موسوعه العلماء : لقاء العلماء بالإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف

اشارة

موسوعه العلماء : لقاء العلماء بالامام الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف

جمع وإعداد: فارس فقيه

دَارُالمُحَجّةِ البَيضَاء - دارالرَّسول الأکرم - بيروت. لبنان

خیراندیش دیجیتالی : انجمن مددکاری امام زمان (عج) اصفهان

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

موسوعه العلماء

لقاء العلماء

بالامام الحجة "عجل الله تعالی فرجه الشریف"

جمع وإعداد فارس فقيه

دارالمحجة البيضاء

دار الرسول الاکرم

ص: 3

الكتاب : لقاءات العلماء بالإمام الحجة "عجل الله تعالی فرجه الشریف"

جمع وإعداد : فارس فقيه

إخراج وإعداد: مرکز دار العلم للدراسات والأبحاث

الناشر: دار المحجة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع

تلفون: 01/552847

جميع حقوق الطبع محفوظة

الطبعة الأولى

بيروت - 2003

بيروت. لبنان. حارةحريك. ص.ب : 14/5479

تلفاکس : 01/552847 - خليوي : 03/287179

ص: 4

مقدمه

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على خير الأنام وسيد الأكوان ورسول الإنس والجان حبيب إله العالمين وعلى آله الطاهرين سادة الغر المحجلين ورحمة الله وبركاته.

هل من الطبيعي أن نعتقد بحياة إنسان حي منذ ألف ومئة سنة؟

هل هو أمر معقول؟

كيف أواجه الآخرين بهذه المعتقدات؟ أليست هي في بعض الأحيان مدعاة للاستغراب والعجب؟ وهل يلتقي أشخاص حقا بهذا الرجل الحي منذ ألف ومئة سنة؟

نعم، إن مثل هذه الأسئلة تدور في خلد كثيرِ من الأشخاص وخصوصأ مَن لم يطلع منهم ويبحث في هذا الموضوع.

لهذه الأسئلة أجوبة منها ما هو نقلي، وما هو عقلي، وما هو اجتماعي.

أ- الأدلة النقلية: ذكر لنا القرآن قصصا في العديد من الآيات عن أشخاص عاشوا مددا طويلة أو مازالوا أحياء حتى يومنا هذا.

فمنهم نوح: حيث لبث في قومه 950 سنة يدعوهم عدا عن المدة التي قضاها بعد الطوفان «فَلَبِثَ فِيهِمۡ أَلۡفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمۡسِينَ عَامٗا» (1)، فمن الناحية القرآنية يمكن للإنسان أن يعيش فوق ألف سنة، وهذا عزير أماته الله مائة عام ثم أحياه «فَأَمَاتَهُ

ص: 5


1- سورة العنكبوت، آية 14

اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ» (1)

وإن دلت الآية فإنها تدل على المقدرة الإلهية في حفظ الحياة وبثّها من جديد من أي إنسان يختاره الله لمهمة ما.

وكذلك أصحاب الكهف حيث ناموا في الكهف (309 سنة).

وهناك أشخاص رفعهم الله إليه ومازالوا أحياء منذ آلاف السنين، فمنهم إدريس لم يتوفّه الله في الأرض بل رفعه مكانا عاليا واذكر في الكتاب إدريس أنه كان صديقا نبية، «وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا» (2) وعيسی (علیه السلام) أيضا رفعه الله ولم يتوفّه وسيعيده إلى الأرض في آخر الزمان مع وصي محمد (صلی الله علیه و اله) الإمام الثاني عشر ويصلي خلفه.

يذكر البخاري هذا الموضوع في باب نزول عيسى بن مريم في كتاب بدء الخلق (كيف أنتم إذ نزل ابن مريم فيكم وإمامكم فيكم) أرجوملاحظة كلمة ( إمامكم منكم في حق الإمام المهدي).

وليس هناك فرق بين أن يحتفظ الله بحياة وليه آلاف السنين في مكان مرتفع أو مكان منخفض فإذا كان الله يحفظ عيسی (علیه السلام) وإدريس (علیه السلام) في السماء فإن له القدرة دون شك على أن يحيي أولياءه نفس المدة في الأرض.

أضف إلى ذلك أن القرآن ذكر لنا عدة شخصيات تعيش منذ آلاف السنين حتى يومنا هذا.

1- إبليس اللعين: هو حي يغوي الناس منذ آلاف السنين، نعم إن حياته مرتبطة بالوعد الإلهي الذي أعطاه إياه بأن ينظره إلى يوم يبعثون لكن القادر على أن يمنح إبليس الحياة إلى آخر الزمان قادر أن يمنح أولياءه الحياة إلى آخر الزمان.

ص: 6


1- سورة البقرة، أیة 3259
2- سورة مريم، آية 56 - 57

2 - السامري: ورد اسمه في سورة طه، الآيات 95، 96 ،97: «قال فماخطبك يا سامري * قال بصرت بمالم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي * قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وأن لك موعدا لن تخلفه * وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفألنحرقنّه ثم لننسفنه في اليم نسفا » وكيف أضل قومه فغضب عليه الله وجعله يعيش في الحياة الدنيا حتى قيام الساعة في الوديان والبراري مخافة أن يمسه أحد فيموت لذلك فهو إذ ما التقى أحد يقول له لا مساس، لا مساس.

وقد رأى بعض الثقاة قصة السامري معروفة ومنقولة في كتب التفاسير.

3- الخضر (علیه السلام) ( العبد الصالح) وقد ذكر في سورة الكهف في الآية 65: «فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا»وقصته معروفة والخضر(علیه السلام) عايش الكثير منا الأنبياء وهو حي حتى يومنا هذا يذكره معظم علماء المسلمين. والخضر (علیه السلام) كان في زمن إبراهيم (علیه السلام) وعايش الكثير من الأنبياء ورافق موسی (علیه السلام) وما بين إبراهيم وموسى حوالي ألف سنة.

ب - أما في شق الروايات والأحاديث فهي بالآلاف وتدعم ما ذكر في القرآن في حق جميع المذكورين سابقا أضف إليهم النبي إلياس الذي نؤمن بوجوده منذ آلاف السنين وأنه يلتقي سنويا بالإمام الحجة (علیه السلام) في موسم الحج وإنهما أميرا الحج.

وفي موضوع الروايات يجب الاعتقاد أولا بالأئمة الإثني عشر بعد دهم وأسمائهم وبأن المهدي هو الإمام الثاني عشر "عجل الله تعالی فرجه الشریف".

ثانيا: يجب الاعتقاد بأن الإمام الثاني عشر (وهو ابن الإمام العسكري) حي حتى يومنا هذا.

يذكر البخاري في التاريخ الكبير ج1 ص 446 حديثا عن رسول الله (صلی الله علیه و آله): يكون بعدي اثنا عشر خليفة، وفي حديث آخر: «الأمراء من بعدي اثني عشر»

ص: 7

يذكر مسلم: لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، وذكر مثله ابن حنبل في مسنده وأبو داود وابن كثير والنسائي والسيوطي.

فمن ناحية العدد على المؤمن السني والشيعي أن يؤمن بأن خلفاءه وأئمته هم اثنا عشر إماما شاء أم أبي.

وقد قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي فعضوا عليهم بالنواجذ» ولكن النبی (صلی الله علیه و آله) حدد للمسلمين أن الخلفاء من بعده اثنی عشر.

ج - فيما يتعلق بأسمائهم: ورد في ينابيع المودة عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قدم يهودي يقال له نعثلا فقال: يا محمد أسألك عن أشياء تلجلج في صدري إلى أن قال... فقال رسول الله: إن وصيي علي ابن أبي طالب وبعده سبطاي الحسن و حسین تتلوهما تسعة أئمة من صلب الحسين، قال: يا محمد فسمهم لي، قال: إذا مضى الحسين فابنه علي فإذا مضى علي فابنه محمد فإن مضى محمد فابنه جعفر فإذا مضى جعفر فابنه موسى فإذا مضى موسى فابنه علي فإذا مضى علي فابنه محمد فإذا مضی محمد فابنه علي فإذا مضى علي فابنه الحسن فإذا مضى الحسن فابنه الحجة محمد المهدي فهؤلاء اثنا عشر.

إلى أن قال: وإن الثاني عشر من ولدي يغيب حتى لا يرى ويأتي على أمتي زمن لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا يبقى من القرآن إلا رسمه حينئذ یأذن الله تبارك وتعالى له بالخروج فيظهر الله الإسلام به ويجدده.

وقد ورد ذكر أسماء الأئمة (ع) في أكثر من مصدر من مصادر أهل السنة ومنها بأكثر من مصدر وروي في ينابيع المودة وفرائد السمطين ودرر السمطين ومقتل الحسين (علیه السلام) ومناهج الفاضلين والمحجة على ما في الينابيع وغيرها الكثير من الكتب والمصادر.

ص: 8

وأما عن طول عمره فيقول البيهقي الفقيه الشافعي الحافظ الكبير المشهور عند أهل السنة (اختلف الناس في أمر المهدي فتوقف جماعة وأحالوا العلم إلى عالمه واعتقدوا أنه واحد من أولاد فاطمة بنت رسول الله (صلی الله علیه و آله) يخلقه الله متى يشاء يبعثه نصرة لدينه وطائفة يقولون أن المهدي الموعود ولد يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وهو الإمام الملقب بالحجة القائم المنتظر محمد بن الحسن العسكري وأنه دخل السرداب بسر من رأي وهو مختف عن أعين الناس منتظر خروجه وسيظهر ويملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورة وظلما ولا امتناع لطول عمره وامتداد أيامه كعيسى بن مريم والخضر (علیه السلام) وهؤلاء الشيعة وخصوصا الإمامية ووافقهم عليه جماعة من أهل الكشف.

وقد ذكر العديد من علماء السنة اسم المهدي ( الإمام محمد بن الحسن العسكري) (عجل الله تعالی فرجه الشریف) ومن يريد المراجعة فعليه بكتاب إلزام الناصب - أو حياة أولى النهى الإمام المنتظر والبرهان على وجود صاحب الزمان.

ب - في الجانب العقلي: يمكن الاستدلال بطريقتين:

1- الاستدلال العلمي.

2 - الاستدلالي العقلي.

1- الاستدلال العلمي: يرى الطب الحديث أن كل جزء من أجزاء الجسم له القابلية على أن يعيش آلافا من السنين ولأن الجسم مركب من أجزاء كثيرة وأعضاء متعددة فإن أي خلل يحصل في بعضها يؤثر على بقية أعضاء الجسم فتنعدم الحياة وذكرت مجلة المقتطف ص240 الجزء الثاني سنة 1959 أن علماء الطب يعلمون أنه بالإمكان أن يبقى الإنسان حيا آلاف السنين إذا لم تعرض عليه عوارض تصرم جل حياته وإنما التجارب أكدت أن الإنسان لا يموت بسبب بلوغ عمره الثمانين أو المائة بل لأن العوارض تنتاب بعض أعضائه فتتلفها وبسبب ارتباط بعضها ببعض تموت كلها

ص: 9

فإذا استطاع العلم أن يزيل هذه العوارض ويمنع فعلها لم يبق مانع من استمرار الحياة مئات السنين.

2 - الاستدلال العقلي: أن الإنسان الذي يستدل بالبرهان والدليل على الإيمان بالله تعالى وصفاته وأسمائه وأفعاله وأسبابه في الكون ويؤمن برسله وحسابه وجنته وناره يستطيع بكل سهولة أن يؤمن بقدرة الله على إبقائه على قيد الحياة وليا له من الأولياء.

فكيف إذا كان وليه الأعظم وخاتم أولياء النبي (صلی الله علیه و آله)؟

لذا فالذي يؤمن عقلا بالله ويؤمن برسله ويؤمن بأنه ملك الأسباب ومحيط بجميع الأمور، يؤمن بحكمته وعلمه وقدرته وأسبابه في إخفاء وليه عن الأعداء حتى يظهره على الدين كله.

ومن ناحية أخرى إن الطبيعة الإنسانية ترفض مبدأ العبثية في الكون بل يعتقد الإنسان العاقل بهدفية الحياة وبأن الكون له أسباب ونظام ولا يمكن للصدف والعشوائية والعبثية التحكّم في أسبابه لذلك فمن العدل الإلهي أن تصل البشرية إلى حل عادل في الحياة الدنيا وهذا ما وعد الله به رسله لأغلبن أنا ورسلي أو كوعده للمؤمنين أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة وتجعلهم الوارثين) فالعقل

الإنساني يرشد الإنسان بأنه لا بد من خلاص للناس من الظلم والجهل والفقر والإنحطاط وأن الرحمة الإلهية ستنتشل هؤلاء المحرومين وتتفضل عليهم بالعدل والقسط والسعادة.

ج- في الجانب الإجماعي: هل أن فكرة الولي الحي منذ ألف سنة موجودة فقط عند الشيعة الأمامية دون غيرهم؟ أو أن الآخرين يؤمنون بها كذلك.

الجواب هو: يؤمن اليهود بحياة الخضر وإلياس والسامري حتى يومنا هذا ويؤمن المسيحيون بحياة مار الياس ومار جرجس «أي النبي إلياس (علیه السلام) والخضر (علیه السلام)» ويؤمن

ص: 10

المسلمون السنة بحياة إلياس والخضر كما يذكر الثعلبي حتى يومنا هذا بل وأكثر من ذلك بل يؤمن المسلمون السنة بالدجّال بأنه حي وقد رآه العديد من الصحابة في زمن النبي (صلی الله علیه و آله) كما أورد مسلم وابن ماجه وأن الدجّال حي وهو قائد لواء الكفر في آخر الزمان.

عندما يؤمن اليهود والنصارى والمسلمون السنة بوجود أشخاص أحياء منذ أكثر من ألف وألفين وثلاثة آلاف سنة فلما الاستغراب عندما يؤمن المسلمون الشيعة بوجود الإمام المهدي "عجل الله تعالی فرجه و الشریف" وقد ذكره القرآن والتوراة والإنجيل (1) وورد ذكره في كتب الأحاديث كافة (2).

وعندما يتم الاعتقاد بالدجّال قائد لواء الكفر بأنه حي حتى يومنا هذا لأن بعض الصحابة رأوه فمن الطبيعي والأولى أن يكون ولي الله وقائد لواء الحق والإيمان حيا حتى يومنا هذا، اللهم عجل فرج آل محمد بظهور الحجة "عجل الله تعالی فرجه الشریف".

في هذا الكتاب مجموعة من لقاءات علمائنا الأجلاء ومراجعنا العظام بولي الله في الأرض صاحب العصر والزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف" ، وقد تناقلها الثقاة ودونها العلماء حتى تكون آية وعبرة للمؤمنين وفيها بعض القصص المؤثرة حقا نسأل الله أن يمنّ علينا برؤية الطلعة الرشيدة والعزة الحميدة وأن يجعلنا من المستشهدين بين يدي إمامنا وقائدنا وحبيب قلوبنا أرواحنا لتراب مقدمة الفداء والحمد لله رب العالمين.

ص: 11


1- راجع المهدي في الإنجيل، وراجع المخلص بين المسيحية والإسلام،وراجع بشائر الأسفار في محمد وآله الأطهار ، وراجع أهل البيت في الكتاب المقدس
2- راجع معجم أحاديث الإمام المهدي أكثر من سبعة آلاف حديث لدى الطرفين

ص: 12

العلماء والإمام الحجة"عجل الله تعالی فرجه الشریف"

اشارة

ينقل المرحوم الحاج نوري في كتابه (النجم الثاقب) أن العالم الفاضل الشيخ باقر الكاظمي المعروف بأل طالب قال: إن شخصا مؤمنا اسمه الشيخ حسين رحيم من عائلة معروفة باسم آل رحيم نقل الحكاية التالية عن نفسه.

كما أيدها العالم الفاضل الكامل العابد مصباح الأتقياء الشيخ طه، وهو إمام جامع مسجد الهندي في النجف الأشرف ومورد اعتماد الخاص والعام أن الشيخ حسين رحيم كان من المتدينين والمقدسين ومن طينة طاهرة.

حيث كان الشيخ حسين في شبابه قد أصيب بمرض الربو المزمن والسعال المستمرالذي يصاحبه بعض الدم أحيانا، ولم يجد له علاجا لعدة سنوات.

كما كان هذا الشيخ فقيرا جدا بحيث لا يجد قوت يومه وغالبا ما كان يذهب إلى أطراف مدينة النجف ليتعرف على البدو القاطنين هناك ويسألهم الطعام.

وفي هذه الأثناء وقع نظره على ابنة الجيران الجميلة فوله بها وعشقها وأحبّها حبا جما فتقدم لخطبتها لكن أهل الفتاة وبسبب فقره ومرضه لم يوافقوا على الزواج.

أثرت هذه المصائب عليه تأثيرا سيئا وهي الفقر والمرض والعشق، حتى جعلته يلتجئ إلى عمل شيء معروف في تلك الأيام في النجف الأشرف وهو أن يقضي أربعين ليلة أربعاء في مسجد الكوفة حتى يرى صاحب الزمان "عج الله تعالی فرجه الشریف" ويطلب حاجته منه.

وفعلا بدأ في زيارة مسجد الكوفة كل ليلة أربعاء والبقاء هناك حتى الصباح على

ص: 13

أمل رؤية إمام العصر والزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف"

ويقول المرحوم الشيخ باقر الكاظمي نقلا عن الشيخ حسين قوله: لقد قضيت أربعين ليلة أربعاء في هذا المسجد وفي تلك الليالي الشتائية الباردة والممطرة أحيانا لكنني لم أشاهد شيئا ولما كنت أسعل دما في أغلب الأحيان وتحاشيا للبرد كنت أحمل معي دلة قهوة وأشعل نارا للدفء.

وفي آخر ليلة أربعاء، جلست على دكة باب المسجد وأنا أرتجف من البرد، لأنني لم أكن أملك حتى إزارة أتقي فيه غائلة البرد الملعون.

ولما كانت هذه آخر ليلة ولم أشاهد فيها حبيبي وإمام زماني، فقد شعرت بالحزن والأسى، وملأ قلبي الغم والهم، وأظلمت الدنيا في عيوني. فناجيت ربي متضرعا وقلت:

إلهي لقد قضيت أربعين ليلة حتى الصباح في هذا المسجد وأنا أتعبد وأتضرع إليك حتى تشرّفتي برؤية بقيتك في أرضك وأطلب منه حوائجي ولكنني لم أر شيئا لحد الآن.

فأرجوك يا إلهي أن لا تخيّب أمل فقير ومريض وعاشق جاء يطرق باب رحمتك ويرجو القاء حبيبك وآخر عترة نبيك.

وفي هذه الأثناء وأنا أناجي ربي، لاحظت أعرابيا قادما إلي من طرف الباب الثاني من المسجد.

وعندما شاهدته شعرت بالضيق وعدم الراحة وقلت في نفسي: إن هذا الأعرابي جاء في مثل هذه الساعة من الليل ليشرب قهوتي ويحرمني منها.

على أية حال وصل الأعرابي وسلم علي فرددت له السلام، ثم جلس بجانبي وقال: كيف حالك يا شيخ حسين!

عجبت في بادئ الأمر من هذا الرجل كيف عرف اسمي، لكني قلت في نفسي ربما يعرفني شخصيا وأنا لا أعرفه لكثرة ترددي على البدو في أطراف النجف والكوفة طلبا

ص: 14

للرزق أو الطعام.

فسألته: من أي عشيرة أنت يا أخا العرب؟

فقال: من بعض الأفخاذ.

فأخذت أذكر أسماء العشائر المحيطة بالنجف والكوفة واحدة بعد الأخرى وهو يقول: لا لست من هذه العشيرة. وهنا ضحكت وسخرت منه وقلت:

لا بد وأنك من عشيرة الطريطري (وهي كلمة تقال للسخرية من شخص) ولكنه لم ينزعج وابتسم فقط وقال:

لا تزعج نفسك من أية قبيلة أكون، فقط قل لي لماذا جئت إلى هنا؟

فقلت له: ما فائدة أن أقول لك لماذا أتيت إلى هنا؟

فقال: وما الضرر في ذلك إن قلت لماذا جئت إلى هنا؟

وهنا تعجبت من أخلاقه الحسنة وهدوئه العظيم وكلامه المحبب وقليلا قليلا ملت إليه وأحببته أكثر فأكثر.

ثم أخرجت قليلا من التبغ وملأت غليوني وقدمته إليه فقال: أنا لا أدخن، يمكنك التدخين.

ثم صببت له فنجان قهوة فشرب رشفة منها وقال لي: اشرب الباقي فأطعته وشربالباقي.

وفي كل لحظة كانت تمر علي، كنت أشعر بزيادة محبتي وتقربي لهذا الأعرابي الجليل.

ثم قلت له: يا أخا العرب، لقد بعثك الله (تعالى) لي في هذه الليلة لتؤنسني، فهل

ص: 15

ترغب بالذهاب لزيارة ضريح مسلم بن عقيل معي؟ فقال: أجل لكن يجب عليك أن تشرح لي حالك.

فقلت له: طيب. سوف أشرح لك ظروفي وأحوالي وسبب مجيئي إلى هنا. ثم قلت:

إنني أدعى الشيخ حسين رحيم، وأنا فقير جدأ لا أملك طعام يومي منذ أن فتحت عيني ورأيت وعرفت هذه الدنيا وقبل عدة سنوات أصبت بمرض الربو اللعين والسعال الدموي المخيف وقد عجز الأطباء والحكماء من شفائي. كما إنني عشقت فتاة من بيت الجيران، وبسبب فقري وفاقتي ومرضي، امتنع أهلها من تزوبجي بها وفي هذه الأثناء نصحني الملالي والشيوخ بالمبيت أربعين ليلة أربعاء في مسجد الكوفة حتى أرى صاحب الزمان "عجل الله فرجه الشریف" وأطلب منه حاجتي وشفائي منه.

وهذه آخر ليلة أربعاء أقضيها في هذا المسجد وفي هذا البرد القارس وحتى الآن لم أر شيئا ولم أقابل أحدة، فقال ذلك الأعرابي الشهم العظيم:

سوف تشفى من مرضك بإذن الله كما ستتزوج قريبأ بتلك الفتاة أما فقرك وفاقتك فسيلازمانك ما دمت حيا!

وهنا لم ألاحظ لهجة الرقة والتأكيد التي يتحدث بها هذا الأعرابي، وقلت له: دعنا نذهب إلى زيارة قبر مسلم بن عقيل.

ثم واصلنا السير حتى قبر مسلم وهنا قال لي:

ألا تصلي ركعتي الزيارة؟ فقلت: أجل.

ثم وقف للصلاة ووقفت خلفه.

وكنت أسمع صلاته وكانت عذبة تدخل شغاف القلب ولم أسمع صوتا أو ترديدا للايات الكريمة مثل تلك اللهجة واللحن العظيم!

ص: 16

وهنا تبادر إلى ذهني: ربما يكون هذا الأعرابي هو صاحب الزمان "عجل الله فرجه الشریف"

وشيئا فشيئا لاحظت نورأ أحاط به وغمر المكان إلى درجة أن الرجل اختفى عن نظري ولكنني كنت أستطيع سماع قراءته للآيات القرآنية في الصلاة. وهنا أصابتني رعدة شديدة وأردت قطع الصلاة ولكنني خفت أن ينزعج من تصرفي فواصلت الوقوف والصلاة وأنا أرتجف مثل سعفة في مهب الريح! وبعد الصلاة لاحظت النور وقد ارتفع إلى قبة مسلم بن عقيل، فأخذت أبكي وأتوسل إليه أن يغفر لي لسوء سلوكي معه وهنا لاحظت النور قد ازداد وغمر المكان كله وهو في حركة دائمة، فوقعت على الأرض من هول المفاجأة وأنا أبكي بحرقة وأخذت أوصالي ترتجف واستمر بي الحال هكذا حتى الصباح ثم عرج ذلك النور الإلهي إلى السماء. ويضيف الشيخ حسين:

بعد هذه الحادثة، شفيت تماما من الربو وبعد عدة أيام تم زفافي إلى حبيبتي ابنة الجيران، لكن فقري وفاقتي لازماني لحد الآن(1)

ص: 17


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 133/ الطبعة الأولى

1- شفاء ولد من الشلل :

وفق أحد أعضاء هيئة أمناء مسجد جمکران قبل عشرين سنة لخدمة هذا المسجد المبارك ونقل لنا القصة التالية:

كانت سنة 1972 او 1973 (لا أتذكر بدقة) وكانت ليلة الجمعة وأنا كالعادة تشرفت بدخول المسجد من مقابل ساحة المسجد القديم بجانب المرحوم الحاج أبي القاسم العامل بالمسجد.

كنت جالسا داخل غرفة مخصوصة لأخذ التبرعات وإعطاء وصولات بها بعد انتهاء صلاتي المغرب والعشاء كان جميع الناس الآيتين من كل جهة

يتبرعون بالمال لهذا المكان المقدس.

في هذا الأثناء أقبلت امرأة وهي تمسك بيد ابنتها البالغة من العمر 12 أو 13 سنة وكانت تشير إليها وبجانبها تلك الصبية، صبي مشلول القدمين عمره حوالي 9 سنوات نظرت إليهم وقلت تفضلوا ماذا تريدون؟ سلمت المرأة ورددت عليها السلام وبدون مقدمة قالت: نذرت الآن إذا شفي الإمام المهدي "عجل الله تعالی فرجه الشریف" ابني في هذه الليلة سأعطي خمسة الآف تومان للإمام المهدي "عجل الله تعالی فرجه الشریف" وسأعطيك الآن ألفا منها.

قلت لها: جئت إلى لتمتحنينني؟

قالت: ماذا أفعل؟

قلت لها فورأ: اجعلي طلبك نقدأ، قولي سأعطي خمسة الاف في سبيل الله واطلب منك شفاء ابني.

ص: 18

فكرت المرأة بعد قليل قالت: قبلت، دفعت الخمسة الآف وأخذت الوصل، ودخلت إلى المسجد بعد ثلاث أو أربع ساعات في أواخر الليل، كنت قد نسيت القضية تماما، جاءت المرأة إلي وفي هذه المرة كانت تمسك بيد ابنها وابنتها في البداية أحسست أنني قد رأيت هذا الصبي ولكن لم أتذكر أين، وفي هذه اللحظة بدأت السيدة بدعاء وقالت لي، أسأل الله أن يعطيك طول العمر يا حاج وأسأله أن يوفقك في حياتك أيضا.

قلت: ماذا حصل يا سيدي؟

قالت: هذا الصبي هو الذي أتيت إليك في أول الليل لعندك لأول مرة ولكن الآن شفى الله ببركة الإمام المهدي "عجل الله تعالی فرجه الشریف" والآن لا يوجد أي أثر من الضعف والشلل ثم قالت: أحلفك بالله أن لا تعلم أحدأ، قلت لها: سيدتي هذه الوقائع والمعاجز ليس غريبة عندنا ونحن نشاهد مثل هذه المعجزات كثيرأ.

قالت: في الأسبوع القادم سأتى بمرافقة زوجي إلى المسجد المبارك وسنجلب غنمأ ثم ودعتني وانصرفت، في الأسبوع القادم رجعت مع جماعتها فذبحوا شاة وأظهروا الشكر الكثير وأنا بنفسي رأيت الطفل وحملته وقبلته والحمد لله الشافي (1)

ص: 19


1- کرامات المهدي

2- أعط هذا الرجل منصب الجندي

يوجد العديد من الرجال الأتقياء الشرفاء الأفاضل في مدينة دزفول ومن ضمنهم محمد علي جولاكر الدزفولي.

ولهذا الرجل الفاضل الشريف حكاية وقعت له قبل أربعة وعشرين عامأ، حيث سمعتها من ثقات أهل دزفول. كما رأيتها في كتاب (الشمس الطالعة) وكتاب (تأريخ حياة الأنصاري) حيث ينقلون ما يلي:

كان الحاج محمد حسین تبریزي أحد تجار مدينة تبريز المحترمين لا ينجب ولدأ مع ما لديه من مال وعقار وغير ذلك.

وعلى الرغم من مراجعاته المتكررة للأطباء، لكنه لم يرزق بولد أو وريث.

ثم يقول التبريزي: ومن أجل أن أرزق بولد ذهبت إلى النجف الأشرف ومن هناك إلى مسجد السهلة لكي أتوسل إلى الإمام الحجة "عجل الله تعالی فرجه الشریف"

وفي إحدى الليالي وفي عالم المكاشفة، رأيت سيدأ مهيبأ عظيما أشار إليّ ثم قال:

اذهب إلى محمد علي جولاکر حتى يستجيب الله دعوتك ويؤمّن حاجتك.

وفي اليوم التالي، حزمتٌ أمتعتي وسافرت إلى دزفول وعندما وصلت المدينةوسألت عنه أعطوني عنوان دكّانه فذهبت إليه فوجدت رجلاً فقيراً حي الضمير مؤمناً بسيطاً، فسلمت عليه ورد السلام وقال: وعليكم السلام يا حاج محمد حسن لقد قُضِيَت حاجتك!

ص: 20

فتعجبت منه كيف عرف اسمي؟ وكيف علم بحاجتي لديه؟ ثم رجوته أن أبقى الليل معه، فقال: لا مانع عندي.

فدخلتُ الدكان وجلست عنده حتى المغرب حيث توضأنا وصلينا المغرب والعشاء سوية.

وبعد مُضيّ قليل من الليل، أحضر العشاء وكان خبزاً ولبناً فأكلنا حتى شبعنا ثم حمدنا الله (تعالى) على نعمته ثم نمنا في الدكان وفي الصباح صلينا الصبح وقرأ بعض الأدعية والتعقيبات ثم بدأ عمله في حياكة الكرباس فقلت له:

إنني حينما جئت إليك كانت لدي حاجتان عندك. وقد قلت ليلة أمس إن واحدة منهما قد قُضيتٌ والحمد لله أما الثانية فهي إنني أسألك: ماذا فعلت حتى وصلت إلى هذا المقام المحمود عند الله، حيث نصحني الإمام (ع) أن آتي إلى خدمتك هنا في دزفول وأنت تعرف اسمي وحاجتي؟!

قال: يا حاج حسن، لماذا تسأل كل هذه الأسئلة؟

لقد قلت لك إن حاجتك قضيت، فالأفضل أن تشكر الله (تعالى) وترجع إلى بيتك.

فقلت له: إنني ضيفك وحق الضيف على صاحب الدار، لذا أرجوك أن تشرح لي حياتك وكيف وصلت إلى هذه الدرجة الرفيعة من الإيمان والمكاشفة؟! وإن لم تفعل فإنني لن أتركك وسوف أبقى معك.

فقال: لقد قضيت عمري في حياكة الكرابيس في هذا المحل وكان قبالة دكاني هذا منزل رجل من رجالات الدولة الظالمين، حيث كان يحرس داره جندي طوال الليل والنهار.

وفي أحد الأيام جاءني الجندي وسألني:

يا أخ محمد، من أين تشتري وتؤمّن غذاءك؟

ص: 21

فقلت له: إنني أشتري في السنة الواحدة مائة (مَن) (1) من الحنطة والشعير وأطحنها وأخبزها وأعيش عليها مدة عام واحد وأنا وحداني لا ولد ولا تلد ولا عائلة لديّ.

فقال الجندي: إنني وحيد هنا وليس لي صديق يحفظ سري وأخاف أن آكل من طعام هذا الظالم الذي أخدمه، وإذا لم يكن لديك مانع فأرجوك أن تشتري لي أيضأ مائة (مَن) حتى تعطيني كل يوم قرصين من الخبز وأكون لك من الشاكرين.

فوافقتُ على طلبه واشتريتُ له الشعير والحنطة وكنت أعطيه كل يوم قرصينمن الخبز ليعتاش بهما.

وفي أحد الأيام تأخر ذلك الجندي عن موعده، فذهبت إلى دار الوزير لأسأل عنه فقالوا: مريض. وعندما جلست معه رجوته أن أجلب له طبيباً ليداويه فقال:

لا حاجة في بذلك لأنني سوف أذهب في منتصف هذه الليلة، وإذا متُّ فسوف يأتي شخص إليك ويخبرك عن موتي فتعال هنا وأنجز ما يطلبونه منك، أما باقي الطحين فهو لك حلالاً تلاً.

وعندما أبديت رغبتي في البقاء بجانبه في الليل، أبى ذلك فرجعت إلى دكاني.

وفي منتصف الليل انتبهت على طرق باب الدكان وشخص يناديني: أخرج يا محمد علي. فخرجت من الدكان ورأيت شخصاً لا أعرفه حيث قادني إلى مسجد المحلة فرأيت الجندي مسجي في التابوت وحوله رجلان لا أعرفهما أيضاً.

ثم قالوا لي: ساعدنا لنأخذ الجنازة إلى النهر ونغسلها، فحملنا نعش الجندي وذهبنا إلى الجدول القريب من المنطقة وغسلنا الميت وكفّناه وقرأنا صلاة الميت عليه ثم جئنا به إلى مقبرة بجانب المسجد فدفناه فيها. ثم رجعت إلى دكاني.

ص: 22


1- المن: وحدة قياس للوزن كانت تستعمل في الماضي وهي تساوي

وبعد عدة ليالٍ طرق أحدهم باب دكاني ففتحت الباب ورأيت شخصاً يقول: يا محمد علي يريدونك فتعال معي. فأطَعتُ أوامره وذهبت مع ذلك الطارق الليلي وسرنا طويلاً حتى وصلنا الفلاة وبداية الصحراء وكانت منورة بشكل عجيب وكأنّه قد أشرف الصباح، وبعد فترة وصلنا إلى صحراء النور (وتقع هذه الصحراء في شمال دزفول) ورأينا عن بعد بعض الأشخاص جالسين يتسامرون ويتحدثون وشخص آخر واقف في خدمتهم.

ولاحظت أن بين تلك الجماعة الجالسة، شخص نوراني مهيب الطلعة حلو الشمائل عظيم الشأن فعلمت أنه صاحب الأمر والزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف" فأصابتني موجة من الخوف والرهبة وارتجفت أوصالي فكأني ريشهُ في مهب الريح! ثم قال لي ذلك الطارق الليلي:

تقدم قليلاً يا محمد علي. فأطعته وتقدمت بضع خطوات. ثم قال الشخص الواقف: تقدم أكثر. فتقدمت خطوات أخرى.

عند ذاك، قال بقية الله في أرضه "عجل الله تعالی فرجه الشریف" لأحد أفراده: أعط هذا الرجل منصب الجندي لما قدمه من خدمة إلى شيعتنا.

فقلت: يا سيدي ومولاي: أنا عامل أكسب عيشي من حياكة الكرابيس فكيف أكون جنديا عسكرياً؟! (وظننت آنذاك بأنهم يريدون أن يستبدلوني بذلك الجندي عند دار الوزير).

فتبسم الرجل العظيم وقال:

نحن نريد أن نعطي منصب ذلك الجندي لك.

ثم قلت الجواب نفسه بأنني لست جندياً.

فقال - روحي له الفداء - مرة ثالثة:

إننا نريد أن نعطيك منصب ذلك الجندي وليس أن تكون جندية مثله وسوف تكون

ص: 23

مكانه فعلا فاذهب الآن.

رجعت وحدي في ذلك الليل البهيم البارد، وعشت وحدي منذ ذلك الوقت والحمد الله آخذ من سيدي ومولاي بقية الله في أرضه (ع) الأوامر وأنفذها وحاجتك كانت إحدى تلك الأوامر(1)

ص: 24


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 127/ الطبعة الأولى

3- في الليلة الظلماء

أيام تحصيلي(1) للعلوم الدينية وفقه أهل البيت عليهم السلام في النجف الأشرف، أشتقت كثيراً لرؤية جمال مولانا بقية الله الأعظم عجل الله فرجه الشريف، وعاهدت نفسي أن أذهب ماشياً في كل ليلة أربعاء إلى مسجد السهلة وذلك لمدة أربعين يوماً، قاصداً زيارة مولانا صاحب الأمر عليه السلام، لأفوز بذلك الفوز العظيم.

أدمت هذا العمل إلى (36) أو (35) ليلة أربعاء، وصادف أني تأخرت في إحدى هذه الليالي عن خروجي من النجف الأشرف، وكان الهواء غائماً ممطراً، وكان بقرب مسجد السهلة خندق، وحين وصولي إليه في الليل المدلهمّ مع وحشة وخوف قطاع الطريق، وكانوا كثيرين آنذاك، سمعت صوت قدم من خلفي مما زاد في وحشتي ورعبي، فنظرت إلى الخلف، فرأيت سيداً عربياً بزي أهل البادية، اقترب مني وبلسان فصيح قال: يا سيد سلام عليكم، فشعرت بزوال الوحشة كلها من نفسي واطمأنت وسكنت، والعجيب كيف التفت إلى أني سيد في مثل تلك الليلة المظلمة؟ وغفلت عن هذا، إذ كيف يمكن التمييز في سواد الليل.

على كل تحدثنا وسرنا، فسألني أين تقصد؟ قلت: مسجد السهلة، فقال بأي قصد؟

قلت: بقصد التشرف بزيارة ولي العصر عليه السلام.

بعد خطوات وصلنا إلى مسجد زید بن صوحان، وهو مسجد صغير بالقرب من مسجد السهلة، فقال السيد العربي: حبّذا أن ندخل هذا المسجد ونصلي فيه ونؤدي تحية المسجد، فدخلنا وصلى ثم قرأ السيد دعاء خاصاً بالمسجد وكأن الجدران والأحجار كانت تقرأ معه، فشعرت وأحسست بثورة عجيبة في نفسي، أعجز عن

ص: 25


1- السيد المرعشي النجفي

وصفها، ثم بعد الدعاء قال السيد العربي: يا سيد أنت جوعان، حبذا لو تعشيت، فأخرج مائدة من تحت عباءته، وكان فيها ثلاثة أقراص من الخبر واثنتان أو ثلاثة خيارات خضراء طرية وكأنها توأ قطفت من البستان وكانت - آنذاك - أربعينية الشتاء ذلك البرد القارص، ولم ألتفت إلى هذا المعنى أنه من أين أتى بهذا الخيار الطري في هذا الفصل الشتويي؟ فتعشينا كما أمر السيد، ثم قال: قم لنذهب إلى مسجد السهلة، فدخلنا المسجد وكان السيد العربي يأتي بالأعمال الواردة في المقامات، وأنا أتابعه، وصلى المغرب والعشاء فاقتديت به وكأني لا أملك خياري، ولم ألتفت في من يكون هذا السيد؟ وبعد الفراغ من الأعمال قال السيد العربي: يا سيد هل تذهب مثل الآخرين بعد الأعمال إلى مسجد الكوفة أو تبقى في مسجد السهلة، فقلت: أبيت في المسجد، فجلسنا في وسط المسجد في مقام الإمام الصادق عليه السلام .

قلت للسيد: هل تشتهي الشاي أو القهوة أو الدخانيات حتى أعقده لكم؟ فأجاب بكلمة جامعة (هذه الأمور من فضول المعاش، ونحن نتجنب فضول المعاش).

أثرت هذه الكلمة في أعماق وجودي، كنت متى ما أشرب الشاي وأتذكر ذلك الموقف وتلك الكلمة ترتعد فرائصي.

وعلى كل حال، طال المجلس بنا ما يقارب الساعتين، وفي هذه البرهة جرت وذكرت مطالب أشير إلى بعضها:

ا- جرى حديث حول الاستخارة فقال السيد العربي: يا سيد كيف عملك للاستخارة بالسبحة فقلت: ثلاث مرات صلوات وثلاث مرات (أستخير الله برحمته خيرةً في عافية) ثم أخذ قبضة السبحة، وأعدها، فإن بقي زوج فغير جيدة. وإن بقي فردّ فجيدة ، فقال السيد: لهذه الاستخارة تتمة لم تصل إليكم، وهي عندما يبقى الفرد لا يحكم فوراً أنها جيدة بل يتوقف، ويستخير مرة أخرى على ترك العمل فإن بقي زوج فيكشف أن الاستخارة الأولى كانت جيدة وإن بقي فرد فيكشف أن الاستخارة وسط.

ص: 26

وفي نفسي قلت حسب القواعد العلمية على أن أطالبه بالدليل فسألته عن ذلك، فأجاب: وصلنا من مكان رفيع فوجدت بمجرد هذا القول التسليم والانقياد في نفسي، ومع هذا لم أنتبه للسؤال عمّن يكون هذا السيد؟

2 - ومن مطالب تلك الجلسة تأكيد السيد العربي على تلاوة هذه السور بعدالفرائض الخمس بعد صلاة الصبح (سورة يس) وبعد الظهر (سورة عمّ) وبعد العصر (نوح) وبعد المغرب ( الواقعة)وبعد العشاء (الملك).

3- ومن المطالب تأكيده على ركعتين بين المغرب والعشاء في الأولى تقرأ أي سورة شئت بعد الحمد، وفي الثانية تقرأ الواقعة، وقال تكفي هذه عن قراءة سورة الواقعة بعد صلاة المغرب كما مر (أي إذا قرأتها في الصلاة فلا داعي لقراءتها مرةً ثانية بعد صلاة المغرب.

4- ومن المطالب: تأكيده على هذا الدعاء بعد الفرائض الخمس ( اللهم سرحني من الهموم والغموم ووحشة الصدر(1) ووسوسة الشيطان برحمتك يا أرحم الراحمين).

5- ومن المطالب: التأكيد على قراءة هذا الدعاء بعد ذكر الركوع في الفرائض الخمس سيما الركعة الأخيرة ( اللهم صل على محمد وآل محمد وترحم على عجزنا وأغثنا بحقهم).

6- لقد مدح كتاب «شرايع الإسلام، للمحقق الحلي وقال: كله مطابق للواقع إلا عدة مسائل.

7 - التأكيد على تلاوة القرآن وإهداء ثوابها للشيعة الذين ليس لهم وارث أو لهم ولكن لم يذكروا أمواتهم.

8- في الصلاة يوضع تحت الحنك كما عند علماء العرب فإنه يدار تحت الحنك ويوضع رأسه في العمامة، وقال ورد في الشرع.

ص: 27


1- في كتاب منتقم حقيقي ص 430؛ ينتهي الذكر عند كلمة الصدري

9 - التأكيد على زيارة سيد الشهداء عليه السلام.

10 - دعا في حقي فقال: جعلك الله من خدمة الشرع.

11- قلت له: لا أدري هل عاقبة أمري خير وهل وجهي أبيض عند صاحب الشرع المقدس فقال: عاقبتك إلى خير وسعيك مشكور وأنت مبيض الوجه.

قلت لا أدري هل أبواي وأساتذتي وذوو الحقوق علي راضون؟ فقال: كلهم راضون عنك ويدعون لك.

فطلبت منه أن يدعولي أن أوّفق للتأليف والتصنيف فدعا لي.

وهناك مطالب أخرى لا مجال لتفصيلها(1)

فأردت الخروج من المسجد الحاجة، فأتيت الحوض وهو في وسط الطريق وقبل أن أخرج من المسجد تبادر إلى ذهني أي ليلة هذه؟ ومن هذا السيد العربي صاحب الفضائل؟ ربما هو مقصودي فما أن خطر هذا على بالي حتى رجعت مضطرباً فلم أجد لذلك السيد أثراً ولم يكن في المسجد أحد فعلمت أني وجدت من أتحسّس عنه، ولكن أصابتني الغفلة، فبكيت ناحباً، كالمجنون ورحت أطوف أطراف المسجد حتى الصباح كالعاشق الولهان الذي ابتلی بالهجران بعد الوصال وكلما تذكرت تلك الليلة ذهلت عن نفسي وهذا إجمال من تفصيل(2)

ص: 28


1- في ما كتبه المقدس السيد المرعشي إلى صاحب كتاب «منتقم حقيقي»وطبع فيه، زيادة عما ذكر هنا ... وهي بعض التفصيل الذي ذكر سماحته أنه لا مجال له، أنقله عن الكتاب المذكور تعميماً للفائدة: من الأمور التي تم التأكيد عليها قراءة هذا الدعاء في القنوت:«اللهم صل على محمد وآله. اللهم إني أسألك بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها أن تصلي على محمد وآله وأن تفعل بي ما أنت أهله ولا تفعل بي ما أنا أهله برحمتك يا أرحم الراحمين»منتقم حقیقي (فارسی) /430.
2- کرامات السيد المرعشي النجفي، ص 97، الطبعة الأولى

4- إنهض فصاحب الزمان "عج الله تعالی فرجه الشریف" يريد أن يراك

يعتبر مسجد جامکران مكاناً لعشاق رؤية ولقاء صاحب الزمان . روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمة الفداء ..

ويتساءل المرء: لماذا أصبح هذا المسجد العظيم مكاناً للقاء المهدي المنتظر "عج الله فعالی فرجه الشریف" وكيف تم بناؤه؟

لقد تم إنشاء هذا المسجد قبل ألف عام على أن يكون مكتباً لطلاب الحوزة العلمية في مدينة قم التي كانت مجرد فكرة لم يتم إنجازها، حتى يمكنهم لقاء صاحب الأمر والزمان"عجل الله فعالی فرجه الشریف"

ويعتبر اليوم أهم مكان يجتمع فيه الناس من أجل ذكر الحجة بن الحسن (علیه السلام) ودعوته لقضاء حوائجهم.

ونحن إذا أردنا أن نذكر القصص والحكايات والحوادث التي تم فيها اللقاء بين إمام العصر والزمان والمحبين له لكانت لدينا مئات أو أكثر من القصص والأحاديث عن ذلك.

ولكن وبسبب أن بعض الناس لا يريد ولا يرضى بنقل وذكر قصة لقائه بالحجة المنتظر"عجل الله تعالی فرجه الشریف" وبعضهم يعتبر ذلك جزءاً من أسرار أهل بيت العصمة والنبوة (عليهم أفضل الصلاة والسلام)، فإننا سنكتفي بسرد ست وستين حكاية موثّقة. ولا بد من التذكر بأن بعض الأعداء العارفين أو الأصدقاء الجهلة غير العارفين يقولون بأن تلك الأحداث إنما حصلت في المنام أو تصور أصحابها بأن حصلت فعلاً.

ص: 29

لكن الحقيقة التي ذكرها الأشخاص وكذلك الروايات المنقولة من الكتب المعتبرة تؤيد صحة وقوعها الحقيقي في عالم اليقظة والحقيقة لا من عالم الرؤى والأحلام.

وخاصة في كتب الأقدمين التي سنبدأ بالحديث عنها.

والقصة هي كما يلي:

جاء في كتاب النجم الثاقب وکتاب تاریخ قم وكتاب مؤنس الحزين أن الشيخ العفيف والعبد الصالح المدعو حسن بن مثلة الجمکراني نقل الرواية التالية:

كنت ليلة الأربعاء في السابع عشر من شهر رمضان المبارك لعام 363 هجري قمري نائماً في بيتي في قرية جمکران عندما أقبلت مجموعة من الرجال إلى داري وأيقظوني من النوم وقالوا: إنهض یا حسن فإن صاحب الزمان الحجة بن الحسن "عج الله تعالی فرجه الشریف" قد أقبل ويريد أن يراك.

فنهضت مسرعاً للقاء ولي العصر . روحي له الفداء . ومن عجالتي حاولت ارتداء قميصي ولكن يبدو أنني ارتديت قميصاً غير قميصي، وإذا بصوت يصدر من الجماعة خارج الدار أن أترك هذا القميص فهو ليس لك، ثم عمدت إلى ارتداء سروالي ولكن العتمة أوقعتني مرة أخرى في الخطأ نفسه فارتديت سروالاً آخر وجاء الصوت مرة ثانية: أن اخلَع هذا السروال فهو ليس لك يا حسن، ثم حاولت البحث عن مفتاح الباب لكن الصوت جاء للمرة الثالثة وهو يقول: لا تبحث عن المفتاح فإن الباب مفتوح فنزلت حتى باب الدار فالتقيت بجماعة من الأكابر والأشراف التي تبدو على محيّاهم العظمة والعزة. وكان ذلك المكان هو مسجد جمکران الحالي.

ولما دقّقت النظر، رأيت سريراً قد نٌصب في الفلاة وقد تدلت من جوانبه المفارش وجلس عليه شاب في سن الثلاثين وبجانبه شیخ هرم وقف لخدمته وقد فتح كتاباً يقرأ فيه.

كما رأيت أكثر من ستين شخصاً حول ذلك السرير وهم مشغولون بالصلاة وقد

ص: 30

ارتدي بعضهم الألبسة البيضاء والبعض الآخر ألبسة خضراء.

ثم دعاني الرجل الكهل وكان الخضر (علیه السلام) وأجلسني بالقرب من ذلك الشاب الذي لم يكن سوى صاحب الزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف".

ثم لفظ ذلك الشاب اسمي قائلاً:

با حسن مثلة اذهب إلى حسن مسلم وقل له: لقد مضت عدة سنوات وأنت تزرع هذه الأرض وتستغلها ومن الآن فصاعداً لا يحق لك أن تستثمرها. كما أن النقود التي حصلت عليها خلال السنوات الماضية يجب أن تنفقها في بناء مسجد في هذا المكان.

ثم قال - روحي له الفداء -: كما عليك أن تقول لحسن مسلم بأن هذه الأرض هي من الأراضي الشريفة المقدسة وقد اختارها البارئ (عز وجل) لقٌدسيتها ولكنك ألحقتها بأراضيك وعليك الآن أن تتخلى عنها وإن لم تفعل فسيحل عليك عذاب لم ولن تتصوره.

ثم قلت لصاحب الزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف" : يا سيدي ومولاي إني إذا قلت هذه الأشياء لحسن مسلم أو للناس فإنهم سوف لا يصدقونني فأرجوك أن تعطيني علامة أو إثبات لذلك.

فقال الإمام الحجة "عجل الله تعالی فرجه الشریف": إننا سنظهر لك علامات على ذلك ولا تفكر بالأمر وعليك أن تذهب إلى أبي الحسن وتأخذه معك إلى حسن مسلم وتقول له ما قلته لك وتأخذ منه الأرض وتبني عليها المسجد بالنقود التي حصل عليها حسن مسلم من زراعة الأرض.

وإذا احتجتم إلى أموال أخرى فخذوها من أوقافي في ناحية أردهال حيث إنني أوقفت نصفها لهذا المسجد، كما عليك أن تخبر الناس بضرورة الاهتمام والرغبة في هذا المسجد وأن يعتزوا به وقل لهم أن يصلّوا فيه أربع ركعات كالتالي:

الركعتان الأولى والثانية باعتبارهما تحية للمسجد تٌقرأ فيهما سورة الحمد، ثم

ص: 31

سبع مرات سورة التوحيد أما التسبيحات في الركوع والسجود سبع مرات أيضاً.

أما الركعتان الثالثة والرابعة فهما صلاة صاحب الزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف"حيث تٌقرأ جملة «إياك نعبد وإياك نستعين» في سورة الحمد مائة مرة وتسبيحات الركوع والسجود سبع مرات أيضاً.

ثم عليهم أن يقوموا بتسبیحات فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) ويسجدوا بعدها ويقولوا (اللهم صل على محمد وآل محمد). مائة مرة.

ثم أضاف المهدي المنتظر (عليه أفضل الصلاة والسلام): «فمن صلاهما فكأنّماصلّى في البيت العتيق».

ثم أشار عليّ بالإنصراف متوجهاً نحو بيتي ولم أتقدم سوى أمتار معدودة حتى ناداني (ع) وقال لي: في قطيع الراعي جعفر کاشاني يوجد عنزة بٍلقاء وشعرها كثيف ولها سبع علامات أربع منها في أحد الطرفين والثلاثة الباقية في الطرف الثاني.

وعليك أن تشتري تلك المعزاة وإذا لم يساعدك أهالي قرية جمکران في شرائها فاشترها بنقودك الخاصة ثم اذبحها غداً مساءً وهي ليلة السابع عشر من شهر رمضان المبارك.

واعلم بأن أي مريض أو معاق إذا أكل من لحمها فإنه سوف يشفى بإذن الله (تعالى).

ثم أشار للمرة الثانية فانصرفت من حضرته. ولم أتقدم إلا قليلاً حتى ناداني مرة أخرى وقال:

إنني هنا سبعة أيام أو سبعين يوماً. ثم رجعت إلى داري ونمت حتى الصباح. وبعد الصلاة توجهت إلى دار علي المنذر وقصصت عليه ما جرى لي ليلة أمس بكل حذافيرها فقال: تعال نذهب سوية إلى ذلك المكان.

