فاطمة عليها السلام في نهج البلاغة

اشارة

فاطمة (عليها السلام) في نهج البلاغة الجزءُ الأول

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 1351 لسنة 2016

مصدر الفهرسة: IQ – KaPLI ara IQ –KaPLI rda

رقم الاستدعاء: 2017 H37 F3.BP38.09

المؤلف: الحسني، نبيل قدوري ، 1965 -. مؤلف.

العنوان: فاطمة في نهج البلاغة : مقاربة تداولية في قصدية النص ومقبوليته واستكناه دلالاته وتحليله /

بيان المسؤولية: تأليف السيد نبيل الحسني.

بيانات الطبعة: الطبعة الاولى.

بيانات النشر: كربلاء، العراق : العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2017 / 1438 للهجرة.

الوصف المادي: 5 مجلد ؛

سلسة النشر: مؤسسة علوم نهج البلاغة ؛ سلسلة الدراسات والبحوث العلمية ( 12 ).

تبصرة ببليوغرافية : يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة – نهج البلاغة.

موضوع شخصي: علي ابن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة- 40 هجريا – احاديث

-- دراسة تحليلية.

موضوع شخصي: فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، 8 قبل الهجرة - 11 هجريآ

موضوع شخصي: فاطمة الزهراء(سلام الله عليها)، 8 قبل الهجرة - 11 هجريآ – فضائل – احاديث.

موضوع شخصي: فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، 8 قبل الهجرة - 11 هجريآ – مصائب.

موضوع شخصي: فاطمة الزهراء )سلام الله عليها(، 8 قبل الهجرة - 11 هجريآ – الوفاة والدفن.

مصطلح موضوعي: فقه اللغة العربية.

مصطلح موضوع: احاديث الشيعة الامامية -- دراسة تحليلية.

مؤلف اضافي: مستخلص ل (عمل) : الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة – نهج البلاغة.

اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة -- جهة مصدرة.

عنوان اضافي: نهج البلاغة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

المجلد 1

اشارة

ص: 2

سلسلة الدرسات والبحوث العلمية (12)

وحدة فقه اللغة وفلسفتها - اللسانيات

فاطمة في نهج البلاغة : مقاربة تداولية في قصدية النص ومقبوليته واستكناه دلالاته وتحليله / الجزءالأول

تألیف : السيد نبيل الحسني الکربلائي

مؤسسة علوم نهج البلاغة، للعتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الاولى

1439 ه/ 2018 م

العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة

مؤسسة علوم نهج البلاغة

www.inahj.org

Email: inahj.org@gmail.com

موبايل: 07815016633

ص: 4

بسم الله مبتدأ

ولقارئ كتابي مخاطبا:

يا سائلاً عن فاطمٍ وما جرى*** هاكَ حديث بعلها مزلزلا

لا تسألنَّ عن مسند أو مرسلٍ*** إن الوصي صوته مجلجلا

ص: 5

ص: 6

الإهداء

إلى بقية الله الذي جعله الله خيراً للبشرية والحياة فقال عز وجل «بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ »إلى من أوكل الله إليه ملئ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً إلى المظهر حق أمه المظلومة الشهيدة أهدي كتابي هذا .

ص: 7

ص: 8

مقدمة الكتاب

خير ما نبتدأ به في مقدمة كتابنا هذا هو ذكر الله عز وجل كما ذكرته سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام فقالت مفتتحة خطبتها الاحتجاجية في مسجد أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جمع من المهاجرين والأنصار، فقالت:

«الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها وتمام منن أولاها، جم عن الاحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أحدها، وتفاوت عن الادراك ابدها »، والصلاة والسلام على خير الأنام محمد وآله الطيبين الطاهرين.

أما بعد:

فقد احتوى كتاب نهج البلاغة(1) على علوم جليلة ومعارف عديدة كانت منهلًا

للباحث ومورداً للعالم ومقصداً للدارس ومما ورد فيه من هذه المعارف ما اختص بسيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام.

ص: 9


1- قام الشريف الرضي المتوفى سنة ( 406 ه) بجمع بعض من خطب الإمام علي عليه السلام وأسماه ب (نهج البلاغة).

ولأجل إعمام الفائدة وإيصال مادة البحث إلى مرحلة من البيان والتوضيح تكون عوناً لطلاب العلم والمعرفة بما أفصح به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عن هذه الشخصية الرسالية المرتبطة بالسماء ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وبه عليه السلام حيث كانت عرسه وسكنه وأم سبطي النبوة الحسن والحسين عليهما السلام فضلاً عما ارتبط بها من شؤون الدين والدنيا خلال فترة حياتها القصيرة التي عاشتها مع الإمام علي عليه السلام، حيث لم تبقَ بعد أبيها إلا خمسة وسبعين يوماً كما ورد عن ابنها الإمام جعفر الصادق عليه السلام. وقد مضت إلى ربها شهيدة أثر جملة من الاعتداءات التي جرت عليها بعد حادثة السقيفة التي تمت فيها البيعة لأبي بكر وما اقتضته سياسة الحكم الجديد الذي ظهر في مجموعة من الأفعال التي كان من أبرزها أحداث بيت فاطمة عليها السلام التي تدرجت بين جمع الحطب على بابها وحرقه واقتحامه وعصرها بين الباب والحائط وقتل ولدها المحسن عليه السلام.

ولذا: فقد قصدنا في هذه الدراسة ميدان فقه اللغة وفلسفتها التي انبثقت منها التداولية والتي كانت نتاج ابحاث الفلسفة التحليلية التي اتخذت على عاتقها دراسة وظائف المنطوقات وخصائصها.

فهذا الكتاب الصادر عن الامام علي امير المؤمنين (عليه السلام) في فاطمة (عليها السلام) لمليء بالمعارف والمفاهيم المكنونة في قصديات الخطاب والتي اكتنزت القيم النفسية والمؤثرات التواصلية جيلا بعد جيل منذ صدور النص والى يومنا هذا.

فما زالت الافعال الكلامية ومتضمنات القول والمضمرات منهلاً خصباً ومعيناً نضباً للمعارف والحقائق التي ارتبطت بفاطمة )عليها السلام).

ولعل إيرادنا بشاهدين في هذه المقدمة تكفي اللبيب والمنصف في فهم ما جرى على بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى ماتت وهي غاضبة على

ص: 10

من ظلمها؛ وتمهد للولوج الى ميدان هذه الدراسة في مقاربة مقاصدية منتج النص (عليه السلام) وما كشفته الافعال الكلامية وتفاعل المتلقي من حقائق تغني الباحث والدارس عن الرجوع الى المصادر التاريخية و الحديثية في اثبات هذه الحقيقة

المرّة والفاجعة العظيمة والرزية الكبرى التي احلّت بالإسلام وما تمخض عنها من آثار سلبية وارتدادات قوية تضعضعت لها اعمدة الملّة؛ فمن ترك الصحابة جثمان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو لم يبرد بعد يتسابقون الوصول الى الخلافة الى حرق بيت النبوّة ونكث بيعة الوصي الى دفن فاطمة في الليل وقد عُفِّيَ ثراها حقائق كشفتها مقاصدية النص ومقبوليته ودلالته وإن عمد الرواة والحفّاظ على تجنيب مصنّفاتهم من ذكرها وكتمها وتضييعها إلا أن تجدد العلوم وتنوع المعارف وتغيير سبل البحث والدراسة كانت لهم بالمرصاد ومنها هذا الحقل المعرفي.

أما الشواهد التي تمهد للولوج الى هذه الدراسة فهي:

الشاهد الأول: أخرجه الحافظ ابن أبي شيبة الكوفي وابن عبد البر، وابن أبي عاصم، وأحمد بن حنبل، والذي تضمن إقراراً من عمر بن الخطاب بحرق دار بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد أخرجه ابن أبي شيبة الكوفي وغيره باللفظ الآتي:

(عن زيد بن أسلم عن أبيه أسلم أنه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال:

يا بنت رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم ما من أحد أحب إلينا من أبيكِ،وما من أحدً أحب إلينا بعد أبيكِ منكِ، وأيم الله ما ذلك بمانعي أن اجتمع هؤلاء النفر عندك إن أمرتهم أن يُرق عليهم البيت!!!

ص: 11

قال: فلما خرج عمر جاؤوها فقالت:

«تعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقنّ عليكم البيت!!!

وأيم الله ليمضين لما حلف عليه فانصرفوا راشدين، فروا رأيكم ولا ترجعوا إليّ .»

فانصرفوا عنها فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر)(1).

والشاهد الثاني: تضمن إقراراً من أبي بكر في اقتحامه لبيت فاطمة سيدة نساء أهل الجنة(2)؛ وذلك الإقرار كان حينما حضرته الوفاة فتمثل أمامه ما وقع منه إزاء بيت النبوة كما يروي الطبري والطبراني والذهبي وغيرهم عن حميد بن عبد الرحمن

بن عوف:

(إن عبد الرحمن بن عوف دخل على أبي بكر في مرضه الذي قُبض فيه فرآه مفيقاً،فقال عبد الرحمن: أصبحت والحمد لله بارئاً)؛ ثم يسوق الحديث إلى أن يصل إلى قوله مقراً ومعترفاً بهذه الجريمة:

(أما اللاتي وددت أني تركتهنّ، فوددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة عن شيء وإن كانوا قد أغلقوا على الحرب)(3).

ص: 12


1- المصنف لابن أبي شيبة: ج 8 ص 572 ؛ المذكر والتذكير لابن أبي عاصم: ص 91 ؛ الاستيعاب لابن عبد البر: ج 3 ص 975 ؛ فضائل الصحابة لابن حنبل: ج 1 ص 364 طبعة مؤسسة الرسالة؛ الوافي بالوفيات للصفدي: ج 17 ص 167 .
2- فضائل سيدة النساء لأبن شاهين: ص 25 ؛ الاستيعاب لأبن عبد البر: ج 4 ص 1895 ؛ تاريخ ابن عباس: ج 42 ص 134 .
3- الأموال لابن زنجويه: ج 1 ص 387 حديث 364 ؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 1 ص 62 ؛ تاريخ الطبري: ج 2، ص 353 ؛ تاريخ الإسلام للذهبي: ج 3 ص 118 ؛ تاريخ ابن عساكر: ج 30 ص 418 ؛ مروج الذهب للمسعودي: ج 1 ص 290 ، طبعة دار القلم وغيرهم.

وهذان الشاهدان أوردناهما لغرض إيصال القارئ إلى طبيعة الأحداث والمجريات التي مرت بها سيدة النساء عليها السلام ومن ثم فإن هذه الأحداث العصيبة بدون ريب قد تركت آثارها وآلامها على قلب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وتركت في نفسه جروحاً عميقة وهو ما تجلى في مقاصد النص ومقبوليته لدى المتلقي وتفاعله وتأثره به مما اعطى صورة جليّة عن تلك المرحلة المهمة في تاريخ الاسلام فضلا عن بيانه لحقائق ومعارف عديدة ارتبطت بسيدة نساء العالمين وبه (عليهما السلام) وبرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبالحياة

الاسلامية في جوانبها الاجتماعية والعقدية والثقافية وغيرها كما سيمر في الكتاب.

وبناءً عليه:

فقد شغل النص الأول من نصوص نهج البلاغة في فاطمة (عليها السلام) الحيز الاكبر من الدراسة وذلك لاختصاصه بتلك الاحداث التي وقعت بعد وفاةرسول الله (صلى الله عليه وآله) وأدت الى تلك الرزية العظيمة في استشهاد فاطمة (عليها السلام).

أما منهجنا في الدراسة فهو كالآتي:

ص: 13

ص: 14

منهج البحث:

اعتمدنا في دراسة النص على المنهج الوصفي والتحليلي وقد تناولنا المقاطع في النص الشريف والمفردات وما اكتنزته من قوة انجازية سواء في بيان القصدية أو التفاعلية لدى المستمع بالدراسة والتحليل ايضاً، وذلك: ان النص الذي بين ايدينا

هو نص مقدس له من الآثار الانجازية والمصداقية ما للنص القرآني بفعل ما يفرضه قول رسول الله (صلى الله عليه وآله):

«اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي »

ومن ثم:

فقد فرض علينا البحث الدوران حول المفردة ليقيننا القاطع ان هذه المفردات تكتنز معانٍ عديدة ومفاهيم كثيرة مما استلزم الرجوع الى المعاجم اللغوية والشواهد القرآنية والثوابت العقدية وغيرها تجنباً من الوقوع فيما لا يصح للنص الشريف، فضلاً عن التحرز من القطع بما قصده المعصوم (عليه السلام) عيناً وواقعاً، وانما

سعينا للوصول الى مقاربة قصدية المعصوم (عليه السلام) بحكم ما تفرضه مكونات المفردة من معانٍ ومدلولات ومفاهيم اعتمدها العرب في كلامهم ومنطوقاتهم.

ولذا: كان الاتكاء على مكنون هذه المفردات والخطاب بلحاظ أن اللغة هي الوسيلة الأساس في بناء الفهم والتواصل والانجاز لما يريد بني البشر.وعليه:

فقد سرى التحليل في معظم مفردات منتج النص (عليه السلام) وبعض النماذج من متلقيه ايضاً، فقد اخضعت المقبولية التي جاءت في بعض النماذج التي تم

ص: 15

اختيارها للتحليل والدراسة بغية الوقوف على جوانب التفاعلية لدى المتلقي فضلاً عن الوصول الى فهم المتلقي للمقاصدية التي اكتنزها النص الشريف وذلك ان المقبولية هي الصورة الكاشفة عن ايصال المعنى الخفي الذي قصده منتج النص،

ومن ثم فهي انعكاس للقصدية التي سعى الى معرفتها الباحث بكونه متلقي رابط بين منتج النص والمتلقي للنص وانه يمثل اداة جديدة لإظهار قصدية النص الحقيقية وليس مقبوليته فقط.

بمعنى جديد: «مقاصدية المقبولية »

إذ يسعى البحث الى اضافة عنصر جديد وهو انتزاع حقيقة المقاصدية من فحوى منتج النص الجديد الممثل بالمقبولية عند المتلقي، ومن ثم فنص المقبولية هو بحاجة الى كاشفية المقاصدية والمقبولية، فقد يحاول المتلقي إحادة المقصدية في عينة البحث عن عين مقاصدية منتج النص ومراده من اللفظ وغايته فيه ومبتغاه منه وهو ما دفعنا الى اخضاع مقبولية ابن ابي الحديد المعتزلي الى التحليل وكشف قصديته في احادة مقاصدية منتج النص (عليه السلام) ومن ثم خلق حالة جديدة من المقبولية لدى المتلقي المراقب الذي يقرب قصدية منتج النص من جهة، وقصدية متلقيه من جهة اخرى -كما سيمر- من خلال البحث في مقبولية النص الشريف الخاص بدفن سيدة نساء العالمين (صلوات الله وسلامه عليها).

وعليه:

فقد اضافت الدراسة عنصراً جديداً مرتبطاً بتحليل نص المتلقي وتفاعله وتأويله للنص المرتبط بشخص ما وهو ما يعرف بمنتج النص.

إذ توصلت الدراسة الى ان المتلقين للنص هم بحاجة ايضاً الى دراسة نصوصهم التي كشفوا فيها عن تفاعلهم وتأثرهم بالنص الشريف الذي تناولته الدراسة.

وهذا التفاعل يؤثر على المتلقين الجدد في تغيير مبتغى عينة النص عن مقصدها

ص: 16

الحقيقي مما يؤدي الى قتل النص وجموده وازهاق روحه وقوته التأثيرية في المتلقين.

وهذا الامر اكثر مما يلاحظ وجوده وتحققه في النصوص القرآنية والنبوية، فقد انبرى المفسرون الى اعطاء آرائهم وتفسيراتهم في بيان مقاصدية النص او مقاصد الشريعة عن وجهتها الحقيقية ومن ثم تغيير مراد الحكم ومساره الذي يكون مطابقاً لعين الواقع الذي اراده الله تعالى من خلال النص القرآني والنبوي والذي نعني به

(قول رسول الله «صلى الله عليه وآله وسلم » وعترته اهل بيته «عليهم السلام » وهم عدل القرآن والثقل الاصغر في الأمة).

وهذه الحقيقة: «مقاصدية المقبولية » توصلت اليها الدراسة من خلال تحليل قول المتلقي في مقبوليته وتفاعله مع النص العلوي -عينة البحث-.

اقتضى المنهج الذي اعتمدناه في الدراسة بالتتبع لما ورد عن امير المؤمنين (عليه السلام) في بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نهج البلاغة مقرنين الاستقراء بمنهج التحليل لهذه النصوص الشريفة والمنهج الوصفي بغية تقديم دراسة متماسكة عما يكنه أمير المؤمنين عليه السلام عن حليلته وأم بنيه فضلاًعن فهم الأحداث وآثارها على الإسلام والمسلمين وعلى آل النبوة (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).

وعليه: تضمنت الدراسة تمهيد شمل التأصيل العلمي للمصطلحات الواردة في الدراسة ومجموعة من المباحث انضوت تحت بابين، الباب الاول خُصص لما رواه الشريف الرضي (رحمه الله) في خطاب امير المؤمنين (عليه السلام) لرسول الله

(صلى الله عليه وآله) عند دفنه لفاطمة (عليها السلام) وقد تفرع الباب الى فصلين، خصص الاول لدراسة مقاصدية النص وتحليله واستكناه دلالاته، وكان الثاني مخصصاً لمقبولية النص لدى المتلقين والذين تفاوتت فيما بينهم التوجهات الفكرية

والعقدية والزمنية، في حين كان الباب الثاني مشتملاً على دراسة ما رواه الشريف

ص: 17

الرضي (رحمه الله) من وصية امير المؤمنين (عليه السلام) في امواله وتوليته لأبني فاطمة (عليهم السلام) على هذه الاموال وقد تفرع الباب الى فصلين، كان الاول في دراسة مقاصدية النص، وخصص الثاني لمقبوليته عند المتلقين؛ ثم ارفدنا هذان الفصلان بفصل ثالث تضمن ما رواه الشريف الرضي لكتاب امير المؤمنين (عليه السلام) الذي تضمن ردوداً لما ادّعاه معاوية من شبهات؛ وقد تضمن الكتاب الشريف ذكر سيدة نساء العالمين فاطمة (عليها السلام) ومن ثم تناولت الدراسة في هذا الفصل مقاصدية النص ضمن المبحث الأول، ومقبوليته ضمن المبحث الثاني،

وبه نكون قد اكملنا هذه الدراسة التي نأمل من خلالها مقاربة قصدية المعصوم (عليه السلام) (منتج النص) في بيان كثير من المفاهيم والحقائق والدلالات التي اكتنزها النص الشريف ومفرداته التي لم ندخر جهداً في معرفة معانيها والغورفي مضامينها مستعيناً بذلك بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله) واهل بيته لاسيما سيدي ومولاي وامامي امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) وحليلته البضعة المحمدية (صلوات الله وسلامه عليها وعلى ابيها وبعلها وبنيها)، فما زالت

-بأبي وأمي- تحنو على ولدها باللطف والعون والتسديد.

﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّ بِاللَّه عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾(1).

﴿وَالَحمْدُ لَّله رَبِّ الْعَالِمينَ)(2).

«السيد نبيل بن السيد قدوري بن السيد حسن الحسني »

كان الشروع في هذا الكتاب يوم ولادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

17 /ربيع الأول/ 1437 ه

ص: 18


1- سورة هود، الآية ( 88 ).
2- سورة الأنعام، الآية ( 45 ).

مبحث تمهيدي في مصطلحات الدراسة

اشارة

ص: 19

ص: 20

يمتاز الخطاب الوارد عن الامام علي (عليه السلام) عن غيره بأنه خطاب مقدس وذلك بكينونة ما يفرضه حديث رسول الله (صلى الله عليه واله) في بيان شأنية عترته (عليه السلام) فقال:

«يا ايها الناس اني تركت فيكم ما أن أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي »(1) ؛ وفي لفظ اخر أنه (صلى الله عليه واله وسلم) قال:

«اني تارك فيكم الثقلين احدهما اكبر من الاخر، كتاب الله وعترتي اهل بيتيفأنظروا كيف تخلفوني فيهما فانهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، ثم قال: ان الله مولاي... » (2).

ومقتضى الحديث الملازمة بين النصين والخطابين، النص القرآني وخطابه والنص النبوي وخطابه -اي: العترة المحمدية (صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين)-.

وعليه:

فقد تصدرت الدراسة منهجية المقاربة لقصدية المعصوم (عليه السلام) في خطابه وذلك -وكما مرَّ ذكره في المقدمة- تجنباً من الوقوع في الإثم والإدعاء بانطباقية قصدية الخطاب أو منتج النص مع نتائج البحث، على الرغم من أن الدراسة لم تخرج عن المنهجية المتسالم عليها عند الفقهاء والأصوليين في الدوران بين معنى اللفظ ومفهومه ومصداقه وأرتكازه في روح الخطاب واللسان العربي.

ص: 21


1- سنن الترمذي: ج 5 ص 328 .
2- فضائل الصحابة للنسّائي: ص 15 .

فكانت الدراسة تسير مع الوصف المفهومي والدلالي للمفردة، بغية الوصول الى مكنونات الخطاب العلوي وقوته الانجازية سواء الظاهرة منها أو الخفية -وهو ما سيمر- في نظرية الافعال الكلامية؛ ومن ثم الوصول الى روح الحدث وعناصره، وروح الاسلام وذواته المحمدية دون الحاجة الى المرويات التاريخية والسيرية، أو

الرواة وجرحها وتعديلها للتثبت فيما يقوله الإمام علي (عليه الصلاة والسلام) في شأن بضعة المصطفى وقرة عينه (صلى الله عليها وعلى بعلها وبنيها) لاسيما فيما جرى عليها.

ولذا:

صدّرت الدراسة والكتاب بهذين البيتين موجزاً ومغتزلاً فيهما ما خلصت إليه هذه الدراسة، فقلت مخاطباً المتلقي لكتابي هذا:

يا سائلاً عن فاطمٍ وما جرى*** هاك حديث بعلها مزلزلا

لا تسألنَّ عن مسندٍ أو مرسلٍ***إنَّ الوصي صوته مجلجلا

ولا شك ان صوت الوصي كان مجلجلا في إلقاء الحجة على كل مسلم يصل اليه هذا الخطاب المخصوص فيما نزل ببضعة الهادي الأمين (صلى الله عليه وآله) إن كان للعربية متقناً ولها فاهماً.

إذ (قد تدل نغمة الصوت على فعل كلامي معين بفضل الاختلافات النغمية، فالنغمة الصاعدة والنغمة الهابطة تحدد مثلاً الأسلوب الكلامي، فالخبر يستعمل المتكلم معه نغمة هابطة، ويستعمل مع الاستفهام نغمة صاعدة)(1).

ص: 22


1- الافعال الكلامية في القرآن -سورة البقرة- اطروحة دكتوراه: ص 3 من التمهيد، للباحث محمد حدّور- جامعة الحاج الخضر- الجزائر.

وبناءً عليه:

فقد تضمنت الدراسة بعض المصطلحات العلمية التي كان معين لها في الوصول الى نتائج الدراسة ومجريات البحث وهي فيما يلي:

أولاً: مفهوم الخطاب

اشارة

ان مجال الدراسة هو خطاب أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه الصلاةوالسلام) الذي جمعه الشريف الرضي (رحمه الله) (المتوفى 400 ه) في مجموعه الذي أسماه «نهج البلاغة » وقد ضمنه في محاور ثلاثة:

1- الخطب والأوامر.

2- الكتب والرسائل.

3- الحكم والمواعظ.

وقد جرى بنا البحث أن تكون مادة الدراسة قد شملت المحور الأول والثاني، فكان منهما مادة البحث والدراسة فيما ورد فيهما من ذكرٍ لفاطمة (عليها السلام).

فقد كانت مادة الباب الاول من الدراسة ما روي عنه (عليه السلام) من الخطاب عند قيامه -بأبي وامي- بدفن فاطمة (عليها السلام)، فحول وجهه لقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) مخاطباً اياه بتلك الخطبة التي سيمر البحث فيها.

وكانت مادة البحث في الباب الثاني من محور كتبه ورسائله وقد شمل نصين،الأول كان في كتابه الذي أشتمل على وصيته (عليه السلام) في أمواله وتولية ابني فاطمة (عليهم السلام) والعلة في ذلك.

وأما النص الثاني فقد أشتمل على كتابه الذي أرسله الى معاوية بيد أبي مسلم

ص: 23

الخولاني؛ وقد ورد فيه ذكر (خير نساء العالمين) (عليها السلام).

ومن ثم: فمما احتاجته الدراسة التعريف ب(الخطاب) ومفهومه، وهو:

الف - الخطاب لغة

يذهب الفراهيدي (المتوفى سنة 175 ه) الى اختصار الدلالة ويوجز في البيان إلى اختصار الدلالة ويوجز في البيان فيقول في معنى (الخطاب)، (مراجعة الكلام)(1).

وهي عند الجوهري (المتوفى 393 ه): (وخاطبه بالكلام مخاطبة وخطاباً)(2)،ويفهم منه ما أراده الفراهيدي، أي: مراجعة الكلام بين المتكلم والسامع.

في حين يظهر أحمد بن فارس (المتوفى 395 ه) معنى أوضح لهذا اللفظ، فقال: (خطب): الخاء والطاء والباء أصلان أحدهما الكلام بين اثنين يقال خاطبه يخاطبه خطاباً، والخطبة من ذلك(3).

وقريب منه قال الزمخشري (المتوفى 538 ه):

خطب: خاطبه أحسن الخطاب وهو ا لمواجهة بالكلام، وخطب الخطيب خطبة حسنة، وخطب الخاطب خطبة جميلة، وكثر خطابها)(4).

وقد حاول ابن منظور (المتوفى 711 ه) الجمع فيما قاله أهل اللغة من قبله فقال:

(والخطاب والمخاطبة: مراجعة الكلام، وقد خاطبه بالكلام مخاطبة وخطاباً،

ص: 24


1- كتاب العين للخليل الفراهيدي: ج 4، ص 224 .
2- الصحاح للجوهري: ج 1، ص 121 .
3- معجم مقاييس اللغة: ج 2، ص 198 .
4- أساس البلاغة للزمخشري: ص 239 .

وهما يتخاطبان؛ والخطبة مصدر الخطيب، وخطب الخاطب على المنبر، واختطب يخطب خطابة، واسم الكلام: الخطبة؛ قال أبو منصور: إن الخطبة مصدر الخطيب، لا يجوز إلاّ على وجه واحد، وهو أن الخطبة اسم للكلام، الذي يتكلم به الخطيب فوضع موضع المصدر)(1).

ويمكن الخروج بمعنى واحد لهذه الأقوال وهو: الكلام الذي يخرج من فم المتكلم إلى السامع غالباً إذ قد يتوجه المتكلم بالكلام إلى العجماوات، ومن ثم لم يقدم أهل اللغة دلالة تفيد تمام المعنى في ذهن القارئ، إذ لا دلالة لقولهم: مراجعةالكلام بدون قرينة توضح معنى المراجعة وعليه: ينصرف الذهن إلى أنها محصورة بما يتكلم به المتكلم وهو على المنبر أو مكان مرتفع أو في جمع من الناس قلوا أو كثروا.

وهذا المعنى لا يوصل القارئ إلى المعنى الحقيقي للفظ (الخطاب) ولذا لابد من الرجوع إلى كتاب الله تعالى وما ورد فيه لهذه اللفظة التي يتكشف معناها من خلال سياق النص القرآني الكريم. وهو ما نحاول الوصول إليه في باء.

باء - الخطاب في القرآن الكريم

ورد في القرآن الكريم بعض الاستعمالات لمادة (خطب) فكانت على خمسة موارد، منها اثنان بلفظ: (الخطاب) وثلاثة منها هي: (خاطبهم) و(تخاطبني) وقد جاءت مرتين، وهي بحسب الذكر الحكيم كانت كالآتي:

ص: 25


1- لسان العرب لابن منظور: ج 1، ص 360 .

أ- قال تعالى: «...فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِ فِی الخطَابِ»(1).

قال الشيخ الطوسي: (أي غلبني في محاورة الكلام)(2).

وعند الصنعاني هي: (قهرني في الخصومة)(3).

وعند النحاس: (قهرني لأنه أعز مني)(4).

وهذه الأقوال الثلاثة قريبة من المعنى اللغوي القائل بأن الخطاب: مراجعة الكلام بين الاثنين، في حين يستفاد من سياق الآية ودلالتها بأن الخطاب بيان الحجة والإقناع أو الغلبة في الكلام.

ب- قال تعالى: «وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الِحكْمَةَ وَفَصْلَ الِخطَابِ»(5).

والآية المباركة اختلف في تفسيرها المفسرون وتعددت الأقوال في معنى «فَصْل َالْخطَابِ »، على النحو الآتي:

1- قال مقاتل بن سليمان: (وأعطيناه فصل القضاء، البينة على المدعي واليمين على من أنكر)(6).

2- قال سفيان الثوري: (فصل الخطاب): (فصل القضاء)(7).

ص: 26


1- سورة ص، الآية ( 23 ).
2- التبيان: ج 1، ص 468 .
3- تفسير الصنعاني: ج 3، ص 163 .
4- معاني القرآن للنحاس: ج 2، ص 219 .
5- سورة ص، الآية ( 20 ).
6- تفسير مقاتل بن سليمان: ج 3، ص 115 .
7- تفسير الثوري: ص 257 .

3- وقد جمع ابن جرير الطبري مجموعة من الأقوال، فقال:

(واختلف أهل التأويل في معنى ذلك: فقال بعضهم: عني به أنه القضاء والفهم به، قال ابن عباس: أعطيناه الفهم، وعن مجاهد: إصابة القضاء وفهمه، وعن السدي: علم القضاء وعن ابن زيد: الخصومات التي يتخاصم الناس إليه فصل ذلك الخطاب الكلام والفهم، وإصابة القضاء والبينات، وقال آخرون: بل معنى ذلك وفصل الخطاب، بتكليف المدعي البينة واليمين على المدعى عليه وعن

الشعبي: أنه قال: قول الرجل: أما بعد.

ويذهب الطبري بعد عرضه لهذه الأقوال إلى القول:

(وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أنه آتى داود صلوات الله عليه فصل الخطاب والفصل هو القطع، والخطاب هو المخاطبة).

ثم يعترض على هذه التأويلات وذلك لعدم ورود خبر فيها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويخلص إلى القول في ذلك، (فالصواب أن يعمّ الخبر كما عمّه الله فيقال: أوتي داود فصل الخطاب في القضاء والمحاورة والخطب)(1).

في حين: نجد أن المعنى الألصق لما جاءت به الآية المباركة في بيان معنى فصل الخطاب ما بيّنه السيد العلامة الطباطبائي فقال: (وفصل الخطاب: تفكيك الكلام الحاصل من مخاطبة واحد لغيره وتمييز حقه من باطله وينطبق على القضاء بين المتخاصمين في خصامهم)(2).

وهذه الأقوال لم توصل المعنى إلى المستوى الذي ينكشف فيه (فصل الخطاب)

ص: 27


1- جامع البيان للطبرسي: ج 23 ، ص 167 .
2- تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: ج 17 ، ص 190 .

وقد جعله الله تعالى من ضمن سلم المنح ومراتبه التي تفضل بها على الأنبياء (عليهم السلام)، كما يشير سياق الآية المباركة، فكان فصل الخطاب استحقاقاً رتبيّاً كشد الملك، والحكمة؛ وهذه الرتبة، أي الحكمة يتحدث عنها القرآن في بيان دلالي يرشد

إلى حجم فضلها فيمن اختصه الله بها فيقول سبحانه:

1- «يُؤْتِی الِحكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الِحكْمَةَ فَقَدْ أُوتِی خَيْرا كَثيِرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إلِا أُولُو الأَلْبَابِ»(1).

فهذا الخير الكثير يتحدث عنه الإمام الصادق عليه السلام فيقول في بيان معنى الآية:

«الحكمة ضياء المعرفة، وميراث التقوى، وثمرة الصدق، وما أنعم الله على عبد من عباده نعمة أعظم وأنعم وأجزل وأرفع وأبهى من الحكمة للقلب، قال تعالى:«يُؤْتِی الِحكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الِحْكْمَةَ فَقَدْ أُوتِی خَيْرا كَثِيرًا»(2) .

2- «وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الِحكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لَّله»(3).

فكان إيتاؤه الحكمة ملازمة للشكر لله.

وقد جاء في معنى الآية عن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام):

«الفهم والعقل .»(4).

ص: 28


1- سورة البقرة، الآية ( 269 ).
2- مصباح الشريعة المنسوب للإمام الصادق عليه السلام: ص 198 ؛ البحار للمجلسي: ج 1،
3- سورة لقمان، الآية ( 12 ).
4- تحف العقول للحراني: ص 386 .

وعليه:

لم يستطع المفسرون تقديم بيان يكشف معنى «فَصْلَ الْخطَابِ » وسمته التي نالها داود النبي عليه السلام، فضلاً عن ذلك فقد أشارت الروايات الشريفة إلى أنها من بين السمات التي خص الله بها رسول الله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وعترته أهل بيته عليهم السلام، لاسيما أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليهما السلام؛ فمما كان منها على سبيل الاستشهاد:

1- عن أبي الطفيل، قال: (قام أمير المؤمنين علي عليه السلام على المنبر فقال: «إنّ الله بعث محمداً بالنبوة واصطفاه بالرسالة، فإياك والناس وإياك، وعندنا أهل البيت مفاتيح العلم، وأبواب الحكمة، وضياء الأمر، وفصل الخطاب، ومن يحبنا أهل البيت ينفعه إيمانه، ويتقبل منه عمله، ومن لا يحبنا أهل البيت لا ينفعه إيمانه ولا يتقبل منه عمله، وإن أدأب الليل والنهار لم يزل .»(1).

2- وقال أمير المؤمنين علي (عليه السلام):

«أنا قسيم الله بين الجنة والنار، لا يدخلها داخل إلاّ على حد قسمي، وأنا الفاروق الأكبر، وأنا الإمام لمن بعدي، والمؤدي عمن كان قبلي، لا يتقدمني أحد إلا أحمد صلى الله عليه وآله وسلم وإني وإياه لعلى سبيل واحد إلا أنه هو المدعو باسمه ولقد أعطيت الست: علم المنايا، والبلايا، والوصايا، وفصل الخطاب، وإني لصاحب الكرات، ودولة الدول، وإني لصاحب العصا والميسم، والدابة التي تكلم الناس .»(2).

ص: 29


1- المحاسن للبرقي: ج 1، ص 200 ؛ شرح الأخبار للقاضي المغربي: ج 3، ص 9.
2- الكافي للكليني: ج 1، ص 198 .

3- ومما رواه الصدوق عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لفاطمة (عليها السلام) حينما حضرته الوفاة ورآها تبكي فأخذ يحدثها عن مناقب آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كي يذهب عنها الهم والحزن.

والرواية عن سلمان الفارسي عليه الرحمة والرضوان، قال:

(كنت جالساً بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه التي قبض فيها، فدخلت فاطمة (عليها السلام) فلما رأت ما بأبيها من الضعف بكت حتى جرت دموعها على خديها، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«ما يبكيك يا فاطمة؟ .»

قالت:

«يا رسول الله أخشى على نفسي وولدي الضيعة بعدك .»فاغرورقت عينا رسول الله بالبكاء، ثم قال:

«يا فاطمة أما علمت أنا أهل بيت اختار الله عز وجل لنا الآخرة على الدنيا وأنه حتم الفناء على جميع خلقه، وأن الله تبارك وتعالى أطلع إلى الأرض إطلاعة فاختارني من خلقه فجعلني نبيا ثم أطلع إلى الأرض إطلاعة ثانية فاختار منها زوجك وأوحى إلي أن أزوجك إياه وأتخذه وليا ووزيرا وأن أجعله خليفتي في أمتي فأبوك خير أنبياء الله ورسله، وبعلك خير الأوصياء، وأنت أول من يلحق بي من أهلي، ثم أطلع إلى الأرض إطلاعة ثالثة فاختارك وولديك، فأنت سيدة نساء أهل الجنة، وابناك حسن وحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبناء بعلك أوصيائي إلى يوم القيامة، كلهم هادون مهديون، وأول الأوصياء بعدي أخي علي، ثم حسن، ثم حسين، ثم تسعة من ولد الحسين في درجتي، وليس في الجنة درجة أقرب إلى الله من

ص: 30

درجتي ودرجة أبي إبراهيم، أما تعلمين يا بنية أن من كرامة الله إياك أن زوجك خير أمتي، وخير أهل بيتي، أقدمهم سلما، وأعظمهم حلما، وأكثرهم علما .»

فاستبشرت فاطمة عليها السلام وفرحت بما قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم قال:

«يا بنية إن لبعلك مناقب: إيمانه بالله ورسوله قبل كل أحد، فلم يسبقه إلى ذلك أحد من أمتي، وعلمه بكتاب الله عز وجل وسنتي وليس أحدٌ من أمتي يعلم جميع علمي غير علي عليه السلام وإن الله عز وجل علمني علما لا يعلمه غيري وعلم

ملائكته ورسله علما فكلما علمه ملائكته ورسله فأنا أعلمه وأمرني الله أن أعلمه إياه ففعلت فليس أحد من أمتي يعلم جميع علمي وفهمي وحكمتي غيره، وإنك يابنية زوجته، وابناه سبطاي حسن وحسين وهما سبطا أمتي، وأمره بالمعروف ونهيه

عن المنكر، فإن الله جل وعز آتاه الحكمة وفصل الخطاب، ويا بنية إنا أهل بيت أعطانا الله عز وجل ست خصال لم يعطها أحدا من الأولين كان قبلكم، ولم يعطها أحدا من الآخرين غيرنا، نبينا سيد الأنبياء والمرسلين، وهو أبوك، ووصينا سيد الأوصياء وهو بعلك وشهيدنا سيد الشهداء وهو حمزة بن عبد المطلب عم أبيك .»

قالت (عليها السلام):

«يا رسول الله هو سيد الشهداء الذين قتلوا معه؟ .»

قال (صلى الله عليه وآله وسلم):

«لا بل سيد شهداء الأولين والآخرين ما خلا الأنبياء والأوصياء، وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطيار في الجنة مع الملائكة وإبناك حسن وحسين سبطا أمتي وسيدا شباب أهل الجنة، ومنا والذي نفسي بيده مهدي هذه الأمة الذي يملأ

ص: 31

الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما .»(1).

والحديث الشريف له تكملة إلا أننا ذكرنا هذا المقدار ففيه الكفاية لبيان ما اختص الله به محمد وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم فكان مما آتاهم فصل الخطاب.

ومن ثم لا يعد المعنى الذي أشار إليه المفسرون في بيان «فَصْلَ الْخطَابِ » هو: (أما بعد، أو البينة على المدعي واليمين على من أنكر، أو علم القضاء، أو غير ذلك من مراتب فضال الأنبياء ومختصاتهم التي فضلهم الله بها على الناس) لاسيما ونحن

نشهد اليوم كثرة المحاكم والقضاة في مختلف البلاد والتشريعات.

إذن:يلزم أن يكون فصل الخطاب من السمات التي انحصر وجودها في النخبة المصطفاة من قبل الله تعالى مما يلزم أيضاً أن يكون له معنى آخر أرقى بكثير مما نطق به المفسرون لهذه الآية لاسيما وأنها قدمت الملك، والحكمة لفصل الخطاب فكان من مقتضيات شخصية داود النبي (عليه السلام).

بمعنى:

إن فصل الخطاب هو ملكة راسخة في النفس مختصة بالكلام مع الناس وإقناعهم والتأثير فيهم ومعرفة كوامن منطقهم فإن حاججوا خصموا وإن خاطبوا أبلغوا، وإن استمعوا فهموا، وإن حاوروا أعلموا؛ ولولا ذلك لما كلفوا بالرسالة والنذارة والبشارة وغيرها من وظائف الرسالة الإلهية إلى الخلق.

كما دلت الروايات الواردة عن عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على هذا المعنى.

ص: 32


1- كمال الدين وتمام النعمة للصدوق: ص 263 .

أما بقية النصوص القرآنية التي حملت مادة (خطب) فكانت كما في الفقرة جيم.

ج- قال تعالى: «وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الَجاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا»(1).

وقد ذهب الزمخشري إلى معنى الآية بقوله: (حادثوهم بما فيه سفه وسوء جهالة)(2).

وقال الشيخ الطبرسي: «وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الَجاهِلُونَ» بما يكرهونه أو يثقل عليهم «قالوا » في جوابه «سلاما»(3).

د- قال تعالى: ﴿...وَلا تُخاطِبْنِي فِی الَّذِينَ ظَلَمُوا...»(4).

قال الشيخ الطوسي في بيان معنى ﴿وَلا تُخاطِبْنِي﴾: (نهي لنوح عليه السلام أن يراجع الله تعالى ويخاطبه ويسأله في أمرهم بأن يمهلهم، ويؤخر إهلاكهم لأنه حكم بإهلاكهم وأخبر بأنه سيغرقهم، فلا يكون الأمر بخلاف ما أخبر به)(5).

ويفيد هذا القول للشيخ الطوسي بأن المعنى المراد ب «ولا تخاطبني » مراجعة الله تعالى في الكلام؛ وهو لا يخرج عن المعنى الذي ذهب إليه اللغويون.

ولذا: نجد أن الطبري وغيره من المفسرين، لم يخرج عن هذا المعنى فقال: أي، ولا تراجعني، قال: تقدم أن لا يشفع لهم عنده(6).

ص: 33


1- سورة الفرقان، الآية ( 63 ).
2- الكشاف للزمخشري: ج 3، ص 283 ، ط دار الكتب العلمية.
3- مجمع البيان للطبرسي: ج 7، ص 310 .
4- سورة هود، الآية ( 37 ).
5- التبيان للشيخ الطوسي: ج 5، ص 482 .
6- تفسير الطبري: ج 12 ، ص 45 ؛ تفسير السمرقندي: ج 2، ص 149 .

ه- قال تعالى: ﴿...الرَّحْمنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا)(1).

وفي معناها يقول الزمخشري: (والملائكة لا يملكون التكلم بين يديه، فما ظنك بمن عداهم من أهل السماوات والأرض)(2).

أي: لا يخرج قول المفسرين عن المعنى الذي أراده اللغويون، ومن ثم يبقى المعنى منحصراً في مراجعة الكلام وهو غاية ما ذهب إليه أهل اللغة والتفسير في بيان معنى (الخطاب).

جيم - ما هي الخطابة؟

عُرّفت الخطابة: بأنها فن نثري غايتها التأثير في نفس السامع وهي مصدر خطب يخطب، أي صار خطيباً، وهي على هذا صفة راسخة في نفس المتكلم يقتدر بها على التصرف في فنون القول، لمحاولة التأثير في نفوس السامعين، وحملهم على ما يراد

منهم بترغيبهم وإقناعهم(3).

ولذا:

فإن كل الأمم في حاجة إلى الخطابة، وكانت العرب من أحوج الأمم إليها ولذلك ارتقت في الخطابة مرتقى فاقت فيه على غيرها من سائر الأمم إذ لا يخفى ما كانت عليه العرب أيام جاهليتهم من الأنفة والتفاخر بالأحساب والأنساب والمحافظة

على شرفهم وعلو مجدهم وسؤددهم حتى حدث ما حدث بينهم من الوقائع العظيمة.

ص: 34


1- سورة النبأ، الآية ( 37 ).
2- تفسير الكشاف للزمخشري: ج 4، ص 210 .
3- الخطابة أصولها وتاريخها، تأليف: أحمد أبو زهرة: ص 150 ، ط دار الفكر العربي لسنة 1934 ،القاهرة.

ولا شك أن كل قوم لهم مثل ذلك هم أحوج الناس إلى ما يستنهض هممهم ويوقظ أعينهم ويقيم قاعدهم ويشجع جبانهم ويشد جنانهم ويثير أشجانهم ويستوقد نبارهم صيانة لعزهم أن يستهان ولشوكتهم أن تستلان وتشفياً بأخذ الثأر وتحرزاً من عار الغلبية وذل الذمار وكل ذلك من مقاصد الخطب فكانوا أحوج

الناس إليها بعد الشعر لتخليد مآثرهم وتأبيد مفاخرهم؛ ولقد كان لكل قبيلة من قبائلهم خطيب كما كان لكل قبيلة شاعر)(1).

وهذا الموروث المعرفي والاجتماعي قد ترك أثراً في رسم معالم معنى (الخطاب) لدى الإنسان العربي فضلاً عن المسلم وذلك لتبني النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته صلوات الله عليهم وأصحابه هذا النمط في الحديث مع الناس في مختلف المناسبات الدينية والاجتماعية وما يتعلق بالسلم والحرب وغيرها من شؤون الأمة.

وكيف إذا أخذنا بعين الاعتبار ما شرعه الإسلام من أعمال خاصة ليوم الجمعة فكان سنامها خطبة الجمعة وما تتضمنه من عرض لقضايا الإسلام والمسلمين فعمل ذلك على ترسيخ مفهوم واحد في أذهان المسلمين حول (الخطاب) وهو ما ينطق به النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو الإمام أو الواعظ في جمع من المسلمين وسمي هذا الكلام بالخطاب.

دال - تطور الدراسات اللغوية من (نحو الجملة) الى (نحو النص) .

اهتم العلماء باللغة اهتماماً كبيراً وتناولوها ضمن مجالات معرفية عديدة كالنحو والصرف والبلاغة ثم المعنى والدلالة والقصد، وسرى الاهتمام بها عند المناطقة

ص: 35


1- نفح الطيب في الخطابة والخطيب لمعروف الرصافي: ص 5- 6، ط مطبعة الأوقاف الإسلامية بدار الخلافة العلية لسنة 1917 م، الطبعة الأولى.

والفلاسفة والاجتماعيون فنتج عن ذلك حقلين معرفيين خصبت فيهما الابحاث والدراسات وكانا مقصداً للباحثين والدارسين قديماً وحديثاً.

فكان الحقل الاول يعرف ب(نحو الجملة) وهو (الترابط الرصفي) وموضوعه النظام النحو الافتراضي.

واما الثاني فهو الترابط المفهومي، وموضوعه النحو الدلالي (نحو النص)؛ ونحو النص يستدرك ما لا يدركه نحو الجملة من القدرة على تشخيص المعنى وفهمه في الخطاب؛ وذلك بتوافر المعايير النصية التي حددها دي بوجراند حين عرّف النص بأنه:

(حدث تواصلي يلزم لكونه نصاً تتوافر له سبعة معايير للنصية ( seven standards of text quality ) مجتمعة ويزول عنه هذا الوصف اذا تخلف واحد من هذه المعايير، وهي:

(السبك، والحبك، والتناص، والقصدية، والمقبولية، والإعلامية، والموقفية)(1).

ومجال دراستنا هو الثاني، اي: نحو النص، وموضوعه (النحو الدلالي) ضمن معياري (القصدية والمقبولية).

ثانياً: أثر الفلسفة التحليلية في تكوين التداولية

اشارة

إنَّ من البداهة بمكان عند المشتغلين بنحو النص ان يفهم العلاقة بين الفلسفة التحليلية والفكر التداولي فقد كانت نشأته في مطلع القرن العشرين والى يومنا هذا.

ص: 36


1- تطبيقات معياري القصدية والمقبولية في النص في معهود الخطاب عند العرب، عثمان الكنج،ص 21 ، مجلة الدراسات اللغوية والادبية، العدد الثاني لسنة 2015 شهر ديسمبر؛ اللساني العربي: ص 38 ، د. مسعود صحراوي، طبع دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت ط 1، 2005 م.

وذلك أن «الفلسفة التحليلية » تعد (من أبرز الاتجاهات الفلسفية المعاصرة التي تعبر عن الروح العلمية التي تجلت في العلوم الرياضية والعامة ككل؛ وهي تضم عدداً من المذاهب المتجانسة مثل الواقعية الجديدة ومؤسسها الفيلسوف الانجليزي

«جورج مور » والذي سار في طريقها بعد ذلك «برتراند راسل »، وكذلك الوضعية المنطقية التي ظهرت اولاً على يد «موريس » ثم حمل لوائها بعد ذلك «آير وكارناب .»

إلا أن أشهر من عبّ عن هذا الاتجاه العام للفلسفة التحليلية هو «برتراند راسل » إذ جمع في فلسفته احدث التطورات الرياضية، وآخر الكشوف العلمية الذرية، مما جعل الباحثين يطلقون على فلسفته اسم «الفلسفة التحليلية أو الرياضية»(1) .

وتتحدد ماهية الفلسفة التحليلية من خلال اعتمادها على آليه التحليل ومعناه

-أي: التحليل- في اللغة هو:

(الفتح، وحل العقد يحلها حلاً، فتحها ونقضها فانحلت)(2).

وهذا الحل والتفكيك لما هو مربوط ومعقد وشائك يسري مجراه في النظر والفكر والتأمل ويوضح هذه الجزئيات التي تكون فيها هذا الامر الشائك، وهو ما نجده في (المجال الفلسفي، فتفيد كلمة «تحليل » الفك أو رد الفك أو رد الموضوع الذي نتناوله بالبحث الى مصادره أو عناصره الاولية، سواء كان ذلك الموضوع فكرة أو قضية او عبارة من عبارات اللغة.

والواقع أن معنى التحليل في الفلسفة المعاصرة اصبح اشد ارتباطاً بالتوضيح فهو يبرز ويوضح ما نعرفه بشكل غامض، فالتوضيح يأتي عن طريق ابراز عناصر الموضوع الذي نحلله، بحيث يصبح امكانية تحقيق العبارة اللغوية مرتبطاً

ص: 37


1- التداولية عند العلماء العرب، دراسة تداولية لظاهرة الافعال الكلامية في التراث.
2- لسان العرب لابن منظور: ج 16 ص 169 ، مادة حلل.

بمتطابقاتها لما ترسمه أو تصوره من وقائع العالم الخارجي)(1).

وهذا يدفعنا الى تحقيق الهدف من وجود الفلسفة التحليلية وهو (الرجوع الى العناصر الاولية البسيطة والوحدات الجزئية الانسانية التي يقوم عليها الفكر والوجود، والتي يبدأ منها العلم والمعرفة، لأن هذا التحليل يوضح حقيقة تلك العناصر والجزئيات كما يبين العلاقات التي تربطها بعضها ببعض بهدف تأكيد قيمة تلك العناصر الاساسية والوحدات الجزئية، وابراز اهمية العلاقات عامة

وبيان قيمتها الحقيقية)(2).

وتعرف الفلسفة التحليلية بأنها (عملية يراد بها اكتشاف عناصر موضوع معين، من اجل خاص، وهذا يعني ان الغرض من التحليل هو تقليل درجة الغموض في المركبات بتوجيه الانتباه الى الاجزاء المتعددة)(3).

ومن هذه العملية التي كان غرضها التوضيح وازالة درجات الغموض -اي: الفهم الكلي- (لأنها تمثل تلك الفلسفة التي ترى ان التحليل الفلسفي للغة كفيل بإيصالنا الى تحليل فلسفي للفكر، وتفسير الفكر كفيل بإيصالنا الى الفهم الكلي للكون، فهذا الاتجاه هو طرح بديل في تفسير الجدلية لطروحات في تفسير الكون،

والغاية منه بناء تصور دقيق حول الكون والسبيل الى ذلك هو اللغة)(4).

ص: 38


1- محاضرات في اللسانيات التداولية، د. خديجة بوخشة، ص 3، المحاضرة الاولى.
2- الاشراف التربوي واتجاهاته المعاصرة، أ. د. طارق عبد احمد الدليمي ص 193 ؛ مركز ديبونو لتعليم التفكير، ط 1 لسنة 2016 ، عمان- الاردن.
3- المصدر السابق.
4- محاضرات في اللسانيات التداولية، د. خديجة بوخشة ص 3، المحاضرة الاولى.

من هنا:

اتخذت الفلسفة التحليلية ثلاثة اتجاهات برز فيها بعض الفلاسفة فغذوها بأفكارهم ورؤاهم فكان منها -اي: هذه الاتجاهات- ما هو ملاصق للفكر التداولي بل الاساس في نكزه وظهوره وتطوره لتصبح معه التداولية موضوع اهتمام اهل فلسفة اللغة واللسانيات، ومنها ما هو بعيد عن التداولية.

