من النتاج الفكري لأمير المؤمنين عليه السلام تفسيره المغيب للقرآن الكريم وأدعيته العلوية

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية

2871 لسنة 2017

مصدر الفهرسة: IQ - KaPLI ara IQ - KaPLI rda.

رقم تصنیف LC : BP223.5 .A2 M8 2017.

المؤلف الشخصی: بشیر، خلیل خلف.

العنوان: من النتاج الفکری لأمیر المؤمنین (علیه السلام) تفسیره المغیب للقرآن الکریم وأدعیته العلویة /

بیانات المسؤولیة: تألیف الأستاذ المساعد الدکتور خلیل خلف بشیر، تقدیم السید نبیل الحسنی الکربلائی.

بیانات الطبعة: الطبعة الأولی.

بیانات النشر: کربلاء: العتبة الحسینیة المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

1438 ه = 2017 م.

الوصف المادی: 168 صفحه.

سلسلة النشر: سلسلة الکتب العلمیة (11)؛ مؤسسة علوم نهج البلاغة.

تبصرة ببیلو غرافیة: الکتاب یتضمن هوامش - لائحة المصادر (الصفحات 153 - 166)

تبصرة محتویات:

موضوع شخصی: علی بن أبی طالب (علیه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجریا -.

موضوع شخصی: علی بن أبی طالب (علیه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجریاً - نظریته حول التفسیر.

موضوع شخصی: علی بن أبی طالب (علیه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجریاً - نظریته حول الدعاء.

موضوع شخصی: الشریف الرضی، محمد بن الحسین بن موسی، 359 - 406 هجریا - نهج البلاغة.

مصطلح موضوعی: الدعاء فی نهج البلاغة.

مؤلف إضافی: الشریف الرضی، محمد بن الحسین بن موسی، 359 - 406 هجریا - نهج البلاغة.

مؤلف إضافی: الحسنی، نبیل قدوری، 1965، مقدم.

عنوان إضافی: نهج البلاغة - شرح.

تمت الفهرسة قبل النشر فی مکتبة العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 1

اشارة

من النتاج الفكري لأمير المؤمنين (عليه السلام) تفسيره المغيب للقرآن الكريم وأدعيته العلوية

ص: 2

سلسلة الدراسات والبحوث

وحدة المعارف الحكمية

-11-

من النتاج الفكري لأمير المؤمنين (عليه السلام) تفسيره المغيب للقرآن الكريم وأدعيته العلوية

تألیف : د. خلیل خلف بشیر

اصدارمؤسسة علوم نهج البلاغة فی العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1438 ه - 2017 م

العراق: كربلاء المقدسة - شارع السدرة

- مجاور مقام علي الاكبر (عليه السلام)

مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف: 07728243600

07815016633

الموقع الالكتروني: www.inahj.org

الايميل: Inahj.org@gmail.com

تنويه:

إن الأفكار والآراء الواردة في هذا الكتاب تعبر

عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعبر بالظرورة عن

وجهة نظر العتبة الحسينية المقدسة

ص: 4

الإهداء

قال شاعر:

لا عذّب الله أُمي إنّا شربتْ... *** حبَّ الوصيِّ وغذّتنيه باللبنِ

وكان لي والدٌ يهوى أبا حسنٍ... *** فصرتُ من ذي وذا أهوى أبا حسنِ

إليك يا وليد الكعبة وشهيد المحراب، ويا مثال العدل وبطل

الحِراب، ويا معدن الحكمة وفصل الخطاب، ويا أيها العبقري الفذ

والإنسان العُجاب، ويا من عنده - دون سواه - علم الكتاب.

إليك يا علي المرتضى، وابن عم المصطفى، وزوج البضعة الزهراء،

وأبا الحسن المجتبى والحسن سيد الشهداء.

أهدي هذه البضاعة المزجاة مع رجائي من الله ومنك الشفاعة

والقبول.

المؤلف

ص: 5

ص: 6

مقدمة المؤسسة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن والاها، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين.

أما بعد: فلم يزل كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) منهلاً للعلوم من حيث التأسيس والتبيين ولم يتقصر الأمر على علوم اللغة العربية أو العلوم الإنسانية، بل وغيرها من العلوم التي تسير بها منظومة الحياة وإن تعددت المعطيات الفكرية، إلا أن التأصيل مثلما يجري في القرآن الكريم الذي ما فرط الله فيه من شيء كما جاء في قوله تعالى: «مَا فَرَّطْنَا فِی الْكِتَابِ مِنْ شَیْءٍ»(1)، كذا يجري مجراه في قوله تعالى: «وَكُلَّ شَیْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِی إِمَامٍ مُبِينٍ»(2)، غاية ما في الأمر أن أهل الاختصاصات في العلوم كافة حينما يوفقون للنظر في نصوص الثقلين يجدون ما تخصصوا فيه حاضراً وشاهداً فيهما، أي في القرآن الكريم وحديث العترة النبوية (عليهم السلام) فيسارعون وقد أخذهم الشوق لإرشاد العقول إلى تلك السنن والقوانين والقواعد والمفاهيم والدلالات في القرآن الكريم والعترة النبوية.

ص: 7


1- الأنعام: 38
2- يس: 12

من هنا ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تتناول تلك الدراسات العلمية المختصة بعلوم نهج البلاغة وبسيرة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وفكره ضمن سلسلة علمية وفكرية موسومة ب(سلسة الكتب العلمية) والتي يتم عبرها طباعة هذه الكتب واصدارها ونشرها في داخل العراق وخارجه بغية إيصال هذه العلوم إلى الباحثين والدارسين واعانتهم على تبيين هذا العطاء الفكري والانتهال من علوم أمير المؤمنين علی (عليه السلام) والسير على هديه وتقديم رؤى علمية جديدة تسهم في إثراء المعرفة وحقولها المتعددة.

ولذا: كان البحث الموسوم ب(من النتاج الفكري لأمير المؤمنين عليه السلام تفسيره المغيب للقرآن الكريم وأدعيته العلوية) واحداً من العناوين المهمة التي تناول فيها الباحث نتاجين فكريين من نتاجات أمير المؤمنين (عليه السلام) التي لا تنضب ألا وهي تفسيره للقرآن الكريم المغيب، وأدعيته المباركة، فقد تجلت قدرته (عليه السلام) في تبيان وتفسير القرآن فهو الذي قال فيه عز وجل: «وَكُلَّ شَیْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِی إِمَامٍ مُبِينٍ».

فجزى الله الباحث خير جزاء المحسنين فقد بذل جهده وعلى الله أجره..

والحمد لله رب العالمين.

السيد نبيل قدوري الحسني رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8

مقدمة المؤلف

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد وعلى إله الطيبين الطاهرين، وصحبه المنتجبين، وبعد: فإن البحث في نتاج فكري لعظيم من عظماء الإنسانية مثل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) شاق ومضن ولاسيما وأن حياة أمير المؤمنين ملأى بالنتاجات الاجتماعية والاقتصادية والدينية والفكرية، وغيرها، وفي هذا الكتاب ارتأيت أن أسلط الضوء على نتاجين فكريين من نتاجاته هما: تفسيره المغيب، وأدعيته المباركة، وقد جعلتُ كل نتاج في فصل مقسّماً كل فصل على فقرات فقد سمّيتُ الفصل الأول: تفسير الإمام علی (عليه السلام) المغيب للقرآن الكريم، وشمل مدخلاً تحدثتُ فيه عن شخصية أمير المؤمنين الفكرية ثمّ أعقبته بموضوعات هي: القرآن في رؤية أمير المؤمنين، والتفسير والتأويل، واحتجاجاته القرآنية، والتفسير المغيّب الذي شمل عنوانين فرعيين هما: تفسير الإمام علی (عليه السلام) وأهميته ومنهجه في التفسير على نماذج مختارة من تفسيره المغيّب في سور: (الفاتحة، والبقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة، ويونس، وهود، ويوسف، والرعد،)، والتفسير في نهج البلاغة،وعلی (عليه السلام) والقرآن.

أما الفصل الثاني فقد سمّيته: الدعاء عند أمير المؤمنين - أدعية نهج البلاغة أنموذجاً، وقد بدأته بمدخل عنوانه (الدعاء ونهج البلاغة) ثمّ تلوته بموضوعات

ص: 9

هي: عناصر الدعاء في نهج البلاغة، وبلاغة الدعاء في نهج البلاغة، وأغراض الدعاء في نهج البلاغة، وصور بلاغية في أدعية نهج البلاغة، خاتماً إياه بالاقتباس القرآني في أدعية أمير المؤمنين.

وعلى الرغم من كثرة الدراسات الأكاديمية حول شخصية الإمام علی (عليه السلام) إلا إنّ الدراسات التي عكفت على دراسة تفسيره كانت قليلة نوعاً ما، وأذكر هنا دراستين هما:

1- الإمام علی بن أبي طالب مفسرّاً للقرآن - الدكتور أحمد راسم النفيس الذي اقتصر على رؤى الإمام التفسيرية في نهج البلاغة، ولم يتطرق إلى آرائه التفسيرية في المصادر الأخرى.

2- تفسير القرآن الكريم برواية الإمام علی - السيد علی عاشور الذي خلط الغث بالسمين، والعاطل بالثمين فقد ذكر آراء تفسيرية كثيرة منسوبة لأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وأسباب نزول الآيات، وفضل السور القرآنية، وقد أجاد في تخريج الأحاديث الشريفة.

لذا رأيت من واجبي أن أتصدى لهذه الدراسة من أجل إغنائها، وإنصاف جهد الإمام المشتت في المصادر لينتفع منه الدارسون في مجال الفكر والتفسير «وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللِّهَ عَلَيِْه تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ» هود / الآية 88.

الباحث

ص: 10

الفصل الأول تفسير الإمام علي (عليه السلام) المغيّب للقرآن الكريم

ص: 11

ص: 12

المدخل: شخصية أمير المؤمنين الفكرية

لقد لفت الإمام علی (عليه السلام) انتباه الفكر الإنساني عامةً بشخصيته الفذة النادرة الملهمة فكان موسوعة فكرية عامة تألقت في مختلف ميادين الفكر والمعرفة لذا تراه مؤسساً لكثير من العلوم بمختلف تقسيماتها، ولا غرابة في ذلك فقد استقی علمه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقد تربى في حجره منذُ الصغر، وفتح ((عينيه على الطريق التي رسمها ابن عمه، وعرف العبادة أول ما عرفها من صلاته، ونَعِمَ بعطفه وحنانه وإخائه... وخفق قلب علی أول ما خفق بحب ابن عمه، ونطق لسانه أول ما نطق بما لقّنه إياه من رائع القول، واكتملت رجولته أول ما اكتملت لمؤازرة النبي المضطهد))(1) وارتشف منه التقى والهدى والإيمان والعلم والمعرفة والحكمة فكان له أباً وأخاً وصديقاً وأستاذاً كما يشير إلى ذلك في قوله ((أَنَا وَضَعْتُ فِی الصِّغَرِ بِكَلَكِلِ الْعَرَبِ وَكَسَرْتُ نَوَاجِمَ قُرُونِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) بِالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَالْمَنْزِلَةِ الْخَصِيصَةِ وَضَعَنِي فِی حِجْرِهِ وَأَنَا وَلَدٌ يَضُمُّنِي إِلَی صَدْرِهِ وَيَكْنُفُنِي فِی فِرَاشِهِ وَيُمِسُّنِي جَسَدَهُ وَيُشِمُّنِي عَرْفَهُ وَكَانَ يَمْضَغُ الشَّیْءَ ثُمَّ يُلْقِمُنيِهِ وَمَا وَجَدَ لِی كَذْبَةً فِی قَوْلٍ وَلَا خَطْلَةً فِی فِعْلٍ وَلَقَدْ قَرَنَ الله بِهِ (صلى الله عليه وآله) مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَئِكَتِهِ يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ

ص: 13


1- الإمام علي صوت العدالة الإنسانية / جورج جرداق 68

الْمَكَارِمِ وَمَحَاسِنَ أَخْلاَقِ الْعَالَمِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلاَقِهِ عَلَماً وَيَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ وَلَقَدْ كَانَ يُجَاوِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ بِحِرَاءَ فَأَرَاهُ وَلاَ يَرَاهُ غَيْرِي وَلَمْ يَجْمَعْ بَيْتٌ وَاحِدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الْإِسْلاَمِ غَيْرَ رَسُولِ الله (صلی الله علیه و آله) وَخَدِيجَةَ وَأَنَا ثَالِثُهُمَا أَرَى نُورَ الْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ وَأَشُمُّ رِيحَ النُّبُوَّةِ وَلَقَدْ سَمِعْتُ رَنَّةَ الشَّيْطَانِ حِينَ نَزَلَ الْوَحْيُ عَلَيْهِ (صلی الله علیه و آله) فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله مَا هَذِهِ الرَّنَّةُ فَقَالَ هَذَا الشَّيْطَانُ قَدْ أَيِسَ مِنْ عِبَادَتِهِ إِنَّكَ تَسْمَعُ مَا أَسْمَعُ وَتَرَى مَا أَرَى إِلاَ أَنَّكَ لَسْتَ بِنَبِيٍّ وَلَكِنَّكَ لَوَزِيرٌ وَإِنَّكَ لَعَلَى خَيْرٍ وَلَقَدْ کُنْتُ مَعَهُ (صلی الله علیه وآله) لَمَّا أتَاهُ المَلأ مِنْ قُرَیش فَقَالُوا لَهُ یا مُحَمّدُ إنَّکَ قَدِ ادَّعَیتَ عَظِیماً لَمْ یدَّعِهِ آباؤُکَ وَلا أحَدٌ مِنْ بَیتکَ وَنَحْنُ نَسْألُکَ أمْراً إنْ أجَبْتَنَا إلَیه وَأرَیتَنَاهُ عَلمنَا أنَّکَ نَبِی وَرَسُولٌ وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ عَلِمْنَا أنَّکَ سَاحِرٌ کَذَّابٌ فَقَالَ (صلی الله علیه و آله) وَمَا تَسْألُونَ قَالُوا تَدْعُو لَنَا هِذِه الشَّجَرَةَ حَتَّی تَنْقَلِعَ بِعُرُوقهَا وَتَقفَ بَینَ یدَیکَ فَقَال (صلی الله علیه و آله) إنَّ اللَّهَ عَلَی کُلِّ شیء قَدِیرٌ فَإنْ فَعَلَ اللَّهُ لَکُمْ ذلِکَ أتُؤْمِنُونَ وَتَشْهَدُونَ بِالحَقِّ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَإنِّی سَأُرِیکُمْ مَا تَطْلُبُونَ وَإنِّی لأعْلَمُ أنَّکُمْ لا تَفِیئُونَ إلی خَیرِ وإنَّ فِیکُمْ مَنْ یطرَحُ فِی القَلیب وَمَنْ یحَزِّبُ الأحْزَابَ ثُمَّ قَالَ (صلی الله علیه و آله): یَا أیتُهَا الشَّجَرَةُ إنْ کُنتِ تُؤمنِینَ باللهِ والیومِ الآخِرِ وَتَعْلمین أنِّی رسول الله فَانْقَلعِی بِعُرُوِقک حَتَّی تَقِفی بَینَ یدَی بإذْنِ اللهِ فوَالَّذی بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لانْقَلَعتْ بِعُرُوقهَا وَجَاءَتْ وَلَها دَوِی شَدِیدٌ وَقَصْفٌ کَقَصْفِ أجْنِحَة الطَّیرِ حَتَّی وَقَفَتْ بَینَ یَدَی رَسُولِ اللهِ (صلی الله علیه و آله) مُرَفْرفَةً وألْقَتْ بِغُصنَها الأعْلَی عَلَی رَسُولِ اللهِ (صلی الله علیه و آله) وَبِبَعْضِ أغْصَانِهَا عَلَی مَنْکبِی وَکنْتُ عَنْ یمینِه (صلی الله علیه و آله) فَلَمَّا نَظَرَ الْقَوْمُ إلَی ذلکَ قَالوُا عُلُوَّاً وَاُسْتکْبَاراً فَمُرْها فَلْیأتِکَ نِصْفُهَا وَیبْقَی نِصْفُهَا فَأمَرَهَا بِذَلِکَ فَأقْبَلَ إلَیهِ نِصْفُهَا کَأعْجَبِ إقْبَال وَأشَدِّهِ دَوِیاً فَکَادَتْ تَلتَفُّ برسول الله (صلی الله علیه و آله) فَقَالُوا کُفْراً وَعُتُوَّاً فَمُرْ هَذا النِّصْفَ فَلْیرْجِعِ إلَی نِصْفِهِ کَمَا کَانَ فَأمَرَه (صلی الله علیه و آله) فَرَجَعَ فَقُلْتُ أنَا لا إلهَ

ص: 14

إلا اللهُ إنِّی أوَّلُ مُؤْمِن بِکَ یا رَسُولَ اللهِ وَأوَّلُ مَنْ أقَرَّ بأنَّ الشَّجَرَةَ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ بِأمْرِ اللهِ تَعَالی تَصْدیقاً بِنُبُوَّتِکَ وَإجْلالاً لِکَلِمَتکَ فَقَالَ القَوْمُ کُلُّهُمِّ بَلْ سَاحِرٌ کَذَّابٌ عَجِیبُ السِّحْرِ خَفِیفٌ فیهِ وَهَلْ یصَدِّقُکَ فِی أمْرِکَ إلّا مِثُلُ هذَا یعْنُونَنی وَإنِّی لَمِنْ قَوْم لَا تَأُخُذُهُمْ فِی اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ سِیمَاهُمْ سِیمَا الصِّدِّیقینَ وَکَلامُهُمْ کَلامُ الأبْرَارِ عُمَّارُ اللَّیلِ وَمَنَارُ النَّهارِ مُتَمَسِّکُوَن بِحَبْلِ الْقُرآنَ یُحْیُونَ سُنَنَ اللهِ وَسُنَنَ رَسُولِهِ لَا یَسْتَکْبِرُونَ وَلَا یَعْلُونَ وَلَا یَغُلُّونَ، وَلَا یُفْسِدُونَ قُلُوبُهُمْ فِی الجْنَانِ وَأجْسَادُهُمْ فِی الْعَمَلِ))(1).

وتكشف هذه الرواية عن شدة العلاقة ومدى الرابطة الحميمة بين علی (عليه السلام)، والنبي (صلى الله عليه وآله) والموقع والمكانة التي يشغلها من اهتمامه بتلقيه علوم الوحي وتفسير كتاب الله، وأنه كان يلقي عليه من أخلاقه وعلومه وتجاربه، وبالمقابل كان علی يتلقى كل ما يفيض عليه معلمه ومربيه من صنوف المعرفة، وهذا يدل على أنه تلقى عن معلمه الأوحد كل ما علّمه إياه(2)، ومن ذلك علوم القرآن من التأويل والتفسير، والناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والخاص والعام وغير ذلك كما يتضح من الرواية الآتية ((وقد كنت أدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله كل يوم دخلة وكل ليلة دخلة فيخليني فيها أدور معه حيث دار، وقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري فربما كان في بيتي يأتيني رسول الله صلى الله عليه وآله أكثر ذلك في بيتي وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني وأقام عني نسائه. فلا يبقى عنده غيري وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عني فاطمة ولا أحد من بني، وكنت إذا سألته أجابني وإذا سكت عنه وفنيت مسائلي ابتدأني، فما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علی فكتبتها بخطي وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها

ص: 15


1- نهج البلاغة / أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الخطبة 192، ص 348 - 350
2- ينظر: مدارس التفسير الإسلامي / علي أكبر بابائي 1 / 71

ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وخاصها وعامها، ودعا الله أن يعطيني فهمها، وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله ولا علما أملاه علی وكتبته، منذ دعا الله لي بما دعا، وما ترك شيئا علمه الله من حلال ولا حرام، ولا أمر ولا نهي كان أو يكون ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته، فلم أنس حرفا واحدا، ثم وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملا قلبي علما وفهما وحكما ونورا، فقلت: يا نبي الله بأبي أنت وأمي منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئا ولم يفتني شئ لم أكتبه أفتتخوف علی النسيان فيما بعد؟ فقال: لا لست أتخوف عليك النسيان والجهل))(1).

ويعد أمير المؤمنين (عليه السلام) سبّاقاً في كثير من العلوم كالنحو، وعلوم القرآن - ومنه التفسير -، والفيزياء، والكيمياء، والرياضيات، وأسرار الكون، وغيرها فقد فهم الدارسون من مقولة الإمام (الإنسان يشارك السبع الشداد)(2) أنّ الإنسان سيتمكن من ارتقاء السماء، والتعرف على أسرار القمر والمريخ والزهرة وزحل والكواكب الأخرى فيكون الإمام قد سبق العلماء في ما توصلوا إليه حديثاً، وكذا في قوله (في التجارب علم مستفاد)(3)، وقوله (ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة)(4) فقد سبق الإمام بيكون في اكتشاف الطريقة التجريبية في العلوم الطبيعية لقد كان علی (عليه السلام) رجل علم قبل أن يكون رجل دين، وقد أحبّ العلم،

ص: 16


1- الكافي / الكليني 1 / 64
2- وردت هذه المقولة في شرح رسالة الحقوق / حسن السيد عي القبانچي 84 مقرونة بمقولة غره (الإنسان مركز الكون)
3- المقولة لأمیر المؤمنین وردت في ميزان الحكمة / محمد الريشهري 1 / 376، وهناك مقولة أخرى له أوردها في الموضع نفسه هي (الأمور بالتجربة، والأعال بالخرة)
4- من وصاياه لكميل بن زياد ينظر: تحف العقول / ابن شعبة الحراني 171

فكان وعاءً لعلوم شتى، ولو بثّ علومه كلها لتحولت الدنيا إلى غيرها، وتغير وجه الحياة، وازدهرت بال ربكات والخيرات، وتحولت الأرض إلى بساط أخضر وربيع مقرّ ولكان لإسلام دين الأرض وسيّد الدنيا، وارتقت البشرية إلى مرحلة فكرية فلا ظلم ولا تخلف ولا فساد ولأكلنا من ثمرات الأرض، ولو جمعنا ما روي عنه لأدركنا أنه رجل علم ومدرسة علمية لكنه عاش في مجتمع لم يعرف للعلم ثمناً، ولا للعلماء وزناً(1) فهو القائل: ((بَلِ انْدَمْجَتُ عَلىَ مَكْنُونِ عِلْمٍ لَوْ بُحْتُ بِهِ لَضْطَرَبْتُمْ اضْطِرَابَ الْأَرْشِيَةِ فِی الطَّوِيِّ الْبَعِيدَةِ))(2)، فهذا العلم الجم الذي لم يجد من يعينه، والعلم المكنون الذي إباحته تقتضي اضطراب سامعيه، ليس علما قد اكتسبه بقراءة ودراسة ومباحثة وتكرار، بل هو علم لدني قذف الله تعالى نوره في قلبه من مشكاة تقواه، وألهمه إياه لما تحلى زهده في متاع دنياه(3)، فهو القائل: ((عندي علم المنايا والبلايا والوصايا والأنساب والأسباب وفصل الخطاب ومولد الإسلام موارد الكفر وأنا صاحب الميسم وأنا الفاروق الأكبر ...))(4)، وكذا القائل: ((والله لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت، ولكن أخاف أن تكفروا فيّ برسول الله صلى الله عليه وآله))(5) فلم يستفيدوا من علمه فهو حينما كان يقول (سلوني قبل أن تفقدوني() فكان سعد بن أبي وقاص يسأله: كم شعرة في رأسي ولحيتي؟ استهزاءً بما طرحه الإمام فيجيبه الإمام عن مغيّب: (إنّ في بيتك سخلاً يقتل ابن رسول الله)

ص: 17


1- ينظر: الإمام علي القرآن الناطق/ نعمة هادي الساعدي 247
2- نهج البلاغة،الخطبة 5، ص 32. واندمجت: انطويت. والطوى: البئر المطوية بالحجارة (ينظر: شرح نهج البلاغة / ابن أبي الحديد 1 / 213. والأرشية الحبال، وأحدها رشاء (ينظر: كشف الغمة / ابن أبي الفتح الأربي 1 / 75)
3- ينظر: مطالب السؤول في مناقب آل الرسول / محمد بن طلحة الشافعي 82
4- بصائر الدرجات / محمد بن الحسن الصفار 222
5- نهج البلاغة،الخطبة 175، ص 289

إشارة إلى أن له صبياً سيكبر ويقتل الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء، وهو عمر بن سعد(1).

لذا يصح القول: إنه من العلماء المظلومين في الحياة؛ لأنه لم يُسمع له، ولم يؤخذ منه كما أراد ورغب؛ ولأنه العالم وليس كالعلماء(2) فهو القادر على القضاء والحكم لأهل التوراة بتوراتهم، ولأهل الإنجيل بإنجيلهم، ولأهل القرآن بقرآنهم لقوله: ((... أما والله لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها، لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم، وأهل الزبور بزبورهم، وأهل القرآن بقرآنهم، حتى ينطق كل كتاب من كتب الله فيقول: «صدق علی لقد أفتاكم بما أنزل الله في «وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهارا فهل فيكم أحد يعلم: ما أنزل الله فيه، ولولا آية في كتاب الله لأخبرتكم:

بما كان، وما يكون، وما هو كائن إلى يوم القيامة وهي هذه الآية: «يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»(3). ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فو الذي فلق الحبة وبرئ النسمة، لو سألتموني عن: أية آية في ليل نزلت أم في نهار نزلت، مكيها ومدنيها، سفريها وحضريها، وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وتأويلها وتنزيلها لأنبأتكم ...))(4).

فلو ثنيت الوسادة لأمير المؤمنين (عليه السلام) بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) وتسلم قيادة الحكم لتطورت الحياة الإسلامية، وسادت القيم الأصيلة والمثل

ص: 18


1- ينظر: بحار الأنوار / المجلسي 40 / 192، والإمام علي بن أبي طالب هو الإمام حقاً / مهدي الشيخ صالح الأسدي 460 - 461
2- ينظر: الإمام علي القرآن الناطق / نعمة هادي الساعدي 247
3- الآية 39 من سورة الرعد
4- الاحتجاج / الطبرسي 1 / 385

العليا فقد كان الإمام يملك طاقات هائلة من العلم لا يملكها غيره فثرواته العلمية شملت جميع ما يقع في الدنيا من أحداث في ما هو كائن وما يكون حتى يرث الأرض ومن عليها لكن من المؤسف أنّ الأمة لم تستغل هذا الجهبذ العظيم، ولم تحتضنه ليفيض عليها بعلومه ومعارفه وثقافته فقد باعدوا بينه وبين الحياة السياسية العامة في البلاد محتجين بحجة تنمُّ عن حقدهم الدفين وهي أن الخلافة والنبوة لا تجتمع في بيت واحد(1) متناسين أنه الوحيد من بين الصحابة الذي لم يُسأل عن مسألة إلا وأجاب عنها، بل هو الوحيد الذي لم يحتج أن يسأل أحداً عن مسألة، وهو المرجع الذي يرجع إليه الصحابة في جميع أمورهم(2) فقد سئل الخليل بن أحمد الفراهيدي عالم العربية المعروف، وصاحب أول معجم عربي هو العين، ومخترع علم العروض عن الدليل على إمامة علی (عليه السلام)، على نحو الكل في الكل، قال: احتياج الكل إليه، واستغناؤه عن الكل(3).

لقد رأى أمير المؤمنين (عليه السلام) أن علمه ليس له فهو ليس مثل بقية الذين يحملون العلم من أجل أن يجمدوه في ذواتهم أو ليحصلوا على امتيازات خاصة فقد كان يشعر أن علمه ليس ملكاً له؛ لأنه ملك الله، والله يريد منه أن ينفقه على خلقه لذا كان يطلب من الناس، وهو مسجى على فراش الموت أن يسألوه فلا يترك فرصة يشعر فيها أن الناس بحاجة إليه إلا وبادر إليها من أجل إزالة شبهة عنهم أو فتح باب لهم للحق أو تخطيط لهم على طريق الهدى أو إنقاذهم من طريق الضلال(4).

ص: 19


1- موسوعة الإمام أمير المؤمنين / باقر شريف القرشي 3 / 8 - 9
2- ينظر: في رحاب أهل البيت / السيد محمد حسين فضل الله 1 / 161
3- ينظر: معجم رجال الحديث / السيد الخوئي 8 / 81
4- ينظر: في رحاب أهل البيت 1 / 162

وقد شهد بفضله القاصي والداني ويكفينا شهادة الدكتور محمد حسين الذهبي الذي قال عنه إنه ((كان رضي الله عنه بحرا في العلم، وكان قوى الحجة سليم الاستنباط، أوتى الحظ الأوفر من الفصاحة والخطابة والشعر، وكان ذا عقل قضائي ناضج، وبصيرة نافذة إلى بواطن الأمور، وكثيرا ما يرجع إليه الصحابة في فهم ما خفى واستجلاء ما أشكل، وقد ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاء اليمن ودعا له بقوله: (اللهم ثبت لسانه واهد قلبه)(1) فكان موفقا ومسددا فيصلا في المعضلات حتى ضرب به المثل فقيل: (قضية ولا أبا حسن لها)(2). والأعجب، فقد تربى في بيت النبوة، وتغذى بلبان معارفها وعمته مشكاة أنوارها))(3).

القرآن في رؤية أمير المؤمنين (عليه السلام)

المتصفح لنهج البلاغة لأمير البلاغة والبيان الإمام علی بن أبي طالب (عليه السلام) يجده واصفاً القرآن بعدة أوصاف مستقاة من معين القرآن الذي لا ينضب فقد وصفه بالأوصاف الآتية :

1- إن فيه تبياناً لكل شيء كما في قوله ((قَدْ سَمَّى آثَارَكُمْ وعَلِمَ أَعْمَلَكُمْ وَكَتَبَ آجَالَكُمْ وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمُ الْكِتَابَ تِبْياناً لِكُلِّ شيء وَعَمَّرَ فِيكُمْ نَبِيَّهُ أَزْمَاناً حَتَّى أَكْمَلَ

ص: 20


1- ورد في أعيان الشيعة / السيد محسن الأمن 1 / 287 (عن علي (عليه السلام): بعثني النبي (ص) إلى اليمن فقلت يا رسول الله تبعثني إلى قوم وأنا حديث السن لا أبصر القضاء فوضع يده على صدري وقال اللهم ثبت لسانه واهد قلبه)
2- مقولة لعمر بن الخطاب فضلاً عن قوله (لولا علي لهلك عمر) (ينظر: الرسالة السعدية / العلامة الحلي 25)
3- التفسير والمفسرون / الذهبي 1 / 89

لَهُ وَلَكُمْ فِيماَ أَنْزَلَ مِنْ كِتَابِهِ دِينَهُ الَّذِي رَضِیَ لِنَفْسِهِ ...))(1)، وقوله ((أَمْ أَنْزَلَ الله سُبْحَانَهُ دِيناً نَاقِصاً فَاسْتَعَانَ بِهِمْ عَلىَ إِتْمَامِهِ أَمْ كَانُوا شُرَكَاءَ لَهُ فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا وَعَلَيْهِ أَنْ يَرْضَی أَمْ أَنْزَلَ الله سُبْحَانَهُ دِيناً تَامّاً فَقَصَّرَ الرَّسُولُ (صلى الله عليه وآله) عَنْ تَبْلِيغِهِ وَأَدَائِهِ وَالله سُبْحَانَهُ يَقُولُ «ما فَرَّطْنا فِی الْكِتابِ مِنْ شيء»(2) وَفِيهِ تِبْيَانٌ لِكُلِّ شيء))(3).

2- وقد وصفه بأنه يصدق بعضه بعضاً، وأنه لا اختلاف فيه ولا عوج كما في قوله ((وَذَكَرَ أَنَّ الْكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً وَأَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ «وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللِّهَ لَوَجَدُوا فِيِه اخْتِلافاً كَثِيراً»(4)...))(5).

3- إنه كتاب محفوظ إلى يوم القيامة فذكر أنه كتاب ناطق، وبيت عامر، ومعز لأعوانه كما في قوله ((وَكِتَابُ اللِّهَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نَاطِقٌ لَا يَعْيَا لِسَانُهُ وَبَيْتٌ لَا تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ وَعِزٌّ لَا تُهْزَمُ أَعْوَانُهُ))(6).

4- وأنه أحسن الحديث، وربيع القلوب، وشفاء من جميع العلل والأمراض، وأنفع القصص، وحبل الله المتين، وجلاء القلب كما ورد ذلك في قوله ((وتَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ الْحَدِيثِ وَتَفَقَّهُوا فِيهِ فَإِنَّهُ رَبِيعُ الْقُلُوبِ وَاسْتَشْفُوا بِنُورِهِ فَإِنَّهُ

ص: 21


1- نهج البلاغة، الخطبة 86، ص 126
2- الآية 38 من سورة الأنعام
3- نهج البلاغة، من كلامه 18، ص 43 - 44
4- الآية 82 من سورة النساء
5- نهج البلاغة من كلامه 18، ص 44
6- المصدر نفسه، الخطبة 133، ص 220

شِفَاءُ الصُّدُورِ وَأَحْسِنُوا تِلَاوَتَهُ فَإِنَّهُ أَنْفَعُ الْقَصَصِ ...))(1). وكذا قوله ((وَإِنَّ الله سُبْحَانَهُ لَمْ يَعِظْ أَحَداً بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ حَبْلُ اللِّهَ الْمَتِينُ وَسَبَبُهُ الْأَمِينُ وَفِيهِ رَبِيعُ الْقَلْبِ وَيَنَابِيعُ الْعِلْمِ وَمَا لِلْقَلْبِ جِلاَءٌ غَيْرُهُ...))(2)، وقوله ((فَاسْتَشْفُوهُ مِنْ أَدْوَائِكُمْ وَاسْتَعِينُوا بِهِ عَلىَ لَأْوَائِكُمْ فَإِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنْ أَكْبَرَ الدَّاءِ وَهُوَ الْكُفْرُ وَالنِّفَاقُ وَالْغَيُّ وَالضَّلاَلُ ...))(3)، وقوله ((ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ نُوراً لَا تُطْفَأُ مَصَابِيحُهُ وَسِرَاجاً لَا يَخْبُو تَوَقُّدُهُ وَبَحْراً لَا يُدْرَكُ قَعْرُهُ وَمِنْهَاجاً لَا يُضِلُّ نَهْجُهُ وَشُعَاعاً لَا يُظْلِمُ ضَوْءُهُ وَفُرْقَاناً لَا يُحْمَدُ بُرْهَانُهُ وَ تِبْيَاناً لَا تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ وَشِفَاءً لَا تُخْشَى أَسْقَامُهُ ... وَمِنْهَاجاً لَا يُضِلُّ نَهْجُهُ وَشُعَاعاً لَا يُظْلِمُ ضَوْءُهُ وَفُرْقَاناً لَا يُخْمَدُ بُرْهَانُهُ وَتِبْيَاناً لَا تُهْدَمُ أَرْكَانُهُ وَشِفَاءً لَا تُخْشَى أَسْقَامُهُ ...))(4).

5- وأنه آمرٌ زاجرٌ، وصامتٌ ناطقٌ، حجةٌ من حجج الله تعالى على خلقه كما في قوله ((فَالْقُرْآنُ آمِرٌ زَاجِرٌ وَصَامِتٌ نَاطِقٌ حُجَّةُ اللِّهَ عَلىَ خَلْقِهِ أَخَذَ عَلَيْهِ مِيثَاقَهُمْ وَارْتَهَنَ عَلَيْهِمْ أَنْفُسَهُمْ أَتَمَّ نُورَهُ وَأَكْمَلَ بِهِ دِينَهُ وَقَبَضَ نَبِيَّهُ - صلى الله عليه وآله - ...))(5)، وكذا في قوله ((... فَكَفَى بِالْجَنَّةِ ثَوَاباً وَنَوَالًا وَكَفَى بِالنَّارِ عِقَاباً وَوَبَالًا وَكَفَى بِاللِّهَ مُنْتَقِماً وَنَصِيراً وَكَفَى بِالْكِتَابِ حَجِيجاً وَخَصِيماً))(6).

ص: 22


1- نهج البلاغة، الخطبة 110، ص 187 - 188
2- المصدر نفسه، الخطبة 176، ص 294
3- المصدر نفسه، الخطبة نفسها، ص 291
4- المصدر نفسه، الخطبة 198، ص 365 - 366
5- المصدر نفسه، الخطبة 183، ص 308
6- المصدر نفسه، الخطبة 8 ص 119

6- وأنه أول العلوم الإسلامية، ولا تنقضي علومه، وهو نورٌ لا ينطفيء، وسراج لا يخبو، وبحر لا يُدرَكُ، ومنهاج لا يُضِل ... كما في قوله ((... وَإِنَّ الْقُرْآنَ ظَاهِرُهُ أَنِيقٌ وَبَاطِنُهُ عَمِيقٌ لَا تَفْنَى عَجَائِبُهُ وَلَا تَنْقَضيِ غَرَائِبُهُ وَلَا تُكْشَفُ الظُّلُماَتُ إِلَّا بِهِ))(1)، وكذا قوله ((ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَیْهِ الْکِتَابَ نُوراً لاَ تُطْفَأُ مَصَابِیحُهُ وَسِرَاجاً لاَ یَخْبُو تَوَقُّدُهُ وَبَحْراً لاَ یُدْرَکُ قَعْرُهُ وَمِنْهَاجاً لاَ یُضِلُّ نَهْجُهُ وَشُعَاعاً لاَ یُظْلِمُ ضَوْؤهُ وَفُرْقَاناً لاَ یُخْمَدُ بُرْهَانُهُ وَتِبْیَاناً لاَ تُهْدَمُ أَرْکَانُهُ وَشِفَاءً لاَ تُخْشَی أَسْقَامُهُ وَعِزّاً لاَ تُهْزَمُ أَنْصَارُهُ وَحَقّاً لاَ تُخْذَلُ أَعْوَانُهُ فَهُوَ مَعْدِنُ الاْءِیمَانِ وَبُحْبُوحَتُهُ وَیَنَابِیعُ الْعِلْمِ وَبُحُورُهُ وَرِیَاضُ الْعَدْلِ وَغُدْرَانُهُ وَأَثَافِیُّ الاْءِسْلاَمِ وَبُنْیَانُهُ وَأَوْدِیَهُ الْحَقِّ وَغِیطَانُهُ وَبَحْرٌ لاَ یَنْزِفُهُ الْمُسْتَنْزِفُونَ وَعُیُونٌ لاَ یُنْضِبُهَا الْمَاتِحُونَ وَمَنَاهِلُ لاَ یَغِیضُهَا الْوَارِدُونَ وَمَنَازِلُ لاَ یَضِلُّ نَهْجَهَا الْمُسَافِرُونَ وَأَعْلاَمٌ لاَ یَعْمَی عَنْهَا السَّائِرُونَ وَآکَامٌ لاَ یَجُوزُ عَنْهَا الْقَاصِدُون جَعَلَهُ الله رِيّاً لِعَطَشِ الْعُلَماَءِ وَرَبِيعاً لِقُلُوبِ الْفُقَهَاءِ وَمَحَاجَّ لِطُرُقِ الصُّلَحَاءِ وَدَوَاءً لَيْسَ بَعْدَهُ دَاءٌ وَنُوراً لَيْسَ مَعَهُ ظُلْمَةٌ وَحَبْلًا وَثِيقاً عُرْوَتُهُ وَمَعْقِلًا مَنِيعاً ذِرْوَتُهُ ...))(2).

7- وأنه الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضل، والمحدّث الذي لا يكذب، وأنه شَافِعٌ مُشَفَّعٌ وَقَائِلٌ مُصَدَّقٌ كما ورد ذلك في قوله ((وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ هُوَ النَّاصِحُ الَّذِي لَ يَغُشُّ وَالْهَادِي الَّذِي لَا يُضِلُّ وَالْمُحَدِّثُ الَّذِي لَا يَكْذِبُ وَمَا جَالَسَ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ زِيَادَةٍ فِی هُدًى أَوْ نُقْصَانٍ مِنْ عَمًى ... وَاعْلَمُوا أَنَّهُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ وَقَائِلٌ مُصَدَّقٌ وَأَنَّهُ مَنْ شَفَعَ لَهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ

ص: 23


1- نهج البلاغة، من كلامه 18، ص 44
2- المصدر نفسه، الخطبة 198، ص 366

الْقِيَامَةِ شُفِّعَ فِيهِ وَمَنْ مَحَلَ بِهِ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُدِّقَ عَلَيْهِ ...))(1).

8- وأنه منجي البشرية من جميع مشاكلها لذا يجب العمل به وتحكيم مناهجه كما في قوله ((... وَالله الله فِی الْقُرْآنِ لَا يَسْبِقُكُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ غَيْرُكُمْ ...))(2)، وكذا في قوله ((وَتَمَسَّكْ بِحَبْلِ الْقُرْآنِ وَاسْتَنْصِحْهُ وَأَحِلَّ حَلَالَهُ وَحَرِّمْ حَرَامَهُ ...))(3)، وقوله ((فَالله الله أَيُّهَا النَّاسُ فِيماَ اسْتَحْفَظَكُمْ مِنْ كِتَابِهِ وَاسْتَوْدَعَكُمْ مِنْ حُقُوقِهِ فَإِنَّ الله سُبْحَانَهُ لَمْ يَخْلُقْكُمْ عَبَثاً وَلَمْ يَتْرُكْكُمْ سُدًى وَلَمْ يَدَعْكُمْ فِی جَهَالَةٍ وَلَا عَمًى قَدْ سَمَّى آثَارَكُمْ وَعَلِمَ أَعْمَالَكُمْ وَكَتَبَ آجَالَكُمْ وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمُ الْكِتَابَ تِبْياناً لِكُلِّ شيء))(4)، وقوله ((إِنَّ الله سُبْحَانَهُ أَنْزَلَ كِتَاباً هَادِياً بَيَنَّ فِيهِ الْخَيَرْ وَالشرَّ فَخُذُوا نَهْجَ الْخَيْرِ تَهْتَدُوا وَاصْدِفُوا عَنْ سَمْتِ الشَّرِّ تَقْصِدُوا))(5)، وقوله ((وَأَنَّهُ مَنْ شَفَعَ لَهُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُفِّعَ فِيهِ وَمَنْ مَحَلَ بِهِ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُدِّقَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُنَادِي مُنَادٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ كُلَّ حَارِثٍ مُبْتَلىً فِی حَرْثِهِ وَعَاقِبَةِ عَمَلِهِ غَيْرَ حَرَثَةِ الْقُرْآنِ فَكُونُوا مِنْ حَرَثَتِهِ وَأَتْبَاعِهِ ...))(6).

9- إنه كتاب تحكيم، وفيه بيان لأحكام الله للبشر فقد ألمع الإمام علي (عليه السلام) إلى كون القرآن كتاب تحكيم في قوله ((... وَعَلىَ كِتَابِ اللِّهَ تُعْرَضُ الْأَمْثَالُ وَبِماَ

ص: 24


1- نهج البلاغة، الخطبة 176، ص 291
2- المصدر نفسه، الرسالة 46 من وصية له للحسن والحسین - عليهما السلام - لما ضربه ابن ملجم - لعنه الله -، ص 494
3- المصدر نفسه، من كتاب له إلى الحارث الهمداني 69، ص 538
4- المصدر نفسه، الخطبة 86، ص 126
5- المصدر نفسه، الخطبة 167، ص 279
6- المصدر نفسه، الخطبة 176، ص 291

فِی الصُّدُورِ تُجَازَى الْعِبَادُ))(1)، أما كون القرآن مبيناً أحكام الله للبشر فقد ورد في قوله ((کِتَابَ رَبِّکُمْ فِیکُمْ مُبَیِّناً حَلَالَهُ وَحَرَامَهُ وَفَرَائِضَهُ وَفَضَائِلَهُ وَنَاسِخَهُ وَمَنْسُوخَهُ وَرُخَصَهُ وَعَزَائِمَهُ وَخَاصَّهُ وَعَامَّهُ وَعِبَرَهُ وَأَمْثَالَهُ وَمُرْسَلَهُ وَمَحْدُودَهُ وَمُحْکَمَهُ وَمُتَشَابِهَهُ مُفَسِّراً مُجْمَلَهُ وَمُبَیِّناً غَوَامِضَهُ بَیْنَ مَأْخُوذٍ مِیثَاقُ عِلْمِهِ وَمُوَسَّعٍ عَلَی الْعِبَادِ فِی جَهْلِهِ وَبَیْنَ مُثْبَتٍ فِی الْکِتَابِ فَرْضُهُ وَمَعْلُومٍ فِی السُّنَّهِ نَسْخُهُ وَوَاجِبٍ فِی السُّنَّهِ أَخْذُهُ وَمُرَخَّصٍ فِی الْکِتابِ تَرْکُهُ وَبَیْنَ وَاجِبٍ بِوَقْتِهِ وَزَائِلٍ فِی مُسْتَقْبَلِهِ وَمُبَایَنٌ بَیْنَ مَحَارِمِهِ مِنْ کَبِیرٍ أَوْعَدَ عَلَیْهِ نِیرَانَهُ أَوْ صَغِیرٍ أَرْصَدَ لَهُ غُفْرَانَهُ وَبَیْنَ مَقْبُولٍ فی أَدْنَاهُ مُوَسَّعٍ فِی أَقْصَاهُ))(2).