ص: 32

وفعلا ذهبنا إليه فوجدنا علامات من صاحب الزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف"حيث وجدنا في مكان هذا المسجد سلاسل ممدودة وأوتاداًمضروبة في الأرض. فرجعنا سوية إلى سماحة العلامة السيد أبي الحسن الرضا وطرقنا باب داره ففتحه لنا الخادم وقال: إن السيد ينتظركما!

ثم سألني: هل أنت من أهالي قرية جمکران؟ فقلت له: نعم.

ثم قادنا إلى باحة الدار حيث دخلنا إحدى الغرف وسلمنا على السيد الرضا. وقبل أن أقول شيئا تحدث قائلاّ:

لقد شاهدت ليلة أمس وأنا في المنام شخصأ قال لي: إن أحد أهالي قرية جمکران واسمه حسن مثلة سوف يأتي إليك ويقصٌّ عليك حكاية فصدّقه، لأن قوله هو قولنا وعليك أن لا ترده خائباً ثم أفقت من نومي ومنذ ذلك الحين وأنا أنتظرك يا حسن مثلة!

ثم بدأت فسردت عليه القصة بكاملها فأمر بتهيئة السروج على الخيل وركبنا نحن الثلاثة ووصلنا قرية جمکران وعندما اقتربنا منها شاهدنا الراعي جعفر کاشاني وهو يرعى قطيعه فذهبت إلى القطيع ولفت انتباهي تلك المعزاة التي وصفها إمام العصر والزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف"بكل مواصفاتها وأوصافها فأمسكت بها وقلت لجعفر الراعي: إنني أريد شراء هذه المعزاة فنظر إليها مستغرباً وقال: إنني أقسم بأنني لم أر هذه المعزاة قبل اليوم بين القطيع، ولما حاولت صباح اليوم الإمساك بها، فرّت من يدي ولم أستطع اللحاق ولا الإمساك بها بينما أراك أمسكت بها وقد استكانت لك!

ثم أخذت المعزاة إلى ذلك المكان وحسب أوامر صاحب الزمان ذبحتها ثم دَعَونا حسن مسلم وأمره السيد بأن يدفع فوائد وأرباح السنين الماضية. وثمَّ تشييد المسجد على المكان المحدد بالسلاسل والأوتاد.

اما لحم المعراة فقد وزعناه على المرضى والمعاقين والمعلولين فتم شفاؤهم بإذن الله.

ص: 33

ثم رفع السيد أبو الحسن الرضا السلاسل والأوتاد بعد تشييد جدار المسجد ووضعها في صندوق محكم. حيث كان المرضى يستشفون بها خلال حياته. ولكن هذه السلاسل فقدت بعد وفاته مع صندوقها!

وينقل المرحوم الحاج نوري في كتابه ( النجم الثاقب) عن الشيخ الطبرسي في كتابه (كنوز النجاة) بأن المهدي المنتظر"عجل الله تعالی فرجه الشریف"أوصى بالترتيب والدعاء التالي لكل ذي حاجة أو من يخاف من أذى الناس:

أن يصلي صلاة الحجة التي ذكرناها في البداية ثم يقرأ الدعاء التالي:

اللهم إن أطعتك فالمحمدة لك، وإن عصيتك فالحجة لك. منك الروح ومنك الفرج.

سبحان من أنعم وشکر، سبحان من قدر وغفر. اللهم إن كنت قد عصيتك فإني قد أطعتك و أحب الأشياء إليك وهو الإيمان بك. لم أتخذ لك ولداً ولم أدع لك شريكاً مناً منك به علي لا منأ مني به عليك، وقد عصيتك يا إلهي على غير وجه المكابرة والخروج عن عبوديتك ولا الجحود لربوبيتك، ولكن أطعت هواي وأزلني الشيطان فلك الحجة علي والبيان، فإن تعذبني فبذنوبي غير ظالم لي وإن تغفر لي وترحمني فإنك جواد کریم.

وتقول: يا كريم يا كريم حتى ينقطع النفس. ثم تقول:

یا آمناً من كل شيء، أنا منك خائف حذر أسألك بأمنِك من كل شيء وخوف كل شيء منك أن تصليَ على محمد وآل محمد وأن تعطيني أمانأ لنفسي وأهلي وولدي وسائر ما أنعمت به عليّ حتى لا أخاف وأحذر من شيء أبدأ إنك علىكل شيء قدير وحسبنا الله ونعم الوكيل.

یا کافي إبراهيم من نمرود ويا كان موسى من فرعون صلّ على محمد وآل محمد واكفني شر فلان بن فلان(1)

ص: 34


1- اللقاء مع الإمام صاحب الزمان (عج) / ص 11/ الطبعة الأولى

5- شفاء المجروح الذي جرم في الحرب

يقول شاب:

منذ 8 سنوات في الحرب، هجم الجنود العراقيون فجرحت بهذا الهجوم، وأصيب جسمي بالشلل فلم أعد قادراً على المشي، جاءت أمي إلى منزلي ليلاً وتحدثت معي؟ لم يعجبني الكلام فضجرت منه وشعرت بالانكسار.

فتوسلت بالإمام المهدي "عجل الله تعالی فرجه الشریف" وقلت: يا سيدي ومولاي أطلب شفائي من الله ثم غفوتُ رأيت الإمام المهدي"عجل الله تعالی فرجه الشریف" يقول لي: أنا بنيت مسجدأ بيدي، إذا تريد الشفاء، فعليك أن تذهب إلى هذا المسجد فتوسل إلينا عنده.

وعندما قمت من النوم صممت على الذهاب إلى عيادة صديقي، المريض وفي السنة القادمة سأذهب إلى مسجد جمکران إن شاء الله ثم مشيت إلى المستشفى لعيادة صديقي.

لما رجعت إلى منزلي، وجدته قد احترق ومعه كل الأثاث.

فزع قلبي كثيراً، صباحأ مشيت إلى مسجد جمکران بقيت 39 يوما في المسجد، وفي ليلة الأربعين من مدة الاعتكاف في المسجد (كان يصادف ليلة التاسع عشر من شهر رمضان) حين الخدمة في المسجد شعرت بالتعب كثيراً فنمت، في الساعة الواحدة، رأيت بمنامي: أنني كنت أنظف ساحة المسجد المبارك فقدم سيد جليل وقال لي: هل تنظف المسجد: قلت: أجل قال: اذهب معي إلى المسجد لنتحدث قليلاً ودخلنا إلى المسجد فرأيت 4 أشخاص جالسين في المسجد جلست قربهم قال لي السيد: يا سيد كأنك مريض؟ قلت: أجل، جرحت في الحرب وشل جسدي.

ص: 35

فوضع السيد يده على رأسي وقال لي: ستشفى إن شاء الله.

ثم وضع يده على ظهري ورجلي، بنفس اللحظة شعرت بالراحة، ثم نظرت إلى الجماعة فوجدت أنهم كانوا النبي محمد (صلی الله علیه وآله) والإمام علي (علیه السلام)، فاطمة الزهراء (علیها السلام) بضلعها المكسورة والمعصومة الكبرى (علیها السلام) أخت الإمام الرضا (علیه السلام) وهم في حالة بكاء.

الإمام المهدي "عجل الله تعالی فرجه الشریف" قال: المعصومة الكبرى غير راضية لأن الناس لا يحترمون حقها، ثم أعطاني رطباً وقليلا من الماء وقال لي: يجب أن تأكل شيئاً لأنك ستصوم يوم غد.

قمت من النوم فلم أجد أثراً من الألم والجروح فشكرت الله كثيراً(1)

ص: 36


1- الأخ عين باء من مشهد المقدس. وكتاب کرامات المهدي

6- يد الله فوق أيديهم

كتب سماحة آية الله الشيخ لطف الله الصافي صاحب كتاب (إجابات الأسئلة العشرة) في الصفحة 31 يقول:

من الحكايات العجيبة والصادقة التي حدثت في زماننا هذا هي حكاية بناء مسجد الإمام الحسن المجتبی (علیه السلام) الواقع في الطريق بين طهران ومدينة قم المقدسة الذي يبعد عدة كيلومترات من مدخل مدينة قم حيث شيّده الحاج يد الله رجبيان أحد أخيارمدينة قم.

وفي ليلة الأربعاء الثاني والعشرين من شهر رجب المرجب لعام 1398، سمعت حكاية هذا المسجد من لسان السيد أحمد عسكري كرمانشاهي وبحضور الحاج رجبیان و منزله. حيث نقل العسكري فقال: قبل سبعة عشر عاما وأثناء تعقيبات صلاة العصر، طرق باب دارنا ثلاثة شبان يعملون في إصلاح السيارات وكانوا يحضرون جلسات واجتماعات التوجيه الديني وتعليم القرآن التي كنت أقيمها في داري لمرضاة الله تعالى.

وعندما دخلوا الدار سألوني راجين أن أصحبهم إلى مسجد جمکران في قم لإقامة صلاة الحجة والزيارة ونظراً لإصرارهم، اضطررت إلى إجابة طلبهم فركبنا السيارة واتجهنا صوب مدينة قم. وقبل الوصول إلى مدخل المدينة وعند موقع مسجد الحسن المجتبي الحالي، توقفت السيارة وكلما حاولوا إصلاحها لم يوفّقوا إلى ذلك. ثم أخذت قدح ماء من السيارة وذهبت بعيداً عنهم لأقضي حاجتي.

وفي هذه الأثناء، وبعد ابتعادي عن الجماعة لاحظت وجود شاب وسيم يرتدي

ص: 37

ملابس بيضاء ناصعة ويضع على رأسه عمامة خضراء وبيده رمح يرتفع إلى أكثر من مترين!وهو يخطط الأرض برمحه. فتقدمت منه وقلت له:

يا ولدي العزيز، إن العصر عصر الطائرات والدبابات والقنابل وأنت تحمل رمحاً! أليس الأفضل لك أن ترجع إلى مدرستك وتقرأ دروسك؟!. ثم ذهبت لقضاء حاجتي. وإذ به ينادي عليَّ: يا سيد عسكري لا تجلس هناك فإنني خططت المكان وهذا الموقع الذي تجلس فيه هو مسجد للصلاة.

وكطفل صغير يأمره أبوه، قلت له: سمعاً وطاعةً وقمت من مكاني وابتعدت قليلا ثم جلست لقضاء الحاجة.

وفي هذه الأثناء خطرت على بالي الأسئلة التالية لأسأله:

1- هل هذا المسجد الذي تروم تشييده للجن أم للإنس وهو يبعد فرسخين من قم؟

2- إذا لم يشيدالمسجد لحد الآن، فلماذا طلبت مني أن أغير مكاني؟

3- هل سيصلّي في هذا المسجد الذي تشيده، جنُّ أم ملائكة الرحمن؟

وفي هذه الأثناء وحينما كنت أريد أن أطرح هذه الأسئلة على السيد تقدم إليّ وضمتي إلى صدره وهو يبتسم ويقول:

اسأل ما تريد! فقلت له: ماذا تعمل في هذا الوقت بدل الجلوس في قاعات الدرس؟ فقال: إنني أخطط لتشييد مسجد هنا، ثم أضاف: في هذا المكان وقع أحد أعزاء فاطمة الزهراء (علیها السلام) ثم استشهد فيه وهنا سيكون محراب المسجد، ثم أخذ يشير بيده إلى هنا وهناك ويقول هذا مكان الوضوء، وهذا مكان التواليت، وهكذا... ثم أخذ يبكي ويؤشر إلى مكان ما وهو يقول: وهنا ستكون حسينية فلم أتمالك نفسي من البكاء أيضا، وقلت له:

يا بن رسول الله، إنني أوافق على الشروط التالية:

ص: 38

1- أن أكون حياً حتى تشييد المسجد. فقال: إن شاء الله.

2- أن يشيد هنا فعلاً مسجدُ كبير. فقال: بارك الله فيك.

3- إذا تم تشييد المسجد سأجلب ولو كتاباً واحداً المكتبة المسجد، ثم قلت مازحاً لماذا لا تترك هذه الأفكار من رأسك يا بن رسول الله وتذهب إلى مدرستك.

فتبسم وضمّني للمرة الثانية إلى صدره! فقلت له:

نسيت أن أسألك: من الذي سيشيّد المسجد؟

فقال: يد الله فوق أيديهم.

ثم أضاف: وحينما يتم تشييده أرجو أن توصل سلامي إليه فرجعت إلى السيارة وأناأسمع هدير محركها وقد بدأ بالعمل. ثم سألوني: مع من كنتَ تتحدث؟

قلت: مع ذلك الشاب السيد الذي يحمل رمحاً كبيراً. ألم تلاحظوا ذلك؟

فقالوا: أي سيد تتحدث عنه؟ نحن لم نرَ شيئاً.

وعند ذلك أدرت وجهي صوب مكان السيد الجليل الوسيم فلم أرَ شيئاً لا السيد ولا رمحه ولا حتى التلة التي قضيت حاجتي خلفها!!

عند ذلك أحسست وشعرت برجفة في جميع أوصالي وعندها جلست في السيارة وأنا شارد الذهن لا أفهم ماذا حصل؟!

وأخيراً جئنا إلى مسجد جمکران وصلينا وأكلنا ثم استرحنا قليلاً. وبعدها قمت الأصلي الجماعة وكان عن يميني كهل أشيب وعن يساري شاب في ريعان شبابه، وبعد الصلاة أخذت أبكي وأتوسل إلى صاحب الزمان وأطلب حاجتي منه.

وفي هذه الأثناء جاء رجل لم أتبين ملامحه لأنني كنت في حالة السجود فوقف

ص: 39

بجانبي وقال: سلام عليكم يا سيد عسكري. فارتجفت مرة أخرى وأنا في حالة السجود حيث كان صوت هذا الرجل شبيه بصوت الشاب الوسيم الذي تحدث عن تشييد المسجد في طريق قم! ثم قلت في نفسي دعني أقطع صلاتي لأسأله، لكنني استغفرت ربي وواصلت صلاتي حتى نهايتها ثم انتبهت وإذا بالشاب قد غادر المكان فسألت الرجل الكهل بجانبي:

ألا تدري أين ذهب الشاب الذي سلّم علي وأنا في حالة الصلاة؟ فقال: لم أر شاباًولا أدري عمّن تتحدث! ثم سألت الشاب الذي بجانبي عنه فكان جوابه بالنفي! فأصابتني الرجفة مرة ثانية واهتز كياني بأجمعه وهنا أدركت أن ذلك الشاب في الحالتين كان صاحب الزمان"عجل الله تعالی فرجه الشریف".

ثم أغمي علي فرشّوا الماء على وجهي ولما استيقظت طلبت الرجوع فوراً إلى طهران وعند وصولنا ذهبت مباشرة إلى أحد علماء طهران وشرحت له الحكاية بحذافيرها، فأكّد لي بأنه فعلاً المهدي المنتظر"عجل الله تعالی فرجه الشریف" وقال: على أية حال، أنتظر حتى يتم تشييد المسجد الذي تحدثتما عنه

وبعد فترة توفي والد أحد أصدقائي فاجتمعنا بمجموعة من المعارف والأصدقاء وأخذنا جثمانه إلى مدينة قم لدفاک.

وعندما وصلنا إلى مشارف المدينة وفي المكان نفسه الذي ظهر لي ذلك الشاب، لاحظت عمالاً في المكان وبناءً يُشيد وقد ارتفع إلى متر تقريباً، فتوقفت حالاً وسألت وأنا في السيارة بصوت عالٍ: من يشيّد هذا البناء وما هو؟ فقال العمال: إنه مسجد يسمى مسجد الإمام الحسن المجتبی (علیه السلام) ويشيده أولاد الحاج حسين السوهان. ثم تابعنا سیرنا إلى مدينة قم وقلت لرفاقي . خلال فترة الغداء : سوف ألحق بكم في الحرم الشريف. ثم أخذت سيارة أجرة وذهبت مباشرة إلى محلات أولاد الحاج حسن السوهاني وسألت ولده: هل أنتم تشيدون المسجد الفلاني؟ قال: كلا. قلت: ومن يشيده؟ قال: إنه الحاج يد الله رجبيان. ولما لفظ كلمة يد الله، ازدادت ضربات قلبي

ص: 40

سرعة وأخذ العرق يتصبب من جميع أعضاء جسدي، فتعجب صاحب المحل وجلب کرسياً وأجلسني عليه وقال: ماذا حصل لك أيها الرجل؟ فقلت - وأنا أدمدم مع نفسي (يد الله فوق أيديهم) الجملة التي ذكرها إمام العصر والزمان عندما سألته: من يشيد المسجد!!

ثم رجعت فوراً إلى العالم الذي رويت له الحكاية وشرحت له ما سمعته في ذلك اليوم. فقال: أسرع وابحث عنه. ثم اشتريت أربعمائة كتاب مفيد ثم توجهت إلى قم، وبحثت عنه حتى وجدته وكان صاحب مصنع للغزل والنسيج الصوفي، ولم يكن الحاج يد الله في مكتبه فسالت رجلاً كان في ذلك المكتب عنه فقال: إنه في البيت. فقلت له: أرجوك أن تتصل به تلفونياً لأنني قادم من طهران وبحاجة إليه.

فاتصل بالحاج فسلمت عليه وقلت له: لقد جلبت لك أربعمائة كتاب لتكون في مكتبة المسجد الذي تشيده. فقال متعجباً: من أنت؟ وكيف عرفت أن في المسجد مكتبة؟ فقلت: إنني أضعها وقفاً في المسجد، فقال: لكن لماذا؟ فقلت له: لا يمكن شرح ذلك بالهاتف.

فقال: تعال ليلة الجمعة القادمة ومعك الكتب وهذا عنواني. وأعطاني عنوان بيته.

ثم رجعت إلى طهران وهيأت الكتب، وفي ليلة الجمعة سافرت إلى قم مرة ثانية وحسب العنوان وصلت إلى دار الحاج بيد الله رجبيان وعندما جلسنا سويةقال: لا آخذ الكتب حتى تحكي القصة. فسردت عليه الحكاية كاملة ثم رجعت إلى المسجد وصليت ركعتين وتذكرت لقائي بصاحب الزمان فبكيت وتضرعت إلى البارئ (عز وجل) أن یٍحُسن عاقبتي.

هذا وتحدث الحاج بيد الله رجبيان عن حكاية المسجد بالنسبة إليه وقال: أثناء بناء المسجد، جاء أحد العمال وأعطاني خمسين توماناً وقال: لقد جاء سید جلیل القدر وقدّم هذا المبلغ قائلاً: هذه مساعدة لبناء المسجد. فغضبت من ذلك وقلت له: كيف تأخذ هذا المبلغ وأنت تعلم بأنني أقوم بتشييد المسجد على حسابي الخاص قربةّ إلى الله؟ ولكن قل لي كيف؟ وكيف وصل إلى المكان؟ فقال العامل: عندما أعطاني المبلغ

ص: 41

تبعته لأرى بأية وسيلة جاء إلى المنطقة ولكنني بعد خطوات معدودة لم أجده وقد اختفى تماماً عن ناظري.

ويضيف الحاج رجبيان فيقول: ببركة ذلك المبلغ الزهيد، لا أدري كيف تم تشييد المسجد بكل سرعة وسهولة والحمد لله(1)

ص: 42


1- اللقاء مع الإمام.../ ص 17/ الطبعة الأولى.

7- الفارسُ المُنقذ

تشرّفتُ(1) مع بعض أصدقائي الطلبة البحرانيين . في حوزة النجف الأشرف بحضور دروس الأخلاق الخاصة عند المرجع الديني الورع سماحة آية الله العظمى المرحوم السيد عبد الأعلى السبزواري (أعلى الله مقامه).

وذات مرة ذكر لنا القصة التالية عن نفسه لما كان في الأربعين من عمره الشريف، قائلاً:

لقد خرجنا مع قافلة الحاج السيد إسماعيل حبل المتين في حافلة (باص) من إيران، قاصدين حج بيت الله الحرام، ولّما دخلنا الأراضي الصحراوية للجزيرة العربية، ضلّ السائق طريق مكة المكرّمة، وأخذ يضرب يمنةً ويُسرة من دون جدوى، حتى نفد وقود محرّك السيارة (الماكنة).. فنزلنا منها بحال يُرثى لها، ألقينا النظر إلى ما حولنا فلم نجد سوى صحراء قاحلة، ولا أثر لذي حياة ولا دابّة ولا جادّة.

مضت ساعات ونفد الماء وانتهى الطعام أيضأ، وأخذ أملنا في النجاة يضعف تدريجياً ويخمد.. كانت لحظات في منتهى الرعب وفي غاية من القساوة.. إذ كان شبح الموت يدنو إلينا بخطاه الموحشة.

بعض ممدّد، قد سلّم أمره إلى الله.. وبعض آخر منطو على نفسه يائس من الحياة وهو يفكّر في أهله وماله الذي خلّفه في وطنه، وقام بعض منا يحفر قبرأ لنفسه ليرقد فيه لدى اللحظة الأخيرة.

يقول السيد السبزواري رحمه الله: وأما أنا فأخذت في هذه الساعة أبحث عن نافذة للهروب منها إلى الحياة وإنقاذ هؤلاء الأشخاص أيضاً. وليس هناك طريق سوی

ص: 43


1- السيد أبو الحسن الأصفهاني

الهروب إلى واهب الحياة وخالقنا القوي المتعال.

وبينما كنت أتأمل في هذه الحال وإذا بي أتذكّر القيام بصلاة جعفر الطيّاروالتوسل بها إلى الله تعالى.

أخذتُ سجادتي وابتعدتُ قليلاً، حتى صرتُ لا أرى أمامي أحداًيشغلني عن التوجه إلى الله عز وجل.

والمعروف أن صلاة جعفر الطيار رغم أنها ركعتان، إلا أنها طويلة من حيث الأدعية الخاصة بها، ولكنها مؤكدة الاستجابة إن اجتمعت معها بقية شروط الاستجابة.

ولّما أصبحتُ على وشك الانتهاء منها، سمعتُ أحد الركّاب يناديني: أسرع يا سيّد،تعال فإننا ننتظرك أنت فقط.

نظرت إلى الوراء فرأيت أصحابي كلهم جالسين في السيارة، مستعدّين للحركة.

جئت، فوجدتُ كل شيء جاهزاً، وماكنة السيارة تشتغل.

قلت: ما الذي حدث؟

قالوا: إن فارساً جاء، فأطعمنا وأروانا، وأمر السائق بتشغيل السيارة، فاشتغلت كما ترى، ثم أشار بيده إلى تلك الجهة، وقال: إنها طريق مكة المكرّمة، ولما أراد الرحيل قال نادوا السيد وبلّغوه سلامي.

وهكذا تحرّكنا على ذات الاتجاه المشار إليه فوصلنا إلى مكة المكرّمة سالمين. فسلام الله عليه وتحياته وصلواته روحي لتراب مقدمه الفدى.

إنه على ما يبدو كان سيدي ومولاي الحجة بن الحسن المهدي "عجل الله تعالی فرجه الشریف".

ذلك الفارس المنقذ، القائم من آل محمد الذي يملأ الأرض قسطا وعدلاً بعد أن مُلئت ظلما وجوراً، جعلنا الله وإياكم من أنصاره الأوفياء والمستشهدين بين يديه.(1)

ص: 44


1- قصص وخواطر... / ص 149/ قصة رقم 95

8- فرج بعد شدّة

يقول العالم الفاضل علي بن عيسى الأربلي في كشف الغمة:

وحدّثني بهما جماعة من ثقات إخواني كان في البلاد الحلية شخص يقال له إسماعيل بن الحسن الهرقلي من قرية يقال لها هرقل، مات في زماني ومارأيته، حکی لي ولده شمس الدين قال: حكى لي والدي أنه أصيب - وهو شباب - بتوثة(1) على فخذه الأيسر بمقدار قبضة الإنسان، وكانت في كل ربيع تشقق ويخرج منها دم وقيح، ويقطعه ألمها عن كثير من أشغاله؛ وكان مقيماً بهرقل، فحضر الحلة يوماً ودخل إلى مجلس السعيد رضي الدين علي بن طاووس رحمه الله وشكا إليه ما يجده منها، وقال: أريد أن أداويها فأحضر له أطباء الحلة وأراهم الموضع، فقالوا: هذه التوثة فوق العرق الأكحل وعلاجها خطر ومتى قطعت خيف أن ينقطع العرق فيموت، فقال له السعيد رضي الدين قدّس الله روحه: أنا متوجّه إلى بغداد وربّما كان أطباؤها أعرف وأحذق من هؤلاء فاصحبني فاصعد معه وأحضر الأطباء فقالوا كما قال أولئك فضاق صدره، فقال له السعيد: إن الشرع قد فسح لك في الصلوة في هذه الثياب وعليك الاجتهاد في الاحتراس، ولا تغرر بنفسك فالله تعالى قد نهى عن ذلك ورسوله، فقال له والدي: إذا كان الأمر على ذلك وقد وصلت إلى بغداد فأتوجّه إلى زيارة المشهد الشريف بسرّ من رأى على مشرّفه السلام، ثم أنحدر إلى أهلي فحسّن له ذلك، فترك ثيابه ونفقته عند السعيد رضي الدين وتوجّه، قال: فلما دخلت المشهد وزرت الأئمة عليهم السلام ونزلت في السرداب واستغنت بالله تعالى وبالإمام عليه السلام وقضيت بعض الليل في السرداب وبتّ في المشهد إلى الخميس، ثم مضيت إلى دجلة واغتسلت ولبست ثوباً

ص: 45


1- التوثة: بثرة متقرحة

نظيفاً، وملأت إبريقاً كان معي، وصعدت أريد المشهد، فرأيت أربعة فرسان خارجين من باب السور، وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم فالتقينا فرأيت شابّين أحدهما عبد مخطوط وكل واحد منهم متقلد بسيف، وشيخاً منقبأ بيده رمح والآخر متقلّد بسيف، وعليه فرجية(1) ملّونة فوق السيف وهو متحتّك بعذيته؛ فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق ووضع كعبه في الأرض، ووقف الشابان عن يسار الطريق؛ وبقي صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي، ثمّ سلّموا عليه فردّ عليهم السلام، فقال له صاحب الفرجية: أنت هل تذبه غداّ إلى أهلك؟ فقال: نعم، فقال له: تقدم حتى أبصر ما يوجعك؟ قال: فكرهت ملامسته، وقلت في نفسي أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة، وأنا قد خرجت من الماء وقميصي مبلول، ثمّ إني بعد ذلك تقدّمت إليه فلزمني بيده ومدّني إليه وجعل يلمس جانبي من كتفي إلى أن أصابت يده التوثة فعصرها بيده، فأوجعني ثم استوى في سرجه كما كان، فقال لي الشيخ: أفلحت یا إسماعيل، فعجبت من معرفته باسمي، فقلت: أفلحنا وأفلحتم وقبّلت فخذه.

ثم إنه ساق وأنا أمشي معه محتضنه، فقال: ارجع، فقلت: لا أفارقك أبدأ، فقال: المصلحة رجوعك، فأعدت عليه مثل القول الأول؛ فقال الشيخ: يا إسماعيل ما تستحيي، يقول لك الإمام مرّتين ارجع وتخالفه؟ فجبهني(2) بهذا القول، فوقفت فتقدّم خطوات والتفت إليّ وقال: إذا وصلت بغداد فلا بد أن يطلبك أبو جعفر يعني الخليفة المستنصر رحمه الله، فإذا حضرت عنده وأعطاك شيئاً فلا تأخذه وقل لولدنا الرضي ليكتب لك إلى علي بن عوض، فإنني أوصيه أن يعطيك ما تريد، ثم سار وأصحابه معه،فلم أزل قائماً أبصرهم إلى أن غابواعني، وحصل عندي أسف لمفارقته فقعدت إلى الأرض ساعة ثم مشيت إلى المشهد، فاجتمع القوّام حولي وقالوا نرى وجهك متغيراً أوجعك شيء؟ قلت: لا، قالوا: أخاصمك أحد؟ قلت: لا، ليس عندي ممّا تقولون خبر، لكن أسألكم هل عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم، فقالوا: هم من الشرفاء أرباب

ص: 46


1- الفرجية نوع من أنواع الملابس
2- فجبهني: نكس رأسه

الغنم، فقلت: لا، بل هم الإمام عليه السلام وأصحابه، فقالوا: الإمام هو الشيخ أو صاحب الفرجية، فقلت: هو صاحب الفرجية، فقالوا: أريته المرض الذي فيك؟ فقلت: هو قبضه بيده وأوجعني، ثم كشفت رجلي فلم أر لذلك المرض أثراً، فتداخلني الشك من الدهش، فأخرجت رجلي الأخرى فلم أرَ شيئاً، فانطبق الناس عليّ ومزّقوا قميصي فأدخلني القّوام خزانة ومنعوا الناس عني، وكان ناظر بين النهرين بالمشهد، فسمع الضجة وسأل عن الخبر فعرّفوه، فجاء إلى الخزانة وسألني عن اسمي وسألني منذ كم خرجت من بغداد فعرّفته إنّي خرجت في أول الأسبوع، فمشى عنّي، وبتُّ في المشهد وصلّيت الصبح وخرجت وخرج الناس معي إلى أن بعدت عن المشهد، ورجعوا عني ووصلت إلى أوانا(1) فبتّ بها وبكرت منها أريد بغداد فرأيت الناس مزدحمين على القنطرة العتيقة يسألون من ورد عليهم عن اسمه ونسبه وأين كان، فسألوني عن اسمي ومن أين جئت، فعرّفتهم فاجتمعوا عليّ ومزّقوا ثيابي ولم يبقَ لي في روحي حكم، وكان ناظر بين النهرين كتب إلى بغداد وعرّفهم الحال ثمّ حملوني إلى بغداد و ازدحم الناس عليّ وكادوا يقتلونني من كثرة الزحام، وكان الوزير القمي رحمه الله تعالى قد طلب السعيد رضي الدين رحمه الله، وتقدّم أن يعرّفه صحة هذا الخبر.

قال: فخرج رضي الدين ومعه جماعة فوافينا باب النوبة، فردّ أصحابه الناس عنّي، فلمّا رآني قال: أعنك يقولون؟ قلت: نعم، فنزل عن دابته وكشف عن فخذي فلم ير شيئاً، فغشي عليه ساعة وأخذ بيدي وأدخلني على الوزير وهو يبكي ويقول: يا مولانا هذا أخي وأقرب الناس إلى قلبي، فسألني الوزير عن القصة فحكيت له، فأحضر الأطباء الذين أشرفوا عليها وأمرهم بمداواتها فقالوا: ما دوائها إلا القطع بالحديد ومتى قطعها مات، فقال لهم الوزير، فبتقدير أن تقطع ولا يموت في كم تبرأ؟ فقالوا: في شهرين، وتبقى في مكانها حفيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر، فسألهم الوزير: متى رأيتموه؟ قالوا: منذ عشرة أيام، فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الألم وهي مثل أختها ليس فيها أثر أصلاً، فصاح أحد الحكماء: هذا عمل المسيح، فقال الوزير: حيث

ص: 47


1- أوانا: بلدة كثيرة البساتين نزهة من نواحي دجيل بغداد بينها وبين بغداد عشرة فراسخ

لم يكن عملكم فنحن نعرف من عملها.

ثم إنه أحضر عند الخليفة المستنصر رحمه الله تعالى، فسأله عن القصة فعرّفه بها كما جرى، فتقدّم له بألف دينار، فلما حضرت قال: خذ هذه فأنفقها، فقال: ما أجسر آخذ منه حبّة واحدة، فقال الخليفة، ممن تخاف؟ فقال: من الذي فعل معي هذا، قال: لا تأخذ من أبي جعفر شيئاً؟ فبكى الخليفة وتكدر، وخرج من عنده ولم يأخذ شیئاً.

قال: أفقر عباد الله تعالى إلى رحمته علي بن عيسی عفا الله عنه: كنت في بعض الأيام أحكي هذه القصة لجماعة عندي، وكان هذا شمس الدين محمد ولده عندي، وأنا لا أعرفه فلمّا انقضت الحكاية قال: أنا ولده لصلبه، فعجبت من هذا الاتفاق وقلت: هل رأيت فخذه وهي مريضة؟ فقال: لا، لأني أصبو عن ذلك، ولكني رأيتها بعدما صلحت ولا أثر فيها، وقد نبت في موضعها شعر، وسألت السيد صفي الدين محمد بن محمد بن شبر العلوي الموسوي، ونجم الدین حیدر بن الأيسر رحمهما الله تعالى، وكانا من أعيان الناس وسراتهم وذوي الهيئات منهم، وكانا صديقين لي وعزيزين عندي، فأخبراني بصحّة هذه القصة، وأنهما رأياها في حال مرضها وحال صحّتها ، وحكى لي ولده هذا أنه كان بعد ذلك شديد الحزن لفراقه عليه السلام، حتى أنه جاء إلى بغداد وأقام بها في فصل الشتاء، وكان كلّ أيامه يزور سامراء ويعود إلى بغداد فزارها في تلك السنة أربعين مرة طمعاً أن يعود له الوقت الذي مضى أو يقضى له الحظ بما قضى، ومن الذي أعطاه دهره الرضا، أو ساعده بمطالبه صرف القضاء، فمات رحمه الله بحسرته، وانتقل إلى الآخرة بغصّته، والله يتولاّه وإيّانا برحمته بمنّه وكرامته(1)

ص: 48


1- کشف الغمة (علي بن عيسى الأربلي): ج2، ص 493 - 497. وقد نقلها المؤلف رحمها الله باختصار وارتأينا نقلها كاملة، وعن النجم الثاقب، ج 2، ص 78، الطبعة الأولى.

9- جنة الأرض

في آخر كتاب في التعازي عن آل محمد عليهم السلام ووفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تأليف الشريف الزاهد أبي عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي الحسيني رضي الله عنه عن الأجلًّ العالم الحافظ، حجة الإسلام، سعيد بن أحمد بن الرضي عن الشيخ الأجل المقرئ خطير الدين حمزة بن المسبّب بن الحارث أنه حكى في داري بالظفرية بمدينة السلام في ثامن عشر شهر شعبان سنة أربع وأربعين وخمسمائة قال: حدثني شيخي العالم ابن أبي القاسم (1)عثمان بن عبد الباقي بن أحمد الدمشقي في سابع عشر جمادى الآخرة من سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة قال: حدثني الأجلُّ العالم الحجة كمال الدين أحمد بن محمد بن يحيى الأنباري بداره بمدينة السلام ليلة عاشر شهر رمضان سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة.

قال: كنا عند الوزير عون الدين يحيى بن هبيرة في رمضان بالسنة المقّدم ذكرها، ونحن على طبقة، وعنده جماعة، فلما أفطر من كان حاضراً وتفوّض(2) أكثر من حضر خاصرأ(3)أردنا الانصراف، فأمرنا بالتمسّي عنده، فكان في مجلسه في تلك الليلة شخص لا أعرفه، ولم أكن رأيته من قبل، ورأيت الوزير يكثر إكرامه، ويقرَّب مجلسه، ويصغي إليه، ويسمع قوله، دون الحاضرين.

فتجارينا الحديث والمذاكرة، حتى أمسينا وأردنا الانصراف، فعرَّفنا بعض أصحاب الوزير أنّ الغيث ينزل، وأنه يمنع من يريد الخروج، فأشار الوزير أن نمسي عنده

ص: 49


1- كذا في نسخة كشكول المحدث البحراني ، منه رحمه الله
2- یقال: تفوض الحلق والصفوف: انتفضت وتفرقت.
3- في الأصل المطبوع: «من حضر حاضرا» وهو تصحيف، والصحيح ما في الصلب ومعناه أنه: قام أكثر أهل المجلس وكل منهم وضع يده على خاصرته، من طول الجلوس وكسالته.

فأخذنا نتحادث، فأفضى الحديث حتى تحادثنا في الأديان والمذاهب ورجعنا إلى دين الإسلام، وتفرُّق المذاهب فيه.

فقال الوزير: أقلُّ طائفة مذهب الشيعة، وما يمكن أن يكون أكثر منهم في خطّتنا هذه، وهم الأقلُّ من أهلها، وأخذ يذمُّ أحوالهم، ويحمد الله على قتلهم في أقاصي الأرض.

فالتفت الشخص الذي كان الوزير مقبلاً عليه، مصغياً إليه؟ فقال له: أدام الله أيّامك أحدَّث بما عندي فيما قد تفاوضتم فيه أو أعرض عنه، فصمت الوزير، ثم قال: قل ما عندك.

فقال: خرجت مع والدي سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، من مدينتنا وهي المعروفة بالباهية، ولها الرُّستاق الذي يعرفه التجّار، وعدَّة ضياعها ألف ومائتا ضيعة، وفي كلَّ ضيعة من الخلق ما لا يُحصى عددهم إلا الله، وهم قوم نصاری، وجميع الجزائر التي كانت حولهم، على دينهم ومذهبهم، ومسير بلادهم وجزائرهم مدة شهرين، وبينهم وبين البرَّ مسير عشرين يوماً وكلُّ من في البر من الأعراب وغيرهم نصاری وتتصل بالحبشة والنوبة، وكلّهم نصارى، ويتصل بالبربر، وهم على دينهم فإن حدَّ هذا كان بقدر كلّ من في الأرض، ولم نضف إليهم الإفرنج والروم.

وغير خفيّ عنكم من بالشام والعراق والحجاز من النصارى، واتفق أننا سرنا في البحر، وأوغلنا، وتعدَّينا الجهات التي كنا نصل إليها، ورغبنا في المكاسب ولم نزل على ذلك حتى صرنا إلى جزائر عظيمة كثيرة الأشجار، مليحة الجدران فيها المدن الملدودة(1)والرساتیق.

وأول مدينة وصلنا إليها وأُرسي المراكب بها، وقد سألنا الناخداه أيُّ شيء هذه الجزيرة؟ قال: والله إنّ هذه جزيرة لم أصل إليها ولا أعرفها، وأنا وأنتم في معرفتها سواء.

ص: 50


1- الملدودة : معناها أن تلك المدن قد جعلت فيها لديدة كثيرة: وهي الروضة الخضراء الزهراء

فلما أرسينا بها، وصعد التجار إلى مشرعة تلك المدينة، وسألنا ما اسمها؟ فقيل هي المباركة، فسألنا عن سلطانهم وما اسمه؟ فقالوا: اسمه الطاهر، فقلنا وأين سرير مملكته فقيل بالزاهرة، فقلنا، وأين الزاهرة؟ فقالوا: بينكم وبينها مسيرة عشر ليال في البحر، وخمسة وعشرين ليلة في البر، وهم قوم مسلمون.

فقلنا: من يقبض زكاة ما في المركب لنشرع في البيع والابتياع؟ فقالوا: تحضرون عند نائب السلطان، وأين أعوانه؟ فقالوا: لا أعوان له، بل هو في داره وكلُّ من عليه حقُّ يحضر عنده، فيسلمه إليه.

فتعجّبنا من ذلك، وقلنا: ألا تدلّونا عليه؟ فقالوا: بلى، وجاء معنا من أدخلنا داره، فرأيناه رجلاً صالحاً عليه عباءة، وتحته عباءة وهو مفترشها، وبين يديه دواة يكتب منها من كتاب ينظر إليه، فسلّمنا عليه فردّ علينا السلام وحیّانا وقال: من أين أقبلتم؟ فقلنا: من أرض كذا وكذا، فقال: كلّكم؟ فقلنا: لا، بل فينا المسلم واليهوديُّ والنصرانيُّ، فقال: يزن اليهودي جزيته والنصرانيُّ جزيته. ويناظر المسلم عن مذهبه.

فوزن والدي عن خمس نفر نصاری: عنه وعني وعن ثلاثة نفر كانوا معنا، ثم وزن تسعة نفر كانواً يهوداً وقال للباقين: هاتوا مذاهبكم، فشرعوا معه في مذاهبهم. فقال: لستم مسلمين وإنما أنتم خوارج وأموالكم مُحلّ للمسلم المؤمن، وليس بمسلم من لم يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر وبالوصي والأوصياء من ذريته حتى مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليهم.

فضاقت بهم الأرض ولم يبق إلا أخذ أموالهم.

ثم قال لنا: يا أهل الكتاب لا معارضة لكم فيما معكم، حيث أُخذت الجزية منكم، فلما عرف أولئك أن أموالهم معرضة للنهب، سألوه أن يحتملهم إلى سلطانهم فأجاب سؤالهم، وتلا: (ليهلك من هلك عن بينّة ويحيى من حيَّ عن بيّتة).

ص: 51

فقلنا للناخداه والبان(1)وهو الدليل: هؤلاء قوم قد عاشرناهم وصاروا رفقة، وما يحسن لنا أن نتخلّف عنهم أينما يكونوا نكون معهم، حتى نعلم ما يستقرُّ حالهم عليهم؟ فقال الربان: والله ما أعلم هذا البحر أين المسير فيه، فأستأجرنا رُبّاناً ورجالاً، وقلعنا القلع(2) وسرنا ثلاثة عشر يوماً بلياليها حتى كان قبل طلوع الفجر، فكبّر الرُّبان فقال: هذه والله أعلام الزاهرة ومنائرها وجدرها إنها قد بانت، فسرنا حتى تضاحي النهار.

فقدمنا إلى مدينة لم تر العيون أحسن منها ولا أحق(3)على القلب، ولا أرقُّ من نسيمها ولا أطيب من هوائها، ولا أعذب من مائها، وهي راكبة البحر، على جبل من صخر أبيض، كأنه لون الفضّة وعليها سور إلى ما يلي البحر، والبحر يحوط الذي يليه منها، والأنهار منحرفة في وسطها يشرب منها أهل الدُّور والأسواق وتأخذ منها الحمامات وفواضل الأنهار ترمي في البحر، ومدى الأنهار فرسخ ونصف، وفي تحت تلك الجبل بساتين المدينة وأشجارها، ومزارعها عند العيون وأثمار تلك الأشجار لا يرى أطيب منها ولا أعذب، ويرعى الذئب والنعجة عياناً لوقصد قاصد لتخلية دابة في زرع غيره لما رعته، ولا قطعت قطعة حمله ولقد شاهدت السباع والهوامَّ رابضة في غيض تلك المدينة، وبنو آدم يمرُّون عليها فلا تؤذيهم.

فلما قدمنا المدينة وأرسى المركب فيها ، وما كان صحبنا من الشوابي والذوابيح من المباركة بشريعة الزاهرة، صعدنا فرأينا مدينة عظيمة عيناء كثيرة الخلق، وسيعة الربقة، وفيها الأسواق الكثيرة، والمعاش العظيم، وترد إليها الخلق من البرَّ والبحر، وأهلها على أحسن قاعدة، لا يكون على وجه الأرض من الأمم والأديان مثلهم وأمانتهم، حتى أن المتعیّش بسوق يرده إليه من يبتاع منه حاجة إما بالوزن أو بالذراع فيبايعه عليها ثم يقول: أي هذا زن لنفسك واذرع لنفسك.

ص: 52


1- الناخداه، مأخوذ من الفارسية ومعناه معروف والربان کرمان: رئيس الملاحين
2- القلع: شراع السفينة، وقعلنا: أي رفعنا وأصلحنا الشراع لتسير السفينة
3- أخف، خ.

فهذه صورة مبايعاتهم، ولا يسمع بينهم لغو المقال، ولا السفه ولا النميمة، ولا يسبُّ بعضهم بعضاً، وإذا نادى المؤذَّن بالأذان، لا يتخلّف منهم متخلّف ذكراً كان أو أنثى إلا ويسعى إلى الصلاة، حتى إذا قضيت الصلاة للوقت المفروض، رجع كل منهم إلى بيته حتى يكون وقت الصلاة الأخرى فيكون الحال كما كانت.

فلما وصلنا المدينة، وأرسينابمشرعتها، أمرونا بالحضور إلى عند السلطان فحضرنا داره، ودخلنا إليه إلى بستان صور في وسطه قبّة من قصب، والسلطان في تلك القبّة، وعنده جماعة وفي باب القبّة ساقية تجري.

فوافينا القبّة، وقد أقام المؤذّن الصلاة، فلم يكن أسرع من أن امتلا البستان بالناس، وأُقيمت الصلاة، فصلّى بهم جماعة، فلا والله لم تنظر عيني أخضع منه لله، ولا ألين جانباً لرعيته، فصلى من صلّى مأموماً.

فلما قضيت الصلاة التفت إلينا وقال: هؤلاء القادمون؟ قلنا: نعم، وكانت تحية الناس له أو مخاطبتهم له «يا ابن صاحب الأمر»، فقال: على خير مقدم.

ثم قال: أنتم تجّار أو أضياف؟ فقلنا: تجار، فقال: من منكم المسلم، ومن منكم أهل الكتاب؟ فعرَّفناه ذلك؟ فقال: إن الإسلام تفرَّق شعبأ فمن أيَّ قبيل أنتم؟ وكان معنا شخص يعرف بالمقري ابن دربهان بن أحمد(1) الأهوازي، يزعم أنه على مذهب الشافعي، فقال له: أنا رجل شافعي، قال: فمن على مذهبك من الجماعة؟ قال: كلنا إلا هذا حسان بن غيث فإنه رجل مالكيُّ.

فقال: أنت تقول بالإجماع؟ قال: نعم، قال: إذا تعمل بالقياس، ثم قال: بالله با شافعيُّ تلوت ما أنزل الله يوم المباهلة؟ قال: نعم، قال: ما هو؟ قال: قوله تعالى: «قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناء كم ونساء نا و نساء كم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين»(2)

ص: 53


1- اسمه در بهان بن أحمد، كذا في كشكول الشيخ يوسف البحراني، منه رحمه الله
2- آل عمران:61

فقال: بالله عليك من أبناء الرسول ومن نساؤه ومن نفسه با بن دربهان؟ فأمسك، فقال: بالله هل بلغك أنّ غير الرسول والوصي والبتول والسبطين دخل تحت الكساء؟ قال: لا، فقال: والله لم تنزل هذه الآية إلا فيهم، ولا خصّ بها سواهم.

ثم قال: بالله عليك يا شافعي ما تقول فيمن طهّره الله بالدليل القاطع، هل ينجّسه المختلفون؟ قال: لا، قال: بالله عليك هل تلوت: «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً »(1) قال: نعم، قال: بالله عليك من يعني بذلك؟ فأمسك، فقال: والله ما عنى بها إلا أهلها.

ثم بسط لسانه وتحدث بحديث أمضى من السهام، وأقطع من الحسام فقطع الشافعي ووافقه عند ذلك فقال: عفواً يا ابن صاحب الأمر انسب إلي نسبك، فقال: أنا طاهر بن محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسی بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي الذي أنزل الله فيه: «و كلّ شيءأحصيناه في إمام مبين»(2)هو والله الإمام المبين، ونحن الذين أنزل الله في حقّنا: «ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم»(3).

یا شافعي نحن أهل البيت نحن ذرية الرسول، ونحن أولو الأمر، فخرَّ الشافعي معشياً عليه، لما سمع نمه، ثم أفاق من غشيته، وآمن به، وقال: الحمد لله الذي منحني بالإسلام، ونقلني من التقليد إلى اليقين.

ثم أمر لنا بإقامة الضيافة، فبقينا على ذلك ثمانية أيام، ولم يبق في المدينة إلاّ من جاء إلينا، وحادثنا، فلمّا انقضت الأيام الثمانية سأله أهل المدينة أن يقوموا لنا بالضيافة، ففتح لهم في ذلك، فكثرت علينا الأطعمة والفواكه، وعملت لنا الولائم، ولبشا في تلك المدينة سنة كاملة.

ص: 54


1- الأحزاب:33
2- یس:13
3- آل عمران: 34

فعلمنا وتحقّقنا أن المدينة مسيرة شهرين كاملة برُّا وبحراً، وبعدها مدينة اسمها الرائقة، سلطانها القاسم بن صاحب الأمر عليه السلام مسيرة ملكها شهرين وهي على تلك القاعدة ولها دخل عظيم، وبعدها مدينة اسمها الصافية، سلطانها إبراهيم بن صاحب الأمر عليه السلام بالحكام وبعدها مدينة أخرى اسمها ظلوم سلطانها عبد الرحمن بن صاحب الأمر عليه السلام مسيرة رستاقها وضياعها شهران، وبعدها مدنية أخرى اسمها عناطيس، سلطانها هاشم بن دخلا، ومسيرة ملكها أربعة أشهر.

فيكون مسيرة المدن الخمس والمملكة مقدار سنة لا يوجد في أهل تلك الخطط والمدن والضياع والجزائر غير المؤمن الشيعي الموحَّد القائل بالبراءة والولايةالذي يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، سلاطينهم أولاد إمامهم، يحكمون بالعدل وبه يأمرون، وليس على وجه الأرض مثلهم، ولو جمع أهل الدنيا، لكانوا أكثر عدداً منهم على اختلاف الأديان والمذاهب.

ولقد أقمنا عندهم سنة كاملة نترقّب ورود صاحب الأمر إليهم، لأنهم زعموا أنها سنة وروده، فلم يوفّقنا الله تعالى للنظر إليه، فأمّا ابن دربهان وحسّان فإنهما أقاما بالزاهرة يرقبان رؤيته، وقد كتّا لّما استكثرنا هذه المدن وأهلها، سألنا عنها فقيل: إنها عمارة صاحب الأمر عليه السلام واستخراجه.

فلما سمع عون الدين ذلك، نهض ودخل حجرة لطيفة، وقد تقضّى الليل فأمر بإحضارنا واحداً واحداً، وقال: إياكم إعادة ما سمعتم أو إجراءه على ألفاظكم وشدده وتأكد علينا، فخرجنا من عنده ولم يعد أحد منا مما سمعه حرفاً واحداً حتى هلك.

وكنا إذا حضرنا موضعأ واجتمع واحدنا بصاحبه، قال: أتذكر شهر رمضان فيقول: نعم، سترة لحال الشرط.

فهذا ما سمعته ورويته، والحمد لله وحده، وصلواته على خير خلقه محمد وآله الطاهرين، والحمد لله رب العالمين (1)

ص: 55


1- جنة المأوى، ص 24، قصة رقم 2، الطبعة الأولى

10- يا صاحب الزمان أدرکني

نقل الحاج اسماعيل غازي الذي يسكن مدينة مشهد القصة التالية:

كنت في إحدى سنوات الحج رئيساً لقافلة تبدأ رحلتها من مدينة مشهد وتمر بالنجف الأشرف لزيارة العتبات المقدسة. وكان طريق الحج البري المار من النجف صحراوياً فلا يوجد ماء أو غذاء والطريق غير معبّد ولا إسفلت فيه وحتى وإن معالم الطريق لا تظهر إلا لذوي الخبرة من الناس.

وخلال عدة ليال وأيام لم نر سوى الكثبان الرملية والصحراء المترامية الأطراف. وقد تزوّدنا بالماء والبنزين الكافي، كما تزوّد الركاب بالغذاء اللازم، وكان أحد السائقين قليل التقوى والدين فسار بنا في هذه الطرق الوعرة حتى غروب الشمس فقلنا له: لا بأس أن نستريح هنا ونبيت ليلتنا حتى مطلع النهار. ولكنه لم يهتم بأقوالنا وواصل سيره حتى داهمنا الظلام الدامس في البيداء المرعبة. وبعد فترة توقف عن السواقة وقال: لقد ضللت الطريق. فتوقفنا ونزلنا في المكان حتى الصباح، وعندما استيقظنا من النوم وجدنا الكثبان الرملية وقد غطت أجسامنا ومقدمة السيارة وضاع الطريق علينا!. وحتى آثار عجلات السيارة اندرست في تلك البيداء. فقلت للسائق وللركاب اركبوا السيارة. وأمرته أن يسير عشرة فراسخ إلى الشرق وعشرة إلى الغرب ومثلها إلى الجنوب وعشرة رابعة إلى الشمال حتى نجد الطريق ومشينا على هذه الشاكلة طوال النهار حتى نضب الماء والبنزين والغذاء عنا ولكننا لم نصل إلى

الطريق.

وهكذا قضينا الليلة الثانية في الصحراء، فكنا قلقين لا ندري ماذا نعمل؟؟

ص: 56

وفي النهار التالي واصلنا السير على الطريقة نفسها حتى داهمنا الليل مرةثالثة ونفذ البنزين تماما فتوقفت السيارة.

كما بدأنا بتقسيم الماء بصورة مقننة على الركاب. فأصاب المسافرين الهلع وعمدنا إلى البكاء والنحيب والتوسل إلى البارئ (عز وجل) أن ينقذنا من هذه المصيبة. وأخيرا فقدنا الأمل بالنجاة فتمددنا على الرمال ننتظر الأجل المحتوم ثم خطرت في بالي فكرة فقفزت من مكاني وقلت لأصحابي:

تعالوا نقدم نذراً للواحد القهار إذا أنقذنا من هذه الورطة فإننا ننفق جميع ما لدينا . عند رجوعنا إلى ديارنا في مشهد . في سبيل الله. فوافق الجميع على ذلك. ثم فوّضنا أمرنا إلى البارئ (عز وجل).

