الحسن والحسین ونساؤنا فاطمة)(1).

وقوله تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(2)، روي عن أم سلمة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أنه قال لفاطمة (عليها السلام): «ائتيني بزوجك وابنيك». فأتت بهم، فألقى عليهم كساء، ثم رفع يده عليهم، فقال: «اللهم هؤلاء آل محمد، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد، فإنك حميد مجيد»، قالت أم سلمة: فرفعت الكساء لأدخل بينهم، فاجتذبه وقال:

ص: 42


1- تفسر الميزان، ج 3، ص 233، خصائص الوحي المبین، ابن طارق، ص 129، الدر المنثور، جلال الدين السيوطي، ج 2، ص 39
2- الاحزاب: 33

«إنك لعى خیر»(1).

وروى إسماعيل بن عبد الخالق، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنه قال: «إنها نزلت فينا أهل البيت، أصحاب الكساء»(2).

فهذه القرابة القريبة خصت بعلي وفاطمة والحسن والحسین وذريتهم عليهم أفضل الصلاة والسلام، فقد روى صاحب الكشاف (أنها لما نزلت قيل يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال علي وفاطمة وابناهما)(3).

فهم الهداة المهديین بعد النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ولولا طُهرهم لما خصهم الله بهذه المنزلة وإنما وجدهم طيبین طاهرين فخصهم الله بالرسالة السماوية وأورثهم علم النبوة وأعطاهم من الفضل ما لم يصل له نبي مرسل ولا ملك مقرب إلا حبيبه محمد (صلى الله عليه وآله) الوحيد الذي سبقهم بالفضل والمرتبة، فلولاهم لما استقام الدين ويكفي حديث الثقلین في بيان عظمتهم وبيان شأنهم فهم السبيل إلى الله ورسوله.

عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إني تارك فيكم أمرين أحدهما أطول من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فقلت لأبي سعيد: من عترته؟

ص: 43


1- البرهان، ج 4، ص 824، ح 27
2- البرهان، ج 4، ص 822، ح 18
3- الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التاويل، الزمخشري، ج 3، شرح ص 467

قال: أهل بيته)(1).

وقد جاء في عيون الاخبار في باب ذكر مجلس الرضا (عليه السلام) مع المأمون وهو حديث طويل، حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحمیري عن أبيه عن الريان بن الصلت قال: حضر الرضا عليه السلام مجلس المأمون بمرو وقد اجتمع في مجلسه جماعه من علماء أهل العراق وخراسان فقال المأمون: أخبروني عن معنى هذه الآية: «ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا»(2)، فقالت العلماء: أراد الله عز وجل بذلك الأمة كلها فقال المأمون: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال الرضا (عليه السلام): لا أقول كما قالوا ولكني أقول: أراد الله عز وجل بذلك العترة الطاهرة فقال المأمون: وكيف عنى العترة من دون الأمة؟ فقال له الرضا عليه السام: إنه لو أراد الأمة لكانت أجمعها في الجنة لقول الله عز وجل: «فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ»(3)، ثم جمعهم كلهم في الجنة فقال عز وجل: «جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ»(4) فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم، فقال المأمون: من العترة الطاهرة؟ فقال الرضا (عليه السلام): الذين وصفهم الله في كتابه فقال عز وجل:

«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(5)، وهم الذين قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إني مخلف فيكم الثقلین كتاب الله وعترتي

ص: 44


1- الخصال، الشيخ الصدوق، ص 65، ح 97
2- فاطر: 32
3- فاطر: 32
4- فاطر: 33
5- الأحزاب: 33

أهل بيتي ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما، أيها الناس لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، قالت العلماء: أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة أهم الأل أم غیر الال؟ فقال الرضا عليه السلام: هم الآل فقالت العلماء:

فهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يؤثر عنه أنه قال: أمتي آلي وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفاض الذي لا يمكن دفعه آل محمد أمته فقال أبو الحسن عليه السلام: أخبروني فهل تحرم الصدقة على الآل فقالوا: نعم، قال: فتحرم على الأمة، قالوا: لا، قال: هذا فرق بین الآل والأمة، ويحكم أين يذهب بكم، أضربتم عن الذكر صفحا أم أنتم قوم مسرفون، أما علمتم أنه وقعت الوراثة والطهارة على المصطفین المهتدين دون سائرهم؟ قالوا: ومن أين يا أبا الحسن؟ فقال من قول الله عز وجل:«وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ»(1)، فصارت وراثة النبوة والكتاب للمهتدين دون الفاسقين، أما علمتم أن نوحا حین سأل ربه عز وجل: «فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ»(2)، وذلك أن الله عز وجل وعده أن ينجيه وأهله فقال ربه عز وجل: «إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ»(3)، فقال المأمون: هل فضَّل الله العترة على سائر الناس؟ فقال أبو الحسن: إن الله عز وجل أبان فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه فقال له المأمون: وأين ذلك من كتاب الله؟ فقال له الرضا (عليه السلام) في قول الله عز وجل: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً

ص: 45


1- الحديد: 26
2- هود: 45
3- هود: 46

«ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(1)، وقال عزوجل في موضع آخر: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا»(2)، ثم رد المخاطبة في اثر هذه إلى سائر المؤمنین فقال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ»(3)، يعني الذين قرنهم بالكتاب والحكمة وحسدوا عليها فقوله عز وجل: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا»، يعنى الطاعة للمصطفين الطاهرين، فالملك ها هنا هو الطاعة لهم، فقالت العلماء: فأخبرنا هل فسر الله عز وَجَلّ الاصطفاء في الكتاب؟ فقال الرضا عليه السلام فسر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في إثني عشر موطنا وموضعا.

فأول ذلك قوله عز وجل: «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»(4)، ورهطك المخلصين هكذا في قراءة أبيّ بن كعب وهي ثابتة في مصحف عبد الله بن مسعود وهذه منزلة رفيعة وفضل عظيم وشرف عال حین عنى الله عز وجل بذلك الآل فذكره لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فهذه واحدة.

والآية الثانية - في الاصطفاء قوله عز وجل: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»، وهذا الفضل الذي لا يجهله أحد إلا معاند ضال لأنه فضل بعد طهارة تنتظر فهذه الثانية.

ص: 46


1- آل عمران: 33 - 34
2- النساء: 54
3- النساء: 59
4- الشعراء: 214

وأما الثالثة فحین ميز الله الطاهرين من خلقه فأمر نبيه بالمباهلة بهم في آية الابتهال فقال عز وجل: يا محمد: «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»، فبرّزَ النبي (صلى الله عليه وآله) عليا والحسن والحسین وفاطمة صلوات الله عليهم وقرن أنفسهم بنفسه فهل تدرون ما معنى قوله: (وأنفسنا وأنفسكم)؟ قالت العلماء: عنى به نفسه فقال أبو الحسن (عليه السلام): لقد غلطتم إنما عنى بها عي بن أبي طالب (عليه السلام) ومما يدل على ذلك قول النبي (صلى الله عليه وآله): حین قال:

لينتهین بنو وليعة أو لأبعثن إليهم رجا كنفسي يعني علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعنى بالأبناء الحسن والحسین (عليهما السلام) وعنى بالنساء فاطمة (عليها السلام) فهذه خصوصية لا يتقدمهم فيها أحد وفضل لا يلحقهم فيه بشر وشرف لا يسبقهم إليه خلق إذ جعل نفس علي عليه السلام كنفسه فهذه الثالثة.

وأما الرابعة فإخراجه (صلى الله عليه وآله) الناس من مسجده ما خلا العترة حتى تكلم الناس في ذلك وتكلم العباس فقال: يا رسول الله: تركت عليا وأخرجتنا؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما أنا تركته وأخرجتكم ولكن الله عز وجل تركه وأخرجكم وفي هذا تبيان قوله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): أنت مني بمنزله هارون من موسى قالت العلماء: وأين هذا من القرآن؟ قال أبو الحسن:

أوجدكم في ذلك قرآنا وأقرأه عليكم قالوا: هات قال: قول الله عز وجل:

«وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً»(1)، ففي هذه الآية منزلة هارون من موسى وفيها أيضا منزلة علي (عليه السلام)

ص: 47


1- يونس: 87

من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومع هذا دليل واضح في قوله رسول الله (صلى الله عليه وآله) حین قال: ألا إن هذا المسجد لا يحل لجنب إلا لمحمد (صلى الله عليه وآله) وآله قالت العلماء: يا أبا الحسن هذا الشرح والبيان لا يوجد إلا عندكم معاشر أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: ومن ينكر لنا ذلك ورسول الله يقول: انا مدينه العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأتها من بابها؟! ففيما أوضحنا وشرحنا من الفضل والشرف والتقدمة والاصطفاء والطهارة ما لا ينكره إلا معاند. ولله عز وجل والحمد على ذلك فهذه الرابعة.

والآية الخامسة قول الله عز وجل: «وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ»(1)، خصوصية خصهم الله العزيز الجبار بها واصطفاهم على الأمة فلما نزلت هذه الآية على رسول الله (صلی الله عليه وآله) قال: ادعوا إليّ فاطمة فدعيت له فقال: يا فاطمة قالت: لبيك يا رسول الله فقال: هذه فدك مما هي لم يوجف عليه بالخيل ولا ركاب وهي لي خاصة دون المسلمين وقد جعلتها لما أمرني الله تعالى به فخذيها لك ولولدك فهذه الخامسة.

والآية السادسة قول الله عز وجل: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(2)، وهذه خصوصية للنبي (صلى الله عليه وآله) إلى يوم القيامة وخصوصية للآل دون غيرهم وذلك أن الله عز وجل حكى في ذكر نوح في كتابه: «وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ»(3)، وحكى عز وجل عن هود أنه قال: «يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ

ص: 48


1- الأسراء: 26
2- الشورى: 23
3- هود: 29

عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ»(1)، وقال عز وجل لنبيه محمد (صلى الله عليه وآله): قل يا محمد «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»، ولايفرض الله تعالى مودتهم إلا وقد علم أنهم لا يرتدون عن الدين ابدا ولا يرجعون إلى ضلال أبدا وأخرى أن يكون الرجل وادَّاً للرجل فيكون بعض أهل بيته عدوا له فلا يسلم له قلب الرجل فأحب الله عز وجل أن لا يكون في قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) على المؤمنن شئ ففرض عليهم الله مودة ذوي القربى، فمن أخذ بها وأحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأحب أهل بيته لم يستطع رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يبغضه ومن تركها ولم يأخذ بها وأبغض أهل بيته فعلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يبغضه لأنه قد ترك فريضة من فرائض الله عز وجل فأي فضيلة وأي شرف يتقدم هذا أو يدانيه؟ فأنزل الله عز وجل هذه الآية على نبيه (صلى الله عليه وآله) «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»، فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أيها الناس إن الله عز وجل قد فرض لي عليكم فرضا فهل أنتم مؤدوه؟ فلم يجبه أحد فقال: يا أيها الناس إنه ليس من فضة ولا ذهب ولا مأكول ولا مشروب فقالوا: هات إذن، فتلا عليهم هذه الآية فقالوا: أما هذه فنعم فما وفى بها أكثرهم وما بعث الله عز وجل نبيا إلا أوحى إليه أن لا يسأل قومه أجرا لأن الله عز وجل يوفيه أجر الأنبياء ومحمد (صلى الله عليه وآله) فرض الله عز وجل طاعته ومودة قرابته على أمته وأمره أن يجعل أجره فيهم ليؤدوه في قرابته بمعرفه فضلهم الذي أوجب الله عز وجل لهم فإن المودة إنما تكون عى قدر معرفه الفضل فلما أوجب الله تعالى ذلك ثقل ذلك لثقل وجوب الطاعة فتمسك بها

ص: 49


1- هود: 51

قوم قد أخذ الله ميثاقهم عى الوفاء وعاند أهل الشقاق والنفاق وألحدوا في ذلك فصرفوه عن حدّهِ الذي حدَّهُ الله عز وجل فقالوا: القرابة هم العرب كلها وأهل دعوته فعلى أي الحالتین كان فقد علمنا أن المودة هي للقرابة فأقربهم من النبي (صلى الله عليه وآله) أولاهم بالمودة وكلما قربت القرابة كانت المودة على قدرها وما أنصفوا نبي الله (صلى الله عليه وآله) في حيطته ورأفته وما مَنَّ الله به على أمته مما تعجز الألسن عن وصف الشكر عليه أن لا يؤذوه في ذريته وأهل بيته وأن يجعلوهم فيهم بمنزلة العین من الرأس حفظاً لرسول الله فيهم وحبا لهم، فكيف والقرآن ينطق به ويدعو إليه، والأخبار ثابتة بأنهم أهل المودة الذين فرض الله تعالى مودتهم ووعد الجزاء عليها! فما وفى أحد بها فهذه المودة لا يأتي بها أحد مؤمنا مخلصا إلا استوجب الجنة لقول الله عز وجل في هذه الآية: «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(1) مفسرا ومبينا)(2).

عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)، عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنه)، قال: «لما نَصّبَ رسول الله (صلى الله عليه وآله)، عليا (عليه السلام) يوم غدير خم قال قوم: ما باله يرفع بضبع ابن عمه! فأنزل الله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ الله أَضْغانَهُمْ»»(3).

ص: 50


1- الشورى: 22 - 23
2- عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، الشيخ الصدوق، ج 1، ص 207 - 212، ح 23 - (باب ذكر مجلس الرضا عليه السلام مع المأمون). في الفرق بین العترة والأمة
3- البرهان، ج 5، ص 70، ح 1

ثانياً: قرابته من خلال السُنّة:

وهذه القرابة تنقسم على قسمين:

أ- قرابة نسبية:
أولاً - قرابته عن طريق العشيرة:

فكلاهما من هذه العشیرة الطيبة الطاهرة والعريقة التي حوت أعظم الخلق من الرجال والنساء، المعروفین بطهر المنبت وطيب الخصال من كرم وجود وشجاعة وشهامة، فهذه العشیرة ترجع سلالتها إلى كرام الخلق، فمن كلام له (عليه السلام) يبیّن فيه عظمة هذه الشجرة قال: (فَأَخْرَجَه مِنْ أَفْضَلِ الْمَعَادِنِ مَنْبِتاً، وأَعَزِّ الأَرُومَاتِ مَغْرِساً، مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي صَدَعَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَه، وانْتَجَبَ مِنْهَا أُمَنَاءَه، عِتْرَتُه خَیْرُ الْعِتَرِ، وأُسْرَتُه خَیْرُ الأُسَرِ، وشَجَرَتُه خَیْرُ الشَّجَرِ، نَبَتَتْ فِی حَرَمٍ وبَسَقَتْ فِی كَرَمٍ، لَهَا فُرُوعٌ طِوَالٌ وثَمَرٌ لَا يُنَالُ)(1).

فمعنى أسرته: أي عشیرته، روى مسلم عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): (إنّ الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم)(2).

وقال الامام الصادق (عليه السلام): ثم أودعنا بذلك النور صلب آدم عليه الصلاة والسلام، فما زال ذلك النور ينتقل من الأصلاب والأرحام من صلب

ص: 51


1- نهج البلاغة، الخطبة: 94، ص 139
2- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، السيد حبيب الله الخوئي، ج 7، ص 56

إلى صلب، ولا استقر في صلب إلا تبیّن عن الذي انتقل منه انتقاله، وشرف الذي استقر فيه حتى صار في صلب عبد المطلب فوقع بأم عبد الله فاطمة فافترق النور جزئيین: جزء في عبد الله، وجزء في أبي طالب، فذلك قوله تعالى: «وَتَقَلُّبَكَ فِی السَّاجِدِينَ»، يعني في أصاب النبيین وأرحام نسائهم فعلى هذا أجرانا الله تعالى في الأصلاب والأرحام وولدنا الاباء والأمهات من لدن آدم عليه السلام)(1).

فالله سبحانه وتعالى اختار لهم هذه العشیرة لما لها من مكانة رفيعة عنده وعند الناس فهم سادات العرب وأمراؤها، ففي حديث طويل قام علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: يا رسول الله، انسبني من أنا، ليعرف الناس قرابتي منك، فقال: يا علي، خلقت أنا وأنت من عمودين من نور معلقین من تحت العرش، يقدسان الملك من قبل أن يخلق الخلق بألفي عام، ثم خلق من ذينك العمودين نطفتین بيضاوين ملتويتین، ثم نقل تلك النطفتین في الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الزكية الطاهرة، حتى جعل نصفها في صلب عبد الله ونصفها في صلب أبي طالب، فجزء أنا وجزء أنت، وهو قول الله عز وجل: «وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا»(2))(3).

فمحمد وعلي كانا نورين في أصلاب الأنبياء حتى انتقلا إلى صلب بني هاشم وهم سادات البرايا وورثت الأنبياء فلا زالوا يتوارثون الجود والكرم والصفات الطاهرة حتى علوا الآباء وفاقوا جميع المنازل.

ص: 52


1- بحار الانوار - العلامة المجلسي - ج 25 ص 20 ح 31
2- الفرقان: 54
3- كتاب سليم بن قيس، سليم بن قيس الهلالی الكوفي، ص 377

روي عن جابر بن عبد الله قال: بينما رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم) ذات يوم بعرفات وعليّ تِجاهُه، إذ قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اُدن منّي يا عليُّ، خُلِقتُ أنا وأنت من شجرة، صُنِعَ جسمك من جسمي، خلقت أنا وأنت من شجرة: فأنا أصلُها وأنت فرعُها والحسن والحسین أغصانها، فمن تعلّق بغُصن منها أدخله الله الجنّة)(1).

ثانياً - ابن عم النبي:

بما أن عبد الله والد النبي محمد (صلى الله عليه وآله) هو أخ أبي طالب، فمحمد وعلي أبناء عم وقد أشار إلى ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كثیر من الروايات ومنها عن أبي سعيد الخدري قال: بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم جالسا ونحن حوله إذ ضحك فقال له الناس: ما الذي أضحكك يا رسول الله؟ زادك الله سرورا؟ قال: إن جبرئيل أتاني فبشرنی ببشارة لم يبشرنی بمثلها فيما مضى أخبرنی أن منّا من بني هاشم سبعة لم يخلق الله مثلهم فيما مضى ولن يخلق مثلهم فيما بقي، أنا محمد رسول الله سيد النبيین وعلي ابن عمي سيد الوصيین وحمزة عمي سيد الشهداء وجعفر ابن عمي الطيار في الجنة وابناي الحسن والحسین سيدا شباب أهل الجنة ومنا القائم الذي يصلي خلفه عيسى ابن مريم، ثم هو من ذرية ابني الحسین)(2).

وفي المناقب عن ابن عباس: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما تزوج زينب بنت جحش، أولمَ عليها، وكانت وليمته الحيس، وكان يدعو المؤمنین عشرة عشرة

ص: 53


1- مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ابن المغازي، ص 96
2- مناقب الامام أميرالمؤمنين (عليه السلام)، محمد بن سليمان الكوفي، ج 1، ص 543

فإذا أصابوا طعام نبيهم استأنسوا لحديثه والنظر إليه، فجلسوا، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحب أن تخلو له الدار، ويكره أذى المؤمنین فأنزل الله عز وجل: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَي طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَ لكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ»، فلما نزلت هذه الآية كان الناس إذا دعوا إلى طعام نبيهم فطعموا لم يلبثوا، فمكث رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيت زينب بنت جحش سبعة أيام ولياليهن، ثم تحول من بيت زينب بنت جحش إلى بيت أم سلمة (بنت أمية)، فمكث عندها يوما وصبيحة الغد. فلما تعالى النهار أتى علي عليه السلام إلى الباب، فدقه دقا خفيفا، فعرف رسول الله (صلى الله عليه وآله) (دقه) وأنكر [ته] أم سلمة، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): قومي يا أم سلمة فافتحي الباب.

قالت: يا رسول الله، ومن هذا الذي قد بلغ من خطره أن أقوم، فأفتح له وأستقبله بوجهي ومعاصمي؟ فقال: يا أم سلمة، من يطع الرسول فقد أطاع الله! قومي فافتحي الباب فإن بالباب رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وإنك متى فتحت الباب لم يلج حتى يسكن حس وطئك عن الباب. فقامت وهي تقول: بخٍ بخٍ لرجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ففتحت الباب.

فلما أحسها عي أمسك الباب أن ينفتح وأقام حتى انصرفت، ففتح الباب ودخل، فسلم على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فرد عليه أحسن رد، وسأله عن حاله، ثم قال: يا أم سلمة، هل تعرفین هذا الرجل؟

ص: 54

قالت: نعم هذا ابن عمك علي بن أبي طالب، يا رسول الله.

فقال: يا أم سلمة، هو ابن عمي حقا وهو أخي ووزيري وخیر من أخلِّفُ في أهلي وسيد المسلمين وأمیر المؤمنین من بعدي وقائد الغر المحجلین يوم القيامة إلي وصاحب حوضي ورفيقي في الجنة وسبطاي إبناه وقرة عيني وثمرة قلبي وريحانتي من الدنيا، إشهدي بذلك يا أم سلمة وبأن زوجته فاطمة سيدة نساء العالمین اشهدي يا أم سلمة بأن حربه حربي وسلمه سلمي. إشهدي يا أم سلمة إنه الذائد عن حوضي من أبغضه وعاداه كما تذاد غريبة الإبل. إشهدي يا أم سلمة إنه يبعث يوم القيامة عى ناقة من نوق الجنة مسايرا لي يصل ركبته ركبتي.

إشهدي يا أم سلمة إنه معي على الصراط يقول لأعدائنا أهل البيت - وهم في النار - تعستم تعستم. اشهدي يا أم سلمة إنه يقاتل من بعدي الناكثين والقاسطين والمارقین. اشهدي يا أم سلمة إنه مع الحق يزول حيث ما زال ويدور حيث ما دار، لا أخاف عليه فتنة ولا بلاء حتى يلقاني وعد وعدني ربي فيه ولن يخلف الله وعده أن يحفظني فيه وتسلم له دينه حتى يلحق بي.

(فقال الشامي: فرّجت علي يا عبد الله بن العباس، أشهد أن علي بن أبي طالب مولاي ومولى كل مسلم)(1).

ص: 55


1- شرح الأخبار، القاضي النعمانی المغربي، ج 1، ص 206
ب- قرابة سببية:

وتنقسم هذه القرابة على قسمين:

أولاً - زوج ابنته:

إن الجميع يعرف أن زواج فاطمة من علي (عليهما السلام) كان بأمر الله سبحانه لأن فاطمة لم يكن لها كفؤ غیره ولولا علي لما كان لفاطمة كفؤ، فهي سيدة النساء وهو سيد الأوصياء عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

سمعته يقول: لولا أن الله تبارك وتعالى خلق أمیر المؤمنین (عليه السلام) لفاطمة، ما كان لها كفؤ عى ظهر الأرض من آدم ومن دونه)(1).

فهذا الحديث يبیّن منزلة علي وفاطمة بأنهما (عليهما السلام) أعلى منزلة من جميع الأنبياء ونستثني خاتمهم وسيدهم أبو القاسم محمد (صلى الله عليه وآله)، ففاطمة (عليها السلام) سر من أسرار الله لا يعلم سرها إلا خالقها وكذلك علي (عليه السلام) فهم نور الله في أرضه كما كانوا أنواره في عرشه.

عن علي بن جعفر، قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) يقول: بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس إذا دخل عليه ملك له أربعة وعرون وجها، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): حبيبي جبرئيل، لم أرك في مثل هذه الصورة؟ فقال الملك: لست بجبرئيل، أنا محمود، بعثني الله عز وجل أن أزوج النور من النور)(2).

ص: 56


1- الكافي، ج 1، ص 461، ح 10، باب مولود الزهراء عليها السلام
2- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 689

فحينما تخیّر الله من بین خلقه من هو كفؤ لفاطمة أمر رسوله الكريم أن يزوج النور من النور، قال ابن عباس: أوحى الله إلى نبيه (صلى الله عليه وآله) أن زَوِّج فاطمة من علي، فزفت فاطمة إلى علي وقال النبي لعلي: يا علي لا تحدثن أمرا حتى يأتيكما رأيي، فدخل عليهما النبي (صلى الله عليه وآله) فدعا بفروة فبسطه ودعا بعباء فبسطه ونومهما عليه ودعا بقعب من ماء فتفل فيه تفلا وسقى عليا بدءاً وفاطمة ثانيا ورش عليهما وقال: اللهم بارك فيهما وبارك عليهما وأنت وليهما في الدنيا والآخرة، ثم خرج عنهما وتركهما، ودخلت أم أيمن باكية عى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)!! فقال لها النبي: ما يبكيك يا أم أيمن؟ قالت: ذكرت بني فلان زوجوا فتاتهم ونثروا عليها من السكر واللوز ما علم الله وذكرت ابنتك فاطمة يا رسول الله سيدة النساء زوَّجتها من علي فلم تنثر عليها بشيء قال: فقال النبي (صلى الله عليه وآله): لا تبكي يا أم أيمن والذي بعثني بالحق ما زوجت فاطمة من علي حتى رضي علي وما رضي علي حتى رضيت وما رضيت أنا حتى رضي رب العالمین. يا أم أيمن إنه لما أراد الله أن أزوج فاطمة من علي أمر الملائكة أن احتدقوا بالعرش وأمر الله شجرة طوبى أن تتزين وأمر الله الحور العین أن يحتدقن بشجرة طوبى وأمر الله جبرئيل أن يكتب الملائكة يشهدون، فكان الكاتب جبرئيل والشهود الملائكة والولي رب العالمین، وأمر الله شجرة طوبى أن انثري ما عليك من اللؤلؤ والزمرد فجعلت تنثر ما عليها وجعلت الحور العین يلتقطنه في حليهن وحللهن ويتفاخرن ويتهادينه ويقلن: هذا من نثار فاطمة ابنة محمد زوجة علي بن أبي طالب)(1).

وجاء في موسوعة (هذه فاطمة) للسيد نبيل الحسني في إخبارها النبي (صلى

ص: 57


1- مناقب الامام امير المؤمنين (عليه السلام)، محمد بن سلمان الكوفي، ج 2، ص 204

الله عليه وآله) وسلم عن كرامة رأتها لعلي صبيحة عرسها (فأخبرت أباها صلى الله عليه وآله وسلم عنها، وقد أثرت هذه الكرامة في فاطمة فأفزعتها.

تقول فاطمة (عليها السلام): (سمعت الأرض تحدثه ويحدثها، فأصبحت وأنا فزعة فأخرت والدي (صلى الله عليه وآله وسلم) فسجد سجدة طويلة، ثم رفع رأسه وقال: يا فاطمة أبشري بطيب النسل، فإن الله فضّل بعلك على سائر خلقه، وأمر الأرض أن تحدثه بأخبارها وما يجري على وجهها من شرق الأرض إلى غربها)(1).

وفي رواية، أنه قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (يا فاطمة زوجتك سيداً في الدنيا، وإنه في الآخرة لمن الصالحین، يا فاطمة لمّا أراد الله تعالى أن أملكك بعلي أمر الله تعالى جبرائيل فقام في السماء الرابعة فصفّ الملائكة صفوفاً ثم خطب عليهم فزوَّجك من علي، ثم أمر الله سبحانه بشجر الجنان فحملت الحلي والحلل، ثم أمرها فنثرته على الملائكة فمن أخذ منهم يومئذ شيئاً أكثر مما أخذ غیره افتخر به إلى يوم القيامة.

قالت أم سلمة رضي الله عنها: لقد كانت فاطمة (عليها السلام) تفخر؛ لأنها من خطب عليها جبرائيل (عليه السلام)(2).

روى ابن طاووس عن أبي يحيى عن مجاهد عن ابن عباس قال: (لما زوّج رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا عليه السلام فاطمة عليها السلام تحدثن نساء قريش وغيرهن وعيَّرنها وقلن: زوَّجك رسول الله صلى الله عليه وآله من عائل لا

ص: 58


1- هذه فاطمة، السيد نبيل الحسني، ج 2، ص 303 - 304
2- المصدر نفسه

مال له، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا فاطمة، أما ترضین أن الله تبارك وتعالى اطلع اطلاعة إلى الأرض فاختار منها رجلین أحدهما أبوك والآخر بعلك، يا فاطمة كنت أنا وعلي نورين بین يدي الله عز وجل، مطيعین من قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف عام، فلما خلق آدم قسم ذلك النور جزئین: جزء أنا وجزء علي، ثم أن قريشا تكلمت في ذلك وفشى الخر فبلغ النبي (صلى الله عليه وآله) فأمر بلالاً فجمع الناس وخرج إلى مسجده ورقي منبره يحدث الناس بما خصّه الله تعالى من الكرامة وبما خصّ به عليا وفاطمة (عليهما السلام)، فقال:

يا معشر الناس، إنه بلغني مقالتكم، وأني محدثكم حديثا فعوه واحفظوه مني واسمعوه، فإني مخبركم بما خصّ به أهل البيت وبما خصّ به علي (عليه السلام) من الفضل والكرامة وفضله عليكم، فلا تخالفوه فتنقلبوا على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين، معاشر الناس، إن الله قد اختارني من خلقه فبعثني إليكم رسولا، واختار لي عليا خليفة ووصيا. معاشر الناس، إني لما أسري بي إلى السماء وتخلف عني جميع من كان معي من ملائكة السماوات وجبرئيل والملائكة المقربین ووصلت إلى حجب ربي دخلت سبعين ألف حجاب، بین كل حجاب إلى حجاب، من حجب العزة والقدرة والبهاء والكرامة والكبرياء والعظمة والنور والظلمة والوقار، حتى وصلت إلى حجاب الجلال، فناجيت ربي تبارك وتعالى وقمت بین يديه وتقدم إلي عز ذكره بما أحبه وأمرني بما أراد، لم أسأله لنفسي شيئا في علي عليه السلام إلا أعطاني، ووعدني الشفاعة في شيعته وأوليائه، ثم قال لي الجليل جل جلاله: يا محمد، من تحب من خلقي؟ قلت: أحب الذي تحبه أنت يا ربي. قال لي جل جلاله: فأحبِّ عليا فإني أحبه وأحب من يحبه، فخررت لله ساجدا مسبحا شاكرا لربي تبارك وتعالى. فقال لي:

يا محمد، عي وليي وخیرتي بعدك من خلقي، اخترته لك أخا ووصيا ووزيرا

ص: 59

وصفيا وخليفة وناصرا لك على أعدائي. يا محمد، وعزتي وجلالي، لا يناوي عليا جبار إلا قصمته، ولا يقاتل عليا عدو من أعدائي إلا هزمته وأبدته.

يا محمد، إني اطلعت على قلوب عبادي فوجدت عليا أنصح خلقي لك وأطوعهم لك، فاتخذه أخا وخليفة ووصيا وزوجه ابنتك، فإني سأهب لهما غلامين طيبین طاهرين تقيین نقيین.

فبي حلفت وعلى نفسي حتمت، إنه لا يتولینَّ عليا وزوجته وذريتهما أحد من خلقي إلا رفعت لواءه إلى قائمة عرشي وجنتي وبحبوحة كرامتي، وسقيته من حظیرة قدسي ولا يعاديهم أحد ويعدل عن ولايتهم يا محمد إلا سبلته ودي وباعدته من قربي وضاعفت عليهم عذابي ولعنتي.

يا محمد، إنك رسولي إلى جميع خلقي وإن عليا وليي وأمیر المؤمنین، وعلى ذلك أخذت ميثاق ملائكتي وأنبيائي [وجميع خلقي من قبل أن أخلق خلقا في سمائي] وأرضي محبة مني لك يا محمد، ولعلي ولولدكما ولمن أحبكما وكان من شيعتكما ولذلك خلقتهم من خليقتكما.

فقلت: إلهي وسيدي، فاجمع الأمة عليه. فأبى علي وقال: يا محمد، إنه المبتلى والمبتلى به، وإني جعلتكم محنة لخلقي، أمتحن بكم جميع عبادي وخلقي في سمائي وأرضي وما فيهن لأكمل الثواب لمن أطاعني فيكم. وأحل عذابي ولعنتي على من خالفني فيكم وعصاني، وبكم أميز الخبيث من الطيب. يا محمد، وعزتي وجلالي لولاك ما خلقت آدم، ولولا علي ما خلقت الجنة لأني بكم أجزي العباد يوم المعاد بالثواب والعقاب، وبعلي وبالأئمة من ولده انتقم من أعدائي في دار الدنيا. ثم إلى المصیر للعباد والمعاد وأحكمكما في جنتي وناري، فلا يدخل الجنة لكما عدو ولا

ص: 60

يدخل النار لكما ولي، وبذلك أقسمت على نفسي.

ثم انصرفت فجعلت لا أخرج من حجاب من حجب ربي ذي الجلال والإكرام إلا سمعت في النداء ورائي: يا محمد قدّم عليا، يا محمدا استخلف عليا، يا محمد أوص إلى علي، يا محمد وآخ عليا، يا محمد أحب من يحب عليا، يا محمد استوص بعلي وشيعته خیرا.

فلما وصلت إلى الملائكة جعلوا يهنئونني في السماء ويقولون: هنيئا لك يا رسول الله بكرامة لك ولعلي. معاشر الناس، علي أخي في الدنيا والآخرة ووصيي وأميني على سري وسر رب العالمین ووزيري وخليفتي عليكم في حياتي وبعد وفاتي. لا يتقدمه أحد غیري وخیر من أخلف بعدي. ولقد أعلمني ربي تبارك وتعالى أنه سيد المسلمين وإمام المتقین وأمیر المؤمنین ووارثي ووارث النبيین ووصي رسول رب العالمین وقائد الغر المحجلین من شيعته وأهل ولايته إلى جنات النعيم بأمر رب العالمین. يبعثه الله يوم القيامة مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون، بيده لوائي لواء الحمد يسیر به أمامي، وتحته آدم وجميع من ولد من النبيین والشهداء والصالحین إلى جنات النعيم حتما من الله محتوما من رب العالمین، وعد وعدنيه ربي فيه ولن يخلف الله وعده وأنا على ذلك من الشاهدين)(1).

ص: 61


1- اليقین ابن طاووس، ص 425، ومن أراد الزيادة والتوسع في موضوع زواج فاطمة من علي (عليهما السلام) يراجع موسوعة (هذه فاطمة) للسيد نبيل الحسني ج 2، ص 188
ثانياً: أبو ولده:

إن هذا الأمر معلوم لدى الخاصة والعامة أن الحسن والحسین (عليهما السلام) هم أبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهذا ما صرح به الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بنفسه، فقد روي عن شيبة بن نعامة عن فاطمة بنت الحسین عن فاطمة الكبرى قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل بني أم ينتمون إلى عصبة غیر ولد فاطمة فأنا أبوهم، وأنا عصبتهم)(1).

وفي الاحتجاج قال النبي محمد صلى الله عليه وآله: (معاشر الناس) ذرية كل نبي من صلبه وذريتي من صلب علي)(2).

وقد أوصى النبي (صلى الله عليه وآله) بحبهم واتباعهم وموالاتهم، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) يرويه عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (إن الله تعالى جعل ذرية كل نبي من صلبه وجعل ذريتي من صلب علي بن أبي طالب، ومن فاطمة ابنتي، وإن الله اصطفاهم، كما اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم على العالمین، فاتبعوهم يهدوكم إلى صراط مستقيم، وقدموهم ولا تتقدموا عليهم، فإنهم أجملكم صغارا، وأعلمكم كبارا فاتبعوهم، فإنهم لا يدخلوكم في ضال، ولا يخرجوكم من باب هدى)(3).

قال تعالى: «وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا

ص: 62


1- تاريخ بغداد، ج 11، ص 284
2- الاحتجاج، الشيخ الطبرسي، ج 1، ص 77
3- الروضة في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، ص 179

لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا * أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا»(1).

عن سعيد بن جبیر في قوله تعالى: «وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا»، الآية، قال نزلت هذه الآية والله خاصة في أمیر المؤمنین (عليه السلام)، قال كان أكثر دعائه يقول: ربنا هب لنا من أزواجنا، يعني فاطمة وذرياتنا، يعني الحسن والحسین قرة أعین، قال أمیر المؤمنین: والله ما سألت ربي ولدا نضیر الوجه ولا سألت ولدا حسن القامة ولكن سألت ربي ولدا مطيعین لله خائفین وجلین منه حتى إذا نظرت إليه وهو مطيع لله قرت به عيني، قال: «وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا»، قال: نقتدي بمن قبلنا من المتقین فيقتدي المتقون بنا من بعدنا، وقال الله: «أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا»، يعني علي بن أبي طالب والحسن والحسین وفاطمة (ويلقون فيها تحية وسلاما خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما)، وقد روي أن (والتین والزيتون) نزلت فيهم)(2).

وعن أبي الجارود، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): يا أبا الجارود ما يقولون لكم في الحسن والحسین (عليهما السلام)؟ قلت: ينكرون علينا أنهما ابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: فأي شيء احتججتم عليهم؟ قلت: احتججنا عليهم بقول الله عز وجل في عيسى ابن مريم (عليهما السلام): «وَمِن ذُرِّیَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَیْمَانَ وَأَیُّوبَ وَیُوسُفَ وَمُوسَیٰ وَهَارُونَ وَکَذَٰلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ ٭ وَزَکَرِیَّا وَیَحْیَیٰ وَعِیسَیٰ»(3)، «فجعل عيسى ابن مريم من ذرية نوح (عليه السلام)، قال: فأي شيء قالوا لكم؟. قلت: قالوا: قد يكون ولد

ص: 63


1- الفرقان: 74 - 75
2- مناقب آل ابي طالب، ابن شهر اشوب، ج 3، ص 153
3- الأنعام: 84 - 85

الابنة من الولد ولا يكون من الصلب. قال: فأي شيء احتججتم عليهم؟ قلت:

احتججنا عليهم بقول الله تعالى لرسوله (صلى الله عليه وآله): «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ»(1).

قال: فأي شيء قالوا؟. قلت: قالوا: قد يكون في كلام العرب أبناء رجل وآخر يقول: أبناؤنا. قال: فقال أبو جعفر (عليه السلام): يا أبا الجارود لأعطينكها من كتاب الله جل وتعالى أنهما من صلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يردها إلا الكافر، قلت: وأين ذلك جعلت فداك؟. قال: من حيث قال الله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ»(2)، الآية إلى أن انتهى إلى قوله تبارك تعالى:

«وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ»(3)، فسلهم يا أبا الجارود هل كان يحل لرسول الله (صلى الله عليه وآله) نكاح حليلتيهما؟ فإن قالوا: نعم كذبوا وفجروا وإن قالوا: لا فهما ابناه لصلبه)(4).