10- وهو الثقل الأكبر، وقد أخذ هذا المعنى من حديث الرسول (صلى الله عليه وآله): ((إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض))(3)، وقد أورد هذا المعنى في قوله ((أَيّهَا النّاسُ خُذُوهَا عَن خَاتَمِ النّبِيّينَ (صلی الله علیه و آله) إِنّهُ يَمُوتُ مَن مَاتَ مِنّا وَ لَيسَ بِمَيّتٍ وَ يَبلَي مَن بلَيَ مِنّا وَ لَيسَ بِبَالٍ فَلَا تَقُولُوا بِمَا لَا تَعرِفُونَ فَإِنّ أَكثَرَ الحَقّ فِيمَا تُنكِرُونَ وَ اعذِرُوا مَن لَا حُجّةَ لَكُم عَلَيهِ وَ هُوَ أَنَا أَلَم أَعمَل فِيكُم بِالثّقَلِ الأَكبَرِ وَ أَترُك فِيكُمُ الثّقَلَ الأَصغَرَ...))(4).

11- فیه أخبار التاریخ والمستقبل کما فی قوله ((وَفِی الْقُرْآنِ نَبَأُ مَا قَبْلَکُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَکُمْ وَحُکْمُ مَا بَیْنَکُمْ))(5).

ص: 25


1- نهج البلاغة، الخطبة 75، ص 104
2- المصدر نفسه، الخطبة 1، ص 21 - 22
3- الحدائق الناضرة / المحقق الحراني 9 / 360
4- نهج البلاغة، الخطبة 87، ص 130
5- نهج البلاغة، الحكمة 313، ص 609

التفسير والتأويل

عندما نقلّب المعجمات العربية لاستخراج معنى التفسير والتأويل فإننا سنجدهما لفظتين مترادفتين فقد ورد أنّ (التفسير) بمعنى البيان والتفصيل والتوضيح، وهو مشتق من الفعل الثلاثي (فسر) قال الخليل: ((الفسر: التفسير وهو بيان وتفصيل للكتاب، وفسره يفسره فسرا، وفسره تفسيرا))(1) وذكر الراغب أن التفسير ((في المبالغة كالفسر، والتفسير قد يقال فيما يختص بمفردات الألفاظ وغريبها وفيما يختص بالتأويل، ولهذا يقال تفسير الرؤيا وتأويلها ...))(2)، وجاء في المعجم الوسيط ((فَسَرَ الشيء فَسرْاً: وضّحه... وآيات القرآن الكريم: شرحها ووضّح ما تنطوي عليه من معانٍ وأسرار وأحكام ... التفسير: الشرح والبيان، وتفسير القرآن: من العلوم الإسلامية يُقصَد منه توضيح معاني القرآن الكريم، وما انطوت عليه آياته من عقائد وأسرار وحِكَم وأحكام))(3).

أما التأويل فقد ذكره الخليل مقترناً بالتأول بمعنى التفسير إذ يقول: ((التأوّل والتأويل: تفسير الكلام الذي تختلف معانيه، ولا يصح إلا ببيان غير لفظه قال(4):

نحن ضربناكم على تنزيله فاليوم نضربكم على تأويله))(5)، وكذا الحال عند ابن منظور الذي ذكر أن الأول هو ((الرجوع. آل الشيء يؤول أولا ومآلا: رجع. وأول إليه الشيء: رجعه... وأول الكلام وتأوله: دبره وقدره، وأوله وتأوله: فسره. وقوله

ص: 26


1- العين،مادة (فسر)، 7 / 247
2- مفردات ألفاظ القرآن / الراغب الأصفهاني، مادة (فسر) 636
3- المعجم الوسيط / مجموعة من المؤلفين، مادة (فسر)، 688
4- هو عمار بن ياسر في حروب صفين قالها لأصحاب معاوية، ينظر: بحار الأنوار 33 / 21
5- العين، مادة (أول)، 8 / 368

عز وجل «وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ» أي لم يكن معهم علم تأويله، وهذا دليل على أن علم التأويل ينبغي أن ينظر فيه، وقيل: معناه لم يأتهم ما يؤول إليه أمرهم في التكذيب به من العقوبة، ودليل هذا قوله تعالى: «كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ»))(1) أما الراغب الذي ركّز على أنّ التأويل مشتق من الَأوْل وهو الرجوع إلى الأصل، ومنه الموئل وهو الموضع الذي يُرجَع إليه، وهو رد الشيء إلى الغاية المرادة منه(2).

على أن من اللغويين من فرّق بين التفسير والتأويل مثل أبي هلال العسكري من القدماء، ومن المحدثين الشيخ محمد جعفر الكرباسي إذ يقول أبو هلال العسكري:

((الفرق بين التفسير والتأويل: أن التفسير هو الإخبار عن أفراد آحاد الجملة، والتأويل الإخبار بمعنى الكلام، وقيل التفسير أفراد ما انتظمه ظاهر التنزيل، والتأويل الإخبار بغرض المتكلم بكلام، وقيل التأويل استخراج معنى الكلام لا على ظاهره بل على وجه يحتمل مجازا أو حقيقة ومنه يقال تأويل المتشابه، وتفسير الكلام إفراد آحاد الجملة ووضع كل شيء منها موضعه ومنه أخذ تفسير الأمتعة بالماء ...))(3)، ويفرّق الشيخ الكرباسي بينهما في أن التفسير هو ((البحث عن سبب نزول الآية والخوض في بيان موضع الكلمة من حيث اللغة. التأويل هو التفحص عن أسرار الآيات والكلمات وتعيين أحد الاحتمالات للآية))(4).

وتعدّ مسألة التأويل من أهم المباحث التي عُني بها الفكر الإسلامي عامة

ص: 27


1- لسان العرب، مادة (أول)، 11 / 33، والآية هي من سورة يونس / الآية 39
2- مفردات ألفاظ القرآن، مادة (أول)، 99
3- الفروق اللغوية / أبو هلال العسكري 129
4- الرسالة التامة في فروق اللغة العامة / الشيخ محمد جعفر الكرباسي 74

والمعارف القرآنية خاصة إذ إن لها تأثيراً في علوم متعددة مثل التفسير، والكلام، والعرفان، والفقه، وأصول الفقه(1).

ويميّز الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) بين صنفين من التفسير هما(2):

1- تفسير اللفظ: الذي يُعنى ببيان المعنى اللغوي للكلمات القرآنية.

2- تفسير المعنى: الذي يحدد المصداق الخارجي الذي ينطبق عليه ذلك المعنى.

ولعل أهمية التمييز بين هذين الصنفين: تفسير اللفظ على صعيد المفاهيم، وتفسير المعنى على صعيد المصاديق يبدو بين حقيقتين قرآنيتين هما(3):

1- كون القرآن الكريم كتاب هداية للبشرية أنزله الله سبحانه ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ويرشدهم إلى الطريقة المثلى في جوانب حياتها فقد وصف نفسه بأنه «... هُدًى لِلنَّاسِ ...»(4)، و «... نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ»(5)، و «... تِبْيَانًا لِكُلِّ شَیْءٍ...»(6)، وهذه الحقيقة تفرض أن يجيء القرآن ميسر الفهم فلا يحقق القرآن أهدافه، ولا يؤدي رسالته لو لم يكن مفهوماً لدى الناس.

2- إنّ كثيراً من الموضوعات التي يستعرضها القرآن قد تستعصي على الذهن البشري، ويتيه في مجال التفكير فيها لدقتها وابتعادها عن مجالات الحياة الاجتماعية التي يعيشها الإنسان مثل اللوح، والقلم، والعرش، والموازين، والملك، والشيطان،

ص: 28


1- ينظر: أصول التفسير والتأويل / السيد كمال الحيدري 293
2- ينظر: المدرسة القرآنية / الشهيد لسيد محمد باقر الصدر 294 - 295
3- ينظر: المصدر نفسه، 296 - 297
4- الآية 185 من سورة البقرة
5- الآية 15 من سورة المائدة
6- الآية 89 من سورة النحل

وإنزال الحديد، ورجوع البشرية إلى الله، والخزائن، وملكوت السماء والأرض وغيرها.

فالصعوبة لا تكمن في تفسير اللفظ لأن المعنى اللغوي ميسر الفهم لدى الناس لكنها تكمن في تفسير معنى اللفظ؛ لأن تلك الموضوعات ترتبط بعوالم أرقى من عالم الحس الذي يعيشه الإنسان فلا بد للإنسان من مواجهة هذه الصعوبات إذا استطاع تحديد المعنى في مصداق معين، وتجسيد المفهوم في الذهن ضمن واقع خاص، ويبدو أن القرآن جاء بهذه الموضوعات الصعبة الفهم على الرغم من كونه كتاب هداية إنما يستهدف بصورة رئيسة ربط البشرية بعالم الغيب، وتنمية غريزة الإيمان بالغيب فيها، ولا يتحقق ذلك إلا عن طريق تلك الموضوعات التي تنبه الإنسان إلى صلته بعالم أكبر من العالم المنظور، وإن كان غير قادر على الإحاطة بجميع أسراره وخصوصياته(1).

فإذا سمعنا بألفاظ السماء والأرض واللوح والقلم والعرش والكرسي والملك وأجنحته والشيطان وقبيله وخيله ورجله ...الخ، وكذا ألفاظ الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة والرضا والغضب والخلق والأمر ... الخ تبادر إلى أذهاننا الوجودات المادية لمفاهيمها ومصاديقها الطبيعية، وهذا هو ديدنا في الألفاظ المستملة جميعها متناسين أنّ المسميات محكومة بالتغير والتبدل بحسب تبدل الحوائج في طريق التحول والتكامل(2).

ولما كانت لفظة (التفسير) مشتقة من فسرّ لا من فسَرَ، بوصفها مصدراً مأخوذاً من صيغة (فعّل) التي هي أبلغ من صيغة (فعَل) فإن صياغته من باب التفعيل يقود

ص: 29


1- ينظر: المدرسة القرآنية 297 - 298
2- الإمام علي بن أبي طالب مفسّراً للقرآن / د. أحمد راسم النفيس 11

للمبالغة في محاولة استنباط المعاني فكل زيادة في المباني ترافقها زيادة في المعاني(1) كما يقول الصرفيون.

ولما كان التفسير والتأويل مصطلحين مترادفين في استعمال السلف فإنهما جاءا متغايرين وربما التأويل أخص من التفسير إذ إن مورد التفسير إبهام المعنى بسبب تعقيد حاصل في اللفظ أما التأويل فمورده حصول شبهة في قول أو عمل أوجبت حصول المعنى المراد أي أنّ التأويل إزاحة هذا الخفاء فالتأويل مضافاً إلى أنه رفع إبهام فهو دفع شبهة أيضاً(2)، ويبدو أنّ التأويل أسلوب معرفي عام استعمله العقل البشري لاكتشاف الغموض من الألفاظ والحوادث والرموز فهو منهج مشروع قرآني، قد اقتضت طبيعة البيان القرآني أن يضم المحكم والمتشابه كما نص على ذلك القرآن إذ قال «هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَماَتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ» - آل عمران / 7، ويحتاج المتشابه لفهمه في كثير من الأحيان بالرجوع إلى التأويل، وإلى رده إلى المحكم(3)، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) أعلم الصحابة بمواقع التنزيل ومعرفة التأويل(4)، وكان قبل غيره مفسرّاً لمتشابهات القرآن، ويختلف عنهم دراية وإحاطة وقدرة على تأويل آياته فقد نشطت حركة التفسير والتأويل أيام أمير المؤمنين (عليه السلام)(5). قال المجلسي: ((ومن العلوم علم تفسير القرآن وعنه أخذ ومنه فرع، وإذا رجعت إلى كتب التفسير علمت صحة ذلك، لان أكثره عنه

ص: 30


1- ينظر: التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب / الشيخ محمد هادي معرفة 1 / 13
2- ينظر: المصدر نفسه 1 / 18 - 19
3- ينظر: القرآن في مدرسة أهل البيت / هاشم الموسوي 118 - 119
4- ينظر: التفسير والمفسرون / د. محمد حسين الذهبي 89
5- ينظر: الإمام علي القرآن الناطق / نعمة هادي الساعدي 36

وعن عبد الله بن عباس، وقد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته وانقطاعه إليه، وإنه تلميذه وخريجه وقيل له: أين علمك من علم ابن عمك؟ فقال: كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط))(1).

وقد ألّف علماء التفسير على مر الزمان المئات من كتب التفسير، ولو أتيح لأحد مراجعتها لوجدها لا تخلو من كلمات الإمام علی (عليه السلام) في التفسير مباشرة أو غير مباشرة عبر تلامذته؛ لأهميتها الكبيرة، ولما تحمله من رؤى ثاقبة وبصائر عميقة بحيث لا يمكن غض النظر عنها(2).

ويبدو أنّ هناك فرقاً بين التفسير والتأويل فالتفسير هو الإحاطة بعلم القرآن من خلال معرفة معاني الكلام أما التأويل فلا يعتني بالمفاهيم اللفظية بل يعتني بالأمور الخارجية العينية فثمّ فرق بين معرفة الخبر، ووقوع المخبر به إذ إن معرفة الخبر تفسير القرآن ومعرفة المخبر به تأويله بمعنى آخر إن التأويل هو الحقيقة الخارجة، أما معرفة تفسيره ومعناه فهو معرفة الصورة العلمية(3).

ويمكن تصنيف الآيات التي وردت فيها مفردة التأويل على النحو الآتي:

تأويل للقول كما ورد ذلك في قوله تعالى «هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ» - آل عمران 7(4).

ص: 31


1- بحار الأنوار 41 / 142
2- الإمام علي القرآن الناطق / طالب خان 109
3- ينظر: علم الإمام - بحوث في حقيقة ومراتب علم الأئمة المعصومین (عليهم السلام) / السيد كمال الحيدري 365
4- ومثلها الأعراف / 52، 53، ويونس/ 38، 39

تأويل للفعل كما ورد ذلك في قوله تعالى«قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِی الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا * وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أنَ يُبْدِلَمُاَ رَبُّهُماَ خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِی الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً» الكهف / 78 - 82(1).

تأويل للرؤيا كما ورد ذلك في قوله تعالى «وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلىَ آلِ يَعْقُوبَ كَماَ أَتَمَّهَا عَلىَ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» - يوسف / (2) 6.

لذا يمكن حصر معاني التأويل الواردة في النص القرآني بالآتي(3):

1- تفسير الأحلام وحقائقها المكنونة، وهي غير متاحة للجميع.

2- الحِكَم والأسرار التي اكتهنتها أفعال الخضر (عليه السلام)، وغابت عن إدراك الكثير بمن فيهم النبي موسى (عليه السلام).

3- حقيقة الطعام ومصيره الذي رآه صاحبا النبي يوسف (عليه السلام) في منامهما في السجن.

ص: 32


1- ومثلها في النساء / 59، والإسراء / 35
2- ومثلها في يوسف / 21، 36، 37، 44، 45، 100، 101
3- بحوث في منهج تفسير القرآن الكريم / محمود رجبي - البحث الأول (التفسير والتأويل)، ص 21

4- العاقبة المجهولة لأفعال الإنسان المختارة إذ ليس بمقدور الجميع الاطلاع على مآل هذه الأفعال ووجهها الآخر.

وثمة من يفرّق بين التفسير والتأويل بالآتي:(1) 1- التفسير أعم من التأويل وأكثر استعمالاً في الألفاظ ومفرداتها، أما التأويل فأكثر ما يستعمل في الجمل، وكذا في الكتب الإلهية، وأما التفسير فيستعمل في الكتب الإلهية وغيرها.

2- إنّ التفسير بيان معنى اللفظ الذي لا يحتمل إلا وجهاً واحداً، أما التأويل فهو بيان المعاني المحتملة للفظ الواحد.

3- لتفسير بيان المعنى المقطوع من اللفظ، والتأويل ترجيح أحد المحتملات من المعاني غير المقطوع بها.

4 التفسير بيان دليل المراد، والتأويل بيان حقيقة المراد.

5- التفسير بيان المعنى الظاهر من اللفظ، والتأويل بيان المعنى المشكل.

6- التفسير متعلق بالرواية، والتأويل متعلق بالدراية.

7- التفسير متعلق بالإتباع والسماع، والتأويل متعلق بالاستنباط والنظر.

ص: 33


1- ينظر: أصول التفسير والتأويل 300 - 301

احتجاجاته القرآنية

قام أمير المؤمنين (عليه السلام) بفتح باب الحوار والسؤال عن القرآن وكل ما يتعلق بالشريعة المقدسة أمام الجماهیر المسلمة وبصورة علنية وعامة دونما تردد حتى في جواب مخالفيه وأعدائه الحاقدين(1)، و لأمير المؤمنين (عليه السلام) احتجاجات قرآنية في موضوعات متعددة، واتجاهات متباينة فلم يعجزه الجواب عن كل ما سئل، ولم يستطع أحد أن يفلج حجته ويسفه برهانه، وراح الناس يقصدونه أينما حلّ وارتح يسألونه عما يدور في خلدهم من أسئلة حائرة وأفكار غامضة، ويناقشونه في معتقداتهم، ويتباحثون معه في مختلف قضاياهم، وهو ما جعله يملك القلوب والعقول معاً(2)؛ لأنه ذو ((ذكاء حي، قدير، واسع، عميق لا تفوته أغوار إذا هو عمل في موضوع أحاط به بعداً فما يفلت منه جانب ولا يُظلم منه كثير أو قليل. وغاص عليه عمقاً، وقلّبه تقليباً وعركه عركاً، وأدرك منه أخفى الأسباب وأمعنها في الاختفاء كما أدرك أصدق النتائج المترتبة على تلك الأسباب ما قرُب منها أد القرب، وما بعد أقصى البُعد))(3).

ولعل احتجاجاته القرآنية تحكي طبيعة علاقة الإمام علي (عليه السلام) بالقرآن ومدى تفاعله معه فما من نص من احتجاجاته إلا وتجد فيه ما يعيدك إلى القرآن بنص آية منه، أو إظهار بصيرة من وحيه فالقرآن كتابه الأوحد الذي يستمد منه علومه ومعارفه، ويأخذ منه رؤاه وأفكاره، ويستنبط منه أحكامه وشرائعه من هنا

ص: 34


1- ينظر: أعلام الهداية - الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) (أمیر المؤمنین) / لجنة التأليف 2 / 186
2- الإمام علي القرآن الناطق / طالب خان 134
3- الإمام علي صوت العدالة الإنسانية 283

كان القرآن سلاحه الأول في منازلاته الفكرية والعقائدية إذ كان يعود إليه في كل بحث، ويستنطقه في كل قضية فهو المتقن لعلوم القرآن، والحافظ لآياته، والمتابع لنزوله، والعارف بأسراره، والملم ببصائره فمن يتأمل احتجاجاته يلمس حقيقة معرفة الإمام بالقرآن، وسعة فهمه لنصوصه، وقدرته الكبيرة على الاستدلال بآياته في كل موضوع(1)، وللتدليل على ذلك نذكر بعضاً من احتجاجاته:

احتجاجه (ع) على زنديق جاء مستدلا عليه بأي من القرآن متشابهة، ((تحتاج إلى التأويل، على أنها تقتضي التناقض والاختلاف فيه، وعلى أمثاله في أشياء أخرى.

جاء بعض الزنادقة إلى أمير المؤمنين علی عليه السلام وقال له: لولا ما في القرآن من الاختلاف والتناقض لدخلت في دينكم. فقال له عليه السلام: وما هو؟ قال:

قوله تعالى: «نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ»(2) وقوله: «فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا»(3)، وقوله: «وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا»(4)، وقوله: «يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا»(5) وقوله: «وَاللِّه رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ»(6)، وقوله تعالى: «يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا»(7)، وقوله: «إنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ

ص: 35


1- الإمام علي القرآن الناطق / طالب خان 135 - 136
2- الآية 67 من سورة التوبة
3- الآية 451 من سورة الأعراف
4- الآية 64 من سورة مريم
5- الآية 38 من سورة النبأ
6- الآية 23 من سورة الأنعام
7- الآية 25 من سورة العنكبوت

النَّارِ»(1)، وقوله: «قَالَ لَا تْخَتَصِمُوا لَدَيَّ»(2)، وقوله: «الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلىَ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِماَ كَانُوا يَكْسِبُونَ»(3)، وقوله تعالى:

«وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَی رَبِّهَا نَاظِرَةٌ»(4)، وقوله: «لاَّ تُدْرِكُهُ الَأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»(5)، وقوله: «وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى»(6)، وقوله: «لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباَ»(7)، وقوله: «وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله إِلَّا وَحْيًا»(8)، وقوله: «كلا إنهم يومئذ لمحجوبون»(9)، وقوله: «هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتَیِ رَبُّكَ»(10)، وقوله: «بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ كَافِرُونَ»(11)، وقوله: «فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي

ص: 36


1- الآية 64 من سورة ص
2- الآية 28 من سورة ق
3- الآية 65 من سورة يس
4- الآيتان 22 - 23 من سورة القيامة
5- الآية 103 من سورة الأنعام
6- الآيتان 13 و 14 من سورة النجم
7- دمج الآيتین: «لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِیَ لَهُ قَوْلً» - طه / 109، وقوله «يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا» - النبأ / 38
8- الآية 51 من سورة الشورى
9- الآية 15 من سورة المطففین، وقد سقطت منها كلمتان هما (عن، ربهم) فالآية هي «كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ»
10- الآية 158 من سورة الأنعام
11- الآية 10 من سورة السجدة

قُلُوبهِهِمْ إلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ»(1)، وقوله: «فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ»(2)، وقوله: «وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا»(3)، وقوله: «وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ»(4)، وقوله: (فمن ثقلت موازينه، ومن خفت موازينه)(5). فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: فأما قوله تعالى: «نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ»(6) إنما يعني نسوا الله في دار الدنيا لم يعملوا بطاعته، فنسيهم في الآخرة أي: لم يجعل لهم من ثوابه شيئا، فصاروا منسيين من الخير، وكذلك تفسير قوله عز وجل:

«فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَ نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا»(7) يعني بالنسيان: أنه لم يثيبهم كما يثيب أوليائه، والذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين حين آمنوا به وبرسوله وخافوه بالغيب. وأما قوله «وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا»(8) فإن ربنا تبارك وتعالى علوا كبيرا ليس بالذي ينسى، ولا يغفل، بل هو الحفيظ العليم، وقد تقول العرب: نسينا فلان فلا يذكرنا: أي إنه لا يأمر لهم بخير، ولا يذكرهم به. قال

ص: 37


1- الآية 77 من سورة التوبة
2- الآية 110 من سورة الكهف
3- الآية 53 من سورة الكهف
4- الآية 47 من سورة الأنبياء
5- إشارة الى الآيتن 8 و 9 من سورة الأعراف «فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ»، والآيتن 102 و 103 من سورة المؤمنون «فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِی جَهَنَّمَ خَالِدُونَ»
6- الآية 67 من سورة التوبة
7- الآية 51 من سورة الأعراف
8- الآية 64 من سورة مريم

علی عليه السلام وأما قوله عز وجل: «يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا»(1)، وقوله: «وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ»(2) وقوله عز وجل «يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا»(3) وقوله عز وجل يوم القيامة «إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ»(4)، وقوله «لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ»(5) وقوله: «الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ»(6) فإن ذلك في مواطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة، المراد: يكفر أهل المعاصي بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضا، والكفر في هذه الآية: «البراءة «يقول: فيبرأ بعضهم من بعض، ونظيرها في سورة إبراهيم.

ويستمر الإمام (عليه السلام) في الإجابة على شبهات السائل بكل وضوح، وفي النهاية يقول له: ((فافهم هذا واعلمه، واعمل به، واعلم أنك ما قد تركت مما يجب عليك السؤال عنه أكثر مما سألت عنه، وأني قد اقتصرت على تفسير يسير من كثير لعدم حملة العلم، وقلة الراغبين في التماسه، وفي دون ما بينت لك بلاغ لذوي الألباب. قال السائل: حسبي ما سمعت يا أمير المؤمنين، شكرا لله لك على استنقاذي من عماية الشرک، وطخية الإفك، وأجزل على ذلك مثوبتك، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله أولا وآخرا على أنوار الهدايات، وأعلام البريات، محمد وآله

ص: 38


1- الآية 38 من سورة النبأ
2- الآية 23 من سورة الأنعام
3- الآية 25 من سورة العنكبوت
4- الآية 64 من سورة ص
5- الآية 28 من سورة ق
6- الآية 65 من سورة يس

أصحاب الدلالات الواضحات، وسلم تسليما كثيرا))(1).

التفسير المغيّب

لعل الدليل على أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان قد كتب تفسيراً وشرحاً للقرآن الكريم هو احتجاجه على الزنديق من أنه أتى ((بالكتاب كَمُلا مشتملا على التأويل والتنزيل، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، لم يسقط منه حرف ألف ولا لام ...))(2)، وكذا احتجاجه على جماعة من المهاجرين والأنصار بالقول: ((يا طلحة إن كل آية أنزلها الله تعالى على محمد صلى الله عليه وآله وسلم عندي بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط يدي، وتأويل كل آية أنزلها الله تعالى على محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكل حلال، أو حرام، أو حد أو حكم، أو شيء تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة، فهو عندي مكتوب بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط يدي، حتى أرش الخدش ...))(3).

وقد انبری الباحث عبدالله علی أحمد الدقاق لإثبات هذا المصحف متوصلاً إلى أنه القرآن الذي قام بجمعه بوصية من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد باشر بالجمع بعد الوفاة بثلاثة أيام واستغرق فيها العدد نفسه بعد عرضه لروايات موثقة من الفريقين أحصاها ب (24 - 31) رواية، ويشير إلى أن الإمام عرضه على الخلفاء لكنهم لم يؤيدوه فاحتفظ به وسلّمه إلى الإمام الحسن، وهكذا ظل ينتقل هذا المصحف من إمام إلى إمام حتى وصل إلى الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) الذي

ص: 39


1- الاحتجاج 1 / 358 - 360
2- مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) / الميرجهاني 1 / 342
3- ينظر: التمهيد في علوم القرآن / العلامة محمد هادي معرفة 9 / 187

عند خروجه سيظهر بهذا المصحف العلوي متطرقاً إلى أسباب إقدام الإمام على جمع القرآن بمصحف واحد من ذلك: تنفيذ وصية النبي (صلى الله عليه وآله) مشيراً إلى أن الزيادات الموجودة في المصحف إنما كانت من قبيل التفسير والتوضيح للقرآن الكريم أما مدة كتابة المصحف فقد اختلف فيها فقيل ثلاثة أيام، وقيل سبعة أيام، وقيل ستة أشهر، وقد رجّح الباحث الثلاثة أيام بالأدلة القوية المعت ربة(1)؛ لذا يعد تفسير أمير المؤمنين (عليه السلام) للقرآن الكريم من التفاسير التي غُيّبتْ، وأُسدل عليها الستار؛ لأسباب كثيرة منها: تغييب الهوية العلمية العلوية التي يتمتع بها أمير المؤمنين (عليه السلام) فهو باب مدينة رسول، وأعلم الخلائق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرآن وغيره فهو الرائد الأول لكل علم بل هو موسوعة معارف متنوعة فلم ينل هذه المنزلة السامية في التفسير وفي غيره من العلوم بانزوائه في دهاليز مكة أو المدينة، واعتزاله الناس بالانكباب على مطالعة القرآن والتبحر في محتواه، وإنما كان في قلب الأحداث التي رسمت معالم الأمة الإسلامية في عهدها الأول فلم يغفل عن القرآن، وهو يقاوم شظف العيش وقسوة الظروف، والقرآن في صدره وهو يحمل أعداء الدين بسيفه البتّار، والقرآن أمام عينيه وهو يحكم البلاد إذ كان ملازماً للقرآن في الأحوال والظروف كلها حتى تجلى القرآن في حركاته وسكناته، ولم يجد الناس بداً من الرجوع إليه في معرفة معاني الآيات وتفسيرها، وقد شهد رجال التفسير عبر التاريخ كثرة ما روي عنه في تفسير القرآن، وشهدوا أيضاً بتفوقه في هذا الخصوص، وأنه إمامهم في التفسير(2).

وقد بادر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وأصحابهم، وعلماؤنا بتفسير القرآن الكريم مثل تفسير الإمام الباقر (عليه السلام)، وتفسير أبي حمزة الثمالی، وتفسير التبيان

ص: 40


1- ينظر: حقيقة مصحف الإمام علي عند الشيعة والسنة / عبد الله علي أحمد الدقاق 353 - 355
2- الإمام علي القرآن الناطق / طالب خان 113 - 114

للشيخ الطوسي، وتفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي، وغيرهم ممن عُنوا بالبحث عن أسرار القرآن، وكشف كنوزه، وبيان أحكامه، والعمل بها في مجالي الفهم والتطبيق(1).

وقد كان الدور الذي قام به أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير القرآن الكريم دور تربية وتعليم وإرشاد إلى معالم التفسير فقد كانت تفاسيرهم المأثورة عنهم تفاسير نموذجية كانوا قد عرضوها على الأمة والعلماء ليتعرفوا إلى أساليب التفسير عنهم، وهذا يدل على حرصهم الشديد على تعليم الأمة كيفية تفسير القرآن الكريم، وإيقافهم على نكت وطرف من هذا الكلام البارع فهم ورثة الكتاب الإلهي الخالد، وحملته إلى الناس بأمانة صادقة وأداء كريم(2).

تفسير الإمام علي (عليه السلام) وأهميته:

إنّ الدليل على وجود التفسير عدة أمور منها:

الأمر الأول: روايات جمع القرآن التي تنص على أن أمير المؤمنين (عليه السلام) جمع القرآن المفسر ومعه شروح وتعليقات النبي (صلى الله عليه وآله) وشروح وتعليقات أمير المؤمنين (عليه السلام) نفسه، فأول عمل قام به بعد وفاة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) - وهو ما أوصاه به صلى الله عليه وآله - هو جمعه القرآن الكريم وترتيبه له بحسب النزول فضلاً عن معلومات فريدة عن النزول والتفسير والتأويل الذي تحتاجه الأمة الإسلامية، وكان قد عرضه على الخليفة الأول فقال: لا حاجة لنا به فأشار الإمام (عليه السلام) إلى أنهم سوف لا يحصلون عليه بعد ذلك اليوم(3) كما

ص: 41


1- ينظر: تاريخ الأدب الإسلامي / د. عباس الترجمان 402 - 403
2- ينظر: التمهيد في علوم القرآن، العلامة محمد مهدي معرفة، 9 / 437 - 438
3- ينظر: أعلام الهداية 2 / 225

يتضح من الرواية الآتية ((لما رأى علي - عليه السلام - غدرهم وقلة وفائهم لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه، فلم يخرج حتى جمعه كله فكتبه على تنزيله والناسخ والمنسوخ، فبعث إليه أبو بكر أن اخرج فبايع، فبعث إليه أني مشغول فقد آليت بيمين أن لا أرتدي برداء إلا للصلوات حتى أؤلف القرآن وأجمعه، فجمعه في ثوب وختمه ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فنادى - عليه السلام - بأعلى صوته: أيها الناس إني لم أزل منذ قبض رسول الله - صلى الله عليه وآله - مشغولا بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب، فلم ينزل الله على نبيه آية من القرآن إلا وقد جمعتها كلها في هذا الثواب، وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله - صلى عليه وآله - وعلمني تأويلها. فقالوا: لا حاجة لنا به عندنا مثله))(1).

وترد في كتب التاريخ والسيرة عبارة (مصحف علی) و (مصحف أُبي بن كعب) و (مصحف ابن مسعود)(2)، وقد توهَّم بعض الدارسين أنّ ذلك دليل على تحريف القرآن، وأنَّ مصحف علی (عليه السلام) فيه آيات غير الآيات الموجودة في مصاحف الآخرين. والصحيح أنَّ مصحف علی (عليه السلام) هو المصحف نفسه الذي جمعه ابن كعب وابن مسعود وغيرهم، ولكن الاختلاف هو في التأويل والتفسير، وقد ذكر السيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) مجموعة من الروايات حول المصحف الذي جمعه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو يختلف عن بقية المصاحف فالزيادات الموجودة عليه هي شروح للنص القرآني، وقد عقّب السيد الخوئي هذه الروايات بالقول: ((إن وجود مصحف لأمير المؤمنين - عليه السلام - يغاير القرآن الموجود في ترتيب السور مما لا ينبغي الشك فيه، وتسالم العلماء الأعلام على وجوده أغنانا عن

ص: 42


1- الاحتجاج 1 / 107، وجامع أحاديث الشيعة / السيد البروجردي 13 / 43
2- ينظر مثلاً: بحار الأنوار 24 / 19 ،والاحتجاج 1/ 223

التكلف لإثباته، كما أن اشتمال قرآنه - عليه السلام - على زيادات ليست في القرآن الموجود، وإن كان صحيحا إلا أنه لا دلالة في ذلك على أن هذه الزيادات كانت من القرآن، وقد أسقطت منه بالتحريف، بل الصحيح أن تلك الزيادات كانت تفسيرا بعنوان التأويل، وما يؤول إليه الكلام، أو بعنوان التنزيل من الله شرحا للمراد))(1)، و في الرواية الآتية: ((وقد كان بالمشهد الشريف الغروي مصحف في ثلاث مجلدات بخط أمير المؤمنين علی عليه السلام احترق حين احترق المشهد سنة خمس وخمسين وسبعمائة، يقال إنه كان في آخره: وكتب علی بن أبي طالب))(2).

وكان من تغييبهم لعلمه بالتفسير موقف الخلفاء الثلاثة الموحد من منعهم إياه من تفسير القرآن بحرقهم للمصاحف المفسّرة ففي هذه المصاحف حواش تفسيرية للقرآن الكريم كان الصحابة الأوائل قد دونوها من أقوال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فمثلاً في تفسير آية الولاية وإكمال الدين وآية التبليغ، وقوله «وَكَفَى الله الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ» - الأحزاب / 25، بينّ أنها نزلت في علي (عليه السلام)، وقد ذكِر ذلك في مصحف عبد الله بن مسعود، ومثل ذلك في بقية المصاحف، ولما كان وجود المصاحف في متناول أيدي المسلمين وفي طياتها هذا التفسير الذي يفضح المغتصبين لتراث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) فقد أمر أبو بكر وعمر وعثمان بحرقها حين تصل إليه الخلافة فهذا النوع من التفسير حرّموه على المحدّثين؛ لأنه يسحب البساط من تحت أقدام المنافقين الذين اغتالوا رسول الله وابنته فاطمة الزهراء ما هيأ ذلك لقتل أهل البيت وتصفيتهم وإبعادهم من الحكم فضلاً

ص: 43


1- البيان في تفسير القرآن / السيد الخوئي 223
2- عمدة لطالب / ابن عنبة 21، وقد كتب د. عبد الله السوداني بحثاً يثبت فيه أن ثمة مصاحف لأمیر المؤمنین (عليه السلام) في بحثه الموسوم (مصاحف الإمام علي - عليه السلام -) المنشور في مجلة المصباح ع 2، صيف 2010 - 1431 ه (ص 207 - 219

عن منع تدوين السنة النبوية، لإبعادها عن القضايا التراثية والسياسية بقولهم (حسبنا كتاب الله)(1).

لكن علياً (عليه السلام) كان حريصاً - على الرغم من ذلك كله - على نشرالحديث والتفسير بما سنحت له الفرصة في زمن الخلفاء الثلاثة، وفي خلافته، وكان هذا التفسير موضع اعتزاز الأئمة الطاهرين مما حمل بعض الحاقدين على الشيعة أنّ عندهم مصحف غير المصحف المعهود، واتخذوا ذلك وسيلة للطعن عليهم، والصحيح ليس كذلك؛ لأن مصحف الإمام مصحف حافل بتفسيره وأسباب نزوله وغير ذلك(2).

الأمر الثاني: أسئلة المؤمنين الموالين وكذلك أسئلة المنافقين والحاقدين والمعادين وأسئلة غير المسلمين أو المسلمين الراغبين بمعرفة معارف القرآن أو صدق دعوته وهذه الأسئلة وجهت لمن أخذ منصب الخلافة مكان رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفي كل ذلك كان أمير المؤمنين (عليه السلام) نعم المجيب ونعم الطبيب فهو كابن عمه طبيب دوار بطبه قد أحكم مراهمه فيضع الدواء على العلة فتشفى ومن تلك العلل الأسئلة في القرآن وشبهاته فمن الأدلة على أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان قد كتب تفسيراً وشرحاً للقرآن الكريم هو احتجاجه على الزنديق من أنه أتى ((بالكتاب كَمُلا مشتملا على التأويل والتنزيل، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، لم يسقط منه حرف ألف ولا لام ...))(3)، وكذا احتجاجه على جماعة من المهاجرين والأنصار بالقول: ((يا طلحة إن كل آية أنزلها الله تعالى على محمد صلى

ص: 44


1- ينظر: الإمام علي بن أبي طالب هو الإمام حقاً 393 - 394
2- موسوعة الإمام أمير المؤمنين 3 / 7 - 8
3- بحار الأنوار 90 / 126

الله عليه وآله وسلم عندي بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط يدي، وتأويل كل آية أنزلها الله تعالى على محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكل حلال، أو حرام، أو حد أو حكم، أو شيء تحتاج إليه الأمة إلى يوم القيامة، فهو عندي مكتوب بإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط يدي، حتى أرش الخدش ...))(1).

وكان ابن الكواء كثير السؤال فسأله عن معنى آية «وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا» - الذاريات / 1، التي كان الإمام يحدّث بها حينها فأجابه: الريح. قال: فالحاملات وقراً؟ قال: السحاب. قال: فالجاريات يسراً؟ قال: السفن. قال: فالمقسمات أمراً؟ قال: الملائكة. قال فمن الذين بدلوا نعمة الله كفراً؟ قال: منافقو قريش(2). وكان عمر بن الخطاب يهدد بدرته من يسأل عن معنى آية من القرآن، ويدل عليه سؤال أحد المسلمين عمر عن معنى (فاكهة وأباً) فيقول، وهو على المنبر: (كل هذا عرفناه فما الأب؟(3).

الأمر الثالث: الذي يشهد بوجود تفسير للإمام علي (عليه السلام) روايات جاءت عنه وعن الأئمة عليهم السلام منها النص منها الرواية أنفة الذكر التي رد فيها أمير المؤمنين على المهاجرين والأنصار(4) ومنها إنّ الإمام علي (عليه السلام) أعلم الناس بالقرآن قال: (سلوني عن كتاب فو الله ما من آية إلا أنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل نزلت أم في جبل...))(5)، وما جاء عن الباقر (عليه

ص: 45


1- مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) / الميرجهاني 1 / 342
2- ينظر: المستدرك / الحاكم النيسابوري 2 / 467
3- ينظر: بحار الأنوار 30 / 693، والغدير / الأميني 6 / 99
4- تنظر الرواية في مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) / 1 / 342
5- بحار الأنوار: 10 / 125

السلام) انه قال: ((ما يستطيع احد أن يدعي أن عنده جميع القرآن كله ظاهره وباطنه غير الأوصياء))(1)، وعنه أي الباقر )عليه السلام): ((عن جابر قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ما من أحد من الناس يقول: إنه جمع القرآن كله كما أنزل الله إلا كذب، وما جمعه وما حفظه كما أنزل الله إلا علی ابن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده عليهم السلام))(2).

الأمر الرابع: من أدلة وجود تفسير أمير المؤمنين (عليه السلام) ما موجود في كتب الروايات فقد جاء فيها ذكر أمير المؤمنين (عليه السلام) لأصناف آيات القرآن وأنواعها وتفسير بعضها ذاكرا أقسام علوم القرآن بالتفصيل مع التمثيل لكل قسم منها بمثال مؤصلا له فتحا الباب فيه كما فتح الباب في غيره من العلوم، وكل من كتب بعده فهو مدين له في هذا الجانب؛ لأنّ ما كتبه الأصل في هذا الجانب(3)، وكذلك ما جاء في كتب التفسير يشهد لعلي (عليه السلام) بتقدمه في تفسير القرآن وعلومه(4).

ومن المؤسف أن تفسير أمير المؤمنين (عليه السلام) للقرآن الكريم من التفاسير التي أُسدل عليها الستار؛ لأسباب كثيرة منها: تغييب الهوية العلمية العلوية التي يتمتع بها أمير المؤمنين (عليه السلام) فهو باب مدينة رسول، وأعلم الخلائق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرآن وغيره فهو الرائد الأول لكل علم بل هو موسوعة معارف متنوعة فلم ينل هذه المنزلة السامية في التفسير وفي غيره

ص: 46


1- بحار الأنوار: 89 / 88
2- نفسه: 89 / 88
3- تنظر الرواية في نفسه وفيها تفصيل واف وكاف لعلوم القرآن وتفسره: 90 / 1 - 145، ووسائل الشيعة 18 / 147، الحديث: 62، ومستدرك سفينة البحار: 8 / 200
4- تنظر كتب التفسر الآتية: التبيان: 7 / 226، ومجمع البيان: 5 / 283، 7 / 40، 8 / 475، والتفسرالصافي، الفيض الكاشاني: 2 / 356، 3 / 406، وغيرها

من العلوم بانزوائه في دهاليز مكة أو المدينة، واعتزاله الناس بالانكباب على مطالعة القرآن والتبحر في محتواه، وإنما كان في قلب الأحداث التي رسمت معالم الأمة الإسلامية في عهدها الأول فلم يغفل عن القرآن، وهو يقاوم شظف العيش وقسوة الظروف، والقرآن في صدره وهو يحمل على أعداء الدين بسيفه البتّار، والقرآن أمام عينيه وهو يحكم البلاد إذ كان ملازماً للقرآن في الأحوال والظروف كلها حتى تجلى القرآن في حركاته وسكناته، ولم يجد الناس بداً من الرجوع إليه في معرفة معاني الآيات وتفسيرها، وقد شهد رجال التفسير عبر التاريخ كثرة ما روي عنه في تفسير القرآن، وشهدوا أيضاً بتفوقه في هذا الخصوص، وأنه إمامهم في التفسير(1).