وفي الصباح وعندما اقتربت الساعة من التاسعة صباحاً، شعرت بلفحات الهواء الحار وكأن عاصفة رملية في طريقها إلينا، فأصابني الذعر والقلق الشديد فقمت من مكاني وابتعدت قليلاً عن الرفاق وقبعت خلف تلة قريبة من المكان وأنا أبكي بحرقة وأندب وأستغيث وقد أخذتني موجة من البكاء الشديد وأنا أتوسل بكل جوارحي قائلاً:

یا صاحب الزمان أدركني. يا أبا صالح أدركني. يا مهدي أدركني. وكانت قطرات الدمع تنهمر من مقلتي على محاسني وأنا في حالة يرثى لها. وإذا بي أسمع خطوات رجل خلفي فتلفت إلى ورائي فوجدت أعرابياً وخلفه قافلة من الجمال وهي تسير الهوينا قاطعة الصحراء القاحلة.

فوقفت منادياً: أيها الأعرابي. بالله عليك أنقذنا. أين نحن؟ لقد ضللنا طريقنا.

فأناخ الأعرابي جماله وتقدّم إليّ ونطق بإسمي قائلًا:

تعال لأريك الطريق ولا تكن قلقاً خائفاً. ثم أشار بيده وهو يقول: اذهبوا في هذه الطريق حتى تصلوا إلى جبلين وهناك واصلوا السير بينهما حتى ينتهي الوادي

ص: 57

فانحرفوا نحو اليسار وثم واصلوا السير باستقامة حتى الغروب وعندها ستصلون إلى الطريق العام.

فقلت له: لكننا قد نضل الطريق مرة أخرى فماذا نفعل؟

ثم أخرجت القرآن الذي كان في جيبي وقلت له: أحلفك بكتاب الله أن ترشدنا إلى الطريق وتسير معنا حتى النهاية.

وكلما أراد الاعتذار أصررت عليه حتى قال: طيب سوف آتي معكم. فركبنا السيارة وأشار إلى السائق الثاني وقال له: أنت خذ قيادة السيارة. فجلسنا نحن الثلاثة في المقدمة وقد طغت علينا موجة من السرور ثم قال الأعرابي: تحرك يا رجل وشغّل السيارة.

فسارت بنا العربة حوالي الساعتين وحتى منتصف النهار قال الأعرابي: توقفوا هنا للصلاة.

والغريب في الأمر، أننا جميعاً لم ننتبه بأن السيارة كانت قد خلت من البنزين والوقود تماماً عندما توقفنا في نهاية المطاف!! وكان على مقربة من المكان عين ماء فتوضأنا جميعاً ثم ابتعد الأعرابي عنا قليلاً ليصلي وقال لي: كن إماماً للجماعة وصلّ فيهم. وبعد الصلاة ركبنا السيارة وقال السيد الجليل الأعرابي: أسرعوا بالركوب فإن أمامنا مسافة طويلة.

وسارت بنا العربة كما وصف سابقاً بين الجبلين ثم انحرفت إلى اليسار حتى وصلنا إلى الطريق العام.

وكان أثناء الطريق يتكلم بالفارسية ويسأل عن علماء مشهد فرداً فرداً وكأنه يعرفهم. حتى إنه كان يقول: إن فلاناً ملتزم وجيه وله مستقبل باهر!!

وفي هذه الأثناء تذكرت النذر فقلت لذلك الأعرابي الشهم الشريف:

ص: 58

يا سيدي لقد نذرنا إذا أنقذنا البارئ (عز وجل) أن نفق جميع أموالنا في سبيل الله. فقال: إن الالتزام بهذا النذر ليس واجباً شرعياً.

وأخيراً وصلنا إلى الطريق العام فنزلنا من السيارة فرحين مسرورين ثم التفتُّ إلى الركاب وقلت لهم:

أرجوكم أن تجمعوا جميع ما عندكم من النقود لنعطيها لهذا الأعرابي الشريف الذي ترك جماله في الصحراء وقام بإرشادنا وأنقذنا من موت محتوم.

عندها شعر جميع الركاب بالموقف وأصابتهم قشعريرة الغفلة وكأنهم أفاقوا من النوم وقالوا: من يكون هذا الرجل وكيف يمكنه الرجوع إلى جماله بعد كل هذه المسافة الطويلة؟!

ثم قال الآخر: لمن سلّم جماله في تلك الصحراء المترامية الأطراف؟

وقال ثالث: أذكر أن البنزين كان قد نَفَدَ منا!فكيف سارت العربة كل هذه الساعات العشرة؟

ثم انتبه الجميع بأن ذلك الأعرابي لم يكن بيننا وقد اختفى تماماً، فهرولنا من هنا وهناك ولكن بدون نتيجة وهنا علمنا جميعاً بأننا كنا في خدمة صاحب الزمان ولكننا لم نعرفه(1)!

ص: 59


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 30/ الطبعة الأولى.

11- شفاء الأخرس

أحد خدام الإمام الرضا (ع) قال:

ذهبت إلى الطبيب لأقلع ضرسي، قال الطبيب: يوجد عندك غدة صغيرة بجانب لسانك ولابد أن نجري عملية، فقبلت لكني لم أقوعلى التكلم بعد إجراء العملية، وكنت أكتب على الورق وأتكلم مع الناس بتلك الوسيلة.

ذهبت إلى الأطباء كثيراً لكن لم أجد أي علاج لهذا المرض، فذهبت إلى طهران عند الدكتور علوي، فقال لي الحل الوحيد هو أن تذهب إلى مسجد جمکران كل ليلة أربعاء إن شاء الله سيشفيك الشافي ببركة الإمام المهدي "عجل الله تعالی فرجه الشریف"

صممت أن أذهب إلى المسجد المقدس، كل ليلة أربعاء كنت أذهب بواسطة الطيارة وفي الليلة الثمانية والثلاثين وبعد أداء الصلاة، وضعت رأسي على السجدة وصليت على محمد وآله وفجأة رأيت المسجد يضاء بالأنوار، ثم دخل سيد ومن ورائه جماعة يمشون وهم يقولون هذا صاحب الزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف"، فحزنت لأني لم أستطع أن أسلم على الإمام المهدي "عجل الله تعالی فرجه الشریف".

فأتى السيد وقال لي: سلم علينا، أنا وضعت يدي على لساني أعني أني أخرس ولم استطع التكلم.

قال السيد مرة أخري: سلّم علينا فجأة فتح لساني وقلت له:

السلام عليك يا ابن فاطمة الزهراء.

كنت في تلك اللحظة وكأنني وبعدما افتحت عيني رأيت نفسي أسجد وأقول الصلاة

على محمد وآله (صلی الله علیه و آله).

وقد شهد علي هذه المعجزة أقاربي عند آية الله العظمي كلبايكاني(1).

ص: 60


1- کرامات المهدي

أي من هؤلاء هو الإمام الحجة؟

اشارة

نقل المرحوم حجة الإسلام العالم العارف المتقي السيد محمد مشیر صاحب الكرامات والكمالات النفسية والعلوم الغريبة مثل الجفر والرمل والكيمياء الذي يسكن مدينة مشهد، نقل الحكاية التالية:

شعرت يوماً أثناء دراستي لعلم الجفر والكتابة السرية، بأن بقية الله، . أرواحنا له الفداء . هو الآن موجود في الحرم الرضوي الشريف.

وعندئذ خرجت من الدار مسرعاً إلى الحرم الشريف وعندما دخلت إلى الرواق لاحظت ثلاثة أشخاص جالسين وعلمت أن أحدهم هو المهدي المنتظر"عجل الله تعالی فرجه الشریف" فانتظرت حتى يكملوا زيارة الرضا (علیه السلام) لأتقدم بالسلام عليه.

وفي أثناء فترة الانتظار كنت أفكر وأقول لنفسي:

أي من هؤلاء الثلاثة المحترمين هو الحجة المنتظر "عجل الله تعالی فرجه الشریف"؟

وعندها جلب انتباهي أحدهم فتيقنت أنه هوصاحب الزمان . روحي و أرواح العالمين له الفداء .. وبعدها مباشرة تحرك الشخصان الآخران إلى الجانب الآخر من الضريح الرضوي الشريف، فقمت لأنتهز الفرصة للسلام على الحجة "عجل الله تعالی فرجه الشریف" الذي ألصق وجهه الشريف بالضريح، وإذا بي ألاحظ أحد الشخصين السابقين أتي مسرعاً وهمس في أذن صاحبه الجالس عند الضريح بلغة عربية فصيحة بأن صاحب الزمان"عجل اله تعالی فرجه الشریف"قد ذهب، ثم أسرعا سوية في اللحاق بالحجة "عجل الله تعالی فرجه الشریف".

عند ذلك أدركت بأنني لم أتمكن من تمييز الحجة "عجل الله تعالی فرجه الشریف"من بين الأشخاص الثلاثة

ص: 61

وكنت على خطأ عندما تصورت أن الجالس عند الضريح هو الإمام المنتظر"عجل الله تعالی فرجه الشریف"، لهذا أسرعت بدوري خلف الشخصين علّني أصل إليهما ومع أنني كنت مسرعاً في المشي ولكنني لاحظت إنهما يسيران أمامي بشكل طبيعي وهما يبتعدان عني حتى اختفيا تماماً.

عند ذلك قلت للسيد مشير: إنني أعرفك دائماً تستطيع تشخيص الأمور في جميع الأحيان فكيف أخطأت في تمييز الحجة "عجل الله تعالی فرجه الشریف"؟

فقال السيد مشير: ليست جميع الأشياء هي في متناول اليد وبإرادة الإنسان وكان تصرف الإمام (علیه السلام) مقصوداً بإيقاعي في الخطأ حتى يشعرني بأن الوصول إلى صاحب الزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف" لا يأتي عن طريق علم الجفر أو الرمل وغيرها من تلك العلوم، بل عن طريق تزكية النفس وصدق السريرة حتى يصبح المؤمن لائقاً ومستعداً للقاء المهدي المنتظر"عجل الله تعالی فرجه الشریف".

وكان المرحوم السيد مشير معروفاً عنه بالمكاشفات إلى درجة عالية جداً حتى إننا عندما كنا نوقظه من النوم نسأله عن الساعة وبدون أن ينظر إليها، كان يخبرنا بالوقت تماماً وبدقة.

وفي إحدى المّرات التي دُعي فيها المرحوم السيد مشير مع مجموعة من أولياء الله إلى وليمة في أحد بساتين مشهد وكان المرحوم الحاج ملا آقاجان زنجاني قائماً للصلاة، وإذا بالسيد مشير يقفز من مكانه ويقتدي بالملا في صلاته. وبعد انتهاء الصلاة سألته:

لماذا أسرعت بالاقتداء بالصلاة خلف الملا آقاجان بتلك السرعة والعجلة فقال:

لقد شاهدت الملا وهو يقتدي بالإمام المهدي المنتظر . روحي له الفداء .، فاقتديت بصلاة الملا وهذا يعني أنني أقتديت وصليت خلف الحجة بن الحسن (علیه السلام)(1).

ص: 62


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 41/ الطبعة الأولى

1- الذي تسالون عنه في بيت الشيخ

القصة التالية كتبها العالم الورع آية الله السيد صادق الشيرازي (حفظه الباري) المؤلف كتاب بالفارسية «شيفتگان حضرت مهدي "عجل الله تعالی فرجه الشریف"» أي عشّاق حضرة المهدي عليه السلام هذا نصّها:

بسم الله الرحمن الرحيم

نقل لي أحد المؤمنين عن السيد جعفر بحر العلوم، المضمون التالي: أنه كان يوماً في بيت السيد حسين بحر العلوم، نجل آية الله السيد علي بحر العلوم، صاحب كتاب «برهان الفقه»، وكان سماحته في ديوانه يستقبل الوفود والمراجعين، وكان من بين المراجعين الذين وفدوا عليه مروّض مسلم من الهند، وبعد أن استقرّ به المجلس وعرّف نفسه لسماحته، قال: بإمكاني أن أخبركم عن كل ما تسألون بالقلم والقرطاس.

وبالفعل كان يجيب بصواب على الأسئلة العادية التي طُرحت عليه من الحاضرين.

وذلك وفق حسابات رياضية كان يحرّرها على الورق.

حينذاك أقبل سماحته عليه، وقال: هناك سؤال أظتك لا تقدر من الجواب عليه.

قال المروّض: وما هو؟ قال سماحته: إنه صعب وخارج عن وسعك.

قال المروّض: وليكن صعباً فإني أحاول الإجابة عنه، فما هو؟

قال سماحته: الآن وقد أصررتَ فأخبرنا عن المكان الذي يتواجد فيه سّيدنا ومولانا، ومن بوجوده استقرت الأرض ورُزق الخلق، الحجة بن الحسن العسكري (عليه السلام).

ص: 63

قال المروّض: نعم، وبدأ يبحث عن الجواب من خلال حساباته الرياضية المعقدة،لكنه ولأول مرة أبطأ في الجواب مما دعا سماحته إلى أن يقول له: ألم أقل لك أنك لا تقدر على الإجابة عن هذا السؤال؟

فأجاب: اصبروا قليلاّ لعلي أهتدي إلى الجواب. ثم بعد مدة قال: ليس الأمر كما تظنّ، ولكن أفكّر في أنّ الشيخ طه نجف من هو؟

أجابه سماحته: إن الشيخ محمد طه نجف، أحد مراجع التقليد المعروفين عندنا في النجف الأشرف.

قال المروّض: الذي تسألون عنه هو الآن في بيت الشيخ وعنده، وهنا أسرع سماحته بصحبة السيد جعفر ونفر آخرين متجهين نحو بيت المرجع آية الله الشيخ محمد طه نجف، وفي الطريق انتهوا إلى مفترق طرق ثلاثة، ينتهي أحدها إلى بيت الشيخ، حيث التقوا هناك بإنسان في الزي العراقي يرتدي العباءة والعقال والكوفية، وعليه الوقار والسكينة، وتطفح من جوانبه هيبة وعزّ، فاجتازوه نحو بيت الشيخ، وما إن دخلوه حتى ورأوا ديوان الشيخ مصفراً من الناس، حتى الذي يستقبل المراجعين ويقدّم لهم الماء والقهوة، لكنّ الذي فاجأهم بالمرة هو جلوس الشيخ في ناحية من الحجرة، جلسة الحزين، ينبعث منه أنين وزفير، تتساقط قطرات الدموع على كريمته، وهو يتمتم قائلاً: صار في يدي، فلم أنتبه له، ولما انتبهتُ كان قد فلت من يدي.

فتعجّب الواردون كثيراً، وتساءلوا . بعد التحية والسلام . علام يبكي الشيخ؟ وكان الشيخ قد فقد کريمته أواخر أيامه، لذلك لم يلتفت لقدومهم إلا بعد التحيةوالسلام فقام ورحّب بهم وجلس إليهم يحدّهم بالحادث الذي تركه حزيناً، يكفكف دموعه ويخفي لوعته قائلاً: إنكم تعلمون برجوع الناس إليّ في مسائلهم واستفتاءاتهم وخصوماتهم، وأنا أجيبهم وأفتي لهم، وأفصل بينهم، وآخذ الأموال وأعطيها وأنصب القيَّم والمتولّي ونحو ذلك. كل ذلك بتحرَّ واجتاد، ليوافق الشرع الشريف، غير أنه منذ سنوات، أخذت تُقريِني فكرة: هل أنّي مصيب في كل ما أفتيت وما قضيتُ وزاولتُ

ص: 64

وعملت، وهل أني مرضيّ عند الله ورسوله والأئمة الطاهرين عليهم السلام؟

وقبل ثلاث سنوات استشفعت إلى الله بمولاي أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك وطلبتُ منه بإلحاح أن أجد في نفسي صواب أو خطأ هذه الأعمال عن قصور لا تقصير.

فلما اشتد إصراري وتوسلي رأيت ذات ليلة في المنام مولاي أمير المؤمنين عليه السلام فأخبرني: إن ما أريده سيتم عند ولده المهدي صاحب العصر والزمان عليه السلام فبقيت أرقب الأيام والليالي، أنتظر قدوم الحبيب في كل آن ولحظة، ولم أحسب إن سأحصل عليه وأعرفه وفي هذا اليوم بالذات وقبل مجيئكم بقليل خط الديوان من المراجعين وكان خادمنا قد ذهب ليهيئ بعض لوازم البيت.

فدخل رجل كانت تدل لهجته على أنه من العشائر العراقية. فسألني بعد السلام عن مسألة فأجبتُ عنها، فأشكل عليه إشكالاً علمياً، وحاولت الإجابة عن الإشكال، غير أنه قاطعني. وهو عالم بمغزی جوابي كله . بإشكال ثان وبدأت أجيب عن الإشكال الثاني فقاطعني للمرة الثانية بإشكال علمي ثالث، وهكذا كّلما بدأت في الجواب بادرني بإشكال علمي آخر، حتى خالجني أفكارمتناقضة حول الرجل وفضله، وأنه كيف يمكن التوفيق بين معرفة هذه المباحث الدقيقة، وبين ظاهر رجل عشائري، بعيد كل البعد عن هذه المباحث العلمية. لكن غفلة عميقة خيّمت على ذهني، وأنستني ما كنتُ بانتظاره وترقّبه من التشرّف بلقاء الحبيب.

واستمرِّت غفلتي عن حاجتي، ولم أنتبه حتى مع ضرب الرجل يده على كتفي وقوله لي: «أنت مَرضُّ عندنا»، وزاد استغرابي من أن رجلاً يدلّ صوته على أنه من أهل البادية كيف يقول هذه الكلمة المرجع تقليد؟

وفجأة بعد مغادرته الديوان، انكشفت غفلتي، وعاودتني فطنتي، وتذكرتُ أملي وأمنيتي فطالما كنت أفكّر بها، وأرجو التصرف في حالي وموقفي عند ربّي ونبيي وائمتي عليهم السلام وقد أخبرني الرجل عن ذلك بقوله: «أنت مرضيُ عندنا»ولم أنتبه. إنه

ص: 65

الحبيب الذي جنّدتُ نفسي لنصرته وصرفتُ عمري لخدمته حتى دخل عندي، فيا أسفي على نفسي، صار عندي وبمرأى مني فلم أنتبه له. لأتزوّد منه ومن نوره وبركاته، ولما انتبهتّ كان قد خرج عن وسعي، أليس حقيقاً لمثلي أن يئن ويبكي؟

فقال السيد بحر العلوم للشيخ: «شيخنا لهذا جئنا» واحتملوا أن يكون الرجل ذو المهابة والوقار الذي رأوه قريباً من بيت الشيخ هو سيدنا ومولانا صاحب العصر (عجل الله تعالى فرجه وجعلنا من أنصاره وأعوانه والمرضييّن عنده بمحمّدوآله الطاهرين)(1)

ص: 66


1- قصص وخواطر.../ ص 260/ قصة رقم210

2- ضمني"عجل الله تعالی فرجه الشریف" إلى صدره

حدث الأخ الصفي عن المولى السلماسي رحمه الله تعالى، قال:

كنت حاضراً في محفل إفادته، فسأله رجل عن إمكان رؤية الطلعة الغرّاء في الغيبة الكبرى، وكان بيده الآلة المعروفة لشرب الدخان المسمى عند العجم بغليان فسكت عن جوابه وطأطأ رأسه، وخاطب نفسه بكلام خفي أسمعه فقال ما معناه: «ما أقول في جوابه؟ وقد ضمني صلوات الله عليه إلى صدره، وورد أيضاً في الخبر تكذيب مدَّعي الرؤية، في أيام الغيبة» فكرر هذا الكلام.

ثم قال في جواب السائل: إنه قد ورد في أخبار أهل العصمة تكذيب من ادّعى رؤية الحجة عجل الله تعالى فرجه، واقتصر في جوابه عليه من غير إشارة إلى ما أشارإليه(1)

ص: 67


1- جنة المأوى، ص 51، قصة رقم 10، الطبعة الأولى

3- كرامات سيد عند أجداده

كان حجة الإسلام والمسلمين الحاج السيد ستار محمدي من العلماء الأعلام في مدينة ميانة في آذربايجان وهو رجل قدير طاهر السريرة وكرمه مضرب الأمثال بين الناس حيث كانت داره مفتوحة بكل سخاء للعلماء والأصدقاء.

وفي عام 1360 هجري قمري أساء بعض الناس الجهلة إلى هذا الرجل الكبير فجاء إلى مدينة مشهد المقدسة تاركاً مدينة ميانة من أجل تقديم الشكوى ضد أولئك المسيئين عند جده الإمام علي بن موسى الرضا (علیه السلام) حيث تفضل وشرّمنا بنزوله في دارنا.

وكان السيد محمدي قلقاً طيلة إقامته في منزلنا وفي أحد الأيام وأثناء غفوة القيلولة رأيت والدي الذي كان قد وافاه الأجل قبل مدة وجيزة، رأيته في المنام وقد وقع أرضاً في صالون الضيوف وكأنه أصابته نوبة قلبية فهرعت إليه ومستدتُ كتفيه فأفاق من رقدته وقال:

لقد خفت كثيراً حيث تصورت أنني قد فارقت الحياة، وبعد أن أفقت من النوم ذهبت مباشرة إلى السيد ستار محمدي ورويت له الحلم فقال:

من الأفضل تقديم الخيرات لوالدك المرحوم.

وفي الليلة نفسها كنت خارجاً من البيت، وعندما عدت لاحظت السيد محمدي ملقَّى على الأرض وكأنه قد أصيب بنوبة قلبية تماماً في المكان نفسه الذي رأيت فيه والدي في الحلم !

ص: 68

وعندما تذكرت الحلم أسرعت إليه ومسدّت كتفيه فاستراح قليلاً ثم أفاق من حالته الشديدة فأخذته إلى غرفة مجاورة إلى غرفتي فاستلقي على السرير.

ولما كانت دارنا بعيدة عن المدينة، لم أستطع تلك الليلة استدعاء الطبيب ولكنني بت الليلة قلقاً تأخذني الهواجس فأستيقظ فزعاً وأستقصي أحواله حتى الصباح، وعند ذلك أسرعت إليه وسألت عن أحواله واستأذنته باستدعاء الطبيب فقال: لا حاجة لذلك فحالي والحمد لله جيدة.

وفي اليوم التالي وعندما ذهب السيد محمدي، قالت لي زوجتي إنها في تلك الليلة وعند الفجر رأت باب الغرفة قد انفتح ودخل الرسول الأكرم (عليه أفضل الصلاة والسلام) وعلى يمينه أمير المؤمنين (علیه السلام) وإلى شماله فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وخلفهم الأئمة الميامين الكرام وآخرهم بقية الله في أرضه، فعجبت من الأمر وقلت في نفسي: لا شك أن السيد محمدي ومن أجل مكانته الرفيعة عند أجداده و بسبب تقواه وعلمه الوفير فقد حضر الرسول (صلی الله علیه وآله) مع أهل بيته لوداعه، لكنني تساءلت: كيف يتسنى لي أن أراهم والعادة أن يرى المحتضر ما لا يراه الأحياء الآخرون؟ وفي هذه الأثناء شاهدت سيدالكائنات يحتضن السيد محمدي ويقبله ثم جاء صاحب الزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف" ووضع يده على مكان قلبه وكأنهم يريدون شفاءه، ثم خرجوا من الغرفة. ثم شاهدت السيد محمدي الذي كان مسجي على السرير كالمحتضر، وقد دبت فيه الحياة والحيوية وارتفع المرض والتعب من محياه ثم قام من مكانه فحمد الله وشكره وصلى على الرسول الأكرم صلوات الله وسلامه عليه.

وبقي السيد محمدي بعد هذه الحادثة سليماً معافى وهو يزاول حياته العادية لحد الآن في مدينة ميانة(1)

ص: 69


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 51/ الطبعة الأولى

4- هذا هو الطريق

تُقِل عن آية الله الحاج الشيخ ميرزا علي الفلسفي (حفظه الله) . وهو من علماء مشهد المقدسة. نقلاً عن أستاذه المرجع المرحوم السيد الخوئي قدس سره، أن المرحوم أستاذه آية الله العظمى الشيخ محمد حسين الكمباني الأصفهاني قال: كنت وزميل قروي ندرس أيام الشباب عند أحد العلماء،فجاءنا يوماً واعتذر إلينا لإلقاء الدرس، لأنه لم يسعه الوقت ليطالع ويحضَّر له، ولما ذهب التفت إليّ زميلي وقال: هل تريد أن أخبرك لماذا قال: إنه كان مشغولاً بزوجة تزوّج بها زواجأ مؤقتاً؟

لا أدري - والكلام للشيخ الكمباني الأصفهاني - كيف بلغ كلام زميلي القروي إلى أستاذنا فطلب منه وبإصرار شديد أن يخبره كيف اطلع على الأمر ومن اخبره بذلك؟

فأجاب الطالب: كان والدي عالماً على مستوى قريتنا، يرجع إليه الناس في مسائلهم الدينية وهو يجيبهم ويبتّ في الزواج والطلاق والقضايا، فمات وجاء أهل قريتنا إلىّ ونصّبوني مكانه وأنا أجهل كل شيء عن الأحكام الشرعية، ولم ينفع رفضي وامتناعي، فاضطررت لفترة قصيرة إلى أن أمارس هذا الدور المفروض عليّ كرهاً، ولكني سرعان ما أنقذتُ نفسي وأصغيت لتأنيب ضميري فدعوت أهل القرية يومأ إلى كلمة هامة جداً، فأعلنت لهم في المسجد أيها الناس إن والدي كان يفتيكم وهو عارف بعض الشيء بالأحكام الشرعية، أما أنا فقد أجبرتموني أن أحلّ محله وليست لي معرفة بالأحكام، فالذي حصل هو أن ما أفتيتكم به وعملته من عقد للزواج وإجراء للطلاق لا يخلو من اشكال وخطأ..

ص: 70

وهنا هاجمني الحاضرون وأشبعوني ضرباً، ولا أدري كيف تمكنت من الهرب، فخرجت من القرية إلى الصحراء من غير هجف ومأوى، وبعد استراحة قليلة فكّرت أن أذهب إلى النجف الأشرف لدراسة العلوم الإسلامية، وما قرّرت الحركة باتجاه النجف وخطوت قليلاً إلا لقاني رجل ساطع الوجه فقال: إلى أين ذاهب؟

قلت: إلى النجف الأشرف.

قال: هل تريد صديقاً؟

قلت: نعم وبكل تأكيد.

أتذكر أننا وصلنا إلى النجف ولم أشعر بالتعب، ولعلّ السبب هو مؤانستي مع هذا الرجل الطيب. وهو جزاه الله خيراً منذ تلك المرافقة والصداقة لا زال يأتيني ويتفقّد أحوالي في حجرتي، حقاً إنه صديق حميم جداً، ورغم ما عليه من هيبة فإنه متواضع إلى أبعد حدود، يسلب حبّه قلب كل إنسان يراه للوهلة الأولى، نعم هذا الرجل هو الذي أخبرني بأنك سوف تأتي غداًوتعتذر إلينا بتعطيل الدرس!

هنا فهم الأستاذ أن الرجل ذا الوجه الساطع وليّ من أولياء الله ولعله الإمام الحجة (صلوات الله عليه) ولكن الطالب القروي لبساطته وصفاء نفسه لم يعرفه. لذا توجه إلى الطالب وقال له: اسأل هذا الرجل هل يقبل أن أزوره وأتعرّف عليه.

قال الطالب: بالتأكيد يقبل، بل إنه لشدة تواضعه وأخلاقه الحسنة ربما يقول أنه يزورك إذا أردتَ!

فجاء الطالب وأخبر صاحبه (الرجل المشعّ نوراً ) بطلب الأستاذ.

فقال له الرجل: أبلغه أنه لا داعي الآن إلى لقائنا، بل إننا إذ وجدناه أهلاً لذلك نزوره بانفسنا!

ولقد كان لهذا الجواب وقع كبير وهزّة تربوية عظيمة على نفس الأستاذ.

ص: 71

نعم.. التراجع عن الخطأ والاجتناب عن المنصب المغصوب دليل صفاء النفس ومجاهدتها، ودافع قوي للبحث عن العلم النافع، وهما سببان كافيان لمجيء الإمام الحجة بن الحسن (صلوات الله وسلامه عليه) أو أحد من قبله إلى الشخص المتحلّي بهما فيدير أمره ويوجّه عقله ويتصادق معه.

فعلى الباحثين عن الإمام الحجة (أرواحنا له الفداء) أن يبحثوا في أنفسهم عن هذه الشروط كي يأتيهم الإمام بنفسه، هذا هو الطريق لا تلك الطرق الملتوية النائية عن روح التعاليم القرآنية ونهج العترة الطاهرة(1).

قال الله تعالى: «وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى »(2)

ص: 72


1- قصص وخواطر.../ ص 277/ قصة رقم
2- سورة النازعات/40-41

5- إنني دائماً معلم وفي أي وقت تشاؤون تروني

نقلت هذه الحكاية زوجة المرحوم حجة الإسلام والمسلمين الحاج الشيخ تقي زركري أحد أتقياء الله وأوليائه فقالت: في منتصف ليلة السادس عشر من رمضان المبارك عام 1398 هجري قمري، استيقظت على صوت بكاء ونحيب الحاج تقي زركري. وكان جو الغرفة مفعماً برائحة العطر الزكية فسألته:

ما بك يا شيخ؟

فقال والدموع تنهمر من مآقيه: ماذا أقول؟؟

وكيف أوضح لك الأمر؟ لقد كان بقية الله، . روحي له الفداء. جالساً أمامي وعندماذهب عني أوحشني فراقه وأصابتني نوبة البكاء الشديد.

فقلت له: ولماذا لم توقظني لأتمتع بنور طلعته؟

فقال: لقد قال الإمام المهدي المنتظر"عجل الله تعالی فرجه الشریف" أتركها لتنام.

فسألته: هل تحدثتما بشيء؟

فقال: نعم لقد سألته بعض الأسئلة فأجابني عليها ولكن لا يمكنني أن أذكرها لك.

فقلت: قل لي ما يمكن قوله لي.

قال: لقد سألته عن أوضاع البلاد فأجاب:

سيذهب الشاه ويسقط النظام والفرج قريب (مع أنه لم يكن في حساب الناس في

ص: 73

تلك الأيام أنه يمكن إسقاط نظام الشاه).

فسألته: ألم تسأله أن يشفيك من مرضك؟

فقال: يجب علي أن أذهب من هذه الدنيا وقد تأخرت قليلاً!

ثم أضاف: لقد سألت الحجة"عجل الله تعالی فرجه الشریف": كيف يمكن الوصول إليك يا سيدي؟

فقال: إنني دائماً معكم وفي أي وقت تشاؤون يمكنكم أن تروني.

وانتهت تلك الليلة وتبعتها ليال أخر ولم يدم طويلاً، حتى وافاه الأجل المحتوم(1).

ص: 74


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 46/ الطبعة الأولى

6- أوصيك بالعود

أخبر الشيخ باقر المزبور عن رجل صادق اللهجة كان حلاقاً وله أب كبير مسنُّ، وهو لا يقصر في خدمته، حتى أنه حمل له الإبريق إلى الخلاء، ويقف ينتظره حتى يخرج فيأخذه منه ولا يفارق خدمته إلا ليلة الأربعاء فإنه يمضي إلى مسجد السهلة ثم ترك الرواح إلى المسجد، فسألته عن سبب ذلك، فقال: خرجت أربعين أربعاء فلما كانت الأخيرة لم يتيسّر لي أن أخرج إلى قريب المغرب فمشيت وحدي وصار الليل، وبقيت أمشي حتى بقي ثلث الطريق، وكانت الليلة مقمرة.

فرأيت أعرابياً على فرس قد قصدني فقلت في نفسي هذا سيسلبني ثيابي فلما انتهى إليّ كلّمني بلسان البدو من العرب، وسألني عن مقصدي، فقلت: مسجد السهلة، فقال معك شيء من المأكول؟ فقلت: لا، فقال: أدخل يدك في جيبك - هذا نقل بالمعنى - وأما اللفظ دورك يدك لجيبك فقلت: ليس في شيء فكرَّر علىَّ القول بزجر حتى أدخلت يدي في جيبي، فوجدت فيها زبيباً كنت اشتريته لطفل عندي، ونسيته فبقي في جیبي.

ثم قال لي الأعرابي: أوصيك بالعود، أوصيك بالعود، أوصيك بالعود - والعود في لسانهم اسم للأب المسن، ثم غاب عن بصري فعلمت أنه المهدي (عليه السلام) وأنه لا يرضى بمفارقتي لأبي حتى في ليلة الأربعاء فلم أعد(1).

ص: 75


1- دار السلام، ج 4، ص 621 - 421. وجنة المأوى، ص 61، قصة رقم 18، الطبعة الأولى

7- إذا لم أصبح عصبياً

نُقِل عن المرحوم الحاج الملا آقاجان أثناء زيارته للعتبات المقدّسة في النجف الأشرف أنه قال:

بعد صلاة الظهر والعصر وتناول الطعام سوف نتوجه إلى مدينة الكوفة لزيارة مراقد مسلم بن عقيل وهاني بن عروة وزكريا وكذلك مسجد الكوفة ومسجد صعصعة بن صوحان وسيكون مبيتنا في مسجد السهلة حيث سننال البركات الكثيرة بإذن الله وربما نصل لخدمة بقية الله "عجل الله تعالی فرجه الشریف".

ثم قال شيئاً بصوت خفيض هامساً مع نفسه فلم تستطع الجماعة سماع ذلك ما عداي حيث سمعته يقول: (إذا لم أصبح عصبياً) ثم أضاف الجملة التالية وهو يهز برأسه:

لماذا أصبح عصبياً؟. كلا لن أصبح عصبياً؟ ثم قرأ الآية الشريفة: «وما أبرئ نفسي إن النفس لأمّارة بالسوء إلا ما رحم ربي».

وهكذا توجهنا ظهر ذلك اليوم بالسيارة إلى الكوفة وتشرفنا في الطريق بزيارة كميل بن زياد وميثم التمار ومسجد الحنانة، وفي الساعة الثالثة بعد الظهر دخلنا مسجد الكوفة ثم انشغلنا بأداء أعمال المسجد من الأدعية وصلوات التعبد وغيرها. وفي هذه الأثناء خرج من إحدى الغرف شاب إيسكافي جاء من مدينة كربلاء المقدسة للرياضة الروحية والتعبّد والتحق بنا فسألته: ماذا تعمل هنا؟ فقال:

لقد جئت للرياضة الروحية والتعبد ومن شروطها البقاء في مسجد الكوفة المدة

ص: 76

واحد وعشرين يومأ والصيام وعدم الحديث مع أي شخص كان.

فقلت له: وهل انتهت تلك الرياضة؟

فقال: كلا، لكنني قبل لحظات حينما كنت في غرفتي أقرأ سورة الحمد وإذا بصوت يناديني: إن ما تقرأ من أجله عند ذلك الشخص وأشار إلى الحاج ملا آقاجان.

فتركت الغرفة مسرعة لأراه.

فسألته: وما حاجتك؟

فأطرق قليلاً ولم ينطق فعلمت أنه طلب لقاء الحجة بن الحسن (علیه السلام).

ثم توجهنا ومعنا ذلك الشاب لأداء أعمال مسجد الكوفة ثم زيارة مسلم بن عقيل، كان هناك قبر بالقرب من ضريح مسلم بن عقيل فقال الحاج ملا آقاجان: اقرأوا الفاتحة والزيارة على قبر هانی بن عروة. ثم توجهنا إلى قبر المختار وسألنا أيضاً أن ترأ الفاتحة له فسألته: وكيف كان المختار الثقفي؟

فأجاب (عليه الرحمة): لقد كان في قلبه يحب أعداء فاطمة الزهراء (علیها السلام) فكان كانه النار يوم القيامة ولكن وبسبب أعماله القيّمة، فإن سيد الشهداء سوف يشفع له ند رب العالمين.

وفي ضريح هانی بن عروة، قرأ الملا آقاجان، المرئية والتعزية الحسينية وكان ناوبنا النفسي والروحي على أشده فقال لنا: اشكروا هانی بن عروة على ما أوصلكم به من الروح المعنوية والحقيقة الناصعة.

وبعد ذلك تحركنا في اتجاه مسجد السهلة وكان الشاب ملازماً للحاج آقاجان لا تأ يسأله كلما سنحت له الفرصة عن الكمالات المعنوية والتشرب بروح العرفان حب الإلهي إلى غير ذلك من القضايا النفسية.

ص: 77

وقبل وصولنا إلى مسجد السهلة كان هناك مسجد صعصعة ومسجد زید، فقمنا بأعمال المسجدين وخاصة أنه ما زال على غروب الشمس بضع ساعات وقد شعرنا بالخشوع والتقرب العجيب إلى البارئ (عز وجل) حينما كان الحاج الملا آقاجان يقرأ دعاء مسجد زید بصوته المتهجد المرتعش الخائف الوجل ولكنه كان عالياً وجهورياً.

والآن وبعد مرور أكثر من اثنين وعشرين عاماً على تلك الحادثة، ما زلت أتذكرالموقف وصوت ذلك الرجل الكبير يطن في أسماعي وهو يقرأ الدعاء التالي:

إلهي قد مّ الخاطئ المذنب يديه إليك بحسن ظنه بك. إلهي قد جلس المسيء بين يديك مُقِراً لك بسوء فعله وراجياً منك الصفح عن زلله.

إلهي قد رفع الظالم إليك كفّيه راجياً لما لديك فلا تخيبه في رحمتك من فضلك.

الهي قد جثا العائد إلى المعاصي بين يديك خائفاً من يوم تجثو فيه الخلائق بين يديك.

إلهي جاءك العبد الخاطئ فزعاً مشفقاً ورفع إليك طرفه حذراً راجياً وفاضت عبرته مستغفراً نادماً (وهنا ارتفع صوته بالبكاء والنحيب) ثم قرأ:

وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك وما عصيتك إن عصيتك وأنا بك جاحد ولا لعقوبتك متعرض ولا النظرك مستخف ولكن سوّلت لي نفسي وأعانتني على ذلك شِقوتي وغرّني سترك المرخي عليّ.

فمِنَ الآن من عذابك مَن يستنقذني وبحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عني.

ثم صاح بصوت خِلته فقد معه روحه قائلاً:

فيا سوأتاه غداً من الوقوف بين يديك إذا قيل للمخفين جوزوا وللمثقلين حطوا أفمع المخفين أجوز أم مع المثقلين أحط.

ص: 78

(وهنا أمسك محاسنه بيده وكان الدمع ينهمر مدراراً من مآقيه وقال):

ويلي كلما كبر سني كثرت ذنوبي، ويلي كلما طال عمري كثرت معاصيّ فكم أتوب وكم أعود. أما آن لي أن أستحي من ربي.

(وهنا رفع يديه إلى السماء ودمعه يسيل على خديه ولحيته وهو يقول):

اللهم بحق محمد وآل محمد اغفر لي وارحمني يا أرحم الراحمين وخير الغافرين.

ثم مرغ خده في التراب وهو يندب ويبكي بحرقة ويقول:

إن كنتُ بئس العبد فأنتَ نعم الرب.

ثم أدار خده الآخر على التراب وأخذ يبكي كالثكلى وهو يقول:

عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك يا كريم. ثم وضع جبينه على التراب وقال بصوت عالٍ مائة مرة كلمة العفو. ثم بکی وبكى حتى أغمي عليه. وتمكنا بصعوبة من إيقاظه.

ثم واصلنا سيرنا إلى مسجد السهلة فوصلنا عند الغروب فأخذ الملا آقاجان يشير بيده هنا وهناك حيث كان شيخ جليل قد أمضى أربعين ليلة أربعاء بين كربلاء ومسجد السهلة على أمل أن يلقى الحجة بن الحسن (علیه السلام) وكانت تلك آخر ليلة له في المسجد.

وكان معنا ذلك الشاب الذي التحق بركب الملا الحاج آقاجان على أمل أن يلقى المهدي المنتظر في هذه الليلة وكان هناك أيضاً رجل ورع طاهر تمام الإيمان بأنه سيلتقي الليلة صاحب الزمان"عجل الله تعالی فرجه الشریف".

وكان الحاج جواد سهلاوي قد اندمج في التعبد والتهجد إلى درجة أن هذه الروحية النفسية التعبدية سرت في نفوس الحاضرين جميعاً.

أما الحاج الملا آقاجان فكان يدعو ويتهجد بكل جوارحه وبحرقة الملتاع مما أضفى

ص: 79

على الجميع حرارة الإيمان والشوق إلى البارئ ولقاء الحجة المنتظر"عجل الله تعالی فرجه الشریف"

وكنت شخصياً في سن الفتى الذي لم يتجاوز الثالثة عشرة حيث جلست في ركن أنظر إلى هذه الجماعة والسيد يقول: هنا بيت صاحب الزمان"عجل الله تعالی فرجه الشریف".

هنا قاعدة ومركز الحجة"عجل الله تعالی فرجه الشریف".

هنا مكان موعد عشاق بقية الله . روحي له الفداء ..

فشعرنا بالخشوع والخنوع والرهبة وخاصة أننا نزور هذه الأماكن المقدسة لأول مرة في حياتنا وبمعية ذلك الولي النقي الورع الأمين:

وبعد صلاة المغرب والعشاء وأداء أعمال مسجد السهلة انتبه محبوصاحب العصر بأننا يجب أن ننام هذه الليلة في هذا المسجد فاجتمع الجميع في غرفة الحاج الشيخ جواد السهلاوي سادن المسجد الشريف والمقيم مع عائلته بالقرب من المسجد.

ثم دعا الشيخ السهلاوي، الملا آقاجان للمبيت عنده هذه الليلة لينتفع الحاضرون من بركات أدعيته وحكمه فقبل الدعوة شاكراً.

وكانت ليلة عجيبة! مجتمع غريب شمل النخبة المؤمنة، المراسم والطقوس بلهفة وشوق وكان الجميع يبكون لفراق مولاهم المهدي المنتظري"عجل الله تعالی فرجه الشریف". وتمت قراءة الزيارات جميعاً وأدعية التوسل وكميل وياسين واستمرت المراسم حتى الصباح فأدّينا صلاة الصبح عند مقام الحجة بن الحسن (علیه السلام)، لكن صاحبنا الذي أنهى الليلة الأربعين من ليالي الأربعاء ظهرت عليه بوادر الاضطراب و الانزعاج ذلك أنه ابتعد أكثر من شهرين عن داره وعائلته ووطنه من أجل لقاء المهدي"عجل الله تعالی فرجه الشریف" وكان يخشى أن لا يوفق لذلك.

أما أنا فكنت مطمئناً ومتأكداً بأنه سيلاقيه لأنني كنت أقول في نفسي لا يعقل أن هذه المتاعب والمشاق التي تحملها الرجل، لا تلقى موقفاً مؤيداً من قبل بقية الله"عجل الله تعالی فرجه الشریف"، ثم تقدمت منه وسألته: هل سبق أن التقيت بالحجة "عجل الله تعالی فرجه الشریف"؟ فأجاب: نعم، لاقيته عدة

ص: 80

مرات ولكنني في كل مرة كنت لا أعرفه إلا بعد فراقه. أما هذه المرة فإنني أرجو أن ألاقيه وأنا أعرفه تماماً. ولهذا أصبحت ملازماً له أينما ذهب.

وفي صبيحة اليوم الثاني، لاحظته وهو يتشاجر مع أحد الأخوة من أهل السنة، لأنه يصلي وقد شبك يديه على صدره فسألته: لماذا كل هذه العصبية والانفعال؟

فقال: أكاد أجن، لقد مضت أربعون ليلة وأنا أعاني من الانتظار والغربة ولم أتبرّك بلقيا حبيبي صاحب الزمان"عجل الله تعالی فرجه الشریف"، ثم أخذ يبكي ويضرب رأسه بجدار الغرفة، فأخذت بيده وذهبنا إلى غرفة شيخ جواد السهلاوي حيث كانت المجموعة هناك تتناول طعام الصباح.

وكان الحاج الملا آقاجان قد جلس مستنداً إلى الجدار ووجهه ناحية الباب كأنه ينتظر ورود شخص إلى الغرفة.

وفي هذه الأثناء دخل شیخ صغير الجسم قصير القامة شديد السمرة، إلى الغرفة فقفز الملا آقاجان وبدون أن نتوقع منه هذا التصرف فنهره وقال له: اخرج يا رجل.

فقال ذلك الهندي الشيخ بلهجة فارسية ركيكة: إنني أحب صاحب الزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف"وقد قضيت ليلة أمس بكاملها يقظاً حتى ألقاه، فكذّبه الملا آقاجان وطرده وهو يقول له: أنت کاذب أخرج من الغرفة.

وفي هذه الأثناء، لاحظت سيداً بهي الطلعة طويل القامة واقفاً على باب الغرفة وهو يبتسم ويلاحظ الشجار بين ذلك الشيخ الهندي والملا آقاجان وقد ظننته صاحبه.

وبعد إخراج الشيخ الهندي وطرده من الغرفة، ذهب ذلك السيد الجليل أيضاً.

فقلت للملا آقاجان:

الحمد لله أن صاحب ذلك الهندي شاهد المشاجرة ولم يتدخل لصالح صاحبه.

فقال الملا: وهل كان مع الشيخ صاحب ؟

ص: 81

فقلت له: نعم لقد شاهدته واقفاً على الباب وهو ينظر إلى شجاركما مبتسمأ ثم ذهب بذهاب الشيخ.

ثم أيّدني عدد من الجالسين في الغرفة وقالوا إنهم شاهدوا السيد على الباب أيضاً.

أما ذلك السيد الذي قضى أربعين ليلة للقاء الحجة "عجل الله تعالی فرجه الشریف" في مسجد السهلة، فقد أخذته نوبة من البكاء فسألته:

وهل رأيت ذلك السيد بالباب؟ فقال وعبراته تجري على خديه بغزارة: أجل رأيته وأعتقد أنه هو المهدي المنتظر "عجل الله تعالی فرجه الشریف" فقال الملا آقاجان: إنك تفكر بشكل جيد ذلك أنني كنت أنتظر زيارة الحجة "عجل الله تعالی فرجه الشریف" لنا في هذا اليوم. فسألت الشخص الأول: وكيف عرفت أنه صاحب الزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف" ؟ فأجاب:

لقد جاء الإلهام بذلك في البداية، فحاولت القيام والسلام عليه ولكنني شعرت بثقل في رجليّ وقد انعقد لساني على الكلام. كما أيد ذلك الشاب الذي التحق بنا من مسجد الكوفة كلام السيد وقال إنه صاحب الزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف". عند ذلك هرعناجميعاً اللحاق به، بحثنا هنا وهناك وفي جميع الغرف فلم نره ومسجد السهلة كما يعرفه الجميع مسجد يقع في صحراء خالية تماماً من البيوت والشوارع. لهذا فإن الشخص لا يمكنه أن يبتعد في لحظة ونحن لا نراه. وعند ذلك انقسمنا إلى مجموعتين، تقول إحداها: إن ذلك السيد المهيب الجليل هو من الأولياء الذين لهم قدرة طي الأرض والمجموعة الثانية قالت إنه حتمأ المهدي المنتظر"عجل الله تعالی فرجه الشریف".

أما الملا آقاجان والسيد الذي قضى أربعين ليلة في مسجد السهلة منتظراً لقاء صاحب العصر والأوان، فقد أيقن بأنه فعلاً المهدي المنتظر خاصة وإنه يشعر بأنه سيلاقيه في ذلك اليوم على أية حال رجعنا إلى المسجد وقد انفرط عقدنا وخيّم الوجوم علينا لعدم تشرّفنا بلقاء حبيبنا ومولانا الحجة بن الحسن (علیه السلام). وبقيت في صدورنا الحسرة من ذلك كما أننا لم نتمكن من معرفة سبب شجار الملا آقاجان مع

ص: 82

ذلك الشيخ الهندي، لأنه كان عصبي المزاج وقد علت وجهه غمامة من الهم وعدم الارتياح.

وعندما رجعنا إلى النجف الأشرف ودخلنا الفندق واستراح الملا آقاجان، تنهد بحرقة وقال: يقولون لي لماذا أصبحت عصبياً عند دخول ذلك الشيخ؟ وسوف أقول لكم السبب.

في الحقيقة كنت أنتظر قدوم صاحب الزمان في تلك اللحظة التي دخل فيها ذلك الشيخ الهندي الذي ما إن دخل حتى عمّ الظلام الغرفة فعرفت أنه جاسوس عليناوهو ليس من شيعة علي بن أبي طالب (علیه السلام) ولا يحب صاحب الزمان ولا يصدق بوجوده أبداً، ولهذا أصابني الجنون خاصة وإنني أنتظر قدوم الحجة "عجل الله تعالی فرجه الشریف"في تلك اللحظة، فتصرفت معه بتلك العصبية وطردته كما لاحظتم ذلك (1).

ص: 83


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 62/ الطبعة الأولى.

8- بلغ سلامي إليه

قال العالم التقي المرحوم الشيخ إسماعيل الشاهرودي: خرجنا في قافلة من إيران إلى حج بيت الله الحرام، وعندما وصلنا إلى مفازة قرب مكة المكرّمة ضللنا الطريق، وكنا عطاشى، ونفد وقود سيارتنا أيضأ، فذهبتُ أنا إلى مرتفع بعيداً عن أصحابي، وصليتُ ركعتين صلاة الإمام الحجة عليه السلام أدعو الله تعالى متضرّعاً إليه لأن ينقذنا ممّا نحن فيه. وفي هذا الأثناء رأيتُ رجلاً عربياً تقدم إليّ وقال: يا شيخ إسماعيل، ماذا جرى؟

قلتُ: ضيّعنا الطريق.

قال: أنا أعرفه.

قلتُ: سيارتنا ليست فيها وقود.

قال: لا يهمّ !

وكان معه قدح ماء، سقى به أصحابه وأرواهم، ثم قال: اركبوا.

فركبنا، وتحرّكت بنا السيارة (التي كانت خالية من الوقود )!

وفي الطريق سألني العربي: من تقلَّد؟

قلتُ: الحاج السيد أبا الحسن الأصفهاني.

قال: بلّغ سلامي إليه إذا زرته في النجف.

ص: 84

ثم سألني: هل تعرف الآخوند ملا علي الهمداني؟

قلتُ: أنا لا أعرفه شخصياً، ولكنه من مشاهير العلماء.

فقال: بلغ سلامي إليه أيضاً.

وغاب عن عيني في الحال (1)!

من يكون هذا الرجل يا تُرى؟

القرائن تجيب أنه المهدي المنتظر، القائم الموعود الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، بعد ما مُلئت ظلماً وجوراً. فسلام عليه يوم ولد ويوم غاب ويوم عاش غريباً ويوم يخرج غالبأ(2)

ص: 85


1- مقدمة كتاب (صد وبیست حديث بالفارسية / ص10
2- قصص وخواطر.../ ص 331/ قصة رقم298

9- طلب المعارف من غير طريقنا

أهل البيت مساو لإنكارنا

نقل المرحوم آية الله الحاج الشيخ مجتبی قزويني رضوان الله تعالى عليه، قضية أستاذه المرحوم آية الله میرزا مهدي أصفهاني على النحو التالي فقال: كان المرحوم آية الله میرزا أصفهاني يقول: عندما كنت أدرس العلوم الدينية في مدينة النجف الأشرف، تشرفت بالاستزادة من هذه العلوم على يد السيد أحمد كربلائي أحد العرفاء الأتقياء الكبار. وخاصة في علوم السير والسلوك وعلم الأخلاق وتزكية النفس حتى وصلت بنظره إلى رشد الكمالات المعنوية وتزكية النفس وقريباً من حد الكمال أو كما هو معروف إلى درجة القطبية والفناء في الله (تعالى).

كما إنه أعطاني صفة التقييم للأخرين ولقب الأستاذ في فلسفة الإشراق واعتبرني عارفاً كاملاً وقطباً فانياً في ذات الله (تعالى). ولكنني كما أعرف نفسي جيداً ولا أستطيع التغرير بها فإنني كنت أعتبر نفسي ناقصأ من حيث الكمالات النفسية والعلمية وما زلت لا أعرف شيئاً عن المعارف الحقة وبقيت هكذا متردداً لا أستقر على بال حتى هداني الله (تعالى) إلى أن أذهب كل ليلةأربعاء إلى مسجد السهلة لأتوسل إلى الحجة "عجل اللله تعالی فرجه الشریف"حتى يهديني سواء السبيل.