وهذه الاتجاهات الثلاثة في الفلسفة التحليلية هي:

1-الوضعانية المنطقية ( Positivisme Logique)

يرتكز هذا الاتجاه الفلسفي على نقض ما جاءت به فلسفة (الميتافيزيقيا)، اي: (ماوراء الطبيعة)، او (علة الموجودات واعتمادها على الرياضيات والمنطق في معرفة الاشياء.

والوضعية المنطقية اسم اطلق عام 1931 م على الحركة الفلسفية المنبثقة عن جماعة من الباحثين في مجالات متعددة من العلوم والفلسفة كالرياضيات والفيزياء والاجتماع والاقتصاد والادارة وغيرها من العلوم، وكان مقر هذه الجماعة في العاصمة السويسرية (فينّا) ومنها عرفت هذه الجماعة بهذا الاسم فأُطلق عليها (حلقة فينّا) وقد صدر لها مجموعة من الاصدارات.

وتسمى ايضاً:

ب)التجريبية المنطقية(Logical Empiricis)

و(التجريبية العلمية(Scientific Empiricism)

(وكان الظهور الفعلي للمدرسة مع (شليك) الذي كان يقود حلقة البحث في

ص: 39

حلقة فينّا، وتزامن هذا مع ظهور كتيب لها يعرض برنامجها بعنوان (حلقة فينّا، النظرة العلمية للعالم)؛ ثم بدأت (مجلة المعرفة) بالظهور في العالم التالي وحلّت محلها في عام 1931 م (مجلة العلم الموحد)، وقد تعاقبت مؤتمرات للمدرسة، الواحد منها

بعد الآخر)(1)

وكانت هذه المؤتمرات في مجموعة من البلدان والعواصم الاوربية تلاها مجموعة من الاصدارات لهذه المجموعة البحثية.

إلا أن ظهور الحركة النازية وتمددها في أوربا ادّت الى تفكيك هذه الجماعة وتلاشيها.

(فقد دعا رودولف كارناب(2) Rudolph carnap -وهو العضو الفعال في هذه الجماعة او الحلقة- الى (تحليل اللغة تحليلاً منطقياً، ولكنه لاحظ ان اللغة الطبيعية (العادية) تسيء الى الواقع لاتصافها بالاعتباطية والغموض وحتى التناقض في

بعض الاحيان، لذلك لابد من استبدالها بلغة منطقية صارمة، فسعى الى تكوين لغة صارمة تتسم بالصرامة والمنطقية والدقة وهي بحسبه من معتقدات اللغة الطبيعية، فاستفادوا باكتشاف الثغرات التي تتصف بها اللغة الطبيعية من اجل بناء تصور

علمي صارم للغة الاصطناعية)(3).

ص: 40


1- الفلسفة المعاصرة في أوربا، إ. م بوشنسكي، ترجمة د. عزت قرني، عالم المعرفة ص 82 ، مجلة ضمن (سلسلة كتب ثقافية شهرية)؛ لشهر سبتمبر عام 1992 م- الكويت.
2- كانت ولادته في المانيا سنة 1891 م وتوفي سنة 1970 م، صدر له عام 1959 م كتاب (الميتافيزيقيا عبر التحليل المنطقي للغة) والذي دعا الفلاسفة من خلاله الى البحث في اللغة واتخاذها مادة فلسفية و(البناء المنطقي للعالم)، و(موجز المنطق الرياضي) و(مدخل الى علم المعاني) و(الفلسفة والبناء المنطقي) وغير ذلك من الابحاث؛ للمزيد ينظر: (اعلام الفكر الفلسفي المعاصر)، فؤاد كامل: ص 89 .
3- المقاربة التداولية، فرانسواز ارمينيكو، ترجمة سعيد علوش، ص 34 ، نشر مركز الانماء القومي-مصر.
2- الظاهراتية اللغوية (Phenomenology du Language )

في الاتجاه الثاني الذي سارت به الفلسفة التحليلية هي الظاهراتية والتي نشأت ايضاً في مطلع العشرينات في الوقت الذي تزامن فيه ظهور جماعة فينّا أو حلقة فينّأ كما مرّ، وأن كانت جذور الظاهراتية تعود الى القرن الثامن عشر.

و(تعتبر الظاهراتية أحدى الافكار الأساسية في فلسفة القرن العشرين، وما يجمع بين المفكرين الداعين لها هو لجوئهم الى المسعى الفكري نفسه اكثر مما تجمعهم وحدة المعتقد.

والواقع أن الظاهراتيين يرمون الى معالجة المشكلات الفلسفية من خلال وصف كبريات انواع التجارب الانسانية؛ والفكرة الاساس التي تقوم عليها الظاهراتية ان لكل تجربة من تجاربنا شكلاً خاصاً تقتضيه طبيعة الشيء الذي هي بصدد تناوله، بحيث يكون بوسعي وانا احلل بنية تجربة معينة الوصول الى خطاب قابل لان

يجيب على التساؤلات المطروحة حول الشيء المذكور)(1).

وقد عرفت هذه الفلسفة ب(الفينومينولوجيا) وقد اتسمت ب(سمتين اساسيتين فهي منهج في المحل الاول، وهو منهج ينحصر في وصف الظاهرة، اي ما هو معطى مباشرة، ومن الجهة الاخرى فإن الفينومينولوجيا باعتبارها منهجاً، غض النظر

عن العلوم الطبيعية اي لا تنسب الى نتائجها، وبالتالي فإنها تتعارض مع المذهب التجريبي)(2).

ص: 41


1- الظاهراتية، فليب هونيمان، استل كوليش، ترجمة: حسن الطالب، ص 108 .
2- التصور الفينومينولوجي للغة، قراءة في فلسفة اللغة عند ادموند هوسرل، ص 17 ، اطروحة دكتوراه للباحث مخلوف سيد احمد، جامعة وهران- كلية العلوم الاجتماعية- الجزائر لسنة.2012 .

(فالفينومينولوجيا تختص بصيغة صور الظواهر من خلال اخفاء المعاني والدلالات عليها واكسابها ماهيات تعبر عن خصوصياتها وتميزها؛ ومراحل الصياغة والدلالة هي مراتب الالتقاء بين الوعي والاشياء الكائنة خارجة.

ويشكل المعنى من التوجه الذي يباشره الوعي اتجاه موضعه، وهو ما يسميه«هوسرل » بالقصدية، وهو نمط من العلاقة التي تربط الوعي بمضمون الظاهرة انها القدرة التي يمتلكها الوعي في رصد الموضوع، او بالأحرى كينونة الوعي كانفتاح على الموضوع.

وبما ان «هوسرل » قد اختار ان يعرف القصدية والفهم بوصفهما حدثين غير زمانيين فقد تمكن من تحويل الاتصال مع بقية البشر الى مجموعة الشروط المنطقية التي تتعلق بالمعنى والتعابير الخالية من اي احتمال، وبذا يعد عرضه للمعنى منطقياً.

ومما يلاحظ على هذا الاتجاه انه يبحث في اطر فكرية اعم من الكينونية اللغوية اذ يبحث فيه صاحبه في العلاقات والتصورات السابقة عن اللغة وهي في غاية التجريد كما انه بمنظوره هذا في الوعي والدلالة لا يأخذ بعين الاعتبار مقتضيات الاستعمال اليومي، والذي يتغير ويتنوع بحسب الاطارات الزمانية والمكانية

المختلفة التي تقتضيها اللغة العادية)(1).

وقد ابتعد هذان الاتجاهان عن جوهر التداولية وروحها بينما شكل الاتجاه الثالث -الذي سيمر بيانه- الاساس لظهور التداولية وتطورها على يد جملة من الفلاسفة لاسيما فلاسفة اكسفورد.

ص: 42


1- محتضرات في اللسانيات التداولية، د. خديجة بو خشة، ص 7.
3-فلسفة اللغة العادية (Philosophie du Langage )

إنَّ دراسة هذا الاتجاه من الفلسفة التحليلية يقضي الى نتيجة مفادها أن العالم الالماني (لودفيغ فتغشتاين، -1889) (Wittgen stein 1951 ) هو الرائد في تكوين هذا الاتجاه ضمن كتابه الموسوم ب(رسالة منطقية) التي جمع فيها دراسته وابحاثه حول الفلسفة وحاول الاجابة من خلاله على حل المشكلات التي وقعتفيها الفلسفة وذلك بعد تأثره بآراء وافكار زميله (رسل) وذلك حسبما يفهم من خلال رسائله التي كان يبعثها اليه وهو اسيراً في السجن.

(لقد كان لفتغشتاين تصوراً جديداً للغة فانه ينظر إليها بوصفها نشاطاً ينحصر في استخدام الكلمات كأدوات، واصبحت النظرية الجديدة في المعنى تقرر أن معنى اية كلمة لا يتمثل في اي موضوع قد يفترض في الكلمة انها تقوم مقامه، واللغة وفق

التصور الجديد البرجماتي وتبعاً للغة الحياة اليومية تجعل منها اكثر من مجرد وسيلة لتصوير الواقع)(1).

اي ان اللغة التي يريدها فتغشتاين (ينبغي أن تكون بسيطة منزوعة الاقنعة الفلسفية والعلمية، وقد كان يريد لغة بسيطة ببساطة الحياة اليومية، وهي تحقق التواصل بين مستعمليها)(2)

وقد شكلت هذه الرؤية الفلسفية للغة فتحاً جديداً لفلاسفة اكسفورد، فقد أولوه اهتماماً كبيراً وقاموا بتطويره؛ (ومنهم على الخصوص «اوستن Austin ، وسيرل »Searle وما نلاحظه على هذا الاتجاه انه استطاع رواده ان يقدم فلسفة تحليلية للغة تهتم بالمضامين والمقاصد في العملية التواصلية.

ص: 43


1- التحليل في فلسفة فتغشتاين، رافد قاسم هاشم؛ مجلة جامعة بابل للعلوم الانسانية، المجلة 19 ، العدد 2 لسنة 2011 م.
2- الافعال المتظمنة في القول بين الفكر المعاصر والتراث العربي: ص 49 ، ط دار الطليعة- بيروت.

إذ قدم (أوستن) افكاراً قيمة ضمن هذا الاساس، وبالخصوص (مسلمة القصدية) التي توسع في دراستها ضمن شبكة من المفاهيم المترابطة منها على وجه الخصوص:

- مبدأ التعاقد.

- مبدأ القضاء.

- مبدأ الاستراتيجية.

- الصريح والضمني.

- نمط تنظيم الخطاب.

- نمط النصوص)(1).

وقد خرجت التداولية في اولى نظرياتها على يد (أوستن) ضمن معتقد يرى (أن الوحدة الصغرى للاتصال الانساني ليست الجمل، ولا أيّة عبارة اخرى، بل هي انجاز بعض انماط من الافعال)(2).

ومن هذا المعتقد كانت ولادة نظرية الافعال الكلامية، ثم يليه في هذه النظرية ودراستها وتحليلها تلميذه (جون سيرل J. searl ) مقدماً في ذلك رؤيته الفلسفية التي ترتكز على فصل الافعال الانجازية الى افعال تمريرية وتأثيرية فيقول:

(إنَّ تميزنا الأول هو بين الفعل التمريري (الانجازي) الذي هو الهدف الحقيقي من تحليلنا، والفعل التأثيري الذي له علاقة بالنتائج الأخرى، الآثار المرتبطة على أفعالنا)(3).

ص: 44


1- محاضرات في اللسانيات التداولية: د. خديجة بوخشة ص 8.
2- محاضرات في فلسفة اللغة، د. عادل فاخوري: ص 108 طبع دار الكتب الجديدة المتحدة بيروت.
3- العقل واللغة والمجتمع، الفلسفة في العالم الواقعي، جون سيرل، ترجمة د. سعيد الغنامي: ص 102 ؛ منشورات الاختلاف- الجزائر لسنة 1427 - 2006 ط 1.

ثم لينتقل البحث في التداولية وتطويرها على يد (بول غرايس) ليتفرد في طرحه عن الفلاسفة الذين عكفوا على تطوير التداولية فقد قدم (طريقة جديدة في فهم التداوليةومسألة التواصل، وتمثل الإسهام الرئيسي ل(غرايس) على المستوى النظري في أنه

أدخل مفهوم الاستلزام الحواري الذي مكن من فهم اختلاف المألوف بين دلالة الجملة والمعنى الذي يبلغه القول، وعلى مستوى التواصل أقترح مبدأ التعاون الذي يلزم افتراضاً أن السامع قد أحترمه حتى يتمكن من تأويل ما يريد المتكلم قوله)(1).

ومن هذه الرؤية الفلسفية شقت التداولية طريقها كحقل معرفي جعل من اللغة مادته للإجابة على كثير من الاسئلة التي تبحث الفلسفة التحليلية عن اجابات لها فكانت الموضوع الاساس في تطور هذه الفلسفة وتقديم رؤيتها الجديدة ضمن التداولية؛ فما هي التداولية؟

ثالثاً: التداولية . Pragma Tigue

1-مفهوم التداولية

إن تعدد المجالات التي شغلتها التداولية كالفلسفة واللسانيات والاجتماع وغيرها جعل من المفهوم متشعباً ومتعذراً حصره في وحدة بيانية معرفية جامعة.

(فحقل التداولية بوصفه كياناً غامضاً، أو قُل: جراباً جديداً توضع فيه الاعمال الهامشية التي لا تنتمي الى الاختصاصات المؤسسية، وهي اللسانيات، وعلم الاجتماع، والانثروبولوجيا، وعلم النفس الاجتماعي، والدلائلية وغيرها نحو المشاكل التي اثارتها هذه الاختصاصات ولم تتوصل الى معالجتها بشكل مرضي)(2)

ص: 45


1- القاموس الموسوعي للتداولية، جاك مورشلا، آن ريبول؛ ترجمة مجموعة من الاساتذة: ص 212 ط 2 لسنة 2010 م، نشر منشورات دار سيناترا- المركز الوطني للترجمة/ تونس.
2- التداولية من اوستين الى غوقمان، فليب بلانشيه: ص ، ترجمة صابر الحباشة طبع دار الحوراء- سوريا، ط 1 السنة 2007 م.

والسبب الاخر الذي ساهم في تعذر اخراج مفهوم جامع التداولية هو أنها مجموعة من ثلاثة نظريات، وهي نظرية أفعال الكلام، ونظرية حكم المحادثة، ونظرية الملائمة.

2-تعريف التداولية في اللغة

يشير لفظ (دول) في المعجم اللغوي الى الانتقال والتحول، ومنه الإدالة، ومنه جاء القول في انتقال الأنسان من الحياة الى الموت في علاقته مع الارض؛ قال الفراهيدي (ت 175 ه) عن الحجاج:

(إنَّ الأرض ستدال منا كما أدلنا منها، أي نكون في بطنها كما كنا على ظهرها)(1).

وهذا المعنى المعجمي نجده مستخدم في الحرب، وفي استخدام المال بين الناس، فهم يداورونه ويتناقلونه فيما بينهم فيدال بين أيديهم.

قال الجوهري (ت 395 ه):

الدولة في الحرب: أن تدال إحدى الفئتين على الاخرى؛ يقال: كانت لنا عليهم الدولة؛ والجمع الدوال.

والدُولة بالضم في المال ويقال: صار الفيء دولة بينهم يتداولونه، يكون مرة لهذا ومرة لهذا؛ والجمع دولات ودول)(2).

ص: 46


1- كتاب العين: ج 8 ص 70 .
2- الصحاح للجوهري: ج 4 ص 1699 .

وذهب ابن فارس (ت 395 ه) الى أن أصل المعنى في اللفظ يدل على تحول شيء من مكان الى مكان، فقال أهل اللغة: اندال القوم إذا تحولوا من مكان الى مكان، ومن هذا الباب تداول القوم الشيء بينهم اذا صار من بعضهم الى البعض(1).

والتداولية تدرس تحول اللغة فيما بين الناس في امرين:

1- التواصل المفهومي والتفاعلي فتتم خلاله مداولة اللغة فيما بينهم.

2-القوة الانجازية لصدور الافعال فيما بينهم.

3 - نشأة مصطلح التداولية (Pragmatic)

إنَّ الرجوع الى نشأة المصطلح ( Pragmatic ) تفيد بأن (الفيلسوف الامريكي (شارلس موريس) هو أول من استخدم هذا المصطلح عام 1938 م، عندما قام بتميز علم الدلالة عن علم التداولية)(2).

في مقالته (اسس نظرية العلامات) وعرفها بأنها: العلم الذي يدرس علاقة العلامات بمستعمليها.

(اما ميلاد التداولية فكان سنة 1955 م عندما ألقى (جون أوستن) محاضراته بجامعة هارفارد وعنوانها ( Willism gomes lectures ) أما بداية البرنامج المعرفي للتداولية فكان مع (شومسكي) و (ميلر) و (نوال) و(سيمون) و (مينكي) و (ماك كولوك)(3).

ص: 47


1- معجم مقاييس اللغة: ج 2 ص 314 .
2- التداولية اليوم علم جديد في التواصل، آن ربول، وجاك موشلار، ص 28 و 29 ، ترجمة سيف الدين دغفوس، ط دار الطليعة- لبنان- ط 1 لسنة 2003 م.
3- المصدر السابق.
4 - تعريف التداولية في الإصطلاح والدراسات المعاصرة

مثلما تعددت المفاهيم في بيان معنى التداولية لتداخلها مع مجموعة من العلوم الاخرى -كما مر انفاً- كذلك حالها في التعريف الاصطلاحي، فقد عرّفها موريس بتعريف أشتمل على العمومية والشمولية وذلك لكونها -أي التداولية- كانت في صراع مع الرؤى الفلسفية التي مرّ ذكرها سابقاً ولم تنضج بعد كعلم مستقل لاسيمافي مجال فلسفة اللغة.

ومن التعريفات الاخرى في التداولية التي جاءت بعد هذا التعريف لتقدم تعريفا يساهم في تحديد هويتها ووظيفتها، فكان منها:

أ- تعريف (ماري ديير) و (فرانسو ريكافاني):

التداولية هي دراسة استعمال اللغة في الخطاب، يشاهده في ذلك على مقدرتها الخطابية)(1).

ب- تعريف (فيرشون)، فقد عرّفها قائلاً:

(تدرس التداولية والسلوك اللفظي الانساني، والبعد الذي تدرسه التداولية هو الصلة بين اللغة وحياة الانسان بشكل كامل)(2)

ج- تعريف (فردناند هالين) وقد جاء من خلال تحديد هدفها، إذ(تهدف التداولية الى بلورة نظرية لأفعال الكلام، أي نماذج مجردة، أو مقولات تصدق على السلوكيات الملموسة والشخصية التي ننجزها ونحن نتكلم)(3).

ص: 48


1- المقاربة التداولية، فرانسواز ارمينيكو، ص 8، ترجمة سعيد علوش، طبع ونشر مركز الانماء القومي (د ت. دط).
2- ما التداولية، د. مجيد الماشطة، مجلة الاديب- بغداد- السنة الثانية- شباط 2005 م.
3- التداولية، فردناند هالين، ص 155 ، ترجمة وبّا محمد، مجلة الفكر والنقد، العدد 24 - السنة الثالثة، لسنة 1999 م.

ومن اللسانيين العرب الذين جاءوا بتعريفات للتداولية:

1- فقد استخلص طه عبد الرحمن المغربي تعريفه من خلال مركوز المعنى اللغوي والبلاغي للفعل تداول، فيقول:

(تداول الناس كذا بينهم يفيد معنى متناقله الناس واداروه بينهم، ومن المعروف أيضا أن مفهوم النقل والدوران مستعملان في نطاق اللغة الملفوظة كما هما مستعملان في نطاق التجربة المحسوسة، فيقال:

«نقل الكلام عن قائليه » بمعنى رواه عنه، ويقال: دار على الألسن، بمعنى: جرى عليها، فالنقل والدوران يدلان في استخدامهما اللغوي على معنى التواصل وفي استخدامها التجريبي على معنى الحرمة بين الفاعلين، فيكون التداول جامعاً

بين اثنين، هما: التواصل والتفاعل بمقتضى التداول، اذن: يكون القول موصولاً بالفعل)(1).

2- عرفها الدكتور مسعود صحراوي: (هي ايجاد القوانين الكلية للاستعمال اللغوي والتعرّف على القدرات الانسانية للتواصل

اللغوي، وتصير (التداولية) من ثم جديرة بان تسمى: علم الاستعمال اللغوي)(2).

3- وقد عرفها الدكتور محمود نحلة بشكل موجز فقال:

(أوجز تعريف للتداولية وأقربه الى القبول هو: دراسة اللغة في الاستعمال (Inuse) أو في التواصل ( in interactiation ) اللغة بين المتكلم والسامع في

ص: 49


1- تجديد المنهج في تقويم التراث، طه عبد الرحمن، ص 28 ، المركز الثقافي العربي- ط 2- الدار البيضاء.
2- التداولية عند العلماء العرب- دراسة تداولية لظاهرة الافعال الكلامية في التراث اللساني العربي-،د. مسعود صحراوي: ص 16 - 17 ، طبع دار الطليعة بيروت لسنة 2012 م ط 1.

سياق محدد (مادي، واجتماعي، ولغوي) وصولاً الى المعنى الكامن في كلام ما)(1).

يمكن تن نستخلص مما مضى: ان التداولية هي دراسة اللغة التواصلية الانجازية للإنسان مع ما يحيط به؛ ولا ينجز الانسان حتى يفهم ولا يفهم حتى يدرك المعنى.

وبناءً على هذه التعريفات يمكن أن نستخلص:

أن التداولية هي دراسة اللغة التواصلية الانجازية للإنسان مع ما يحيط به، ولا ينجز الإنسان حتى يفهم، ولا يفهم حتى يدرك المعنى، ومن ثم من خلال اللغة نتعرف على انفسنا وعلى الاخرين ونعرّفها لهم فيكون التواصل؛ واقل ما ينجز في ذلك هو القدرة على التعامل مع الكلمة وتحرير ما في النفس.

5 - اتجاهات التداولية
اشارة

إنَّ معرفة الإتجاهات التي تسلكها التداولية والتي تمكّن الباحث من الاحاطة بهذه الفلسفة التي حاولت أن تجد من اللغة اداة للوقوف على معرفة ما يعترض ذهن الانسان من تساؤلات كثيرة فلعله في بعض منها سينال الاجابة من خلال فلسفة اللغة التي تكمن في هذه المعرفة لهذه الاتجاهات.

فقد حددها «جورج يول »George Yule »(2) في كتابه التدريسي (التداولية) بأربعة اتجاهات:

ص: 50


1- أفاق جديدة في ابحث اللغوي المعاصر؛ د. محمود احمد نحلة، ص 14 ، مكتبة الادب، القاهرة ط 1 سنة 2002 .
2- واحد من ألمع أساتذة اللغة، وقد توافر على تدريس علم اللغة في العديد من الجمعات المرموقة، وله مؤلفات عديدة- إضافة الى التداولية- ابرزها: Explaining English Grammar و The Study Of Language Discourse Analysis (بالاشتراك مع جليان بروان) ؛ ينظر: (مقدمة المترجم لكتاب التداولية ص 14 و 15 ).
أ - دراسة المعنى الذي يقصده المتكلم

فالتداولية تختص بدراسة المعنى كما يوصله المتكلم (أو الكاتب)، ويفسره المستمع (أو القارئ).

لذا: فإنها مرتبطة بتحليل ما يعنيه الناس بألفاظهم اكثر من ارتباطها بما يمكن ان تعنيه كلمات او عبارات هذه الالفاظ منفصلة.

ب - دراسة المعنى السياقي

يتضمن ميدان الدراسة هذا بالضرورة تفسير ما يعنيه الناس في سياق معين وكيفية تأثير السياق فيما يقال؛ كما يتطلب ايضاً التمعن في الآلية التي ينظم من خلالها المتكلمون ما يريدون قوله وفقاً لهوية الذي يتكلمون اليه، واين، ومتى،وتحت أي ظرف.

ج - دراسة كيفية ايصال اكثر مما يقال

يدرس هذا المنهج الكيفية التي يصوغ من خلالها المستمعون استدلالات حول ما يقال للوصول الى تفسير المعنى الذي يقصده المتكلم.

ويبحث نوع الدراسة هذا في كيفية ادراك قدر كبير لها لم يتم قوله على انه جزء مما يتم ايصاله.

بإمكاننا القول انه دراسة المعنى غير المرئي.

د - دراسة التعبير عن التباعد النسبي

يثير هذا المنظار التساؤل حول ما يمكن أن يحدد ما يقال ومالم يتم قوله.

ويرتبط الجواب الرئيسي بمفهوم التباعد ( Distance ) ينطوي القرب المادي أو

ص: 51

الاجتماعي أو المفاهيمي على خبرة مشتركة حيث يحدد المتكلمون مقدار ما يحتاجون قوله بناءً على افتراض قرّب المستمع أو بعّده».(1)

وعليه:

فقد أتسعت التداولية بأتساع هذه الاتجاهات ومجالات دراستها، وهي بذاك قد فتحت أمام الباحثين حقلاً معرفياً يساهم في معرفة الانسان وما يحيط به من شؤون حياته.

رابعاً: القصدية .Intentionality

اشارة

يمكن لنا الوصول الى مفهوم القصدية من خلال تعريفها في اللغة والاصطلاح وما ذكره البلاغيون من استعمالات ودلالات ومعنى للقصد في كتبهم، ومن ثم نقف عند تعريف اهل الاختصاص في علم النص والمنشغلون باللسانيات وما توصلوا اليه في الدراسات الحديثة في مجال علم النص.

أ - تعريف القصد في اللغة

إنَّ المستفاد من معنى مفردة (قصد) في اللغة، وهو أصابة المعنى في اللفظ والوصول اليه؛ قال الفراهيدي (ت 175 ه):

(القصد: استقامة الطريق، والقصد في المعيشة أن لا تسرف ولا تقتر؛ وقد جاء في الحديث: ما عال مقتصد، ولا يعيل)(2).

وقال ابن فارس (ت 395 ه):

ص: 52


1- التداولية، جون يول، ترجمة قصي مهدي العتابي: ص 19 - 20 ، نشر الدار العربية للعلوم ناشرون- بيروت، ط 1 لسنة 2010 م.
2- كتاب العين: ج 5 ص 54 .

قصد: القاف، والصاد، والدال؛ أصول ثلاثة يدل احدهما على اتيان شيء وأمه، والاخر على كسر وانكسار، والاخر على اكتناز في الشيء؛ فالأصل: قصدته قصداً ومقصداً.

ومن الباب: أقصد السهم إذا اصابه فقتل مكانه وكأنه قيل ذلك لأنه لم يحد عنه)(1).

وهذا يكشف عن دلالة القصد في النص: أي اصابة المعنى الذي عناه منتج النصكما يصيب السهم الهدف ويصل اليه.

قال الأعشى:

(فأقصدها سهمي وقد كان قلبها*** لأمثالها من نسوة الحي قانصاً)(2).

وفي الأصل الثالث الذي ذكره ابن فارس يحدد وظيفة القصد في اللفظ، اي أن النص يكون متمثلاً ومكتنزاً للمعاني والدلالات فتكون وضيفة المتلقي اخراج هذه المعاني التي اكتنزها اللفظ.

ولذا قيل:

(الناقة القصيد: المكتنزة الممتلئة لحماً.

قال الأعشى:

قطعت وصاحبي سرح كناز*** كركن الرعن ذعلبة قصيد

ص: 53


1- معجم مقاييس اللغة: ج 5 ص 95 .
2- المصدر السابق.

ولذا سميت القصدية من الشعر قصيدة لتقصيد أبياتها، ولا تكون أبياتها إلا تامة الابنية)(1).

وأَظهر ابو هلال العسكري (ت 395 ه):

(إنَّ المعنى: القصد الذي يقع به القول على وجه، وقد يكون معنى الكلام في اللغة ما تعلق به القصد.

وقيل: إنَّ المعنى هو القصد، ما يقصد اليه من القول، فجعل المعنى: القصد لأنه مصدر)(2).

وقد كان لابن جني بياناً موفقاً في تحديد موقع اللفظ واصله، اي (القصد) فيكلام العرب وهو: (الاعتزام، والتوجه، والنهود، والنهوض، نحو الشيء على اعتدال كان ذلك أو جور.

هذا اصله في الحقيقة وإن كان قد يخص في بعض المواضع بقصد الاستقامة دون الميل، الا ترى وانك تقصد الجور تارة كما تقصد العدل اخرى، فالاعتزام والتوجه شامل لها جميعاً)(3).

وهذا يرشد الى أنَّ القصد يراد به في الاصل في كلام العرب حينما تتم المقارنة مع النظرية التداولية وتحديداً في معيار المقصدية هو التوجه بالمعنى والنهوض به نحو الشيء الذي عناه منتج النص مرتكزاً على الاعتدال في توجيه المعنى بغية احراز

التفاعل مع المتلقي.

ص: 54


1- معجم مقاييس اللغة: ج 5 ص 96 .
2- الفروق اللغوية: ص 505 .
3- لسان العرب لابن منظور: ج 3 ص 355 .
ب - القصدية في الاصطلاح

يمكن الوقوف على معنى القصدية في الاصطلاح من خلال المفاهيم التي تناولت اللفظ في بعض العلوم، فالقصدية في الفلسفة هي:

(اتجاه الذهن نحو موضوع معين وادراكه له ويسمى القصد الاول، وتفكيره في هذا الادراك سمي القصد الثاني)(1).

في حين عرَّفها علماء الظاهراتية (الفينومينولوجيا): هي مبدأ كل معرفة، وتعني: أنَّ المعنى يتكون من خلال الفهم الذاتي والشعور القصدي الآتي بإزائه)(2).

ج - القصدية في التراث البلاغي العربي

يتضح اهتمام البلاغيون العرب في تتبع قصد منتج النص من خلال اهتمامهم بالمعنى وفهم كلام القائل وقدرته على افهام السامع وهو ما يعنيه اللسانيون في دراستهم لمعياري القصدية والمقبولية.

فقد أظهر ابو هلال العسكري مفهوم القصدية في بيانه لمفهوم مفردة المعنى ودلالتها فيقول:

(المعنى هو القصد الذي يقع به القول على وجه دون وجه فيكون معنى الكلام ما تعلق به القصد)(3).

ص: 55


1- معجم المصطلحات في اللغة والادب، تأليف مجدي وهبة وكامل المهندس: ص 288 ، ط 2 مكتبة لبنان.
2- هي مدرسة فلسفة تعتمد على الخبرة الحسية للظواهر كنقطة بداية (اي ما تمثله هذه الظاهرة في خبراتنا الواعية) ثم تنطلق من هذه الخبرة لتحليل هذه الظاهرة واساس معرفتنا بها. للمزيد ينظر: ويكيبيديا العربية، علم الظواهر.
3- الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري: ص 504 .

ثم يأتي بمثل في بيان حقيقة القصد ومراده فيقول:

(والكلام لا يترتب في الاخبار والاستخبار وغير ذلك إلا بالقصد فلو قال قائل: (محمد رسول الله -صلى الله عليه وآله-) ويريد جعفر بن محمد بن جعفر كان ذلك باطلاً)(1).

ثم يأتي الى بيان الغرض الذي أراده منتج النص في خطابه، فيقول:

(والغرض هو المقصود بالقول أو الفعل بإضمار مقدمة)(2).

وبين السبب في تسميته بالغرض (تشبيهاً بالغرض الذي يقصده الرامي بسهمه وهو الهدف)(3).

وتظهر مفاهيم العملية التواصلية في التراث البلاغي من خلال تعريفهم للبيان كماجاء عن الجاحظ والقيرواني (ت 453 ه) والظهار ان القيرواني نقل هذا التعريف عن الجاحظ، فيقول:

(والبيان اسم جامع بكل شيء كشف لك قناع المعنى وهتك الحجب حتى يفضي السامع الى حقيقته ويهجم على محصوله كائناً ما كان ذلك البيان من اي جنس كان ذلك الدليل لأن مدار الامر والغاية التي اليها يجري القائل والسامع انما هو الفهم

والافهام فبأي شيء بلغت الافهام واوضحت عن المعنى فذاك هو البيان في ذلك الموضع)(4).

ص: 56


1- المصدر السابق.
2- الفروق اللغوية: ص 504 .
3- الفروق اللغوية: ص 504 .
4- البيان والتبيان: ص 55 ؛ زهر الآداب للقيرواني: ج 1 ص 149 .

ويظهر مدار العملية التواصلية في معياري القصدية والمقبولية في قوله:

(والغاية التي يجري اليها القائل والسامع انما هو الفهم والافهام) ومن ثم يكون الخطاب التواصلي بين الناس ثمرة وهي (البيان).

ويتجلى اعتماد البلغاء والشعراء القصدية في بيانهم للمعنى المنظوم والموزون في الشعر، قال ابن جني:

(سمي قصيداً لأنه قصد واعتمد)(1).

وقال الجوهري: (سمي قصيداً لان قائله احتفل له فنقحه باللفظ الجيد والمعنى المختار واصله من القصيد)(2)

وقيل: (سمي الشعر التام قصيداً لان قائله جعله من باله فقصد له قصداً ولميحتسّه حسياً على ما خطر بباله وجرى على لسانه بل روى فيه خاطره واجتهد في تجويده ولم يقتضبه اقتضاباً فهو فعيل من القصد، وهو الأُم)(3).

(من أجل ذلك كان النقاد وشراح الشعر العربي القدامى يستحضرون مناسبة القصدية، والوصول الى قدر اكبر من الثقة في تحقيق معنى النص، ولذلك يمكن القول:

أن مفهوم القصدية في التراث النقدي والبلاغي كان حاضراً في مظهرين رئيسيين:

أولهما: النية؛ حيث سمي الشعر التام قصيداً لان قائله جعله من باله فقصد له قصداً؛ إضافة الى تعريفهم للشعر بأنه يقوم بعد النية على اربعة اشياء، وهي:

ص: 57


1- لسان العرب: ج 3 ص 354 .
2- المصدر السابق.
3- لسان العرب: ج 3 ص 354 .

اللفظ، والوزن، والمعنى، والقافية، فهذا هو حد الشعر لأن من الكلام موزوناً مقفّى وليس بشعر لعدم القصد والنية، بل اشترط بعضهم في الشعر أن يكون اكثر من بيت احترازاً عما يقع في سطر واحد بوزن الشعر دون القصد.

اما المفهوم الثاني للقصد: فيتمثل في المصطلحات التي استعملها القدامى للدلالة على المراد من النص او الكلام، مثل: المعنى، والغرض، والهدف، والحاجة، والغاية التي يريد أن يبلغ اليها المتكلم، بل لعل تعريفهم للبلاغة يتضمن جانباً من القصدية

حيث ينشطرون لتحقق بلاغة النص او الكلام وضوح القصد للسامع)(1).

د - القصدية في الدراسات اللسانية

للوصول الى مفهوم القصدية في مجال لسانيات النص فلابد أولاً من الرجوع الىواضع المعايير السبعة في التداولية.

فقد ذهب (دي بوجراند) في بيان قصدية اي نص بأنها تكمن في (تحديد اتجاه منتج النص الى ان تؤلف مجموعة الوقائع نصاً متضامناً متقارناً ذا نفع عملي في تحقيق مقاصده، اي نشر معرفة او بلوغ هدف يتعين من خلال خطة ما)(2)

ويتحدد بلوغ الهدف لدى منتج النص في القصدية من خلال (الشيء الذي يبتغيه المتكلم، او الكاتب من عملية التواصل مع المتلقي باستعمال وسائط لغوية سائدة، اي: انها باختصار: مقصد المتكلم الذي ينبغي ان يتضح لدى المتلقي)(3).

وكي يتضح مقصد المتكلم لدى المتلقي فلا بد من معرفة دلالة النص وفهمه؛

ص: 58


1- القصدية والمقبولية في التراث النقدي والدرس اللساني، د. اياد نجيب عبد الله، و أ. ميلود مصطفى عاشور: ص 353 ، مجلة جامعة المدينة العالمية، العدد السابع عشر -يوليو- 2016 م.
2- مدخل الى علم النص، دي بوجراند: ص 132 طبع دار الكتاب، ط 1 مطبعة القاهرة.
3- التحليل اللغوي للنص، برينك كلاوس: ص 122 ، ط مؤسسة مختار للنشر، ط 1

ف(الدلالة تعني ضرورة توافر قصد الواصل من قبل المرسل، والفهم يعني الاعتراف من قبل المتلقي بقصد تواصل المتلقي)(1).

ولذلك يرى كثير من علماء التداولية (ان المقاصد هي المعاني، وان الالفاظ انما وضعت من اجل الوصول الى معانٍ معينة، فكانت وسيلة لإدراكها؛ فالمعنى هو المقصود)(2).

ولذا:

كان همنا في دراسة هذه النصوص الشريفة هو الوقوف على هذه المعاني المعينة والوصول اليها وادراكها واظهارها للقارئ لاسيما وأن منتج النص (عليه السلام)هو أمير اللغة وفارسها.

إلّا أن ذلك لا يمكّن المتلقي -بسهولة- الاحاطة بقصدية منتج النص؛ وذلك ان (معرفة الانظمة اللغوية المعهودة لا تغني المرسل اليه عن السياق ودوره في الكشف عن قصد المرسل؛ اذ ان بؤرة الاهتمام ماذا يعني المرسل بكلامه لا لماذا تعنيه اللغة؛ فقد يكون الخطاب واضحاً في لغته ولكن لا تدرك معناه دون معرفة قصد المرسل الذي يمكن ان يتجاوز المعنى الحرفي للخطاب الى مقاصد اخرى)(3).

وهذا ما يحدد اثر القصد في معرفة المعنى الذي جاء به الخطاب واستخلاص المغزى منه وغاية منتج النص، فقد يصاغ الخطاب في (تمثيل تدرك معانيه الحرفية، ولكنها غير كافية لإدراك المغزى واستخلاص العبرة، وعلى هذا فإن النص لا يتمظهر في شاكلة واحدة وانما في كيفيات مختلفة وراءها مقصدية المرسل، ومراعاة المرسل

ص: 59


1- تحليل الخطاب الشعري، مفتاح، ص 140 ، طبع المركز العربي، ط 2 الدار البيضاء.
2- استراتيجيات الخطاب مقاربة لغوية تداولية، عبد الهادي بن ظافر الشهري: ص 195 - 196 .
3- استراتيجيات الخطاب: ص 191 .

المخاطب، والظروف التي يروح فيها النص وجنس النص، وهذه الماورائيات نفسها تؤدي الى اختلاف استراتيجية التأويل من عصر الى عصر، ومن مجموعة الى مجموعة، ومن شخص الى شخص، بل ان الممارسة التأويلية الشخصية دينامية)(1).

من هنا:

نجد ان وظيفة الدرّاس في لسانيات النص ترتكز بالأساس على فهم معنى مفردات النص والغوص في هذه المعاني لاستخراج المكنون منها؛ آخذاً بذاك روح النص وزمان صدوره ومكان القائه او كتابته والظروف المحيطة به والجهة التيقصدها منتج النص.

يضاف له تفاوت مستويات المتلقي فعليها الاعتماد في بث الروح في النص ونمائه وتقديم ثماره، وهو هدف منتج النص وغايته في خطابه ولولا ذاك لما تكلم المتكلمون ولا اضمر الناصّون معانٍ ارادوها ودرر أبطَونَا في قوالب المفردات.

وبذلك يمكن الوصول الى حقيقة مقاصدية منتج النص ومراده وغرضه ومبتغاه التي لا تقف عند حد معين لاسيما اذا كان النص له خصوصية الحياة والتجدد والنماء وهو ما ينحصر في النص المعصوم الصادر عن الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) وعترته اهل بيته (عليهم السلام).

اي: عدم انحصار (النص المعصوم) بقصدية واحدة وانما يكتنز النص القرآني والنبوي على مقاصد جمة لا يمكن حصرها إلّا من خلال الرجوع الى نفس جهة صدورها وهو المعصوم الذي احصى الله فيه كل شيء لقوله عز وجل:

﴿وَكُلَّ شَیءٍ أحْصَيْنَاهُ فِی إِمَامٍ مُبِينٍ﴾.

ص: 60


1- المصدر السابق: ص 212 .

وعليه:

تتوقف القصدية على فهم المتلقي وقدرته في قراءة النص وتفكيكه وهو ما يدعو الى دراسة أدوات القراءة وتحديد مستوياتها؛ بل دراسة القارئ ايضا مما يفتح الباب على استخراج مقاصد جديدة تنتقل بين مقاصد منتج النص ومقاصد المتلقي في

عرضه وبيانه لمقاصد النص الذي عكف على دراسته وتحليله وتقديمه مرة اخرى الى مستويات جديدة من القرّاء.

وهذا ما سنلاحظه في عرضنا للمقبولية في فصول الدراسة التي تكشّفت فيها مقاصد منتج النص عند المتلقي الاول أو الثاني او الثالث، فضلاً عن ظهور مقاصدية المتلقي في صرف قصدية منتج النص من خلال تقديم صورة مغايرة لما قصده المعصوم (عليه السلام) او محاولة الالتفاف على المعاني وصرف وجهة الدلالة وصرف ذهن المتلقي الجديد والقرّاء عن مقاصد المعصوم (عليه السلام) وهو ما سيمر في دراسة مقبولية النص خلال الدراسة.

ومما يعين على استخراج مكنون اللفظ والوصول الى مقاصدية النص هو دراسة الأفعال الكلامية، وهو ما عرف في اللسانيات بنظرية الافعال الكلامية.

خامساً: نظرية الافعال الكلامية

اشارة

إنَّ انبثاق التداولية من رحم الفلسفة التحليلية ادى الى نتاج فكري جديد تمثل في استخراج نمط جديد لفهم النص وغرضه وتفاعله وقوته التواصلية.

(ويعد أوستن »Austin« أول من أسس لنظرية الافعال الكلامية، ومركوز هذه النظرية يقوم على رفض ما ذهب اليه اصحاب الفلسفة الوضعية من ان وظيفة اللغة هي وصف العالم الخارجي وهو ما اطلق عليه أوستن تسمية المغالطة الوصفية

ص: 61

(Desctoiptive Fallacy)؛ إذ لا تكمن وظيفتها في وصف العالم الخارجي أو التعبير عن الافكار؛ لكن وظيفة اللغة -كما ذهب اوستن- هي تحويل الأفعال في بناء سياقي معين؛ لأن الاقوال التي تتم في إطار معين تصبح أفعالاً منجزة بمجرد النطق بها).

وينتج عن ذلك أنَّ أوستن يرى اللغة ليست وصفاً وإنما هي الافعال التي تؤثر في السامع او المتلقي وتحركه نحوها مستجيباً لقوتها الانجازية ومن ثم فهو ينجز أمراً حددته هذه الافعال.

وبناءً على ذلك فقد القسم (اوستن) الفعل الكلامي الى ثلاثة أنواع وأنها تنجز في آن واحد اثناء التكلم وتأثر في القول(1)، وهو كالاتي:

1-فعل القول (Lacte locatoire)

ويراد به إطلاق الالفاظ في جمل مفيدة ذات بناء نحوي سليم، وذات دلالة، ففعل القول يتمثل بالضرورة على افعال لغوية فرعية، وهي المستويات للسانية المعهودة: المستوى الصوتي، المستوى التركيبي، المستوى الدلالي، ولكن أوستن يسميها أفعالاً وصنفها كالاتي:

أ-الفعل الصوتي: وهو التلفظ بسلسلة من الاصوات المنتمية الى لغة بعينها.

ب- الفعل التركيبي: ويؤلف من مفردات طبقاً لقواعد لغة معينة.

ج- الفعل الدلالي: وهو توظيف هذه الافعال حسب معاني واحالات محددة)(2).

ص: 62


1- التداولية اليوم علم جديد في التواصل، آن روبول وجاك مورشلار، ترجمة سيف الدين دغموش ومحمد الشيباني: ص 31 ، طبع دار الطليعة- بيروت ط 1 لسنة 2003 م
2- التداولية عند العلماء الهرب، مسعود صحراوي: ص 41 و 42 زعلى طبع دار الطليعة- بيروت،ط 1 لسنة 2005 م.
2- الفعل المتضمن في القول (Lacte Illocutoire)

هو الفعل الانجازي الحقيقي، إذ أنه عمل ينجز بقول ما، وهو الذي يدل على العمل الذي ينجم عنه الحديث، والذي يمارس قوة على المتخاطبين؛ وهذا الصنف من الافعال هو المقصود من النظرية كلها؛ ولذا اقترح اوستن تسمية الوظائف اللسانية الثانوية خلف هذه الافعال: «القوة الانجازية .»(1).

3-الفعل الناتج عن القول (Lacte Perlocutoire)

هو الفعل التأثيري حيث يقول أوستن عن هذا الفعل: لكي ننجز فعل الكلام ومن ثم الفعل الغرضي (قوة فعل الكلام) لابد أن ننجز نوع اخر من الأفعال.

فحين نقول شيئاً ما قد يترتب عليه احياناً أو في العادة حدوث بعض الآثار على مشاعر المخاطب أو افكاره أو تصرفاته.

كما يستلزم ذلك نتائج قد تؤثر على المتكلم وغيره من الاشخاص الآخرين وقد يقع أن نتعمد احداث هذه الاثار أو النتائج عن قصد أو نية أو هدف ما(2).

ثم صنف (أوستن) الافعال بحسب قوتها الوظيفية الانجازية الى ما يلي:

أ- الأفعال الدالة على الحكم والقرارات.

وهذه المتعلقة بالأحكام واتخاذ القرارات كالتعيين أو الفصل أو المقاطعة.

ب- أفعال الممارسة.

ص: 63


1- المصدر السابق.
2- التداولية عند العلماء العرب: ص 43 .

وهي الأفعال التي تكون لها قوة في فرض واقع جديد كالاحتجاج والاعتراض والانتخاب.

ج- أفعال الوعد والتعهد والقسم.

د- أفعال العرض.

كالإثبات والنفي والوصف والتعريف.

فهذه الاسس التي جاء بها (اوستن) في بناء مفهوم نظرية الافعال الكلامية التي كانت مادة خصبة في حقل فلسفة اللغة ومهدت الطريق امام باحث جديد وظف هذه المفاهيم لبناء هذه النظرية ضمن سياقات معرفية جديدة.

وهو (جون سيرل) ( John Searle )؛ فقد أعاد النظر في نظرية الأفعال، وألتفت الى أن الهدف في الفعل الكلامي هو الذي يتحكم في القوة الانجازية للفعل فقام بتقسيم الأفعال الكلامية الى أربعة اقسام، وهي:

1- الفعل التلفظي حال النطق.

2- الفعل القضوي أو المحتوى القضوي.

3- الفعل الانجازي.

4-الفعل التأثيري.

ثم قام بعد ذلك بالتفريق بين الأفعال الكلامية الى أفعال كلامية مباشرة وغير مباشرة وذلك بحسب القوة الانجازية للفعل، واتجاه المطابقة، وشروط الاخلاص فكانت على النحو الآتي:

ص: 64

1-الاخباريات، التأكيدات، التقريريات ( Asswrtives ) ويراد بها: (تعهد المرسل بدرجات متنوعة بأن شيئاً ما هو واقعة حقيقية وتعهده كذلك بصدق قضية ما)(1).

2-التوجيهات- الأوامر ( Dire Ctives ): وتقوم على توجيه السامع أو المتلقي الى فعل شيء ما وقد تتعدد الصيغ الى تحقيق هدف المتكلم بين النصح أو الاغراء، أو الشدة، أو الاصرار على تنفيذ الامر.

3- الاتزاميات ( Commissive ): ويرتكز مفهوم الالتزاميات على تعهد المتكلم بفعل شيء ما في المستقبل مبني على شرط الاختصاص ومطابقة العالم الى الكلمات.

4- التعبيريات ( Expressives ): ويتحدد الغرض الانجازي فيها بتعبيرالمتكلم عن مشارعه ووضعه النفسي؛ اي: «التعبير عن حالة سيكولوجية محددة .»(2).

ومن أمثلة هذه الافعال الشكر، الحزن، الفرح، التهنئة، النقد، الامتعاض وغيرها من الكواشف عن الحالات الوجدانية للمتكلم.

5-التصريحيات، الاعلانيات، الإيقاعيات ( Declarations ): وتتميز هذه الافعال بمطابقة محتواها القضوي مع العالم الخارجي وهو ما جعل ادائها ناجحاً وقادراً على التغيير في الوضع القائم.

ثم اتبع (سيرل) هذا التصنيف للأفعال معتمداً في ذلك على قوتها الانجازية

ص: 65


1- استراتيجيات الخطاب، عتد الهادي بن ظافر الشهري: ص 123 ، دار الكتاب الجديد- المتحدة بيروت- ط 1 لسنة 2004 م.
2- التحليل اللغوي عند مدرسة اكسفورد، صالح اسماعيل عبد الحق: ص 234 ، تنوير لبنان- ط 1 لسنة 1993 م.

في المنطوق الواحد، إذ يمتلك هذا المنطوق أكثر من قوة أنجازية قصدها المتكلم فتوصل الى (أن القوة الانجازية التي يمكن أن تواكب العبارات اللغوية قوتان:

الأولى: قوة انجازية حرفية، والثانية قوة انجازية مستلزمة؛ وتظل القوة الانجازية الحرفية ملازمة للعبارة، أما القوة الانجازية المستلزمة فهي مربوطة مقامياً بحيث لا يتم تولدها الا في طبقات مقامية معينة، والقوة المستلزمة يتوصل اليها عبر عمليات

ذهنية استدلالية)(1).

وهذا التفريق بين القوة الانجازية في المنطوق مكّن (سيرل) من استخلاص نظرية الافعال الكلامية الى قسمين بحسب القوة الانجازية فيها الى افعال كلامية انجازية مباشرة، وافعال كلامية انجازية غير مباشرة وقد هدف هذا التقسيم الى بيان الاثارالتي تخلقها اللغة في العملية التواصلية بين منتج النص ومتلقيه وتفاعله وقبوله.

وهو ما افرد له (دي بوجراند) معياراً مستقلاً اسماه ب(المقبولية).

سادساً: المقبولية . Acceptability

اشارة

تعد (المقبولية) بحسب تصنيف (دي بوجراند) هي المعيار الرابع من معايير النصية، وبحسب ما جاء عنه فإن المراد من المقبولية او (التقبلية) هو (تقبلية المستقبل للنص بوصفه متضاماً متقارناً ذا نفع للمستقبل، او ذا صلة به)(2).

وللوقوف على مفهوم المقبولية وتعريفها فلا بد من المرو بما يلي:

ص: 66


1- آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصرة، د. محمود احمد نحلة: ص 21 ، ط دار المعرفة الجامعية لسنة 2002 م.
2- الصحاح: ج 5 ص 1795 .
أ - تعريف المقبولية في اللغة

قال الجوهري (ت 393 ه): (القبول بالفتح مصدر، ويقال: على فلان قبول، إذا قبلته النفس)(1).

وهذا يدل على الرضا والانسجام بين الشخص الناظر والمنظور اليه وهذا هو جوهر معيار المقبولية في اللغة؛ أي: عملية التفاعل والقبول بما يصدر عم منتج النص.

والى هذا المعنى المعجمي قال ابن منظور (ت 711 ه):

(ثم يوضع «له القبول في الارض »(2)، وهو بفتح القاف: الرضا بالشيء وميل

النفس اليه.

وفي التنزيل قال تعالى: «فَتَقَبَّلَهَا رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ» أي: بتقبل حسن، ولكن قبولاً محمول على قوله قبلها قبولاً حسناً.

يقال: قبلت الشيء قبولاً إذا رضيته)(3).

ب - تعريف المقبولية في الاصطلاح

ترتبط المقبولية في الاستعمال اللغوي حينما يكون هذا الاستعمال مقبولاً من حيث النحو والصرف حينما يكون متطابقاً مع ما نصت عليه القواعد اللغوية المعمول بها.

أما في الاستعمال التواصلي فهي ترتبط بالدرجة الاساس بالمتلقي ومدى تأثره

ص: 67


1- الصحاح: ج 5 ص 1795 .
2- وهو مأخوذ من حديث لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، ينظر: صحيح مسلم ج 8 ص 40 باب: اذا احب الله عبداً.
3- لسان العرب: ج 11 ص 540 .