أهمية تفسير الإمام علي (عليه السلام):

أولاً: تنبع أهمية تفسير الإمام علی ((عليه السلام)) من شخصيته التي تميزت بخلال منها أنه الأعلم والأتقى والأورع خليفة الله ورسوله في العالمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم وفي كل ذلك يشهد له القرآن الكريم والرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) فعن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): (((علی مع الحق والحق مع علی، ولن يتفرقا حتى يردا علی الحوض يوم القيامة)، (علی مع القرآن)، (علی مع القرآن والقرآن مع علي، لن يفترقا حتى يردا علی الحوض)، (علی مع الحق والقرآن، والحق والقرآن مع علی، ولن يفترقا حتى يردا علی الحوض)، (أنا مدينة العلم وعلی بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب)، (علی عتبة علمي)، (علی باب علمي، ومبين لأمتي ما أرسلت به، من بعدي)، (اعلم أمتي من بعدي علی بن أبي طالب)، (أقضى أمتي واعلم أمتي بعدي علي)، (يا علی، أنت ... وارث علمي)، (أنا وعلی من شجرة واحدة)، (هذا عليّ مع القرآن، والقرآن مع علیّ؛ خليفتان نَصِيران)

ص: 47


1- الإمام علي القرآن الناطق / طالب خان 113 - 114

أي يَتَناصَران ويتعاضَدان. والنصير: فَعيل بمعنى فاعِل أو مفعول؛ لأنّ كلَّ واحدٍ من المُتناصِرَين ناصِرٌ ومنصور))(1) وفي هذه الروايات ما يؤكد علاقته بالقرآن فهما وعلما وتبلغا وهما لا يفترقان أبدا وأحدهما ينصر الآخر وغيرها وفي حديث للرسول (صلى الله عليه وآله) يثبت فيه استغنائه عن الكل واحتياج الكل إليه فهو كبيت الله يؤتى قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ((وأوصاني رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا علی ...إني قد أخذت لك العهد يوم غدير خم بأنك خليفتي ووصيي، وأولى الناس بالناس من بعدي، فمثلك كمثل بيت الله الحرام، يأتونك الناس ولا تأتيهم))(2).

ثانياً: معلمه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ومن كان معلمه الرسول (صلى الله عليه وآله) حقيق أن يأخذ عنه فضلا عمّا يعتقده الشيعة الإمامية من كونه معصوما أي يلهم العلم، فيكون معلمه الوحي ورسول الله (صلى الله عليه وآله) قال أمير المؤمنين (عليه السلام) ((فإذا سألته أجابني وإذا سكت عنه ابتدأني فما نزلت على رسول الله آية من القرآن إلا أقرانيها وأملاها علی وكتبتها بخطي ودعا لي الله تبارك وتعالى أن يفهمني ويحفظني فما نسيت آية من كتاب الله مما علمني تأويلها فحفظته وأملاها علی فكتبتها بيدي))(3).

ثالثاً: أنه أول مفسر للقرآن بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالدلائل السابقة من جمع القرآن وشهادة الرسول (صلى الله عليه وآله) له وكذلك شهادة الأئمة (عليهم السلام) له، وشهادة الموالين لمدرستهم، قال المجلسي: ((ومن العلوم علم تفسير القرآن وعنه أخذ ومنه فرع، وإذا رجعت إلى كتب التفسير علمت صحة ذلك، لان

ص: 48


1- تنظر رواية هذه الأحاديث وغيرها ميزان الحكمة الرشهري: 6 / 16
2- بحار الأنوار: 90 / 15
3- المسترشد / محمد بن جرير الطبري (الشيعي): 235، وينظر: بحار الأنوار: 40 / 139

أكثره عنه وعن عبد الله بن عباس، وقد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته وانقطاعه إليه، وإنه تلميذه وخريجه وقيل له: أين علمك من علم ابن عمك؟ فقال:

كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط))(1)، وكذلك شهادة الآخرين أي المنتمين لغير مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) فقد جاء عنهم إنّ الإمام علي (عليه السلام) صدر المفسرين وكل ما عند المفسرين وابن عباس الذي يعد ترجمان القرآن فمنه وهو أعلم الناس بالقرآن فقد ورد عنه قوله سلوني عن كتاب وهو أعلم الناس بالقرآن فهو كالغدير الذي يروي جميع الناس على خلاف الصحابة الذين يروي الواحد أو الاثنين فكلمة الإخاذ تعني الغدير قال عن أمير المؤمنين (عليه السلام) والإخاذ لو ورد عليه الناس أجمعوا لأصدرهم ((فأما صدر المفسرين والمؤيد فيهم فعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ويتلوه عبد الله بن عباس ... وقال ابن عباس: ما أخذت من تفسير القرآن فعن علی بن أبي طالب ... وعن عامر بن واثلة قال: شهدت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يخطب فسمعته يقول في خطبته: سلوني فو الله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا حدثتكم به سلوني عن كتاب فو الله ما من آية إلا أنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل نزلت أم في جبل ...وعن مسروق قال: وجدت أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم مثل الإخاذ يروي الواحد والإخاذ يروي الاثنين والإخاذ لو ورد عليه الناس أجمعوا لأصدرهم))(2).

وقد اشتهر بالتفسير من الصحابة أربعة لا خامس لهم وهم: علي بن أبي طالب (عليه السلام) - وكان أعلمهم ورئيسهم - وعبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب، وعبد الله بن عباس - وكان أصغرهم وأوسع باعاً في التفسير- (3) أما غير هؤلاء فلم

ص: 49


1- بحار الأنوار / 41 / 142
2- تفسير القرطبي: 1 / 35
3- ينظر: التمهيد في علوم القرآن: 9 / 187

يعهد عنهم سوى النزر اليسير، ومنهم زيد بن ثابت، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وغيرهم(1).

ص: 50


1- ينظر: التفسير والمفسرون / الذهبي 1 / 63 - 64

منهجه في التفسير:

تقسم المناهج التفسيرية على قسمين هما التفسير بالعقل ويقصد به استعمال الوسائل العقلية والقوانين الفلسفية والمنطقية كقانون العلة والمعلول والنقيضان لا يجتمعان وغيرها وقد استعمال أمير المؤمنين (عليه السلام) هذا اللون من التفسير على أصوله؛ لأنّه عقل كلي غير قابل للخطأ والاحتمال والشك والريب قد يكون منه التأويل الذي هو خلاف التفسير، والتفسير بالنقل وهو تفسير القرآن بالقرآن، التفسير البياني للقرآن، تفسير القرآن باللغة والقواعد العربية، تفسير القرآن بالسنة (بالمأثور) أي عن النبي صلىَّ الله عليه وآله وسلَّم - والأئمّة - عليهم السَّلام - الذي هو أحدهم؛ لأنه معصوم وجاء عنهم ((إن الله علّم نبيه (صلى الله عليه وآله) التنزيل والتأويل، فعلمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليا (عليه السلام)))(1)، نلاحظ أنه أخذ التنزيل أي التفسير أو المعنى الظاهر، والتأويل عن رسول الله (ص) الذي قد يكون مرادفا مع التفسير فقد ورد عن علی (عليه السلام): أن تفسيره تأويله أو التأويل خلاف التنزيل(2) مما يتطلب أمرا عقليا أو منطقيا وهو مما أُهل به أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد استعملها أمير المؤمنين (عليه السلام) جميعها لإيصال المعاني القرآنية لأنه (عليه السلام): ((المعلم الأوّل - بعد النبيّ - للتفسير و المصدر الأوّل للعلوم الإسلامية هو الإمام علی بن أبي طالب - عليه السَّلام))(3).

فمثلا من المناهج تفسير القرآن بالقرآن: وهو من التفسير بالنقل فالتفسير كما مرّ علينا في المدخل في أبسط تعريفاته البيان ورفع الإبهام فكانت أفضل الطرق

ص: 51


1- وسائل الشيعة: 16 / 134
2- ينظر: بحار الأنوار: 90 / 4
3- المناهج التفسيرية: جعفر سبحاني: 12؛ وينظر نفسه: 6، 60، 74، 137، 138، 145

لرفع الإبهام في القرآن هو القرآن نفسه استنادا للقاعدة الذهبية التي جاءت في القرآن نفسه بأنّه تبيان لكلّ شيء ويقول: «وَنَزّلنا عَلَيْكَ الكِتاب تِبْياناً لِكُلِّ شَیْء» [النحل: 89] ثم عززها النبي (صلى الله عليه وآله) بقوله: ((إنّ القرآن يصدّق بعضه بعضاً))(1)، وورد القول عن علی في سؤال ابن الكواء ((قال: يا أمير المؤمنين وجدت كتاب الله ينقض بعضه بعضا. قال: ثكلتك أمك يا ابن الكواء كتاب الله يصدق بعضه بعضا، ولا ينقض بعضه بعضا))(2)، وجاء قوله أيضا في حديثه عن القرآن في البحار : ((ومنه آيات بعضها في سورة وتمامها في سورة أخرى))(3)، وكذلك في كلام له يصف فيه القرآن بقوله: ((كتاب اللّه تبصرون به، وتنطقون به، وتسمعون به، وينطق بعضه ببعض، ويشهد بعضه على بعض، ولا يختلف في اللّه ولا يخالف بمصاحبه عن اللّه))(4)، وعُبَرِ عن تفسير القرآن بالقرآن بالتفسير الموضوعي أو البياني على رأي إذ هو: ((عبارة عن استقراء اللفظ القرآني في كل مواضع وروده للوصول إلى دلالته وعرض الظاهرة الأسلوبية على كل نظائرها في الكتاب المحكم، وتدبّر سياقها الخاص في الآية والسورة ثم سياقها العام في المصحف كلّه التماساً لسرّه البياني))(5) ودلت الروايات على استعمال أمير المؤمنين (عليه السلام) هذا اللون من التفسير للتعريف بالمعاني القرآنية قالوا: ((إنّ عمر أتي بامرأة قد ولدت لستة أشهر فهم برجمها، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): إن خاصمتك بكتاب الله خصمتك، إن الله تعالى يقول: «وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَثُونَ شَهْرًا»(6) ويقول: «وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ

ص: 52


1- بحار الأنوار: 54 / 218
2- المصدر نفسه: 10 / 122، ونهج البلاغة: 1 / 54
3- بحار الأنوار: 90 / 4
4- نهج البلاغة: 2 / 12
5- المناهج التفسيرية: 145
6- الآية 15 من الأحقاف

حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ»(1) فإذا تمت المرأة الرضاعة سنتين وكان حمله وفصاله ثلاثون شهرا كان الحمل منها ستة أشهر، فخلا عمر سبيل المرأة))(2).

وفسر أمير المؤمنين (عليه السلام) المُنعَم عليهم بآية قرآنية أخرى في تفسيره قوله تعالى (صراط الذين أنعمت عليهم ...) [الفاتحة: 7] ((أي قولوا اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك وطاعتك لا بالمال والصحة فإنهم قد يكونون كفارا أو فساقا. وقال: هم الذين قال الله تعالى: «وَمَنْ يُطِعِ الله وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًاً»(3)))(4)، وهنا يكون الإمام (عليه السلام) قد فسرّ القرآن بالقرآن، وهو أول من نهج هذا النمط من التفسير بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وتتمثل شخصية الإمام علي (عليه السلام) التفسيرية بأهليته لبيان مراد الله تعالى في خطابه القرآني ((من إيضاح معنى لغوي عام، أو تفصيل إجمال، أو بيان مبهم، أو تخصيص عام، أو تجلية مصداق، أو استنباط حكم شرعي فرعي، أو إرشادي أو تنزيهي وغير ذلك مما ينتظمه تفسير النص القرآني))(5).

وللتعرف على منهج أمير المؤمنين (عليه السلام) في تفسيره النص القرآني لابد

ص: 53


1- الآية 233 من سورة البقرة
2- وسائل الشيعة: 15 / 117، وينظر علوم القرآن الحكيم: 278
3- الآية 69 من سورة النساء
4- التفسير الصافي: 1 / 94
5- الدلالات التفسرية في شواهد نهج البلاغة القرآنية، د. علي جواد الحجار، المؤتمر العلمي الدولي الأول، الجزء الخامس، جامعة الكوفة، كلية التربية الأساسية، ص 33

من الوقوف على مناحيه التفسيرية التي يمكن تلخيصها :

1- إيضاح المعنى اللغوي العام للآية: كما ورد ذلك في قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ» في قوله: ((وقد قلتم ربنا الله فاستقيموا على كتابه، وعلى منهاج أمره، وعلى الطريقة الصالحة من عبادته. ثم لا تمرقوا منها ولا تبتدعوا فيها ولا تخالفوا عنها. فإن أهل المروق منقطع بهم عند الله يوم القيامة))(1).

وقد يستشهد بآية حينما يُسأل عن لفظة معينة كما في شرحه لمعنى الفتنة عندما قام إليه رجل قائلاً: أخبرنا عن الفتنة، وهل سألتَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) عنها؟ فقال (عليه السلام): ((إِنَّهُ لمَّا أَنْزَلَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَوْلَهُ: «الم أَحَسِبَ اَلنّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا یُفْتَنُونَ»(2) عَلِمْتُ أَنَّ الْفِتْنَهَ لاَ تَنْزِلُ بِنَا وَ رَسُولُ اَللَّهِ (صلی الله علیه و آله) بَیْنَ أَظْهُرِنَا فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اَللَّهِ مَا هَذِهِ اَلْفِتْنَهُ اَلَّتِی أَخْبَرَکَ اَللَّهُ تَعَالَی بِهَا فَقَالَ یَا عَلِیُّ إِنَّ أُمَّتِی سَیُفْتَنُونَ مِنْ بَعْدِی فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اَللَّهِ أَوَلَیْسَ قَدْ قُلْتَ لِی یَوْمَ أُحُدٍ حَیْثُ اسْتُشْهِدَ مَنِ اسْتُشْهِدَ مِنَ الْمُسْلِمِینَ وَ أُخِّرَتْ عَنِّی اَلشَّهَادَهُ فَشَقَّ ذَلِکَ عَلَیَّ فَقُلْتَ لِی أَبْشِرْ فَإِنَّ اَلشَّهَادَهَ مِنْ وَرَائِکَ فَقَالَ لِی إِنَّ ذَلِکَ لَکَذَلِکَ فَکَیْفَ صَبْرُکَ إِذَنْ فَقُلْتُ یَا رَسُولَ اَللَّهِ لَیْسَ هَذَا مِنْ مَوَاطِنِ الصَّبْرِ وَ لَکِنْ مِنْ مَوَاطِنِ الْبُشْرَی وَ الشُّکْرِ وَ قَالَ یا عَلِیُّ إِنَّ الْقَوْمَ سَیُفْتَنُونَ بِأَمْوالِهِمْ وَ یَمُنُّونَ بِدِینِهِمْ عَلَی رَبِّهِمْ وَ یَتَمَنَّوْنَ رَحْمَتَهُ وَ یَاءْمَنُونَ سَطْوَتَهُ وَ یَسْتَحِلُّونَ حَرامَهُ بِالشُّبُهاتِ الْکاذِبَهِ وَ الْاءَهْواءِ السّاهِیَهِ فَیَسْتَحِلُّونَ الْخَمْرَ بِالنَّبِیذِ وَ السُّحْتَ بِالْهَدِیَّهِ وَ الرِّبا بِالْبَیْعِ قُلْتُ یا رَسُولَ اللَّهِ فَبِأِیِّ الْمَنازِلِ أُنْزِلُهُمْ

ص: 54


1- نهج البلاغة، الخطبة 175، ص 292 - 293
2- الآيتان 1 و 2 من سورة العنكبوت

عِنْدَ ذَلِکَ أَبِمَنْزِلَهِ رِدَّهٍ أَمْ بِمَنْزِلَهِ فِتْنَهٍ فَقالَ بِمَنْزِلَهِ فِتْنَهٍ))(1).

وفي موضع آخر ينهى عن قول ويصححه فقد نهى عن التعوذ من الفتنة بل من مضلات الفتن؛ لأنه ما من أحد إلا وهو مشتمل على الفتنة كما ورد ذلك في قوله:

((لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ اللهمَّ إِنِّ أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفِتْنَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَی فِتْنَةٍ وَلَكِنْ مَنِ اسْتَعَاذَ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ مُضِلاَّتِ الْفِتَنِ فَإِنَّ الله سُبْحَانَهُ يَقُولُ وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَخْتَبِرُهُمْ بِالْأَمْوَالِ وَ الْأَوْلَدِ لِيَتَبَيَّنَ السَّاخِطَ لِرِزْقِهِ وَ الرَّاضِیَ بِقِسْمِهِ وَإِنْ كَانَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمَ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَلَكِنْ لِتَظْهَرَ الْأَفْعَالُ الَّتِي بِهَا يُسْتَحَقُّ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يُحِبُّ الذُّكُورَ وَيَكْرَهُ الْإِنَاثَ وَبَعْضَهُمْ يُحِبُّ تَثْمِيرَ الْمَالِ وَيَكْرَهُ انْثِلَامَ الْحَالِ))(2).

2- تفسير آية بلفظ: إذ يقَول (عليه السلام): ((كَفَى بِالْقَنَاعَةِ مُلْكاً وَبِحُسْنِ الْخُلُقِ نَعِيماً. وَسُئِلَ (عليه السلام) عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَی «لَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً»(3) فَقَالَ هِيَ الْقَنَاعَةُ))(4).

3- تفصيل مجمل آية: ورد الإيمان في القرآن الكريم مجملاً في معناه كما في قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَی الإِيماَنِ» - التوبة / 23، لكنّ أمير المؤمنين فصّل في معناه حينما سئل عن معناه فقال: ((الْإِيماَنُ عَلىَ أَرْبَعِ دَعَائِمَ عَلىَ الصَّبْرِ، وَالْيَقِينِ، وَالْعَدْلِ، وَالْجِهَادِ،وَالصَّبْ

ص: 55


1- نهج البلاغة، الخطبة 156، ص 252 - 253
2- المصدر نفسه، الكلمة 93، ص 566
3- الآية 97 من سورة النحل
4- نهج البلاغة، الكلمة 229، ص 591

رُ مِنْهَا عَلَی أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَی الشَّوْقِ، وَالشَّفَقِ، وَالزُّهْدِ، وَالتَّرَقُّبِ فَمَنِ اشْتَاقَ إِلَی الْجَنَّهِ سَلَا عَنِ الشَّهَوَاتِ وَمَنْ أَشْفَقَ مِنَ النَّارِ اجْتَنَبَ الْمُحَرَّمَاتِ وَمَنْ زَهِدَ فِی الدُّنْیَا اسْتَهَانَ بِالْمُصِیبَاتِ وَمَنِ ارْتَقَبَ الْمَوْتَ سَارَعَ إِلَی الْخَیْرَاتِ وَالْیَقِینُ مِنْهَا عَلَی أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَی تَبْصِرَهِ الْفِطْنَهِ وَتَأَوُّلِ الْحِکْمَهِ وَمَوْعِظَهِ الْعِبْرَهِ وَسُنَّهِ الْأَوَّلِینَ فَمَنْ تَبَصَّرَ فِی الْفِطْنَهِ تَبَیَّنَتْ لَهُ الْحِکْمَهُ وَمَنْ تَبَیَّنَتْ لَهُ الْحِکْمَهُ عَرَفَ الْعِبْرَهَ وَمَنْ عَرَفَ الْعِبْرَهَ فَکَأَنَّمَا کَانَ فِی الْأَوَّلِینَ وَالْعَدْلُ مِنْهَا عَلَی أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَی غَائِصِ الْفَهْمِ وَ غَوْرِ الْعِلْمِ وَزُهْرَهِ الْحُکْمِ وَرَسَاخَهِ الْحِلْمِ فَمَنْ فَهِمَ عَلِمَ غَوْرَ الْعِلْمِ وَمَنْ عَلِمَ غَوْرَ الْعِلْمِ صَدَرَ عَنْ شَرَائِعِ الْحُکْمِ وَمَنْ حَلُمَ لَمْ یُفَرِّطْ فِی أَمْرِهِ وَعَاشَ فِی النَّاسِ حَمِیداً وَالْجِهَادُ مِنْهَا عَلَی أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَی الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْیِ عَنِ الْمُنْکَرِ وَالصِّدْقِ فِی الْمَوَاطِنِ وَ شَنَآنِ الْفَاسِقِینَ فَمَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ شَدَّ ظُهُورَ الْمُؤْمِنِینَ وَمَنْ نَهَی عَنِ الْمُنْکَرِ أَرْغَمَ أُنُوفَ الْکَافِرِینَ وَمَنْ صَدَقَ فِی الْمَوَاطِنِ قَضَی مَا عَلَیْهِ وَمَنْ شَنِئَ الْفَاسِقِینَ وَ غَضِبَ لِلَّهِ غَضِبَ اللَّهُ لَهُ وَ أَرْضَاهُ یَوْمَ الْقِیَامَهِ وَالْکُفْرُ عَلَی أَرْبَعِ دَعَائِمَ عَلَی التَّعَمُّقِ))(1).

وفي موضع آخر يعرّف الإيمان بأنه ((الْأِيماَنُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ باِلْأَرْكَانِ))(2).

4- تفسير آية بلفظ: كما في تفسيره العدل بالإنصاف، والإحسان بالتفضل(3) في قوله تعالى «إن الله يأمر بالعدل والإحسان» - النحل / 90 .

ص: 56


1- نهج البلاغة، الكلمة 31، ص 555
2- المصدر نفسه، الكلمة 227، ص 591
3- ينظر: المصدر نفسه، الكلمة 231، ص 591

5- وضع حد دلالي للفظة في تفسير آية: كما في وضعه الحد الدلالي للزهد في قوله ((الزُّهْدُ كُلُّهُ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ الله سُبْحَانَهُ: «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ»(1)))(2).

6- جري مصداق آية: كان (عليه السلام) يستخرج محاسن المعاني عن الآيات مما يبهر العيون و ييحر العقول كما في قوله تعالى «وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» - الأنفال / 33، فقد استنبط من هذه الآية أنه ((كَانَ فِی الْأَرْضِ أَمَانَانِ مِنْ عَذَابِ اللِّهَ وَقَدْ رُفِعَ أَحَدُهُمَا فَدُونَكُمُ الْخَرَ فَتَمَسَّكُوا بِهِ أَمَّا الْأَمَانُ الَّذِي رُفِعَ فَهُوَ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله) وَأَمَّا الْأَمَانُ الْبَاقِي فَالِاسْتِغْفَارُ قَالَ الله تَعَالَی: «وَما كانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» قال الرضي: وهذا من محاسن الاستخراج ولطائف الاستنباط))(3).

7- تفسير لفظتين في آية: كما رد ذلك في تفسيره العاكف والبادي في قوله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللِّهَ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ» - الحج / 25، في قوله ((وَانْظُرْ إِلَی مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ مِنْ مَالِ اللِّهَ فَاصْرِفْهُ إِلَی مَنْ قِبَلَكَ مِنْ ذَوِي الْعِيَالِ وَالْمَجَاعَةِ مُصِيباً بِهِ مَوَاضِعَ الْفَاقَةِ وَالْخَلاَّتِ وَمَا فَضَلَ عَنْ ذَلِكَ فَاحْمِلْهُ إِلَيْنَا لِنَقْسِمَهُ فِيمَنْ قِبَلَنَا وَمُرْ أَهْلَ مَكَّةَ أَلَّا يَأْخُذُوا مِنْ سَاكِنٍ أَجْراً فَإِنَّ الله سُبْحَانَهُ يَقُولُ «سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ»

ص: 57


1- الآية 23 من سورة الحديد
2- نهج البلاغة، الكلمة 439، ص 632
3- المصدر نفسه، الحكمة 88، ص 483

فَالْعَاكِفُ الْمُقِيمُ بِهِ وَالْبَادِي الَّذِي يَحُجُّ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ ...))(1). وكذا الحال في قوله تعالى «وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ» - ق / 21، إذ يقول (عليه السلام): ((فَاتَّعِظُوا عِبَادَ اللِّهَ بِالْعِبَرِ النَّوَافِعِ وَاعْتَ رِبُوابِرُوا بِالْآيِ السَّوَاطِعِ وَازْدَجِرُوا بِالنُّذُرِ الْبَوَالِغِ وَانْتَفِعُوا بِالذِّكْرِ وَالْمَوَاعِظِ فَكَأَنْ قَدْ عَلِقَتْكُمْ مَخَالِبُ الْمَنِيَّةِ وَانْقَطَعَتْ مِنْكُمْ عَلَائِقُ الْأُمْنِيَّةِ وَدَهِمَتْكُمْ مُفْظعَاتُ الْأُمُورِ وَالسِّيَاقَةُ إِلَی الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ فَ «كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ» سَائِقٌ يَسُوقُهَا إِلَی مَحْشَرِهَا وَشَاهِدٌ يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا))(2).

8- جمع تفسيري بين مفهوم آيتين: كما في قوله ((لَا تَأْمَنَنَّ عَلىَ خَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَذَابَ اللِّهَ لِقَوْلِهِ تَعَالَی «فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللِّهَ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ»(3) وَلا تَيأَسَنَّ لِشَرِّ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ رَوْحِ اللِّهَ لِقَوْلِهِ تَعَالَی «إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللِّهَ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ(4)))(5).

نماذج مختارة من تفسير ه المغيّب

- من تفسيره سورة الفاتحة:

يروى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) مقولة مشهورة في تفسيره سورة الفاتحة، وهي قوله: ((لو شئت لأوقرتُ سبعين بعيرا في تفسير فاتحة الكتاب، ولما

ص: 58


1- نهج البلاغة، الوصية 67، ص 457
2- المصدر نفسه، الخطبة 85، ص 116
3- الآية 99 من سورة الأعراف
4- الآية 87 من سورة يوسف
5- نهج البلاغة، الكلمة 377، ص 621 - 622

وجد المفسرون قوله لا يأخذون إلا به))(1)، ويبدو أنه فسرّ فاتحة الكتاب تفسيراً موجزاً؛ لأنّ لكل مقام مقالاً فالمقام لا يسمح في الإطالة، وذلك في كتابه إلى قيصر الروم جوابا عن مسائله في أنّ ((عمر لما جلس في الخلافة جرى بين رجل من أصحابه يقال له الحارث بن سنان الأزدي وبين رجل من الأنصار كلام ومنازعة فلم ينتصف له عمر فلحق الحارث بن سنان بقيصر وارتد عن الإسلام ونسى القران كله إلا قول الله عز وجل «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِی الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ»(2) فسمع قيصر هذا الكلام قال سأكتب إلى ملك العرب بمسائل فإن أخبرنی بتفسيرها أطلقت من عندي من الأسارى فعرضت عليهم النصرانية فمن قبل منهم استعبدته ومن لم يقبل قتلته وكتب إلى عمر بن الخطاب بمسائل أحدها سؤاله عن تفسير الفاتحة ...، ولما وردت هذه المسائل على عمر لم يعرف تفسيرها ففزع في ذلك إلى علی (عليه السلام) فكتب إلى قيصر. من علی بن أبي طالب صهر محمد ووارث علمه وأقرب الخلق إليه ووزيره ومن حقت له الولاية وأمر الخلق من أعدائه بالبراءة قرة عين رسول الله وزوج ابنته وأبي ولده أما بعد فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو عالم الخفيات ومنزل البرکات من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له ورد كتابك وأقرأنيه عمر بن الخطاب فأما سؤالك عن اسم الله تعالى فإنه اسم فيه شفاء من كل داء وعون عن كل دواء، وأما الرحمن فهو عون لكل من آمن به وهو اسم لم يسم به غير الله الرحمن تبارك و تعالى، وأما الرحيم فرحم من عصی وتاب وآمن وعمل صالحا وأما قوله الحمد لله رب العالمين فذلك ثناء منا على ربنا تبارك وتعالى بما أنعم علينا وأما قوله مالك يوم الدين فإنه يملك نواصي الخلق يوم القيمة وكل من كان في الدنيا شاكا أو جبارا ادخله النار ولا يمتنع من

ص: 59


1- مناقب آل أبي طالب 322
2- الآية 85 من سورة آل عمران

عذاب الله عز وجل شاك ولا جبار وكل من كان في الدنيا طائعا مديما محافظا إياه ادخله الجنة برحمته وأما قوله إياك نعبد وإياك نستعين فانا نستعين بالله عز وجل من ... الشيطان الرجيم لا يضلنا كما أضلكم وأما قوله اهدنا الصراط المستقيم فذلك الطريق الواضح من عمل في الدنيا عملا صالحا فإنه يسلك على الصراط إلى الجنة وأما قوله صراط الذين أنعمت عليهم بتلك النعمة التي أنعمها لله عز وجل على من كان قبلنا من النبيين والصديقين فنسأل الله ربنا أن ينعم علينا كما أنعم عليهم، وأما قوله غير المغضوب عليهم فأولئك اليهود بدلوا نعمة الله كفرا فغضب عليهم فجعل منهم القردة و الخنازير فنسأل ربنا تعالى أن لا يغضب علينا كما غضب عليهم، وأما قوله ولا الضالين فأنت وأمثاله يا عابد الصليب الخبيث ضللتم من بعد عيسى بن مريم فنسأل الله ربنا أن لا يضلنا كما ضللتم ...))(1).

وثمة تفسير آخر للحمد أوردته بعض المصادر إذ يروون أن رجلاً جاء إلى الإمام الرضا عليه السلام فقال له: يا ابن رسول الله اخبرنی عن قول الله عز وجل (الحمد لله رب العالمين) ما تفسيره؟ فقال: لقد حدثني أبي عن جدي عن الباقر عن زين العابدين عن أبيه عليهم السلام أن رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال:

اخبرنی عن قول الله عز وجل (الحمد لله رب العالمين) ما تفسيره؟ فقال: الحمد لله هو أن عرف عباده بعض نعمه عليهم جملا إذ لا يقدرون على معرفه جميعها بالتفصيل لأنها أكثر من أن تحصی أو تعرف فقال لهم: قولوا الحمد لله على ما أنعم به علينا رب العالمين وهم الجماعات من كل مخلوق من الجمادات والحيوانات وأما الحيوانات فهو يقلبها في قدرته ويغذوها من رزقه ويحوطها بكنفه ويدبر كلا منها بمصلحته وأما الجمادات فهو يمسكها بقدرته ويمسك المتصل منها أن يتهافت ويمسك المتهافت منها أن يتلاصق ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ويمسك الأرض أن

ص: 60


1- مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) 4 / 121

تنخسف إلا بأمره انه بعباده لرؤوف رحيم وقال عليه السلام: رب العالمين مالكهم وخالقهم وسائق أرزاقهم إليهم من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون فالرزق مقسوم ...))(1)، وفسرّ رب العالمين بقوله ((يعني مالك الجماعات من كل مخلوق وخالقهم وسائق أرزاقهم إليهم من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون يقلب الحيوانات في قدرته ويغذوها من رزقه ويحوطها بكنفه ويدبر كلا منها بمصلحته ويمسك الجمادات بقدرته ويمسك ما اتصل منا عن التهافت والمتهافت عن التلاصق والسماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه والأرض أن تنخسف إلا بأمره))(2).

وفي قوله تعالى (اهدنا الصراط المستقيم) قال: ((أدم لنا توفيقك الذي به أطعناك في ما مضى من أيامنا، حتى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا، والصراط المستقيم هو صراطان: صراط في الدنيا وصراط في الآخرة، فأما الطريق المستقيم في الدنيا فهو ما قصر عن الغلو وارتفع عن التقصير، واستقام فلم يعدل إلى شئ من الباطل، وأما الطريق الآخرة طريق المؤمنين إلى الجنة الذي هو مستقيم لا يعدلون عن الجنة إلى النار. ولا إلى غير النار سوى الجنة))(3). وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله تعالى «صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ ...» أي قولوا إهدنا صراط الذين أنعمت عليهم بالتوفيق لدينك وطاعتك لا بالمال والصحة فإنهم قد يكونون كفارا أو فساقا. وقال:

هم الذين قال الله تعالى «وَمَن يُطِعِ اللَّه وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللُّه عَلَيْهِم

ص: 61


1- عيون أخبار الرضا / الشيخ الصدوق 2 / 255، وبحار الأنوار 26 / 274، والتفسر الصافي / 1 / 83
2- التفسير الصافي 1 / 83
3- تفسير نور الثقلين / الشيخ الحويزي 1 / 22

مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا»(1)))(2)، وهنا يكون الإمام (عليه السلام) قد فسرّ القرآن بالقرآن، وهو أول من نهج هذا النمط من التفسير بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

- من تفسيره سورة البقرة 1- «الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ» - الآيتان 1 و 2، قال الإمام عليه السلام: ((كذبت قريش واليهود بالقرآن وقالوا: سحر مبين تقوله، فقال عز وجل: «ألم ذلك الكتاب» أي يا محمد هذا الكتاب الذي أنزلته عليك وهو بالحروف المقطعة التي منها ألف ولام وميم وهو بلغتكم وحروف هجائكم فأتوا بمثله إن كنتم صادقين، فاستعينوا على ذلك بسائر شهدائكم، ثم بين أنهم لا يقدرون عليه بقوله: «قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَی أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا» قال الله تعالى «ألم» هو القرآن الذي افتتح بألم هو «ذلك الكتاب» الذي أخبر به موسى ومن بعده من الأنبياء، وأخبروا بني إسرائيل أني سأنزله عليك يا محمد كتابا عربيا عزيزا «لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ»(3) «لا ريب فيه» لا شك فيه لظهوره عندهم كما أخبرهم أنبياؤهم أن محمدا صلى الله عليه وآله ينزل عليه الكتاب يقرؤه هو وأمته على سائر أحوالهم))(4).

2- وفي قوله تعالى «خَتَمَ اللُّه عَلىَ قُلُوبِهمْ وَعَلَی سَمْعِهِمْ وَعَلىَ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ

ص: 62


1- الآية 69 من سورة النساء
2- التفسير الصافي 1 / 94
3- الآية 42 من سورة فصلت
4- بحار الأنوار 9 / 173

عَذَابٌ عظِيمٌ» - الآية 7، قال عليه السلام: ((سبق في علمه أنهم لا يؤمنون فختم على قلوبهم وسمعهم، ليوافق قضاؤه عليهم علمه فيهم، ألا تسمع إلى قوله «وَلَوْ عَلِمَ اللُّه فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ»))(1).

3- وفي قوله «أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ» - الآية 19، قال عليه السلام: ((الرعد صوت الملك، والبرق سوطه))(2). ويقول (عليه السلام) في موضع آخر، وقد ((سئل عن السحاب أين يكون؟ قال: يكون على شجر على كثيب على شاطئ البحر يأوي إليه فإذا أراد الله عز وجل أن يرسله أرسل ريحا فأثارته ووكل به ملائكة يضربون بالمخاريق، وهو البرق فيرتفع ثم قرأ هذه الآية: «وَالله الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ»(3) والملك اسمه الرعد))(4).

4- قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى «هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» - الآية 29: ((هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا لتعتبروا به ولتتوصلوا به إلى رضوانه، ولتتوقوا به من عذاب نيرانه، «ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء» اخذ في خلقها واتقانها «فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» ولعلمه بكل شيء علم المصالح فخلق لكم كلما في الأرض لمصالحكم

ص: 63


1- مجمع البحرين 1 / 622، والآية (ولو علم الله فيهم خيراً... - الأنفال / 23)
2- من لایحضره الفقيه / الشيخ الصدوق 1 / 526
3- الآية 9 من سورة فاطر
4- الكافي 8 / 218

يا بني آدم))(1).

5- وفسرّ سجود الملائكة لآدم في قوله تعالى: «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ» - الآية / 34، على أنه ليس سجود طاعة وعبادة وإنما اعتراف بالفضل لآدم حينما يسأله يهودي مقارناً بين آدم والنبي محمد (صلى الله عليه وآله) في الرواية الآتية ((قال اليهودي: هذا آدم عليه السلام أسجد الله له ملائكته، فهل فعل لمحمد شيئا من هذا؟ فقال له علی عليه السلام: لقد كان كذلك، أسجد الله لآدم ملائكته فإن سجودهم له لم يكن سجود طاعة، وإنهم عبدوا آدم من دون الله عز وجل، ولكن اعترافا بالفضيلة، ورحمة من الله له، ومحمد (صلى الله عليه وآله) أعطي ما هو أفضل من هذا، إن الله عز وجل صلى عليه في جبروته والملائكة بأجمعها، وتعبد المؤمنين بالصلاة عليه فهذه زيادة له يا يهودي))(2).

6- وفسرّ قوله تعالى «وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ» - الآية 45، تفسيراً باطنياً ((فالصبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والصلاة إقامة ولايتي، فمنها قال الله تعالى: «وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ»، ولم يقل:

وإنهما لكبيرة؛ لأن الولاية كبيرة حملها إلا على الخاشعين، والخاشعون هم الشيعة المستبصرون، وذلك لأن أهل الأقاويل من المرجئة والقدرية والخوارج وغيرهم من الناصبية يقرون لمحمد (صلى الله عليه وآله) ليس بينهم خلاف وهم مختلفون في ولايتي منكرون لذلك جاحدون بها إلا القليل. وهم الذين وصفهم الله في

ص: 64


1- تفسير نور الثقلين: 1 / 46
2- الاحتجاج 1 / 315

كتابه العزيز فقال: «وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ»))(1).

7- وفي قوله «الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ» - الآية 46، يقول (عليه السلام):

يوقنون أنهم مبعوثون والظن منهم يقين(2).

8- وفي قوله: «... ففَتُوبُواْ إِلَی بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» - الآية 54، قال (عليه السلام): ((قالوا لموسى ما توبتنا؟ قال: يقتل بعضكم بعضا فأخذوا السكاكين فجعل الرجل يقتل أخاه وأباه وابنه والله لا يبالي من قتل حتى قتل منهم سبعون ألفا فأوحى الله إلى موسى مرهم فليرفعوا أيديهم وقد غفر لمن قتل وتيب على من بقي))(3).

9- وفي قوله «وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِين/ الآية 58» قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ((فهؤلاء بنو إسرائيل نصب لهم باب حطة وأنتم يا معشر أمة محمد نصب لكم باب حطة أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله، وأمرتم باتباع هداهم ولزوم طريقتهم، ليغفر [لكم] بذلك خطاياكم وذنوبكم، وليزداد المحسنون منكم، وباب حطتكم أفضل من باب حطتهم، لان ذلك [كان] باب خشب، ونحن الناطقون الصادقون المرتضون الهادون الفاضلون، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ((إن النجوم في السماء أمان من الغرق، وإن أهل بيتي أمان لأمتي من الضلالة في أديانهم، لا يهلكون (فيها

ص: 65


1- بحار الأنوار 26 / 2
2- ينظر: تفسير العياشي / محمد بن مسعود العياشي 1 / 44
3- الدر المنثور / السيوطي 1 / 69

ما دام فيهم) من يتبعون هديه وسنته)). أما أن رسول الله صلى الله عليه وآله قدقال: ((من أراد أن يحيا حياتي، وأن يموت مماتي، أن يسكن الجنة التي وعدني ربي، وأن يمسك قضيبا غرسه بيده وقال له: كن فكان، فليتول علی بن أبي طالب عليه السلام، وليوال وليه، وليعاد عدوه، وليتول ذريته الفاضلين المطيعين لله من بعده، فإنهم خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي وعلمي، فويل للمكذب بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي))(1).

10- وفي قوله تعالى «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ الله أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِی خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِی الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِی الْأَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ / الآية 114» يفسرّ المساجد بجميع الأرض معرّجاً على حديث نبوي إذ يروى عن زيد بن علی عن آبائه عن علی (عليه السلام) أنه ((أراد جميع الأرض لقول النبي صلى الله عليه وآله جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا))(2).

11- وفي قوله تعالى «وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَی بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ - الآية / 54» يقول (عليه السلام): ((وأخرج ابن أبي حاتم عن علی قال: قالوا لموسى ما توبتنا؟ قال: يقتل بعضكم بعضا، فأخذوا السكاكين فجعل الرجل يقتل أخاه وأباه وابنه لا يبالي من قتل حتى قتل منهم سبعون ألفا، فأوحى الله إلى موسى: مرهم فليرفعوا أيديهم، وقد غفر لمن

ص: 66


1- تفسير الإمام العسكري / المنسوب إلى الإمام العسكري 546
2- تفسير نور الثقلين 1 / 117

قتل وتيب على من بقي))(1).

12- وفي قوله «وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ» - الآية / 92 يقول (عليه السلام): ((لما تعجل موسى إلى ربه عمد السامري فجمع ما قدر عليه من حلی بني إسرائيل، فضربه عجلا ثم ألقى القبضة في جوفه فإذا هو عجل جسد له خوار، فقال لهم السامري، هذا إلهكم وإله موسى: فقال لهم هارون: يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا؟ فلما إن رجع موسى أخذ برأس أخيه، فقال له هارون ما قال، فقال موسى للسامري:

ما خطبك؟ فقال: قبضت قبضة من أثر الرسول، فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي، فعمد موسى إلى العجل، فوضع عليه المبارد فبرده بها وهو على شط نهر، فما شرب أحد من ذلك الماء ممن كان يعبد ذلك العجل إلا اصفر وجهه مثل الذهب))(2).

13- وفي قوله تعالى «وَللهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَماَ تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللِّهَ إِنَّ الله وَاسِعٌ عَلِيمٌ» - الآية / 115، يسأله سائل: ((من هؤلاء الحجج؟ قال: هم رسول الله ومن حل محله من أصفياء الله الذين قال الله: «فَأَيْنَماَ تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ الله» الذين قرنهم الله بنفسه وبرسوله، وفرض على العباد من طاعتهم مثل الذي فرض عليهم منها لنفسه))(3).

وفي سؤال بعض اليهود عليا عليه السلام ((عن الواحد إلى المائة قال له اليهودي

ص: 67


1- فتح القدير / الشوكاني 1 / 86
2- كنز العمال / المتقي الهندي 2 / 467، والدر المنثور 4 / 305
3- تفسير نور الثقلين 1 / 118

فأين وجه ربك؟ فقال علی بن أبي طالب عليه السلام: يا بن عباس أتيني بنار وحطب، فأتيته بنار وحطب، فأضرمها ثم قال: يا يهودي أين يكون وجه هذه النار فقال: لا أقف لها على وجه، قال: ربي عز وجل على هذا المثل ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله))(1).

14- وفي قوله تعالى «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِی الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ الله وَيَلْعَنُهُمُ اللَّعِنُونَ / الآية 159» قال السيوطي ((عن علی بن أبي طالب في قوله «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ» قال من الذهب والفضة «وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ» قال يعنى من الحب والتمر وكل شيء عليه زكاة))(2).

15- وفي حديثه عن ليلة القدر استشهد بقوله تعالى «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ / الآية 185» في قوله ((وليلة القدر ليلة عظيمة شريفة شرفها الله تعالى في محكم كتابه المنزل على لسان نبيه الصادق فقال: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) فمن اهتدى إلينا وشايعنا كانوا هم السعداء ومن لم يهتد إلينا كانوا هم الأشقياء الذين لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم))(3).

16- وفي قوله «وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى

ص: 68


1- تفسير نور الثقلين: 1 / 117
2- الدر المنثور 1 / 261
3- إلزام الناصب في إثبات الحجة الغالب / الشيخ علي اليزدي الحائري 1 / 103

وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» - الآية / 189، قال (عليه السلام): ((نحن البيوت التي أمر الله أن يؤتى من أبوابها نحن باب الله وبيوته التي نؤتى منه فمن تابعنا وأقر بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها ومن خالفنا وفضل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها))(1).

17- وفي قوله تعالى «فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ باِلْعُمْرَة إِلَی الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَم يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِی الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ - الآية / 196» سئل عن هذه الآية ففسّرها تفسيراً فقهياً فقال ((الصيام ثلاثة أيام والصدقة ثلاثة آصع(2) على ستة مساكين والنسك شاة))(3)، وقال في قوله (فصيام ثلاثة أيام) ((قبل التروية يوم، ويوم التروية، ويوم عرفة فإن فاتته صامهن أيام التشريق))(4).

18- وكذا في قوله «وَاذْكُرُوا الله فِی أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ... - الآية / 203» فقد فسّرها أيضاً تفسيراً فقهياً. قال السيوطي: ((أخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم عن علی بن أبي طالب قال: الأيام المعدودات ثلاثة أيام يوم الأضحى ويومان بعده اذبح في أيها شئت وأفضلها أولها))(5).