وهكذا بدأت الذهاب إلى مسجد السهلة وأفرغت نفسي من جميع العلوم الجدلية والكيف أول أم الحال وكذلك من الأفكار العرفانية والمتصوفة بعيداً عن كل ما نسجه الفلاسفة وتوجهت بكل إخلاص وتوبة لأكون تحت تصرف بقية الله . روحي وأرواح العالمين له الفداء..

ص: 86

وبعد فترة من الاحتجاب المتكرر والتوسل إلى الحجة "عجل اللله تعالی فرجه الشریف" والذوبان في ذات الله، وبصورة مفاجئة ظهر لي جمال المهدي المنتظر المنير وتفضل عليّ بكل ما أحتاجه ولكي أكون ذا مقياس ومیزان استرشد فيه دائماً علمني الجملة التالية فقال:

«طلب المعارف من غير طريقنا أهل البيت مساو لإنكارنا»وعندما سمع المرحوم الميرزا أصفهاني هذه الجملة من الحجة "عجل اللله تعالی فرجه الشریف"أدرك أن المعارف الحقة يجب أن تدرس فقط عن مضامين الآيات القرآنية وروايات أهل بيت العصمة والطهارة.

وهكذا يتوجه المرحوم إلى مدينة مشهد فيقوم بتدريس ودراسة المعارف القرآنية وأهل البيت للطلاب، واستطاع بإيمانه وقوة حججه أن يجلب جميع طلاب المعنى والتشرف وتزكية النفس والذين هم في الصراط المستقيم للمعارف الحقة، إلى المجتمع الروحاني.

كما أن بعض طلاب المرحوم الميرزا أصفهاني وكذلك ولده الأرشد كتب عن أبيه في كتاب ( الدين والفطرة ) يقول: كان المرحوم آية الله العظمى الميرزا مهدي أصفهاني (رضوان الله عليه) من أحد العلماء الأعلام والفقهاء العظام والمربين الروحانيين في العقود المنصرمة حيث سيطر لعدة أعوام خلت على الحوزة العلمية في مدينة مشهد. وكانت معارف القرآنية والروحانية سداً فولاذياً أمام جميع الانحرافات الذهنية وكان يعرض المعارف القرآنية والروايات الموثقة من آل البيت باعتبارها الطريق الوحيد للوصول إلى الإسلام الخالص الحقيقي.

وعندما كان ذلك العظيم طالباً للعلوم والمعارف الإسلامية أخذته المعارف الفلسفية إلى شاطئ التردد وعدم الاستقرار فتاهت نفسه في متاهات تلك المدارس حتى تم له الانقلاب الفكري حيث توسل بالحجة بن الحسن (علیه السلام) لينجيه من ظلام الشك والتردد والحيرة وفي إحدى زياراته المقبرة السلام في النجف الأشرف وبقرب مقام هود وصالح تجلى له نور الحق فأنر له الطريق وإذا بالمهدي المنتظر يظهر له وهو الصحوة وليس

في المنام وعلى صدره الشريف شريط من النور الأخضر وقد كتب عليه بالنور الأبيض العبارة التالية:

ص: 87

«طلب المعارف من غير طريقنا أهل البيت مساو لإنكارنا، وقد أقامني الله وأنا الحجة بن الحسن».

ثم يغيب عن ناظريه.

وتنزل هذه الرسالة الإلهية برداً وسلاماً على قلبه الرجل الحائر فيستقر فيه نور الإيمان وتوضح السبيل أمامه للمعارف الإسلامية الحقة. ثم يسير إلى إيران ليعلم تلاميذه من ذلك النبع الإلهي الصافي من المعارف الرسالية وما زال بعض من تلاميذه الكرام على قيد الحياة (1).

ص: 88


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 60/ الطبعة الأولى

10- تظن أن إماملك ليس مطلعا على حاجتك؟

قصة العابد الصالح التقي السيد محمد العاملي رحمه الله ابن السيد عباس سلمه الله «آل العباس شرف الدين» الساكن في قرية جبشيت من قرى جبل عامل وكان من قصته أنه رحمه الله لكثرة تعدي الجور عليه خرج من وطنه خائفاً هارباً مع شدة فقره، وقلّة بضاعته، حتى أنه لم يكن عنده يوم خروجه إلا مقداراً لا يسوى قوت يومه، وكان متعففاً لا يسأل أحداً.

وساح في الأرض برهة من دهره، ورأى في أيام سياحته في نومه ويقظته عجائب كثيرة، إلى أن انتهى أمره إلى مجاورة النجف الأشرف على مشرَّفها آلاف التحية والتحف، وسكن في بعض الحجرات الفوقانية من الصحن المقدس وكان في شدة الفقر، ولم يكن يعرفه بتلك الصفة إلا قليل وتوفي رحمه الله في النجف الأشرف بعد مضي خمس سنوات من يوم خروجه من قريته.

وكان أحيانأ يراودُني، وكان كثير العفة والحياء يحضر عندي أيام إقامة التعزية، وربما استعار مني بعض كتب الأدعية لشدة ضيق معاشه، حتى أنه كثيراً ما لا يتمكن القوته إلا «على» تميرات، يواظب الأدعية المأثورة لسعة الرَّزق حتى كأنه ما ترك شيئاً من الأذكار المروية والأدعية المأثورة.

واشتغل بعض أيامه على عرض حاجته على صاحب الزمان (علیه سلام الله) الملك المتان أربعين يوماً وكان يكتب حاجته، ويخرج كل يوم قبل طلوع الشمس من البلد من الباب الصغير الذي يخرج منه إلى البحر، ويبعد عن طرف اليمين مقدار فرسخ أو أزيد، بحيث لا يراه أحد ثم يضع عريضته في بندقة من الطين ويودعها أحد نوّابه سلام الله عليه، ويرميها في الماء إلى أن مضى عليه ثمانية أو تسعة وثلاثون يوماً.

ص: 89

فلما فعل ما يفعله كل يوم ورجع قال: كنت في غاية الملالة وضيق الخلق وأمشي مطرقاً رأسي، فالتفتُّ فإذا أنا برجل كأنه لحق بي من ورائي وكان في زي العرب، فسلّم عليّ فرددت عليه السلام بأقل ما يرُّ، وما التفتُّ إليه لضيق خلقي فسايرني مقداراً وأنا على حالي، فقال بلهجة أهل قريتي: سيّد محمد ما حاجتك؟ يمضي عليك ثمانية أو تسعة وثلاثون يوماً تخرج قبل طلوع الشمس إلى المكان الفلاني وترمي العريضة في الماء تظنُّ أن إمامك ليس مطلعاً على حاجتك؟

قال: فتعجبت من ذلك لأني لم أطلع أحداً على شغلي، ولا أحد رآني، ولا أحد من أهل جبل عامل في المشهد الشريف لم أعرفه، خصوصاً أنه لابس الكفية والعقال وليس مرسوماً في بلادنا، فخطر في خاطري وصولي إلى المطلب الأقصى، وفوزي بالنعمة العظمى، وأنه الحجة على البرايا، إمام العصر عجر الله تعالى فرجه.

وكنت سمعت قديماً أن يده المباركة في النعومة بحيث لا يبلغها يد أحد من الناس، فقلت في نفسي: أصافحه فإن كان يده كما سمعت أصنع ما يحقُّ بحضرته فمددت يدي وأنا على حالي لمصافحته، فمدُّ يده المباركة فصافحته، فإذا يده كما سمعت، فتيقّنت الفوز والفلاح، فرفعت رأسي، ووجّهت له وجهي، وأردت تقبيل يده المباركة فلم أر أحدا(1)

ص: 90


1- جنة المأوى، ص 64، قصة رقم 20، الطبعة الأولى

11- عناية مهدوية

كان المرحوم حجة الإسلام الحاج السيد الشيخ محمد تقي بافقي من أحد العلماء المناضلين في عهد الشاه رضا بهلوي الذي اعتقله الشاه الظالم عدة مرات كما تم إبعاده إلى خارج البلاد.

وقد نقل صاحب كتاب (كنز المثقفين) عدة حكايات عنه في الجزء الثاني من صفحة (6) عن لقائه الحجة المنتظر"عجل الله تعالی فرجه الشریف"وهذه إحداها:

نقل لي المرحوم حجة الإسلام العابد الزاهد العامل ملا أسد الله بافقي شقيق المرحوم الحاج الشيخ محمد تقي بافقي فقال:

كان أخي المرحوم محمد تقي بافقي يلاقي الحجة المنتظر على الدوام وكان يوصيني بعدم ذكر تلك اللقاءات لأي أحد ما دام على قيد الحياة والآن وقد انتقل إلى بارئه (تعالى) فلا بأس أن أنقل لكم إحدى تلك اللقاءات حيث قال (رحمه الله) : كنت في تلك الأيام شاباً أدرس العلم في النجف الأشرف فنويت على زيارة المشهد المقدس العلي بن موسى الرضا (علیه السلام) مشياً على الأقدام وكان الفصل شتاءً عندما بدأت رحلتي حيث وصلت بعد أكثر من شهر إلى إيران ومررت بالسهول والجبال والوديان العظيمة ولاقيت الأمرّين في اجتيازها خاصة وقد بدأت الأمطار في الهطول والطرقات تسدها

الثلوج.

وفي أحد الأيام الباردة وصلت إلى سهل مغطى بالثلج وأعضائي ترتعد من البرد فرأيت عن بعد مقهى تشع أنواره في تلك الأمسية الشتائية القارسة فقلت في نفسي: لا بأس أن أقضي ليلتي في هذا المقهى وفي الصباح أواصل سيري بإذن الله.

ص: 91

وعندما دخلت المقهى رأيت مجموعة من الأكراد اليزيدية وهم مشغولون بلعب الورق والنرد والطاولة فقلت في نفسي: ماذا أعمل یا ربي مع هؤلاء المقامرين الغلاظ الذين لا يمكن نهيهم عن المنكر أو أمرهم بالمعروف ولا يمكنني أن أجلس معهم كما لا أستطيع بتاتاً البقاء خارج المقهى في ذلك الزمهرير المخيف !بقيت في مكاني خارج المقهى تراودني تلك الأفكار وأنا أتردد في الدخول أو الوقوف خارج المقهى، عندما سمعت صوتاً يقول:

تعال هنا يا محمد تقي! فتلفتُّ صوب الصوت فرأيت شخصأ عظيماً مهيباً بهي الطلعة يجلس تحت شجرة كبيرة وهو يدعوني إلى مجالسته.

تقدمتُ منه وسلّمتُ عليه فقال: يا محمد تقي، أنت تعلم أن ذلك المقهى ليس مكاناً مناسباً لك أو لأمثالك المؤمنين فتعال واجلس بجانب .. ولما جلست هناك لاحظت أن الجو مناسب فلا برد يلسع ولا نسمة تقرص وحتى الأرض المحيطة بالشجرة لا رطوبة فيها بينما جميع ما يحيطها بساط من الثلج الناصع البياض.

فبقيت ليلتي تلك في خدمة ذلك السيد الجليل الذي تأكدت أنه سيد الكائنات الحجة بن الحسن (علیه السلام) وخاصة وهو يقرأ الأدعية السماوية وقد استفدت كثيراً من حضوره المقدس وشعرت بالاطمئنان والراحة التي لم يسبق أن شعرت بهما طيلة حياتي.

وعندما طلع الصبح وصلينا صلاة الصبح قال (عليه أفضل الصلاةوالسلام):

لقد بدأت بواكير الصباح وتباشير الضوء فهلم بنا نرحل.

فقلت له: يا سيدي ومولاي، هل تسمح لي أن أكون دائماً في خدمتك وفي معيّتك يا بن رسول الله (صلی الله علیه وآله).

فقال: لا يمكن أن تأتي معي.

فقلت: إذن متى يمكنني أن أصل إلى خدمتكم بعد الآن؟

ص: 92

فقال: في سفرتك هذه سوف أكون بجانبك مرتين حتى تصل إلى مرقد جدي الرضا (علیه السلام).

وستكون المرة الأولى في مدينة قم المقدسة والثانية بالقرب من مدينة سبزوار. ثم غاب عن ناظري كلمح البصر. وهكذا وبهدف لقاء الحجة "عجل الله تعالی فرجه الشریف" والشوق لرؤيا محياه الكريم والمثول بين يديه كنت أطوي الطريق لا ألوي على شيء ولم يمنعني برد أو ثلج أو جبل أو وادٍ حتى وصلت بعد عدة أيام إلى حديقة قم فبقيت فيها للاستراحة مدة ثلاثة أيام، زرت فيها معصومة قم ولكنني لم أتشرف بلقاء الحجة"عجل الله تعالی فرجه الشریف"كما وعدني.

عند ذلك تحركت من مدينة قم وأنا كسير القلب، لأنني لم أوفق للوصول لخدمة صاحب الزمان"عجل الله تعالی فرجه الشریف".

وبعد رحلة دامت شهراً كاملاً وصلت إلى مدينة سبزوار وعندما رأيت مشارفهاقلت وأنا أكلم نفسي: لماذا أخلفت الموعد؟ إنني لم أتشرف برؤيتك يا حبيبي في قم والآن أنا في سبزوار ولم أمتع ناظري بمحياك الكريم؟ وهكذا أخذت تراودني هذه الأفكار عندما سمعت صوت حوافر فرس خلفي فأدرت وجهي وإذا بي أمام المهدي المنتظر بكل جلاله وعظمته وروعته وهو يمتطي حصاناً ناصع البياض فتقدم مني وسلّم عليّ فأبديت له كل تواضع ومحبة واشتياق ثم قلت:

يا سيدي ومولاي، لقد كان من المقرر أن أصل لخدمتكم في مدينة قم، ولكنني لم أتشرف بذلك، فقال:

یا محمد تقي، لقد رأيتك في الساعة الفلانية في الليلة الفلانية في حرم عمتي المعصومة (علیها السلام) وكنت مشغولاً بتفسير قضية لامرأة من أهالي طهران وقد خفضت رأسك إلى الأرض ولم ترني وأنا بجانبك ولم تنتبه إلى وجودي فغادرت المكان(1).

ص: 93


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 74/ الطبعة الأولى

12- في حضن رجل عربي

قال السيد المرعشي النجفي: في زيارتي للعسكريين عليهما السلام، وفي طريقي إلى حرم السيد محمد(1) ضللت الطريق وعلى أثر العطش الشديد وهبوب الرياح في قلب الأسد يئست من حياتي فغشي عليّ وسقطت على الأرض صريعاً مغمىّ علي وإذا بي، وإذا بي افتح عيني فأجد رأسي في حضن شخص جلیل القدر، فسقاني ماءّ عذباً، لم أذق مثله طيلة عمري لحلاوته وعذوبته، وبعد الارتواء فتح مائدة وإذا فيها اثنتان أو ثلاثة أقراص من الخبز، فأكلت، ثم قال ذلك الشخص العربي: يا سيد اغتسل في هذا النهر، فقلت: يا أخي لا يوجد هنا نهر، وكدت أن أموت عطشاً وأنت الذي نجيتني فقال العربي: هذا ماء عذب ومعين، وما أن قال هذا إلا ورأيت نهراً بكل صفاء وعذوبة فتعجبت وقلت في نفسي: نهر بهذا القرب مني وأنا وصلت إلى الموت من العطش.

على كل: قال العربي: يا سيد أين تقصد؟ قلت الحرم المطهر للسيد محمد عليه السلام، فقال العربي: هذا حرم السيد محمد، فوجدت نفسي في ظل حرم السيد محمد والحال أنني تهت عن الطريق في (الجادسية) أي ( القادسية) وبينها وبين السيد محمد عليه السلام مسافة بعيدة.

وعلى كل من الفوائد التي ذكرها ذلك العربي خلال البرهة التي كنت بخدمته:

1. التأكيد على تلاوة القرآن الشريف، والإنكار الشديد على من يقول بتحريف القرآن، حتى أنه دعا على من وضع أحاديث التحريف.

ص: 94


1- هو السيد محمد بن الإمام الهادي عليه السلام. صاحب الكرامات المشهورة، حرمه في مدينة اسمها (بلد) على مقربة من سامراء

2. ومن الفوائد: تأكيده على وضع عقيق، نقشت عليه الأسماء المقدسة للمعصومين ( الأربعة عشر معصوم عليهم السلام) تحت لسان الميت.

3. وتأكيده على بر الوالدين حيين وميتين.

4. وتأكيده على زيارة البقاع المشرفة للأئمة عليهم السلام وأولادهم وتعظيمها،

5. والتأكيد على احترام الذرية العلوية، قال: يا سيد اعرف قدر انتسابك إلى أهل البيت (عليهم السلام) وأشكر هذه النعمة التي توجب السعادة والافتخار كثيراً.

6. وأكد أيضاً علىّ تلاوة القرآن وعلى صلاة الليل وقال: يا سيد أسفاً على أهل العلم أنهم يعتقدون بانتسابهم إلينا ولا يديمون هذا العمل.

7. وأكّد على تسبيح السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام.

8. وعلى زيارة سيد الشهداء من بعيد وقريب.

9. وزيارة أولاد الأئمة والصالحين والعلماء،

10. والتأكيد على حفظ خطبة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام في المسجد (النبوي)

11. وكذلك حفظ الخطبة الشقشقية لامير المؤمنين عليه السلام وخطبة العلياء المخدرة زينب الكبرى في مجلس يزيد إلى غير ذلك من الوصايا والفوائد.

وما أن خطر على ذهني من هذا العربي؟ إلا وقد غاب عن بصر (1).

ص: 95


1- کرامات السيد المرعشي النجفي، ص 105، الطبعة الأولى

صاحب الزمان وعد بتدبير الأمر

اشارة

كان المرحوم آية الله الحاج الشيخ محمد تقي بافقي (رحمه الله)، ذا ارتباط قوي واتصال دائم مع بقية الله . أرواحنا لتراب مقدمه الفداء .، وإيمانه قوي إلى حد أنه متى شاء يمكنه الوصول إلى خدمة صاحب العصر والأوان ويتشرّف بلقائه الشريف، وقد نقل صاحب كتاب «کنز المثقفين» عن أحد العلماء الأعلام الحكاية التالية عنه فقال:

كان المرحوم الحاج تقي بافقي مقسماً للأرزاق الشهرية في الحوزة العلمية أيام آية الله الحاج شیخ عبد الكريم الحائري.

وفي أحد الأيام اجتمع طلاب الحوزة العلمية في باحة المدرسة وطالبوا الحاج الحائري بعباءات شتوية وكان عددهم يربو على أربعمائة طالب. فاستدعى الشيخ بافقي وقال له: كيف نحل هذه المشكلة؟ ومن أين لنا أربعمائة عباءة؟ فقال الشيخ بافقي: نأخذها من الحجة المنتظر"عجل الله تعالی فرجه الشریف". فقال الشيخ الحائري: كيف يمكنني الوصول إليه والسؤال عن ذلك؟

فقال الشيخ بافقي: أنا أقول لصاحب الزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف"إن شاء الله. ثم ذهب الشيخ بافقي ليلة الجمعة إلى مسجد جمکران ووصل إلى الحجة بن الحسن (علیه السلام) وتشرّف بلقياه وشرح له الحكاية ثم رجع يوم الجمعة وقال للشيخ الحائري بأن صاحب الزمان وعد بتدبير الأمر إن شاء الله.

وفي يوم السبت شاهدوا أحد تجار طهران وقد جاء بعربة محملة بأربعمائة عباءة ووزعها على طلاب الحوزة العلمية في قم(1)

ص: 96


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 77/ الطبعة الأولى

1- أذكر له هذه العلامة!

نقل المرحوم الآخوند ملاّ علي الهمداني أن في عصر الميرزا الشيرازي الكبير خرج عدة من شيعة ( القطيف) . في الجزيرة العربية . إلى زيارة الإمام الرضا عليه السلام في إيران، فَسَطا عليهم قطّاع الطريق وسلبوهم كل ماكان لديهم من مال وزاد. وكان بين هؤلاء الزوّار سید من أهل القطيف يعتبر أمير القافلة وقد ضُرب ضرباً مبرحاً بسبب دفاعه عن أولئك الزوّار، وبعد هروب السراق بينما كان ملقىً على الأرض التفت السيّد فرأى رجلاً بجانبه يسمّيه باسمه ويقول: لماذا أنت قلق إلى هذه الدرجة يا فلان؟

قال له السيد القطيفي: لقد نُهِبت القافلة، ولا زال طريقنا إلى مشهد الرضا عليه السلام بعيداً، والذي كان عندنا من زاد سلبوه، وليس لدينا في هذه الصحراء مأوى.

فأخرج الرجل من جيبه مالاً، وأعطاه للسيّد وقال: إن هذا المال يوصلكم إلى سامراء (في العراق)، وهناك تذهبون عند نائبي الميرزا الشيرازي، وهو يعطيكم من المال ما يوصلكم إلى مشهد الرضا عليهم السلام.

فقال السيد القطيفي: إن ميرزا الشيرازي لا يعرفنا، فكيف يصدّقنا؟

قال الرجل: قولوا نحن رسل (المهدي) واذكروا له هذه العلامة. (وذكرها له) !

وهكذا غادرت القافلة المنهوبة حتى وصلت إلى سامراء وتشرفت بلقاء الميرزا الشيرازي. فلمّا أخبره الرجل القطيفي طلب منه الميرزا أن يذكر له تلك العلامة.

فقال: إن الرجل واسمه مهدي ذكر: أنك والملا على كني كنتما في حرم السيدة زينب عليها السلام، وكانت أرض الحرم تعلوها أوساخ بسبب كثرة الزوّار وإهمالهم

ص: 97

النظافة، ففرشتَ أنت عباءتك وأخذت تجمع الأوساخ فيها وترميها خارج الحرم، وكان ذلك الرجل ينظر إليك بفخر واعتزاز من حيث لا تراه.

يقول السيد القطيفي: ما أن نقلتُ للميرزا الشيرازي هذه الكلمات حتى أجهش بالبكاء.

وقال: أيها السيد ذلك هو مولانا الإمام المهدي صاحب العصر والزمان!

فقال الميرزا وأعطى السيد القطيفي مالاً يوصل قافلته إلى مشهد الرضا عليه السلام. وقال له: اذهب هناك إلى ملاّ علي كني وانقل له هذه القصة.

يقول السيد القطيفي: جئنا إلى ملا علي کني في إيران ونقلنا له القصة، فبكى بكاءً شديداً أكثر من بكاء الميرزا الشيرازي.

قلنا له: إنك بكيتَ أكثر من الميرزا؟

قال: بكائي لأن الميرزا أقرب مني إلى مودّة الإمام عليه السلام ولو كنت أقرب إليه

الحوّلكم إليّ (فأنا محروم من لطف الإمام بهذه الدرجة ) (1)

ص: 98


1- مقدمة كتاب (صد وبیست حدیث) بالفارسية / ص26. وعن قصص وخواطر.../ ص 334/ قصة رقم300

2- إنه السيد الذي أمامك

نقل هذه الحكاية آية الله الحاج الشيخ محمد علي أراكي أحد العلماء الأعلام الأفاضل في الحوزة العلمية في قم ولا شك في تقواه وعظمته ومنزلته وهو مؤلف كتاب (کنز المثقفين) نقلها في الجزء الثاني في الصفحة 64 فقال:

في ليلة السادس والعشرين من شهر ربيع الثاني عام 1393 جاءني أحد الأصدقاء وقال: إن زوجتي هي ابنة آية الله الحاج السيد آراكي وتروم الحج هذا العام لكنها تخشى أن لا تستطيع الطواف بشكل جيد في تلك المراسم المزدحمة والحشود الكثيرة، فقلت له: إذا بدأت الطواف عليها أن تكرر الجملة (يا حافظ يا عليم) طوال مدة طوافها فإن الله سبحانه وتعالى سيحفظها من كل سوء.

وفعلاً ذهبت السيدة إلى الحج وتشرّفت بأداء هذه الفريضة الربانية ثم عادت إلى مدينة مشهد.

وفي أحد الأيام سألناها عن كيفية الطواف فقالت: كنت في أغلب الأيام أطوف بكل سهولة ويسر وأنا أكرر جملة (يا حافظ ويا عليم) حتى جاء ذلك اليوم وإذا بالكعبة المشرفة مكتظة بالطائفين وأغلبهم من الزنوج السود الغلاظ الأشدّاءفقلت في نفسي: كيف يمكنني الطواف في هذا الازدحام الشديد؟ وتمنيت لو كان معي أحد الأخوة حتى اعتمد عليه في الطواف.

وما إن خطرت ببالي هذه الفكرة حتى سمعت صوتاً من ورائي وهو يقول: عليك بالتوسل بصاحب الزمان حتى تتمكني من الطواف بكل يسر وسهولة.

ص: 99

فقلت: وأين هو صاحب الزمان؟

فقال الصوت: إنه السيد الذي أمامك.

فنظرت جيداً إلى الشخص الماثل أمامي فوجدت سيداً مهيباً قد خلت من جوانبه الأمكنة وهو يطوف بكل سهولة فتقدمت منه حتى اقتربت منه كثيراً وكان يمكنني أن أضع يدي على كتفه ثم وضعتها على عباءته ومسحت بها وجهي تبركاً بذلك.

وهكذا طُفتُ سبع مرات خلف الإمام الحجة المنتظر"عجل الله تعالی فرجه الشریف" بكل راحة ويسر ولم يمسني أحد أبداً وكنت على مسافة من الآخرين ولم يخطر ببالي أن أطلب من بقية الله . أرواحنا لتراب مقدمة الفداء .، شيئا آخر(1)

ص: 100


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 73/ الطبعة الأولى

3- لأنه الشيخ الدُّخني

حدث السيد الثقة التقيُّ الصالح السيد مرتضى النجفي رحمه الله وقد أدرك الشيخ شيخ الفقهاء وعمادهم الشيخ جعفر النجفي وكان معروفاً عند علماء العراق بالصلاح والسداد، وصاحبته سنين سفراً وحضراً، فما وقفت منه على عثرة في الدَّان قال: كنا في مسجد الكوفة مع جماعة فيهم أحد من العلماء المعروفين المبرّزين في المشهد الغروي، وقد سئل عن اسمه غير مرة فما كشف عنه، لكونه محل هتك الستر، وإذاعة السرَّ.

قال: ولما حضرت وقت صلاة المغرب جلس الشيخ لدى المحراب للصلاة والجماعة في تهيئةالصلاة بين جالس عنده، ومؤذن ومتطهّر، وكان في ذلك الوقت في داخل الموضع المعروف بالتَّنُّور ماء قليل من قناة خربة وقد رأينا مجراها عند عمارة مقبرة هانی بن عروة، والدرج التي تنزل إليه ضيقة مخروبة، لا تسع غير واحد.

فجئت إليه وأردت النزول، فرایت شخصاً جليلاً على هيئة الأعراب قاعداً عند الماء يتوضأ وهو في غاية من السكينة والوقار والطمأنينة، وكنت مستعجلاً لخوف عدم إدراك الجماعة فوقفت قليلاً فرأيته كالجبل لا يحرُّكه شيء، فقلت: وقد أقيمت الصلاة ما معناه لعلك لا تريد الصلاة مع الشيخ؟ أردت بذلك تعجيله فقال: لا، قلت: ولم؟ قال: لأنه الشيخ الدُّخني، فما فهمت مراده، فوقفت حتى أتمَّ وضوءه، فصعد وذهب ونزلت وتوضّأت وصليت، فلما قضيت الصلاة وانتشر الناس وقد ملأ قلبي وعيني هيئته وسكونه وكلامه، فذكرت للشيخ ما رأيت وسمعت منه فتغيّرت حاله وألوانه، وصار متفكراً مهموماً فقال: قد أدركت الحجة (عليه السلام) وما عرفته، وقد أخبر عن شيء ما اطلع عليه إلا الله تعالى.

ص: 101

اعلم أني زرعت الخنة(1) في هذه السنة في الرحبة وهي موضع في الطرف الغربي من بحيرة الكوفةن محل خوف وخطر من جهة أعراب البادية المترددين إليه، فلما قمت إلى الصلاة ودخلت فيها ذهب فكري إلى زرع الدخنة وأهمّتي أمره، فصرت أتفكر فيه وفي آفاته(2) .

ص: 102


1- الدُّخن بالضم حب الجاورس، أو حب أصغر منه أملس جداً بارد یابس حابس للطبع
2- جنة المأوى، ص 75، قصة رقم 28، الطبعة الأولى

4- نحن ننصرك

كان المرحوم آية الله العظمى السيد أبو الحسن أصفهاني من أعظم المراجع العلمية الشيعية قاطبة. وهذا الفقيه الديني المؤيَّد المسدَّد الذي مسك زمام عالم التشيع كان أيضاّ من المراجع العليا التي تستفيض بلقاء صاحب الزمان بدون وساطة أو طريقة معينة وهو موضع التأييدات الغيبية ولم يكن له نظير في العالم المذهبي منذ الغيبة الكبرى لبقية الله. أرواحنا له الفداء .، من حيث الزعامة المرجعية والكياسة والفراسة وسعة الصدر والعفو والمآثر والكرامات الباهرات والسجايا الحميدة وسخاوة اليد وحلاوة اللسان والإحسان.

ومن الكرامات التي أغدقها صاحب العصر والأوان"عجل الله تعالی فرجه الشریف"على هذا النائب الكبير وزعيم الأمة هي توقيعه الشريف على نصيحة وتوجيه منه إليه وبهذا فقد شمله بالطاقة الخاصة وعناياته العبقة.

والرسالة الموقعة من قبل الحجة بن الحسن (علیه السلام) أرسلها عن طريق المرحوم ثقة الإسلام والمسلمين زين العلماء الصالحين الحاج محمد كوفي شوشتري وهي كالتالي:

«قل له: ارخص نفسك واجعل مجلسك في الدهليز واقض حوائج الناس تحن ننصرك» (1)

ص: 103


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 79/ الطبعة الأولى

5- لن يموت حتى يراني

يذكر المرحوم الشيخ ورّام في كتاب «تنبيه الخاطر ونزهة الناظر» أن علي بن جعفر المدائني العلوي نقل أنه كان في مدينة الكوفة رجل کھل قصير القامة معروف بالزهد والعبادة والنزاهة. وفي أحد الأيام كان هذا الرجل الورع التقي، في بيتنا ونقل الحكاية التالية لوالدي (رحمه الله)، فقال: كنت أتعبد الليالي في مسجد الجعفي القديم خلف مسجد الكوفة، وفي إحدى الليالي وحوالي منتصف الليل، دخل المسجد ثلاثة أشخاص، ولما وصلوا إلى وسط المسجد، جلس أحدهم القرفصاء وضرب بيده الأرض فتفجرت عيناً زلالاً سلسبيلاً فتوضأ منها ودعا رفيقية الآخرين إلى الوضوء من هذه العين الجارية. ثم أمَّ هذا الرجل الجماعة ووقفتُ معهم للصلاة خلفه. وبعد الانتهاء من الصلاة أردت معرفة كيفية ظهور الماء في بقعة يابسة من أرض المسجد فسألت الرجل الجالس على يميني: من يكون هذا السيد الجليل ؟

فقال: إنه الإمام صاحب الزمان نجل الإمام الحسن العسكري (علیه السلام). فتقدمت للسلام عليه ثم قبلت يده المباركة وقلت له: يا بن رسول الله، ما رأيك في الشريف عمر بن حمزة وهو أحد السادات المعروفين؟ هل هو على حق؟

فقال: إنه ليس على حق الآن، ولكنه سيهتدي بإذن الله ولن يموت حتى يراني.

ثم أضاف علي بن جعفر المدائني قائلاً:

أخفيت هذه القضية مدة طويلة حتى توفي الشريف عمر بن حمزة ولا أدري ما إذا كان قد وصل إلى خدمة صاحب الزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف" أم لا.

ص: 104

وفي أحد الأيام التقيت بذلك الرجل الكهل التقي الذي نقل تلك الحكاية لوالدي وقلت له:

ألم تقل في ذلك المجلس أن الشريف عمر لن يموت حتى يلتقي الحجة بن الحسن (علیه السلام)؟

فأجاب: وكيف عرفت بأنه لم يصل إلى خدمة بقية الله . أرواحنا له الفداء .؟

وبعد فترة التقيت بنجل الشريف عمر بن حمزة المعروف بالشريف أبو المناقب وسألته عن والده والحكاية التي نقلها ذلك العابد الزاهد فقال: لما مرض والدي مرضاً شديدة في أواخر أيامه، جلست ليلة ًقربه وهو لا يقوى على الكلام حتى انتصف الليل وإذا بشخص مهيب بهي الطلعة طويل القامة بٍشرُ المحيا، يدخل الغرفة (وكنت متأكداً أنني قد أقفلت جميع الأبواب الخارجية والداخلية) ويسلم على والدي ويجلس بجانبه ثم يتحدث إليه.

وكان والدي في أثناء ذلك يبكي بكاءً مراً والدموع تنهمر على ذقنه ومحاسنه.

ثم خرج ذلك السيد المهيب بكل هدوء كما دخل.

وعندما اختفى ذلك الرجل تماماً عن نواظرنا، التفت والدي إليً وقال: أجلسوني. فأجلسناه ثم فتح عينيه وقال: أين ذهب ذلك الرجل الذي جلس قبل قليل بجانبي؟ فقلنا: لقد ذهب من الطريق نفسه الذي دخل منه. فقال لنا: الحقوا بذلك السيد واستدعوه ثانية، فهرعنا جميعاً للبحث عنه ولكننا كنا نعلم بأن الأبواب جمیعاً موصدة فرجعنا إلى والدنا الذي كان يعاني سكرات الموت وقلنا له: إننا لم نعثر على أثر له. فقال هذه الجملة:

اعلموا بأن ذلك السيد الجليل هو صاحب الزمان"عجل الله تاعلی فرجه الشریف" ثم أغمض عينيه وأسبل جفنيه وبقي عدة أيام بلا وعي حتى قضى نحبه(1).

ص: 105


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 81/ الطبعة الأولى

6- يا صاحب زمان - جدّتي

نقل أحد المؤمنين الثقات من أهل الكويت، أنه سمع أحد الخطباء الإيرانيين يقول: كنت جالساً في حافلة لأسافر إلى مدينة نائية من مدن إيران، وذلك في زمن الشاه.

لم يكن على المقعد بجانبي أحد، وكنت أخشى أن يجلس عندي من لا أرغب في جواره، فيضايقني في هذا الطريق البعيد. فسألت الله تعالى في قلبي:

إلهي إن كان مقدّراً أن يجلس عندي أحد، فاجعله إنساناً متديّناً طيباً مونساً؟!

جلس المسافرون على مقاعدهم، ولم أرَ من يشغل المقعد الذي بجانبي، فشكرت الله أني وحيد!

ولكني فوجئت في الدقيقة الأخيرة قبل الحركة! بشاب مظهره ك ( الهيبيز) وبيده حقيبة صغيرة من صنع جلد أجنبي، وكأنه من غير ديننا، فتقدم حتى جلس عندي، قلت في قلبي: يا ربّ أهكذا تستجيبَ الدعاء؟!

تحركت السيارة ولم يتفّوه أحد منا للثاني بكلمة، لأن الانطباع المأخوذ عن المعمّمين في أذهان مثل هؤلاء الأشخاص كان انطباعاً سيّئاً، بفعل الدعايات المغرضة التي كانت تبثها أجهزة النظام الشاهنشاهي ضد علماء الدين. لذلك آثرت الصبر والسكوت وأنا جالس على أعصابي، حتى حان وقت الصلاة (أول وقت الفضيلة)، وإذا بالشاب وقف ينادي سائق الباص: قف هنا، لقد حان وقت الصلاة!

فرد عليه السائق مستهزئاً وهو ينظر إليه من مرآته:

اجلس، أين الصلاة وأين أنت منها، وهل يمكننا الوقوف في هذه الصحراء؟

ص: 106

قال الشاب: قلت لك قف وإلا رميتُ بنفسي، وصنعتُ لك مشكلة بجنازتي!

ما كنتُ أستوعب ما أرى وأسمع من هذا الشاب، إنه شيء في غاية العجب، فأنا كعالم دین أولى بهذا الموقف من هذا الشاب ( الهيبيز)! وعدم مبادرتي إلى ذلك كان احترازاً عن الموقف العدائي الذي يكّنه بعض العلماء الدين، لذلك كنت أنتظر لأصلي في المطعم الذي تقف عنده الحافلة في الطريق.

وهكذا كنت أنظر إلى صاحبي باستغراب شديد، وقد اضطر السائق إلى أن يقف على الفور، لما رأى إصرار الشاب وتهديده.

فقام الشاب ونزل من الحافلة، وقمت أنا خلفه ونزلت، رأيته فتح حقيبته وأخرج قنينة ماء فتوضأ منها ثم عيّن اتجاه القبلة بالبوصلة وفرش سجادته، ووضع عليها تربة الحسين الطاهرة وأخذ يصلي بخشوع، وقدّم لي الماء فتوضأت أنا كذلك وصليت (صلاة العجب)!

ثمّ صعدنا الحافلة، وسلّمتُ عليه بحرارة معتذراً إليه من برودة استقبالي له أولاً، ثم سألته: مَن أنت؟

قال: إن لي قصة لا بأس أن تسمعها، لم أكن أعرف الدين ولا الصلاة وأنا الولد الوحيد لعائلتي التي دفعت كل ما تملك لأجل أن أكمل دراسة الطب فيفرنسا. كانت المسافة بين سكني والجامعة التي أدرس فيها مسافة قرية إلى مدينة. ركبتُ السيارة التي كنت أستقلّها يوميتاً إلى المدينة مع ركاب آخرين والوقت بارد جداً وأنا على موعد مع الامتحان الأخير الذي تترتب عليه نتيجة جهودي كّلها.

فلما وصلنا إلى منتصف الطريق عطبت السيارة، وكان الذهاب إلى أقرب مصلَّح (ميكانيك) يستغرق من الوقت ما يفوّت عليّ الحضور في الامتحانات النهائية للجامعة، لقد أرسل السائق من يأتي بما يحرّك سيارته وأصبحتُ أنا في تلك الدقائق كالضائع الحيران، لا أدري أتجه يميناً أو يساراً، أم يأتيني من السماء من ينقذني،

ص: 107

كنتُ في تلك الدقائق أتمنى لو لم تلدني أمي (وأن تشق الأرض لأخفي نفسي في جوفها )، إنها كانت أصعب دقائق تمرّ عليّ خلال حياتي وكأن الدقيقة منها سهم یرمی نحو آمالي، وكأني أشاهد أشلاء آمالي تتناثر أمامي ولا يمكنني إنقاذها أبدأ.

فكلما نظرت إلى ساعتي كانت اللحظات تعتصر قلبي، فكدتُ أخرّ إلى الأرض وفجأة تذكرتُ أن جدتي في إيران عندما كانت تصاب بمشكلة أو تسمع بمصيبة، تقول بكل أحاسيسها: «يا صاحب الزمان».

هنا ومن دون سابق معرفة لي بهذه الكلمة ومن تعنيه قلتُ وبكل ما أملك في قلبي من حبّ وذكريات عائلية: «يا صاحب زمان جدّتي»! ذلك لأني لمأعرف من هو (صاحب الزمان)، فنسبته إلى جدتي على البساطة، وقلتُ: فإن أدركتني مما أنا فيه، أعدك أن أتعلم الصلاة ثم أصليها في أو الوقت!

وبينما أنا كذلك، وإذا برجل حضر هناك فقال للسائق بلغة فرنسية: شغّل السيارة! فاشتغلت في المحاولة الأولى، ثم قال للسائق: أسرع بهؤلاء إلى وظائفهم ولا تتأخر، وحين مغادرته التفتَ إلي وخاطبني بالفارسية:

نحن وفينا بوعدنا، يبقى أن تفي أنت بوعدك أيضأ!

فاقشعرّ له جلدي وبينما لم أستوعب الذي حصل ذهب الرجل فلم أرّ له أثراً.

من هناك قرّرتُ أن أتعلم الصلاة وفاءً بالوعد، بل وأصلي في أول الوقت دائما(1)

ص: 108


1- هذه القصة قرأتها أيضا في كتاب بالفارسية اسمه (داستانهای نماز) . ص123 مع تفاوت قليل. وعن قصص وخواطر.../ ص 341/ قصة رقم 308

7- أخرجی قد عافاك الله

روى العلامة المجلس(قده) في بحار الأنوار قال: ومن ذلك ما حدثني الشيخ المحترم العامل الفاضل شمس الدين محمد بن قارون المذكور قال: كان من أصحاب السلاطين المعمر بن شمس يسمى مذوَّر، يضمن القرية المعروفة ببرس، ووقف العلويين، وكان له نائب يقال له: ابن الخطيب وغلام يتولى نفقاته يدعى عثمان، وكان ابن الخطيب من أهل الصلاح والإيمان بالضد من عثمان وكانا دائماً يتجادلان.

فاتفق أنهما حضرا في مقام إبراهيم الخليل (عليه السلام) بمحضر جماعة من الرعية والعوام فقال ابن الخطيب لعثمان: يا عثمان الآن اتضح الحقّ واستبان أنا أكتب على يدي من أتولاه، وهم عليُّ والحسن والحسين، وأكتب أنت من تتولاه أبو بكر وعمر وعثمان، ثم تشدُّ يدي ويدك، فأيّهما احترقت يده بالنار كان على الباطل، ومن سلمت يده كان على الحق.

فنكل عثمان، وأبى أن يفعل، فأخذه الحاضرون من الرعية والعوام بالعياط عليه.

هذا وكانت أمُّ عثمان مشرفة عليهم تسمع كلامهم فلما رأت ذلك لعنت الحضور الذين كانوا يعيّطون على ولدها عثمان وشتمتهم وتهددت وبالغت في ذلك فعميت في الحال فلما أحست بذلك نادت إلى رفيقاتها فصعدن إليها فإذا هي صحيحة العينين، لكن لا ترى شيئاً، فقادوها وأنزلوها، ومضوا بها إلى الحلة وشاع خبرها بين أصحابها وقرائبها وترائبها فأحضروا لها الأطباء من بغدادوالحلة، فلم يقدروا لها على شيء.

فقال لها نسوة مؤمنات كنّ أخدانها: إن الذي أعماك هو القائم (عليه السلام) فإن

ص: 109

تشيّعتي وتولّيتي وتبرأتي(1) ضمّتا لك العافية على الله تعالى، وبدون هذا لا يمكنك الخلاص، فأذعنت لذلك ورضيت به، فلما كانت ليلة الجمعة حملنها حتى أدخلنها القبة الشريفة في مقام صاحب الزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف" وبتن بأجمعهنّ في باب القبة.

فلما كان ربع الليل فإذا هي قد خرجت عليهن وقد ذهب العمى عنها، وهي تقعدهنّ واحدة بعد واجدة وتصف ثيابهن وحليّهنّ، فسرون بذلك، وحمدن الله تعالى على حسن العافية، وقلن لها: كيف كان ذلك؟

فقالت: لما جعلتُنَّني في القبّة وخرجتُنّ عتي أحسست بيد قد وضعت على يدي وقائل يقول: أُخرجي قد عافاك الله تعالى، فانكشف العمى عني ورأيت القبة قد امتلأت نوراً ورأيت الرجل فقلت له: من أنت يا سيدي؟ فقال: محمد بن الحسن ثم غاب عني فقمن وخرجن إلى بيوتهن وتشيّع ولدها عثمان وحسُن اعتقاده و اعتقاد أمه المذكورة واشتهرت القصة بين أولئك الأقوام ومن سمع هذا الكلام واعتقد وجود الإمام (عليه السلام) وكان ذلك في سنة أربع وأربعين وسبعمائة(2)

ص: 110


1- بإشباع الكسرة حتى يتولد الياء وهي لغة عامية، والأصل: «وإن تشيعت وتوليت وتبرأت»
2- البحار، ج52، ص 71 - 72، وإلزام الناصب، ج2، ص 9-10

8- أنا صاحب أولادك

نقل باقي بن عطوه العلوي أحد السادات الحسينية ومورد اعتماد علي بن عيسى أربلي هذه الحكاية فقال:

كان أبي من الطائفة الزيدية وقد ابتُلي بمرض عضال عجز الأطباء عن مداواته، وكان منزعجاً مني ومن بعض أخوتي الآخرين لأننا اعتنقنا المذهب الإثني عشري. وفي مناقشاتنا معه كنا نقول له أحياناً بان الإمام الثاني عشر الحجة بن الحسن (علیه السلام) حي یرزق فكان يجيب:

إذا كان حقاً ما تقولون فلماذا لا تقولون له بأن يأتي إليّ ويُشفيني حتى أصدق ذلك.

وفي إحدى الليالي وبعد صلاة العشاء التي تجمعنا نحن الأخوة لأدائها جماعة سمعنا صوت والدنا وهو يصيح:

تعالوا أسرعوا فإن سيدكم وصاحبكم هنا معي في الغرفة. ولما دخلنا الغرفة لم نشاهد أحداً غير والدنا فيها ولكنه كان يحملق النظر في باب الغرفة ثم قال:

اذهبوا في أعقابه، كونوا في خدمة مولاكم، لقد ذهب في هذه اللحظة، لقد كان معي قبل لحظات!

وفعلاً أسرعنا بالخروج من الغرفة وذهب كل منا في طريق وناحية وبعد فترة من البحث والتقصي رجعنا خائبين ولم نشاهد أحداً على الإطلاق، ثم رجعنا إلى غرفة الوالد فرأيناه يبكي فسألناه: ما الأمر؟ وماذا حدث لك؟. فقال:

لقد دخل علي رجل وقال: يا عطوة.

ص: 111

فقلت له: من تكون يا هذا؟

فقال: أنا صاحب أولادك، أنا إمام زمان أولادك وقد جئت لأشفيك ثم مدّ يده الكريمة ووضع كفه الشريف على موضع الألم والمرض وإذا بي أشعر بالسلامة التامة ولا أثر لأي مرض في جسدي وعند ذلك انتبهت وعلمت أن ذلك الرجل الجليل هو الحجة بن الحسن (علیه السلام) ولهذا استعجلت وناديت عليكم ولكن مع الأسف فإن ذلك الرجل الكريم العظيم، ترك الغرفة في اللحظة نفسها التي دخلتم أنتم فيها.

يقول المرحوم الحاج نوري أربلي في كتابه ( النجم الثاقب) أن علي بن عيسى أربلي قال: لقد سمعت قصة علي بن عطوة من غير لسان أولاده وقد سألتهم عنه فقالوا:

لقد رأيناه وهو مريض عندما كان زيدياً ثم رأيناه وهو معافی تمامأ بعد أن اعتنق المذهب الجعفري الاثني عشري.

كما أن علي بن عيسى أربلي يقول: إن كثيراً من الناس قد وصل إلى خدمة صاحب الزمان في الطريق بين مكة والمدينة(1)

ص: 112


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 87/ الطبعة الأولى

9- علی طريق الكاظمية

نُقِل عن السيد حسن الأبطحي أنه قال: قد تكون هذه الحكاية منقولة في كتاب مفاتيح الجنان وبتناول القرّاء، ولكن بسبب أن أغلب القرّاء عندما يفتحون كتاب مفاتيح الجنان يقرؤون الزيارات والأدعية التي من أجلها قصدوا القراءة فلا يقرؤون القصص المذكورة فيه وخاصة حكاية الحاج علي البغدادي التي ستنقل لكم، لأنها طويلة نسبياً.

كما أن أسلوب كتابة هذه القصة قديم يصعب على بعض القرّاء المحترمين. لهذا فإنني سوف أذكرها بلغة بسيطة وواضحة للجميع.

والسبب الثالث الذي من أجله أنقل لكم هذه الحكاية هو أنها قصة حقيقية وصحيحة ومضبوطة مما شوقني إلى نقلها للقراء.

ويقول المرحوم الحاج شیخ عباس القمي (رضوان الله عليه) : من المناسب هنا أن أنقل حكاية المؤمن السعيد الصالح الصفي التقي وهو الحاج علي البغدادي.

وقد نقل شيخنا هذه الحكاية أيضاً في كتاب ( النجم الثاقب) وكتاب ( جنة المأوى) ويقول:

إذا لم توجد حكاية صحيحة ومضبوطة مثل حكاية الحاج علي البغدادي في كتاب النجم الثاقب، لكانت كافية لإصدار الكتاب، وقد نقل الحاج علي هذهالحكاية فقال:

كان علىّ مبلغ (80) توماناً من سهم الإمام (ع) وعندما ذهبت إلى النجف الأشرف، صرفت منها (20) عشرين توماناً للشيخ مرتضى. أعلى الله مقامه الشريف .و (20) عشرين توماناً أخرى إلى الشيخ محمد حسن مجتهد كاظميني و (20) توماناً

ص: 113

إلى الشيخ محمد حسن شروقي وبقيت في ذمتي فقط عشرون توماناً من سهم الإمام حيث كانت نيتي أن أدفعها للشيخ محمد حسن كاظميني آل ياسين عندما أسافر إلى بغداد.

وفي ليلة الجمعة توجهت إلى بغداد والكاظمية لزيارة الإمامين موسی بن جعفر ومحمد التقي الجواد (سلام الله عليهما) ووصلت إلى خدمة الشيخ محمد حسن كاظميني آل ياسين وأعطيته جزءاً من ذلك المبلغ وبقي في ذمتي الباقي، ووعدت أن أوافيه بقية المبلغ حالما تصلني الحوالة.

وفي عصر ذلك اليوم قصدت الذهاب إلى بغداد لكن الشيخ أصر علي بالبقاء، فاعتذرت له بأنني يجب أن أصل إلى معمل النسيج لأصرف أجور العمال اليومية وكان الصرف المتبع في تلك الأيام صرف الأجور للعمال يومياً.

لذا توجهت إلى بغداد مشياً على الأقدام. وعندما قطعت ثلث الطريق شاهدت سيداً جليلاً قادماً من بغداد في عكس اتجاهي وعندما وصل إلي سلّم ومدّ يده المصافحتي ثم أخذني بالحضن والعناق قائلاً:

أهلاً وسهلاً. وقبّل أحدنا الآخر كأحسن صديقين حميمين وكان هذا السيد الجليل يرتدي عمامة خضراء وفي وجنته الكريمة خال كبير. ثم قال:

يا حاج علي، ما الخبر؟ وأين ذاهب الآن؟

فقلت له: لقد تشرفت بزيارةالكاظمين وأروم الذهاب إلى بغداد.

فقال: هذه ليلة الجمعة والأفضل أن تأتي معي لترجع إلى الكاظمية وهي ليلة مباركة للزيارة والعبادة.

فقلت له: سيدي الكريم، لقد زرت كما قلت لك وعندي عمل أقضيه في بغداد ولاأستطيع الرجوع إلى الكاظمية.

فقال: كلا عليك الرجوع معي إلى الكاظمية حتى أشهد عند جدي أمير المؤمنين (علیه السلام) بأنك من المحبين والموالين لنا أهل البيت والشيخ أيضأ سوف يشهد بذلك وقد قال

ص: 114

(سبحانه وتعالى) قدموا شاهدين.

(وهذا الموضوع إشارة إلى ما نويت عليه إذا التقيت بالشيخ مرة ثانية كي يكتب على كفني بأنني من الموالين لأهل بيت العصمة والطهارة) وعجبت من الأمر وسألته:

يا سيدي الجليل، كيف علمت بهذا الأمر حتى تشهد بذلك؟

فقال: إن من يعطي الحق لصاحبه كيف لا يعرفه ذلك الشخص؟

فقلت: أي حق؟

قال: تلك الحقوق التي أوصلتها لوكلائي.

فقلت: ومن هم وكلاؤك ياسيدي؟

فقال: شیخ محمد حسن!

فقلت: هل هو وكيلك؟

فأجاب: أجل هو وكيلي!

هنا تساءلت في قلبي: من هذا السيد الذي ناداني باسمي وهو لا يعرفني؟!

فأجبت نفسي: ربما يكون قد سمع باسمي أو يعرفني شخصياً وقد نسيته.

ثم تساءلت: ربما يريد هذا السيد جزءأ من سهم السادات لنفسه وقد رغبت أن أقدم فعلاً إليه جزءاً من المبلغ.

فقلت له: كان مبلغ من المال من حقك عندي لكنني أعطيته إلى الشيخ محمد حسن ولا بد أن يأذن لي بأن أعطي شيئاً للآخرين. فتبسم السيد قائلاً:

نعم لقد أعطيت جزءاً من حقوقنا إلى وكلائي في النجف الأشرف.

ص: 115

فسألته: هل قبلت المبالغ التي أعطيتها؟

فقال: أجل قُبلِت.