فيما يرد عليه من جمل ومنطوقات يخضعها لفهمه ومعطياته الثقافية والاجتماعية والعقدية فيكون الخطاب عنده مقبولاً وفق هذا الفهم والمعطيات او مرفوضاً.

وهو ما ذهب اليه بعض الدارسين في الالسنية في تعذر (الحسم في مقبولية جملٍ ما، بنعم او لا؛ لكونها حدسية في اللغة كما تملك استقلالاً دلالياً بحيث تظل الجمل غير المقبولة دالة في تواصلها)(1).

ج - تعريف المقبولية في التراث الادبي

ان النظر في التراث الادبي يرشد الى ان (المقبولية) تسير جنباً الى جنب مع (القصدية) في نظم الشعر والقائه، فقد حرص الشعراء على اثارة السامع والمتلقي لجمالية المعاني ومغزى الشاعر وقصده ومن ثم الوصول الى رضاه وقبوله لما سمع

من شعر او نثر.

ولذلك نجدهم قد اهتموا بمطلع القصيدة وخاتمتها حرصاً على احراز المقبولية لدى المتلقين لاسيما اذا كان المتلقي من طبقة الامراء أو الوجهاء أو فحول الشعراء وهو امر تسالم عليه أهل الشعراء في التراث، وفي ذلك يقول ابن رشيق:

(وللشعراء مذاهب في افتتاح القصائد بالنسيب، لما فيه من عطف القلوب، واستدعاء القبول بحسب ما في الطباع من حب الغزل، والميل الى اللهو والنساء، وأن ذلك استدراج الى ما بعده)(2).

وهو امر دأب عليه الشعراء حتى اولئك الذين كتبوا في مدح النبي (صلى الله عليه

ص: 68


1- معجم المصطلحات الدبية المعاصرة، سعيد علوش، ص: 172 ، طبع دار الكتاب اللبناني، ط لسنة .1985 .
2- العمدة في محاسن الشعراء وآدابه ونقده لابن رشيق القيرواني، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد: ج 1 ص 225 ، طبع دار الجيل- بيروت، ط 2 لسنة 1981 م.

وآله) وأهل بيته (عليهم السلام).

فقد افتتحوا قصائدهم بالغزل لهذا الغرض والقصد، اي شد انتباه السامع واستدراجه لما بعد هذه الابيات لما تحمله من مشاعر وجدانية كما هو الحال ايضاً في المبالغة بلحاظ كونها احد الاساليب التي اعتمدها الشعراء في استمالة قلوب السامعين وشد اذهانهم لما سيقولون وإن اختلف فيه مستوى التلقي، الا ان القصد فيه استحصال المقبولية.

يقول ابن رشيق في بيان هذه الصفة الواردة في الشعر: (المبالغة هي ضروب كثيرة، والناس فيها مختلفون:

منهم من يؤثرها ويقول بتفضيلها ويراها الغاية القصوى في الجودة، وذلك مشهور من نابغة بني ذبيان، ومنهم من يعيبها، ومنهم من ينكرها ويراها عيباًوهجنة في الكلام؛ قال بعض حذاق الشعر:

المبالغة ربما احالت المعنى ولبسته على السامع، فليست لذلك من احسن الكلام ولا أفخره، لأنها لا تقع موقع القبول كما يقع الاقتصاد وما قاربه)(1).

ولم يقتصر هذا البيان للمقبولية في موروث الشعر والشعراء بل كان ضابطة من ضوابط البلاغة وقوامها، فقد ربط الجرجاني المقبولية لدى المتلقي بفهم النص وادراك قصدية المتكلم، فيقول:

(شرط البلاغة أن يكون المعنى مفهوماً واللفظ مقبولاً)(2).

وهذا الشرط هو الذي اهتم به فلاسفة اللغة وجعلوه من ضمن معايير نحو النص

ص: 69


1- المصدر السابق.
2- دلائل الاعجاز، عبد القادر الجرجاني: ج 1 ص 430 ، بتحقيق: محمد رضوان وفايز الداية، طبع دار الفكر- دمشق- ط 1 لسنة 2008 م.

وخلق العملية التواصلية بين المرسِل والمرسَل اليه، أي: بين منتج النص ومتلقيه.

د - مفهوم المقبولية وتعريفها في اللسانيات

ذهبت كثير من الدراسات اللسانية الى التركيز على عنصر سبك النص وانسجامه في تحقيق المقبولية لدى المتلقي فبهما تتفاوت نسب قابلية الفهم للمعنى وذلك لعونهما المتلقي على الاستمرارية في معرفة الدلالات التي تظهر في مجموعة من

المفاهيم والعلاقات فيما بين الكلمات داخل النص.

وذلك: ان المتلقي تبدأ لديه عملية قبول النص حينما يساهم تماسك النص وانسجامه في استجلاء قصدية المتكلم وخلق العملية التواصلية عند ذلك من خلال التفاعل مع النص إذ ان (التواصل الانساني يعتمد بشكل حاسم على مقدرةالمتلقي على استخلاص فهم اكثر دقة للمعنى المقصود)(1)

وبناءً عليه:

يتحدد مفهوم المقبولية بقدرة المتلقي على الفهم لما ابتغاه المتكلم في خطابه المسموع او المقروء ولا يتضح الفهم الا بادراك مكامن المعنى ودلالة اللفظ واستيعاب مغزاه وصولاً الى قصد المتكلم وهو روح العملية التواصلية ونموها وديموميتها في النص

وهو ما يتمخض عن تنوع القراء ونوعية التلقي ومستوياته.

سابعاً: نظرية التلقي ومستويات القراءة

اشارة

لم تزل الفلسفة التحليلية والظاهراتية هي المنهل الذي افاد منه الفلاسفة في نتاجهم حول العلاقة التواصلية بين النص والقارئ ضمن المعايير النصية التي

ص: 70


1- الترجمة وعلوم النص، ألبرت نيوبرت، وغريغيوس شريف، ترجمة محيي الدين حمدي، ص 129 ؛ طبع جامعة الملك سعود، ط 1 لسنة 2003 م.

جاء بها (دي بوجراند) الى جهود (ادموند هوسرل) في نظرية الافعال الكلامية الى اهتمام مدرسة كونستانس في المانيا ممثلة ب(هانز روبرت) و (فولفغانغ إيزر) في الاهتمام بالقارئ بوصفه الطرف التكاملي في العملية الابداعية للنتاج الانساني في

مجال المنطوق وتحقيق التواصل ضمن (نظرية التلقي).

ولذا: فقد كان الهدف الذي تسعى اليه نظرية التلقي هو (ادراك نظرية عامة للتواصل ذات اختصاصات متداخلة، وهي نظرية تتكون من جميع الاختصاصات وتتكون فيها نفس الوقت)(1).

1-مصطلح التلقّي

اما المصطلح (التلقي) فهو يشير الى (مجموعة من المبادئ والاسس النظرية التي شاعت في المانيا منذ منتصف السبعينيات على يد -جامعة- كونستانس، تهدف الىالثورة ضد البينوية والوصفية، واعطاء الدور الجوهري في العملية النقدية للقارئ،

باعتبار ان العمل الادبي منشأ حوار مستمر مع القارئ .»(2).

ويخلص من ذلك:

إن (مصطلح التلقي) يرتكز على دور القارئ في فهمه لمعنى النص وتأويله واظهار نتائج هذا الفهم والتأويل؛ ومن ثم يصبح القارئ هو المعني الاول في هذه النظرية، فبه تظهر قيمة النص وقوته في الانسان.

ص: 71


1- نظرية التلقي (مقدمة نظرية)، روبرت سي هولب: ص 99 ؛ ترجمة: خالد التوازني والجلالي، طبع منشورات علامات، ط 1 لسنة 1999 م.
2- قاموس مصطلحات النقد الادبي المعاصر، سمير سعيد حجازي، ص 145 ، طبع دار الآفاق العربية- مصر- ط 1، لسنة 2001 م.

ولذلك ذهبت بعض الدراسات العربية المعاصرة مستندة في ترجمة المصطلح الى تسميته ب(الاستقبال)، إلا ان روح النظرية ومقتضياتها ومركوزها لا تنسجم مع دالة (الاستقبال) لتجردها عن اظهار دور المتلقي الذي هو موضع قيام نظرية المتلقي، فمفهوم استقبال النص غير مفهوم تلقي النص.

وبناءً عليه:

ترتكز نظرية المتلقي على ثلاثة اسس، الاول: القارئ ومستويات القراءة، والثاني: المعنى، والثالث: أٌفق التوقعات فكانت كالاتي:

2- مستويات القراءة أنواع القراء
اشارة

2- مستويات القراءة أنواع القراء .(1)

اهتمت الدراسات اللسانية في مجال معيار المقبولية بالملتقي مثلما اهتمت بالنص وذلك أن الغرض المحقق للعملية التواصلية هو القارئ المستقبِل للخطاب المكتوب او المقروء، وقد قام المشتغلون باللسانيات بدراسة المستوى الذي تنتمي اليه القراءة

الى مستويات أربعة، وهي كالاتي:

أ- القراءة الابتدائية وتسمى أيضا بالقراءة التمهيدية.

وصاحب هذا المستوى يكون قد المَّ بقواعد القراءة والكتابة دون الاهتمام بمقام النص ولعله، اي هذا المستوى غرضه فقط معرفة القراءة والكتابة.

ب- القراءة التصفحية.

وتعتمد هذه القراءة على عنصرين اساسيين، الاول: عامل الزمن فالمتصفح يضع نصب عينيه عامل الوقت كي يستطيع ان ينجز بعض الصفحات قارئاً لما ورد فيها

ص: 72


1- لمزيد من الاطلاع على هذه المستويات ينظر: كيف تقرأ كتاباً، آدلر، موريتمر، دورن، تشارلز فان، ص 30 - 35 ؛ ترجمة طلال الحمصي، طبع الدار العربية للعلوم- بيروت- لسنة 1995 م.

من امور اساسية، والعامل الثاني: الحصول على كمية محددة من المعاني الواردة في بعض النصوص المقروءة.

ج- القراءة التحليلية.

تعتمد هذه القراءة بالدرجة الاساس على النص ونوعيته، فالقارئ هنا يكون قد حدد النص الذي عزم على تحليله ودراسته وفهم مضامينه وصولاً الى المعلومة التي اكتنزها النص.

والقارئ هنا لا يراعي بالدرجة الاساس عامل الوقت وانما يراعي المعلومة.

د- القراءة الموجهة وتسمى ايضاً بالقراءة المرجعية.

وهي من افضل المستويات التي تحقق ثمرة العملية المعرفية وذلك بإرجاع القارئ الى مناهل مرجعية عديدة بغية الوصول الى الافادة المعرفية الجديدة مما يفرض على القارئ جهداً كبيراً ووقتاً واسعاً كي يصل الى نتائج هذه القراءة بين بطون المصادر والمراجع مقتدراً على الاستقراء والتحليل والمقارنة فيما حددوه لهذه المراجع المعرفية.

ولا شك ان هذه المستويات قد افرزت انواعاً من القرّاء، فكانت الدراسات اللسانية معنية بدراسة هذه الانواع من القرّاء فهم المقصد والهدف من معيار المقبولية، فكانت هذه الانواع على النحو الآتي:

3- أنواع القرّاء
اشارة

تَدارس اصحاب نظرية التلقي الاساسيون، وهم (فولفغافع ايزر)، (اميرتو إيكو)، (ميشيل ريفاتير)، (اورين وولف)، (ستانلي فيش) القارئ وذلك لما يشكله من عنصر اساس في العملية الابداعية ليكون بذاك موازياً من حيث قيام هذه العملية للنص وجماليته وقوته او للفن ومتلقيه، ومن ثم افرزت هذه النظرية

ص: 73

تحديداً لأنواع من القرّاء معتمدة في ذلك على تلك الفلسفية لأصحاب هذه النظرية فكانت انواع القرّاء كالاتي:

أ- القارئ الضمني (Implied Reader)

ويقوم هذا النوع على اساس المفهوم الذي جاء به (فولفغانغ ايزر) وهو (بنية نصية تتوقع حضور متلقٍ دون ان تحدده بالضرورة، ان هذا المفهوم يضع بنية مسبقة للدور الذي ينبغي ان يتبناه كل متلقٍ على حدة)(1).

ب- القارئ الانموذج (Mode Reader)

خلص الى ايجاد هذا النوع من القرّاء (أمبرتو إيكو) ومركوز هذا المفهوم في القارئ الانموذج هو تمتعه برصيد كبير من المعارف اللغوية سواء على مستوى النحو والصرف او سواء على مستوى تركيب الجملة، وقد اطلق (أمبرتو إيكو) على هذا المستوى المعرفي اللازم توافره عند القارئ الانموذج ب(الموسوعة القرائية)

وبذاك يكون (أمبرتو) قد اسس استراتيجية محددة لدى القارئ فهو بهذه الطريقة والمنهج يكون -اي: القارئ- يكتب لطبقة محددة ومختصة بهذا الحقل المعرفي كييثمر نتاجه القرائي في حقله المعرفي المحدد وتفسيراته الممكنة(2).

ج- القارئ الاعلى (Super Reader)

ويعتمد هذا النوع من القرّاء بالدرجة الاساس على الاسلوبية ولذا: فقد عدّه (ميثيل ريفاتير) بالقارئ الاسلوبي والذي يلزم ان تتوفر فيه شدة الانتباه والدهشة

ص: 74


1- ينظر: فعل القراءة، فوافغانع ايزر: ص 30 ، ترجمة حميد الحميداني، طبع منشورات مكتبة المناهل- فارس المغرب، ط 1 لسنة 1995 م.
2- ينظر: القارئ وبنية النص، ابو سمادة: ص 285 ، مجلة العلوم الانسانية- جامعة محمد خضير- كلية الآداب، العدد ( 10 ) لسنة 2006 م.

لما يكتنزه النص من انزياحيات اسلوبية ينبغي التوقف عندها.

ومن ثم فإن ظهور هذا النوع من القراء يعتمد على ثراء النص وقدرته التأثيرية بفعل الاسلوبية في القارئ بغية الوصول الى جملة من الاحكام الصادرة عن هذا القارئ والكاشفة عن تلك المؤثرات التي احدثها المكنوز الاسلوبي داخل النص(1).

د- القارئ المقصود (Intended Reader )

يكتنز هذا النوع من القرّاء عند (اورين وولف) على اظهار العلاقة بين المؤلف والقارئ ضمن مجموعة المفاهيم المشتركة بينهما، ولذا: فالقارئ هنا تخيلي في النص، أي: يتخلل في تلك المفاهيم التي بينها المؤلف فهما معاً يمثلان توجهات وتقاليد الناس والمعاصرون لكلاً منهما والعمل على هذه المفاهيم والتقاليد(2).

ه- القارئ المخبر (Informed Reader )

ذهب (ستانلي فيش) الى دراسة ردود افعال القارئ عند قراءته للنص، وخلص أنَّ الى هذه الافعال التي تظهر عند القارئ ترتكز على الفهم الذي تبين بواسطته معنى النص، متدرجاً ضمن مستويات من ردود الافعال بين البنية السطحية لفهم معنى النص وصولاً الى البنية العميقة؛ ولا شك ان ردود الافعال تكون متفاوتةومتباينة لذى القراء تبعاً لفهم معنى النص(3).

وعليه:

إنَّ هذه الانواع من القرّاء تؤسس لثبوت العلاقة الوشيجة بين معياري القصدية والمقبولية وبث الروح في العملية التواصلية بين النص ومتلقيه سواء كان النص

ص: 75


1- ينظر: القارئ وبنية النص، ابو سمامة، ص 280 - 281 .
2- ينظر: فعل القراءة، فولغانغ ايزر، ص 28 - 29 .
3- المصدر السابق

ملقىً او مدوناً، مسموعاً ام مقروءً، ومركوز جميع ذلك على المعنى وفهمه ايصالاً وتوصيلاً.

ولذا:

كان المعنى هو الاساس الثاني في تكوين نظرية التلقي، وهو كما يلي:

4 - بناء المعنى لدى المتلقي

ينصب اهتمام اقطاب نظرية التلقي لاسيما (فولفغانغ ايزر) على كيفية تكوين المعنى عند القارئ فهو يرى (أن المعنى بوصفه نتيجة للتفاعل بين النص والقارئ، اي بوصفه اثراً يمكن ممارسته، وليس موضعاً يمكن تحديده)(1).

وقد وصف (ايزر) العلاقة بين النص والقارئ ضمن كتاب اسماه ب(القارئ الضمني) بيَّ فيه اثر التفاعل بينهما ضمن هذا المصطلح الذي يبينه بقوله (إنَّ المصطلح يدمج كلاً من عملية تشيد النص للمعنى المحتمل، وتحقيق هذا المعنى المحتمل من خلال عملية القراءة، ان جذور القارئ الضمني مغروسة بصورة

راسخة في بنية النص، إنه بنية نصية تتطلع الى حضور متلقٍ ما)(2).

ولذلك نجده -أي: أيزر- يشدد على اهمية التلقي، وذلك لفعاليته في تحديد الموضوع الجمالي، وذلك ان النص حينما يكون بعيداً عن المتلقي وعن ردود فعله وتفاعله معه سيتحول -اي: النص- الى قالب بدون روح يبحث عن اثرٍ يبعث فيه هذه الروح ويحركه ويخلق منه عملية تواصلية، وهذا لا يحدث إلّا بوجود القراءة

ص: 76


1- نظرية التلقي، روبرت هولب: ص 202 ، ترجمة: عز الدين اسماعيل، طبع النادي الادبي والثقافي- جدة لسنة 1994 م.
2- ينظر المصدر السابق: ص 204 - 205 .

ودور القارئ في تحسس هذه الروح فهو الشيء الاساسي في حياة النص.

ولذا يقول فو (لفغانغ ايزر) في بيان التفاعل الذي يحدثه القارئ (إنَّ الشيء الأساسي في قراءة كل عمل أدبي هو بين بنيته ومتلقيه، لهذا السبب نبهت الفينومينولوجيا بإلحاح الى أن دراسة العمل الادبي يجب ان تهتم، -ليس فقط بالنص الفعلي بل كذلك وبنفس الدرجة- بالأفعال المرتبطة بالتجاوب مع ذلك النص؛ فالنص ذاته لا يقدم إلّا «مظاهر خطاطية » يمكن من خلالها أن ينتج الموضوع الجمالي للنص بينما يحدث للإنتاج الفعلي من خلال فعل التحقق.

ومن هنا: يمكن أن نستخلص أن للعمل الادبي قطبين، قد نسميها القطب الفني؛ والقطب الجمالي، فالاول هو نص المؤلف، والثاني هو ذاته لا يمكن ان يكون مطابقاً للنص ولا لتحققه، بل لابد ان يكون واقعاً في مكان ما بينهما)(1).

وعليه: يبقى المعنى وبنائه هو العنصر الاساس في حياة كل نص، وهو المادة التي تغذي العملية والتواصلية بين الانسان والانسان بوصفه منتجاً متجدداً لاسيماً حينما يكون التعامل مع النصوص الواردة عن القرآن او النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) او عترته (عليهم السلام)؛ هو الدافع والهدف لهذه الدراسة، اي: اظهار معنى النص الوارد عن امير المؤمنين (عليه السلام) في كتاب نهج البلاغة المخصوص بالبضعة النبوية فاطمة (عليها السلام) ودلالاته وصولاً الى مقاربة قصديته وبيان آثار هذه المعاني على المتلقي وتأثره بها وتفاعله معها واظهار مستويات القراءة والقرّاء بوصفهم المتلقين لهذه النصوص مظهرين في ذلك بناء العملية التواصلية

المتجددة لهذه النصوص الشريفة وأثارها في استجلاء المعرفة المكنونة في المتلقي عند تعامله مع النص كما سيمر في دراستنا لمعيار مقبولية النص.

ص: 77


1- فعل القراءة، فولفغانغ ايزر، ص 12 ، مكتبة المناهل.

فضلاً عن الركن الأساس في هذه الدراسة وهو قدرة منتج النص (عليه السلام) في زج العديد من الحقائق التاريخية والمعارف الانسانية في هذه النصوص مما دفعنا للتوقف عنها ملياً، فكانت بهذه المستوى الذي بين يدي القارئ الكريم.

نسأل الله تعالى أن يتقبله منا، ويعفو عنا في تقصيرنا فهذا ما وسعناه بفضل الله، وفضل رسوله (صلى الله عليه وآله) وهذا مقدار رزقنا وتوفيقنا.

«وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ»

«وَسَلَامٌ عَلَی الُمرْسَلِيَن * وَالَحمْدُ لِله رَبِّ الْعَالِمينَ».

ص: 78

الباب الأول: ما رواه الشريف الرضي عن أمير المؤمنين(علیه السّلام) عند دفنه فاطمة (علیها السّلام)

اشارة

ص: 79

ص: 80

توطئة:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق اجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

يشتمل الباب الاول الذي تم تخصيصه لما رواه الشريف الرضي (رحمه الله) عن امير المؤمنين (عليه السلام) عند دفنه بضعة النبي (صلى الله عليه وآله) فاطمة الزهراء (عليها السلام) على فصلين:

الفصل الاول: دراسة النص للوصول الى مقاربة قصدية منتجه، أي الامام علي (عليه السلام) واستكناه دلالة اللفظ وتحليله.

والفصل الثاني: لدراسة مقبولية المتلقي لهذا النص وتفاعله معه واستنطاق هذه المقبولية ومدى انطباقها مع قصدية منتج النص.

أما النص المخصوص بهذا الباب الوارد في نهج البلاغة فهو كالآتي:

قال «عليه الصلاة والسلام » بعد ان وارى فاطمة (عليها السلام) الثرى مخاطباً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الكلمات:

ص: 81

«السلام عليك يا رسول اهل، عني، وعن ابنتك، النازلة ي جوارك، والسريعة اللحاق بك، قلَّ يا رسول اهل عن صفيتك صبري، ورقّ عنها تجلدي، ألا أن لي في التأسي بعظيم فرقتك، وفادح مصيبتك موضع تعزِّ.

فلقد وسدتّك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسك، فإنّا وإنا إليه راجعون.

فلقد استرجعت الوديعة، واخذت الرهينة، أما حزي فسرمد، وأما ليلي فمسهّد إلى أن يختارالله لي دارك التي أنت ها مقيم، وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها، فاحفها السؤال واستنجرها الحال، هذا ولم يطل العهد ولم يخل منك الذكر.

والسلام عليكما سلام مودع لاقالّ و سَئِم، فإن انصرف فلا عن ملالة، وإن أقُم فلا عن سوء ظن بما وعدالله الصابرين »(1) .

ص: 82


1- نهج البلاغة، بتحقيق صبحي الصالح: ص 319 .

الفصل الأول: قصدية النص في دفنه فاطمة (علیه السّلام)ودلالته وتحليله

اشارة

ص: 83

ص: 84

توطئة:

بسم الله الرحمن الرحيم

اشتمل النص الشريف على مقاصد عدّة اكتنزها اللفظ حتى اصبح هذا النص من حيث محتواه ودلالته اوسع ما جاء في هذه الدراسة، وذلك يعود لجملة من الاسباب:

1-إنّ النص متعلق بحدث في غاية الاهمية وعلى مستوى كبير من الخطورة ألا وهو استشهاد بضعة النبوة (عليها السلام) مما استلزم تضمين العديد من الدلالات والحقائق حول هذا الحديث.

2-إنّ الإمام امير المؤمنين (عليه السلام) ولما كان يمر به من ظروف خاصة ارتبطت بالحدث -أي وفاة فاطمة (عليها السلام)- ومقدماته وما ارتبط بالسقيفة ومواراة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وانشغاله به فضلاً عن تسارع الصحابة للرئاسة وتغيير مسار الاسلام، واضطراب الناس وتخليهم عن وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) في اهل بيته فكانوا بين منتهز للأحداث مقلّب للأمور وبين خائف وحائر لا يدري ماذا يصنع مما استلزم ايضاً ان يكون النص مكتنزاً لهذه المقدمات التي ادت الى حياة اسلامية مختلفة عن حياة النبي (صلى الله عليه وآله) على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية فكان النص في قصديته كاشفاً عن جميع ذلك.

ص: 85

3- إن من الدوافع الاساس التي جعلت النص الشريف مشفراً وبحاجة قوية الى التفكيك واستخراج درره هو ظلامة امير المؤمنين (عليه السلام) واستضعافه وتركه وحيداً دون ناصرٍ او معين وهو يرى حقه منهوباً ومال بنت النبي (صلى الله عليه وآله) مسلوباً، وارثها ممنوعاً ومن ثم فالتصريح يدفع الجناة الى المزيد من الظلم.

4- ان تقديم الاسلام والحفاظ على ما جاء به النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله) وتغليبه على جميع الشؤون والمصالح والمصائب كان هو الهدف الاساس في جعل منتج النص (عليه السلام) لا يصرح بالأسماء والجناة وما وقع منهم في ظلم النبي وآله وامته وذلك ان التصريح بأسمائهم سيزيد من شتات الناس وتضييع الاسلام.

ولذا: كان هذا النص -وبفعل ما توصلت اليه الدراسة- من اخصب النصوص في معيار القصدية واعظمها اكتنازاً للحقائق واكثرها جمعاً للحوادث التي مرَّ بها الاسلام من حين وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى وقت صدور النص.

وعليه:

كان هذا النص الشريف -وبدون مبالغة- مكتبة اسلامية شملت التاريخ والسيرة واللغة والسياسة والاجتماع وعلم النفس والفقه والعقائد والفلسفة والانثروبولوجيا وغيرها كما سيمر في مباحث هذا الفصل والله الموفِق لكل خير.

ص: 86

المبحث الأول: سبب صدور النص الشريف عنه(علیه السّلام)
اشارة

ص: 87

ص: 88

المسألة الأولى: زمان صدور النص ومكانه
اشارة

إن دراسة زمان صدور النص ومكانه يقدم لنا معطيات فكرية حول هذا النص وبيان المعاني والآثار التي نتجت عنه ومن ثم إظهار حقائق عديدة أراد الإمام علي عليه السلام بيانها.

أولاً: تحديد زمان صدور النص

لم ترد في كتب أبناء العامة والجماعة التي تناولت حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا النص وإنما انحصر وجوده في كتب الخاصة من أتباع عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن ثم: لم نعثر على شواهد في كتبهم تساعد على

بيان زمان هذا النص ومكانه، ولعل الأحداث التي حفت ببيت النبوة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هي المانعة من ذكر هذا النص وغيره.

ومن هنا: كان القصد من بيان الزمان والمكان وتحديدهما هو اطلاع القارئ الكريم على حقيقة ما عصف بالأمة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منأحداث كانت السبب في تغيير مسار الإسلام عن جادّته التي رسمها القرآن والنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولعل تفرق المسلمين وتمذهبهم وتقاتلهم وما نشبت وتنشب بينهم من حروب وسفك للدماء وضياع خيراتهم لتدفع اللبيب إلى التأمل طويلاً علّه يجد ما يمكنه من النجاة في الآخرة.

ص:89

وعليه:

فإن دراسة زمان صدور النص ومكانه تضع القارئ في جو الأحداث التي لازمت وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو ما دفعنا إلى تتبع مصادر أخرى تعيننا على تحديد زمانه ومكانه ومنها كتب مدرسة العترة النبوية فهم المعنيون ببيان ما جرى على بيت النبوة وما صدر عنه وارتبط به من تكاليف شرعية وعقدية وغيرها.

ولذا: فقد أخرج الشيخ الكليني (رحمه الله) بسنده عن الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، قال:

«لما قبضت فاطمة عليها السلام دفنها أمير المؤمنين سراً وعفا على موضع قبرها، ثم قام فحول وجهه إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله... .»(1).

ثم ساق الحديث

أما الشيخ الطوسي (رحمه الله) (المتوفى 460 ه) فقد اخرج النص باللفظ الآتي:

عن علي بن الحسين عن ابيه الحسين (عليهما السلام)، قال: «لما مرضت فاطمة بنت محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصت الى علي بن ابي طالب (عليهالسلام) ان يكتم امرها، ويخفي خبرها، ولا يؤذن احد بمرضها، ففعل كما وصت به، كما حضرتها الوفاة وصت امير المؤمنين (عليه السلام) ان يترك امرها ويفنها ليلاً ويعفي قبرها، فتولى ذلك امير المؤمنين (عليه السلام) ودفنها وعفى موضع قبرها فلما نفض يده من تراب القبر هاج به الحزن، وحول وجهه إلى قبر رسول الله (صلى

ص: 90


1- الكافي، باب: مولد الزهراء عليها السلام: ج 1، ص 458 .

الله عليه وآله) فقال:... »(1).

وهذا النص يقطع الطريق على الظنون في انصرافها الى تحديد زمان آخر لصدور قول أمير المؤمنين (عليه السلام) إذ قد يتوهم البعض أنه (عليه السلام) قال هذا القول في فترة من فترات حياته المباركة ومن ثم فقدان معرفة الدافع الذي دفع الإمام علي (عليه السلام) إلى هذا القول وما انضوى تحته من حقائق ومعارف كثيرة

أراد أمير المؤمنين تبليغها إلى الناس.

إذن:

تحدد الرواية التي أخرجها الشيخ الكليني (رحمه الله) الزمان الذي قال فيه أمير المؤمنين علي (عليه السلام( هذا القول، وهو بعد دفن فاطمة (عليها السلام) مباشرة، لذا: نجد حرارة الآلام تنبض في هذه الكلمات.

ثانياً: تحديد مكان صدور النص

يتضح بشكل واضح أن مكان صدور هذا النص الشريف هو مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتحديداً الروضة الشريفة وذلك لورود بعض القرائن في هذا النص الذي أخرجه الكليني (رحمه الله) أو النص الذي اخرجه غيره وصولاُ الى ما رواه الشريف الرضي (رحمه الله) كما سيمر بيانه لاحقاً عند إيرادنا لألفاظ النص في المسألة الثانية؛ كقوله (عليه السلام):

«والبائتة في الثرى ببقعتك .»

ص: 91


1- آمالي الطوسي: ص 109 ، (ت 460 ه)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية- مؤسسة البعثة، سنة الطبع: 1414 ، الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع- قم، ط 1

وقوله (عليه السلام):

«النازلة بجوارك .»

ومن ثم: فهو يفتح الباب لدراسة مسألة عقائدية وتاريخية مرتبطة بموضع دفن سيدة نساء العالمين صلوات الله عليها وتحديد مكان قبرها كما سيمر بيناه عند دراسة الفاظ هذا النص الشريف وتحليله.

وعليه:

إن ما أراده الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) من اختيار هذا المكان يمكن الوقوف عليه بواسطة النقاط الآتية:

إشهاد الملائكة الحافين بقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما سيقول.

مخاطبة الأول بهذا المصاب الذي ألمّ به وبالإسلام ولذلك نجد أن هذا النص قد تضمن الفاظاً للمناداة والتخاطب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصيغة الحاضر بين يديه لا المغيّب تحت الثرى.

إشهاد من حضره في هذا المكان من أهل بيته وصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين قلّ عددهم فكانوا ثلاثة أو أربعة وهم كعمّر وسلمان وأبي ذر (عليهم الرحمة والرضوان).

إن اختيار هذا المكان لكشف التظلم وبيان الظلم الذي وقع عليه سيكون نفسه محلاً لنشر العدل والقصاص في ظهور المهدي ابن فاطمة (صلوات الله عليهما وعلى الأئمة أجمعين).

لا شك أن اختياره (عليه السلام) لهذا المكان سيكون له أثر في نفس كل من

ص: 92

قصده زائراً ومتقرباً إلى الله تعالى وهو مؤمن بحب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعترته أهل بيته.

بمعنى آخر: قرن (عليه السلام) بين المكان والمصاب الذي ألمّ ببضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن ثم لا ينفلت قلب المؤمن من التفجّع لما نزل على عترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبث شكواه لنبيه كما فعل أمير المؤمنين

(عليه السلام) عند دخوله الروضة النبوية.

وعليه:

يصبح المصاب قائماً بقيام المكان وبقائه ومن ثم يصبح الزمن بهذه الحالة ينبض بالحدث في كل حين.

فكم من أحداث وقعت في أماكن عدة مات فيها الزمان وانقضى بانقضاء مكان وقوعها، وهو أمر بدى جلياً اليوم لدى أهل الاختصاص في العلوم النفسية والاجتماعية والقضائية والجنائية فلا يحتاج إلى مزيد من البيان.

المسألة الثانية: تعدد ألفاظ النص في مصادر الإمامية
أولاً: تعدُد ألفاظ النص يكشف عن حقائق كثيرة، ويوصِل الى مقاربة قصدية منتجه (علیه السّلام)
اشارة

ورد هذا النص الشريف بألفاظ متعددة في مصادر مذهب آل البيت (عليهم السلام)، ومن ثم فإن بيان هذه الألفاظ يمَكّن الباحث من معرفة الغرض الذي أراده أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذكرها ومقاربة قصده.

ص: 93

فضلاً عن معرفة كثير من المعارف التي اكتنزتها هذه الألفاظ والتي تحدد مجتمعة جملة من الحقائق التي أراد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) إظهارها، فكانت ألفاظ الحديث أو النص الشريف على النحو الآتي:

أ - رواية الشيخ الكليني رحمه الله (المتوفى سنة 329 ه)

أخرج الكليني (رحمه الله) الرواية بسنده عن الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) قال:

لما قُبضَت فاطمة (عليها السلام) دفنها أمير المؤمنين سراً، وعفا على موضع قبرها، ثم قام فحوّل وجهه إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقال:

«السلام عليك يا رسول الله عني، والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك، قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري، وعفا عن سيدة نساء العالمين تجلدي، إلا أن لي التأسي بسنتك في فرقتك موضع تعزّ، فلقد وسدتك في ملحودة قبرك، وفاضت نفسك بين نحري وصدري، بلى وفي كتاب الله لي أنعمُ القبول – إنا لله وإنا إليه راجعون – قد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، وأخلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء، يا رسول الله أمّا حزني فسرمد، وأمّا ليلي فمسهد، وهمٌّ لا يبرح من قلبي، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم، كمد مقيح وهمّ مهيّج، سرعان ما فرق بيننا وإلى الله أشكو، وستنبئك بتظافر أمتك على هضمها، فاحفها السؤال، واستنجرها الحال فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين،

سلام مودع لا قال ولا سئم، فإن انصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين واه واهاً، والصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين لجعلت المقام واللبث لزاماً معكوفاً، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية فبعين الله

ص: 94

تدفن ابنتك سراً وتهضم حقها وتمنع إرثها ولم يتباعد العهد ولم يخلق منك الذكر وإلى الله يا رسول الله المشتكى وفيك يا رسول الله أحسن العزاء صلى الله عليك وعليها السلام والرضوان .»(1).

ب - رواية محمد بن جرير الطبري (الإمامي) (رحمه الله) (المتوفى 400 ه)

فقد أخرجها بسنده عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين (عليه السلام)، قال: قال لي أبي الحسين بن علي (عليهما السلام) لما قبضت فاطمة (عليه السلام) دفنها أمير المؤمنين (صلوات الله

عليه)، وعفى على موضع قبرها بيده، ثم قال: فحول وجهه إلى قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال:

«السلام عليك يا رسول الله عني، والسلام عن ابنتك وزائرتك، والبائتة في الثرى ببقعتك، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك، قل يا رسول الله عن صفيتك صبري، وعفا عن سيدة نساء العالمين تجلدي، إلا أن لي في التأسي بسنتك في فرقتك موضع تعز، فلقد وسدتك في ملحودة قبرك، وفاضت نفسك بين صدري ونحري، بلى وفي كتاب الله أنعم القبول، إنا لله وإنا إليه راجعون، قد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء.

يا رسول الله، أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، ولا يبرح ذلك من قلبي أو يختار الله لي دارك التي أنت بها، كمد مبرح وهم مهيج، سرعان ما فرق بيننا، فإلى الله أشكو.

وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها، فأحفها السؤال، واستخبرها الحال،

ص: 95


1- الكافي للكليني: ج 1 ص 459 .

فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا، فستقول وبحكم الله، وهو خير الحاكمين.

والسلام عليك سلام مودع لا قال ولا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملال، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين.

آه آه لولا غلبة المستولين لجعلت هنا المقام، والتزمت لزاما معكوفا، ولأعولت إعوال الثكلى على الرزية، فبعين الله تدفن ابنتك سرا، وتهضم حقها، وتمنع إرثها،ولم يبعد بك العهد، ولا اخلولق منك الذكر، فإلى الله - يا رسول الله - المشتكى، وفيك أجمل العزاء، صلوات الله عليك وعليها معك، والسلام .»(1).

ج - رواية الشيخ المفيد (رحمه الله) (المتوفى سنة 413 ه)

أخرجها (رحمه الله) بسنده، عن علي بن محمد المهرزاني، عن علي بن الحسين، عنأبيه (عليهم السلام)، قال: لما مرضت فاطمة بنت النبي (صلى الله عليه وآله وعليها السلام)، وصّت إلى علي (صلوات الله عليه) أن يكتم أمرها، ويخفي قبرها، ولا

يؤذن أحد بمرضها، ففعل ذلك، وكان يمرضها بنفسه، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس (رحمها الله) على استسرار بذلك كما وصت به.

فلما حضرتها الوفاة وصت أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يتولى أمرها ويدفنها ليلاً، ويعفى قبرها؛ فتولى ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) دفنها، وعفى موضع قبرها؛ فلما نفض يده من تراب القبر، هاج به الحزن، فأرسل دموعه على خديه، وحول وجهه إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال:

«السلام عليك يا رسول الله مني، والسلام عليك من ابنتك وحبيبتك وقرة

ص: 96


1- دلائل الإمامة للطبري: 138 .

عينك، وزائرتك، والبائتة في الثرى ببقعتك والمختار الله لها سرعة اللحاق بك،قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري، وضعف عن سيدة النساء تجلدي، إلا أن في التأسي لي بسنتك والحزن الذي حل بي بفراقك موضع التعزي، فلقد وسدتك في ملحود قبرك بعد أن فاضت نفسك على صدري، وغمضتك بيدي، وتوليت أمرك بنفسي، نعم وفي كتاب الله أنعم القبول: إنا لله وإنا إليه راجعون.

لقد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء، يا رسول الله! أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، لا يبرح الحزن من قلبي، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم، كمد مقيح، وهم مهيج، سرعان ما فرق بيننا، وإلى الله أشكو.

وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك علي وعلى هضمها حقها، فاستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا وستقول، ويحكم الله وهو خير الحاكمين.

سلام عليك يا رسول الله سلام مودع، لا سئم ولا قال، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين، [ و ] الصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاما، وللبثت عنده معكوفا، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية، فبعين الله تدفن ابنتك سرا، وتهتضم حقها قهرا، وتمنع إرثها جهرا، ولم يطل العهد، ولم يخل منك الذكر، فإلى الله يا رسول الله المشتكى، وفيك أجمل العزاء، وصلوات الله عليك وعليها ورحمة الله وبركاته»(1).

ص: 97


1- الآمالي للمفيد: ص 281 .
د - رواية الشريف الرضي (محمد بن الحسين بن موسى) (رحمه الله) (المتوفى سنة 406 ه)

فقد رواه بحذف السند فقال: (ومن كلام له روي عنه أنه قال عند دفن سيدة النساء فاطمة – كالمناجين به رسول الله صلى الله عليه وآله عند قبره-:

«السلام عليك يا رسول الله عني، وعن ابنتك النازلة في جوارك، والسرعة اللحاق بك، قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري، ورقّ عنها تجلدي، إلا أن في التأسي لي بعظيم فرقتك وفادح مصيبتك موضع تعزّ، فلقد وسدتك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسك ف (إنا لله وإنا إليه راجعون) فلقد استرجعت

الوديعة، واخذت الرهينة، أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم، وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك على هضمها، فاحفها السؤال، واستخبرها الحال، هذا ولم يطل العهد، ولم يخل منك الذكر، والسلام عليكما سلام مودع لا قالٍ ولا سئم فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن

سوء ظن بما وعد الله الصابرين .»(1).

ه - رواية الشيخ الطوسي (رحمه الله) (ت 460 ه)

أخرج (رحمه الله) الرواية بسنده الى علي بن محمد الهرمزداني، عن علي بن الحسين (عليهما السلام)، عن ابيه الحسين (عليه السلام)، قال:

«لما مرضت فاطمة بنت محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصت إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن يكتم أمرها، ويخفي خبرها، ولا يؤذن أحداً بمرضها، ففعل ذلك، وكان يمرضها بنفسه، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس (رحمها

ص: 98


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 319 .

الله) على استمرار بذلك، كما وصت به، فلما حضرتها الوفاة وصت أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يترك أمرها ويدفنها ليلا ويعفي قبرها، فتولى ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) ودفنها وعفى موضع قبرها، فلما نفض يده من تراب القبر هاج به الحزن، وأرسل دموعه على خديه، وحول وجهه إلى قبر رسول الله (صلى الله

عليه وآله) فقال: السلام عليك يا رسول الله، عني وعن ابنتك وحبيبتك، وقرة عينك وزائرتك، والثابتة في الثرى ببقعتك، المختار الله لها سرعة اللحاق بك، قل يا رسول الله عن صفيتك صبري، وضعف عن سيدة النساء تجلدي، إلا أن في التأسي لي بسنتك والحزن الذي حل بي لفراقك لموضع التعزي، ولقد وسدتك في ملحود قبرك بعد أن فاضت نفسك على صدري، وغمضتك بيدي، وتوليت أمرك بنفسي، نعم وفي كتاب الله نعم القبول، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

قد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء، يا رسول الله! أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، لا يبرح الحزن من قلبي أو يختار الله لي دارك التي فيها أنت مقيم، كمد مقيح، وهم مهيج، سرعان ما فرق بيننا وإلى الله أشكو، وستنبئك ابنتك بتظاهر أمتك علي وعلى هضمها حقها،

فاستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا، وستقول ويحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين.

سلام عليك يا رسول الله، سلام مودع لا سئم ولا قال، فان أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين، الصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاما، والتلبث عنده معكوفا، ولا عولت إعوال الثكلى على جليل الرزية، فبعين الله تدفن بنتك سرا، ويهتضم حقهاقهرا، ويمنع إرثها جهرا، ولم يطل العهد، ولم يخلق منك الذكر، فإلى الله يا رسول الله

ص: 99

المشتكى، وفيك أجمل العزاء، فصلوات الله عليها وعليك ورحمة الله وبركاته »(1).

ثانياً: مقابلة ألفاظ الحديث وصولاً إلى الصيغة النهائية

للوصول إلى الصيغة النهائية للنص الشريف ينبغي مقابلة هذه الألفاظ فضلاً عن بيانها لحقائق كثيرة ارتبطت بعترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بشكل عام وما ارتبط بفاطمة صلوات الله وسلامه عليها بشكل خاص، وقد وضعنا معقوفتين للألفاظ التي لم ترد في نهج البلاغة، فكانت الصيغة النهائية بعد جمع الفاظ الحديث على النحو الآتي:

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام):

«السلام عليك يا رسول الله عني، [والسلام عليك](2) عن ابنتك، [وحبيبتك،

وقرة عينك](3)، [وزائرتك](4)، النازلة في جوارك، [والبائتة في الثرى ببقعتك](5)، والسريعة اللحاق بك، [والمختار الله لها سرعة اللحاق بك](6)، قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري، [وعفا](7)، [وضعف عن سيدة نساء العالمين تجلدي](8)، إلا أن لي في التأسي [بسنتك](9) بعظيم فرقتك، وفادح مصيبتك، [والحزن الذي حل بي

ص: 100


1- امالي الطوسي (رحمه الله): ص 109 - 110 .
2- لم ترد في نهج البلاغة، ووردت في المصادر الأخرى.
3- انفرد بها الطوسي.
4- أوردها الشيخ الكليني والطبري والطوسي.
5- أوردها الكليني والطبري والطوسي.
6- أوردها الكليني والطبري والطوسي.
7- وردت في الكافي.
8- أوردها الكليني والمفيد والطوسي.
9- أوردها الكليني والطوسي والمفيد في أماليه.

لفراقك](1) موضع تعزّ [لموضع التعزي](2)

فلقد وسدتك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسك(3)

[وغمضتك بيدي، وتوليت أمرك بنفسي](4)، [بلى وفي كتاب الله أنعم القبول](5)، إنا لله وإنا إليه راجعون.

فلقد استرجعت الوديعة، واخذت الرهينة، [واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء](6).

[يا رسول الله](7)، أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، [لا يبرح الحزن من قلبي](8)، [كمد وهم لا يبرح من قلبي](9)، إلى أن [أو]) (10)يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم، [سرعان ما فرق بيننا فإلى الله أشكو](11).

وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك [علي](12)، وعلى هضمها [حقها](13)، فاحفها

ص: 101


1- الامالي للطوسي.
2- المصدر السابق.
3- أوردها الشيخ الكليني والمفيد والطوسي [على صدري].
4- أوردها الشيخ المفيد في الأمالي وكذا الطوسي في أماليه.
5- أوردها الكليني في الكافي والطوسي والمفيد في أماليهما.
6- أوردها الشيخ الكليني في الكافي والمفيد في أماليه والطوسي في أماليه والطبري في الدلائل.
7- لم ترد في النهج وأوردها العلماء في كتبهم.
8- أورده الشيخ المفيد في أماليه، والطوسي في أماليه.
9- أورده الشيخ الكليني في الكافي.
10- أوردها الشيخ المفيد والطوسي في أماليهما.
11- أوردها الشيخ الكليني والمفيد والطوسي والطبري.
12- أوردها الشيخ المفيد في أماليه وكذا الشيخ الطوسي.
13- المصدر السابق.

السؤال، واستخبرها الحال [فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً،وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين](1).

[والسلام عليك (يا رسول الله)(2)(والسلام عليكما)(3) سلام مودع لا قال، ولا سئم، فإن انصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين(4)، (الصبر أيمن وأجمل)(5).

(آه آه)(6)، (واه واهاً)(7)، لولا غلبة المستولين (علينا)(8) لجعلت المقام (عند قبرك)(9) لزاماً، (والتلبث معكوفاً)(10)، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية،فبعين الله تدفن ابنتك سراً، وتهضم حقها (قهراً)(11)، ويمنع إرثها جهراً، ولم يتباعد

ص: 102


1- أوردها الشيخ الكليني في الكافي، والمفيد في الأمالي، والطوسي في الأمالي، وابن جرير الطبري في دلائل الإمامة
2- أوردها المفيد والطوسي في اماليهما.
3- وردت في نهج البلاغة.
4- الى هنا انتهى النص في نهج البلاغة وبهذا المقدار اكتفى الشريف الرضي (رحمه الله)، أما البقية فقد اوردها الشيخ الكليني والشيخ ابن جرير الطبري، والشيخ المفيد والشيخ الطوسي (عليهم الرحمة والرضوان).
5- المصدر السابق.
6- الطبري في الدلائل.
7- الكافي للكليني.
8- أوردها المفيد والطوسي في أماليهما.
9- المصدر السابق.
10- المصدر السابق.
11- أوردها الشيخ المفيد والطوسي في أماليهما.

(يبعد) (يطل)(1) بك العهد ولم يخلق (يخلولق)(2) (يخل)(3)، منك الذكر، فإلى الله يا رسول الله المشكى وفيك أجمل (أحسن)(4)، العزاء.

(صلى الله عليك، وعليها السلام والرضوان)(5)؛ (فصلوات الله عليها وعليك ورحمة الله وبركاته)(6)، (صلوات الله عليك وعليهما معك، والسلام)(7)])(8)

والظاهر من خلال هذه المقارنة بين المصادر التي أُخرجت هذا الحديث أن الشريف الرضي (رحمه الله) قد تصرف في هذا النص فحذف منه بعض ألفاظه وذلك لجملة من الاسباب، منها:

1- لما ارتبط بخصوصية الحادثة والأشخاص الذين تسببوا بها، لا سيما وأن هذه المصادر هي أقدم منه بقرنين، وبعضهما بقرن من السنين، فضلاً عن جلالة قدر أصحابها.

2- إن الشريف الرضي (رحمه الله) قد يكون أخذ هذه الرواية من طريق آخر لم يرد ذكره في هذه المصادر فكان بهذا الاختصار.

ص: 103


1- ورت في النهج.
2- أوردها الطبري في دلائل الإمامة.
3- وردت في نهج البلاغة في موضع غير هذا عند قوله (عليه السلام) «فأحفها السؤال واستخبرها الحال وهذا ولم يطل العهد ولم يخل منك الذكر.. .»
4- الكليني في الكافي.
5- الكليني في الكافي.
6- أورده الشيخ المفيد والطوسي في أماليهما.
7- أورده الطبري في دلائل الإمامة.
8- هذه الإضافة بين المعقوفتين [ ] أوردها الشيخ الكليني في الكافي: ج 1 ص 459 ؛ والمفيد في الأمالي ص، والطوسي في الأمالي: ص 110 ؛ والطبري في دلائل الإمامة: ص 138 .

3- أو أنه كان يحرص على المحافظة على هدف الكتاب وهو ايصال خطاب امير المؤمنين (عليه السلام) الى مكتبة المخالفين لعلي (عليه السلام) دون ان يثير فيحفيظتهم.

أما هذا النص بعد مقارنته ومقابلته فقد أضاف إلى الدراسة العديد من المعارف الإسلامية والحقائق العقدية والتاريخية التي ستكون بلطف الله مادة جديدة تضاف إلى المكتبة الإسلامية، لاسيما حقل الدراسة ومجالها، أي: فلسفة اللغة ولسانيات النص ضمن الفكر التداولي ومعياري القصدية والمقبولية، والله الموفق لكل خير،

ومنه اللطف والتسديد.

ص: 104

المبحث الثاني: الأفعال الكلامية المباشرة في النص الشريف
اشارة

ص: 105

ص: 106

اشتمل النص الشريف على جملة من الافعال المباشرة والتي تفيد بحسب مقتضيات نظرية الافعال عن نسبة من الكاشفية عن قصدية منتج النص، وذلك وبحسب دراستنا للنظرية أن الأفعال المباشرة تفيد في تحقيق العملية التواصلية الانجازية بالدرجة الاساس، أما كاشفيتها عن قصدية منتج النص فهي نسبية،

بلحاظ أن الفعل المباشر يفهم منه ظهور القصد الإنجازي، وهذا بعكس الافعال الغير المباشرة التي تستلزم البحث في مقتضايات الخبر والانشاء المعتمدة في النص والكامنة بين ثناياه.

بل وجدنا -من خلال الدراسة- إنّ متضمنات القول هي الألصق بمعيار القصدية ومقتضى البحث عنها ودراستها وإظهارها للقارئ لاسيما المضمر من القول؛ ولولا أن الدراسة قد حددها المنهج في تتبع معياري القصدية والمقبوليةلكانت المتضمنات القولية هي الاقرب الى الإهتمام والبحث والدراسة.

ولذلك:

لم نشر الى المتضمنات القولية من حيث التخصيص الموضوعي، وانما ادخلت في البحث ضمن معيار القصدية واظهار مكامن النص ومعناه ودلالته وتحليله.

وبناءً عليه:

فإن النص الشريف تضمن مجموعة من الافعال المباشرة فكانت كالآتي:

ص: 107

المسألة الأولى: الاخباريات (Assertives )

وتسمى ايضاً ب(التأكيدات) و(التقريريات) والاختلاف في ذلك يعود للترجمة.

ويراد بها: (تعهد المرسل بدرجات متنوعة بأن هناك شيئاً ما هو واقعة حقيقية،وتعهده كذلك بصدق قضية ما)(1).

(ويطلق اتجاه المطابقة فيها من الملفوظات الى العالم)(2)؛ ولذلك فإن (الخبر يتقسم الى اثبات ونفي، والاثبات يقتضي مثبتاً ومثبتاً له، والنفي يقاضي منفياً ومنفياً له)(3).

وقد جاءت الاخباريات في النص الشريف كالآتي:

1-زيارتها (عليها السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وقد جاء ذلك في قوله (عليه السلام):

«والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك »، وفيه اخبار من امر الزيارة وسيمر -ان شاء الله تعالى- بيان قصدية النص ودلالة زيارتها لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في قبره وروضته.