19- وفي قوله «وَلَا يُحِيطُونَ بِشَیْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِماَ شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماَوَاتِ

ص: 69


1- مناقب آل أبي طالب/ ابن شهر آشوب 1 / 314
2- واحدها صاع، وهو مكيال يسع أربعة أمداد (ينظر: مجمع البحرين 2 / 646)
3- مناقب آل أبي طالب 1 / 214
4- فتح القدير 1 / 199
5- الدر المنثور 1 / 234

وَالْأَرْضَ» - الآية / 255، يُسأل عن قول الله تبارك وتعالى: «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماَوَاتِ وَالأَرْضَ» فيقول: ((السماوات والأرض وما فيهما من مخلوق في جوف الكرسي وله أربعة أملاك يحملونه بإذن الله، فأما ملك منهم ففي صورة الآدميين. وهي أكرم الصور على الله، وهو يدعو الله ويتضرع إليه ويطلب الشفاعة والرزق لبنى آدم، والملك الثاني في صورة الثور وهو سيد البهائم وهو يطلب إلى الله ويتضرع إليه ويطلب الشفاعة والرزق لجميع البهائم، والملك الثالث في صورة النسر وهو سيد الطير وهو يطلب إلى الله تبارك وتعالى ويتضرع إليه ويطلب الشفاعة والرزق لجميع الطير، والملك الرابع في صورة الأسد وهو سيد السباع وهو يرغب إلى الله ويتضرع إليه ويطلب الشفاعة والرزق لجميع السباع ولم يكن في هذه الصور أحسن من الثور ولا أشد انتصابا منه حتى اتخذ الملاء من بني إسرائيل العجل فلما عكفوا عليه وعبدوه من دون الله خفض الملك الذي في صورة الثور رأسه استحياء من الله أن عبد من دون الله شيء يشبه وتخوف أن ينزل به العذاب))(1).

20- وفي قوله تعالى «أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» - الآية / 259، يقول (عليه السلام): ((خرج عزير نبي الله من مدينته وهو شاب فمر على قرية خربة وهي خاوية على عروشها فقال: (أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه) فأول ما خلق منه عيناه فجعل ينظر إلى عظامه ينضم بعضها إلى بعض،

ص: 70


1- تفسير نور الثقلين 1 / 262

كسيت لحما ثم نفخ الروح، فقيل له كم لبثت؟ قال لبثت يوما أو بعض يوم، قال: بل لبثت مائة عام فأتى مدينته وقد ترك جارا له إسكافا شابا فجاء وهو شيخ كبير))(1).

21- وفي قوله تعالى «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى» - الآية 282، قال أمير المؤمنين عليه السلام في قوله: «أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى» قال: إذا ضلت إحداهما عن الشهادة ونسيتها، ذكرت إحداهما بها الأخرى فاستقامتا في أداء الشهادة. عدل الله شهادة امرأتين بشهادة رجل، لنقصان عقولهن ودينهن. ثم قال عليه السلام: معاشر النساء خلقتن ناقصات العقول، فاحترزن من الغلط في الشهادة فان الله تعالى يعظم ثواب المتحفظين، والمتحفظات في الشهادة. ولقد سمعت محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ما من امرأتين احترزتا في الشهادة فذكرت إحداهما الأخرى حتى تقيما الحق، وتنفيا الباطل إلا إذا بعثهما الله يوم القيامة عظم ثوابهما، ولا يزال يصب عليهما النعيم ويذكرهما الملائكة ما كان من طاعتهما في الدنيا، وما كانتا فيه من أنواع الهموم فيها، و [ما] أزاله الله عنهما حتى خلدهما في الجنان. وإن فيهن لمن تبعث يوم القيامة، فيؤتي بها قبل أن تعطى كتابها، فترى السيئات بها محيطة، وترى حسناتها قليلة، فيقال لها: يا أمة الله هذه سيئاتك، فأين حسناتك؟ فتقول:

لا أذكر حسناتي. فيقول الله لحفظتها: يا ملائكتي تذاكروا حسناتها وتذكروا خيراتها؟. فيتذاكرون حسناتها. يقول الملك الذي على اليمن للملك الذي على الشمال: أما تذكر من حسناتها كذا وكذا؟. فيقول: بلى، ولكني أذكر من سيئاتها كذا وكذا، فيعدد. فيقول الملك الذي على اليمين له: أفما تذكر توبتها منها؟

ص: 71


1- كنز العمال 2 / 364

قال لا أذكر. قال: أما تذكر أنها وصاحبتها تذاكرتا الشهادة التي كانت عندهما حتى اتفقتا وشهدتا [بها] ولم يأخذهما في الله لومة لائم؟ فيقول: بلى. فيقول الملك الذي على اليمين للذي على الشمال: أما إن تلك الشهادة منهما توبة ماحية لسالف ذنوبهما، ثم تعطيان كتابهما بأيمانهما، فتجدان حسناتهما كلها مكتوبة [فيه] وسيئاتهما كلها. ثم تجد في آخره: يا أمتي أقمت الشهادة بالحق للضعفاء على المبطلين، ولم تأخذك في الله لومة لائم، فصيرت لك ذلك كفارة لذنوبك الماضية، ومحواً لخطيئاتك السالفة))(1).

22- وقال أمير المؤمنين عليه السلام في قوله عز وجل: «وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ» - من الآية / 282: من كان في عنقه شهادة، فلا يأب إذا دعي لإقامتها، وليقمها ولينصح فيها ولا يأخذه فيها لومة لائم، وليأمر بالمعروف، ولينه عن المنكر))(2).

- من تفسيره سورة آل عمران 1- أفاد من قوله تعالى «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَماَتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ» - الآية / 7، في تفسير المحكم والمتشابه من كتاب الله عز وجل فقال: ((أما المحكم الذي لم ينسخه شيء من القرآن فهو قول الله عز وجل: «هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَماَتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ» وإنما هلك الناس في المتشابه لأنهم لم يقفوا على معناه ولم يعرفوا حقيقته، فوضعوا له تأويلات من عند أنفسهم بآرائهم واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء... وأما المتشابه من القرآن فهو الذي انحرف منه، متفق

ص: 72


1- تفسير الإمام العسكري 678
2- المصدر نفسه 678

اللفظ مختلف المعنى، مثل قوله عز وجل: «يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ» فنسب الضلالة إلى نفسه في هذا الموضع، وهذا ضلالهم عن طريق الجنة بفعلهم، ونسبه إلى الكفار في موضع آخر ونسبه إلى الأصنام في آية أخرى))(1).

2- وألمع إلى التقية التي وردت في قوله تعالى «لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ» / الآية 28 فقال: ((وأمرك أن تستعمل التقية في دينك فان الله عز وجل يقول «لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً» وقد أذنت لك في تفضيل أعداءنا ان لجأك الخوف إليه وفي اظهار البراءة منا ان حملك الوجل عليه وفي ترك الصلوات المكتوبات إن خشيت على حشاشتك الآفات والعاهات فإن تفضيلك أعداءنا علينا عند خوفك لا ينفعهم ولا يضرنا وإن إظهارك براءتك منا عند تقيتك لا يقدح فينا ولا ينقصنا ولئن تبرأت منا ساعة بلسانك وأنت موال لنا بجنانك لتبقى على نفسك روحها التي بها قوامها ومالها الذي به قيامها وجاهها الذي به تماسكها وتصون من عرفك بذلك وعرفت به من أولياءنا وإخواننا من بعد ذلك بشهور وسنين إلى أن يفرج الله تلك الكربة وتزول به تلك الغمة فإن ذلك أفضل من أن تتعرض للهلاك وتنقطع به عن عمل الدين وصلاح إخوانك المؤمنين وإياك ثم إياك أن تترك التقية التي أمرتك بها فإنك شائط بدمك ودم إخوانك معرض لنعمتك ونعمهم على الزوال مذل لك ولهم في أيدي أعداء دين الله وقد أمرك الله بإعزازهم فإنك إنْ خالفت وصيتي كان ضررك على نفسك وإخوانك أشد من ضرر المناصب لنا

ص: 73


1- ميزان الحكمة 3 / 2534

الكافر بنا))(1).

3- وفي قوله تعالى «ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّ نَذَرْتُ لَكَ مَا فِی بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» - الآيتان / 34 و 35 قال: ((إن الله أوحى إلى عمران إني واهب لك ذكرا مباركا يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذني، وجاعله رسولا إلى بني إسرائيل، فحدث امرأته حنة بذلك وهي أم مريم فلما حملت بها كان حملها عند نفسها غلاما فلما وضعتها أنثى قالت رب إني وضعتها أنثى وليس الذكر كالأنثى لان البنت لا تكون رسولا))(2).

4- وفي تفسير قوله تعالى «إِنَّ أَوْلَ النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَالله وَلِیُّ الْمُؤْمِنِينَ» - الآية / 68، يقول: ((إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به ...))(3).

5- وفي تفسير قوله تعالى «وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلىَ ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ» - الآية / 81 يقول: ((لم يبعث الله نبياً - آدم ومن بعده - إلا أخذ عليه العهد على أن بعث الله محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره بأن يأخذ العهد بذلك على

ص: 74


1- مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) 3 / 201
2- بحار الأنوار 14 / 200
3- المصدر نفسه 1 / 183

قومه))(1).

ويروى عنه أيضاً قوله ((إن الله أخذ الميثاق على الأنبياء أن يخبروا أمتهم بمبعث رسول الله وهو محمد (صلى الله عليه وآله) ونعته وصفته ويبشروهم به ويأمروهم بتصديقه، ويقولوا هو مصدق لما معكم من كتاب وحكمة، وإنما الله أخذ ميثاق الأنبياء ليؤمنن به ويصدقوا بكتابه وحكمته كما صدق بكتابهم وحكمتهم))(2). وقد سئل عن قوله تعالى «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالِمَينَ» - الآية/ 96: أهو أول بيت فأجاب (عليه السلام): ((لا قد كان قبله بيوت ولكنه أول بيت وضع للناس مباركا فيه الهدى والرحمة والبركة وأول من بناه إبراهيم ثم بناه قوم من العرب من جرهم ثم هدم فبنته قريش))(3).

- من تفسيره سورة النساء 1- في قوله تعالى «وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا» - الآية / 1 يقول (عليه السلام): ((إن أحدكم ليغضب فما يرضى حتى يدخل به النار فأيما رجل منكم غضب على ذي رحمه فليدن منه فان الرحم إذا مستها الرحم استقرت، وإنها متعلقة بالعرش ينتقضه انتقاض الحديد فينادي: اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني وذلك قول الله في كتابه «واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ان الله كان عليكم رقيبا»))(4).

ص: 75


1- بحار الأنوار 11 / 13
2- تفسير كنز الدقائق / الميرزا محمد المشهدي 2 / 142
3- مناقب آل أبي طالب 1 / 322
4- تفسير العياشي 1 / 217

2- وفي قوله تعالى «وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِی فِی حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِی دَخَلْتُمْ بِهِنَّ» - الآية / 23 يقول: ((الربائب عليكم حرام مع الأمهات اللاتي قد دخلتم بهن، هن في الحجور وغير الحجور سواء،...))(1).

4- ونجد تفسيراً فقهياً للرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) لقوله تعالى «وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا» - الآية 29، يرويه الإمام علی بن أبي طالب (عليه السلام) إذ يقول: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن الجبائر تكون على الكسير كيف يتوضأ صاحبها وكيف يغتسل إذا أجنب؟ قال: يجزيه المس بالماء عليها في الجنابة والوضوء، قلت: فإن كان في برد يخاف على نفسه إذا افرغ الماء على جسده فقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما»))(2).

4- ويفسرّ (عليه السلام) المقصود من أولي الأمر في قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الْأَمْرِ مِنْكُمْ» - الآية / 59، فيقول: ((الذين قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في آخر خطبته يوم قبضه الله عز وجل إليه:

إني قد تركت فيكم أمرين لن تضلوا بعدي ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإن اللطيف الخبير قد عهد إلي أنهما لن يفترقا حتى يردا علی الحوض كهاتين - وجمع بين مسبحتيه - ولا أقول كهاتين - وجمع بين المسبحة والوسطى - فتسبق إحداهما الأخرى، فتمسكوا بهما لا تزلوا ولا تضلوا ولا تقدموهم فتضلوا))(3).

ص: 76


1- الاستبصار / الشيخ الطوسي 3 / 156
2- تفسير العياشي 1 / 236
3- الكافي 2 / 415

5- ويُسأل عن قوله تعالى «وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِماَ أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُماَ صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ» - الآية/ 128، فيجيب بحكم فقهي بقوله ((والرجل عنده امرأتان فتكون إحداهما قد عجزت أو تكون دميمة فيريد فراقها فتصالحه على أن يكون عندها ليلة وعند الأخرى ليالي ولا يفارقها فما طابت به نفسها فلا باس به فإن رجعت سوى بينهما))(1).

6- وفسرّ تكليم الله موسى في قوله تعالى «وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ الله مُوسَى تَكْلِيماً» - الآية / 164، بقوله ((كلم الله موسى تكليما بلا جوارح وأدوات وشفة ولا لهوات سبحانه وتعالى عن الصفات))(2).

- من تفسيره سورة المائدة 1- سئل (عليه السلام) عن السحت الوارد في قوله تعالى «سماَّعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» - الآية / 42، فقال الرشا فقيل له في الحكم قال ذاك الكفر(3).

2- إن رجلا سأل عليا (عليه السلام) عن الهدي مما هو قال لثمانية الأزواج فكأنّ الرجل شكّ.

ص: 77


1- الدر المنثور 2 / 233
2- التفسير الصافي 1 / 522
3- ینظر: الدر المنثور 2 / 284

فقال علي (عليه السلام): أتقرأ القرآن؟ قال الرجل: نعم.

قال (الإمام): أ فسمعت الله يقول:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ»(1) قال (الرجل): نعم.

قال (الإمام) فهل سمعته يقول «...لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللِّهَ عَلىَ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ»(2)، «... وَمِنَ الَأنْعَامِ حُمَولَةً وَفَرْشًا كُلُواْ مَّمِا رَزَقَكُمُ اللُّه»(3).

قال (الرجل): نعم.

قال: فسمعت الله يقول «...مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ... ومن البقر اثنين ومن الإبل اثنين...»(4).

قال: نعم.

قال: فسمعت الله يقول «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هديا بالغ الكعبة»(5)

ص: 78


1- الآية 1 من سورة المائدة
2- الآية 34 من سورة الحج
3- الآية 142 من سورة الأنعام
4- الآيتان 143 - 144 من سورة الأنعام.، وهما قوله تعالى «ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا...»
5- الآية 95 من سورة المائدة

فقال الرجل نعم.

فقال (الإمام): إن قتلت ظبيا فما عليّ؟ قال (الرجل): شاة.

قال علي (عليه السلام): هديا بالغ الكعبة.

قال الرجل: نعم.

فقال علي (عليه السلام): قد سماه الله بالغ الكعبة كما تسمع))(1).

- من تفسيره سورة الأنعام 1- في قوله تعالى «وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ» - الآية / 52 يورد السيوطي رواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قائلاً: ((أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق علی عن ابن عباس في قوله «وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ» يعنى يعبدون ربهم بالغداة والعشي يعنى الصلاة المكتوبة))(2).

2- وفي قوله تعالى «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالَهِا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ» - الآية 160 يفسرّ الحسنة والسيئة بقوله مخاطباً أبا عبد الله الجدلي ((يا أبا عبد الله هل تدري ما الحسنة التي من جاء بها هم من فزع يومئذ آمنون، ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار؟ قلت: لا، قال:

الحسنة مودتنا أهل البيت، والسيئة عداوتنا أهل البيت))(3).

ص: 79


1- الدر المونثور: 2، 330
2- المصدر نفسه: 3 / 14
3- تفسير الثعلبي / الثعلبي 4 / 161

- من تفسيره سورة الأعراف 1- في قوله تعالى: «وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ» - الآية / 8 - 9 يذكر أن ((قوله «فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ» و «خَفَّتْ مَوَازِينُهُ» فإنما يعني الحسنات توزن الحسنات والسيئات، والحسنات ثقل الميزان، والسيئات خفة الميزان))(1).

2- وفي قوله تعالى «وَبَيْنَهُمَ حِجَابٌ وَعَلَی الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَم يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ» - الآية / 46، يقول (عليه السلام): ((نحن الأعراف نحن نعرف أنصارنا بسيماهم ونحن الأعراف الذين لا يعرف الله إلا بسبيل معرفتنا ونحن الأعراف نوقف يوم القيمة بين الجنة والنار فلا يدخل الجنة إلا من عرفنا وعرفناه ولا يدخل النار إلا من أنكرنا وأنكرناه وذلك بان الله تبارك وتعالى لو شاء لعرف الناس حتى يعرفوه ويوحدوه ويأتوه من بابه ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله وبابه الذي يؤتى منه))(2).

وروى الأصبغ بن نباتة قال: ((كنت جالسا عند علی (عليه السلام) فأتاه ابن الكواء فسأله عن هذه الآية، فقال: ويحك يا بن الكواء نحن نوقف يوم القيامة بين الجنة والنار، فمن نصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنة، ومن أبغضنا عرفناه بسيماه فأدخلناه النار))(3).

ص: 80


1- بحار الأنوار 24 / 41، وهو تفسر يشیر فيه إلى قوله تعالى «مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَیْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِی النَّارِ - القصص / 89 - 90»
2- مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) 3 / 76
3- بحار الأنوار: 8 / 332

3- وفي قوله تعالى «إنَّ رَبَّكُمُ الله الَّذِي خَلَقَ السَّماَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِی سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلىَ الْعَرْشِ يُغْشيِ اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ الله رَبُّ الْعَالَمِينَ» - الآية / 54، يتحدث عن العرش ليزيل شبهة الذين يظنون أنه كهيأة السرير فيقول: ((إن الملائكة تحمل العرش، وليس العرش كما تظن كهيئة السرير، ولكنه شئ محدود مخلوق مدبر، وربك عز وجل مالكه، لا أنه عليه ككون الشئ على الشئ، وأمر الملائكة بحمله، فهم يحملون العرش بما أقدرهم عليه))(1).

وقد سأل الجاثليق - وهو عالم نصراني - أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال:

أخبرنی عن الله عز وجل يحمل العرش أم العرش يحمله؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: الله عز وجل حامل العرش والسماوات والأرض وما فيهما وما بينهما وذلك قول الله عز وجل: «إِنَّ الله يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا»(2)، قال: فأخبرني عن قوله:

«وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ»(3) فكيف قال ذلك؟ وقلت: إنه يحمل العرش والسماوات والأرض؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن العرش خلقه الله تعالى من أنوار أربعة: نور أحمر، منه احمرت الحمرة ونور أخضر منه اخضرت الخضرة ونور أصفر منه اصفرت الصفرة ونور أبيض منه [أبيض] البياض وهو العلم الذي حمله الله الحملة وذلك نور من عظمته، فبعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والأرض من جميع خلائقه إليه الوسيلة، بالأعمال المختلفة والأديان المشتبهة، فكل

ص: 81


1- بحار الأنوار: 3 / 334، 55 / 9
2- الآية 41 من سورة فاطر
3- الآية 17 من سورة الحاقة

محمول يحمله الله بنوره وعظمته وقدرته لا يستطيع لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، فكل شئ محمول والله تبارك وتعالى الممسك لهما أن تزولا والمحيط بهما من شيء، وهو حياة كل شئ ونور كل شئ، سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا . قال له: فأخبرنی عن الله عز وجل أين هو؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: هو ههنا وههنا وفوق وتحت ومحيط بنا ومعنا وهو قوله: «مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إلِّاَ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا»(1) فالكرسي محيط بالسماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى وإن تجهر بالقول، فإنه يعلم السر وأخفى وذلك قوله تعالى: «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُماَ وَهُوَ الْعَلِیُّ الْعَظِيمُ»(2) فالذين يحملون العرش هم العلماء الذين حملهم الله علمه وليس يخرج عن هذه الأربعة شئ خلق الله في ملكوته الذي أراه الله أصفياءه وأراه خليله عليه السلام فقال: «وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ»(3) وكيف يحمل حملة العرش الله وبحياته حييت قلوبهم وبنوره اهتدوا إلى معرفته؟!))(4).

3- وفي قوله تعالى «وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ» - الآية / 143، يقول (عليه السلام): ((وقد سأل موسى عليه السلام وجرى على لسانه من حمد الله عز وجل «رَبِّ أَرِنِی أَنظُرْ إِلَيْكَ» فكانت

ص: 82


1- الآية 7 من سورة المجادلة
2- الآية 255 من سورة البقرة
3- الآية 75 من سورة الأنعام
4- الكافي 1 / 129 - 130

مسألته تلك أمرا عظيما وسأل أمرا جسيما فعوقب، فقال الله تبارك وتعالى: لن تراني في الدنيا حتى تموت فتراني في الآخرة، ولكن إن أردت أن تراني في الدنيا فانظر «إِلَی الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِی» فأبدى الله سبحان بعض آياته وتجلى ربنا للجبل فتقطع الجبل فصار رميما وخر موسى صعقا، يعني ميتا فكان عقوبته الموت ثم أحياه الله وبعثه وتاب عليه، فقال: «سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ» يعني أول مؤمن آمن بك منهم أنه لن يراك،...))(1).

4- أما قوله تعالى «وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ - الآيات 163 - 166 فقد ورد تفسيرها في كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، ورواها عنه أبو جعفر الباقر (عليه السلام) الذي يقول: وجدنا في كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام) إن قوما من أهل إيلة من قوم ثمود، وان الحيتان كانت سبقت إليهم يوم السبت ليختبر الله طاعتهم في ذلك، فشرعت لهم يوم سبتهم في ناديهم، وقدام أبوابهم في أنهارهم وسواقيهم، فتبادرا إليها فاخذوا يصطادونها ويأكلونها، فلبثوا بذلك ما شاء الله لا ينهاهم الأحبار، ولا ينهاهم العلماء من صيدها، ثم إن الشيطان أوحى إلى طائفة منهم إنما نهيتم من أكلها يوم السبت ولم تنهوا عن صيدها فاصطادوا يوم السبت وأكلوها فيما سوى ذلك من الأيام، فقالت طائفة منهم الآن نصطادها، وانحازت طائفة [أخرى] منهم ذات اليمين

ص: 83


1- التوحيد 263

وقالوا: الله الله إنا نهيناكم عن عقوبة الله أن تعرضوا لخلاف أمره واعتزلت طائفة منهم ذات اليسار فسكتت فلم يعظهم، وقالت الطائفة التي لم تعظهم: لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا وقالت الطائفة التي وعظتهم: معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون، قال الله: «فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ» يعني لما تركوا ما وعظوا به ومضوا على الخطيئة قالت الطائفة التي وعظتهم لا والله لا نجا معكم ولا نبايتكم الليلة في مدينتكم هذه التي عصيتم الله فيها مخافة أن ينزل بكم البلاء، فنزلوا قريبا من المدينة فباتوا تحت السماء، فلما أصبح أولياء الله المطيعون لامر الله غدوا لينظروا ما حال أهل [المعصية فأتوا باب المدينة فإذا هو مصمت فدقوه فلم يجابوا ولم يسمعوا منها حس أحد فوضعوا سلما على سور] المدينة ثم اصعدوا رجلا منهم فأشرف على المدينة، فنظر فإذا هو بالقوم قردة يتعاوون فقال الرجل لأصحابه: يا قوم أرى والله عجبا! فقالوا: وما ترى؟ قال القوم قردة يتعاوون لهم أذناب [قال]: فكسروا الباب ودخلوا المدينة، قال فعرفت القردة أنسابها من الإنس ولم تعرف الإنس أنسابها من القردة قال: فقال القوم للقردة: ألم ننهكم؟ قال: فقال أمير المؤمنين: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إني لأعرف أنسابها من هذه الأمة، لا ينكرون ولا يغيرون، بل تركوا ما أمروا به [ فتفرقوا] وقد قال الله: «فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» وقال الله «أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ»))(1).

- من تفسيره سورة التوبة 1- في قوله تعالى «وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي

ص: 84


1- تفسير العياشي 2 / 34

اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ» - الآية / 3، يذكر أنّه (عليه السلام) هو الأذان والمؤذن في الدنيا والآخرة إذ يقول: ((... وأنا المؤذن في الدنيا والآخرة، قال الله عز وجل: «فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللِّ عَلىَ الظَّالِمِينَ»(1) أنا ذلك المؤذن، وقال: «وَأَذَانٌ مِّنَ اللِّه وَرَسُولِهِ» فأنا ذلك الأذان...))(2).

2- في قوله تعالى «الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» - الآية/ 67 يذكر أنّ قوله «نَسُوا الله فَنَسِيَهُمْ» يعني ((نسوا الله في دار الدنيا، لم يعلموا بطاعته فنسيهم في الآخرة أي لم يجعل لهم في ثوابه شيئا فصاروا منسيين من الخير))(3).

- من تفسيره سورة يونس 1- في قوله تعالى «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» - الآية / 26 يذكر أنّ الحسنى ((هي الجنة والزيادة هي الدنيا وإن الله تعالى يكفر بكل حسنة سيئة قال الله عز وجل:

«إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ»(4) حتى إذا كان يوم القيامة حسبت لهم حسناتهم ثم أعطاهم بكل واحدة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله عز جل «جَزَاءً مِن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا»(5) وقال «صَالِحًا

ص: 85


1- الآية 44 من سورة الأعراف
2- معاني الأخبار / الشيخ الصدوق 59
3- التوحيد 259
4- الآية 114 من سورة هود
5- الآية 36 من سورة النبأ

فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِی الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ»(1) فارغبوا في هذا رحمكم الله واعلموا له وتحاضوا عليه واعملوا يا عباد الله إن المتقين حازوا عاجل الخير واجله شاركوا أهل الدنيا في دنياهم ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم أباحهم الله في الدنيا ما كفاهم به وأعناهم قال الله عز وجل «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»(2) سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت وأكلوها بأفضل ما أكلت شاركوا أهل الدنيا في دنياهم فأكلوا معهم من طيبات ما يأكلون وشربوا من طيبات ما يشربون ولبسوا من أفضل ما يلبسون وسكنوا من أفضل ما يسكنون وتزوجوا من أفضل ما يتزوجون وركبوا من أفضل ما يركبون أصابوا لذة الدنيا مع أهل الدنيا وهم غدا جيران الله تعالى يتمنون عليه))(3).

2- سئل عن أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون في قوله تعالى «أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللِّهَ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» - الآية / 62 فأجاب بقوله: ((هم قوم أخلصوا لله تعالى في عبادته، ونظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها، فعرفوا آجلها حين غر الخلق سواهم بعاجلها، فتركوا ما علموا أنه سيتركهم، وأماتوا منها ما علموا أنه سيميتهم. ثم قال: أيها المعلل نفسه بالدنيا، الراكض على حبائلها، المجتهد في عمارة ما سيخرب منها. ألم تر إلى مصارع آبائك في البلى، ومصارع أبنائك تحت الجنادل والثرى؟ كم مرضت بيديك، وعللت بكفيك تستوصف لهم الأطباء،

ص: 86


1- الآية 37 من سورة سبأ
2- الآية 32 من سورة الأعراف
3- بحار الأنوار: 74 / 387

وتستعتب لهم الأحباء، فلم يغن عنهم غناؤك، ولا ينجع فيهم دواؤك))(1).

وقال أيضاً في وصف أولياء الله ((إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللِّهَ هُمُ الَّذِينَ نَظَرُوا إِلَی بَاطِنِ الدُّنْيَا إِذَا نَظَرَ النَّاسُ إِلَی ظَاهِرِهَا وَاشْتَغَلُوا بِآجِلِهَا إِذَا اشْتَغَلَ النَّاسُ بِعَاجِلِهَا فَأَمَاتُوا مِنْهَا مَا خَشُوا أَنْ يُمِيتَهُمْ وَتَرَكُوا مِنْهَا مَا عَلِمُوا أَنَّهُ سَيَتْرُكُهُمْ وَرَأَوُا اسْتِكْثَارَ غَيْرِهِمْ مِنْهَا اسْتِقْلَالًا وَدَرَكَهُمْ لَهَا فَوْتاً أَعْدَاءُ مَا سَالَمَ النَّاسُ وَسَلْمُ مَا عَادَى النَّاسُ بِهِمْ عُلِمَ الْكِتَابُ وَبِهِ عَلِمُوا وَبِهِمْ قَامَ الْكِتَابُ وَبِهِ قَامُوا لَا يَرَوْنَ مَرْجُوّاً فَوْقَ مَا يَرْجُونَ وَلَا مَخُوفاً فَوْقَ مَا يَخَافُونَ))(2).

على أنه ذكر من المقصود بأولياء الله بقوله: ((تدرون من أولياء الله؟ قالوا: من هم يا أمير المؤمنين؟ فقال: هم نحن وأتباعنا، فمن تبعنا من بعدنا طوبى لنا، وطوبى لهم أفضل من طوبى لنا، قال: يا أمير المؤمنين ما شأن طوبى لهم أفضل من طوبى لنا؟ ألسنا نحن وهم على أمر؟ قال: لا، لأنهم حملوا ما لم تحملوا عليه، وأطاقوا ما لم تطيقوا))(3).

- من تفسيره سورة هود 1- في قوله تعالى «وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَی أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ» - الآية / 8 فسرّ الأمة المعدودة بأصحاب القائم (عجل الله تعالى فرجه) إذ قال:

((الأمة المعدودة أصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر))(4).

ص: 87


1- مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) 4 / 101
2- نهج البلاغة، الكلمة 432، ص 630 - 631
3- بحار الأنوار 65 / 34
4- تفسير القمي / علي بن إبراهيم القمي 1 / 323

2- في قوله تعالى «أَفَمَنْ كَانَ عَلىَ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ» - الآية / 17 يذكر أن الذي كان على بينة من ربه هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأنه هو الشاهد له ومنه كما يتضح من الرواية الآتية ((قدم رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنی عن قوله تعالى: «أَفَمَنْ كَانَ عَلَی بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ»؟ قال: قال: رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي كان على بينة من ربه، وأنا الشاهد له ومنه))(1).

3 في قوله تعالى «حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ» - الآية / 40 قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ((إن نوحا (صلى الله عليه) لما فرغ من السفينة وكان ميعاده فيما بينه وبين ربه في إهلاك قومه أن يفور التنور ففار فقالت امرأته: إن التنور قد فار فقام إليه فختمه فقام الماء، وأدخل من أراد أن يدخل وأخرج من أراد أن يخرج، ثم جاء إلى خاتمه فنزعه، يقول الله عز وجل:

«فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّماَء بِماَء مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَی أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ»(2))(3).

4- عدّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله تعالى «وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ» - الآية / 114 أرجى آية، وقد صرّح بذلك عندما اختبر الناس كما يروي ذلك لنا أبو حمزة الثمالي إذ

ص: 88


1- الأمالي / الشيخ المفيد 145
2- الآيات 11 - 13 من سورة القمر
3- الكافي 8 / 281

يقول: ((سمعت أحدهما يقول: إن عليا (عليه السلام) أقبل على الناس فقال:

أي آية في كتاب الله أرجى عندكم؟ فقال بعضهم: «إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء»(1) قال: حسنة وليست إياها فقال بعضهم:

«يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلىَ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللِّهَ»(2) قال: حسنة وليست إياها، وقال بعضهم: «الَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ»(3) قال: حسنة وليست إياها، قال: ثم أحجم الناس فقال: مالكم يا معشر المسلمين؟ قالوا: لا والله ما عندنا شيء قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: أرجى آية في كتاب الله «وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَیِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ»(4) وقرأ الآية كلها وقال - أي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم -: يا علي والذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا إن أحدكم ليقوم إلى وضوئه فتساقط عن جوارحه الذنوب فإذا استقبل الله بوجهه وقلبه لم ينفتل عن صلاته وعليه من ذنوبه شيء كما ولدته أمه، فان أصاب شيئا بين الصلاتين كان له مثل ذلك حتى عد الصلوات الخمس. ثم قال: يا علی إنما منزلة الصلوات الخمس لأمتي كنهر جار على باب أحدكم فما ظن أحدكم لو كان في جسده درن ثم اغتسل في ذلك النهر خمس مرات في اليوم أكان يبقى في جسده درن؟ فكذلك والله الصلوات الخمس لأمتي))(5).

ص: 89


1- الآية 48 و 116 من سورة النساء
2- الآية 53 من سورة الزمر
3- الآية 135 من سورة آل عمران
4- الآية 114 من سورة هود، وهي أرجى آية
5- تفسير العياشي 2 / 161

- من تفسيره سورة يوسف 1- وفي قوله تعالى «وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ» - الآية / 24 قال (عليه السلام): ((«وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ» قال: طمعت فيه، فقامت إلى صنم مكلل بالدر والياقوت، في ناحية البيت، فسترته بثوب أبيض بينها وبينه، فقال: أي شئ تصنعين؟ فقالت: استحي أنا من إلهي أن يراني على هذه السوءة فقال يوسف : تستحيين من صنم لا يأكل ولا يشرب ولا أستحي أنا من إلهي الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت؟ ثم قال: لا تنالينها مني أبدا وهو البرهان))(1).

2- وأحياناً يلجأ إلى تفسیر القرآن بالقرآن كما في تفسره (يعصرون) في قوله تعالى «ثُمَّ يَأْتِی مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ» - الآية / 49 ب (يمطرون) مستدلاً بقوله تعالى «وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا» - النبأ / الآية 14، إذ يقول المجلسي: ((وروي أن رجلا قرأ على أمیر المؤمنین عليه السلام قوله تعالى «ثُمَّ يَأْتِی مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ» - الآية / 49، قال: ويحك أي شيء يعصرون يعصرون الخمر؟ فقال الرجل: يا أمیر المؤمنین فكيف؟ فقال: إنما أنزل الله عز وجل «ثُمَّ يَأْتِی مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ»(2) أي فيه يمطرون

ص: 90


1- كنز العمال 2 / 440
2- الآية 49 من سورة يوسف

وهو قوله: «وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا»(1)))(2).

3- وفي قوله تعالى: «أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللِّهَ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ» - الآية/ 107، سئل (عليه السلام): كيف تقوم الساعة؟ ((فقال (عليه السلام): من علامات الساعة يظهر صائح في السماء ونجم في السماء له ذنب في ناحية المغرب ويظهر كوكبان في السماء في المشرق ثم يظهر خيط أبيض في وسط السماء وينزل من السماء عمود من نور ثم ينخسف القمر ثم تطلع الشمس من المغرب فيحرق حرها شجر البراری والجبال ثم تظهر من السماء فتحرق أعداء آل محمد حتى تشوي وجوههم وأبدانهم ثم يظهر كف بلا زند وفيها قلم يكتب في الهواء والناس يسمعون صرير القلم وهو يقول: واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا، فتخرج يومئذ الشمس والقمر وهما منكسفتا النور فتأخذ الناس الصيحة، التاجر في بيعه والمسافر في متاعه والثوب في مسداته والمرأة في غزلها، وإذا كان الرجل بيده طعام فلا يقدر أكله، ويطلع الشمس والقمر وهما أسودا اللون وقد وقعا في زوال خوفا من الله تعالى وهما يقولان: إلهنا وخالقنا وسيدنا لا تعذبنا بعذاب عبادك المشركين وأنت تعلم طاعتنا والجهد فينا وسرعتنا لمضي أمرك وأنت علام الغيوب، فيقول الله تعالى: صدقتما ولكني قضيت في نفسي أني أبدأ وأعيد وأني خلقتكما من نور عزتي فيرجعان إليه فيبرق كل واحد منهما برقة تكاد تخطف الأبصار ويختلطان

ص: 91


1- الآية 14 من سورة النبأ
2- بحار الأنوار 89 / 61. وذكر القمي في تفسره 1 / 346 قال الرجل يا أمیر المؤمنین كيف اقرؤها؟ قال إنما نزلت «عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ» أي يمطرون بعد سنين المجاعة والدليل علی ذلك قوله: «وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا»

بنور العرش فينفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا ما شاء الله تعالى، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون فإنا لله وإنا إليه راجعون. قال الراوي: فبكى علي (عليه السلام) بكاء شديدا حتى بلّ لحيته بالدموع ثم انحدر عن المنبر وقد أشرفت الناس على الهلاك من هول ما سمعوه))(1).

- من تفسيره سورة الرعد 1- وفسرّ الزبد في قوله تعالى «... فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِی الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ الله الْأَمْثَال» - الآية / 17، بقوله ((فالزبد في هذا الموضع كلام الملحدين الذين أثبتوه في القرآن، فهو يضمحل، ويبطل ويتلاشى عند التحصيل، والذي ينفع الناس منه: فالتنزيل الحقيقي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، والقلوب تقبله، والأرض في هذا الموضع فهي: محل العلم وقراره))(2).

2- في قوله تعالى «وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّماَ أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ» - الآية / 7، فسّر المنذر بالرسول (صلى الله عليه وآله)، ونفسه بالهادي ((ما نزلت من القرآن آية إلا وقد علمت أين نزلت، وفيمن نزلت، وفي أي شيء نزلت، وفي سهل نزلت، أو في جبل نزلت. قيل: فما نزل فيك؟ فقال:

لولا أنكم سألتموني ما أخبرتكم، نزلت فيّ هذه الآية: «إِنَّماَ أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ

ص: 92


1- إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب 2 / 183 - 184
2- الاحتجاج 1 / 371

قَوْمٍ هَادٍ»، فرسول الله المنذر، وأنا الهادي إلى ما جاء به))(1).

3- وكذا في قوله تعالى «وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللِّهَ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ» - الآية/ 43، قال (عليه السلام): ((إياي عنى بمن عنده علم الكتاب))(2).

التفسير في نهج البلاغة

المتأمل في نهج البلاغة يجد مؤلفه لم يتحدد بصعيد واحد فلم يكن فارس الحلبة في ساحة واحدة بل إنه صال وجال في ميادين مختلفة لا تجتمع بعضها مع الآخر في الرجل الواحد، لذا يجب دراسة نهج البلاغة لا على أساس كونه قمة بلاغية في الكلام والتخاطب فحسب بل على أساس الدور الكبير والخلّق الذي يؤديه في حياة المسلمين عامة لما يحويه من مضامين وتوجيهات وإرشادات راقية تعبر عن المحتوى الثقافي الإسلامي الأصيل يقدمه سيد الأوصياء وأمير المؤمنين للمسلمين، ويكون لهذه المضامين والتوجيهات والإرشادات دور عظيم في الحياة الإنسانية المعاصرة فتدفع بالإنسان نحو الرقي والتكامل وفهم فلسفة الوجود الإنساني في الأرض، ويقدم له طريق الخلاص ووسائل التغلب على المشاكل والآلام التي يعاني منها، ومن مضامين نهج البلاغة الشمول والسعة في الأغراض التي يتناولها الإمام (عليه السلام)(3)، ومن ذلك تفسير القرآن الكريم الذي لم تخلُ منه نهج البلاغة ففيها نفحات تفسيرية استقاها أمير المؤمنين (عليه السلام) من ثقافته القرآنية فقد كان ((يخلط القرآن بذاته

ص: 93


1- الأمالي / الشيخ الصدوق 350
2- مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) 2 / 257، والاحتجاج 1 / 232
3- ينظر: الإمام علي - دراسة لجوانب من الشخصية والمنهج / السيد محمد باقر الحكيم 221- 223

ويحوله إلى نفسه وفي حياته إلى منهج واقعي وإلى ثقافة متحركة لا تبقى داخل الأذهان ولا في بطون الصحائف، إنما تتحول آثاراً وأحداثاً تحول خط سير الحياة فالقرآن لا يمنح كنوزه إلا لمن يقبل عليه بهذه الروح: روح المعرفة المنشئة للعمل. إنه لم يجيء ليكون كتاب عقلی ولا كتاب أدب وفن ولا كتاب قصة وتاريخ - وإن كان هذا كله من محتوياته - إنما جاء ليكون منهاج حياة، وهذا ما تدبره الإمام علي (عليه السلام) من القرآن فكان معه فكراً وعملاً))(1)، ولما كان التفسير شقين: نظري وتطبيقي فقد كان أمير المؤمنين (عليه السلام) الدور الأهم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الجانب التطبيقي فضلاً عن الجانب النظري فقد ورد عنه الكثير من النفحات التفسيرية لاسيما في نهج البلاغة(2)، ومن هذه النفحات التفسيرية:

قوله (عليه السلام): (لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ اللهمَّ إِنِّی أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفِتْنَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ إلِّاَ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلىَ فِتْنَةٍ وَلَكِنْ مَنِ اسْتَعَاذَ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ فَإِنَّ الله سُبْحَانَهُ يَقُولُ «وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ»(3) وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَخْتَبُرِهُمْ بِالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ لِيَتَبَيَّنَ السَّاخِطَ لِرِزْقِهِ وَالرَّاضِیَ بِقِسْمِهِ وَإِنْ كَانَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمَ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَلَكِنْ لِتَظْهَرَ الْأَفْعَالُ الَّتِي بِهَا يُسْتَحَقُّ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يُحِبُّ الذُّكُورَ وَيَكْرَهُ الْإِنَاثَ وَبَعْضَهُمْ یُحِبُّ تَثْمِيرَ الْمَالِ وَيَكْرَهُ انْثِلاَمَ الْحَالِ. قال الرضي:

وهذا من غريب ما سمع منه في التفسير(4).