وفي حديث عن الكاظم (عليه السّلام) وفيه: أن الرشيد قال له: (جوّزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويقولوا لكم: يا بني رسول الله، وأنتم بنو علي، وإنا ينسب المرء إلى أبيه، وفاطمة إنما هي وعاء، والنبي جدكم من قبل أمكم، فقلت: يا أمیر المؤمنین لو أن النبي نشر فخطب إليك كريمتك، هل كنت تجيبه؟ قال: سبحان الله! ولم لا أجبه، بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك؟ فقلت له: لكنه لا يخطب إلي ولا أزوجه، فقال:

ص: 64


1- آل عمران: 61
2- النساء: 32
3- النساء: 23
4- الكافي، ج 8، ص 317، ح 501

ولم؟ فقلت: لأنه ولدني ولم يلدك، فقال: أحسنت يا موسى! ثم قال: كيف قلتم إنا ذرية النبي والنبي لم يعقب، وإنما العقب الذكر لا الأنثى، وأنتم ولد الإبنة ولا يكون ولدها عقبا له، فقلت: أسألك بحق القرابة والقبر ومن فيه، إلا أعفيتني عن هذه المسألة، فقال: لا أو تخبرنی بحجتكم فيه يا ولد علي! وأنت يا موسى يعسوبهم، وإمام زمانهم، كذا أنهي إلي، ولست أعفيك في كل ما أسألك عنه، حتى تأتيني فيه بحجة من كتاب الله، وأنتم تدعون معشر ولد علي أنه لا يسقط عنكم منه شيء ألف ولا واو إلا تأويله عندكم، واحتججتم بقوله عز وجل: (ما فرطنا في الكتاب من شيء)، واستغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم.فقلت: تأذن لي في الجواب؟ قال: هات، فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: «وَمِن ذُرِّیَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَیْمَانَ وَأَیُّوبَ وَیُوسُفَ وَمُوسَیٰ وَهَارُونَ وَکَذَٰلِکَ نَجْزِی الْمُحْسِنِینَ ٭ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ»(1)، من أبو عيسى يا أمیر المؤمنین؟ فقال: ليس لعيسى أب، فقلت: إنما ألحقناه بذراري الأنبياء (عليهم السلام) من طريق مريم عليها السلام وكذلك أُلحقنا بذراري النبي صلى الله عليه وآله من قبل أمنا فاطمة، أزيدك يا أمیر المؤمنین؟ قال: هات، قلت: قول الله عز وجل: «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»(2)، ولم يدّع أحد أنه أدخله النبي صلى الله عليه وآله تحت الكساء عند مباهلة النصارى إلا علي بن أبي طالب عليه السلام وفاطمة، والحسن والحسین فأبنائنا الحسن والحسین ونسائنا فاطمة، وأنفسنا علي بن أبي طالب عليه السلام. على أن العلماء قد أجمعوا على أن جبرئيل قال يوم أحد: (يا محمد إن هذه لهي المواساة من علي) قال: (لأنه

ص: 65


1- الأنعام: 84 - 85
2- آل عمران: 61

مني وأنا منه).

فقال جبرئيل: (وأنا منكما يا رسول الله)، ثم قال: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي، فكان كما مدح الله عز وجل به خليله عليه السلام إذ يقول:«قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ»(1)، إنا نفتخر بقول جبرئيل أنه منا فقال:

أحسنت يا موسى)(2).

***

ص: 66


1- الأنبياء: 60
2- الاحتجاج، الشيخ الطبرسي، ج 2، ص 164 - 165

المسألة الثالثة: (من مصاديق القرابة القريبة اختصاصه برعاية رسول الله)

اشارة

قال أمیر المؤمنین (عليه السلام): (وَضَعَنِي فِی حَجْرِهِ وَأَنَا وَلِيدٌ يَضُمُّنِي إِلَی صَدْرِهِ وَيَكْنُفُنِي فِی فِرَاشِهِ وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ وَكَانَ يَمْضَغُ اَلشَّيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ وَمَا وَجَدَ لِی كَذْبَةً فِی قَوْلٍ وَلاَ خَطْلَةً فِی فِعْلٍ).

إن الإمام علياً (عليه السلام) استحق هذا اللطف الإلهي وهذي العناية المحمدية وهذه الخصوصية فكل هذه الكرامات التي أعطيت لعلي إنما هي بعلم الله حيث وجد فيه هذه الشمائل المحمدية والاخلاق النبوية السامية، فهو سر محمد وشبيهه بكل الصفات والخصال لذا اختاره وجعله وصيه ووارث علمه وخصّه بأمور لم يخص بها غیره إذ جعل تربيته على يد خیر الخلق.

وقبل أن نبیّن رعاية الرسول لعلي (عليه السلام) التي بيّنها لنا الإمام من خلال هذه الخطبة، يجب علينا بيان بعض الأمور التي من الواجب معرفتها وهي:

هل هنالك بشائر وعلامات قبل ميلاده (عليه السلام) كما هو الحال مع الأنبياء؟ وما هي أهم الاسباب التي دعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأن يتكفل تربية الإمام؟ وسوف نوضح ذلك بنقطتين:

ص: 67

أولاً- البشائر قبل ولادته (عليه السلام):

كما كان النبي يبشر بالنبي الذي يليه كذلك بشر الله النبي وأبا طالب بهذا المولود فعلي خیر مولود بعد النبي محمد (صلى الله عليه وآله) والله سبحانه وتعالى حينما يبشر أنبياءه وأولياءه بالمولود القادم فإنما ذلك لبيان عظمة هذا الشخص وبيان منزلته وقدره عند الله.

قال جابر بن عبد الله الأنصاري: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن ميلاد أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: آه آه لقد سألتني عن خیر مولود ولد بعدي على سنة المسيح «عليه السلام» إن الله تبارك وتعالى خلقني وعليا من نور واحد، قبل أن يخلق الخلق بخمسمائة الف عام فكنا نسبح الله ونقدسه، فلما خلق الله تعالى آدم قذف بنا في صلبه واستقررت انا في جنبه الأيمن، وعلي في الأيسر ثم نقلنا من صلبه في الأصلاب الطاهرات إلى الأرحام الطيبة، فلم نزل كذلك حتى أطلعني الله تعالى من ظهر طاهر وهو عبد الله بن عبد المطلب فاستودعني خیر رحم وهي آمنة، ثم أطلع الله تبارك وتعالى عليا من ظهر طاهر وهو أبو طالب واستودعه خیر رحم، وهي فاطمة بنت أسد ثم قال: يا جابر ومن قبل أن يقع علي في بطن أمه كان في زمانه رجل عابد راهب يقال له المثرم ابن رعيب بن الشيقنام وكان مذكورا في العبادة قد عبد الله مائة وتسعين سنة، ولم يسأل حاجة فسأل ربه أن يريه ولياً له، فبعث الله تبارك وتعالى بأبي طالب إليه فلما أن بصر به المثرم، قام إليه فقبل رأسه وأجلسه بین يديه، فقال: من أنت يرحمك الله؟ قال: رجل من تهامة، فقال من أي تهامة؟ قال من مكة، قال ممن؟ قال: من عبد مناف قال من أي عبد مناف؟ قال من بني هاشم فوثب إليه الراهب فقبل رأسه ثانيا، وقال الحمد لله الذي أعطاني مسألتي، فلم يمتني حتى أراني وليه،

ص: 68

ثم قال له: أبر يا هذا فإن العلي الأعلى قد ألهمني إلهاما فيه بشارتك، قال أبو طالب وما هو؟ قال: ولد يخرج من صلبك هو ولي الله تبارك وتعالى وهو إمام المتقین ووصي رسول الله، فإن أدركت ذلك الولد فأقرأه مني السلام وقل له: إن المثرم يقرؤك السلام، وهو يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله وأنك وصيه حقا، بمحمد تتم النبوة وبك تتم الوصية، قال: فبكى أبو طالب، وقال له: ما اسم هذا المولود؟ قال اسمه علي، فقال أبو طالب إني لا أعلم حقيقة ما تقول إلا ببرهان بیّن ودلالة واضحة قال المثرم: فما تريد أن اسأل الله لك أن يعطيك في مكانك ما يكون دلالة لك، قال أبو طالب: أريد طعاما من الجنة في وقتي هذا فدعا الراهب بذلك فما استتم دعاه حتى أتى بطبق عليه من فواكه الجنة رطبة وعنبة ورمان، فتناول أبو طالب منه رمانة ونهض فرحا من ساعته، حتى رجع إلى منزله فأكلها فتحولت ماءً في صلبه، فجامع فاطمة بنت أسد، فحملت بعلي وارتجت الأرض وزلزلت بهم أياما حتى لقيت قريش من ذلك شدة وفزعوا، وقالوا قوموا بآلهتكم إلى ذروة أبي قبيس، حتى نسألهم أن يسكنوا ما نزل بكم وحل بساحتكم، فلما اجتمعوا على ذروة جبل أبي قبيس، فجعل يرتج ارتجاجا حتى تدكدكت بهم صم الصخور، وتناثرت وتساقطت الآلهة على وجهها فلما بصروا بذلك، قالوا لا طاقة لنا بما حل بنا، فصعد أبو طالب الجبل وهو غیر مكترث بما هم فيه، فقال: يا أيها الناس إن الله تبارك وتعالى قد أحدث في هذه الليلة حادثة، وخلق فيها خلقا إن لم تطيعوه، ولم تقروا بولايته وتشهدوا بإمامته لم يسكن ما بكم، ولا يكون لكم بتهامة مسكنا، فقالوا: يا أبا طالب إنا نقول بمقالتك فبكى أبو طالب، ورفع إلى الله تعالى يديه، وقال إلهي وسيدي أسألك بالمحمدية المحمودة، وبالعلوية العالية وبالفاطمية البيضاء إلا تفضلت على تهامة بالرأفة والرحمة، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لقد كانت العرب تكتب هذه

ص: 69

الكلمات، فتدعوا بها عند شدائدها في الجاهلية وهي لا تعلمها ولا تعرف حقيقتها، فلما كانت الليلة التي ولد فيها أمیر المؤمنین «عليه السلام» أشرقت السماء بضيائها، وتضاعف نور نجومها وأبصرت من ذلك قريش عجبا، فهاج بعضها في بعض وقالوا: قد حدث في السماء حادثة، وخرج أبو طالب يتخلل سكك مكة وأسواقها، ويقول: يا أيها الناس تمت حجة الله، واقبل الناس يسألونه عن علة ما يرونه من اشراق السماء وتضاعف نور النجوم فقال لهم أبشروا فقد ظهر في هذه الليلة ولي من أولياء الله، يكمل الله فيه خصال الخیر ويختم به الوصیين، وهو إمام المتقین وناصر الدين، وقامع المشركین، وغيظ المنافقین وزين العابدين ووصي رسول رب العالمین، إمام هدى ونجم علا ومصباح دجى ومبيد الشرك والشبهات وهو نفس اليقین، ورأس الدين فلم يزل يكرر هذه الكلمات والألفاظ إلى أن أصبح فلما أصبح غاب عن قومه أربعین صباحا. قال جابر: فقلت يا رسول الله إلى أين غاب؟ قال: إنه مى بطلب المثرم. وقد مات في جبل اللكام فاكتم يا جابر، فإنه من اسرار الله المكنونة وعلومه المخزونة وان المثرم كان وصف لأبي طالب كهفا في جبل اللكام، وقيل له: إنك تجدني هناك حيا أو ميتا فلما مضى أبو طالب إلى ذلك الكهف، ودخل إليه وجد المثرم ميتا جسدا ملفوفا في مدرعة مستجر بها إلى قبلته، فإذا هناك حيتان إحداهما بيضاء والأخرى سوداء، وهما يدفعان عنه الأذى، فلما بصرا بأبي طالب غربتا في الكهف ودخل أبو طالب إليه فقال: السلام عليك يا ولي الله ورحمة الله وبركاته، فأحيا الله تعالى بقدرته المثرم فقام قائما يمسح وجهه، ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله وأن عليا ولي الله والإمام بعد نبي الله، فقال أبو طالب أبشر فإن عليا قد اطلع إلى الأرض فقال: ما كانت علامة الليلة التي طلع فيها، قال أبو طالب: لما مضى من الليل الثلث اخذت فاطمة فيها ما يأخذ النساء عند الولادة، فقلت لها: ما لك يا

ص: 70

سيدة النساء قالت: إني أجد وهجا فقرأت عليها الاسم الذي فيه النجاة فسكنت، فقلت لها إني انهض فأتيك بنسوة من صواحبك تعينك على أمرك في هذه الليلة، قالت رأيك يا أبا طالب. فلما قمت لذلك إذ أنا بهاتف يهتف من زاوية البيت وهو يقول: امسك يا أبا طالب فإن ولي الله لا يمسه يد نجسة، وإذا انا بأربع نسوة دخلن عليها وعليهن ثياب كهيئة الحرير الأبيض، وإذا رايحتهن أطيب من المسك الأذفر، فقلن لها السلام عليك يا ولية الله فأجابتهن، ثم جلسن بین يديها ومعهن جونة من فضة، فآنسنها حتى ولد أمیر المؤمنین «عليه السلام». فلما ولد انتهيت إليه فإذا هو كالشمس الطالعة قد سجد على الأرض وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، واشهد أن علياً وصي رسول الله بمحمد يختم الله النبوة، وبي يتم الوصية وأنا أمیر المؤمنین فأخذته واحدة منهن من الأرض، ووضعته في حجرها. فلما نظر في وجهها ناداها بلسان ذلق ذرب: السلام عليك يا أماه. فقالت: وعليك السلام يا بني، فقال ما خبر والدي؟ فقالت: في نعم الله يتقلب وفى صحبته يتنعم، فلما سمعت ذلك لم أتمالك أن قلت يا بني ألست بأبيك؟ قال: بى ولكني وإياك من صلب آدم وهذه أمي حواء، فلما سمعت ذلك غطيت رأسي بردائي، وألقيت نفسي بنفسي في زاوية البيت حينا ما منها ثم دنت الأخرى ومعها جونة فأخذت عليا، فلما نظر إلى وجهها قال السلام عليك يا أختي، قالت وعليك السلام يا أخي، قال: فما خبر عمي؟ قالت بخیر، وهو يقرأ عليك السلام فقلت: يا بني أي أخت هذه وأي عم هذا؟ قال: هذه مريم بنت عمران، وعمي عيسى «عليه السلام» وطيبته بطيب كان في الجونة فأخذته أخرى منهن، فأدرجته في ثوب كان معها قال أبو طالب فقلت لو طهرناه لكان أخف عليه وذلك أن العرب كانت تطهر أولادها، فقالت يا أبا طالب إنه وُلِدَ طاهراً مطهراً لا يذيقه حر الحديد في الدنيا إلا على يدي رجل يبغضه الله ورسوله وملائكته

ص: 71

والسماوات والأرض والجبال والبحار، وتشتاق إليه النار فقلت من هذا الرجل؟ فقلن: ابن ملجم المرادي لعنه الله، وهو قاتله في الكوفة سنة ثلاثین من وفاة محمد (صلى الله عليه وآله)، قال: ثم غبن النسوة فلم أرَهُنّ فقلت في نفسي لو عرفت المرأتین الآخريین فألهم الله عليا، فقال يا أبي أما المرأة الأولى فكانت حواء، وأما التي أحضنتني فهي مريم بنت عمران التي أحصنت فرجها وأما التي أدرجتني في الثوب، فهي آسية بنت مزاحم، وأما صاحبة الجونة فهي أم موسى بن عمران، فالحق بالمثرم الآن وبشره وخبره بما رأيت فإنه في كهف كذا موضع كذا، فخرجت حتى أتيته وانه وصف حيتین فقلت أتيتك أبشرك بما عاينته، وشاهدت من ابني علي فبكى المثرم. ثم سجد شكرا لله ثم تمطى فقال غطني بمدرعتي فغطيته فإذا انا به ميت كما كان فأقمت ثلاثا أكلم فلا أجاب فاستوحشت لذلك وخرجت الحيتان فقالتا لي: (السلام عليك) يا أبا طالب فأجبتهما، ثم قالتا لي الحق بولي الله فإنك أحق بصيانته، وحفظه من غیرك فقلت لهما: من أنتما؟ قالتا نحن عمله الصالح خلقنا الله من خیرات عمله فنحن نذب عنه الأذى إلى أن تقوم الساعة فإذا قامت القيامة كان أحدنا قائده، والآخر سائقه ودليله إلى الجنة، ثم انصرف أبوطالب رضي الله عنه إلى مكة، قال جابر فقلت: يا رسول الله أكثر الناس يقولون:

ان أبا طالب مات كافرا، قال يا جابر: ربك اعلم بالغيب، إنه لما كانت الليلة التي أسرى بي فيها إلى السماء انتهيت إلى العرش، فرأيت أربعة أنوار فقلت: إلهي ما هذه الأنوار، فقال يا محمد هذا عبد المطلب، وهذا عمك أبو طالب، وهذا أبوك عبد الله، وهذا أخوك طالب فقلت: إلهي وسيدي فبماذا نالوا هذه الدرجة ؟ قال: بكتمانهم الايمان، واظهارهم الكفر وصبرهم على ذلك حتى ماتوا عليه سلام الله عليهم أجمعین(1).

ص: 72


1- روضة الواعظین، ص 77 - 80؛ وقد أوردها ابن شهر آشوب في المناقب بسند عن جابر أيضاً قال: (كان راهب يقال له المثرم بن دعيب قد عبد الله مائة وتسعين سنة ولم يسأله حاجه فسأل ربه أن يريه وليا له فبعث الله بأبي طالب إليه فسأله عن مكانه وقبيلته فلما اجابه وثب إليه وقبل رأسه وقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني وليه، ثم قال: ابشر يا هذا ان الله ألهمني ان ولدا يخرج من صلبك هو ولي الله اسمه علي فان أدركته فاقرأه مني السلام، فقال ما برهانه؟ قال ما تريد؟ قال طعام من الجنة في وقتي هذا، فدعا الراهب بذلك فما استتم كلامه حتى اتى بطبق عليه من فاكهة الجنة رطب وعنب ورمان فتناول رمانة فتحولت ما في صلبه فجامع فاطمة فحملت بعلي وارتجت الأرض وزلزلت بهم أياما وعلت قريش الأصنام إلى ذروة أبي قبيس فجعل يرتج ارتجاجا حتى تدكدكت بهم الصخور وتناثرت وتساقطت الآلهة على وجوهها فصعد أبو طالب الجبل وقال: أيها الناس ان الله قد احدث في هذه الليلة حادثة وخلق فيها خلقا ان لم تطيعوه وتقروا بولايته وتشهدوا بإمامته لم يسكن ما بكم، فأقروا به فرفع يده وقال: إلهي وسيدي أسألك بالمحمدية المحمودية وبالعلوية العالية وبالفاطمية البيضاء إلا تفضلت على تهامة بالرأفة والرحمة فكانت العرب تدعو بها في شدايدها في الجاهلية وهي لا تعلمها، فلما قربت ولادته أتت فاطمة إلى بيت الله وقالت، رب اني مؤمنة بك وبما جاء من عندك من رسل وكتب مصدقة بكلام جدي إبراهيم فبحق الذي بنى هذا البيت وبحق المولود الذي في بطني لما يسرت علي ولادتي، فانفتح البيت ودخلت فيه فإذا هي بحوراء ومريم وآسية وأم موسى وغيرهن فصنعن مثل ما صنعن برسول الله وقت ولادته. فلما ولد سجد على الأرض يقول: اشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله واشهد ان عليا وصي محمد رسول الله بمحمد يختم الله النبوة وبي تتم الوصية وانا أمیر المؤمنین فسلم على النساء وسأل عن أحوالهن وأشرقت السماء بضيائه، فخرج أبو طالب يقول أبشروا فقد ظهر ولي الله يختم به الوصيین وهو وصي نبي رب العالمین، ثم اخذ عليا فسلم علي عليه فسأله عن النسوة فذكر له ثم قال: فالحق بالمثرم وخبره بما رأيت فإنه في كهف كذا من جبل اكام فخرج حتى اتاه فوجده ميتا جسدا ملفوفا في مدرعة مسجى فإذا هناك حيتان فلما بصرنا به عزبتا في الكهف ودخل أبو طالب فقال: السلام عليك يا ولي الله ورحمة الله وبركاته، فأحيي الله المثرم فقام يمسح وجهه ويقول: اشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وان عليا ولي الله والامام بعد نبي الله، فقال أبو طالب: ابشر فان عليا قد طلع إلى الأرض فسأل عن ولادته فقص عليه القصة فبكى المثرم ثم سجد شكرا ثم تمطى فقال: غطني بمدرعتي فغطاه فإذا هو ميت كما كان فأقام أبو طالب ثلاثا وخرجت الحيتان= =وقالتا: (السلام عليك) يا أبا طالب الحق بولي الله فإنك أحق بصيانته وحفظه من غیرك، فقال من أنتما؟ قالتا: نحن عمله نذب عنه الأذى إلى أن تقوم الساعة فحينئذ يكون أحدنا سابقه والآخر قائده إلى الجنة، فانصرف أبو طالب، مناقب آل أبي طالب، ابن شهراشوب، ج 2، ص 21 - 22

نفهم من هذه الرواية أن علياً خیر مولود بعد النبي (صلى الله عليه وآله) فهذه

ص: 73

المنزلة فاقت جميع المنازل ما عدا منزلة النبي (صلى الله عليه وآله)، ونفهم ايضاً أن محمداً وعلياً كانا نوراً واحداً في تلك العوالم التي سبقت عالم الدنيا ومن ثم انتقلا في عالم الأصلاب إلى أن استقرا كلاً بصلب من شرفه الله وكرمه بهم، وحينما ولد تكفيه علامة واحدة بأنه ولي الله هي ولادته في بيت الله فهذه الخصوصية لا يحظى بها سوى وصي رسول الله صلى الله عليه وآله.

وتبیِن الرواية أن أبا طالب هو ولي من أولياء الله أيضاً لذا أودعه الله رعاية النبي واثبت برعايته أنه ولي من أوليائه، جاء في كتاب الطبقات، روي عن ابن عباس، لما توفي عبد المطلب قبض أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فكان معه وكان أبو طالب لا مال له وكان يحبه حبا شديدا لا يحبه ولده وكان لا ينام الا إلى جنبه ويخرج فيخرج معه وصب به أبو طالب صبابة لم يصب مثلها بشئ قط وكان يخصه بالطعام)(1).

وجاء في السیرة الحلبية (لما مات أبو طالب نالت قريش من النبي (صلى الله عليه وآله) من الأذى مالم تكن تطمع فيه في حياة أبي طالب حتى أن بعض سفهاء قريش نثر على رأس النبي صلى الله عليه وسلم التراب فدخل صلى الله عليه وسلم بيته والتراب على رأسه فقامت إليه بعض بناته وجعلت تزيله عن رأسه وتبكي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها لا تبكي لا تبكي يا بنية فإن الله تعالى مانع أباك وكان صلى الله عليه وسلم يقول ما نالت قريش منى شيئا أكرهه أي

ص: 74


1- الطبقات الكبرى، ابن سعد، ج 1، ص 119

أشد الكراهة حتى مات أبو طالب)(1).

ثانياً: أهم الأسباب التي دعت رسول الله لتكفّل علي ورعايته:

اشارة

على الرغم من علم النبي بمنزلة هذا الصبي الطاهر الا أن هنالك أسباباً سببها الله ليجعل النبي محمداً (صلى الله عليه وآله) يتولى رعاية ابن عمه علي بن ابي طالب (عليه السلام)، ومن أهم هذه الأسباب، قال مجاهد: (كان من نعمة الله على علي بن أبي طالب عليه السلام، أن قريشا اصابتهم أزمة شديدة وكان أبو طالب ذا عيال كثرة فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحمزة والعباس: إن أبا طالب كثر العيال وقد أصاب الناس ما ترون من هذه الأزمة، فانطلق بنا نخفف من عياله، فدخلوا عليه، فطالبوه بذلك فقال: إذا تركتم لي عقيلا فافعلوا ما شئتم، فبقي عقيل عنده إلى أن مات أبو طالب ثم بقي وحده إلى أن أخذ يوم بدر، وأخذ حمزة جعفرا، فلم يزل معه في الجاهلية والإسلام إلى أن قتل حمزة، وأخذ العباس طالبا وكان معه إلى يوم بدر، ثم فقد ولم يعرف له خبر، وأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا عليه السلام وهو ابن ست سنين كسنّه يوم اخذه أبو طالب، فربته خديجة والمصطفى (صلى الله عليه وآله) إلى أن جاء الاسلام، وتربيتهما أحسن من تربية أبي طالب وفاطمة بنت أسد فكان مع النبي (صلى الله عليه وآله) إلى أن مضى وبقى على بعده، وفى رواية أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: اخرت من ولي الله(2))(3).

ص: 75


1- السيرة الحلبية، ج 2، ص 50
2- في المصدر والبحار: من اختار الله لي
3- حلية الأبرار، السيد هاشم البحراني، ج 2، ص 28

فكل هذه الاسباب والمسببات علائم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) كي يتكفل رعاية وصيه وقد بیّن الامام تلك الرعاية بقوله (عليه السلام): (وَضَعَنِي فِی حَجْرِهِ وَأَنَا وَلِيدٌ يَضُمُّنِي إِلَی صَدْرِهِ، وَيَكْنُفُنِي فِی فِرَاشِهِ، وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ، وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ وَكَانَ يَمْضَغُ اَلشَّیْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ).

فهذه الخصوصية التي حظي بها الإمام من الرسول (صلى الله عليه وآله) مذ كان طفلاً دون غیره سوف نبينها بعدة نقاط:

أ- وَضَعَنِي فِی حَجْرِهِ وَأَنَا وَلِيدٌ:

كما تضع الام جنينها في حجرها ذلك لشدة القربى بينهما إذ يجعل الله بينها وبين وليدها مودة، أما رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتعلقه بهذا المولود الطاهر كان عن معرفة، فهو يرى نفسه حينما يراه، وكذلك كان يصنع مع فاطمة والحسنين (عليهم السلام) کما يصنع مع الوصي، والسبب إن هذه النفوس متشابه، فهذه العائلة الطاهرة التي طهرها الله من كل رجس تجمعهم قرابة نسبية وقرابة روحية، لذا جمعهم الله في منزل واحد وقال الله لسكان سماواته (إني ما خلقت سماءً مبنية ولا أرضاً مدحية ولا......إلا لأجلهم وفي محبتهم).

روي عن علي بن الحسین قال: كنت جالساً مع أبي ونحن زائران قبرَ جدّنا (عليه السّلام) وهناك نِسوان كثیرة، إذ أقبلَت امرأة منهنّ فقلت لها: من أنت يرحمك الله؟ قالت: أنا زيدة بنت قريبة بن العجلان من بني ساعدة، فقلت لها: فهل عندك شيء تُحدّثينا؟ فقالت: إي والله، حدّثتني أُمّي أُمّ عمارة بنت عُبادة بن نَضلَة بن مالك بن العَجلان الساعدي انّها كانت ذات يوم في نساء من العرب إذ أقبل أبو طالب كئيباً حزيناً، فقلت له: ما شأنك يا أبا طالب؟ قال: إنّ فاطمة

ص: 76

بنت أسد في شدّة المخاض، ثمّ وضع يديه على وجهه. فبينا هو كذلك، إذ أقبل محمّد صلىّ الله عليه وسلّم فقال له: ما شأنك يا عمِّ؟ فقال: إنّ فاطمة بنت أسد تشتكي المَخاضَ، فأخذ بيده وجاء وهي معه فجاء بها إلى الكعبة فأجلسها في الكعبة، ثمّ قال: اجلسي على اسم الله! قال: فَطُلِقَت طَلقةً فولدت غلاماً مسروراً نظيفاً منُظّفاً لم أر كَحُسنِ وجهه فسماّه أبو طالب علياً وحَمله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى أدّاه إلى منزلها)(1).

ب- يَضُمُّنِي إِلَی صدْرِهِ:

فمن أحب شخصاً ضمّه إلى صدره، وجاء في مناقب آل ابي طالب حينما آخى النبي بین المهاجرين والأنصار قال الصادق (عليه السلام) (... فقال له النبي:

إنما اخترتك لنفسي أنت أخي وانا أخوك في الدنيا والآخرة، فبكى علي عند ذلك وقال: (....

ومن ضمَّني مذ كنت طفلا ويافعا *** وأنعشني بالبر والعل والنهل.

فقوله (وأنعشني(2)، بالبر والعل والنهل(3)، أي رفعني بالعلم والمعرفة والخلق السامي، فكما ينتعش الظمآن بالماء العذب فعلي (عليه السلام) ينتعش بالعلم والمعرفة والأدب الذي يستنهله من النبي (صلى الله عليه وآله) ومن كلام له في الخطبة نفسها قال عليه السلام (يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به).

ص: 77


1- مناقب علي ابن ابي طالب، (عليه السلام)، ابن المغازلي، ص 26
2- انْتَعَشَ: ارتفع، لسان العرب، ج 6، ص 355
3- (علل) العَلُّ والعَلَلُ الشَّرْبةُ الثانية وقيل الشُّرْب بعد الشرب تِباعاً يقال عَلَلٌ بعد نَهَلٍ وعَلَّه يَعُلُّه ويَعِلُّه إِذا سقاه السَّقْيَة الثانية لسان العرب، ج 11، ص 467

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي: (إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك وتعي وحق على الله أن تعي)(1).

وجاء في كتاب أعيان الشيعة (نشأ عليه السلام في حجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وتأدب بآدابه وربي بتربيته وذلك أنه لما ولد أحبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) حبا شديدا وقال لأمه اجعي مهده بقرب فراشي وكان يي أكثر تربيته ويطهره في وقت غسله ويوجره اللبن عند شربه ويحرك مهده عند نومه ويناغيه في يقظته ويحمله على صدره، وكان يحمله دائما ويطوف به جبال مكة وشعابها وأوديتها كأنه يفعل ذلك ترويحا له وفي ذلك يقول المؤلف من قصيدة:

وربِّيت في حجر النبي محمدٍ *** فطوبى لمن من احمد ضمَّه حجرُ وغذّاك بالعلم الإلهي ناشئا *** فلا علم إلا منك قد حاطه خبرُ بآدابه أُدِّبت طفلا ويافعا *** وأكسبنك الأخلاق أخلاقه الغر(2)

ج- وَيَكْنُفُنِي فِی فِرَاِشهِ، وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ:

فكل ما يصنعه النبي لوصيه إنما هو دليل على قربه الروحي منه، لذا كان يجعله إلى جنبه ويكنفه فراشه الذي هو محل البركات ويمسه جسده الطاهر، فالله سبحانه وتعالى خلقهم من نور واحد وشجرة واحدة (قال يزيد بن قعنب... فولدت عليا ولرسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاثون سنة، فأحبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) حبا شديدا، وقال لها: اجعلي مهده بقرب فراشي وكان (صلى الله عليه وآله) يلي أكثر تربيته وكان يطهر عليا في وقت غسله ويوجره اللبن عند شربه ويحرك

ص: 78


1- أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، ج 1، ص 345
2- أعيان الشيعة، السيد محسن الامين، ج 1، ص 372

مهده عند نومه، ويناغيه في يقظته ويحمله على صدره ورقبته، ويقول هذا أخي ووليي وناصري وصفيي وذخري وكهفي وصهري ووصيي وزوج كريمتي وأميني على وصيتي وخليفتي، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يحمله دائما ويطوف به جبال مكة وشعابها وأوديتها وفجاجها صلى الله على الحامل والمحمول)(1).

وروى الفضل بن عباس رحمه الله قال سألت أبي عن ولد رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذكور، أيهم كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) له أشد حبا فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقلت له سألتك عن بنيه، فقال إنه كان أحب إليه من بنيه جميعا وأرأف، ما رأيناه زايله يوما من الدهر منذ كان طفلا، إلا أن يكون في سفر لخديجة، وما رأينا أبا أبر بابن منه لعلي، ولا ابنا أطوع لأب من علي له)(2).

د- وَيِشِمُّنِي عَرْفَهُ: (العَرف: الرائحة)

فكان صلى الله عليه وآله يشمه رائحته التي يصفها الامام بأنها أطيب من المسك، روي أن رجلا جاء إلى أمیر المؤمنین (عليه السلام) وهو في مسجد الكوفة محتبيا بحمايل سيفه فقال: يا أمیر المؤمنین صف لي صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى كأني انظر إليه؟ قال نعم كان أبيض اللون مشرب حمرة أدعج العينین، سبط الشعر دقيق المسربة سهل الخد سرته تجري كالقصب لم يكن في بطنه ولا صدره شعر غیره، كان شثن الكف والقدم إذا مشى كأنما ينحدر في صبب، وإذا

ص: 79


1- كشف الغمة في معرفة الائمة، ج 1، ص 62
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 13، ص 200

مشى كأنما يتقلع من صخر، وإذا التفت التفت جميعا لم يكن بالقصیر ولا بالطويل، عرقه في وجهه اللؤلؤ وريح عرقه أطيب من ريح المسك الأذفر(1)، لم أر مثله قبله ولا بعده صلوات الله عليه وآله)(2).

عن الصادق (عليه السلام) قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينفق على الطيب أكثر ما ينفق على الطعام)(3).

وقال الباقر (عليه السلام): (كان في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاث خصال لم تكن في أحد غیره: لم يكن له فيء. وكان لا يمر في طريق فيمر فيه أحد بعد يومین أو ثلاثة إلا عرف أنه قد مر فيه لطيب عرفه، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يمر بحجر ولا بشجر إلا سجد له، وكان لا يعرض عليه طيب إلا تطيب به ويقول: هو طيب ريحه خفيف حمله، وإن لم يتطيب وضع إصبعه في ذلك الطيب ثم لعق منه، وكان صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: جعل الله لذتي في النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة والصوم)(4).

وبما أن الغاية من تربيته (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) هو إيصاله لذلك الخلق العظيم، فالطيب والمنظر الحسن من الأمور الاخلاقية التي تحلى بها النبي (صلى الله عليه وآله) فكان يعوده على شم الريح الطيب ليكون متعطراً كما

ص: 80


1- الذفر، بالتحريك: يقع على الطَّيِّبِ والكَرِيه ويفرق بينهما بما يضاف إِليه ويوصف به؛ ومنه صفة الجنة وترابها: مسك أَذفر، وقال ابن الأَعرابي: الذَّفَرُ النَّتْنُ، ولا يقال في شيء من الطِّيبِ ذَفِرٌ إِلَّا في المسك وحده، لسان العرب، ج 4، ص 207
2- روضة الواعظين، الفتال النيسابوري، ص 76
3- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص 34
4- المصدر نفسه

كان رسول الله صلى الله عليه وآله لأن الإسلام الحنيف يأمرنا بنظافة المنظر كما يأمرنا بنظافة السرائر، فكان يقَولَ (عليه السلام): (نِعْمَ الطِّيبُ الْمِسْكُ، خَفِيفٌ مَحْمِلُهُ، عَطِرٌ رِيحُهُ)(1). فهذا مما تعلمه من النبي حتى صار عطره عطر محمد ونوره نور محمد وشمائله شمائل محمد صلى الله عليه وآله.

عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله لي: يا أنس أسكب لي وضوءا قال: فعمدت فسكبت للنبي وضوءا فأعلمته، فخرج فتوضأ، ثم عاد إلى البيت إلى مجلسه، ثم رفع رأسه إلي فقال: يا أنس أول من يدخل علينا أمیر المؤمنین وسيد المسلمين وقائد الغر المحجلین، قال: أنس: فقلت بيني وبین نفسي: اللهم اجعله رجلا من قومي، قال: فإذا أنا بباب الدار يقرع، فخرجت ففتحت فإذا علي بن أبي طالب (عليه السلام) فدخل فتمشى، فرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) حین رآه وثب على قدميه مستبشرا، فلم يزل قائما وعلي يتمشى حتى دخل عليه البيت، فاعتنقه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرأيت رسول الله (صلی الله عليه وآله) يمسح بكفه وجهه فيمسح به وجه علي، ويمسح عن وجه علي بكفه فيمسح به وجهه - يعني وجه نفسه - فقال له علي (عليه السلام): يا رسول الله لقد صنعت بي اليوم شيئا ما صنعت بي قط، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وما يمنعني وأنت وصيي وخليفتي والذي يبیّن لهم ما يختلفون فيه بعدي وتسمعهم نبوتي)(2).

وجاء في مناقب آل أبي طالب عن أبي بصیر في حديثه عن الامام الصادق عليه

ص: 81


1- نهج البلاغة، الحكمة: 397، ص 546
2- بحار الأنوار، ج 38، ص 128

السلام: (إنه أخذ يمسح العرق عن وجه علي ويمسح به وجهه)(1).

فعطر علي كعطر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يحوي ريح الجنان وفيه بركة الرحمان فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتبرك بعلي عليه السلام فهذه الخاصية له فقط لا لغیره من الناس أما أبناؤه الحسن والحسین وذريتهم (عليهم السلام) فلهم نفس الخاصية ولكن علياً أميرهم وسيدهم كما قال النبي صلى الله عليه وآله: (الحسن والحسین سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خیر منهما)(2)، لذا أوصانا بمحبتهم وأمرنا بأن نقتدي بهم فهم كالنبي في جميع صفاته وورثة علمه ومكنون سره.

ذ- وَكَانَ يَمْضَغُ اَلشيْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنِيهِ:

(مضغ) الميم والضاد والغین أصل صحيح وهو المضغ للطعام، ومضغه يمضغه والمضاغ الطعام يمضغ، والمضاغة ما يبقى في الفم مما يمضغ)(3).

فكان (صلى الله عليه وآله) يمضغ شيء من الطعام ويلقمه لعلي ولا تخلو هذه من الفائدة والحكمة، بل ما يصنعه النبي بهذه المضغة فائدة عظيمة كونه المربي الذي اختاره الله لعلي، أي كما يؤثر غذاء الأم على الجنین كذلك ما يطعمه النبي لوصيه يؤثر عليه وقد يكون تأثر الأم على الطفل ايجابياً أو سلبياً، أما رسول الله فكل ما يعطيه لعلي يكون ايجابياً، روى موفق بن أحمد يرفعه بسنده عن محمد ابن كعب، قال: رأى أبو طالب النبي (صلى الله عليه وسلم) يتفل في فم علي أي

ص: 82


1- مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 2، ص 60
2- قرب الاسناد، الحميري القمي، ص 111، ح 386
3- معجم مقاييس اللغة، ج 5، ص 330

يدخل لعاب فمه في فم علي، فقال: ما هذا يا ابن أخي؟ فقال: إيمان وحكمة فقال أبو طالب لعلي: يا بني انصر ابن عمك ووازره)(1).

وجاء في الخصال عنه عليه السلام قال: (.... أن رسول الله صلى الله عليه وآله استوهبني عن أبي في صبائي وكنت أكيله وشريبه ومؤنسه ومحدثه)(2).

وفي الأمالي، حينما ولد الإمام علي (عليه السلام) (... قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لفاطمة اذهبي إلى عمه حمزة فبشريه به، فقالت فإذا خرجت أنا، فمن يرويه قال أنا أرويه. فقالت فاطمة أنت ترويه قال نعم، فوضع رسول الله (صلى الله عليه و آله) لسانه في فيه، فانفجرت منه اثنتا عرة عينا، قال فسمي ذلك اليوم يوم التروية)(3).

فكان صلى الله عليه وآله منذ صغره يتغذى من رسول الله حيث يزقّه العلم والحلم والحكمة والموعظة حتى صار أعلم الخلق بعد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله.

ص: 83


1- شرح احقاق الحق، السيد المرعشي، ج 22، ص 520
2- الخصال، الشيخ الصدوق، ص 572
3- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 807، وروي في كتاب وسائل الشيعة، عن جابر قال: لما حملت فاطمة بالحسن فولدت وكان النبي أمرهم أن يلفوه في خرقة بيضاء، فلفوه في صفراء وقالت فاطمة: يا علي سمّه، فقال: ما كنت لأسبق باسمه رسول الله، وجاء النبي فأخذه وقبله وأدخل لسانه في فيه، فجعل الحسن يمصه ثم قال لهم رسول الله: ألم أتقدم إليكم أن تلفوه في خرقة بيضاء، فدعا بخرقة بيضاء فلفه فيها ورمى بالصفراء، وأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى إلى أن قال: - وسماه الحسن، فلما ولدت الحسین جاء النبي (صلى الله عليه وآله) ففعل به كما فعل بالحسن - إلى أن قال: فسماه الحسين. وسائل الشيعة، ج 21، ص 409

ففي رواية قال (عليه السلام): (سلوني قبل أن تفقدوني، هذا سفط العلم، هذا لعاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، هذا ما زقني رسول الله (صلى الله عليه وآله) زقا زقا، سلوني فإن عندي علم الأولین والآخرين)(1) وفي خصائص العشرة للزمخشري: أن النبي (صلى الله عليه وآله) تولى تسميته بعلي، وتغذيته أياماً من ريقه المبارك، يمص لسانه، فعن فاطمة بنت أسد، أم علي «رضي الله تعالى عنها» قالت: «لما ولدته سماه علياً، وبصق في فيه. ثم إنه ألقمه لسانه، فما زال يمصه حتى نام. فلما كان من الغد طلبنا له مرضعة، فلم يقبل ثدي أحد، فدعونا له محمداً (صلى الله عليه وآله)، فألقمه لسانه فنام، فكان كذلك ما شاء الله»(2).