فسألت نفسي: من يكون هذا السيد الجليل الذي يعتبر العلماء الأعلام وكلاءه؟

ثم قال: تعالى نرجع إلى الكاظمية لزيارة جدي (علیه السلام). فأطعتُه. ووضع يده الكريمةفي يدي وتوجهنا سوية إلى الكاظمية مشياً على الأقدام.

وأثناء الطريق نظرت يميناً فشاهدت مجرى نهر فيه ماء صافٍ وعلى جوانبه أشجار الفواكه من الرمان والبرتقال والليمون والأعناب وغيرها وهي محملة بتلك الفواكه مع أن الفصل لم يكن فصل الأعناب!

فسألته: ما هذا النهر وما هذه الأشجار؟

فقال: إنها لأولئك الذين يوالون جدي ويحبونه.

فقلت له: عندي سؤال: أتسمح لي بقوله؟

فقال: سل عما بدا لك.

فقلت: سمعت مرة المرحوم الشيخ عبد الرزاق يقول:

إذا قضى المرء عمره صائماً في النهار وقائماً في الليل وأدى أربعين حجة وعمرة ومات بين الصفا والمروة ولم يكن من محبي وموالي أمير المؤمنين (علیه السلام)، فلا فائدة له من ذلك.

فقال: أي والله لا فائدة له من ذلك.

ثم سألته عن بعض أقربائي: هل هو من الموالين لأمير المؤمنين؟

فقال: أجل وكل أقربائك من الموالين لنا.

ص: 116

ثم قلت: سيدي، عندي سؤال آخر.

فقال: سل ما تشاء.

فقلت: إن الخطباء الحسينين يحكون على المنبر هذه الحكاية وهي أن شخصا سأل سليمان الأعمش:

ما رأيك بزيارة الحسين (علیه السلام)؟

فقال: إنها بدعة في الإسلام.

وفي تلك الليلة رأى سليمان في المنام هودجأ عظيماً معلقاً بين السماء والأرض فسأل: من بداخل هذا الهودج؟

فقالوا: فاطمة الزهراء وخديجة الكبرى (علیهما السلام).

فسأل: أين تذهبان؟

فقالوا: بما أن هذه ليلة الجمعة فإنهما ذاهبتان لزيارة الحسين (علیه السلام).

ثم رأى قصاصات تتطاير من الهودج فأخذ واحدة منها واذا فيها هذه الكلمات:

«أمان من النار لزوّار الحسين (علیه السلام) في ليلة الجمعة. أمانُ من النار يوم القيامة».

فقال السيد: أجل، هذا الموضوع صحيح جداً.

فقلت له: وهل صحيح أن من يزور الحسين في ليلة الجمعة يُكتب له الأمان من النار يوم القيامة؟

فقال: أجل والله. وجرى الدمع من مآقيه.

ثم قلت: عندي سؤال آخر.

ص: 117

فقال: قل سؤالك.

فقلت: في عام 1269 تشرفت بزيارة علي بن موسى الرضا (علیه السلام) وذهبت إلى قرية درود القريبة من نيسابور فرأيت عربياً من الشروقية الذين يسكنون في البادية شرق مدينة النجف الأشرف وسألته:

كيف هي ولاية الإمام علي بن موسى الرضا (علیه السلام)؟

فقال: إنها الجنة، ولحد الآن وقد انقضى خمسة عشر يوماً وأنا آكل من مال مولانا الرضا (علیه السلام) وكيف يحق لمنكر ونكير أن يقتربا مِن قبرِ مَن لحمه ودمه من مال الرضا(علیه السلام)؟

فسألته: هل صحيح أن الرضا (علیه السلام) يخلصه من النكيرين؟

فقال السيد: أي والله إن جدي الرضا ينجيه منهما.

فقلت: سیدي عندي سؤال صغير.

فقال: سل ما تريد.

فقلت: هل قُبلت زيارتي للرضا(علیه السلام)؟

فقال: إن شاء الله مقبولة.

ثم سألته: هل قبلت زيارة الحاج أحمد بزاز باشي؟ (وكان الحاج أحمد شريكي ورفيق سفري في مشهد).

فقال: إن زيارة ذلك العبد الصالح مقبولة.

فسألته: فلان الفلاني الذي رافقنا في السفر من بغداد ، هل زيارته مقبولة؟

ص: 118

فلم يجب السيد فكررت السؤال عليه وبقي صامتاً ممتنعاً عن الإجابة.

وكان ذلك الفلاني الذي رافقنا في السفر من أغنياء بغداد وكان يبعثر أمواله على اللهو واللعب).

ثم وصلنا إلى مكان اتسع فيه الطريق وأشجار الفواكه على طرفي الطريق وأمامنا بانت مدينة الكاظمية.

وكان هذا الطريق قد تم شقه من قبل الحكومة بعد أن استولت على بعض البساتين العائدة للأيتام.

كما أن أغلب المؤمنين المتقين كانوا يتحاشون السير فيه لما فيه من إشكالات شرعية، ولكنني لاحظت ذلك السيد وهو يمشي في ذلك الطريق !

فقلت له: يا سيدي الجليل، إن هذه الأرض عائدة إلى بعض الأيتام فهل يجوز التصرف فيها؟

فقال: إن هذا المكان عائد إلى جدنا أمير المؤمنين (علیه السلام) وذريته وأولاده ويحق للموالين أن يتصرفوا بها.

وكان في جوارنا بستان تعود ملكيته إلى الحاج الميرزا هادي أحد الأثرياء الإيرانيين الساكنين في بغداد.

فسألته: أعتقد أن هذا البستان هو ملك للإمام موسی بن جعفر (علیه السلام) فهل هذا صحيح؟

فقال: ما لك وهذه الأمور؟

وفي هذه الأثناء وصلنا إلى ساقية متفرغة من نهر دجلة تسقي البساتين المجاورة لها وتمر عبر الشارع، ثم تتفرع إلى ساقيتين تمرّان في طريقين يؤديان إلى مدينة

ص: 119

الكاظمية يسمى أحدهما طريق السادات والثاني بالطريق السلطاني.

فقلت للسيد: تعال نذهب من الطريق السلطاني.

فقال: كلا، الأفضل أن نذهب من طريقنا.

وبعد لحظات قصيرة وخطوات معدودة وجدت نفسي في الصحن المقدس للإمامين الكاظمين ولم ألحظ أي زقاق أو سوق في طريقنا وفقط وجدت نفسي في الرواق الشريف ثم دخل السيد دون استئذان ولم يقف عند أبواب الرواق أو الحرم بل وصل إلى الحرم مباشرة وقال لي:

اقرأ زيارة جدي.

فقلت له: إنني أُمّي لا أعرف القراءة والكتابة.

فقال: إذن أقرأ لك أنا الزيارة.

فقلت: جزاك الله خيراً.

فقرأ: أأدخل يا الله، السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أمير المؤمنين.

وأخذ يسلم على الأئمة الأطهار واحداً واحداً حتى وصل إلى الإمام العكسري فقال:

السلام عليك يا أبا محمد الحسن العسكري.

ثم سألني: أتعرف إمام زمانك؟

فقلت: أجل يا سيدي، كيف لا أعرفه؟

فقال: سلّم عليه.

فقلت: السلام عليك يا حجة الله یا صاحب الزمان يا بن الحسن. فتبسم ذلك السيد الجليل وقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. ثم ألصق وجهه بالضريح

ص: 120

الشريف وقبّله وقال لي:

اقرأ الزيارة:

فقلت: لا أعرف القراءة.

فقال: أقرأ أنا لك الزيارة.

فقلت: ألف شكر وجزاك الله خيراً.

فسألني: أية زيارة أقرأها لك؟

فقلت: أية زيارة تراها هي الأفضل.

فقال: إذن أقرأ زيارة أمين الله.

ثم بدأ بقراءة زيارة أمين الله قائلاً:

السلام عليكما يا أميني الله في أرضه وحُجّتيه على عباده أشهد أنكما جاهدتما في الله حق جهاده وعملتها بكتابه وأبلغتما سنن نبيه (صلی الله علیه و آله)، حتى دعاكما الله إلى جواره فقبضكما إليه باختياره وألزم أعداء كما الحجة مع ما لكما من الحجج البالغة على جميع خلقه.. إلى آخر الزيارة.

وفي هذه الأثناء أضاؤوا مصابيح الحرم الشريف وكانت شمعدانات لكنني شاهدت نوراً باهراً غير أنوار الشموع يشبه نور الشمس يتلألأ في الحرم الشريف، أما الشموع فكأنها أنوار باهتة آتية من بعيد وكنت غافلاً عن كل تلك الحجج والآيات والظواهر التي مررت بها لأعرف من هو هذا السيد العظيم الشأن!

ثم توجهنا إلى الجهة الأخرى من الحرم وسألني السيد: أتريد أن أقرأ لك زيارة جدي الحسين (علیه السلام)؟

فقلت: أجل إنها ليلة الجمعة ويا حبذا لو قرأتها لي. فقرأ السيد زيارة وارث.

ص: 121

وفي هذه الأثناء انتهى المؤذن من أذان المغرب فقال لي السيد: التحق بالجماعة وأدّ صلاة المغرب معهم فصليت المغرب مع الجماعة لكن السيد صلّى صلاته منفرداً ولما انتهيت من صلاتي، التفتُّ حولي فلم أجد السيدفأسرعت بالبحث عنه هنا وهناك بدون جدوى، وهنا استيقظت من منام الغفلة والضياع وسألت نفسي: من كان ذلك السيد الشهم الجليل؟ كل تلك المعجزات والكرامات قد تمّت في حضوره وكان يعلم اسمي وكل شيء عني ورؤيتي للمياه الجارية العذبة والأشجار المثمرة من غير موسمها وجوابه عندما سلمت على صاحب الزمان"عجل الله تعالی فرجه الشریف"، ثم ذهب إلى مكان حفظ الأحذية وسألت الحارس، هل رأيت السيد الذي كان يرافقني؟ فقال الحارس:

وهل كان ذلك السيد رفيقك؟

فقلت له: أجل.

وخلاصة الموضوع أني أينما بحثت عنه لم أجده، ثم رجعت إلى مضيّفي قضيت ليلتي عنده وفي الصباح توجهت إلى الشيخ محمد حسن ونقلت له الحكاية بحذافيرها وتفاصيلها فوضع أصبعه على فمه وقال:

لا تقص هذه الحكاية على أحد غيري وليوفقك الله.

وفعلاً لم أقصّها على أحد حتى مضى شهر عليها وأثناءها كنت في إحدى الليالي في الحرم المطهر للإمام الكاظم (علیه السلام) رأيت سيداً جليلاً تقدّم نحوي وسألني: ماذا رأيت؟

فقلت: لم أر شيئاً.

فسالتي مرة اخرى السؤال نفسه وأجبته بالجواب عينه وبصوت خشن، ثم اختفى عن ناظري وتعجبت!

(ويبدو أن هذه الحكاية الثانية كانت سبباً للحاج علي أن ينقل الحكاية بالتفصيل إلى الآخرين)(1)

ص: 122


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 89/ الطبعة الأولى

10- النظر إليك کالإصغاءإلى کلام الله

كان المرحوم الشيخ زين العابدين السلماسي من خواص أصحاب العلامة الكبير آية الله العظمى السيد مهدي بحر العلوم. المتوفى سنة 121ه. رحمه الله. يقول: رافقتُ السيد إلى حرم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، فرأيته بعد أن قرأ اذن الدخول إلى الحرم المطهَّر بأدب وخشوع، استند إلى عتبة الباب وهو حادق بنظره إلى زاوية ودموعه تجري ويترنّم شعرأ بصوت خافت!

فاقتربتُ منه لأسمع ماذا يقول، فسمعته يقرأ شعراً فارسياً هذا معناه:

«كم هو لذيذُ الاستماع إلى صوتك في تلاوة القرآن، صوتك الأخّاذ والجذّاب يا مولاي، وأن النظر إليك يا سيّدي كالإصغاء إلى كلام الله تعالى»

وقف دقائق هكذا ثم عاد إلى المنزل ولم يدخل الحرم، فسألته:

«سيدي.. ماذا كان هناك، إذ لم تدخل الحرم؟»

فقال السيد بحر العلوم: «رأيت مولاي صاحب الزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف"داخل الحرم المطهَّر مشغولاً بتلاوة القرآن الكريم»

ويّنقَل عن العالم الربّاني الملا حسين علي الهمداني، العارف المربّي، الذي عاش بداية القرن الثالث عشر الهجري، أنه كان يقول: إن من خصائص حرم الإمام علي عليه السلام إذا انتبه العرفاء المؤمنون لأنفسهم ترتفع الحجب عن أبصارهم، فينظرون بعين الملكوت، ويشاهدون حقيقة الأشياء والأشخاص تحت القبة الشريفة(1)

ص: 123


1- غرر الحكم/ ج7 - ص 235، وعن قصص وخواطر.../ ص 448/ قصة رقم 427

11- رمانة النواصب

قال العلامة المجلسي (قده) في البحار، ومنها ما أخبرني به بعض الأفاضل الكرام، والثقات الأعلام، قال: أخبرني بعض من أثق به يرويه عمّن يثق به، ويطريه أنه قال: لما كانت بلدة البحرين تحت ولاية الإفرنج، جعلوا واليها رجلاً من المسلمين، ليكون ادعى إلى تعميرها وأصلح بحال أهلها، وكان هذا الوالي من النواصب وله وزير أشدُّ نصبأ منه يظهر العداوة لأهل البحرين لحبّهم لأهل البيت (عليهم السلام) ويحتال في إهلاكهم وإضرارهم بكل حيلة.

فلما كان في بعض الأيام دخل الوزير على الوالي وبيده رمانة فأعطاها الوالي فإذا هي مكتوب عليها «لا إله إلا الله محمد رسول الله أبو بكر وعثمان وعمر وعليُّ خلفاء رسول الله» فتأمّل الوالي فرأى الكتابة من أصل الرُّمانة بحيث لا يحتمل عنده أن يكون من صناعة بشر، فتعجّب من ذلك وقال للوزير: هذه آية بيّنة، وحجّة قويّة، على إبطال مذهب الرافضة، فما رأيك في أهل البحرين.

فقال له: أصلحك الله إن هؤلاء جماعة متعصّبون، ينكرون البراهين، وينبغي لك أن تحضرهم وتريهم هذه الرمانة، فإن قبلوا ورجعوا إلى مذهبنا كان لك الثواب الجزيل بذلك، وإن أبوا إلا المقام على ضلالتهم فخيّرهم بين ثلاث: إما أن يؤدُّوا الجزية وهم صاغرون، أو يأتوا بجواب عن هذه الآية البينة التي لا محيص لهم عنها أو تقتل رجالهم وتسبي نساءهم وأولادهم، وتأخذ بالغنيمة أموالهم.

فاستحسن الوالي رأيه، وأرسل إلى العلماء والأفاضل الأخيار، والنجباء والسادة الأبرار، من أهل البحرين وأحضرهم وأراهم الرمانة، وأخبرهم بما رأى فيهم إن لم

ص: 124

يأتوا بجواب شاف: من القتل والأسر وأخذ الأموال أو أخذ الجزية على وجه الصغار كالكفّار، فتحيّروا في أمرها، ولم يقدروا على الجواب، وتغيّرت وجوههم وارتعدت فرائصهم.

فقال كبراؤهم: أمهلنا أيها الأمير ثلاثة أيام لعلنا نأتيك بجواب ترتضيه وإلا فاحكم فينا ما شئت، فأمهلهم، فخرجوا من عنده خائفين مرعوبين متحيّرين.

فاجتمعوا في مجلس وأجالوا الرأي في ذلك، فاتفق رأيهم على أن يختاروا من صلحاء البحرين وزهّادهم عشرة، ففعلوا، ثم اختاروا من العشرة ثلاثة فقالوا الأحدهم: اخرج الليلة إلى الصحراء واعبد الله فيها، واستغث بإمام زماننا، وحجة الله علينا، لعله يبيّن لك ما هو المخرج من هذه الداهية الدهماء.

فخرج وبات طول ليلته متعبداً خاشعاً داعياً باكياً يدعو الله، ويستغيث بالإمام (عليه السلام)، حتى أصبح ولم ير شيئاً، فأتاهم وأخبرهم فبعثوا في الليلة الثانية الثاني منهم، فرجع كصاحبه ولم يأتهم بخبر، فازداد قلقهم وجزعهم.

فأحضروا الثالث وكان تقيأً فاضلاً اسمه محمد بن عيسى، فخرج الليلة الثالثة حافياً حاسر الرأس إلى الصحراء وكانت ليلة مظلمة فدعا وبكى، وتوسل إلى الله تعالى في خلاص هؤلاء المؤمنين وكشف هذه البلية عنهم واستغاث بصاحب الزمان.

فلما كان آخر الليل، إذا هو برجل يخاطبه ويقول: يا محمد بن عيسى ما لي أراك على هذه الحالة، ولماذا خرجت إلى هذه البرية؟ فقال له: أيها الرجل دعني فإني خرجت لأمر عظيم وخطب جسيم، لا أذكره إلا لإمام ولا أشكوه إلا إلى من يقدر على كشفه عني.

فقال: يا محمد بن عيسى! أنا صاحب الأمر فاذكر حاجتك، فقال: إن كنت هوفأنت تعلم قصتي ولا تحتاج إلى أن أشرحها لك، فقال له: نعم، خرجت لما دهمكم من أمر

ص: 125

الرمانة، وما كتب عليها وما أوعدكم الأمير به، قال: فلما سمعت ذلك توجهت إليه وقلت له: نعم يا مولاي، قد تعلم ما أصابنا، وأنت إمامنا وملاذنا والقادر على كشفه عنا.

فقال صلوات الله عليه: يا محمد بن عيسى إن الوزير لعنه الله في داره شجرة رمان فلما حملت تلك الشجرة صنع شيئاً من الطين على هيئة الرمانة، وجعلها نصفين وكتب في داخل كل نصف بعض تلك الكتابة ثم وضعهما على الرمانة، وشدهما عليها وهي صغيرة فأثّر فيها وصارت هكذا.

فإذا مضيتم غداً إلى الوالي، فقل له: جئتك بالجواب ولكني لا أبديه إلا في دار الوزير فإذا مضيتم إلى داره فانظر عن يمينك، ترى فيها غرفة، فقل للوالي: لا أجيبك إلا في تلك الغرفة، وسيأبى الوزير عن ذلك، وأنت بالغ في ذلك ولا ترض إلا بصعودها فإذا صعد فاصعد معه، ولا تتركه وحده يتقدم عليك، فإذا دخلت الغرفة رأيت كوّة فيها كيس أبيض، فانهض إليه وخذه فترى فيه تلك الطينة التي عملها لهذه الحيلة، ثم ضعها أمام الوالي وضع الرمانة فيها لينكشف له جلية الحال.

وأيضأ يا محمد بن عيسى قل للوالي: إن لنا معجزة أخرى وهي أن هذه الرمانة ليس فيها إلا الرماد والدخان وإن أردت صحة ذلك فأمّر الوزير بكسرها، فإذا كسرها طار الرماد والدخان على وجهه ولحيته.

فلما سمع محمد بن عيسى ذلك من الإمام، فرح فرحاً شديداً وقبّل يدي الإمام صلوات الله عليه، وانصرف إلى أهله بالبشارة والسرور.

فلما أصبحوا مضوا إلى الوالي ففعل محمد بن عيسى كل ما أمره الإمام وظهر كل ما أخبره، فالتفت الوالي إلى محمد بن عيسى وقال له: من أخبرك بهذا؟ فقال: إمام زماننا، وحجة الله علينا، فقال: ومن إمامكم؟ فأخبره بالأئمة واحداً بعد واحد إلى أن انتهى إلى صاحب الأمر صلوات الله عليهم.

ص: 126

فقال الوالي: مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن الخليفة بعده بلا فصل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ثم أقرَّ بالأئمة إلى آخرهم (عليهم السلام) وحسن إيمانه، وأمر بقتل الوزير واعتذر إلى أهل البحرين وأحسن إليهم وأكرمهم.

وهذه القصة مشهورة عند أهل البحرين وقبر محمد بن عيسى عندهم معروف يزوره الناس(1)

ص: 127


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 98/ الطبعة الأولى

12- في صحبة المهدي"عجل الله تعالی فرجه الشریف"

نقل هذه الحكاية حجة الإسلام والمسلمين الحاج الشيخ مهدي معزي عن المرحوم الشيخ الحاج مرتضی زاهد وهو من العلماء الأطهار في طهران حيث قال:

كان المرحوم عبد الكريم محمودي يتشرف بلقاء الحجة"عجل الله تعالی فرجه الشریف" في ليالي الجمعة من كل أسبوع.

وقال: مرة كنت ليلة الجمعة في صحن حضرة عبد العظيم حيث وصلت لخدمة المهدي المنتظر. أرواحنا له الفداء . فقال لي: سيد عبد الكريم تعال نذهب سوية لزيارة جدي علي بن موسی الرضا(علیه السلام).

فقلت: أنا في خدمتك يا سيدي ومولاي.

ولم نتقدم سوى خطوات معدودة وإذا بنا في الصحن الشريف للإمام الرضا (علیه السلام) فتشرفنا بالزيارة معاً ثم رجعنا إلى طهران بالطريقة نفسها.

ومرة أخرى قال لي الحجة المنتظر"عجل الله تعالی فرجه الشریف": تعال نذهب لزيارة قبر الحاج السيد علي مفسر (يقع قبره في صحن الإمام الفقيه عبد الله). فقلت له: أنا في خدمة مولاي وسيدي. وبعد لحظات وجدت نفسي عند قبر المرحوم وبجانب الضريح وقفت روحهُ وسلّمت على الحجة "عجل الله تعالی فرجه الشریف" ثم قال لي السيد علي مفسر (روحه): یا سید کریم أرجو إبلاغ تحياتي إلى الحاج الشيخ مرتضی زاهد وقل له:

لماذا لا تراعِ حق الزمالة والود الذي بيننا ولا تأتي لزيارتنا وكأنك قد نسيتنا؟

فقال له صاحب الزمان . روحي له الفداء .:

إن السيد الشيخ مرتضی زاهد في محنة من أمره وهو معذور عن القدوم وقد أتيت عوضا عنه(1)

ص: 128


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 78/ الطبعة الأولى

13- نفر من بني أعمامك

يقول السيد المرعشي النجفي: عند إقامتي في سر من رأى (سامراء) بت ليالٍ من ليالي الشتاء في السرداب المقدس وفي آخر الليل سمعت صوت أقدام مع أن باب السرداب كان مغلقاً فاضطربت، إذ ربما كان من المخالفين من أعداء أهل البيت عليهم السلام يقصد قتلي، وقد ذابت الشمعة التي كانت معي. وإذا بصوتٍ جميل يقول: سلام عليكم يا سيد. وذكر اسمي. فأجبته وقلت من أنتم؟ قال: نفر من بني أعمامك، فقلت: لقد كان الباب مغلقاً فمن أين أتيتم فقال: الله على كل شيء قدير. فقلت من أي بلد فقال: من الحجاز.

ثم قال السيد الحجازي: لماذا تشرفتم في هذا الوقت؟ فقلت: لحوائج، فقال: إنها تُقضى ثم أكد على أمور منها:

1. صلاة الجماعة والمطالعة في الفقه والحديث والتفسير .

2. والتأكيد على صلة الرحم ورعاية حقوق الأساتذة والمعلمين .

3. والتأكيد على مطالعة وحفظ نهج البلاغة.

4. وحفظ أدعية الصحيفة السجادية، فسألته أن يدعو لي، فرفع يده ودعا لي قائلاً: إلهي بحق النبي وآله وفق هذا السيد لخدمة الشرع وأذقه حلاوة مناجاتك. وأجعل حبه في قلوب الناس واحفظه من شر وكيد الشياطين سيما الحسد.

في أثناء الحديث والكلام قال السيد الحجازي: معي تربة سيد الشهداء عليه السلام وهي أصيلة من دون خليط، فأكرمني ببعض المثاقيل منها. ولازال معي بعضها، كما أعطاني خاتم عقيق لا زال معي، وشوهدت آثار عظيمة له، ثم غاب السيد

ص: 129

الحجازي بعد ذلك.

هذا ولا يخفى على ذوي النهى أن هذه الحكايات الثلاثة، قد كتبها السيد قدس سره باللغة الفارسية في رسالتين، أرسلها إلى المؤلف القدير الأستاذ حسن عماد زاده لتطبع في كتابه القيم (المنتقم الحقيقي) الذي يتحدث فيه عن صاحب الأمر عليه السلام وعجل الله فرجه الشريف. المنتقم الحقيقي لغاصبي حقوق آل محمد عليهم السلام.

نقلها السيد بقوله: سید جلیل من أهل العلم، يقطع بصدقه وسداده وتقواه، من أهل بيت الرسالة وآل المرتضى عليه السلام، ينقل أنه لما كنت في النجف الأشرف لتحصيل العلوم الدينية وفقه أهل البيت عليهم السلام... إلى آخر ما ذكرت لك من القصة الأولى. وإنما أسندت القصص الثلاثة إليه مباشرة، ليقيني أنه هو صاحب التشرف إذ قبل رحلته إلى جوار ربه بأشهر.

وينقل أحد تلامذته: أخبرني أحد فضلاء أصفهان، أن السيد الأستاذ هو صاحب التشرف ، ولمزيد من التأكيد أتيته وهو على سجادة الصلاة في الصحن الشريف فسألته: سيدي هل أنتم صاحب التشرف في الحكايات الثلاثة المذكورة في كتاب ( منتقم حقيقي )؟ فقال قدس سره: لا تنقل ذلك للشباب لعدم تحملهم، فقلت سيدي إنما أنقله للخواص من أخواني وتلامذتي فسكت حينئذ وشعرت برضاه.

كما سمعت أنه قال لبعض الخواص: لا تنقل الحكايات عني إلا بعد مماتي. وإنما أسندها إلى سيد جليل لأن الكتاب طبع سنة ( 1332ه. ش) والآن عام (1369ه ش) الموافق (1411 ه ق) فالحكايات كتبت قبل (37سنة) أي كان عمر الأستاذ آنذاك (59 سنة) وهذا يعني في بداية زعامته ومرجعيته وأوج حساده وأعدائه الذين ابتلاهم الله بحجاب المعاصرية، فكان من الصعب على سيدنا الأستاذ أن ينقل القصص عن نفسه حذراً من الأعداء والحسّاد.

وهناك قرائن في نفس الحكايات تدل بكل وضوح أنه هو صاحب التشرف، كما جاء

ص: 130

في وصيته أن توضع تربة حسينية على صدره احتفظ بها في كفنه وكان يعتزبها، كما يوضع عقيق فيه الأسماء المقدسة الخمسة أصحاب الكساء عليهم السلام، وآخر فيه أسماء الأربعة عشر معصوماً عليهم السلام. وقد أهدى له تربة خاصة وخاتم من صاحب الزمان عليه السلام كما ذكرنا سابقاً.

كما جاء في وصيته الأولى: وأوصيه بتهذيب النفس والمجاهدات الشرعية فإني نلت به ما نلت، ورزقني ربي الكريم ما لم تره أعين أبناء العصر ولا طرقت أسماعهم ولا سمعت آذانهم، فالحمد لله تعالى على هذه الموهبة العظيمة والفضل الجسيم، وقد أودعت بعض هذه الأسرار في كتاب مخصوص سميته بسلوة الحزين..(1) .

ص: 131


1- کرامات السيد المرعشي النجفي، ص 108، الطبعة الأولى

14- في التراب

نقلت هذه الحكاية في ملحقات كتاب (أنس العابدين) للمرحوم العلامة المجلسي وفي كتاب ( النجم الثاقب) للعلامة نوري وجاء فيها: قال المرحوم السيد ابن طاووس (قدّس الله سره): إنني كنت في السرداب المطهر للإمام الحجة بن الحسن (علیه السلام) حينما سمعته يقرأ هذا الدعاء ويناجي ربه:

«اللهم إن شيعتنا خُلقت من شعاع أنوارنا وبقية طينتنا وقد فعلوا ذنوباً كثيرة اتكالاً على حبنا وولايتنا، فإن كانت ذنوبهم بينك وبينهم فاصفح عنهم فقد رضينا وما كان منها فيما بينهم فأصلح بينهم وقاص بها عن خمسنا وأدخلهم الجنة وزحزحهم عن النار ولا تجمع بينهم وبين أعدائنا في سخطك»(1)

ص: 132


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 100/ الطبعة الأولى

15- ثلاث من رذائل الأخلاق

نقل سماحة السيد عبد الحميد الأصفهاني حفيد المرحوم آية الله العظمى السيد أبي الحسن الأصفهاني المتوفى سنة 1365 من الهجرة: أن آية الله الشيخ عبد النبي العراقي رحمه الله نقل للمرحوم آية الله حجّت رحمه الله أنه لما كنتُ في النجف الأشرف لم أكن أميل إلى السيد الأصفهاني وذلك تأثراً بالكلام الذي كان ينشره عليه مخالفوه. وكنتُ في ذات الوقت أرى نفسي أعلم منه ومن غيره، فلمّا كانت تعترضني معضلة علمية ولم أستطع حلّها كنتُ أستنكف من الاستعانة بأحد والسؤال منه، حتى اجتمعت لديّ عشرة أسئلة من أعقد المسائل العلمية في الفقه والأصول فلم أستوعب حلّها.

وسمعتُ يوماً أن رجلاً من المروّضين الهنود قَدمَ إلى النجف، فسألتُ عنه حتى ألتقيه لأطلب منه إن كان يتمكّن من إعطائي طريقة للقاء برجل صعب اللقاء، وكنتُ أقصد اللقاء بالإمام الحجة عليه السلام لأطرح عليه أسئلتي ولأختبر المروّض في نفس الوقت أيضأ.

فعلّمني المروّض شيئاً وقال اذهب إلى الصحراء وافعل كذا، فإنّ أول من يأتيك هو الذي تريده.

فانطلقتُ إلى صحراء قريبة من النجف وعملتُ بما قاله المروّض، فوقعت عيني من بعيد على رجل قادم نحوي فلما وصل إليّ رأيت عليه عمامة خضراء، ساطع الوجه وكان قد تخيّل لي أنّ كل خطوة يخطوها تساوي عدة خطوات من خطواتنا نحن.

سلّم عليّ وقال: ماذا تريد مني؟

ص: 133

قلتُ له من غير انتباه: أنا لا أريدك، إذهب وشأنك!

قال: إنك طلبتني أنا.

قلتُ: لستَ أنت المطلوب !

لم أكن في تلك اللحظات أعرف معنى كلامي، وكنتُ لا أتوقعه الإمام الحجة عليه السلام، فتركني ومشي، فجأة تذكّرتُ كلام المروّض أن أوّل من يأتيك هو ذاك الذي تريده، فنهضتُ بسرعة وأخذت أركض خلفه وأناديه: قف يا مولاي أنا أريدك أنت.

ولكنه لم ينظر إليّ، فكما قلتُ أن خطوة منه كانت تساوي في تخيّلي خطوات مما نخطوه نحن، لذلك كلّما كنتُ أركض خلفه لم أصل إليه حتى بعُد عني، وتعبتُ من اللحاق به فألقيتُ نفسي على الأرض، وأنا أنظر إليه من بُعد مسافة فرأيته دخل كوخاً.

وأنا بعد استراحة يسيرة نهضتُ من مكاني وأخذتُ أمشي على مهلي باتجاه الكوخ حتى وصلتُ فطرقتُ الباب. جاء رجل غير ذلك الذي تأكدتُ أنه الإمام، سألته: إن رجلاً و بهذه المواصفات رأيته دخل هنا، هل يمكنني اللقاء به؟

فقال: انتظر حتى أستأذن عليه.

وقفتُ دقائق فعاد الرجل وقال: إن سيدي ومولاي قد أذن لك بالدخول.

دخلتُ وكان يشعّ نوراً ، فلمّا جلست بين يديه نسيت ما جئتُه من أجله إذ استولت عليّ هيبته، ثم بعد دقائق معدودة من سكوتي قال لي الإمام: إنني مشغول، فإن لم تكن عندك حاجة يمكنك الذهاب. فقمتُ مودَّعاً، وما أن وضعتُ رجليّ خارج الكوخ تذكرتُ أسئلتي فعدتُ طارقاً الباب، فجاء الخادم، قلتُ له: استأذن لي على مولاي فإني تذكرتُ أسئلتي. ذهب ثم عاد وقال: تفضّل. دخلتُ، ولكن من دون جدوى، فقد نسيت كل شيء، وهذه المرة قمتُ بنفسي فودّعته. وما أن خرجتُ من الكوخ تذكرتُ أسئلتي.

كنت في حالة غريبة جداً، قرّرت هذه المرة أسيطر على ذاكرتي فأدخل بسرعة

ص: 134

وأطرح الأسئلة قبل نسيانها. وهكذا طرقتُ الباب للمرة الثالثة وأنا أقول في نفسي كيف يمكن إضاعة هذه الفرصة الثمينة التي حصلت عليها بعد سنوات من الانتظار، وماذا يكون مصير أسئلتي إن لم أحصل من الإمام على أجابتها.

جاء الخادم وقال: كم مرّة تدخل، ماذا عندك؟ ألا تعلم أن الإمام مشغول بشؤون الأمة؟

قلت: معذرة اسمح لي بالدخول للمرّة الأخيرة، فقد كنتُ أنسى أسئلتي كلّما دخلتُ عليه (روحي فداه).

قال: لقد خرج الإمام، فإن تريد نائبه استأذن عليه.

قلت: حسناً.. استأذن عليه.

عاد بعد قليل وقال: تفضل، دخلتُ وإذا هو بالمرجع الكبير السيد أبي الحسن الأصفهاني، جالس مكان الإمام الحجة عليه السلام.

فغرقتُ في بحر من العجب والاستغراب الممزوج بالخجل نظراً لموقفي من السيد. إلا أن السيد الأصفهاني رحّب بي أشد الترحاب وسألني عن أحوالي وحاجتي.

فذكرت له قصتي وأسئلتي.

قال السيد: نعم، الإمام روحي فداه كثير الاشتغال قليل الوقت، وأما الإجابة على اسئلتك فإنك تجدها في كتاب فلان صفحة كذا وكتاب كذا صفحة كذا..

لقد دلّني على المصادر التي يمكنني مراجعتها لتحصيل الإجابات. بعد ذلك قمتُ مودّعاً السيد الأصفهاني، عائداً إلى النجف الأشرف وأنا مشتّت التفكير، لا أدري هل لذي حصل لي ورأيته وسمعته كان في يقظة أم في منام؟

مضى يوم على هذه القصة وجئتُ إلى لقاء السيد الأصفهاني في داره لأول مرة.

ص: 135

فلمّا دخلتُ عليه قام السيد واحتضنني مبتسماً وكأنه يريد أن يقول لي أن الذي رأيته وسمعته كان حقيقة وليس حلماً.

من ذلك اليوم التزمتُ السيد الأصفهاني (طاب ثراه) واستغفرتُ الله لنفسي على مواقفي السابقة من سماحته، وعلمتُ أن «العداء للمراجع» و «التأثر بالكلام الذي يشاع ضدّهم» و «التكبّر في تعلّم العلم والبحث عن الحقيقة»كلها من رذائل الأخلاق (1)

ص: 136


1- قصص وخواطر ... / م 458/ قصة رقم 426

16- تنفتح الأبواب أمامه!!

من جملة الأشخاص الذين تشرّفوا بلقاء صاحب الزمان أرواحنا له الفداء، واستفاض من وجوده المقدس في الإجابة على أسئلته وإشكالاته العلمية، هو العالم الفاضل الكبير مقدسي أردبيلي المتوفي عام 993ه (رضوان الله عليه).

وكان رحمه الله مثالاً للتقوى والزهد والقدسية.

وكان من المشهور عنه أنه عندما تستعصي عليه بعض المسائل العلمية ولا يجد لها حلاً، يركن بجوار ضريح أمير المؤمنین (علیه السلام) ساعات عديدة ويطلب منه حلاًّ لها فيجيبه الإمام عليها.

طوبى لمثل هذا الإيمان وهذه الثقة والتقوى بالنسبة للإمامة والمرتبة العالية المحمودة.

والحكاية التالية نقلها أحد تلاميذه المقرّبين إليه والمطّلعين على أسراره العلمية فقال:

في إحدى الليالي الصيفية، وبعد أن تعبت من المطالعات العلمية، خرجت من غرفتي وقد انتصف الليل، وأخذت أتمشى في صحن الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام)،وإذا بي أرى شبحاً لرجل قد التف بعباءته وتوجه إلى الحرم الحيدري الشريف، سائراً بخطى سريعة، علماً بأن أبواب الحرم المقدس مغلفة في تلك الساعة من الليل. فتبعت الشيخ متخفياً وراء جحافل ظلام الليل الدامس حتى رأيته وقد وصل إلى باب الحرم وإذا بالأقفال قد فُتِحت والأبواب انزاحت، وكلما وضع يده على باب ما، فتحت أمامه بكل يسر وسهولة، ثم وصل عند ضريح أمير المؤمنين (علیه السلام) وسلّم عليه فأجابه الإمام وقد سمعت جوابه شخصياً، كما استمعت إلى محادثته مع ذلك الصوت.

ثم خرج من الضريح والحرم وأُغِلقَت الأبواب خلفه ثانية وبعدها توجه إلى الكوفة

ص: 137

ثم دخل مسجدها وكنت أسير خلفه متلصصأً حتى رأيته دخل في المحراب وجلس يحدث شخصأ لم أره ولكنني كنت أسمع صوتيهما.

وبعد انتهاء المحادثة، خرج من المسجد ورجع إلى النجف الأشرف وعندما وصل إلى ميدان المدينة، كان الصباح قد أشرف على الانبلاج وتراجعت أمامه جحافل ظلام الليل البهيم، وفي هذه الأثناء خرجت متّي عطسة لم أتمكن من التحكم بها فسمع ذلك الشيخ صوت عطستي فالتفت خلفه ولما تطلعت إلى وجهه، عرفت أنه العالم الفاضل الجليل مقدسي أردبيلي.

وبعد السلام وتقديم الاحترام لجنابه المقدس، قلت له: لقد تبعتك يا سيدي طيلة الليلة الماضية منذ دخولكم إلى الصحن الحيدري الشريف وذهابكم إلى مسجدالكوفة وحديثكم مع ذلك الشخص في المحراب حتى عودتكم إلى النجف، لذا أرجوك أن تخبرني مع من كنت تتحدث في الضريح وفي المحراب؟

فطلب مني ذلك العالم الجليل أن أتعهّد له بأن لا أفشي الحكاية ولا أتحدث بها لأحد ما دام على قيد الحياة فعاهدته على ذلك فقال:

يا ولدي العزيز، أحياناً تواجهني مشاكل حياتية أو علمية أو فقهية أو شرعية ولا أستطيع لها حلاً، فأتوجه إلى حلاّل المشاكل حيدر الكرار (عليه أفضل الصلاة والسلام) فيجيبني عليها. أما الليلة الماضية فإن مولی الموحدين وساقي ماء الكوثر، أرشدني إلى صاحب الزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف" وقال: إن إمام زمانك جالس الآن في مسجد الكوفة فاذهب إليه واستعن به لإيجاد الحلول لمشاكلك.

واستجابة لأوامر الأمير، توجهت إلى الكوفة فوجدته في ذلك المحراب وتحدثت معه وحصلت على الأجوبة العلمية الشافية من حضوره المقدس الشريف (1)

ص: 138


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 98/ الطبعة الأولى

17- لو ذهبت إلى أوروبا وأميركا لما شفيت

في كتاب القصص العجيبة قال السيد دستغيت:

ذكر السيد حسن برقعي فقال: كنت أتشرف بالصلاة والدعاء مدة طويلة في مسجد صاحب الزمان أرواحنا له الفداء والمسمى بمسجد جمکران وفي ليلة الأربعاء الخامس من ربيع الثاني من عام 1390 كنت جالساً في مقهى المسجد الذي كان في الواقع دار استراحة المسافرين المارين بقم حيث يجلسون لشرب الشاي والاستراحة قليلاً ثم يواصلون السير إلى مقاعدهم وجلس إلى جانبي أحد الأشخاص الذي عرف نفسه بأنه أحمد البهلواني يسكن ضاحية السيد عبد العظيم القريبة من طهران وبعد التحية والسؤال عن الأحوال والصحة والعيال قال: لقد مضت علي أربع سنوات وأنا أزور مسجد جمکران كل أربعاء فقلت له: إن الذي يواصل زيارة مقام صاحب الزمان في هذا المسجد، يحصل على حاجته ومراده، فهل حصل لك ذلك وكيف؟

فقال: نعم، لو لم يكن حصل شيء لما فتحت الموضوع، فقلت: حدثني عن ذلك،فقال:

قبل عام ونيف وفي إحدى ليالي الأربعاء التي كنت أواظب على زيارة مسجد جمکران وبسبب ليلة عرس أحد أقربائي لم أتمكن من التشرف بذلك المسجد في تلك الليلة وبقيت في حفلة العرس ولم يكن فيها من المعاصي شيء يذكر سوى الغناء والموسيقى والعشاء ثم رجعت إلى بيتي ونمت في السرير، وفي الصباح حاولت القيام من الفراش فوجدت أنني عاجز عن ذلك وأن ساقي اليمنى لا تتحرك أبدأ وحاولت أن أستعين بيدي عليها فلم أشعربوجودهافأصابني الهلع، فناديت زوجتي وقلت لها: إن ساقي لا إحساس فيها، فقالت ربما بسبب البرد، فقلت لها: إنه الصيف يا امرأة وأين

ص: 139

مني البرد؟! وأخيراً قلت لأحد أفراد عائلتي أن يذهب إلى صديقي وجاري المدعو أصفر آقا ويصحبه لي فذهب وجاء بجاري فقلت له: اذهب وآتِ لي بطبيب، فقال: لا يوجد طبيب في هذه الساعة فقلت له: ليس باليد حيلة ولا بد لك من الذهاب فذهب وجاء بالدكتور شاهرخي الذي كان يسكن في ميدان تمثال السيد عبد العظيم.

في البداية فحص الطبيب قدمي وساقي ثم ضرب على ركبتي بمطرقة فلم أشعر بأي أذى ولم يكن لها أي رد فعل، فأخذ إبرة من حقيبته وغرزها في باطن قدمي فلم أشعر بأي ألم ثم تركني وقال شيئاً في أذن أصفر آقا.

وعلمت بعد ذلك بأنه قال بأنني أصبت بالشلل ومن حسن الحظ أنني لم أصب بالسكتة الدماغية.

ولما أصبح الصباح وأفاق الأولاد ورأوني بهذه الحالة بدأوا بالبكاء والعويل ولما علمت والدتي بذلك جاءت وهي تولول وتصرخ وتلطم وجهها وسط لغط وفوضى الحاضرين .

وفي تمام الساعة التاسعة صباحاً تعبت من الصياح والنياح فأخذت أبكي وأقول: يا صاحب الزمان لقد كنت آتي لخدمتك كل ليلة أربعاء ولم أتقاعس طيلة المدة السابقة إلا ليلة أمس فاشفع لي وارحم حالي واسأل ربك ليشفيني ثم غلبني النوم، وفي المنام رأيت سيداً جليلاً مهيباً يتقدم إلي وبيده عصاً ناولني إياها وقال: قم يا هذا فقلت له روحي لك الفداء، لا أستطيع القيام فأخذ بيدي ورفعني إلى أعلى فاستويت على قدمي.

وفي هذه الأثناء أفقت من النوم ووجدت نفسي أستطيع تحريك قدمي ثم جلست وحركتها ثم استويت قائماً فلم يكن فيها شيء وهي كالعادة قوية سالمة ومن شوقي وفرحي أخذت أدور وأرقص وأدبك برجلي على الأرض ولكنني خفت أن تراني والدتي على هذه الصورة فيصيبها مكروه، رجعت إلى السرير وتظاهرت بالنوم ثم جاءت والدتي فقلت: أعطني عصا ربما أستطيع أن أتحرك وأتوكأ عليها فناولوني العصا فقمت على قدمي ومشيت قليلاً ثم حدثتهم عن قصة رؤياي لصاحب الأمر والزمان

ص: 140

"عجل الله تعالی فرجه الشريف"وكيف أنه أشفاني، ثم ناديت أصفر آقا ولما حضر ورآني بذلك لم يصدق والطبيب، وقال: إذا كان هذا صحيحاً فلماذا لم يأت إلي بقدميه ولما سمعت ما قاله الطبيب، ذهبت إليه بنفسي وعندما رآني لم يصدق عينيه وأخذ الإبرة وغرزها في قدمي فقفزت من شدة الألم فسألني ماذا فعلت؟ فشرحت له كيف توسلت بصاحب الزمان وأشفاني فقال: إنها إحدى المعاجز وإنك لو ذهبت إلى أوروبا وأميركا لما كان يمكن شفاؤك(1)

ص: 141


1- جنة المأوى، ص 222 ، قصة رقم 82، الطبعة الأولى

18- ما أحلی أن يسمع صوت القرآن منك

يعتبر المرحوم العلامة السيد بحر العلوم من الأشخاص الذين تشرّفوا بلقاء الإمام المهدي المنتظر عدة مرات، ونقل أغلب العلماء الأكابر العديد من كرامات وإفاضات هذا العلامة الفهامة الجليل وقد كتب المحدث القمي (رضوان الله عليه) ثماني حكايات حول كرامات وتشرف السيد بحر العلوم بلقاء الحجة بن الحسن"عجل الله تعالی فرجه الشریف"، حيث يذكر أن الإمام المنتظر من فرط حبه لهذا العلامة الكبير، احتضنه مرة وعانقه كأحب شخص إليه.

إنها نعمة من نعم الله (تعالى) التي يسبغها على عبده المؤمن أن يصل إلى هذه الدرجات العالية والكرامات المقدسة حيث يكون مورد عناق واحتضان من قبل صاحب الأمر والزمان (عجل الله فرجه القريب).

وفي ذلك اليوم، شوهد العلامة بحر العلوم واقفاً أمام حرم أمير المؤمنين (علیه السلام) مغرورق العينين وهو ينشد الأبيات التالية بدلاً من قراءة زيارة الأمير أو القرآن.

«ما أحلى أن يُسمع صوت القرآن منك أيها الحبيب...»۔

وعندما يسألون ذلك العلامة الكبير عن سبب قراءته للشعر بدل القرآن والزيارةفيقول:

عندما أردت الدخول إلى حرم أمير المؤمنين (علیه السلام)، وقع نظري على الوجود النوراني البقية الله في أرضه (علیه السلام)، وقد جلس عند رأس الأمير وهو يقرأ آيات من القرآن الكريم، قنطق لساني بتلك الأبيات بدون إرادتي ولما وصلت إلى الضريح المقدس، ختم الحجة تلاوته وخرج من الحرم الشريف(1)

ص: 142


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 101/ الطبعة الأولى

19- عناية مهدوية بالسيد بحر العلوم

عندما كان السيد بحر العلوم (رضوان الله تعالى عليه) يسكن مكة المكرمة، كان كثير العطاء والكرم والبذل لكل المحتاجين والطلاب مع أنه كان بعيداً عن الأهل والمريدين.

وفي أحد الأيام قال له وكيل أعماله إنه لم يبق دينار أو درهم في الخزنة، ولا بد من تدبير الأمر.

وهنا يضيف ذلك الشخص فيقول:

بعد توضيحي الوضع المالي فإن السيد الجليل لم يجبني وبقي صامتاً.

وكانت من عادة السيد بحر العلوم أن يذهب كل يوم إلى الطواف في الكعبة المشرّفة ثم يعود ويجلس للاستراحة في غرفة الضيوف ويدخّن الأركيلة (الشيشة) ثم يدخل غرفة أخرى كبيرة مخصصة للتدريس ويلقي محاضرته على طلابه.

وفي اليوم التالي من تلك الحادثة، رجع السيد إلى الغرفة بعد طواف الكعبة المشرفة فأحضرت له الأركيلة وإذا بصوت يأتي من رجل داخل، فارتبك السيد وقال بسرعة، ارفع الأركيلة. ثم ذهب بنفسه إلى باب المنزل وفتح الباب، فدخل أعرابي مهيب واختلی الرجلان في غرفة الضيوف وكان السيد بحر العلوم قد جلس بين يديه بكل أدب واحترام مستمعاً إلى أحاديثه بشوق ولهفة.

ثم خرج ذلك الأعرابي وركب بعيره الذي كان قد برك عند ناحية الطريق وذهب إلى حال سبيله.

ص: 143

أما السيد بحر العلوم فقد تغير شكله وانفرجت أساريره وأعطاني رقعة مكتوبة وقال لي: اذهب إلى المحل الفلاني عند جبل الصفا وسلّمه هذه الرقعة.

ذهبتُ مباشرة إلى العنوان المذكور فرأيت دكان صرافة فأعطيت الرقعة لصاحبه ولما قرأها بانت عليه إمارات الاحترام والتقدير فقبّلها وقال لي: ابحث عن بعض الحمّالين وهاتهم لي. وفعلاً وجدت أربعة أشخاص فأتيت معهم إلى الصراف فملاً أربعة أكياس كبيرة بالريالات وحملها الرجال الأربعة ورجعنا إلى دار السيد بحر العلوم.

وبعد فترة من انقضاء هذه الحادثة، تذكرت الصراف فأردت أن أستوضح منه الأمر وممن كانت الرقعة. فذهبت إلى المكان المعهود لكنني لم أجد الدكان ولا الصراف فسألت عن الموضوع من بعض المحلات المجاورة فقالوا لي: لم يكن هناك دكان ولا محل في هذه المنطقة وما رأينا صرافاً هنا أبدأ.

وهنا علمت أنها كانت إحدى الأسرار والعنايات الإلهية والألطاف والكرامات التي تفضل بها صاحب الزمان ( عليه أفضل الصلاة والسلام) على السيد بحر العلوم (رضوان الله تعالى عليه)(1)

ص: 144


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 102/ الطبعة الأولى

20- شيخ في ليلة مظلمة

يعتبر المرحوم الشيخ مرتضى الأنصاري (رضوان الله عليه) ( 1214-1218ه) من نوابغ العالم الإسلامي والفقهاء العظام الشيعة الذي طبقت شهرته العلمية والعملية جميع آفاق البلاد الإسلامية.

وقد وصفه بعض العلماء بخاتم الفقهاء والمجتهدين وهو من سلالة الصحابي العظيم الشأن جابر بن عبد الله الأنصاري وكتب العلامة المحدث نوري (رضوان الله تعالى عليه) في نهاية كتابه المستدرك حول هذا الفقيه العالم التقي الورع قائلاً:

إن الله (سبحانه وتعالى) قد تفضل على جابر الأنصاري بمثل هذا العلامة القدير من سلالته حيث خدم الأمة والدين بعلمه وبحوثه الدقيقة وزهده وعبادته وكياسته.

وكان هذا العالم الجليل خلال فترة زعامته ومرجعيته العظيمة نائباً وخادماً لإمام عصره الحجة بن الحسن "عجل الله تعالی فرجه الشریف"ولم يتوانَ عن ذكر صاحب الزمان لحظة واحدة.

ويحكي أحد طلابه أنه خرج في منتصف إحدى الليالي المظلمة الشتائية الباردة حيث كانت الطرقات في مدينة كربلاء المعظمة، مليئة بالوحل والطين متوجهاً لزيارة الإمام أبي الأحرار الحسين (عليه أفضل الصلاة والسلام)، إذ لمحت شخصأ من بعيد وعندما دققت النظر، علمت أنه أستاذنا الكبير الشيخ الأنصاري وهو قادم إلى ناحيتي وهنا تساءلت مع نفسي :

أين يذهب هذا الفقيه الجليل في منتصف هذه الليلة الباردة وفي هذه الأزقة الموحلة، وهو ضعيف البصر موهون القوى؟. ومن خوفي عليه أن لا يتعرض لمكروه . لا سمح الله . وفي هذه الليلة الليلاء، أخذت أتبعه عن بعد.

ص: 145

ثم رأيته يتقدم ويتقدم حتى وقف عند باب أحد المنازل ثم قرأ الزيارة الجامعة بكل خشوع واجلال ثم دخل المنزل حيث لم أتمكن من رؤية ما يحدث هناك إلا أنني أسمع حديث الشيخ مع أحد الأشخاص ولكن دون تمييز للكلمات فتركته وتوجهت إلى الحرم الحسيني الشريف وبعد ساعة شاهدت الشيخ (رضوان الله تعالى عليه) وهو في الحرم مصلياً ومتعبداً.