2-بياتها عند رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فقد اخبر امير المؤمنين (عليه السلام) عن هذا الفعل في قوله (عليه السلام):«والبائتة في الثرى ببقعتك »، ولهذا الاخبار مقاصديات عديدة سيمر بيانها في مبحث مستقل.

ص: 108


1- استراتيجيات الخطاب، عبد الهادي بن ظافر، ص 123 .
2- نظرية الافعال الكلامية بين فلاسفة اللغة المعاصرين: ص 30 .
3- دلائل الاعجاز: ج 1 ص 344 .

3- توسيده (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في قبره.

وهذا الإخبار عن توليه (عليه السلام) لدفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتوسيده في قبره جاء في قوله:

«فلقد وسدتك في ملحودة قبرك .»

4-نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) تفيض بين صدر علي (عليه السلام) ونحره.

وقد أخبر أمير المؤمنين عن هذه الحادثة، أي: هذه اللحظات الأخيرة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وفيض نفسه المقدسة بين نحره وصدره في قوله (عليه السلام):

«وفاضت نفسك بين نحري وصدري »، وقد اكتنز هذا اللفظ الكثير من الحقائق التاريخية والعقدية وغيرها والتي جاءت ضمن قصدية هذا اللفظ وتحليله واستكناه

دلالاته.

5-سرعة التفريق بينه وبين فاطمة (عليهما السلام).

يخبر الإمام علي (عليه السلام) عن هذا الفعل الكاشف عن السرعة في الفريق بينه وبين بضعة المصطفى (صلى الله عليه وآله) في قوله (عليه السلام):«سرعان ما فرق بيننا .»

6-دفن الزهراء (عليه السلام) سراً.

جاء هذا الاخبار في دفن الزهراء (عليها السلام) سراً في قوله (عليه السلام):

ص: 109

«فبعين الله تدفن ابنتك سراً »، ولا شك أنه قصد في هذا الاخبار عن جملة من الأحداث التي دعته الى ان يدفن بنت النبي (صلى الله عليه وآله) سراً، وهو ما دعانا الى تخصيص مبحث في ذلك ضمن قصدية النص.

7- هضمهم لبنت النبي (صلى الله عليه وآله).

من الحقائق التي اكتنزها النص وأخبر عنها الامام علي (عليه السلام) دون التصريح بالأسماء والاشخاص هي حقيقة هضم الصحابة لحق فاطمة (عليها السلام)، فقال (عليه السلام):

«وتهضم حقها قهراً .»

ولذا: كان لقصدية اللفظ مسائل عدّة.

8-منعهم لإرث فاطمة (عليها السلام).

جاء هذا الاخبار عن القضية التي كانت منذ وقوعها ولم تزل موضع بحث ودراسة بين مؤيدٍ ونافٍ، إلا أن صاحب الشأن والشاهد على ما جرى هو الأدرى بجميع جزئيات الحدث الذي اخبر عنه في تلك الكلمات القليلة قائلاً:

«ومنع إرثها جهراً .»

9- وقوع هذه الرزايا والمصائب بزمن قصير بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله).فقد أخبر أمير المؤمنين (عليه السلام) عن هذه الحقيقة في قوله الذي أخرجه ابن جرير الإمامي (رحمه الله):

«ولم يبعد بك العهد .»

ص: 110

وفي لفظ الكليني (رحمه الله):

«ولم يتباعد بك العهد .»

وفي لفظ الشيخ المفيد (رحمه الله):

«ولم يطل العهد »؛ وسيمر ان شاء الله تعالى قصدية النص وما يتعلق بهذا القول ودراسته وبيان حقائق اهل اللغة.

10- الاخبار عن وقوع هذه الجريمة مع وجود الموانع الشرعية وقد جاء ذلك في قوله (عليه السلام):

«ولم يخل منك الذكر .»

وفي لفظ الكليني:

«ولا اخلولق منك الذكر .»

ومن ثم فإن هذه الاخباريات التي تضمنها النص الشريف كانت مليئة بالحقائق والمعاني والدلالات العديدة كما سيمر بيانه في مقاصدية النص.

11- الاعلان عن أنّ فاطمة (عليها السلام) ستكشف لأبيها ما جرى عليها.

فبعد بيانه (عليه السلام) لما جرى على بنت النبي (صلى الله عليه وآله) ينتقل (عليه السلام) الى الاعلان عن أمر في غاية الخطورة وهو ارتفاع المانع في سكوت فاطمة (عليها السلام) وعدم كشفها لما جرى عليها من المصائب وما سيترتب على ذلك من أمور قضائية عديدة، كما جاء في قوله (عليه السلام):

«وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين .»

ص: 111

المسألة الثانية: التوجيهيات (Directives )

وتسمى أيضاً ب(الأمريات) و(الطلبيات)، وتقوم هذه الافعال بتوجيه السامع أو المتلقي الى فعل شيء ما، وقد تتعدد الصيغ الى تحقيق هدف المتكلم بين النصح أو الاغراء، أو الشدة أو الاصرار على تنفيذ الامر.

ويبرز الغرض الانجازي فيها بهذا التوجيه، واتجاه المطابقة (يكون من العالم الى الكلمات، والسؤول عن ذلك هو المخاطب، وشرط الاخلاص يتمثل في الارادة والرغبة الصادقة)(1).

وقد تضمن النص الشريف بعض الافعال الكاشفة عن طلبه (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي طلبات قليلة جداً، فقد اكتفى أمير المؤمنين (عليه السلام) بطلبين فقط، وهذا يكشف عن خلقة وتأدبه بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكيف لا، وهو أديب رسول الله (صلى الله عليه وآله

وسلم) كما ورد في الحديث الشريف.

وعليه: فقد كانت الطلبيات او التوجيهات في فعلين فقط، وهما:

1- في طلبه (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحف السؤال من فاطمة (عليها السلام) وقد جاء هذا الفعل الطلبي واضحاً في قوله (عليه السلام):

«فأحفها السؤال .»

وقد تناولت اللفظ في قصدية منتج النص وبحثت في معناه وتتبع دلالاته فوجدت أنّه مليء بالأخبار والكشف عن الاحداث التي وقعت عليها (عليه السلام).

ص: 112


1- تحليل الخطاب المسرحي في ضوء النظرية التداولية، عمر بلخير ص 71 ، طبع منشورات الاختلاف- الجزائر، ط 1 لسنة 2003 م.

2- في الطلب لاستخبار فاطمة (عليها السلام).

أما التوجيه الثاني أو الطلب الثاني الذي ورد في النص عنه (عليه السلام) فقد كان بخصوص حال فاطمة ومعرفة ما جرى عليها، ولذا: يطلب من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يستخبرها عن حالها، ولا شك أنّه يردف هذين الطلبين ببيان العلة التي تكمن وراء ذلك، كما سيمر في قصدية قوله (عليه السلام):

«واستخبرها الحال .»

المسألة الثالثة: الالتزاميات (Commissive )

ويرتكز مفهوم الالتزاميات على تعهد المتكلم بفعل شيء ما في المستقبل وهذا الفعل مبني على شرط الاخلاص ومطابقة العالم الى الكلمات.

يعرض لنا النص القوة الانجازية في الالتزاميات من خلال الأفعال الآتية:

1- المقام عند قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وقد جاء هذا الفعل الذي يظهر ملازمة الامام علي (عليه السلام) لقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قوله:

«لولا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاماً »

فقد بين النص الشريف المانع في تحقق الملازمة سواء في وقت صدور النص ام في المستقبل وهو وجود المستولين.

وقد كشفت قصدية منتج النص عن الكثير من المعارف التي ارتبطت بالقبر النبوي ومشروعية الزيارة وغير ذلك.

ص: 113

2- اتخاذ القبر النبوي موضعاً للاعتكاف.

وهذا الالزام ايضاً جاء تبعاً لما قبل في بيان هذه الحقيقة المتصلة بالقبر النبوي فيقول (عليه السلام):

«والتلبث معكوفا .»

المسألة الرابعة: التصريحات (Declorations )
اشارة

وتسمى ايضاً ب(الإيقاعات) و(الاعلانيات)، وتتميز هذه الافعال بمطابقة محتواها القضوي مع العالم الخارجي وهو جعل أدائها ناجحاً وقادراً على التغيير في الوضع القائم، وهذه الافعال جاءت في النص الشريف في مواضع ثلاثة كشف البحث فيها في معيار القصدية عن معارف كثيرة وحقائق عديدة -كما سيمر-.

وقد وردت هذه الافعال التصريحية أو الاعلانية فيما يلي:

1- الإيداع

في إيقاع الفعل، الإيداع وما يترتب عليه من مسائل فقهية؛ فقد جاء ذلك في قوله (عليه السلام):

«لقد استرجعت الوديعة » ولا يخفى عن اهل العلم أنّ هذا التصريح في ارجاع الوديعة واسترجاعها، كما جاءت بصيغة الاستفعال له من الكواشف الفقهية والعقدية ما يجعل المتلقي يقف مليئاً عند قصدية منتج النص (عليه السلام).

2-الرهن

في فعل أخذ الرهينة وما يتعلق به من مسائل فقهية بين المتعاقدين كشفتها القوة الانجازية بين الطرفين مما يرشد الى معانٍ عديدة كما سيمر في قصدية النص في قوله (علیه السّلام):

ص: 114

«وأُخذت الرهينة .»

3- الاختلاس

وهو الإيقاع الثالث الذي ورد في النص الشريف وقد اختزن العديد من الدلالات التي سيمر بيانها في قصدية اللفظ في قوله (عليه السلام):

«واختلست الزهراء فما أقبح الخضراء والغبراء .»

المسألة الخامسة: التعبيرات (Expressives )
اشارة

وتسمى ايضاً ب(البوحيات)؛ وتختص هذه الافعال ببيان الحالة الشعورية عند المتكلم سواء كان تعبيره عن نفسه او وصفه لما سيشعر به من احاسيس ومشاعر الآخرين، اي:

(التعبير عن حالة سيكولوجية محددة)(1).

وقد تضمن النص الشريف العديد من الافعال التعبيرية التي يصف فيها منتج النص (عليه السلام) الحالة الشعورية له او لسيدة نساء العالمين (عليه السلام) فكانت كالآتي:

1-قلّة الصبر

يصف لنا الامام علي (عليه السلام) حالتة الشعورية والآمه لفقد بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى المستوى الذي يصف فيه هذا الشعور، بقوله:

«قل يا رسول الله عن صفيتك صبري .»

ص: 115


1- التحليل اللغوي عن مدرسة اكسفورد: ص 234 .

ولا يخفى أنَّ منتج النص هنا له من الشأنية ما تجعله محاطاً بالحكم الشرعي والعقدي، ومن ثم فقد كشفت قصدية اللفظ عن معانٍ عديدة سيمر بيانها.

2-ضعف التجلد

يردف منتج النص الحالة الوجدانية والشعورية في فقده لفاطمة (عليها السلام)بعد إيراده لقلة الصبر ب(ضعف التجلد) وهذا مستوى آخر من الألم والمشاعر اتجاه هذا الحدث، فيقول (عليه السلام):

«وصعف عن سيدة نساء العالمين تجلدي .»

3- التأسي والتصبّر

ينتقل منتج النص بعد بيان تلك المشاعر وما كان يمر به من الألم بفعل هذه الرزية التي لم يجد في الاستعانة عليها غير التأسي والتصبر بما هو أعظم من فقد سيدة نساء العالمين (عليها السلام) ألا وهو فقد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال (عليه

السلام):

«إلّا أنّ التأسي لي بعظيم فرقتك وفادح مصيبتك [والحزن الذي حل بي بفراقك] موضع تعزٍ .»

4-الرضا بقضاء الله تعالى

بعد بيانه للوسيلة التي استعان بها على مصيبته يظهر منتج النص (عليه السلام) حالة وجدانية ونفسية اخرى في مواجهة هذه المصيبة وهي الرضا بقضاء الله وقدره، فيقول (عليه السلام):

«بلى، وفي كتاب الله لي أنعُم القبول إنا لله وانا اليه راجعون »(1)

ص: 116


1- الكافي للكليني: ج 1 ص 459 .
5-انقباض النفس لعظم المصيبة

يشير النص الشريف الى حجم ما تركته المصيبة التي أحلّت ببيت النبوة وفقده لفاطمة (عليها السلام) وما جرى عليها من الامة، ولا شك أنّ لهذه الأحداث أثرها الكبير على نفس منتج النص (عليه السلام) فقد أصبحت نفسه لعضم المصيبة منقبضة عن خضراء الدنيا وغبرائها، فضلاً عن بيانه لحجم حبه لأُم عياله، فيقول:«واختلست الزهراء فما أقبح الخضراء والغبراء .»

والنص مليء بالمعارف والدلالات المرتبطة بحقيقة الحدث وبحقيقة ما كان لفاطمة من الخصائص والصفات والشأنية كما سيمر بيانه في قصدية النص.

6- الحزن الدائم في النفس

من المشاعر النفسية التي تضمّنها النص هو الحزن الدائم على رحيل بضعة النبي (صلى الله عليه وآله)، فيقول (عليه السلام):

«اما حزني فسرمد .»

وسيمر بيان دلالة هذا الحزن وسرمدية بقائه في قصدية النص.

7-قلة النوم وطول السهر

يورد منتج النص في خطابه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وشكواه اليه ما سيؤول اليه حاله بعد هذه المصيبة العظيمة، فيقول:

«وأمّا ليلي فمسهد » ثم ليتبعه بعد ذلك كما في الفعل التعبيري الآتي عن الهم الذي سيلازم قلبه.

8-ملازمة الهموم لقلبه الى آخر حياته

وهذا الجانب من البوحيات التي كشفها الإمام لرسول الله (صلى الله عليه وآله)

ص: 117

له من الآثار الكبيرة على تفاعل المتلقي مع النص وتثير في ذهنه العديد من الاسئلة، فأي مصيبة تلك التي جعلت قلب علي بن ابي طالب يلازمه الحزن والهموم الى آخر ايام حياته؟

9- الشكوى الى الله تعالى

كي لا ينصرف ذهن القارئ الى اتجاهات مهلكة فينسب لأمير المؤمنين (عليه السلام) من الأفعال ما تتعارض مع منزلة العصمة والامامة قام (عليه السلام) فعبّر عن الآلية الوجدانية والإيمانية والنفسية التي تعامل بها مع هذه المصائب فبيَّن ان هذه المشاعر النفسية والخلجات العاطفية مقيدة باللجوء الى الله تعالى، فيقول:

«سرعان ما فرّق بيننا والى الله أشكو »(1).

10-تشابك الآلام وحرقتها

ينتقل الامام علي (عليه السلام) من بيان مشاعره وخلجات نفسه الى البوح لرسول الله (صلى الله عليه وآله) عن حال الزهراء (عليها السلام) وما أصاب نفسها من تشابك الآلام وحرقتها في صدرها، فيقول (عليه السلام):

«فأحفها السؤال واستخبرها الحال فكم من غليل معتلج بصدرها .»

11-كتمان الهموم والآلام

لاشك أن هذه المشاعر النفسية والوجدانية التي مرت بها الزهراء (عليه السلام) تبعتها اسباب زادت في تعاظمها وهو ما ضمنه منتج النص في بيانه لحال الزهراء

ص: 118


1- لم ترد هذه الجملة في النص الذي اخرجه الشريف الرضي (رحمه الله) وانما اخرجها الشيخ الكليني (رحمه الله) في الكافي: ج 1 ص 459 ، وكذلك اخرجها الشيخ المفيد (رحمه الله) في الامالي: ص 281 وغيرهما.

(عليه السلام( لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، فيقول:

«لم تجد الى بثه سبيلا .»

وهو أمر يكشف عن معانً ودلالات وحقائق سيمر بيانها في قصدية النص.

12-التأوه والتصبر

لقد جاء بيانه (عليه السلام) لهذه الحالة الشعورية كي ينقل المتلقي الى بيان عدد المصائب التي أحلّت به (عليه السلام)، فضلاً عن المصائب المتعلقة بفاطمة (عليه السلام)، ولذا يعبر عن ذلك في قوله (عليه السلام):

«آه آه- [وآها وآها] لولا غلبة المستولين...].

13- الصراخ المفجع

إنَّ من المسائل العجيبة المرتبطة في شد مشاعر المتلقي والتأثير فيه هو تدرج الامام علي (عليه السلام) في بيان مستوى المصيبة العظيمة، وحجم اضرارها النفسية، فينقل هذه المشاعر الى القارئ والسامع حتى يصل به الى هذا المستوى الذي يعيش فيه المتلقي مع منتج النص (عليه السلام) فيصرخ كما في قوله (عليه السلام):

«ولأعولت أعوال الثكلى على جليل الرزية .»

14-التعزيّ برسول الله (صلى الله عليه وآله).

يختم أمير المؤمنين(عليه السلام) خطابه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ببيان آلية جديدة في الاستعانة على المصيبة وتجاوزها وذلك من خلال التعزي بسيد الخلق (صلى الله عليه وآله) فيقول:

«والى الله يا رسول الله المشتكى وفيك أحسن العزاء .»

ص: 119

وعليه:

فهذه مجموعة الافعال الخاصة في التعبيرات والكاشفة عن حجم المصيبة والرزية التي أحلّت به (عليه السلام)، فضلاً عن اكتنازها للعديد من الحقائق والمعانِ والدلالات التي تقدم مجموعة من المعارف في مجريات الأحداث والشخصيات وما ارتبط ببضعة النبي (صلى الله عليه وآله) وبه (عليه السلام)؛ وما تبع هذه الاحداث من تحولات فكرية واجتماعية وتربوية سنعرض لها من خلال قصدية النص الشريف.

أما ما يتعلق بالافعال الكلامية الغير مباشرة فقد تركت البحث فيها لتداخلها مع مقتضيات معيار القصدية في النص فسيجدها القارئ ضمن مباحث النص الشريف وتحليله واظهار معانيه فهي دليلنا الى مقاربة قصدية المعصوم (عليه السلام).

فنسأل الله التسديد والعون، والعفو والمغفرة ان اخفقنا في بعض مطالب الدراسة، إنه هو الغفور التواب الرحيم.

ص: 120

المبحث الثالث: المقاصدية في تحويل وجهه (علیه السّلام) الى قبر رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ومخاطبته
اشارة

ص: 121

عن الإمام زين العابدين (علیه السّلام) قال لي أبي الحسين بن علي (علیه السّلام) لما قبضت فاطمة (علیه السّلام) دفنها أمير

المؤمنين سراً وعفا على موضع قبرها، ثم قام فحول وجهه إلى قبر رسول (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

ص: 122

توطئة:مخاطبة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بين التشريفات الإلهية والمحاذير الشرعية .
اشارة

أُحيطَ النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) بجملة من التشريفات الإلهية والمحاذير الشرعية التي حددت كيفية التعامل معه صلى الله عليه وآله وسلم على كافة المجالات سواء ما كان يرتبط بشخصه الأقدس (صلى الله عليه وآله وسلم) من

قبيل محادثته، ومناداته، ومناجاته، والامتثال لأمره ونهيه، وتعظيم حرمته وتوقيره واجلاله، واتساع دائرة هذه الحرمة الشرعية فيما يرتبط به كعترته (عليهم السلام) وذريته، فلحمه لحمهم، ودمه دمهم، وموالاتهم موالاته، ومعاداتهم معاداته.

فضلاً عما فرضه القرآن على أزواجه من حدود كثيرة تكشف عن جلالة منزلته عند الله، وعظيم حرمته، فقد حرم الله عليهن الزواج من بعده، فجعلهم بمنزلة الأمهات اللاتي حرم على الأبناء زواجهن فقال عز وجل: «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ »(1).

ومن ثم فقد أحاط القرآن الكريم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بجملة من التشريفات الإلهية والحدود الشرعية التي لم ينلها أحداً من الأنبياء والمرسلين.

وعليه:

أراد الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أن يذكّر المسلمين بهذه الحرمة التي

ص: 123


1- سورة الأحزاب، الآية ( 6).

جاء بها القرآن الكريم وأحاطها برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مخاطبته حياً وميتاً وهو ما سنعرض له خلال مسائل المبحث.

المسألة الأولى: قصدية الالتزام بمنهج القرآن الكريم في مخاطبة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )
اشارة

يبين القرآن الكريم عدد من القوانين والحدود الشرعية فيما يتعلق بالحديث مع النبي (صلى الله عليه وآله) ومخاطبته وهو -كما أسلفنا- ما لم تسنّه الشريعة الإلهية مع أحدٍ من الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) فكانت هذه المحاذير كالآتي:

أولاً: تحذير المسلمين من آثار رفع أصواتهم فوق صوت النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )
أ - إنَّ رفع الصوت بحضرته (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يحبط العمل

يورد القرآن الكريم في سورة الحجرات مجموعة من الآيات التي تبين حدود مستوى الصوت في حديث المسلمين مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وَسَنّ التأدب بحضرته (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الحد الذي يؤدي فيه هذاالتجاوز في رفع الصوت إلى إحباط العمل وهدمه ومن ثم تكون النتيجة هلاك من

يرفع صوته في الدنيا والآخرة وهذه الخصوصية لم تكن لأحد من خلق الله، لا لملكٍ مقرب ولا لنبيٍ مرسل، قال تعالى:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ »(1).

ص: 124


1- سورة الحجرات، الآية ( 2).
ب - الملازمة بين غض الصوت وتقوى القلوب

يشكل قلب الإنسان الموضع الأكثر اهتماماً في الشريعة الإسلامية، فقد حظي باهتمام علماء الأخلاق والفلاسفة والعرفانيين وغيرهم، فضلاً عما ناله من الآيات والأحاديث النبوية الصادرة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن عترته (صلوات

الله عليهم أجمعين) حتى بات هذا الموضع هو المحدد لمصير الإنسان في الدنيا والآخرة.

ففي الدنيا كان للقلب الأثر الأساس في رسم طريق التعامل مع الله تعالى، فهو موضع الأصول التي قام بها الإسلام: كالتوحيد والنبوة والعدل والإمامة والمعاد.

فضلاً عن أثر القلب في رسم الأخلاق تحديدها والتعامل مع الإنسان الآخر وبناء العلاقات الاجتماعية والتواصل والتوادد وغيرها.

بل كان القلب ولم يزل الموضع الذي تستقيم به الحياة الدنيوية في حب الخير للخلق سواء أكانوا من البشر أم الشجر أم الدواب، فإن كان القلب رحيماً مشفقاً مسامحاً ودوداً صادقاً كان الأمن والأمان، وإن كان جاحداً قاسياً منافقاً كان الخراب والدمار والإرهاب هو سِمة الحياة في جميع مفاصلها.وإما أثر القلب في الآخرة فيكفي بقوله تعالى:

«يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ *إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ »(1).

خير شاهد ودليل على أثر القلب على مصير الإنسان في الآخرة.

من هنا: أراد الله تعالى أن يروض قلب الإنسان على التقوى الذي كما أسلفنا تُحدّد

ص: 125


1- سورة الشعراء، الآية ( 88 - 89 ).

به نتيجة الإنسان ومصيره في الدنيا والآخرة.

وامتحان القلب وترويضه كان له أكثر من آلية وأداة عرضها القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، منها:

إحياء الشعائر، فقال تعالى:

«ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ»(1).

وتقوى القلوب المرتبط بتعظيم الشعائر شيء، وامتحان القلوب بالتقوى شيء آخر، بمعنى تكون الشعائر وتعظيمها وسيلة لحصول التقوى في القلب، فيكون الأمر أقرب إلى نوع من الرياضة القلبية كي يصل القلب إلى هذه الرتبة فتحلّ فيه التقوى.

وأما غض الصوت في حضرته (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو مركز التقوى، بمعنى من لا يعظم الشعائر لا يصل إلى التقوى القلبية فيكون القلب خاملاً.

أما غض الصوت فهو كاشف عن وجود التقوى القلبية في الأساس.

ومن ثم أصبح غض الصوت بحضرة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) آلية لإمتحان القلوب وكشفها وتصنيفها إلى قلب متقي أم قلب فاجر، ولذا أعدّ الله تعالى لأصحاب هذه القلوب مغفرة وأجر عظيم.

أما من لم يغض صوته بحضرته (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد أعدّ الله تعالى له، بمقتضى هذه الآية الكريمة وما قبلها الحرمان من المغفرة وإحباط العمل والعذاب الأليم، قال تعالى:

ص: 126


1- سورة الحج، الآية ( 32 ).

«إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ »(1).

ثانياً: القرآن يفرض المال على من أراد أن يخاطب رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )
اشارة

لم يكتف القرآن ببيان نتيجة رفع الصوت فوق صوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذلك في سعيه لتأديب المسلمين وتسيسهم على حدود التعامل مع أشرف ما خلق الله (عز وجل) فضلاً عن إظهاره لشأنيته وسموّ مقامه وعلو منزلته عند الله تعالى؛ كما جاء في قوله عزّ شأنه:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ »(2).

ولذا: ينتقل القرآن الكريم إلى ترويض آخر للمسلمين ففرض عليهم ضريبة الأموال عند حديثهم معه (صلى الله عليه وآله) وسلم وهو منهاج جديد يكشف عن جملة من الامور منها:

أ - تحريك الجانب الغيبي

إنّ الظاهر في هذه السياسة التأديبية أنها جاءت بعد بيان القرآن لمرحلة رفع الصوت وما يرتبط به من عواقب وخيمة؛ وهو بهذه الحالة يركز على تحريك الجانب الغيبي، أي الإيمان بالغيب والاعتقاد باليوم الآخر القائم على الخوف من الله وسوء العاقبةوالثواب والعقاب، فمن رفع صوته وهو غير عامدٍ في ذلك وإنما ما تفرضه الطبيعة الصحراوية وقساوة البيئة وما نشأ عليه أبناء مكة من طبيعة جافة أن يتكلم أحدهم فيرفع صوته ومن ثم تكون النتيجة هي الخسران في الآخرة.

ص: 127


1- سورة الحجرات، الآية ( 3).
2- سورة الحشر، الآية ( 12 ).

إلا أن تحريك الجانب الإيماني ينفع من اتصف به، أي بالإيمان لقوله تعالى:

«وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الُمؤْمِنِينَ»(1).

أما من لم يكن من أهل الإيمان وجاء إلى الإسلام ليأمن على نفسه وتجارته أو لحربه، كالمنافقين وغيرهم من المؤلفة قلوبهم والطلقاء فإن هذا النوع من التأديب والتسيس لهم في رسم الحدود الشرعية لا يؤتي ثماره معهم.

ولذلك: ينتقل القرآن إلى نوع آخر من السياسة التأديبية لهم في تعاملهم مع أشرف خلق الله تعالى (صلى الله عليه وآله وسلم) فيفرض عليهم ضريبة دفع المال وهو العصب الحياتي والوجودي وتحريكاً للمشاعر النفسية حينما يجدون أن هذه الضريبة ستفرض عليهم التأدب والحذر فقد يكون الأمر في القادم من الأيام

أصعب وأعظم كلفة.

ب - فرز المسلمين وتصنيفهم إلى فئتين

إنّ هذه الضريبة الجديدة جاءت لكي تقوم بفرز المسلمين وتصنيفهم إلى فئتين، فئة صادقة في إيمانها وبما فرضه الله تعالى عليهم من فريضة التصدق وتحملهم لها؛ وبين الفئة الثانية التي لم يتجاوز الإسلام سوى شفاههم ومن ثم يكون القرآن قد

كشفهم إلى الناس وأظهر زيف ادعائهم.

ج - إنّ هذه الضريبة كانت على بعض المسلمين أشد من المطاعنة بالرماح

قد كشفت النصوص التاريخية إن هذه الضريبة كانت أشد على الناس من الجهاد وحمل السيوف والمطاعنة بالرماح والسبب في ذلك أن هذه الحروب هي مما اعتادت عليه العرب، بل كانت خير فرصة لهم لإظهار بطولاتهم والتباهي برجولتهم، وهو

ص: 128


1- سورة الحجرات، الآية ( 55 ).

أمر كان عندهم من أنفس مصاديق الحسب الذي يتباهون به ويتفاخرون فيما بينهم.

ومن ثم فهذه الحروب لم تشكل عائقاً أو رادعاً لهم في تليين نفوسهم وضبطها وتأديبها وترويضها ولم يكن لها ذلك التأثير الذي يفرضه المال.

ولذا: يخاطبهم الله تعالى بصيغة الاستفهام:

«أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْن يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَم تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّه عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّه وَرَسُولَهُ وَاللَّه خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ»(1).

وهذا لِبيان ثقل هذه الضريبة التأديبية والترويضية لهم.

د - إنّ علي بن أبي طالب (علیه السّلام) هو الوحيد الذي عمل بهذه الضريبة المالية من بين المسلمين جميعاً

ترشد النصوص الحديثية التي أخرجها الحفاظ، ومنهم الترمذي وابن أبي شيبة والحاكم، أن الآية المباركة لما نزلت بعث النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) خلف الإمام علي (عليه السلام) وشاوره في مقدار هذه، الصدقة وهذا نص الرواية:

أ- رواية الترمذي من طريق سالم بن أبي الجعد عن علقمة الأنماري عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال:

(«لما نزلت «يَا أَيُّها الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْن يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً»، قال لي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما ترى؟ دينار؟

قلت: لا يطيقونه.

قال: فنصف دينار؟

ص: 129


1- سورة المجادلة، الآية ( 13 ).

قلت: لا يطيقونه.

قال: فكم؟

قلت: شعيرة.

قال: إنك لزهيد.

قال: فنزلت «أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْن يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ».

قال: فبي خفف الله عن هذه الأمة .»

قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه؛ ومعنى قوله شعيرة، يعني: وزن شعيرة من ذهب)(1).

أقول وأخرج الحديث من هذا الطريق الحافظ ابن أبي شيبة الكوفي في المصنف(2)،(3) وعبد بن حميد في المنتخب من مسنده(4)، والنسائي في السنن(5)، والموصلي(6)، وابن حبان(7)، وغيرهم، والحديث يكشف عن أمور منها:

1-إن بعث النبي (صلى الله عليه وآله) خلف الإمام علي (عليه السلام) لكي يشاوره في هذه الآية يكشف عن اختصاصه بكونه الوزير كما دلت عليه النصوص

ص: 130


1- سنن الترمذي، سورة الحشر: ج 5 ص 81 .
2- المصنف: ج 7 ص 505 .
3- منتخب مسند عبد بن حميد: ص 60 برقم 90 .
4- منتخب مسند عبد بن حميد: ص 60 .
5- السنن الكبرى: ج 5 ص 152 .
6- مسند أبي يعلى الموصلي: ج 1 ص 322 .
7- صحيح ابن حبان: ج 15 ص 390 .

الكثيرة، ومنها حديث المنزلة:

«أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي .»

ولا يخفى أن هارون كان له مناصب ومسؤوليات منها الوزارة؛ فكان لعلي (عليه السلام) ما كان لهارون؛ بل ويفوقه بكثير من المسؤوليات، ومنها الخلافة والوصاية والإمامة من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

2- إن تحديد الأحكام في فروعها يعود للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فالآية قد جاءت بأصل الحكم أما تفريعه ووضع احكامه الشرعية فكان بيد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا الحال له شواهد في جميع مفاصل الشريعة وتحديد مقاصدها.

3- إن الله تعالى قبل من علي (عليه السلام) هذا التحديد في الصدقات فحفف الله به (صلوات الله عليه) عن هذه الأمة التي لم تحفظ له هذا الإحسان.

4-إن الصحابة على الرغم من تخفيف الله تعالى عنهم هذه الضريبة إلا أنهم اشفقوا وامتنعوا عن بذلها لله تعالى، ومن ثم لم ينالوا الطهارة القلبية وحُرموا من الخير الكثير الذي أعدّه الله لهم فيما لو عملوا بهذه الصدقة، لقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ خَيْر لَكُمْ وَأَطْهَرُ﴾

5- إن الإمام علي (عليه السلام) لما أشار على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعدم قدرتهم على الامتثال لهذا الامر الإلهي وتخفيف ما حدده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الدينار إلى الشعيرة ولعله عشر وزن الدينار من الذهب يكشف عن تبحره بأمور هذه الأمة وعلمه بأحوال أهلها فكان كما أشار (عليه السلام).

ص: 131

6- إن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ليس فقط عمل بآية النجوى -كما تفيد النصوص الحديثية-، وإنما هو الوحيد الذي عمل بالمقدار الذي حدده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد أخرج ديناراً كما قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فباعه بعشر دراهم فكان يتصدق عند كل حديث يتحدث به مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى نفذت الدراهم العشرة وكأنّ الله تعالى لم ينزل الآية إلا لإظهار منزلة علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) وبيان حقيقة أنه هو الوحيد الذي يمتثل لكل أمر ينزل من السماء.

7- إن هذه الآية والعمل بها اظهرت حب الامام علي (عليه السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وطهارته؛ فهو ممّن أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فكان هذا العمل من سنخ طبعه وقلبه.

أما ما رواه الحفّاظ في تفرده (عليه السلام) بهذه الآية فمنهم الحاكم النيسابوري، والزيلعي، وابن مردويه، والشوكاني، والسيوطي، وغيرهم وهي كالآتي:

روى الحاكم النيسابوري عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: (قال علي بن أبي طالب -عليه السلام- قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«إنّ لفي كتاب الله آية ما عم بها من أحد ولا يعمل بها أحد بعدي، آية النجوى «أَيُّها الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْن يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾؛ قال: «كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم فناجيت النبي صلى الله عليه وآله، فكنت كلما ناجيت النبي صلى الله عليه وآله قدمت بين يدي نجواي درهماً ثم نُسخت فلم

يعمل بها أحد فنزلت «أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْن يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ .»

ص: 132

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه(1).

ثالثاً: الملازمة بين مناداة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من وراء الحجرات والعقل

إن التأمل في سياق الآيات المباركة المرتبطة بآلية الخطاب مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تكشف عن التنوع في السياسات التأديبية للمسلمين وترويضهم على هذا المنهج القرآني الكاشف عن حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعظيم منزلته ووجاهته عند ربه.

فبعد مرحلة التحذير برفع الصوت بحضرته صلى الله عليه وآله وسلم المرتبط بالجانب الغيبي والإيمان باليوم الآخر فبينّ لهم الله نتيجة رفع أصواتهم في الآخرة وهو حبط العمل والخسران المبين.

انتقل الوحي إلى بيان مرحلة أخرى وهي فرض ضريبة دفع المال، والظاهر أنها لم تعمل على ترويضهم ودفعهم للعمل بهذه الحدود وإنما كان اتجاهها في كاشفيتها للمسلمين وتصنيفهم وتميز الإمام علي بن ابي طالب (عليه الصلاة والسلام) عليهم،

فكان صاحب هذه المنقبة الاوحد الذي لم يشترك بها معه أحد.

ثم ينتقل القرآن الكريم إلى آلية جديدة في بيان سياسة التأديب والتعامل مع سيد الخلق (صلى الله عليه وآله وسلم) فميزهم في هذه المرة على التفاوت بين العقل والجهل ومن ثم أراد بذلك بعض الأمور منها:

التخفيف عن رسول الله صلى الله (عليه وآله وسلم) فبيّن له أن هؤلاء الذين

ص: 133


1- المستدرك على الصحيحين: ج 2 ص 482 ؛ تخريج الأحاديث للزيلعي: ج 3 ص 340 ؛ شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج 2 ص 213 ؛ الدر المنثور للسيوطي: 2 ص 313 ؛ فتح الغدير للشوكاني: ج 5 ص 191 ؛ تفسير الآلوسي: ج 28 ص 31 ؛ مناقب علي بن أبي طالب لانب مردويه: ص 332 .

ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون فهم جهّال ومن ثم يتطلب الأمر مداراتهم وتحملهم والصبر عليهم وهو ما يصب في تعظيم حرمته (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنزلته عند الله تعالى.

تمييزهم بين المسلمين ضمن صفة الجهّال وذلك لمحذورية التعامل معهم.

وسيلة رادعة لمن أرتكز قيامه الاجتماعي والأسري والطبقي في المجتمع على اعتبارات مادية أو حسبية وعشائرية، ومن ثم فهو حريص على حفظ هذا الجاه وصونه من التقويض حينما ينسب إليه صفة الجهل فيندفع إلى التأدب بآداب الوحي التي تروض على خفض الصوت بحضرته صلى الله عليه وآله وسلم ومنع مناداته

من وراء الحجرات، قال تعالى:

«إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الُحجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ»(1).

«وَلَوْ أَنَّهمْ صَبَروا حَتَّى تَخرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرا لَهمْ وَاللَّه غَفُورٌ رَحِيمٌ»(2).

والآية تكشف عن ضرورة تقديم حب النبي على حب النفس كي يندفع الإنسان حينها إلى الصبر فيكون خيراً له، وينال المغفرة والرحمة الإلهية.

فضلاً عن ترويض النفس وتأديبها، وذلك لما له من الإيمان كما ورد في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام فقال:

«الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد؛ فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان .» (3).

ص: 134


1- سورة الحجرات، الآية ( 4).
2- سورة الحجرات، الآية ( 5).
3- الكافي للكليني: ج 2 ص 87 .

وهذا كله يكشف عن التشريفات الإلهية في مخاطبة سيد الأنبياء والمرسلين وخير رسل رب العالمين (صلى الله عليه وآله أجمعين) الذي لم تنحصر حرمته في حياته وإنما هي سارية في الأمة بعد مماته (صلى الله عليه وآله) وسلم وهذا ما سنتناوله في المسألة القادمة.

المسألة الثانية: حرمة مخاطبته (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) حياً كحرمته ميتاً
اشارة

إن دراسة هذه الخصوصيات النبوية ترشد القارئ والباحث إلى بيان الحكمة في وقوف الإمام علي (عليه السلام) بعد دفنه فاطمة (عليها السلام) وهو يخاطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مفتتحاً كلامه بالسلام عليه ثم أفرد سلام ابنته عن سلامه على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومما لا شك فيه أن في ذلك حكمة أراد الإمام علي (عليه السلام) بيانها إلى الناس، ومنها أن حرمته (صلى الله عليه وآله وسلم) حياً كحرمته ميتاً.

فما يجري من الآداب والآثار والتشريفات والحرمة في مخاطبته حياً كذلك يجري في مخاطبته ميتاً، ولذلك أظهر الإمام علي (عليه السلام) بهذا الحديث هذه الحرمة والتشريفات، وهي كالآتي:

1-غض الصوت.

2- الابتداء بالسلام.

3- مناجاته.

-3-الشكوى إليه.

4- اشهاده (صلى الله عليه وآله) على ظلامته وظلامة ابنته.

ص: 135

وهذا الأسلوب الكاشف عن حرمته (صلى الله عليه وآله وسلم) حياً كحرمته ميتاً قد دلّت عليه نصوص كثيرة، فمنها ما جاء به الوحي وصرح به القرآن الكريم، ومنها ما ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي لم يخرج عن الحد الذي أقره القرآن الكريم بوصفه:

﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الَهوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)(1).

ومن هذه النصوص الكاشفة عن الملازمة بين الحياة والممات في ثبوت حرمته (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يلي:

أولاً: مقام الشهودية

1-قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَی النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا»(2).

وهنا يقتضي النص المبارك شهوديته على الأمة ودوام هذه الشهودية حياً وميتاً مثلما يقتضي كون هذه الأمة هي الشاهدة على الأمم، فمقتضى الحال يلزم أن تكون هذه الشهودية متجددة ودائمة في كل زمان ولا ينحصر الأمر بزمانه (صلى الله عليه

وآله وسلم)، وإلا لتعطل مرادها وغايتها.

2- قال تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَی هَؤُلَاءِ شَهِيدًا)(3).

﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهمُ الْارْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّه

ص: 136


1- سورة النجم، الآية ( 3- 4).
2- سورة البقرة، الآية ( 143 ).
3- سورة النساء، الآية ( 41 ).

حَدِيثًا)(1).

والآيتان المباركتان واضحتان في بيان هذه الخصيصة النبوية للمصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) في مقام الشهودية حياً كان أو ميتاً إذ لو كان الأمر محصوراً بزمانه لانعدم مفهوم الآية ومصداقها وهي تنص بوضوح على انه هو الشاهد على الامم

السابقة واللاحقة في كل مكان وزمان حتى انقضاء عمر الدنيا، ولذا بين الله تعالى حال الذين كفروا وعصوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم القيامة.

من هنا: نجد أن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) هو يُشهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما جرى عليه وعلى أهل بيته، وما نزل بهم من الظلم والجور؛ وهي خصوصية انفرد بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من بين الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) فهم شهداء على أممهم ما داموا فيهم، ولكن بعد موتهم ينقطع عنهم مقام الشهودية، وهذه الحقيقة أظهرها القرآن الكريم في بيان حال نبي الله عيسى بن مريم (عليه السلام)، قال تعالى:

﴿مَا قُلْتُ لَهمْ إلِا مَا أَمَرْتَنيِ بهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّه رَبِّ وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّ تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَی كُلِّ شَیءٍ شَهِيدٌ)(2).

في حين يكشف القرآن الكريم عن حال مختلف للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله تعالى:

﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَی هَؤُلَاءِ شَهِيدًا)(3).

ص: 137


1- سورة النساء، الآية ( 42 ).
2- سورة المائدة، الآية ( 117 ).
3- سورة النساء، الآية ( 41 ).

وقوله تعالى:﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِی كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بكِ شَهِيدًا عَلَی هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَیءٍ وَهُدًى وَرَحْمةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ)(1).

وغيرها من الآيات التي تظهر مقام الشهودية لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبيان حرمته (صلى الله عليه وآله) حياً وميتاً، قال تعالى:

ثانياً: مراقبة الاعمال ورؤيتها

جاء ذلك في قوله تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرى اللَّه عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالُمؤْمِنُونَ وَسَتُردُّونَ إِلَا عَالِم الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَ كُنْتُمْ تَعْمَلُون)(2).

والآية كاشفة عن مقام المراقبة والمتابعة للأعمال الصادرة عن هذه الأمة وإن هذه الأعمال التي هي بمشهد منه ومسمع تعرضها الملائكة بين يديه (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد مماته كما عرضتها عليه في حياته.

من هنا:

يتضح القصد في وقوف الإمام علي (عليه السلام) في الروضة النبوية، ومخاطبته رسول الله (صلى الله عليه وآله)، واشهاده على ما جرى، والشكاية إليه، ومطالبته له (صلى الله عليه وآله وسلم) بسؤال فاطمة (عليها السلام) واستخبارها، وهو:

كل ذلك يدل على الملازمة بين حرمته حياً وحرمته ميتاً، وإن هذه التشريفات الإلهية والحدود الشرعية سارية في الحالين.

ص: 138


1- سورة النحل، الآية ( 89 ).
2- سورة التوبة، الآية ( 105 ).
ثالثاً: إن القول ببدعة الشكوى إليه وزيارته بعد موته هو مخالفة صريحة للقرآن الكريم

إنّ ما يدعوا إليه الفكر السلفي الوهابي في بدعة الشكوى إليه (صلى الله عليهوآله وسلم) بعد موته، والتوسل به، ومناجاته، وزيارته، هو مخالفة صريحة للقرآن الكريم –كما سيرد تفصيله– فهذا الفكر المرتكز على جملة من المعطيات المنحرفة هو غاية التجري على الله تعالى؛ إذ يدفع بالأمة إلى الانحراف عن جادة الشريعة المحمدية فها هي الآيات الكريمة التي تنص بوضوح على شهوديته ومراقبته ورؤيته لأعمال الأمة تسري بها الملائكة إلى الروضة النبوية فتعرضها عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم تعرج بها إلى الله تعالى، ومن ثم تعاد الكرة مرة آخرى في كل

عام في ليلة القدر كما نص قوله تعالى:

﴿تَنَزَّلُ الَمائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ)(1).

فعلى من تنزل ﴿مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾ في هذه الليلة؟

وعليه:

فقصدية هذه الشكوى من الامام علي (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ومناجاته بهمومه وتظلمه وهو خير السلف بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) واقف بين يديه في قبره، يشكو إليه، ويبث حزنه وتظلمه، وهذا خير دليل على بطلان هذا القول والفكر؛ ومن ثم: فإن اصحاب هذه الدعوى بأي سلف

يتمسكون؟ ولأيِّم يتبعون في قولهم (ببدعة) زيارة قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومناجاته بعد موته!؟

ص: 139


1- سورة القدر، الآية ( 4).

ص: 140

المبحث الرابع: مقاصدية السلام على رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) عن نفسه وعن فاطمة (علیها السّلام)
اشارة

ص: 141

قوله (عليه السلام) «السَّلامَ علَيكْ ياَ رسَوُلَ اللَّه عنَّي،

والسَّلامَ علَيكْ عنَ ابنْتَكِ »َ

ص: 142

للوقوف على القصدية في إفراد الإمام علي (عليه السلام) في مخاطبته لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (السلام عن نفسه) وتخصيصه للسلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن فاطمة (عليها السلام) فقال:

«والسلام عليك عن ابنتك » وفي لفظ «عني وعن ابنتك » يلزم الوقوف عند بعض المسائل التي تقتضيها الدراسة، فكانت كالآتي:

المسألة الأولى: دلالة لفظ السلام في اللغة
اشارة

يتناول ابن منظور لفظ (السلام) أو (سلم) في لسان العرب في عرض مستفيض يظهر فيه دلالة هذه اللفظة عند العرب معتمداً في ذلك على القرآن الكريم واشعارهم فكانت على النحو الآتي الذي نبتغي من وراءه المقاربة الى قصدية منتج النص (عليه السلام):

1- البراءة.

(قال: السلامُ والسلامة: البراءة:

قال سيبويه: وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الَجاهِلُونَ قَالُوا سَلا مَا﴾ معناه: تسلماً وبراءة ولا خير بيننا وبينكم ولا شر، وليس على السلام المستعمل في التحية لأن الآية مكية ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين.

وإن أبا ربيعة كان يقول: إذا لقيت فلاناً فقل: سلاماً، أي: تسلماً.

ص: 143

ومنهم من يقول: سلامٌ، أي: أمري وأمرك المبارأة والمتاركة)(1).

2- المسالمة من التعدي

ويأتي (السلام) في كلام العرب ليدل على المسالمة من أن يتعدى أحدهم على الآخر أو يتأثمان فيقع الإثم بينهم، وهذه أقوالهم في هذه الدلالة:

قال ابن عرفة: قالوا سلاماً، أي: قولاً يتسلّمون فيه ليس فيه تعدّ ولا مأثم.

وكان العرب في الجاهلية يحيُّون بأن يقول أحدهم لصاحبه: أنعم صباحاً، وأبيت اللعن؛ ويقولون سلام عليكم، فإنه علامة المسالمة وأنه لا حرب هنالك.

ثم جاء الله بالإسلام فقصروا على السلام وأمروا بإفشائه.

وقوله سبحانه:

﴿قَالُوا سَلامًا)(2).

قال ابن عرفة: (أي، سلّموا سلاماً، فأمري سلام لا أريد غير السلامة)(3).

3- التحيّة

قال ابن قتيبة: يجوز أن يكون السلام والسلامة لغتين كاللذاذ واللذاذة، وأنشد:

يحيي بالسلامة أم بكرٍ*** وهل لك بعد قومك من سلامُ

وقال أيضاً: ويجوز أن يكون السلام جمع السلامة.

ص: 144


1- لسان العرب: ج 12 ص 289 .
2- سورة الفرقان: الآية ( 63).
3- لسان العرب: ج 12 ص 290 .

وقال أبو الهيثم: السلام والتحية ومعناهما واحد)(1).

4- السلامة

وهذه الدلالة مشتقة من اسم الله (السلام) الذي ورد ضمن اسماء الله الحسنى كما في قوله تعالى:﴿هُوَ اللَّه الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الَملِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الُمؤْمِنُ الُمهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الَجبَّارُ

الُتتَكَبّر سُبْحَانَ اللَّه عَمَّا يُشْركُونَ»(2).

وسمي به نفسه سبحانه لسلامته من النقص والعيب والفناء.

وقيل معناه أيضاً: أنه سلم مما يلحق الغير من آفات الغير والغناء، وأنه الباقي الدائم الذي تُفنى الخلق ولا يفنى، وهو على كل شيء قدير، والسلام في الأصل السلامة.

ومنه قيل للجنة: دار السلام، لأنها دار السلامة من الآفات(3).

5-التسليم.

وقد اخذت هذه الدلالة من قوله تعالى:

﴿...فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَ نَفْسِهِ الرَّحْمةَ...»(4).

فضلاً عن قوله سبحانه في تخصيص الصلاة والسلام على رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال سبحانه:

ص: 145


1- المصدر السابق.
2- سور ة الحشر، الآية ( 23 ).
3- لسان العرب: ج 12 ص 291 .
4- سورة الأنعام، الآية ( 54 ).

﴿إِنَّ اللَّه وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَی النَّبِيِّ يَا أَيُّها الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمً﴾(1).

وهذه الدلالات للفظ (السلام) في اللغة ستفيد في بيان قصدية منتج النص في فصل (السلام) عنه وعن فاطمة (عليهما السلام)، وستظهر ايضاً قصدية تأخير منتج النص للضمير (عليك) عن لفظ (السلام)، وذلك من خلال العرض القرآني لموارد السلام ودلالاته، وهو ما سنعرض له في المسألة القادمة.

المسألة الثانية: دلالة لفظ (السلام) في القرآن الكريم
اشارة

قد ينصرف ذهن القارئ والباحث إلى أن الإمام علي (عليه السلام) قد ابتدأ خطابه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالسلام عليه دون قصد منه، أو لعله مجاراة للعرف السائد بين المسلمين لا سيما وأنه تحية الإسلام.

أو لأن الله تعالى قد سلّم على الأنبياء وخصهم بذلك حيث أشار القرآن إلى جملة من ذلك فذكر بعضهم فسلم عليهم لبيان طريقة التعامل معهم، فقال سبحانه:

﴿سَلَامٌ عَلَی نُوحٍ فِی الْعَالِمينَ﴾(2).

﴿سَلَامٌ عَلَی إِبْرَاهِيمَ﴾(3).

﴿سَلَامٌ عَلَی مُوسَى وَهَارُونَ﴾(4).

ص: 146


1- سورة الأحزاب، الآية ( 56 ).
2- سورة الصافات، الآية ( 79 ).
3- سورة الصافات، الآية ( 109 ).
4- سورة الصافات، الآية ( 120 ).

﴿سَلَامٌ عَلَی إِلْ يَاسِينَ﴾(1).

وقد سلّم عيسى ابن مريم (عليهما السلام) على نفسه فقال كما ورد في سورة مريم: ﴿وَالسَّلامُ عَلَّی يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾(2).

وهذه الآيات المباركة وإن كانت قد خصت الأنبياء بالسلام إلا أنها في الوقت نفسه تفيد بخلوها من الضمير فقد جاءت بلفظ (السلام) من دون (السلام عليك)، في حين نجد أن القرآن الكريم قد أورد لفظ السلام مع الضمير في آيات أخر فهل هناك فرق بين المقامين؟ وما هي الحكمة في ذلك؟

أولاً: ورود لفظ (السلام) مجردة عن الضمير (المفرد) أو (الجمع) في القرآن الكريم
اشارة

إن لفظ (السلام) جاء في القرآن الكريم منفرداً عن الضمير ومضافاً إليه، فقد ورد بلفظ ﴿سَلامًا﴾، ﴿سَلاٌم عَلَيْكَ﴾، ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ﴾ ولبيان المقاصدية التي أوردتها الآيات المباركة سنقوم بإيرادها على النحو الآتي:

﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ...﴾(3).

﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرى قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾(4).

﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجرِي مِنْ تَحتِهَا الْنَهارُ خَالِدِينَ

ص: 147


1- سورة الصافات، الآية ( 130 ).
2- سورة مريم، الآية ( 33 ).
3- سورة يونس، الآية ( 10 ).
4- سورة هود، الآية ( 69).

فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهمْ تَحيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ﴾(1).

﴿تَحيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهمْ أَجْرًا كَرِيمًا)(2).

وقد سلّم الله سبحانه على الأنبياء –كما مر آنفاً-.

﴿وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ * فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾(3).

﴿إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾(4).

﴿سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾(5).

﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الَجاهِلُونَ قَالُوا سَلَمًا﴾(6).

ولا شك أن للقرآن الكريم مقاصدية في ذلك والتي يمكن اجمالها بأربعة قصديات، هي:

الف- التحية.

وقد ورد هذا المعنى صريحاً في هذه الآيات كما في قوله تعالى في بيان حال أهل الجنة:

ص: 148


1- سورة إبراهيم، الآية ( 23 ).
2- سورة الأحزاب، الآية ( 44 ).
3- سورة الزخرف، الآية ( 88 - 89 ).
4- سورة الذاريات، الآية ( 25 ).
5- سورة القدر، الآية ( 5).
6- سورة الفرقان، الآية ( 63 ).

﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ...﴾.

﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجرِي مِنْ تَحتِهَا الْنْهارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهمْ تَحيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ﴾.

﴿تَحيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهمْ أَجْرًا كَرِيمًا﴾.

﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ...﴾

﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجرِي مِنْ تَحتِهَا الْنْهارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهمْ تَحيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾

﴿تَحيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهمْ أَجْرًا كَرِيمًا﴾

باء- البراءة.

وقد جاء هذا المقصد ويستدل عليها في قوله تعالى: ﴿وَقيِلهِ يَا رَبِّ إنِّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ * فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾.

وهنا قد تبرأ الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم والملائكة منهم؛ وكذا حال المؤمنين حينما يخاطبهم الجاهلون.

جيم- المسالمة من التعدي.

ويمكن أن يستدل عليه في بيان القرآن الكريم لحال إبراهيم الخليل (عليه السلام) حينما دخل عليه الملائكة مستنكرين بهيئة الآدميين فاستنكر حالهم ولمعرفتهم بما دخل عليه منهم ابتدئوه بقولهم ﴿سَلَامًا﴾ كما جاء في قوله تعالى:

ص: 149

﴿وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ..﴾(1).

-1 ﴿.. قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾(2).

دال- السلامة.

ويمكن أن نستدل على هذه القصدية من خلال هذه الآيات:

في بيان صفة ليلة القدر فقال ﴿سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾(3).

وفي تبيان حال الجنة فقال عز وجل ﴿لَهمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾(4).

والملاحظ: إن هناك تسالماً في انطباق معاني المعجم اللغوي مع القرآن الكريم في قصدية لفظ (السلام)، أما قصدية اضافة ضمير المفرد والجمع الى لفظ (السلام) سنتناوله فيما يلي.

ثانياً: المقاصدية في ورود لفظ )السلام) مضافاً إلى ضمير المفرد (عليك) وضمير الجمع (عليكم) في القرآن الكريم.
اشارة

لم ترد صيغة (السلام) مضافة إلى ضمير المفرد إلا في موضع واحد وهو عند حديث إبراهيم الخليل عليه السلام مع عمه آزر كما ورد في قوله تعالى:

﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّی إِنَّهُ كَانَ بِی حَفِيًّا﴾(5).

أما الآيات التي ورد فيها لفظ )السلام) مضافاً إلى ضمير الجمع(عليكم) فهي:

ص: 150


1- سورة هود، الآية ( 69 ).
2- سورة الذاريات، الآية ( 25 ).
3- سورة القدر، الآية ( 5).
4- سورة الأنعام، الآية ( 127 ).
5- سورة مريم، الآية ( 47 ).

﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَی نَفْسِهِالرَّحْمةَ﴾(1).

﴿وعَلَی الْاعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الَجنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَم يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾(2).

﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهمْ وَالمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾(3).

﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الَملائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الَجنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾(4).

﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَلُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الَجاهِلِينَ﴾(5).

﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهمْ إِلَی الَجنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُها وَقَالَ لَهمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾(6).

وللوقوف على مقاصدية الآيات المباركة وبيان الحكمة في مخاطبة الإمام علي (عليه السلام) رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ب(السلام عليك) فيلزم أن نقرنها بالمعنى اللغوي ودلالته عند العرب، وهي كالآتي:

ص: 151


1- سورة البقرة، الآية ( 54 ).
2- سورة الأعراف، الآية ( 46 ).
3- سورة الرعد، الآيتان ( 24 - 25 ).
4- سورة النحل، الآية ( 32 ).
5- سورة القصص، الآية ( 55 ).
6- سورة الزمر، الآية ( 73 ).
القصدية الأولى: المبارأة والمتاركة.

وقد ورد هذا المعنى في مقصد الآية المباركة التي تحدثت عن حال نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام في دعوته عمه آزر إلى التوحيد ونبذ عبادة الأوثان فلما وجده عاكفاً على الوثنية تبرّأ منه وتركه، وجاء ذلك في قوله تعالى:

﴿قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّ إِنَّهُ كَانَ بِی حَفِيًّا﴾(1).

القصدية الثانية: الإذن في الدخول.

وقد جاء هذا المقصد صريحاً في آيتين مباركتين وهو يكشف عن الاستئذان في الدخول، وهما كالآتي:

قال سبحانه: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الَملَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الَجنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾(2).

ونلاحظ هنا أن الملائكة تستقبل الطيبين فتلقي (عليهم السلام) إيذاناً منها لهم بدخولهم الجنة إذ لا يعلم القادم هل يؤذن له بالدخول أَم أن ورائه مسائل اخرى قبل دخوله الى الجنة.

وهنا أرادت الملائكة أن تطمئن هؤلاء الطيبين بحصول الإذن لهم في الدخول إلى الجنة فقالت لهم ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الَجنَّةَ﴾.

قال تعالى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهمْ إِلَی الَجنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُها وَقَالَ لَهمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾(3).

ص: 152


1- سور ة مريم، الآية ( 47 ).
2- سورة النحل، الآية ( 32 ).
3- سورة الزمر، الآية ( 73 ).

وهنا في هذه الآية المباركة لا يختلف الحال عن إظهار القصدية في حصول الإذن للذين اتَّقوا ربهم في دخولهم الجنة كما هو صريح في قول الملائكة ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾.

القصدية الثالثة: البراءة.

كما جاء في قوله تعالى:

﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الَجاهِلِينَ﴾(1).

القصدية الرابعة: السلامة.

جاءت هذه القصدية في بعض الآيات، منها:

﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَی نَفْسِهِ الرَّحْمةَ﴾(2).

﴿وَعَلَی الْاعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الَجنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَم يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾(3).

وغيرها من الآيات المباركة، إلا أن الذي نحن بصدده هو القصدية الثانية، وهو طلب الإذن بالقول، فهو الذي قصده الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حينما حوّل بوجهه إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال:

ص: 153


1- سورة القصص، الآية ( 55 ).
2- سورة الأنعام، الآية ( 54 ).
3- سورة الأعراف، الآية ( 46 ).

«السلام عليك يا رسول الله عني والسلام عليك عن ابنتك .»

فقد أراد الإذن في الدخول إلى حضرته الفردوسية -كما سيمر مزيداً من البيان في هذه الدراسة-.

ثالثاً: قصدية تأخير الضمير على لفظ (السلام) فقال: «السلام عليك يا رسول الله » ولم يقل «عليك السلام .»

لم يكن أمير المؤمنين، الإمام علي (صلوات الله وسلامه عليه) غير مدرك لمن يخاطب ويحادث بل كان عارفاً وهو باب مدينة علم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وترجمان الوحي أنه يخاطب سيد الخلق وأشرفهم، ومن ثم فهو يظهر منالخصائص والمقامات والدرجات التي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما لم يكن تعداده يسيراً، فالناظر إلى هذه المفردات وما اكتنزته من معان ودلالات لتجعله محتار فيها، ومنها تأخير الضمير في (السلام) وعدم تقديمه، فقال (عليه السلام):

«السلام عليك يا رسول الله » ولم يقل عليك السلام يا رسول الله.

والعلة فيه هي:

لقد اعتادت العرب في كلامها وخطابها مع الآخر أن تقدم لفظ (السلام) في حالة التسليم والتحية على الأحياء، أما تقديم الضمير فيقولون (عليك السلام) فهو عند مخاطبتهم الموتى وإلقاء التحية عليهم.

قال ابن منظور: (وهذه الإشارات إلى ما جرت به عاداتهم في المراثي، كانوا يقدمون ضمير الميت على الدعاء كقوله:

عليك سلام من أمير، وباركت*** يد الله في ذاك الأديم الممزق

ص: 154

وكقول آخر:

عليك سلام الله قيس بن عاصم*** ورحمته ما شاء أن يترحما

وإنما فعلوا ذلك لأن المسلم على القوم يتوقع الجواب وأن يقال له: (عليك السلام) فلما كان الميت لا يتوقع منه جواب جعلوا السلام عليه كالجواب)(1).

(إنَّ العرب اعتادت ايضاً أن تقدم (السلام( على الضمير في الخير والدعاء والمدح، أما في الشر والذم فيقدم الضمير على (لفظ السلام)(2).

وقد جرى القرآن الكريم على عادتهم في تقديم الضمير في الذم والشر، كقوله تعالى:﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَی يَوْمِ الدِّينِ﴾(3).

﴿..عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّه عَلَيْهِمْ..﴾(4).

وعليه: فإن قيام أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام بتقديم لفظ السلام على الضمير في مخاطبته رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن حول وجهه إلى قبره الشريف إنما كي: يفهم المتلقي لهذا الخطاب، أي: السامع والقارئ والباحث أنه

يخاطب حياً من الأحياء، وليس ميتاً توارى تحت الثرى، بل إنه حياً يسمع سلامه ويرد جوابه ويتألم لتألمه وتظلمه وشكواه.

ولذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يشكو إليه ما نزل به وبفاطمة (عليها السلام)

ص: 155


1- لسان العرب لابن منظور، مادة: سلم، ج 12 ص 290 .
2- المصدر السابق: ص 291 .
3- سورة ص، الآية ( 77 ).
4- سورة الفتح، الآية ( 6).

من أصحاب السقيفة وأشياعهم وأتباعهم كما سيمر بيانه.

أما ما ورد في السُّنة من مخاطبته (صلى الله عليه واله وسلم) أموات المسلمين بقوله:

«سلام عليكم دار قوم مؤمنين .»(1).

فلا شك هو مخصوص بدار الآخرة وفئة خاصة، وهم المؤمنون، وهو في مقام الدعاء والمدح، لا في مقام التحية التي تقتضي الجواب، ما خلا الشهداء فهم أحياء عند ربهم يرزقون كما ورد في محكم التنزيل.

ولكن ما زال هناك سؤال يطرح في البحث وهو: لماذا فصل الإمام علي (عليه السلام) سلامه على رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن سلام فاطمة (عليها السلام) فقال:

«السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك .»(2).

كما رواه الشريف الرضي في نهج البلاغة، ورواه الشيخ الكليني بلفظ:

«السلام عليك يا رسول الله عني، والسلام عليك عن ابنتك .»(3).

هذا ما سنتناوله في المسألة القادمة.

المسألة الثالثة: القصدية في قوله (علیه السّلام) «عني وعن ابنتك . »
اشارة

تظهر قصدية منتج النص (عليه السلام) في فصل سلامه عن سلام فاطمة (عليها السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من خلال بعض المعطيات

ص: 156


1- مسند أحمد: ج 2 ص 300 .
2- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 319 .
3- الكافي: ج 1 ص 459 .

الفكرية، وهي كالآتي:

أولاً: القرآن الكريم يمنع الناس من الدخول إلى بيت النبي إلا بإذن منه .

إن من التشريعات الإلهية في بيان شأنية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحرمته عند الله تعالى أن شرّع للمسلمين أحكاماً تحدد لهم كيفية التعامل مع سيد الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكان منها ما ارتبط في الدخول إلى

بيوته (صلى الله عليه وآله)، فقال سبحانه:

﴿أَيُّها الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ..﴾(1).

وبيوت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الفقه الاسلامي هي (وقف عين) في حياته وبعد مماته على حدٍ سواء، فلا يجوز لأحدٍ أن يدخل بيوت النبي (صلى الله عليه وآله) إلا أن يأذن له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

وهذه البيوت بناها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي غرف تسعَ، فأنزل فيها أزواجه، فلما توفي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقت هذه الوقفية محصورة بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم تنقل لأزواجه، فلا يحق لأحد منهن أن تتصرف في هذه البيوت، أو تدخل عليه أي شخص كان كما فعلت عائشة! إذ أدخلت أبيها وصاحبه عمر بن الخطاب إلى بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو مخالفة صريحة للقرآن الكريم!

وعليه:

اتَّبَع الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في سلامه على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما أمر به القرآن الكريم في أخذ الإذن في الدخول من خلال السلام كما مرّ

ص: 157


1- سورة الأحزاب: الآية ( 53 ).

بيانه في المسألة الأولى التي عرضنا فيها الآيات الكريمة التي أشارت إلى أن استعمال لفظ السلام مقروناً بالضمير (عليك) يراد به الإذن في الدخول

ثانياً: أخذ الإذن في الدخول إلى الروضة النبوية لفاطمة (علیها السّلام)

إن القصدية في فصله (عليه السلام) بين سلامه على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلام فاطمة (عليها السلام) هو لأخذ الإذن لها في الدخول على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في روضتة الفردوسية؛ ولذا تراه قال:

«السلام عليك يا رسول الله عني، والسلام عليك عن ابنتك .»

إلا أن ثمة سؤال آخر لماذا يأخذ الإمام علي (عليه السلام) الإذن لفاطمة (عليها السلام) وهي ابنته، فهل هي بحاجة إلى أن يأخذ علي (عليه السلام) لها الإذن في الدخول؟

وللإجابة على هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى جملة من القرائن التي تثبت أن فاطمة (عليها السلام) مع ما لها من شأنية وخصوصية وكينونية، فهي ابنته وقرة عينه وحبيبته، لكنها غير مستثناة من هذا القانون الذي يلزم كل من أراد الدخول

على سيد الخلق (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يستأذن منه.

فكيف يتم الاستئذان منه (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته؟ ولماذا الإمام علي (عليه السلام)؟ وجوابه:

لأن الإمام علي (عليه السلام) هو وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)(1)،

ص: 158


1- ينظر ورود النص بهذا اللفظ:الامالي للصدوق: ص 354 ؛ شرح نهج البلاغة لأبن ابي الحديد: ج 3 ص 231 ؛ العثمانية للجاحظ: ص 293 ؛ تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 179 .

وحصر الإذن فيه يكون أمراً بديهياً كما هو ثابت في أحكام الوصية والموصى إليه.

لأنه (عليه السلام) هو خليفة النبي (صلى الله عليه وآله) من بعده بالنص الإلهي(1) الذي يتهافت أمامه كل نص اقتضته المصالح العامة، أو الاستحسانات العقلية، أو

الأعراف الاجتماعية، أو القواعد العشائرية.

إنَّ الإمام علي (عليه السلام) هو مولى كل مؤمن ومؤمنة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما نص عليه في يوم غدير خم فقال (صلى الله عليه وآله):

«من كنت مولاه فهذا علي مولاه .» (2).

إنَّ امير المؤمنين (عليه السلام) هو نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما نص عليه الوحي في محكم التنزيل في آية المباهلة(3)، ونصت عليه النصوص الواردة عنثقل القرآن وترجمانه والناطقين به عترته أهل بيته (عليهم السلام)، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً(4).

فهذه القرائن وغيرها من النصوص الشريفة كلها تفيد في بيان قصدية منتج النص في فصله (عليه السلام) في سلامه عن سلام فاطمة (عليها السلام) في خطابه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) كما أمر الوحي ونص عليه في محكم التنزيل، فضلاً

عن ذلك فالإمام علي (عليه السلام) يريد من هذا السلام ليس انحصار أمر دخول فاطمة (عليها السلام) إلى الروضة النبوية فقط، وانما الدخول إلى بيته الذي حوى في داخله قبره الشريف.

ص: 159


1- الامالي للصدوق: ص 354 .
2- مسند احمد: ج 1 ص 84 .
3- سورة آل عمران، الآية ( 61 ).
4- سورة الاحزاب، الآية ( 33 ).

ومن ثم لم يكن دوره (عليه السلام) منحصراً في كونه الخليفة والوصي وانما هو الوحيد من له الحق في ادخال المسلمين إلى بيوت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

بمعنى الحال يجري مجراه والحكم ثابت في الدنيا والآخرة فلا يحق لأحد أن يدخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الدنيا والآخرة إلا أن يأخذ بذلك صك بإذن الدخول من علي بن أبي طالب (عليه السلام).

ولعل تتبع النصوص وإيراد القرائن ليخرج البحث عن مساره ومنهاجه ولكن نكتفي بقوله (صلى الله عليه وآله) الذي أخرجه ابن المغازلي الشافعي (المتوفى 483 ه) بسنده إلى ابن عباس أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):«إذا كان يوم القيامة أمر الله جبرائيل أن يجلس على باب الجنة فلا يدخلها إلا من

معه براءة من علي بن أبي طالب .» (1).

فإذا كان هذا حال سيدة نساء العالمين وبضعة الصادق الأمين (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تدخل إلا أن يأخذ لها أمير المؤمنين عليه السلام الإذن في الدخول على أشرف الخلق وسيدهم وحبيب رب العالمين.

فكيف حال من أبغض علياً وناصبه العداء وجاهر في حربه وقتاله وقتال أهل بيته وشيعته ومحاربتهم!!؟.

إنه سؤال يحتاج إلى إعادة النظر في الحياة وتقرير المصير فإما إلى الجنة وإما إلى النار.

ص: 160


1- مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام لابن المغازلي: ص 118 .
المبحث الخامس: المقاصدية في إيراد منتج النص لفظ: (إبنتك، وقرةّ عينك، وزائرتك)
اشارة

ص: 161

قوله (عليه السلام) «واَلسَّلام علَيكْ عنَ إبِنْتَكِ،َ وحَبَيبتَكِ،َ وقَرةّ عيَنْكِ،َ وزَائرِتَكِ،َواَلنازِلَةَ في جِوارِكَ »

ص: 162

ينتقل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد البدء بالسلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وطلب الإذن له ولفاطمة في الدخول إلى حضرته المقدسة -كما يفيد البحث الذي مرّ آنفاً- إلى بيان معطى فكري ومادة معرفية جديدة فيقول:

«والسلام عليك عن ابنتك، وحبيبتك، وقرة عينك، وزائرتك، والنازلة فی جوارك .»

والذي نحن بصدده في هذه الدراسة مقاربة قصدية منتج النص (عليه السلام) في ايراده لهذه الصفات المرتبطة برسول الله (صلى الله عليه وآله) وهذه النسبة التي بينه وبين فاطمة (عليها السلام)، ولذا: يخاطبه بها، أي بهذه الصفات، فهذه ابنته وقرة

عينه وزائرته، ومن ثم يبقى السؤال قائماً والبحث ملازماً:

ماهي قصدية منتج النص باختياره لهذه الصفات دون غيرها وهي: «ابنتك، وقرّة عينك، وزائرتك، والنازلة في جوارك ».

فما هو هذا النزول؟ وأي مجاورة يقصد؟.

أما ما سبقه من البيان الكاشف عن منزلتها (عليها السلام) عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد ينصرف ذهن القارئ الكريم إلى أنه لا حتاج إلى تدليل أو شواهد، فلقد علم كل من كان له أدنى اطلاع على السيرة النبوية أن يدرك ما لفاطمة (عليها السلام) من الشأن وعند رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ص: 163

فهي ابنته، وقرة عينه، وحبيبته؛ في حين أنه في الواقع يحتاج إلى بيان وبحث وتأمل أيضاً فهو لا يقل أهمية عن (المجاورة) و (النزول) الذي حمله النص الشريف.

وعليه:

يلزم بيان هذه المفردات الثلاثة ضمن مسائل يتخللها بعض الفقرات التي يقتضيها البحث، وهي كالآتي:

المسألة الأولى: القصدية في إيراد لفظ (إبنتك) وكاشفية بنوة غيرفاطمة (علیها السّلام)
اشارة

يُعد أمر كون الزهراء (صلوات الله عليها) بنت النبي (صلى الله عليه وآله) من المسائل البديهية الثابتة بثبوت الرسالة المحمدية، فلماذا يورد الإمام علي (عليه السلام) هذه النسبة والصفة في سلامه على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقول:

«عني وعن ابنتك .»

في حين قد تسالم الحال والعرف الإيماني أن يخاطب الشهيد والميت الذ شُهد له بالتقوى أن يحمل السلام إلى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فيخاطبه أهله وخواصه ويحمّلونه سلامهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لكن

في حال فاطمة (عليها السلام) وجدنا العكس، فقد حمل أمير المؤمنين علي (عليه السلام) سلامها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومقتضى الحال كان يلزم أن يحملها الإمام علي (عليه السلام) سلامه إلى أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله

وسلم)؟

فضلاً عن ذلك نجده (عليه السلام) في خطابه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) يردف سلام فاطمة بنسبتها فيقول:

ص: 164

«والسلام عليك عن ابنتك .»

وعليه:

فما هو مراده من ذلك؟ لاسيما: وأنّ مقتضى الحال الذي يقتضيه النص الشريف أن يكون إيراد لفظ «ابنتك » متسالماً وواضحاً، ومن ثم فأن مير المؤمنين علي (عليه السلام) لا يأتي بالألفاظ دون أن يكون لإتيانها معانٍ ومعارف عديدة.

وهذا ما نحاول أن نقف عنده بحسب ما يعيننا التوفيق واللطف الإلهي ومايسعفنا به النص الروائي والشواهد والقرائن.

أولاً: هل للنبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ابنة غير فاطمة (علیها السّلام)

إن الإجابة على هذا السؤال عند معظم المسلمين والباحثين منهم والمشتغلين بالسيرة والتاريخ واضحة بالإيجاب؛ فللنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بنات ثلاث غير فاطمة (صلوات الله عليها) كما تفيد النصوص التاريخية وهن (زينب، ورقية، وأم كلثوم).

وقد حظي عثمان بن عفان باثنين منهن، وهما (رقية وأم كلثوم)، وعلى أثر ذلك لقب عثمان بن عفان ب (ذي النورين) وشاع ذلك في الآفاق.

أما (زينب) فقد تزوجها أبي العاص بن الربيع، قبل النبوة(1)، وقيل بعدها(2)،

وقد أسلمت بينما بقي زوجها على شركه.

إلا أن التحقيق والدراسة في سيرتهن التي تناولتها المصادر الإسلامية المختصة بالسيرة النبوية والتاريخ والتراجم قد خلصت الى حقيقة كونهنَّ لسنَ بنات

ص: 165


1- طبقات ابن سعد: ج 8، ص 140 ، من رواية الواقدي.
2- سير أعلام النبلاء للذهبي، قسم السير والتراجم: ج 3، ص 501 .

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك لما احتوته هذه السيرة من نصوص مخالفة للثوابت الشرعية والعقلية، ولقد تناولنا هذا الموضوع بدراسة مكثفة في كتابنا (خديجة بنت خويلد أمة جمعت في امرأة) حيث تم تخصيص الجزء الأول من الكتاب لدراسة وتحقيق سيرة بنات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الثلاثة (زينب، ورقية، وأم كلثوم) وخلصت الدراسة إلى أنهنّ ربائبه ولسنَ بناته، ومن ثم لا صحة لنسبتهنّ إلى بنوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الصلبية والنسبية.

ثانياً: إن فاطمة (علیها السّلام) هي وحيدة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وليس له بنتاً غيرها
اشارة

إن كتب التاريخ، والسيرة، والحديث. قد حوت بين متونها الشواهد العديدة التي تخبر: بأن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) هو الصهر الوحيد لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وهذه الشواهد تمثلت بقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأقوال بعض الصحابة.

أما الشواهد فهي كالآتي:

أ - أوتيت ثلاثاً لم يؤتهن أحد

روى أبو سعيد في شرف المصطفى، والطبري في الرياض النضرة: «أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي (عليه السلام):

«أوتيت ثلاثاً لم يؤتهن أحد ولا أنا، أوتيت صهراً مثلي ولم أوت أنا مثلي.. وأوتيت صدّيقة مثل ابنتي، ولم أوت مثلها زوجة.. وأوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم أوت من صلبي مثلهما.. ولكنكم مني وأنا منكم »(1).

ص: 166


1- « مخطوطة » شرف المصطفى للخركوشي: الورقة 173 جهة اليمين، ترقد في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق برقم: «1887» ؛ وأورده المحب الطبري في الرياض النضرة: ج 3، ص 160 .

وقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«أوتيت ثلاثاً، لم يؤتهن أحد ولا أنا .»

دليل قاطع على حصر هذه الأمور الثلاثة في علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقط.

فلو كان هناك صهر آخر لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، لما قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

«لم يؤتهن أحد ولا أنا .»

ب - قول ابن عمر: زوَّجه ابنته!!

وروى أحمد بسند صحيح عن ابن عمر نحوه أنه قال: (ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم.

ثم يذكر أولى الخصال وهي: (زوّجه رسول الله ابنته وولدت له، وسد الأبواب إلا بابه في المسجد، وأعطاه الراية يوم خيبر)(1).

وهذا الحديث وإن كان يدل على فضل فاطمة (عليها السلام) إلا أنه يدل أيضا على أنه الصهر الوحيد للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلو كان عنده صهرٌ غيره لما ذكر ابن عمر بن الخطاب هذه المصاهرة لتكون عنده أحب من حمر النعم.

ولما قال: زوجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «ابنته »، في حين زوَّج

ص: 167


1- مسند أبي يعلي الموصلي: ج 9، ص 453 ، ط دار المأمون؛ أحمد في المسند: ج 2، ص 26 ؛ تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 180 .

رسول الله (صلى الله عليه وآله) عثمان بن عفان اثنين من بناته، فلماذا يتمنى ابن عمر مصاهرة النبي ويراها محصورة في علي (عليه السلام)؟!.

ج- بيت علي في وسط بيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون عثمان.

عن سعيد بن عبيدة، قال: جاء رجل إلى ابن عمر، فسأله عن عثمان فذكر له محاسن عمله.

ثم سأله عن علي -عليه السلام- فذكر محاسن عمله، قال: هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال، أي: عبد الله بن عمر للسائل: لعل ذاك يسوؤك، قال: أجل، قال: فأرغم الله بأنفك، انطلق فأجهد على جهدك(1).

هذا الحديث يدل على عدة نقاط:

1. أن السائل جاء إلى عبد الله بن عمر، ليسأله عن عثمان بن عفان، وعن علي بن أبي طالب (عليه السلام).

ويبدو أن عبد الله بن عمر قد عرف قصد هذا الرجل والغاية من وراء سؤاله فلذا قال له: بعد أن ذكر له مكانة بيت علي بن أبي طالب من بيوت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«لعل ذاك يسوؤك .!؟»

فاعترف الرجل فقال: أجل، فرد ابن عمر: فأرغم الله أنفك.

2. هذا الحوار يكشف عن وجود بعض المسلمين الذين كان قصدهم إشعال الفتنة

ص: 168


1- صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب: مناقب المهاجرين، ج 4، ص 208 ؛ الرياض النضرة: ج 3، ص 153 ؛ فتح الباري لابن حجر: ج 7، ص 59 .

في المجتمع الإسلامي، والإيقاع بشخصيات من الصحابة بعد أخذ الصفة الشرعية في أفعالهم من أفواه بعض صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

فلذلك جاء هذا الرجل يسأل عبد الله بن عمر دون غيره.

3. كما يدل أيضاً على وجود المنافقين الذين دلَّ عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) من خلال قاعدة وضعها للمسلمين يتم الاستدلال بها عليهم.

وقد اعتمد عبد الله بن عمر على هذه القاعدة فاستدل على أن هذا السائل هو من المنافقين.

والقاعدة هي: قوله (صلى الله عليه وآله وسلم):«يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلاَّ منافق .»(1).

ومن هنا:

نجد أن هذا الرجل قد ساءه سماع منقبة من مناقب الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام).

4. نلاحظ هنا.. أن عبد الله بن عمر قد ترك الإشارة إلى العديد من مناقب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، واكتفى بذكر منقبة واحدة دون غيرها، وهي «بيته .»

وذكره لبيت الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، ومكانته من بيوت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دليل على أن الإمام علياً (عليه السلام) هو الصهر

ص: 169


1- مستدرك الوسائل للميرزا النوري: ج 1، ص 19 ؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 39 ، ص 251 ؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 42 ، ص 278 ؛ ينابيع المودة للقندوزي: ج 2، ص 87 ، ح 168 ؛ حلية الأبرار للسيد هاشم البحراني: ج 2، ص 189 ؛ كشف الخفاء للعجلوني: ج 2، ص 383 .

الوحيد لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا سيما أن السائل كان يسأل عن عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب (عليه السلام).

فلماذا يذكر ابن عمر عمل عثمان ولا يذكر مصاهرته للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويكتفي بذكر بيت الإمام علي عليه السلام دون غيرها من المناقب؟!

ألا يدل هذا على أن عبد الله بن عمر يعلم جيداً أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) هو الصهر الوحيد لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وأن له بهذه المصاهرة ما لبيوت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن عثمان ممنوع عليه ذلك فضلاً عن اختصاص علي (عليه السلام) بالمكوث في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولذا هو وسط هذه البيوت.

د - نفاسة صهرية رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

عن مالك، عن الزهري: إن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب حدثه، أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حدثه، قال: اجتمع ربيعة بن الحارث، والعباس بن عبد المطلب، قالا والله لو بعثنا هذين الغلامين «قالا لي وللفضل بن عباس » إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكلماه على هذه الصدقات؛ فوقف علي بن أبي طالب عليه السلام عليهما فذكروا له ذلك.

فقال علي بن أبي طالب -عليه السلام-:

«لا تفعلا فو الله ما هو بفاعل .»

فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال: والله ما تصنع هذا إلاَّ نفاسة منك علينا فو الله لقد نلت صهر رسول الله فما نفسناه عليك.

ص: 170

قال علي أرسلوهما، فانطلقا واضطجع علي فما هي إلى لحظات فرجعا وقد ردهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يفعل(1).

ومن خلال هذا الحديث نرى أن القوم قد صرّحوا بشكل لا يقبل الشك أن الإمام علياً (عليه السلام) هو الشخص الوحيد الذي نال الصهريّة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولو كان غيره قد نال هذه الصفة، لصرّح بها القوم، ولو من باب النفاسة.

هذه بعض الشواهد التي تشير إلى اعتقاد الصحابة باختصاص الإمام علي (عليه السلام) بصهرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتفرده بها.

أما بقية الشواهد فقد تركنا البحث عنها لبلوغ ما يرمي إليه الكثير من الباحثين،وعشاق الحقائق من التعرف إليها، واستخراجها من بحور الكتب.

وعليه:

يرشدنا النص ومقتضى حاله ودلالته إلى أن الإمام (عليه السلام) حينما أورد لفظ «وابنتك » أراد بيان خصوصية كونها بنته الوحيدة التي ليس له غيرها؛ ومن ثم فإن ذلك له من الآثار النفسية والروحية على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

بمعنى آخر: إن حجم الألم الذي أصاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما جرى عليها من الظلم والاعتداء والقتل لعظيم جداً على قلبه، وإن هذا الألم له ما يقابله عند الله تعالى من العقاب فكلما عظم الألم والأذى عظم معهما العقاب والجزاء، كما نصت عليه الكثير من الآيات المباركة، منها:

ص: 171


1- صحيح مسلم: كتاب الزكاة، باب « ،51 ترك استعمال آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكل الصدقة » حديث 167 ..( 2107 )؛ الإلزامات والتتبع للدار قطني: ص 155 ؛ شرح صحيح مسلم للنووي: ج 7، ص 183 .

﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَّرا يَرَهُ)(1).

وقال سبحانه:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّه وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّه فِی الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهمْ عَذَابًا مُهِينًا)(2).

المسألة الثانية: قصدية منتج النص في «وقرّة عينك » استحقاق وجداني، أم تقوائي ؟
اشارة

لقد أشار أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إلى صفة من صفات الزهراء (عليها السلام) وسمة من سماتها فبيّ أنها « قرة عين » رسول الله (صلى الله عليه وآله)وقد جرى العرف الاجتماعي والمفهوم لهذه الصفة لا سيما عند العرب أنها تستخدم في بيان أثر هذا الشيء على الإنسان في مقابل المدح والسرور أو العكس في حالة الرفض والذم والشرور.

فيقال: أقرّ الله عينك أو لا أقرّ الله عينك.

ويقال في بيان النعمة: قرّة عين، كما ورد في القرآن الكريم في بيانه لسيرة الكليم عليه السلام، قال تعالى:

﴿وَقَالَتِ امْرَأَةُ فرِعَوْنَ قُرَّةُ عَيْن لِی وَلَكَ لَل تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)(3).

ومرادها: أن يكون لي ولك نعمة تدخل السرور والعون لنا، وهو ما دلّ عليه أهل

ص: 172


1- سورة الزلزلة، الآية ( 7- 8).
2- سورة الأحزاب، الآية ( 57).
3- سورة القصص، الآية ( 9).

اللغة:

قال ابن فارس (المتوفى 395 ه):

(نَعْمَّ، وتعني عين، ونعمة عين، أي: قرّة عين.

ونَعْمَّ الشيء من النعمة؛ وقرَّ فلان أولاده ترفهم)(1).

قال ابن الأثير (المتوفى 606 ه):

(ونعمة عين: أي قرّة عين؛ يعني أقرّ عينك بطاعتك واتباع أمرك، يقال نعْمَةُ عين، بالضم، ونعم عين، ونعمى عين.

ويقال للداخل عند زيارته تعبيراً عن السرور بقدومه، والفرح بلقائه: (ما أنعمنابك)، أي ما الذي أسرنا وأفرحنا وأقر أعيننا بلقائك ورؤيتك)(2).

وبالنظر إلى هذا البيان يصبح وصف أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) لفاطمة بأنها (قرّة عين) استحقاقاً وجدانياً وتقوائياً وذلك لما يلي:

أولاً: كون فاطمة (علیه السّلام) قرّة عين لرسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بالاستحقاق الوجداني
اشارة

وهذا ما لا شك فيه ففاطمة (عليها السلام) موضع ادخال السرور والفرح على قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي نَعْمَّ النَعْمَة التي رزق بها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك كونها:

ص: 173


1- معجم مقاييس اللغة: ج 5 ص 446 .
2- النهاية في غريب الحديث: ج 5 ص 84 .
أ - خلقت من ثمار الجنة يشمها النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ويأنس بعطرها .

إنّ خلق فاطمة (عليها السلام) من ثمار الجنة قد تضافرت فيه النصوص الواردة عن عترة النبي (صلى الله عليه وآله سلم) وأنه كان يشمها ويكثر تقبيلها مما أثار غيرة عائشة فبادرته بالسؤال عن كثرة تقبيله لابنته فاطمة (عليها السلام) والذي ارتكز

على كثرة اشتياقه إلى ريح الجنة وثمارها التي أكلها في الإسراء والمعراج فخُلِقت منها فاطمة (عليها السلام).

وهذه المسألة، أي خلق فاطمة (عليها السلام) من ثمار الجنة وإن كانت تخالف توجهات بعض حفّاظ أهل السنة والجماعة لا سيما ابن الجوزي(1)، وذلك لتمسّكهم بالرواية التي تتحدث عن سَنة الإسراء والمعراج ووقوعها بعد ولادة فاطمة (عليها السلام) بحسب ما يزعمون، وهم بذلك يعارضون روايات عترة آل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والذين هم أعلم بشأن أمهم فاطمة (عليها السلام) وتاريخ ميلادها(2).

وعليه:

فقد روى الشيخ الصدوق رحمه الله في الأمالي، عن أبي الصلت الهروي في حديثه مع الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه قال: «لما عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل عليه السلام فأدخلني الجنة، فناولني من رطبها فأكلته، فتحول ذلك نطفة في صلبي، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، ففاطمة حوراء إنسية، فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت

ص: 174


1- الموضوعات: ج 1 ص 412 - 413 .
2- لمزيد من الاطلاع ينظر كتابنا الموسوم ب(هذه فاطمة عليها السلام): ج 1 ص 338 - 347 .

رائحة ابنتي فاطمة .»(1).

ومن ثم كيف لا تكون فاطمة (عليها السلام) قرّة عين لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأي سرور أعظم على قلب كل إنسان وهو يشم رائحة الجنة.

ب - إنها كوثر ذريته (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

إن من الحقائق التي أثبتتها النصوص وقطع بها العقل أن فاطمة (عليها السلام) هي الكوثر النبوي الذي جعلها الله تعالى مصدراً لذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وأن الله تعالى جعلها أداة لغيظ أعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين نعتوه بالأبتر بعد وفاة ولداه القاسم وعبد الله، فقال العاص بن وائل السهمي:

(دعوه إنه أبتر)(2)، وهو بذاك شنئه أي: انتقصه، فلمّ رُزق النبي الأعظم (صلى الله

عليه وآله وسلم) بفاطمة (عليها السلام)، جعلها الله كوثر ذريته الذي استحق أن يقدّم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من اجله الى الله تعالى الصلاة شكراً له على هذه النعمة، وتقديم القرابين، فقال عز وجل:

﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْابْتَر﴾(3).

ومما يدل عليه: ما صرح به النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيان اختصاص فاطمة (عليها السلام) بذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال:

روى الطبراني عن عمر بن الخطاب، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال:

ص: 175


1- الأمالي: ص 546 ؛ علل الشرائع للصدوق: ج 1 ص 184 ؛ دلائل الإمامة للطبري: ص 148 .
2- البداية والنهاية لابن كثير: ج 3 ص 130
3- سورة الكوثر.

«كل ولد أم فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم » (1).

روى ابن عساكر وغيره عن عبد الله بن عباس، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال:

«إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه، وأن الله جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب »(2).

روى ايضاً، عنه (صلى الله عليه وآله):

«لكل بني أب عصبة ينتمون إليه إلا ولد فاطمة أنا عصبتهم .»(3).

فكيف لا تكون فاطمة قرة عين لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي كوثر ذريته وأم الأئمة النجباء.

ثانياً: كون فاطمة (علیها السّلام) قرّة عين للنبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بالاستحقاق التقوائي

في ازاء ذلك، أي ما مرّ بيانه في أولاً فإن فاطمة الزهراء (عليها السلام) قرّة عين لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالاستحقاق التقوائي، وقد أشارت النصوص الشريفة إلى هذا الاستحقاق في موارد كثيرة سواء على المستوى العام المرتبط بين الآباء والأبناء أو سواء على المستوى الخاص المرتبط بشخص فاطمة (عليها السلام).

ص: 176


1- المعجم الكبير للطبراني: ج 3 ص 44 ؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 4 ص 224 ؛ الجامع الصغير للسيوطي: ج 2 ص 278 ؛ كنز العمال للهندي: ج 12 ص 16 .
2- تاريخ دمشق: ج 42 ص 259 ؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 3 ص 44 ؛ مناقب علي (عليه السلام) لابن المغازلي: ص 61 .
3- تاريخ دمشق: ج 36 ص 313 ؛ نيل الأوطار للشوطاني: ج 6 ص 139 .

فعلى المستوى العام ذكر القرآن الكريم بعض الآيات الكاشفة عن أثر النفوس لدى الأبناء على الآباء ليكون بذاك قرة عين ونَعْمَّ عين لهم في الدنيا والآخرة فضلاً عن ذلك فإن الأبناء في حال افتقادهم للتقوى يكونون بذلك مصدر وبال وحزن وألم وأذى على الوالدين، بل قد يكونوا من الأعداء الذين يجرون بالوالدين إلى

الهلاك، قال تعالى:

﴿آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا﴾(1).

﴿يَا أَيُّها الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّه غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾(2).

﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّه عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾(3).

ومن ثم ليس كل من ولد له ولد كان قرة عين له، بل قد يكون نقمة وليس نعمة.

ولذا: فإن فاطمة (عليها السلام) هي قرة عين لأبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالاستحقاق التقوائي فضلاً عن الاستحقاق الوجداني وذلك لما يلي:

لأنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين كما نص عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(4).

سيدة نساء أهل الجنة(5).

ص: 177


1- سورة النساء، الآية ( 11 ).
2- سورة التغابن، الآية ( 14 ).
3- سورة التغابن، الآية ( 14 - 15 ).
4- مستدرك الحاكم: ج 3 ص 156 .
5- مسند أبي يعلى: ج 12 ص 313 .

إنها خير نساء الجنة(1).

إنها من أفضل نساء الجنة(2).

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وآسية بنت مزاحم وفاطمة بنت محمد(3).

من افضل نساء العالمين.

وغيرها من الأحاديث الشريفة الكاشفة عن منزلتها وتقواها وشأنيتها وجاهها عند الله تعالى كما جعل عيس بن مريم وجيها عنده وأمه فكيف لا تكون فاطمة وابيها من الوجهاء عند الله تعالى؟!!

وعليه:

فقول أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) ( «وقرة عينك » لم يكن قوله مستنداً إلى كونها ابنته حالها في ذلك حال كل فتاة لأبيها ومن ثم ينصرف الذهن حينها إلى تجريد اللفظة من معانيها المكنونة؛ ففاطمة عليها السلام ليست ككل امرأة كانت

قرة عين لأبيها، فهي نعمة ما بعدها نعمة فأنّى لمثل فاطمة في الحياة الدينا؟!

المسألة الثالثة: القصدية في زيارة فاطمة (علیها السّلام) النبي ) (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وهي في قبرها
أولاً: السياق الدلالي للألفاظ يؤكد قصدية وقوع الزيارة

ينقلنا النص الشريف من بيان معنى السلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ودلالته المرتكزة على طلب الاستئذان من رسول الله (صلى الله عليه وآله

ص: 178


1- مستدرك الحاكم: ج 3 ص 154 .
2- مسند أحمد: ج 1 ص 322 .
3- سنن الترمذي: ج 5 ص 367 .

وسلم) في الدخول إلى الروضة الفردوسية التي حل فيها، وانحصار أخذ الإذن في الدخول بشخص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) -كما مر بيانه سابقاً– ينقلنا النص إلى إثبات هذه الدلالة مرة أخرى وذلك من قول منتج النص

(عليه الصلاة والسلام) «وزائرتك :»

ولا يخفى على أهل العلم والمعرفة إن الزائر يحتاج إلى حصول الإذن في الدخول، ومن دخل إلى مكان ما، أو على شخص ما من دون اذنه، يكون دخوله مخالفاً للشريعة والآداب والأعراف؛ فضلاً عن كونه غير مرحبٍ به.

أما لو حدث هذا في عالمنا اليوم، أو في غيره من القرون السابقة، أو اللاحقة لا سيما الدخول على الملوك أو الحكام أو الخلفاء أو الأمراء أو الوزراء أو غيرهم لكان أمر الدخول ينقلب على الداخل وبالاً وهلاكاً.

وعليه:

أراد عليه (الصلاة والسلام) بيان هذه الحقيقة: أن فاطمة (عليها السلام) جاءت زائرة إلى سيد الخلائق، وحبيب جبار السماوات والأرض، ومن ثم فالمكان يعج بالآلاف من الملائكة الشداد، الذين وقفوا عند باب الروضة النبوية ويتشرفون بخدمة صاحبها (صلى الله عليه وآله)، فأي مخلوق يريد الدخول الى حضرته المقدسة وهو غير مصرح له بالدخول من وصيه وخليفته ووزيره الإمام علي بن أبيطالب (عليه السلام) ستمنعه الملائكة من الدخول.

وذلك أنَّ السياق الدلالي للألفاظ في قوله (عليه الصلاة والسلام):

«السلام عليك يا رسول الله، والسلام عليك عن ابنتك وحبيبتك وقرة عينك وزائرتك .»

ينص على هذه الحقيقة التي مرّ ذكرها آنفاً.

ص: 179

ثانياً: إنَّ مقتضى حال فاطمة (علیها السّلام) يستدعي زيارة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لها، لا العكس، فما هي قصدية منتج النص؟

إن مقتضى الحال الذي عليه فاطمة (صلوات الله عليها) من مرضها، وكسر ضلعها، واسقاط جنينها، ولطمها على وجهها، وترويعها بالسوط، وحرق دارها واقتحامه وتفتيشه، وترهيب ولديها، حتى ماتت من علتها صابرة ومحتسبة وشهيدة.

فهذا الحال كان يقتضي من الناحية الوجدانية والأبوية أن يكون الزائر هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لكن النص الشريف عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يخبرنا بالعكس كما هو واضح في قوله (عليه السلام): «وزائرتك .»

وجواب ذلك:

إن من وقع عليه الظلم والجور والاعتداء لا بد أن يتوجه إلى الحاكم ليشكو إليه أمره ويضع بين يديه ظلامته ويطالب بإقامة القصاص على الجناة والمجرمين، وإن كان حاله على مرضٍ أو علةٍ أو ضعفٍ وهذا المعنى الذي قصده منتج النص (عليه السلام) ودلّ عليه الواقع الحياتي والعرف السائد عند أصحاب المظالم الذين

يرفعون أمر ظلامتهم إلى القضاة والحكام لغرض أخذ حقهم من الجناة.

ثالثاً: هل كل مسلم بعد موته يزور رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

يرشدنا النص الشريف عنه (عليه الصلاة والسلام) إلى أن امكانية زيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في روضته بعد وفاته ممكنة؛ ولكن ليس لكل مؤمن أن ينال هذا الشرف العظيم وأن ينال الإذن في هذه الزيارة والدخول، وذلك لجملة من الأسباب منها:

لا شك أن الوصول إلى هذا الشرف والرتبة يحتاج إلى مؤهلات لا يمتلكها إلا

ص: 180

من كان ذا حظ عظيم، قد حفت به العناية الإلهية من قبل أن تنعقد نطفته وغذائه في رحم أمه، وسيرة والديه وتقواهما ثم ما بعد ولادته وطفولته وشبابه وشيخوخته ومماته، فكل هذه السنين والمراحل التي يمر بها الإنسان في رحلته الدنيوية ما لم

يشملها اللطف الإلهي فمئالها إلى الخسران والسقوط والحرمان.

إن الإنسان في الحياة الدنيا محجوب عنه حقائق الغيب فهو غير شاهد لها، لكنه بعد مماته تنكشف له الحجب فيرى ما خفي عنه، حينها يدرك أن مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس كما صوره له البخاري ومسلم وأحمد بن حنبل ومالك بن أنس وغيرهم مما اخرجوه في كتبهم من تسابقه مع عائشة او تبوله وهو واقف –والعياذ بالله- أو أن يضرب بين يديه بالدف وصويحبات عائشة بين يديه فيدخل عمر فيهرب الشيطان وغير ذلك من الأكاذيب.

بل يرى –إذا أذن له أن يرى- إن اللطف والفضل الإلهي الذي قال الله عنه في محكم كتابه:

﴿وَاسْأَلُوا اللَّه مِنْ فَضْلِهِ﴾(1).

﴿أَمْ يَحسُدُونَ النَّاسَ عَلَی مَا آَتَاهُمُ اللَّه مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالِحكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾(2).

﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَروا فَيُعَذِّبُهمْ عَذَابًا أَلِيمً وَلَل يَجِدُونَ لَهمْ مِنْ دُونِ اللَّه وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾(3).

ص: 181


1- سورة النساء، الآية ( 32 ).
2- سورة النساء، الآية ( 54 ).
3- سورة النساء، الآية ( 173 ).

فهذا الفضل هو من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم كما نص عليه الوحي في محكم كتابه، قال تعالى:

﴿وَلَوْ أَنَّهمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّه وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّه سَيُؤْتِينَا اللَّه مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَی اللَّه رَاغِبُونَ)(1).

﴿يَحلِفُونَ بِاللَّه مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَمِهِمْ وَهَّموا بِمَا لَم يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّه وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرا لَهمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهمُ اللَّه عَذَابًا أَلِيمًا فِی الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ وَمَا لَهمْ فِی الْارْضِ مِنْ وَلِّی وَلَا نَصِيرٍ﴾(2).

قد أقرنه الله تعالى برسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وان ملائكة الله سبحانه مسخّرة بين يديه هبوطاً وعروجاً ينزلون باللطف ويصعدون بالعمل، وجبرائيل ظهيراً له ونصيراً، فكيف تستحق روح الميت هذا الفضل في زيارتها لرسول الله

(صلى الله عليه وآله وسلم) وقد امتلأت صحيفته بالآثام والذنوب والبغض لآل محمد (صلى الله عليهم أجمعين) لا سيما وقد ورد من الأحاديث الشريفة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيان خطورة الذنوب والآثام، وحجبها الإنسان من دخول الجنة، فمنها:

روى مسلم النيسابوري «لا يدخل الجنة أحد في قلبه مثقال حبة من كبرياء .(3)

»روى الثعلبي والزمخشري وخرجه الزيلعي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله،

ص: 182


1- سورة التوبة، الآية ( 59 ).
2- سورة التوبة، الآية ( 74 ).
3- صحيح مسلم، باب من مات لا يشرب بالله، ج 1 ص 65 .

ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافراً، ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة »(1).

ولذا: فمثل فاطمة عليها السلام وبعلها، وبنيها يزورون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد مماتهم وكالأنبياء والمرسلين؛ أما ما عداهم فلم يَرِد فيه نص من النصوص، إذ اقتصرت هذه النصوص في بيان فضل زيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياته أو بعد مماته في روضته وقبره.

رابعاً: قصدية زيارتها تكشف عن مخالفة بعض المسلمين للسنة النبوية .

لم يخالف هذه السنة من المسلمين عدا ابن تيمية ومن انتهج بنهجه وسار على سبيله وأءتم به، فقد قال في فتاويه: (ليس في زيارة النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- حديث حسن ولا صحيح بل عامة ما يروى في ذلك أحاديث مكذوبة موضوعة)(2).

وقد ردَّ على هذه الأقوال سواء صدرت عن ابن تيمية، أو غيره مجموعة من علماء أبناء العامة والجماعة سواء من كان منهم قد عاصره، أو جاء بعده، لا سيما وأن اتباع ابن تيمية قد تلاقفوا هذا الظلال وكفروا به المسلمين، فكان ممن ردَّ على هذا الضلال والبدع التيمية:

1- قال الحافظ الذهبي (المتوفى سنة 748 ه) في بيان بدعية هذه الفتاوى كما ورد فيسيره:

(فمن وقف عند الحجرة ذليلاً مسلماً مصلياً على نبيه، فيا طوبى له فقد أحسن الزيارة، وأجمل في التذلل والحب، وقد اتى بعبادة زائدة على من صلى عليه في أرضه أو في

ص: 183


1- تفسير الثعلبي: ج 8 ص 314 ؛ الكشاف للزمخشري: ج 3 ص 467 ؛ تخريج الأحاديث للزيلعي: ج 3 ص 238 .
2- الفتاوى الكبرى: ج 573 .

صلاته، إذ الزائر له أجر الزيارة واجر الصلاة عليه والمصلي له في سائر البلاد له أجر الصلاة فقط، فمن صلى عليه واحدة صلى الله عليه عشراً؛ ولكن من زاره – صلوات لله عليه وآله – وأساء الأدب الزيارة، أو للقبر أو فعل ما لا يشرع، فهذا فعل حسناً وسيئاً،

فيعلم برفق، والله غفور رحيم.

فو الله ما يحصل الانزعاج لمسلم والصياح وتقبل الجدران، وكثرة البكاء إلا وهو محب لله ورسوله صلى الله عليه-وآله- وسلم، فحبه المعيار والفارق بين الجنة وأهل النار.

فزيارة قبره من أفضل القرب، وشد الرحال إلى قبور الأنبياء والأولياء، لئن سلمنا غير مأذون فيه لعموم قوله صلوات الله عليه -وآله- «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد »

فشد الرحال إلى نبينا صلى الله عليه –وآله- مستلزم إلى شد الرحال إلى مسجده، وذلك مشروع بلا نزاع، إذ لا وصول إلى حجرته، إلا بعد الدخول إلى مسجده، فليبدأ بتحية المسجد ثم بتحية صاحب المسجد، رزقنا الله وإياكم ذلك، آمين)(1).

2- ذهب الحافظ تقي الدين السبكي (المتوفى سنة 756 ه) إلى تصنيف كتاب خصصه لهذا العنوان فسماه ب(شفاء السقام في زيارة خير الأنام (صلى الله عليه وآله وسلم) فابسط فيه الكلام واوضح في البيان في التقرب إلى الله تعالى بزيارة قبر حبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وهو بذاك يرد على ظلال ابن تيمية ومن جاء بعده كالوهابية)(2).