وروي في كامل الزيارات (....لم يرضع الحسین من فاطمة ولا من أنثى لكنه كان يؤتى به النبي (صلى الله عليه وآله) فيضع ابهامه في فيه فيمص منها ما يكفيه اليومین والثلاثة، فنبت لحم الحسین (عليه السلام) من لحم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودمه من دمه)(3)، فهذا هو طعام الإمام وشرابه، قال الصادق (عليه السلام): (كان رسول الله صلى الله عليه وآله كثرا ما يتفل في أفواه الأطفال المراضع من ولد فاطمة من ريقه ويقول: لا تطعمهم شيئا إلى الليل وكانوا يروون من ريق رسول الله)(4).

ص: 84


1- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 422
2- الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أحمد الرحماني الهمداني، ص 532؛ السيرة الحلبية، ج 1، ص 432
3- كامل الزيارات، ص 124، ح 6
4- مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 3، ص 239

لذا نجد أن أبناء فاطمة الزهراء (عليها السلام) تميزوا عن الخلق كما تميز أبواهم فقد عاشوا مع خیر خلق الله منذ طفولتهم فكان يمسهم جسده الطاهر ويغذيهم من ريقه الذي تعطر بذكر الله واستمر النبي يغذيهم من بركاته وبركات السماء ما دام حيا.

ففي رواية (دخل النبي صلى الله عليه وآله دار فاطمة (عليها السلام) فقال: يا فاطمة إن أباك اليوم ضيفك، فقالت (عليها السلام): يا أبت إن الحسن والحسین يطالباني بشيء من الزاد فلم أجد لها شيئا يقتاتان به، ثم إن النبي (صلى الله عليه وآله) دخل وجلس مع علي والحسن والحسین وفاطمة (عليهم السلام)، وفاطمة متحیرة ما تدري كيف تصنع، ثم إن النبي (صلى الله عليه وآله) نظر إلى السماء ساعة وإذا بجبرئيل (عليه السلام) قد نزل، وقال: يا محمد العلي الأعلى يقرئك السلام ويخصك بالتحية والاكرام، ويقول لك: قل لعلي وفاطمة والحسن والحسین: أي شيء يشتهون من فواكه الجنة؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله): يا علي! ويا فاطمة! ويا حسن! ويا حسین! إن رب العزة علم أنكم جياع فأي شيء تشتهون من فواكه الجنة؟ فأمسكوا عن الكلام ولم يردوا جوابا حياء من النبي (صلى الله عليه وآله) فقال الحسین (عليه السلام): عن إذنك يا أباه يا أمیر المؤمنین، وعن إذنك يا أماه يا سيدة نساء العالمین وعن إذنك يا أخاه الحسن الزكي أختار لكم شيئا من فواكه الجنة فقالوا جميعا: قل يا حسین ما شئت فقد رضينا بما تختاره لنا، فقال: يا رسول الله قل لجبرئيل إنا نشتهي رطبا جنيا فقال النبي (صلى الله عليه وآله): قد علم الله ذلك ثم قال: يا فاطمة قومي وادخلي البيت وأحري إلينا ما فيه، فدخلت فرأت فيه طبقا من البلور، مغطى بمنديل من السندس الأخضر، وفيه رطب جني في غر أوانه فقال النبي: يا فاطمة أنى لك هذا؟ قالت هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغیر حساب كما قالت

ص: 85

مريم بنت عمران، فقام النبي (صلى الله عليه وآله) وتناوله وقدمه بین أيديهم ثم قال: بسم الله الرحمن الرحيم ثم أخذ رطبة واحدة فوضعها في فم الحسین (عليه السلام) فقال: هنيئا مريئا لك يا حسین، ثم أخذ رطبة فوضعها في فم الحسن وقال: هنيئا مريئا يا حسن، ثم أخذ رطبة ثالثة فوضعها في فم فاطمة الزهراء (عليها السلام) وقال لها: هنيئا مريئا لك يا فاطمة الزهراء، ثم أخذ رطبة رابعة فوضعها في فم علي (عليه السلام) وقال: هنيئا مريئا لك يا علي.

ثم ناول عليا رطبة أخرى والنبي (صلى الله عليه وآله) يقول له: هنيئا مريئا لك يا علي ثم وثب النبي (صلى الله عليه وآله) قائما ثم جلس ثم أكلوا جميعا عن ذلك الرطب فلما اكتفوا وشبعوا، ارتفعت المائدة إلى السماء بإذن الله تعالى. فقالت فاطمة: يا أبه! لقد رأيت اليوم منك عجبا فقال: يا فاطمة أما الرطبة الأولى التي وضعتها في فم الحسین، وقلت له: هنيئا يا حسین، فإني سمعت ميكائيل وإسرافيل يقولان: هنيئا لك يا حسین، فقلت أيضا موافقا لهما في القول ثم أخذت الثانية فوضعتها في فم الحسن، فسمعت جبرئيل وميكائيل يقولان: هنيئا لك يا حسن، فقلت: أنا موافقا لهما في القول، ثم أخذت الثالثة فوضعتها في فمك يا فاطمة فسمعت الحور العین مسرورين مشرفین علينا من الجنان وهن يقلن: هنيئا لك يا فاطمة، فقلت موافقا لهن بالقول. ولما أخذت الرابعة فوضعتها في فم علي سمعت النداء من [قبل] الحق سبحانه وتعالى يقول: هنيئا مريئا لك يا علي، فقلت موافقا لقول الله عز وجل، ثم ناولت عليا رطبة أخرى ثم أخرى وأنا أسمع صوت الحق سبحانه وتعالى يقول: هنيئا مريئا لك يا علي ثم قمت إجالا لرب العزة جل جلاله، فسمعته يقول: يا محمد وعزتي وجلالي، لو ناولت عليا من هذه الساعة إلى يوم القيامة رطبة رطبة لقلت له: هنيئا مريئا بغیر انقطاع)(1).

ص: 86


1- بحار الانوار، ج 43، ص 310 - 311، ح 73، مدينة المعجز، السيد هاشم البحراني، ج 1، ص 344 ح 223

فقرب علي من النبي لا يدانيه ملك مقرب ولا أي مخلوق حيث تربى بحجره ونشأ في منزله وتغذى من علمه وشاركه في حياته في عسرها ويسرها حتى فاضت نفسه الشريفة على يده، فهذا الوفاء وهذا التعلق بحبيب الله جعله كنفسه، ففي خطبة له يبیّن قربه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وطاعته لله ورسوله قال عليه السلام: (لَقَدْ عَلِمَ الْمُسْتَحْفِظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ (صلی الله علیه و آله)، أَنِّی لَمْ أَرُدَّ عَلَی اللَّهِ وَ لاَ عَلَی رَسُولِهِ سَاعَةً قَطُّ، وَ لَقَدْ وَاسَیْتُهُ بِنَفْسِی فِی الْمَوَاطِنِ، الَّتِی تَنْکُصُ فِیهَا الْأَبْطَالُ، وَ تَتَأَخَّرُ فِیهَا الْأَقْدَامُ نَجْدَةً أَکْرَمَنِیَ اللَّهُ بِهَا، وَ لَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله علیه و آله) وَ إِنَّ رَأْسَهُ لَعَلَی صَدْرِی، وَ لَقَدْ سَالَتْ نَفْسُهُ فِی کَفِّی فَأَمْرَرْتُهَا عَلَی وَجْهِی، وَ لَقَدْ وُلِّیتُ غُسْلَهُ (صلی الله علیه و آله) وَ الْمَلاَئِکَةُ أَعْوَانِی، فَضَجَّتِ الدَّارُ وَ الْأَفْنِیَةُ، مَلَأٌ یَهْبِطُ وَ مَلَأٌ یَعْرُجُ، وَ مَا فَارَقَتْ سَمْعِی هَیْنَمَةٌ مِنْهُمْ، یُصَلُّونَ عَلَیْهِ حَتَّی وَارَیْنَاهُ فِی ضَرِیحِهِ، فَمَنْ ذَا أَحَقُّ بِهِ مِنِّی حَیّاً وَ مَیِّتاً، فَانْفُذُوا عَلَی بَصَائِرِکُمْ)(1).

فكل هذا يعود إلى فضل التربية فكلاهما تربى تربية ربانية فالنبي أدبه الله، وعلي أدبه محمد (صلى الله عليه وآله) فالمنبع واحد يعود اليه سبحانه، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أنا أديب الله وعلي أديبي)(2).

وعن الإمام علي (عليه السلام) قال: (... يا كميل إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أدبه الله عز وجل وهو أدبني وأنا أؤدب المؤمنین وأورث الأدب المكرمین)(3)، فقد ربى أمیر المؤمنین (عليه السلام) أبناءه المعصومین على هذه

ص: 87


1- نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، الخطبة: 195، ص 311
2- مكارم الأخلاق، ص 17
3- بحار الأنوار، ج 74، ص 267، مستدرك الوسائل، ج 17، ص 267، مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) المؤلف: المیرجهانی، ج 1، ص 115

التربية المحمدية، لذا قال عنهم الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) هم أهل بيتي وخاصتي وحامتي لحمهم لحمي ودمهم دمي يؤلمني ما يؤلمهم ويحزنني ما يحزنهم وقال عنهم هم مني وأنا منهم، فمنهم من وصفه بنفسه ومنهم من وصفه بروحه.

***

ص: 88

المبحث الثالث:

(اختصاصه بمجاورة الرسول (صلى الله عليه وآله) في حراء ونزول الوحي)

قال أمیر المؤمنین (عليه السلام): (وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ وَلاَ يَرَاهُ غَيْرِي وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الْإِسْلاَمِ غَيْرَ رَسُولِ الله (صلی الله علیه و آله) وَخَدِيجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ وَأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ (صلی الله علیه و آله) فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله مَا هَذِهِ الرَّنَّةُ فَقَالَ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَتَرَى مَا أَرَى إِلاَ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ وَلَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وَإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ).

إن الله سبحانه وتعالى خصّ أمیر المؤمنین (عليه السلام) بكثر من الأمور التي لم يخص بها غیره سوى خديجة (عليها السلام)( فقد شاركته في بعضها، ففي هذا المبحث سنبيّن بعض الخصائص التي ذكرها الإمام في هذه الخطبة ومنها مجاورته بحراء مع النبي (صلى الله عليه وآله)، وكذلك تواجده في بيت النبي مع خديجة حيث جمعه الله مع النبي في هذا البيت الطاهر وهو بيت الرسالة ومهبط الوحي قال تعالى: «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ»(1)، ونذكر ما خصه الله بأمور اخرى كالرؤية والسمع وشم ريح النبوة واختصاصه بالوزارة فكل ما قاله وبيّنه لنا الإمام من خلال هذه الخطبة سوف نبينه بالتفصيل بعدة مسائل.

***

ص: 89


1- النور: 36

المسألة الأولى: (حضوره مع النبي في حراء كل سنة)

قوله (عليه السلام): (وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِی كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ وَلاَ يَرَاهُ غَیْرِي).

من الأمور التي خص الله بها أمیر المؤمنین (عليه السلام) هي مجاورته لرسول الله في حراء، وقد جاء في الصحيح من سیرة الإمام (عليه السلام) وقد ذكر إنه كان مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حین يكون في حراء، يراه ولا يراه غيره، لم يكن (عليه السلام) مجرد متفرج على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بل كان يشاركه في تعبده وتخشعه، والذي نراه إن تعبده (صلى الله عليه وآله وسلم) هو وعلي (عليه السلام) بحراء لم يكن عفويا بل كان له سبب هام جدا وهو ان الأصنام قد وضعت حول الكعبة وفيها وعليها، فلم يكن يتعبد عندها او فيها كراهة، أن يتخيل أحد إنه أنا يسجد للأصنام او يخضع لها او انه يكنُّ لها في نفسه شيئا من الاحترام الذي يزعمونه.

ويلاحظ ان بني هاشم على رأسهم عبد المطلب وابو طالب لا يذكرون من جملة المترددين على الكعبة او في جملة الذين يصلون عندها او في جملة من كان يعظم تلك الاصنام، ربما لأنهم كانوا ايضا على دين الحنيفية، ويريدون أن ينأوا بأنفسهم عن أن يتوهم في حقهم اي تقديس لتلك الاصنام)(1).

وجاء في شرح المعتزلي: وأما حديث مجاورته بحراء فمشهور وقد ورد في كتب الصحاح انه كان يجاور في حراء من كل سنة شهرا، وكان يطعم في ذلك الشهر

ص: 90


1- الصحيح من سيرة الامام علي، ج 1، ص 112

من جاءه من المساكين فاذا قى جواره من حراء كان اول ما يبدأ به اذا انصرف أن يأتي باب الكعبة قبل أن يأتي بيته فيطوف بها سبعاً، أو ما شاء الله من ذلك، ثم يرجع إلى بيته، حتى جاءت السنة التي أكرمه الله فيها بالرسالة، فجاور حراء شهر رمضان، ومعه أهله خديجة وعلي بن ابي طالب وخادم لهم، فجاءه جبرائيل بالرسالة)(1).

فهذه الخصوصية التي انفرد بها الإمام يوضحها لنا بقوله عليه السلام: (فَأَرَاهُ وَلاَ يَرَاهُ غَیْرِي)، فلا يوجد بحراء شخص مع النبي سوى علي (عليه السلام) يتعبد معه ويشاركه الدعاء والتسبيح والعبادة فهذه منزلة ودرجة عظيمة ومنقبة لم يحظَ بها سواه (عليه السلام)، فالله سبحانه وتعالى أذن لرسوله الكريم أن يصحب معه علياً ليكون له أسوة يقتدي به.

وكذلك ليبیّن له عظمة هذا الوصي الذي يرى نور الوحي والرسالة والذي يشم ريح النبوة فهو الصديق الأكر والفاروق الذي يفرق بین الحق والباطل.

فبیّن سبحانه لرسوله سبب اختياره لعلي، فالله هو الذي اختار علياً أن يكون وصي رسوله وهو الذي جعل تربيته على يده الشريفة لأنه تعالى يعلم بوعيه الكامل وحبه للنبي واختلافه عن سائر الخلق لذا خصّه بهذه الكرامات.

فكان (صلى الله عليه وآله) يخبر علياً بكل ما أوحي إليه من قول فيدونّه الوصي، جاء في مناقب ابن شهر آشوب (كان عليه السلام يكتب الوحي والعهد وكاتب الملك أخص إليه لأنه قلبه ولسانه ويده، فلذلك أمره النبي (صلى الله عليه وآله) بجمع القرآن بعده، وكتب له الاسرار، وكتب يوم الحديبية بالاتفاق،

ص: 91


1- شرح ابن ابي الحديد ج 13 - 14، ص 144

وقال أبو رافع: إن عليا كان كاتب النبي إلى من عاهد ووادع وإن صحيفة أهل نجران كان هو كاتبها، وعهود النبي لا توجد قط إلا بخط علي، ومن ذلك ما رواه أبو رافع ان عليا كانت له من رسول الله ساعة من الليل بعد المتمة لم تكن لأحد غیره)(1).

وجاء في شرح ابن ابي الحديد (روي أن السنة التي ولد فيها علي (عليه السلام) هي السنة التي بدء فيها برسالة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأسمع الهتاف من الأحجار والأشجار، وكشف عن بصره، فشاهد أنوارا وأشخاصا، ولم يخاطب فيها بشيء، وهذه السنة هي السنة التي ابتدأ فيها بالتبتل والانقطاع والعزلة في جبل حراء، فلم يزل به حتى كوشف بالرسالة، وأنزل عليه الوحي، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يتيمن بتلك السنة وبولادة علي عليه السلام فيها، ويسميها سنة الخیر وسنة البركة، وقال لأهله ليلة ولادته، وفيها شاهد ما شاهد من الكرامات والقدرة الإلهية، ولم يكن من قبلها شاهد من ذلك شيئا: (لقد ولد لنا الليلة مولود يفتح الله علينا به أبوابا كثرة من النعمة والرحمة(، وكان كما قال صلوات الله عليه، فإنه (عليه السلام) كان ناصره والمحامي عنه وكاشف الغماء عن وجهه، وبسيفه ثبت دين الاسلام، ورست دعائمه، وتمهدت قواعده)(2).

***

ص: 92


1- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، ج 2، ص 66
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 4، ص 115

المسألة الثانية: (اختصاصه بالأسبقية للإسلام).

قوله (عليه السلام): (وَلَمْ یَجْمَعْ بَیْتٌ واحِدٌ یَوْمَئِذٍ فِی اَلْإِسْلَامِ غَیْرَ رَسُولِ اللّه (صلی الله علیه و آله) وَخَدیِجَةَ وَاَنَا ثالِثُهُمَا).

إن الإمام علي (عليه السلام) كان أخلص الناس لرسول الله (صلى الله عليه وآله) منذ طفولته، وأسرعهم استجابة له في كل أمر لذا خُص بهذه المنزلة وكذلك السيدة خديجة (عليها السلام)، فكل منهم آمن بالرسول لذا جمعهم الله معه في هذا البيت المقدس وهو بيت الرسالة، جاء في كتاب الارشاد (حین جمع رسول الله صلى الله عليه وآله بني عبد المطلب في دار أبي طالب، وهم أربعون رجلا - يومئذ - يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا - فيما ذكره الرواة - وأمر أن يصنع لهم فخذ شاة مع مدٍ من البر، ويُعدّ لهم صاع من اللبن، وقد كان الرجل منهم معروفا بأكل الجذعة في مقام واحد، ويشرب الفرق من الشراب في ذلك المقام، وأراد عليه السلام بإعداد قليل الطعام والشراب لجماعتهم إظهار الآية لهم في شبعهم وريهم مما كان لا يشبع الواحد منهم ولا يرويه، ثم أمر بتقديمه لهم، فأكلت الجماعة كلها من ذلك اليسیر حتى تملؤوا منه، فلم يبن ما أكلوه منه وشربوه فيه، فبهرهم بذلك، وبیِّن لهم آية نبوته، وعلامة صدقه ببرهان الله تعالى فيه، ثم قال لهم بعد أن شبعوا من الطعام ورووا من الشراب: «يا بني عبد المطلب، إن الله بعثني إلى الخلق كافة، وبعثني إليكم خاصة، فقال عز وجل: «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»، وأنا أدعوكم إلى كلمتین خفيفتین على اللسان ثقيلتن في الميزان، تملكون بهما العرب والعجم، وتنقاد لكم بهما الأمم، وتدخلون بهما الجنة، وتنجون بهما من النار، شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فمن يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني

ص: 93

عليه وعلى القيام به، يكن أخي ووصي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي فلم يجب أحد منهم».

فقال أمیر المؤمنین (عليه السلام): «فقمت بین يديه من بينهم - وأنا إذ ذاك أصغرهم سنا، وأحمشهم ساقا، وأرمضهم عينا - فقلت: أنا - يا رسول الله - أؤازرك على هذا الأمر، فقال: اجلس، ثم أعاد القول على القوم ثانية فاصمتوا، وقمت فقلت مثل مقالتي الأولى، فقال: اجلس، ثم أعاد على القوم مقالته ثالثة فلم ينطق أحد منهم بحرف، فقلت: أنا أؤازرك - يا رسول الله على هذا الأمر، فقال: اجلس، فأنت أخي ووصي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي)(1).

وروي في كتاب (كشف الغمة) عن عفيف الكندي قال: كنت امرءاً تاجرا فقدمت من الحج فأتيت العباس بن عبد المطلب لأبتاع منه بعض التجارة وكان امرءا تاجر فو الله إني لعنده بمنى إذ خرج رجل من خباء قريب منه، فنظر إلى الشمس فلما رأها قد مالت قام يصلي.

قال: ثم خرجت امراة من الخباء الذي خرج منه ذلك الرجل فقامت خلفه فصلت، ثم خرج غلام حین راهق الحلم من ذلك الخباء فقام معه فصلى، قال فقلت للعباس من هذا يا عباس؟ قال هذا محمد بن عبد المطلب ابن اخي، قال: فقلت من هذه المرأة؟ قال: امرأته خديجة بن خويلد، قال: فقلت: من هذا الفتى؟ قال علي بن ابي طالب ابن عمه عليه السلام قال: فقلت له ما هذا الذي يصنع؟ قال يصلي وهو يزعم انه نبي ولم يتبعه على أمره إلا امرأته وابن عمه هذا الفتى، وهو يزعم انه ستفتح له كنوز كسرى وقيصر، وكان عفيف وهو ابن عم

ص: 94


1- الارشاد، الشيخ المفيد، ج 1، ص 50

الاشعث بن قيس يقول بعد ذلك وقد أسلم وحسن إسلامه: لو كان رزقني الله الإسلام فأكون ثانيا مع علي عليه السلام)(1).

فعلي أول من أسلم من الرجال وجاء في هذا المورد عدة روايات ومنها قال أبو جعفر محمد بن علي، عن ابن عباس، قال: قال أبو موسى: (علي أول من أسلم)(2).

وهنالك روايات تقول أن الامام اسلم وهو ابن العاشرة، وهذا ما رواه الطبري، (حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن اسحاق قال كان أول ذكر آمن برسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصلى معه وصدقه بما جاءه من عند الله علي بن أبي طالب وهو يومئذ ابن عشر سنين وكان مما أنعم الله به على علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الاسلام)(3).

ونقول أن علياً ولد وهو مؤمن وخیر دليل على ذلك أنه (عليه السلام) اختلف عن سائر الناس في ولادته فهو الوليد الوحيد الذي ولد في بيت الله الحرام فهذه أولى الكرامات التي خصه الله بها ودليل على أنه من الموحدين منذ صغره، وإنما أعلن اسلامه في سن العاشرة لأن النبي حينها لم يعلن الاسلام للناس حتى أمره الله عز وجل فحينما أعلنه كان علي بهذا العمر فأعلن إسلامه، فعلي مع الرسول في السر والعلانية.

أما معنى علي أول المسلمين فالإمام (عليه السلام) لم يكفر في يوم من الأيام

ص: 95


1- كشف الغمة في معرفة الأئمة علي ابن أبي الفتح، ج 1 ص 83. في سبقه للإسلام
2- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 274، ح 60
3- تاريخ الطبري، ج 2، ص 57

حتى قيل أنه أول من أسلم، وإنما قيل لهو أول من أسلم لبيان أنه السباق إلى تلبيته للدعوة وتحمله أعباء الرسالة بعد النبي صلى الله عليه وآله.

وعلي هو المسلم الأول، بمعنى أنه (عليه السلام) لم يسبقهُ إلى دين الله أحد ممن سبق، ومعنى المسلم الأول أي المطيع الأول لرسول الله والذي لم يعرف فضله إلا الله ورسوله.

وهو المسلم الأول بكل ما تحمله كلمة الاسلام من معنى شامل لأن الاسلام مجمع لكل هذه الفضائل فهذا معنى أول من اسلم، جاء في مناقب ابن شهراشوب (وقد سئل: متى أسلم علي؟ قال: ومتى كفر إلا أنه جدد الاسلام)(1).

وروي عن مجاهد، عن أبي عمرو، وأبي سعيد الخدري، قالا: كنا جلوسا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذ دخل سلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وأبو الطفيل عامر بن واثلة، فجثوا بین يديه، والحزن ظاهر في وجودهم، فقالوا: فديناك بالاباء والأمهات يا رسول الله (صلى الله عليه وآله):

إنا نسمع من قوم في أخيك وابن عمك ما يحزننا وإنا نستأذنك في الرد عليهم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وما عساهم يقولون في أخي وابن عمي علي ابن أبي طالب؟ فقالوا: يقولون: أي فضل لعلي في سبقه إلى الاسلام؟ وإنا ادركه الاسلام طفلا، ونحو هذا القول؟ فقال (صلى الله عليه وآله): أفهذا يحزنكم؟ قالوا: أي والله.

فقال: بالله أسألكم هل علمتم من الكتب السالفة، ان إبراهيم (عليه السلام) هرب به أبوه من الملك الطاغي، فوضعته أمه بن أثلاث بشاطئ نهر يتدفق يقال

ص: 96


1- مناقب آل أبي طالب، ج 1، ص 292

له: حرزان، بین غروب الشمس واقبال الليل، فلما وضعته واستقر على وجه الأرض، قام من تحتها، يمسح وجهه ورأسه، ويكثر من شهادة أن لا إله إلا الله، ثم أخذ ثوبا فامتسح به، وأمه تراه فذعرت منه ذعرا شديدا، ثم مضى يهرول بین يديها مادا عينيه إلى السماء، فكان منه ما قال الله عز وجل: «وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي» إلى قوله: «أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ»، وعلمتم أن موسى بن عمران عليه السلام كان فرعون في طلبه يبقر بطون النساء الحوامل، ويذبح الأطفال، ليقتل موسى (عليه السلام)، فلا ولدته أمه، أمرت أن تأخذه من تحتها وتقذفه في التابوت، وتلقي التابوت في اليم، فبقيت حيرانة حتى كلمها موسى عليه السلام، وقال لها: يا أم اقذفيني في التابوت، وألقي التابوت في اليم، فقالت وهي ذعرة من كلامه: يا بنى إني أخاف عليك من الغرق، فقال لها: لا تحزني إن الله رادّي إليك، ففعلت ما أمرت به، فبقي في التابوت واليم إلى أن قذفه في الساحل، وردّه إلى أمه برمته، لا يطعم طعاما، ولا يرب شرابا، معصوما، وروي أن المدة كانت سبعين يوما، وروي سبعة اشهر، وقال الله عز وجل في حال طفوليته: «وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ» وقال تعالى: «وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي * إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ».

وهذا عيسى ابن مريم قال الله عز وجل فيه: «فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَد جَعَلَ ربُّكِ تَحْتَكِ سَريِاًّ» إلى قوله «إنْسِيّا» فكلم أمه وقت مولده وقال حین أشارت إليه قالوا «كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا» «قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ» إلى آخر الآية.

فتكلم «عليه السلام» وقت ولادته، وأعطى الكتاب والنبوة، وأوصى بالصلاة

ص: 97

والزكاة في ثلاثة أيام من مولده، وكلمهم في اليوم الثاني من مولده. وقد علمتم جميعا ان الله خلقني وعليا من نور واحد، وأنا كنا في صلب آدم، نسبح الله تعالى، ثم نقلنا إلى أصلاب الرجال وأرحام النساء، يسمع تسبيحنا في الظهور والبطون في كل عهد وعصر إلى عبد المطلب، وأنّ نورنا كان يظهر في وجوه آبائنا وأمهاتنا حتى تبیّن أسماؤنا مخطوطة بالنور على جباههم. ثم افترق نورنا، فصار نصفه في عبد الله، ونصفه في أبى طالب عمى، وكان يسمع تسبيحنا من ظهورهما، وكان أبي وعمي إذا جلسا في ملأ من قريش، وقد تبیّن نوري من صلب أبى ونور على من صلب أبيه إلى أن خرجنا من أصلاب أبوينا وبطون أمهاتنا، ولقد هبط حبيبي جبرئيل عليه السلام في وقت ولادة علي عليه السلام فقال: يا حبيب الله، الله يقرئك السلام ويهنئك بولادة أخيك علي، ويقول: هذا أوان ظهور نبوتك واعلان وحيك، وكشف رسالتك، إذ أيدتك بأخيك، ووزيرك، وصنوك، وخليفتك ومن شددت به أزرك، وأعليت به ذكرك، فقمت مبادرا، فوجدت فاطمة بنت أسد أم علي عليه السلام قد جاءها المخاض وهي ببن النساء، والقوابل حولها، فقال حبيبي جبرائيل: يا محمد اسجف بينها وبينك سجفا، فإذا وضعت بعلي فتلقاه، ففعلت ما أمرت به، ثم قال لي: امدد يدك يا محمد فإنه صاحبك اليمین، فمددت يدي نحو أمه، فإذا بعلي مائلا على يدي واضعا يده اليمنى في أذنه اليمنى وهو يؤذن، ويقيم بالحنيفية، ويشهد بوحدانية الله عز وجل وبرسالتي، ثم انثنى إلي وقال: السلام عليك يا رسول الله، ثم قال لي: يا رسول الله صلى الله عليه وآله إقرا؟ قلت: أقرا، فوالذي نفس محمد بيده لقد ابتدأ بالصحف التي أنزلها الله عز وجل على آدم عليه السلام فقام بها شيث، فتلاها من أول حرف فيها إلى آخر حرف فيها حتى لو حضر بها شيث عليه السلام، لأقرّ له بأنه أحفظ لها منه، ثم قرأ توراة موسى (عليه السلام)، حتى لو حضر موسى (عليه السلام)، لأقرّ

ص: 98

بأنه أحفظ لها منه، ثم قرأ زبور داود، حتى لو حضر داود عليه السلام، لأقرّ بأنه احفظ لها منه، ثم قرأ إنجيل عيسى، حتى لو حضر عيسى عليه السلام، لأقرّ بأنه احفظ له منه، ثم قرأ القرآن الذي أنزل الله تعالى عليّ من أوله إلى آخره، فوجدته يحفظه كحفظي له الساعة من غیر أن أسمع منه آية، ثم خاطبني وخاطبته بما يخاطب به الأنبياء والأوصياء، ثم عاد إلى حال طفوليته، وهكذا أحد عشر اماما من نسله يفعل في ولادته مثل ما فعل الأنبياء، فلم تحزنون وماذا عليكم من قول أهل الشك والشرك بالله تعالى؟ هل تعلمون انى أفضل النبيین وان وصيي أفضل الوصيین؟ وأن أبي آدم عليه السلام لما رآى اسمي واسم علي واسم ابنتي فاطمة والحسن والحسین وأسماء أولادهم مكتوبة على ساق العرش بالنور، قال: الهي وسيدي هل خلقت خلقاً هو أكرم عليك مني؟ فقال: يا آدم لولا هذه الأسماء لما خلقت سماءً مبنية، ولا أرضاً مدحية، ولا ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا، ولا خلقتك يا آدم. فلما عصى آدم ربه سأله بحقنا أن يقبل توبته، ويغفر خطيئته، فاجابه، وكنا الكلمات التي تلقاها آدم من ربه عز وجل فتاب عليه، وغفر له، وقال له: يا آدم ابشر، فإن هذه الأسماء من ذريتك وولدك، فحمد آدم ربه عز وجل، وافتخر على الملائكة، وإن هذا من فضلنا، وفضل الله علينا، فقام سلمان ومن معه وهم يقولون: نحن الفائزون فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: أنتم الفائزون، ولكم خلقت الجنة، ولأعدائنا وأعدائكم خلقت النار)(1).

قال جورج جرداق صاحب كتاب علي صوت العدالة الانسانية: (... فإن علي ابن أبي طالب قد ولد مسلما، لأنه من معدن الرسول مولدا ونشأة ومن ذاته خلقا وفطرة، ثم أن الظرف الذي أعلن فيه عما يكمن في كيانه من روح الإسلام

ص: 99


1- الهداية الكبرى، الحسين بن حمدان الخصيبي، ص 100

ومن حقيقته لم يكن شيئا من ظروف الآخرين ولم يرتبط بموجبات العمر، لأن إسلام علي كان أعمق من ضرورة الارتباط بالظروف، إذ كان جاريا من روحه كما تجري الأشياء من معادنها والمياه من ينابيعها.

- لقد كان أول سجود المسلمين الأول، لآلهة قريش! - وكان أول سجود علي لإله محمد! ألا إنه إسلام الرجل الذي أتيح له أن ينشأ على حب الخیر وينمو في رعاية النبي ويصبح إمام العادلین من بعده، وربان السفينة في غمرة العواصف والأمواج!)(1).

فعلي أول من أسلم وأول من صلى مع النبي، روي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) - في حديث في أول البعثة - قال (عليه السلام): (فانفجرت عن فتوضأ جبرئيل، وتطهر رسول الله (صلى الله عليه وآله) للصلاة، ثم صلى وهي أول صلاة صلاها في الأرض، فرضها الله عز وجل، وصلى أمیر المؤمنین (عليه السلام)، تلك الصلاة مع النبي (صلى الله عليه وآله)، فرجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من يومه إلى خديجة (عليها السلام)، فأخبرها فتوضأت وصلت صلاة العصر، من ذلك اليوم، فكان أول من صلى من الرجال أمیر المؤمنین (عليه السلام)، ومن النساء خديجة (عليها السلام)(2).

وجاء في تفسیر الامام العسكري عليه السلام (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وإن ممن كتب أجله وعمله ورزقه وسعادة خاتمته علي بن أبي طالب (عليه

ص: 100


1- علي صوت العدالة الانسانية، ج 1، ص 75
2- مستدرك الوسائل، ميرزا حسين النوري الطبرسي، ج 6، ص 455

السلام)، كتبوا من عمله أنه لا يعمل ذنبا أبدا إلى أن يموت، قال: وذلك قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم شكاه بريدة، وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعث جيشا ذات يوم لغزاة، أمّرَ عليهم عليا (عليه السلام)، وما بعث جيشا قط فيهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلا جعله أميرهم.

فلما غنموا رغب علي (عليه السلام) في أن يشتري من جملة الغنائم جارية يجعل ثمنها في جملة الغنائم، فكايده فيها حاطب بن أبي بلتعة وبريدة الأسلمي، وزايداه.

فلما نظر إليهما يكايدانه ويزايدانه، انتظر إلى أن بلغت قيمتها قيمة عدل في يومها فأخذها بذلك .فلما رجعوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، تواطئا على أن يقول ذلك بريدة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فوقف بريدة قدام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: يا رسول الله ألم تر أن علي بن أبي طالب أخذ جارية من المغنم دون المسلمين؟ فأعرض عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم جاء عن يمينه فقالها، فأعرض عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، (فجاءه عن يساره وقالها، فأعرض عنه، وجاء من خلفه فقالها، فأعرض عنه) ثم عاد إلى بین يديه، فقالها فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) غضبا لم ير قبله ولا بعده غضب مثله، وتغر لونه وتربد وانتفخت أوداجه، وارتعدت أعضاؤه، وقال: مالك يا بريدة آذيت رسول الله منذ اليوم؟ أما سمعت الله عز وجل يقول: «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا».

قال بريدة: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما علمت أنني قصدتك بأذى،

ص: 101

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أو تظن يا بريدة أنه لا يؤذيني إلا من قصد ذات نفسي؟ أما علمت أن عليا مني وأنا منه، وأن من آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فحق على الله أن يؤذيه بأليم عذابه في نار جهنم؟! يا بريدة أنت أعلم أم الله عز وجل؟ أنت أعلم أم قرآء اللوح المحفوظ؟ أنت أعلم أم ملك الأرحام؟ قال بريدة: بل الله أعلم، وقراء اللوح المحفوظ أعلم، وملك الأرحام أعلم، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأنت أعلم يا بريدة؟ أم حفظة علي بن أبي طالب؟ قال: بل حفظة علي بن أبي طالب، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فكيف تخطئه وتلومه وتوبخه وتشنع عليه في فعله، وهذا جبرئيل أخبرنی، عن حفظة علي (عليه السلام) أنه ما كتبوا عليه قط خطيئة منذ يوم ولد وهذا ملك الأرحام حدثني أنهم كتبوا قبل أن يولد، حن استحكم في بطن أمه، أنه لا يكون منه خطيئة أبدا، وهؤلاء قراء اللوح المحفوظ أخبروني ليلة أسري بي أنهم وجدوا في اللوح المحفوظ «علي المعصوم من كل خطأ وزلة». فكيف تخطئه أنت يا بريدة وقد صوبه رب العالمین والملائكة المقربون؟ يا بريدة لا تعرض لعلي بخاف الحسن الجميل، فإنه أمیر المؤمنین، وسيد الوصيین، وسيد الصالحین وفارس المسلمين، وقائد الغر المحجلین، وقسيم الجنة والنار، يقول يوم القيامة للنار: هذا لي وهذا لك...)(1).

***

ص: 102


1- تفسير الامام العسكري، ص 136، ح 70

المسألة الثالثة: (اختصاصه برؤية نور الوحي، وشم ريح النبوة، واستماع رنين الشيطان)

اشارة

قوله (عليه السلام): (أَرَى نُورَ اَلْوَحْيِ وَاَلرِّسَالَةِ وَأَشُمُّ رِيحَ اَلنُّبُوَّةِ وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ اَلشَّيْطَانِ حِینَ نَزَلَ اَلْوَحْيُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وآله فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَا هَذِهِ اَلرَّنَّةُ فَقَالَ هَذَا اَلشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَ تَرَى مَا أَرَى).

إن الله خصّ وليه بما خصّ به النبي (صلى الله عليه وآله) ما عدا النبوة فمن الأمور التي خصها الله لعلياً (عليه السلام) ما يلي:

أ- رؤية نور الوحي:

قوله (عليه السلام): (أَرَى نُورَ اَلْوَحْيِ وَاَلرِّسَالَةِ).

في هذا الكلام يبیّن الإمام (عليه السلام) عظيم منزلته كونه يرى نور الوحي، فهذه الدرجة لا ينالها إلا خاصة أوليائه، روي عن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، قال كان علي (عليه السلام) يرى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل الرسالة الضوء ويسمع الصوت، وقال له (صلى الله عليه وآله) (لولا أني خاتم الأنبياء لكنت شريكا في النبوة، فإن لاتكن نبيا فإنك وصي نبي ووارثه، بل أنت سيد الأوصياء وإمام الأتقياء)(1).

جاء في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد أنه (عليه السلام) كان يقول: (كنت

ص: 103


1- شرح بن ابي الحديد ج 13، ص 210

أسمع الصوت وأبصر الضوء سنين سبعا، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) حينئذ صامت ما أذن له في الإنذار والتبليغ)(1).

وعن الإمام أبي الحسن الرضا (عليه السلام) إنه قال: (لنا أعن لا تشبه أعین الناس وفيها نور وليس للشيطان فيها شرك)(2).

فالأئمة (عليهم السلام) يرون الأمور بحقيقتها ويميزون ما أنزل من الله ولا يختلط عليهم شيء من وساوس الشيطان ذلك أنهم معصومون من الرجس كما أشارت الآية المباركة، قال تعالى: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِرًا»(3).

وقال الشارح البحراني وهذه أعلى مراتب الأولياء، واستعار لفظ النور لما يشاهده بعین بصيرته الباقية من أسرار الوحي والرسالة وعلوم التنزيل ودقائق التأويل وإشراقها على لوح نفسه القدسيّة، ووجه الاستعارة كون هذه العلوم والأسرار هادية في سبيل الله إليه من ظلمات الجهل كما يهدي النور من الطرق المحسوسة، ورشّح تلك الاستعارة بذكر الرؤية لأنّ النور حظَّ البصر، وكذلك استعار لفظ الريح لما أدركه من مقام النبوّة وأسرارها، ورشّح بذكر الشمّ لأنّ الريح حظَّ القوّة الشامّة)(4).

وفي مناقب ابن شهرآشوب (قال الحارث: لما كانت ليلة بدر قال النبي (صلى

ص: 104


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 1، ص 15
2- الامالي - الشيخ الطوسي - ص 245، ح 19. (علي راية الهدى)
3- سورة الأحزاب الآية: 33
4- شرح ابن ميثم البحراني، ج 4 ص 317

الله عليه وآله)، من يستقي لنا من الماء؟ فأحجم الناس فقام علي فاحتضن فرسه ثم اتى بئرا بعيدة القعر مظلمة فانحدر فيها فأوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، تأهبوا لنصرة محمد وحزبه، فهبطوا من السماء لهم لغط يذعر من يسمعه فلما حاذوا البئر سلموا عليه من عند آخرهم اكراما وتبجيلا)(1).