ومضت مدة على هذه الحادثة حيث التقيت بعدها بالشيخ عدة مرات وبعد إلحاح عليه أن يشرح لي خروجه في تلك الليلة ودخوله الدار، تفضل قائلاً:

أحياناً أحصل على إجازة وسماح للقاء الحجة بن الحسن (علیه السلام)، فأذهب إلى تلك الدار التي رأيتها تلك الليلة ولا يمكنك إيجادها في أوقات أخرى، فألتقي بإمام العصر والزمان بعد قراءة الزيارة الجامعة وإعلامه إياي بالدخول والسماح بذلك، ثم أصل في خدمته وأطرح بعض الأسئلة العلمية الشائكة التي أصطدم بها وأستزيد منه علماً ومعرفة وتوضيحاً والحمد لله.

ثم أخذ الشيخ المرحوم الأنصاري عهدأ مني أن لا أقول هذا الحديث ولا أسرد تلك الحكاية على كائن من كان، ما دام على قيد الحياة(1)

ص: 146


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 104/ الطبعة الأولى

21- يا فرج الله

نقل السيد رضي الدين علي بن طاووس في كتاب فرج المهموم والعلامة المجلسي في البحار عن كتاب الدلائل للشيخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري أنه قال:

حدثنا أبو جعفر محمد بن هارون بن موسى التعلكبري قال: حدثني أبو الحسين بن أبي البغل الكاتب قال: تقلّدت عملاً من أبي منصور الصالحان وجرى بيني ويبنه ما أوجب استتاري عنه، فطلبني وأخافني فمكثت مستتراً خائفاً ثم قصدت مقابر قریش(1) ليلة الجمعة واعتمدت المبيت هناك للدعاء والمسألة، وكانت ليلة ريح ومطر، فسألت أبا جعفر القيم يقفل الأبواب وأن يجتهد في خلوة الموضع لأخلو بما أريده من الدعاء والمسألة، خوفاً من دخول إنسان لم آمنه وأخاف من لقائه، ففعل وقفل الأبواب، وانتصف الليل فورد من الريح والمطر ما قطع الناس عن الموضع، فمكثت أدعو وأزور وأصلي، فبينا أنا كذلك إذ سمعت وطئاً عند مولانا موسى عليه السلام وإذا هو رجل يزور فسلّم على آدم وعلى أولي العزم ثم على الأئمة واحداً واحداً إلى أن انتهى إلى صاحب الزمان فلم يذكره، فعجبت من ذلك وقلت في نفسي لعلّه نسي أو لم يعرف أو هذا مذهب لهذا الرجل. فلما فرغ من زيارته صلى ركعتين وأقبل إلى مولانا أبي جعفر عليه السلام زار مثل تلك الزيارة وسلّم ذلك السلام وصلى ركعتين وأنا خائف منه إذ لم أعرفه، وكان شاباً من الرجال عليه ثياب بيض وعمامة محنك بها وله ذوابة ورداء على كتفه، فالتفت إليّ وقال يا أبا الحسين ابن أبي البغل، أين أنت عن دعاء الفرج، قلت: فما هويا سيدي؟ قال: تصلي ركعتين وتقول: يا من أظهر الجميل وستر القبيح، يا من لم يؤاخذ

ص: 147


1- راجع دار السلام ( النوري): ج 2، ص12

بالجريرة، ولم يهتك الستر، يا عظيم المن، يا كريم الصفح، یا حسن التجاوز ويا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة، يا منتهی كلّ نجوى وغاية كل شكوى، يا عون كل مستعين، يا مبتدئاً بالنعم قبل استحقاقها يا ربّاه عشر مرات، {يا منتهى غاية رغبتاه عشرت مرات}(1)، أسألك بحق هذه الأسماء، وبحق محمد وآله الطاهرين (عليهم السلام) (2) إلا ما كشفت كربي، ونفست همي، وفرجت غمي، وأصلحت حالي، وتدعو بعد ذلك ما شئت وتسأل حاجتك، ثم تضع خدك الأيمن على الأرض وتقوم مائة مرة في سجودك يا محمد يا علي {يا علي يا محمد}(3) أكفياني فإنكما كافياي وانصراني فإنكما ناصراي، ثم تضع خدك الأيسر على الأرض وتقول: أدركني {يا صاحب الزمان}(4)، وتكرر ذلك كثيراً وتقول الغوث الغوث الغوث حتى ينقطع النفس وترفع رأسك، فإن الله بكرمه يقضي حاجتك إن شاء الله، فلما اشتغلت بالصلوة والدعاء خرج، فلما فرغت خرجت إلى أبي جعفر لأسأله عن الرجل وكيف دخل فرأيت الأبواب على حالها مقفلة، فعجبت من ذلك وقلت لعل باباً هنا آخر لم أعلمه، وانتهيت إلى أبي جعفر القيم فخرج إلي من باب الزيت، فسألته عن الرجل ودخوله، فقال:

الأبواب مقفلة كما ترى ما فتحتها، فحدثته الحديث، فقال هذا مولانا صاحب الزمان {صلوات الله عليه}(5) وقد شاهدته دفعات في مثل هذه الليلة عند خلوتها من الناس، فتأسّفت على ما فاتني منه، وخرجت عند قرب الفجر وقصدت الكرخ إلى الموضع الذي كنت مستتراً فيه، فما أضحي النهار إلا وأصحاب ابن أبي الصالحان يلتمسون لقائي ويسألون عني أصحابي وأصدقائي، ومعهم أمان من الوزير ورقعة بخطّه فيها كل جميل، فحضرت مع ثقة من أصدقائي، فقام والتزمني وعاملني بما لم أعهده، وقال:

ص: 148


1- سقطت من الترجمة
2- هذه الزيادة في الترجمة
3- هذه الزيادة في الترجمة
4- سقطت من الترجمة
5- هذه الزيادة في الترجمة

انتهت بك الحال إلى أن تشكوني إلى صاحب الزمان صلوات الله عليه، فإني رأيته في النوم البارحة - يعني ليلة الجمعة - وهو يأمرني بكل جميل، ويجفو عليّ في ذلك جفوة خفتها، فقلت لا إله إلا الله أشهد أنهم الحق ومنتهى الحق، رأيت البارحة مولانا في اليقظة، وقال لي كذا وكذا، وشرحت ما رأيته في المشهد، فعجب من ذلك، وجرت منه أمور عظام حسان في هذا المعنى وبلغت منه غاية لم أظتها، وذلك ببركة مولانا صلوات الله عليه(1)

ص: 149


1- فرج المهموم ( السيد ابن طاووس): ص 245 - 247 - ودلائل الإمامة (الطبري): ص 304 - 306- وعنه في البحار: ج 95، ص 201-200، وعن النجم الثاقب، ج 2، ص 145، الطبعة الأولى.

أهالي الحلة لا يعملون بأداب المقام

اشارة

جاءت هذه الحكاية في كتاب (ریاض العلماء) حول الشيخ ابن جواد النعماني باعتباره من الأشخاص الذين تشرفوا بلقاء صاحب الزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف"حيث قال:

عندما تشرفت بلقاء الحجة "عجل الله تعالی فرجه الشریف"سألته:

هناك مقام لك في النعمانية وآخر في الحلة ففي أي وقت أنتم في النعمانية؟.. ومتى تكونون في الحلة؟

فقال - روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء .:

إنني ليلة الثلاثاء ونهار الثلاثاء في النعمانية وليلة الجمعة ونهار الجمعة في الحلة، ولكن أهالي الحلة لا يعملون بأداب المقام هناك وإذا عمل شخص بآداب مقامي وهو الصلاة على محمد وآله اثنتي عشرة مرة ويصلي ركعتين وبعد الصلاة يناجي ربه (تعالى) فإن الله (سبحانه وتعالى) يقدم له ما يطلبه منه.

فسألته: يا سيدي ومولاي: كيف هي المناجاة مع رب العالمين؟

فقال . روحي له الفداء .: قل:

اللهم قد أخذ التأديب مني حتى مسّني الضر وأنت أرحم الراحمين، وإن كان ما اقترفته من الذنوب أستحق به أضعاف أضعاف ما أدّبتني به وأنت حليم ذو أناة تعفو عن كثيرٍ حتى يسبق عفوك ورحمتك عذابك.

وكرر المهدي المنتظر هذا الدعاء لي ثلاث مرات فحفظته.

ص: 150

ويذكر المرحوم الحاج نوري أن النعمانية هي مدينة في العراق تقع بين واسط وبغداد والظاهر أنّ العالم الكامل الشيخ النعماني صاحب كتاب (غيبة النعماني) من أهالي هذه المدينة(1).

ص: 151


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 113/ الطبعة الأولى

1- مجاهد من حرب صفين في هذا العصر

يذكر هذه الحكاية المرحوم الحاج نوري في كتابه ( النجم الثاقب) نقلاً عن محيي الدين أربلي فيقول:

كنت جالساً في أحد الأيام عند والدي وكان معنا رجل بهذي بالحديث حتى وقعت عمامته من رأسه فبانت في رأسه آثار ضربات سيف. فسأله والدي: ما هذه الآثار؟

فقال: إنها ضربات سيف تعرضت لها في حرب صفين!

فقال له والدي: لقد وقعت حرب صفين في عهد أمير المؤمنين (علیه السلام) وهناك فترة زمنية طويلة تفصلنا عنها فكيف تقول أنها آثار سیف تعرضت له في حرب صفين؟

فقال الرجل: قبل عدة سنوات ذهبت إلى مصر وفي أثناء الطريق التقيت برجل من قبيلة غرة واصبحنا رفيقين في السفر وكنا نتجاذب الحديث في جميع الموضوعات حتى قادنا إلى حرب صفين، فقال الرجل:

إذا كنت موجوداً في حرب صفين لأشبعت سيفي من دماء علي (علیه السلام) وأصحابه !

فقلت له: ولو كنت في حرب صفين لأشبعت سيفي بدماء معاوية وأصحابه وبما أنناأصحابهما تعال لنتقاتل.

وفعلاً تقاتلنا وسالت منا الدماء الغزيرة حتى وقعت أرضاً مضرجاً بدمي وقد فقدت وعيي تماماً.

وبعد فترة رأيت رجلاً يوقظني برأس رمحه ففتحت عيني فرأيت فارساً قد ترجُل

ص: 152

من فرسه ومسح بيده الكريمة على جراحاتي فاندملت وشُفيت تماماً ثم قال: إبق هنا ثم ذهب. وبعد لحظات رجع وبيده رأس غريمي وبيده الأخرى رمح وقال: خذ هذا رأس عدوك، لقد دافعت عنا ونحن ندافع عنك ونحميك.

فسألته: ومن تكون يا سيدي؟

فقال: أنا الحجة بن الحسن صاحب الزمان والمهدي المنتظر، وإذا سألك أحدعن هذه الآثار؟قل إنها آثار ضربات سيف في حرب صفين. ثم غاب عن ناظري(1).

ص: 153


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 119/ الطبعة الأولى

2- وكأني لم أصب بالشلل أبدأ

جاءت هذه الحكاية في كتاب البحار للمجلسي وفي كتاب النجم الثاقب للحاج نوري وهي معروفة لدى أهالي النجف الأشرف.

وقال المجلسي خلال سياق نقله لهذه الحكاية: إن شخصاً من الثقات المعتمدين نقل هذه القصة فقال:

إن الدار القديمة التي أسكنها حالياً هي ملك الشخص من أهل الخير والصلاح يدعى حسين مدلل، وتقع هذه الدار بالقرب من الصحن الشريف لأمير المؤمنين (علیه السلام) في مكان يدعى سوباط حسين مدلل كان يعيش فيه هذا الرجل تحت ضائقة مالية شديدة هو وعياله وذلك لإصابته بالشلل مما منعه من القيام والقعود والحركة وبالتالي عدم الخروج للعمل طلباً للرزق.

وفي منتصف إحدى الليالي استفاق أولاده وزوجته على نور يسطع في الدار وعلى الجدران والسطوح وكان هذا النور شديداً جداً إلى درجة أن العين لا تستطيع التحديق به فسألوا والدهم حسين مدلل:

ما هذا النور وما هو مصدره؟ فقال:

لقد كان قبل قليل الإمام الحجة صاحب الزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف" مشرفاً داري وخرج قبل لحظة.

ثم لاحظ أولاد حسين مدلل أن والدهم معافى وهو بأحسن حال فسألوه: وكيف تم شفاؤك وقد كنت طريح الفراش؟ فقال:

عندما تشرفت برؤية بقية الله . روحي له الفداء .. قال لي: قم يا حسين مدلل.

ص: 154

قلت له: إنني كما ترى مشلول، فكيف يمكنني القيام من مكاني؟

فقال: اجلس بإذن الله. ثم أخذ بيدي وأقامني من مكاني واذا بي سليم معافی وكأني لم أصب بالشلل أبداً!

ثم قال لي (علیه السلام) : إن طريقي يمرّ من هذا السوباط حيث أذهب منه إلى حرم جدي أمير المؤمنين (علیه السلام) وعليك أن تغلق بابه كل ليلة.

فقلت له: سمعت توجيهاتكم وسمعاً وطاعة يا سيدي.

ثم قام (عليه أفضل الصلاة والسلام) من مكانه وتوجه إلى حرم أمير المؤمنين وذلك النور الذي شاهدتموه هومن أنوار العصمة والطهارة لأهل البيت (عليهم أفضل الصلاة والسلام).

ويقول المرحوم الحاج نوري: إن السوباط ما زال موجوداً، ویُعرف بسوباط حسين مدلل ويقدم الناس نذورهم للحجة بن الحسن"عجل الله تعالی فرجه الشریف" وينالون حوائجهم بإذن الله(1)

ص: 155


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 116/ الطبعة الأولى

3- عجيب ما زلت هنا ولم تذهب !!

ذُكِرت هذه الحكاية في كتاب مفاتيح الجنان ولنفس الأسباب التي ذكرت في نقل قصة الحاج علي بغدادي.

حيث قال الحاج نوري: نقل لي هذه الحكاية جناب المستطاب التقي النقي الصالح أحمد بن هاشم بن سید حسن الموسوي الرشتي التاجر المعروف والساكن في مدينة رشت أيده الله (تعالى) فقال:

في عام 1280 وبنيّة الحج في ذلك العام، توجهت من مدينة رشت إلى تبريز ونزلت في دار التاجر التبريزي المعروف الحاج صفر علي ونظراً لعدم وجود قافلة للتوجه إلى الحجاز بقيت متحيراً ماذا يمكنني أن أفعله!؟

حتى وجدت الحاج جبار جلودار أصفهاني الذي كان يقصد مدينة طرابزون فحزمت أمتعتي وتوجهت معه بعد أن استقرضت قليلاً من المال.

وفي المرحلة الأولى، التحق بنا ثلاثة أشخاص هم الحاج الملا محمد باقر تبريزي والحاج السيد حسين التاجر التبريزي المعروف والحاج علي وسافرنا معاً حتى وصلنا إلى أرضروم ومن هناك عزمنا على السير إلى طرابزون. .

وفي الطريق وفي إحدى المراحل قال لنا الحاج جبار جلودار بأن المرحلة القادمة مخيفة جداً وعلينا الحركة بسرعة لبلوغها وتخطيها والالتحاق بقافلة في الطريق.

فتحركنا بسرعة و التحقنا بالقافلة وسرنا حوالي الثلاث ساعات مع القافلة وبعد أن ابتعدنا نصف فرسخ من أحد المنازل، بدأ الجليد يتساقط بغزارة واشتد البرد والتفتّ

ص: 156

الجميع بمعاطفهم وغطوا رؤوسهم بإحكام وأوسعوا الخطى لتخطي هذه العقبة الكأداء.

وكنت أسرع الخطى لألحق بالجماعة ولكن في هذا الجو المكفهر والبرودة الشديدة،أضعت رفاقي وتخلفت وحيداً عن الركب فترجّلت عن حصاني على الطريق وكنت مضطرباً خائفاً، وجلاً من هذا المصير ولكنني فكرت بالرجوع إلى المدينة في الصباح، لأننا لم نبتعد كثيراً عنها خلال تلك الساعات القليلة العصيبة ثم أعود مع عدد من الأدلاء والمحافظين للالتحاق بالقافلة وأثناء ما كنت مستغرقاً في أفكاري نظرت حولي فرأيت بستاناً على يمين الطريق وخِلتُ أن هناك فلاحاً يجلس بين الأشجار وبجانبه الفأس وعدة الفلاحة الأخرى. ثم قام الفلاح وأخذ يضرب أغصان الأشجار ليسقط منها بقايا الثلج المتعلق بها.

ثم جاء الفلاح واقترب مني قليلاً وسألني بلغة فارسية واضحة: من تكون يا رجل؟

فقلت له: إنني أحد المسافرين ضمن القافلة وقد ضللت الطريق وذهب رفاقي.

فقال: اقرأ النافلة حتى تجد الطريق.

فشرعت في قراءة النافلة، وبعد أن انتهيت، رجع ذلك المزارع وقال لي: لماذا لم تذهب؟

فقلت: والله العظيم لا أعرف الطريق.

فقال: اقرأ الزيارة الجامعة.

ثم بدأت بقراءة الزيارة الجامعة مع أنني لم أكن أحفظها وحتى الآن لم أحفظها ولكن وبقدرة البارئ (عز وجل) قرأتها كاملة غير منقوصة وصحيحة تماماً.

ثم عاد المزارع وقال: عجيب ما زلت هنا ولم تذهب! فقلت وقد أخذتني نوبة من البكاء: أجل ما زلت هنا وما زلت أجهل الطريق.

ص: 157

فقال: اقرأ زيارة عاشوراء.

فقمت من مكاني وقرأت زيارة عاشوراء مع أنني لم أحفظها وما زلت لا أحفظها وكذلك قرأت دعاء علقمة ثم عاد المزارع مرة أخرى وسألني السؤال نفسه وقال: ما زلت هنا ولم تذهب إلى سبيلك.

فقلت: إنني باق حتى الصباح هنا.

فقال لي: إنني سوف أوصلك إلى القافلة. ثم ركب حمارأ وأركبني خلفه فسحبت الجام حصاني ليلتحق بنا لكن الحصان أحجم عن الحركة وبقي راسخاً كالطود لا حراك فيه.

فقال ذلك المزارع الكريم الشهم: أعطني لجام الفرس. فأعطيته إياه فمسكه بيده فقام الحصان وتبعنا فوراً وفي الطريق وضع الرجل يده على ركبتي وقال: لماذا لا تقرأ نافلة الليل؟ ثم كرر كلمة نافلة ثلاث مرات وسألني مرة ثانية: ولماذا لا تقرأ زيارة عاشوراء وكرر كلمة عاشوراء عاشوراء عاشوراء ثلاث مرات. وأضاف ولماذا لا تقرأ الزيارة الجامعة وكرر أيضأ جامعة جامعة جامعة.

وكان خلال الحديث يدور في المكان نفسه وفجأة أشار بيده وقال: هناك رفاقك. فنظرت إلى المكان الذي أشار إليه فوجدت رفاقي وهم جالسون على مجرى ماء عذب ومشغولون بالوضوء استعداداً لصلاة الصبح فنزلت عن الحمار وحاولت ركوب حصاني ولكنني لم أستطع ذلك، فنزل ذلك السيد الكريم عن حماره وأركبني الحصان وأدار رأس الفرس إلى جهة رفاقي.

وفي هذه الأثناء جال في خاطري السؤال الثاني:

من يكون هذا الرجل الكريم والسيد الجليل الذي يبدو عليه وكأنه فلاح، ولكن يتقن الفارسية مع أن أهالي هذه المنطقة لا يتكلمونها، كما أنه علمني وأصرّ على قراءة

ص: 158

النافلة والزيارة الجامعة وزيارة عاشوراء، مع أن جميع سكان المنطقة من الأتراك المسيحيين؟

وكيف التحقت برفاقي بتلك السرعة مع تأخيري عدة ساعات في الطريق؟

وأخيراً انتبهت أن الرجل الكريم الشهم لم يكن سوى صاحب الأمر والزمان.

أرواحنا لتراب مقدمه الفداء .. وعندما أدرت وجهي لناحية الرجل، لم أعثر على أثر اله. اللهم منع أنظارنا برؤية محياه الشريف(1)

ص: 159


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 117/ الطبعة الأولى

4- بحق الذي جننت من أجله

نقل سماحة العلامة آية الله الحاج السيد أحمد المددي (حفظه الله) عن المرحوم آية الله الحاج السيد أحمد الأردبيلي (جدّ زوجته المكرّمة) نقلاً عن أبيه بأن المرجع الورع المرحوم الحاج السيد محمد الفشاركي الأصفهاني ذكر له: رأيت في بعض الأيام شيرازياً مجنوناً يطارده الصبيان ويضحكون عليه. وبعد أيام دخلت مسجدأ للعبادة في غير وقت الفريضة، فلم يكن فيه أحد سواي، وبينما أخذت أتهيّأ للعبادة شعرت بدخول شخص إلى المسجد ، فالتفتّ وإذا به ذلك المجنون. فاستترتُ خلف عمود عريض هناك كي أراقبه ماذا يريد أن يفعل!

فرأيته أخذ ينظر إلى جوانب المسجد، وبعد أن اطمأنّ بعدم وجود أحد شرع في صلاة بخشوع وقراءة متأنية في أجزائها وأذكارها وأدعيتها كواحد من أفضل العقلاء، فكنتُ متحيّراً مما رأيته منه، كلما أمعنتُ النظر فيه لم أجد عليه أقلّ علامة للجنون. راقبته في مزيد من الدقة حتى ملكتني الدهشة. ولما انتهى وأراد أن يمشي أسرعتُ إليه، فأخذ يموّه على شخصيته الحقيقية بتصرّفات جنونية!

قلت له: يا هذا إني رأيتك منذ دخلت المسجد، فقد دلّتني صلاتك الخاشعة على أنك إنسان عاقل ولستَ كما تُظهٍر به نفسك في الطريق. قل لي لمَ تتصرف كالمجانين؟ فلم يجبني إلا بحركات جنونية أصرّ بها أن يغطّي علي شخصيته.فكلما رجوته أبى إلا إصراراً على التمويه وهو يسعى إلى التهرّب مني. وهنا قُلت له: أقسم عليك بحق الذي جننتَ من أجله قل لي الحقيقة !

بهذا القَسَم انهمرتُ دموعه وبكى... فعلمتُ أني وضعتُ إصبعي على جرحه !

ص: 160

نظر إليّ هُنيئة ثم قال: ما دمتَ قد أقسمتَ عليّ بمن جننتُ من أجله فإني أخبرك بحقيقة أمري، فلقد كنت كثير اللقاء والنظر إلى الإمام الحجة صاحب العصر والزمان (روحي فداه)، ولكن بسبب معصية صدرت مني ولّت عني هذه السعادة، ومثلي ليس له إلا الجنون تعبيراً عن شقائه وخسارته، فلقد

أصبحت الدنيا عندي بلاأهمية.

قلت: هل يمكنك الإفصاح لي عن تلك المعصية ليعتبر الناس ويرتدعون؟

قال: إني قد نظرت إلى امرأة أجنبية نظرة ريبة وشهوة. أفهل تستحق هذه العين الخائنة أن تنظر إلى جمال وليّ الله الأعظم الحجة بن الحسن عليه السلام مرة أخرى، والآن فهل تعلم خاسراً أشقى مني(1)

ص: 161


1- قصص وخواطر ... / ص 568/ قصة رقم 547

5- كم نحن عن إمامنا غافلون

يقول السيد حسن الأبطحي:

كانت العادة في أيامنا في مدينة قم أن طالب العلوم الدينية عندما يتزوج، عليه أن يترك المدرسة ويخلي غرفته منها.

فكان عليه أن يجد له بيتاً صغيراً يأوي إليه هو وزوجته وأن يهيئ غرفة للمطالعة والدرس واستقبال الضيوف، ونظراً لقلة إمكاناتنا المادية، اضطررت إلى الاشتراك مع أحد الأصدقاء من ذوي القربي في استئجار دار ذات ثلاث غرف على أن تكون إحداها للمطالعة والدرس واستقبال الضيوف.

وفي أحد أيام الجمعة حيث كنت ادرس في غرفة الضيوف، سمعت طرقاً على الباب ثم دخول صاحبة المنزل وأخذت تزعج صاحبي بالحديث المؤذي وإلقاء الحجج والذرائع الإزعاجه.

وفي مساء ذلك اليوم ذهبت مع صاحبي وأنا كسير القلب إلى مسجد جمکران للدعاء والتضرع لدى المهدي المنتظر لينقذنا من هذه الضائقة المادية.

وبعد فترة من الدعاء والتضرع والبكاء، شعرت وكأنني بين اليقظة والنوم وإذا بالحجة بن الحسن (علیه السلام) يقف أمامي ويقول:

إن الشخص الذي يريد شراء دار لك، موجودُ حالياً في غرفة الاستقبال، اذهب إلى دارك بسرعة!

ثم رجعت إلى حالتي الطبيعية فأخبرت صاحبي بالموضوع فأسرعنا سوية إلى

ص: 162

مدينة قم وذهبنا مباشرة إلى الدار ثم لاحظت غرفة الضيوف وكان الضوء فيها منيراً فسألت زوجتي: هل لدينا ضيف؟ فقال: بلى إنه فلان. وذكرت لي اسماً لأحد تجارطهران الذي كان يزورنا دائماً عندما يأتي إلى قم. ولكنه لم يكن ثرياً إلى تلك الدرجة حتى يمكنه أن يشتري لنا داراً.

وعلى أية حال دخلت وسلمت عليه ثم جئنا بمائدة الطعام العشاء وأثناء ذلك سألني صاحبي التاجر وقال: لقد سمعت بأنهم يبيعون المقابر في قم وقد أتيت اليوم لأشتري واحدة منها لأحد أقربائنا.

فقلت له: لا مانع لدي فإنني سوف أتابع الموضوع وأشتري لك مقبرة.

وفي الليلة نفسها وبعد الصلاة تضرعت إلى الحجة (علیه السلام) وقلت له: يا سيدي، يبدو بأن عمري قد انتهى وأن صاحبي يريد شراء قبرٍ لي مع أقربائه.

وفي الصباح وبعد الإفطار رأيت صاحبي التاجر وقد غيّر رأيه وقال: لا فرق للميت أن يدفن هنا أو هناك والمهم هو الأعمال الصالحة حتى يرتاح في عالم البرزخ.

ولم أعلّق على حديث بشيء !

وبدون أن أشرح له ضيق ذات اليد ومشكلة السكن التي تعاني منها، التفت إليّ وقال: أعتقد أن الحياة صعبة عليكم في هذه الدار الضيقة وخاصة مع صاحبة البيت، وقد فكرت أن أشتري داراً بأربع غرف تسكنان في اثنين منها وتبقى غرفتان لي ولعائلتي أسكن فيهما عند مجيئي إلى قم.

فقلت له: لا بأس أن تشتري بيتاً لك في قم ولكننا لا نرغب في السكن فيها وسوف نبقى في هذه الدار.

وكان السبب في جوابي هذا أن بعض أو أغلب التجار كان يشتري له داراً في قم ويسلّمه إلى أحد طلاب العلم من الروحانيين، لكنه كان يتوقع من ذلك الروحاني أن

ص: 163

يستضيفه في أي وقت يأتي فيه إلى قم، وكانت العادة أن يأتي ذلك التاجر وغيره أغلب أيام الأسبوع نظراً لوجود بیت له في هذه المدينة المقدسة.

وعلى أية حال فإن ضيفي قال في النهاية: إذا وجدتما بيتاً مناسباً أرجو إخباري بذلك. ثم ودعنا ورجع إلى طهران.

أما أنا فقد أصبت بخيبة أمل بعد أن سمعت مرة شراء مقبرة ثم شراء دار لنكون فيها كالحراس وأخيراً مسؤولية شراء دار لآخر لا ناقة لنا فيها ولا جمل!

فأخذت أبكي وألوم صاحب الزمان"عجل الله تعالی فرجه الشریف" على هذه النهاية المشؤومة، وبعد عدة ليال رأيت في المنام أحد التجار وقد جاء بلباس بسيط وناداني قائلاً: تعال نذهب لنرى أحد البيوت فإذا أعجبك اشتريته لك. فذهبنا سوية إلى تلك الدار وكانت ذات ست غرف، فأعجبتني وقلت ذلك للتاجر فاشتراها لي.

وعندما أفقت من النوم، قصصت الحلم على صاحبي ففسره بأننا سنكون من أصحاب الدور إن شاء الله.

وفي اليوم التالي وصلتنا رسالة من ذلك التاجر الصديق من طهران يذكر فيها بأن هناك داراً أوصافها كذا وفي المحلة الفلانية فاذهبا فإن راقت لكما، اكتبا لي بذلك حتى آتي إلى قم لشرائها.

والغريب في الأمر عندما وصلنا إلى ذلك الشخص الذي ذكر اسمه التاجر ليأخذنا إلى الدار، وجدته هو نفسه الشخص الذي رأيته في المنام! وقلت لصاحبي: إذا كانت الدار هي نفسها التي رأيتها في المنام فسوف نكون من أصحاب الدور إن شاء الله.

وعندما وصلنا إلى الدار، وجدتها نفس الدار وفيها ست غرف وأوصافها مطابقة لتلك التي في المنام.

لكن صاحب الدار طلب منا مبلغاً كبيراً من المال ولم نتفق عليه. ثم قال التاجر

ص: 164

الذي صحبنا إلى تلك الدار:

لا بأس إن صاحب الدار طمّاع والدار لا تساوي تلك القيمة وسوف أصحبكم إلى أخرى.

فقلت لصاحبي: أعتقد أن هذه الدار هي التي سوف نشتريها ولكن كيف؟ لا أعلم. وعلى أية حال تركنا الموضوع إلى يوم آخر.

وفي صبيحة اليوم التالي وعندما كنا في حرم المعصومة (علیها السلام)، رأينا صاحب الدار ذات الغرف الست فقال:

لقد بحثت عنكما منذ يوم أمس لأبيع لكما الدار لأن زوجتي رأت في المنام سيداً يقول لها: لماذا لم تبيعوا الدار لأولئك الطلبة الروحانيين وأنا الآن مستعد لبيع الدار بأي سعرتشاؤون.

فقلت له: إننا لا نشتري الدار لأنفسنا وإنما نشتريها لذلك التاجر الذي أوصانابشراء الدار.

فقال صاحب الدار: إذا كان الأمر كذلك فإنني لن أبيع الدار لذلك التاجر لأن زوجتي رأت في الحلم سيداً يقول لها: لماذا لا يبيع زوجك الدار إلى أولئك الروحانيين الطلبة!

ثم رجعنا إلى ذلك الشخص الذي عرفنا بصاحب الدار وشرحنا له الحكاية فقال:

ليس الأمر كذلك، لأن التاجر الفلاني في طهران لم يشأ أن يشتري الدار لنفسه بل أوصاني بأن أشتريها لكما!

ثم كتب رسالة إلى ذلك التاجر فجاء إلى قم واشترى لنا الدار ولكنني كنت عفيف النفس وأبيّاً، فرفضت أخذ الدار مجاناً لكنه قال: إن الأموال التي اشتريت بها الدار ليست أموالي وان الشخص الذي أعطاني إياها لا أعرفه وكذلك لا تعرفه أنت؟!

ص: 165

فعجبت من هذه القصة وقلت له: هل هذه رواية أم أحجية؟ فقال: كلا عليكما تقديم الشكر إلى صاحب الزمان"عجل الله تعالی فرجه الشریف". وعندما ذهبنا إلى مسجد جمکران، وجاءتني الحالة نفسها وإذا بي أنا بين اليقظة والمنام أرى الحجة بن الحسن فسألته: إذا كنت تريد شراء دار لنا فلماذا أشعرتنا بخيبة الأمل حيث في البداية كانت قصة المقبرة ثم شراء دار لتاجر حيث نكون كالحراس فيها وأخيراً شراء الدار لنا؟ فقال:

لوكنت أعطيتكم الدار مباشرة، لما كنتم تشعرون بقيمتها بعد هذه المعاناة ، وشعرتم بالفرح كما أنتم الآن مسرورون.

صدق صاحب الزمان - روحي وأرواح العالمين له الفداء -.

ومن ما ذكره أيضاً السيد الأبطحي قال:

كان عام 1361 شمسي هجري الموافق 1982 ميلادي عام اغتيال العلماء والثوريين في إيران وكانت الاضطرابات قد عمّت البلاد وانفقد الأمن وبسبب تهديدي من قبل بعض المنافقين وعدم وجود وسائل الدفاع لدي، وسكني في منطقة تفتقد الأمان نوعاً ما، أصابني الهلع والفزع لمدة ثلاثة أيام بلياليها وكلما ألهمت نفسي بالتوكل على الله تعالى أن يزيل عني ذلك الرعب، لم يتم ذلك حتى كانت الليلة الثالثة وهي ليلة الجمعة حيث أصابني القلق الشديد إلى درجة أنني لم أشعر بمثله طيلة حياتي وقد جفا النوم عيني، ولكنني كنت لا أظهر هذا الخوف لأحد حتى لزوجتي، وقد قطعت أسلاك الهاتف حتى لا يهددني أحد المنافقين فيصيبني المزيد من القلق والإرهاق النفسي.

ثم رغبت في الاتصال بأحد الأصدقاء فوصلت الأسلاك وقبل لحظة من رفع السماعة لطلب رقم ذلك الصديق، دق جرس الهاتف فرفعت السماعة وقلت: من المتكلم؟

فقال: أنا فلان.

فقلت: أهلاً يا صديقي، من أين تتصل بي؟

ص: 166

قال: أهتف إليك من قم من مسجد جمکران (وكنت حتى تلك الليلة أجهل وجود الهاتف في مسجد جمکران).

فسألته: وهل يوجد هاتف في مسجد جمکران؟

فقال: نعم وهذا رقم الهاتف، ثم أعطاني الرقم.

وأضاف: لقد حضر هذه الليلة أحد معارفك ومثُل بين يدي بقية الله، - أرواحنا له الفداء - فقال الإمام الغائب"عجل الله تعالی فرجه الشریف": إن سيد أبطحي يعيش الآن في لحظات الخوف والفزع، فقل له أن لا يقلق ولا يحزن فإننا ندفع عنه البلاء ونحفظه بإذن الله وإذا لم يذهب قلقه عن طريق الحديث بالهاتف، قل له أن يسافر إلى مشهد للتخلص من هذا القلق والخوف.

وعندما سمعت هذه الكلمات من صاحبي، أصابتني موجة من البكاء وقلت في نفسي: كم نحن عن إمامنا غافلون؟! وهو دائماً يفكر فينا، يفكر حتى بي أنا المذنب الغافل الجاحد. وبعد لحظات شعرت براحة البال والهدوء التام وزال عني القلق والتخوف.

ثم أجبته بالهاتف: إنك بهذا الاتصال قد أزلت قلقي ونظراً لاهتمام صاحب الزمان بالعلماء فإنني الآن مستعد لجميع المخاطر وقد تملكتني الثقة والشجاعة.

ثم قلت له: لماذا لا تزورنا في مشهد وتتشرف بزيارة الإمام علي بن موسى الرضا(علیه السلام).

فقال: كلا لا يمكنني ذلك وإن مهمتي تنحصر في إعلامك الموضوع.

لقد ازدادت علاقتي وحبي بالمهدي المنتظر بعد هذا الاتصال الهاتفي وحتى زوجتي التي كانت دائما ترى الحجة"عجل الله تعالی فرجه الشریف" في اليقظة والمنام، لم تعرف ما لي ولكنها كانت تشعر بالقلق تجاهي وبعد ذلك الاتصال الهاتفي مع بقية الله، - روحي له الفداء - قال:

ص: 167

عندما انتهيت صباح اليوم من صلاة الصبح وأثناء قراءتي لزيارة صاحب الزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف" تراءى لي أن عدداً من الأقوياء هجموا عليك وإذا بالحجة المنتظر قد وقف أمامهم وقال: من كان يجرؤ على الهجوم عليه فليتقدم. ثم رأيت أولئك العمالقة قد انحسروا قليلاً قليلاً حتى بدوا وكأنهم أصغر من الأقزام ثم تلاشوا عن ناظري(1)

ص: 168


1- اللقاء مع صاحب الأمر: ص 35 - 41. وجنة المأوى، ص 313، قصة رقم 130. الطبعة الأولى

6- وسقاهم ربهم شرابا طهورا

كتب المرحوم الشيخ الحر العاملي العالم الكبير صاحب كتاب (وسائل الشيعة) وكتب علمية أخرى، كتب في سفره العتيد (إثبات الهداة) فقال:

أصبت في طفولتي وأنا في سن العاشرة من عمري بمرض شديد، بحيث عجز الحكماء وأطباء ذلك الزمان عن شفائي. كما تجمع أهلي وأقاربي حول سريري وهم يبكون ويتضرّعون إلى الله وكانوا على يقين بأنني مفارق الحياة لا محالة.

في تلك الليلة رأيت النبي الكريم (صلی الله علیه و اله) واثني عشر إماماً (علیهم السلام) وهم يحيطون بسريري، فسلمت عليهم وصافحتهم فرداً فرداً ثم بدأ نقاش بيني وبين الإمام الصادق (علیه السلام) ولكنه لم يبق منه شيء في خاطري ولكني أذكر فقط بأنه دعا لي بالشفاء. وعندما صافحت بقية الله . أرواحنا لتراب مقدمه الفداء .، أخذتني نوبة من البكاء وقلت له: يا سيدي وإمام زماني أنا خائف أن أغادر هذه الدنيا وأنا لم أتعلم شيئاً من علومكم ولم أعمل بها. فقال: لا تخف فإنك سوف لن تموت بهذا المرض وإن شاء الله (سبحانه وتعالى) سيشفيك منه ويهبك عمراً مديداً، ثم قدّم لي صحناً كان بيده الشريفة وهو مليء بالماء وقال: اشرب، فشربت منه وشعرت فوراً بالصحةوالعافية والشفاء وقد ارتفع المرض تماماً عني وأصبحت معافي وبصحة جيدة.

أما أهلي وأقاربي فقد عقدت الدهشة ألسنتهم لأنهم كانوا يتصورون موتي بين لحظة وأخرى !

ولم يهدأ لهم بال حتى قصصت عليهم تلك الحكاية(1)

ص: 169


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 122/ الطبعة الأولى

7- ذلك من الأسرار المكتوبة

جاء في كتاب (النجم الثاقب) أن المرحوم العالم الجليل السيد آخوند ملاّ زين العابدين سلماسي أحد تلامذة السيد بحر العلوم نقل الحكاية التالية فقال:

كنا حوالي المائة شخص ندرس عند الآية الإلهية والسيد السند والعالم المسدد فخر الشيعة العلامة الطباطبائي بحر العلوم (قدس سره) في بيته في النجف الأشرف، عندما دخل العالم المحقق المرحوم الميرزا القمي صاحب القوانين، إلى الديوان قادماً من إيران لزيارة السيد بحر العلوم وزيارة العتبات العالية في النجف الأشرف والتشرف بالذهاب إلى مكة المعظّمة.

وعندما لاحظ الطلاب دخول هذا العلامة العظيم وجلوسه مع السيد بحر العلوم،تفرّقوا لعلمهم بأن الدرس لم يتم اليوم لحضور هذا الضيف الجليل، عدا ثلاثة من العلماء المتّقين المجتهدين كما إنني بقيت معهم وعندما فرغ المجلس من الطلاب وبقينا وحدنا قال الميرزا القمي للسيد بحر العلوم: بما أنك فزت بالمرتبة العالية من حيث الولادة الجسمانية والروحانية من أهل بيت النبوة والعصمة ونجحت في التقرب المكاني والظاهري وقد أتيت إليك من مسافة بعيدة، لذا أرجو أن تتفضل علي بصدقة من تلك النعم والآلاء التي أسبغها الله وأهل البيت عليك.

فقال السيد بحر العلوم ودون أن يتباطأ: لقد ذهبت الليلة الماضية إلى مسجد الكوفة من أجل صلاة النافلة وقررت أن أعود إلى النجف الأشرف في الصباح الباكر حتى أصل إلى المدرسة وأواصل التدريس والبحث.

وعندما خرجت صباحاً من مسجد الكوفة شعرت برغبة شديدة لزيارة مسجد

ص: 170

السهلة، ولكنني انصرفت عن هذه الفكرة خوفاً من تأخيري لأداء دروسي في النجف لكن شوقي إلى مسجد السهلة ازداد لحظة بعد أخرى.

وفي هذه اللحظات التي كنت متردداً فيها، وإذا بعاصفة رملية شديدة دفعتني إلى مسجد السهلة ولم تمض دقائق معدودات حتى وجدت نفسي عند باب المسجد فدخلت المسجد ولم أجد زائراً واحداً وفقط كان هناك وجوده المقدس . أرواحنا له الفداء .، مشغولاً بالزيارة والدعاء والبكاء والمناجاة وكان في صوته تهجد مرتجف مما جعل قلبي ينفطر من التأثر لمناجاته فأخذتني أيضاً موجة من البكاء وارتجفت أوصالي لتلك الكلمات التي لم أسمع مثيلاً لها في كتب الأدعية، فعلمت أنه (عليه أفضل الصلاة والسلام) يقول تلك الكلمات من عنده ولم تكن نوعاً من الأدعية المعروفة.

ولما انتهى من مناجاته، التفت إليّ وقال بلسان فارسي فصيح: مهدي تعال إليّ. فتقدمت قليلاً ووقفت مكاني ثانية. فقال أيضاً: تقدّم أكثر يا مهدي إن الطاعة نوع من الآداب، فتقدمت أكثر فأكثر حتى أمسك بيدي ومسكت يده الشريفة وقال لي شيئاً.

(هنا قطع السيد بحر العلوم كلامه في هذا الموضوع) وانشغل بالإجابة على سؤال الميرزا قمي الذي سأله في بداية الحديث ثم أوضح بعض المسائل الدينية له.

لكن الميرزا في نهاية كلامه سأله:

وماذا قال لك بقية الله. أرواحنا له الفداء .؟

فقال السيد بحر العلوم: ذلك من الأسرار المكتوبة(1)

ص: 171


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 124/ الطبعة الأولى

8- أثناء الصلاة

نقل المرحوم الحاج نوري في كتابه (النجم الثاقب) عن العالم الجليل الآخوند الملا زین العابدين بن سلماسي تلميذ وحافظ أسرار السيد بحر العلوم أنه قال: تشرّفنا في خدمة السيد بحر العلوم في الحرم المطهر للإمامين العسكريين في سامراء.

ثم اجتمعنا مجموعة من أهل العلم للصلاة خلف السيد بحر العلوم وفي الركعة الثانية وبعد التشهد الأول وأثناء ما أراد أن يقف ويستقيم للركعة الثالثة، أخذته حالة من التوقف والجمود لعدة لحظات، ثم قام للصلاة.

وبعد انتهاء الصلاة أخذنا العجب والتعجب! على تلك الوقفة القصير في الصلاة ! ولكن أحداً لم يجرؤ أن يسأل السيد نفسه.

وبعد أن رجعنا إلى الدار وأثناء تناول الطعام، أشار إليّ بعض السادة العلويين أن اسأله سبب توقفه في الركعة الثانية فقلت له:

أنت أقرب إليه فلماذا لا تسأله؟

ثم انتبه السيد بحر العلوم (رضوان الله تعالى عليه) إلى أحاديثنا فقال: ماذا تقولون؟

ولما كنت أكثرهم انفتاحاً للعالم الجليل، انبريت قائلاً:

إن هذا السيد يريد معرفة سبب توقفكم عند نهاية التشهد الأول.

فقال (رضوان الله تعالى عليه): أثناء أدائي للصلاة، رأيت صاحب الزمان .

ص: 172

أرواحنا لتراب مقدمه الفداء .، دخل الحرم الشريف لزيارة مرقد جده عليه أفضل الصلاة والسلام، وعندما رأيت جمال وجوده المقدس، أخذتني موجة من الانبهار وبقيت على تلك الحالة حتى خرج من الحرم الشريف (علیه السلام)(1)

ص: 173


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 126/ الطبعة الأولى

9- المعارفُ القرآنيّة أم الفلسفة البشريّة

من المعروف عن المرحوم آية الله العظمى الميرزا مهدي الأصفهاني العارف القرآني الكبير أنه أرسى دعائم التجديد العقائدي في الدروس العلمية في حوزة مشهد المقدسة بناءاً على التعبّد بالمعارف القرآنية وتعاليم أهل البيت عليهم السلام وحذف المعارف المستفادة من الفلسفة البشرية، علماً أنه كان بنفسه قطباً في العلوم الفلسفية، ولما أدرك تناقضها مع روح القرآن و معارفه في أكثر من موضع قرّر أن يتراجع عنها وينقدها وينتصر للمعارف القرآنية من رؤية أهل البيت عليهم السلام وتفسيرهم للقرآن، ولقد أنقذ نفسه من الحيرة بين الاستمرار في مألوفاته الفلسفية ومأخوذاته منها أو التعبد الخالص لإرشادات أهل البيت عليهم السلام وذلك بذهابه إلى مسجد ( السهلة) وتضرّعه إلى الله تعالى للقاء بالحجة عليه السلام والسؤال منه عمّا هو الصواب من الطريقين.

نقل آية الله المروارید (حفظه الله) وهو من أكابر العلماء والُمجتهدين في حوزة مشهد المقدّسة وكان من تلامذة الميرزا مهدي الأصفهاني قدس سره: بأن أستاذه بعد أيام من التضرع لله والتوسُّل إليه وإطالة السجود ببكاء وخشوع سمع من يناديه: يا مهدي ماذا تريد؟

فرفع رأسه من الأرض التي كان قد ابتلّت من شدّة دموعه وإذا برجل ساطع الوجه واقفُ بجانبه، فأخبره الميرزا مهدي الأصفهاني عمّا يعانيه من شدةالحيرة بين الأخذ بالنظريات الفلسفية المتداولة في بعض الأوساط العلمية وبين التسليم المعارف القرآن الحكيم وعدم تأويل ما يناقض منها تلك النظريات الفلسفية المستوردة.

يقول الميرزا: فاراني الرجل ورقة مكتوب فيها بخط من النور (طَلَبُ المعارفِ من

ص: 174

غَيرِنا مُساوِقُ لإنكارنا ) وفي الطرف الآخر منها مكتوب (وقد أقامني الله وأنا الحجة بن الحسن) ثم غاب عليه السلام، وهناك استبصر الميرزا مهدي في أمره ونجا من حيرته، ولا شكّ أنّ تحوّل رجل فقيه من مدرسةٍ فكرية معينة إلى مدرسة أخرى أمرُ عظيمُ لا يقدر عليه الآّصاحب إرادة قوية يمزّق بها جميع علائقه السابقة ليبني على أنقاضها علائق جديدة.

وهكذا كانت فاعلياته التربوية تطبيقاً خالصاً للحديث المروي عن الإمام الرضا عليه السلام: «رحم الله عبداً أحيا أمرنا..»

فقيل له: كيف يُحيا أمركم؟

قال: «يتعلم عُلومنا ويعلّمها الناس، فإن النّاس لو علموا محاسن کلامنا لاتّبعونا»(1)

والغريب أنّ ثلّةُ من كبار علماء الحوزة في مشهد المقدسة اتّبعوه بقناعة تامة، ولم يكن يستمع إليه عالم لمرّة واحدة حتى يتخلّى عن أفكاره السابقة ويتبع مسلك الأستاذ، ولم يجذبهم إليه علمه الواسع بالقرآن ومعرفته بعلوم الأئمة عليهم السلام فقط، بل وقوّة بيانه وقمّة أخلاقه وشدّة ورعه وما يترك ذلك من آثار نورانية على كلماته وتصرّفاته.

ويواصل آية الله المروارید (حفظه الله) الذي كان يحدّثنا عن أستاذه بحضور أخي الفاضل سماحة السيد حسين المدرّسي (دام عزّه) قائلاً: حينما كسب الميرزا مهدي الأصفهاني غالبية علماء الحوزة إلى مدرسته المعارفية رفع ضدّه أحد علماء تیّار الفلسفة راية المخالفة، فما كان يزهد في الكلام على أستاذنا وتحجيم نبوغه والتقليل من شأنه، بينما أستاذنا لّما أخبرناه بموقف الرجل ابتسم قائلاً: إنه رجل صالح، لأنه اكتفى بنقدي ولم يكفّرني!

وبينما كان مثل هذا المعارض كان هناك معارضُ آخر ممّن يرتوي الإخلاص

ص: 175


1- عيون أخبار الرضا: ج1 ص 217

ويتواضع للحق واسمه (آقا بزرك حكيم) يعتبر من أعاظم أساتذة الحوزة آنذاك، يقول الأستاذ محمد رضا الحكيمي في دراسة علمية نشرتها جريدة كيهان الواسعة الانتشار وطبعها مركز الدراسات الإسلامية في حوزة قم المقدّسة تحت عنوان ( مكتب تفكيك ) : ذهبت مع اثنين من زملائي للقاء بآية الله الحاج الشيخ محمد باقر محسني الملايري في قم المقدسة، فتحدث لنا عن فترة دراسته في حوزة مشهد عند أستاذه (آقا بزرك حكيم) وكانت فترة ظهور الميرزا مهدي الأصفهاني على مسرح الحوزة واكتساحه الساحة العلمية هناك، وهما (أي أستاذه والميرزا مهدي) بسبب كونهما على غرار واحد في العمر والموقعية يُعتبران حسب العرف الحوزوي عالمين متنافسين.

سألته . والكلام للأستاذ محمد رضا الحكيمي .: هل كانت لديك علاقة بالميرزا مهدي وأنت تتلمذ عند ندّه ومنافسه؟

قال: نعم. ثم فصّل قائلاً: كنت أحضر دروس (آقا بزرك حكيم) فذات مرة سألني الشيخ هاشم القزويني (وهو من أبرز تلامذة الميرزا وكان بنفسه من كبار العلماء وأكبر منه ستّاً) لماذا لا تحضر أيضأ دروس الميرزا؟ وكان يصرّ علىّ أن أحضر ولو درساً واحداً.

قلت له: إنّ أستاذي . يعني آقا بزرك حكيم . أراد مني أن لا أحضر درس أحدٍ غيره.

قال لي الشيخ: حاول أن ترضي أستاذك وتحضر درس الميرزا بأي شكل من الأشكال.

بعد هذا الإصرار من الشيخ هاشم القزويني استجزت من أستاذي وحضرت درس الميرزا، وكان موضوع الدرس في ذلك اليوم يدور حول كيفية تحصيل العلم للنفس ووجه التمايز بين حقيقة العلم وحقيقة النفس، وكلامُ عميق وطويل في المسألة العلمية.

وذهبت بعد الانتهاء إلى استاذي (آقا بزرك حكيم) ونقلت له ما ألقاه الميرزا مهدي الأصفهاني في الدرس.

ص: 176

بمجرد أن استمع أستاذي إلى هذه الأفكار قال عنها: إنها لأفكار (عرشيّة)! أفكار في غاية الأهمية. لم أكن قد سمعتها من قبل، داوم على الحضور في دروس الميرزا وانقلها لي باستمرار.

أجل، هكذا هم المتعطّشون للحقائق والمتواضعون بإخلاص لأسرار المعارف القرآنية. وكانت وفاة هذا العالم المعلم الميرزا مهدي الأصفهاني قدس سره في يوم الخميس (19/ ذي الحجة / 1365ه) بعد استحمامه واستعداده الكامل للقاء ربه، ولقد شيّعته أيادي آلاف المؤمنين والسادة العلماء في مدينة مشهد المقدّسة إلى مثواه في دار الضيافة قرب مرقد الإمام الرضا عليه السلام(1)

ص: 177


1- قصص وخواطر.../ ص 573/ قصة رقم 551

10- من كان هذا السيد؟؟

يروي العلامة الحاج نوري في كتابه (النجم الثاقب) أن السيد جعفر بن العلامة الكبير والفطحل العظيم السيد باقر قزويني المعروف بالكرامات الباهرات قال:

كنت ذاهباً مع والدي إلى مسجد السهلة وعندما اقتربنا من المسجد قلت لوالدي:

هناك الكثير من الأقوال تتكهن بأن من يزور مسجد السهلة أربعين ثلاثاء من كل أسبوع فإنه يرى الحجة بن الحسن "عجل الله تعالی فرجه الشریف"فهل لهذه الأحاديث أصل أو حقيقة يا أبي؟

أو ربما تكون هذه الأحاديث غير صحيحة.

فانفعل والدي من الغضب واكفهر وجهه وهو يقول:

لماذا لا يكون لهذه الأحاديث من أساس؟ إذا أنت لم ترَ شیئاً فهل معنى ذلك أن لا أساس له؟

وأخذ يوبّخني إلى درجة أنني ندمتُ على سؤالي.