ص: 94


1- الفلسفة والاعتزال في نهج البلاغة / قاسم حبيب جابر 37
2- ينظر: الأثر الفكري في تمييز رجال الحديث من خال نهج البلاغة، بحث، حسن كاظم أسد، بحوث المؤتمر العلمي الدولي الأول، ج 4، ص 249
3- سورة الأنفال / الآية 28
4- نهج البلاغة، الحكمة 93، ص 566

وقوله حين تلا قوله تعالى «ألْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ»(1) واصفاً منازل الموت، ومصوراً أحوال الآخرة: ((یَا لَهُ مَرَاماً مَا أَبْعَدَهُ وَزَوْراً مَا أَغْفَلَهُ وَخطراً مَا أَفْظَعَهُ لَقَدِ اسْتَخْلَوْا مِنْهُمْ أَیَّ مُدَّکرٍ وَتَنَاوَشُوهُمْ مِنْ مَکَانٍ بَعِیدٍأَ فَبِمَصَارِعِ آبَائِهِمْ یَفْخَرُونَ أَمْ بِعَدِیدِ الْهَلْکَی یَتَکَاثَرُونَ یَرْتَجِعُونَ مِنْهُمْ أَجْسَاداً خَوَتْ وَحَرَکَاتٍ سَکَنَتْ وَلْأَنْ یَکُونُوا عِبَراً أَحَقُّ مِنْ أَنْ یَکُونُوا مُفْتَخَراً وَلِأَن یَهْبِطُوا بِهِمْ جَنَابَ ذِلَّهٍ أَحْجَی مِنْ أَنْ یَقُوموُا بِهِمْ مَقَامَ عِزَّهٍ لَقَدْ نَظَرُوا إِلَیْهِمْ بِأَبْصَارِ الْعَشْوَهِ وَضَرَبُوا مِنْهُمْ فِی غَمْرَهِ جَهَالَهٍ وَلَوِ اسْتَنْطَقُوا عَنْهُمْ عَرَصَاتِ تِلْکَ الدِّیَارِ الْخَاوِیَهِ وَالْرُّبُوعِ الْخَالِیَهِ لَقَالَتْ ذَهَبُوا فِی الْأَرْضِ ضُلاَّلاً وَذَهَبْتُمْ فِی أَعْقَابِهِمْ جُهَّالاً تَطَأُونَ فِی هَامِهِمْ وَتَسْتَنْبِتُونَ فِی أَجْسَادِهِمْ وَتَرْتَعُونَ فِیَما لَفَظُوا وَتَسْکُنُونَ فِیَما خَرَّبُوا وَإِنَّمَا الْأَیَّامُ بَیْنَکُمْ وَبَیْنَهُمْ بَوَاکٍ وَنَوَائِحُ عَلَیْکُمْ أُولئِکُمْ سَلَفُ غَایَتِکُمْ وَفُرَّاطُ مَنَاهِلِکُمْ الَّذِینَ کَانتْ لَهُمْ مَقَاوِمُ الْعِزِّ وَحَلَبَاتُ الْفَخْرِ مُلُوکاً وَسُوَقاً سَلَکُوا فِی بُطُونِ الْبَرْزَخِ سَبِیلاً سُلِّطَتِ الْأَرْضُ عَلَیْهِمْ فِیهِ فَأَکَلَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ وَشَرِبَتْ مِنْ دِمَائِهِمْ فَأَصْبَحُوا فِی فَجَوَاتِ قُبُورِهِمْ جَمَاداً لاَ یَنْمُونَ وَضِماراً لاَ یُوجَدُونَ لاَ یُفْزِعُهُمْ وُروُدُ الْأَهْوَالِ وَلاَ یَحْزُنُهُمْ تَنَکُّرُ الْأَحْوَالِ وَلاَ یَحْفِلُونَ بِالرَّوَاجِفِ وَلاَ یَأْذَنُونَ لِلْقَوَاصِفِ غُیَّباً لاَ یُنْتَظَرُونَ وَشُهُوداً لاَ یَحْضُرونَ وَإِنَّمَا کَانُوا جَمِیعاً فَتَشَتَّتُوا وَآلاَفاً فافْتَرَقُوا وَمَا عَنْ طُولِ عَهْدِهِمْ وَلاَ بُعْدِ مَحَلِّهِمْ عَمِیَتْ أخْبَارُهُمْ وَصَمَّتْ دِیَارُهُمْ وَلکِنَّهُمْ سُقُوا کَأْساً بَدَّلَتْهُمْ بِالنُّطْقِ خَرَساً وَبِالسَّمْعِ صَمَماً وَبِالْحَرَکَاتِ سُکُوناً فَکَأَنَّهُمْ فِی ارْتِجَالِ الصِّفَهِ صَرْعَی سُبَاتٍ جِیرَانٌ لاَ یَتَأَنَّسُونَ وَأَحِبَّاءُ لاَ یَتَزَاوَرُونَ بَلِیَتْ بَیْنَهُمْ عُرَا التَّعَارُفِ وَانْقَطَعَتْ مِنْهُمْ أَسْبَابُ الْإِخَاءِ فَکُلُّهُمْ وَحِیدٌ وَهُمْ جَمِیعٌ وَبِجَانِبِ الْهَجْرِ وَهُمْ أَخِلاَّءُ لاَ یَتَعَارَفُونَ لِلَیْلٍ صَبَاحاً وَلاَ لِنَهَارٍ مَسَاءً أَیُّ الْجَدِیدَیْنِ ظَعَنُوا فِیهِ کَانَ عَلَیْهِمْ سَرْمَداً شَاهَدُوا مِنْ أَخْطَارِ دَارِهِمْ أَفْظَعَ

ص: 95


1- سورة التكاثر / الآيتان 1، 2

مِمَّا خَافُوا وَرَأَوْا مِنْ آیَاتِهَا أَعْظَمَ مِمَّا قَدَّرُوا فَکِلتا الْغَایَتَیْنِ مُدَّتْ لَهُمْ إِلَی مَبَاءَهٍ فَاتَتْ مَبَالِغَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ فَلَوْ کَانُوا یَنْطِقُونَ بِهَا لَعَیُّوا بِصِفَهِ مَا شَاهَدُوا وَمَا عَایَنُوا وَلَئِنْ عَمِیَتْ آثَارُهُمْ وَانْقَطَعَتْ أَخْبَارُهُمْ لَقَدْ رَجَعَتْ فِیهِمْ أَبْصَارُ الْعِبَرِ وَسَمِعَتْ عَنْهُمْ آذَانُ الْعُقُولِ وَتَکَلَّمُوا مِنْ غَیْرِ جِهَاتِ النُّطْقِ فَقَالُوا: کَلَحَتِ الْوُجُوهُ النَّوَاضِرُ وَخَوَتِ الْأَجْسَادُ النَّوَاعِمُ وَلَبِسْنَا أَهْدَامَ الْبِلَی وَتَکَاءَدَنَا ضِیقُ الْمَضْجَعِ وَتَوَارَثْنَا الْوَحْشَهَ وَتَهَکَّمَتْ عَلَیْنَا الرُّبُوعُ الصُّمُوتُ فَانْمَحَتْ مَحَاسِنُ أَجْسَادِنَا وَتَنَکَّرَتْ مَعَارِفُ صُوَرِنَا وَطَالَتْ فِی مَسَاکِنِ الْوَحْشَهِ إِقَامَتُنَا وَلَمْ نَجِدْ مِنْ کَرْبٍ فَرَجاً وَلاَ مِنْ ضِیقٍ مُتَّسعاً فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ بِعَقْلِکَ أَوْ کُشِفَ عَنْهُمْ مَحْجُوبُ الْغِطَاءِ لَکَ وَقَدِ ارْتَسَخَتْ أَسْمَاعُهُمْ بِالْهَوَامِّ فَاسْتَکَّتْ وَاکْتَحَلَتْ أَبْصَارُهُمْ بِالتُّرَابِ فَخَسَفَتْ وَتَقَطَّعَتِ الْأَلْسِنَهُ فِی أَفْوَاهِهِمْ بَعْدَ ذَلاَقَتِهَا وَهَمَدَتِ الْقُلُوبُ فِی صُدُورِهِمْ بَعْدَ یَقَظَتِهَا وَعَاثَ فِی کُلِّ جَارِحَهٍ مِنْهُمْ جَدِیدُ بِلًی سَمَّجَهَا وَسَهَّلَ طُرُقَ الْآفَهِ إِلَیْهَا مُسْتَسْلِمَاتٍ فَلاَ أَیْدٍ تَدْفَعُ وَلاَ قُلُوبٌ تَجْزَعُ لَرَأَیْتَ أَشْجَانَ قُلُوبٍ وَأَقْذَاءَ عُیُونٍ لَهُمْ فِی کَلِّ فَظَاعَهٍ صِفَهُ حَالٍ لاَ تَنْتَقِلُ وَغَمْرَهٌ لاَ تَنْجَلِی فَکَمْ أَکَلَتِ الْأَرْضُ مِنْ عَزِیزِ جَسَدٍ وَأَنِیقِ لَوْنٍ کَانَ فِی الدُّنْیَا غَذِیَّ تَرَفٍ وَرَبِیبَ شَرَفٍ یَتَعَلَّلُ بالسُّرُورِ فِی سَاعَهِ حُزْنِهِ وَیَفْزَعُ إِلَی السَّلْوَهِ إِنْ مُصِیبَهٌ نَزَلَتْ بِهِ ضَنّاً بِغَضَارَهِ عَیْشِهِ وَشَحَاحَهً بِلَهْوِهِ وَلَعِبِهِ فَبَیْنَا هُوَ یَضْحَکُ إِلَی الدُّنْیَا وَتَضْحَکُ إِلَیْهِ فِی ظِلِّ عَیْشٍ غَفُولٍ إِذْ وَطِیءَ الدَّهْرُ بِهِ حَسَکَهُ وَنَقَضَتِ الْأَیَّامُ قُوَاهُ وَنَظَرَتْ إِلَیْهِ الْحُتُوفُ مِنْ کَثَبٍ فَخَالَطَهُ بَثٌّ لاَ یَعْرِفُهُ وَنَجِیُّ هَمٍّ مَا کَانَ یَجِدُهُ وَتَوَلَّدَتْ فِیهِ فَتَرَاتُ عِلَلٍ آنَسَ مَا کَانَ بِصِحَّتِهِ فَفَزِعَ إِلَی مَا کَانَ عَوَّدَهُ الْأَطِبَّاءُ مِنْ تَسْکِینِ الْحَارِّ بِالْقَارِّ وَتَحْرِیکِ الْبَارِدِ بالْحَارِّ فَلَمْ یُطْفِیءْ بِبَارِد إِلاَّ ثَوَّرَ حَرَارَهً وَلاَ حَرَّکَ بِحَارٍّ إِلاَّ هَیَّجَ بُرُودَهً وَلاَ اعْتَدَلَ بِمُمَازِجٍ لِتِلْکَ الطَّبَائِعِ إِلاَّ أَمَدَّ مِنْهَا کُلَّ ذَاتِ دَاءٍ حَتَّی فَتَرَ مُعَلِّلُهُ وَذَهَلَ مُمَرِّضُهُ وَتَعَایَا أَهْلُهُ بِصِفَهِ دَائِهِ وَخَرِسُوا عَنْ جَوَابِ السَّائِلِینَ عَنْهُ وَتَنَازَعُوا دُونَهُ شَجِیَّ خَبَرٍ یَکْتُمُونَهُ فَقَائِلٌ یَقُولُ

ص: 96

هُو لِمَا بِهِ وَمُمَنٍّ لَهُمْ إِیَابَ عَافِیَتِهِ وَمُصَبِّرٌ لَهُمْ عَلَی فَقْدِهِ یُذَکِّرُهُمْ أَسَی الْمَاضِینَ مِنْ قَبْلِهِ فَبَیْنَا هُوَ کَذلِکَ عَلَی جَنَاحٍ مِنْ فِرَاقِ الدُّنْیَا وَتَرْکِ الْأَحِبَّهِ إِذْ عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ غُصَصِهِ فَتَحَیَّرَتْ نَوَافِذُ فِطْنَتِهِ وَیَبِسَتْ رُطُوبَهُ لِسَانِهِ فَکَمْ مِنْ مُهِمٍّ مِنْ جَوَابِهِ عَرَفَهُ فَعَیَّ عَنْ رَدِّهِ وَدُعَاءٍ مُؤْلِمٍ لِقَلْبِهِ سَمِعَهُ فَتَصَامَّ عنْهُ مِنْ کَبِیرٍ کَانَ یُعَظِّمُهُ أَوْ صَغِیرٍ کَانَ یَرْحَمُهُ وَإِنَّ لِلْمَوْتِ لَغَمَرَاتٍ هِیَ أَفْظَعُ مِنْ أَنْ تُسْتَغْرَقَ بِصِفَهٍ أَوْ تَعْتَدِلَ عَلَی عُقُولِ أَهْلِ الدُّنْیَا))(1).

وقوله عند تلاوته قوله تعالى «يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْصالِ * رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ»(2): ((إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَی جَعَلَ الذِّکْرَ جَلاءً لِلْقُلُوبِ تَسْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْوَقْرَةِ وَ تُبْصِرُ بِهِ بَعْدَ الْعَشْوَةِ وَ تَنْقَادُ بِهِ بَعْدَ الْمُعَانَدَةِ وَ مَا بَرِحَ لِلَّهِ عَزَّتْ آلاَؤُهُ فِی الْبُرْهَةِ بَعْدَ الْبُرْهَةِ وَ فِی أَزْمَانِ الْفَتَرَاتِ عِبَادٌ نَاجَاهُمْ فِی فِکْرِهِمْ وَ کَلَّمَهُمْ فِی ذَاتِ عُقُولِهِمْ فَاسْتَصْبَحُوا بِنُورِ یَقَظَةٍ فِی اَلْأَبْصَارِ وَ الْأَسْمَاعِ وَ الْأَفْئِدَةِ یُذَکِّرُونَ بِأَیَّامِ اللَّهِ وَ یُخَوِّفُونَ مَقَامَهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَدِلَّةِ فِی الْفَلَوَاتِ مَنْ أَخَذَ الْقَصْدَ حَمِدُوا إِلَیْهِ طَرِیقَهُ وَ بَشَّرُوهُ بِالنَّجَاةِ وَ مَنْ أَخَذَ یَمِیناً وَ شِمَالاً ذَمُّوا إِلَیْهِ الطَّرِیقَ وَ حَذَّرُوهُ مِنَ الْهَلَکَةِ وَ کَانُوا کَذَلِکَ مَصَابِیحَ تِلْکَ الظُّلُمَاتِ وَ أَدِلَّةَ تِلْکَ الشُّبُهَاتِ وَ إِنَّ لِلذِّکْرِ لَأَهْلاً أَخَذُوهُ مِنَ الدُّنْیَا بَدَلاً فَلَمْ تَشْغَلْهُمْ تِجَارَةٌ وَ لاَ بَیْعٌ عَنْهُ یَقْطَعُونَ بِهِ أَیَّامَ الْحَیَاةِ وَ یَهْتِفُونَ بِالزَّوَاجِرِ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فِی أَسْمَاعِ الْغَافِلِینَ وَ یَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ وَ یَأْتَمِرُونَ بِهِ وَ یَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ یَتَنَاهَوْنَ عَنْهُ فَکَأَنَّهُمْ قَطَعُوا الدُّنْیَا إِلَی الآْخِرَةِ وَ هُمْ فِیهَا فَشَاهَدُوا مَا وَرَاءَ ذَلِکَ فَکَأَنَّمَا اطَّلَعُوا غُیُوبَ أَهْلِ الْبَرْزَخِ فِی طُولِ الْإِقَامَةِ فِیهِ وَ حَقَّقَتِ اَلْقِیَامَةُ عَلَیْهِمْ عِدَاتِهَا فَکَشَفُوا غِطَاءَ ذَلِکَ لِأَهْلِ الدُّنْیَا حَتَّی کَأَنَّهُمْ یَرَوْنَ مَا لاَ یَرَی النَّاسُ وَ یَسْمَعُونَ مَا لاَ

ص: 97


1- نهج البلاغة، الخطبة 221، ص 391 - 396
2- الآيتان 36 - 37 من سورة النور

یَسْمَعُونَ فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ لِعَقْلِکَ فِی مَقَاوِمِهِمُ الْمَحْمُودَةِ وَ مَجَالِسِهِمُ الْمَشْهُودَةِ وَ قَدْ نَشَرُوا دَوَاوِینَ أَعْمَالِهِمْ وَ فَرَغُوا لِمُحَاسَبَةِ أَنْفُسِهِمْ عَلَی کُلِّ صَغِیرَةٍ وَ کَبِیرَةٍ أُمِرُوا بِهَا فَقَصَّرُوا عَنْهَا أَوْ نُهُوا عَنْهَا فَفَرَّطُوا فیهَا وَ حَمَّلُوا ثقَلَ أَوْزَاِرِهمْ ظُهُورَهُمْ فَضَعُفُوا عَنِ الاِسْتِقْلاَلِ بِهَا فَنَشَجُوا نَشِیجاً وَ تَجَاوَبُوا نَحِیباً یَعِجُّونَ إِلَی رَبِّهِمْ مِنْ مَقَامِ نَدَمٍ وَ اعْتِرَافٍ لَرَأَیْتَ أَعْلاَمَ هُدًی وَ مَصَابِیحَ دُجًی قَدْ حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلاَئِکَةُ وَ تَنَزَّلَتْ عَلَیْهِمُ السَّکِینَةُ وَ فُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَ أُعِدَّتْ لَهُمْ مَقَاعِدُ الْکَرَامَاتِ فِی مَقْعَدٍ اطَّلَعَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ فِیهِ فَرَضِیَ سَعْیَهُمْ وَ حَمِدَ مَقَامَهُمْ یَتَنَسَّمُونَ بِدُعَائِهِ رَوْحَ التَّجَاوُزِ رَهَائِنُ فَاقَةٍ إِلَی فَضْلِهِ وَ أُسَارَی ذِلَّةٍ لِعَظَمَتِهِ جَرَحَ طُولُ الْأَسَی قُلُوبَهُمْ وَ طُولُ الْبُکَاءِ عُیُونَهُمْ لِکُلِّ بَابِ رَغْبَةٍ إِلَی اللَّهِ مِنْهُمْ یَدٌ قَارِعَةٌ یَسْأَلُونَ مَنْ لاَ تَضِیقُ لَدَیْهِ الْمَنَادِحُ وَ لاَ یَخِیبُ عَلَیْهِ الرَّاغِبُونَ فَحَاسِبْ نَفْسَکَ لِنَفْسِکَ فَإِنَّ غَیْرَهَا مِنَ الْأَنْفُسِ لَهَا حَسِیبٌ غَیْرُکَ))(1).

وقوله (عليه السلام) عند تلاوته قوله تعالى «يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ»(2) قوله ((أَدْحَضُ مَسْئُولٍ حُجَّةً وَ أَقْطَعُ مُغْتَرٍّ مَعْذِرَةً لَقَدْ أَبْرَحَ جَهَالَةً بِنَفْسِهِ یَا أَیُّهَا الْإِنْسَانُ مَا جَرَّأَکَ عَلَی ذَنْبِکَ وَ مَا غَرَّکَ بِرَبِّکَ وَ مَا أَنَّسَکَ بِهَلَکَةِ نَفْسِکَ أَمَا مِنْ دَائِکَ بُلُولٌ أَمْ لَیْسَ مِنْ نَوْمَتِکَ یَقَظَةٌ أَمَا تَرْحَمُ مِنْ نَفْسِکَ مَا تَرْحَمُ مِنْ غَیْرِکَ فَلَرُبَّمَا تَرَی الضَّاحِیَ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ فَتُظِلُّهُ أَوْ تَرَی الْمُبْتَلَی بِأَلَمٍ یُمِضُّ جَسَدَهُ فَتَبْکِی رَحْمَةً لَهُ فَمَا صَبَّرَکَ عَلَی دَائِکَ وَ جَلَّدَکَ عَلَی مُصَابِکَ وَ عَزَّاکَ عَنِ الْبُکَاءِ عَلَی نَفْسِکَ وَ هِیَ أَعَزُّ الْأَنْفُسِ عَلَیْکَ وَ کَیْفَ لاَ یُوقِظُکَ خَوْفُ بَیَاتِ نِقْمَةٍ وَ قَدْ تَوَرَّطْتَ بِمَعَاصِیهِ مَدَارِجَ سَطَوَاتِهِ فَتَدَاوَ مِنْ دَاءِ الْفَتْرَةِ فِی قَلْبِکَ بِعَزِیمَةٍ وَ مِنْ کَرَی الْغَفْلَةِ فِی نَاظِرِکَ بِیَقَظَةٍ وَ کُنْ لِلَّهِ مُطِیعاً وَ بِذِکْرِهِ آنِساً وَ تَمَثَّلْ فِی حَالِ تَوَلِّیکَ عَنْهُ إِقْبَالَهُ عَلَیْکَ یَدْعُوکَ إِلَی عَفْوِهِ

ص: 98


1- نهج البلاغة، الخطبة 222، ص 397 - 399
2- الآية 6 من سورة الانفطار

وَ یَتَغَمَّدُکَ بِفَضْلِهِ وَ أَنْتَ مُتَوَلٍّ عَنْهُ إِلَی غَیْرِهِ فَتَعَالَی مِنْ قَوِیٍّ مَا أَکْرَمَهُ وَ تَوَاضَعْتَ مِنْ ضَعِیفٍ مَا أَجْرَأَکَ عَلَی مَعْصِیَتِهِ وَ أَنْتَ فِی کَنَفِ سِتْرِهِ مُقِیمٌ وَ فِی سَعَةِ فَضْلِهِ مُتَقَلِّبٌ فَلَمْ یَمْنَعْکَ فَضْلَهُ وَ لَمْ یَهْتِکْ عَنْکَ سِتْرَهُ بَلْ لَمْ تَخْلُ مِنْ لُطْفِهِ مَطْرَفَ عَیْنٍ فِی نِعْمَةٍ یُحْدِثُهَا لَکَ أَوْ سَیِّئَةٍ یَسْتُرُهَا عَلَیْکَ أَوْ بَلِیَّةٍ یَصْرِفُهَا عَنْکَ فَمَا ظَنُّکَ بِهِ لَوْ أَطَعْتَهُ وَ ایْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ کَانَتْ فِی مُتَّفِقَیْنِ فِی الْقُوَّةِ مُتَوَازِیَیْنِ فِی الْقُدْرَةِ لَکُنْتَ أَوَّلَ حَاکِمٍ عَلَی نَفْسِکَ بِذَمِیمِ الْأَخْلاَقِ وَ مَسَاوِئِ الْأَعْمَالِ وَ حَقّاً أَقُولُ مَا الدُّنْیَا غَرَّتْکَ وَ لَکِنْ بِهَا اغْتَرَرْتَ وَ لَقَدْ کَاشَفَتْکَ الْعِظَاتِ وَ آذَنَتْکَ عَلیٰ سَوٰاءٍ وَ لَهِیَ بِمَا تَعِدُکَ مِنْ نُزُولِ الْبَلاَءِ بِجِسْمِکَ وَ اَلنَّقْصِ فِی قُوَّتِکَ أَصْدَقُ وَ أَوْفَی مِنْ أَنْ تَکْذِبَکَ أَوْ تَغُرَّکَ وَ لَرُبَّ نَاصِحٍ لَهَا عِنْدَکَ مُتَّهَمٌ وَ صَادِقٍ مِنْ خَبَرِهَا مُکَذَّبٌ وَ لَئِنْ تَعَرَّفْتَهَا فِی الدِّیَارِ الْخَاوِیَةِ وَ الرُّبُوعِ الْخَالِیَةِ لَتَجِدَنَّهَا مِنْ حُسْنِ تَذْکِیرِکَ وَ بَلاَغِ مَوْعِظَتِکَ بِمَحَلَّةِ الشَّفِیقِ عَلَیْکَ وَ الشَّحِیحِ بِکَ وَ لَنِعْمَ دَارُ مَنْ لَمْ یَرْضَ بِهَا دَاراً وَ مَحَلُّ مَنْ لَمْ یُوَطِّنْهَا مَحَلاًّ وَ إِنَّ السُّعَدَاءَ بِالدُّنْیَا غَداً هُمُ الْهَارِبُونَ مِنْهَا الْیَوْمَ إِذَا رَجَفَتِ الرَّاجِفَةُ وَ حَقَّتْ بِجَلاَئِلِهَا الْقِیَامَةُ وَ لَحِقَ بِکُلِّ مَنْسَکٍ أَهْلُهُ وَ بِکُلِّ مَعْبُودٍ عَبَدَتُهُ وَ بِکُلِّ مُطَاعٍ أَهْلُ طَاعَتِهِ فَلَمْ یُجْزَ فِی عَدْلِهِ وَ قِسْطِهِ یَوْمَئِذٍ خَرْقُ بَصَرٍ فِی الْهَوَاءِ وَ لاَ هَمْسُ قَدَمٍ فِی الْأَرْضِ إِلاَّ بِحَقِّهِ فَکَمْ حُجَّةٍ یَوْمَ ذَاکَ دَاحِضَةٌ وَ عَلاَئِقِ عُذْرٍ مُنْقَطِعَةٌ فَتَحَرَّ مِنْ أَمْرِکَ مَا یَقُومُ بِهِ عُذْرُکَ وَ تَثْبُتُ بِهِ حُجَّتُکَ وَ خُذْ مَا یَبْقَی لَکَ مِمَّا لاَ تَبْقَی لَهُ وَ تَیَسَّرْ لِسَفَرِکَ وَ شِمْ بَرْقَ النَّجَاةِ وَ ارْحَلْ مَطَایَا التَّشْمِیرِ))(1).

وقد يستنبط من الآيات القرآنية مجموعة من المفاهيم من ذلك الاستغفار الذي يكون سبباً للرزق والرحمة كما في قوله ((وَقَدْ جَعَلَ الله سُبْحَانَهُ الِاسْتِغْفَارَ سَبَباً لِدُرُورِ الرِّزْقِ وَرَحْمَةِ الْخَلْقِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ «اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّماءَ

ص: 99


1- نهج البلاغة، الخطبة 223، ص 399 - 402

عَلَيْكُمْ مِدْراراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنيِنَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَناَّتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهارا»(1) فَرَحِمَ الله امْرَأً اسْتَقْبَلَ تَوْبَتَهُ وَاسْتَقَالَ خَطِيئَتَهُ وبَادَرَ مَنِيَّتَهُ))(2) ومثله في قوله مستشهداً بآيتين: الأولى في النصر، والثانية في الإنفاق ««... فَاسْعَوْا فِی فَكَاكِ رِقَابِكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُغْلَقَ رَهَائِنُهَا أَسْهِرُوا عُيُونَكُمْ وَأَضْمِرُوا بُطُونَكُمْ وَاسْتَعْمِلُوا أَقْدَامَكُمْ وَأَنْفِقُوا أَمْوَالَكُمْ وَخُذُوا مِنْ أَجْسَادِكُمْ فَجُودُوا بِهَا عَلىَ أَنْفُسِكُمْ وَلَا تَبْخَلُوا بِهَا عَنْهَا فَقَدْ قَالَ الله سُبْحَانَهُ «إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ قْدامَكُمْ»(3)، وَقَالَ تَعَالَی «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ»(4)))(5)، وكذا في استشهاده بالاستنصار، والاستقراض، والابتلاء مذيلاً نهاية الخطبة بآية الفضل في قوله ((فَلَمْ يَسْتَنْصِرْكُمْ مِنْ ذُلٍّ وَلَمْ يَسْتَقْرِضْكُمْ مِنْ قُلٍّ اسْتَنْصَرَكُمْ وَلَهُ جُنُودُ السَّماَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، وَاسْتَقْرَضَكُمْ وَلَهُ خَزَائِنُ السَّماَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ وَإِنَّماَ أَرَادَ أَنْ «يَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً(6)» فَبَادِرُوا بِأَعْمَالِكُمْ تَكُونُوا مَعَ جِيرَانِ اللِّهَ فِی دَارِهِ رَافَقَ بِهِمْ رُسُلَهُ وَأَزَارَهُمْ مَلَائِكَتَهُ وَأَكْرَمَ أَسْماَعَهُمْ أَنْ تَسْمَعَ حَسِيسَ نَارٍ أَبَداً وَصَانَ أَجْسَادَهُمْ أَنْ تَلْقَى لُغُوباً وَنَصَباً «ذلِكَ فَضْلُ اللِّهَ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَالله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم»(7) أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ

ص: 100


1- نوح / الآيات 10 - 12
2- نهج البلاغة، الخطبة 143، ص 229
3- سورة محمد / الآية 7
4- سورة الحديد / الآية 11
5- نهج البلاغة، الخطبة 183، ص 310
6- الآية 7 من سورة هود، والآية 2 من سورة الملك
7- الآية 21 من سورة الحديد، والآية 4 من سورة الجمعة

وَالله الْمُسْتَعانُ عَلىَ نَفْسيِ وَأَنْفُسِكُمْ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ(1)))(2). ومن مميزات أسلوب الإمام الأخرى في تفسير آيات الذكر الحكيم أنه يميل إلى ما يسميه البلاغيون : التذييل، وهو أن يختتم كلامه بآية من القرآن الكريم، وهذا كثير في كلامه إمعاناً في التأثير ولاسيما في الخطب التي تدعو إلى الوعظ والنصح والدعوة إلى القتال والتنفير من الدنيا والتذكير بالآخرة والدعاء والترغيب والترهيب أما في الخطب التي تدعو إلى التوحيد وخلق الإنسان والحيوان والسماء والأرض(3).

وفي نهج البلاغة تفسيرات موجزة لألفاظ قرآنية يستشهد بها الإمام في حكمه، ومن ذلك:

سُئِلَ (عليه السلام) عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَی «فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً» فَقَالَ هِيَ الْقَنَاعَةُ(4).

قَالَ (عليه السلام): فِی قَوْلِهِ تَعَالَی «إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْحِحْسانِ» الْعَدْلُ الْإِنْصَافُ وَالْإِحْسَانُ التَّفَضُّلُ.(5) قوله: الزُّهْدُ كُلُّهُ بَيْنَ كَلِمَتَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ الله سُبْحَانَهُ: «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ»(6).

ص: 101


1- الآية هي: «حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» - آل عمران / 173
2- نهج البلاغة، الخطبة 183، ص 310
3- ينظر: الأثر القرآني في نهج البلاغة - دراسة في الشكل والمضمون / عباس علي حسين الفحام 355
4- نهج البلاغة، الحكمة 229، ص 591، والآية هي من سورة النحل / آية 97
5- المصدر نفسه، الحكمة 231، ص 591، والآية هي من سورة النحل / آية 76
6- نهج البلاغة، الحكمة 231، ص 591. والآية هي من سورة الحديد / آية 23

علي (عليه السلام) والقرآن

المطالع لسيرة علی (عليه السلام) يجده والقرآن صنوين لم يفترقا ولن يفترقا فعلي قد سار في خط القرآن، ولم يشذ عنه يوماً إذ كان يحيي القرآن بقلبه ودمه قبل أن ينطق بآياته بألفاظ وتعابير فكان القرآن فكره ونطقه وعمله وتعليمه وحكمه وإرشاده فهو ترجمان القرآن ولسانه الناطق والسبيل الواضح إلى هداه وبصائره، وكانت حياته كلها عطاء زاخر في مجال القرآن دون أن يحده حد المسجد أو كرسي الحكم أو السوق أو البيت ... بل وحتى ساحات الحرب والقتال فلم يبخل على الناس من الاستنارة بعلمه القرآني، ولم يكتم الناس فوائده ومعارفه على أنّ القرآن كان المحور الثابت في حركته على الرغم من تفاوت أدواره طوال مدة حياته المباركة ففي عبادته كان القرآن خير أنيس يرتل آياته، وفي ساحات الجهاد كان القرآن خير ناصر ينشد آياته، وفي عرصات الحكم والسوق كان أيضاً شاخصاً أمامه دائماً دون أن يغفل عنه طرفة عين(1) إذ يروى أنه لما سار إلى صفين، ثم مضى نحو ساباط، حتى انتهى إلى مدينة بهر سير ((وإذا رجل من أصحابه ينظر إلى آثار كسرى، وهو يتمثل بقول ابن يعفور التميمي:

جرت الرياح على محل ديارهم *** فكأنما كانوا على ميعادِ فقال عليه السلام: أفلا قلتَ: «كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ»(2)))(3).

ص: 102


1- ينظر: الإمام علي القرآن الناطق / طالب خان 183 - 185
2- الآيات 25 - 28 من سورة الدخان
3- السرائر / ابن إدريس الحلي 1 / 485

ومن استدلالاته القرآنية أيضاً في رواية مفادها أن الربيع بن زياد الحارثي شكا إليه أخاه عاصماً قائلاً: ((يا أمير المؤمنين ألا أشكوا إليك عاصم بن زياد أخي قال ما له؟ قال: لبس العباء، وترك الملاء، وغم أهله، وحزن ولده فقال علی: ادعوا لي عاصما فلما أتاه عبس في وجهه وقال: ويحك يا عاصم أترى الله أباح لك اللذات وهو يكره ما أخذت منها لأنت أهون على الله من ذلك أو ما سمعته يقول «مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ»(1) ثم يقول «يَخْرُجُ مِنْهُمَ اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ»(2) وقال «وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا»(3) أما والله إن ابتذال نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال وقد سمعتم الله يقول «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ»(4) وقوله: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ»(5) إن الله خاطب المؤمنين بما خاطب به المرسلين فقال «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ»(6)، وقال «يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا»(7)، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبعض نسائه (ما لي أراك شعثاء مرهاء سلتاء(8))(9) قال عاصم: فلم اقتصرت يا أمير المؤمنين على لبس الخشن وأكل الجشب قال إن الله

ص: 103


1- الآية 19 من سورة الرحمن
2- الآية 22 من سورة الرحمن
3- الآية 13 من سورة فاطر
4- الآية 11 من سورة الضحى
5- الآية 33 من سورة الأعراف
6- الآية 173 من سورة البقرة
7- الآية 51 من سورة المؤمنون
8- شعثاء: اتساخ الرأس (ينظر المعجم الوسيط مادة شعث، 484)، مرهاء: امرأة لا تكتحل (ينظر المخصص / ابن سيده: 1 / 100)، سلتاء: امرأة لا تختضب (ينظر المخصص: 5 / 60)
9- ينظر: أعيان الشيعة 6 / 458. شعثاء اتساخ الرأس: ينظر المعجم الوسيط

تعالى افترض على أئمة العدل أن يقدروا لأنفسهم بالقوام كيلا يتبيغ بالفقير فقره فما قام علی عليه السلام حتى نزع عاصم العباء ولبس ملاءة))(1).

وهو القائل: ((أنا القرآن الناطق))(2)، وكذا القائل ((إن الكتاب لمعي ما فارقته مذ صحبته))(3) ومصداق ذلك نجده في حديث الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): ((علی مع القرآن والقرآن مع علی، لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض))(4) فكلامه ذو مسحة قرآنية أي أنه قبس من أشعة القرآن بل هو خريج مدرسة القرآن لغةً وأسلوباً ودرايةً وروايةً فقد حاكى القرآن الكريم، وجاراه، وأفاد منه في استعمال الكلمات القرآنية، ووضعها موضعاً جديداً في استعمال علوي بليغ فالبلاغة القرآنية تتجسد على لسان علی، ولا غرابة في ذلك فهو سيّد القراء، وأوّل الحفاظ لكتاب الله لذا فصلة الإمام علي (عليه السلام) بالقرآن صلة وثيقة فقد اختاره الرسول (صلَّی الله عليه وآله وسلَّم) كاتباً له، وهو الذي كان يصغي ويسمع ويحفظ، ولأنه أول الفتيان إسلاماً، ولقرابته من النبي (صلىَّ الله عليه وآله وسلَّم)، فهو ابن عمه وزوج ابنته، وهو أخوه في حادثة التآخي بين المسلمين فقد وعى القرآن أكثر من غيره وقبل غيره من الصحابة بدعاء النبي له بالتسديد فكان هو الأذن الواعية(5) إذ لما نزل قوله تعالى «لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ» - الحاقة / 12، قال النبي صلى الله عليه وآله: سالت الله أن يجعلها أذنك يا علي(6).

ص: 104


1- بحار الأنوار 42 / 147
2- شرح إحقاق الحق / السيد المرعشي 7 / 595
3- نهج البلاغة، الخطبة 122، ص 206
4- مناقب أهل البيت / المولى حيدر الشيرواني 174
5- ينظر: الإمام علي القرآن الناطق / نعمة هادي الساعدي 10 - 14
6- ينظر: مناقب الإمام أمیر المؤمنین (عليه السلام) / محمد بن سليمان الكوفي 1 / 142، وبحار الأنوار 35 / 328

ولما كانت مصادر الوعي ثلاثة هي(1):

1- مصادر أوعية للوعي مثل العقل، والفؤاد، والصدر، والقلب، والفطرة.

2- مصادر التنفيذ: الإرادة، والعزم.

3- المحكمة الداخلية في نفس الإنسان للحل والحسم وفصل القضايا، وهو ما يسمى بالضمير.

وهذه المصادر الثلاثة تحتاج إلى غذاء متصل دائم مثلما يحتاج الجسم إلى الغذاء لكي تمد الإنسان في حركته إلى الله بما يمكنه من السير بنور وعزم، وهذا الغذاء هو التوجيه والإمداد الذي يمكن هذه الأوعية من مواصلة عملها من التلقي والعطاء، ومن دون هذا الغذاء تتعطل الأوعية، وتفقد القدرة على أداء دورها في حياة الإنسان، والقرآن الكريم هو ذلك الغذاء الرباني للإنسان، وهو النور والهدى والبصيرة والعزم واليقين الذي يحتاجه في حركته إلى الله تعالى(2) فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله ((كِتَابُ اللِّهَ تُبْصِرُونَ بِهِ وَتَنْطِقُونَ بِهِ وَتَسْمَعُونَ بِهِ وَيَنْطِقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ وَيَشْهَدُ بَعْضُهُ عَلىَ بَعْضٍ وَلَا يَخْتَلِفُ فِی اللِّهَ وَلَا يُخَالِفُ بِصَاحِبِهِ عَنِ اللَّهِ))(3).

إنّ ثمة وشائج وروابط بين أمير المؤمنين (عليه السلام) والقرآن الكريم فهو ربيب القرآن، وقد نزلت فيه الكثير من الآيات الكريمة، وأنه دوّن القرآن الكريم في عصر مبكر من تاريخ الرسالة الإسلامية، وهذا ما جعله يحيط إحاطة تامة بالقرآن(4)

ص: 105


1- ينظر: وعي القرآن / الشيخ محمد مهدي الآصفي 17
2- ينظر: المصدر نفسه 17 - 18
3- نهج البلاغة، الخطبة 133، ص 221
4- ينظر: الإمام علي بن أبي طالب روح الإسلام الخالد / د. حسن عيسى الحكيم 66

فتلازم القرآن والإمام يحكي عميق ارتباطهما، ويكشف عن دقة علاقتهما بحيث إذا كان للقرآن ظل لا يفارقه فهو الإمام (عليه السلام) أي أنهما يمثلان حقيقة واحدة، ويتبعان نهجاً واحداً، ويقصدان هدفاً واحداً، لذا يعد قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (علی مع القرآن، والقرآن مع علی) خصيصة خصّه بها الرسول الأكرم، ولم يكن قد خصّ أحداً من صحابته بل هو وسام قلّده النبي إياه في مرات عديدة ليبصر الناس منزلة الإمام ومكانته من القرآن(1) فعلي والقرآن يسيران في طريق واحد، ويدعوان إلى مبدأ واحد وهدف واحد فهو يعرف القرآن وفنونه وعلومه وأحكامه وفضائله ومزاياه، والقرآن يجلب الانتباه إلى شخصية علی (عليه السلام) ومكارمه ومحاسنه وخصائصه، وينوّه عن مواقفه ومواطنه وتضحياته في سبيل الهدف الذي أنزل من أجله القرآن(2) فهو ابن القرآن وهو كالقرآن كما وصفه الشيخ الدكتور أحمد الوائلی في قصيدته غرس أبي تراب إذ يقول(3):

إنه ابن القرآن والابن كالأب *** وإنْ لجّ حاقدٌ مأجورُ قال (عليه السلام): ((والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم نزلت وعلى من نزلت، إن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا ناطقا))(4)، ويقول في علمه بالقرآن ((سلوني

ص: 106


1- ينظر: الإمام علي القرآن الناطق / طالب خان 72
2- الإمام علي (عليه السلام) من المهد إلى اللحد / السيد محمد كاظم القزويني 89
3- لم أجدها في ديوانه؛ لأنها لم تنشر فيه بل نرت بعنوان (قصائد غر منشورة) على الأنترنت، موقع الطرف، مجلة الفكر الجديد،ع 9،شهر صفر 1415 ه، ووجدتها أيضاً في دراسة ل (محمد سعيد الطريحي) عن الشيخ الوائي عنوانها (أمیر المنبر الحسيني الدكتور الشيخ أحمد الوائي)، ص 149، والبيت الحدي عر من القصيدة التي عنوانها) إيحاءات نهج البلاغة)، ومطلعها: في مجالي نهج البلاغة حورُ *** شهد الأفق إنهنّ بدورُ
4- مناقب آل أبي طالب 1 / 322

عن كتاب الله فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار، في سهل نزلت أم في جبل))(1)، ويروي ابن عباس أنه تعلّم التفسير من الإمام (عليه السلام)، وأنه (عليه السلام) علم الظاهر والباطن إذ يقول: ((جل ما تعلمت من التفسير من علي بن أبي طالب عليه السلام وابن مسعود، إن القرآن انزل على سبعة أحرف، ما منها إلا وله ظهر وبطن، وإن علی بن أبي طالب عليه السلام علم الظاهر والباطن))(2).

أما عن علمه بالتأويل ووقت النزول ومورده وكل ما يتعلق بالآيات من الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والمكي والمدني وغير ذلك إذ فيقول (عليه السلام):

((سلوني قبل أن تفقدوني، فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لو سألتموني عن أية آية، في ليل أنزلت، أو في نهار أنزلت، مكيها ومدنيها، سفريها وحضريها، ناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وتأويلها وتنزيلها، إلا أخبرتكم))(3). وعن علمه يقول ابن عباس (رض): ((والله لقد أعطي علی بن أبي طالب تسعة أعشار العلم، وأيم الله لقد شارككم في العشر العاشر))(4)، وقال أيضاً: ((ما علمي وعلم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في علم علی رضي الله عنه إلا كقطرة في سبعة أبحر))(5).

لذا يعدّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أعلم الناس بالقرآن الكريم بحلاله وحرامه، ومحكمه وتأويله ومتشابهه فقد كان يسأل رسول الله (صلى الله عليه آله وسلم) عن كل آية نزلتْ عليه عن ظاهرها وباطنها حتى كان مضرب المثل في تفسير القرآن الكريم وأحكامه إذ إنه كان سريع البديهة في إصدار الأحكام، ولم يتردد أبداً في إصدار

ص: 107


1- الغدير 2/ 44
2- وسائل الشيعة / الحر العاملي 1 / 62
3- بحار الأنوار 40 / 157
4- الأمالي / الشيخ الصدوق 433
5- الغدير 3 / 99

حكم فلم يفت فتوى تخالف القرآن الكريم كما لم يصدر حكماً يخالف القرآن الكريم حتى بهر جميع من كان يحوط به، لأنه بحق القرآن الناطق(1) فلا تجد شخصاً يوازي الإمام (عليه السلام)، لأنه جمع في شخصيته كل مستلم علم التفسير ناهيك عما تمتع به من عناية خاصة من لدن رسول الله حيث كان يُرفع إليه في كل يوم علماً، و یخبره بما نزل من الوحي مبيناً له تفسيره فقد عاش أيام الوحي بشخصه، وشاهد أحداث الرسالة بعينيه فعلى هذا كان أقرب من غيره إلى القرآن حتى أنه لم يخف عليه منه شيء، ولم يتعذر عليه بيان مقصوده ومبتغاه(2).

إنّ أول من أسس لعلوم القرآن هو أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأول مصحف جُمع فيه القرآن هو مصحف أمير المؤمنين (عليه السلام)، وفي ذلك يقول حسن الصدر ((لابد من التنبيه على تقدم أمير المؤمنين علی بن أبي طالب (عليه السلام)، في تقسيم أنواع علوم القرآن فإنه أملى ستين نوعا من أنواع علوم القرآن، وذكر لكل نوع مثالا يخصه، وذلك في كتاب نرويه عنه من عدة طرق، موجود بأيدينا إلى اليوم، وهو الأصل لكل من كتب في أنواع علوم القرآن. وأول مصحف جمع فيه القرآن على ترتيب النزول بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو مصحف أمير المؤمنين علی عليه السلام، والروايات في ذلك من طريق أهل البيت متواترة))(3). على أنّ الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) هو النمير العذب للعلوم الإسلامية فأحاط به أصحابه الأجلاء يقبسون منه سناء العلم ويستضيئون بهداه فكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) الرجل الأول الذي أحرز قصب السبق في مضمار تدوين القرآن وتفسيره وبيان علومه وقد برع في هذا المجال، وكان للأئمة من أهل البيت

ص: 108


1- الغدير، 3 / 99
2- ينظر: الإمام علي عبقري هذه الأمة / علي عبد المحسن عجاج 87
3- الشيعة وفنون الإسلام / حسن الصدر 25

(عليهم السلام) وأصحابهم عناية خاصة بالقرآن العظيم وعلومه بعد أن كان القرآن يمثل الهدى الإلهي، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وبعد أن كان القرآن بحق هو المفجر للعلوم البشرية بل هو عماد العلوم الإسلامية وأساسها(1).