أما ما روي عن آل البيت عليهم السلام في فضل زيارة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكثيرة، ومنها:

ص: 184


1- سير أعلام النبلاء: ج 4 ص 485 .
2- سيرد في مباحث الدراسة المزيد من البيان في معالجة هذه المسائل العقائدية وذلك لورود اكثر من لفظ مرتبط بقبر رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والاستغاثة به والشكوى اليه وغيرها من الالفاظ التي ضمنها منتج النص (عليه السلام) في خطابه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله).

أخرج الحميري القمي (المتوفى سنة 304 ه) في قرب اسناده إلى الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عن ابيه (عليه السلام): أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«من زارني حياً وميتاً كنت له شفيعاً يوم القيامة .» (1).

اخرج الكليني (رحمه الله) عن المعلى أبي شهاب قال، قال الحسين (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«يا أبتاه ما لمن زارك؟ .»

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

«يا بني من زارني حياً وميتاً، أو زار أباك، أو زار أخاك، أو زارك، كان حقاً عليَّ أن أزوره يوم القيامة وأُخلصهُ من ذنوبه .»(2).

وأخرج الصدوق (رحمه الله) بسنده إلى العلاء بن المسيب، عن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن ابيه علي بن الحسين بن علي (عليهم السلام) قال: قال الحسين

(صلوات الله عليه):

«ما لمن زارنا؟ »

قال:

«يا بني من زارني حياً وميتاً، ومن زار أباك حياً وميتاً، ومن زار أخاك حياً وميتاً، ومن زارك حياً وميتاً، كان حقيق عليَّ أن أزوره يوم القيامة، واخلصه من ذنوبه، وأدخله الجنة .» (3).

ص: 185


1- قرب الاسناد: ص 65 .
2- الكافي: ج 4 ص 548 .
3- ثواب الاعمال للصدوق: ص 82 .

والحديثان يكشفان عن بعض الأمور، منها:

إن الزائر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو أي واحدٍ من عترته فجزاءه على الله تعالى، وإن المكافئ له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

إن الزائر يناله في زيارة أحدهم من الأجر والثواب وغفران الذنوب وغيرهما ما يناله الزائر لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)سواء بسواء.

إن الزيارة لهم في حياتهم لها نفس الأجر بعد مماتهم.

الملاحظ في الرواية إن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) لم يذكر فاطمة (عليها السلام) والسبب يعود إلى ما يلي:

لأن زيارتها بعد وفاتها (عليها الصلاة والسلام) في قبرها غير متحققة وذلك لإخفاء قبرها كما أوصت هي بذلك إلى أمير المؤمنين (عليه السلام).

كما أن زيارتها في حياتها متعذرة وذلك لما يرتبط بالنساء من حدود وأحكام شرعية. ولذا لم يورد اسمها في الرواية.

ولأن الصحابة وازواجهم قد قاطعوا بيت النبوة وحاربوه بكل الوسائل ومنهاالحرب الاجتماعية، فلم تقم الصحابيات بزيارة فاطمة (عليها السلام) إلا مرّة واحدة بعد ان انتشر خبر مرضها الشديد، فجئن لعيادتها.

ص: 186

المبحث السادس: مقاصدية نزول فاطمة (علیها السّلام) بجوار رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بين النزول البر زخي والارتقاء الفردوسي
اشارة

ص: 187

قوله (عليه السلام) «النَّازِلَة فيِ جِواَرِكَ »
اشارة

ص: 188

يكتنز هذا اللفظ على جملة من المعارف كغيره من ألفاظ هذا النص الشريف وهو أمر قد تسالم عند أهل العلم والمعرفة بحديث ثقل القرآن وأهله الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

فقول منتج النص (عليه السلام):

«النَّازِلَةِ فِ جِوَارِكَ .»

ينقسم إلى قسمين من المعارف المتعلقة بشأن فاطمة (عليه السلام) وشأن أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ فأما ما يتعلق بالنبي (صلى الله عليه وآله) وسلم فسيُبحث في المبحث القادم.

وأما ما يتعلق بفاطمة (عليها السلام) فهو ينضوي تحت معنى قوله «النازلة » ودلالته، فهل هو (الاستنزال المرتبي)؟؛ أو أراد بذلك النزول الذي يفيد معنى(العلو والسفل)، أي من الأعلى إلى الأسفل ويراد به: (الإنزال)؛ او أراد بالنزول المعنى الذي يفيد (الحلول(؛ أو أنه يفيد معنى (الانتقال) من عالم إلى عالم آخر فهذه

المعاني هي الأظهر من غيرها ولا شك أن البحث في معاني اللفظ واستنطاقه يرشد إلى معان ودلالات أخرى؛ ومن ثم ينبغي دراسة هذه الدلالات كي نصل الى مقاربة قصدية منتج النص (عليه السلام) كما سيلي في المسائل القادمة.

ص: 189

المسألة الأولى: دلالات (النزول) ومعانيه
اشارة

يرتكز البحث في المفردة على مجموعة من المعاني التي سنتناولها ضمن ما يلي:

أولاً: «النازلة » بمعنى الاستنزال المرتبي

وهذا المعنى يراد به تعيين منزلة الشخص وصفته، كما هو الحال في السلم الوظيفي في الدائرة الحكومية، أو الوزارة، أو المراكز والمؤسسات وغيرها.

فالنزول المرتبي: أن يتم إنزال رتبة المرء من كونه مديراً عاماً إلى معاون أو أقل رتبة ودرجة، وكذا حال المشتغلين في السلك العسكري، فإما يتم تنزيل المرتبة من صفة إلى أخرى كالعقيد إلى المقدم، أو يكون الترفيع والترقية من مقدم إلى عقيد وهكذا

يقال في هذه الحالات (استنزال فلان، أي حط عن مرتبته)(1).

وهنا في قوله (صلوات الله عليه): «النازلة في جوارك » لا ينطبق على هذا المعنى أي (النزول المرتبي)، وذلك أن مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يعلوه مقام ناله مخلوق قط، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل؛ ومن ثم لا يتحقق معنى النزول المرتبي.

ففاطمة (عليها السلام) لم تكن في معرض استنزال المرتبة فتحط من شانها ومنزلتها، بل على العكس فقد أراد الإمام علي (عليه السلام) بيان علو هذه المرتبة،ولكن يبقى السؤال قائماً ما المراد من (النزول) في قوله (عليه السلام) «النازلة .»

ثانياً: «النازلة » بمعنى الإنزال المكاني والموضعي، من العلو إلى السفل

وقد ورد هذا المعنى في القرآن الكريم في آيات عديدة وهي تفيد بيان نزول الكتاب، والوحي، والأمر الإلهي، والملائكة، والروح وغيرها من الآيات، وكلها

ص: 190


1- الصحاح للجوهري: ج 5 ص 1828 .

تفيد معنى الإنزال من السماء إلى الأرض أو من محل إلى محل آخر.

ففي مقام بيان نزول الكتاب قال تعالى:

﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّه نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالَحقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِی الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾(1).

﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالَحقِّ مُصَدِّقًا لِما بَيْن يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْاِنْجِيلَ﴾(2).

﴿يَا أَيُّها الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّه وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَی رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ..)(3).

﴿وَبِالَحقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالَحقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّ مُبَشِّرا وَنَذِيرًا﴾(4).

وفي بيان نزول والوحي قال تعالى:

﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْامِينُ * عَلَی قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الُمنْذِرِينَ﴾(5).

وفي بيان النزول من السماء إلى الأرض، قال سبحانه:

﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْارْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّه..)(6).

ص: 191


1- سورة البقرة، الآية ( 176 ).
2- سورة آل عمران، الآية ( 3).
3- سورة النساء، الآية ( 136 ).
4- سورة الإسراء، ( 105 ).
5- سورة الشعراء، الآيتان ( 193 - 194 ).
6- سورة العنكبوت، الآية ( 63 ).

﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكتِابِ أَنْ تُنزَّلَ عَلَيْهِمْ كتِابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَر مِنْ ذَلِكَ..)(1).

﴿تَنَزَّلُ الَملَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ)(2).

وفي بيان الانتقال من محل إلى آخر قال عزّ وجل:

﴿وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الُانْتَهَى﴾(3).

فكان الإخبار عن نزول جبرئيل (عليه السلام) من محل إلى محل آخر وهو سدرة المنتهى وغيرها من الآيات المباركة والتي تفيد معنى الانتقال من العلو إلى الأسفل كالسماء والأرض أو من محل إلى آخر.

وهذا المعنى: ينسجم مع معنى قول منتج النص (عليه السلام): «النازلة بجوارك » أي الانتقال من على سطح الأرض إلى باطنها، وهو ما يفهم من انتقال الميت إلى داخل قبره، ولكن هذا المعنى لا يكشف عن مراده (عليه السلام) وقصديته في هذا النزول، أي: من سطح الأرض إلى بطنها كما حال القبور، وذلك أن هذا البيان لا يضيف مادة معرفية جديدة في بيان شأنية الزهراء فاطمة (عليها السلام)، لا سيما وأنه (صلوات الله عليه) أراد من خلال مخاطبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذا الخطاب هو بيان جملة من الأمور والحقائق؛ ومن ثم لا ينشغل (عليه السلام)

بتعريف ما هو معرّف، أي: أن يكون معنى «النازلة بجوارك » هو انتقالها إلى قبرهامن سطح الأرض إلى باطنها وهو أمر بديهي عند كل مسلم أو كتابي.

ولذا: فالنص يفيد معنى آخر، فما هو؟؟

ص: 192


1- سورة النساء، الآية ( 153 ).
2- سورة القدر، الآية ( 4).
3- سورة النجم، الآيتان ( 13 - 14 ).
ثالثاً: «النازلة » بمعنى الحلول المكاني

وهذا المعنى دلّ عليه القرآن في مواضع كثيرة واعتاده العرب في كلامهم واشعارهم وكل ذلك يفيد معنى الحلول المكاني ومنه سمي الدار منزلاً إذا أحل الإنسان فيه.

وفيما ورد في محكم التنزيل قال سبحانه وتعالى:

﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهمْ لَهمْ جَنَّاتٌ تَجرِي مِنْ تَحتِهَا الْنْهارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلً مِنْ عِنْدِ اللَّه وَمَا عِنْدَ اللَّه خَيْر لِلْابْرَار﴾(1).

﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَانَتْ لَهمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا)(2).

﴿أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الَمأْوَى نُزُلً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(3).

﴿أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِ أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا﴾(4).

وهذه الآيات المباركة كما هي واضحة الدلالة في بيان معنى النزل هو: الحلول المكاني، وقد جاء في قوله تعالى:

﴿وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلً مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْر المُنْزِلِين)(5).

ما يقتضي تطابق معنى قوله (عليه الصلاة والسلام): «النازلة في جوارك »، انتقالها وحلولها بجوار رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الروضة النبوية الفردوسية.

ص: 193


1- سورة آل عمران، الآية ( 198 ).
2- سورة الكهف، الآية ( 107 ).
3- سورة السجدة، الآية ( 19 ).
4- سورة الكهف، الآية ( 102 ).
5- سورة المؤمنون، الآية ( 29 ).

وهذا يدفع إلى بيان معنى آخر وقصدية اخرى، وهو النزول البرزخي والحلول الفردوسي.

رابعاً: النزول البرزخي والحلول الفردوسي

ورد لفظ البرزخ في القرآن الكريم في قوله تعالى:

﴿..وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَی يَوْمِ يُبْعَثُونَ)(1).

وهو لبيان المرحلة الانتقالية ما بين الدنيا والآخرة، بمعنى آخر: ما بين انقضاء عمر الدنيا وبداية عمر الآخرة، وهو المكان الذي تحل فيه روح الميت وجسده بعد الموت والمعروف بالقبر.

وهذا المعنى ورد كذلك في المعاجم اللغوية والتي تفيد: (ما بين كل شيئين، والميت في البزخ لأنه بين الدنيا والآخرة، وبرازخ الإيمان ما بين الشك واليقين، وما بين الظل والشمس برزخ)(2) بمعنى الحائل أو الحاجز ما بين عالمين أو مكانين.

أما ما ورد في الأحاديث الشريفة حول أثر البرزخ على الإنسان في رحلته للعبور من الدين إلى الآخرة فكثيرة وخطيرة أيضاً، ومنها:

قال (صلى الله عليه وآله وسلم):

«القبر أما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النيران .»(3).

2- أخرج الزيلعي عن أنس مرفوعاً، عنه (صلى الله عليه وآله)، أنه قال:

ص: 194


1- سورة المؤمنون، الآية ( 100 ).
2- كتاب العين: ج 4 ص 338 ، ط دار ومكتبة الهلال.
3- بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج 6 ص 275 .

«إذا مات أحدكم قامت قيامته »(1)

أما ما يخص برزخ فاطمة (عليها السلام) والذي نزلت فيه وحلت عنده فهو في حقيقته عملية انتقال من عالم الدنيا إلى عالم جديد بين الدنيا والآخرة وهو عالم البرزخ وهو النزول البرزخي الذي ورد في قوله (عليه السلام): «النازلة »، اي: النازلة الى هذا العالم.

إلا إنها بعد هذا النزول البرزخي تبعه انتقال آخر، وهو الانتقال الارتقائي للحلول في روضة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

بمعنى: كي تصل فاطمة (عليها السلام) إلى هذه المنزلة والشأنية وهي مجاورة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عالم البرزخ فلا بد من نزولها إلى محل هذا العالم وهو البرزخ ثم لتنتقل إلى محل آخر ضمن هذا العالم لتحل بمجاورة رسول

الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي عرّفه النبي (صلى الله عليه وآله) للناس فقال: «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة .»(2).

وفي لفظ: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة .»(3).

وفي لفظ: «ما بين منبري وحجرتي روضة من رياض الجنة »(4).

وهذا يدل على بيان منزلته (صلى الله عليه وآله وسلم) ومكانه في عالم البرزخ؛ ومن ثم فهذا العلو والشأنية تحتاج إلى إرتقاء يلزم أهل هذا العلم حينما يؤذن لهم

ص: 195


1- تخريج الاحاديث للزيلعي: ج 1 ص 436 ؛ كنز العمال للهندي: ج 5 ص 548 .
2- المصنف لابن ابي شيبة: ج 7 ص 413 .
3- مسند احمد: ج 2 ص 236 .
4- مسند احمد: ج 2 ص 412

بالوصول إلى هذا المكان والمنزلة، كما هو حال سيدة نساء العالمين (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) فقد حلّت بجوار هذه الروضة التي هي من رياض الجنة.

وهي حقيقة قرآنية، أي: انتقال المؤمن بعد موته إلى الجنة البرزخية أو النار البرزخي، فمن كان قد محض الإيمان محضاً كما أخبر القرآن عن حال المنذر الذي أنذر أهل القرية في سورة يس، قال تعالى:

﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَی الَمدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الُمرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْألَكُمْ أجَرًا وَهُمْ مُهْتدَونَ * وَمَا لَی لَا أعَبدُ الذَّي فَطرَنِی وَإلِيَهْ تُرْجَعُونَ * أأَتَّخذِ مِنْ دُونِهِ آَلَهةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُّر لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ﴾(1).

فلما قُتل ومضى إلى ربه شهيداً وانتقل من عالم الشهادة إلى عالم الملك استقبلته الملائكة بقولها:

﴿قِيلَ ادْخُلِ الَجنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِی رَبِّی وَجَعَلَنِي مِنَ الُمكْرَمِينَ﴾(2).

والآية المباركة واضحة الدلالة والبيان في انتقال المؤمن إلى الجنة البرزخية مباشرة بعد دخوله ونزوله إلى عالم البرزخ.

كما أخبر عنه أمير المؤمنين (عليه السلام) في مخاطبته رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: «والنازلة بجوارك .»

ولكن ثمّة سؤال آخر: لماذا قال (عليه السلام) «بجوارك »؟ ولم يقل بروضتك؟، مامعنى أن تكون بجواره؟، وما هي قصديته في هذه المجاورة التي اراد بيانها للمتلقي؟

ص: 196


1- سورة يس، الآية ( 20 - 23 ).
2- سورة يس، الآية ( 26 - 27 ).
المسألة الثانية: دلالة مجاورة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) هل هي مكانية أم سكانية؟

جاء لفظ (الجار) في كلام العرب على معان عدة –لا مجال لذكرها هنا- حتى قالوا: إن الوصول المعنى الدال على الملاحقة المكانية وقرب أحد الجارين من الآخر فيقال له: الجار يحتاج إلى قرينة تدل عليه(1).

إذ قد يقال لمن سكن المحلة الواحدة أو المدينة الواحدة مجاوراً لا سيما إذا كانت هذه المدينة تمتاز بمعالم واضحة للناس كمسجد كبير أو ضريح من أضرحة الأولياء أو بيت الله الحرام، ولذا:

ورد في كتب الفقهاء في أحكام الاعتكاف، والمجاورة، وحق الجار، من الألفاظ ما يدل على اطلاق صفة المجاورة على العموم، ومنه ذهب إمام المالكية إلى أن الاعتكاف والجوار سواء؛ (فمن نذر جوار مكة يجاور النهار وينقلب الليل إلى منزله فمن، جوار مثل هذا لجوار فليس عليه في جواره صيام، فالجوار على هذا أعم

من الاعتكاف لأنه لا يكون في المسجد وفي غيره مع الصيام وبدونه)(2).

من هنا: جاء في لفظ الفقهاء ومصطلحاتهم أن معنى (الجوار) هو: (الملاصقة في السكن)(3).

ومنه يفهم قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في أن المراد بالمجاورة هو الملاصقة بالسكن بقرينة وصفه لأهل القبور فيقول:

«وشيد بالتراب بناءها، فمحلها مقترب، وسكنها مغترب، بين أهل محلة موحشين،

ص: 197


1- لسان العرب: ج 4 ص 154 .
2- المدونة الكبرى لمالك بن أنس: ج 1 ص 232 ؛ معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية لمحمود عبد الرحمن: ج 1 ص 546 .
3- معجم مصطلحات الألفاظ الفقهية لمحمود عبد الرحمن: ج 1 ص 545 .

وأهل فراغ متشاغلين، لا يستأنسون بالأوطان، ولا يتواصلون تواصل ا يرلجان، على ما بينهم من قرب الجوار، ودنو الدار، وكيف يكون بينهم تزاور، وقد طحنهم بكلكه البلى، وأكلتهم الجنادل والثرى »(1).

ويرشد النص الشريف إلى بيان معنى المجاورة ودلالتها التي تفيد القرب والدنو بين الدارين والملاصقة بين السكنين.

ومنه جاء معنى الجار والمجاورة، فيقال: (جاور الرجل مُاورةً وجِواراً وجُواراً،بالكسر أفصح، أي: ساكنة)(2).

وعليه:

يدل قوله (عليه الصلاة والسلام) في مخاطبة رسول الله (صلى الله عليه وآله):

«النازلة بجوارك .»

أي الملاصقة في محل سكنها البرزخي مع محل سكنى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا صحة لمعنى أنها المجاورة السكانية، فينسب لأهل المحلة الواحدة أو المدينة الواحدة صفة المجاورة كمن جاور مكة أو الحرم النبوي وغيرها من الأماكن المقدسة.

فحال الزهراء (عليها السلام) في البرزخ ومحل ضريحها وقبرها هو الملاصقة لضريح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقبره، وإنهما في الروضة فما هي حدود الروضة النبوية؟

ص: 198


1- نهج البلاغة: تحقيق صبح الصالح
2- لسان العرب: ج 4 ص 153 .
المبحث السابع: مقاصدية بيات فاطمة (علیه السّلام) في ثرى بقعة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )
اشارة

ص: 199

قوله (عليه السلام) «البْاَئتِة فيِ الثَّرىَ ببِقُعتَكِ »َ
اشارة

ص: 200

إنَّ السياق الدلالي لكلامه (عليه السلام) بعد الابتداء بالسلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والانتقال إلى سلامها على أبيها (صلى الله عليهما) ثم بيان شأنيتها ومنزلتها عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مروراً بإظهار ورودها

على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زائرة ومجاورة، لينتقل أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى إظهار محلها البرزخي، ثم تحديد موضع قبرها وبيان مكان وجوده، وانكشاف زيف دفن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيت عائشة.

إن هذا السياق الدلالي يرتكز على إظهار جملة من الأمور، منها:

بيان منزلتها عليها السلام التي جهلها المسلمون.

بيان شأنية سيد الخلق صلى الله عليه وآله وسلم، وتكشَّف هذه الشأنية للمسلم بعد وفاته ورؤيته لحقائق الأمور، ومن ثم تحريك الحس الإيماني المرتكز على الإيمان بالغيب واليوم الآخر.

كشف الريب عن موضع قبرها (عليها السلام) بالضميمة والاستتار بتلك القبور الرمزية التي وضعها الامام علي (عليه السلام) بعد دفنه فاطمة (عليهاالسلام) وامتثالاً لما أوصت به عليها السلام في اعفاء موضع قبرها فلا يكون لهذا القبر علامة موضعية يأتي إليه الزائر.

دحض الإدعاءات الكاذبة حول دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيت عائشة، فلو صح هذا القول لما تمكّن الإمام علي (عليه السلام) من دفن فاطمة في هذا الموضع، وذلك لما تكنّه عائشة من أحاسيس أتجاه فاطمة وبعلها وولديها(علیها السّلام)

ص: 201

ويكفي في ذلك دليلاً على هذه الأحاسيس ونوعها خروجها لحرب علي (عليه السلام) في الجمل وخروجها لمنع الإمام الحسين (عليه السلام) وبني هاشم من دفنهم الإمام الحسن (عليه السلام) في الروضة النبوية ومناداتها لهم: (ما لي ولكم،

تريدون ان تدخلوا بيتي من لا أحب)(1).

فمن الإجهار بالحرب وتجيش المسلمين لقتال الإمام علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليه) إلى الإجهار بعدم الحب وما يقتضيه ذلك من الاستبدال بالنقيض وهو البغض، فمن لا يحب لا يمكنه إلا أن يبغض، وهي حالة وجدانية (سايكلولجية) لا تحتاج إلى تدليل.

وعليه:

يفيد هذا السياق الدلالي من سلامها على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى بياتها في ثرى بقعة النبي (صلى الله عليه وآله) يكشف هذه الأمور الخاصة بشأنية فاطمة وإظهار منزلتها المتلازمة تلازماً لا ينفك من شأنية سيد الخلق (صلى الله

عليه وآله).

ومن ثم سنرى –كما سيمر لاحقاً- انتقاله (عليه السلام) إلى سياقات دلاليةأخرى يظهر فيها جملة جديدة من الحقائق، وهو ما سنقارب به قصديته (عليه الصلاة والسلام) في قوله:

«والبائتة في الثرى ببقعتك .»

وهو كالآتي:

ص: 202


1- الارشاد للمفيد (رحمه الله): ج 2 ص 17 ؛ ولمزيد من الاطلاع على مجريات الحدث وتحليله، ينظر كتابنا الموسوم ب(وفاة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وموضع قبره): ص 295 - 390 .
المسألة الأولى: قصدية البيات في الثرى النبوي بين تغيّب قبرها وحظوره
اشارة

يأخذنا النص الشريف هنا إلى حقائق جديدة على اختصار اللفظ الشريف، فقد تدرج (عليه السلام) من تحديد زمان قوله ومخاطبته للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الكلمات إلى بيان موضع قبرها، ثم شأنية ثرى البقعة النبوية، ووصولاً إلى تحديد هذه البقة، وانتهاءً بفضح المبطلين في النبي (صلى الله عليه وآله) في بيت عائشة، فضلاً عن بيان شأنية فاطمة (عليها اسلام) وهو جوهر السياق الدلالي من بدء حديثه (عليه السلام) إلى هنا، فقد كانت قصدية منتج النص هي مراعاة هذه الحرمة التي لو راعها المسلمون لما فجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذه

المصيبة.

من هنا:

فقد كشف النص عن هذه الحقائق وغيرها، وهي كالآتي:

أولاً: قصدية البيات بدلالته الزمانية، وارتكازه بوصيتها لعلي (علیه السّلام)

يفيد معنى البيات لغةً تحديد الزمان الذي يمر على الإنسان (فكل من أدركه الليل فقد بات، نام أم لم ينم)(1).

وهذا يدل على قصدية منتج النص (عليه السلام) في اظهار وقت دفنه لفاطمة(عليها السلام)، اي: تحديد الزمان الذي وقف فيه أمير المؤمنين على بن أبي طالب (عليه السلام) يخاطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن ادركه الليل وقبل طلوع الفجر.

وإنّ دفن فاطمة (عليها السلام) كان في هذا الوقت كما هي أوصت بذلك إلى علي (عليه السلام)، و إنَّ اركاز قصدية منتج النص في بيان التزامه (عليه السلام)

ص: 203


1- لسان العرب لابن منظور: ج 2 ص 16 .

لما جاء في وصيتها له في كيفية دفنها وتجهيزها والصلاة عليها، وتحديد زمان ذلك ومن يقوم به؛ فقالت له:

«يا بن العم إنه قد نعيت إلى نفسي وإنني لا أرى ما بي، إلا إنني لا حقة بأبي ساعة بعد ساعة، وأنا أوصيك بأشياء في قلبي .»

قال لها (عليه السلام):

«أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .»

فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت، ثم قالت:

«يا بن العم ما عهدتني كاذبة، ولا خائنة، ولا خالفتك منذ عاشرتني .»

فقال (عليه السلام):

«معاذ الله، أنت أعلم بالله، وأبرّ وأتقى وأكرم وأشد خوفاً من الله، أن أوبخك بمخالفتي، قد عزّ علي مفارقتك وفقدك إلا أنه أمر لا بد منه، والله قد جددتِ عليَّ مصيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقد عظمت وفاتك وفقدك، فإنا لله وإنا إليه راجعون، من مصيبة ما افجعها، وألمّها، وأمضاها، وأحزنها، هذه والله مصيبة لا عزاء لها، ورزية لا خلف لها .»

ثم بكيا جميعاً ساعة، وأخذ علي (عليه السلام) رأسها وضمها إلى صدره، ثم قال:«اوصيني بما شئت، فإنك تجديني فيها أمضي كما أمرتني به، واختار أمرك على أمري .»

ص: 204

ثم قالت:

«جزاك الله عني خير الجزاء، يا ابن عم رسول الله، أوصيك في نفسي وهي أحب الأنفس إلي بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذا أنا متّ فغسلني بيدك وحنطني، وكفنّي، وادفني ليلاً .»

ثم قالت لعلي (عليه السلام):

«إن لي إليك حاجة يا أبا الحسن .»

فقال (عليه السلام):

«تقضى يا بنت رسول الله (صلى لله عليه وآله وسلم) .»

قالت:

«ناشدتك بالله، وبحق محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أن لا يصلي عليَّ أبو بكر وعمر، فإني لا أكتمك حديثاً .»

فقالت:

«قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يا فاطمة! إنك أول من يلحق بي من أهل بيتي، فكنت أكره أن أسوءك .»

ثم قالت:

«أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني، وأخذوا حقّي، فإنهم عدوي وعدو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا تترك أن يصلي عليَّ أحد منهم ولا من أتباعهم، وادفني في الليل، إذا هدأت العيون، ونامت الأبصار .»(1).

ص: 205


1- بحار الأنوار: ج 43 ص 191 - 192 ، بيروت، ج 29 ص 112 ، الطبعة الحجرية؛ مستدرك الوسائل للنوري: ج 2 ص 290 ؛ روضة الواعظين للفتال: ص 181 ؛ ناسخ التواريخ: ص 201 ؛مسند فاطمة عليها السلام لحسين شيخ الإسلام: ص 480 ؛ موسوعة هذه فاطمة للمؤلف: ج 7 ص 310 - 313 .

وهذا القسم من وصيتها لعلي (عليه السلام) والذي تعلق بوصيتها بنفسها ومناشدتها أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) في أن لا يحضر جنازتها أبو بكر وعمر ولا أحد ممن ظلمها، وأن تدفن في الليل إذا هدأت العيون، ونامت الأبصار، وهو الذي يتسق مع دلالة قوله (عليه السلام):

«البائتة في الثرى ببقعتك .»

فالبِيَاتْ هنا بمعنى: إدراكها الليل وهي في بقعة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإنّ وقت مخاطبته (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله) هي بعد انقضاء شطراً من الليل وقُبيل طلوع الفجر وهذا في بيان معنى «البيات » بدلالته الزمانية.

أما دلالته المكانية فهي تفيد معنى آخر كما سيأتي في ثانياً.

ثانياً: قصدية البيات بدلالته المكانية

يفيد (البَياتْ) أو (البائِتْ) في بيان الدلالة المكانية لمن يبيت، ف(البائِتْ) وهو (الغائب)(1) لمن لا يكون له ظهور في المكان؛ فمن يبيّت أمراً في نفسه غيّبه من الظهور ومن كان بائت في داره يكون غائباً عن الأنظار في خارج الدار.

وهنا يفيد معنى قوله (عليه السلام):

«البائتة في الثرى ببقعتك .»

أي: الغائبة في الثرى؛ بمعنى: أن الثرى الذي غيّب فيه جسد الزهراء فاطمة (عليها السلام) هو بقعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وثراه وليس في

ص: 206


1- لسان العرب لابن منظور: ج 2 ص 16 .

ثرى آخر ولا في مكان آخر، بل هي تحديداً في بقعته (صلى الله عليه وآله) وهذا يقطع الطريق على الظنون في كونها دفنت في مكان آخر.

وهذا ما سنعرض له في المسألة الآتية.

المسألة الثانية: قصدية البيات في ثرى البقعة النبوية بتحديد مكان
اشارة

إن الاختلاف في موضع قبر بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مرده إلى قيام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) بتنفيذ وصيتها (عليها السلام) في اعفاء موضع قبرها وأن لا يشهد جنازتها أحد ممن ظلمها، فلم يؤذن بها أبو بكر وعمر بن الخطاب خاصة(1)، ولذا دفنها (عليه السلام) في الليل(2).

ولذلك اصبح قبرها واخفاؤه وتغيّبه عن المسلمين من الخصائص التي اختصت بها سيدة نساء العالمين (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها) على بنات ونساء الأنبياء والمرسلين، بل حتى الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين فقد

ص: 207


1- أنساب الأشراف للبلاذري: ج 1 ص 491 ، وجاء فيه (لم يعلم أبا بكر وعمر بذلك)؛ الإصابة لابن حجر: ج 8 ص 60 ، طبعة دار الجبل، وجاء فيه (إن علياً صلى عليها ودفنها بليل بعد هداة)؛ السنن الكبرى للبيهقي: ج 3 ص 369 ؛ سبل السلام للصنعاني: ج 2 ص 236 ؛ تهذيب التهذيب لابن حجر: ج 6 ص 554 ؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 22 ص 398 ؛ مشكل الآثار للطحاوي: ج 1 ص 137 ، باب 23 ، وقال: (ولم يؤذن بها أبا بكر)؛ المغني لابن قدامة: ج 3 ص 503 ؛ وفاء الوفاء للسمهودي: ج 3 ص 901 - 902 ؛
2- المصنف لابن أبي شيبة: ج 3 ص 31 برقم 11827 ؛ المصنف لعبد الرزاق الصنعاني: ج 3 ص 521 برقم 6554 ؛ حاشية ابن القيم: ج 8 ص 309 ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج 4 ص 31 برقم 6702 ؛ معرفة الثقات للعجلي: ج 2 ص 458 ؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 8 29 ؛ المغنيلابن قدامة: ج 2 ص 218 ؛ المدونة الكبرى لمالك بن انس: ج 1 ص 186 ؛ تهذيب الكمال للمزي:ج 35 ص 252 .

كانت لهم قبور معروفة واضرحة مشهودة كما هو حال قبورهم في بيت المقدس وغيره من الأماكن والمدن كالنجف الأشرف وكربلاء المقدسة والكوفة والمدينة المنورة ومكة.

فمن حجر نبي الله اسماعيل إلى قبر إبراهيم الخليل مروراً بقبر سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) كلها شواهد حق تطالب بمعرفة اختفاء قبر فاطمة وتغيّبه وهي ابنة خاتم الأنبياء وأشرفهم وسيدهم، فضلاً عن كونها من أفضل النساء الأربعة وخيرهم وسيدتهم جميعاً، كما مرّ بيان بعض الأحاديث الشريفة في شأنها سابقاً في كونها قرة عين رسول الله (صلى الله عليه وآله سلم).

ولذا:

فقد اختلف المسلمون على اختلاف مشاربهم العقدية ومدارسهم الفقهية في تحديد موضع قبرها (عليها السلام) وذلك للعلة التي مرّ ذكرها.

وعليه:

يمكن لنا ان ندرج الأقوال في تحديد موضع قبرها لإظهار قصدية منتج النص (عليه السلام) في قوله «البائته في الثرى ببقعتك » كالآتي:

أولاً: إن قبر فاطمة (علیها السّلام) في دارها الذي كان ملاصقاً للحجرة النبوية

وقد دلت عليه بعض الروايات الشريفة الواردة عن أئمة آل البيت (عليهم السلام)، وهي:

1- أخرج الحميري عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الإمام أبي الحسن الرضا(عليه السلام) قال: (سألته عن فاطمة بنت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ): أيّ مكان دفنت؟ فقال:

ص: 208

«سأل رجل جعفر(1)(عليه السلام) عن هذه المسألة، وعيسى بن موسى حاضر، فقال له عيسى: دفنت في البقيع، فقال الرجل ما تقول؟ فقال: قد قال لك، فقلت له أصلحك الله ما أنا وعيسى بن موسى؟ أخبرني عن آبائك؟ فقال (عليه السلام): دفنت في بيتها .»(2).

-2-وأخرج الكليني والصدوق، عن ابن أبي نصر قال:(سألت الرضا (علیه السّلام) عن قبر فاطمة (علیها السّلام)؟ فقال:

«دفنت في بيتها، فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد .» )(3).

3- أخرج الشيخ الكليني عن عبد بن رزين قال: (كنت مجاوراً بالمدينة، مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان أبو جعفر (عليه السلام) يجيء في كل يوم مع الزوال إلى المسجد فينزل في الصحن ويصير إلى رسول الله (صلى الله عليه

وآله وسلم) ويسلّم عليه ويرجع إلى بيت فاطمة (عليها السلام) فيخلع نعليه ويقوم فيصلي).(4)

ثانياً: إنه في الروضة التي بين منبر النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وقبره

1- روى الصدوق عن أبي بصير، عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما بين قبري ومنبري روضة من رياض

ص: 209


1- أي: الامام الصادق (عليه السلام)
2- قرب الإسناد للحميري: ص 367 ، وص 160 ؛ مستدرك الوسائل: ج 10 ، ص 211 .
3- الكافي للكليني: ج 1، ص 461 ؛ من لا يحضره الفقيه للصدوق: ج 1، ص 229 ؛ تهذيب الأحكام:ج 3، ص 355 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام: ج 1، ص 311 ؛ معاني الأخبار: ص 268 ؛وسائل الشيعة: ج 14 ، ص 369 .
4- الكافي للكليني: ج 1، ص 493.

الجنة ومنبري على ترعة من ترع الجنة لأن قبر فاطمة (عليها السلام) بين قبره ومنبره وقبرها روضة من رياض الجنة وإليه ترعة من ترع الجنة .»(1).

2- أخرج الطوسي في زيارة فاطمة (عليها السلام) فقال:

(إنك تأتي الروضة فتزور فاطمة (عليها السلام) لأنها مدفونة هناك)(2).

3- ويستفاد من وصية الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) أنها مدفونة في الروضة فقد جاء في وصيته لأخيه الإمام الحسين (عليه السلام): «يا أخي إني أوصيك بوصية فاحفظها فإذا أنا مت فهيئني، ثم وجهني إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لأحدث به عهداً، ثم اصرفني لأمي فاطمة، ثم ردني فأدفني بالبقيع، واعلم أنه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعها .»(3).

4- أخرج ابن جرير الطبري (الشيعي) عن إبراهيم بن محمد بن جبرائيل قال: (رأيت الحسن بن علي وقد استسقى ماء فأبطأ عليه الرسول فاستخرج من سارية المسجد ماء فشرب وسقى أصحابه ثم قال:

«لو شئت لسقيتكم لبنا وعسلا؟ قلنا: فاسقنا، فسقانا لبنا وعسلا من سارية المسجد مقابل الروضة التي فيها قبر فاطمة عليها السلام .)» (4).

5- روى السيد ابن طاووس في الإقبال عن أبي الحسن إبراهيم بن محمد الهمذاني قال: كتبت إليه، أي الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام: (إن رأيت أن تخبرني عن

ص: 210


1- معاني الأخبار: ص 267 .
2- تهذيب الأحكام: ج 6، ص 9.
3- وسائل الشيعة: ج 3، ص 164 .
4- دلائل الإمامة للطبري: ص 66 .

بيت أمك فاطمة أهي في طيبة، أو كما يقول الناس في البقيع فكتب؟:

«هي مع جدي (صلى الله عليه وآله وسلم) .»(1).

6- قال السمهودي: المقصورة اليوم دائرة عليه وعلى حجرة عائشة، والمحراب الذي ذكره ابن النجار إنه في بيت فاطمة يكون خلف حجرة عائشة من جهة الزور، بينه وبين موضع تحترمه الناس ولا يدوسونه بأرجلهم يذكر أنه موضع قبر فاطمة)(2).

ثالثاً: إنه في البقيع

ولقد أشارت جملة من الروايات على أن قبرها (عليها السلام) كان في البقيع، فمنها:

1-قال المراغي: إنه في البقيع(3).

2- قال ابن شبة النميري: إن قبر فاطمة (عليها السلام) وجاه زقاق نبيه، وإنه إلى زاوية دار عقيل أقرب)(4).

3- وقد أشار بعض أبناء العامة إلى أنه في البقيع عند قبور أبناءها الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)(5).

ص: 211


1- مستدرك الوسائل: ج 10 ، ص 210 .
2- وفاء الوفاء للسمهودي: ج 2، ص 469 .
3- تحقيق النصرة للمراغي: ص 126 .
4- تاريخ المدينة لابن شبة النميري: ج 1، ص 105 .
5- تاريخ بغداد: ج 1، ص 138 ؛ الاستيعاب لابن عبد البر: ج 1، ص 392 ؛ الطبقات لابن سعد:ج 8، ص 29 ؛ نيل الأوطار للشوكاني: ج 4، ص 125 ؛ نزهة الناظرين للبرزنجي: 114 .

إلاّ أن الذي عليه مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) إنها مدفونة في بيتها فهي في داخل الروضة النبوية المقدسة، وفي ذلك أشار الشيخ الطوسي فقال: (وقد اختلف أصحابنا في موضع قبرها، فقال بعضهم: إنها دفنت بالبقيع، وقال بعضهم: إنها

دفنت بالروضة، وقال بعضهم: إنها دفنت في بيتها، فلما زاد بنو أمية (لعنهم الله) في المسجد صارت من جملة المسجد، وهاتان الروايتان كالمتقاربتين، والأفضل عندي أن يزور الإنسان من الموضعين جميعا، فإنه لا يضره ذلك ويجوز به أجرا عظيما، وأما

من قال إنها دفنت بالبقيع فبعيد من الصواب، والذي روي في فضل زيارتها أكثر من أن يحصى)(1).

فضلاً عن ذلك فإن دلالة قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في مخاطبته لرسول الله (صلى الله عليه وآله سلم): «والبائتة في الثرى ببقعتك .»

تكشف النقاب عن حقيقة موضع قبرها (عليها السلام) فهي في ثرى بقعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وروضته الفردوسية، وأن ما ورد عن الأئمة (عليهم السلام) في أنها دفنت في دارها فهو محمول على كون دارها واقعاً في الروضة وأن قوله (صلى الله عليه وآله):

«ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة .»(2).

هو يشمل حجرتها التي عاشت فيها وولدت أولادها وماتت فيها وأن باب بيت فاطمة هو الباب الذي استثناه رسول الله (صلى اله عليه وآله وسلم) من الإغلاق

ص: 212


1- تهذيب الأحكام للطوسي: ج 6، ص 9.
2- المصنف لابن ابي شيبة الكوفي: ج 7 ص 413 .

حينما أمره الله تعالى بسد الأبواب الشارعة إلى المسجد(1).

وعليه:

فإن قبرها في ثرى بقعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التي دُفن فيها وهي روضة من رياض الجنة وترعة من ترعها.

لكن ثمة سؤال آخر..

إذا كان الإمام علي (عليه السلام) قد دفن فاطمة (عليها السلام) في ثرى بقعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فكيف تمكن من ذلك، وعائشة تقول أنه دفن في دارها؟!!

وكيف يتحقق عمل الإمام علي (عليه السلام) بدفن فاطمة في الليل كما اوصته بذلك وأن يدفنها سراً، والنبي مدفون في بيت عائشة؟!، ألا ينافي ذلك مع تحقق غرض الدفن في الليل وسرية هذا العمل واخفاء قبرها؟!!

إنها أسئلة تبحث عن الإجابة، وجوابها في المسألة القادمة.

المسألة الثالثة: دلالة بياتها (علیها السّلام) في ثرى النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يكشف اكذوبة دفن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في بيت عائشة، وانها قصدية سبقت وقوع الحدث

إن من الحقائق التي تكشف حجم الظلم الذي أنزله بعض الرموز الإسلامية في تغيير وجه الإسلام وحرفه عن مساره هي حقيقة موضع قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتحديد مكانه.

ص: 213


1- للمزيد من الاطلاع ينظر: ظاهرة الاستقلاب في النص النبوي والتاريخي، للمؤلف.

والنص الشريف الوارد عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في مخاطبته لرسول الله (صلى الله عليه وآله):«والبائتة في الثرى ببقعتك .»

يدفع إلى البحث عن معرفة موضع قبره (صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك لما هو ثابت عند المسلمين من أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قد دُفن في بيت عائشة ومن ثم تم دفن أبي بكر وعمر في بيتها، وقد ورد عنها في ذلك بعض

الأحاديث كما روي عن غيرها كذلك، ومنها:

1- أخرج ابن سعد في الطبقات، عن عائشة أنها قالت: (ما زلت أضع خماري وأتفضل في ثيابي حتى دُفن عمر، فلم أزل متحفظة في ثيابي حتى بنيت بيني وبين القبور جداراً)(1).

2- ولما طُعن عمر بن الخطاب وأدرك أنه هالك من هذه الطعنة أرسل إلى عائشة يطلب منها أن يُدفن إلى جنب صاحبه أبي بكر فقال لها: (إن كان لا يضرك ولا يضيق عليك، فإني أحب أن أُدفن مع صاحبي)(2).

3-ولما دُفن عمر في بيت عائشة قامت ببناء جدار، ففصلت بين قبر أبي بكر وعمر والقبر الوهمي الذي صنعته، فنسبته للنبي (صلى الله عليه وآله) لتثبت في أذهان الناس أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد دُفن في بيتها وإلى جواره دُفن أبيها وصاحبه عمر بن الخطاب فقامت فبنت جداراً بين هذه القبور فقسمت البيت إلى قسمين، وفي ذلك يقول مالك بن أنس: (قُسّم بيت عائشة باثنين، قمس كان فيه القبر، وقسم كأن تكون ناحية عائشة وبينهما حائط، فكانت عائشة ربما دخلت

ص: 214


1- الطبقات الكبرى: ج 3 ص 264 ؛ وفاء الوفاء للسمهودي بتحقيق السامرائي: ج 2 ص 301 .
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم: ج 3 ص 99 برقم 4519 .

حيث فصلاً، فلما دُفن عمر لم تدخله إلا وهي جامعة عليها ثيابها(1).

والسؤال المطروح:

إذا كانت عائشة قد أظهرت للمسلمين بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد دُفن في بيتها، وأن قبره (صلى الله عليه وآله) وقبر أبيها وصاحبه في جهة من البيت، وأنها قامت ببناء جدار بفصل البيت عن هذه القبور!

فكيف قام الإمام علي (عليه السلام) بدفن فاطمة في ثرى بقعة النبي (صلى الله عليه وآله) دون علم عائشة بذلك؟!!

وعليه فنحن أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أنّ الإمام علي (عليه السلام) قد دفن فاطمة (عليها السلام) في ثرى البقعة التي دُفن فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دون علم عائشة ومعرفتها بذلك، وهذا محال لا سيما وأنه عليه السلام قد

دفن فاطمة (عليها السلام) في الليل كما هو ثابت في المصادر الإسلامية التي أجمعت على ذلك فلم ولن نجد رواية تخبر عن أن علي (عليه السلام) قد دفن فاطمة (عليها السلام) في النهار وفي علم من الناس وشهود منها لجنازتها ومدفنها.

وأما الخيار الآخر وهو أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قد دُفن في مكان آخر غير بيت عائشة، وهو الصحيح الذي أثبتناه من خلال الدراسة الموسومة ب(وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وموضع قبره وروضته بين اختلاف أصحابه واستملاك أزواجه).

وقد خلصت الدراسة إلى أمور عدة، منها:

ص: 215


1- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 3 ص 364 ؛ وفاء الوفاء للسمهودي بتحقيق السامرائي: ج 2 ص 301 .

1- إن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قد تولى تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ويعينه في ذلك ثلّة ممن ثبت ولم يذهب إلى سقيفة بني ساعدة لغرض التحزب لأحد الطرفين المتنازعين في تولي

السلطان والإمارة.

2-إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد دفنه الإمام علي (عليه السلام) حيث قبض، وهي حجرته الخاصة التي اعتزل نساءه فيها شهراً، وهي الموضع الذي كان يعتكف فيه، ومرّض فيه مرضه الذي توفي بسببه، ومات فيه، ودُفن فيه وأنه في الروضة النبوية داخل المسجد.

3- إنَّ أبا بكر وعمر دُفنا في بيت عائشة فيكونا بذلك خارج حدود المسجد النبوي فهما لم ولن يكونا في روضته (صلى الله عليه وآله وسلم).

4-إنَّ هذا القبر الذي في بيت عائشة والذي نُسب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو قبر رمزي ومختلق وكذبة من أكاذيب السلطة والإمارة(1) التي انبثقت يوم انعقاد مجلس سقيفة بني ساعدة.

فهذا الثرى الطاهر والبقعة النبوية ما هي إلا روضة من رياض الجنة قد أنشئها الله تعالى بلطفه وسابق علمه لسيد خلقه وأشرف أنبيائه ورسله، فكيف يحل فيها غيره وهي روضة الحبيب المصطفى المطهر من الرجس، فلا يحل فيها إلا المطهرون

وهم الذين نص عليهم القرآن وجللهم النبي (صلى الله عليه وآله) بالكساء اليماني، وهم: فاطمة وابوها وبعلها وبنوها.

ص: 216


1- هاتان المفردتان وردتا على لسان عمر بن الخطاب في يوم السقيفة حينما كان يتجاذب الحديث بينه وبين الأنصار فقال: (من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته)، تاريخ الطبري:: ج 2 ص 457 ؛ نهاية الإرب للنويري: ج 19 ص 34 .

إنه ثرى خاص في بقعة خاصة ليس لها نظير إلا من كان طاهراً كطهر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا يظهر قصدية منتج النص (عليه السلام) التي سبقت وقوع الحدث في ادعاء عائشة بأن النبي دفن في بيتها وان بيتها في الروضة لتجعل من دفن ابيها وصاحبه شأنية وقدسية لهما وهو اكذوبة فوضتها حقيقة دفن فاطمة (عليها السلام) في بقعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو ما يعد اعجازاً ومن المغيبات التي تحدَّث عنها منتج النص قبل وقوعها، فبين دفن ابي بكر ومدعى عائشة لسنوات.

فضلاً عن ذلك فقد اكتنز النص قصديات جديدة تكمن في بيان التلازم بين عمل الانسان وشأنيته وموضع قبره، بل ان هناك تلازماَ بين ثرى القبر والطينة التي خلق منها الانسان.

ولذا:

بِمَ تختلف هذه البقعة النبوية والثرى الذي باتت فيه بضعته فاطمة صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها؟!

هذا ما سنتناوله في المبحث القادم.

ص: 217

ص: 218

المبحث الثامن: المقاصدية في إيراده لفظ «ببقعتك » وإلحاق
اشارة

ص: 219

قوله (عليه السلام) «النَّازِلَة فيِ جِواَرِكَ البْاَئتِة فيِ الثَّرىَ ببِقُعتَكِ »َ
اشارة

ص: 220

ينقلنا منتج النص (عليه السلام) في خطابه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى معارف متجددة تبين مكنون لفظ (الثرى) ودلالته الى مكنون لفظ (بقعتك) ودلالاتها حقائق عديدة يفرضها النص على المتلقي تقوده الى التأمل والبحث والدراسة في مقاربة قصدية منتج النص (عليه السلام) حينما اتبع لفظ الثرى بلفظ (البقعة) وإن كان مؤداها الدلالي والمعرفي في بادئ الامر هو واحد: فالمقصود في ذلك ان فاطمة (عليها السلام) قد دفنت في جوار النبي (صلى الله عليه وآله)، وهذه هي القوة الانجازية لفعلي (النزول والبيات)، اي: قوله (عليه السلام):

«النازلة في جوارك والبائتة في الثرى ببقعتك »؛ فالمؤدى التواصلي فيما بين منتج النص والمتلقي قد تحقق وظهر غرضه في تحديد موضع قبرها و أين دفنها (عليها السلام).

لكن السؤال: لماذا اردف لفظ (الثرى) ب(البقعة) والصاقها بالضمير فخصصها به (صلى الله عليه وآله)؟

في حين لو تم الاكتفاء بلفظ الثرى والنزول بالمجاورة لتحقق الغرض في بيان الموضع الذي وقفت فيه فاطمة (عليها السلام)، كأن يقول -مثلاً-: «النازلة في جوارك والبائتة في ثراك » لكنه جاء بلفظ آخر عضّد به حقيقة جديدة فكانت له فيها قصدية محددة.

وفي هذا المبحث نحاول ان نقارب قصدية منتج النص (عليه السلام) في ايراده للفظ البقعة وذلك فيما نتناوله في المسائل الآتية.

ص: 221

المسألة الأولى: قصدية التلازم بين خلق طينة ابدان العترة النبوية والمثلية في القرآن الكريم

إنّ المقاربة الاولى لقصدية منتج النص (عليه السلام) في ايراده لفظ «بقعتك » هو اظهار الملازمة بين خلق طينة ابدان العترة النبوية (عليهم السلام) وبين المثلية التي نص عليها القرآن الكريم، فالبقعة هنا هي طينة قبر النبي (صلى الله عليه وآله)

وخصوصية العلاقة فيما بينها وبين ابدان العترة النبوية وذلك لبيان التخصيص في كون هذه البقعة روضة من رياض الجنة، ومن ثم فإن لبيات فاطمة فيها علاقة بالطينة التي خلقت منها ابدانهم.

وعليه:

فإن حقيقة أبدان العترة الطاهرة ليست كأبدان الآدميين، وهي حقيقة لم تختص بالمدرسة الإمامية وإنما تناولها أئمة مدرسة السنة والجماعة في كتبهم، منها الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما، قال النبي (صلى الله عليه وآله

وسلم): «إني لست كهيئتكم »(1).

وإن الاختلاف بين هيئة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) أي بدنه الشريف وبين أبداننا يعود إلى الطينة التي خلق منها محمد (صلى الله عليه وآله

ص: 222


1- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الصوم، باب الوصال: برقم ( 1836 )، وج 2، ص 242 ، ط دار الفكر؛ وأخرجه مسلم في الصحيح: كتاب الصوم باب النهي عن الوصال، برقم ( 1105 )، وج 3، ص 134 ، ط دار الفكر، بيروت؛ وسوف نورد المزيد من مصادره في باب: خلقها من ثمار الجنة؛ المجموع للنوري: ج 6، ص 356 ؛ كتاب الموطأ لمالك: ج 1، ص 300 ؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 64 ، ص 252 ؛ مسند احمد بن حنبل: ج 2، ص 128 .