وفي هذه الأثناء وصلنا إلى المسجد ودخلنا في ساحته، ولم يكن أحد فيه ولكن بعد أن توسط والدي المسجد ووقف ليصلي صلاة الاستغاثة، جاءه شخص منمقام صاحب الزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف"وسلم عليه وصافحه ثم رجع إلى المقام.

فسألني والدي: من كان هذا السيد؟

فقلت له: وهل تقصد بأنه صاحب الزمان؟

فقال: ومن يكون غيره؟؟

فعجبت من الأمر وأسرعت في أعقابه عند باب المقام وداخله وفي أروقة المسجد والمقامات الأخرى وخارجه، لكنني لم أجد له أثراً(1)

ص: 178


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 127/ الطبعة الأولى

11- إثبات حضوري

يعتبر المرحوم آية الله العظمى السيد أبو الحسن الأصفهاني من المراجع العليا في زماننا.

وكان (رضوان الله تعالى عليه) كثيراً ما يصل لخدمة صاحب الزمان"عجل الله تعالی فرجه الشریف". والحكاية التالية هي إحدى تلك اللقاءات التي تشرف بها السيد أبو الحسن الأصفهاني مع الوجود المقدس لصاحب الأمر والزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف".

ونقل هذه الحكاية العلامة المتتبع الحاج السيد حسن میرجهاني في كتاب (کنزالعارفين) فقال:

كان أحد علماء اليمن واسمه بحر العلوم يراسل العديد من علمائنا في النجف طالباً منهم إثبات الوجود المقدس لبقية الله في أرضه (علیه السلام).

وكان السيد بحر العلوم زيدياً «غير السيد مهدي بحر العلوم المعروف (قده)»غير مصدق بوجود الحجة"عجل الله تعالی فرجه الشریف"، فكتب له العلماء الأعلام رسائل عديدة وشرحوا له إثبات وجوده ولكنه لم يقتنع حتى كتب رسالة إلى المرجع الأعلى للشيعة آنذاك السيد أبو الحسن الأصفهاني (رضوان الله تعالى عليه) يطلب منه إثبات ذلك.

وفي جوابه، قال السيد أبو الحسن الأصفهاني للسيد بحر العلوم، إذا أردت إثبات ذلك والتأكد من الوجود المقدس لصاحب العصر فعليك المجيء إلى النجف الأشرف أثبت لك ذلك حضورياً، وبعد عشرة أشهر، وصل بحر العلوم وابنه وعدد من أتباعه إلى النجف الأشرف وزاروا السيد أبا الحسن وهناك طلب منه بحر العلوم أن يثبت له وجود الإمام الغائب بعد أن حضر شخصياً إلى النجف مع ابنه.

ص: 179

فقال له المرحوم السيد أبو الحسن الأصفهاني:

تعال غداً أنت وابنك إلى داري حتى أعطيك جواب سؤالك.

ثم جاء بحر العلوم وابنه وبعض أتباعه وبعد تناول العشاء والأحاديث الدينية وانصراف الضيوف وانتصاف الليل، قال السيد أبو الحسن إلى خادمه مشهدي حسين، هات المصباح معك ووجه كلامه للسيد بحر العلوم وابنه وقال لهما: اتبعاني.

ثم أضاف السيد میرجهاني: كنت أحد الذين بقوا بعد انصراف الضيوف فأردت أن أذهب مع السيد أبو الحسن لكنه قال لي: يجب أن تبقى هنا ويأتي معي فقط بحر العلوم وابنه.

ثم ذهب الثلاثة في تلك الليلة المظلمة ولم نعرف وجهة سيرهم ولا إلى أين ذهبوا.

وفي الصباح عندما التقيت بحر العلوم، سألته عن أحداث الليلة الماضية قال: الحمد لله لقد تشرّفنا ليلة أمس بخدمة ولي العصر"عجل الله تعالی فرجه الشریف"وأصبحت من المعتقدين بوجوده المقدس. فسألته: وكيف ذلك؟

فقال: لقد أراني السيد أبو الحسن الأصفهاني الحجة بن الحسن (علیه السلام).

فسألته: وكيف كان ذلك؟

فقال بحر العلوم: عندما تركنا الدار لم ندرِ إلى أين وجهتنا حتى وصلنا إلى وادي السلام، وفي وسط الوادي دخلنا مكاناً قال إنه مقام صاحب الزمان"عجل الله تعالی فرجه الشریف".

وعندما وصل السيد أبو الحسن إلى باب المقام، أخذ المصباح من خادمه مشهدي حسين ودخل منفرداً إلى المقام ثم أشار إليّ أن أدخل معه ثم توضأ وبدأ بالصلاة وصلى أربع ركعات ثم قال شيئاً لم نفهمه ولكن شاهدت فجأة أنواراً خاطفة وقد غمر المكان نور ساطع.

ص: 180

وهنا يكمل الحكاية ولده فيقول:

كنت في هذه اللحظات خارج المقام ولكنني بعد دقائق سمعت صيحة عظيمة من قبل والدي ثم أغمي عليه فتقدمت قليلاً فوجدت السيد أبا الحسن الأصفهاني مُسَنّد كتفيه حتى استفاق من غيبوبته فقال مباشرة: لقد رأيت ولي العصر والزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف"وأصبحت من شيعته الإثني عشرية، ولكنه لم يزد شيئاً على هذا الكلام ولم يوضح لقاءه بالحجة"عجل الله تعالی فرجه الشریف"ثم عدنا إلى اليمن بعدة عدة أيام وتشيع أكثر من أربعة آلاف من أتباعه(1)

ص: 181


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 128/ الطبعة الأولى

12- ليلة عجيبة

كتب الحاج نوري في كتابه (النجم الثاقب) أن العالم الجليل والفاضل النبيل الصالح العادل الذي قلَّ نظيره الحاج الملا محسن أصفهاني والذي جاور سید الشهداء في كربلاء وعُرف بالأمانة والديانة والإنسانية ومن أئمة الجماعة الموثوقين قال:

في إحدى ليالي الجمعة ذهبت مع أحد الطلاب إلى مسجد الكوفة وكان التردد على هذا المسجد في تلك الأيام ضرباً من المجازفة لكثرة قطّاع الطرق المتشردين حول المسجد وبالقرب منه.

وعندما دخلنا المسجد لم يكن فيه سوی طالب علم واحد وهو مشغول بالعبادة والصلاة.

ثم بدأنا بأعمال مسجد الكوفة وبعد الانتهاء منها، أغلقنا باب المسجد ووضعنا خلفه كل ما وقع في أيدينا من الصخور والأحجار كي لا يستطيع أحد أن يفتحه من خارج المسجد، ثم جلستُ مع صاحبي على دكة القضاء واستقبلنا القبلة وشرعنا بقراءة الأدعية والصلوات.

وكان ذلك الشخص الوحيد الموجود في المسجد قد جلس هو الآخر قرب باب الفيل وبدأ بقراءة دعاء كميل. وكان الجو بارداً نوعاً ما، والسماء صافية وقد اكتمل البدر تماماً فأضفت أشعته الباهتة على المكان نوعاً من القدسية والخشوع والرهبة.

ثم انتبهنا واذا برائحة عطرٍ عبقة زكية تتُمَّ فضاء المسجد وهي أطيب من المسك والعنبر.

ثم رأيت شعاعاً من النور عمر السماء وتغلب على ضياء القمر الباهت، وسكت ذلك

ص: 182

الطالب في الحوزة الذي كان يقرأ دعاء كميل بصوتٍ عالٍ:

ودخل في هذه الأثناء شاب مهيب تبدو عليه شمائل الأبهة والعظمة، من ذلك الباب الذي أغلقناه ووضعنا الأحجار خلفه، وكان هذا السيد الجليل يرتدي ملابس أهل الحجاز ويضع شالاً على كتفه. ثم توجه بوقار وجلال إلى ضريح مسلم بن عقيل (علیه السلام) ونحن مبهوتين من جماله وجلاله وروعة شمائله وعندما وصل إلينا، سلم علينا ومع أن لساني قد انعقد من الدهشة فقد حاولت رد السلام عليه، أما صاحبي فقد تجمد في مكانه ولم يستطع حراكاً أو سلاماً.

ولما اختفى في مسجد مسلم بن عقيل، رجعنا إلى حالتنا العادية فأخذنا نتساءل من يكون هذا الشخص العظيم الذي أثّر علينا ذلك التأثير؟ وكيف دخل المسجد وقد أغلقنا وأحكمنا أبوابه؟ ولمعرفة المزيد عن هذا الشخص تبعناه إلى داخل مسجد مسلم بن عقیل (علیه السلام).

وعندها شاهدنا طالب الحوزة العلمية جالساً على الأرض وقد مزق ثيابه وهو يلطم ويبكي كالثكلى فسألناه: ما بك يا رجل؟ فقال:

لقد قضيت أربعين ليلة أربعاء في هذا المسجد معتكفاً على أمل أن أوفق لزيارة ورؤية إمام عصرنا وولي أمر المسلمين وأخيراً عندما شاهدته هذه الليلة ووصل إليّ بكل عظمته وهيبته ووقاره وسلّم عليّ، لم أستطع جوابأ وقد تسمرت في مكاني فسألني ماذا تريد أيها العبد الصالح؟

فلم أستطع جواباً وبقيت كالمسحور ساكتاً بلا حراك !ثم تبسم تلك البسمة الإلهية ورحل.

وعندما رجعنا ودققنا في باب المسجد الذي أغلقناه، وجدناه مغلقاً كما كان والأحجار خلفه منضدة(1)

ص: 183


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 131/ الطبعة الأولى

أتفكر أنه لا صاحب لنا؟!

اشارة

نقل حجة الإسلام والمسلمين أحمد قاضي الزاهدي في كتابه بالفارسية (شيفتكان إمام مهدي) . وهو جامع قصص عن عشّاق المهدي صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه) - نقل عن المرحوم آية الله الحاج السيد محمد كاظم القزويني رحمه الله أنه قال: في سنة (1392ه) أوكَلَ إليّ أحد مراجع الدين في كربلاء أن أدفع رواتب شهرية الطلبة العلوم الدينية، فصادف ليلة أوّل الشهر ليلة الجمعة ولم يكن لديَّ مالُ لأزوّعَه على الطلبة، وكان المبلغ المطلوب لهذا الغرض حدود الف دينار عراقي (وهو مبلغ كبيرُ بالنسبة لتلك الأيام). فكّرت ممّن أستدين الآن حتى أسدّد له فيما بعد، فلم أجد من أستدين منه، سيّما أنِّ البعض كان يطلب ضماناً لاسترجاع ماله. فكتبت عريضةً أخاطبُ بها الإمام المهدي عليه السلام بهذا المضمون: (إن كانت قصة المرحوم آية الله العظمى السيد مهدي بحر العلوم في مكّة المكرمة صحيحة فحوّلوا إلىّ هذا المبلغ).

رميتُ هذه العريضة في ضريح الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام وفي الصباح بين الطلوعين جاءني أحد تجّار بغداد إلى المنزل، تناولنا فطور الصباح معاً ثمّ قدّم لي ألف دينار بالضبط !

فاعترتني حالة غريبة من الوَجدِ والسرور وخاطبت الإمام المهدي صاحب الزمان فوراً: (سيدي لم تنتظر حتى تطلع الشمس هكذا سارعت إلى استجابة الطلب).

أجل هكذا يُسعِف الإمام صاحب الزمان عليه السلام أصحابه المخلصين في

العقيدة والولاء(1)

ص: 184


1- عیون أخبار الرضا: ج1 ص 217

وأما قصة السيد بحر العلوم قدس سره في مكة المكرّمة التي أشار إليها السيد القزويني في عريضته فيه باختصار عبارة عن أنه رحمه الله أقام مدة ثلاث سنوات عند بيت الله الحرام ومعه خادمه، فكان يبلّغ للدين ويروّج فقه أهل البيت ويجيب على الأسئلة الفقهية لأبناء الستّة على ضوء فقه مذاهبهم حيث كانت سعةُ اطّلاعه وعلومه الغزيرة تمكّنه من الإجابة على أسئلة المسلمين هناك كلُّ حسب مذهبه.

وبذلك نالَ السيد إعجاب المنصفين من الستّة وعلمائهم، وأثبت بذلك حقّاً أنه بحر العلوم كما هو لقبه الكريم. ولم يكن السيد مقتصراً على عطائه الديني والعلمي بل كان سخياً في عطائه المالي أيضأ، فقد كان يعيّن الطلبة الدّارسين عنده والفقراء الذين يطرقون باب داره، فلمّا أوشكت أمواله على الانتهاء قال له خادمه بصيغة العتاب: هكذا تبذل وتبذل حتى أصبحنا لا نملك الآن ما نرجع به إلى النجف الأشرف (العراق).

فسكت عنه السيد بحر العلوم مكتفياً بابتسامة نابعة من سرًّ ويقين؟

وهكذا جاء اليوم الذي نفدت فيه الدراهم والدنانير كلها فجاء الخادم إلى السيد يخبره قائلاً: ألم أقل لك، فماذا نفعل الآن؟

أعطاه السيد ورقة صغيرة وأرسله إلى عنوان في السوق، ليسلّم الورقة صاحب دکان هناك.

يقول الخادم: ذهبت وإذا كان هناك رجلُ بسيماء الأولياء، استلم الورقة وقرأها ثم ناولني أكياساً مملوءةٌ بالدراهم والدنانير. فرجعت بها إلى السيد وأنا متعجّب من الأمر، وفي اليوم التالي رجعت إلى السوق لأتعرّف على الرجل فلم أجد له من أثر، بل ولا أثر للدكان أيضاً فسألت أصحاب الدكاكين، أكّدوا أن لا أحد بهذه المواصفات كان يجاورهم. فعدت إلى البيت وكنت غارقاً في التفكير، حتى دخلت على السيد، فسألني أين كنت؟ قلت: كنت مشغولاً يا سيدي.

ص: 185

قال السيد بحر العلوم وهو يبتسم: بل كنت ذاهباً إلى السوق تبحث عن الرّجل الذي أرسلتك إليه أمس !

فازداد اندهاشي فوق اندهاشي الأول وانهمرت دموعي.

فقال السيد: أتُفكّر في أنّه لا صاحب لنا؟(1)

ص: 186


1- نقلت هذه القصة عن شريط كاسيت للخطيب الحسيني المرحوم الشيخ أحمد الكافي. وعن قصص وخواطر.../ ص 584/ قصة رقم 561

1- أنت رجلُ انكشفت لك الحقيقة

نقل حجة الإسلام والمسلمين السيد حسين المدرسي (حفظه الله): تعرّفت في منتصف ذات ليلة في حرم الإمام الرضا عليه السلام على شابًّ بارزٍ عليه التديّن، قال لي: أنا من عائلة مسيحية، والدي في طهران صاحب محلات بيع الذهب يتاجر مع تجّار آذربایجان، رأيت في المنام مرّةُ أني جالس في مجلس الأنبياء والنبي عيسى عليه السلام آخر الجالسين وإذا بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم دخل فقاموا إليه جميعاً تجليلاً له، وتقدّم النبي عيسى عليه السلام نحوه فاحتضنه وقبّل جبهته ثمّ أجلسه عنده بحيث صار النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم في خاتم صفّ الأنبياء عليهم السلام.

وبينما كنت مشدوداً إلى موقف نبيّنا عيسى عليه السلام وأنا مستغربُ ممّا حيّا به نبيّ الإسلام جلست من النوم وأخذت أتأمّل في تفسير هذه الرؤيا. في الصباح ذهبت إلى قسّيس أسأله تفسيراً لهذا المنام. فأجابني: إنها مجرد أضغاث أحلام.

ولكني خرجت من عنده غيرُ مقتنع وذهبت إلى أحد علمائكم فنقلت له رؤياي.

فقال لي: إنّك تصبح مسلماً.

قلت: كيف أصبح مسلماً وأنا لم أقرأ عن الإسلام شيئاً، بل وي ذهني إشكالات كثيرة.

فقال العالم: لا يهمّ، سأُعطيك كتباً تقرؤها بدقّة فتزول الإشكالات الواهية العالقة بذهنك وتتعرّف عندئذ على حقيقة الإسلام.

ص: 187

قلت: حسنا. فأخذت منه الكُتب وقرأت فيها ردود الإسلاميين على الإشكالات التي يطرحها المسيحيون على الإسلام، فكانت ردوداً في غاية القوة العلمية، وقرأت إشكالات الإسلاميين على المسيحيين، فكان لا بد لي أن أسمع ردودها من قسّيسنا فذهبت وطرحت عليه تلك الإشكالات فلم يتمكّن من الخروج منها بإجابة مقنعة، فحاول بالكلمات العاطفية أن ينصحني كي أتراجع عن هذه الأفكار وأرضخ للموروثات الخرافية التي وصلتنا عبر الآباء من دون تفكير، إلا أنني رفضت لأني أصبحت أمام الواقع وكانت الحجّةُ من الإسلام بالغةُ عليّ للغاية، فما كان منه إلا أن يتّصل بأبي ويخبره بخطورة الموقف حسب زعمه ويطلب منه أن يحسم الأمر معي ويمنعني من قراءة الكتب الإسلامية.

تلك الليلة كانت ليلةُ صعبة إذ اجتمع بي والدي في البيت بحضور أفراد العائلة وكلّمني بهذا الخصوص.

قلت له: إنني لم أنحرف عن جادة الهداية، بل وجدتها هديّةً من النبيّ عيسى عليه السلام وشرحت له أن قسيساً لم يستطع أن يُجيب على الإشكالات الواردة على معتقداتنا التي تُنسِبها إلى النبيّ عيسى بينما عالم المسلمين أجاب على كل الإشكالات التي نطرحها على الإسلام فأنا اقتنعت بالإسلام اتباعاً للعقل والدليل.

قال أبي: أنا لا أفهم ما تقوله، فإن لم تتراجع عن هذه الأفكار أخرج من بيتي.

وهكذا جمعت ما يخصّني وخرجت من البيت وصرت مجاورةاً لمرقد الإمام الرضا عليه السلام، إنني لست نادماً على اعتناقي لدين الإسلام ولست متألماً من طردي من البيت ولكن آلمني كلام أحد المسلمين حيث استهزء بي وقال: نحن ماذا استفدنا من الإسلام حتى تستفيده أنت؟؟

يقول السيد المدرسي . ناقل هذه القصة . قلت للشاب: إنه ليس مقياساً، ففي المسلمين بعضُ ممن لم يدخل الإيمان في قلوبهم ولم يعرفوا الإسلام أو لم يعملوا به، فلا تتأثر بمثل هذه التصرفات، الإسلام شيءُ وسلوك هؤلاء شيء آخر.

ص: 188

قال الشاب: طبعاً هؤلاء لا يخرجونني من الإسلام، لأني اعتنقته بقناعة ولكني أقول إنهم يؤلونني بكلامهم وهذا شيء مؤسف، ولكي أغيّر الجوّ وأستريح قليلاً ذهبت في شهر رمضان إلى مدينة قم المقدسة، وفي ليلة استشهاد الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام اشتقت لاستماع قراءة ٍبهذه المناسبة فسألت رجلاً في الشارع عن حسينية فأشار إلى الحسينية الكربلائية التي كانت بالقرب من هناك، دخلتها بين شدّة الزّحام حتى حصلت على مكان ضيّق فجلست فيه، وكان الخطيب يحدّث الناس من فوق المنبر، سألت الذي بجانبي عن اسمه. قال: اسمه السيد محمد كاظم القزويني.

ولّما بلغ السيد إلى ذكر حيثيّات وفاة الإمام علي عليه السلام ضجّ الناس بالبكاء واشتدّ بكاؤهم حينما أطفأوا الأنوار وأدخلوا من الباب نعشأ تحمله أيدي مشيّعين تشبيهاً بنعش الإمام عليه السلام، فأخذوا يلطمون على صدورهم حزناً وعزاءاً، إلا أن العجيب في الأمر أنني كنت أرى من حول النعش نوراً يشعُّ إلى كلّ الأطراف وهولا يشبه النور العادي عندنا، وكان يبدوا لي أنني الوحيد الذي أرى ذلك من بين الحاضرين، لذلك فما أن ختم السيد القزويني قراءته وشرع في الدعاء ففتحوا الأنوار غاب ذلك النور وعاد الناس إلى حالتهم الأوّلية. فذهبت إلى السيد بعد ما نزل من المنبر وأخبرته بما شاهدتُه.

فقال لي: أنت رجلُ كشف الله عن بصرك الغطاء، فصرت تنظر إلى الحقائق.

ثم نقلت له قصة دخولي في الإسلام فرحّب بي السيد وقرّبني منه.

ويختم فضيلة السيد المدرسي قصّته مع هذا الشاب أنه بعد أشهر من رجوعي إلى قم رأيت نجل السيد محمد کاظم القزويني (وهو ابن خالته) فنقلت له هذه القصة ثمّ التقيته بعد أيام قال: لقد نقلت لوالدي القصة فأيّدها الوالد وقال بأنه يتذكّر ذلك الشاب جيدّاً (1)

ص: 189


1- قصص وخواطر.../ ص 586/ قصة رقم 562

2- أتعرفني يا رجل؟

يقول أحمد بن فارس بن أديب: سمعت في بغداد حكاية عجيبة وقد قصصتها بعد إلحاح على بعض الأخوة المقرّبين كما كتبتها على رقعة وأعطيتها لآخرين وهي كالتالي:

عندما سافرت في إحدى المرات إلى مدينة همدان وجدت طائفة وعشيرة تسمى بني راشد وكلهم من الشيعة الاثني عشرية، ولما سألت عن سبب تشیعهم، قصّ عليّ حكايتهم أحد الكهول من تلك العشيرة الذي تبدو عليه آثار الصلاح والإيمان والتقوى فقال:

قال جدنا الأكبر: إنني تشرفت بحج بيت الله الحرام في مكة المكرمة وبعد أداء مراسم الحج رجعت قافلتنا، وفي الطريق رغبت المشي على الأقدام بعض الوقت وتركت القافلة أمامي والقافلة الثانية خلفي. ولما شعرت بالتعب قلت في نفسي: سأستريح قليلاً حتى تدركني القافلة الثانية فأذهب معها. ويبدو أن التعب قد أخذ مني مأخذاً فنُمتُ طويلاً ولم أستيقظ إلا وحرارة الشمس اللاهبة تلفح وجهي وجسدي فأفقت من شدتها. ولما نظرت حولي علمت بأن القافلة الثانية قد ذهبت هي الأخرى. وعلى أية حال توكلت على الله وأنا جاهل بمكاني والطريق، وبعد فترة وجدت سهلاً مخصراً رطباً معشوشباً وكأنه قد سُقي قبل لحظات أو أمطرت السماء قليلاً فتندّى ولم يكن الوقت مناسباً للأمطار.

ومن بعيد شاهدت قصراً منيفاً يتلألأ في السماء كبدر في منتصف الليلة الرابعةعشرة من الشهر، فتقدمت إلى القصر ورأيت حارسين واقفين على الباب وبأيديهما الرماح يمتشقان السيوف اليمانية المحلاة بالذهب والفضة والجوهر الثمينة. ولما أردت الدخول، قالا بكل أدب واحترام: لا يمكنك الدخول إلى القصر حتى نستأذن من

ص: 190

صاحبه. ودخل أحدهما وبعد لحظة جاء وقال لي: تفضل فقد سمح لك صاحب القصر بالدخول إليه.

ولما مثلتُ بين يديه وجدته شاباً وسيماً مهيباً بهيُّ الطلعة تبدو على سيمائه العظمة والكبرياء والرجولة. وقد علق شيئاً فوق رأسه. فسلّمت عليه ورد التحية بأحسن منها ثم قال: أتعرفني يا رجل؟ فقلت: كلا يا مولاي. فقال: أنا قائم آل محمد الذي يخرج آخر الزمان فيملأ الأرض عدلّا وقسطاً بعد أن مُلئت جوراً وظلماً.

فرميت نفسي على الأرض وتمرغت تحت قدميه فقال: لا تفعل هكذا يا رجل، إنك فلان بن فلان وتسكن المدينة الفلانية التي تقع في أحضان الجبل بالقرب من مدينة همدان.

قلت: صدقت يا سيدي ومولاي. فقال: أتريد أن ترجع إلى أهلك معززاً مكرماً مشهوراً؟ قلت: أجل . فديتك روحي . يا بن بنت رسول الله.

ثم لاحظت أنه أشار إلى خادمه فجاء الخادم من مكانه وأخذ بيدي ووضع كيساً مليئاً بالنقود فيها. ثم أخذني إلى خارج القصر وأنا أودع حبيبي وسيدي بقية الله في أرضه"عجل الله تعالی فرجه الشریف". وعندما خرجنا من القصر وسرنا قليلاً شاهدنا مدينة عن بعدوقد ظهرت الأشجار ومنائر المساجد منها. فسألني الخادم: أتعرف هذه المدينة؟ قلت: إنها تشبه مدينة قريبة من همدان تدعى أسد آباد.

فقال: هي بالذات، اذهب في أمان الله وحفظه. ثم رجع وواصلت السير وحيداً البضع دقائق ودخلت مدينتنا وعندما فتحت الكيس وجدت فيه أربعين أشرفيا(1) ومن تلك المدينة واصلت طريقي إلى همدان حيث استقبلتني عائلتي وجيراني وأصدقائي بفرح عارم وبشرتهم بلقائي مع صاحب الزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف"وتشيعوا جميعاً وبقينا في يسر ورزق وبركة طوال المدة التي كانت معنا تلك النقود(2)

ص: 191


1- الأشرفي: وحدة نقود كانت متداولة في تلك الأيام
2- اللقاء مع الإمام .../ ص 142/ الطبعة الأولى

3- انت المجتهد

من واجبات الشيعة عندما يرحل عن الدنيا المرجع الديني الأعلى فإنهم يعيِّتون مرجعاً دينياً أعلى وأعلم لكي يدير شؤون المسلمين ويطبّق قوانين وأحكام الإسلام.

وعندما توفي آية الله الحاج الشيخ محمد حسن الجواهري راجع الناس الشيخ الأنصاري (رضوان الله تعالى عليه) وطالبوه برسالة عملية لكن المرحوم الأنصاري قال لهم: مع وجود العلامة الأكبر سيد العلماء المازندراني وهوالأعلم والأعدل فعليكم مراجعته في مدينة بابل في مازندران.

أما أنا فليس لدي رسالة عملية.

ثم كتب الأنصاري رسالة إلى سيد العلماء المازندراني طالباً منه أن يحضر إلى النجف الأشرف ليتسلم زعامة الحوزة العلمية والمرجعية الدينية.

لكن سيد العلماء أجابه في رسالة يقول فيها:

صحيح أنني حينما كنت في النجف الأشرف وتباحثت معك في الشؤون الدينية والمذهبية كنت الأقوى في الفقه، ولكن وبسبب بعدي هذه المدة عن الحوزة العلمية في النجف الأشرف ومواصلة سكني في بابل وليس لدينا مجالس للبحوث والتحقيق العلمي، فإني أعتبرك أعلم وأفقه وأفضل مني في المرجعية وأقبلك مرجعاً دينياً أعلى للشيعة.

أما الشيخ الأنصاري فقال في نفسه: بما أني لا أجد لياقة في نفسي للقيادة الدينية والمرجعية لذا فإنني سوف أطلب من ولي العصر والزمان أن يمنّ عليّ بإجازة الاجتهاد

ص: 192

ويعيّنني في هذا المنصب العالي.

وفي أحد الأيام وأثناء ما كان الشيخ الأنصاري يقوم بتدريس الطلاب، دخل شخص مهيب الطلعة تبدو عليه سيماء العظماء والشرف والكرامة والجلال، إلى المجلس حيث استقبله الشيخ الأنصاري بكل احترام وتقدير. وهنا وجّه كلامه للأنصاري.

وقال: ما رأيك في امرأة مُسِخَ زوجها؟

فأجابه الأنصاري: نظراً لعدم بحث هذا الموضوع في الكتب والرسالات العلمية فإنني لن أستطيع الإجابة عنه.

فقال الرجل: افترض حصل هذا ومسخ الزوج فما هو تكليف المرأة؟

فقال الأنصاري: في رأيي إذا مسخ الرجل بشكل حيواني فعلى المرأة أن تأخذ العدة للطلاق ومن ثم يمكنها الزواج بأخر. أما إذا مسخ الزوج على هيئة حجر أو جماد فعلی المرأة أن تأخذ عدة الوفاة حيث مات زوجها.

فقال ذلك السيد الجليل ثلاث مرات:

أنت المجتهد، أنت المجتهد، أنت المجتهد ثم قام من المجلس وخرج.

وكان الشيخ الأنصاري يعلم بأن ذلك الرجل المهيب هو الإمام الحجة بن الحسن (علیه السلام)، وقد أعطاه إجازة الاجتهاد وقيادة الحوزة العلمية والمرجعية الدينية للشيعة. لذا قال لطلابه:

أرجو أن تلحقوا بذلك السيد فورةاً وفعلاً ذهب الطلاب وبحثوا في كل مكان ولم يجدوا له أثراً يُذكر. ثم أصبح الشيخ الأنصاري جاهزاً لاستلام زمام القيادة الروحانية وقدم للناس رسالته العملية حتى يمكنهم تقليده(1)

ص: 193


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 144/ الطبعة الأولى

4- لكي لا يستهان بالسر

نقل سماحة العلامة السيد عبّاس المدرَّسي (دام ظله):

ذهبتُ برفقة والدي المرحوم إلى لقاء العالم الرباني آية الله السيد حجّت قدس سره في منزله الكائن خلف مدرسة الحجّتية بقم المقدّسة سنة (1202ه). فحكى لنا السيد حجّت قصّة وقعت له في أيام دراسته قائلاً: «كنت في فقرٍ مُدقَع وضيقٍ ماليّ شديد إلى درجة لم أحصل أنا وزوجتي وأطفالي ما نأكله قدر الحاجة الطبيعية».ذات يوم حينما عزمت على الخروج إلى الدرس قالت لي زوجتي: يا سيّد... ليس لدينا اليوم أي شيء من الطعام على الإطلاق. أنزلت رأسي خجلاً وودّعتُها إلى الدرس ولّما عدتُ إلى المنزل وجدت الوضع مؤلماً للغاية. فدخلتُ غرفتي وصلُيت ركعتين هدية إلى سيدي ومولاي الإمام الحجة عليه السلام، ثم قلتُ مخاطباً إياه: سيدي.. لمن نحن ندرس ونتعلّم ونُدرَّس ونعلَّم، ألسنا طلاب مدرستك، ألسنا جنود نهضتك؟ إذا كنا كذلك فأعِتّا على لقمة العيش کي نواصل طريقك.

ساعةٌ وإذا بطرقة على باب المنزل، ذهبتُ وفتحتُ الباب، سلم عليّ الطارق وسلّمني ظرفاً وقال: كل شهر مثل هذا اليوم آتيك بمثله ولا تُخبِر أحداً وفي أمان الله !

مشى ولم أستطع أن أكلّمه بسبب التعجّب والسرور والبهجة الغالبة. دخلتُ المنزل وفتحت الظرف أمام زوجتي وكان فيه من المال ما يسدّ حاجة العوائل المرقهة في شمال طهران!.

صرنا بذلك المال نشتري جميع حوائجنا المنزلية ويبقى منه فائضاً على الحاجة!

وكما أخذ مني العهد لم أصرّح بهذا الأمر الغريب لأحد، حتى جاء على وعده بعد

ص: 194

شهر فقدّم لي ظرفاً آخر، واستمرّ هذا الكرم شهران آخران حتى سألتُه: هل من الممكن أن أعرف اسمكم الشريف؟ قال: إسمي الحاج (...) وعنواني: الطابق (...) الغرفة رقم (...) من العمارة التجارية رقم (...) في سوق طهران.

ذات يوم كنت جالساً مع شقيق زوجتي وهو العالم الكبير آية الله الشيخ مرتضى الحائري رحمه الله . ابن المرجع الراحل الشيخ عبد الكريم الحائري مؤسّس حوزة قم فتُحتُ له بالسرّ.

ثم راحت الأيام حتى اليوم الموعود، حيث كنت أنتظر الرجل فلم يأت... وانتهى الشهر ولم أره، وبدأ المال ينفد وينفد حتى نهاية الشهر الآخر فعادت أيام الضيق وصعوبات الجوع.

تذكّرت أنه أعطاني عنوانه فلماذا لا أذهب إليه وأستفسر عن سبب الانقطاع؟!

وهكذا جئته على العنوان فدخلت عليه الغرفة، سلّمت وجلست حتى انتهى الحاضرون من مهامهم وخرجوا.

فدنوت منه وسألته عن حاله وكنت أودّ أن يفاتحني الموضوع بنفسه ولكنّه لم يفعل..

ففاتحته به خجلاً وقلت: يا حاج... كنت قد عوّدتنا على عطاءٍ سخيّ وقد انتظرتُك حسب الاتفاق في ثلاثة أشهر الأخيرة، فلم أتشرّف باللقاء؟! خيراً إن شاء الله.

أطرَقَ الرجل رأسه قليلاً ثم نظر إليّ نظرة الآسفين وقال: إن الذي أمرني أن أعطيك أمرني بالتوقف!.

سكت الرجل ولم يتكلم أكثر من هذا. هنا عرفتُ كم قد خسرتُ من لطف الإمام وكرمه عندما خالفتُ الشرط ( بأن لا أبوح بالسر لأحد ولو كان آية الله الشيخ مرتضى الحائري) (1)

ص: 195


1- قصص وخواطر.../ ص 617/ قصة رقم 582

5- من صدره {ع} إلى صدري

ينقل المرحوم الميرزا قمي صاحب كتاب ( القوانين) فيقول: كنت أذهب مع العلامة السيد بحر العلوم لدراسة العلوم الدينية على يد أستاذنا العالم الفاضل المجتهد الكبير السيد باقي البهبهاني، ثم نتباحث فيما قرأناه عند رجوعنا من المدرسة إلى غرفتنا، حتى جاء اليوم الذي رجعت فيه إلى إيران وبعد فترةأصبح السيد بحر العلوم من العلماء الأعلام والمجتهدين العظام.

وكنت أسائل نفسي أحياناً: إن السيد بحر العلوم لم تكن لديه الاستعدادات لمثل هذا العظمة والاجتهاد، فكيف وصل إلى هذه الدرجة العلمية الرفيعة؟

حتى جاء اليوم الذي تشرفت فيه بزيارة العتبات المقدسة في العراق، فالتقيت بالسيد بحر العلوم في النجف الأشرف وهو في مجلس البحث والتدريس والمناقشة العلمية فوجدته فعلاً بحراً زاخراً بالمعارف الدينية ومجتهدأ مستنيراً لتحليل المسائل الفقهية والحق يقال فإنه بحر للعلوم. وفي أحد الأيام وحينما كنا لوحدنا سألته:

یا سید بحر العلوم، نحن كنا سوية ولم تكن في تلك الأيام على مثل هذا الاستعداد والعلم والفقاهة، وحتى كنتَ أحياناً نسألني وأشرح لك بعض الدروس وأنا أجدك الآن وبحمد الله أصبحت بحراً للعلوم والمسائل الفقهية والدينية، فكيف حصل ذلك؟

فقال: إن الإجابة على سؤالك من الأسرار الغيبية، ولكنني سوف أقول لك بشرط أن لا تفشي هذا السر لأحد ما دُمتُ حياً.

فرضیت بشرطه فقال: كيف لا أصل إلى هذه الدرجة الرفيعة والمحمودة إذا ألصق بقية الله . أرواحنا له الفداء . صدره الشريف بصدري في مسجد الكوفة؟

ص: 196

فسألته: وكيف تشرفت بالوصول إلى خدمته (ع)؟

فقال: في إحدى الليالي الصيفية ذهبت إلى مسجد الكوفة فوجدت صاحب الزمان (عليه أفضل الصلاة والسلام) مشغولاً بالعبادة والدعاء والمناجاة فوقفت عنده وسلّمت عليه فتفضل وأجاب: والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ثم قال: تقدم قليلاً، فتقدمت إليه وأنا أشعر بالرهبة والشوق معاً. ثم قال: اقترب أكثر. فاقتربت من وجوده المقدس أكثر فأكثر حتى ألصق - روحي له الفداء . صدره الشريف بصدري فانتقل ما انتقل من ذلك الصدر الإلهي المفعم بالعلم والقدسية والوحي والفضل إلى قلبي أنا العبد الصغير لله (تعالى)(1)

ص: 197


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 146/ الطبعة الأولى

6- حتى يعلم الجميع عطفنا وحنانا

علم زوار جدنا الحسين(علیه السلام)

نقل المرحوم آية الله الحاج میرزا محمد علي كلستانه الأصفهاني الذي كان يسكن في ذلك الوقت مدينة مشهد المقدسة، نقل إلى أحد العلماء الأعلام والأفاضل الكرام بأن عمي المرحوم السيد محمد علي الأبطحي الذي كان من الرجال الصالحين العظام قال:

كان هناك في مدينة أصفهان رجل يسمى جعفر نعلبند يتحدث أحياناً بأحاديث غير متعارف عليها مثل:

أنا التقيت بصاحب الزمان"عجل الله تعالی فرجه الشریف" وأنا ممن يطوون الأرض وكان قليلاً ما يجتمع بالناس وهم بدورهم كانوا يسخرون منه ويستغيبونه على ادعاءاته.

وفي أحد الأيام ذهبت إلى مقبرة أصفهان لأزور الموتی وسكان القبور فلاحظت الأخ جعفر يتجه هو الآخر إلى هذه المقبرة فاقتربت منه وقلت له:

أتحب أن أرافقك إلى المقبرة ونزور سوية؟

فقال: لا مانع لدي.

وخلال الطريق سألته: إن بعض الناس يتحدثون عنك بعض الأحاديث، فهل صحيح أنك وصلت إلى خدمة إمام العصر والزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف"؟

فتردد في البداية للإجابة عن سؤالي وقال: يا سيد دعنا من هذه الأحاديث

ص: 198

ولنتحدث في قضايا أخرى. ولكنني أصررت عليه وقلت له بأنني أهل لأستمع إلى أحاديثه وتجاربه. فقال:

لقد تشرفت خمساً وعشرين مرة بزيارة أرض الطفوف والسلام على سيد الشهداء (علیه السلام) وفي آخر مرة كان يصحبني شخص من أهالي يزد ومرض في الطريق ثم اشتد المرض عليه. وعندما وصلنا إلى أحد المنازل، توقفت القافلة لمدة يومين هناك التلحق بها قافلة أخرى فيزداد عدد المسافرين ويأمنون شر قطاع الطرق في تلك المنطقة النائية الصحراوية.

وعندما أردنا الحركة والسير، وجدت صاحبي لا يستطيع حراكاً ومن المستحيل أن أخذه معي في القافلة فقلت له: ابق هنا يا صاحبي وسوف أعود لك بالشفاء، فما كان منه إلا أن بكي بكاءً مراً.

فعجبت من أمره. فقال: ذلك أن الوقوف بعرفة قد اقترب وكنت خلال خمسة وعشرين عاماً حاضراً عند ضريح الحسين الشهيد في يوم عرفة فكيف أتأخر هذا العام؟ ومن جهة أخرى كنت أنظر إلى رفيق سفري وقد هدّه المرض وأعياه عن مواصلة الطريق للوصول إلى كربلاء الحسين.

وهنا قال لي: أرجو أن ننتظر ساعتين فقط فإن مَنيّتي آتية فإذا متُّ خذ خرجيتي وحاجياتي وحماري وكل ما أملك بشرط أن تأخذ جنازتي إلى كربلاء وتدفنني هناك بجوار أبي الأحرار الحسين (علیه السلام). فرقّ قلبي له وفعلاً انتظرت حتى قضى نحبه وكانت القافلة قد تحركت وسارت ولم تنتظرنا.

فوضعت جنازته على راحلته وتوجهت إلى مقصدي ولم أجد من القافلة سوى آثارحوافر الدواب والغبار ولم أصل إليها.

وبعد فرسخ واحد وجدت نفسي وحيداً في بيداء قاحلة ومعي جنازة ميِّت كلما تعثر الحمار تدحرجت وسقطت منه فأضطر إلى الوقوف ورفع الجنازة وإعادتها إلى ظهر

ص: 199

الحمار مما أدخل الرعب والخوف في قلبي.

وفي نهاية المطاف وجدتني لا أستطيع حمل الرجل الميت والسير به إلى كربلاء الحسين (علیه السلام) فوقفت في منتصف الطريق وقد اغرورقت عيناي بالدموع وتوجهت بكل جوارحي إلى الحسين الشهيد وقلت: يا سيدي يا بن بنت رسول الله (ص) : أنت ترى حالي فأنا لا أستطيع حمله كما إنني سأكون مسؤولاً عند الله لو تركته في هذه الصحراء النائية، فارحم ضعفي وقلة حيلتي ويسّر لي أمري.

وفجأة رأيت أربعة فرسان قادمين عن بعد بينهم شاب بانت عليه شمائل الرجولة والشهامة والعظمة ثم تقدّم إليّ وقال:

یا جعفر، ماذا تفعل بزائر جدّنا الحسين (علیه السلام)؟

فقلت: والله يا سيدي أنا محتار في أمري لا أدري ماذا أفعل! فترجّل الفرسان الثلاثة وكان أحدهم يحمل رمحاً فضرب به الأرض فتفجّرت عيناً سلسبيلاً فغسلوا الميّت، ثم وقف ذلك السيد الجليل في المقدمة ووقفنا خلفه لأداء صلاةالميت على روح ذلك المسكين.

وبعد الانتهاء من الصلاة، تعاون الثلاثة فحملوا جنازة الفقيد وربطوها بإحكام وقوة على ظهر الراحلة ثم تركوني وحيداً وذهبوا!

فتحركت مع راحلتي وذلك الميت ولكنني وجدت نفسي بعد لحظات قد تجاوزت قافلتي والقافلة التي أمامها ثم لم تمضِ سوى دقائق معدودة وإذا بي أرى قافلة أخرى وهكذا تكررت المناظر وفي لحظات وجدتني قد وصلت وادي الأعين وهي مقبرة في بداية مدينة كربلاء فدفنت ذلك الميت هناك وبقيت في المدينة.

وبعد عشرين يوماً وصلت قافلتنا فسألني رفاقي متى وصلت؟ وكيف وصلت وقد تركناك خلفنا؟ فشرحت لهم تلك الحكاية فبانت على وجوههم سيماء التعجب وعدم التصديق أحياناً!

ص: 200

ولما جاء يوم عرفة وذهبنا إلى الحرم الحسيني الشريف للزيارة والدعاء والتضرع، شاهدت بعض الناس على شكل حيوانات وهم يزورون ويتراكضون! فأخذني الخوف والرعب من هذه المناظر فهرعت خارجأ من الحرم الشريف.

والأعجب من ذلك أنني حينما سافرت في السنوات التالية كنت أرى بعض الناس على هيئة الحيوانات في يوم عرفة فقط! ولهذا صممت أن لا أذهب إلى كربلاء بعد الآن في أيام عرفة.

وعندما كنت أنقل للناس في أصفهان هذه الحكايات، لم يصدقوها وأحياناً يرمونني بالعته وربما الجنون!

وعند ذلك صممت على عدم بوح ما في صدري من أسرار وحكايات حقيقية شاهدتها وعشتها بنفسي وإن لم يصدق بها الآخرون.

وفي إحدى الليالي وأثناء تناول طعام العشاء مع زوجتي سمعت صوتاً قوياً في فناء المنزل فأسرعت ونزلت إلى هناك فوجدت شخصأ يقول لي:

یا جعفر، إن صاحب الزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف" يطلبك.

فأسرعت بارتداء ملابسي وذهبت مع ذلك الشخص للمثول بين يدي بقية الله في أرضه (علیه السلام).

فأخذني ذلك الشخص إلى مسجد الجمعة في أصفهان فرأيت قائم آل محمد (صل الله علیه و اله) قد جلس على أعلى درجة من المنبر وهناك الكثير من الناس قد جلسوا عند المنبر وأنظارهم شاخصة إلى جمال وجوده المقدس.

فقلت في نفسي: وكيف يمكنني الوصول إليه في مثل هذا الجمع الغفير من الناس ؟!

ثم انتبهت إلى أن صاحب الزمان"عجل الله تعالی فرجه الشریف" قد لاحظ وجودي الحقير ونادى: يا جعفر تعال عندي.

ص: 201

فأتيت مسرعاً لأمثُل بين يديه وقلت: نعم يا حبيب الله.

فقال: لماذا انصرفت عن سرد الحكايات التي شاهدتها في طريقك لزيارة جدي الحسين المظلوم (علیه السلام)؟

فقلت: يا سيدي ومولاي وحبيبي: لقد كنت أنقل للناس تلك الأحاديث والحكايات ولكنهم لم يصدقوني وكانوا يسيئون الظن بي ويتحدثون بالسوء عني في غيابي فانقطعت عن التحدث بتلك القصص والحقائق التي شاهدتها وعشتها بنفسي.

فقال ( عليه أفضل الصلاة والسلام): لا تُعير اهتماماً لما يقوله الناس، وعليك أن تنقل تلك الحكايات لكل من تراه حتى يعلم الجميع عطفنا وحناننا على زوار جدنا أبي عبد الله الحسين الشهيد (علیه السلام) (1)

ص: 202


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 147/ الطبعة الأولى

7- لقاني بجبرائيل الأرض!

إنه الخطيب الحسيني الشهير العلامة السيد أحمد جبرائيل (دام ظله). لقيته في اليوم الثاني من ربيع الأول عام 1421 في منزل الفقيه الورع أستاذ الأخلاق والآداب المعنوية سماحة آية الله السيد صادق الشيرازي (دام ظله) وكان قادماً من طهران للقراءة في بعض المجالس الحسينية المقامة في مدينة قم المقدسة، فانتهزتُ الفرصة ودعوتُه إلى منزلي فكان الحديث معه صفحةً أخرى من جميل خواطري مع العلماء الأجلاء، فإليك يا عزيز القارئ سطوراً منها لتجعلها دروساً تنير دربك إلى الله تعالى:

في البدء قال: إني قد طويتُ أربعاً وسبعين عاماً وأنا الآن في عامي الجديد ينبؤني حسّي السادس بأن ساعة الرحيل قريبة. فلقد ذهبتُ لتصفية أمور إلى مسجد جمکران (مسجد ذو کراماتٍ تتعلق بالإمام الحجة عليه السلام في مدينة قم) ولا زالت أمورٌ تحتاج إلى رقابة شديدة قبل حلول المنية، أرجوك أن لا تنساني من الدعاء، فقد أخبرني في المنام قبل سبعة أشهر أستاذي المرجع الراحل السيد أحمد الخونساري أنك عن قريب تكون ضيفاً علينا.

وقبل فترة رأيت المرجع الراحل السيد الخوئي في المنام قد دخل مجلسي، فجلس جلسة الُمتعَبين، فجئته ومسحتُ عليه بيدي. لا أدري فلعل هذه إشارة ثانية لقرب إطفاء أضوية نفسي العاصية. آه كم أمرتني هذه النفس الأمارة فأطعتها في السوء؟!

بهذه الكلمات يتواضع المتّقون من أمثال هذا السيد الورع الذي واصل قوله: بالأمس طلبتُ من سيدي ومولاي الحجة بن الحسن (روحي له الفداء) أن يشفع لي عند الله ويعينني على بقية أيامي القليلة لئلا أموت في زيغ بعد سنوات من الخدمة في بيوتهم والتسكّع على أبواب هدايتهم. فجاءني الجواب: «وَاعْبُدْ رَبَّکَ حَتَّى یَأْتِیَکَ الْیَقِینُ» (1)

ص: 203


1- سورة الحجرات 99

المطلوب منا أيها الشيخ أن نستمر في العبادة لله وحده حتى نرى الموت حقأ وننتطع عن هذه الدنيا فنشاهد أنفسنا في البرزخ فنتيقن بكل الحق هنالك سوف نفهم قول ربنا عزّ وجل: «لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد»(1)

هنا وفي محاولة لفهم الأسرار المعنوية . قلت له: سیدنا من أخبرك بذلك؟ هل بالاستفتاح القرآني أم بالإلهام أم...؟

صَمَتَ لحظات ثم انتقل إلى موضوع آخر! فبدى أن الأمر لا بد من كتمانه.

هذا ودارت في اللقاء مع هذا السيد الجليل حكايات ومواعظ كثيرة، فإليك الممكن بيانه:

1- قال السيد جبرائيل أنه حكى لي آية الله السيد نصر الله المستنبط (صهر المرجع الراحل السيد الخوئي) . رحمهما الله. إنه كنت أصلي جهة الرأس الشريف عند ضريح الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في ليلة النصف من شهرشعبان. فرأيت بالقرب مني رجلاً بنور الأولياء والمتقين، في زيًّ عربي لا كالعرب الآخرين، فقرأ في قنوته:

اللهم إنّ معاويةَ ابن أبي سفيان قد عادى ولئَّك علياً. فالعنله لَعناً وبيلاً وعذَّبه عذاباً أليماً».

كنت لأول مرة أسمع هذه الفقرات الفصيحة التي كان يؤديها وبصوت أخّاذٍ للقلب، فأحببتُ أن أتعرّف عليه، فما أن انتهيتُ من صلاتي لأسلّم عليه لم أجده! فتأكّد لي من مجموع القرائن أنه كان سيدي ومولاي صاحب العصر والزمان (روحي له الفداء).

2- حكى لي أنه في سنة (1384ه) حيث انقلب عبد الكريم قاسم على الملك فيصل

ص: 204


1- سورة ق 22

وأعلن جمهوريته المتناغمة مع الشيوعيين. أردتُ الخروج في حملة السيد إبراهيم إلى حجّ بیت الله الحرام، ولكن الحكومة السعودية منعت الفيزة للعراقيين بسبب الانقلاب الشيوعي. إلا أن الشوق للحج كان قد أتي بنا إلى الحدود السعودية فلعلّ الله يفتح علينا سبيل الحج.

فذهبتُ لتوديع المرجع الراحل السيد محسن الحكيم (أعلى الله مقامه ) فقلتُ له:أعطني خمسين فَلساً للتبرِّك فأنا ذاهب إلى الحج!

فابتسم السيد وقال: بل أعطيك عشرة دنانير.

قلت: زدها بموعظة.

فوضع يده على رأسي وقال: أما العمامة فلا تُغيّرها.

شكرته وودّعته وأنا لم أكن أستوعب كامل قصده من هذه الوصية إلا بعد ما جرى النا على الحدود العراقية السعودية في منطقة (تبوك) إذ أوقفونا وقالوا: ممنوع دخول العراقيين: إنكم شيوعيون!

ذهبتُ جانباً ولم أحرِّك ساكناً حتى أرى كيف تسير الأمور. بعد ساعة جاءني رئيس الحملة يعاتبني: يا سيد أنت جالس... تحرّك بجدّك.. قل ماذا نفعل؟

فجئت بين الحجاج الغاضبين وكان الإرهاق من شدة الحَرَّ وتَعَب الطريق قد أخذ منهم أعصابهم وكاد أن تذهب معها أخلاقهم، فقمتُ خطيباً، فهدّأتهم وتكلّمتُ بما استطعتُ من كلام فيه الخير. ثم قلتُ لهم: اختاروا مَن يتكلّم باسمكم عند الأمير. فقالوا بصوت واحد: ليس لنا غيرك أنت تكلّم باسمنا.

وكان هذا الموقف في مرأى أحد الشرطة السعوديين، فطلبتُ منه ترتيب لقاء مع الأمير لبحث المشكلة معه. وبعد محاولات سمحوا لي بالدخول إلى قصره. فألفيتُه جالساً في قاعة كبيرة وحوله من الشخصيات حوالي مئة شخص.

ص: 205

تقدمتُ نحوه بكامل زييّ، وعمامتي السوداء على رأسي، وعصاي بيدي. فجلستُ عنده بعد السلام عليه. فسألني: من العراق؟

قلت: نعم.

قال: ماذا عندك؟

قلت: بسلامة الأمير أتلو عليكم آيات من الذكير الحكيم. فتلوتُ: بسم الله الرحمن الرحيم: « اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فِی بُیُوت أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ یُذْکَرَ فِیهَا اسْمُهُ یُسَبِّحُ لَهُ فِیها بِالْغُدُوِّ وَ الآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِیهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَیْعٌ عَنْ ذِکْرِ اللّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِیتاءِ الزَّکاةِ یَخافُونَ یَوْماً تَتَقَلَّبُ فِیهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ»(1)

فنادى الأمير بالقهوة وهو يقول لي: أحسنتَ يا شيخ، فما حاجتك؟

قلت: إن مَن يشفع شفاعة حسنة فله أجر عظيم عند الله. إسمح أيها الأميرللحجاج العراقيين بأداء مناسك الحج هذا العام.