فالأئمة عليهم السلام يرون ما لا ترى الناس ويسمعون ما خفي على الغیر، وقد جاء في كامل الزيارات عن عبد الله بن بكیر الأرجاني، قال: صحبت أبا عبد الله (عليه السلام) في طريق مكة من المدينة، فنزلنا منزلا يقال له: عسفان، ثم مررنا بجبل اسود عن يسار الطريق موحش، فقلت له: يا ابن رسول الله ما أوحش هذا الجبل ما رأيت في الطريق مثل هذا، فقال لي: يا ابن بكیر أتدري اي جبل هذا، قلت: لا، قال: هذا جبل يقال له الكمد، وهو على واد من أودية جهنم، وفيه قتلة أبي الحسین (عليه السلام)، استودعهم فيه، تجري من تحتهم مياه جهنم من الغسلين والصديد والحميم، وما يخرج من جب الجوى، وما يخرج من الفلق)، وما يخرج من اثام، وما يخرج من طينة الخبال، وما يخرج من جهنم، وما يخرج من لظى ومن الحطمة، وما يخرج من سقر، وما يخرج من الحميم، وما يخرج من الهاوية، وما يخرج من السعير، وما مررت بهذا الجبل في سفري فوقفت به الا رأيتهما يستغيثان إلي، واني لأنظر إلى قتلة أبي وأقول لهما: هؤلاء فعلوا ما أسستما، لم ترحمونا إذ وليتم، وقتلتمونا وحرمتمونا، ووثبتم على حقنا، واستبددتم بالأمر دوننا، فلا رحم الله من يرحمكما، ذوقا وبال ما قدمتما، وما الله بظلام للعبيد، وأشدهما تضرعا واستكانة الثاني، فربما وقفت عليهما ليتسلى عني بعض ما في قلبي، وربما طويت الجبل الذي هما فيه، وهو جبل الكمد.

ص: 105


1- مناقب ابن شهرآشوب، ج 2، ص 80

قال: قلت له: جعلت فداك فإذا طويت الجبل فما تسمع، قال: اسمع أصواتهما يناديان: عرج علينا نكلمك فإنا نتوب، وأسمع من الجبل صارخا يرخ بي:

أجبهما، وقل لهما: اخسئوا فيها ولا تكلمون.

قال: قلت له: جعلت فداك ومن معهم، قال: كل فرعون عتى على الله وحكى الله عنه فعاله وكل من علم العباد الكفر.

فقلت: من هم، قال: نحو بولس الذي علم اليهود أن يد الله مغلولة، ونحو نسطور الذي علم النصارى أن المسيح ابن الله، وقال لهم: هم ثلاثة، ونحو فرعون موسى الذي قال: أنا ربكم الاعلى، ونحو نمرود الذي قال: قهرت أهل الأرض وقتلت من في السماء، وقاتل أمیر المؤمنین (عليه السلام)، وقاتل فاطمة ومحسن، وقاتل الحسن والحسین (عليهما السلام)، فأما معاوية وعمرو فما يطمعان في الخلاص، ومعهم كل من نصب لنا العداوة، وأعان علينا بلسانه ويده وماله، قلت له: جعلت فداك فأنت تسمع ذا كله ولا تفزع، قال: يا ابن بكیر إن قلوبنا غیر قلوب الناس، إنا مطيعون مصفون مصطفون، نرى ما لا يرى الناس ونسمع ما لا يسمعون، وإن الملائكة تنزل علينا في رحالنا وتتقلب في فرشنا، وتشهد طعامنا، وتحضر موتانا، وتأتينا باخبار ما يحدث قبل أن يكون، وتصلي معنا وتدعو لنا، وتلقي علينا أجنحتها، وتتقلب على أجنحتها صبياننا، وتمنع الدواب ان تصل إلينا، وتأتينا مما في الأرضین من كل نبات في زمانه، وتسقينا من ماء كل ارض نجد ذلك في آنيتنا، وما من يوم ولا ساعة ولا وقت صلاة إلا وهي تنبهنا لها، وما من ليلة تأتي علينا إلا وأخبار كل ارض عندنا وما يحدث فيها، وأخبار الجن وأخبار أهل الهوى من الملائكة، وما من ملك يموت في الأرض ويقوم غیره إلا أتانا خبره، وكيف سیرته في الذين قبله، وما من ارض من ستة أرضین إلى

ص: 106

السابعة إلا ونحن نؤتى بخبرهم.

فقلت: جعلت فداك فأين منتهى هذا الجبل، قال: إلى الأرض السادسة، وفيها جهنم، على واد من أوديته، عليه حفظة أكثر من نجوم السماء وقطر المطر وعدد ما في البحار وعدد الثرى، قد وُكِّلَ كل ملك منهم بشيء وهو مقيم عليه لا يفارقه.

قلت: جعلت فداك إليكم جميعا يلقون الاخبار، قال: لا، إنما يلقى ذلك إلى صاحب الامر، وانا لنحمل ما لا يقدر العباد على الحكومة فيه فنحكم فيه، فمن لم يقبل حكومتنا جبرته الملائكة على قولنا، وأمرت الذين يحفظون ناحيته أن يقسروه على قولنا، وإن كان من الجن من أهل الخلاف والكفر أوثقته وعذبته حتى يصیر إلى ما حكمنا به.

قلت: جعلت فداك فهل يرى الإمام ما بین المشرق والمغرب، فقال: يا ابن بكیر فكيف يكون حجة الله على ما بین قطريها وهو لا يراهم ولا يحكم فيهم، وكيف يكون حجة عى قوم غيّب لا يقدر عليهم ولا يقدرون عليه، وكيف يكون مؤديا عن الله وشاهدا على الخلق وهو لا يراهم، وكيف يكون حجة عليهم وهو محجوب عنهم، وقد حيل بينهم وبينه ان يقوم بأمر ربه فيهم، والله يقول: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ»، يعني به من على الأرض والحجة من بعد النبي (صلى الله عليه وآله) يقوم مقام النبي (صلى الله عليه وآله)، وهو الدليل على ما تشاجرت فيه الأمة والآخذ بحقوق الناس والقيّامُ بأمر الله والمنصف لبعضهم من بعض، فإذا لم يكن معهم من ينفذ قوله، وهو يقول: «سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ»، فأي آية في الآفاق غيرنا أراها الله أهل الآفاق، وقال: «وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا»، فأي آية أكبر منا، والله إن بني هاشم وقريشا لتعرف ما أعطانا الله، ولكن الحسد أهلكهم كما أهلك إبليس، وانهم ليأتوننا إذا اضطروا وخافوا

ص: 107

على أنفسهم، فيسألونا فنوضح لهم فيقولون: نشهد انكم أهل العلم، ثم يخرجون فيقولون: ما رأينا أضل ممن اتبع هؤلاء ويقبل مقالتهم)(1).

ب- شم ريح النبوة:

قوله (عليه السلام): (وَأَشُمُّ رِيحَ اَلنُّبُوَّةِ).

إن للنبوة عطراً خاصاً لا يميزه الا الأنبياء والأوصياء فكان نبي الله يعقوب يشم ريح يوسف وعلى الرغم من تواجد أهل بيته بجنبه إلا أنهم لا يشمون هذه الرائحة ولا يميزونها وقد حكى الله عن هذا بقوله، «إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ»(2)، تفندون أي تنسبوني إلى الفند، وهو نقصان عقل يحدث من الهرم)(3).

فهذه الخصوصية خصها الله لأنبيائه، وبما أن الأئمة ورثة الأنبياء كذلك امتازوا بهذه الخاصية جاء في تفسر هذه السورة «إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ»، يعني:

ريح الجنة، لأنه كان من الجنة)(4).

روى القمي عن المفضل الجعفي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال:

اخبرنی ما كان قميص يوسف؟ قلت لا أدري قال إن ابراهيم لما اوقدت له النار أتاه جبرئيل بثوب من ثياب الجنة فألبسه إياه فلم يصبه معه حر ولا برد، فلما

ص: 108


1- كامل الزيارات، ص 539. الباب (108) نوادر الزيارات
2- يوسف: 94
3- التفسير الأصفي، الفيض الكاشاني، ج 1، ص 588
4- الآصفي، ج 1، ص 587

حضر ابراهيم الموت جعله في تميمة وعلقه على اسحاق وعلقه اسحاق على يعقوب فلما ولد ليعقوب يوسف علقه عليه فكان في عنقه حتى كان من امره ما كان فلما اخرج يوسف القميص من التميمة وجد يعقوب ريحه وهو قوله «إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ» وهو ذلك القميص الذي انزل من الجنة قلت له جعلت فداك فإلى من صار ذلك القميص؟ فقال إلى اهله ثم قال كل نبي ورث علما او غیره فقد انتهى إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكان يعقوب بفلسطين وفصلت العیر من مصر فوجد يعقوب ريحه وهو من ذلك القميص الذي اخرج من الجنة ونحن ورثته صلى الله عليه وآله)(1).

فحاسة الشم هذه ليست بالتي نتصورها نحن كما نشم الريح الطيب، وإنما هو ريح خاص متصل بعالم ملكوتي مختلف فكان نبي الله يعقوب (عليه السلام) يميز هذه الرائحة على الرغم من أن القميص الذي بعثه يوسف بيد أخيه لاوي يبعد عنه بعدة فراسخ ولكنه كان يشم تلك الرائحة فيقول «إنّي لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون».

وورد: (إن يعقوب وجد ريح قميص يوسف من مسیرة عشر ليال)(2)، فالإمام علي (عليه السلام) يمتلك حاسة الشم القوية هذه المتصلة بالغيب الالهي.

وكذلك أبناؤه المعصومون (عليهم السلام) كانوا يميزون هذه الرائحة، فحينما أتى النبي بيت فاطمة (عليها السلام) ودخل تحت الكساء اتى الحسن بن علي (عليه السلام) فكان يشم ريح النبي ويسأل أمه الزهراء بقوله: (أني أشم

ص: 109


1- تفسير القمي، ج 1، ص 354
2- التفسير الأصفي، ج 1، ص 587

عندك رائحة طيبة كأنها رائحة جدي رسول الله)، وكذلك الإمام الحسین (عليه السلام) قبل دخوله للكساء سأل امه الزهراء عن هذه الرائحة ثم الإمام علي (عليه السلام) سألها نفس السؤال فهم يعرفون هذه الرائحة ويميزونها ويعلمون أنها رائحة تختلف عن روائح هذا العالم بل إن هذه الرائحة اتصالها بعالم روحاني ملكوتي غيبي لذا جمعهم الله بهذا الكساء والحديث مشهور.

فلولا أن محمداً خاتم الرسل لكان علي شريكه بالنبوة ولكن خصه الله بالإمامة، وقد بيّنت كثیر من الروايات أن منزلة علي تأتي بعد النبي مباشرةً ومن ثم أبناؤه المعصومون، ومنها ما روي عن الإمام الرضا عن آبائه عن علي (عليهم السلام) انه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله (ما خلق الله خلقا أفضل مني ولا أكرم عليه مني، فقلت يا رسول الله فانت أفضل او جبرئيل؟ فقال يا علي إن الله فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربین وفضلني على جميع النبيین والمرسلين والفضل من بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا، يا علي، الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا، يا علي، لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الارض فكيف لا نكونأفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتقديسه لأن أول ما خلق الله خلق ارواحنا فأنطقنا بتوحيده وبتمجيده ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا أمرنا فسبحنا لتعلم الملائكة، فسبحت الملائكة بتسبيحنا)(1).

وجاء في تفسر قوله تعالى: «قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ

ص: 110


1- تفسير القمي، علي بن ابراهيم القمي، ج 1، ص 18

لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»(1)، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: إن الله اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا واتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا واتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا واتخذه خليلا قبل أن يتخذه إماما، فلما جمع له هذه الاشياء - وقبض يده - قال له: يا إبراهيم إني جاعلك للناس إماما، فمن عظمها في عین إبراهيم (عليه السلام) قال: يا رب ومن ذريتي، قال: لا ينال عهدي الظالمین)(2).

فالإمامة أعلى درجة من النبوة وهذا ما أشار إليه الإمام الصادق (عليه السلام) والإمامة أمر خاص لا ينال هذه المرتبة الا المطهرون كونهم ورثة الأنبياء ومن كلام له يصف فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال عليه السلام: (فَهُوَ إِمَامُ مَنِ اتَّقَى وبَصِیرَةُ مَنِ اهْتَدَى، سِرَاجٌ لَمَعَ ضَوْؤُه وشِهَابٌ سَطَعَ نُورُه)(3)، فالرسول الأكرم نال مرتبة النبوة والإمامة كما نالها ابراهيم الخليل (عليه السلام) وقال (عليه السلام): متحدثا عن النبي في حقه: (إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي) فكان الإمام يسمع مع الرسول ويرى نور الوحي وسوف يأتي بيان ذلك فيما يلي.

ج- استماع رنين الشيطان:

قوله (عليه السلام): (وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ اَلشَّيْطَانِ حِینَ نَزَلَ اَلْوَحْيُ عَلَيْهِ صلى الله عليه وآله فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ مَا هَذِهِ اَلرَّنَّةُ فَقَالَ هَذَا اَلشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ

ص: 111


1- سورة البقرة، الآية: 124
2- تفسير نور الثقلين، الشيخ الحويزي، ج 1، ص 121
3- نهج البلاغة، الخطبة: 94، ص 139

عِبَادَتِهِ إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَ تَرَى مَا أَرَى).

فهذه الحسرات التي أطلقها ابليس عليه اللعنة قد سمعها أمیر المؤمنین كما كان يسمعها النبي (صلى الله عليه وآله) فهو يمتلك حاسة سمة قوية تختلف عن غیره من الناس ويأتي هذا من الصفاء الذهني.

جاء في شرح المعتزلي من مسند أحمد بن حنبل عن عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) قال: (كنت مع رسول الله صلىَّ الله عليه وآله وسلَّم صبيحة الليلة التي أسري به فيها وهو بالحجرة يصليَّ فلماّ قضى صلاته وقضيت صلاتي سمعت رنّة شديدة فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنّة: قال: ألا تعلم هذه رنّة الشيطان علم أنّی أسري في الليلة إلى السماء فأيس من أن يعبد في هذه الأرض)(1).

عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (رنَّ إبليس أربع رنات: أولهن، يوم لعن، وحین اهبط إلى الأرض، وحین بعث محمد صلى الله عليه وآله على حین فترة من الرسل، وحین أنزلت أم الكتاب)(2).

فكل هذه الكرامات التي اعطيت لأمیر المؤمنین تكشف لنا عظيم قدره، قال أبو عبد الله (عليه السلام): (الأنبياء والمرسلون على أربع طبقات: فنبي منبأ في نفسه لا يعدو غيرها، ونبي يرى في النوم ويسمع الصوت ولا يعاينه في اليقظة، ولم يبعث إلى أحد وعليه إمام مثل ما كان إبراهيم على لوط عليهما السلام، ونبي يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين الملك، وقد ارسل إلى طائفة قلوا أو كثروا، كيونس قال الله ليونس: «وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ» قال: يزيدون: ثلاثين

ص: 112


1- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 13، ص 209
2- الخصال، الشيخ الصدوق، ص 263

ألفا وعليه إمام، والذي يرى في نومه ويسمع الصوت ويعاين في اليقظة وهو إمام مثل اولي العزم وقد كان إبراهيم عليه السلام نبيا وليس بإمام حتى قال الله:«إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ» من عبد صنما أو وثنا لا يكون إماما)(1).

وقد أكد النبي أن الإمام يسمع الصوت ويرى نور الوحي بقوله: (إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ)، من كلام (وَتَرَى مَا أَرَى)، من نور، فكل حديث يأتي للنبي كان يسمعه وكل ما رأى النبي كان يراه.

وهذا الفضل يعود إلى طريقته في الاتباع وكثرة المجالسة لرسول الله وحرصه على الدين بحيث كان معه في كل الامور ولم ينفك عنه حتى آخر لحظة في حياة النبي، مما جعل منه كنفس النبي قال عليه السلام: (وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اِتِّبَاعَ اَلْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ، يَرْفَعُ لِی فِی كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلاَقِهِ عَلَماً، وَيَأْمُرُنِ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ).

فهذه الحقبة التي قضاها مع النبي إنما هي من عند الله، لكي يستعد لتلك المسؤولية وهي الحفاظ على دين الله من الضياع لأن النبي أتم كل شيء ووضح للعباد كل الامور وكان آخر ما أوصى به (صلى الله عليه وآله) هو أمر الولاية بقوله: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ»،فقال صلى الله عليه وآله من كنت مولاه فهذا علي مولاه.

***

ص: 113


1- الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، ص 175، ح 1، (باب طبقات الأنبياء والرسل والأئمة عليهم السلام)

المسألة الرابعة:

(اختصاصه بالوزارة)

قوله (عليه السلام): (إِلاَّ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ وَلَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وَإِنَّكَ لَعَلَ خَيْرٍ).

قال ابن منظور: (الوزير في اللغة اشتقاقه من الوَزَرِ، والوَزَرُ الجبلُ الذي يعتصم به ليُنْجى من الهلاك، وكذلك وَزِيرُ الخليفة معناه الذي يعتمد على رأْيه في أُموره ويلتجئ إِليه، وقيل: قيل لوزير السلطان وَزِيرٌ لأَنه يَزِرُ عن السلطان أَثْقال ما أُسند إِليه من تدبیر المملكة أَي يحمل ذلك: الوَزِيرُ المُوازِرُ كالأَكِيلِ المُواكِلِ لأَنه يحمل عنه وِزْرَه أَي ثقله، وقد اسْتُوزِرَ فلان، فهو يُوازِرُ الأَمیر ويَتَوَزَّرُ له)(1).

الوزير هو المعاون للرئيس وسمي وزيراً لأنه يحمل اثقال الدولة عن الحاكم أو ما يسمى بالملك ويؤازره ويسنده في تدبیر الأمور، وبما أن رسول الله هو خليفة الله في الأرض ومكلف بنشر الرسالة السماوية فلا بد له من وزير يؤازره في هذا الأمر فطلب من الله ان يجعل علياً وزيره، والسبب واضح لأنه تربى بحجره وتغذى من يده وتعلم علومه وتخلق بخلقه، ومواقفه مشرفة منذ صغره فهو أول من أسلم وأول من صدقه وكذلك تربطهم علاقة فطرية.

جاء في تاريخ الطبري، عن عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب قال لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»، إلى أن قال: قال: النبي صلّى الله عليه وآله وسلم: فأيكم يؤازرني على هذا الامر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم قال فأحجم القوم عنها جميعا وقلت

ص: 114


1- لسان العرب، ج 5، ص 283

وإني لأحدثهم سنا وأرمصهم عينا وأعظمهم بطنا وأحمشهم ساقا، أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه فأخذ برقبتي ثم قال إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا قال فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع)(1).

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ما من أحد من الناس أعظم أجرا من وزير صالح مع الإمام، يأمره بذات الله فيطيعه)(2).

فأجر علي لا يعلمه الا الله لأنه وزير رسول الله (صلى الله عليه وآله) فالنبي يتكلم عن وزارة إلهية وليست كبقية الوزارات فالوزراء بطبيعتهم قد يحملون أوزار الملوك لأنهم يرضون بأحكامهم الضالة فيشاركونهم الآثام، أما علي فهو يشارك ويعاون حبيب الله وخليفته في أرضه.

عن الإمام عليّ (عليه السلام) قال: (أنا أولى برسول الله حيّاً وميّتاً، وأنا وصيّه، ووزيره، ومستودع سرّه وعلمه)(3).

عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (يا اُمّ سلمة، اسمعي واشهدي: هذا عليّ بن أبي طالب، وزيري في الدنيا ووزيري في الآخرة).

وقد آزر الإمام رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كثیر من المواطن ومن أبرزها مبيته في فراشه وكذلك آزره في الحروب ومنها معركة بدر وأحد والخندق

ص: 115


1- تاريخ الطبري، محمد بن جرير الطبري، ج 2، ص 62
2- ميزان الحكمة، ج 4، ص 3515، كنز العمال، ج 6، ص 81
3- موسوعة الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الكتاب والسنة والتاريخ، محمد الريشهري، ج 8، ص 199

والأحزاب وغيرها من المعارك وحينما هاجر الرسول (صلى الله عليه وآله) خلَّفه على أهله، وكان معه في آخر أنفاسه حتى واراه في قبره والملائكة أعوانه.

عن الإمام عليّ (عليه السلام): )وقد علمتم أني لم أخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم قط، ولم أعصه في أمر قط، كنت أقيه بنفسي في المواطن التي ينكص فيه الأبطال، وترعد فيها الفرائص، نجدة أكرمني بها فله الحمد)(1).

وعنه (عليه السلام) قال: (ما رددت على الله كلمةً قطّ، ولا خالفت النبيّ في شيء، أفديه في المواطن كلّها بنفسي، ولقد جلّيت الكرب العظيم عن وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، نجدةً أعطانيها ربّی).

فهذه المواقف المشرفة وهذا الاخلاص لفت انتباه النبي (صلى الله عليه وآله) فطلب من الله أن يجعله وزيره وخليفته من بعده فتقبل الله من النبي (صلى الله عليه وآله) فجعله وصيه، ففي حديث عن أنس يبیّن فيه أمر الخلافة والوزارة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان خليلي ووزيري وخليفتي في أهلي وخیر من اترك بعدي من ينجز موعدي ويقضي ديني علي بن أبي طالب)(2).

وجاء في البحار من تفسیر الحافظ محمد بن مؤمن الشیرازي بإسناده رفعه قال: أقبل صخر بن حرب حتى جلس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال:

يا محمد هذا الامر لنا بعدك أم لمن؟ قال: يا صخر الأمر بعدي لمن هو مني بمنزلة هارون من موسى، فأنزل الله تعالى: «عَمَّ يَتَسَاءلُونَ» يعني يسألك أهل مكة عن خلافة علي بن أبي طالب «عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ» منهم

ص: 116


1- وقعة صفين، ص 224
2- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، ج 2، ص 256

المصدق بولايته وخلافته، ومنهم المكذب «كلا» رد عليهم «سيعلمون» سيعرفون خلافته بعدك إنها حق يكون «ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ» سيعرفون خلافته وولايته، إذ يسألون عنها في قبورهم، فلا يبقى ميت في شرق ولا غرب ولا في بر ولا في بحر إلا ومنكر ونكیر يسألانه عن ولاية أمیر المؤمنین بعد الموت، يقولان للميت: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ ومن إمامك؟)(1).

فمن ينكر حق الإمامة كأنما أنكر حق النبوة كون الإمامة امتداد للرسالة السماوية، فالأئمة خلفاء الله بعد الرسل، قال تعالى: «وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا»(2).

جاء في تفسیر القمي انها نزلت في القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله وقوله «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ....» ومثله كثیر مما تأويله بعد تنزيله)(3).

وعن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي بن أبي طالب (عليه السلام): يا علي، أنت مني بمنزلة هبة الله من آدم، وبمنزلة سام من نوح، وبمنزلة إسحاق من إبراهيم، وبمنزلة هارون من موسى، وبمنزلة شمعون من عيسى، إلا أنه لا نبي بعدي، يا علي، أنت وصيي وخليفتي، فمن جحد وصيتك وخلافتك فليس مني ولست

ص: 117


1- بحار الأنوار، ج 6، ص 216
2- النور: 55
3- تفسير القمي، ج 1، ص 15

منه، وأنا خصمه يوم القيامة)(1).

وعن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده (عليهم السلام)،قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) خليفة الله وخليفتي، وحجة الله وحجتي، وباب الله وبابي، وصفي الله وصفيي، وحبيب الله وحبيبي، وخليل الله وخليلي، وسيف الله وسيفي، وهو أخي وصاحبي ووزيري ووصيي، محبه محبي، ومبغضه مبغضي، ووليه وليي، وعدوه عدوي، وحربه حربي وسلمه سلمي، وقوله قولي، وأمره أمري، وزوجته ابنتي، وولده ولدي، وهو سيد الوصيین، وخیر أمتي)(2).

***

ص: 118


1- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 101
2- المصدر نفسه، ص 271

المبحث الرابع:

(اختصاصه بأول من آمن بالنبي (صلى الله عليه وآله) وأول مصدق)

من الأمور الاخرى التي اختص بها أمیر المؤمنین (عليه السلام) هو إيمانه وتصديقه (عليه السلام) بالنبي، فهو أول من صدق برسول الله (صلى الله عليه وآله) وبما جاء به لذا لُقِّب بالصديق الأكبر.

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) خذوا بحجزة هذا الأنزع يعني عليا فإنه الصديق الأكبر وهو الفاروق يفرق بین الحق والباطل...)(1).

وعن عباد بن عبد الله، عن علي (عليه السلام) أنه قال: (أنا عبد الله وأخو رسوله وأنا الصديق الاكبر، لا يقولها بعدي إلا كذاب، صليت قبل الناس بسبع سنين)(2).

ومن خطبة للإمام الحسن (عليه السلام) لما أجمع في صلح معاوية قال: (.....

فكان أبي (عليه السلام) أول من استجاب لله (تعالى)، ولرسوله (صلى الله عليه وآله) وأول من آمن وصدق الله ورسوله، وقد قال الله (تعالى) في كتابه المنزل على نبيه المرسل: (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه «فرسول الله الذي على

ص: 119


1- بصائر الدرجات، ص 73، وفي تكملة الحديث يقول ص: (من أحبه هداه الله ومن أبغضه أضله الله ومن تخلف عنه محقه الله ومنه سبطا أمتي الحسن والحسین هما ابناي ومن الحسین أئمة الهدى أعطاهم الله فهمي وعلمي فأحبوهم وتولوهم ولا تتخذوا وليجة من دونهم فيحل عليكم غضب من ربكم ومن يحلل عليه غضب من ربه فقد هوى وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور.)
2- الخصال، الشيخ الصدوق، ص 402، ح 110

بينة من ربه، وأبي الذي يتلوه، وهو شاهد منه.

وقد قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حین أمره أن يسیر إلى مكة والموسم ببراءة (سر بها يا علي، فإني أمرت أن لا يسیر بها إلا أنا أو رجل مني، وأنت هو يا علي)، فعلي من رسول الله، ورسول الله منه، وقال له نبي الله (صلى الله عليه وآله)، حین قضى بينه وبین أخيه جعفر بن أبي طالب (عليها السلام)، ومولاه زيد بن حارثة في ابنة حمزة: (أما أنت يا علي فمني وأنا منك، وأنت ولي كل مؤمن بعدي)، فصدق أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) سابقا ووقاه بنفسه، ثم لم يزل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، في كل موطن يقدمه، ولكل شديدة يرسله ثقة منه وطمأنينة إليه، لعلمه بنصيحته لله ورسوله (صلى الله عليه وآله)، وإنه أقرب المقربین من الله ورسوله، وقد قال الله (عز وجل): «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ»(1)، وكان أبي سابق السابقين إلى الله (عز وجل) وإلى رسوله (صلى الله عليه وآله)، وأقرب الأقربین، فقد قال الله (تعالى): «لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً»(2)، فأبي كان أولهم إسلاما وإيمانا، وأولهم إلى الله ورسوله هجرة ولحوقا وأولهم على وجده ووسعه نفقة، قال (سبحانه): «وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ»(3)، فالناس من جميع الأمم يستغفرون له بسبقه إياهم الايمان بنبيه (صلى الله عليه وآله)، وذلك أنه لم يسبقه إلى الايمان أحد، وقد قال الله (تعالى): «وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ

ص: 120


1- الواقعة: 10 - 11
2- الحديد: 10
3- الحشر: 10

بِإِحْسَانٍ»(1)، فهو سابق جميع السابقين، فكما أن الله (عز وجل) فضل السابقين على المتخلفین والمتأخرين، فكذلك فضل سابق السابقين على السابقين، وقد قال الله (عز وجل): «أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ»(2)، (فكان أبي المؤمن بالله واليوم الآخر) والمجاهد في سبيل الله حقا، وفيه نزلت هذه الآية)(3).

وفي خطبة القاصعة يبیّن الإمام أنه أول المصدقین برسول الله بقوله (عليه السلام): (وَلَقَدْ کُنْتُ مَعَهُ (صلی الله علیه و آله) لَمَّا أَتَاهُ الْمَلأُ مِنْ قُرَیْش فَقَالُوا لَهُ یَا مُحَمَّدُ إِنَّکَ قَدِ ادَّعَیْتَ عَظِیماً لَمْ یَدَّعِهِ آبَاؤُکَ وَلاَ أَحَدٌ مِنْ بَیْتِکَ وَنَحْن نَسْأَلُکَ أَمْراً إِنْ أَجَبْتَنَا إِلَیْهِ وَأَرَیْتَنَاهُ عَلِمْنَا أَنَّکَ نَبِیٌّ وَرَسُولٌ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ عَلِمْنَا أَنَّکَ سَاحِرٌ کَذَّابٌ فَقَالَ (صلی الله علیه و آله) وَمَا تَسْأَلُونَ قَالُوا تَدْعُو لَنَا هذِهِ الشَّجَرَهَ حَتَّی تَنْقَلِعَ بِعُرُوقِهَا وَتَقِفَ بَیْنَ یَدَیْکَ فَقَالَ (صلی الله علیه و آله) إِنَّ اللهَ عَلَی کُلِّ شَیء قَدِیرٌ فَإنْ فَعَلَ اللهُ لَکُمْ ذلِکَ أَتُوْمِنُونَ وَتَشْهَدُونَ بِالْحَقِّ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَإنِّی سَأُرِیکُمْ مَا تَطْلُبُونَ وَإِنِّی لأَعْلَمُ أَنَّکُمْ لاَ تَفِیئُونَ إِلَی خَیْر وَإِنَّ فِیکُمْ مَنْ یُطْرَحُ فِی الْقَلِیبِ وَمَنْ یُحَزِّبُ الْأَحْزَابَ ثُمَّ قَالَ (صلی الله علیه و آله) یَا أَیَّتُهَا الشَّجَرَهُ إِنْ کُنْتِ تُؤْمِنِینَ بِاللهِ وَالْیَوْمِ الْآخِرِ وَتَعْلَمِینَ أَنِّی رَسُولُ اللهِ فَانْقَلِعِی بِعُرُوقِکَ حَتَّی تَقِفِی بَیْنَ یَدَی بِإذْنِ اللهِ وَ الَّذِی بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لاَنْقَلَعَتْ بِعُرُوقِهَا وَجَاءَتْ وَلَهَا دَوِیٌّ شَدِیدٌ وَقَصْفٌ کَقَصْفِ أَجْنِحَهِ الطَّیْرِ حَتَّی وَقَفَتْ بَیْنَ یَدَی رَسُولِ اللهِ صلی الله علیه و آله مُرَفْرِفَهً وَأَلْقَتْ بِغُصْنِهَا الْأَعْلَی عَلَی رَسُولِ اللهِ (صلی الله علیه و آله) وَبِبَعْضِ أَغْصَانِهَا عَلَی

ص: 121


1- التوبة: 100
2- التوبة: 19
3- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 562 - 564

مَنْكِبِي وَ كُنْتُ عَنْ يَمِينِهِ (صلی الله علیه و آله) فَلَامَّ نَظَرَ اَلْقَوْمُ إِلَی ذَلِكَ قَالُوا عُلُوّاً وَاِسْتِكْبَاراً فَمُرْهَا فَلْيَأْتِكَ نِصْفُهَا وَ يَبْقَى نِصْفُهَا فَأَمَرَهَا فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ نِصْفُهَا كَأَعْجَبِ إِقْبَالٍ وَ أَشَدِّهِ دَوِيّاً فَكَادَتْ تَلْتَفُّ؟ بِرَسُولِ اَللهِ صلى الله عليه وآله، فَقَالُوا كُفْراً وَعُتُوّاً فَمُرْ هَذَا اَلنِّصْفَ فَلْيَرْجِعْ إِلَی نِصْفِهِ كَماَ كَانَ فَأَمَرَهُ (صلى الله عليه وآله) فَرَجَعَ، فَقُلْتُ أَنَا لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله فَإِنِّی أَوَّلُ مُؤْمِنٍ بِكَ يَا رَسُولَ اَللهِ وَأَوَّلُ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ اَلشَّجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأَمْرِ اَللهِ تَعَالَی تَصْدِيقاً بِنُبُوَّتِكَ وَإِجْاَلاً لِكَلِمَتِكَ فَقَالَ اَلْقَوْمُ كُلُّهُمْ بَلْ ساحِرٌ كَذَّاب عَجِيبُ اَلسِّحْرِ خَفِيفٌ فِيهِ وَهَلْ يُصَدِّقُكَ فِی أَمْرِكَ إِلاَّ مِثْلُ هَذَا يَعْنُونَنِي)(1).

ففي هذا المبحث سنبيّن ايان علي واختلافه عن سائر الناس في التصديق بما جاء به النبي محمد صلى الله عليه وآله واختصاصه بسيما الصديقین وذلك بعدة مسائل:

***

ص: 122


1- نهج البلاغة خطبة القاصعة: 192، تحقيق صبحي الصالح

المسألة الأولى: (المعجزة وآثارها في البلاغ والاحتجاج)

اشارة

إن لفظ المعجزة لم ترد بالقرآن وإنما وردت بعدة ألفاظ ومنها:

1- آية:

قال تعالى: «وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ»(1).

وقال تعالى: «سَلْ بَنِی إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ»(2).

وقال تعالى: «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِی إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا»(3).

2- بينة:

وقال تعالى: «يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»(4).

3- برهان:

اشارة

قال تعالى: «وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ»(5).

ص: 123


1- يس: 33
2- البقرة: 211
3- الاسراء: ص 101
4- الأعراف: 73
5- يوسف: 24

وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا»(1).

فكل نبي له معجزة خاصة يثبت بها صدق نبوته وكونها خارقة للعادة فلا يأتي بها إلا من كان قريباً من الله ومؤمناً بقدرته وقد عرف العلماء المعجزة بأنها: (أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، مع عدم المعارضة)(2).

قال تعالى: «إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ»(3).

فهذه الآيات لا يستطيع الإتيان بها إلا الأنبياء والرسل والحجج الأطهار (عليهم السلام) كونهم حجج الله على العباد، فبهذه المعجزات والآيات والبراهین يثبت الله صدق نبوتهم وحجتهم ويبیّن للناس منزلتهم وعظيم شأنهم.

والله سبحانه وتعالى حينما يظهر المعجزة إنما يريد بذلك تأييد رسله وإحقاق الحق لتكون العباد على بينة، فمن آمن بما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله)، فقد هداه الله ومن جحد ذلك أكبّه الله في نار جهنم، عن أبي بصیر قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)، لأي علة اعطى الله عز وجل أنبياءه ورسله وأعطاكم المعجزة؟ فقال: (ليكون دليلا على صدق من أتى به والمعجزة علامة لله لا يعطيها إلا أنبياءه

ص: 124


1- النساء: 174
2- الالهيات، ج 3، ص 69
3- المائدة: 110

ورسله وحججه ليعرف به صدق الصادق من كذب الكاذب)(1).

وبما أن الأنبياء بشر كبقية الناس فحينما يأتون بالنبوة والسفارة الالهية يطلب البعض منهم آية أو بينة تثبت صدق ما يدعون فتكون هذه الآية حجة عليهم، قال تعالى: «مَا أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ»(2)، وقد يتقدم النبي في بيان أمر لكي يثبت صدق كلامه كما أراد النبي يوسف (عليه السلام) في بيان تأويل الرؤية، قال تعالى: «قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ»(3)، فهذا إخبار عن الغيب وهو احد المعاجز.

ومثلها بادر النبي موسى (عليه السلام) ليثبت لهم صدق دعواه وقد حكي عنه سبحانه، بقوله تعالى: «وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ»(4).

وإن كان القرآن الكريم هو أقوى معجزات النبي إلا أن النبي أراهم معجزات اخرى وكثیرة فلو تمعنا في هذه الخطبة جيداً نجد فيها مجموعة من المعاجز وليس معجزة واحدة ومنها:

ص: 125


1- علل الشرائع، ج 1، ص 122، ح 1، (باب 100 - علة المعجزة)
2- الشعراء: 154
3- يوسف: 37
4- الأعراف: 104 - 106
أ- قلع الشجرة من عروقها:

طلبوا من النبي أن يقلع هذه الشجرة من عروقها ففعل لهم ما طلبوه وهي معجزة عجيبة وعظيمة حيث لبت الشجرة أمر نبيها وأتته طائعة وهذا ما بينه الإمام بقوله: (يَا أَيَّتُهَا اَلشَّجَرَةُ إِنْ كُنْتِ تُؤْمِنِینَ بِاللهِ وَاَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَتَعْلَمِینَ أَنِّی رَسُولُ اَللَّهِ فَانْقَلِعِي بِعُرُوقِكِ حَتَّى تَقِفِي بَیْنَ يَدَيَّ بِإِذْنِ اَللَّهِ وَاَلَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لاَنْقَلَعَتْ بِعُرُوقِهَا وَجَاءَتْ وَلَهَا دَوِيٌّ شَدِيدٌ وَقَصْفٌ كَقَصْفِ أَجْنِحَةِ اَلطَّیْرِ حَتَّى وَقَفَتْ بَیْنَ يَدَيْ رَسُولِ اَللِّهَ (صلى الله عليه وآله) مُرَفْرِفَةً وَأَلْقَتْ بِغُصْنِهَا اَلْآَعْلَى عَلىَ رَسُولِ اَللِّهَ (صلى الله عليه وآله) وَبِبَعْضِ أَغْصَانِهَا عَلىَ مَنْكِبِي وَكُنْتُ عَنْ يَمِينِهِ (صلى الله عليه وآله فَلَماَّ نَظَرَ اَلْقَوْمُ إِلَی ذَلِكَ قَالُوا عُلُوّاً وَاِسْتِكْبَاراً) فهذه الشجرة أثبتت أنها مؤمنة بالله وبرسوله بتلبيتها لكلام النبي (صلى الله عليه وآله) حيث أتته بمجرد أن خاطبها وهي تدوي ولها صوت كصوت أجنحة الطیر ولعل هذا الدوي هو تسبيحها، فوقفت بین يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول الامام (عليه السلام): (..وَقَفَتْ بَیْنَ يَدَيْ رَسُولِ اَللَّهِ صلى الله عليه وآله مُرَفْرِفَةً وَأَلْقَتْ بِغُصْنِهَا اَلْأَعْلىَ عَلىَ رَسُولِ اَللِّهَ (صلى الله عليه وآله) وَبِبَعْضِ أَغْصَانِهَا عَلىَ مَنْكِبِي وَكُنْتُ عَنْ يَمِينِهِ (صلى الله عليه وآله).

يقول العلامة التستري (وكان ذلك شاهد إمامته (عليه السّلام)، كما لنبوّته (صلى الله عليه و آله)، ولمّا قال (عليه السّلام): ما أحد من قريش جرت عليه المواسي إلاّ نزلت فيه آية. قيل له: فأيّ آية نزلت فيك؟ قال: قوله تعالى: «أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ...»(1)، محمّد على بيّنة من ربّه، و أنا شاهد

ص: 126


1- سورة هود، الآية 17

منه تاليه)(1).