والروايات التي تدلل على علمه كثيرة، ولنأخذ هذه الرواية التي يرويها أبو جعفر عليه السلام قال: ((حدثني عبد الله بن العباس وجابر بن عبد الله الأنصاري وكان بدرياً أحديا شجريا، وممن يحظ من أصحاب رسول الله صلی الله عليه واله في مودة أمير المؤمنين عليه السلام قالوا: بينا رسول الله صلي الله عليه وآله في مسجده في رهط من أصحابه فيهم أبو بكر وأبو عبيده وعمر وعثمان وعبد الرحمن ورجلان من قراء الصحابة من المهاجرين عبد الله بن أم عبد ومن الأنصار أبي بن كعب وكانا بدريين فقرا عبد الله من السورة التي يذكر فيها لقمان حتى أتي على هذه الآية «وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً»(2) الآية وقرأ أبي من السورة التي يذكر فيها إبراهيم عليه السلام «وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللِّه إِنَّ فِی ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ»(3) قالوا:

قال رسول الله صلی الله عليه واله: أيام الله نعماوه وبلاوه ومثلاته سبحانه ثم أقبل صلی الله عليه واله على من شهده من أصحابه فقال: إني لا تخولكم بالموعظة تخولا مخافة السامة عليكم، وقد أوحي إليّ ربي جل وتعالي أن أذكركم بأنعم، وأنذركم بما أفيض عليكم من كتابه، وتلا «وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ» الآية ثم قال لهم: قولوا ألان قولكم ما أول نعمه رغبكم الله فيها وبلاكم بها؟ فخاض القوم جميعا فذكروا نعم الله التي أنعم عليهم وأحسن إليهم بها من المعاش والرياش والذرية والأزواج إلى ساير ما بلاهم الله عز وجل به من أنعمه الظاهرة، فلما أمسك القوم أقبل رسول الله صلى

ص: 109


1- ينظر: علوم القرآن / الشهيد السيد محمد باقر الحكيم 5
2- الآية 20 من سورة لقمان
3- الآية 5 من سورة إبراهيم

الله عليه وآله على علی عليه السلام فقال: يا أبا الحسن قل! فقد قال أصحابك، فقال: وكيف لي بالقول فداك أبي وأمي؟ وإنما هدانا الله بك؟ قال: ومع ذلك فهات قل! ما أول نعمة بلاك الله عز وجل وأنعم عليك بها؟ قال: أن خلقني جل ثناؤه ولم أك شيئا مذكورا قال: صدقت فما الثانية؟ قال: أن أحسن بي إذ خلقني فجعلني حيا لا مواتا، قال: صدقت فما الثالثة؟ قال: أن أنشأني فله الحمد في أحسن صورة وأعدل تركيب قال: صدقت فما الرابعة؟ قال: أن جعلني متفكرا واعيا لا بلها ساهيا قال:

صدقت فما الخامسة؟ قال: أن جعل لي شواعر أدرك ما ابتغيت بها وجعل لي سراجا منيرا، قال: صدقت فما السادسة؟ قال: أن هداني لدينه ولم يضلني عن سبيله، قال: صدقت فما السابعة؟ قال: أن جعل لي مردا في حياة لا انقطاع لها، قال: صدقت فما الثامنة؟ قال: أن جعلني ملكا مالكا لا مملوكا قال: صدقت فما التاسعة؟ قال:

أن سخر لي سماءه وأرضه وما فيهما وما بينهما من خلقه، قال: صدقت فما العاشرة؟ قال: أن جعلنا سبحانه ذكرانا قواما على حلائلنا لا إناثا، قال: صدقت فما بعد هذا؟ قال: كثرت نعم الله يا نبي الله فطابت، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: لتهنك الحكمة ليهنك العلم يا أبا الحسن فأنت وارث علمي والمبين لأمتي ما اختلفت فيه من بعدي، من أحبك لدينك وأخذ بسبيلك فهو ممن هدي إلى صراط مستقيم ومن رغب عن هداك وأبغضك وتخلاك لقي الله يوم القيامة لا خلاق له))(1).

ص: 110


1- بحار الأنوار 67 / 20 - 21

الفصل الثاني الدعاء عند أمير المؤمنين (عليه السلام) أدعية نهج البلاغة أنموذجاً

ص: 111

ص: 112

المدخل: الدعاء ونهج البلاغة

يعرّف الدعاء بأنه والدعاء ممارسة عبادية لها حجمها الكبير في التشريع، ولها شرائطها وآدابها وكيفياتها، وهو ((تعبير بالغ الوضوح عن عرفان المؤمن بربه، وبأسماء ربه الحسنى، ووعي عميق بضعف البشر، وإحساس شديد بأبعاد نقصه، ومراكز ذله، ومدى حاجته إلى التكامل والسمو))(1)، وهو العبادة التي قال الله عز وجل فيها(2): «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبُرِونَ عَنْ عِبَادَتِی سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ» - غافر / 60.

والدعاء وسيلة من وسائل الإسلام في تربية الإنسان يمثل علاجاً ناجحاً في شفاء الداعي من أمراض النفس، ويكون حائلاً دون حدوث الكبت السلبي ولأضراره البالغة فهو يتيح للنفس الإنسانية أن تعبر عن مشاعرها الدفينة التي لا تستطيع أن تعبر عنها للناس لخشيتها من ردود فعلهم أحياناً، ومن السقوط في أعينهم أحياناً أخرى فمن خلال الدعاء يُفسَح لها المجال لتعبّر ما تشاء وما تحب إلى الرب الكريم الرؤوف الرحمن الرحيم الذي تأمنه وتطمئن إلى ستره وعطفه ومحبته وإحسانه ولطفه لاسيما وهو العالم بشأنها وحقيقتها في ظاهرها وباطنها حيث تخفى على الخلائق

ص: 113


1- التشريع الإسلامي - مناهجه ومقاصده / آية الله السيد محمد تقي المدرسي 4 / 291
2- ينظر: الكافي 2 / 467

أجمعين(1) فعندما نشعر بأن الكون لا يحتوينا، وبأن مساحات العالم ضائعة في نفوسنا تنطق خلجاتنا بأنّ هناك من سينتشلنا من الضياع، ويشدنا إلى السماء بوساطة حبل ممدود بين العبد وربه يقترب باقتراب العبد من ربه، ويبتعد بابتعاده عنه إنه الدعاء الذي يشكل مع الصلاة صنوان، وهما من أهم الوسائل مفاتيح الاستجابة لذا يعد الدعاء من العبادات الأساسية والسامية لدى المسلمين، ومن خلاله يكون الحوار متصلاً بين القلب وخالقه، ولعل فطرة الله التي فطر الناس عليها هي التي تقودنا إلى الدعاء لأجل سكينة القلب، وطمأنينة النفس، وصفاء الروح فهو حبل الرجاء بل هو الأمان، والرحمة، والغفران، وهو بمثابة العشق الإلهي عند مناجاة الخالق(2).

ويمثل الدعاء جانباً مهماً من آداب العربية، قد أغفل بعض الدارسين الإشارة إلى بلاغته على الرغم من أنه نثر فني رائع، وأسلوب ناصع من أجناس الكلام المنثور، ونمط بديع من أفانين التعبير، وطريقة بارعة من أنواع البيان، وسلك معجب من فنون الكلام(3).

وكذا يمثل الدعاء شكلاً أدبياً يقوم من حيث المظهر الخارجي على عنصر المحاورة الانفرادية إذ يتوجه الداعي بكلام مسموع إلى الله تعالى، وأحياناً بكلام صامت، ومن حيث المظهر الداخلی يقوم على عنصر وجداني يتصاعد به الداعي إلى أوج الانفعالات الصادرة عنه، ومن حيث المضمون ينطوي على عنصري: الذاتية والموضوعية فالذاتية تتصل بالحاجات الفردية للداعي كطلب المغفرة، والشفاء من

ص: 114


1- ينظر: أبواب الرحمة - دراسة في آفاق الدعاء ودوره في تربية الفرد والمجتمع الصالح / نبيل شعبان 110
2- ينظر: مقال (أثر الدعاء في النفس - كريم شلال، جريدة صوت المعلم، ع 32، س 8، ع 2011، 32، ص 4
3- ينظر: الصحيفة السجادية، مقال د. حسين علي محفوظ، مجلة البلاغ، الكاظمية، السنة الأولى، ع 6

المرض وغيرهما، والموضوعية تشمل كل ما هو غير ذاتي، وهو نمطان(1):

1- عبادي: وهو ما يتصل بتمجيد الله تعالى.

2- اجتماعي: وهو ما يتصل بحاجات الآخرين مثل طلب النصر على الأعداء، واستسقاء المطر، والدعاء للآخرين، وغير ذلك.

ويعد أسلوباً إنشائياً قائماً بذاته، ويقترن بصيغتين بلاغيتين ها الأمر والنهي(2) كما، ولا يخلو من الحث عليه كتاب إلهي، فالقرآن الكريم رغّب في الدعاء كما في قوله تعالى: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّ قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِی وَلْيُؤْمِنُوا بِی لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ» - البقرة / 186، والدعاء هو الوسيلة بين العبد وخالقه، واتصال من عالم الملك بعالم الملكوت، وهو شعور باطني في الإنسان بالصلة والارتباط بعالم لا مبدأ له ولا نهاية، ولا حد ولا غاية لسعة رحمته وقدرته وإحاطته بجميع ما سواه(3)، والدعاء لا يحول الضعف قوة فحسب بل يزيد القوة قوة، ويمنح الخير بقاء وديمومة في بناء الحياة الفردية والاجتماعية، وهو ليس وسيلة إلى تلبية الحاجات فحسب بل هو محبة تتجلى بخلو المحب بحبيبه فما لا يُدرَك بالمنطق والعلم يُدرَك بمحبة المحب للمحبوب(4).

والدعاء هو إقبال العبد على ربه، والإقبال عليه روح العبادة، والعبادة هي

ص: 115


1- ينظر: تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي، محمود البستاني / 234
2- ينظر: أدب الدعاء في نهج البلاغة - دراسة دلالية، د. هناء عبد الرضا رحيم، ود. مرتضى عباس فالح، بحوث المؤتمر العلمي الدولي الأول - نهج البلاغة سراج الفكر وسحر البيان -، ج 4، ص 159
3- ينظر: مواهب الرحمن في تفسير القرآن / السيد عبد الأعلى السبزواري 3 / 67 - 71
4- ينظر: الدعاء / د. علي شريعتي 8 - 16، 9 - 17

الغاية من خلق الإنسان(1)؛ لقوله تعالى «ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالِإْنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» - الذاريات / 56).

ومن آثار الدعاء أنه يمحو حالات اليأس والقنوط والهجران والوحدة والغربة والاضطراب كما يخفف من وطأة كل ذلك ومن حدتها، ويدعو إلى الهدوء والسكينة والطمأنينة التي يكتسبها الداعي مما يشعره بالسرور والغبطة والفرح والانقطاع إلى الله، ويقوي إيمانه ويوثق صلته بالله تعالى(2).

ويبدو أن طائفة كبيرة من كتب الشيعة منها كتب الأدعية قد أقدم على إحراقها طغرل بيك، وهو أوّل ملك من ملوك السلاجقة ورد بغداد سنة 447 ه، وشنّ على الشيعة حملة شعواء، وأمر بإحراق مكتبة الشيعة التي أنشأها وزير بهاء الدولة البويهي أبو نصر سابور بن أردشير، وكانت هذه المكتبة يومذاك من دور العلم المهمة في بغداد، وقد نافت كتبها على عشرة آلاف من جلائل الآثار بيد أنّ ما وصلنا من الأدعية بوساطة كتب اُستخرجتْ من الأصول قبل التحريق مثل كتاب الدعاء للشيخ الكليني (ت 329 ه)، وكامل الزيارات لابن قولويه (ت 368 ه)، وكتاب الدعاء والمزار للشيخ الصدوق (ت 381 ه)، وكتاب المزار للشيخ المفيد (ت 413 ه)، وكتاب روضة العابدين للكراجي (ت 499 ه)، ومصباح المتهجد للشيخ الطوسي (ت 460 ه)(3).

ص: 116


1- ينظر: الدعاء عند أهل البيت / محمد مهدي الآصفي 13
2- ينظر: فلسفة المناجاة والتضرع والدعاء / محمد حسين المختاري المازنداني 45
3- ينظر: الدعاء عند أهل البيت 271 - 273

ولما كان أهل البيت (عليهم السلام) سادات المؤمنين وعنوان المتقين ومؤدبي البشرية، وقد ارتضعوا من ثدي الرسالة، ودرجوا في بيت الوحي والتنزيل والنبوة ومنهم نتعلّم الآداب والأخلاق والفضيلة فقد اختطوا لنا منهجاً واضحاً وطريقاً لاحباً في أدب الدعاء والمناجاة، وعلّمونا أسلوب التخاطب والتأدب في حضرته المقدسة(1).

ولعل غاية أهل البيت (عليهم السلام) من تلك المحاولة أن تجعل من الدعاء مدرسة تربط الإنسان بالحياة وتربط الحياة بالله مؤكدة المفهوم الإسلامي الذي لا يجعل من حياة الإنسان معنى مادياً بعيداً عن الروح بل يوجد تمازجاً حياً بين الروح والمادة في وحدة رائعة تنسجم مع اتصال الجانب الروحي بالجانب المادي في كيان الإنسان(2).

ولعل وفرة الأدعية في آثار أهل البيت تدل على مدى اضطهاد الأئمة (عليهم السلام)، واستيائهم من تلك العصور، ومن تلك الحكومات التي فسدتْ وأفسدتْ وضلتْ وأضلتْ، وهذه الأدعية كانتْ ضمن تركة النائب الثاني للإمام المهدي الشيخ محمد بن عثمان(3)، والمتفحص في تراث الإمام علی (عليه السلام) يجد كماً هائلاً من الأدعية في نهج البلاغة، وفي كتب الأدعية المجموعة.

وقد عني الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) بالدعاء عناية بالغة، ذلك لما يترتب عليه من آثار تعود لصالح الداعي في الدنيا والآخرة، فهو من أنجع

ص: 117


1- ينظر: منهج الدعاء عند أهل البيت ونماذج منه / صباح علي البياتي 38 - 39
2- ينظر: في رحاب الدعاء / السيد محمد حسين فضل الله 16
3- ينظر: الإمام الجواد من المهد اللحد / السيد محمد كاظم القزويني 455

الوسائل وأعمقها في تهذيب النفوس، وهو مفتاح الرحمة ونجاح الحاجة، ولا يدرك ما عند الله تعالى إلاّ بالدعاء والابتهال، وهو من أحب الأعمال إلى الله تعالى، وكذا مخ العبادة وجوهرها وأفضلها، وهو سلاح الأنبياء والمؤمنين، ومفتاح الرحمة والنجاح والجنان والفلاح، وعمود الدين، وشفاء من كل داء، ودافع للبلاء، وراد للقضاء(1).

قال تعالى «قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّی لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ» - الفرقان / 77، وقد حفلت كتب الدعاء الكثيرة بتراث غزير من أدعية أهل البيت عليهم السلام، التي تعدّ صفحة مشرقة من صفحات التراث الإنساني، وذخيرة فذّة من ذخائر المسلمين، فهي من حيث الصياغة والبلاغة آية من آيات الأدب الرفيع، ومن حيث المضمون فقد أودع الأئمة عليهم السلام في أدعيتهم خلاصة المعارف الدينية، وهي من أرقى المناهل في الإلهيات والأخلاق، وهي وسيلة لنشر تعاليم القرآن وآداب الإسلام وبيان أدقّ أسرار التوحيد والنبوة والمعاد وغيرها من المضامين التي يترتب عليها آثار واضحة في تعليم الناس روحية الدين والزهد والأخلاق، وقد تحول الدعاء إلى مدرسة كاملة لثقافة أهل البيت تدرس فيه العقائد، والأخلاق والمفاهيم الإسلامية والاجتماعية والإنسانية، والأدب العالي فضلاً عن التزكية والتربية العالية، وقد أسس هذا الأسلوب أهل البيت (عليهم السلام) لاسيما أمير المؤمنين في أدعيته ومناجاته المشهورة، وقد أفاد من هذا الأسلوب حفيده الإمام زين العابدين (عليه السلام) في زبور آل محمد الموسوم (الصحيفة السجادية) فكان نتاجه واسعاً ومتميّزاً وتأثيره ودوره في المنهج الثقافي كبيراً فكان بحق أنجح الأساليب في معالجة التدهور الثقافي والأخلاقي في المجتمع الإسلامي فضلاً عن التغلب على الظروف السياسية الصعبة التي واجهها الإمام بعد استشهاد أبيه الحسين (عليه السلام)(2).

ص: 118


1- ينظر: منهج الدعاء عند أهل البيت 14 - 18، فلسفة الابتلاء / الشيخ حافظ حداد 85
2- ينظر: دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة: السيد محمد باقر الحكيم / 1 / 132 - 133

على أن فكرة الدعاء لا تعني إلا الأسلوب الاتكالي الذي يلجأ الإنسان فيه إلى الله في أموره ومشاكله دون أن يتقدم خطوة عملية في محاولته الذاتية في السعي لحل مشاكله فليس من المفترض في الدعاء أن يتولى الله قضاء حاجات الإنسان بشكل مباشر مع قدرة الإنسان على مباشرة هذه الحاجات بنفسه وامتناعه عن الحركة منتظراً المعجزة السماوية؛ لأن الدين لا يؤمن بالمعجزة في حياة الإنسان العامة، وإنما يؤمن بقانون السببية الذي أودعه الله في الأشياء فجعل لكل شيء سبباً سواء في ذلك الحياة والموت والصحة والسقم والغنى والفقر والنصر والهزيمة والربح والخسارة ... الخ، ودعا الإنسان إلى الأخذ بهذه الأسباب والاعتماد عليه بعد استكمال ذلك كله(1) فليس صحيحاً أن نفهم الدعاء فهماً منفصلاً عن سنن الله تعالى؛ لأنّ الله تعالى قد سنّ لعباده سنناً في الكون في شؤونهم وحياتهم فلا يصح أن يهملوا هذه السنن في شؤونهم وحياتهم فلا يصح أن يكتفي الفلاح عن حرث الأرض وسقيها وتشذيبها من الأعشاب الزائدة ومكافحة الأمراض النباتية من مزرعته بالدعاء، ولا الدعاء وحده يغني عن الحرث والسقي والتشذيب فليس الدعاء بديلاً عن هذه السنن، ولا يغني سلوك هذه السنن الإنسان عن الدعاء فكلاهما متلازمان فكما لا يكون الدعاء بديلاً عن العمل كذلك لا يكون العمل بديلاً عن الدعاء؛ لأن مفاتيح هذا الكون بيد الله تعالى، والله يرزق عباده بالدعاء ما لا يقدرون عليه بالعمل، ويوفق عباده بالدعاء للأسباب الطبيعية ما لا يقدرون عليه بالعمل، وليس تمكين الله تعالى للإنسان من الأسباب الطبيعية للرزق أن يستغني الإنسان بالتعامل مع الأسباب الطبيعية من الدعاء والسؤال والطلب من الله تعالى فإن الله تعالى هو الباسط القابض، المعطي المانع، النافع الضار، المحيي المهلك، المعز المذل، الرافع الواضع(2).

ص: 119


1- ينظر: في رحاب الدعاء 18 - 19
2- ينظر: الدعاء عند أهل البيت 33 - 34

ويرى المشككون بالدعاء والجاهلون حقيقته وآثاره النفسية والاجتماعية بأنّ الدعاء عامل مخدّر؛ لأنه يصرف الناس عن الفعالية والنشاط وتطوير الحياة، ويرون أيضاً أنه تدخل في شؤون الله، والله يفعل ما يريد، ولعل هذه الرؤية التشكيكية نابعة من كونهم يجهلون الآثار التربوية والنفسية والاجتماعية للدعاء فالإنسان بحاجة إلى الملجأ الذي يلوذ به في الشدائد، والدعاء يضيء نور الأمل في نفس الإنسان فمن يبتعد عن الدعاء يواجه صدمات عنيفة نفسية واجتماعية على أن الذين يصفون الدعاء بأنه بأنه تخديري لم يفهموا معنى الدعاء؛ لأنّ الدعاء لا يعني ترك العلل والوسائل الطبيعية واللجوء بدلها إلى الدعاء، وإنما المقصود أن نبذل غاية جهدنا في الاستفادة من الوسائل الموجودة، وبعد اليأس منها نلجأ إلى الدعاء فتنشرح النفس الداعية وتنبسط، وتُسرّ فضلاً عن زرع الثقة بالنفس، والاستعداد للهداية، واستقبال الحوادث بصدر رحب(1).

ومن كنوز تراثنا العربي الإسلامي كتاب نهج البلاغة الذي حفل بالكثير من المباحث منها: العبادات، والحكم والإدارة، والخلافة، والمواعظ، والأدعية، والمناجاة، والحرب والحماسة، والملاحم، والمغيبات، وغيرها(2)، وقد حثّ أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة على الدعاء مضمناً معاني قرآنية منها: تكفلُ الباري عزّ وجل بالإجابة لمن يدعوه بقوله ((وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِی بِیَدِهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْاءَرْضِ قَدْ أَذِنَ لَکَ فِی الدُّعَاءِ وَ تَکَفَّلَ لَکَ بِالْإِجَابَهِ وَ أَمَرَکَ أَنْ تَسْاءَلَهُ لِیُعْطِیَکَ وَ تَسْتَرْحِمَهُ لِیَرْحَمَکَ وَ لَمْ یَجْعَلْ بَیْنَکَ وَ بَیْنَهُ مَنْ یَحْجُبُهَ عَنْکُ وَ لَمْ یُلْجِئْکَ إِلَی مَنْ یَشْفَعُ لَکَ إِلَیْهِ وَ لَمْ یَمْنَعْکَ إِنْ أَسَأْتَ مِنَ التَّوْبَهِ وَ لَمْ یُعَاجِلْکَ بِالنِّقْمَهِ وَ لَمْ یُعَیِّرْکَ بِالْإِنَابَهِ وَ لَمْ یَفْضَحْکَ حَیْثُ الْفَضِیحَهُ

ص: 120


1- ينظر: أثر الدعاء في النفس 4
2- ينظر: في رحاب نهج البلاغة 32

بِکَ أَوْلَی وَ لَمْ یُشَدِّدْ عَلَیْکَ فِی قَبُولِ الْإِنَابَهِ وَ لَمْ یُنَاقِشْکَ بِالْجَرِیمَهِ وَ لَمْ یُؤْیِسْکَ مِنَ الرَّحْمَهِ بَلْ جَعَلَ نُزُوعَکَ عَنِ الذَّنْبِ حَسَنَهً وَ حَسَبَ سَیِّئَتَکَ وَاحِدَهً وَ حَسَبَ حَسَنَتَکَ عَشْرا وَ فَتَحَ لَکَ بَابَ الْمَتَابِ وَ بَابَ الاِسْتِعْتَابِ فَإِذَا نَادَیْتَهُ سَمِعَ نِدَاکَ وَ إِذَا نَاجَیْتَهُ عَلِمَ نَجْوَاکَ فَاءَفْضَیْتَ إِلَیْهِ بِحَاجَتِکَ وَ أَبْثَثْتَهُ ذَاتَ نَفْسِکَ وَ شَکَوْتَ إِلَیْهِ هُمُومَکَ وَاسْتَکْشَفْتَهُ کُرُوبَکَ وَاسْتَعَنْتَهُ عَلَی أُمُورِکَ وَ سَأَلْتَهُ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ مَا لاَ یَقْدِرُ عَلَی إِعْطَائِهِ غَیْرُهُ مِنْ زِیَادَهِ الْأَعْمَارِ وَ صِحَّهِ الْأَبْدَانِ وَ سَعَهِ الْأَرْزَاقِ ثُمَّ جَعَلَ فِی یَدَیْکَ مَفَاتِیحَ خَزَائِنِهِ بِمَا أَذِنَ لَکَ فِیهِ مِنْ مَسْأَلَتِهِ فَمَتَی شِئْتَ اسْتَفْتَحْتَ بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ نِعْمَتِهِ وَاسْتَمْطَرْتَ شَآبِیبَ رَحْمَتِهِ))(1)، وكذا قوله ((من أعطي أربعاً لم يُحرم أربعاً: منْ أعطي الدعاء لم يُحرم الإجابة، ومنْ أعطي التوبة لم يُرم القبول، وإنْ أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة، ومنْ أعطي الشكر لم يُحرم الزيادة))(2) وكذا قوله ((مَا كَانَ الله لِيَفْتَحَ عَلَی عَبْدٍ بَابَ الشُّكْرِ وَيُغْلِقَ عَنْهُ بَابَ الزِّيَادَةِ وَلَا لِيَفْتَحَ عَلىَ عَبْدٍ بَابَ الدُّعَاءِ وَ يُغْلِقَ عَنْهُ بَابَ الْإِجَابَةِ وَلَا لِيَفْتَحَ لِعَبْدٍ بَابَ التَّوْبَةِ وَيُغْلِقَ عَنْهُ بَابَ الْمَغْفِرَةِ،...))(3)، وقد ذكر آداب الدعاء وشروطه من ذلك قوله في وقت الدعاء ومكانه ((فمتى شئتَ استفتحتَ بالدعاء أبواب نعمته، واستمطرتَ شآبيب رحمته))(4) وكذا في رواية عَنْ نَوْفٍ الْبَكَالِیِّ، قَالَ:

رَأَيْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) ذَاتَ لَيْلَةٍ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ فِرَاشِهِ فَنَظَرَ فِی النُّجُومِ، فَقَالَ لِی: یَا نَوفُ أرَاقِدٌ أَنْتَ أمْ رامِقٌ، فقلت بل رامِقٌ، قَالَ: یَا نَوْفُ طُوبَی لِلزَّاهِدِینَ فِی الدُّنْیَا الرَّاغِبِینَ فِی الآخِرَهِ أُولئِکَ قَوْمٌ اتَّخَذُوا الْأَرْضَ بِسَاطاً وَتُرَابَهَا فِرَاشاً وَمَاءَهَا طِیباً وَالْقُرْآنَ شِعَاراً وَالدُّعَاءَ دِثَاراً ثُمَّ قَرَضُوا الدُّنْیَا قَرْضاً عَلَی مِنْهَاجِ الْمَسِیحِ یَانَوْفَ

ص: 121


1- نهج البلاغة، الرسالة 31، ص 464 - 465
2- المصدر نفسه، الحكمة 135، ص 577
3- المصدر نفسه، الحكمة 435، ص 631
4- المصدر نفسه، الرسالة 31، ص 464 - 465

إِنَّ دَاوُودَ (علیه السلام) قَامَ فِی مِثْلِ هذِهِ السَّاعَهِ مِنَ اللَّیْلِ فَقَالَ إِنَّهَا لسَاعَهٌ لاَ یَدْعُو فِیهَا عَبْدٌ إِلاَّ اسْتُجِیبَ لَهُ إِلاَّ أَنْ یَکُونَ عَشَّاراً أَوْ عَرِیفاً أَوْ شُرْطِیّاً أَوْ صَاحِبَ عَرْطَبَهٍ(1).

ومن شروط الدعاء أيضاً الإخلاص فيه، وعقد القلب عليه كما في وصيته لابنه الحسن (عليه السلام): ((وَأَلْجِئْ نَفْسَكَ فِی أُمُورِكَ كُلِّهَا إِلَی إِلَهِكَ فَإِنَّكَ تُلْجِئُهَا إِلَی كَهْفٍ حَرِيزٍ وَمَانِعٍ عَزِيزٍ وَأَخْلِصْ فِی الْمَسْأَلَةِ لِرَبِّكَ فَإِنَّ بِيَدِهِ الْعَطَاءَ وَالْحِرْمَانَ))(2)، وكذا في حكمته التي يقول فيها: ((أُوصِيكُمْ بِخَمْسٍ لَوْ ضَرَبْتُمْ إِلَيْهَا آبَاطَ الْإِبِلِ لَكَانَتْ لِذَلِكَ أَهْلاً لَا يَرْجُوَنَّ أَحَدٌ مِنْکُمْ إِلَّا رَبَّهُ وَ لَا يَخَافَنَّ إِلَّا ذَنْبَهُ وَلَا يَسْتَحِيَنَّ أَحَدٌ مِنْکُمْ إِذَا سُئِلَ عَماَّ لَا يَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ لَا أَعْلَمُ وَلَا يَسْتَحِيَنَّ أَحَدٌ إِذَا لَا يَعْلَمِ الشَّيْءَ أَنْ يَتَعَلَّمَهُ))(3).

ومن الشروط أيضاً اليأس من غير الله تعالى؛ لأنّ مفاتيح الغيب عند الله تعالى فهو الذي يعطي من يشاء، ويمنع عمن يشاء بحسب المصلحة الإلهية فربما يسأل العبد ما هو شر له والله يبدله إلى الخير، وربما يسأل الخير فيؤخره؛ لأن المصلحة تقتضي التأخير، وفي هذا المعنى يقول أمير المؤمنين: ((فَمَتَی شِئْتَ اِسْتَفْتَحْتَ بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ نِعْمَتِهِ وَ اِسْتَمْطَرْتَ شَآبِیبَ رَحْمَتِهِ فَلاَ یُقَنِّطْکَ إِبْطَاءُ إِجَابَتُهُ فَإِنَّ اَلْعَطِیَّهَ عَلَی قَدْرِ اَلنِّیَّهِ وَ رُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْکَ اَلْإِجَابَهُ لِیَکُونَ ذَلِکَ أَعْظَمَ لِأَجْرِ اَلسَّائِلِ وَ أَجْزَلَ لِعَطَاءِ اَلْآمِلِ وَ رُبَّمَا سَأَلْتَ الشَّیْءَ فَلاَ تُؤْتَاهُ وَ أُوتِیتَ خَیْرَاً مْنِهِ عَاجِلاً أَوْ آجِلاً أَوْ صُرِفَ عَنْکَ لِمَا هُوَ خَیْرٌ لَکَ فَلَرُبَّ اَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَهُ فِیهِ هَلاَکُ دِینِکَ لَوْ أُوتِیتَهُ فَلْتَکُنْ مَسْأَلَتُکَ فِیمَا یَبْقَی لَکَ

ص: 122


1- وَهِيَ الطُّنْبُورُ - أَوْ صَاحِبَ كَوْبَةٍ - وَ هِيَ الطَّبْلُ، وَقَدْ قِيلَ أَيْضاً إِنَّ الْعَرْطَبَةَ الطَّبْلُ وَالْكَوْبَةَ الطُّنْبُورُ (نهج البلاغة، الحكمة 104، ص 568 - 569)
2- المصدر نفسه وصيته إلى ابنه الإمام الحسن (عليه السلام) ص 458
3- المصدر نفسه، الحكمة 82، ص 564

جَمَالُهُ وَ یُنْفَی عَنْکَ وَبَالُهُ فَالْمَالُ لاَ یَبْقَی لَکَ وَ لاَ تَبْقَی لَهُ))(1).

ومن آداب الدعاء الافتتاح بذكر الله والثناء عليه والصلاة على النبي وآله، وقدأكّد هذا المعنى في قوله ((إِذَا كَانَتْ لَكَ إِلَی اللِّهَ سُبْحَانَهُ حَاجَةٌ فَابْدَأْ بِمَسْأَلَةِ الصَّلاَةِ عَلىَ رَسُولِهِ (صلى الله عليه وآله) ثُمَّ سَلْ حَاجَتَكَ فَإِنَّ الله أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ حَاجَتَيْنِ فَيَقْضِيَ إِحْدَاهُمَا وَيَمْنَعَ الْأُخْرَى))(2). ومن ذلك قوله ((الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَظْهَرَ مِنْ آثَارِ سُلْطَانِهِ وَجَلاَلِ كِبْرِيَائِهِ مَا حَيَّرَ مُقَلَ الْعُقُولِ مِنْ عَجَائِبِ قُدْرَتِهِ وَرَدَعَ خَطَرَاتِ هَمَاهِمِ النُّفُوسِ عَنْ عِرْفَانِ كُنْهِ صِفَتِهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله شَهَادَةَ إِيمَانٍ وَإِيقَانٍ وَإِخْلَاصٍ وَإِذْعَانٍ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ وَأَعْلاَمُ الْهُدَى دَارِسَةٌ وَمَنَاهِجُ الدِّينِ طَامِسَةٌ فَصَدَعَ بِالْخَقِّ وَنَصَحَ لِلْخَلْقِ وَهَدَى إِلَی الرُّشْدِ وَأَمَرَ بِالْقَصْدِ صَلىَّ الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ))(3).

عناصر الدعاء في نهج البلاغة

يعد الدعاء شكلاً فنياً فهو من حيث المظهر الخارجي يقوم عل عنصر المحاورة الانفرادية إذ يتوجه الإمام بكلامه المسموع إلى الله تعالى، ومن حيث المظهر الداخلي يقوم على عنصر وجداني يجسّده الكلام المذكور إذ يتصاعد به الداعي إلى أوج الانفعالات الصادرة عنه(4). ومن حيث المضمون تنطوي هذه المحاورة على محورين(5):

ص: 123


1- المصدر نفسه، وصيته إلى ابنه الإمام الحسن (عليه السلام) 464 - 465
2- نهج البلاغة، الحكمة 361، ص 616
3- المصدر نفسه، الخطبة 195، ص 356 - 357
4- ينظر: تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسامي / 234، والبلاغة الحديثة في ضوء المنهج الإسامي / د. محمود البستاني 150 - 151
5- ينظر: أدب الشريعة الإسلامية - دراسة جديدة في بلاغة نصوص القرآن الكريم ونصوص الأربعة عشر معصوماً / د. محمود البستاني 163

الأول: فردي أو ذاتي يتصل بحاجات الداعي الشخصية كطلب المغفرة، والشفاء من المرض، وغيرهما. ومثاله عند الإمام (عليه السلام) قوله ((اللهمَّ صُنْ وَجْهِي بِالْيَسَارِ وَلَا تَبْذُلْ جَاهِيَ بِالْإِقْتَارِ فَأَسْتَرْزِقَ طَالِبِي رِزْقِكَ وَأَسْتَعْطِفَ شِرَارَ خَلْقِكَ وَأُبْتلَىَ بِحَمْدِ مَنْ أَعْطَانِی وَأُفْتَتَنَ بِذَمِّ مَنْ مَنَعَنيِ وَأَنْتَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلِیُّ الْإِعْطاَءِ وَالْمَنْعِ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شیءٍ قَدِيرٌ))(1).

الثاني: موضوعي، ويشمل كل ما هو غير ذاتي، وهو نمطان:

1- عبادي: يتصل بتمجيد الله والثناء عليه بذكر صفاته ومعطياته.

2- اجتماعي: وينحصر بطلب إلى الله تعالى بتحقيق حاجات الآخرين مثل طلب النصر على العدو، واستسقاء المطر، والدعاء للآخرين ... الخ مثال ذلك قوله في خطبة الاستسقاء ((اللهمَّ قَدِ انْصَاحَتْ جِبَالُنَا وَاغْبَرَّتْ أَرْضُنَا وَهَامَتْ دَوَابُّنَا وَتَحَيَّرَتْ فِی مَرَابِضِهَا وَعَجَّتْ عَجِيجَ الثَّكَالَی عَلىَ أَوْلَدِهَا وَمَلَّتِ التَّرَدُّدَ فِی مَرَاتِعِهَا وَالْحَنِينَ إِلَی مَوَارِدِهَا))(2).

ويمكن تلمس عناصر الدعاء من خلال العنصر الرئيس، وهو عنصر المحاورة الانفرادية بالآتي(3):

1- العنصر الإيقاعي: لما كان الدعاء شكلاً معدّاً للتلاوة فحريّ به أن يتسم بوجود عنصر إيقاعي متمثل بالتجنيس والسجع ونحوهما، وقد بلغ أسلوبه حداً ترفّع

ص: 124


1- نهج البلاغة، الخطبة 225، ص 404
2- المصدر نفسه، الخطبة 115، ص 196
3- ينظر: البلاغة الحديثة في ضوء المنهج الإسلامي 151 - 152

به السجع عن الصنعة والتكلف فهو على كثرة الجمل المتقاطعة الموزونة المسجّعة أبعد ما يكون من الصنعة وروحها، وأقرب ما يكون من الطبع الزاخر(1) لذا نجد الأدعية مشحونة بالإيقاع غير المتكلف بنحو لافت النظر فإذا ما استخدم هذا اللون من الإيقاع فإنه سيضفي جمالاً آخر يجمع بين جمال المعنى وجمال الإيقاع، ولما كان الإيقاع من خصائص القرآن الكريم لذا فالخطاب العلوي يستمد معانيه وأساليبه من الخطاب القرآني، وتتوقف قوة استخدام العنصر الإيقاعي على قدرة المتكلم على التلاعب بالحروف والكلمات(2).

2- العنصر الصوري: ونظراً للوضوح والمباشرة والتقريرية التي تتضمنها طبيعة الحاجات المدعو بها فإن الدعاء لا يمنحه نفس الأهمية التي نجدها للإيقاع فالداعي يتقدم بحاجاته بلغة واضحة لا غموض ولا تعقيد ولا تعميق إلا في بعض الأدعية التي تتطلب عنصراً صورياً كالمناجاة التي تستلزم دخولاً إلى أغوار النفس في تشابك حالاتها المختلفة.

بلاغة الدعاء في نهج البلاغة

إذا كان القرآن الكريم هو معجزة النبوة فإن نهج البلاغة هي معجزة الإمامة فما من فقرة من فقرات النهج، وما من شذرة من شذراته إلا هي من غرس النبي العظيم المستمد من وحي السماء فما من موضوع يطرقه الإمام إلا وترى نور الخالق يشع أمامه وهدي الرسول يضئ له الطريق(3)، لذا يوضَع كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) بالمرتبة الثالثة من الإعجاز البلاغي بعد القرآن الكريم والحديث النبوي؛ لأنّ

ص: 125


1- ينظر: الإمام علي صوت العدالة الإنسانية 294
2- ينظر: علوم نهج البلاغة / د. محسن باقر الموسوي 37
3- ينظر: أعلام الهداية 2 / 226 - 227

في كلامه مسحة من الكلام الإلهي، وفيه عبقة ونفحة من الكلام النبوي، وبلاغته فن وذوق ينسجمان مع كل عصر وزمن فقد تعدّتْ طريقته الطريقة الكلاسيكية، وقفزتْ على المراحل الزمنية حتى عدّ البلغاء أدبه متماشياً مع كل عصر، وقد امتاز بأسلوبه البلاغي الخاص وبطريقته في صنع العبارة والجملة فأصبح أدبه متفرداً ذا خصائص معينة لا يشابهه أحد من البلغاء، ولما كانتْ البلاغة - كما يقول الدكتور محسن باقر الموسوي - تطير بجناحين هما: العلم، والشجاعة، وقد امتلكهما أمير المؤمنين فبلاغته تكون بالمستوى المطلوب؛ لأنها بمستوى شخصيته العلمية فهي بلاغة مستمدة من علم يستقي معينه من علم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن كينونة جُبلتْ على الشجاعة والإقدام(1)، أما أسلوب نهج البلاغة فهو أسلوب مبتكر لم يسبق بأسلوب قبله إلا القرآن الكريم إذ إن أرضية الأفكار المطروحة في نهج البلاغة هي من ثمار الإبداع القرآني(2).

إنّ خصائص بلاغة الإمام علی (عليه السلام) موجودة ومطبوعة بأسلوبه وبيانه حتى في أدعيته، ولعل هذا رمز عظمة الإمام (عليه السلام) فقد حافظ على مستواه البلاغي في كل ما قاله وما كتبه في الخطابة أو الكلام أو الدعاء فأدعيته مصبوغة بصبغة بلاغية قلما نجدها في الأدعية الأخرى كما إنها مصبوغة أيضاً بصبغة روحانية قلما نجدها في الأدعية الأخرى فقد سكب الإمام من روحانيته أقصى ما يستطيع من التعابير الأدبية والفنية التي تظهر الخشوع والخضوع والتذلل لله سبحانه وتعالى(3).

إنّ بلاغة الإمام علیّ عليه السّلام تبلورت في النص الذي يخرج من رحم اللغة

ص: 126


1- ينظر: علوم نهج البلاغة 365 - 369
2- ينظر: في رحاب نهج البلاغة 55
3- ينظر: المدخل إلى علوم نهج البلاغة / د. محسن باقر الموسوي 127

مثل الوليد الجديد، وهو - في الوقت نفسه - يخرج من عالم الأفكار مثل الفكرة الجديدة الباهرة، وتتجلى جمالية نهج البلاغة في ألفاظه الفصيحة العذبة - ومنها ألفاظ الدعاء -، وفي نظمه المحكم، ودلالته على المعنى فالألفاظ سهلة في جريانها على اللسان، خفيفة في وقعها على النفس، يألفها الذوق ولا يجد صعوبة في إدراكها، وكل كلمة تقع موقعها اللائق والمناسب لها، وعندما يطرق اللفظ السمع يخطر معناه في القلب بوساطة قوالب جميلة محببة إلى النفس كالتشبيه، والاستعارة، والكناية، وغيرها(1) إذ يتناول مسائله الفكرية المتداولة والمشتركة، وكأنها معطيات جديدة، ذلك لأن قدرته البلاغية مبتكرة فالنص يُولد متكاملاً، في تأديته الوظيفية الخاصة به.

أغراض الدعاء في نهج البلاغة

لم يكن الدعاء وسيلة لإظهار التعبد والتذلل والخضوع لله سبحانه وتعالى فحسب بل أنه يحمل معاني عديدة منها بث الشكوى لله تعالى، وإظهار عجز المخلوق وضعفه أمام قدرة الخالق، وقد استخدم أمير المؤمنين (عليه السلام) أسلوب الدعاء لأغراض كثيرة منها(2):

1- الاستسقاء: أورد أمير المؤمنين (عليه السلام) خطبا كثيرة طلباً لنزول المطر، وتعد هذه الخطب آية من آيات البلاغة، وموئلاً من موائل العلم والمعرفة فلو أخذنا الخطبة المائة وخمسة عشرة نجده يمهد لها بالوضع المأساوي الذي أصاب الناس في ذلك الزمان فقد كشف النقاب عن وضع الجبال والأراضي والمراتع والدواب من أثر الجفاف الشديد بقوله ((اللهمَّ قَدِ انْصَاحَتْ جِبَالُنَا وَاغْبَرَّتْ أَرْضُنَا وَهَامَتْ دَوَابُّنَا

ص: 127


1- ينظر: علوم نهج البلاغة 369
2- ينظر: المدخل إلى علوم نهج البلاغة 387 - 389

وَتَحَيَّرَتْ فِی مَرَابِضِهَا وَ عَجَّتْ عَجِيجَ الثَّكَالَی عَلىَ أَوْلَادِهَا وَمَلَّتِ التَّرَدُّدَ فِی مَرَاتِعِهَا وَ الْحَنِينَ إِلَی مَوَارِدِهَا))(1) رافعاً يديه بالدعاء مبتهلًا إلى الله بأن يرحم أنين الشاة، وحنين الجمل من شدة عطشهما وصراخهما في أماكنهما بقوله ((اللهمَّ فَارْحَمْ أَنِينَ الْآنَّةِ وَحَنِينَ الْحَانَّةِ اللهمَّ فَارْحَمْ حَيْرَتَهَا فِی مَذَاهِبِهَا وَ أَنِينَهَا فِی مَوَالِجهَا)) مردفاً ذلك بحال المسلمين الذي شبهه بالحدابير التي واحدها الحدبور، وهو الجمل الذي بان عظام سنامه، وقد حزّ لحمه بصورة تامة أثر شدة الضعف في قوله ((اللهمَّ خَرَجْنَا إِلَيْكَ حِينَ اعْتَكَرَتْ عَلَيْنَا حَدَابِيرُ السِّنِينَ وَأَخْلَفَتْنَا مَخَايِلُ الْجُودِ)) مبتهلاً إلى الله في أنه الأمل والرجاء لكل بأس، وحلال لكل مشكلة لاسيما أنّ اليأس قد سيطر على الناس، ومنعت السماء بركاتها، والغيوم مياهها، وقد أشرفت الحيوانات على الهلاك سائلاً الباري عزّ وجل أن لا يأخذه بسيئات الأعمال وبوائق الذنوب في قوله ((فَكُنْتَ الرَّجَاءَ لِلْمُبْتَئِسِ وَالْبَلاَغَ لِلْمُلْتَمِسِ نَدْعُوكَ حِينَ قَنَطَ الْأَنَامُ وَمُنِعَ الْغَماَمُ وَ هَلَكَ السَّوَامُ أَلَّا تُؤَاخِذَنَا بِأَعْمَالِنَا وَلَا تَأْخُذَنَا بِذُنُوبِنَا)) طارحاً طلبته الأصلية، وهي نزول الرحمة الإلهية، والبركة السماوية بنزول المطر بقوله ((وَانْشُرْ عَلَيْنَا رَحْمَتَكَ بِالسَّحَابِ الْمُنْبَعِقِ وَالرَّبِيعِ الْمُغْدِقِ وَ النَّبَاتِ الْمُونِقِ سَحّاً وَابِلاً تُحْيِي بِهِ مَا قَدْ مَاتَ وَ تَرُدُّ بِهِ مَا قَدْ فَاتَ)) ثم أتبعه بوصف المطر النازل بجملة أوصاف بلغت عشرين وصفاً، وهي أوصاف تجعل الإنسان يشعر بخضوع وتواضع أمام عظمة الخالق بقوله ((اللهمَّ سُقْيَا مِنْكَ مُحْيِيَةً مُرْوِيَةً تَامَّةً عَامَّةً طَيِّبَةً مُبَارَكَةً هَنِيئَةً مَرِيعَةً زَاكِياً نَبْتُهَا ثَامِراً فَرْعُهَا نَاضِراً وَرَقُهَا تُنْعِشُ بِهَا الضَّعِيفَ مِنْ عِبَادِكَ وَ تُحْيِي بِهَا الْمَيِّتَ مِنْ بِلاَدِكَ اللهمَّ سُقْيَا مِنْكَ تُعْشِبُ بِهَا نِجَادُنَا وَتَجْرِي بِهَا وِهَادُنَا وَيُخْصِبُ بِهَا جَنَابُنَا وَتُقْبِلُ بِهَا ثِمَارُنَا وَتَعِيشُ بِهَا مَوَاشِينَا وَتَنْدَى بِهَا أَقَاصِينَا وَتَسْتَعِينُ بِهَا ضَوَاحِينَا مِنْ بَرَكَاتِكَ الْوَاسِعَةِ)) وأضاف في معرض تواصله بطلب الماء ونزول المطر الذي يفيض بالخير والبركة بقوله ((وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا سَماَءً مُخْضِلَةً مِدْرَاراً

ص: 128


1- نهج البلاغة، الخطبة 115، ص 196 - 198، ومثلها الخطبة، 143، ص 229 - 230 والحكمة 472، ص 637

هَاطِلَةً يُدَافِعُ الْوَدْقُ مِنْهَا الْوَدْقَ وَيَخْفِزُ الْقَطْرُ مِنْهَا الْقَطْرَ))، وأردف ذلك بذكر تسعة أوصاف للمطر فضلاً العشرين بقوله ((غَيْرَ خُلَّبٍ بَرْقُهَا وَلَا جَهَامٍ عَارِضُهَا وَ لَا قَزَعٍ رَبَابُهَا وَلَا شَفَّانٍ ذِهَابُهَا حَتَّى يُخْصِبَ لِاِمْرَاعِهَا الْمُجْدِبُونَ وَيَحْيَا بِبَرَكَتِهَا الْمُسْنِتُونَ فَإِنَّكَ تُنْزِلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَتَنْشُرُ رَحْمَتَكَ))، وإنه من دواعي العجب والدهشة أن يستسقي الإمام بذكر 29 وصفاً للمطر في حين يذكر غيره صفة أو صفتين لنزول المطر بيد أن الإمام استفرغ أقصی فصاحته وبلاغته وتوسّل إلى الله تعالى مسهباً في أوصاف المطر ليعرّف الناس ألطاف الله وأفضاله ونعمه ورحماته، ويفهمهم أن مسار النعمة ملیء بكثير من الموانع بحيث لا يسعهم بلوغ الكمال المنشود ما لم تشملهم رعاية الله ورحمته(1) مما حدا ببعض الباحثين أن يذهب إلى أنّ هذا الدعاء - دعاء الاستسقاء - قد اشتمل على علوم الجغرافية والتضاريس والأنواء الجوية والاقتصاد(2).