وسلم) وعترته الطاهرة فهي غير الطينة التي خلق منها بني آدم، فطينة النبي وعترته (عليهم السلام) كانت من السماء وطينة جميع الناس من الأرض.

وشتان بين عالم السماء الذي يسمى بعالم الأمر وبين عالم الخلق وهو الأرض، فكل عالم له خصائصه وأحواله التي تختلف كلياً عن العالم الآخر.

فعالم الأمر لا كثافة لمادته التي تتكون منها الأشياء؛ وفي نشوئها لا تحتاج إلى مدة زمنية؛ لأنها تظهر بأمر الله عزّ وجلّ، أمّا عالم الخلق والجسمانيات فالأشياء فيه لا تتكون إلاّ من مادة، ولا تستغني عن الزمن، والإنسان جمع الله فيه عالم الأمر وعالم

الخلق، فالروح من عالم الأمر والجسد من عالم الخلق، والروح لا تتدرج في النمو إنما الذي ينمو هو البدن وهو الذي يتدرج.

وعالم الروح طاهر نوراني، وعالم البدن مركب ظلماني، والروح باقية، والبدن فانٍ، والمتوفى الذي حضر أجله لا تموت فيه الروح إنما في الحقيقة الذي يموت هو البدن لخروج الروح منه. وهذا يعني أن الأشياء التي مصدرها عالم الأمر كالروح فهي باقية حيّة وتبعث الحياة في الأجسام التي خلقت من عالم الخلق وما الحياة في عالم الخلق إلاّ لحلول جزء من عالم الأمر فيها وهي الأرواح فإذا تركت الروح الجسد عاد الجسد إلى عالمه الذي خلق منه وأخذ حالته وصفته وطبعه الذي جعله الله فيه؛ومن طباع عالم الخلق الفناء والاضمحلال والزوال.

ومن هنا: نجد أن نبي الله الخضر عليه السلام كان إذا جلس على جذع يابس اخضر وإذا مشى على الأرض الميتة اخضرت، ولهذا سمي (بالخضر)، والسر في ذلك وعلته، إنه عليه السلام شرب من ماء الحياة، وماء الحياة هو ماء من عالم الأمر الذي تكون الأشياء فيه باقية حية وتبعث الحياة في الأجسام الميتة بإذن الله تعالى،وهي حقيقة نص عليها القرآن في قوله تعالى:

ص: 223

﴿وَإذِ قَالَ مُوسَى لفِتاَهُ لَا أبَررَحُ حَتىَّ أبَلُغَ مَمْجعَ البْحَرَيْنِ أوَ أمَضِی حُقُباً * فَلَمَّ بَلَغَا مَمْجعَ بَينْهِمَا نَسِياَ حُوتُهمَا فَاتَّخذَ سَبيِلَهُ فِ البْحَرِ سَربًا * فَلَمَّ جَاوَزَا قَالَ لفِتاَهُ آتَنِاَ غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِيناَ مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا * قَالَ أَرَأَيْتَ إذِ أَوَيْناَ إلِی الصَّخْرَةِ فَإنِّ نَسِيتُ الُحوتَ

وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخذَ سَبِيلَهُ فِی الْبَحْرِ عَجَبًا)(1).

وسبب تعجّب وصيّ موسى (عليه السلام) هو عودة الحياة للسمكة المجففة اليابسة حينما لامست ماء الحياة فأخذت تجري فيها.

وهكذا هي الأجسام التي خلقت من عالم الملك فإنها إذا اتصلت بشيء من عالم الأمر عالم السماء ظهرت فيها الحياة بإذن الله، وإذا فارقتها ماتت وفنيت؛ لأنها تخضع لقانون وحالة من حالات عالم الخلق.

فحقيقة الموت هو إرجاع كل جزء إلى عالمه فالروح تعود إلى عالمها الذي خلقت منه وهو عالم الأمر بعد مراحل تمر بها وهي القبر ثم البرزخ ثم المحشر ثم الحساب ثم إما إلى النار -والعياذ بالله- وإما إلى الجنة حيث تنقاد هذه الروح إلى قوانين ذلك العالم وطبيعته ومنها البقاء والخلود، أما الجسد فيعود إلى عالمه فتنحل مادته وتنصهر خلاياه وهو آخر أمره.

أما قبل هذه المرحلة فإن الأجسام بعد تحلل مادتها تعاد مرّة أخرى كما ينصهر الذهب، ويعاد شكله من صورة إلى أخرى فقد تعود بعض ذرات هذه الثمرة إلى ذلك البدن الإنساني أو الحيواني، بعد أن يمزج الجميع في التربة، أما عند يوم البعث فإن الأجساد تعود إلى نواتها فتتجمع الذرات حول نواة الأجسام وتعاد إلى هيئاتهاوصورها التي خلقها الله تعالى شأنه.

ص: 224


1- سورة الكهف، الآية ( 60 - 63 ).

ويتعارف الناس بصورهم وهيئاتهم التي خلقوا عليها باستثناء العلل التي كانت في هذه الأبدان في الحياة الدنيا؛ إذ يتخلص البدن من جميع عيوبه وعلله في يوم البعث من القبور، يوم النشر والحشر.

ومن هنا:

فإنّ بدن النبي الأعظم والإمام علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة التسعة من ولد الحسين (صلوات الله عليهم أجمعين) تختلف عن أبدان الخلق أجمعين؛لأن الطينة المقدسة التي خلقوا منها هي من عالم الأمر والسماء، من عالم النور، فهي بذلك طاهرة لطيفة لا كثافة فيها مع أن الأبصار تدركها والحواس تحسها.

بمعنى آخر:

أن الله تبارك وتعالى جمع في بدن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) المثلية البشرية كما نص عليها قوله تعالى:

﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَر مِثْلُكُمْ)(1).

فهو يأكل مما يأكله البشر ويتزوج كما يتزوجون وله ولد كما لهم وإنه ولد من أبوين وغيرها من المظاهر والأفعال البشرية التي تنزهه عن الغلو وتجعله في مصاف البشرية الآدمية.

إلا أن هذه المثلية التي نص عليها القرآن الكريم قد جمع الله معها آثار النور والروح والطينة التي خلق منها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والتي أشارت الأحاديث الشريفة إلى مواضعها من السماء.

ص: 225


1- سورة الكهف، الآية ( 110 ).

فكان للنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) من الخصائص النبوية التي تفرد بها عن أنبياء الله مع ما له من المثلية البشرية التي جاء بها القرآن الكريم، وبعضاً منها شاركهم فيها، وهذه الخصائص النبوية هي كالآتي:

1- لا يقع على بدن النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا على ثيابه الذباب والبعوض(1).

2-لا يشم من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رائحة كريهة(2).

3- لا يصيبه حر ولا برد(3).

4- إن النبي الأكرم يكون طاهر الحدثين، يعني طاهر البول والغائط(4).

5- إن دمه (صلى الله عليه وآله وسلم) طاهر(5).

6- إن جسد النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تأكله الأرض فهو لا يبلى(6).

7- لا يرى ما يخرج منه عند الاختلاء فالأرض تبتلع ما يخرج منه(7).

ص: 226


1- الخصائص النبوية للقسطلاني: ص 85 ؛ تاريخ الخميس للدياربكري: ج 1، ص 219 ؛ الشفا للقاضي عياض: ج 1، ص 368 .
2- المناقب لابن شهر آشوب: ج 1، ص 108 ؛ البحار للمجلسي: ج 16 ، ص 176 .
3- سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم للسيد العلامة الطباطبائي: ص 403 .
4- الشفا بحقوق المصطفى للقاضي عياض: ج 1، ص 63 .
5- طهارة آل محمد للسيد علي عاشور: ص 210 .
6- سنن النبي للعلامة الطباطبائي: ص 86 ؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: ج 4،ص 560 ؛ سنن السجستاني: حديث 1531 .
7- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 1، ص 171 ؛ الفضائل لابن شاذان القمي: ص 29 ؛ المعجم الأوسط للطبراني: ج 8، ص 21 ؛ الصفا بحقوق المصطفى للقاضي عياض: ج 1، ص 63 ؛ أخبار اصبهان للحافظ الاصبهاني: ج 1، ص 211 .

8- لا تصيبه الجنابة من الاحتلام فالشيطان لا يقربه، ولذا فهو لم يحتلم قط(1).

9- ليس للنبي الأكرم ظل، أي إذا وقف في الشمس أو في أي ضوء فلا يرى له ظل(2).

10- إنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يسمع في منامه كما يسمع في انتباهه(3).

11-لا ينتقض وضوؤه بالنوم(4).

12- إن العود اليابس يخضر في يديه (صلى الله عليه وآله وسلم)(5).

13- ولد مختونا ومقطوع السرة(6).

14-خرج يوم ولدته آمنة ولم يكن به قذر(7).

15- كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يرى في الظلمة كما يرى في الضوء(8).

16-غوص قدميه في الصخر إذا مشى(9).

17- إنه حي في قبره ويصلي(10).

ص: 227


1- الخرائج والجرائح للراوندي: ج 2، ص 571 .
2- امتاع الأسماء للمقريزي: ج 10 ، ص 308 ؛ سبل الهدى والرشاد للصالحي: ج 2، ص 90 .
3- سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم للطباطبائي: ص 408 .
4- السنن الكبرى للبيهقي: ج 1، ص 202 .
5- مصباح الكفعمي: ص 733 .
6- الخصائص النبوية للقسطلاني: ص 85 .
7- المصدر السابق.
8- عمدة القاري في شرح صحيح البخاري للعيني: ج 5، ص 254 ؛ الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض: ج 1، ص 68 .
9- الخصائص النبوية للقسطلاني: ص 90 .
10- الخصائص النبوية للقسطلاني: ص 189 .

18-إن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يرى من وراء ظهره كما يرى من أمامه، وقد تناقلت هذه الحقيقة صحاح أهل السنة والجماعة لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«إني لأراكم من وراء ظهري .»(1).

وغيرها من الخصائص النبوية التي تفرد بها (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي خلاف ما عليه البشر وتتقاطع مع المثلية معهم.

إذن:

تنص الآية المباركة ﴿قُلْ إنِّمَا أَنَا بَشَر مِثْلُكُمْ)(2) على أن هذه المثلية البشرية مقيدة بقيود، هذه القيود حددت من اطلاق المثلية التي نصت عليها الآية وقد تمثلت

بتلك الخصائص التي ليس لبشر أن حظي بها سوى الانبياء والمرسلين وعترته أهل بيته الذين خلقهم الله تعالى من نوره ونور حبيبه المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأن طينتهم واحدة كما نصت عليها الأحاديث الشريفة.

وعليه:

فإن بدن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبدن فاطمة، وأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب والحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين من طينة واحدة، ولذا كان بيت فاطمة وعلي (عليهما السلام) في مسجد رسول الله يحل لهما فيه ما يحل لرسول

الله (صلى الله عليه وآله) وان خلقها من عالم الامر يجعلها متجانسة مع «بقعتك ،»

ص: 228


1- صحيح البخاري: كتاب الصلاة، باب: فضل استقبال القبلة: ج 1، ص 108 ؛ مسند أحمد: ج 2، ص 303 ، من رواية أبي هريرة.
2- سورة الكهف، الآية ( 110 ).

أي: مع البقعة التي دفن فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولذا: اعادها الامام علي (عليه السلام) الى موطنها فباتت في روضة من رياض الجنة.

المسألة الثانية: قصدية الملازمة بين طينة بدن فاطمة وطينة بدن النبي وانهما من الجنة، ومن بقعة واحدة
اشارة

تقتضي احادث خلق طينة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعترته اهل بيته (عليهم السلام) ودلالة لفظ (بقعتك) وتخصيصها لمكان محدد من الثرى على الملازمة بين وحدة المنشأ والموضع والبقعة التي اخذت منها ابدان النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله) اهل بيته الذين اذهب الله عنهم الرجس، وهي حقيقة نصت عليها العديد من الاحاديث الشريفة، منها:

أولاً: (إنها من جنة الفردوس)

عن عبيد الله بن يحيى، عن يحيى بن عبد الله بن الحسن، عن جده الحسن بن عليّ أمير المؤمنين عليه السلام قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«إن في الفردوس لعيناً أحلى من الشهد وألين من الزبدة، وأبرد من الثلج، وأطيب من المسك، فيها طينة خلقنا الله عزّ وجلّ منها وخلق شيعتنا منها، فمن لم يكن من تلك الطينة فليس منّا ولا من شيعتنا، وهي الميثاق الذي أخذ الله عزّ وجلّ عليه

ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام .»(1).

ص: 229


1- الأمالي للطوسي: ص 308 ، ح 620 / 67 ؛ تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 42 ، ص 65 ؛ بشارة المصطفى للطبري: ص 318 ، ح 32 .
ثانياً: (إن هذه الطينة من عليين)

1-محمد بن عيسى بن أبي الحجاج قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام):

«يا أبا الحجاج إن الله خلق محمداً وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم من طينة عليين، وخلق قلوبهم من طينة فوق ذلك، وخلق شيعتنا من طينة دون ذلك، وخلق قلوبهم من طينة عليين، فقلوب شيعتنا من أبدان آل محمد »(1).

2- قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): «خلقنا من عليين، وخلق أرواحنا من فوق ذلك، وخلق أرواح شيعتنا من عليين

وخلق أجسامهم من دون ذلك، فمن أجل القرابة التي بيننا وبينهم قلوبهم تحن إلينا »(2).

قال العلامة المجلسي رحمهُ الله: الحنين: شوق وتوقان النفس، نقول منه الله حنّ إليه يحن حنيناً فهو حان.

3-عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «إنّ الله خلقنا من أعلى عليين، وخلق قلوب شيعتنا مما خلقنا منه وخلق أبدانهم ممن دون ذلك فقلوبهم تهوي إلينا لأنها خلقت مما خلقنا، ثم تلا هذه الآية: ﴿كَلَّ إِنَّ كِتَابَ الْابْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ»(3).(4)

ص: 230


1- بصائر الدرجات للصفار: ص 34 ؛ البحار للمجلسي: ج 25 ، ص 8، ح 12 ؛ مستدرك سفينة البحار للشيخ علي النمازي: ج 6، ص 623 .
2- بصائر الدرجات للصفار: ج 1، ص 19 ، وص 40 ، ح 10 ؛ الكافي للكليني: ج 1، ص 389 ، ح 1؛علل الشرايع للصدوق: ج 1، ص 117 ، ح 15 ؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 58 ، ص 44 ، ح 21 .
3- سورة المطففين، الآية ( 18 ).
4- بصائر الدرجات للصفار: ص 35 .

4- عن جابر بن عبد الله الجعفي قال: (كنت مع محمد بن علي عليهما السلام، فقال (عليه السلام):«يا جابر خلقنا نحن ومحبينا من طينة واحدة بيضاء نقية من أعلى عليين فخلقنا

نحن من أعلاها وخلق محبونا من دونها فإذا كان يوم القيامة التفّت العليا بالسفلى وإذا كان يوم القيامة ضربنا بأيدينا إلى حجزة نبينا وضرب أشياعنا بأيديهم إلى حجزتنا، فأين ترى يصيّ الله نبيه وذريته، وأين ترى يصيّ ذريته محبيهم .»

فضرب جابر يده على يده فقال: دخلناها ورب الكعبة، ثلاثاً)(1).

5-عن الصادق (عليه السلام) قال:

«إنّ الله عزّ وجل خلقنا من عليين، وخلق محبينا من دون ما خلقنا منه، وخلق عدونا من سجين وخلق محبيهم مما خلقهم منه فلذلك يهوي كل إلى كل »(2).

6-عن فصيل بن الزبير عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال:

«أما علمت أن رسول الله قال: إنّا أهل بيت خلقنا من عليين وخلق قلوبنا من الذي خلقنا منه وخلق شيعتنا من أسفل من ذلك وخلق قلوب شيعتنا منه، وإن عدونا خلقوا من سجين وخلق قلوبهم من الذي خلقوا منه، وخلق شيعتهم من أسفل من ذلك وخلق قلوب شيعتهم مما خلقوا منه فهل يستطيع أحد من أهل

عليين أن يكون من أهل سجين، وهل يستطيع أهل سجين أن يكونوا من أهل عليين »(3).

ص: 231


1- بصائر الدرجات للصفار: ص 36 .
2- بصائر الدرجات للصفار: ص 36 و 37 .
3- بصائر الدرجات للصفار: ص 38 .
ثالثاً: (إنها من طينة تحت العرش)

1- ابن عيسى عن ابن محبوب عن بشر بن أبي عقبة، عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) قال:

«إن الله خلق محمداً من طينة من جوهرة تحت العرش، وإنه كان لطينته نضح فجبل طينة أمير المؤمنين من نضح طينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان لطينة أمير المؤمنين عليه السلام نضح فجبل طينتنا من نضح طينة أمير المؤمنين عليهالسلام وكان لطينتنا نضح فجبل طينة شيعتنا من نضح طينتنا، فقلوبهم تحن إلينا وقلوبنا تعطف عليهم، تعطّف الوالد على الولد، ونحن خير لهم، وهم خير لنا، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير لنا، ونحن له خير .»(1).

2-عن عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:

«إنّ الله عزّ وجل خلق محمداً صلى الله عليه وآله وسلم وعترته من طينة العرش، فلا ينقص منهم واحد، ولا يزيد منهم واحد »(2).

3-عن محمد بن مروان عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: سمعته يقول:

«خلقنا الله من نور عظمته ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش فأسكن ذلك النور فيه فكنا خلقاً نورانيين لم يجعل لأحد في مثل الذي خلقنا منه نصيباً وخلق أرواح شيعتنا من أبداننا، وأبدانهم من طينة مخزونة مكنونة أسفل من ذلك الطينة ولم يجعل الله لأحد في مثل ذلك الذي خلقهم منه نصيباً إلا الأنبياء

ص: 232


1- بصائر الدرجات للصفار: ص 34 ؛ البحار للمجلسي: ج 15 ص 12 ؛ مستدرك علم رجال الحديث للشيخ علي النمازي: ج 2، ص 27 ، ح 2097 .
2- بصائر الدرجات للصفار: ص 38 .

والمرسلين، فلذلك صرنا نحن وهم الناس، وصار سائر الناس همجاً في النار وإلى النار »(1).

رابعاً: (إنها من طينة قبر النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

عن وهب بن منبه، وابن عباس إنهما قالا: لما أراد الله أن يخلق محمداً قال لملائكته: إني أريد أن أخلق خلقاً أفضله وأشرفه على الخلائق أجمعين، وأجعله سيد الأولين والآخرين وأشفعه فيهم يوم الدين، فلولاه ما زخرفت الجنان، ولا سعرت النيران، فاعرفوا محله وأكرموه لكرامتي، وعظموه لعظمتي فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا

وما اعتراض العبيد على مولاهم سمعنا وأطعنا، فعند ذلك أمر الله تعالى جبرائيل وملائكة الصفيح الأعلى وحملة العرش فقبضوا تربة رسول الله من موضع ضريحه وقضى أن يخلقه من التراب ويميته في التراب ويحشره على التراب فقبضوا من تربة نفسه الطاهرة قبضة طاهرة لم يمشِ عليها قدم مشت إلى المعاصي فعرج بها الأمين جبرائيل فغسلها في عين السلسبيل حتى نقيت كالدرة البيضاء فكانت تغمس في كل يوم في نهر من أنهار الجنة، وتعرض على الملائكة فتشرق أنوارها فتستقبلها الملائكة بالتحية والإكرام، وكان يطوف بها جبرائيل في صفوف الملائكة فإذا نظروا إليها قالوا: إلهنا إن أمرتنا بالسجود سجدنا، فقد اعترفت الملائكة بفضله وشرفه قبل خلق آدم عليه السلام(2).

ص: 233


1- الكافي للكليني: ج 1، ص 389 ؛ من لا يحضره الفقيه للصدوق: ج 4، ص 414 ؛ المحتضر لحسن بن سليمان الحلي: ص 283 .
2- البحار للعلامة المجلسي (قدس سره): ج 15 ص 26 - 27 ، نقلًا عن كتاب الأنوار لأبي الحسن البكري، وهو مخطوط لم أوفق في العثور عليه، لكن عثرت على الحديث بشكل مختصر في (مخطوط): (جلاء الأبصار والبصائر لابن قضيب البان)، باب: مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أعقبه المصنف بقوله: أورده أبو نصر فتح بن موسى بن حماد المغربي في كتابه: (الوصول إلى السؤول في مولد الرسول) ناقلاً إياه من كتاب شفاء الصدور لابن سبع والمخطوط يرقد في مكتبة الأسد بدمشق ويحمل الرقم ( 12529 ).
خامساً: أن هذه الطينة مأخوذة من الجنة والأرض
اشارة

عن علي بن عطية الزيات يرفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال، (قال علي بن أبي طالب (عليه السلام):

«إنّ لله نهراً دون عرشه، ودون النهر الذي دون عرشه نور من نوره وإن في حافتي النهر روحين مخلوقين، روح القدس وروح من أمره، وأن لله عشر طينات، خمس من نفح الجنة وخمسة من الأرض، وفسر الجنان وفسر الأرض، ثم قال: ما من نبي ولا من ملك من بعد جبله إلا نفخ فيه من الروحين وجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من إحدى الطينتين .»

قلت لأبي الحسن )عليه السلام(: ما الجبل؟،

قال:«الخلق غيرنا أهل البيت، فإن الله خلقنا من العشر الطينات جميعاً، ونفخ فينا من الروحين جميعا فأطيبهما طيباً .»(1).

وروى غيره، عن أبي الصامت قال: طين الجنان: جنة عدن، وجنة المأوى، وجنة النعيم، والفردوس، والخلد؛ وطين الأرض: مكة، والمدينة، والكوفة، وبيت المقدس، والحائر)(2).

إذن:

قد تبين لنا من خلال هذه الروايات ما يلي:

ص: 234


1- الكافي للكليني: ج 1 ص 389 ؛ بصائر الدرجات للصفار: ص 39 .
2- المصدر السابق.
1- إنهم من طينة واحدة

إن الطينة التي خُلقت منها البضعة الطاهرة سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء البتول (صلوات الله عليها) هي نفس الطينة التي خلق الله منها حبيبه الأكرم محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي نفسها التي خلق منها الإمام علي بن أبي طالب والحسن

والحسين والأئمة من ولد الحسين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) سواء كانت هذه الطينة التي خلقوا منها من جنة الفردوس، أو عليين، أو من العرش، أو من ضريح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومما يدل عليه أيضاً:

أ- عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعلي (عليه السلام):

«ألا أبشرك يا علي قال: بلى بأبي وأمي يا رسول الله، قال: أنا وأنت وفاطمة والحسن والحسين خلقنا من طينة واحدة وفضلت منها فضلة فجعل منها شيعتنا ومحبينا، فإذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسماء أمهاتهم ما خلا نحن وشيعتنا ومحبينا فإنهم

يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم »(1).

ب- روى ابن قولويه (رضي الله عنه) عن الإمام الصادق (عليه السلام) في زيارة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه قال:

«.. أشهد أنكم كلمة التقوى، وباب الهدى، والعروة الوثقى، والحجة البالغة على من فيها ومن تحت الثرى، وأشهد أن أرواحكم وطينتكم من طينة واحدة، طابت وطهرت من نور الله، ومن نور رحمته .»(2).

ص: 235


1- بحار الأنوار: ج 7، ص 240 241 ؛ وقريب من هذا اللفظ تجده في: شرح الأخبار للمغربي:ج 3، ص 495 ؛ الارشاد للمفيد: ج 1، ص 445 ؛ الأمالي للطوسي: ص 79 .
2- كامل الزيارات لجعفر بن محمد بن قولويه: ص 524 .

ج- روى (رحمه الله) عن زيد الشحام، قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أيهما أفضل الحسن أو الحسين؟، قال:

«إن فضل أولنا يلحق فضل آخرنا، وفضل آخرنا يلحق فضل أولنا، فكل له فضل .»

قال: قلت له: جعلت فداك وسع عليّ في الجواب، فإني والله ما أسألك إلا مرتاداً(1)؟ فقال:

«نحن من شجرة برأنا الله من طينة واحدة، فضلنا من الله، وعلمنا من عند الله، ونحن أمناء الله على خلقه، والدعاة إلى دينه، والحجاب فيما بينه وبين خلقه، أزيدكيا زيد؟ .»

قلت: نعم، فقال:

«خلقنا واحد، وعلمنا واحد، وفضلنا واحد، وكلنا واحد عند الله عزّوجل .»

فقلت: أخبرني بعددكم؟، فقال:

«نحن اثنا عشر هكذا حول عرش ربنا جل وعزّ في مبتدأ خلقنا، أولنا محمد،وأوسطنا محمد، وآخرنا محمد »(2).

2-عدم وجود تعارض بين آية ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ﴾ وبين أحاديث الطينة

لقد مرّ في الأحاديث السابقة أن أصل الطينة التي خُلق منها النبي (صلى الله عليه

ص: 236


1- مرتاداً، أي: طالباً للحق.
2- كتاب الغيبة للشيخ النعماني: ص 88 المحتضر للحلي: ص 277 ؛ خاتمة المستدرك للنوري: ج 1،ص 126 .

وآله وسلم) وعترته هي من عالم الأمر، بينما نجد أن القرآن ينص على أن خلق الإنسان كان من عالم الملك أي الأرض لقوله تعالى:

﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى)(1).

وفي الحقيقة أنه لا يوجد تعارض بين الآية والأحاديث؛ لأن قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو من عالم الأمر وليس من عالم الخلق لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة .»(2).

وهذا الحديث يدل على أن طينة ضريح قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هي من عالم الأمر أصلاً، أما كيفية حصول ذلك يمكن معرفته من أمرين:الأمر الأول: رفع طينة قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى السماء.

وهو ما جاء في الحديث الرابع الذي أوردناه في أحاديث الطينة المسعودة المباركة المشرفة، وقد جاء فيه: إن الله عزّ وجلّ أمر جبرائيل وملائكة الصفيح الأعلى بأخذ قبضة من ضريح قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورفعها إلى السماء ثم غمسها في

عين السلسبيل حتى نقيت، وتنقيتها هي خلوصها من الكثافة والعوارض الظلمانية وتحولها إلى طبيعة عالم الأمر لتكون بذلك شفافة لطيفة نورانية، فكانت كالدرة البيضاء لخلوها من الكثافات الترابية فكانت تشرق أنوارها للملائكة لتكون مزاراً وموضعاً يعرج إليه جبرائيل والملائكة أجمعون يطوفون من حولها كطواف الحجيج

ص: 237


1- سورة طه، الآية ( 55 ).
2- مصباح المتهجد للطوسي: ص 710 ، ح 790 / 59 ؛ من لا يحضره الفقيه: ج 2، ص 568 ،ح 3158 ؛ مسند احمد بن حنبل: ج 3، ص 64 ؛ التاريخ للطبري: ج 1، ص 392 ، ح 250 .

حول الكعبة المشرفة التي حوت حجراً أسود وأنى للحجر الأسود أن يضاهي شرافة الطينة الدرّية النورانية التي خلق الله منها بدن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).

وما استقبال الملائكة لها بالتحية والإكرام والرغبة بالسجود إلاَّ تعظيمٌ لله بتكريمها وتشريفها بحلول روح الشريعة الإلهية والنواميس الربانية فيها.

الأمر الثاني: أن تكون الطينة قد أنزلت من السماء إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

أو قد يكون نزول هذه الطينة المشرفة إلى الأرض ووضعها في ضريح قبر خاتم الأنبياء والمرسلين كان قبل خلق بدنه المقدس فيكون بذلك توافق بين الآية الكريمةالتي أخبرت عن أصل خلق الإنسان، وبين أحاديث الطينة التي دلت على أنها من السماء؛ وذلك من خلال حمل الآية على قوله (صلى الله عليه وآله):

«بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة .»

3-العلاقة بين الطينة وموضع القبر

ربما قد لاح في فضاء ذهن القارئ سؤال مفاده: ما هي العلاقة بين الطينة التي يخلق منها الإنسان وموضع قبره؟ أو بمعنى آخر هل هناك ترابط بين الطينة التي يخلق منها الإنسان وبين القبر الذي سوف يدفن فيه؟

والجواب: لقد ورد في بعض النصوص التي تخبر عن خلق طينة الإنسان،أنها تكون من تراب قبره، وهو ما جاءت به الآية على نحو الخصوص في﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ﴾ أي من طينة القبر ﴿وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ﴾.

ص: 238

وعليه فإن قبر فاطمة (صلوات الله عليها) وقبور الأئمة المعصومين الطاهرين كلها روضة من رياض الجنة، وذلك أن بدن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبدان عترته من طينة واحدة، وأنها أخذت من عالم السماء فلا بد أن تعاد إلى موضع تتوفر فيه طبيعة العالم الذي أخذت منه هذه الطينة وخواصه مما يلزم أن يكون قبر النبي

(صلى الله عليه وآله وسلم) وقبور عترته الطاهرة روضة من رياض الجنة.

وقد روى الشيخ الكليني (رضي الله تعالى عنه) عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في باب خلق أبدان الأئمة وأرواحهم أنه قال:

«... وإن لله عشر طينات، خمسة من الجنة وخمسة من الأرض .»

ولقد روى عنه أبي الصامت أن هذه الطينات هي:

«طين الجنان: جنة عدن وجنة المأوى، وجنة النعيم، والفردوس، والخلد؛ وطينالأرض: مكة، والمدينة، والكوفة، وبيت المقدس، والحائر »(1).

وبهذا يكون مصداقاً قوله تعالى:

﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى)(2).

ص: 239


1- الكافي للكليني: ج 1، ص 390 ، ح 3.
2- سورة طه، الآية ( 55 ).

ص: 240

المبحث التاسع: المقاصدية في الاختيار الإلهي لها في الوفاة، وخصوصية سرعة اللحاق بأبيها (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )
اشارة

ص: 241

قوله (عليه السلام) «والمْخُتَارِ اللَّه لَهاَ سرُعْةَ اللَّحاَق بكِ »َ
اشارة

ص: 242

وردت هذه اللفظة (المختار) في النص الشريف في موضعين وهما في بيان سرعة اللحاق برسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم فلم تبق بعد ابيها (صلوات الله عليها) إلا أياماً معدودة؛ والموضع الثاني في بيان تفجعه وتألمه لما نزل به برحيل فاطمة عليها السلام فقال (عليه السلام):« لا يبرح الحزن من قلبي إلى إن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم »

وفي لفظٍ آخر: «أو يختار اهل لي دارك التي انت ها مقيم ».

وفي كلاهما يبين (عليه الصلاة والسلام) أن أمر الموت هو أختيار من الله تعالى، ولكن لماذا اختار الله تعالى لفاطمة (عليها السلام) سرعة اللحاق برسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟، وما هو مبتغى منتج النص من ذلك وقصده الذي يريد ان يوصله الى المتلقي؟

جوابه فيما يلي من المسائل.

المسألة الأولى: قصدية الاختيار الإلهي لها (علیها السّلام) في الوفاة
اشارة

إن من البداهة أن يكون أمر الموت والحياة بيد الله تعالى وهي من الثوابت التي عليها العقيدة الإسلامية ومن ثم أن قوله (عليه السلام):«والمختار اهل لها سرعة اللحاق بك ».

لا يراد منه بيان أمرٍ بديهي للناس وإنما لإظهار أمرٍ قد خفي عن كثير من الناس، ولذا لا بد من البحث في بعض الأمور، منها:

ص: 243

أولاً: معنى الاختيار لغة

جاء معنى (الاختيار) في اللغة في مباحث لفظ (الخير) وهو نقيض الشر، ومن (خار الشيء) اختاره، أي: انتقاه قال تعالى:

1-﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِميقَاتِنَا..)(1).

2- ﴿وَرَبُّكَ يَخلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَختَارُ مَا كَانَ لَهمُ الِخيَرةُ..)(2).

3- ﴿وَمَا كَانَ لُمؤِمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إذِا قَضَی اللَّه وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهمُ الِخيَرةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّه وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَلًا مُبِينًا)(3).

وتدل الآيات المباركة على حصر أمر الاختيار الواقع بين أمرين بيد الله عز وجل. فقوله عز وجل: ﴿مَا كَانَ لَهمُ الِخيَرةُ..﴾، أي ليس لهم أن يختاروا)(4).

وكذا في قوله تعالى: ﴿أَنْ يَكُونَ لَهمُ الِخيَرةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّه وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَلًا مُبِينًا﴾، فهذا الامر محسوم ولا يحق لأحدٍ أن يختار أمراً بعد وقوع الأمر الإلهي وذلك لعدم وجود أمر جديد بعد هذا الأمر الإلهي، فمن (خيّته بين الشيئين، فوضت إليه الخيار بين الشيئين، وتخيّر الشيء اختاره، ومنه في بيان منزلة

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «خيرته من خلقه .»(5).

وفي حال فاطمة (صلوات الله عليها) فإن الله تعالى قد اختار لها سرعة اللحاق

ص: 244


1- سورة الأعراف، الآية ( 155 ).
2- سورة القصص، الآية ( 68 ).
3- سورة الأحزاب، الآية ( 36 ).
4- لسان العرب لابن منظور: ج 4 ص 266
5- المصدر السابق.

بأبيها لعللٍ عدّة أراد بيانها منتج النص (عليه السلام) وذلك بدفع المتلقي الى قراءة هذه الفترة الزمنية التي عاشتها فاطمة (عليها السلام) فكانت السبب وراء اختيار الله لها الشهادة واللحاق برسول الله (صلى الله عليه وآله).

ثانياً: ما جرى عليها من المصائب يدفع إلى الرحيل عن الدنيا دون البقاء فما الذي جرى؟
اشارة

إن المستفاد من كثرة المصائب والابتلاءات الواقعة على فاطمة (عليها السلام)والتي تناقلتها أقلام المصنفين من أعلام الشيعة والسنة والجماعة لتكشف عن عظم هذه الأحداث فكانت مصائب جليلة وخطوب عظيمة ويكفي في بيان آثارها على بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما روي عنها (عليها السلام) في

وصف هذه المصائب، فقالت:

صبُّت عليَّ مصائبٌ لو أنها*** صبُّت على الأيامِ صرِن لياليا(1)

وللوقوف اجمالاً ها هنا على بعض هذه المصائب التي حلّت بفاطمة (عليها السلام) حيث سنتناولها بمزيد من التفصيل عند مقاصدية منتج النص (عليه السلام) في قوله: «ولم يطل العهد، ولم يخل منك الذكر »، اما هنا فسنورد بعض هذه المصائب واثرها في كاشفية سرعة وفاتها والتحاقها برسول الله (صلى الله عليه وآله) وسندرجها بحسب وقوعها الزمني ليتضح للقارئ أن هذه الأحداث شكلت حرباً مفتوحة على بيت النبوة لم تزل قائمة منذ وقوعها وإلى يوم خروج ابن فاطمة، مهدي هذه الأمة الذي أخبر عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في علامات آخر

ص: 245


1- بحار الأنوار: ج 79 ص 106 .

الزمان(1)، ولتكون بذاك أطول حرب يشهدها التاريخ الانساني.

أ - جمع الحطب حول دارها وتهديدها بحرق الدار بمن فيه بعد وفاة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بأيام قليلة

لقد تناولنا في المقدمة لهذه الدراسة رواية ابن ابي شيبة الكوفي، وابن عبد البر، وابن أبي عاصم وغيرهم، وهنا نوردها ايضاً لغرض بيان تتابع الاحداث والمصائب عليها مما عجّل في استشهادها؛ فعن زيد بن أسلم عن أبيه، قال: (إنه حيث بويع

لأبي بكر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيشاورانها ويرتجعون في أمرهم فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال: (يا بنت رسول

الله –صلى الله عليه وآله وسلم- ما منن أحد أحب إلينا من أبيك وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منكِ، وأيم الله ما ذاك بمانعي أن أجتمع هؤلاء النفر عندك إن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت)

قال: فلما خرج عمر جاؤوها، فقالت:

«تعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت وأيم الله ليمضين لما حلف عليه فانصرفوا راشدين مروا رأيكم ولا ترجعون إليّ »(2).

ص: 246


1- عن ام سلمة (رضي الله عنها) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «المهدي من ولد فاطمة » ينظر: سنن ابن ماجة: ج 2 ص 1368 ؛ وبلفظ: «المهدي من عترتي من ولد فاطمة » ينظر: سنن ابي داود: ج 2 ص 310 ؛ وبلفظ: ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله) المهدي فقال: «هو من ولد فاطمة » ينظر: مستدرك الحاكم النيسابوري: ج 4 ص 557 .
2- المصنف لابن أبي شيبة الكوفي: ج 8 ص 572 ؛ المذكر والتذكير لابن أبي عاصم: ص 91 ؛ الاستيعاب لابن عبد البر: ج 3 ص 975 ؛ فضائل الصحابة لابن حنبل: ج 1 ص 364 .

وفي رواية أخرى جاء التهديد بحرق دار فاطمة (عليها السلام) بمن فيه صريحا، وهو ما أخرجه بن قتيبة الدينوري قائلاً: (وإن أبا بكر تفقد قوماً عن بيعته عند علي –عليه السلام- فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا

فدعا بالحطب، وقال: والذي نفس عمر بيده، لتخرجن (أو لأحرقنّها على من فيها) فقيل له: يا أبا حفص، إن فيها فاطمة، فقال: وإن)(1).

ولا شك أن هذا التهديد بالحرق وجمع الحطب على باب دارها والتصريح بحرقها وإن كانت فيها فاطمة (عليها السلام) لأول المصاب وبداية إعلان الحرب على فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها).

وإن كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد حذّر من إخافة أهل المدينة بعمومها، فكيف بإخافة بضعته وسبطيه الحسن والحسين وهم صغاراً فضلاً عن جمع من المهاجرين الذين كانوا في دار فاطمة (عليها السلام).

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «من أخاف أهل المدينة فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين »(2).

فضلاً عما أخرج البخاري وأحمد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: «المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً، أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا تقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً»(3).

ص: 247


1- الإمامة والسياسة لابن قتيبة: ج 1 ص 19 ؛ مسند فاطمة للسيوطي: ج 31
2- عمدة الأخبار في مدينة المختار للعباسي: ص 90 - 91 ؛ فضائل المدينة للجنيدي المكي: ص 30 طبعة الفكر.
3- صحيح البخاري، كتاب فضائل المدينة: برقم 1870 ؛ مسند أحمد: ج 4 ص 55 حديث 16622 .
ب - الهجوم على الدار واقتحامه ومواجهة فاطمة (علیه السّلام) للمهاجمين

روى اليعقوبي وغيره في بيان الأحداث التي وقعت على بيت فاطمة (عليها السلام) فقال: (وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي ابن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله، فأتوا في جماعة حتى هجموا الدار،

وخرج علي ومعه السيف فلقيه عمر، فصارعه عمر فصرعه وكسر سيفه، ودخلوا الدار فخرجت فاطمة فقالت:

«والله لتخرجنّ أو لأكشفنّ شعري ولأعجنّ إلى الله .»(1).

ولا شك أن حال الزهراء (عليها السلام) الذي كشفته الرواية لا يحتاج إلى شرح وبيان فهو كافٍ لمعرفة حجم الألم والأذى والمصاب الذي لحق بها (سلام الله عليها)من خلال هجوم عمر بن الخطاب وعصابته، وكأنهم لم يسمعوا بالأمس القريب

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يخاطبهم:

«من آذى فاطمة فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله عزّ وجل .»(2).

والله سبحانه يقول في بيان الآثار التي تلحق الإنسان عند قيامه بأذى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ الله فِی الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا)(3).

ص: 248


1- تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 226
2- بحار الأنوار: ج 29 ص 157 ؛ الفصول المختارة للشيخ المفيد، ص 88 .
3- سورة الأحزاب، الآية 57 .
جيم - كسر ضلعها وضرب بطنها فأسقطت جنينها المسمى ب (المحسن) فسرّع ذلك في موتها

إن مما تبع جمع الحطب وحرقه واقتحام بيت فاطمة (عليها السلام) من الجرم والظلم الذي نزل بآل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو كسر ضلع بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وقد نصت الروايات الشريفة عن آل البيت (عليهم السلام) على بيان هذه الظلامة وما تبعها من آثار جسيمة على الإسلام، لم تزل تلقي بثقلها على مساره وتفرق أهله واتباعه إلى ثلاثة وسبعين فرقة كلها تدّعي الصواب والسير على الجادة التي أرادها

الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولذا:

فقد جاءت هذه الروايات الكاشفة عن تفعيل الحدث بين أتباع مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) وأتباع مدرسة السقيفة بين الوضوح في عرض الحدث وتضليله بشتى الوسائل كي لا يتعرف المسلم على مجريات الأحداث التي وقعت بعد وفاة

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وغيّرت مساره.

فكانت الروايات الواردة عن أصحاب المصاب وهم آل البيت (عليهم السلام) ما أخرجه الشيخ الصدوق (المتوفى 381 ه) في حديث طويل عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال:

«وإني لما رأيتها(1) ذكرت ما يُصنع بها بعدي، كأني بها وقد دخل الذلُّ بيتها، وانتهكت حرمتها، كأني بها وقد دخل الذي بيتها وانتهكت حرمتها، وغصبت

ص: 249


1- أي: فاطمة (عليها السلام).

حقها، وضعت إرثها، وكُسر جنبها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي: يا محمداه، فلا تُاب، وتستغيث فلا تُغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية...الخ .»(1).

وغيرها من الأحاديث.

وأمّا ما جاء في كتب أبناء مدرسة السقيفة فقد توزع بين الإشارة والعبارة الصريحة إلا أن هذه الصراحة جوبهت بالتكذيب والتجريح والاتهام بالرفض، ونكتفي في ذلك ما ذكره الحافظان شمس الدين وابن حجر العسقلاني في ترجمة (أحمد بن محمد

السري بن أبي دارم المحدث الكوفي) الذي نعَتهُ الذهبي ب(الكذاب الرافضي)(2).

وذلك لكونه ممن قال في ظلامة فاطمة ورواية ما نزل بها على يد عمر بن الخطاب وعصابته الذين اقتحموا عليها دارها، فلاحظ قول الذهبي فيه لهذا السبب، في حين أن الرجل برئ من هذه التهم التي قالها الذهبي؛ ومما يدل عليه:

1- روى عنه الحاكم وقال: ثقة.

2- قال محمد بن أحمد بن حماد الكوفي الحافظ بعد أن أرخ موته (كان مستقيم الأمر عامة دهره ثم في آخر أيامه كان يقرأ عليه المثالب، حضرته ورجل يقرأ عليه أن عمر رفس فاطمة حتى اسقطت بمحسن)(3).

ولا يخفى على الباحث وكل ذي ذوق سليم أن استخدام الذهبي وابن حجر العسقلاني وغيرهما لهذا المنهج في تسقيط من يقول بتلك الجريمة بشكل خاص، والمثالب بشكل عام، هو لغرض منع القارئ أو الباحث من الأخذ بهذه الأقوال

ص: 250


1- الآمالي: ص 176 ، وقد رواه الحمويني (المتوفى سنة 730 ه) بسنده في فرائد السمطين عن ابن عباس.
2- ميزان الاعتدال للذهبي: ج 1 ص 283 ، برقم 551 .
3- سيرة اعلام النبلاء للذهبي: ج 15 ص 578 .

أو التصديق بها ونشرها، ومن ثم فهم يمنعون ما أنزل الله من التكاليف في إنصاف المظلوم وفضح الظالم(1).

وهذه المصائب وغيرها -التي لا مجال لذكرها كي لا يخرج البحث عن منهجه وعنوانه-، تقود إلى الاعتقاد بأنها (عليها السلام) ايضاً قد اختارت اللحاق بربها وبأبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتدعوا الله في ذلك، كما ثبت في الروايات الشريفة عنها بعد فراق أبيها ونزول هذه المصائب بها فاستجاب الله لها

سرعة اللحاق برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو كما في ثالثاً.

ثالثاً: إكثارها من الدعاء إلى الله تعالى في سرعة اللحاق بأبيها (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

إنَّ مما يرشد إلى قصدية قوله (صلوات الله عليه) في سرعة لحاقها بالله تعالى، وإن هذا الالتحاق كان باختيار من الله لها، هو كثرة دعائها (عليها السلام) بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما لحق بها من المصائب التي مرّ ذكر جانباًمنها أنفاً.

فقد روى العلامة المجلسي (رحمه الله) في البحار عن كتاب مصباح الأنوار عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أنه قال:

«( إن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مكثت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ستين يوماً، ثم مرضت فاشتد عليها فكان دعائها في شكواها:

«يا حي يا قيوم،برحمتك أستغيث فأغثني، اللهم زحزحني عن النار وأدخلني الجنة، والحقني بأبي (محمد صلى الله عليه وآله)

ص: 251


1- لمزيد من الاطلاع ينظر كتابنا الموسوم ب(هذه فاطمة: ج 7 ص 143 - 151 ).

فكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول لها:

«يعافيك الله ويبقيك .»

فتقول:

«يا أبا الحسن ما أسرع اللحاق بالله .»(1).

وقد استجاب الله تعالى دعائها فاختار لها سرعة اللحاق به وبحبيبه المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلم تبقَ بعده إلا أياماً معدودات. فمضت إلى ربها مظلومة شهيدة.

رابعاً: إنَّ النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قد سأل الله أن تلحق به فاطمة سريعا

إنَّ إخبار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لفاطمة (عليها السلام) أنها أسرع أهل بيته لحوقاً به قد تناوله كثير من المصنفين في كتبهم وعلى اختلاف مذاهبهم،

والظاهر في سبب شهرة هذه الرواية يعود لأمور، منها:

1- إنَّ الأسلوب الذي اتبعه النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يدعوا إلى التساؤل ويحث الجالسين لا سيما نسائه أمهات المؤمنين على معرفة ماذا أسرّالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لفاطمة (عليه السلام) حينما أدناها منه كما سيمر

بيانه في مجريات الحدث.

2- إنَّ من الأسباب أيضاً التي عملت على شهرة الرواية هو تكرار إخبار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لفاطمة في سرعة اللحاق به، وهذا بحد ذاته له أسباب أيضاً، منها:

ص: 252


1- بحار الأنوار: ج 43 ص 217 ؛ مستدرك الوسائل: ج 2 ص 134 .

أ- كثرة تفجّع فاطمة (عليها السلام) وتلوّعها على حال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما تخبر به الرواية الآتية التي تتحدث عن دخول فاطمة وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في مرضه

فأخبرهم بأمور عدة –سيمر بيانها لاحقاً- ثم أخرجهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبقى فاطمة (عليها السلام) ليحدثها بأمور خاصة كما تفيد الرواية الآتية:

(لما خرج الحسنان (عليهما السلام) استقبلت عائشة الإمام علي (عليه السلام) فقالت له: لأمر أخرج وخلا بابنته دونه؟

فقال (عليه السلام):

«عرفتِ الذي خلا بها له، وهو بعض الذي كنت فيه وأبوك وصاحباه .»(1).

ب- ومن ثم فقد أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يهون عليها مصابها وحزنها عليه ويُطمْئن قلبها بأنها لن تبقى بعده طويلاً، بل هي أياماً معدودات، وإن فراقها لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قصيرٌ جداً.

ج- تفيد الروايات أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في مرضه يكشف لفاطمة ما يرتبط بعلي من جهة، وبولديها من جهة، وبها من جهة أخرى،من المحسن والمصائب، وفي كل إخبار لهذه الأحداث كان يخبرها (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن محنتها وابتلائها لي يدوم طويلاً، ولذا تعَدّدَ إخباره (صلى الله عليه

وآله وسلم) لها بسرعة اللحاق، فكانت الروايات على النحو الآتي ونأخذ منها شاهدين:

ص: 253


1- الصراط المستقيم للعاملي البياضي: ج 2 ص 93 ؛ البحار للمجلسي: ج 22 ص 490 .

الشاهد الأول: ما رواه الشيخ الصدوق (رحمه الله) فقال:

(وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في مرضه:

«ربِّ سلّم أمّة محمّد من النار ويسّر عليهم الحساب .»

فقالت أم سلمة: (يا رسول الله، ما لي أراك مغموماً متغير اللون؟ فقال:

«نعيت إليّ نفسي هذه الساعة، فالسلام لك في الدنيا فلا تسمعين بعد هذا اليوم صوت محمد أبداً .»

فقالت أم سلمة واحزناه، حزناً لا تدركه الندامة عليك يا محمداه.

ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم):

«أدع لي حبيبة قلبي وقرة عيني فاطمة تجيئ .»

قال أبو ذر الغفاري: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه الذي توفي فيه فقال:

«يا أبا ذر إئتني بابنتي فاطمة .»

قال: فقمت ودخلت عليها وقلت: يا سيدة النسوان أجيبي أباكِ.

قال: فلبسَت جلبابها، وخرجت حتى دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما رأت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انكبّت عليه وبكت وهي تقول:

«نفسي لنفسك الفداء ووجهي لوجهك الوقاء يا أبتاه، ألا تكلمني كلمة فإني أنظر إليك وأراك مفارق الدنيا وأرى عساكر الموت تغشاك شديداً .»

ص: 254

فقال لها:

«يا بنيتي إني مفارقكِ فسلام عليكِ مني .»

وبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لبكائها، وضمها إليه، ثم قال: «يا فاطمة لا تبكي فداك أبوك فأنت أول من تلحقين بي مظلومة، مغصوبة وسوف تظهر بعد حيكة النفاق، ويسمل جلباب الدين، أنت أول من يرد عليَّ الحوض »(1).

الشاهد الثاني: وفي رواية أخرى:

(ثم أذن للنساء فدخلن عليه فقال لابنته:

«أدني مني يا فاطمة .»

فأكبّت عليه فناجاها فرفعت رأسها وهي تضحك فتعجبانا لما رأينا فسألناها فأخبرتنا أنه نعى إليها نفسه فبكت، فقال لها:

«يا بنية لا تجزعي فإني سألت الله أن يجعلك أول أهل بيتي لحاقاً بي فأخبرني أنه قد استجاب لي فضحكت »(2).

والحديث لا يحتاج إلى توضيح فقد كشف النقاب عن السبب في اختيار الله لفاطمة (عليها السلام) سرعة اللحاق برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ص: 255


1- الأمالي للصدوق: ص 636 ، كفاية الأثر، للخزاز: ص 5.
2- كشف الغمة للأربلي: ج 1 ص 18 ؛ المحجة البيضاء للفيض الكاشاني: ج 8 ص 278 ؛ البحارللمجلسي: ج 8 ص 278.
المسألة الثانية: القصدية في تحديد المدة الزمنية التي عاشتها بعد رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فأسرعت في لحاقه؟
اشارة

اختلفت الروايات في عدد الأيام والشهور التي عاشتها بعضة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أن الذي اتفق عليه أنها كانت سريعة اللحاق برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ فكانت كما أخبرها بأنها أول أهل بيته لحاقاً به وأسرعهم إليه.

وهذا الإسراع في اللحاق به (صلى الله عليه وآله وسلم) يكشف عن أن مجموع ما بقته فاطمة (صلوات الله عليها) – وبحسب التفاوت في الروايات – لم يتعدَ الثمانية اشهر، وهي قليلة وسريعة فيما لو قيست بصغر سنها، مما يدفع إلى أنها خرجت من الدنيا تحت تأثير الهجوم على دارها وما لحقها بسبب ذلك من أضرار كبيرة في بدنها فحرجت من الدنيا شهيدة.

وهو ما نصت عليه الأحاديث الشريفة الواردة عن ائمة أهل البيت (عليهم السلام) قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم (صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه المعصومين):

«إن فاطمة عليها السلام صديقة شهيدة »(1).

أما كم بقت بعد أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) فكان كالآتي:

أولاً: إنها بقت خمسة وسبعين يوما

وهذه الفترة الزمنية هي الثبت عند مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وهي كما نصّت عليها الروايات الآتية:

ص: 256


1- مسائل علي بن جعفر عليهما السلام: ص 326 .

1- روى الكليني عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: «عاشت فاطمة عليها السلام بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً لم تر كاشرة ولا ضاحكة تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين الاثنين والخميس، فتقول: ها هنا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ها هنا كان المشركون .»(1).