فكما اعترفت الشجرة بنبوته (صلى الله عليه وآله وسلم) كذلك أقرت بولاية أمیر المؤمنین، وليست هذه أول شجرة تلبي دعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتشهد أنه نبي وأن علياً وصيه وخليفته، فقد جاء في تفسیر الامام العسكري عن شهادة الشجرة، قال علي بن محمد صلوات الله عليها: وأما دعاؤه (صلى الله عليه وآله)، الشجرة: فان رجلا من ثقيف كان أطب الناس يقال له:

الحارث بن كلدة الثقفي، جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: يا محمد جئت لأداويك من جنونك، فقد داويت مجانین كثیرة فشفوا علي يدي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا حارث أنت تفعل أفعال المجانین، وتنسبني إلى الجنون؟! قال الحارث: وماذا فعلته من أفعال المجانین؟ قال (صلى الله عليه وآله): نسبتك إياي إلى الجنون من غیر محنة منك ولا تجربة، ولا نظر في صدقي أو كذبي.

فقال الحارث: أوليس قد عرفت كذبك وجنونك بدعواك النبوة التي لا تقدر لها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): وقولك لا تقدر لها، فعل المجانین، لأنك لم تقل: لم قلت كذا؟ ولا طالبتني بحجة، فعجزت عنها.

فقال الحارث: صدقت أنا أمتحن أمرك بآية أطالبك بها، إن كنت نبيا فادع تلك الشجرة، وأشار لشجرة عظيمة بعيد عمقها، فإن أتتك علمت أنك رسول الله وشهدت لك بذلك وإلا فأنت ذلك المجنون الذي قيل لي.

فرفع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده إلى تلك الشجرة، وأشار إليها: أن

ص: 127


1- بهج الصباغة، ج 2، ص 354

تعالي: فانقلعت الشجرة بأصولها وعروقها، وجعلت تخد في الأرض أخدودا عظيما كالنهر حتى دنت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوقفت بین يديه، ونادت بصوت فصيح: ها أنا ذا يا رسول الله صلى الله عليك ما تأمرني؟ فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): دعوتك لتشهدي لي بالنبوة بعد شهادتك لله بالتوحيد ثم تشهدي بعد شهادتك لي لعلي (عليه السلام) هذا بالإمامة، وأنه سندي وظهري وعضدي وفخري وعزي، ولولاه ما خلق الله عز وجل شيئا مما خلق.

فنادت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنك يا محمد عبده ورسوله، أرسلك بالحق بشیرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منیرا، وأشهد أن عليا ابن عمك هو أخوك في دينك وأوفر خلق الله من الدين حظا، وأجزلهم من الاسلام نصيبا، وأنه سندك وظهرك وقامع أعدائك، وناصر أوليائك وباب علومك في أمتك، وأشهد أن أولياءك الذين يوالونه ويعادون أعداءه حشو الجنة، وأن أعداءك الذين يوالون أعداءه ويعادون أولياءه حشو النار.

فنظر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إلى الحارث بن كلدة فقال: يا حارث أو مجنونا يعد من هذه آياته؟ فقال الحارث بن كلدة: لا والله يا رسول الله، ولكني أشهد أنك رسول رب العالمین، وسيد الخلق أجمعین، وحسن إسلامه)(1).

نعود إلى المعجزة التي ذكرها الامام علي (عليه السلام) في هذه الخطبة محل الشاهد، فكل هذه الآيات والبينات وهذا الاعجاز العظيم إلا أن القوم لم يؤمنوا، فقال (عليه السلام) متحدثاً عن قولهم: (فَلَماَّ نَظَرَ اَلْقَوْمُ إِلَی ذَلِكَ قَالُوا: عُلُوّاً وَاِسْتِكْبَاراً، فَمُرْهَا فَلْيَأْتِكَ نِصْفُهَا وَيَبْقَى نِصْفُهَا، فَأَمَرَهَا فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ نِصْفُهَا

ص: 128


1- تفسير الامام العسكري (عليه السلام) ص 168، ح 83

كَأَعْجَبِ إِقْبَالٍ وَأَشَدِّهِ دَوِيّاً فَكَادَتْ تَلْتَفُّ بِرَسُولِ اَللِّهَ (صلى الله عليه وآله) فَقَالُوا كُفْراً وَعُتُوّاً فَمُرْ هَذَا اَلنِّصْفَ فَلْيَرْجِعْ إِلَی نِصْفِهِ كَماَ كَانَ فَأَمَرَهُ (صلى الله عليه وآله) فَرَجَعَ فَقُلْتُ أَنَا لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله فَإِنِّی أَوَّلُ مُؤْمِنٍ بِكَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ وَأَوَّلُ مَنْ أَقَرَّ بِأَنَّ اَلشَّجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأَمْرِ اَللَّهِ تَعَالَی تَصْدِيقاً بِنُبُوَّتِكَ وَإِجْلاَلاً لِكَلِمَتِكَ، فَقَالَ اَلْقَوْمُ كُلُّهُمْ بَلْ ساحِرٌ كَذَّاب عَجِيبُ اَلسِّحْرِ خَفِيفٌ فِيهِ وَهَلْ يُصَدِّقُكَ فِی أَمْرِكَ إِلاَّ مِثْلُ هَذَا يَعْنُونَنِي).

فشق لهم النبي هذه الشجرة إلى نصفین فنصف بقى في مكانه ونصف أتاه بأشد دوي، فلم يؤمن بالنبي ومعجزته ولم يصدقه أحد من القوم سوى أمیر المؤمنین (عليه السلام) واتهموا النبي بأنه ساحر؛ فكل نبي يأتي بمعجزة إلا واتهموه بالسحر والكذب، وأقروا بلسانهم أنه لم يصدق النبي إلا علي بقولهم (وَهَلْ يُصَدِّقُكَ فِی أَمْرِكَ إِلاَّ مِثْلُ هَذَا يَعْنُونَنِي).

وفي (خبر ركانة) وفيه من الآية، كان ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف أشد قريش وأقواهم، فخلا يوما برسول الله (صلى الله عليه وآله) في شعاب مكة فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا ركانة ألا تتقي الله وتقبل ما أدعوك إليه، فقال له ركانة اني لو أعلم الذي تقول حقا لأتبعتك قال:

فقال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) أفرأيت إن صرعتك أتعلم ان ما أقول حق قال نعم قال: فقم حتى أصارعك فقام ركانة إليه فلما بطش به رسول الله (صلى الله عليه وآله) أضجعه لا يملك من نفسه شيئا فقال ركانة وقد عجب من ذلك عد يا محمد فعاد فصرعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) دفعة أخرى، فاستعظم ذلك وقال يا محمد، إن ذا العجب فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأعجب من ذلك إن شئت أن أريكه ان اتقيت الله واتبعت أمري، قال ما هو قال أدعو

ص: 129

لك هذه الشجرة التي ترى فتأتيني قال فادعها فدعاها فأقبلت حتى وقفت بین يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال لها ارجعي إلى مكانك فرجعت حتى وقفت فذهب ركانة إلى قومه فقال يا بني عبد مناف ساحروا بصاحبكم أهل الأرض فوالله ما رأيت أسحر منه قط ثم أخبرهم بالذي رأى والذي صنع)(1).

فإيمان علي وتصديقه بالنبي يختلف عن جميع الناس ولا يقاس به أحد من الخلق، فقد شاهد لرسول الله (صلى الله عليه وآله) كثیراً من المعاجز وكان متيقناً بها، عن عباد قال: سمعت عليا (عليه السلام) يقول: (لقد رأيتني أدخل معه - يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم - الوادي فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال:

السلام عليك يا رسول الله، وأنا أسمعه)(2).

فكل هذه الأحاديث الواردة عن لسان النبي (صلى الله عليه وآله) والآيات الصریحة بأحقيته عليه السلام إلا أنهم أنكروا فضائله وقرابته من رسول الله، لذا كان يذكرهم بهذه القرابة القريبة وهذه المنزلة الخصيصة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويذكرهم بأسبقيته في الاسلام ومواقفه المشرفة التي شهد لها الله ورسوله والمؤمنون وحتى المعاندين كانوا يقرّون بأسبقيته إلا إن حسدهم أوصلهم إلى هذا الحد من العناد والتعصب.

ب- اخبارهم بالغيبيات:

لو تمعنّا في هذه الخطبة جيداً لوجدنا أن الامام (عليه السلام) يذكر في هذه الخطبة عدة معاجز للنبي وليس معجزة واحدة قال (عليه السلام): (فَإِنِّی سَأُرِيكُمْ

ص: 130


1- كنز الفوائد، ابن فتح الكراجكي، ص 94
2- أعلام الورى بأعلام الهدى، الشيخ الطبرسي، ج 1، ص 104

مَا تَطْلُبُونَ وَإِنِّی لَأَعْلَمُ أَنَّكُمْ لاَ تَفِيئُونَ إِلَی خَیْرٍ وَأَنَّ فِيكُمْ مَنْ يُطْرَحُ فِی اَلْقَلِيبِ وَمَنْ يُجَزِّبُ اَلْأَحْزَابَ). فقوله ما تطلبون يعني قلع الشجرة وهي المعجزة الظاهرة، أما المعاجز الاخرى التي بيّنها الإمام (عليه السلام) هو إخبارهم ببعض الغيبيات ومنها أنهم لا يؤمنون به ولوا فعل لهم أي شيء حتى وإن رأوا المعجزة بأعينهم فهذا إخبار عن الغيب وهو أحد المعاجز العظيمة، وكذلك أخبرهم أن منهم من هو هالك يوم بدر بقوله: (وَأَنَّ فِيكُمْ مَنْ يُطْرَحُ فِی اَلْقَلِيبِ) وأخبرهم أيضاً أن منهم من يحزّب الاحزاب.

قال العلامة التستري في شرحه «... وإنّی لأعلم أنّكم لا تفيئون».

أي: لا ترجعون «إلى خیر» ولا تكون لكم عاقبة حسنى، فيقتل منهم طائفة، ويطرحون في بئر بدر، وطائفة تبقى، وتحزّب الأحزاب عليه كما يأتي، هو من معجزاته الإخباريّة، أخبرهم أنّهم مع أن يريهم (صلى الله عليه وآله) البيّنات لا يذعنون للإيمان، ويقاتلون معه، وهي كثیرة يعقد لها باب بل يصنّف لها كتاب، ومنها قوله صلى الله عليه وآله لمّا قال لعمّه العبّاس بعد أسره: افد نفسك وابني أخويك، يعني: عقيلا ونوفلا، فقال: ليس لي مال: أين المال الّذي وضعته عند أمرأتك أمّ الفضل حین خرجت، وليس معكما أحد، ثمّ قلت لها: إن أصبت في سفري هذا فللفضل كذا، ولعبد الله كذا؟ فقال: والّذي بعثك بالحقّ نبيّا ما علم بهذا أحد غيرها، وإنّ لأعلم أنّك رسول الله. ففدى نفسه بمائة أوقية وكل واحد بمائة أوقية.

وفي (عيون ابن قتيبة): قالت عائشة: خطب النبيّ صلى الله عليه وآله امرأة من كلب، فبعثني أنظر إليها، فقال لي: كيف رأيت؟ فقلت: ما رأيت طائلا.

فقال: بل رأيت بخدّها خالا، اقشعرّ منه كلّ شعرة منك على حده. فقلت: ما

ص: 131

دونك ستر(1).

ومن تلك الأخبار أخبار قطعية سمّوها أعلام النبوّة، منها قوله صلى الله عليه و آله في أمر الجمل لعايشة: «تنبحك كلاب الحوأب»(2)، و للزبیر: «تقاتل عليّا وأنت ظالم»(3)، وفي أمر صفین لعمّار: «تقتلك الفئة الباغية»(4).

وخبر عمّار صار سببا لتزلزل أهل الشام و لا سيما لذي الكلاع الحمیري عن رؤسائهم، لأنّه سمعه من عمرو بن العاص في أيّام عمر بن الخطاب، فزجر معاوية عمرا لروايته الخبر، فقال له عمرو: أنا يوم رويت الخبر أيّام عمر لم أعلم بحدوث صفین، وأنّ عمارا يقاتلنا، فاضطرّ معاوية إلى خدعة أهل الشام لخفّة عقولهم بأن قال لهم: إنّما قتل عمّارا عليّ حيث جاء به إلى حربنا، و قال لذي الكلاع حيث جدّ في ذلك، وجمع بین عمرو وعمّار: إنّ عمّارا يرجع إلينا أخیرا فقتل ذو الكلاع قبل عمّار، فسرّ معاوية بذلك كثیرا، وقال: لو كان ذو الكلاع حيّا، و يقتل عمّار لأفسد عليّ كثیراً من أهل الشام.

ثمّ من الغريب في هذا الخبر أنّ قاتل عمار أبا الغادية أيضا رواه فقال: سمعت النبيّ صلى الله عليه و آله يقول: لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض فإنّ الحقّ يومئذ لمع عمّار. رواه لكلثوم بن جبیر فتعجّب كلثوم من قتله له مع نقله ما نقل، فقال كلثوم: ما رأيت شيخا أضلّ منه، قتله لأنّه سمعه يقع في

ص: 132


1- عيون الأخبار لابن قتيبة، ج 4، ص 20
2- مسند أحمد، ج 6، ص 97؛ مروج الذهب، المسعودي، ج 2، ص 357
3- كنز العمال، المتقي الهندي، ج 11، ص 340
4- صحيح مسلم، ج 8، ص 186

عثمان مع سماعه من النبيّ صلى الله عليه وآله ما سمع.

نقل ذلك ابن قتيبة في (معارفه) وابن عبد البرّ في (استيعابه وغيرهما، والعجب من عجبهم من تناقض مذهبهم و ثباتهم فيه، فإنّ لازم كون عثمان إمامهم الثالث، وعدم إباحة دمه مع اعتقاد جمهور المسلمين غیر الأموية يوم قتله إباحته وجوب قتل عمّار لنسبته عثمان إلى اليهودية، وتحريضه على قتله، وإن كان النبيّ صلى الله عليه وآله قال ما قال، ثمّ إنّ عائشة والزبیر وإن كان علما بالفطرة الإنسانية بطلان أمرهما، وأحقّية أمیر المؤمنین عليه السّلام وسمعا ما لا يحصى من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فيه عليه السّلام من المناقب، إلاّ أنّه لم يكن لها اعتقاد قلبي بكلام النبيّ صلى الله عليه وآله حتّى رأيا هاتین الآيتین البينتین، فتأثرا قهرا، فأرادت عايشة الرجوع، فمنعها ابن أختها ابن الزبیر، ورجع الزبیر ولم يبال بتعنيفات ابنه)(1).

فقوله عليه السلام: (وإنّ فيكم من يطرح في القليب).

القليب: البئر(2)، وأشار الامام (عليه السلام) بكلامه هذا أن من الموجودين الذين لم يقروا بهذه المعجزة سوف يبقون على ضلالتهم فمنهم من يطرح في بئر بدر.

فكل ما أخبرهم به النبي في ذلك الوقت قد حدث يوم بدر، جاء في كتاب المغازي: (أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) يوم بدر بالقليب أن تغور ثم أمر بالقتلى فطرحوا فيها كلهم إلا أمية بن خلف فإنه كان مسمناً انتفخ من يومه

ص: 133


1- بهج الصباغة، ج 2، ص 349 - 350
2- العين، ج 5، ص 172، القليب عند العرب البئر العادية القديمة، مجمع البحرين، ج 2، ص 149

فلما أرادوا أن يلقوه تزايل لحمه فقال النبي (صلى الله عليه وسلّم): اتركوه، ونظر رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) إلى عتبة يجر إلى القليب وكان رجلاً جسيماً في وجهه أثر الجدري فتغیر وجه ابنه أبي حذيفة فقال له النبي (صلى الله عليه وسلّم):

يا أبا حذيفة كأنك ساءك ما أصاب أباك. قال: لا والله يا رسول الله ولكني رأيت لأبي عقلاً وشرفاً كنت أرجو أن يهديه الله إلى الإسلام فلما أخطأه ذلك ورأيت ما أصابه غاظني، قال أبو بكر: كان والله يا رسول الله أبقى في العشیرة من غیره وقد كان كارهاً لوجهه ولكن الحین ومصارع السوء! قال رسول الله (صلى الله عليه وسلّم): الحمد لله الذي جعل خد أبي جهل الأسفل وصرعه وشفانا منه! فلما توافوا في القليب وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) يطوف عليهم وهم مصرعون وأبو بكر يخبره بهم رجلاً رجلاً ورسول الله (صلى الله عليه وسلّم) يحمد الله ويشكره ويقول: الحمد لله الذي أنجز ما وعدني فقد وعدني إحدى الطائفتین، قال: ثم وقف رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) على أهل القليب فناداهم رجلاً رجلاً: يا عتبة بن ربيعة يا شيبة بن ربيعة ويا أمية بن خلف ويا أبا جهل بن هشام هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً.

بئس القوم كنتم لنبيكم كذبتموني وصدقني الناس وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني ونصرني الناس! قالوا: يا رسول الله تنادي قوماً قد ماتوا! قال رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) قد علموا أن ما وعدهم ربهم حق!)(1).

وجاء في مناقب آل أبي طالب وقف النبي (صلى الله عليه وآله) على قليب بدر فقال: بئس عشیرة الرجل كنتم لنبيكم كذبتموني وصدقني الناس وأخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني ونصرني الناس، ثم قال: هل وجدتم ما وعدكم ربكم

ص: 134


1- المغازي، الواقدي، ج 1، ص 111؛ شرح ابن ابي الحديد، ج 14، ص 177

حقا؟ فقد وجدت ما وعدني ربي حقا، ثم قال: انهم يسمعون ما أقول، فقال حسان:

يناديهم رسول الله لما *** قذفناهم كمألب في القليب ألم تجدوا حديثي كان حقاً *** وأمرُ الله يأخذُ بالقلوب(1).

وكذلك صنع علي بطلحة مثلما صنع رسول الله، ففي الاحتجاج، روي أنه (عليه السلام) لما مر على طلحة من بین القتلى قال اقعدوه فأقعد فقال: إنه كانت لك سابقة من رسول الله، لكن الشيطان دخل في منخريك فأوردك النار(2).

وروي أنه مر عليه فقال: هذا ناكث بيعتي، والمنشئ للفتنة في الأمة والمجلب علي الداعي إلى قتلي وقتل عترتي، أجلسوا طلحة: فأجلس. فقال أمیر المؤمنین: يا طلحة بن عبيد الله قد وجدت ما وعدني ربي حقا، فهل وجدت ما وعدك ربك حقا؟ ثم قال: أضجعوا طلحة! وسار فقال له بعض من كان معه: يا أمیر المؤمنين أتكلم طلحة بعد قتله؟ فقال أما والله سمع كلامي كما سمع أهل القليب كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم بدر.

وهكذا فعل (عليه السلام) بكعب بن شور القاضي، لما مر به قتيلا، وقال:

هذا الذي خرج علينا في عنقه مصحف، يزعم أنه ناصر أمه يدعو الناس إلى ما فيه، وهو لا يعلم ما فيه، ثم استفتح وخاب كل جبار عنيد، أما إنه دعا الله أن يقتلني فقتله الله)(3).

فهذه الخاصية موجودة عند علي أيضاً فهو يحدث الموتى كما كان النبي يفعل ذلك ويرى ما لا تراه الناس فهذه من صفات أولياء الله والمقربین الذين خصهم

ص: 135


1- مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 1، ص 55
2- الاحتجاج الشيخ الطبرسي، ج 1، ص 239
3- الاحتجاج، الشيخ الطبرسي، ج 1، ص 239

الله بعنايته ولطفه وعلمه.

أما قوله (عليه السلام): (ومنهم من يحزب الاحزاب) قال ابن ميثم البحراني، ومن يحزب الاحزاب كأبي سفيان، وعمرو بن عبد ودّ، وصفوان بن امية، وعكرمة بن أبي جهل)(1).

فهذه الأنباء إنما هي من أنباء الغيب التي لا يعلمها إلا الله وقد أنبأها لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) لتتم الحجة عليهم فكل هذا ولم يؤمنوا.

روي في (البحار) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقي في غزوة ذات الرقاع رجلا من محارب يقال له: عاصم، فقال له: يا محمد أتعلم الغيب؟ قال: لا يعلم الغيب إلا الله، قال: والله لجملي هذا أحب إلي من إلهك، قال: لكن الله أخبرنی من علم غيبه أنه تعالى يبعث عليك قرحة في مسبل لحيتك حتى تصل إلى دماغك فتموت والله إلى النار، فرجع فبعث الله قرحة فأخذت في لحيته حتى وصلت إلى دماغه، فجعل يقول: لله در القرشي إن قال بعلم أو زجر أصاب)(2).

(ومن معجزاته (صلى الله عليه وآله) أنه أخبر الناس بمكة بمعراجه وقال: آية ذلك أنه ند لبني فان في طريقي بعیر فدللتهم عليه، وهو الآن يطلع عليكم من ثنية كذا، يقدمها جمل أورق، عليه غرارتان: إحداهما سوداء والأخرى برقاء، فوجدوا الأمر على ما قال.

ومنها: أنه (صلى الله عليه وآله) رأى عليا (عليه السلام) نائما في بعض الغزوات في التراب، فقال: يا أبا تراب، ألا أحدثك بأشقى الناس أخي ثمود، والذي يضربك على هذا - ووضع يده على قرنه - حتى تبل هذه من هذا؟ وأشار إلى لحيته.

ومنها: أنه (صلى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام): تقاتل بعدي الناكثين

ص: 136


1- اختيار مصباح السالكين، ابن ميثم البحراني، ص 465
2- بحار الانوار، العلامة المجلسي، ج 18، ص 341، ح 28 . معجزاته في اخباره بالمغيبات

والقاسطين والمارقین، فكان كذلك.

ومنها: قوله لعمار: ستقتلك الفئة الباغية، وآخر زادك ضياح من لبن، فأتي عمار بصفین بلبن فشربه فبارز فقتل.

ومنها: أنه لما كانت قريش تحالفوا وكتبوا بينهم صحيفة ألا يجالسوا واحدا من بني هاشم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم محمدا ليقتلوه، وعلقوا تلك الصحيفة في الكعبة، وحاصروا بني هاشم في الشعب شعب عبد المطلب أربع سنين فأصبح النبي (صلى الله عليه وآله) يوما وقال لعمه أبي طالب: إن الصحيفة التي كتبتها قريش في قطيعتنا قد بعث الله عليها دابة فلحست كل ما فيها غیر اسم الله، وكانوا قد ختموها بأربعین خاتما من رؤساء قريش، فقال أبو طالب: يا ابن أخي أفأصير إلى قريش فأعلمهم بذلك؟ قال: إن شئت، فصار أبو طالب رضي الله عنه إليهم فاستبشروا بمصیره إليهم واستقبلوه بالتعظيم والاجلال، وقالوا: قد علمنا الآن أن رضى قومك أحب إليك مما كنت فيه، أفتسلم إلينا محمدا ولهذا جئتنا؟ فقال: يا قوم قد جئتكم بخبر أخبرنی به ابن أخي محمد، فانظروا في ذلك، فإن كان كما قال فاتقوا الله وارجعوا عن قطيعتنا، وإن كان بخلاف ما قال سلمته إليكم واتبعت مرضاتكم، قالوا وما الذي أخبرك؟ قال: أخبرنی أن الله قد بعث على صحيفتكم دابة فلحست ما فيها غیر اسم الله، فحطوها فإن كان الامر بخلاف ما قال سلمته إليكم، ففتحوها فلم يجدوا فيها شيئا غیر اسم الله فتفرقوا وهم يقولون: سحر سحر، وانرف أبو طالب رضي الله عنه)(1).

***

ص: 137


1- بحار الانوار، ج 18، ص 342، ح 33. باب معجزاته في اخباره (صلى الله عليه وآله) بالمغيبات

المسألة الثانية: إيمان علي (عليه السلام) بالنبي (صلى الله عليه وآله)

قوله عليه السلام: (إِنِّی أَوَّلُ مُؤْمِنٍ بِكَ يَا رَسُولَ الله).

فالإمام علي (عليه السلام) أول من آمن بالنبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) من الرجال، أما النساء فخديجة (عليها السلام)، عن عبد الرحمن بن ميمون، عن أبيه قال: (سمعت ابن عباس يقول: أول من آمن برسول الله (صلى الله عليه وآله) من الرجال علي (عليه السلام)، ومن النساء خديجة عليها السلام)(1).

وجاء في عيون أخبار الرضا عليه السلام قال النبي (صلى الله عليه وله): (علي أول من اتبعني وهو أول من يصافحني بعد الحق)(2).

فعمق ايمان علي لا يعرفه إلا الله ورسوله فهو القائل (لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا)، لذا أوصى به النبي (صلى الله عليه وآله) من بعده وأمر المسلمين باتباعه لأنه متيقن أن الإمام علي (عليه السلام) لا يدخلهم في ضلالة ولا يخرجهم من هدىً، فعن ابن عباس قال: (ستكون فتنة فإن أدركها أحد منكم فعليه بخصلتین: كتاب الله، وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) فإني سمعت نبي الله صلى الله عليه وآله يقول - وهو آخذ بيد علي (عليه السلام): هذا أول من

ص: 138


1- بحار الانوار، ج 16، ص 2، ح 2
2- عيون اخبار الرضا، ج 2، ص 65، ح 228

آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو فاروق هذه الأمة يفرق بین الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنین والمال يعسوب الظلمة، وإنه لهو الصديق الأكبر، وهو بابي الذي أوتى منه، وهو خليفتي من بعدي)(1).

وروي عن أبي سخيلة، قال: أتيت أبا ذر (رحمه الله) فقلت: يا أبا ذر، إني قد رأيت اختلافا، فبماذا تأمرني؟ قال: عليك بهاتین الخصلتین: كتاب الله، والشيخ علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه آله) يقول: هذا أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو الفاروق الذي يفرق بین الحق والباطل)(2).

فإيمان علي معروف لا ينكر وهذا متفق عليه عند جميع الطوائف ومن الادلة الواضحة على عمق ايمانه (عليه السلام) حينما اجتمع المشركون لقتل النبي (صلى الله عليه وآله) نام علي في فراشه فكان أول فدائي في الاسلام، عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: أما قوله: «ومن الناس من يري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد «فإنها أنزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) حین بذل نفسه لله ولرسوله ليلة اضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله لما طلبته كفار قريش)(3).

قال عمر (... سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (لو أن السماوات السبع والأرضین السبع وضعتا في كفة ووضع إيمان علي في كفة لرجح إيمان

ص: 139


1- معاني الاخبار، الشيخ الصدوق، ص 402
2- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 274، ح 5
3- العياشي، ج 1، ص 101، ح 292

علي)(1).

ومن الشواهد الأخرى التي جعلت جميع المسلمين يشهدون له حينما برز علي لعمرو بن ود العامري قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (... برز الايمان كله إلى الشرك كله وكان عمرو حينئذ يرتجز ويقول:

ولقد بححت من النداء بجمعكم هل من مبارز *** ووقفت إذ جبن الشجاع موقف الخصم المناجز *** اني كذلك لم أزل متسرعا نحو الهزاهز *** ان الشجاعة في الفتي والجود من كرم الغرائز *** فتقدم إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يقول:

لا تعجلن فقد اتاك مجيب صوتك غير عاجز *** ذو نية وبصيرة والصدق منجى كل فائز *** اني لأرجو ان تقوم عليك نائحة الجنائز *** من طعنة نجلاء يبقى ذكرها بين الهزاهز *** ثم جادله فما كان بأسرع من أن صرعه أمیر المؤمنین وجلس على صدره فلما همَّ أن يذبحه وهو يكبر الله ويحمده قال له عمرو يا علي قد جلست مني مجلسا عظيما فإذا قتلتني فلا تسلبني حلتي، فقال له أمیر المؤمنین صلى الله عليه وآله هي أهون علي من ذلك وذبحه وأتى برأسه وهو يتبختر في مشيته فقال عمر، ألا ترى يا رسول الله إلى علي كيف يتيه في مشيته فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنها مشية لا يمقتها الله في هذا المقام، ثم نهض رسول الله (صلى الله عليه وآله( إلى أمیر

ص: 140


1- الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 238، ح 14

المؤمنین (عليه السلام) فتلقاه ومسح الغبار عن عينيه فرمى الرأس بین يديه فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما منعك من سلبه، قال يا رسول الله خفت أن يلقاني بعورته، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) أبشر يا علي فلو وزن اليوم عملك بعمل جميع أمة محمد صلى الله عليه وآله لرجح عملك على عملهم وذلك أنه لم يبق بيت من المشركین إلا وقد دخله ذل من قتل عمرو ولم يبق بيت من المسلمين إلا وقد دخله عز بقتل عمرو فأنشا أمیر المؤمنین يقول:

نصر الحجارة من سفاهة رأيه *** ونصرت رب محمد بصواب)(1).

وقد جاء في بعض الروايات أن إيمان علي برسول الله (صلى الله عليه وآله)، كان قبل عالم الدنيا حينما أخذ الله الميثاق على نبوته (صلى الله عليه وآله)، فعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ان أمتي عرضت علي عند الميثاق وكان أول من آمن بي وصدقني علي وكان أول من آمن بي وصدقني حيث بعثت فهو الصديق الأكبر)(2).

وروي ايضاً عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه اللهم لقني إخواني مرتین فقال: من حوله من أصحابه أما نحن إخوانك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: لا إنكم أصحابي وإخواني قوم من آخر الزمان آمنوا بي ولم يروني لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم لأحدهم أشد بقية على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء أو كالقابض على جمر

ص: 141


1- كنز الفوائد، أبي الفتح الكراجكي، ص 137
2- بصائر الدرجات، ص 104

الغضا أولئك مصابيح الدجى ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة)(1).

فإن كانت شيعة أمیر المؤمنین أمنت بالنبي ولم تره فكيف بأميرهم وسيدهم الذي تربى بحجره، عن ابن عباس، قال: سمعت عمر بن الخطاب وعنده جماعة فتذاكروا السابقين إلى الاسلام يقول: أما علي بن أبي طالب فسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: فيه ثلاث خصال، لوددت أن لي واحدة منهن، وكانت أحب إلى مما طلعت عليه الشمس. وكنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة وجماعة من الصحابة، إذ ضرب النبي - عليه وآله السلام - يده على منكب علي عليه السلام فقال: يا علي أنت أول المؤمنین إيمانا، وأول المسلمين إسلاما، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى)(2).

وأشارت بعض الآيات إلى إيمان علي (عليه السلام) برسول الله صلى الله عليه وآله ومن هذه: قوله تعالى: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ»(3).

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: سمعت رسول الله يقول ليلة أسري بي إلى السماء قال لي الجليل جل جلاله آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه فقلت والمؤمنون فقال لي صدقت من خلّفت في أمتك قلت خيرها قال: علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قلت نعم يا رب قال: يا محمد (صلى الله عليه وآله)، اني

ص: 142


1- بصائر الدرجات، ص 104
2- الاربعون حديثاً، منتجب الدين بن بابويه، ص 21
3- البقرة: 285

اطلعت إلى الأرض اطلاعة اخترتك منها فشققت لك اسما من أسمائي، فلا أذكر في موضع إلا ذكرت معي، فأنا المحمود وأنت محمد ثم اطلعت ثانية واخترت منها عليا عليه السلام واشتققت له اسما من أسمائي، فأنا الاعلى وهو علي، يا محمد إني خلقتك وخلقت عليا وفاطمة والحسن والحسین والأئمة عليهم السلام من ولده من نوري وعرضت ولايتكم على أهل السماوات والأرض فمن قبلها كان عندي من المؤمنین ومن جحدها كان من الكافرين، يا محمد لو أن عبدا من عبادي عبدني حتى يصیر كالشن البالي، ثم أتاني جاحدا لولايتكم ما غفرت له حتى يقر بولايتكم، يا محمد (صلى الله عليه وآله) تحب أن تراهم؟ قلت نعم، فقال لي التفت إلى يمین العرش فالتفتُّ فإذا بعلي وفاطمة والحسن والحسین (وعلي بن الحسین) ومحمد بن عاي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والمهدي في ضحضاح من نور قيام يصلون وهو في وسطهم يعني المهدي كأنه كوكب دري وقال لي يا محمد هؤلاء الحجج وهو الثائر من عترتك وعزتي وجلالي انه الحجة الواجبة لأوليائي والمنتقم من أعدائي)(1).

وقال الشيخ جعفر كاشف الغطاء وقد روي من طرف أهل السنة في هذا المعنى أكثر من ستين حديثا كلها تشتمل على ذكر الاثني عشر وفي بعضها ذكر أسمائهم وكتبهم مملوءة من ذلك)(2).

***

ص: 143


1- كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء، الشيخ جعفر كاشف الغطاء، ج 1، ص 8
2- المصدر نفسه

المسألة الثالثة: (اختصاصه بسيماء الصديقين)

اشارة

قال أمیر المؤمنین (عليه السلام): (وَإِنِّی لِمَنْ قَوْمٍ لاَ تَأْخُذُهُمْ فِی اَللَّهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ سِيمَاهُمْ سِيمَا اَلصِّدِّيقِینَ وَكَلاَمُهُمْ كَلاَمُ اَلْأَبْرَارِ عُماَّرُ اَللَّيْلِ وَمَنَارُ اَلنَّهَارِ مُتَمَسِّكُونَ بِحَبْلِ اَلْقُرْآنِ يُحْيُونَ سُنَنَ اَللِّهَ وَ سُنَنَ رَسُولِهِ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ وَ لاَ يَعْلُونَ وَلاَ يَغُلُّونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ قُلُوبُهُمْ فِی اَلْجِنَانِ وَ أَجْسَادُهُمْ فِی اَلْعَمَلِ).

قد بیّن الامام في كلامه هذا عظيم شأنه ورفعة مقامه حيث خصه الله بسيماء لاتوجد إلا عند الأنبياء والأولياء والصديقین والشهداء والصالحین فهو امام البررة وقامع الكفرة قد جمع الله فيه جميع الخصال المحمودة التي حواها النبي محمد (صلى الله عليه وآله) فمن خلال كلامه عليه السلام سنذكر هذه الخصائص التي خصه الله بها بعدة نقاط:

أولاً: (وَ إِنِّی لَمِنْ قَوْمٍ لاَ تَأْخُذُهُمْ فِی اَللهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ)

فعلي (عليه السلام) من قوم يريدون رضا الخالق ولا يريدون رضا المخلوق، فإن كان هنالك عمل يرضي الله ويغضب الناس فهو يعمل بما يرضي الله ولا يبالي بما قيل عنه وإن كان الأمر يخص أقرب المقربین له، وقد شهد لعلي حتى مخالفوه بأنه لا يجامل على الحق، لذا لم يبقَ لعلي من المقربین إلا القليل كون علي مع الحق بل علي هو الحق وأغلب الناس تميل إلى الباطل وهذا ما حدّث به القرآن الكريم، قال تعالى: «وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ»(1).

ص: 144


1- المؤمنون: 70

وقد أكد بكلامه هذا أن هذه الآية نزلت بحقه وبحق أهل بيته وأصحابه، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ»(1).

جاء في تفسر الصافي «وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ»، عن الباقر والصادق (عليهما السلام) هم أمیر المؤمنین وأصحابه حتى قاتل من قاتله من الناكثین والقاسطين والمارقین، قال ويؤيد هذا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وصفه بهذه الصفات حین ندبه لفتح خيبر بعد أن رد عنها حامل الراية إليه مرة بعد أخرى وهو يجبن الناس ويجبنونه، لأعطین الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غیر فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه ثم أعطاها إياه، فأما الوصف باللین على أهل الإيمان والشدة على الكفار والجهاد في سبيل الله مع أنه لا يخاف لومة لائم فمما لا يمكن دفع علي عن استحقاق ذلك لما ظهر من شدته على أهل الشرك والكفر ونكايته فيهم ومقاماته المشهورة في تشييد الملة ونصرة الدين والرأفة بالمؤمنین، وعن أمیر المؤمنین (عليه السلام) أنه قال يوم البصرة والله ما قوتل أهل هذه الآية حتى اليوم وتلا هذه الآية، وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيحلئون(2) عن الحوض فأقول يا رب أصحابي أصحابي، فيقال لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى)(3).

ومن وصاياه لولده الحسن (عليهما السلام) قال: (وأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ تَكُنْ مِنْ

ص: 145


1- المائدة: 54
2- أي يصدون عنه الحوض ويمنعون من وروده، تاج العروس، ج 1، ص 139
3- التفسير الصافي، الفيض الكاشاني، ج 2، ص 43

أَهْلِه، وأَنْكِرِ الْمُنْكَرَ بِيَدِكَ ولِسَانِكَ، وبَايِنْ مَنْ فَعَلَه بِجُهْدِكَ، وجَاهِدْ فِی الله حَقَّ جِهَادِه، ولَا تَأْخُذْكَ فِی الله لَوْمَةُ لَائِمٍ)(1).

فالإمام (عليه السلام) يوصي أبنه بنيل رضى الله وأن يقدمه على رضا المخلوق، فعلي سلمٌ مع الحق وحرب مع الباطل.

ومن كتاب له أرسله إلى بعض عماله يبیّن فيه موقفه تجاهه قال (عليه السلام: (أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّ كُنْتُ أَشْرَكْتُكَ فِی أَمَانَتِي، وجَعَلْتُكَ شِعَارِي وبِطَانَتِي، ولَمْ يَكُنْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِي أَوْثَقَ مِنْكَ فِی نَفْسِيِ، لِمُوَاسَاتِی ومُوَازَرَتِی وأَدَاءِ الأَمَانَةِ إِلَّیَ، فَلَمَّا رَأَيْتَ الزَّمَانَ عَلىَ ابْنِ عَمِّكَ قَدْ كَلِبَ، والْعَدُوَّ قَدْ حَرِبَ وأَمَانَةَ النَّاسِ قَدْ خَزِيَتْ، وهَذِه الأُمَّةَ قَدْ فَنَكَتْ وشَغَرَتْ، قَلَبْتَ لِابْنِ عَمِّكَ ظَهْرَ الْمِجَنِّ، فَفَارَقْتَه مَعَ الْمُفَارِقِینَ وخَذَلْتَه مَعَ الْخَاذِلِینَ، وخُنْتَه مَعَ الْخَائِنِینَ، فَلاَ ابْنَ عَمِّكَ آسَيْتَ ولَا الأَمَانَةَ أَدَّيْتَ، وكَأَنَّكَ لَمْ تَكُنِ الله تُرِيدُ بِجِهَادِكَ، وكَأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ عَلىَ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكَ، وكَأَنَّكَ إِنَّماَ كُنْتَ تَكِيدُ هَذِه الأُمَّةَ عَنْ دُنْيَاهُمْ، وتَنْوِي غِرَّتَهُمْ عَنْ فَيْئِهِمْ، فَلَمَّا أَمْكَنَتْكَ الشِّدَّةُ فِی خِيَانَةِ الأُمَّةِ أَسْرَعْتَ الْكَرَّةَ، وعَاجَلْتَ الْوَثْبَةَ واخْتَطَفْتَ مَا قَدَرْتَ عَلَيْه مِنْ أَمْوَالِهِمُ، الْمَصُونَةِ لأَرَامِلِهِمْ وأَيْتَامِهِمُ، اخْتِطَافَ الذِّئْبِ الأَزَلِّ دَامِيَةَ الْمِعْزَى الْكَسِیرَةَ، فَحَمَلْتَه إِلَی الْحِجَازِ رَحِيبَ الصَّدْرِ بِحَمْلِه، غَیْرَ مُتَأَثِّمٍ مِنْ أَخْذِه، كَأَنَّكَ لَا أَبَا لِغَیْرِكَ، حَدَرْتَ إِلَی أَهْلِكَ تُرَاثَكَ مِنْ أَبِيكَ وأُمِّكَ، فَسُبْحَانَ الله أَمَا تُؤْمِنُ بِالْمَعَادِ، أَومَا تَخَافُ نِقَاشَ الْحِسَابِ، أَيُّهَا الْمَعْدُودُ كَانَ عِنْدَنَا مِنْ أُولِی الأَلْبَابِ، كَيْفَ تُسِيغُ شَرَاباً وطَعَاماً، وأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ تَأْكُلُ حَرَاماً وتَشْرَبُ حَرَاماً، وتَبْتَاعُ الإِمَاءَ وتَنْكِحُ النِّسَاءَ، مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى والْمَسَاكِينِ والْمُؤْمِنِینَ والْمُجَاهِدِينَ، الَّذِينَ

ص: 146


1- نهج البلاغة، 31 ومن وصية له (عليه السلام) للحسن بن علي (عليه السلام) - كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفین، ص 391

أَفَاءَ الله عَلَيْهِمْ هَذِه الأَمْوَالَ، وأَحْرَزَ بِهِمْ هَذِه الْبِلاَدَ، فَاتَّقِ الله وارْدُدْ إِلَی هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْوَالَهُمْ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ أَمْكَنَنِي الله مِنْكَ، لأُعْذِرَنَّ إِلَی الله فِيكَ، ولأَضْرِبَنَّكَ بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِه أَحَداً، إِلَّا دَخَلَ النَّارَ، ووَالله لَوْ أَنَّ الْحَسَنَ والْحُسَیْنَ فَعَلاَ مِثْلَ الَّذِي فَعَلْتَ، مَا كَانَتْ لَهُماَ عِنْدِي هَوَادَةٌ ولَا ظَفِرَا مِنِّي بِإِرَادَةٍ، حَتَّى آخُذَ الْحَقَّ مِنْهُماَ وأُزِيحَ الْبَاطِلَ عَنْ مَظْلَمَتِهِماَ، وأُقْسِمُ بِالله رَبِّ الْعَالَمِینَ، مَا يَسُرُّنِی أَنَّ مَا أَخَذْتَه مِنْ أَمْوَالِهِمْ حَلاَلٌ لِی، أَتْرُكُه مِيرَاثاً لِمَنْ بَعْدِي فَضَحِّ رُوَيْداً، فَكَأَنَّكَ قَدْ بَلَغْتَ الْمَدَى ودُفِنْتَ تَحْتَ الثَّرَى، وعُرِضَتْ عَلَيْكَ أَعْمَالُكَ بِالْمَحَلِّ، الَّذِي يُنَادِي الظَّالِمُ فِيه بِالْحَسْرَةِ، ويَتَمَنَّى الْمُضَيِّعُ فِيه الرَّجْعَةَ * (ولاتَ حِینَ مَناصٍ)(1).