قال: إنهم شيوعيون، كفرة، زنادقة، لا يمكن أن نسمح لهم بتدنيس أرضنا، فليرجعوا من حيث أتوا وإلا رميناهم بالرصاص .

قلت: نحن معكم في الرأي بأن الشيوعيين كفرة وقد أفتى مرجعنا آية الله العظمی السيد محسن الحكيم أن الشيوعية كفر وإلحاد.

وكان بعض الحضور في المجلس من أهل لبنان قالوا للأمير: نعم، نحن رأينا هذه الفتوى لمرجع الشيعة في لبنان، إنه موقف مشرَّف.

ص: 206


1- سورة النور /35

قلت: فاللذين معي أيها الأمير كلهم من أتباع هذا المرجع، لقد جئنا كالأعوام السابقة لعبادة الله الحق إلى جانب كافة المسلمين من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

قال: فلماذا جئتم وسفارتنا لم تمنحكم الفيزا؟

قال: نحن لا نعرف القوانين، جئنا مشتاقين إلى حج بيت الله الحرام

قال: ونحن لا نعرف سوى الرصاص إن لم ترجعوا إلى العراق.

وهنا . كما يقول السيد جبرائيل . ثار عندي عرق السيادة الحسينية فقلت بشدّة:

نحن ندخل الحدود وليكن ما يكون .

قال غاضباً: بأي قدرة يا شيخ؟

قلت: بقدرة الله عليك وعلى الخَلق أجمعين.

صَمَتَ وراح يتفكّر، وأنا في هذه اللحظة ربطتُ قلبي بالله وتوسلتُ إليه بأهل بيت الرسول عليهم السلام، فألهمتُ بقراءة الدعاء المروي عن الإمام الحجة عليه السلام فقلت للأمير: ارفع يدك بالدعاء. فقرأتُ بصوت عالٍ: «اللهم ارزقنا توفيق الطاعة، وبعد المعصية، وصدق النية، وعرفان الحرمة، واكرمنا بالهدى والاستقامة، وسدد ألسنتنا بالصواب والحكمة، واملأ قلوبنا بالعلم والمعرفة، وطهَّر بطوننا من الحرام والشبهة، واكفف أيدينا عن الظلم والسرقة، واغضض ابصارنا عن الفجور والخيانة واسدد أسماعنا عن اللغو والغيبة، وتفضل على علمائنا بالزهد والنصيحة، وعلى المتعلّمين بالجهد والرغبة، وعلى المستمعين بالاتباع والموعظة، وعلى مرضى المسلمين بالشفاء والراحة، وعلى موتاهم بالرأفة والرحمة، وعلى مشايخنا بالوقار والسكينة، وعلى الشباب بالإنابة والتوبة، وعلى النساء بالحياء والعفة وعلى الأغنياء بالتواضع والسعة، وعلى الفقراء بالصبر والقناعة، وعلى الغزاة بالنصر والغلبة، وعلى الأسراء بالخلاص والراحة، وعلى الأمراء بالعدل والشفقة، وعلى الرعية بالإنصاف وحسن

ص: 207

السيرة، وبارك للحجاج والزوار في الزاد والنفقة، واقض ما أوجبت عليهم من الحج والعمرة، بفضلك يا أرحم الراحمين».

فكان الحاضرون يرددون بعد كل فقرة كلمة (آمين) ولما وصلت إلى فقرة (وعلى الأمراء بالعدل والشفقة) قال الأمير: أعِدها يا شيخ، أعِدها ياشيخ فأعدتُها.

وهنا قال: إذهب سوف أتصل بجلالة الملك سعود وأخبرك عن النتيجة فوراً.

ودّعتهم وجئتُ إلى الجمع فقرأنا (حديث الكساء). ولم تكن إلا ساعات حتى جاء الأمير السعودي بنفسه وقال لي بالحرف الواحد: يا شيخ قد استجاب الله دعاك.

فرفع الحجاج العراقيون أصواتهم بالصلاة على محمد وآل محمد. هنالك تيقّنت ثلاثة أمور من صميم عقيدتنا الناجية:

الأول: أن وصية المرجع الحكيم ( أن لا أغيّر العمامة في السفر) كانت مُلهَمةً من الغيب. وهي لا تخلو من كرامة السيد (قدس سره).

الثاني: أن الاتصال القلبي بالله سبحانه وإلقاء الجواب بقراءة دعاء الإمام الحجة أيضا لا يخلو من سرًّ ما ورائي.

الثالث: أن الله تعالى يستجيب الدعاء إذا كان الداعي منقطعاً إليه ومتوسلاًبالذين طهرهم من كل رجس.

وهنا قال السيد: إن خير ما ندعو لإصلاح ما فسد من أمور المسلمين أن نقول متضرّعين إلى الله عز وجل:

(اللهم إن هذا دينّك قد أصبح باكياً لِفَقدِر وليك، فصلَّ على محمد وآل محمد وعجل فَرَجَ وليّك رحمةً لدينك، اللهم وهذا كتابك قد أصبح باكياً لِفَقدِ وليّك، فصلً على محمد وآل محمد وعجل فَرَجَ وليّك رحمةً لكتابك، اللهم وهذه عيون المؤمنين قد أصبحت باكيةً لِفَقدِ وليّك، فصلَّ على محمد وآل محمد وعجل فَرَجَ وليّك رحمةً الوليّك ).

ص: 208

ثم سألته عن أهم الخطوات للسير في الكمالات المعنوية، فأجابني:

أ: الالتزام بما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (مَن أخرج الغَلّ من قلبه وسّع الله في رزقه).

ب: المداومة على دعاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ( اللهم لا تَسلُب متّي صالح ما أنعمتَ به عليّ، ولا تردّني في سوء استنقذتَني منه، ولا تشمُت بي عدواً ولا حاسداً، ولا تكلِني إلى نفسي طرفة عين أبدأ ولا أقل من ذلك).

ج: قراءة آية الكرسي خمس مرات بعد صلاة الصبح، فقد أخبرني استاذي المرجع الورع السيد أحمد الخونساري (أعلى الله مقامه) أن من قرأها مرة واحد وكّل الله ملكاً لحفظه من كلّ سوء، وإذا قرأها مرتين وكّل به ملكين، وإذا ثلاثاً فثلاثاً، وإذا أربعاً فأربعاً، ولكنه إذا قرأها خمس مرات فإن الله يقول: أنا وكيلُ لحفظه دون غيره.

د: القيام بصلاة الليل، ولو جلوساً أو قضاءاً.

ه: الاستمرار في قراءة دعاء (يستشير) عند الصباح أو العصر.

و: الاستغفار سبعين مرة عقيب صلاة الصبح كل يوم بهذه العبارة ( أستغفِرُ الله ربي وأتوبُ إليه).

ز: صلاة جعفر الطيّار (رضوان الله عليه) في كل حرم من العتبات المقدسة وإهداء ثوابها إلى صاحب المرقد الشريف.

ح: عندما يكون لك حاجة ملحّة أو عرضت عليك مشكلة عسيرة قم في منتصف الليل وصل ركتعين برجاء المطلوبية (قربةً إلى الله تعالى) ثم قل (110 مرة): اللهم صلّ على وليّ أمرك القائم المهدي.

أجل.. أيها القارئ اللبيب، هذه سطور استفدتُها في لقائي مع (جبرائيل الأرض) كما عبّر به أحد العلماء مازحاً إذ مسح على كتفه وقال: إن لم تصل أيادينا إلى

ص: 209

جبرائيل السماء فإنها ولله الحمد تصل إلى جبرائيل الأرض!

فقال السيد مبتسماً: على أن تعمل بما أوحيه إليك من وحي جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - وهو يقصد من كلمة (أوحيه) معناها اللغوي(1)

ص: 210


1- قصص وخواطر.../ ص 688/ قصة رقم 636

8- نعم الجوار

يقول المرحومان العلامة المجلسي (رضوان الله تعالى عليه) والحاج عباس قمي (رحمة الله عليه) أن المرحوم والد المجلسي كتب خلف رقعة الدعاء المعروف باسم الحرز اليماني العبارة التالية:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وعترته الطاهرين وبعد:

لقد طلب مني السيد النجيب الحبيب زيدة السادات العظام والنقباء الكرام السيد محمد هاشم (أدام الله تعالى تأييده)، أن أجيزه الحرز اليماني المنسوب إلى مولانا أمير المؤمنين (علیه السلام) فأعطيته الإجازة.

لذا أجزتُه أن ينقل هذا الدعاء بإسناد مني عن السيد العابد الزاهد أمير إسحاق أستر آبادي المدفون بالقرب من الضريح المطهر لسيد الشهداء (علیه السلام) بكربلاء وهو ينقل ذلك من خليفة الله صاحب الزمان"عجل الله تعالی فرجه الشریف" حسب الحكاية التالية:

نقل السيد أمير إسحاق الأستر آبادي قال: إنني كنت مع القافلة في الطريق إلى مكة المكرمة حينما تأخرتُ عنها وقليلاً قليلاً شعرت بالتعب والجوع والعطش وتصورت أن منيتي آتية لا ريب فيها. لذا تمددتُ على الأرض ووجهي إلى القبلة وبدأت أقرأ الشهادتين.

وفجأة رأيت صاحب الأمر والزمان ومولى العالمين وخليفة الله على الناس أجمعين،واقفاً على رأسي وهو يقول:

ص: 211

قف يا إسحاق. فوقفت طاعة واستجابة له، وكنت عطشاناً فرواني بماءٍ من معين ثم حملني خلفه على الحصان وسرنا في الطريق وأنا أقرأ الحرز اليماني فكان (عليه أفضل الصلاة والسلام) يصحح لي أخطائي وفجأة وجدت نفسي في بطحاء مكة ثم ترجل (ع) واختفى عن ناظري.

ثم وصلت قافلتي بعد تسعة أيام.

ولما كنت مشهوراً في مكة بأنني طويت الأرض، فقد اختفيت عن أنظار الناس.

ويقول المرحوم المجلسي:

إن هذا السيد الجليل قد حج بیت الله الحرام أربعين مرة مشياً على الأقدام. وعندما كان قادماً من كربلاء لزيارة الرضا (علیه السلام)، وصلت إلى خدمته في أصفهان ورأيت الكرامات والمكاشفات العديدة منه ومنها أنه رأى في المنام أن أجله قد اقترب وعليه أن ينتقل من هذه الدنيا فقال لي: لقد عشت خمسين عاماً بجوار سيد الشهداء وأريد أن أموت بقربه فتوجه مسرعاً إلى كربلاء وكان بذمته سبعة تومانات مؤخر صداق امرأته فأراد أن يأخذ من شخص يطلبه هذا المبلغ يسكن مشهد ليعطيها المبلغ وقد ساعده بعض الأصدقاء في أداء هذا الدين.

ويقول أحد المرافقين له في الطريق إلى كربلاء بأن صحته كانت جيدة حتى وصل كربلاء الحسين (علیه السلام) ثم مرض مرضاً شديداً، ثم توفي بعدها بعدة أيام(1)

ص: 212


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 152/ الطبعة الأولى

9- الحجة البالغة

كان حجة الإسلام والمسلمين الحاج الشيخ محمد أمين أفشار يسكن مدينة كابل عاصمة أفغانستان عندما اعتقلته السلطة الأفغانية بتهمة التشيع ومناصرة الثورة الإيرانية ولحد الآن لا يعرف أحد مكانه ولا مصيره وحتى أولاده لا يعرفون عنه شيئاً.

وكان الشيخ أفشار يزورني ويستأنس بلقائي عند زيارته مدينة مشهد وكان أغلب حديثا يدور حول صاحب الزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف" وقد تحدث عن قصة وقعت في أفغانستان، أثناء أدائنا فريضة الحج سوية وقال عنها إنها قصة معروفة في أفغانستان.

ثم رأيت هذه القصة بعد ذلك في كتاب (عبقري الحسان) تأليف المرحوم الحاج الشيخ علي أكبر نهاوندي العالم الفاضل ومن أجل أن لا أزيد أو أنقص من تلك الحكاية فإني أنقلها كاملة كما هي من الكتاب المذكور.

كان العالم الفاضل الجليل الآخوند الملا أبو القاسم قندهاري من الأشخاص الذين خدموا الحجة بن الحسن (علیه السلام) وتشرّفوا بلقائه عدة مرات. ولما كنت طالباً تدوين مثل هذه الحكايات، طلبت منه شخصياً أن يكتب خطياً تلك القصة ويرسلها لي.

فكان جوابه بالإيجاب حيث كتب قائلاً:

كنت في عام 1266 هجري قمري أدرس على يد الملا عبد الرحيم بن الملا حبيب الله الأفغاني، وكان كتابنا ( التهيئة والتجريد ) مدوناً بالفارسية.

وفي عصر أحد أيام الجمعة، ذهبت لزيارة أستاذي والتحدث إليه فوجدته قد فرش سطح البيت الداخلي واجتمع عنده عدد من العلماء والقضاة والقراء الأفغانيين وكان

ص: 213

بينهم ملا غلام قاضي القضاة والضابط العسكري محمد علم خان بن العقيد حمدالله خان وأحد العلماء المصريين. وكان حديثهم يدور حول عدد من المواضيع العامة حتى وصلوا إلى فرقة الشيعة فأخذوا يتحدثون كثيراً عنهم. فقال قاضي القضاة:

في إحدى العقائد الخرافية للشيعة إنهم يقولون بأن المهدي بن الحسن العسكري قد اختفى في سرداب بيته عام 255 وما زال حياً يُرزق ونظام الوجود والكون مرتبط بوجوده.

ثم أخذ الجميع يكيلون التهم الباطلة إلى الشيعة.

وبعد أن انتهى القاضي من حديثه، انبرى العالم المصري بالحديث فقال: كنت أدرس على يد العالم الفقيه الفلاني في مسجد العلويين بالقاهرة عندما تحدث عن صاحب الزمان ووصف شمائله وخصوصياته وعظيم شأنه ومهابته وروعته... الخ.

وهنا بدأ القيل والقال بين الحاضرين ثم سكتوا فجأة بسبب دخول شاب مهيب الطلعة نوراني المحيا تبدو عليه شمائل العز والكرامة والأبهة، حيث تنطبق أوصافه على تلك الأوصاف التي كان يتحدث بها العالم المصري، فأطرق الجميع برؤوسهم نحو الأرض وتصببوا عرقاً ولم يستطع حتى واحد منهم أن يرفع رأسه لينظر في وجه ذلك الشاب الغريب!

ثم بدأ الجميع يغادرون المجلس واحداً بعد الآخر دون تحية أو سلام وانتبهت بأن قائم آل محمد (علیه السلام) قد غيّر أحوال الجميع خلال ربع الساعة الماضية.

وعندما رجعت للدار بقيت أكثر الليل ساهراً من السرور والارتياح وذلك لتشر برؤية الحجة بن الحسن (علیه السلام)، وشعرت بالضيق الشديد لأن ذلك لم يدم طويلاً ولم أتشرف بلقائه ثانية.

وفي اليوم التالي ذهبت إلى درس الملا عبد الرحيم فأخذني إلى مكتبه وجلسنا نحن الاثنان لوحدنا فالتفت إليّ وقال: هل انتبهت أمس عندما دخل ولي العصر (عجل الله

ص: 214

تعالى فرجه الشريف) إلى المجلس وكيف تغيرت أحوال الجالسين؟ فقلت له: كلا لم ألحظ ذلك.

قاصدأ من وراء ذلك أن أتعرف على مدى معرفته وتصديقه للموضوع. ثم قال: إن الموضوع كان واضحاً جداً ولا يمكنك أن تنكره !حيث انتبه جميع من في المجلس عند قدومه وتأثيره على الحاضرين.

وفي اليوم التالي التقيت بعطا باشي فنقل الحكاية نفسها وبعد يومين استدعاني قاضي القضاة وسألني السؤال نفسه. وكان ذلك الحدث قد أثر بشكل قوي وعجيب في نفوس جميع الحاضرين في المجلس).(1) .

ص: 215


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 154/ الطبعة الأولى

10- جاءني الإمام واختارني

المرحوم السيد غلام رضا الكسائي، من العلماء الزهّاد المخلصين، صهر العلامة الأميني (صاحب الغدير) . أعلى الله مقامهما. قال:

لّما كنت طالباً في مدرسة دينية بمدينة تبريز، كان خادم المدرسة رجل مؤدّب متواضع ومن أهل التقوى والصلاح، يعمل بوظائفه الفردية والاجتماعية بصدق وإخلاص، وكان ذا روحية عجيبة، قليل الكلام كثير السعي شديد الكتمان، وهو وإن كانت مسؤوليته تنظيف المدرسة لكنه يعين الطلبة في تنظيف حجرهم دون أن ينتظر منهم مكافأة وثمناً، بل وأحياناً كان يغسل ثيابهم أيضأ وإذا رأى أحدهم يريد الذهاب الشراء حاجة تقدّم إليه وتوسّل منه أن يسمح له بهذه الخدمة، وبلغ به الأمر أن كان يملا إبريق الماء من حوض المدرسة ويحمله إلى بيت الخلاء لئلاّ يتعتّى الطلبة ذلك، وهذا كله لم تكن من وظائفه المخصّصة له كخادم للمدرسة، ولكنّه كان يقوم بذلك بصفاء النفس وإخلاص النية فيزرع بذلك حبّه في قلوب الطلبة ويعلّمهم التواضع العلمي.

ذات منتصف ليلة خرجتُ من حجرتي لإسباغ الوضوء، فرأيت شيئاً عجباً! رأيت نوراً روحانياً في حجرة الخادم. ولم تكن الكهرباء قد عرفت بعد،حيّرني الأمر بشدّة، وتقدّمت خطوات نحو الحجرة لأكتشف حقيقة ما أرى، فلمّا قربتُ سمعتُ كلاماً يتردد بين الخادم ورجل آخر.

من جهة لم أكن أودّ الدخول عليه، ومن جهة قَوِيَ حسّ الاستطلاع في قلبي، إذ كان ذلك النور يبهتني ويجذبني.

ص: 216

فدنوتُ خطوات أخرى حتى وصلت خلف الباب، فصرت أسمع الخادم يتكلم بصوت خافت، ولكن الطرف الثاني لم أشخّص كلامه.

وقفت في حيرتي أستمع صوتهما دون أن أفهم ما يقولانه، وفجأة انقطع الصوت وذهب النور العجيب، فلم أصبر طويلاً، طرقتُ الباب فوراً!

قال الخادم: مَن؟

قلت: أنا (فلان) افتح الباب.

فتح الباب، فسلّمتُ عليه وسألته هل تسمح لي بالدخول؟

قال: تفضّل.

دخلت الحجرة وجلست، ولكن لم أر أحداً غيره، ولم أجد هناك شيئاً غير مألوف..

سألني: هل من أمر؟

قلت: لا، ولكن هل كنتَ تتكلّم مع شخص؟ قل لي الحقيقة ماذا كان يحدث هنا؟

أخبرني وإلا سوف أنبّه الطلبة الآن ليأتوا هنا ويمطروك بأسئلتهم عن واقع الحال!

قال: أحكي لك ما جرى هذه الليلة، بشرط أن لا تحكيه لأحد.

قلت: قبلتُ الشرط.

قال: أنا موجود إلى يوم الجمعة، عاهدني أن لا تظهر سرّي إلى ظهر يوم الجمعة.

وكانت تلك الليلة ليلة الأربعاء، فعاهدته أن لا أفشي سرّه إلى يوم الجمعة كما حدّده لي.

فقال: الحقيقة هي أنّ سيدي ومولاي الإمام الحجة عليه السلام كان هنا، وكنت بين يديه نتبادل الحديث.

فزاد عجبي وسألته: حول ماذا كان يحدّثك الإمام؟

ص: 217

قال: هناك ثلاث فئات ترتبط بالإمام الحجة عليه السلام في عصر الغيبة، كحواريّين ذوي درجات. كلّ فئة أقل عدداً من الأخرى، الفئة الأقل عددأ هي من الدرجة الأولى في القرب والاعتماد، وهكذا الطبقة الثانية والثالثة.

هذه الفئات الثلاثة من حيث الناحية المعنوية والباطنية عل شكل حلقات متداخلة،وعندما يموت واحد من هؤلاء يختار مكانه الإمام عليه السلام واحداً من الطبقة التي تليها ويحلّ مكانه واحد من الطبقة الأخرى ترفيعاً لمقام كل من أصلح نفسه من الطبقات الشيعية العامة، تبعاً لمستوى التقوى والفضائل الأخلاقية والحالة الروحية التي اكتسبها الفرد وهيّأ نفسه بها من قبل.

فأنا في يوم الجمعة، حيث يموت شخص من الطبقة الثالثة، جاءني الإمام (روحي فداه) واختارني لأداء المهام في مكانه.

وهنا انتهى كلام الخادم ولم يقل شيئاً وأنا غدوتُ مندهشاً، خرجتُ من الحجرة بدهشتي وكانت حالتي عجيبة، مشاهدتي لذلك النور وسماعي لهذه القصة قد أحدثا في وجودي طوفاناً لا أستطيع وصفه، لم أستقرّ نفسياً ، صرتُ أقول لنفسي: إنّ رجلاً كتّا ننظر إليه بعين عاديّة وأنّه خادم لا قيمة له، هو صاحب مقام ومنزلة وسعادة، يزوره الإمام الحجة عليه السلام بنفسه، ويدعوه إلى درجة خواصّه!

يا لها من عظمة خفيّة وكمال معنوي شامخ !

لقد أحدثت هذه القضية تموّجات في باطني، فلم أتمكّن من النوم تلك الليلة ولا حتّى القيام بالعبادة.

وحيث أصبحتُ بدأت أراقب الخادم، رأيته خرج من حجرته كعادته اليومية وبرزانة ووقار معهود، فأخذ يعمل دون أن يُرى على ظاهره ما يدعو إلى استغراب، أمّا أنا فقد كنتُ قلقاً في تفكيري ومضطرباً في نفسيتي.

ومرّ يوم الخميس أيضاً كيوم الأربعاء بالطريقة نفسها، ولم أجعله يفلت من عيني،

ص: 218

فقد كان يكتس المدرسة وينظّف ويشتري للطلبة ما يحتاجونه. حتّى أنني لما أردت أملئ الإبريق ماءاً أسرع نحوي وطلب أن يقوم بذلك بدلاً عني، فما سمحتُ له، وقلت له لن أسمح لنفسي التجاسر على مقامك بعد هذا، أنت سيدي وأنا خادمك، ولولا أني عاهدتك أن لا أفشي سرِّك لأعلنتُ للطلبة عن مقامك الرفيع.

وعند سَحَرَ الجمعة، بدأ (الخادم) يعمل، وكانت حالتي عجيبة، لأن ساعة موعده اقتربت وازددت مراقبة له واشتدّ في قلبي حبُّ الاستطلاع لحاله، فقد حضر اليوم الموعود، ماذا سوف يحدث يا تُرى؟!

رأيته خرج من حجرته مع طلوع الشمس، فبدأ بعمله اليومي في المدرسة، ثمّ أخذ يغسل ثيابه وينشرها في الشمس وغسل حذاءه أيضاً ووضعه جانباً.

وعند الزوال جمع ثيابه وأخذ حذاءه، ثمّ ربط ظهره بإزار واغتسل في حوض المدرسة.

وكان الجوّ حاراً، والطلبة في عطلة، أكثرهم خرجوا من أول الصباح إلى زيارة أقاربهم، والقليل منهم في الحجر أو ساحة المدرسة مشغولون بأمورهم. وكنت أحسب الدقائق باضطراب نفسي شديد، عيني لم تنحرف عن مشاهدة الخادم، إنها اللحظات الأخيرة من سفرة مدهشة للغاية، فقد جعلتُ نظراتي حادّة تلاحقه بدقّة، أريد أن أكتشف ماذا سيحدث ساعة موعده مع الإمام الحجة عليه السلام، كيف ينتقل من عندنا ليلتحق بالصفوة المقرّبين للإمام الحجة عليه السلام؟

رأيته خرج من الحوض، ووقف في الشمس حتّى نشف جسمه، ثمّ لبس ثيابه وحذاءه وأخذ ينتظر كالمسافر المشتاق! وعند أذان الظهر، ومع الكلمة الأولى للأذان ( الله أكبر ) فجأة غاب عن عيني، فقمت كالمدهوش أبحث عنه ولكن لم أجد له أثراً!

شخص كان بين أيدينا قبل لحظات، كان جالساً عند الحوض، وكان من أوّل الصباح إلى أول الزوال تحت نظري الفاحص، كيف غاب هكذا يا إلهي؟!

ص: 219

جئت مسرعاً عند حوض المدرسة، وأخذت أنادي، فخرج بعض الطلبة ليروا ما القضية، فجاؤوا وسألوني ما المشكلة؟ أفهل أعتراك جنون؟

قلت: أكثر من الجنون أيّها الأخوة. سألوني مستغربين: ماذا تقول؟ قلت: أين اختفى الخادم؟ قال: أي خادم؟! قلت: خادم مدرستنا الرجل الذي كان يتفانى في خدمتنا.

نظروا حولهم وفتّشوا ثم قالوا: غير موجود فلعلّه ذاهب إلى السوق أو صلاةجماعة.

قلت: أبدأ، إنه الآن التحق بالإمام الحجة عليه السلام فقد أصبح من أصحابه المقرّبين من هذه الساعة.

سألوني: ما القصة؟

فشرحتُها لهم من بدئها في ليلة الأربعاء حتى احتفائه قبل ساعة. فشاركوني في الدهشة، وكان الحقّ كذلك، دهشة تحاكي دهشة، وهكذا لم ير أحد منّا بعد ذلك أثراً للخادم ولا تكرار لرؤيته.

يقول ناقل هذه القصة وهو المرجع الورع سماحة الشيخ وحيد الخراساني (دام ظله العالي) الذي حكاها في يوم (21 من شعبان/ 1404ه) لطلبته في حوزة قم المقدسة أنه سمعها قبل أربعين سنة من المرحوم السيد غلام رضا الكسائي نفسه من دون واسطة. وقد كان رجلاً في درجة عالية من الصدق والتقوى والعدالة. وأضاف الشيخ أن السيد الكسائي لما نقل له القصة قال: لقد مرت أربعون سنة على الحادثة ولم أجد للخادم أثراً (1)

تضمّنت هذه القصة نقاطأ عديدة في العقائد والاخلاق الاجتاعية والسلوك المعنوي، أرجو من الله تعالى وبحقّ وليّنا المهدي المنتظر (روحي لتراب مقدمه الفداء) أن يهدينا إلى العمل بتلك النقاط المنقذة من الهلاك الفكري والفساد السلوكي.

ص: 220


1- بالفارسية (شاخه کلی از ملكوت) تأليف السيد جمال الدين الحجازي/ص 84.و عن قصص وخواطر،ص702،قصة رقم 644،

11- خيمة في سهل أنضر

يقول السيد حسن الأبطحي:

سمعت هذه الحكاية من شخص موثوق اسمه الحاج حيدري في مشهد ولكن وبسبب أنني لم أدّونها في تلك الفترة وبعد قراءتي كتاب (آثار الحجة) لحجة الإسلام والمسلمين الحاج الشيخ محمد رازي الذي اعتبر الحاج حيدري شخصاً موثوقاً وكتب عنه بعض الروايات، لذا فإنني سوف أذكر هذه الحكاية مستنداً إلى ذاكرتي وكتابات الشيخ رازي.

قال الحاج الميرزا علي حيدري:

سمعت هذه الحكاية من حجة الإسلام والمسلمين الحاج الشيخ إسحق رشتي نجل المرحوم آية الله الحاج الشيخ حبيب الله رشتي وعندما سافرت إلى سوريا لزيارة مرقد السيدة زينب (علیها السلام)، كنت في خدمة المرحوم آية الله الحاج السيد محسن العاملي حيث نقل هذه الحكاية بنفسه فقال: في عهد حكومة الشريف علي في الحجاز، تشرفت بزيارة مكة المكرمة وأداء فريضة الحج الإلهية. وكنت قبل ذلك قد استلهمت بأنني سوف ألاقي بقية الله - أرواحنا فداه -، ولذلك فإنني كنت أفكر كثيراً بالحجة بن الحسن (علیه السلام) ولكنني لم أوفّق للمثول بين يديه. وصممت على الرجوع إلى وطني لبنان ولكنني تذكرت أن الطريق بعيد وربما أوفق بلقاء صاحب الزمان في موسم الحج التالي، لهذا بقيت في مكة المكرمة لهذا القصد.

ولكنني أيضا لم أوفّق للمثول بين يديه ولقاء الحجة "عجل الله تعالی فرجه الشریف" فبقيت سنة ثالثة ورابعة وحتى سبع سنوات ولكني لم أتوصل إلى خدمة المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف).

ص: 221

وفي خلال تلك المدة تعرفت بالشريف علي وأخذت أتردد عليه. وكان هذا من الأشراف السادة العلويين ومذهبه زيدي يؤمن بأربعة من الأئمة المعصومين (علیهم السلام).

وفي السنة الأخيرة من موسم الحج ونظراً لأنني لم أوفّق لرؤية الإمام المنتظر"عجل الله تعالی فرجه الشریف" طوال تلك السنوات فقد شعرت بالأسى والخذلان ومن أجل إزاحة الهم والغم عن كاهلي تسلقت أحد الجبال المحيطة بمكة المكرمة فوقع نظري على سهل فسيح أخضر رائع جداً فقلت في نفسي: كيف لم أمتَّع نظري بهذا المنظر الخلاب طوال تلك المدة التي قضيتها في مكة المكرمة.

ثم نزلت من الجانب الآخر للجبل إلى ذلك السهل الأخضر فرأيت خيمة قد نصبت في وسطه وقد التقيت بمجموعة من الرجال حول رجل تبدو عليه سيماء العظمة والكرامة والجلال وكان يبدو عليه وكأنه يقوم بإلقاء درس أو محاضرة على الجماعة، ثم سمعت منه هذه الجملة «أثناء احتضار أولاد وذراري جدتنا الزهراء (علیها السلام) يتم تلقينهم الإيمان والولاية ولن يترك أي واحد منهم الدنيا بدون المذهب الحق والإيمان الكامل»

وفي هذه الأثناء شاهدت رجلاً جاء من جهة مكة وقال لذلك السيد الجليل:

الشريف يحتضر، تفضل معنا.

ولما سمعت هذه العبارة، أسرعت إلى مكة ودخلت قصر الملك فشاهدته فعلاً في حالة الاحتضار، وكانت مجموعة من العلماء والقضاة يلقّنونه العبارات الدينية اللازمة ولكنه كان مطبقاً فاه ولم ينبس بكلمة وأولاده يحيطون به وهم صامتون ومتأثرون. وفجأة لاحظت دخول ذلك السيد الجليل إلى غرفة الملك ثم جلس على رأسه. ويبدو وكأني الوحيد الذي لاحظت دخوله إذ لم يظهر ذلك على سيماء الآخرين المتواد جين معي في الغرفة.

ثم قال ذلك السيد الجليل موجهأ كلامه إلى الشريف علي:

ص: 222

(قل أشهد أن لا إله إلا الله) فردد الشريف ذلك. ثم قال: (قل أشهد أن محمداً رسول الله) فردد الشريف ذلك ثم قال: (قل أشهد أن علياً حجة الله) فردد الشريف ذلك وعلى هذا المنوال أخذ يلقّنه الأصول الدينية مع ذكر أسماء الأئمة الأطهار حتى وصل إلى اسم الحجة المنتظر"عجل الله تعالی فرجه الشریف" فقال للشريف:

(قل أشهد أنك حجة الله) فردد الشريف ذلك. وهنا أدركت بأنني قد وُقَّقتُ إلى لقاء صاحب الزمان"عجل الله تعالی فرجه الشریف"، مرة في تلك الحجة والأخرى عند رأس الشريف المحتضر، ولكنني مع الأسف الشديد شعرت وكأن لساني قد انعقد عن الكلام وتيبست أطراف ولم أتمكن حتى من السلام عليه.

وللعلم فإن آية الله السيد محسن العاملي توفي عام 1371 هجري في الشام ودفن في صحن السيدة زينب (علیها السلام)(1) .

ص: 223


1- اللقاء مع صاحب الأمر: ص 83 - 86. وجنة المأوى، ص 354، قصة رقم 148، الطبعة الأولى

12- نم يا حلم

كان في عصر العلامة الحلي (رضوان الله تعالى عليه أحد المخالفين لأهل بيت العصمة والطهارة وكان قد كتب كتاباً في الرد على الشيعة وكان ينتفع به في المجالس الخاصة والعامة.

كما إنه لم يسمح بإعطاء الكتاب لأي فرد كان حتى لا يقع في أيدي المعارضين ويستفيدون منه للرد عليه. لكن العلامة الحلي (عليه الرحمة) مع ما كان عليه من العظمة والجلال والعلم الوفير فكّر في طريقة للحصول على هذا الكتاب فتقدم إلى ذلك الرجل صاحب الكتاب وقدم نفسه باعتباره طالب علم لديه وبقي مدةّ يدرس على يديه حتى وثق به وأصبح من أقرب أصدقائه.

وفي أحد الأيام طلب العلامة الحلي منه ذلك الكتاب ولما كانت له تلك المكانة المحمودة لديه، لم يستطع أن يرده وقال: لكنني لن ولم أسمح لنفسي أن أعطي هذا الكتاب لأحد أكثر من ليلة واحدة. فرضي العلامة الحلي بهذا الشرط وأخذ الكتاب.

وفور وصوله للدار بدأ ينقل محتويات الكتاب بكل سرعة حتى يتمكن منإتمامه في تلك الليلة.

ولما انتصف الليل شعر العلامة بضغط السهر عليه ولم يستطع مغالبة الكري. وفي هذه الأثناء دخل عليه ضيف نوراني جليل ملأ الغرفة برائحة زكية وأنوار متلألئة وقال له:

نم يا حلي ودع كتابة بقية المحتويات عليّ. فيغط العلامة (رضوان الله تعالى عليه)

ص: 224

وفي نوم عميق دون أن يجادل أو يستفسر الأمر.

وعندما استيقظ في الصباح هرع إلى الكتاب ليرى ما جرى له وإذا به يجده منقولاً نقلا كاملاً وفي نهاية الكتاب كتبت العبارة التالية: (كتبه الحجة)(1)

ص: 225


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 157/ الطبعة الأولى

13- عناية الإمام بزوّاره

السيد مرتضي حسيني مصلح ساعات في قم (هو أحد الأشخاص المؤمنين والمتدينين في جنوب مدينة قم) قال:

في ليلة الخميس في فصل الشتاء كان الطقس بارداً جداً وكانت الأرض مغطاة بالثلج، وكنت أنا جالساً في المنزل، فجأة تذكرت الشيخ محمد تقي بافقي رحمة الله عليه يريد أن يذهب إلى مسجد جمکران في هذه الليلة. قلت في نفسي ربما حذفوا البرنامج الليلة لكن قلبي لم يحتمل فذهبت وراءهم لكن فلم أجدهم بالمنزل ولا بالمدرسة وكنت اسأل عنهم عند كل الأشخاص حتى وصلت عند الخباز، سألته عنهم فقال لي: لن تجدهم لأنهم ذهبوا مع جماعة من الروحانيين إلى مسجد جمکران.

لقد قلقت كثيراً قلت يمكنني أن أصل إليهم وأرجعهم إلى القرية أو أرسل خلفهم جماعة مع أمتعة أو ما يحتاجونه قال لي الخباز: لا نفعل هذا لأنك لن تلحق بهم فلا بد أنهم قد وصلوا إلى المسجد الآن، خفت كثيراً لكنني لم أكن قادراً على أن أفعل شيئاً فرجعت إلى المنزل حزيناً، سألوني ماذا حصل لك؟ شرحت لهم القضية فقلقوا كثيراً وبدأو بالدعاء بوقت السحر، غفلت ورأيت بمنامي أن الإمام المهدي "عجل الله تعالی فرجه الشریف" دخل إلى منزلي وقال لي:

لماذا أنت حزين يا سيد مرتضى؟ قلت له يا مولاي يا صاحب الزمان لأنالحاج الشيخ محمد تقي بافقي ذهب إلى مسجد جمکران ولا أعرف ماذا جرى له - قال المولى هل تعتقد أنني بعيد عن زواري؟ لقد ذهبت إلى مسجد جمکران وجلبت لهم ما يحتاجونه ورجعت.

ص: 226

ففرحت كثيراً فنهضت وحدثت عائلتي في المنام ففرحوا كثيراً.

وفي الصباح استيقظت مبكراً للتأكد من أحوالهم فرأيت واحداً من أصحاب الشيخ فسألته عن الليلة الماضية فقال لي: في الليلة الماضية ذهبنا إلى مسجد جمکران ومشينا تحت الثلج وكان الطقس بارداً في هذا الزمهرير وصلنا إلى المسجد بعد وقت قليل وكنا نفكر كيف يمكننا أن نمضي الليلة.

فجأة رأينا سيداً بعمر 12 سنة أتي إلينا ثم قال للشيخ هل تريدون النار والغطاء؟ قال الشيخ: أجل ثم خرج السيد من المسجد وبعد دقائق رجع وكانت بيده أغطية ومنقلة من النار ووضع الأغراض في الغرفة ورتبها ثم سأل عن الشيخ هل سيحتاج إلى شيء آخر؟ قال الشيخ: لا، ثم سأله أحد من أصحاب الشيخ قال له: نحن سنذهب صباحأ لكن لمن نسلم الأغراض؟ قال السيد: الذي جلبها سيأخذها ثم انصرف.

تعجبنا كثيراً لأننا لم نعرف من هو السيد ومن أين جلب الأغراض لأن المسافة بين المسجد وقرية جمکران بعيدة. وهذا العمل تحت البرد والثلج صعب جداً. ولم نزل نفكر في هذا الأمر ولحد الآن لم نجد له أي جواب - أخبرته بما رأيت في منامي وعرف الشاب من كان هو السيد وقلت له: أنا خرجت من المنزل لتأكد من صدق منامي والحمد لله عرفت أن الإمام يهتم بزوّاره وحاج شیخ محمد تقي بافقي وأصحابه بخير وسلامة (1)

ص: 227


1- من كتاب الشيخ محمد تقي بافتي، صفحة 19. وكرامات المهدي

14- في ضيافة الرحمن

وفي نهاية حكايات اللقاء مع صاحب الأمر والزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف"ينقل السيد حسن الأبطحي، صاحب كتاب «اللقاء مع الإمام صاحب الزمان"عجل الله تعالی فرجه الشریف"» حكاية علي بن مهزيار الذي تشرف بلقاء الحجة بن الحسن (علیه السلام) والتي ذكرها أغلب المؤلفين وهي معروفة لدى القاصي والداني.

جعلنا الله وإياكم ممن يمن عليهم البارئ (عز وجل) بالتشرف بمحضر وجوده المقدس، والوصول لخدمة صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالی فرجه الشريف). كتب علي بن مهزيار حكايته مع الحجة بن الحسن (علیه السلام) فقال: تشرفت بحج بيت الله الحرام (19) تسع عشرة مرة وفي كل مرة أمل أن ألاقي الحجة وأتشرف بمحضره الشريف لكنني مع الأسف لم أوفق إلى ذلك. ودبّ اليأس في قلبي من لقائه ولهذا صممت أخيراً على عدم الذهاب إلى مكة المكرمة بعد الآن. وعندما حان موسم الحج وسألني رفاقي هل أتوجه معهم إلى الديار المقدسة، أجبتهم بأن لدي مشاكل هذا العام وليس في نيتي الحج.

وفي تلك الليلة رأيت في المنام أحد الأشخاص وهو يقول لي: لا تقطع حجتك هذه السنة وتعال إلى مكة، وإن شاء الله تصل إلى قصدك .

وعلى أمل هذا اللقاء هيّأت نفسي للحج وعندما شاهدني أصحابي عجبوا من أمري ولكنني لم أخبرهم بسبب تغيير رأيي والتصميم على السفر إلى الديار المقدسة.

حتى وصلنا مكة المكرمة وأدينا فرائض الحج وكنت دائماً أجلس في زاوية منعزلة وأسرح بأفكاري في عالم الأحلام لعلي ألاقي حبيبي وإمامي الحجة (علیه السلام). وفي أحد الأيام

ص: 228

وحينما كنت منزوياً في ركن منعزل في المسجد وقد وضعت رأسي بين ركبتي، وإذا برجل يربِتُ على متني ويسلم ويقول:

من أي بلد أنت؟ فقلت: من الأهواز.

ثم سألني: وهل تعرف ابن الخصيب؟

فقلت: يرحمه الله فقد انتقل إلى الدار الآخرة.

فقال: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، كان رجلاً طيباً محباً للإحسان للناس.

ثم سألني: وهل تعرف علي بن مهزيار؟

فقلت: أجل، أنا هو.

فقال: أهلاً وسهلاً ومرحباً بك يا بن مهزیار، لقد عانيتَ الكثير من المشاق كي تصل إلى زيارة صاحب الزمان"عجل الله تعالی فرجه الشریف". وأنا أبشرك بأنك ستوفق هذه المرةلزيارته ولقائه، اذهب إلى أصحابك وودعهم ثم تعال مساء الغد عند شعب أبي طالب حيث آخذك لخدمة مولانا صاحب الزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف". فذهبت فرحاً مسروراً وحزمت أمتعتي وودعت رفاقي ثم توجهت في تلك الليلة إلى شعب أبي طالب فوجدت ذلك الشخص في انتظاري.

ثم ركبنا سوية جملاً من مكة ومررنا بجبال عرفات ومنى حتى وصلنا إلى جبال الطائف فقال: لنترجل حتى نصلي صلاة الليل. فترجلنا وصلينا سوية ثم ركبنا البعير وواصلنا سيرنا حتى مطلع الفجر حتى ترجلنا ثانية وتوضأنا وصلينا صلاح الصبح.

ثم أخذ بيدي مسافة قصيرة وقال: أنظر هناك ماذا ترى؟ وكان الوقت قد اقترب

ص: 229

من الصباح وبانت تباشير الشمس فقلت له: أرى خيمة وقد أنارت الصحراء. فقال: أجل إنه نور وجوده المقدس. دعنا نذهب لخدمته. فقلت له: وماذا عن البعير؟ فقال: نتركه هنا. ثم واصلنا السير حتى وصلنا إلى الخيمة فقال لي: انتظر هنا حتى أستأذن لك بالدخول.

ثم دخل الخيمة منفرداً وبعد لحظات خرج وقال: أبشرك فقد سمح لك صاحب الزمان بالمثول بين يديه والتشرف بلقائه المقدس.

ولما دخلت الخيمة شاهدت شاباً وسيماً رائع الجمال دقيق الأنف معقود الحاجبين وعلى خده الأيمن خال يأسر الألباب! وبكل لطف ومحبة سأل عن أحوالي ثم قال: لقد عاهدت والدي أن لا أسكن المدن والأمصار حتى يأذن لي الله (تعالى) بالخروج فأترك هذه الجبال والفيافي التي أعيش فيها خشيةمن الطغاة والجبارين.

ثم بقيت عدة أيام ضيفاً على صاحب الزمان "عجل الله تعالی فرجه الشریف" وتشيعت بوجوده المقدس واستفاض قلبي من وجوده علماً وأدباً وخلقاً حتى آن ذهابي فقدمت (50) خمسين ألف درهم التي معي باعتبارها سهم الإمام إلى وجوده المقدس، لكنه رفض قبول المبلغ وقال: أنت أحوج بها وخاصة أمامك طريق طويل للوصول إلى وطنك وأهلك.

ثم ودعته وتوجهت إلى الأهواز وما زلت أتذكر تلك الأيام العظيمة التي قضيتها في خدمة إمام العصر والزمان وكلي أمل أن ألقاه ثانية بإذن الله(1)

ص: 230


1- اللقاء مع الإمام .../ ص 159/ الطبعة الأولى

15- إنه من فضلنا أهل البيت (علیهم السلام)

قبل خمسين عاماً تقريباً سافر العالم التقي الشيخ النمازي إلى حجّ بيت الله الحرام في حملة من إيران. ولم تكن في ذلك الزمان وسيلة من الوسائل الحديثة للنقل إلا حافلات الباص .

يقول سماحة الشيخ غفاریان (حفظه الله) تحرّكت الحافلة بركّابها الأربعين شخصاً تقريباً، ففي الطريق بين مكّة والمدينة ضيّع السائق طريق مكّة، فزجّ بالحافلة في طريق صحراوي وَعِر حتّى نفد وقودها وغرست إطاراتها في التراب، فلم يروا من جهاتهم الأربع أثراً يدلّهم إلى مكة المكرِّمة. تحيِّروا في أمرهم وراحوا يندبون إلى الله تعالى واستمرِّت هذه الحالة بهم إلى حدود أسبوع، حتّى نفد زادهم ( الماء والطعام) وأوشكوا على الموت الذي كانوا يرونه بالقرب منهم فأخذوا يحفرون قبوراً؛ لأنفسهم كي يناموا فيها عند الإحساس بالنهاية.

في هذه اللحظات المأساوية تذكّر الشيخ النمازي لماذا لم يتوسّل بالمنقذ الموعود الحجّة بن الحسن المهدي عليه السلام فقام باستنهاض الإمام وأخذ في حضور الجمع اليائس يدعو ويتضرّع ويقسم على الله تعالى بحقّ القائم من آل محمد، ثم استولى عليهم الضعف فافترشوا الأرض، ساعة بعد ذلك وإذا الشيخ يرى بعيراً عليه ورجالاً، ومن بينهم رجل وسيم متميّز بنورانيّته عن الباقين، فجاؤوا حتى بلغوا عندنا، فتقدّم الشيخ النمازي إلى ذلك الرجل وسأله: هل أنتم من هذه المناطق؟

فأجابه الرجل: نعم أيها الشيخ النمازي . هكذا سمّاه باسمه ولكن الشيخ لم يدرك !

فسأله الشيخ: إن كنت تعرف الطريق أرشدنا أيّها العربي فقد تِهنا في هذه

ص: 231

الصحراء تيهاً أوشكنا على الموت كما ترى حالنا.

فقال الرجل: لا بأس عليكم، ولكن أوّلاً كلوا واشربوا مما عندنا.

يقول الشيخ النمازي: فأكلنا من التمر وشربنا من الماء حتى استعدنا قوانا البدنية، ثم أمرنا أن نركب حافلتنا المعطّلة. فركبنا جميعاً ونادي الرجل (العربي) سائقنا باسمه: تعال وقُد سيارتك لأدللك الطريق. فجلس الرجل بيني وبين السائق وقال له: شغل. فشغلها وتحرّكت السيارة دون أن نتذكّر أن السيارة خالية من الوقود وغارسة في التراب !

فما تحركنا من ذلك المكان حتى ارتفعت أصوات الركاب بالصلاة على محمد وآل محمد. ولم يكن أحد منا يعرف عمق الحالة هذه وشخصية الرجل هذا. أخذنا إلى طريق مكة ورأينا سيارات أخرى في الطريق ولكن طلب أن نعيده إلى بعيره وأصحابه. فرجعنا وكنت أشكره على إحسانه وإنقاذه لنا، وهو أخذ يسألني كيف حال الخراسانيين وأوضاع الزراعة والزرّاع ؟فأجيبه: جيدة ولله الحمد. فكلما كنت أقول هذا في جوابه كان يعلّق قائلاً: إنه من فضلنا أهل البيت.

إلى أن سأل كيف حال الحاج الشيخ حسين؟ . وهو المرجع الديني اليوم المعروف بالوحيد الخراساني. فقد كان في ذلك الزمان شاباً يرتقي المنبر الحسيني في مناطق من خراسان ..

فقلت له: تقصد الشيخ وحيد؟

قال: نعم، ذلك الخطيب الحسيني.

قلت: صحّته جيدة ولله الحمد.

قال: إنه موضع تأييدنا.

وإلى هنا يقول الشيخ لم أدرك شخصية الرجل العربي هذا رغم أسئلته العجيبة

ص: 232

الدالة على معرفته بنا واهتمامه بأوضاعنا.

فلما وصلنا إلى أصحابه ودّعنا وقال: لقد عرفتم الطريق فارجعوا إليه.

رجعنا بعض المسافة، وفجأةً تذكرتُ، مَن يمكن أن يكون هذا الرجل؟

أين عرف هذه الصحاري من قضايانا وأسمائنا؟!

فرجعنا لأسأله عن اسمه فلم نجد له أثراً في امتداد أنظارنا، هناك أدركتُ أنه لم يكن سوى الإمام المهدي (روحي فداه) وقد كان معنا وإلى جنبنا ويحدُنا ونحن نجهله رغم كلّ القرائن والعلامات والإشارات، خاصّة كلمته التي كان يكرّرها (هذا من فضلنا أهل البيت).

وهكذا لّما عرفنا حقيقة الأمر جلسنا مكاننا وبكينا نادبين الإمام وشاكرين ربّنا سبحانه على تلك النعمة العظيمة(1)

ص: 233


1- قصص وخواطر.../ ص 711/ قصة رقم 646

ص: 234

الفهرس

مقدمة ...5

العلماء والإمام الحجة (عج) ...13

شفاء ولد من الشلل ...18

أعط هذا الرجل منصب الجندي ...20

وفي الليلة الظلماء ...25

إنهض فصاحب الزمان يريد أن يراك ...29

شفاء الجروح الذي جرح في الحرب ...35

يد الله فوق أيديهم ...37

الفارس المنقذ...43

فرج بعد شدة ...45

جنة الأرض ...49

یا صاحب الزمان أدركني...56

شفاء الأخرس ...60

أي من هؤلاء هو الإمام الحجة ...61

الذي تسألون عنه في بيت الشيخ ...63

ضمني (عج) إلى صدره ...67

کرامات سید عند أجداده ...68

هذا هو الطريق ...70

إنني دائماً معلم وفي أي وقت تشاؤون تروني ...73

أوصيك بالعود ...75

إذا لم أصبح عصبياً ...76

ص: 235

بلغ سلامي إليه ...84

طلبا المعارف من غير طريقنا أهل البيت مساو لانكارنا...86

تظن أن أمامك ليس مطلعة على حاجتك ...89

عناية مهدوية ...91

في حضن رجل عربي ...94

صاحب الزمان وعد بتدبير الأمر ...96

أذكر له هذه العلامة ... 97

إنه السيد الذي أمامك ...99

لأنه الشيخ الدُّخني ...101

نحن ننصرك ...103

لن يموت حتى يراني ... 104

یا صاحب زمان جدتي ...106

أخرجي قد عافاك الله...109

أناصاحب أولادك ...111

على طريق الكاظمية ...113

النظر إليك كالإصغاء إلى كلام الله ...123

رمانة النواصب ...124

في صحبة المهدي...128

نفر من بني أعمامك ...129

في التراب ...132

ثلاث من رذائل الأخلاق...133

تنفتح الأبواب أمامه ...137

لو ذهبت إلى أوروبا وأميركا لما شفيت ...139

ما أحلى أن يسمع صوت القرآن منك ...142

ص: 236

عناية مهدوية بالسيد بحر العلوم ...143

شيخ في ليلة مظلمة ...145

يا فرج الله ...147

أهالي الحلة لا يعملون بأداب المقام ...150

مجاهدمن حرب صفين في هذا العصر...152

وكأني لم أصب بالشلل أبداً ...154

عجيب مازلت هنا ولم تذهب ...156

بحق الذي جننت من أجله...160

كم نحن عن إمامنا غافلون...162

وسقاهم ربهم شراباً طهوراً...169

ذلك من الأسرار المكتوبة ...170

أثناء الصلاة ...172

المعارف القرآنية أم الفلسفة البشرية ...174

من كان هذا السيد ...178

إثبات حضوري ...179

ليلة عجيبة ...182

أتفكر أنه لا صاحب لنا ...184

أنت رجل انكشفت لك الحقيقة...187

أتعرفني يا رجل ...190

أنت المجتهد ...192

لكي لا يستهان بالسر...194

من صدره (ع) إلى صدري...196

حتى يعلم الجميع عطفنا وحناناً على زوار جدنا الحسين (علیه السلام) ...198

لقائي بجبرائيل الأرض ...203

ص: 237

نِعمَ الجوار...211

الحجة البالغة ...213

جاءني الإمام واختارني...216

خيمة في سهل أخضر ...221

نم يا حلي ...224

عناية الإمام بزواره ...226

في ضيافة الرحمن ...228

إنه من فضلنا أهل البيت ...231

الفهرس...235

ص: 238

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.