2- عرض الأوضاع وتحليل الأحداث: يعرض الإمام الحالة السياسية التي تعيشها الأمة الإسلامية في عهده بأسلوب دعائي ليقع موقعاً حسناً في النفوس، وليعرف الناس ما يجري ما حولهم من أحداث كما في قوله ((أُنْبِئْتُ بُسرْاً قَدِ اطَّلَعَ الْيَمَنَ وَإِنِّی وَاللِّهَ لَأَظُنُّ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ سَيُدَالُونَ مِنْكُمْ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلىَ بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ وَ بِمَعْصِيَتِكُمْ إِمَامَكُمْ فِی الْحَقِّ وَطَاعَتِهِمْ إِمَامَهُمْ فِی الْبَاطِلِ وَبِأَدَائِهِمُ الْأَمَانَةَ إِلَی صَاحِبِهِمْ وَخِيَانَتِكُمْ وَبِصَلَاحِهِمْ فِی بِلَادِهِمْ وَفَسَادِكُمْ فَلَوِ ائْتَمَنْتُ أَحَدَكُمْ عَلَی قَعْبٍ لَخَشِيتُ أَنْ يَذْهَبَ بِعِلَاقَتِهِ اللهمَّ إِنِّ قَدْ مَلِلْتُهُمْ وَمَلُّونِی وَسَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِ فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيرْاً مِنْهُمْ وَأَبْدِلْهُمْ بِی شَّراً مِنِّي اللهمَّ مِثْ قُلُوبَهُمْ كَمَ يُماَثُ الْمِلْحُ فِی الْمَاءِ))(3) فقد وصف تثاقل أصحابه عن الجهاد ومخالفتهم له بالرأي بعد أن استباح بسر بن أرطاة

ص: 129


1- ينظر: نفحات الولاية - شرح نهج البلاغة / ناصر مكارم الشيرازي 5 / 79 - 88
2- ينظر: علوم نهج البلاغة 387
3- نهج البلاغة، الخطبة 25، ص 51 - 52

المدينة ثم اليمن وسفك الدماء وروّع الناس فقد استاء الإمام من موقف أصحابه وتخاذل قائديه عبيد الله بن عباس، وسعيد بن نمران هنالك دعا إمامنا الله تعالى أن يبدله بهم خيراً منهم ويبدلهم به شراً منه، ويذيب قلوبهم كما يُذاب الملح في الماء بضياع عقولهم وفطنتهم ودرايتهم وحكمتهم(1).

3- الشكوى: يستخدم الإمام أسلوب الدعاء لغرض الشكوى ممن ظلمه من رعيته أو من أفراد مخصوصين ولهم باع في الدولة الإسلامية مثل طلحة والزبير كما في قوله ((اللهمَّ إِنَّهُماَ قَطَعَانِی وَظَلَماَنِی وَنَكَثَا بَيْعَتِي وَأَلَّبَا النَّاسَ عَلَیَّ فَاحْلُلْ مَا عَقَدَا وَلَا تُحْكِمْ لَهُماَ مَا أَبْرَمَا وَأَرِهِهَا الْمَسَاءَةَ فِيمَا أَمَّلاَ وَعَمِلَا))(2) -44- أغراض فكرية: يستخدم الإمام أسلوب الدعاء لأغراض فكرية مثل التوحيد، وما يتعلق بصفات الله تعالى نحو قوله ((الَّلهُمَّ أَنْتَ أَهْلُ الْوَصْفِ الْجَمِیلِ والتَّعْدَادِ الْکَثِیرِ إِنْ تُؤَمَّلْ فَخَیْرُ مَأْمُولٍ وَإِنْ تُرْجِ فَخَیْرُ مَرْجُوٍّ اللَّهُمَّ وَقَدْ بَسَطْتَ لی فِیمَا لاَأَمْدَحُ بِهِ غَیْرَکَ وَلاَأُثْنِی بِهِ عَلَی أَحَدٍ سِوَاکَ وَلاَ أُوَجِّهُهُ إِلَی مَعَادِنِ الْخَیْبَهِ وَمَوَاضِعِ الرِّیبَهِ وَعَدَلْتَ بِلِسَانی عَنْ مَدَائِحِ الآدمِیِّینَ وَالثَّنَاءِ عَلَی الْمَرْبُوبِینَ الْمَخْلُوقِینَ الَّلهُمَّ وَلِکُلِّ مُثْنٍ عَلَی مَنْ أَثْنَی عَلَیْهِ مَثُوبَهٌ مِنْ جَزَاءٍ أَوْ عَارِفَهٌ مِنْ عَطَاءٍ، وَقَدْ رَجَوْتُکَ دَلِیلاً عَلَی ذَخَائِرِ الرَّحْمَهِ وَکُنُوزِ الْمَغْفِرَهِ اللَّهُمَّ وَهذَا مَقَامُ مَنْ أَفْرَدَکَ بِالتَّوْحِیدِ الَّذِی هُوَ لَکَ وَلَمْ یَرَ مُستَحِقّاً لِهذِهِ المَحَامِدِ وَالْمَمادِحِ غَیْرَکَ وَبِی فَاقَهٌ إِلَیکَ لاَیَجْبُرُ مَسْکَنَتَهَا إلّافَضْلُکَ وَلاَ یَنْعَشُ مِنْ خَلَّتِهَا إِلاَّ مَنُّک وَجُودُک فَهَبْ لَنَا فِی الْمَقَامِ رِضَاک وَأَغْنِنَا عَنْ مَدِّ الأَیْدِی إِلَی سِوَاکَ إِنَّکَ عَلَی کُلِّ شَیءٍ قَدِیرٌ))(3).

ص: 130


1- ينظر: نفحات الولاية 2 / 66 - 67
2- نهج البلاغة، الخطبة 137، ص 224
3- المصدر نفسه، الخطبة 131، ص 217

5- التعبیر عن مكنونات النفس وما يختلج في الأعامق من نوايا: يكون الدعاء أحياناً مع رباً عما تكنه النفس الإنسانية من نوايا وما يختلج في الأعماق من دوافع مثل كون الإمام لم يطمح لمنافسة في سلطان، ولكنه أراد الإصلاح في البلاد والعباد إذ يقول: ((اللَّهُمَّ إِنَّکَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ یَکُنِ الَّذِی کَانَ مِنَّا مُنَافَسَهً فِی سُلْطَانٍ وَلَا الْتِمَاسَ شَیْءٍ مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ وَلکِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِینِکَ وَنُظْهِرَ الْإِصْلَاحَ فِی بِلَادِکَ فَیَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِکَ وَتُقَامَ الْمُعَطَّلَهُ مِنْ حُدُودِکَ اللَّهُمَّ إِنِّی أَوَّلُ مَنْ أَنَابَ وَسَمِعَ وَأَجَابَ لَمْ یَسْبِقْنِی إِلاَّ رَسُولُ اللّهِ (صلی الله علیه و آله) بِالصَّلَاهِ))(1).

6- رفع معنويات المقاتلين: يلجأ الإمام إلى الدعاء ليقوي عزيمة أصحابه ومعنوياتهم في ملاقاة الأعداء؛ لأن الدعاء يرد البلاء لاسيما إذا صدر من مؤمن فكيف بالإمام المعصوم المفترض الطاعة فالدعاء بالنسبة لأصحابه يمثل قوة ومنعة ضد الأعداء كما في دعائه عند لقاء العدو في صفين ((اللَّهُمَّ رَبَّ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ وَالْجَوِّ الْمَکْفُوفِ الَّذِی جَعَلْتَهُ مَغِیضاً لِلَّیْلِ وَالنَّهَارِ وَمَجْریً لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَمُخْتَلَفاً لِلنُّجُومِ السَّیَّارَهِ وَجَعَلْتَ سُکَّانَهُ سِبْطاً مِنْ مَلَائِکَتِکَ لَایَسْأَمُونَ مِنْ عِبَادَتِکَ وَرَبِّ هذِهِ الْأَرْضِ الَّتِی جَعَلْتَهَا قَرَاراً لِلْأَنَامِ وَمَدْرَجاً لِلْهَوَامِّ وَالْأَنْعَامِ وَمَا لَایُحْصَی مِمَّا یُرَی وَمَا لَا یُرَی وَرَبَّ الْجِبَالِ الرَّوَاسِی الَّتِی جَعَلْتَهَا لِلْأَرْضِ أَوْتَاداً وَلِلْخَلْقِ اعْتِمَاداً إِنْ أَظْهَرْتَنَا عَلَی عَدُوِّنَا فَجَنِّبْنَا الْبَغْیَ وَسَدِّدْنَا لِلْحَقِّ وَإِنْ أَظْهَرْتَهُمْ عَلَیْنَا فَارْزُقْنَا الشَّهَادَهَ وَاعْصِمْنَا مِنَ الْفِتْنَهِ))(2). وكذا الحال في استنهاضه أصحابه لجهاد أهل الشام في قوله ((اَللَّهُمَّ أَیُّمَا عَبْدٍ مِنْ عِبَادِکَ سَمِعَ مَقَالَتَنَا اَلْعَادِلَهَ غَیْرَ اَلْجَائِرَهِ وَ اَلْمُصْلِحَهَ غَیْرَ اَلْمُفْسِدَهِ فِی اَلدِّینِ وَ اَلدُّنْیَا فَأَبَی بَعْدَ سَمْعِهِ لَهَا إِلاَّ اَلنُّکُوصَ عَنْ نُصْرَتِکَ وَ اَلْإِبْطَاءَ عَنْ إِعْزَازِ دِینِکَ فَإِنَّا نَسْتَشْهِدُکَ عَلَیْهِ یَا أَکْبَرَ اَلشَّاهِدِینَ شَهَادَهً وَ نَسْتَشْهِدُ عَلَیْهِ جَمِیعَ مَا أَسْکَنْتَهُ أَرْضَکَ

ص: 131


1- نهج البلاغة، الخطبة 91، ص 153 - 154، وهي الخطبة المعروفة بخطبة الأشباح
2- المصدر نفسه، الخطبة 171، ص 283 - 284

وَسماَوَاتِكَ ثُمَّ أَنْتَ بَعْدُ الْمُغْنِي عَنْ نَصْرِهِ وَالْآخِذُ لَهُ بِذَنْبِهِ))(1).

7- رسم صورة الصراع بينه وبين أعدائه: يستخدم الإمام الدعاء أحياناً ليرسم صورة بارعة للصراع الدائر بينه وبين أعدائه كما في قوله في قريش ((اللهمَّ إِنِّی أَسْتَعْدِيكَ عَلىَ قُرَيْشٍ وَمَنْ أَعَانَهُمْ فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِي وَصَغَّرُوا عَظِيمَ مَنْزِلَتِيَ وَأَجْمَعُوا عَلىَ مُنَازَعَتِي أَمْراً هُوَ لِی ثُمَّ قَالُوا أَلَا إِنَّ فِی الْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ وَفِی الْحَقِّ أَنْ تَتْرُكَهُ))(2).

ولم يكن (عليه السلام) يتألم لشخصه وموقعه لكنه كان يملك خطة تفتح الإسلام على حركة الوعي كلها، وتملأ الواقع الإسلام علماً وروحانية واستقامة وأمانة وفتحاً في الخط الإسلامي الأصيل فلم تكن قصته قصة كرسي يفقده لكنها قضية رسالة كان يريد أن يفتحها على الناس ليكمل الخط الرسالي الذي بدأه الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) لكن الحواجز وقفت لتحول بينه وبين ذلك، وبقي مخلصاً لله ولرسوله ولرسالة الإسلام لذلك أغمد سيفه وانفتح على الذين أبعدوه وتقدّموا عليه فأعطاهم الرأي والمشورة والنصيحة(3) لذا قال ((لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّی أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي وَوَاللهِ لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَیَّ خَاصَّةً الْتِمَاساً لِأَجْرِ ذَلِكَ وَفَضْلِهِ وَزُهْداً فِيماَ تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَزِبْرِجِهِ))(4).

8- حقن الدماء وصلاح ذات البين وطلب الهدایة: لقد كان أمير المؤمنين (عليه السلام) غاية في الخلق حتى مع أعدائه فعندما يسمع أصحابه يسبون أهل

ص: 132


1- نهج البلاغة، الخطبة 212، ص 381
2- المصدر نفسه، الخطبة 172، ص 285
3- ينظر: علي ميزان الحق / السيد محمد حسين فضل الله 310 - 311
4- نهج البلاغة، الخطبة 74، ص 103 - 104

الشام ينادى بهم ((إِنِّ أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ وَلَكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ وَذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ كَانَ أَصْوَبَ فِی الْقَوْلِ وَأَبْلَغَ فِی الْعُذْرِ وَقُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ))(1) مبتهلاً إلى الله بقوله ((اللهمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَدِمَاءَهُمْ وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَبَيْنِهِمْ وَاهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ جَهِلَهُ وَيَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ وَالْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِهِ))، وهكذا كان في الحرب يعمل على أن يحفظ ألسنة جنوده من أن يسيئوا بالكلام بالسباب والشتيمة، ويعلمهم إذا ابتلوا بالصراع مع المسلمين الآخرين أن ينفتحوا بالمحبة فكأنما يقول له: حاربْ بمحبة ولا تكن روح التدمير في حربك بل روح السلام بحيث يكون تحركك في الحرب من موقع ضرورة، وقلبك يهتف بالله الذي يقول لك: ألق السلام(2).

9- أهداف تربوية: من المعروف أنّ الدعاء يؤدي دوراً مهماً في تربية النفوس البشرية وسوقها نحو مدارج السمو والرفعة والكمال ناهيك عما يشتمل عليه من فضائل أخلاقية ومعارف ربانية تسبغ بها النفس وتمنحها الهدوء والسكينة كما في قوله ((اللهمَّ اغْفِرْ لِی مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي فَإِنْ عُدْتُ فَعُدْ عَلَیَّ بِالْمَغْفِرَةِ اللهمَّ اغْفِرْ لِی مَا وَأَيْتُ مِنْ نَفْسيِ وَلَمْ تَجِدْ لَهُ وَفَاءً عِنْدِي اللهمَّ اغْفِرْ لِی مَا تَقَرَّبْتُ بِهِ إِلَيْكَ بِلِسَانِی ثُمَّ خَالَفَهُ قَلْبِي اللهمَّ اغْفِرْ لِی رَمَزَاتِ الْأَلْحَاظِ وَسَقَطَاتِ الْأَلْفَاظِ وَشَهَوَاتِ الْجَنَانِ وَهَفَوَاتِ اللِّسَانِ))(3) فرصيد الإنسان هو النسيان فيقارف الكثير من الذنوب والمعاصي إلى درجة نسيانها وعدم الاعتذار إلى الله منها وطلب العفو والمغفرة أو الإصرار عليها وعدم الكف عنها فينبغي استحضار الذنوب والمعاصي وطلب العفو

ص: 133


1- نهج البلاغة، من كلمات كان يدعو بها 78، ص 106 - 107
2- المصدر نفسه، من كلامه 206، ص 374، وكذا الخطبة 227 ص 406 - 407
3- المصدر نفسه، من كلمات كان يدعو بها 78، ص 106 - 107

والمغفرة كما ينبغي التضرع إلى الله تعالى بغفران الذنوب المنسية التي يعلمها الله فضلاً عن العهود والمواثيق التي عاهد بها نفسه ولم يفِ بها(1) ثم يطلب غفران ما يتقرب به إلى الله باللسان ثم يخالفه القلب ثم يعقبها بكلمات تبدو مترادفة المعنى، متساوقة في التعبير، متسقة في الوزن هي رمزات الألحاظ وسقطات الألفاظ، وشهوات الجنان وهفوات اللسان، وما هذه إلا الذنوب التي تقترفها جوارح الإنسان المتمثلة بالعين والقلب واللسان فرمزات الألحاظ هي إشارات العيون إلى عيوب الناس ومساوئهم، وسقطات الألفاظ لغوها أي ما ينطق به اللسان مما لا يُرضي الرحمن، وشهوات الجنان هي شهوات القلب أي ما يميل إليه القلب من متاع الحياة الدنيا وزينتها، وهفوات اللسان الكلام المحرّم الذي يقذفه اللسان من الغيبة والنميمة والبهتان والاستهزاء والسب والشتم والتهمة(2). على أن الإمام (عليه السلام) لا يستغفر عن ذنب ولكن عن تواضع منه وتذلل لله سبحانه وتعالى، وكأنه يعّمنا كيف نتحدث مع الله بأننا إذا أذنبنا ثمّ تبنا، ثمّ أذنبنا، ومع ذلك فإن الله العارف بأننا خطّاءون؛ لأنّ شهواتنا وظروفنا تضغط علينا يريد منا إذا أذنبنا أن نتوب؛ لأنّ الله تعالى يقول(3) «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» - الزمر/ 53.

ولما كان الدعاء سلاح الأنبياء والأوصياء والمؤمنين، ومخ العبادة، ودافعاً للبلاء لذا نجد أمير المؤمنين مواظباً على أدعية في أوقات معينة منها دعاؤه في الصباح الذي يقول فيه ((الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يُصْبِحْ بِی مَيِّتاً وَلَا سَقِيماً وَلَا مَضْرُوباً عَلَی عُرُوقِي بِسُوءٍ

ص: 134


1- ومثل ذلك في دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) في يوم الاثنین ((اللهم إني أستغفرك لكل نذر نذرته، وكل عهد عاهدته ثمّ لم أفِ به)) ينظر: الصحيفة السجادية 131
2- ينظر: في ظلال نهج البلاغة / الشيخ محمد جواد مغنية 1 / 386، و نفحات الولاية 2 / 159
3- ينظر: علي ميزان الحق 300

وَلَا مَأْخُوذاً بِأسْوَء عَمَلِی وَلَا مَقْطُوعاً دَابِرِي وَلَا مُرْتَدّاً عَنْ دِينِي وَلَا مُنْكِراً لِرَبِّی وَلَا مُسْتَوْحِشاً مِنْ إِيماَنِی وَلَا مُلْتَبِساً عَقْلِی وَلَا مُعَذَّباً بِعَذَابِ الْأُمَمِ مِنْ قَبْلِی أَصْبَحْتُ عَبْداً مَمْلُوكا ظاَلِما لِنَفْسيِ لَكَ الْجُجَّةُ عَلَیَّ وَلَا حُجَّةَ لِی وَلَا أسْتَطَيِعُ أَنْ آخُذَ إلِّاَ مَا أعْطَيْتَنِي وَلَا أتَّقَقِيَ إلِّاَ مَا وَقَيتْنَنِي اللهمَّ إنِّیِ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أفْتَقِرَ فِی غِنَاكَ أَوْ أضِلَّ فِی هُدَاكَ أَوْ أُضَامَ فِی سُلْطَانِكَ أَوْ أُضْطَهَدَ وَالْأَمْرُ لَكَ اللهمَّ اجْعَلْ نَفْسيِ أَوَّلَ كَرِيمَةٍ تَنْتَزِعُهَا مِنْ كَرَائِمِي وَأَوَّلَ وَدِيعَةٍ تَرْتَجِعُهَا مِنْ وَدَائِعِ نِعَمِكَ عِنْدِي اللهمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَذْهَبَ عَنْ قَوْلِكَ أَوْ أَنْ نُفْتَتَنَ عَنْ دِينِكَ أَوْ تَتَابَعَ بِنَا أَهْوَاؤُنَا دُونَ الْهُدَى الَّذِي جَاءَ مِنْ عِنْدِكَ))(1).

من ذلك دعاء أمير المؤمنين في السحر إذ يقول فيه: ((إلهي كيف أدعوك وقد عصيتك، وكيف لا أدعوك وقد عرفتك، وحبك في قلبي مكين، مددت إليك يدا بالذنوب مملوءة، وعينا بالرجاء ممدودة، إلهي أنت مالك العطايا وأنا أسير الخطايا، ومن كرم العظماء الرفق بالأسراء، وأنا أسير بجرمي مرتهن بعم يل الهي ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله، وأوحش المسلك على من لم تكن أنيسه، الهي لئن طالبتني بذنوبي لأطالبنك بعفوك، وإن طالبتني بسريرتي لأطالبنك بكرمك، وإن طالبتني بشری لأطالبنك بخيرك، وإن جمعت بيني وبين أعدائك في النار لأخبرنهم أني كنت لك محبا، وأنني كنت اشهد أن لا إله إلا الله. الهي هذا سروري بك خائفا فكيف سروري بك آمنا، الهي الطاعة تسرك والمعصية لا تضرك، فهب لي ما تسرك

ص: 135


1- نهج البلاغة، من دعاء له كان يدعو به كثیراً 215، ص 384 - 385، و أدعية الإمام علي (عليه السام) - الصحيفة العلوية 164، و 165، وكذا أدعيته في أيام الأسبوع فلكل يوم دعاء خاص كما هو الحال في الصحيفة السجادية، ويبدو أن الإمام زين العابدين قد اقتدى بجده أمر المؤمنن (ينظر هذه الأدعية في: أدعية الإمام علي (عليه السلام) - الصحيفة العلوية 343 - 378)، وهناك أدعية شهرية لكل يوم من كل شهر دعاء خاص على مدار أشهر السنة من اليوم الأول من كل شهر إلى الثلاثین (ينظر: أدعية الإمام علي (عليه السلام) - الصحيفة العلوية 21 9219 - 343)

واغفر لي ما لا تضرك، فهب لي ما يسرك واغفر لي ما لا يضرك، وتب علي انك أنت التواب الرحيم، ...))(1).

وكذا دعاؤه عند النوم، وعند تقلبه في الفراش، وفي جوف الليل، وبعد الركعة الثامنة من صلاة الليل، وفي ركعة الوتر(2)، وغيرها، لذا تنوعت الأدعية بما يناسب نوع الصراع لتكون أسلحة فعّالة على مختلف الجهات التي ينفذ منها إبليس وجنوده فلكل وقت دعاء، ولكل حالة دعاء، ولكل شأن دعاء ولكل مكان دعاء حتى يكاد الدعاء يحيط بالمرء إحاطة المعصم باليد ليجعله ذاكراً لله في كل وقت وحين فلا يستطيع الشيطان أن يلعب بقلبه أو بعقله، وقد كان أمير المؤمنين (عليه السلام) مولعاً بالدعاء والابتهال إلى الله في الأوقات جميعها إذ كان يلهج به في آناء الليل وأدبار النهار في الحل والترحال، وفي ساحات القتال، ذاكراً ذلك بمزيد من التذلل والخضوع عظيم قدرة الله، وعجيب مخلوقاته، وبديع صنعه، ورحمته على عباده(3)، ومن أمثلة هذه الأدعية أدعية الصباح والزوال والمساء والسحر فضلاً عن أدعية الأوقات المخصوصة مثل ليلة الجمعة ويوم الجمعة وليالي الأعياد والمناسبات الدينية الأخرى(4)، وقد حثّ أمير المؤمنين على الدعاء في يوم الجمعة عاداً إياه سيد الأيام وعيداً من أفضل الأعياد في قوله ((ألا إن هذا يوم جعله الله لكم عيدا، وهو سيد أيامكم وأفضل أعيادكم، وقد أمركم الله تعالى في كتابه بالسعي فيه إلى ذكره فلتعظم فيه رغبتكم ولتخلص نيتكم وأكثروا فيه من التضرع إلى الله والدعاء ومسألة الرحمة والغفران، فإن الله يستجيب

ص: 136


1- المزار / محمد بن المشهدي 150
2- ينظر: أدعية الإمام علي (عليه السلام) - الصحيفة العلوية، 208، 209، 210، 215، 216، وغیرها
3- موسوعة الإمام أمير المؤمنين 4 / 13
4- ينظر: أبواب الرحمة 132 - 133

لكل مؤمن دعاءه ويورد النار كل مستكبر عن عبادته قال الله تعالى: «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِی سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ»(1) واعلموا أن فيه ساعة مباركة لا يسأل الله فيها مؤمن خيرا إلا أعطاه»(2).

ومن أدعية ليلة الجمعة الدعاء الذي علّمه أمير المؤمنين لكميل بن زياد والذي عُرف باسمه (دعاء كميل)، وفيه يتوسل الداعي بأربعة وسائل هي:(3) 1- سابق فضل الله وكرمه وبره بعبده فإذا كان في عمل العبد وجهده عجز وقصور يحجبانه عن الله فإن سابق فضله تعالى ورحمته بعبده يشفع للعبد إلى الله، وهودليل على حب الله لعبده، وهذا الحب الإلهي هو الوسيلة التي يقدمها العبد بين يدي حاجاته إلى الله فإذا كان لا يستحق رحمة الله تعالى فإن حب الله تعالى له يؤهله لرحمته وفضله، ويضعه في موضع الإجابة إذ يقول الإمام في هذه الوسيلة ((يا من بدأ خلقي وذكري وتربيتي وبري وتغذيتي، هبني لابتداء كرمك وسالف برك بي))(4) فقد بدأنا بالبر والذكر والخلق والتربية قبل أن نسأله ذلك كله ودون أن نستحقه.

2- حبنا له، وهو وسيلة ناجحة ومؤثرة عند الله تعالى كحبه لنا فإن للحب قيمة كبيرة لا تضاهيها قيمة عند الحبيب، ومهما شككنا في شيء فلا نشك في حبنا لله تعالى ولأوليائه، وفي سياق هذه الوسيلة يأتي توحيدنا له تعالى وخشوعنا بين يديه وصلاتنا وسجودنا وشهادتنا واعترافنا له بالربوبية، وعلى أنفسنا بالعبودية على

ص: 137


1- الآية 60 من سورة غافر
2- مصباح المتهجد / الشيخ الطوسي 382
3- ينظر: الدعاء عند أهل البيت 141 - 149
4- مصباح المتهجد 846

أنّ الحب والتوحيد بضاعتان لا يردهما الله تعالى ومهما شككنا في شيء فلا نشك ولا نتردد لحظة واحدة في هذا ولا ذاك، وفي ذلك يقول الإمام (عليه السلام):

((أتراك معذبي بنارك بعد توحيدك وبعد ما انطوى عليه قلبي من معرفتك ولهج به لساني من ذكرك واعتقده ضميري من حبك وبعد صدق اعترافي ودعائي خاضعا لربوبيتك ... وليت شعري يا سيدي وإلهي ومولاي! أتسلط النار على وجوه خرت لعظمتك ساجدة وعلى ألسن نطقت بتوحيدك صادقة وبشكرك مادحة وعلى قلوب اعترفت بإلهيتك محققة وعلى ضمائر حوت من العلم بك حتى صارت خاشعة وعلى جوارح سعت إلى أوطان تعبدك طائعة وأشارت باستغفارك مذعنة، ما هكذا ؤ الظن بك ولا أخبرنا بفضلك عنك يا كريم))(1).

3- ضعفنا عن تحمل العذاب، ورقة جلودنا، ودقة عظامنا، وقلة صبرنا، والضعف وسيلة ناجحة إلى القوي المتين، وفي كل ضعف ما يجذب القوي، ويستعطفه، ويكسب عطفه ورحمته كما في قوله ((يا رب ارحم ضعف بدني ورقة جلدي ودقة عظمي، ... وأنت تعلم ضعفي عن قليل من بلاء الدنيا وعقوباتها وما يجري فيها من المكاره على أهلها، على أن ذلك بلاء ومكروه قليل مكثه يسير بقاؤه قصير مدته، فكيف احتمالي لبلاء الآخرة وجليل وقوع المكاره فيها وهو بلاء تطول مدته ويدوم مقامه ولا يخفف عن أهله لأنه لا يكون إلا عن غضبك وانتقامك وسخطك وهذا ما لا تقوم له السماوات والأرض، يا سيدي فكيف لي وأنا عبدك الضعيف الذليل الحقير المسكين المستكين))(2)، وفي مناجاة أخرى له (عليه السلام) يقول: ((مولاي يا مولاي أنت القوي وأنا الضعيف وهل يرحم

ص: 138


1- مصباح المتهجد: 846
2- المصدر نفسه / 846 - 847

الضعيف إلا القوي))(1).

4- اضطرار العبد إلى الله، وهي أيضاً وسيلة ناجحة فلا يجد الإنسان حاجته إلا عند مولاه ولا يجد مهرباً إلا إليه ولا ملجأً إلا عنده، وهذا شبيه بالطفل الصغير الذي لا يرى في عالمه الصغير غير أمه وأبيه فهما المسؤولان عن حمايته وقضاء حاجاته وتلبية رغباته وطلباته، وهما اللذان يمنحانه الرحمة والعطف والحنان والرأفة والشفقة والأمن فإذا ارتكب ا يستحق العقوبة منهما وخافهما على نفسه التفت يميناً ويساراً فلم يجد من يلجأ إليه فيلجأ إليهما، ويلقي بنفسه في أحضانهما مستغيثاً بهما، وهما يريدان مؤاخذته وعقوبته فكذاك العبد المذنب لا يجد من يلجأ إليه سوى خالقه وبارئه ومصوره وراحمه مع علمه بأنه يريد عقوبته كما في قول الإمام (عليه السلام): ((فبعزتك يا سيدي ومولاي أقسم صادقا لئن تركتني ناطقا لأضجن إليك بين أهلها ضجيج الآملين ولأصرخن إليك صراخ المستصرخين ولأبكين عليك بكاء الفاقدين ولأنادينك أين كنت يا ولي المؤمنين! يا غاية آمال العارفين! يا غياث المستغيثين! يا حبيب قلوب الصادقين! ويا إله العالمين! أفتراك سبحانك يا إلهي وبحمدك تسمع فيها صوت عبد مسلم يسجن فيها بمخالفته وذاق طعم عذابها بمعصيته وحبس بين أطباقها بجرمه وجريرته، وهو يضج إليك ضجيج مؤمل لرحمتك ويناديك بلسان أهل توحيدك ويتوسل إليك بربوبيتك، يا مولاي فكيف يبقى في العذاب وهو يرجو ما سلف من حلمك أم كيف تؤلمه النار وهو يأمل فضلك ورحمتك أم كيف يحرقه لهبها وأنت تسمع صوته وتري مكانه أم كيف يشتمل عليه زفيرها وأنت تعلم ضعفه أم كيف يتغلغل بين أطباقها وأنت تعلم صدقه أم كيف تزجره زبانيتها وهو

ص: 139


1- بحار الأنوار 97 / 419

يناديك يا ربه أم كيف تنزله فيها وهو يرجو فضلك في عتقه منها فتتركه هيهات ما ذلك الظن بك ولا المعروف من فضلك ولا مشبه لما عاملت به الموحدين من برك وإحسانك،...))(1).

وهذا يدلّ على أدب الأئمة - ومنهم أمير المؤمنين - مع خالقهم فهم عنوان المؤمنين، ومؤدبو البشرية، وسادات المؤمنين، ارتضعوا من ثدي الرسالة ودرجوا في بيت الوحي والتنزيل، ومنهم نتعلم الآداب والأخلاق والفضيلة، وقد اختطوا منهجاً واضحاً، وطريقاً لاحباً في أدب الدعاء والمناجاة(2)، ولعل خير دليل على ذلك تكراره عليه السلام كلمة (اللهم)(3) في أدعيته المباركة والتي تُلمع إلى شدة تقرب العبد إلى ربه، وتفسرّ حالة انقطاع العبد إلى خالقه فتستقر النفس وتأنس باللطف والعناية الإلهية؛ لأنّ خالقها يسمع دعاءها، ويلبي نداءها فهو القائل «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّ قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِی وَلْيُؤْمِنُواْ بِی لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ» - البقرة / 186 على أنّ هذه الأدعية بمجموعها تمثل مدرسة ومنهاجاً عملياً تطبيقياً يعيشه الإنسان، وتربيه على مخاطبة خالقه وتعرّفه صفاته ونعمه وعطاياه، وتحثه على الورع والتقوى والتوبة والإنابة ومكارم الأخلاق وترويض شهوات النفس، وتعرّفه الأعمال الصالحة والسلوك الشرعي الراقي، وتكشف وسائل الشيطان ومداخله التي يدخل منها إلى الإنسان(4)، لذا يعد الدعاء نوعاً من الممارسات الوجدانية، ويفترق عن غيره من سائر أنواع التعبير الفني بكونه يجسد تجربة داخلية يتكفل بصياغتها

ص: 140


1- مصباح المتهجد 848
2- ينظر: منهج الدعاء عند أهل البيت 38 - 39
3- من ذلك: الخطب 25، 72، 91، 106، 115، 143، 172، 193، 206، وغيرها
4- ينظر: دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة 2 / 420

المشرع الإسلامي ويقدمها ليتمثلها الداعي وكأنها من نتاج ذاته(1).

صور بلاغية في أدعية نهج البلاغة

عندما نتفحص أدعية الإمام علی (عليه السلام) سنجد أنها مشتملة على صور بلاغية متنوعة تشكلها فنون بيانية مختلفة من مجاز وكناية واستعارة فقد توافر الإمام على جميع الصور الفنية وتداخلتْ هذه الصور المختلفة في نص واحد لتكوين أسرار فنية كامنة وراء حشد بعض الأدعية بعنصر الصورة، وضمور ذلك في سائر الأدعية فضلاً عن أسرار فنية أخرى كامنة وراء حشد غالبية الأدعية بعنصر الإيقاع وصلة ذلك بعنصر التلاوة الذي يميز الدعاء عن غيره من فنون التشريع الإسلامي(2)، ويمكن تلمس بعض الصور البيانية في أدعية نهج البلاغة في ما يأتي(3):

في قوله (اللهم إليك أفضتْ القلوب ومُدّت الأعناق) نلمح كناية فمد العنق بمعنى تطويله، وهو كناية عن الميل والتطلع، وفي قوله (اللهم وقد بسطتَ لي في ما لا أمدح به غيرك، ولا أثني به على أحد سواك) كناية عن بلاغة الكلام وعذوبة لسانه (عليه السلام)، وفي قوله (اللهم فإن ردوا الحق فافضضْ جماعتهم وشتتْ كلمتهم) شبه الآراء بالكلمة أي شتتَ آراءهم لأنها التي تتفرق، ولما كانتْ الكلمة سبب ظهور الآراء أطلقتْ عليها مجازاً مرسلاً، وفي قوله (استودع الله دينك ودنياك، وأسأله خير القضاء لك في العاجلة والآجلة) يشبه الخالق بالأمين الذي يأمِّن الإنسان لديه أمواله وممتلكاته كما يشير إلى ذلك بوساطة لفظة (استودع)، وفي قوله (اللهم قد

ص: 141


1- ينظر: الإسلام والفن / د. محمود البستاني 170
2- ينظر: المصدر نفسه: 178
3- ينظر: علوم نهج البلاغة 397 - 416

صرح مكنون الشنآن، وجاشتْ مراجل الأضغان) يستعير شدة البغضاء وتأصيلها في النفوس بقوله (جاشتْ مراجل الأضغان).

الاقتباس القرآني في أدعية أمير المؤمنين (عليه السلام)

يعدُّ الاقتباس من القرآن الكريم في أدعية أمير المؤمنين من السمات والخصائص الدلالية البارزة في خطبه (عليه السلام) ومن ذلك في أدعيته ومناجاته فنجده كثيراً ما يقتبس من القرآن الكريم، وللتدليل على ذلك نأخذ نصوصاً من أدعيته المباركة كما في واحدة من مناجاته ((اللهم إني أسألك الأمان «يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَ بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى الله بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»(1)، وأسألك الأمان «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالُمِ عَلىَ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا»(2)، وأسألك الأمان يوم «يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِی وَالْأَقْدَامِ»(3) وأسألك الأمان يوم «لَّا يْجَزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللهَ حَقٌّ»(4) وأسألك الأمان «يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ»(5) وأسألك الأمان «يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لله»(6) وأسألك الأمان «يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ

ص: 142


1- الآيتان 88 و 89 من سورة الشعراء
2- الآية 27 من سورة الفرقان
3- الآية 41 من سورة الرحمن
4- الآية 33 من سورة لقمان
5- الآية 52 من سورة غافر
6- الآية 19 من سورة الانفطار

شَأْنٌ يُغْنِيهِ»(1)، وأسألك الأمان يوم «يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ * وَمَن فِی الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى»(2)))(3).

ومثل ذلك في قوله ((اللهمَّ إِلَيْكَ أَفْضَتِ الْقُلُوبُ وَمُدَّتِ الْأَعْنَاقُ وَشَخَصَتِ الْأَبْصَارُ وَنُقِلَتِ الْأَقْدَامُ وَأُنْضِيَتِ الْأَبْدَانُ اللهمَّ قَدْ صَّرَحَ مَكْنُونُ الشَّنَآنِ وَجَاشَتْ مَرَاجِلُ الْأَضْغَانِ اللهمَّ إِنَّا نَشْكُو إِلَيْكَ غَيْبَةَ نَبِيِّنَا وَكَثْرَةَ عَدُوِّنَا وَتَشَتُّتَ أَهْوَائِنَا «رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ»(4)))(5). ويبدو أن سياق الآية القرآنية هنا يتداخل مع سياق الدعاء بحيث لم ينفصل أحدهما عن الآخر إذ جسّدت الآية الكريمة مفهوم الدعاء بأكمله من الدعوة إلى الفتح والنصر(6).

وكذا قوله ((إليك رفعت الأصوات، ودعيت الدعوات، ولك عنت الوجوه، ولك خضعت الرقاب، وإليك التحاكم في الأعمال، يا خير من سئل، ويا خير من أعطى، يا صادق يا بارئ، يا من لا يخلف الميعاد، يا من أمر بالدعاء ووعد بالإجابة، يا من قال: «ادْعُونِ أَسْتَجِبْ لَكُمْ»(7)، يا من قال: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّی

ص: 143


1- الآيات 34 - 37 من سورة عبس
2- الآيات 11 - 16 من سورة المعراج
3- المزار: 173 - 174
4- الآية 89 من سورة الأعراف
5- نهج البلاغة، المختار من كلامه ورسائله، رقم 15
6- ينظر: أدب الدعاء في نهج البلاغة - دراسة دلالية 177
7- الآية 60 من سورة غافر

قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِی وَلْيُؤْمِنُواْ بِی لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ»(1) ويا من قال: «يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلىَ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»(2) لبيك وسعديك ها أنا ذا بين يديك، المسرف وأنت القائل «لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهّ إِنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا»(3)))(4).

وكذا قوله ((إلهي نمت القليل فنبهني قولك المبين «تَتَجَافَی جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِّمَا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(5) فجانبت لذيذ الرقاد بتحمل ثقل السهاد، وتجافيت طيب المضجع بانسكاب غزير المدمع، ووطئت الأرض بقدمى، وبؤت إليك بذنبي، ووقفت بين يديك قائما وقاعدا وتضرعت إليك راكعا وساجدا، ودعوتك خوفا وطمعا، ورغبت إليك والها متحيرا))(6).

وقد يكون الاقتباس غير مباشر من القرآن الكريم فينقله بمعناه لا بلفظه، ومن ذلك مثلاً قوله ((اللهمَّ دَاحِيَ الْمَدْحُوَّاتِ وَدَاعِمَ الْمَسْمُوكَاتِ وَجَابِلَ الْقُلُوبِ عَلىَ فِطْرَتِهَا شَقِيِّهَا وَسَعِيدِهَا اجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ وَنَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ عَلىَ مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ الْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ وَالْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ وَالْمُعْلِنِ الْحَقَّ بِالْحَقِّ وَالدَّافِعِ جَيْشَاتِ

ص: 144


1- الآية 186 من سورة البقرة
2- الآية 53 من سورة الزمر
3- جزء من الآية 53 من سورة الزمر
4- بحار الأنوار 52 / 7
5- الآيتان 16 و 17 من سورة السجدة
6- بحار الأنوار 84 / 246

الْأَبَاطِيلِ وَالدَّامِغِ صَوْلَاتِ الْأَضَالِيلِ))(1). فقد اقتبس معنى قوله تعالى: «رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا» - النازعات 28 - 30.

وكذا قوله ((إن المال والبنين حرث الدنيا والعمل الصالح حرث الآخرة وقد يجمعهما الله لأقوام فاحذروا من الله ما حذركم من نفسه. واخشوه خشية ليست بتعذير. واعملوا في غير رياء ولا سمعة فإنه من يعمل لغير الله يكله الله إلى من عمل له. نسأل الله منازل الشهداء. ومعايشة السعداء ومرافقة الأنبياء))(2).

فقد اقتبس معنى قوله تعالى «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا» - الكهف / 46، ومعنى قوله تعالى «نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ» - البقرة / 223. كما اقتبس في قوله (والعمل الصالح حرث الآخرة) معنى قوله تعالى «مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْأَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِی حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِی الْأَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ» - الشورى / 20.

أما خاتمة الدعاء بسؤاله الله منازل الشهداء ومعايشة السعداء ومرافقة الأنبياء، ولعله اقتبس معنى الآية الكريمة، وهي قوله تعالى «وَمَنْ يُطِعِ الله وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا»)(3) - النساء / 69.