فالإمام (عليه السلام) لا يجامل على حساب الحق، وهذا أحد عماله ومن المقربین حین علم أنه من أهل الدنيا وظالم لحقوق الناس أبعده وواعده الجزاء على ما اقترف من الظلم والتعدي على اموال الناس، وقد ضرب له مثلاً في أولاده بأن الحسن والحسین (عليهما السلام) لو أخطأوا مثلا أخطأ، لأقام عليهم الحد، وهذا دليل على عدالته، وكلامه (عليه السلام) فعل وليس بقول، فحينما أتاه عقيل وأراد أن يعطيه من بيت المال، قال (عليه السلام): (والله لأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّداً، أَوْ أُجَرَّ فِی الأَغْلاَلِ مُصَفَّداً، أَحَبُّ إِلَیَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى الله ورَسُولَه يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً، لِبَعْضِ الْعِبَادِ، وغَاصِباً لِشَيْءٍ مِنَ الْحُطَامِ، وكَيْفَ أَظْلِمُ أَحَداً لِنَفْسٍ يُسْرِعُ إِلَی الْبِلَى قُفُولُهَا، ويَطُولُ فِی الثَّرَى حُلُولُهَا، والله لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلاً وقَدْ أَمْلَقَ، حَتَّى اسْتَمَاحَنِي مِنْ بُرِّكُمْ صَاعاً، ورَأَيْتُ صِبْيَانَه شُعْثَ الشُّعُورِ غُبْرَ الأَلْوَانِ مِنْ فَقْرِهِمْ، كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ، وعَاوَدَنِی مُؤَكِّداً وكَرَّرَ عَلَيَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً، فَأَصْغَيْتُ إِلَيْه سَمْعِي فَظَنَّ أَنِّی أَبِيعُه دِينِي، وأَتَّبِعُ قِيَادَه مُفَارِقاً

ص: 147


1- نهج البلاغة، 41 ومن كتاب له (عليه السلام) إلى بعض عماله، ص 412

طَرِيقَتِي، فَأَحْمَيْتُ لَه حَدِيدَةً ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِه لِيَعْتَبِرَ بِهَا، فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَفٍ مِنْ أَلَمِهَا، وكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا، فَقُلْتُ لَه ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ يَا عَقِيلُ، أَتَئِنُّ مِنْ حَدِيدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِه، وتَجُرُّنِی إِلَی نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِه، أَتَئِنُّ مِنَ الأَذَى ولَا أَئِنُّ مِنْ لَظَى، وأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ طَارِقٌ طَرَقَنَا بِمَلْفُوفَةٍ فِی وِعَائِهَا، ومَعْجُونَةٍ شَنِئْتُهَا، كَأَنَّمَا عُجِنَتْ بِرِيقِ حَيَّةٍ أَوْ قَيْئِهَا، فَقُلْتُ أَصِلَةٌ أَمْ زَكَاةٌ أَمْ صَدَقَةٌ، فَذَلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَقَالَ لَا ذَا ولَا ذَاكَ ولَكِنَّهَا هَدِيَّةٌ، فَقُلْتُ هَبِلَتْكَ الْهَبُولُ أَعَنْ دِينِ الله أَتَيْتَنِي لِتَخْدَعَنِي، أَمُخْتَبِطٌ أَنْتَ أَمْ ذُو جِنَّةٍ أَمْ تَهْجُرُ، والله لَوْ أُعْطِيتُ الأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا، عَلىَ أَنْ أَعْصِيَ الله فِی نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُه، وإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِی فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا، مَا لِعَلِيٍّ ولِنَعِيمٍ يَفْنَى ولَذَّةٍ لَ تَبْقَى، نَعُوذُ بِالله مِنْ سُبَاتِ الْعَقْلِ وقُبْحِ الزَّلَلِ وبِه نَسْتَعِينُ).

فعقيل وما له من منزلة عظيمة في قلب الإمام إلا أنه لا مجاملة ولا قربى ولا عتب مع أمر يخص الدين، فإقامة الحدود واجب شرعي على الحاكم وعلي بن ابي طالب كان أهلا للحكم فقد ثبت في حكمه أنه لا تأخذه بالله لومة لائم ولا رأفة في دينه وقد طبق حكم الله على اخيه عقيل.

وروي في الطبري، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة قال لما أقبل علي بن أبي طالب من اليمن ليلقى رسول الله بمكة تعجل إلى رسول الله واستخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه فعمد ذلك الرجل فكسى رجالا من القوم حللا من البز الذي كان مع علي بن أبي طالب فلما دنا جيشه خرج علي ليلقاهم فإذا هم عليهم الحلل، فقال ويحك ما هذا؟ قال كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس، فقال ويلك انزع من قبل أن تنتهيب إلى رسول الله، قال فانتزع

ص: 148

الحلل من الناس وردها في البز وأظهر الجيش شكاية لما صنع بهم.. قال أبو سعيد الخدري: شكا الناس علي بن أبي طالب فقام رسول الله فينا خطيبا فسمعته يقول يا أيها الناس لا تشكوا عليا فوالله إنه لأخشن في ذات الله أو في سبيل الله)(1).

وفي قضية طلحة والزبیر حينما أتو الإمام علياً يريدان منه أن يسلمهم حكم البصرة والكوفة، قال عليه السلام: (والله مَا كَانَتْ لِی فِی اَلْخِلاَفَةِ رَغْبَةٌ وَلاَ فِی اَلْوَلاَيَةِ إِرْبَةٌ وَلَكِنَّكُمْ دَعَوْتُمُونِی إِلَيْهَا وَحَمَلْتُمُونِی عَلَيْهَا فَلَمَّا أَفْضَتْ إِلَّیَ نَظَرْتُ إِلَی كِتَابِ اَللَّهِ وَمَا وَضَعَ لَنَا وَأَمَرَنَا بِالْحُكْمِ بِهِ فَاتَّبَعْتُهُ وَمَا اِسْتَنَّ اَلنَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فَاقْتَدَيْتُهُ فَلَمْ أَحْتَجْ فِی ذَلِكَ إِلَی رَأْيِكُمَا وَلاَ رَأْيِ غَيْرِكُمَا وَلاَ وَقَعَ حُكْمٌ جَهِلْتُهُ فَأَسْتَشِرَكُمَا وَإِخْوَانِی مِنَ اَلْمَسْلِمِينَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ أَرْغَبْ عَنْكُمَا وَلاَ عَنْ غَيْرِكُمَا. وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمَا مِنْ أَمْرِ اَلْأُسْوَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ لَمْ أَحْكُمْ أَنَا فِيهِ بِرَأْيِي وَلاَ وَلِيتُهُ هَوًى مِنِّي بَلْ وَجَدْتُ أَنَا وَأَنْتُمَا مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم قَدْ فُرِغَ مِنْهُ فَلَمْ أَحْتَجْ إِلَيْكُمَا فِيمَا قَدْ فَرَغَ الله مِنْ قَسْمِهِ وَ أَمْضَى فِيهِ حُكْمَهُ فَلَيْسَ لَكُمَا والله عِنْدِي وَلاَ لِغَيْرِكُماَ فِی هَذَا عُتْبَى. أَخَذَ الله بِقُلُوبِنَا وَ قُلُوبِكُمْ إِلَی اَلْحَقِّ وَ أَلْهَمَنَا وَ إِيَّاكُمُ اَلصَّبْرَ)(2).

قال ابن ابي الحديد في شرحه:

قالا: ما نراه يستشیرنا في أمر ولا يفاوضنا في رأي ويقطع الأمر دوننا ويستبد بالحكم عنا وكانا يرجوان غیر ذلك وأراد طلحة أن يوليه البرة وأراد الزبیر أن يوليه الكوفة فلما شاهدا صلابته في الدين وقوته في العزم وهجره الإدهان والمراقبة

ص: 149


1- تاريخ الطبري، ج 2، ص 401 - 402
2- نهج البلاغة، الدكتور صبحي الصالح، الخطبة: 250، ص 405

ورفضه المدالسة والمواربة وسلوكه في جميع مسالكه منهج الكتاب والسنة، وقد كانا يعلمان ذلك قديما من طبعه وسجيته وكان عمر قال لهما ولغيرهما إن الأجلح إن وليها ليحملنكم على المحجة البيضاء والراط المستقيم وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قبل قال وإن تولوها عليا تجدوه هاديا مهديا «إلا أنه ليس الخبر كالعيان، ولا القول كالفعل ولا الوعد كالإنجاز، وحالا عنه وتنكرا له ووقعا فيه وعاباه وغمصاه وتطلبا له العلل والتأويلات وتنقما عليه الاستبداد وترك المشاورة وانتقلا من ذلك إلى الوقيعة فيه بمساواة الناس في قسمة المال وأثنيا على عمر وحمدا سیرته وصوبا رأيه وقالا إنه كان يفضل أهل السوابق)(1).

وروي في «البحار» أنهما طلبا منه أن يوليهما المصرين البصرة والكوفة فقال:

حتى أنظر، ثم لم يولهما فأتياه فاستأذناه للعمرة، فقال: «ما العمرة تريدان» فحلفا له بالله ما الخلاف عليه ولا نكث بيعته يريدان وما رأيهما غیر العمرة قال لهما: فأعيدا البيعة لي ثانيا فأعاداها بأشد ما يكون من الإيمان والمواثيق فأذن لها، فلما خرجا من عنده قال لمن كان حاضرا: والله لا ترونهما إلا في فئة يقتتلان فيها. قالوا:

يا أمیر المؤمنین فمر بردهما عليك، قال: ليقضي الله أمرا كان مفعولا. فلما خرجا إلى مكة لم يلقيا أحدا إلا وقالا له: ليس لعلي في أعناقنا بيعة وإنما بايعناه مكرهین. فبلغ عليا قولهما فقال: أبعدهما الله وأغرب دارهما أما والله لقد علمت أنهما سيقتلان أنفسهما أخبث مقتل ويأتيان من وردا عليه بأشأم يوم والله ما العمرة يريدان ولقد أتياني بوجهي فاجرين ورجعا بوجهي غادرين ناكثین، والله لا يلقيانني بعد اليوم إلا في كتيبة خشناء يقتلان فيها أنفسهما فبعدا لهما وسحقا)(2).

ص: 150


1- شرح ابن ابي الحديد ج 11، ص 11
2- بحار الانوار، العلامة المجلسي، ج 32، ص 6. ح 1، الباب الاول باب بيعة أمیر المؤمنین عليه السلام وما جرى بعدها من نكث الناكثین إلى غزوة الجمل

ثانياً: (سيمَاهُمْ ِسيمَا اَلصِّدِّيقِينَ):

إن للصديقین سيماء تظهر بوجههم وبأفعالهم قد ميزهم الله وخصهم بفضله قال تعالى: «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا»(1)، ومن هو أصدق من علي وقد قال عنه النبي محمد (صلى الله عليه وآله) علي الصديق الاكبر، جاء في تفسیر القمي، قال (النبيین) رسول الله (صلى الله عليه وآله)، و(الصديقین) علي (عليه السلام) والشهداء الحسن والحسین (عليهما السلام)، والصالحین الأئمة، وحسن أولئك رفيقا، القائم من آل محمد عليهم السلام)(2).

وعنه (صلى الله عليه وآله): (الصديقون ثلاثة: علي بن أبي طالب، وحبيب النجار، ومؤمن آل فرعون)(3).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (أعينونا بالورع، فإنه من لقي الله عز وجل منكم بالورع كان له عند الله فرجا، وإن الله عز وجل يقول: «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا» فمنّا النبي ومنّا الصديق والشهداء والصالحون)(4).

فاستحقاق لقب الصديق من الله لا ينسب إلا لمن يستحق، فهؤلاء الطيبون الذين اختارهم الله هم أكثر الناس تصديقاً بدعوات أنبيائهم وساندوهم ودفعوا

ص: 151


1- النساء: 69
2- تفسير القمي، ج 1، ص 143
3- البرهان في تفسير القرآن، ج 4، ص 573، ح 4
4- الكافي، ج 2، ص 78، ح 12

عنهم المكاره، لذا نالوا هذا اللقب وكان عليٌ افضلهم لكثرة مواقفه ودفعه عن النبي (صلى الله عليه وآله) كثیراً من المخاطر، لذا نال الأولوية على جميع الخلق.

فالصديقون هم الذين عملوا جاهدين لنصرة دين الله فلقبوا بهذا اللقب، قال تعالى:«وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ»(1)، فحزقيل كان يتبع اسلوب التقية ولم يظهر ايمانه لأسباب من أهمّها هو كشف نوايا العدو، فلولا وجوده جنب فرعون لخفيت عن موسى هذه المؤامرة فأسرع إلى موسى فأخبره بما يريد فرعون فساعده بالهروب.

وعنه (صلى الله عليه وآله) قال: (الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل يس الذي يقول: اتبعوا المرسلين، اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون، وحزقيل مؤمن آل فرعون، وعلي بن أبي طالب، وهو أفضلهم)(2).

وجاء في تفسر القمي (كان خازن فرعون مؤمنا بموسى قد كتم إيمانه ستمائة سنة وهو الذي قال الله فيه: «وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ» وبلغ فرعون خبر قتل موسى الرجل فطلبه ليقتله فبعث المؤمن إلى موسى «إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ» فخرج منها)(3).

وقوله تعالى: «وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ *

ص: 152


1- القصص: 20
2- البرهان في تفسير القرآن، ج 4، ص 573
3- تفسير القمي، ج 2، ص 137

«اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ»(1).

عن الإمام الصادق (عليه السلام): (قال نزلت في حبيب النجار إلى قوله (وجعلني من المكرمین)(2)، وقال الصادق (عليه السلام) لابن جندب (... والله لقد كان حبيب النجار وحده، يا ابن جندب، كل الذنوب مغفورة سوى عقوق أهل دعوتك)(3).

أما علي فهو الصديق الأكبر وهذا تصريح من النبي والفاروق الذي يفرق بین الحق والباطل.

عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام)، قال: (هبط على النبي (صلى الله عليه وآله) ملك له عشرون ألف رأس، فوثب النبي (صلى الله عليه وآله) ليقبل يده، فقال له الملك: مهلا مهلا يا محمد، فأنت والله أكرم على الله من أهل السماوات وأهل الأرضین أجمعین، والملك يقال له محمود، فإذا بین منكبيه مكتوب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي الصديق الأكبر، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): حبيبي محمود، منذ كم هذا مكتوب بین منكبيك؟ قال: من قبل أن يخلق الله آدم باثني عشر ألف عام)(4).

وجاء في كتاب خصائص الوحي (الصديق ينقسم ثلاثة أقسام: صديق يكون نبيا، وصديق يكون إماما، وصديق يكون عبدا صالحا، لا نبي ولا إمام، ومما يدل

ص: 153


1- يس: 20 - 21
2- تفسير القمي، ج 2، ص 214
3- تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله) ابن شعبة الحراني، ص 303
4- البرهان في تفسير القرآن، ج 5، ص 291، ح 6

على كون الصديق نبيا هو قوله تعالى: «واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا» وقوله تعالى: «يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ» وكل نبي صديق وليس كل صديق نبيا، وما يدل على كون الصديق إماما قوله تعالى: «أولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيین والصديقین والشهداء والصالحین»، فذكر سبحانه وتعالى النبيین، ثم ثنى بذكر الصديقین لأنه ليس بعد النبيین في الذكر أخص من الأئمة، فدل هذا الكلام من الوحي العزيز والخبر الصحيح على وجوب إمامة مولانا أمير المؤمنین قول النبي صلى الله عليه وآله: «الصديقون ثلاثة: حبيب وحزقيل وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو أفضلهم» فلما شركهما معه في لفظة «الصديق» أراد إفراده عنهما با لا يكون لهما وهي الإمامة فقال صلى الله عليه وآله: وهو أفضلهم تنبيها على وجوب إمامته واتباعه)(1).

فالله سبحانه وتعالى جعل سيماهم في وجوههم، فمن رآهم عرف أنهم مع الحق، فهم الذين صدقوا بما جاء من عند الله، قال تعالى: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا»(2).

روى المسعودي في (مروجه) في قصة الجمل عن المنذر بن الجارود قال: لمّا قدم علي (عليه السلام) البصرة دخل ممّا يلي الطف فأتى الزاوية فخرجت أنظر إليه، فورد موكب في نحو ألف فارس يقدمهم فارس على فرس أشهب، عليه

ص: 154


1- خصائص الوحي المبين، ابن البطريق، ص 201
2- الفتح: 29

قلنسوة وثياب بيض، متقلد سيفا معه راية، واذا تيجان القوم الأغلب عليها البياض والصفرة، مدجّجین بالحديد والسلاح، فقلت: من هذا؟ فقيل، أبو أيوب الأنصاري صاحب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهؤلاء الأنصار، ثم تلاهم فارس آخر عليه عمامة صفراء، وثياب بيض، متقلّد سيفا، متنكب قوسا، معه راية على فرس أشقر في نحو ألف فارس، فقلت: من هذا؟ فقيل: خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين، ثم مرّ بنا فارس آخر على كميت معتمّ بعمامة صفراء من تحتها قلنسوة بيضاء، وعليه قباء أبيض مصقول، متقلد سيفا، متنكّب قوسا، في نحو ألف فارس ومعه راية، فقلت: من هذا؟ فقيل: أبو قتادة بن ربعي، ثم مرّ بنا فارس آخر على فرس أشهب عليه ثياب بيض، وعمامة سوداء قد سدلها بین يديه، ومن خلفه، شديد الأدمة، على سكينة ووقار، رافع صوته بقراءة القرآن، متقلد سيفا، متنكّب قوسا، معه راية بيضاء في ألف من الناس مختلفي التيجان، حوله مشيخة وكهول وشبان كأن قد أوقفوا للحساب، عليهم أثر السجود قد أثّر في جباههم، فقلت: من هذا؟ فقيل: عمار بن ياسر في عدّة من الصحابة من المهاجرين والأنصار وأبنائهم، ثم مرّ بنا فارس على فرس أشقر، عليه ثياب بيض وقلنسوة بيضاء، وعمامة صفراء، متنكب قوسا، متقلد سيفا، تخطّ رجلاه في الارض، في الف من الناس الغالب على تيجانهم الصفرة والبياض معه راية صفراء، قلت: من هذا؟ قيل: قيس بن سعد بن عبادة في الأنصار وأبنائهم، وغيرهم من قحطان ثم مرّ بنا فارس على فرس أشهل ما رأينا احسن منه، عليه ثياب بيض، وعمامة سوداء قد سدلها بین يديه، بلواء. قلت: من هذا؟ قيل: هو عبد الله بن عباس في عدّة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه و آله وسلم، ثم أقبلت المواكب والرايات يقدم بعضها بعضا واشتبكت الرماح.

ص: 155

ثم ورد موكب فيه خلق من الناس عليهم السلاح والحديد مختلفوا الرايات في أوّله راية كبیرة يقدمهم رجل كأنّما كسر وجبر، نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى فوق، كانّما على رؤوسهم الطیر، وعن ميمنته شاب حسن الوجه، وعن ميسرته شاب حسن الوجه. قلت: من هؤلاء؟ قيل: هذا علي بن أبي طالب، وهذان الحسن والحسین عن يمينه وشماله، وهذا محمّد بن الحنفية بین يديه معه الراية العظمى، وهذا الّذي خلفه عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وهؤلاء ولد عقيل، وغيرهم من فتيان بني هاشم، وهؤلاء المشايخ أهل بدر من المهاجرين والانصار فساروا حتى نزلوا المعروف بالزاوية. فصلّى علي عليه السلام أربع ركعات، وعفّر خدّيه على التراب وقد خالط ذلك دموعه ثم رفع يديه يدعو: (اللهمّ ربّ السماوات وما أظلّت، والأرضین وما أقلّت، ورب العرش العظيم، هذه البصرة أسألك من خيرها، وأعوذ بك من شرّها، اللهم أنزلنا فيها خیر منزل، وأنت خیر المنزلین، اللهم هؤلاء القوم قد خلعوا طاعتي، وبغوا علي ونكثوا بيعتي، اللهم احقن دماء المسلمين).

قال: وبعث إليهم من يناشدهم الله في الدماء وقال: «علام تقاتلوني؟» فأبوا إلاّ الحرب فبعث رجلا من أصحابه يقال له مسلم معه مصحف يدعوهم إلى الله فرموه بسهم فقتل....)(1).

ص: 156


1- مروج الذهب ومعادن الجوهر، المسعودي، ج 2، ص 361

ثالثاً: (وَ كَلاَمُهُمْ كَلاَمُ اَلْأَبْرَارِ):

(البر: خلاف العقوق، والمبّرة مثله، تقول: بررت والدي بالكسر، أبرّه برّا، فأنا برّ به وبار وجمع البر أبرار، وجمع البار البررة وفلان يبرّ خالقه ويتبرره، أي يطيعه والام برة بولدها وبر فلان في يمينه، أي صدق وبر حجه، وبر حجه، وبر الله حجه)(1).

قال الامام الصادق (عليه السلام) لحفص: (... فاز والله الابرار أتدري من هم؟ هم الذين لا يؤذون الذر...)(2).

قال تعالى: «إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا»(3)، قال الحسن بن مهران في حديثه: فوثب النبي (صلى الله عليه وآله) حتى دخل منزل فاطمة (عليها السلام) فرأى ما بهم فجمعهم، ثم انكب عليهم يبكي ويقول: أنتم منذ ثلاث فيما أرى، وأنا غافل عنكم! فهبط جبرئيل (عليه السلام) بهذه الآيات (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجیرا)، قال: هي عن في دار النبي (صلى الله عليه وآله) تفجر إلى دور الأنبياء والمؤمنین (يوفون بالنذر) يعني عليا وفاطمة والحسن والحسین (عليهم السلام)(4).

وجاء في تفسر قوله تعالى: «كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ» وهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)

ص: 157


1- الصحاح، ج 2، ص 588
2- تفسير القمي، ج 2، ص 146
3- الإنسان: 5
4- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 333

وأمیر المؤمنین وفاطمة والحسن والحسین والائمة عليهم السلام)(1).

فالأبرار هم الذين أطاعوا الله بالقول والفعل، فهم لا ينطقون إلا بما يرضي الله، وما ينفع الناس والحافظین لحدوده يأمرون الناس بالمعروف وينهونهم عن المنكر الذين مأ الله صحيفتهم بالخیر وحسن التوفيق، قال تعالى: «كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ»(2).

جاء في تفسر الأمثل، إن (الأبرار): هم أصحاب النفوس الزكية الأبية الطاهرة، ومعتنقي العقائد الصائبة، والذين لا يعملون إلا ما فيه الخیر والصلاح، و(المقربون): هم الذين لهم مقام القربة عند الله عز وجل.

فبیّن الأبرار والمقربین عموم وخصوص مطلق، حيث كل المقربین أبرار، وليس كل الأبرار مقربين.

وروي عن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) أنه قال: (كلما في كتاب الله عز وجل من قوله: (إن الأبرار) فوالله ما أراد به إلا علي بن أبي طالب وفاطمة وأنا والحسنين).

ومما لا يشوبه شك، أن الخمسة الطيبة، تلك الأنوار القدسية، وهي أفضل مصاديق الأبرار والمقربین)(3).

ص: 158


1- تفسير القمي، ج 2، ص 411
2- المطففين: 18 - 22
3- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ناصر مكارم الشيرازي، ج 20 ص 39

وعن زيد بن ثابت قال، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: علي ابن أبي طالب قائد البررة وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، الشاك في علي هو الشاك في الاسلام، وخیر من أخلّف بعدي وخیر أصحابي علي، لحمه لحمي ودمه دمي وأبو سبطي، ومن صلب الحسین يخرج الأئمة التسعة، ومنهم مهدي هذه الأمة)(1).

فمعنى قوله (عليه السلام): (كَلاَمُهُمْ كَلاَمُ اَلْأَبْرَارِ) توضحه كتبه ورسائله لعماله التي تبیّن رعايته للناس وحبه لعمل الخیر، فمن رسالة كتبها للأشتر النخعي لما ولاّه على مصر وأعمالها في عهد خلافته قال (عليه السلام): (...ثُمَّ اعْلَمْ يَا مَالِكُ، أَنِّی قَدْ وَجَّهْتُكَ إِلَی بِلاَدٍ قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ، مِنْ عَدْلٍ وجَوْرٍ، وأَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ، فِی مِثْلِ مَا كُنْتَ تَنْظُرُ فِيه مِنْ أُمُورِ الْوُلَاةِ قَبْلَكَ، ويَقُولُونَ فِيكَ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِيهِمْ، وإِنَّمَاَ يُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحینَ، بِمَا يُجْرِي الله لَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ عِبَادِه، فَلْيَكُنْ أَحَبَّ الذَّخَائِرِ إِلَيْكَ ذَخِیرَةُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَامْلِكْ هَوَاكَ وشُحَّ بِنَفْسِكَ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَكَ، فَإِنَّ الشُّحَّ بِالنَّفْسِ الإِنْصَافُ مِنْهَا فِيمَا أَحَبَّتْ أَوْ كَرِهَتْ وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ واللُّطْفَ بِهِمْ، ولَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِی الدِّينِ، وإِمَّا نَظِیرٌ لَكَ فِی الْخَلْقِ...)(2).

ص: 159


1- بحار الانوار، ج 36، ص 318، ح 168؛ كفاية الأثر، الخزاز القمي، ص 97
2- نهج البلاغة، من كتاب له (عليه السلام) كتبه للأشتر النخعي، ص 426

رابعاً: (عُمَّارُ اَللَّيْلِ، وَ مَنَارُ اَلنَّهَارِ):

قوله (عليه السلام): (عُمَّارُ اَللَّيْلِ) فهم يعمرون الليل بالصلاة والدعاة والمناجاة، جاء في تفسر القمي عن قوله تعالى: «أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْأَخِرَةَ» نزلت في أمیر المؤمنین علي بن ابي طالب عليه السلام)(1).

وروى الشيخ الصدوق رحمه الله في الأمالي عن الأصبغ بن نباتة، قال: دخل ضرار بن ضمرة النهشلي على معاوية بن أبي سفيان، فقال له: صف لي عليا قال: أو تعفيني فقال: لا، بل صفه لي..... فقال له ضرار: رحم الله عليا، كان والله طويل السهاد، قليل الرقاد، يتلو كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار، ويجود لله بمهجته، ويبوء إليه بعبرته، لا تغلق له الستور، ولا يدخر عنا البدور، ولا يستلين الاتكاء، ولا يستخشن الجفاء، ولو رأيته إذ مثل في محرابه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وهو قابض على لحيته، يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، وهو يقول: يا دنيا، إليّ تعرضت، أم إليّ تشوقت، هيهات هيهات لا حاجة لي فيك، أبنتك ثلاثا لا رجعة لي عليك، ثم يقول: واه واه لبعد السفر، وقلة الزاد، وخشونة الطريق، قال: فبكى معاوية، وقال: حسبك يا ضرار، كذلك كان والله علي، رحم الله أبا الحسن)(2).

قال تعالى: «أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»(3).

ص: 160


1- تفسير القمي، ج 2، ص 246
2- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 724، ح 2
3- الزمر: 9

عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: «آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه» قال: يعني صلاة الليل قال: قلت له: «وأطراف النهار لعلك ترضى» قال: يعني تطوع بالنهار، قال: قلت له: «وإدبار النجوم» قال: ركعتان قبل الصبح قلت: «وإدبار السجود» قال: ركعتان بعد المغرب)(1).

ودخل أبو جعفر (عليه السلام) على أبيه زين العابدين (عليه السلام) فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد، فرآه قد اصفر لونه من السهر ورمصت(2) عيناه من البكاء ودبرت جبهته وورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة، فقال أبو جعفر (عليه السلام): فلم أملك حین رأيته بتلك الحالة من البكاء فبكيت رحمة له، وكان يفكر فالتفت إلي بعد هنيئة من دخولي فقال: يا بني: أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي (عليه السلام)، فأعطيته فقرأ فيها يسیرا ثم تركها من يده تضجرا وقال: من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب (عليه السلام)(3).

وبما أن السيدة زينب بنت علي (عليهما السلام) هي سليلة هذه الدوحة العلوية فلا عجباً أن تصلي ليلة عاشوراء صلاة الليل فهم عمار الليل وهذه تنطبق عليهم، عن ابن أبي الخطاب، عن محمد بن سنان، عن المفضل قال: سمعت مولاي الصادق (عليه السلام)، يقول: كان فيما ناجى الله عز وجل به موسى بن عمران (عليه السلام) أن قال له: يا ابن عمران كذب من زعم أنه يحبني فإذا جنّه الليل نام عني، أليس كل محب يحب خلوة حبيبه؟ ها أنا ذا يا ابن عمران مطلع على أحبائي إذا جنّهم الليل حولت أبصارهم من قلوبهم، ومثّلت عقوبتي بین أعينهم،

ص: 161


1- الكافي، ج 3، ص 444، ح 11
2- بالكسر من باب تعب، فالرجل أرمص والمرأة رمصاء، مجمع البحرين، ج 4، ص 172
3- مكارم الاخلاق، الشيخ الطبرسي، ص 318

يخاطبوني عن المشاهدة، ويكلموني عن الحضور، يا ابن عمران هب لي من قلبك الخشوع ومن بدنك الخضوع، ومن عينيك الدموع في ظلم الليل وادعني فإنك تجدني قريبا مجيبا)(1).

وفي وصفه (عليه السلام) لأصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)، قال (عليه السلام): (لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ (صلى الله عليه وآله)، فَمَا أَرَى أَحَداً يُشْبِهُهُمْ مِنْكُمْ، لَقَدْ كَانُوا يُصْبِحُونَ شُعْثاً غُبْراً، وقَدْ بَاتُوا سُجَّداً وقِيَاماً، يُرَاوِحُونَ بَیْنَ جِبَاهِهِمْ وخُدُودِهِمْ، ويَقِفُونَ عَلَى مِثْلِ الْجَمْرِ مِنْ ذِكْرِ مَعَادِهِمْ، كَأَنَّ بَیْنَ أَعْيُنِهِمْ رُكَبَ الْمِعْزَى، مِنْ طُولِ سُجُودِهِمْ، إِذَا ذُكِرَ الله هَمَلَتْ أَعْيُنُهُمْ، حَتَّى تَبُلَّ جُيُوبَهُمْ، ومَادُوا كَمَا يَمِيدُ الشَّجَرُ يَوْمَ الرِّيحِ الْعَاصِفِ، خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ ورَجَاءً لِلثَّوَابِ)(2).

وقوله (عليه السلام): (وَمَنَارُ اَلنَّهَارِ).

المَنار: العَلَم وما يوضع بین الشيئين من الحدود، والمَنار: جمع منارة، وهي العلامة تجعل بین الحدّين، ومَنار الحرم: أَعلامه التي ضربها إِبراهيم الخليل، على نبينا عليه الصلاة والسلام، على أَقطار الحرم ونواحيه وبها تعرف حدود الحَرَم من حدود الحِلِّ، والميم زائدة)(3).

فعلي وذريته عليهم أفضل الصلاة والسلام هم أعلام الدين تستضيء بنورهم الناس كما تضيء الشمس النهار، قال أبو عبد الله (عليه السلام): )إن الله خلقنا

ص: 162


1- الأمالي الشيخ الصدوق، ص 438
2- نهج البلاغة، الخطبة: 97، ص 143
3- لسان العرب، ج 5، ص 241

فأحسن صورنا وجعلنا عينه في عباده ولسانه الناطق في خلقه ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة ووجهه الذي يؤتى منه وبابه الذي يدل عليه وخزانه في سمائه وأرضه، بنا أثمرت الأشجار وأينعت الثمار، وجرت الأنهار وبنا ينزل غيث السماء وينبت عشب الأرض، وبعبادتنا عُبِدَ الله ولولا نحن ما عُبِدَ الله)(1).

فهم من أضاء ضمائر العباد بنور الولاية وهم من أخرج الناس من ظلمات الجهل إلى نور العلم والمعرفة، قال تعالى: «أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»(2).

روي في الأمالي للشيخ الصدوق رحمه الله (سمع رجل من التابعین أنس بن مالك يقول: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه، قال الرجل: فأتيت عليا لأنظر إلى عبادته، فأشهد بالله لقد أتيته وقت المغرب فوجدته يصلي بأصحابه المغرب، فلما فرغ منها جلس في التعقيب إلى أن قام إلى عشاء الآخرة، ثم دخل منزله فدخلت معه، فوجدته طول الليل يصلي ويقرأ القرآن إلى أن طلع الفجر، ثم جدد وضوءه وخرج إلى المسجد وصلى بالناس صلاة الفجر، ثم جلس في التعقيب إلى أن طلعت الشمس، ثم قصده الناس فجعل يختصم إليه رجلان، فإذا فرغا قاما واختصم آخران، إلى أن قام إلى صلاة الظهر، قال: فجدد لصلاة الظهر وضوءه ثم صلى بأصحابه الظهر، ثم قعد في التعقيب إلى أن صلى بهم العصر، ثم أتاه الناس، فجعل يقوم رجلان ويقعد آخران يقضي بينهم ويفتيهم إلى أن غابت

ص: 163


1- الكافي، ج 1، ص 144، ح 5
2- الزمر: 9

الشمس، فخرجت وأنا أقول: أشهد بالله أن هذه الآية نزلت فيه)(1).

فالله سبحانه وتعالى فضَّل القائمین على القاعدين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويساعدون الناس ويقضون حوائجهم، فمثل هؤلاء لهم أجرهم في الدنيا والآخرة، روى زرارة بن أعین عن أبيه، عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام، قال: (كان علي عليه السلام إذا صلى الفجر لم يزل معقبا إلى أن تطلع الشمس، فإذا طلعت اجتمع إليه الفقراء والمساكين وغيرهم من الناس، فيعلمهم الفقه والقرآن، وكان له وقت يقوم فيه من مجلسه ذلك، فقام يوما فمر برجل، فرماه بكلمة هجر - قال: لم يسمه محمد بن علي عليه السلام - فرجع عوده على بدئه حتى صعد المنبر، وأمر فنودي: الصلاة جامعة! فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه ثم قال: أيها الناس، إنه ليس شيء أحب إلى الله ولا أعم نفعا من حلم إمام وفقهه، ولا شيء أبغض إلى الله ولا أعم ضررا من جهل إمام وخرقه، ألا وإنه من لم يكن له من نفسه واعظ لم يكن له من الله حافظ، ألا وإنه من أنصف من نفسه لم يزده الله إلا عزا، ألا وإن الذل في طاعة الله أقرب إلى الله من التعزز في معصيته، ثم قال: أين المتكلم آنفا؟ فلم يستطع الانكار، فقال: ها أنذا يا أمیر المؤمنین، فقال: أما إني لو أشاء لقلت، فقال: إن تعف وتصفح، فأنت أهل ذلك، قال، قد عفوت وصفحت، فقيل لمحمد بن علي عليه السلام: ما أراد أن يقول؟ قال: أراد أن ينسبه)(2).

وعن الإمام الباقر (عليه السلام) في خبر انه رجع عليه السلام إلى داره في وقت القيظ، وإذا امرأة قائمة تقول: إن زوجي ظلمني وأخافني، وتعدى علي، وحلف

ص: 164


1- الأمالي، ص 356، ح 15
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 4، ص 110

ليضربني، فقال (عليه السلام): يا أمة الله اصبري حتى يبرد النهار، ثم اذهب معك إن شاء الله، فقالت: يشتد غضبه وحرده علي، فطأطأ رأسه ثم رفعه، وهو يقول: لا والله أو يؤخذ للمظلوم حقه غیر متمتع، أين منزلك؟ فمضى إلى بابه، فوقف فقال: السلام عليك، فخرج شاب، فقال علي عليه السلام: يا عبد الله اتق الله فإنك قد أخفتها وأخرجتها، فقال الفتى: وما أنت وذاك؟ لأحرقتها لكلامك، فقال أمیر المؤمنین عليه السلام: آمرك بالمعروف، وأنهاك عن المنكر وتستقبلني بالمنكر وتنكر المعروف؟ قال: فأقبل الناس من الطرق، ويقولون: السلام عليك يا أمیر المؤمنین، فسقط الرجل في يديه فقال: أقلني عثرتي، فوالله لأكونن لها أرضا تطأني، فأغمد علي سيفه وقال: يا أمة الله ادخلي منزلك، ولا تلجئي زوجك إلى مثل هذا وشبهه)(1).

خامساً: (مُتَمَسِّكُونَ بِحَبْلِ اَلْقُرْآنِ):

لأن القرآن حبل الله المتین بیّن الله فيه حلاله وحرامه وجميع الأمور التي تخص العباد، ومنافع الدنيا والآخرة فمن تمسك بهذا الحبل واستضاء بنوره نوّر الله قلبه بنور الايمان وأعطاه الله من الفضل والعلم ما تعجز الألسن أن تصفه، قال أمیر المؤمنین عليه السلام: (وإِنَّ الله سُبْحَانَه لَمْ يَعِظْ أَحَداً بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ، فَإِنَّه حَبْلُ الله الْمَتِنُ وسَبَبُه الأَمِینُ، وفِيه رَبِيعُ الْقَلْبِ ويَنَابِيعُ الْعِلْمِ، ومَا لِلْقَلْبِ جِلاَءٌ غَیرُه)(2).

وعن معاذ بن جبل، قال: كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سفر،

ص: 165


1- مناقب آل أبي طالب، ابن شهرآشوب، ج 1، ص 374
2- نهج البلاغة: الخطبة: 176، ص 254

فقلت: يا رسول الله حدثنا بما لنا فيه نفع، فقال: (إن أردتم عيش السعداء، وموت الشهداء، والنجاة يوم الحشر، والظل يوم الحرور، وآلهدى يوم الضلالة، فادرسوا القرآن، فإنه كلام الرحمن، وحرز من الشيطان، ورجحان في الميزان)(1).

وبما أن القرآن قد تجسد بشخص محمد (صلى الله عليه وآله) فهو العارف بما يحويه هذا الكتاب المقدس من أسرار وأحكام، فعلي (عليه السلام) أكثر انسان تمسك بحبل الله، اذ كان معه في شدته ورخائه وشاركه جميع الحروب ولم يفارقه حتى ارتحل لجوار ربه، فنال علي هذه المنزلة الخصيصة لتمسكه بالرسول الأكرم، وكذلك أهل بيت النبي عليهم السلام نالوا منزلة عظيمة عند الله لتمسكهم بكتاب الله حتى صاروا الثقل الثاني بعد القرآن، وقد أوصى بهم الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) كما أوصى بالقرآن، قال تعالى:«فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى»(2)، عن علي بن عبد الله قال سأله رجل عن قوله عز وجل: «فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى»، قال: من قال: بالأئمة واتبع أمرهم ولم يجز طاعتهم)(3).

وعن حذيفة بن أسيد الغفاري، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا حذيفة، إن حجة الله عليكم بعدي علي بن أبي طالب، الكفر به كفر بالله، والشرك به شرك بالله، والشك فيه شك في الله، والإلحاد فيه إلحاد في الله، والإنكار له إنكار لله، والايمان به إيمان بالله، لأنه أخو رسول الله، ووصيه، وإمام أمته ومولاهم، وهو حبل الله المتین، وعروته الوثقى التي لا انفصام لها، وسيهلك فيه اثنان ولا ذنب له: محب غال، ومقصر، يا حذيفة: لا تفارقن عليا فتفارقني، ولا تخالفن

ص: 166


1- مستدرك الوسائل، ج 4، ص 232
2- طه: 123
3- بصائر الدرجات، ص 34

عليا فتخالفني، إن عليا مني وأنا منه، من أسخطه فقد أسخطني، ومن أرضاه فقد أرضاني)(1).

فبهذا الاقتداء وهذا التمسك صاروا هم السبيل إلى الله فحباهم الله بمنزلة عظيمة، فصار علي سيد الأوصياء وصارت فاطمة سيدة النساء، والحسن والحسین (عليهم السلام) سيدي شباب أهل الجنة والأئمة من ذرية الحسین هم حجج الله الذين فرض الله طاعتهم ومحبتهم فهم حبل الله الممدود، فالكتاب والعترة المطهرة هم حبل الله وصراطه المستقيم لا يفترقان أبداً.

فعلي (عليه السلام) هو لسان القرآن الناطق بالحق بعد النبي محمد صلى الله عليه وآله، ومن كلام له (عليه السّلام) في التّحكيم قال: (إِنَّا لَمْ نُحَکِّمِ الرِّجَالَ، وَإِنَّمَا حَکَّمْنَا الْقُرْآنَ، هذَا الْقُرْآنُ إِنَّمَا هُوَ خَطٌّ مَسْطُورٌ بَیْنَ الدَّفَّتَیْنِ، لَایَنْطِقُ بِلِسَانٍ وَلَابُدَّ لَهُ مِنْ تَرْجُمَانٍ، وَإِنَّمَا یَنْطِقُ عَنْهُ الرِّجَالُ، وَلَمَّا دَعَانَا الْقَوْمُ، إِلَی أَنْ نُحَکِّمَ بَیْنَنَا الْقُرْآنَ، لَمْ نَکُنِ الْفَرِیقَ الْمُتَوَلِّیَ، عَنْ کِتَابِ اللّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَی، وَقَدْ قَالَ اللّهُ سُبْحَانَهُ: «فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِی شَیْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَی اللّهِ وَالرَّسُولِ»، فَرَدُّهُ إِلَی اللّهِ أَنْ نَحْکُمَ بِکِتَابِهِ، وَرَدُّهُ إِلَی الرَّسُولِ أَنْ نَأْخُذَ بِسُنَّتِهِ، فَإِذَا حُکِمَ بِالصِّدْقِ فِی کِتَابِ اللّهِ، فَنَحْنُ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ، وَإِنْ حُکِمَ بِسُنَّهِ رَسُولِ اللّهِ (صلی الله علیه و آله)، فَنَحْنُ أَحَقُّ النَّاسِ وَأَوْلَاهُمْ بِهَا)(2).

كذلك ذريته (عليهم السلام)، فهم أولى به من غيرهم لقربهم من رسول الله، وهذا القرب الذي بيّناه ليس قرباً نسبياً فقط، بل هو قرب روحي، فما من منزلة أعطيت عن لسانه (صلى الله عليه وآله) إلا وهي من عند الله تعالى لأنه لا ينطق

ص: 167


1- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 265
2- نهج البلاغة، الخطبة: 125، ص 182

عن الهوى، فحينما جعلهم الله حجته على خلقه لعلمه أنهم خيار الخلق وأنهم متمسكون بحبل الله وحبل رسوله لذا أودعهم علمه فصاروا القرآن الناطق.

سادساً: (يُحْيُونَ سُنَنَ الله وَ سُنَنَ رَسُولِهِ):

قوله (عليه السلام): (يُحْيُونَ سُنَنَ اَللهِ)، سنن الله هي طريقته ومنهاجه الذي وضحه ورسمه لعباده كي يتبعونه، فالله سبحانه وتعالى أجرى هذه السنة عن طريق أنبيائه ورسله وكتبه السماوية وهي مجموعة من الأحكام والضوابط والقوانین التي أمر الله العباد اتباعها.

وجاء في تفسیر قوله تعالى: «سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا»، أي هذه سنتي في أهل طاعتي وأهل معصيتي انصر أوليائي وأخذل أعدائي عن ابن عباس وقيل معناه: هذه طريقة الله وعادته السالفة)(1).

وقوله عليه السلام: (وَسُنَنَ رَسُولِهِ)، هو كل ما روي عن النبي من قول أو فعل أو تقرير.

وقال الطبرسي (طريقته التي أجراها بأمر الله تعالى فأضيفت إليه ولا يقال سنته إذا فعلها مرة أو مرتین لأن السنة الطريقة الجارية)(2).

فمن سنن الله تعالى أنه سبحانه أمرنا أن نتبع رسوله الكريم وأن نقتدي به ونعمل بكل ما أمرنا به (صلى الله عليه وآله)، قال عليه السلام: (فاقتدوا بهدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنه أفضل الهدي، واستنوا بسنته فإنها أشرف

ص: 168


1- تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج 9، ص 206
2- المصدر السابق، ج 8، ص 182

السنن)(1).

فسنّة النبي هي طريقته في الحياة كاتباعه في المأكل والمشرب وكيفية التعامل مع الآخرين وكيفية العبادة، فبهذا الاتباع قد أحيا الانسان سنن الله وسنن النبي الأكرم، ومن كلام له (عليه السلام) في الخطبة نفسها قال: (ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل أثر امه)، وقد شبَّه الإمام كيفية اتباع الفصيل، حيث ان هذا الفصيل يتبع أمه بالأثر فأينما تضع الأم أثرها تضع الصغار أقدامها في المكان نفسه، فعلي عليه السلام أراد بذلك المثل أنه اتبع رسول الله بكل شيء في المأكل والملبس والسیرة الحسنة والحكم وما أمره الله به، فحينما مات النبي (صلى الله عليه وآله) لم يخل الله الدنيا من وصي يرثه، بل جعل عليا وأولاده حجة على العباد، بهم أحيا الله الدين لذا قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا»(2)، فمن أطاع الرسول عمل بسنته، ومن أهم الأمور التي أشار اليها النبي قبل رحيله كي يبقى الدين عامرا هو اتباع علي وأولاده (عليهم السلام).

لذا كان النبي (صلى الله عليه وآله) يوصي الناس بحبه وباتباعه واتباع أهل بيته لأن الله اختارهم، فمن عاداهم كان عدو الله ومن نصرهم كان ناصراً لله ولرسوله.

فعليٌّ والعترة الطاهرة عليهم أفضل الصلاة والسلام هم من أحيا سنن الله

ص: 169


1- تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، ابن شعبة الحراني، ص 150
2- النساء: 59

وسنن رسوله بعد رحيله (صلى الله عليه وآله)، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: دخل أمیر المؤمنین (عليه السلام) المسجد فاستقبله شاب يبكي وحوله قوم يسكتونه، فقال: علي (عليه السلام) ما أبكاك؟ فقال: يا أمیر المؤمنین إن شریحا ضضی علي بقضية ما أدري ما هي، إن هؤلاء النفر خرجوا بأبي معهم في السفر فرجعوا ولم يرجع أبي فسألتهم عنه فقالوا: مات فسألتهم عن ماله، فقالوا: ما ترك مالا، فقدمتهم إلى شريح فاستحلفهم وقد علمت يا أمیر المؤمنین إن أبي خرج ومعه مال كثر، فقال لهم أمیر المؤمنین (عليه السلام): ارجعوا فرجعوا والفتى معهم إلى شريح، فقال له أمیر المؤمنین (عليه السلام): شريح كيف قضيت بین هؤلاء؟ فقال: يا أمیر المؤمنین ادعى هذا الفتى على هؤلاء النفر أنهم خرجوا في سفر وأبوه معهم، فرجعوا ولم يرجع أبوه، فسألتهم عنه، فقالوا: مات، فسألتهم عن ماله، فقالوا: ما خلَّف مالا، فقلت للفتى: هل لك بينة على ما تدعي فقال:

لا فاستحلفتهم فحلفوا، فقال أمیر المؤمنین (عليه السلام): هيهات يا شريح هكذا تحكم في مثل هذا؟! فقال: يا أمیر المؤمنین فكيف؟ فقال أمیر المؤمنین (عليه السلام): والله لأحكمن فيهم بحكم ما حكم به خلق قبي إلا داود النبي (عليه السلام)، يا قنر أدع لي شرطة الخميس فدعاهم فوكل بكل رجل منهم رجلا من الشرطة، ثم نظر إلى وجوههم فقال: ماذا تقولون؟ أتقولون: إني لا أعلم ما صنعتم بأبي هذا الفتى؟ إني إذا لجاهل، ثم قال: فرقوهم وغطوا رؤوسهم، قال: ففرق بينهم وأقيم كل رجل منهم إلى أسطوانة من أساطين المسجد ورؤوسهم مغطاة بثيابهم ثم دعا بعبيد الله بن أبي رافع كاتبه فقال: هات صحيفة ودواة وجلس أمیر المؤمنین صلوات الله عليه في مجلس القضاء وجلس الناس إليه فقال لهم: إذا أنا كبرت فكبروا، ثم قال للناس: اخرجوا ثم دعا بواحد منهم فأجلسه بین يديه وكشف عن وجهه، ثم قال لعبيد الله بن أبي رافع: اكتب إقراره وما يقول ثم

ص: 170

أقبل عليه بالسؤال، فقال له أمیر المؤمنین (عليه السلام): في أي يوم خرجتم من منازلكم وأبو هذا الفتى معكم؟ فقال الرجل: في يوم كذا وكذا، قال: وفي أي شهر؟ قال: في شهر كذا وكذا، قال: في أي سنة؟ قال: في سنة كذا وكذا، قال: وإلى أين بلغتم في سفركم حتى مات أبو هذا الفتى؟ قال: إلى موضع كذا وكذا، قال:

وفي منزل من مات؟ قال: في منزل فلان بن فلان، قال: وما كان مرضه؟ قال:

كذا وكذا، قال: وكم يوما مرض؟ قال: كذا وكذا، قال: ففي أي يوم مات ومن غسله ومن كفنه وبما كفنتموه؟ ومن صلى عليه ومن نزل قبره؟ فلما سأله عن جميع ما يريد كبّر أمیر المؤمنین (عليه السلام) وكبّر الناس جميعا، فارتاب أولئك الباقون ولم يشكوا أن صاحبهم قد أقر عليهم وعلى نفسه فأمر أن يغطى رأسه وينطلق به إلى السجن، ثم دعا بآخر فأجلسه بین يديه وكشف عن وجهه، ثم قال: كلا زعمتم أني لا أعلم ما صنعتم، فقال: يا أمیر المؤمنین ما أنا إلا واحد من القوم ولقد كنت كارها لقتله فأقر، ثم دعا بواحد بعد واحد كلهم يقر بالقتل وأخذ المال ثم رد الذي كان أمر به إلى السجن فأقر أيضا فألزمهم المال والدم، فقال شريح: يا أمیر المؤمنین وكيف حكم داود النبي (عليه السلام) فقال: إن داود النبي (عليه السلام) مر بغلمة يلعبون وينادون بعضهم بيامات الدين فيجيب منهم غلام فدعاهم داود (عليه السلام) فقال: يا غلام ما اسمك؟ قال: مات الدين فقال له داود (عليه السلام): من سماك بهذا الاسم؟ فقال أمي فانطلق داود (عليه السلام) إلى أمه فقال لها: يا أيتها المرأة ما اسم ابنك هذا؟ قالت: مات الدين، فقال لها: ومن سماه بهذا؟ قالت: أبوه، قال: وكيف كان ذاك؟ قالت: إن أباه خرج في سفر له ومعه قوم وهذا الصبي حمل في بطني فانرف القوم ولم ينصرف زوجي فسألتهم عنه فقالوا: مات، فقلت: لهم فأين ما ترك؟ قالوا: لم يخلف شيئا، فقلت: هل أوصاكم بوصية؟ قالوا: نعم، زعم أنك حبلى فما ولدت

ص: 171

من ولد جارية أو غلام فسميه مات الدين فسميته، قال داود (عليه السلام):

وتعرفین القوم الذين كانوا خرجوا مع زوجك؟ قالت: نعم قال: فأحياء هم أم أموات؟ قالت: بل أحياء، قال: فانطلقي بنا إليهم ثم مضى معها فاستخرجهم من منازلهم فحكم بينهم بهذا الحكم بعينه وأثبت عليهم المال والدم وقال: للمرأة سمي ابنك هذا عاش الدين، ثم إن الفتى والقوم اختلفوا في مال الفتى كم كان، فأخذ أمیر المؤمنین (عليه السلام) خاتمه وجميع خواتيم من عنده ثم قال: أجيلوا هذه السهام فأيكم أخرج خاتمي فهو صادق في دعواه لأنه سهم الله وسهم الله لا يخيب)(1).

وبعد مقتل الإمام علي (عليه السلام) تولى الحسن الخلافة ومضى على سنة النبي الأكرم وجاهد بفكره حتى أحيا سنن الله كما أحياها أبوه ثم استشهد الحسن (عليه السلام) فتولى الحسین عليه السلام أمور الدين، فأفسد يزيد وأراد أن يبدل سنن الله وسنن النبي فأحلَّ ما حرم الله، فوقف الحسین مدافعا عن هذه السنة الطاهرة فقال عليه السلام: (إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا، أصر حتى یقضی الله بيني وبین القوم وهو خیر الحاكمین).

فقدم ما قدم من أنصاره وأهل بيته حتى بیّن للعالم أنهم دين الله وبهم أحيا الله سنته وسنة رسوله.

ص: 172


1- الكافي، ج 7، ص 372، ح 8

سابعاً: (لاَ يَسْتَكْبِرُونَ وَ لاَ يَعْلُونَ وَلاَ يَغُلُّونَ وَلاَ يُفْسدُونَ):

اشارة

ذكر الإمام أربع صفات ذميمة لا وجود لها اطلاقاً في نفوس الصديقین والأبرار والصالحین ولو بمثقال ذرة، ومن هذه الصفات التي ذكرها ما يلي:

أولاً/ التكبر والتعالي:

فعلي (عليه السلام) من قوم لا يتكبرون ولا يعلون، لأن الكبر أساس كل خطيئة، وقد ذكر لنا الإمام (عليه السلام) في الخطبة التي تسمى ب(القاصعة) أن أحد أسباب لعن ابليس وطرده من رحمة الله هو الكبر، فالكبر صفة ذميمة ومن المحال أن تكون هذه الصفة في أولياء الله وأحبائه، بل العكس من ذلك فإن أولياء الله أشد الناس تواضعاً، يقول الامام (عليه السلام) في الخطبة نفسها: (فَلَوْ رَخَّصَ الله فِی اَلْكِبْرِ لِأَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ لَرَخَّصَ فِيهِ لَخِاصَّةِ أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ وَلَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ كَرَّهَ إِلَيْهِمُ اَلتَّكَابُرَ وَرَضِیَ لَهُمُ اَلتَّوَاضُعَ فَأَلْصَقُوا بِالْأَرْضِ خُدُودَهُمْ وَعَفَّرُوا فِی اَلتُّرَابِ وُجُوهَهُمْ وَخَفَضُوا أَجْنِحَتَهُمْ لِلْمُؤْمِنِینَ)(1).

وجاء في تفسیر، قوله تعالى: «تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»(2)، أي: تجبرا وتكبرا على عباد الله، واستكبارا عن عبادة الله (ولا فسادا) أي: عملا بالمعاصي، عن ابن جريج ومقاتل.

وروى زاذان عن أمیر المؤمنین عليه السلام أنه كان يمشي في الأسواق وحده، وهو دال يرشد الضال، ويعین الضعيف، ويمر بالبياع والبقال، فيفتح عليه

ص: 173


1- نهج البلاغة، الخطبة: 192، ص 290
2- القصص: 83

القرآن، ويقرأ (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا) ويقول: نزلت هذه الآية في أهل العدل، والمواضع من الولاة وأهل القدرة من سائر الناس)(1).

فكلما كان الانسان متواضعا كان أقرب إلى الله وبما أن أمیر المؤمنین (عليه السلام) هو ثاني أقرب شخص إلى الله فهو أشد الناس تواضعا وأقرب انسان إلى الله بعد النبي ثم الأمثل فالأمثل، وفي رواية أمر معاوية ضرار بن ضمرة الضبابي أن يصف علياً فقال ضرار (... وكان فينا كأحدنا يجيبنا إذا دعوناه ويعطينا إذا سألناه، ونحن والله مع قربه لا نكلمه لهيبته، ولا ندنو منه تعظيما له، فإن تبسم فعن غیر أشر ولا اختيال، وإن نطق فعن الحكمة وفصل الخطاب، يعظم أهل الدين ويحب المساكين، ولا يطمع الغني في باطله، ولا يوئس الضعيف من حقه)(2).

ومن كلام له (عليه السلام) في الخطبة نفسها توضح لنا تواضعه وما كان ينصح به العامة بقوله: (واعتمدوا وضع التذلل على رؤوسكم وإلقاء التعزز تحت أقدامكم، وخلع التكبر من أعناقكم، واتخذوا التواضع مسلحة بينكم وبین عدوكم إبليس وجنوده، فإن له من كل أمة جنودا وأعوانا ورجلا وفرسانا، وَلاَ تَكُونُوا كَالْمُتَكَبِّرِ عَلَى اِبْنِ أُمِّهِ مِنْ غَیْرِ مَا فَضْلٍ جَعَلَهُ الله فِيهِ سِوَى مَا أَلْحَقَتِ اَلْعَظَمَةُ بِنَفْسِهِ مِنْ عَدَاوَةِ اَلْحَسَدِ وَقَدَحَتِ اَلْحَمِيَّةُ فِی قَلْبِهِ مِنْ نَارِ اَلْغَضَبِ وَنَفَخَ اَلشَّيْطَانُ فِی أَنْفِهِ مِنْ رِيحِ اَلْكِبْرِ اَلَّذِي أَعْقَبَهُ الله بِهِ اَلنَّدَامَةَ وَ أَلْزَمَهُ آثَامَ اَلْقَاتِلِینَ إِلَی يَوْمِ اَلْقِيَامَةِ)(3).

ص: 174


1- تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، ج 7، ص 464
2- خصائص الأئمة، الشريف الرضي، ص 71
3- نهج البلاغة، الخطبة: 192، ص 288

وروي عن مسعدة بن صدقة قال: مر الحسین بن علي (عليه السلام) بمساكين قد بسطوا كساءاً لهم فألقوا عليه كسرا فقالوا: هلم يا بن رسول الله، فثنى وركه فأكل معهم، ثم تلا (ان الله لا يحب المستكبرين) ثم قال: قد أجبتكم فأجيبوني؟ قالوا: نعم يا ابن رسول الله وتعمى عین، فقاموا معه حتى أتوا منزله، فقال للرباب: أخرجي ما كنت تدخرين)(1).

وعلى الرغم من تواضعهم إلا أن الله أعزهم حتى يرى بعض الناس الذين في قلوبهم مرض الكبر أن هذه الهيبة التي أعطاهم الله إياها تكبر، وحاشا أن يكون في قلب وليه ولو ذرة بسيطة من الكبر، فعن محمد بن العباس: عن أبي الأزهر، عن الزبیر بن بكار، عن بعض أصحابه، قال: قال رجل للحسن (عليه السلام):

إن فيك كبرا، فقال: (كلا، الكبر لله وحده، ولكن فيَّ عزة، قال الله عز وجل: «ولِلَّه الْعِزَّةُ ولِرَسُولِه ولِلْمُؤْمِنِينَ»(2).

ثانيا/ الغل:

جاء في الصحاح، الغل بالكسر: الغش والحقد أيضا، وقد غل صدره يغل بالكسر غلا، إذا كان ذا غش أو ضغن وحقد(3).

فقوله عليه السلام (لا يغلون) أي: لا يغشون ولا يخونون، لذا أستودعهم الله دينه وأعطاهم أسراره وعلمه ولولا أمانتهم لما استخلفهم في الأرض وما ائتمنهم على دينه.

ص: 175


1- تفسير العياشي، ج 2، ص 257، ح 15
2- البرهان في تفسير القرآن، السيد هاشم البحراني، ج 5، ص 389، ح 7
3- الصحاح، الجوهري، ج 5، ص 1783

والإمام (عليه السلام) من قوم لا يحقدون، لأن الحقد يأتي من الحسد والحسد صفة لا يحبها الله بل الحاسد بعيد من الله قريب من الشيطان وهذا القرب سببه تشابه الصفات والأفعال، فالشيطان حسد آدم على مكانته فوصل لهذا الحال، لذا نجد أكثر الطرق التي يأتي بها الشيطان للإنسان هي صفات متواجدة في نفسه فهو يعرف نقاط الضعف، فمن تشابه معه وقع في حبائله، ومن كلام له عليه السام قال: (فَإِنَّ الشَّاذَّ مِنَ النَّاسِ لِلشَّيْطَانِ)(1).

فالأولياء والصالحون بعيدون كل البعد عن ابليس وأعوانه لأن هذه الصفات الذميمة لا توجد فيهم، قال تعالى: «وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ»(2).

جاء في تفسر قوله تعالى: (وما كان لنبي أن يغل): وما صح لنبي أن يخون في الغنائم، فإن النبوة تنافي الخيانة. والغلول: أخذ الشيء من المغنم في خفية. ورد:

«إن قطيفة حمراء فقدت من الغنيمة يوم بدر، فقال رجل من الأصحاب: ما أظن إلا رسول الله أخذها، فنزلت، فجاء رجل فقال: إن فلانا غل قطيفة فأحفرها هنالك، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحفر ذلك الموضع، فأخرج القطيفة. (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيمة). قال: «إنه يراه يوم القيامة في النار ثم يكلف أن يدخل إليه فيخرجه من النار»، (ثم توفى كل نفس ما كسبت): تعطى جزاء ما كسبت وافيا (وهم لا يظلمون). (أفمن اتبع رضوان الله) بالطاعة (كمن

ص: 176


1- نهج البلاغة، الخطبة: 127، ص 184
2- آل عمران: 161 - 163

باء): رجع (بسخط من الله) بالمعصية (ومأواه جهنم وبئس المصیر)، (هم درجت عند الله والله بصیر بما يعملون). قال: «الذين اتبعوا رضوان الله هم الأئمة، وهم والله درجات للمؤمنین، وبولايتهم ومعرفتهم إيانا يضاعف الله لهم أعمالهم، ويرفع الله لهم الدرجات العلى، والذين باؤوا بسخط هم الذين جحدوا حق عليٍ والأئمة منا أهل البيت»، وقال: «الدرجة ما بین السماء والأرض»(1).

وروى الصدوق في الأمالي (قال علقمة: فقلت للصادق (عليه السلام): يا ابن رسول الله، إن الناس ينسبوننا إلى عظائم الأمور، وقد ضاقت بذلك صدورنا، فقال (عليه السلام): يا علقمة، إن رضا الناس لا يملك، وألسنتهم لا تضبط، فكيف تسلمون مما لم يسلم منه أنبياء الله ورسله وحججه (عليهم السلام)؟ ألم ينسبوا يوسف (عليه السلام) إلى أنه همَّ بالزنا؟ ألم ينسبوا أيوب (عليه السلام) إلى أنه ابتي بذنوبه؟ ألم ينسبوا داود (عليه السلام) إلى أنه تبع الطیر حتى نظر إلى امرأة أوريا فهواها؟ وأنه قدم زوجها أمام التابوت حتى قتل ثم تزوج بها؟ ألم ينسبوا موسى (عليه السلام) إلى أنه عنین وآذوه حتى برأه الله مما قالوا، وكان عند الله وجيها؟ ألم ينسبوا جميع أنبياء الله إلى أنهم سحرة طلبة الدنيا؟ ألم ينسبوا مريم بنت عمران (ليهما السلام) إلى أنها حملت بعيسى من رجل نجار اسمه يوسف؟ ألم ينسبوا نبينا محمدا (صلى الله عليه وآله) إلى أنه شاعر مجنون؟ ألم ينسبوه إلى أنه هوى امرأة زيد بن حارثة فلم يزل بها حتى استخلصها لنفسه؟ ألم ينسبوه يوم بدر إلى أنه أخذ لنفسه من المغنم قطيفة حمراء؟ حتى أظهره الله عز وجل على القطيفة وبرّأ نبيه (صلى الله عليه وآله) من الخيانة، وأنزل بذلك في كتابه: (وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة)، ألم ينسبوه إلى أنه (صلى

ص: 177


1- التفسير الأصفي، الفيض الكاشاني، ج 1، ص 180

الله عليه وآله) ينطق عن الهوى في ابن عمه علي (عليه السلام)؟ حتى كذبهم الله عز وجل، فقال سبحانه: «وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى» ألم ينسبوه إلى الكذب في قوله: إنه رسول من الله إليهم؟ حتى أنزل الله عز وجل عليه: (ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا)، ولقد قال يوما: عرج بي البارحة إلى السماء. فقيل: والله ما فارق فراشه طول ليلته. وما قالوا في الأوصياء (عليهم السلام) أكثر من ذلك، ألم ينسبوا سيد الأوصياء (عليه السلام) إلى أنه كان يطلب الدنيا والملك، وأنه كان يؤثر الفتنة على السكون، وأنه يسفك دماء المسلمين بغیر حلها، وأنه لو كان فيه خیر ما أمر خالد بن الوليد برب عنقه؟ ألم ينسبوه إلى أنه (عليه السلام) أراد أن يتزوج ابنة أبي جهل على فاطمة (عليها السلام)، وأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) شكاه على المنبر إلى المسلمين، فقال: إن عليا يريد أن يتزوج ابنة عدو الله على ابنة نبي الله، ألا إن فاطمة بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني، ومن سرها فقد سرني، ومن غاظها فقد غاظني؟ ثم قال الصادق (عليه السلام): يا علقمة، ما أعجب أقاويل الناس في علي (عليه السلام)! كم بین من يقول: إنه رب معبود، وبین من يقول: إنه عبد عاص للمعبود! ولقد كان قول من ينسبه إلى العصيان أهون عليه من قول من ينسبه إلى الربوبية. يا علقمة، ألم يقولوا لله عز وجل: إنه ثالث ثلاثة؟ ألم يشبهوه بخلقه؟ ألم يقولوا: إنه الدهر؟ ألم يقولوا: إنه الفلك؟ ألم يقولوا: إنه جسم؟ ألم يقولوا: إنه صورة؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبیرا يا علقمة إن الألسنة التي تتناول ذات الله تعالى ذكره بما لا يليق بذاته كيف تحبس عن تناولكم بما تكرهونه! فاستعينوا بالله واصبروا، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقین، فإن

ص: 178

بني إسرائيل قالوا لموسى (عليه السلام): (أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا)، فقال الله عز وجل: قل لهم يا موسى: «عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ»(1).

ثالثاً - الفساد:

كذلك هذه الصفة بعيدة كل البعد عن أمیر المؤمنین والأنبياء والصديقین عليهم أفضل الصلاة والسلام، بل هذه الصفة من صفات الفاسقين والمنافقین الذين يفسدون في الأرض، فيحلون ما حرم الله ويتبعون أهوائهم، فمعنى يفسدون مطلق الفساد وليس فقط الزنا وباقي الفواحش وإنما الفساد أنواع، فمن يحرف كلام الله ويغیره ويتبع هوى نفسه فهو مفسد في الأرض، كذلك الذين يسلبون الناس حقوقهم ويسرقون أموآلهم بطرق مختلفة فهذا فساد ومن يخرب ويقتل ويسلب فهذا أشد أنواع الفساد والله لا يحب المفسدين.

جاء في تفسیر الأمثل عن قوله تعالى: («تِلْكَ الدَّارُ الْأَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا».

ومرّةً يعتبر فرعون من المفسدين، وأثناء توبته عند غرقه في النيل يقول: «آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ». وقد استعمل «الفساد في الأرض» تعبيراً عن السرقة كما في قصّة يوسف (عليه السلام): «تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ».

ومرّة أُخرى كناية عن قلّة البيع، كما في قصّة شعيب حيث نقرأ قوله تعالى:

ص: 179


1- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 165

«تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِی الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ». وأخیراً إستخدم القرآن الكريم الفساد في التعبیر عن إضطراب النظام الكوني: «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا».

نستفيد من مجموع هذه الآيات أنّ الفساد - بشكل عامّ - أو الفساد في الأرض، له معنىً واسع جدّاً، بحيث يشمل أكبر الجرائم مثل جرائم فرعون وسائر الطواغيت، كما يشمل الأعمال الأقل إجراماً منها مثل بخس الناس أشياءهم، ويشمل كذلك أي خروج عن حالة الإعتدال كما أشرنا إليه سابقاً. وبالنظر إلى أنّ العقوبة يجب أن تكون مطابقة للجريمة يتّضح لنا أنّ كلّ مجموعة من هؤلاء المفسدين لها عقوبة معيّنة وجزاء خاص)(1).

لذا جعل الله الخليفة قبل الخليقة لأنه يعلم أن هؤلاء الطيبین الذين اختارهم من سائر خلقه لا يخالفونه ولا يتعدون حدوده، ولا ينشرون الفساد، وعلي هو أحد الأولياء الذين اختارهم الله، بل فضّله عليهم حین جعله نفس النبي (صلى الله عليه وآله) وقد مدحه الله تعالى في القرآن بكثیر من السور، فهو من قوم لا يفسدون بل هو من قوم أصلحوا وحاربوا أهل الفساد والبدع فصاروا مثلاً للغیرة والشهامة.

وقد اختبر الله أولياءه في كثیر من الأمور لكي يري الناس حقيقتهم ويقروا بعدالته، قال تعالى: «وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ * وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ

ص: 180


1- الأمثل، ج 7، ص 400

وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ»(1).

فكل الأنبياء والحجج (عليهم السلام) كالنبي يوسف لا يقربون الباطل ولا يفسدون بل لا ينظرون إلى محرم، روى القمي عن أمیر المؤمنین (عليه السلام) قال:

(... فجاءت إليه كما حكى الله تعالى «تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ» فقالت «قَالَتْ إِنَّ أَبِی يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا»، فقام موسى معها ومشت أمامه فسفقتها الرياح فبان عجزها فقال لها موسى تأخري ودليني على الطريق بحصاة تلقيها أمامي أتبعها فأنا من قوم لا ينظرون في أدبار النساء)(2).

أما من ناحية الحكم فعي من قوم طبقوا عدالة الله حينما حكموا في الأرض ولم يفسد بحكم لأن الأحكام الضالة من أشد أنواع الفساد، قال تعالى: «إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِی الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ»(3).

ومن الأنبياء الذين آتاهم الله حكماً النبي يوسف (عليه السلام) وقصته في نشر العدل الالهي والقضاء على الفساد معروفة وكذلك نبيا الله داود وسليمان (عليهما السلام).

ص: 181


1- يوسف: 23 - 27
2- تفسير القمي، ج 2، ص 138
3- القصص: 4

فعلي اتبع هذا النهج السماوي وهو نهج الحق وطبق عدالة الله على عكس الحكام الذين سبقوه حيث تفشى الفساد في المجتمع الاسلامي بجميع أنواعه في تلك الأزمنة ورجع الحكم الجاهلي كتفضيل أولي السابقات وانعدام الحكم التشريعي الصحيح، ولولا وجود علي لهلك الاسلام وتشوهت صورته الحقيقية بعد رحيل سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم).

جاء في تفسیر البرهان (كان رجل من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع عمر بن الخطاب، فأرسله في جيش، فغاب ستة أشهر، ثم قدم وكان مع أهله ستة أشهر، فعلقت منه، فجاءت بولد لستة أشهر فأنكره، فجاء بها إلى عمر، فقال: يا أمیر المؤمنین، كنت في البعث الذي وجهتني فيه، وتعلم أني قدمت منذ ستة أشهر، وكنت مع أهلي، وقد جاءت بغلام وهو ذا، وتزعم أنه مني، فقال لها عمر: ما تقولین أيتها المرأة؟ فقالت: والله ما غشيني رجل غیره، وما فجرت، وإنه لابنه، وكان اسم الرجل الهيثم، فقال لها عمر: أحق ما يقول زوجك؟ قالت:

صدق يا أمیر المؤمنین، فأمر بها عمر أن ترجم، فحفر لها حفیرة، ثم أدخلها فيها، فبلغ ذلك عليا (عليه السلام) فجاء مسرعا حتى أدركها، وأخذ بيدها، فسلّها من الحفیرة، ثم قال لعمر: «اربع على نفسك، إنها قد صدقت، إن الله عز وجل يقول في كتابه: «وحَمْلُه وفِصالُه ثَلاثُونَ شَهْراً»، وقال في الرضاع: «والْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَیْنَ كامِلَیْنَ» فالحمل والرضاع ثلاثون شهرا، وهذا الحسین ولد لستة أشهر» فعندها قال عمر: لولا علي لهلك عمر)(1).

وقد رجع إليه جميع الخلفاء في القضاء، وهذه العبارة التي قالها عمر وهي (لولا علي لهلك عمر) قالها عمر في كثیر من المواطن وليس في هذا الموطن فقط.

ص: 182


1- البرهان في تفسير القرآن، ج 5، ص 42، ح 9

فالنبي حينما أوصى بعلي والعترة لا لقرابتهم منه فقط، وإنا كان علي وأهل البيت (عليهم السلام) أهلاً للحكم وأهلاً لأن ينالوا هذه المنزلة الخصيصة.

جاء في كتاب الغارات للثقفي: (خرج علي - رضي الله عنه - إلى السوق فإذا هو بنصراني يبيع درعا فعرف علي الدرع فقال له: هذه درعي، بيني وبينك قاضي المسلمين، وكان علي استقضى شریحا فلما رأى شريح أمیر المؤمنین قام من مجلس القضاء وأجلس عليا في مجلسه وجلس شريح قدامه إلى جانب النصراني، فقال علي: أما يا شريح لو كان خصمي مسلما لقعدت معه مجلس الخصم ولكني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لا تصافحوهم ولا تبدؤوهم بالسلام ولا تعودوا مرضاهم ولا تصلوا عليهم وألجئوهم إلى مضايق الطريق وصغروهم كما صغرهم الله، اقض بيني وبينه يا شريح، فقال: ما تقول يا أمیر المؤمنین؟ فقال علي: هذه درعي ذهبت مني منذ زمان، فقال شريح: ما تقول يا نصراني؟ فقال: ما أكذب أمیر المؤمنین، الدرع درعي، فقال شريح: ما أرى أن تخرج من يده فهل لك بينة؟ فقال علي: صدق شريح، فقال النصراني: أما أنا فأشهد أن هذه أحكام الأنبياء، أمیر المؤمنین يجيء إلى قاضيه، وقاضيه يقضي عليه هي والله يا أمیر المؤمنین درعك، اتبعتك مع الجيش وقد زالت عن جملك الأورق فأخذتها فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال علي: أما إذا أسلمت فهي لك وحمله على فرس عتيق.

قال الشعبي: لقد رأيته يقاتل المشركين.

وفي رواية: إنه فرض له ألفين وقتل معه يوم صفين(1).

ص: 183


1- الغارات، ابراهيم بن محمد الثقفي الكوفي، ج 2، ص 722

فهذا الحكم جعل من هذا النصراني يعتنق الاسلام فالله خلق الانسان على الفطرة؛ والفطرة ترفض الفساد فمن يحكم بحكم الله ورسوله فقد نشر الخیر وقضى على الفساد بجميع أنواعه، لأن الأحكام الضالة تنشر الفساد والفوضى في البلدان.

ثامناً: (قُلُوبُهُمْ فِی اَلْجِنَانِ وَ أَجْسادُهُمْ فِی اَلْعَمَلِ):

حينما يهوى القلب شيئاً يبقى متعلقاً به، فمن كان قلبه متعلقاً بالجنان لا ينظر إلى الدنيا ولا تغره زينتها، والإمام (عليه السلام) من قوم لبسوا الخشن ولم يطعموا سوى الخبز والملح، ولم تغره الدنيا بمغرياتها وحينما أقبلت الدنيا عليه أدبر عنها، لأنه يعلم أن نعيمها زائل، ومن حكمة له (عليه السلام)، قال: (...وكُلُّ نَعِيمٍ دُونَ الْجَنَّةِ فَهُوَ مَحْقُورٌ..)(1).

فهذه القلوب الطاهرة تنظر إلى مائدة عرضها السماوات والأرض ولا تنظر إلى نعيم فانٍ والإمام كان يعلم أن كل ما زاد في الدنيا من عطاء إلا وانتقص في الآخرة، لذا كان علي يريد ذلك النعيم الأبدي فصار سيد الزاهدين، قال الأصبغ بن نباتة:

كان أمیر المؤمنین (عليه السلام) إذا أتى بالمال ادخله بيت مال المسلمين، ثم جمع المستحقين ثم ضرب يده في المال فنثره يمنة ويسرة، وهو يقول:

يا صفراء يا بيضاء لا تغريني، غري غيري.

هذا جناي وخيارُهُ فيهِ *** إذ كلّ جانٍ يدهُ إلى فيهِ ثم لا يخرج حتى يفرق ما في بيت مال المسلمين ويؤتي كل ذي حق حقه ثم

ص: 184


1- نهج البلاغة، الحكمة: 387، ص 544

يأمر أن يكنس ويرش ثم يصلي فيه ركعتین، ثم يطلق الدنيا ثلاثا يقول بعد التسليم: يا دنيا لا تتعرضي لي ولا تتشوقي ولا تغريني، فقد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي إليك)(1).