ويبدو أن اقتباساته من القرآن لفظاً ومعنى توحي إلى تأثره (عليه السلام)

ص: 145


1- نهج البلاغة،الخطبة 72، ص 100 - 101
2- المصدر نفسه، الخطبة 23، ص 48 - 49
3- ينظر: أدب الدعاء في نهج البلاغة - دراسة دلالية 178 - 179

بالقرآن، وهو ربيب القرآن، وبالبلاغة القرآنية، وهو أمير الفصاحة والبيان، فضلاً عن تأثره بأسلوب الدعاء في القرآن الكريم من ذلك مثلاً قوله ((أَلَا وَإِنَّ الْأَرْضَ الَّتِی تُقِلُّکُمْ وَالسَّمَاءَ الَّتِی تُظِلُّکُمْ مُطِیعَتَانِ لِرَبِّکُمْ وَمَا أَصْبَحَتَا تَجُودَانِ لَکُمْ بِبَرَکَتِهِمَا تَوَجُّعاً لَکُمْ وَلَا زُلْفَهً إِلَیْکُمْ وَلَا لِخَیْرٍ تَرْجُوَانِهِ مِنْکُمْ وَلکِنْ أُمِرَتَا بِمَنَافِعِکُمْ فَأَطَاعَتَا وَأُقِیمَتَا عَلَی حُدُودِ مَصَالِحِکُمْ فَقَامَتَا أَنَّ اَللَّهَ یَبْتَلِی عِبَادَهُ عِنْدَ اَلْأَعْمَالِ اَلسَّیِّئَهِ بِنَقْصِ الثَّمَرَاتِ وَ حَبْسِ الْبَرَکَاتِ وَ إِغْلاَقِ خَزَائِنِ الْخَیْرَاتِ لِیَتُوبَ تَائِبٌ وَ یُقْلِعَ مُقْلِعٌ وَ یَتَذَکَّرَ مُتَذَکِّرٌ وَ یَزْدَجِرَ مُزْدَجِرٌ وَقَدْ جَعَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ الاِسْتِغْفَارَ سَبَباً لِدُرُورِ الرِّزْقِ وَرَحْمَهِ الْخَلْقِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: «اسْتَغْفِرُوا رَبَّکُمْ إِنَّهُ کَانَ غَفَّاراً * یُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَیْکُمْ مِدْرَاراً * وَیُمْدِدْکُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِینَ وَیَجْعَلْ لَکُمْ جَنَّاتٍ وَیَجْعَلْ لَکُمْ أَنْهَاراً»(1) فَرَحِمَ اللّهُ امْرَءاً اسْتَقْبَلَ تَوْبَتَهُ وَاسْتَقَالَ خَطِیئَتَهُ وَبَادَرَ مَنِیَّتَهُ اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَیْکَ مِنْ تَحْتِ الْأَسْتَارِ وَ الْأَکْنَانِ وَ بَعْدَ عَجِیجِ الْبَهَائِمِ وَ الْوِلْدَانِ رَاغِبِینَ فِی رَحْمَتِکَ وَ رَاجِینَ فَضْلَ نِعْمَتِکَ وَ خَائِفِینَ مِنْ عَذَابِکَ وَ نِقْمَتِکَ اللَّهُمَّ فَاسْقِنَا غَیْثَکَ وَ لاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِینَ وَ لاَ تُهْلِکْنَا بِالسِّنِینَ وَ لاَ تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا یَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِینَ اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَیْکَ نَشْکُو إِلَیْکَ مَا لاَ یَخْفَی عَلَیْکَ حِینَ أَلْجَأَتْنَا الْمَضَایِقُ الْوَعْرَةُ وَ أَجَاءَتْنَا الْمَقَاحِطُ الْمُجْدِبَةُ وَ أَعْیَتْنَا الْمَطَالِبُ الْمُتَعَسِّرَةُ وَ تَلاَحَمَتْ عَلَیْنَا الْفِتَنُ الْمُسْتَصْعَبَةُ...)) فالإمام يستحضر في استشهاده بالنص القرآني حالة النبي نوح (عليه السلام(، ويطبقها على علاقة قومه بالله تعالى وعلاقتهم به فكان الاستغفار هو السبيل الوحيد لدرور أنواع الرزق من الغيث والأموال والبنين(2).

ص: 146


1- الآيات 10 - 12 من سورة نوح
2- ينظر: أدب الدعاء في نهج البلاغة - دراسة دلالية 173

الخاتمة

لقد لفت الإمام علی (عليه السلام) انتباه الفكر الإنساني عامةً بشخصيته الفذة النادرة الملهمة فكان موسوعة فكرية عامة تألقت في مختلف ميادين الفكر والمعرفة لذا تراه مؤسساً لكثير من العلوم بمختلف تقسيماتها، ولا غرابة في ذلك فقد استقى علمه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقد تربى في حجره منذُ الصغر، وتكشف هذه العلاقة عن الرابطة الحميمة بين النبي (صلى الله عليه وآله)، وعلی (عليه السلام) والموقع والمكانة التي يشغلها من اهتمامه بتلقيه علوم الوحي وتفسير كتاب الله، وأنه كان يلقي عليه من أخلاقه وعلومه وتجاربه، وبالمقابل كان علی يتلقى كل ما يفيض عليه معلمه ومربيه من صنوف المعرفة، وهذا يدل على أنه تلقى عن معلمه الأوحد كل ما علّمه إياه ومن ذلك علوم القرآن من التأويل والتفسير، والناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والخاص، والعام، وغيرها.

وهو من العلماء المظلومين في الحياة؛ لأنه لم يُسمع له، ولم يؤخذ منه كما أراد ورغب؛ ولأنه العالم وليس كالعلماء فهو القادر على القضاء والحكم لأهل التوراة بتوراتهم، ولأهل الإنجيل بإنجيلهم، ولأهل القرآن بقرآنهم كان الإمام يملك طاقات هائلة من العلم لا يملكها غيره فثرواته العلمية شملت جميع ما يقع في الدنيا من أحداث في ما هو كائن وما يكون حتى يرث الأرض ومن عليها لكن من المؤسف أنّ

ص: 147

الأمة لم تستغل هذا الجهبذ العظيم، ولم تحتضنه ليفيض عليها بعلومه ومعارفه وثقافته فقد باعدوا بينه وبين الحياة السياسية العامة في البلاد محتجين بحجة تنمُّ عن حقدهم الدفين وهي أن الخلافة والنبوة لا تجتمع في بيت واحد متناسين أنه الوحيد من بين الصحابة الذي لم يُسأل عن مسألة إلا وأجاب عنها، بل هو الوحيد الذي لم يحتج أن يسأل أحداً عن مسألة إلا وأجاب عنها، بل هو الوحيد الذي لم يحتج أن يسأل أحداً عن مسألة، وهو المرجع الذي يرجع إليه الصحابة في جميع أمورهم على أن علمه (عليه السلام) ليس له فهو ليس مثل بقية الذين يحملون العلم من أجل أن يجمدوه في ذواتهم أو ليحصلوا على امتيازات خاصة فقد كان يشعر أن علمه ليس ملكاً له؛ لأنه ملك الله، والله يريد منه أن ينفقه على خلقه لذا كان يطلب من الناس، وهو مسجى على فراش الموت أن يسألوه فلا يترك فرصة يشعر فيها أن الناس بحاجة إليه إلا وبادر إليها من أجل إزالة شبهة عنهم أو فتح باب لهم للحق أو تخطيط لهم على طريق الهدى أو إنقاذهم من طريق الضلال.

وتتجلى رؤية أمير المؤمنين للقرآن الكريم في كونه تبياناً لكل شيء، ويصدق بعضه بعضاً، وأنه محفوظ، وناطق، وعامر إلى يوم القيامة، وأنه أحسن الحديث، وربيع القلوب، وشفاء من جميع العلل والأمراض، وأنه آمر زاجر، صامت ناطق، وأنه أول العلوم الإسلامية، لا تنقضي عجائبه، ولا تفنى أسراره، وأنه الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضل، والمحدّث الذي لا يكذب، وأنه شَافِعٌ مُشَفَّعٌ وَقَائِلٌ مُصَدَّقٌ، وأنه منجي البشرية من جميع مشاكلها لذا يجب العمل به وتحكيم مناهجه، إنه كتاب تحكيم، بيان لأحكام الله للبشر، وفيه أخبار الماضي، والحاضر، والمستقبل.

وقام أمير المؤمنين (عليه السلام) بفتح باب الحوار والسؤال عن القرآن وكل ما يتعلق بالشريعة المقدسة أمام الجماهیر المسلمة وبصورة علنية وعامة دونما تردد

ص: 148

حتى في جواب مخالفيه وأعدائه الحاقدين، وله احتجاجات قرآنية كثيرة مع الملاحدة والمنحرفين من اليهود والمسيح وغيرهم في موضوعات متعددة، واتجاهات متباينة، دلّت على عقليته الثاقبة وذكائه الخارق فلم يعجزه جواب عن كل ما سئل فراح الناس يقصدونه من كل حدب وصوب يناقشونه في معتقداتهم، ويتباحثون معه في مختلف قضاياهم، وهذا ما جعله يملك القلوب والعقول معاً.

وتحكي احتجاجاته القرآنية طبيعة علاقة الإمام علی (عليه السلام) بالقرآن ومدى تفاعله معه فما من نص من احتجاجاته إلا وتجد فيه ما يعيدك إلى القرآن بنص آية منه، أو إظهار بصيرة من وحيه فالقرآن كتابه الأوحد الذي يستمد منه علومه ومعارفه، ويأخذ منه رؤاه وأفكاره، ويستنبط منه أحكامه وشرائعه من هنا كان القرآن سلاحه الأول في منازلاته الفكرية والعقائدية إذ كان يعود إليه في كل بحث، ويستنطقه في كل قضية فهو المتقن لعلوم القرآن، والحافظ لآياته، والمتابع لنزوله، والعارف بأسراره، والملم ببصائره فمن يتأمل احتجاجاته يلمس حقيقة معرفة الإمام بالقرآن، وسعة فهمه لنصوصه، وقدرته الكبيرة على الاستدلال بآياته في كل موضوع، ولعل الدليل على أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان قد كتب تفسيراً وشرحاً للقرآن الكريم هو احتجاجه على الزنديق من أنه أتى بالكتاب كَمُلا مشتملا على التأويل والتنزيل، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ،... الخ، وكذا احتجاجه على جماعة من المهاجرين والأنصار بالقول ومن الأدلة أيضاً على تأليفه التفسير الذي غُيّب هو أن أول عمل قام به بعد وفاة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) - وهو ما أوصاه به صلى الله عليه وآله - هو جمعه القرآن الكريم وترتيبه له بحسب النزول فضلاً عن معلومات فريدة عن النزول والتفسير والتأويل الذي تحتاجه الأمة الإسلامية، وكان قد عرضه على الخليفة الأول فقال: لا حاجة لنا به فأشار الإمام (عليه السلام) إلى أنهم سوف لا يحصلون عليه بعد ذلك اليوم، وترد في كتب التاريخ والسيرة عبارة

ص: 149

(مصحف علی) و (مصحف أُبي بن كعب) و (مصحف ابن مسعود)، وقد توهَّم بعض الدارسين أنّ ذلك دليل على تحريف القرآن، وأنَّ مصحف علي (عليه السلام) فيه آيات غير الآيات الموجودة في مصاحف الآخرين .والصحيح أنَّ مصحف علی (عليه السلام) هو نفس المصحف الذي جمعه ابن كعب وابن مسعود وغيرهم، ولكن الاختلاف هو في التأويل والتفسير، وقد ذكر السيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) مجموعة من الروايات حول المصحف الذي جمعه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو يختلف عن بقية المصاحف فالزيادات الموجودة عليه هي شروح للنص القرآني، وقد يصل المصحف إلى مجلدات من الشرح والتعليق والتفسير، وكان من تغييبهم لعلمه بالتفسير موقف الخلفاء الثلاثة الموحد من منعهم إياه من تفسير القرآن بحرقهم للمصاحف المفسرّة ففي هذه المصاحف حواش تفسيرية للقرآن الكريم كان الصحابة الأوائل قد دونوها من أقوال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ لذا يعد تفسير أمير المؤمنين (عليه السلام) للقرآن الكريم من التفاسير التي غُيّبتْ، وأُسدل عليها الستار؛ لأسباب كثيرة منها: تغييب الهوية العلمية العلوية التي يتمتع بها أمير المؤمنين (عليه السلام) فهو باب مدينة رسول، وأعلم الخلائق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرآن وغيره فهو الرائد الأول لكل علم بل هو موسوعة معارف متنوعة فلم ينل هذه المنزلة السامية في التفسير وفي غيره من العلوم بانزوائه في دهاليز مكة أو المدينة، واعتزاله الناس بالانكباب على مطالعة القرآن والتبحر في محتواه، وإنما كان في قلب الأحداث التي رسمت معالم الأمة الإسلامية في عهدها الأول فلم يغفل عن القرآن، وهو يقاوم شظف العيش وقسوة الظروف، والقرآن في صدره وهو يحمل أعداء الدين بسيفه البتّار، والقرآن أمام عينيه وهو يحكم البلاد إذ كان ملازماً للقرآن في الأحوال والظروف كلها حتى تجلى القرآن في حركاته وسكناته، ولم يجد الناس بداً من الرجوع إليه في معرفة معاني الآيات وتفسيرها.

ص: 150

وقد بادر أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وأصحابهم، وعلماؤنا بتفسير القرآن الكريم مثل تفسير الإمام الباقر (عليه السلام)، وتفسير أبي حمزة الثمالی، وتفسير التبيان للشيخ الطوسي، وتفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي، وغيرهم ممن عُنوا بالبحث عن أسرار القرآن، وكشف كنوزه، وبيان أحكامه، والعمل بها في مجالي الفهم والتطبيق. وقد كان الدور الذي قام به أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير القرآن الكريم دور تربية وتعليم وإرشاد إلى معالم التفسير فقد كانت تفاسيرهم المأثورة عنهم تفاسير نموذجية كانوا قد عرضوها على الأمة والعلماء ليتعرفوا إلى أساليب التفسير عنهم، وهذا يدل على حرصهم الشديد على تعليم الأمة كيفية تفسير القرآن الكريم، وإيقافهم على نكت وطرف من هذا الكلام البارع فهم ورثة الكتاب الإلهي الخالد، وحملته إلى الناس بأمانة صادقة وأداء كريم.

أما مناهجه في التفسير فقد ضمّ في تفسيره جميع أنواع التفسير فقد وجدنا في نماذجه التفسيرية المختارة تفسيرات باطنية، وفقهية، وتفسير القرآن بالقرآن، وتفسيرات روائية، وغيرها، مما يدل على أنه الرائد الأول للتفسير بعد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) فكل المناهج التفسيرية منبثقة منه وراجعة إليه.

وأما منهجه التفسيري فيتلخص بإيضاح معنى لغوي عام، أو تفصيل إجمال، أو بيان مبهم، أو تخصيص عام، أو تجلية مصداق، أو استنباط حكم شرعي فرعي، أو إرشادي أو تنزيهي وغير ذلك مما ينتظمه تفسير النص القرآني.

ويعد الدعاء شكلاً فنياً فهو من حيث المظهر الخارجي يقوم على عنصر المحاورة الانفرادية إذ يتوجه الإمام بكلامه المسموع إلى الله تعالى، ومن حيث المظهر الداخلی يقوم على عنصر وجداني يجسّده الكلام المذكور إذ يتصاعد به الداعي إلى أوج الانفعالات الصادرة عنه، ومن حيث المضمون تنطوي هذه المحاورة على محورين:

ص: 151

الأول، فردي أو ذاتي يتصل بحاجات الداعي الشخصية كطلب المغفرة، والشفاء من المرض، وغيرهما، والثاني، موضوعي، ويشمل كل ما هو غير ذاتي، وهو نمطان:

عبادي: يتصل بتمجيد الله والثناء عليه بذكر صفاته ومعطياته، واجتماعي: ينحصر بطلب إلى الله تعالى بتحقيق حاجات الآخرين مثل طلب النصر على العدو، واستسقاء المطر، والدعاء للآخرين ... الخ.

أما عناصر الدعاء فهي: عنصر المحاورة الانفرادية، والعنصر الإيقاعي، والعنصر الصوري.

ويوضَع كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) بالمرتبة الثالثة من الإعجاز البلاغي بعد القرآن الكريم والحديث النبوي؛ لأنّ في كلامه مسحة من الكلام الإلهي، وفيه عبقة ونفحة من الكلام النبوي، وبلاغته فن وذوق ينسجمان مع كل عصر وزمن فقد تعدّتْ طريقته الطريقة الكلاسيكية، وقفزتْ على المراحل الزمنية حتى عدّ البلغاء أدبه متماشياً مع كل عصر، وقد امتاز بأسلوبه البلاغي الخاص وبطريقته في صنع العبارة والجملة فأصبح أدبه متفرداً ذا خصائص معينة لا يشابهه أحد من البلغاء، ولما كانتْ البلاغة تعتمد على عنصرين هما: العلم، والشجاعة، وقد امتلكهما أمير المؤمنين فبلاغته تكون بالمستوى المطلوب؛ لأنها بمستوى شخصيته العلمية فهي بلاغة مستمدة من علم يستقي معينه من علم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن كينونة جُبلتْ على الشجاعة والإقدام. أما أسلوب نهج البلاغة فهو أسلوب مبتكر لم يسبق بأسلوب قبله إلا القرآن الكريم إذ إن أرضية الأفكار المطروحة في نهج البلاغة هي من ثمار الإبداع القرآني.

إنّ خصائص بلاغة الإمام علی (عليه السلام) موجودة ومطبوعة بأسلوبه وبيانه حتى في أدعيته، ولعل هذا رمز عظمة أمير المؤمنين فقد حافظ على مستواه البلاغي في

ص: 152

كل ما قاله وما كتبه في الخطابة أو الكلام أو الدعاء فأدعيته مصبوغة بصبغة بلاغية قلما نجدها في الأدعية الأخرى كما إنها مصبوغة أيضاً بصبغة روحانية قلما نجدها في الأدعية الأخرى فقد سكب الإمام من روحانيته أقصى ما يستطيع من التعابير الأدبية والفنية التي تظهر الخشوع والخضوع والتذلل لله سبحانه وتعالى.

إنّ بلاغة الإمام علیّ عليه السّلام تبلورت في النص الذي يخرج من رحم اللغة مثل الوليد الجديد، وهو - في الوقت نفسه - يخرج من عالم الأفكار مثل الفكرة الجديدة الباهرة، وتتجلى جمالية ألفاظ الدعاء في نهج البلاغة في ألفاظه الفصيحة العذبة، وفي نظمه المحكم، ودلالته على المعنى فالألفاظ سهلة في جريانها على اللسان، خفيفة في وقعها على النفس، يألفها الذوق ولا يجد صعوبة في إدراكها، وكل كلمة تقع موقعها اللائق والمناسب لها، وعندما يطرق اللفظ السمع يخطر معناه في القلب بوساطة قوالب جميلة محببة إلى النفس كالتشبيه، والاستعارة، والكناية، وغيرها إذ يتناول مسائله الفكرية المتداولة والمشتركة، وكأنها معطيات جديدة، ذلك لأن قدرته البلاغية مبتكرة فالنص يُولد متكاملاً، في تأديته الوظيفية الخاصة به، ولم تجتمع شروط الفصاحة في ألفاظه التي أتت موافقة لمقتضى الحال لأديب كما اجتمعت لعلی بن أبي طالب (عليه السلام) فإنشاؤه أعلى مثل للبلاغة بعد القرآن الكريم بكونه موجزاً على وضوح، قوياً جيّاشاً، تاماً منسجماً بين ألفاظه ومعانيه وأغراضه، حلو الرنة في الأذن، موسيقياً في الوقع، رفيقاً وليناً في مواقف التي لا تستدعي الشدة، شديداً وعنيفاً في غيرها من المواقف ولاسيما في خطاب النافقين والمراوغين وطلاّب لدنيا على حساب الفقراء والمستضعفين وأصحاب الحقوق المهدورة لذا فأسلوبه كقلبه وذهنه، صادق وطويته، ولا عجب أن يكون نهجاً للبلاغة.

وقد تنوعتْ أغراض الدعاء في نهج البلاغة إلى : الاستسقاء، عرض الأوضاع

ص: 153

وتحليل الأحداث، الشكوى، وأغراض فكرية، التعبير عن مكنونات النفس وما يختلج في الأعماق من نوايا، ورفع معنويات المقاتلين، رسم صورة الصراع بينه وبين أعدائه، حقن الدماء وصلاح ذات البين وطلب الهداية فضلاً عن أهداف تربوية مهمة يؤديها الدعاء في تربية النفوس البشرية وسوقها نحو مدارج السمو والرفعة والكمال ناهيك عما يشتمل عليه من فضائل أخلاقية ومعارف ربانية تسبغ بها النفس وتمنحها الهدوء والسكينة.

وبالرغم من الوضوح والمباشرة والتقريرية التي تتضمنها طبيعة الحاجات المدعو بها إذ الداعي يتقدم بحاجاته بلغة واضحة لا غموض ولا تعقيد ولا تعميق فلا تتطلب عنصراً صور إلا إننا وجدنا اشتمال بعض أدعية الإمام على صور كنائية واستعارية ومجازية لتكوين أسرار فنية كامنة وراء هذه الصور.

ص: 154

المصادر والمراجع:

- القرآن الكريم.

- أبواب الرحمة - دراسة في آفاق الدعاء ودوره في تربية الفرد والمجتمع الصالح، نبيل شعبان، ط 3، أنوار الزهراء، 1325 ه - 2004 م.

- الأثر القرآني في نهج البلاغة - دراسة في الشكل والمضمون، د. عباس علي حسين الفحام، العتبة العلوية المقدسة، مكتبة الروضة الحيدرية، النجف الأشرف، 1432 ه - 2011 م.

- الاحتجاج، الشيخ الطبرسي، تح / السيد محمد باقر الخرسان، دار النعمان للطباعة والنشر - النجف الأشرف، 1386 - 1966 م.

- أدب الدعاء في نهج البلاغة - دراسة دلالية، د. هناء عبد الرضا رحيم، ود. مرتضى عباس فالح، بحوث المؤتمر العلمي الدولي الأول - نهج البلاغة سراج الفكر وسحر البيان، جامعة الكوفة، الجزء الرابع، ط 1432، 1 ه - 2011 م.

- أدب الشريعة الإسلامية - دراسة جديدة في بلاغة نصوص القرآن الكريم ونصوص الأربعة عشر معصوماً، د. محمود البستاني، ط 1، مؤسسة السبطين (عليهما السلام) العالمية، 1424 ه. ق / 1382 ه. ش.

- أدعية الإمام علی (عليه السلام) - الصحيفة العلوية المباركة، الشيخ عبد الله بن صالح السماهيجي، ط 1، دار المرتضى للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1423 ه - 2002 م.

- الإسلام والفن، د. محمود البستاني، ط 1، مجمع البحوث الإسلامية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، 1413 ه - 1992 م.

- الاستبصار، الشيخ الطوسي، تح / السيد حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلامية - طهران، (د.ت).

ص: 155

- أصول التفسير والتأويل - مقارنة منهجية بين آراء الطباطبائي وأبرز المفسرين، السيد كمال الحيدري، ط 2، منشورات: دار فراقد، المط: ستارة، 1427 ه - 2006 م.

- أعلام الهداية - الإمام علی بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام)-، لجنة التأليف، ط 3، مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت - عليهم السلام - مطبعة ليلى، (د.ت).

- أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، تح / حسن الأمين، الناشر: دار التعارف للمطبوعات، بيروت، لبنان، (د.ت).

- إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب، الشيخ علی اليزدي الحائري، تح / السيد علی عاشور، (د.ت).

- الأمالي، الشيخ الصدوق، تح / قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة - قم، ط 1، مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة، 1417 ه.

- الأمالي، الشيخ المفيد، تح / حسين الأستاذ ولي، وعلی أكبر الغفاري، ط 2، - دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان، طبع بموافقة اللجنة الخاصة المشرفة على المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، 1414 ه - 1993 م.

- الإمام علی بن أبي طالب روح الإسلام الخالد، د. حسن عيسى الحكيم، مؤسسة دار معارف الفقه الإسلامي، قم، 1428 ه - 2007 م.

- الإمام علی بن أبي طالب مفسرّاً للقرآن، د. أحمد راسم النفيس، ط 1، دار المحجة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1431 ه - 2010 م.

- الإمام علی بن أبي طالب هو الإمام حقاً، مهدي الشيخ صالح الأسدي، ط 1 دار القارئ للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1431 ه - 2010 م.

- الإمام علي، دراسة لجوانب من الشخصية والمنهج، شهيد المحراب آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم، ط 1، مؤسسة تراث الشهيد الحكيم، مط: العترة الطاهرة، شتاء 1432 ه - 2010 م.

ص: 156

- الإمام علی صوت العدالة الإنسانية، جورج جرداق، تح / حسن حميد السنيد، ط 2، مط: ليلى، مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت، 1426 ه. ق.

- الإمام علی (عليه السلام) عبقري هذه الأمة، علی عبد المحسن عجّاج، ط 1، دار القارئ للطباعة والنشر والتوزيع، 1429 ه - 2008 م.

- الإمام علی (عليه السلام) القرآن الناطق، طالب خان، ط 1، دار الإرشاد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1427 ه - 2006 م.

- الإمام علی (عليه السلام) القرآن الناطق، نعمة هادي الساعدي، ط 1، مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1426 ه - 2006 م.

- الإمام علی من المهد إلى اللحد، السيد محمد كاظم القزويني، طُبع على نفقة الحاج عبد الشهيد محمد الشيخ علی النجار، (د.ت).

- أمير المنبر الحسيني الدكتور الشيخ أحمد الوائلي، محمد سعيد الطريحي، ط 1، مط: سرور، إيران، قم، 2006 م- 1327 ه.

- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، تح / محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان، والسيد إبراهيم الميانجي، ومحمد الباقر البهبودي، ط 2، مؤسسة الوفاء، بيروت - لبنان، 1403 ه - 1983 م.

- بحوث في منهج تفسير القرآن الكريم، محمود رجبي، ترجمة: حسين صافي، ط 2، بيروت، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، 2010 م.

- بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار، تح / الحاج ميرزا حسن كوچه باغي مطبعة الأحمدي، طهران، منشورات الأعلمي، طهران، 1404 - 1362 ش.

- البلاغة الحديثة في ضوء المنهج الإسلامي، د. محمود البستاني، ط 1، دار الفقه للطباعة والنشر، مطبعة سليمان زادة، 1424 ه - ق - 1382 ه - ش.

- البيان في تفسير القرآن، السيد الخوئي، ط 4، الناشر: دار الزهراء للطباعة والنشر

ص: 157

والتوزيع - بيروت - لبنان، 1395 - 1975 م.

- تاريخ الأدب الإسلامي، د. عباس الترجمان، ط 1، دار التبليغ الإسلامي، بيروت، 1432 ه - 2011 م.

- تاريخ الأدب العربي في ضوء المنهج الإسلامي، د. محمود البستاني، ط 1، مجمع البحوث الإسلامية، مؤسسة الطبع والنشر للاستانة الرضوية المقدسة، مشهد، إيران، 1413 ه.

- التبيان في تفسير القرآن، الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي - شيخ الطائفة -، تح / أحمد حبيب قصير العاملی المجلد الثاني دار إحياء التراث العربي الطبعة الأولى النشر: 1409 ه. ق. ه.

- تحف العقول، ابن شعبة الحراني، تحقيق: تصحيح وتعليق: علی أكبر الغفاري، ط 2، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1404 - 1363 ش.

- ترتيب إصلاح المنطق، ابن السكيت، تح / الشيخ محمد حسن بكائي، ط 1، مؤسسة الطبع والنشر في الآستانة الرضوية المقدسة، 1412 ه.

- التشريع الإسلامي - مناهجه ومقاصده، آية الله السيد محمد تقي المدرسي، ط 1، انتشارات مدرسي، (د.ت).

- تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) المنسوب إلى الإمام العسكري، (عليه السلام)، تح / مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام)، ط 1، الناشر: مدرسة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف - مهر - قم المقدسة، ربيع الأول 1409 ه.

- تفسير الثعلبي، الثعلبي، تحق / الإمام أبي محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق الأستاذ نظير الساعدي، ط 1، بيروت - لبنان - دار إحياء التراث العربي، 1422 ه - 2002 م.

- التفسير الصافي، الفيض الكاشاني، ط 2، مؤسسة الهادي، قم المقدسة، مكتبة الصدر، طهران، رمضان 1416 - 1374 ش.

- تفسير العياشي، محمد بن مسعود العياشي، تح /الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة

ص: 158

العلمية الإسلامية - طهران، (د.ت).

- تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن)، محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح أبو عبد الله القرطبي، تحقيق: تصحيح: أحمد عبد العليم البردوني، د.ط، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت - لبنان، د. ت.

- تفسير القمي، علی بن إبراهيم القمي، تح / السيد طيب الموسوي الجزائري، ط 3، منشورات مكتبة الهدى، مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر - قم - إيران، صفر 1404 ه.

- تفسير كنز الدقائق، الميرزا محمد المشهدي، تح / مؤسسة النشر الإسلامي، ط 1، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، رمضان المبارك 1410 ه.

- تفسير الميزان، السيد الطباطبائي، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم المقدسة، إيران، (د.ت).

- تفسير نور الثقلين، الشيخ الحويزي، تحق / السيد هاشم الرسولي المحلاتي، ط 4، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، قم، 1412 ه - 1370 ش.

- التفسير والمفسرون، د. محمد حسين الذهبي، ط 2، دار الكتب الحديثة، 1396 ه - 1976 م.

- التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب، الأستاذ المحقق الشيخ محمد هادي معرفة، ط 1، الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية، مؤسسة الطبع والنشر في الآستانة الرضوية المقدسة، 1377 ه. ش - 1419 ه. ق.

- التمهيد في علوم القرآن، العلّامة محمد هادي معرفة، ط 1، منشورات ذوي القربى، مؤسسة التمهيد، قم المقدسة، الجمهورية الإسلامية الإيرانية، 1386 ه ش، 1428 ه ق، 2007 م.

- التوحيد، الشيخ الصدوق، تح / السيد هاشم الحسيني الطهراني، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة، (د.ت).

- جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، المطبعة العلمية - قم، منشورات مدينة

ص: 159

العلم - آية الله العظمى الخوئي - قم - إيران، 1407 ه.

- الحدائق الناضرة، المحقق البحراني، تح / محمد تقي الإيرواني، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم المقدسة، (د.ت).

- حقيقة مصحف الإمام علی عند الشيعة والسنة / عبد الله علی أحمد الدقاق، ط 1، دار الصفوة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1430 - 2009 .

- حلية الأبرار، السيد هاشم البحراني، تح / الشيخ غلام رضا مولانا البروجردي، ط 1، مؤسسة المعارف الإسلامية - قم - إيران، مط: بهمن، 1411 ه.

- الدر المنثور، جلال الدين السيوطي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، (د،ت).

- الدعاء عند أهل البيت،الشيخ محمد مهدي الآصفي، ط 4، منشورات جامعة المصطفى العالمية، 1429 ق/ 1387 ش.

- دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة، شهيد المحراب آية الله العظمى السيد محمد باقر الحكيم (قدس سره)، ط 5، مؤسسة تراث الشهيد الحكيم، مطبعة العترة الطاهرة، النجف الأشرف، صيف 2007 م.

- الرسالة التامة في فروق اللغة العامة، الشيخ محمد جعفر الكرباسي، ط 1، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 2009 م.

- الرسالة السعدية، العلامة الحلي، تح / السيد محمود المرعشي، إخراج وتعليق: عبد الحسين محمد علي بقال، ط 1، بهمن - قم، 1410 ه.

- السرائر، ابن إدريس الحلی، تح / لجنة التحقيق، ط 2، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1410 ه.

- شرح إحقاق الحق، السيد المرعشي، تحقيق: تعليق: السيد شهاب الدين المرعشي النجفي، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي - قم - ايران، (د.ت).

- شرح رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام)، شرح: حسن السيد علی

ص: 160

القبانچي، ط 2، المط: إسماعيليان - قم، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر، 1406 ه.

- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، تح / محمد أبي الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية - عيسى البابي الحلبي وشركاه، 1961 م.

- الشيعة وفنون الإسلام، السيد حسن الصدر، - الصحاح، الجوهري، تح / أحمد عبد الغفور العطار، ط 4، دار العلم للملايين - بيروت - لبنان، 1407 ه - 1987 م.

- الصحيفة السجادية الكاملة، الإمام السجاد علی بن الحسين (عليهما السلام)، دار الكتب العلمية، بغداد، 2000 م.

- علم الإمام - بحوث في حقيقة ومراتب علم الأئمة المعصومين، تقريراً لأبحاث السيد كمال الحيدري، بقلم الشيخ علی حمود العبادي، ط 1، منشورات: دار فراقد، المط:

ستارة، 1429 ه - 2008 م.

- علوم القرآن، الشهيد السيد محمد باقر الحكيم، ط 5، مجمع الفكر الإسلامي، مط:

شريعت - قم، 1424 ه. ق.

- علی ميزان الحق، السيد محمد حسين فضل الله، إعداد وتنسيق: صادق اليعقوبي، ط 1، دار الملاك، مطبعة الصدر، 1423 ه - 2003 م.

- عمدة الطالب، ابن عنبة، تح / محمد حسن آل الطالقاني، ط 2، الناشر: منشورات المطبعة الحيدرية - النجف الأشرف، 1380 - 1961 م.

- علوم نهج البلاغة، د. محسن باقر الموسوي، ط 1، دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1422 ه - 2002 م.

- العين، الخليل الفراهيدي، تح / د. مهدي المخزومي، ود. إبراهيم السامرائي، ط 2، مط:

الصدر، مؤسسة دار الهجرة، 1410 ه.

- عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، الشيخ الصدوق، تح / الشيخ حسين الأعلمي، مطابع

ص: 161

مؤسسة الأعلمي - بيروت - لبنان، 1404 - 1984 م.

- عيون الحكم والمواعظ، علی بن محمد الليثي الواسطي، تح / الشيخ حسين الحسيني البيرجندي، ط 1، المط: دار الحديث، (د.ت).

- الغدير، الشيخ الأميني، دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان، عني بنشره الحاج حسن إيراني صاحب دار الكتاب العربي - بيروت - لبنان، (د.ت).

- فتح القدير، الشوكاني، عالم الكتب، (د.ت).

- الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، تح / مؤسسة النشر الإسلامي، ط 1، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، شوال المكرم 1412 ه.

- فلسفة الابتلاء، الشيخ حافظ حداد، ط 2، مركز أمير المؤمنين (عليه السلام)، 1424 ه - 2003 م.

- فلسفة المناجاة والتضرع والدعاء، محمد حسين المختاري المازنداني، ط 1، الناشر مهدي بار، مطبعة محمد، قم، جمادي الثاني 1423 ه.

- الفلسفة والاعتزال في نهج البلاغة، قاسم حبيب جابر، ط 1، المؤسسة العالمية للدراسات، بيروت، لبنان، 1978 م.

- في رحاب أهل البيت، السيد محمد حسين فضل الله، إعداد: سليم الحسيني، ط 4، دار التوحيد للطباعة والنشر، بغداد، العراق، 1425 ه - 2004 م.

- في رحاب الدعاء، السيد محمد حسين فضل الله، ط 3، دار الملاك، مطبعة الصدر، 1423 ه - 2002 م.

- في رحاب نهج البلاغة، الأستاذ مرتضى مطهري، ط 1، الدار الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، 1413 ه - 1992 م.

- في ظلال نهج البلاغة، الشيخ محمد جواد مغنية، ط 1، انتشارات كلمة الحق، 1427 ه.ق.

- القرآن في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، هاشم الموسوي، ط 1، مركز الغدير

ص: 162

للدراسات الإسلامية، مط: محمد، 1420 ه - 2000 م.

- الكافي، الشيخ الكليني، تح /علي أكبر الغفاري، ط 5، المط: حيدري، دار الكتب الإسلامية - طهران، 1363 ش.

- كشف الغمة، ابن أبي الفتح الإربلي، ط 2، دار الأضواء - بيروت، لبنان، 1405 - 1985 م.

- كنز العمال، المتقي الهندي، تح /الشيخ بكري حياني / تصحيح وفهرسة: الشيخ صفوة السقا، مؤسسة الرسالة - بيروت - لبنان، 1409 - 1989 م.

- الكنز اللغوي، ابن السكيت، المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين في بيروت، (د.ت).

- لسان العرب، ابن منظور، نشر أدب الحوزة، قم، إيران، محرم، 1405 ه.

- مجمع البحرين، الشيخ الطريحي، تح / السيد أحمد الحسيني، ط 2، الناشر: مكتب النشر الثقافة الإسلامي، 1408 - 1367 ش.

- المخصص، ابن سيده، تح / لجنة إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، (د. ت) - مدارس التفسير الإسلامي، علي أكبر بابائي، تعريب: كمال السيد، ط 1، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، بيروت، 2010 م.

- المدخل إلى علوم نهج البلاغة، د. محسن باقر الموسوي، ط 1، دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، 1423 ه - 2002 م.

- المدرسة القرآنية، آية الله العظمى الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره)، لجنة التحقيق التابعة للمؤتمر العالمي للإمام الشهيد محمد باقر الصدر، مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر، مؤسسة الهدى الدولية للنشر والتوزيع، 1421 ق.

- المزار، محمد بن المشهدي، تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني، ط 1، مؤسسة النشر الإسلامي، نشر القيوم - قم - إيران، رمضان المبارك 1419 ه.

- المستدرك، الحاكم النيسابوري، تح / يوسف عبد الرحمن المرعشلي، (د.ت).

- المسترشد، محمد بن جرير الطبری (الشيعي)، تحقيق: الشيخ أحمد

ص: 163

المحمودي، ط 1، الناشر: مؤسسة الثقافة الإسلامية لكوشانبور، مط: سلمان الفارسي - قم، 1415 ه. ق.

- مصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة)، الميرجهاني، نسخة مخطوطة، 1388.

- مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (عليه السلام)، محمد بن طلحة الشافعي، تحقیق:

ماجد ابن أحمد العطية، (د.ت).

- معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، تح / علی أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة مالجعة المدرسين بقم المشرفة، 1379 - 1338 ش.

- معجم مقاييس اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارس زكريا، تح / عبد السلام محمد هارون، مكتبة الإعلام الإسلامي، 1404 ه.

- المعجم الوسيط، (إبراهيم مصطفى،وأحمد حسن الزيات، وحامد عبد القادر، ومحمد علي النجار)، ط 2، مكتبة المرتضوي، مط: باقري، 1427 ه. ق - 1385 ه. ش.

- مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، تح / صفوان عدنان داوودي، ط 4،دار القلم - دمشق، الدار الشامية - بيروت، 1425 ه.

- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، تح / لجنة من أساتذة النجف الأشرف، المط:

الحيدرية - النجف الأشرف، 1376 - 1956 م.

- مناقب أهل البيت (عليه السلام)، المولى حيدر الشيرواني، تح / الشيخ محمد الحسون، مطبعة منشورات الإسلامية، شوال المكرم 1414 ه.

- مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي، ط 1، مؤسسة فقه الشيعة - بيروت - لبنان، 1411 - 1991 م.

- معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ط 5، : مركز نشر الثقافة الإسلامية، 1413 - 1992 م.

- معجم مقاييس اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارس زكريا، تح / عبد السلام محمد هارون،

ص: 164

الناشر: مكتبة الإعلام الإسلامي، 1404 ه.

- مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، محمد بن سليمان الكوفي، تح / الشيخ محمد باقر المحمودي، ط 1، المط: النهضة، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية - قم المقدسة، محرم الحرام 1412 ه.

- من لا ضيحره الفقيه، الشيخ الصدوق، تح / علی أكبر الغفاري، ط 2، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة مالجعة المدرسين بقم المشرفة، (د.ت).

- منهج الدعاء عند أهل البيت ونماذج منه، صباح علی البياتي، ط 1، المعاونية الثقافية للمجمع العالمي لأهل البيت (عليه السلام)، مطبعة ليلى، 1427 ه.

- مواهب الرحمن في تفسير القرآن، آية الله العظمى السيد عبد الأعلى السبزواري، ط 2، انتشارات دار التفسير، 1428 ه - 2007 م.

- موسوعة الإمام أمير المؤمنين علی بن أبي طالب (عليه السلام)، باقر شريف القرشي، ط 1، مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية، دار الحسنين للطباعة والنشر، 1423 ه - 2002 م.

- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، تحقيق: دار الحديث، ط 1، المط: دار الحديث، 1416 ه.

- نفحات الولاية - شرح نهج البلاغة، آية الله العظمى الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ط 1، دار جواد الأئمة، بيروت، لبنان، 1427 ه - 2006 م.

- نهج البلاغة، الإمام علی بن أبي طالب (عليه السلام)، ط 4، مطبعة ثامن الأئمة (عليه السلام)، مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر والتوزيع، قم 1384 ه ش - 1426 ه - ق 2006 م.

- وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملی، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ط 2، المط: مهر - قم، الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث بقم المشرفة، 1414 ه.

ص: 165

- وعي القرآن، في رحاب القرآن (1)، محمد مهدي الآصفي، رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية، مديرية الترجمة والنشر، الجمهورية الإسلامية في إيران، طهران، 1418 ه - 1997 م.

- ينابيع المودة لذوي القربى، القندوزي، تح / سيد علی جمال أشرف الحسيني، ط 1، مط:

أسوة، دار الأسوة للطباعة والنشر، 1416 ه ..

ثانياً: البحوث والمقالات المنشورة:

- أثر الدعاء في النفس، مقال، كريم شلال، جريدة صوت المعلم، ع 32، س 2011، 8 م.

- أدب الدعاء في نهج البلاغة - دراسة دلالية، بحث، د. هناء عبد الرضا رحيم، ود. مرتضى عباس فالح، بحوث المؤتمر العلمي الدولي الأول الموسوم (نهج البلاغة سراج الفكر وسحر البيان)، جامعة الكوفة، كلية التربية الأساسية، الجزء الرابع، ط 1، 1432 ه - 2011 م.

- الأثر الفكري في تمييز رجال الحديث من خلال نهج البلاغة، بحث، حسن كاظم أسد، بحوث المؤتمر العلمي الدولي الأول الموسوم (نهج البلاغة سراج الفكر وسحر البيان)، جامعة الكوفة، كلية التربية الأساسية الجزء الرابع، ط 1، 1432 ه - 2011 م.

- الدلالات التفسيرية في شواهد نهج البلاغة القرآنية، بحث، د. علي جواد الحجار، بحوث المؤتمر العلمي الدولي الأول الموسوم (نهج البلاغة سراج الفكر وسحر البيان)، جامعة الكوفة، كلية التربية الأساسية، الجزء الخامس،، ط 1، النجف الأشرف، 2011 م.

- الصحيفة السجادية، مقال د. حسين علي محفوظ، مجلة البلاغ، الكاظمية، السنة الأولى، ع 6.

- قصائد غير منشورة، على الأنترنت، موقع الطرف، مجلة الفكر الجديد، ع 9، شهر صفر 1415 ه، - مصاحف الإمام علی - عليه السلام -، بحث، أ. د. عبد الله السوداني، مجلة المصباح ع 2، صيف 2010 - 1431 ه.

ص: 166

المحتويات

الاهداء...5

مقدمة المؤسسة...7

المقدمة...9

الفصل الأول

تفسير الإمام علي (عليه السلام) المغيّب للقرآن الكريم

المدخل: شخصية أمير المؤمنين الفكرية...13

القرآن في رؤية أمير المؤمنين (عليه السلام)...20

التفسير والتأويل...26

احتجاجاته القرآنية...34

التفسير المغيّب...37

تفسير الإمام علي (عليه السلام) وأهميته:...39

أهمية تفسير الإمام علي (عليه السلام):...47

منهجه في التفسير:...51

نماذج مختارة من تفسير ه المغيّب...58

التفسير في نهج البلاغة...93

علي (عليه السلام) والقرآن...101

ص: 167

الفصل الثاني

الدعاء عند أمير المؤمنين (عليه السلام) - أدعية نهج البلاغة أنموذجاً

المدخل: الدعاء ونهج البلاغة...113

عناصر الدعاء في نهج البلاغة...123

بلاغة الدعاء في نهج البلاغة...125

أغراض الدعاء في نهج البلاغة...127

صور بلاغية في أدعية نهج البلاغة...141

الاقتباس القرآني في أدعية أمير المؤمنين (عليه السلام)...142

الخاتمة...147

المصادر والمراجع:...155

ص: 168

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.