فعلي يتشوق إلى الجنة التي وعده الله بها وهو متيقنین بأن الله منجز ما وعده، ولتيقنه بالله فإنه (عليه السلام) كان يراها بعین بصيرته، فمن خطبة له (عليه السلام) يصف فيها الجنة، قال: (فَلَوْ رَمَیْتَ بِبَصَرِ قَلْبِکَ نَحْوَ مَا یُوصَفُ لَکَ مِنْهَا، لَعَزَفَتْ نَفْسُکَ عَنْ بَدَائِعِ مَا أُخْرِجَ إِلَی اَلدُّنْیَا، مِنْ شَهَوَاتِهَا وَ لَذَّاتِهَا وَ زَخَارِفِ مَنَاظِرِهَا، وَ لَذَهِلَتْ بِالْفِکْرِ فِی اِصْطِفَاقِ أَشْجَارٍ، غُیِّبَتْ عُرُوقُهَا فِی کُثْبَانِ اَلْمِسْکِ عَلَی سَوَاحِلِ أَنْهَارِهَا، وَ فِی تَعْلِیقِ کَبَائِسِ اَللُّؤْلُؤِ اَلرَّطْبِ فِی عَسَالِیجِهَا وَ أَفْنَانِهَا، وَ طُلُوعِ تِلْکَ اَلثِّمَارِ مُخْتَلِفَهً فِی غُلُفِ أَکْمَامِهَا، تُجْنَی مِنْ غَیْرِ تَکَلُّفٍ فَتَأْتِی عَلَی مُنْیَهِ مُجْتَنِیهَا، وَ یُطَافُ عَلَی نُزَّالِهَا فِی أَفْنِیَهِ قُصُورِهَا، بِالْأَعْسَالِ اَلْمُصَفَّقَهِ وَ اَلْخُمُورِ اَلْمُرَوَّقَهِ، قَوْمٌ لَمْ تَزَلِ اَلْکَرَامَهُ تَتَمَادَی بِهِمْ، حَتَّی حَلُّوا دَارَ اَلْقَرَارِ وَ أَمِنُوا نُقْلَهَ اَلْأَسْفَارِ، فَلَوْ شَغَلْتَ قَلْبَکَ أَیُّهَا اَلْمُسْتَمِعُ، بِالْوُصُولِ إِلَی مَا یَهْجُمُ عَلَیْکَ مِنْ تِلْکَ اَلْمَنَاظِرِ اَلْمُونِقَهِ، لَزَهِقَتْ نَفْسُکَ شَوْقاً إِلَیْهَا، وَ لَتَحَمَّلْتَ مِنْ مَجْلِسِی هَذَا، إِلَی مُجَاوَرَهِ أَهْلِ اَلْقُبُورِ اِسْتِعْجَالاً بِهَا، جَعَلَنَا اَللَّهُ وَ إِیَّاکُمْ مِمَّنْ یَسْعَی بِقَلْبِهِ، إِلَی مَنَازِلِ اَلْأَبْرَارِ بِرَحْمَتِهِ)(2).

فالجنة دار الله لا يسكنها إلا من أطاعه، قال تعالى: «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ»(3).

ص: 185


1- روضة الواعظين، الفتال النيسابوري، ص 117
2- نهج البلاغة، الخطبة: 165، ص 242
3- النساء: 13

ومن غیره (عليه السلام) أطاع الله وأطاع رسوله واتبعه بكل شيء حتى صار كنفسه، فالجنة خلقت لعلي وأهل بيته (عليهم السلام) وشيعتهم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (خلق الله الجنة طاهرة مطهرة، لا يدخلها إلا من طابت ولادته)(1).

عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: بينما أجمع ما كنا حول النبي (صلى الله عليه وآله) ما خلا أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب (عليه السلام) إذ أقبل أعرابي بدوي فتخطى صفوف المهاجرين والأنصار حتى جثا بین يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو يقول: (السلام عليك) يا رسول الله فداك أبي وأمي يا رسول الله، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): عليك السلام من أنت يا أعرابي؟ قال:

رجل من بني لجيم يا رسول الله، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): «ما وراك بما جاء لجيم؟» قال: يا رسول الله خلفت خثعم وقد تهيأوا وعبأوا كتائبهم، وخلفت الرايات تخفق فوق رؤسهم، يقدمهم الحارث بن مكيدة الخثعمي في خمسمائة من رجال خثعم، يتألون باللات والعزى أن لا يرجعوا حتى يردوا المدينة فيقتلوك ومن معك يا رسول الله، قال: فدمعت عينا النبي (صلى الله عليه وآله)، حتى أبكى جميع أصحابه، ثم قال: «يا معشر الناس سمعتم مقالة الأعرابي؟ » قالوا: كل قد سمعنا يا رسول الله، قال: «فمن منكم يخرج إلى هؤلاء القوم قبل أن يطؤونا في ديارنا وحريمنا، لعل الله يفتح على يديه، وأضمن له على الله الجنة؟ قال: فوالله ما قال أحد: أنا يا رسول الله، قال: فقام النبي (صلى الله عليه وآله)، على قدميه وهو يقول: «معاشر أصحابي هل سمعتم مقالة الأعرابي؟» قالوا: كل قد سمعنا يا رسول الله، قال: «فمن منكم يخرج إليهم قبل أن يطؤونا في ديارنا وحريمنا، لعل الله يفتح على يديه، وأضمن له على الله اثني عشر قصرا في الجنة»؟ قال: فوالله ما

ص: 186


1- المحاسن، ج 1، ص 139، ح 29

قال أحد: أنا يا رسول، قال: فبينما النبي صلى الله عليه وآله واقف إذ أقبل أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فلما نظر إلى النبي (صلى الله عليه وآله) واقفا ودموعه تنحدر كأنها جمان انقطع سلكه على خديه لم يتمالك أن رمى بنفسه عن بعیره إلى الأرض ثم أقبل يسعى نحو النبي صلى الله عليه وآله يمسح بردائه الدموع عن وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو يقول: ما الذي أبكاك؟ لا أبكى الله عينيك يا حبيب الله، هل نزل في أمتك شيء من السماء؟ قال: «يا علي ما نزل فيهم إلا خیر، ولكن هذا الأعرابي حدثني عن رجال خثعم بأنهم قد عبأوا كتائبهم، وخفقت الرايات فوق رؤسهم، يكذبون قولي، ويزعمون أنهم لا يعرفون ربي، يقدمهم الحارث بن مكيدة الخثعمي في خمسمائة من رجال خثعم، يتألون باللات والعزى لا يرجعون حتى يردوا المدينة فيقتلوني ومن معي، وإني قلت لأصحابي: من منكم يخرج إلى هؤلاء القوم من قبل أن يطؤونا في ديارنا وحريمنا،لعل الله يفتح على يديه، وأضمن له على الله اثني عشر قصرا في الجنة، «فقال أمیر المؤمنین علي بن أيي طالب (عليه السلام): فداك أبي وأمي يا رسول الله صف لي هذه القصور، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا علي بناء هذه القصور لبنة من ذهب ولبنة من فضة، ملاطها المسك الأذفر والعنبر، حصباؤها الدر والياقوت، ترابها الزعفران، كثبها الكافور، في صحن كل قصر من هذه القصور أربعة أنهار: نهر من عسل، ونهر من خمر، ونهر من لبن، ونهر من ماء محفوف بالأشجار والمرجان، على حافتي كل نهر من هذه الأنهار خيمة من درة بيضاء لا قطع فيها ولا فصل، قال لها: كوني، فكانت، يرى باطنها من ظاهرها، و ظاهرها من باطنها، في كل خيمة سرير مفصص بالياقوت الأحمر، قوائمها من الزبرجد الأخر، على كل سرير حوراء من الحور العین، على كل حوراء سبعون حلة خضراء، وسبعون حلة صفراء ويرى مخ ساقها خلف عظمها وجلدها وحليها وحللها كما ترى الخمرة الصافية في الزجاجة البيضاء، مكللة بالجواهر لكل حوراء

ص: 187

سبعون ذؤابة، كل ذؤابة بيد وصيف وبيد كل وصيف مجمر يبخر تلك الذؤابة يفوح من ذلك المجمر بخار لا يفوح بنار، ولكن بقدرة الجبار» قال: فقال: أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب عليه السلام: فداك أمي وأبي يا رسول الله أنا لهم، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): «يا علي هذا لك وأنت له أنجد إلى القوم»، فجهزه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، في خمسین ومائة رجل من الأنصار والمهاجرين، فقام ابن عباس رضي الله عنه وقال: فداك أبي وأمي يا رسول الله تجهز ابن عمي في خمسین ومائة رجل من العرب إلى خمسمائة رجل وفيهم الحارث ابن مكيدة يعد بخمسمائة فارس، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): «امط عني يا ابن عباس، فوالذي بعثني بالحق لو كانوا على عدد الثرى وعلي وحده لأعطى الله عليهم النصر حتى يأتينا بسبيهم أجمعین، «فجهزه النبي (صلى الله عليه وآله)، وهو يقول:

«اذهب يا حبيبي حفظ الله من تحتك ومن فوقك وعن يمينك وعن شمالك، الله خليفتي عليك»....)(1).

وقوله (عليه السلام): (وَأَجْسَادُهُمْ فِی اَلْعَمَلِ)، أي: في العبادة لأن كل عمل يرضي الله عبادة، فهم طوال الوقت يعملون بما يرضي الله ولا يغفلون عنه طرفة عین.

روي عن سعيد بن كلثوم قال كنت عند الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام)، فذكر أمیر المؤمنین علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأطراه ومدحه بما هو أهله، ثم قال (والله ما أكل علي بن أبي طالب من الدنيا حراما قط حتى مضى لسبيله وما عرض له أمران قط هما لله رضا إلا أخذ بأشدهما عليه في دينه وما نزلت برسول الله (صلى الله عليه وآله) نازلة قط إلا دعاه ثقةً به وما أطاق أحد عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) من هذه الأمة غیره وإن كان ليعمل عمل

ص: 188


1- بحار الأنوار، ج 21، ص 85 - 87، تفسير فرات الكوفي، ص 593 - 595

رجل كان وجهه بین الجنة والنار يرجو ثواب هذه ويخاف عقاب هذه، ولقد أعتق من ماله ألف مملوك في طلب وجه الله عز وجل والنجاة من النار مما كد بيديه ورشح منه جبينه، وإنه كان ليقوت أهله بالزيت والخل والعجوة وما كان لباسه إلا الكرابيس إذا فضل شيء عن يده من كمه دعا بالجلم فقصه، ولا أشبهه من ولده ولا من أهل بيته أحد أقرب شبها به في لباسه وفقهه من علي بن الحسین عليهما السلام)(1).

وروى زرارة أيضا قال: قيل لجعفر بن محمد عليه السلام: إن قوما هاهنا ينتقصون عليا (عليه السلام)، فقال: بم ينتقصونه لا أبا لهم؟! وهل فيه موضع نقيصة؟! والله ما عرض لعلي (عليه السلام) أمران قط كلاهما لله طاعة إلا عمل بأشدهما وأشقهما عليه! ولقد كان يعمل العمل كأنه قائم بین الجنة والنار، ينظر إلى ثواب هؤلاء فيعمل له، وينظر إلى عقاب هؤلاء فينتهي له، وإن كان ليقوم إلى الصلاة فإذا قال (وجهت وجهي) تغیر لونه حتى كان يعرف ذلك في لونه، ولقد أعتق ألف عبد من كد يده، يعرق فيه جبينه ويحفى فيه كفه، ولقد بشر بعین نبعت في ماله مثل عنق الجزور، فقال: بشر الوارث، ثم جعلها صدقة على الفقراء والمساكين وابن السبيل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ليصرف الله النار عن وجهه)(2).

قال تعالى: «أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ».

عن أبي جعفر عليه السلام قال إنما نزلت أفمن كان على بينة من ربه، يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويتلوه شاهد منه إماما ورحمة ومن قبله كتاب

ص: 189


1- كشف الغمة في معرفة الائمة، علي بن ابي الفتح الإربلي، ج 2، ص 297
2- بحار الأنوار، ج 34، ص 336

موسى أولئك يؤمنون به، فقدموا وأخروا في التأليف وقوله: «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا» أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم) يعني بالأشهاد الأئمة عليهم السلام «أَلَل لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ» لآل محمد (صلى لله عليه وآله) حقهم وقوله: «الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا» يعني يصدون عن طريق الله وهي الإمامة «ويبغونها عوجا» يعنى حرفوها إلي غيرها وقوله «مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ» قال ما قدروا ان يسمعوا بذكر أمیر المؤمنین عليه السلام وقوله «أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ» اي بطل «عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ» يعني يوم القيامة بطل الذين دعوا غیر أمیر المؤمنین عليه السلام وقال «إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ» اي: تواضعوا لله وعبدوه)(1).

روي من طريق القرشي عن سويد بن غفلة، قال: دخلت على علي كرم الله وجهه يوما وليس في داره سوى حصیر رث وهو جالس عليه، فقلت: يا أمیر المؤمنین أنت ملك المسلمين والحاكم عليهم وعلى بيت المال وتأتيك الوفود وليس في بيتك سوى هذا الحصیر، فقال: يا سويد إن اللبيب لا يتأنس في دار النقلة وأمامنا دار المقامة، قد نقلنا إليها متاعنا ونحن منقلبون إليها عن قريب.

قال: فأبكاني والله كلامه)(2).

وفي خطبة له (عليه السلام) يصف فيها المتقن رُوِیَ أَنَّ صَاحِباً لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ (علیه السلام) یُقَالُ لَهُ هَمَّامٌ کَانَ رَجُلاً عَابِداً، فَقَالَ لَهُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ صِفْ لِیَ الْمُتَّقِینَ حَتَّی کَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَیْهِمْ فَتَثَاقَلَ (علیه السلام) عَنْ جَوَابِهِ ثُمَّ قَالَ یَا هَمَّامُ اتَّقِ اللَّهَ وَ أَحْسِنْ فَإِنَّ اللّٰهَ مَعَ الَّذِینَ اتَّقَوْا وَ الَّذِینَ هُمْ مُحْسِنُونَ فَلَمْ یَقْنَعْ هَمَّامٌ بِهَذَا

ص: 190


1- تفسير القمي، ج 1، ص 325
2- شرح احقاق الحق، السيد المرعشي، ج 17، ص 589

الْقَوْلِ حَتَّی عَزَمَ عَلَیْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَی عَلَیْهِ وَ صَلَّی عَلَی اَلنَّبِیِّ صلی الله علیه و آله ثُمَّ قَالَ علیه السلام: (أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَی خَلَقَ الْخَلْقَ حَینَ خَلَقَهُمْ غَنِیّاً عَنْ طَاعَتِهِمْ، آمِناً مِنْ مَعْصِیَتِهِمْ، لِأَنَّهُ لاَ تَضُرُّهُ مَعْصِیَةُ مَنْ عَصَاهُ وَ لاَ تَنْفَعُهُ طَاعَةُ مَنْ أَطَاعَهُ فَقَسَمَ بَیْنَهُمْ مَعَایِشَهُمْ وَ وَضَعَهُمْ مِنَ الدُّنْیَا مَوَاضِعَهُمْ، فَالْمُتَّقُونَ فِیهَا هُمْ أَهْلُ الْفَضَائِلِ، مَنْطِقُهُمُ الصَّوَابُ وَ مَلْبَسُهُمُ الاِقْتِصَادُ وَ مَشْیُهُمُ التَّوَاضُعُ غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ وَ وَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَی الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ، نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِی الْبَلاَءِ کَالَّذِی نُزِّلَتْ فِی الرَّخَاءِ، وَ لَوْ لاَ الْأَجَلُ الَّذِی کَتَبَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِی أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَیْنٍ شَوْقاً إِلَی الثَّوَابِ وَ خَوْفاً مِنَ الْعِقَابِ، عَظُمَ الْخَالِقُ فِی أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِی أَعْیُنِهِمْ، فَهُمْ وَ اَلْجَنَّةُ کَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِیهَا مُنَعَّمُونَ... واستمر الإمام عليه السلام بوصف المتقین حتى عد جملة من صفاتهم إلى أن قال: لَهُ نَفْسُهُ مِنْهُ فِی عَنَاءٍ وَاَلنَّاسُ مِنْهُ فِی رَاحَةٍ، أَتْعَبَ نَفْسَهُ لِخِرَتِهِ وَأَرَاحَ اَلنَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ، بُعْدُهُ عَمَّنْ تَبَاعَدَ عَنْهُ زُهْدٌ وَنَزَاهَةٌ، وَ دُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنْهُ لِینٌ وَرَحْمَةٌ، لَيْسَ تَبَاعُدُهُ بِكِبْرٍ وَعَظَمَةٍ وَلاَ دُنُوُّهُ بِمَكْرٍ وَخَدِيعَةٍ، قَالَ فَصَعِقَ هَمَّامٌ صَعْقَةً كَانَتْ نَفْسُهُ فِيهَا، فَقَالَ أَمِیرُ اَلْمُؤْمِنِینَ عليه السلام أَمَا وَ اَللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا تَصْنَعُ اَلْمَوَاعِظُ اَلْبَالِغَةُ بِأَهْلِهَا)(1).

فالمتقون هم الذين اصطفاهم الله وفضلهم على سائر خلقه منهم الأنبياء والأولياء والحجج وأتباعهم الذين ساروا على نهجهم كسلمان والمقداد وعمار وغيرهم من أنصار أهل البيت فكل من يتبع الحق ويسیر على نهج علي (عليه السلام) يصل إلى أعلى المراتب والدرجات في الدنيا والآخرة.

ص: 191


1- نهج البلاغة، خطبة المتقين، ص 303

ص: 192

المصادر:

* نهج البلاغة، خطب الإمام علي (عليه السلام)، الوفاة: 40 ه، الطبعة الأولى/ سنة الطبع: 1387 - 1967.

* روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، محمد تقي المجلسي (الأول) الوفاة: 1070، تحقيق: نمقه وعلّق عليه وأشرف على طبعه «السيد حسین الموسوي الكرماني والشيخ علي پناه الإشتهاردي.

عدة الداعي ونجاح الساعي، ابن فهد الحلي (الوفاة: 841) تحقيق: تصحيح:

احمد الموحدي القمي.

* الأمالي: الشيخ الصدوق (الوفاة: 381) تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة - قم، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1417.

* الاحتجاج: الشيخ الطبرسي (الوفاة: 548) تحقيق: تعليق وملاحظات:

السيد محمد باقر الخرسان، سنة الطبع: 1386 - 1966 م، الناشر: دار النعمان للطباعة والنشر.

* اختيار مصباح السالكين: ابن ميثم البحراني (الوفاة: 679) تحقيق وتقديم وتعليق: الدكتور شيخ محمد هادي الأميني، الطبعة: الأولى، سنة الطبع:

1408 - 1366.

* كشف الغمة في معرفة الأئمة: علي بن أبي الفتح الإربلي (الوفاة: 693) الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1405 - 1985 م، الناشر: دار الأضواء - بیروت - لبنان.

* تفسير فرات الكوفی: فرات بن إبراهيم الكوفي (الوفاة: 352) تحقيق:

ص: 193

محمد الكاظم الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1410 - 1990 م، الناشر: مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي- طهران.

* الصحاح: الجوهري (الوفاة: 393) تحقيق: أحمد عبد الغفور العطار، الطبعة: الرابعة، سنة الطبع: 1407 - 1987 م: الناشر: دار العلم للملايین - بیروت - لبنان.

* كامل الزيارات: جعفر بن محمد بن قولوي (الوفاة: 367) تحقيق: الشيخ جواد القيومي، لجنة التحقيق الطبعة: الأولى، سنة الطبع: عيد الغدير 1417 / : مؤسس ة النشر الإسلامي.

* البرهان في تفسير القرآن: السيد هاشم البحراني (الوفاة: 1107) تحقيق:

قسم الدراسات الاسلامية / مؤسسة البعثة - قم.

* الكتاب: المحاسن: أحمد بن محمد بن خالد البرقي (الوفاة: 274) تحقيق:

تصحيح وتعليق: السيد جلال الدين الحسيني (المحدث) الطبعة: سنة الطبع: 1370 - 1330 ش، الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران.

* الكتاب: معجم الأفعال المتعدية بحرف: موسى بن محمد الملياني الأحمدي (نويوات)، الطبعة: الأولى سنة الطبع: 1410 - 1369 ش.

* العين: الخليل الفراهيدي (الوفاة: 175) تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي - الدكتور ابراهيم السامرائي، الطبعة: الثانية سنة الطبع: 1409 /: الناشر:

مؤسسة دار الهجرة.

* مجمع البحرين: الشيخ فخر الدين الطريحي (الوفاة: 1085) الطبعة: الثانية سنة الطبع: شهريور ماه 1362 ش.

* صحيح مسلم: مسلم النيسابوري (الوفاة: 261): الناشر: دار الفكر -

ص: 194

بیروت - لبنان.

* الغارات: إبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي (الوفاة: 283) تحقيق: السيد جلال الدين الحسيني الأرموي المحدث.

* علل الشرائع: الشيخ الصدوق (الوفاة: 381) تحقيق: تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، سنة الطبع: 138 - 1966 م،: الناشر: منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها - النجف الأشرف.

* وسائل الشيعة (آل البيت): الحر العاملي (الوفاة: 1104) تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليه السلام) لإحياء التراث، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1414: مهر - قم الناشر: مؤسسة آل البيت (عليه السلام) لإحياء التراث بقم المشرفة.

* فحات الأزهار: السيد علي الحسيني الميلاني، الطبعة: الأولى سنة الطبع: 1414.

* شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد (الوفاة: 656) تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع.

الأمالي الشيخ الطوسي، (الوفاة: 460) الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1414، الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع - قم.

* لسان العرب: ابن منظور (الوفاة: 711) سنة الطبع: محرم 1405، الناشر : نشر أدب الحوزة.

* التبيان في تفسير القرآن: الشيخ الطوسي (الوفاة: 460) تحقيق: تحقيق وتصحيح: أحمد حبيب قصير العاملي، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: رمضان المبارك 1409،: مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي.

* تفسير مجمع البيان: الشيخ الطبرسي (الوفاة: 548) تحقيق: تحقيق وتعليق

ص: 195

: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، الطبعة: الأولى سنة الطبع: 1415 - 1995 م، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بیروت - لبنان.

* كمال الدين وتمام النعمة المؤلف: الشيخ الصدوق (الوفاة: 381) سنة الطبع: محرم الحرام 1405 - 1363، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

* الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي.

* معجم مقاييس اللغة: أحمد بن فارس بن زكريا (ابن فارس) (الوفاة:

395) تحقيق: عبد السلام محمد هارون، الطبعة: سنة الطبع: 1404،: مكتبة الإعلام الإسلامي .

* الفروق اللغوية: أبي هلال العسكري (الوفاة: 395) تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: شوال المكرم 1412،: الناشر:

مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

* تفسير القمي: علي بن إبراهيم القمي (الوفاة: نحو 329) تحقيق: تصحيح وتعليق وتقديم: السيد طيب الموسوي الجزائري، الطبعة: الثالثة، سنة الطبع:

صفر 1404،: الناشر: مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر - قم - ايران.

* تفسير الميزان السيد الطبطبائي (الوفاة 1402) مؤسسة النشر الاسلامي جماعة المدرسين بقم المشرفة.

* الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل:

الزمخشري (الوفاة: 538) سنة الطبع: 1385 - 1966 م، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر.

* الكتاب: الخصال: الشيخ الصدوق حقيق: تصحيح وتعليق: علي أكبر

ص: 196

الغفاري، سنة الطبع: 18 ذي القعدة الحرام 1403 - 1362 ش، الناشر:

مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

* الإلهيات: تقرير بحث الشيخ السبحاني للمكي، تحقيق: محاضرات الشيخ جعفر السبحاني لشيخ حسن محمد مكي العاملي، الطبعة: الأولى سنة الطبع : 1409 - 1989 م، الناشر: الدار الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع - بیروت - لبنان.

* عيون أخبار الرضا (عليه السلام) الشيخ الصدوق (الوفاة 381) تحقيق الشيخ حسن الأعلمي / مؤسسة الاعلمي بیروت - لبنان.

* منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: حبيب الله الهاشمي الخوئي، الوفاة:

1324 تحقيق: سيد إبراهيم الميانجي، الطبعة: الرابعة،: مطبعة الاسلامية بطهران.

* بحار الأنوار: العلامة المجلسي، تحقيق: الشيخ عبد الزهراء العلوي الطبعة : سنة الطبع: 1403 - 1983: الناشر: دار الرضا - بیروت - لبنان.

* كتاب سليم بن قيس: سليم بن قيس الهلالي الكوفي، تحقيق: محمد باقر الأنصاري الزنجاني، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1422 - 1380 ش.

* مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام): ابن المغازلي (الوفاة: 483) الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1426 - 1384.

* مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): محمد بن سليمان الكوفي (الوفاة:

ح 300) تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، الطبعة: الأولى، سنة الطبع:

محرم الحرام 1412،: النهضة / الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية - قم المقدسة.

ص: 197

* هذه فاطمة دراسة وتحليل، السيد نبيل الحسني، اصدار شعبة الدراسة والبحوث الاسلامية في قسم الشؤن الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة، الطبعة الأولى: 1434 - 2013.

* شرح الأخبار: القاضي النعمان المغربي، (الوفاة: 363) تحقيق: السيد محمد الحسيني الجلالي، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1414 /: مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي الناشر.

* الكافي: الشيخ الكليني (الوفاة: 329) تحقيق: تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة: الخامسة، سنة الطبع: 1363 ش: حيدري الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران.

* اليقين: السيد ابن طاووس (الوفاة: 664) تحقيق: الأنصاري، الطبعة : الأولى، سنة الطبع: ربيع الثاني 1413، الناشر: مؤسسة دار الكتاب ( الجزائري).

* تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي (الوفاة: 463) تحقيق: دراسة وتحقيق:

مصطفى عبد القادر عطا، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1417 - 1997 م، الناشر: دار الكتب العلمية - بیروت - لبنان.

* روضة الواعظين: الفتال النيسابوري (الوفاة: 508) تحقيق: تقديم: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، الطبعة: الناشر: الشريف الرضي - قم.

* الروضة في فضائل أمیر المؤمنين (عليه السلام): شاذان بن جبرئيل القمي (ابن شاذان) الوفاة: نحو 660، تحقيق: علي الشكرچي، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1423.

* مناقب آل أبي طالب: ابن شهر آشوب (الوفاة: 588) تحقيق: تصحيح

ص: 198

وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، الطبعة: سنة الطبع: 1376 - 1956 م، : الحيدرية - النجف الأشرف الناشر.

* الطبقات الكرى: ابن سعد (الوفاة : 230): دار صادر - بیروت / الناشر : دار صادر - بيروت.

* السيرة الحلبية الحلبي (الوفاة: 1044) سنة الطبع: 1400: بیروت - دار المعرفة.

* حلية الأبرار: السيد هاشم البحراني (الوفاة: 1107) الشيخ غلام رضا مولانا البروجردي، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1411: مؤسسة المعارف الإسلامية - قم - ايران.

* أعيان الشيعة: السيد محسن الأمين (الوفاة: 1371) تحقيق: تحقيق وتخريج: حسن الأمين، الطبعة: الناشر: دار التعارف للمطبوعات - بیروت - لبنان.

* مكارم الأخلاق: الشيخ الطبرسي (الوفاة: 548) الطبعة: السادسة، سنة الطبع: 1392 - 1972 م،: الناشر: منشورات الشريف الرضي.

* قرب الاسناد: الحميري القمي (الوفاة: 304) تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليه السلام) لإحياء التراث الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1413،: مهر - قم الناشر: مؤسسة آل البيت (عليه السلام) لإحياء التراث - قم.

* شرح إحقاق الحق: السيد المرعشي (الوفاة: 1411) تحقيق: تعليق: السيد شهاب الدين المرعشي النجفي، الطبعة: الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي - قم - ايران.

* كامل الزيارات المؤلف: جعفر بن محمد بن قولويه (الوفاة: 367) تحقيق:

الشيخ جواد القيومي، لجنة التحقيق، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: عيد الغدير

ص: 199

1417،: مؤسسة النشر الإسلامي، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة.

* الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام): السيد جعفر مرتضى العاملي، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1430 - 1388، دفتر تبليغات اسلامي / الناشر:

ولاء المنتظر (عج).

* الإرشاد: الشيخ المفيد (الوفاة: 413)، تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليه السلام) لتحقيق التراث، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1414 - 1993 م، الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بیروت - لبنان * تاريخ الطبري: محمد بن جرير الطبري (الوفاة: 310) تحقيق: مراجعة وتصحيح وضبط: نخبة من العلماء الأجلاء، الطبعة: الرابعة، سنة الطبع:

1403 - 1983 م، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بیروت - لبنان.

* موسوعة الامام علي (عليه السلام) صوت العدالة الانسانية المؤلف جورج جرداق، الناشر العتبة العلوية المقدسة، الطبعة الاولى، تاريخ الطبع 1433 - 2012 م.

* تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) المؤلف: المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السلام) الوفاة: 260 ، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام) الطبعة: الأولى محققة سنة الطبع: ربيع الأول 1409: مهر - قم المقدسة الناشر: مدرسة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف - قم المقدسة.

* التفسير الصافي: الفيض الكاشاني (الوفاة: 1091) تحقيق: صححه وقدم له وعلق عليه العلامة الشيخ حسن الأعلمي، الطبعة: الثانية، سنة الطبع:

رمضان 1416 - 1374 ش،: مؤسسة الهادي - قم المقدسة.

* التفسر الأصفى، المؤلف: الفيض الكاشاني، الوفاة: 1091، تحقيق: مركز

ص: 200

الأبحاث والدراسات الإسلامية، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1418 - 1376 ش،: مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي.

* تفسير نور الثقلين: الشيخ الحويزي (الوفاة: 1112)، تحقيق: تصحيح وتعليق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي، الطبعة: الرابعة، سنة الطبع: 1412 - 1370 ش،: مؤسسة إسماعيليان الناشر: مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع - قم.

* ميزان الحكمة، المؤلف: محمد الريشهري، تحقيق: دار الحديث، الطبعة:

الأولى سنة الطبع: : دار الحديث، الناشر: دار الحديث.

* بصائر الدرجات: محمد بن الحسن بن فروخ (الصفار) (الوفاة: 290) تحقيق: تصحيح وتعليق وتقديم: الحاج ميرزا حسن كوچه باغي، الطبعة:

سنة الطبع: 1404 - 1362 ش،: مطبعة الأحمدي - طهران / الناشر:

منشورات الأعلمي- طهران.

* بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، العلامة المحقق الحاج الشيخ: محمد تق ي التستري، مؤسسة التاريخ العربي، الطبعة الاولى، 1432 - 2011 م.

* كنز الفوائد: أبي الفتح الكراجكي، الوفاة: 449، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1369 ش،: غدير، الناشر: مكتبة المصطفوي - قم.

* إعلام الورى بأعلام الهدى، المؤلف: الشيخ الطبرسي، (الوفاة: 548) تحقيق: مؤسسة آل البيت (عليه السلام) لإحياء التراث، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: ربيع الأول 1417 /: ستارة - قم / الناشر: مؤسسة آل البيت (عليه السلام) لإحياء التراث - قم المشرفة.

ص: 201

* المغازي الواقدي، الوفاة: 207، تحقيق: الدكتور مارسدن جونس، الطبعة:

سنة الطبع: رمضان 1405.

* عيون أخبار الرضا (عليه السلام) المؤلف: الشيخ الصدوق، الوفاة:

381، تحقيق: تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسن الأعلمي، الطبعة:

سنة الطبع: 1404 - 1984 م،: مطابع مؤسسة الأعلمي - بیروت – لبنان / الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بیروت - لبنان.

* معاني الأخبار: الشيخ الصدوق (الوفاة: 381) تحقيق: تصحيح وتعليق:

علي أكبر الغفاري سنة الطبع: 1379 - 1338 ش،: الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

* تفسر العياشي: محمد بن مسعود العياشي، الوفاة: 320، تحقيق: الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي، الطبعة: الناشر: المكتبة العلمية الإسلامية - طهران.

* الأربعون حديثا: منتجب الدين بن بابويه (الوفاة: 585) تحقيق: مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام) الطبعة: الأولى، سنة الطبع: محرم الحرام 1408،: أمير - قم / الناشر: مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام) - قم.

* كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء: الشيخ جعفر كاشف الغطاء (الوفاة: 1228) تحقيق: مكتب الإعلام الإسلامي، فرع خراسان - المحققون:

عباس التبريزيان، محمد رضا الذاكري (طاهريان) وعبد الحليم الحلي، الطبعة:

الأولى، سنة الطبع: 1422 - 1380 ش،: مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، الناشر: مركز انتشارات دفتر تبليغات اسلامى (مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي.

* تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله): ابن شعبة الحراني تحقيق:

ص: 202

تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1404 - 1363 ش،: الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

* خصائص الوحي المبين: ابن البطريق (الوفاة: 600) تحقيق: الشيخ مالك المحمودي، الطبعة: الأولى، سنة الطبع: 1417،: نگین - قم الناشر: دار القرآن الكريم.

* مروج الذهب ومعادن الجوهر: المسعودي (الوفاة: 346) الطبعة: الثانية، سنة الطبع: 1404 - 1363 ش - 1984 م،: الناشر: منشورات دار الهجرة ايران - قم.

* مستدرك الوسائل ميرزا الحسين النوري الطرسي، (الوفاة: 1320) تحقيق:

مؤسسة آل البيت (عليه السلام) لإحياء التراث، الطبعة: الأولى المحققة، سنة الطبع: 1408 - 1987 م،: الناشر: مؤسسة آل البيت (عليه السلام) لإحياء التراث - بیروت - لبنان.

* خصائص الأئمة: الشريف الرضي (الوفاة: 406) تحقيق: محمد هادي الأميني الطبعة: سنة الطبع: ربيع الثاني 1406: /الناشر: مجمع البحوث الإسلامية، الآستانة الرضوية المقدسة، مشهد - إيران.

* المحاسن: أحمد بن محمد بن خالد البرقي (الوفاة : 274) تحقيق: تصحيح وتعليق: السيد جلال الدين الحسيني (المحدث)، الطبعة: سنة الطبع: 1370 - 1330 ش،: الناشر: دار الكتب الإسلامية -طهران.

ص: 203

المحتويات

مقدمة المؤسسة...5

المقدمة:...7

تمهيد:...10

ميزان المنزلة:...12

المبحث الأول

(مفهوم المنزلة الخصيصة ومصداقها)...16

المسألة الأولى:

(المنزلة: في اللغة، في القرآن)

أولاً: (المنزلة لغة)...16

ثانياً: (المنزلة في القرآن)...18

أ- منازل الأنبياء في القرآن:...19

ب- منازل الأئمة (عليهم السلام) وسائر العباد الصالحين في القرآن:...21

المسألة الثانية:

(الخصيصة ومصداقها).

أولاً: الخصيصة لغة:

ثانياً: مصداق منزلته (عليه السلام) من خلال حديث المنزلة:

1- حديث المنزلة يوم غزوة تبوك:

ص: 204

2- حديث المنزلة يوم فتح خيبر:...24

3- حديث المنزلة عند ولادة الامام الحسن والحسين (عليه السلام):...25

4- حديث المنزلة عند سد الأبواب:...26

5- حديث المنزلة يوم المؤاخاة:...26

6- حديث المنزلة في خبر يرويه سليمان...26

7- حديث المنزلة في فضل عقيل وجعفر...26

8- حديث المنزلة في مواضع أخرى...27

9- حديث المنزلة في عشرة مواضع...27

أ- بيان أمر الوزارة:...27

ب- بيان الأخوة الخاصة بين النبي وعلي:...28

ج- المؤازرة:...31

د: بيان أمر الولاية:...32

المبحث الثاني

(مفهوم القرابة القريبة ومصداقها)...37

المسألة الأولى: (القرابة لغة)...38

القرابة لغة:...38

المسألة الثانية: (قرابة علي من رسول الله في القرآن والسنة)...40

أولاً: قرابته من خلال القرآن:...40

ثانياً: قرابته من خلال السُنّة:...51

ص: 205

وهذه القرابة تنقسم على قسمين:...51

أ- قرابة نسبية:...51

أولاً- قرابته عن طريق العشيرة:...51

ثانياً- ابن عم النبي:...53

ب- قرابة سببية:...56

وتنقسم هذه القرابة على قسمين:...56

أولاً- زوج ابنته:...56

ثانياً: أبو ولده:...62

المسألة الثالثة: (من مصاديق القرابة القريبة اختصاصه برعاية رسول الله)...67

أولاً- البشائر قبل ولادته (عليه السلام):...68

ثانياً: أهم الأسباب التي دعت رسول الله لتكفّل علي ورعايته:...75

أ- وَضَعَنِي فِی حَجْرِهِ وَأَنَا وَلِيدٌ:...76

ب- يَضُمُّنِي إِلَی صَدْرِهِ:...77

ج- وَيَكْنُفُنِي فِی فِرَاشِهِ، وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ:...78

د- وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ: (العَرف: الرائحة)....79

المبحث الثالث:

(اختصاصه بمجاورة الرسول (صلى الله عليه وآله) في حراء ونزول الوحي)...89

المسألة الأولى: (حضوره مع النبي في حراء كل سنة)...90

المسألة الثانية: (اختصاصه بالأسبقية للإسلام)....93

ص: 206

المسألة الثالثة: (اختصاصه برؤية نور الوحي، وشم ريح النبوة، واستماع رنين الشيطان)...103

أ- رؤية نور الوحي:...103

ب- شم ريح النبوة:...108

ج- استماع رنين الشيطان:...111

المسألة الرابعة:...114

(اختصاصه بالوزارة)...114

المبحث الرابع:

(اختصاصه بأول من آمن بالنبي (صلى الله عليه وآله) وأول مصدق)...119

المسألة الأولى: (المعجزة وآثارها في البلاغ والاحتجاج)...123

1- آية:...123

2- بينة:...123

3- برهان:...123

أ- قلع الشجرة من عروقها:...126

ب- اخبارهم بالغيبيات:...130

المسألة الثانية: إيمان علي (عليه السلام) بالنبي (صلى الله عليه وآله)...138

قوله عليه السلام: (إِنِّی أَوَّلُ مُؤْمِنٍ بِكَ يَا رَسُولَ الله)...138

المسألة الثالثة: (اختصاصه بسيماء الصديقين)...144

أولاً: (وَ إِنِّی لِمَنْ قَوْمٍ لاَ تَأْخُذُهُمْ فِی اَللَّهِ لَوْمَةُ لاَئِمٍ)...144

ثانياً: (سِيمَاهُمْ سِيمَا اَلصِّدِّيقِينَ):...151

ص: 207

ثالثاً: (وَ كَلاَمُهُمْ كَلاَمُ اَلْأَبْرَارِ):...157

رابعاً: (عُمَّارُ اَللَّيْلِ، وَ مَنَارُ اَلنَّهَارِ):...160

خامساً: (مُتَمَسِّكُونَ بِحَبْلِ اَلْقُرْآنِ):...165

سادساً: (يُحْيُونَ سُنَنَ الله وَ سُنَنَ رَسُولِهِ):...168

سابعاً: (لاَ يَسْتَكْبِرُونَ وَ لاَ يَعْلُونَ وَلاَ يَغُلُّونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ):...173

أولاً/ التكبر والتعالي:...173

ثانيا/ الغل:...175

ثالثاً- الفساد:...179

ثامناً: (قُلُوبُهُمْ فِی اَلْجِنَانِ وَ أَجْسَادُهُمْ فِی اَلْعَمَلِ):...184

المصادر:...193

ص: 208

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.