2- روى الكليني (رحمه الله): (عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: «إن فاطمة عليها السلام مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسة وسبعين يوماً وكان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان يأتيها جبرئيل عليه السلام فيحسن عزاءها على أبيها ويطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها وكان علي عليه السلام يكتب ذلك .»(2) .

ثانياً: إنها بقت ثلاثة أشهر

روى الحاكم في المستدرك: (عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام):

«إنها توفيت بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثة أشهر .»(3).

ثالثاً: أنها بقيت بعد أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) بستة أشهر

وهذا القول هو أشهر الأقوال عند أهل السنة والجماعة، ولعل العلة في ذلك

ص: 257


1- الكافي للكليني: ج 3، ص 228 ؛ وسائل الشيعة: ج 3، ص 223 .
2- الكافي للكليني: ج 1، ص 458 .
3- مستدرك الحاكم: ج 3، ص 176 ؛ مجمع الزوائد: ج 9، ص 212 ؛ فتح الباري: ج 7، ص 105 ؛تحفة الأحوذي: ج 10 ، ص 250 ؛ شرح النووي على صحيح مسلم: ج 12 ، ص 77 ؛ سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 2، ص 128 ؛ صفة الصفوة: ج 2، ص 15 ، ط دار العرفة؛ الطبقات لابن سعد: ج 8، ص 28 .

اعتماد مسلم النيسابوري لهذا القول في صحيحه فتبعه على ذلك بقية الحفاظ(1).

رابعاً: إنها بقت بعد أبيها (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ثمانية أشهر

وقد ذهب إلى هذا القول بعض أهل السنة والجماعة(2)، وهو مع غيره من الأقوال

التي مرّ ذكرها مخالفة لأئمة أهل البيت (عليهم السلام)؛ فهم فضلاً عن كونهم حجج الله على خلقه، الأدرى بحال أمهم وكم عاشت بعد وفاة جدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

خامساً: تاريخ وفاتها (صلوات الله عليها) وتحقق قصدية سرعة اللحاق

مثلما اختلفت الروايات في تحديد الفترة التي عاشتها بعد أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) فكذاك اختلفت في تعيين اليوم الذي توفيت فيه وكذلك الشهر، وهي كالآتي:

1- إن المشهور الذي عليه أتباع أهل البيت (عليهم السلام) أنها توفيت في اليوم الخامس عشر من شهر جمادي الأولى، وذلك للرواية التي ترويها علماء الإمامية عن الإمام الصادق (عليه السلام) بأنها ماتت بعد أبيها بخمسة وسبعين يوماً، وذلك

أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت وفاته في اليوم الثامن والعشرين من شهر صفر.

ص: 258


1- صحيح مسلم، باب: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا نورث: ج 5، ص 154 ؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 22 ، ص 298 ؛ الفتح الرباني للساعاتي: ج 22 ، ص 97 ؛ المختصر الكبير لابن جماعة: ص 80 ؛ مجمع الزوائد: ج 9، ص 34 ؛ عيون الأثر لابن سيد الناس: ج 2، ص 365 ؛ المواهب اللدنية: ج 2، ص 65 ؛ الاستيعاب: ج 4، ص 1894 ؛ الإعلام للزركلي: ج 5، ص 132 ؛ إمتاع الأسماع: ج 1، ص 547 ؛ وسيلة الإسلام لابن قنفذ: ص 63 ؛ السيرة النبوية للنووي: ص 30 ؛ لباب الخيار: ص 112 ؛ الحادي للفتاوي: ج 2، ص 186 .
2- الاستيعاب لابن عبد البر: ج 4، ص 1894 ؛ المواهب اللدنية: ج 2، ص 65 ؛ تاريخ خليفة بن خياط: ج 1، ص 13 .

2- روى السيد ابن طاووس والشيخ الطوسي وغيرهما:

أن يوم وفاتها كان في الثالث من جمادي الآخرة(1).

3-اعتمد بعض أهل السنة على أنها توفيت في شهر رمضان في اليوم الثالث منه(2).

سادساً: عمرها حين الوفاة

ذهب كثير من محدثي أهل السنة والجماعة إلى أنها توفيت ولها من العمر ( 28 ، 29 ، 30 ) سنة(3).

وقال ابن منظور في المختصر: (ماتت ولها إحدى وعشرين سنة)(4).

في حين أن المعتمد عند الإمامية هو أن عمرها حين الوفاة كان ثمانية عشر سنة، وذلك أنها ولدت في السنة الخامسة من البعثة النبوية وتوفيت في السنة الحادية عشر من الهجرة النبوية، أما سبب اعتماد أهل السنة على ما سبق ذكره فلكونهم يقولون:

بأنها ولدت قبل البعثة بخمس سنوات وهو ما لا يصح؛ وذلك أن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أدرى بميلاد أمهم فاطمة (صلوات الله عليها).

ص: 259


1- المتهجد: ص 793 ؛ إقبال الأعمال: ص 623 ؛ مصباح الكفعمي: ص 511 .
2- تاريخ الطبري: ج 2، ص 136 ؛ التنبيه والأشراف للمسعودي: ج 1، ص 106 ؛ تاريخ ابن الأثير:ج 1، ص 365 .
3- تاريخ القضاعي: ص 233 .
4- مختصر تاريخ دمشق لابن منظور: ج 1، ص 242 .

ص: 260

المبحث العاشر: مقاصدية كونها صفية سيد الأنبياء والمرسلين (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ودلالة قلّة صبره
اشارة

ص: 261

قوله (عليه السلام): « قَلَّ ياَ رسَوُلَ اللَّه عنَ صفَيِّتكِ صبَرْي »
اشارة

ص: 262

ينتقل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) هنا إلى قسم آخر من البيان والكشف للحقائق المرتبطة بشأن الزهراء وشأنه (عليهما السلام)، فيمازج في هذا المورد من خطابه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين شخص الزهراء فاطمة وشخصه (عليهما السلام).

ويظهر في آن واحد علة قلة صبره على ذهاب صفية النبوة وهو أمر يوازي صبر الوصي ومن ثم كان القصد منه بيان حجم الخسارة والمصيبة التي نزلت به وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام).

ولذا:

يأخذنا النص الشريف عنه (صلوات الله عليه) إلى حقل معرفي آخر وقد لا نبالغ حينما نقول (حقل معرفي) وإن كان حديثه (صلوات الله عليه) عن بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيدة النساء فاطمة (عليها السلام) إلا أن الحديث عنها يتفرع إلى حقول معرفية كثيرة لما ارتبط بها من روابط عقدية وتشريعية

وتكوينية وغيرها، وهي مع هذا لا يمكن الإحاطة بمعرفتها وقد نص الحديث الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام) في بيان دلالة اسمها وتسميتها بفاطمة:

«إن الخلق فطموا عن معرفتها »(1).

لكننا هنا نرتاد مدينة علم النبوة وبابها (عليه السلام)؛ وعليه:

ص: 263


1- تفسير فرات الكوفي: ص 581 ؛ البحار للمجلسي: ج 43 ص 65 .

ينقلنا منتج النص إلى منهج جديد من علومه النبوية فيقدم لنا مادة جديدة فيخاطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا المحل من خطابه فيبين أنها صفية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولم يقل هنا ابنتك، أو حبيبتك، أو قرة عينك، كما مرّ في أول خطابه وحديثه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ كما إنه لم يختر من كُناها شيئاً فلم يقل على سبيل المثال: قلّ عن أم الحسن والحسين صبري ولم يختر من ألقابها واسمائها سوى

هذه الصفة وهي (صفية) النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي المقطع الآخر الذي ليلي هذا المقطع من حديثه يختار صفة أخرى وهي سيدة نساء العالمين فيقول:

«وضعف عن سيدة نساء العالمين تجلدي .»

ومن ثم فهو يكشف عن جانب من جوانب هذا العالم الرحب فينقلنا إلى أنها (عليها السلام) صفوة النبوة والرسالة، فما دلالة هذا اللفظ وما هو مبتغاه وقصده؟

المسألة الأولى: الاصطفاء في القرآن
اشارة

قبل الولوج في مبحث دلالات لفظ (الصفوة) ومعناه لغةً، نعرض للقارئ والباحث ما دلّ عليه القرآن الكريم في بيان معنى الصفوة واختصاصها ببعض الأشياء لننتقل بعد ذلك إلى بيان دلالات اللفظ لغة، كي يتضح للقارئ علّة اختياره(عليه السلام) لهذه الصفة في مخاطبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فضلاً عن بيان شأنية فاطمة (صلوات الله عليها) ومنزلتها عند الله تعالى.

وعليه:

فقد بيّن القرآن جريان الاصطفاء في بعض الأشياء فكانت بحسب العرض القرآني كالآتي:

ص: 264

1-اصطفاء دين الإسلام على بقية الأديان

يظهر القرآن أن سنة الاصطفاء جرت في أهم الأشياء وأكثرها قصدية عند الله تعالى ألا وهو الدين، أي: دينُ الله وشريعته فقال (عزّ وجل) في معرض حديثه عن إبراهيم (عليه السلام) ووصيته لأبنائه وكذا هو حال نبي الله يعقوب (عليه السلام):

﴿وَوَصَّی بِها إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّه اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَموتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(1).

2-اصطفاء بعض الأنبياء (علیهم السّلام) وآلهم على العالمين

ومن الأشياء التي شملها الاصطفاء الإلهي هم بعض الأنبياء (عليهم السلام) وآلهم على العالمين وهي حقيقة في غاية الأهمية وذلك أن أصل السنّة -أي سُنّة الاصطفاء- جارية في الأنبياء، فهم المصطفون من بين الخلق لرتبة النبوة ومن ثم

فإن الآية المباركة تكشف عن حقيقة إجراء هذه السُنّة في الأنبياء لأخذ الصفوة منهم فكانوا كما بينتهم الآية، قال عز وجل:

﴿إِنَّ اللَّه اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَی الْعَالِمَينَ)(2).

فآدم ونوح من المصطفين على العالمين، ثم تبين أن من الآل من نالهم هذا الشرف هم آل إبراهيم وآل عمران.

والآل هنا بمعنى العموم وهم ذرية إبراهيم الصالحون وذرية عمران الصالحون وبمعنى الخصوص فهم محمد وعترته (صلوات الله عليهم أجمعين) وهم آل إبراهيم

ص: 265


1- سورة البقرة، الآية ( 132 ).
2- سورة آل عمران، الآية ( 33 ).

وفي المقابل فإن مريم ابنة عمران، وابنها نبي الله عيسى هم الآل المصطفون من آل عمران.

3-اصطفاء الأشخاص

ثم يمض القرآن ليبين خصوصية هذا الاصطفاء للأشخاص فقال عز وجل:

أ- ﴿قُلِ الَحمْدُ لَّله وَسَلَامٌ عَلَی عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّه خَيْر أَمَّا يُشْركُونَ)(1).

ب- ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِی الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِی الْاخِرَةِ لِمنَ الصَّالِحينَ)(2).

ج- ﴿اللَّه يَصْطَفِي مِنَ الَملاَئِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّه سَمِيعٌ بَصِيرٌ)(3).

د- ﴿وَإِذْ قَالَتِ الَملائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّه اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَ نِسَاءِ الْعَالِمينَ)(4).

وعليه: فهذه السنة الإلهية التي يظهرها القرآن والتي جرت في الأشياء -كما مرّ بيانه- ترشد إلى حقيقة مرتبطة بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعترته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وهي أنهم خيرة الخيرة، وصفوة الصفوة من الخلق اجمعين.

بمعنى أنَّ عملية الفرز والاختيار لخلاصة الشيء من لخلق جميعاً خلص منهم الأنبياء، ثم من الأنبياء المرسلين، ثم من المرسلين أولي العزم، وهم خمسة أشخاص:

ص: 266


1- سورة النمل، الآية ( 59 ).
2- سورة البقرة، الآية ( 130 ).
3- سورة الحج، الآية( 75 ).
4- سورة آل عمران، الآية ( 42 ).

(نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم) ثم اصطفى الله منهم شخص واحد وهو حبيبه أبي القاسم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فسماه (المصطفى) على الخلق أجمعين.

فكان شخصه المصفّى من بين شخوص الأنبياء والمرسلين وصفوهم وخيرتهم وسيدهم، وخير ما خلق الله تعالى (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإن الله تعالى قد اختار دينه على الأديان جميعاً، إذ هو صفوة الأديان ومنتقاها.

واختار من آل الأنبياء (عليهم السلام) آله فطهرهم من الرجس، فكانوا خِيرة الخلق من بعده، وصفى من النبوة شخص واحد وهو بضعته فاطمة التي قصدها أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطابه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري .»

ومن ثم لا بد أن يكون هناك دلالات في اللغة ارتبطت بمعنى (الصفوة) ترشد إلى جملة من المعاني التي تظهر شأنية فاطمة (عليها السلام) ومنزلتها عند الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فضلاً عن ارشادها إلى حجم المصيبة التي نزلت على قلب أمير المؤمنين ومولى الموحدين بعد النبي الأمين (صلى الله عليه وآله وسلم)، تلك المصيبة التي أقلت صبره؛ وهذا ما سنعرض له في المسألة القادمة.

ص: 267

المسألة الثانية: دلالات لفظ (الصفوة) ومعانيه في اللغة
اشارة

الصِّفوة: بالكسر، خيار الشيء وخلاصته وما صفا منه.

والصّفاء: مصدر الشيء الصافي.

وإذا أخذ صفوَ ماءٍ من غدير قال: استَصفيتُ صَفوةً.

وصفوتُ القدر: إذا أخذتَ صفوَتَا.

وصفا الجَوُّ، لم تكن فيه لطخةُ غيمٍ.

ويومٌ صافٍ وصفوانٍ، إذا كان صافي الشمس لا غيم فيه ولا كدر وهو شديد البرد.

والصفي من الغنيمة: ما اختاره الرئيس من المغنم واصطفاه لنفسه قبل القسمة من فرس أو سيفٍ أو غيره، وهو الصفية أيضاً، وجمعه صفايا واستصفيت الشيء: إذا استخلصته.

والاصطفاء: الاختيار، افتعال من الصفوة، ومنه: النبي صلى الله عليه وآله وسلم، صفوة الله من خلقه ومصطفاةُ: والأنبياءُ المصطفون، وهم من المصطفين إذا اختيروا وهم المصطفون إذا اختاروا، وهذا بضم الفاء)(1).

وهذه المعاني المفردة (الصفوة) تكمن فيما يلي من الدلالات:

1- خيار الشيء.

2- ما صفا منه.

ص: 268


1- لسان العرب لابن منظور: ج 14 ص 463 ، فصل الصاد المهملة.

3-المستخلص، فهو الخلاصة.

4-الخالي من الشوائب فهو النقي.

5- الاختيار من الأشياء.

وهذه الدلالات اجتمعت في قالب واحد وهو (الصفوة) وهي مجتمعة في فاطمة (عليها السلام) ولبيان ذلك فإنا نوردها بحسب تلك الدلالات الآتية:

أولاً: دلالة كونها خيار النبوة

إن الملازمة بين الأمر الإلهي والأمر النبوي في الحرمة والطاعة والامتثال واحدة، جاء في والقرآن الكريم عدد من الآيات المباركة تبين هذه الملازمة وذلك من قبيل:

1-قوله تعالى: ﴿..وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا..)(1).

2- وقوله عز وجل: ﴿.. وَمَنْ يَعْصِ اللَّه وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلًا مُبِينًا)(2).

3- قوله سبحانه: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحبُّونَ اللَّه فَاتَّبِعُونِی يُحبِبْكُمُ اللَّهُ..﴾(3).

4- قوله تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّه وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّه لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)(4).

وهذه الآيات وغيرها ترشد إلى تقنين العلاقة بين المسلم ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ ومن ثم فإن فعله وقوله وتقريره (صلى الله عليه وآله وسلم) متلازم مع رضا الله وغضبه، ولا يخفى على أهل العلم والمعرفة أن رضا الله سبحانه

ص: 269


1- سورة الحشر، الآية ( 7).
2- سورة الأحزاب، الآية ( 36).
3- سورة آل عمران، الآية ( 31 ).
4- سورة آل عمران، ( 32 ).

لا يكون إلا بما أراد وأمر وشرّع وإن غضبه عز وجل لا يكون إلا بمخالفة أمره وشرعه.

وعليه:

يكون تعامله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع الأشياء خاضعاً ومنقاداً لهذا القانون الإلهي، فحبه ناتج عن حب الله ورضاه وغضبه ملازم لرضا الله وغضبه وبهذا يكون اصطفائه (صلى الله عليه وآله وسلم) لفاطمة (عليها السلام) متلازماً مع اصطفاء الله تعالى لها لا فرق بين الاصطفاءين؛ بل إن ما يرشد إلى معرفة اصطفاءالله تعالى يكون من خلال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والسبب في ذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيد من اصطفاهم الله وأشرفهم، وهذه السيادية والشرّفية التي جعلها الله تعالى لرسوله الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)

تقتضي أن يكون اختيار الله تعالى متلازماً مع اختياره صلى الله عليه وآله وسلم: وهنا: نحن بين امرأتين قد اصطفاهما الله على العالمين، وهما مريم بنت عمران وفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليهم وسلم)، ومريم أخبر عنها الوحي في قوله تعالى:

﴿..يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّه اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَی نِسَاءِ الْعَالِمَينَ)(1).

واصطفاء مريم يقتضي أن يكون متلازماً مع اصطفاء سيدها ومولاها وهو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعلة كونه سيد الخلق أجمعين وأشرفهم، وهذه السيّدية والشرّفية تقتضي يكون أمر الاصطفاء إليه.

وبما أن الوحي قد أخبر عن الملازمة بين أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين

ص: 270


1- سورة آل عمران، الآية ( 42).

أمر الله تعالى؛ فيكون مرجع الأمر والاختيار الذي هو عين اختيار الله تعالى يعود إلى حبيبه وسيد خلقه (صلى الله عليه وآله وسلم).

فكان قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

«قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري .»

يدل على أنَّ هذا الاصطفاء كان من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنها مصطفاة على مريم (عليها السلام) فكانت فاطمة (عليها السلام) بهذا الاصطفاءالنبوي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.

وقد ورد في هذه الدلالة والبيان أكثر من حديث صريح، منها:

-1 أخرج الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن المفضل بن عمر قال، قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أخبرني عن قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في فاطمة أنها سيدة نساء العالمين، أهي سيدة نساء عالمها؟ فقال:

«ذاك لمريم، كانت سيدة نساء عالمها، وفاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين »(1).

2- وفي حديث آخر له (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد تحدث به في محضر أزواجه في أيامه الأخيرة وقد بعث خلف فاطمة (عليها السلام) ليظهر للحاضرين منزلتها، وليرشد بذلك إلى أهمية الموضوع ويدل على خطورته الأخروية وذلك أن الإنسان في لحظاته الأخيرة يقدم أهم الأشياء وأخطرها في حياته فكيف بسيد الخلق (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي يرى مصلحة أمته ويقدمها على كل مصلحة؛

ص: 271


1- معاني الأخبار للصدوق: ص 107 ؛ دلائل الإمامة للطبري: ص 54 .

بل وانحصار هذه المصلحة ببيان منزلة عترته أهل بيته، والحث على التمسك بهم، والتحذير من التعرض لهم أو التخلف عنهم فإن كل ذلك يجر إلى الهلاك والخسران المبين.

ولذا: لما دخلت عليه فاطمة (عليها السلام) في مرضه وأيامه الأخيرة وقد أخبره جبرئيل (عليه السلام) أنه لاحق بربه عز وجل، فقال لها في هذا المحضر من أزواجه وبعض النساء من أرحامه:

« يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين وسيدة نساء هذه الأمة وسيدةنساء المؤمنين »(1).

3- وفي حديث آخر أخرجه البخاري عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: « أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين »(2).

ومما لا ريب فيه: أن الجنة فيها مريم وخديجة وآسيا وغيرهن من المؤمنات.

وعليه: تكون فاطمة (صلوات الله عليها) سيدتهنَّ جميعاً وخيار النبوة من بينهنَّ، فهي صفوتهنَّ، وما صفا منهنَّ، فكانت هي النتيجة النهائية التي تم اختيارها من بين أربع نساء، هنَّ خلاصة نساء العالمين، وأفضلهنَّ جميعاً، كما ورد في الحديث الشريف الذي أخرجه الترمذي، عن أبي هريرة قال، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «خير نساء العالمين أربع، مريم بنت عمران، وآسيا بنت مزاحم، وخديجة بنت

ص: 272


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم: ج 3 ص 156 ؛ الفردوس للديلمي: ج 3 ص 145 ؛ الإصابة لابن حجر: ج 8 ص 56 ؛ الاستيعاب لابن عبد البر؛ ج 4 ص 1893 ح 1895 .
2- صحيح البخاري: باب علامات النبوة، ج 4 ص 183 .

خويلد، وفاطمة بنت محمد »(1).

فكانت قصدية منتج النص (عليه السلام) ودلالة قوله «صفيتك » هو أنها خيار النبوة على هؤلاء النساء الثلاثة، فهي سيدتهنَّ جميعاً، وهي سيدة نساء أهل، الجنة وما ذاك إلا بفعل اختيار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

ثانياً: قصدية الفرق بين الاختيار للشيء وخياره ودلالته في اظهار شأنية فاطمة (علیها السّلام)

مرّ في الدلالة السابقة أن خيار الشيء يكون هو النتيجة النهائية لمجموعة مختارة ومنتقاة، فكانت فاطمة هي خيار النساء جميعاً وسيدة المفضلات منهنَّ وخيرهنَّ،ثم جرى بينهنَّ استخلاص فكانت فاطمة (عليها السلام) هي المستخلصة منهنّ.

لكن هذه الخيرة من نساء العالمين من الأولين والآخرين لا بد أن تنال الإقرار من سيدهنّ ومولاهنّ وأشرف من خلق الله تعالى، وذلك أنه المفوَّض إليه من قبل الله تعالى النظر والاختيار، بدلالة عرض الأعمال عليه سواء أعمال أمته، أو غيرها من الأمم لقوله تعالى:

﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالُمؤْمِنُونَ..)(2).

وهذا العرض في الأعمال غير مقيد بهذه الأمة التي أدركته (صلى الله عليه وآله) وآمنت به بل بالأمم جميعاً لقوله تعالى:

﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَی هَؤُلَاءِ شَهِيدً)(3).

ص: 273


1- سنن الترمذي: ص 62 ح 3878 ؛ السمط الثمين للطبري: ص 34 ؛ درر السمط في خبر السبط لابن الأبار: ص 77 ؛ وسيلة الإسلام بان قنفذ: ص 56 .
2- سورة التوبة، الآية ( 105 ).
3- سورة النساء، الآية ( 41 ).

ومقام الشهودية يقتضي عرض الأعمال لجميع هذه الأمم عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) لكونه سيد الأنبياء والمرسلين، ولا بد أن يعرض المأموم عمله على الإمام، ومن الإمام تعرض على الله تعالى وهو الشاهد على كل شيء، وكفى به شهيداً ورقيباً وحسيباً جلت قدرته.

وهنا:

يكون الفرق بين الاختيار للشيء وخياره، هو أن الاختيار مسبوق بمرحلة على الخيار، فيصبح بذلك نتيجة لتصفية جرت في الأشياء ليكون النتيجة النهائية.ومن ثم: فقد تم اختيار فاطمة (عليها السلام) بعد التصفية بين نساء جميع الأمم فرجح منها أربعة نسوة، ثم كانت فاطمة (عليها السلام) المختارة من بينهنّ فهي

خيارهنّ، وسيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.

وبه تتضح قصدية منتج النص (عليه السلام) في بيان ان فاطمة (عليها السلام) هي خيار النبي (صلى الله عليه وآله) وخيرته من بين النساء الاربعة اللاتي فُضِّلنَ على نساء العالمين، فكانت كل واحدة منهنَّ سيدة نساء عالمها، أي: إنها خيرة الخيرة،

ومن ثم كيف لا يقل صبره على فقدها وهي بهذه الشأنية المحددة بمنزلتها بين نساء العالمين، أما من حيث شأنيتها من النبوّة بقصدية الصفوة منها فهو ما سنتناوله في ثالثاً والذي ينكشف لنا من خلاله قصدية منتج النص في قلّة صبره المرتكزة على شأنية الصفوة؛ فصلى الله على فاطمة وابيها وبعلها وبنيها بعدد ما احاط به علمه.

ثالثاً: القصدية في أنّها المستخلصة من النبوة ودلالته في قلّة صبره

من الدلالات الأخرى التي ارتبطت بقوله (عليه الصلاة والسلام):

«قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري .»

ص: 274

إنَّ (الصفوة) تدل على أنها المستخلصة من النبوة؛ والمراد بالنبوة هنا: (نور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فكانت المستخلصة من هذا النور والمختارة منه، وهو ما كشف عنه الحديث الشريف الذي رواه ابن شاذان القمي بإسناده إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، أنه قال: «ليلة أسري بي إلى الجليل جل جلاله أوحي إليّ ﴿آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾

قلت: والمؤمنون.

قال: صدقت يا محمد، من خلفت في أمتك؟ قلت: خيرها، قال: علي بن أبيطالب؟

قلت: نعم يا رب، قال: يا محمد إني اطلعت إلى الأرض اطلاعة فاخترتك منها فشققت لك اسما من أسمائي، فلا أذكر في موضع إلا ذكرت معي، فأنا المحمود وأنت محمد (صلى الله عليه وآله)، ثم اطلعت الثانية فيها فاخترت منها عليا، وشققت له اسما من أسمائي، فأنا الأعلى وهو علي.

يا محمد إني خلقتك وخلقت عليا وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولده من سنخ نور من نوري، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات وأهل الأرضين، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الكافرين، يا محمد

لو أن عبدا من عبيدي عبدني حتى ينقطع ويصير كالشن البالي ثم أتاني جاحدا لولايتكم ما غفرت له حتى يقر بولايتكم، يا محمد تحب أن تراهم؟

قلت: نعم يا رب، فقال لي: التفت عن يمين العرش.

ص: 275

فالتفت: فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والمهدي في ضحضاح من نور قيام يصلون وفي وسطهم

المهدي يضئ كأنه كوكب دري، فقال: يا محمد هؤلاء الحجج والقائم من عترتك، وعزّتي وجلالي له الحجة الواجبة لأوليائي وهو المنتقم من أعدائي، بهم يمسك الله السماوات أن تقع على الأرض إلا بإذنه» (1).

وهذا الاختيار الإلهي في الاطلاعة الأولى كان لِيرة الخلق محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم كانت الاطلاعة الثانية لاختيار خير الأمة وخليفة خير خلق الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).

ثم كانت النتيجة المستخلصة من الاختيار الأول والثاني هم: فاطمة وولدِها الأئمة المعصومين حجج الله على خلقه وخلفاء نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم).

ثم استخلص منهم أي من فاطمة وولدها الإمام المهدي (صلوات الله عليه وعلى آبائه) فكان في وسطهم يضيء كأنه كوكب دري، كما نصت الرواية فهو المستخلص من هذا النور الإلهي الذي كان من سنخ نور الله ورسوله ووليه وحججه على خلقه.

ولذا: فقد دلّ قوله «صفيتك » على أنها المستخلصة لحمل نور من يملئها قسطاًوعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً فهو من يخلّص العباد والبلاد من كل جور فهو (المخلص ابن المستخلص من نور الله تعالى).

ص: 276


1- ايضاح دوافن النواصب لابن شاذان: ص 11 - 12 ؛ بحار الأنوار: ج 27 ص 199 - 200 .
رابعاً: دلالة كونها ما صفا من النبوة

هذه الدلالة اشارت إليها بعض الأحاديث الواردة عنه (صلى الله عليه وآله) والكاشفة عن خصوصية فاطمة وشأنها عند الله تعالى ورسوله الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).

وكونها ما صفا من نور النبوة ما أخرجه ابن جرير الطبري الإمامي والخصيبي وغيرهم، عنه سلمان المحمدي عليه الرحمة والرضوان في حديث طويل، إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال:

«يا سلمان خلقني الله من صفوة نوره، ودعاني فأطعت، وخلق من نوري علياً فدعاه فأطاعه، وخلق من نوري ونور علي فاطمة فدعاها فأطاعته .»(1).

والحديث يكشف عن مراحل خلق الني وعلي وفاطمة (صلوات الله عليهم أجمعين) فكان خلق النبي (صلى الله عليه وآله) من صفوة نور الله تعالى وما جرى من الدلالات التي مرّ ذكرها في بيان قوله (عليه السلام):

«قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري .»

يجري هنا في كون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صفوة نور الله (عزّ وجل) فهو (المصطفى) ليس من بين الخلق فتم اختياره كما في حديث (الإطلاعة إلى الخلق) وإنما لاصطفائه من نور الله فهو صفوة نوره (عز وجل).

ولتقريب معنى الحديث يمكن أن نمثل في ذلك أثر المصباح الكهربائي الكبيروالشديد في الإضاءة والنورانية فمرة يأخذ من نوره من خلال وضع مرآة تعكس لنا جزء من نور المصباح إلا أن شدة هذا النور المنعكس وتفاوته تختلف عن اجتماع

ص: 277


1- دلائل الإمامة: للطبري: ص 448 ؛ الهداية الكبرى للخصيبي: ص 375

النور في حزمة واحدة لترتكز في نقطة محددة، فإن هذه الحزمة المأخوذة من المصباح ستكون في الصفاء والنقاوة والإضاءة أكثر بكثير من النور المنعكس من خلال المرآة.

وهكذا حال النور الذي خلق منه المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن نوره (صلى الله عليه وآله وسلم) خلق علياً (عليه السلام) فهو من نور واحد وهو صفوة نور الله تعالى، ومن ثم كانت فاطمة (عليها السلام) ما صفا من هذا النور وذاك، وذلك لاجتماعه فيها.

فكانت المصطفاة فهي (صفية النبي صلى الله عليه وآله وسلم).

خامساً: دلالة كونها النقية من نور النبوة

وهذه الدلالة الأخيرة التي ارتبطت بكونها صفية النبوة والتي تفيد معنى الخالية من الشوائب فهي النقية قد دلت عليها بعض الأحاديث الشريفة التي تناولت خلق نور محمد وآله (صلى الله عليهم أجمعين) ولا سيما خلق نور فاطمة (عليها الصلاة

والسلام) فضلاً عن أن أصل اصطفائها وكونها صفية النبوة التي وردت في قول أمير المؤمنين (عليه السلام) كلها مرتبطة بنور فاطمة )صلوات الله عليها).

فهي المختارة من نور المصطفى (صلى الله عليه وآله) وخيار النساء وخيرتهنَّ، والمستخلصة من نور النبوة وخلاصته، وما صفا منه، ونقيته.

فهذه الدلالات كلها مرتبطة ببيان شأنها النوراني وآثاره على الكون وتلازمه معنور الله تعالى، ونور نبيه (صلى الله عليه وآله)، ونور وصيه (صلوات الله عليهم أجمعين).

ص: 278

وفي هذه الدلالة روى الاسترآبادي (المتوفى سنة 965 ه) والمجلسي، والبحراني، عن انس بن مالك قال: (صلى بنا رسول الله في بعض الأيام صلاة الفجر، ثم أقبل علينا بوجهه الكريم، فقلت له: يا رسول الله إن رأيت أن تفسر لنا قوله تعالى:

﴿..فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّه عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)(1).

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم):

«أما النبيون فأنا، وأما (الصديقون) فأخي علي. وأما (الشهداء) فعمي حمزة، وأما (الصالحون) فابنتي فاطمة وأولادها الحسن والحسين .»

قال: وكان العباس حاضراً فوثب وجلس بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: ألسنا أنا وأنت وعلي وفاطمة والحسن والحسين من نبعة واحدة؟

قال: «وما ذاك يا عم؟ .»

قال: لأنك تعرّف بعلي وفاطمة والحسن والحسين دوننا؟

قال: فتبسم النبي وقال:

«أما قولك: يا عم ألسنا من نبعة واحدة فصدقت، ولكن يا عم إن الله خلقني وخلق علياً وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق الله آدم، حين لا سماء مبنية، ولا أرض مدحية، ولا ظلمة، ولا نور، ولا شمس، ولا قمر، ولا جنة، ولا نار .»

فقال: العباس: فكيف كان بدء خلقكم يا رسول الله؟

فقال: «يا عم لما أراد الله أن يخلقنا تكلم بكلمة خلق منها نورا، ثم تكلم بكلمة

ص: 279


1- سورة النساء، الآية 69 .

أخرى فخلق (منها) روحا، ثم مزج النور بالروح، فخلقني وخلق عليا وفاطمة والحسن والحسين، فكنا نسبحه حين لا تسبيح، ونقدسه حين لا تقديس، فلما أراد الله تعالى أن ينشئ الصنعة فتق نوري فخلق منه العرش، فالعرش من نوري ونوري

من نور الله ونوري أفضل من العرش.

ثم فتق نور أخي علي، فخلق منه الملائكة، فالملائكة من نور علي، ونور علي من نور الله، وعلي أفضل من الملائكة.

ثم فتق نور ابنتي فاطمة، فخلق منه السماوات والأرض، فالسماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة، ونور ابني فاطمة من نور الله، وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض.

ثم فتق نور ولدي الحسن وخلق منه الشمس والقمر، فالشمس والقمر من نور ولدي الحسن، ونور الحسن من نور الله، والحسن أفضل من الشمس والقمر.

ثم فتق نور ولدي الحسين، فخلق منه الجنة والحور العين، فالجنة والحور العين من نور ولدي الحسين، ونور ولدي الحسين من نور الله، وولدي الحسين أفضل من الجنة والحور العين.

ثم أمر الله الظلمات أن تمر على سحائب النظر فأظلمت السماوات على الملائكة فضجت الملائكة بالتسبيح والتقديس وقالت:

إلهنا وسيدنا منذ خلقتنا وعرفتنا هذه الأشباح لم نر بؤسا، فبحق هذه الأشباح إلا ما كشفت عنا هذه الظلمة، فأخرج الله من نور ابنتي فاطمة قناديل، فعلقها في بطنان العرش، فأزهرت السماوات والأرض، ثم أشرقت بنورها.

فلأجل ذلك سميت (الزهراء).

ص: 280

فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا لمن (هذا النور الزاهر) الذي قد أشرقت به السماوات والأرض؟ فأوحى الله إليها: هذا نور اخترعته من نور جلالي لآمتي فاطمة ابنة حبيبي، وزوجة وليي وأخ نبيي وأبو حججي (على عبادي).

أشهدكم ملائكتي أني قد جعلت ثواب تسبيحكم وتقديسكم لهذه المرأة وشيعتها ومحبيها إلى يوم القيامة »(1).

وعليه: كيف لا يقلّ صبر أمير المؤمنين (عليه السلام) على فقدها وهي المستخلصة والمنتقاة من نور المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) فكانت (صفوة الصفوة مننور الله تعالى).

ولذا: يظهر (عليه الصلاة والسلام) في خطابه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تفجعه وقلة صبره مع بيان شأنها النوراني في آن واحد فقال:

«قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري .»

وهو أمر يوازي صبر الوصي ومن ثم كان القصد منه بيان حجم الخسارة والمصيبة التي نزلت به مع ما آتاه الله من صفات وكمالات نفسانية، فهو (عليه السلام) الذي يأنس بالموت استئناس الرضيع بمحالب أمه، وهو الذي حمل من الصبر ما يوازي

شأنه ومنزلته؛ فيالها من خسارة عظيمة لفقده الصفوة النبوية.

ص: 281


1- تأويل الآيات الظاهرة لشرف الدين الحسيني الاستر آبادي: ج 1 ص 138 ؛ مدينة المعاجر للبحراني: ج 3 ص 223 و 422 ؛ البحار للمجلسي: ج 37 ص 82 - 84 ؛ تفسير كنز الدقائق للحويزي، ص 525 .

ص: 282

المحتويات

مقدّمة الكتاب...9

منهج البحث...15

مبحث تمهيدي في مصطلحات الدراسة ...19

أو لا:ً مفهوم الخطاب...23

الف- الخطاب لغةً...24

باء- الخطاب في القرآن الكريم ...25

جيم- ما هي الخطابة؟...34

دال- تطور الدراسات اللغوية من (نحو الجملة) الى (نحو النص) ...35

ثانياً: أثر الفلسفة التحليلية في تكوين التداولية ...36

ثالثاً: التداولية Pragma Tigue ...36

رابعاً: القصدية 52.........Intentionality .

خامساً: نظرية الافعال الكلامية... 61.

سادساً: المقبولية 66............. Acceptability .

سابعاً: نظرية التلقي ومستويات القراءة ... 70.

ص: 283

الباب الأول: ما رواه الشريف الرضي عن امير المؤمنين(علیه السّلام) عند دفنه فاطمة (علیها السّلام)

الفصل الأول: قصدية النص في دفنه فاطمة ودلالته وتحليله .

المبحث الأول: سبب صدور النص الشريف عنه (علیه السّلام)

المسألة الأولى: زمان صدور النص ومكانه ... 89.

أولاً: تحديد زمان صدور النص... 89.

ثانياً: تحديد مكان صدور النص... 91.

المسألة الثانية: تعدد الفاظ النص في مصادر الإمامية ... 93.

أولاً: تعدُد ألفاظ النص يكشف عن حقائق كثيرة، ويوصِل الى مقاربة قصدية منتجه (علیه السّلام) ...93

ثانياً: مقابلة ألفاظ الحديث وصولاً إلى الصيغة النهائية ... 100.

المبحث الثاني: الأفعال الكلامية المباشرة في النص الشريف

المسألة الأولى: الاخباريات (.Assertives .)...108

المسألة الثانية: التوجيهيات (Directives . ) ...112

المسألة الثالثة: الالتزاميات ) 113...... )Commissive .

المسألة الرابعة: التصر حات ) 114.......... )Declorations ي .

المسألة الخامسة: التعبيرات ) 115............. )Expressives .

ص: 284

المبحث الثالث: المقاصدية في تحويل وجهه (علیه السّلام) الى قبر رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ومخاطبته

المسألة الأولى: قصدية الالتزام بمنهج القرآن الكريم في مخاطبة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )...124

أولاً: تحذير المسلمين من آثار رفع أصواتهم فوق صوت النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ...124

ثانياً: القرآن يفرض المال على من أراد أن يخاطب رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ...127

ثالثاً: الملازمة بين مناداة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من وراء الحجرات والعقل ...133

المسألة الثانية: حرمة مخاطبته (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) حياً كحرمته ميتاً ...135

أولاً: مقام الشهودية...136

ثانياً: مراقبة الاعمال ورؤيتها ... 138.

ثالثاً: إن القول ببدعة الشكوى إليه وزيارته بعد موته هو مخالفة صر حة للقرآن الكريم ...139

المبحث الرابع: مقاصدية السلام على رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) عن نفسه وعن فاطمة (علیه السّلام)

المسألة الأولى: دلالة لفظ السلام في اللغة ... 143.

المسألة الثانية: دلالة لفظ (السلام) في القرآن الكريم ... 146.

المسألة الثالثة: القصدية في قوله (علیه السّلام) عني وعن ابنتك...156

أولاً: القرآن الكريم يمنع الناس من الدخول إلى بيت النبي إلا بإذن منه ... 157.

ثانياً: أخذ الإذن في الدخول إلى الروضة النبوية لفاطمة (علیه السّلام)...158

ص: 285

المبحث الخامس: المقاصدية في إيراد منتج النص لفظ: (إبنتك، وقرةّ عينك، وزائرتك)

المسألة الأولى: القصدية في إيراد لفظ (إبنتك) وكاشفية بنوة غير فاطمة (علیها السّلام)...164

أولاً: هل للنبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ابنة غير فاطمة (علیها السّلام) ...165

ثانياً: إن فاطمة (علیها السّلام) هي وحيدة النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وليس له بنتاً غيرها ...166

المسألة الثانية: قصدية منتج النص في «وقرّة عينك » استحقاق وجداني، أم تقوائي؟...... 172.

أولاً: كون فاطمة (علیها السّلام) قرّة عين لرسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )بالاستحقاق الوجداني ... 173.

ثانياً: كون فاطمة (علیها السّلام) قرّة عين للنبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بالاستحقاق التقوائي ....... 176.

المسألة الثالثة: القصدية في زيارة فاطمة(علیها السّلام) النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وهي في قبرها ... 178.

أولاً: السياق الدلالي للألفاظ يؤكد قصدية وقوع الزيارة ....178

ثانياً: إنَّ مقتضى حال فاطمة (علیها السّلام) يستدعي زيارة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لها، لا العكس...... 180.

ثالثاً: هل كل مسلم بعد موته يزور رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ...180

رابعاً: قصدية زيارتها تكشف عن مخالفة بعض المسلمين للسنة النبوية .... 183.

المبحث السادس: مقاصدية نزول فاطمة (علیها السّلام) بجوار رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بين النزول البرزخي والارتقاء الفردوسي

المسألة الأولى: دلالات (النزول) ومعانيه...190

أولاً: «النازلة » بمعنى الاستنزال المرتبي...190

ثانياً: «النازلة » بمعنى الإنزال المكاني والموضعي، من العلو إلى السفل ..... 190.

ثالثاً: «النازلة » بمعنى الحلول المكاني ... 193.

رابعاً: النزول البرزخي والحلول الفردوسي .. 194.

المسألة الثانية: دلالة مجاورة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) هل هي مكانية أم سكانية؟..... 197.

ص: 286

المبحث السابع: مقاصدية بيات فاطمة (علیها السّلام) في ثرى بقعة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

المسألة الأولى: قصدية البيات في الثرى النبوي بين تغيّب قبرها وحظوره ... 203.

أولاً: قصدية البيات بدلالته الزمانية، وارتكازه بوصيتها لعلي (علیه السّلام) ...203

ثانياً: قصدية البيات بدلالته المكانية... 206.

المسألة الثانية: قصدية البيات في ثرى البقعة النبوية بتحديد مكان قبرها (علیه السّلام)...207

أولاً: إن قبر فاطمة (علیها السّلام) في دارها الذي كان ملاصقاً للحجرة النبوية ..... 208.

ثانياً: إنه في الروضة التي بين منبر النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وقبره ........ 209.

ثالثاً: إنه في البقيع...211

المسألة الثالثة: دلالة بياتها (علیها السّلام) في ثرى النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يكشف اكذوبة دفن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في بيت عائشة ... 213.

المبحث الثامن: المقاصدية في إيراده لفظ «ببقعتك » وإلحاق البضعة (علیها السّلام) بهذا التخصيص

المسألة الأولى: قصدية التلازم بين خلق طينة ابدان العترة النبوية والمثلية في القرآن الكريم ... 222.

المسألة الثانية: قصدية الملازمة بين طينة بدن فاطمة وطينة بدن النبي وانهما من الجنة، ومن بقعة واحدة .. 229.

أولاً: (إنها من جنة الفردوس)...229

ثانياً: (إن هذه الطينة من عليين)...230

ثالثاً: (إنها من طينة تحت العرش) ... 232.

رابعاً: (إنها من طينة قبر النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )...233

خامساً: أن هذه الطينة مأخوذة من الجنة والأرض ...234

ص: 287

المبحث التاسع: المقاصدية في الاختيار الإلهي لها في الوفاة ، وخصوصية سرعة اللحاق بأبيها (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

المسألة الأولى: قصدية الاختيار الإلهي لها (علیها السّلام) في الوفاة ...243

أولاً: معنى الاختيار لغة...244

ثانياً: ما جرى عليها من المصائب يدفع إلى الرحيل عن الدنيا دون البقاء فما الذي جرى؟... 245.

ثالثاً: إكثارها من الدعاء إلى الله تعالى في سرعة اللحاق بأبيها (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ...251

رابعاً: إنَّ النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قد سأل الله أن تلحق به فاطمة سريعاً .... 252.

المسألة الثانية: القصدية في تحديد المدة الزمنية التي عاشتها بعد رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فأسرعت في لحاقه؟ ... 256.

أولاً: إنها بقت خمسة وسبعين يوما... 256.

ثانياً: إنها بقت ثلاثة أشهر... 257.

ثالثاً: أنها بقيت بعد أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) بستة أشهر .... 257.

رابعاً: إنها بقت بعد أبيها ) i( ثمانية أشهر . .... 258.

خامساً: تاريخ وفاتها (صلوات الله عليها) وتحقق قصدية سرعة اللحاق ..... 258.

سادساً: عمرها حين الوفاة .... 259.

المبحث العاشرمقاصدية كونها صفية سيد الأنبياء والمرسلين (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ودلالة قلّة صبره

المسألة الأولى: الاصطفاء في القرآن .... 264.

المسألة الثانية: دلالات لفظ )الصفوة( ومعانيه في اللغة . 268.

أولاً: دلالة كونها خيار النبوة .... 269.

ثانياً: قصدية الفرق بين الاختيار للشيء وخياره ودلالته في اظهار شأنية فاطمة (علیه السّلام)...273

ثالثاً: القصدية في أنها المستخلصة من النبوة ودلالته في قلّة صبره ....... 274

رابعاً: دلالة كونها ما صفا من النبوة..... 277.

خامساً: دلالة كونها النقية من نور النبوة .....278

ص: 288

المجلد 2

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 1351 لسنة 2016

مصدر الفهرسة: IQ – KaPLI ara IQ –KaPLI rda

رقم الاستدعاء: 2017 H37 F3.BP38.09

المؤلف: الحسني، نبيل قدوري ، 1965 -. مؤلف.

العنوان: فاطمة في نهج البلاغة : مقاربة تداولية في قصدية النص ومقبوليته واستكناه دلالاته وتحليله /

بيان المسؤولية: تأليف السيد نبيل الحسني.

بيانات الطبعة: الطبعة الاولى.

بيانات النشر: كربلاء، العراق : العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2017 / 1438 للهجرة.

الوصف المادي: 5 مجلد ؛

سلسة النشر: مؤسسة علوم نهج البلاغة ؛ سلسلة الدراسات والبحوث العلمية ( 12 ).

تبصرة ببليوغرافية : يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة – نهج البلاغة.

موضوع شخصي: علي ابن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة- 40 هجريا – احاديث

-- دراسة تحليلية.

موضوع شخصي: فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، 8 قبل الهجرة - 11 هجريآ

موضوع شخصي: فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، 8 قبل الهجرة - 11 هجريآ – فضائل – احاديث.

موضوع شخصي: فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، 8 قبل الهجرة - 11 هجريآ – مصائب.

موضوع شخصي: فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، 8 قبل الهجرة - 11 هجريآ – الوفاة والدفن.

مصطلح موضوعي: فقه اللغة العربية.

مصطلح موضوع: احاديث الشيعة الامامية -- دراسة تحليلية.

مؤلف اضافي: مستخلص ل (عمل) : الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة – نهج البلاغة.

اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة -- جهة مصدرة.

عنوان اضافي: نهج البلاغة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

اشارة

ص: 2

سلسلة الدرسات والبحوث العلمية (12)

وحدة فقه اللغة وفلسفتها - اللسانيات

فاطمة (عليها السلام) في نهج البلاغة مقاربة تداولية في قصدية النص ومقبوليته واستكناه دلالاته وتحليله /الجزء الثانی

تالیف: السید نبیل الحسینی الکربلایی

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1439 ه/ 2018 م

العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة

مؤسسة علوم نهج البلاغة

www.inahj.org

Email: inahj.org@gmail.com

موبايل: 07815016633

ص: 4

المبحث الحادي عشر:مقاصدية ضعف تجلده و مركوزة بشأنية سيادتها على نساء العالمين

اشارة

ص:5

قوله (عليه السلام): «قَلَّ ياَ رسَوُلَ اللَّه عنَ صفَيِّتكِ صبَرْي، وضَعفُ عنَ سيَّدةَ النسِاَء تجَلَّديِ »

اشارة

ص: 6

إنَّ الملاحظ في هذا النص مورد البحث، أي قوله (عليه السلام): «وضعف عن سيدة النساء تجلّدي »، وما سبقه، أي قوله (عليه السلام): «قل يا رسول الله عن صفيتك صبري »، هو ارتكازهما على بيان شأنية فاطمة (عليها السلام)، فقد اتّضح من خلال البحص والدراسة في معنى الصفوة وما تبعه من ذكره (عليه السلام) لسيدة نساء العالمين وارتباطهما بشخصه ومشاعره في قلّة صبره وضعف تجلّده هو اظهار قصدية حجم الخسارة المرتكزة على حجم شأنية بضعة النبي (صلى الله عليه وآله)، وهو امر في غاية الحكمة وذلك لتحريكه مشاعر المتلقي في تتبع هذه الشأنية ومعرفتها، فلو اكتفى منتج النص بذكر مشاعره ووجدانياته دون الربط بذكر صفة كونها (صفية رسول الله (صلى الله عليه وآله)) وكونها (سيدة النساء) لأصبح المتلقي في دائرة الوجدانية التي ترافق صاحب العزاء وهو امر لا يحرك

ذهنية المتلقي، ولذلك اقرن هاتين الصفتين بمشاعره في قلّة الصبر، وضعف التجلّد ليظهر للمتلقي قصدية الحقيقة في بيان شأنية فاطمة (عليها السلام).

المسألة الأولى: الملازمة بين قصدية منتج النص في كونها سيدة النساء مع الحديث النبوي
اشارة

لم تقتصر الأحاديث النبوية الشريفة الخاصة بفاطمة (عليها السلام) في بيان منزلتها في الأمة وإنما تعدّتها إلى بيان منزلتها على العالمين كي لا يبقى عذر لمعتذر في نكران فضلها، وجحد حقها، وهذه الاحاديث الخاصة بصفة كونها سيدة نساء العالمين وإن كانت قد مرّت في المبحث السابق الخاص بقصدية (الصفوة) والاصطفاء، إلا أنها هنا دلالتها وغرضها الذي قصده منتج النص (عليه السلام)

ص: 7

في ارشاد المتلقي الى الملازمة بين قصديته (عليه السلام) والحديث النبوي بهذا الشأن الفاطمي وتعدد مناسباته ودوافعه فقد تعدد صدور الحديث عنه (صلى الله عليه وآله) في شأن فاطمة وخصوصية انحصار السيّديّة بها دون تجزئتها على بقية النساء

المنتجبات والمفضلات في العوالم المتعددة، ليظهر النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) بهذا البيان عن أن فاطمة وبعلها وبنيها هم خاصة شرع الله وأمناؤه على دينه، وحملة وحيه، الذي نزل به الروح الأمين على قلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولذا: ليس بالغريب على من تعصب للباطل، وكره الحق وإظهاره، أن ينكر على آل النبي (صلى الله عليه وآله) كل هذا الكم الكبير من الأحاديث الشريفة

في العترة. ممّا دفع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) -ومن خلال ما أطلعه عليه الوحي من انقلاب الأمة بعد وفاته وظهور الفتن فيها ومحاربة أهل بيته ومعاداتهم أيما عداوة- أن يعمد إلى استخدام وسائل متعددة في حث الناس على التمسك بأهل بيته واتباعهم وملازمتهم ونصرهم؛ ففي ذلك نصر الإسلام والشريعة.

فنجده يلتمس الأوقات والأماكن المناسبة ليبث في الأمة روح الإيمان والتذكير، كي لا يقع أحد منهم في التهلكة أو يتبع الباطل، وها هو القرآن يصرح بالعديد من الحقائق التي تذكر وقائع الأيام والأمم السالفة التي وقعت فيها الفتن فكانت سبباً لهلاكها وضياعها.

من هنا: عمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أساليب عديدة في التبليغ لما يرتضيه الله تعالى لهذه الأمة، فكانت كالآتي:

ص:8

أولاً- أخباره الناس من خلال المسجد النبوي في بيان منزلة فاطمة (علیها السّلام)

وقد أخذ بيدها وقال:

«من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها هي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني،وهي قلبي الذي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله جل وعلا .»(1).

فكان هذا الاخبار العام هو وسيلة في نجاة الأمة من الوقوع في الفتنة وحفظ حرمته (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ لأن فيها حرمة الله وحرمة الإسلام؛ فضلاً عن ان أهل بيته، هم آل ياسين الذين اصطفاهم الله لشرعه، وجعلهم حججاً على خلقه.

ثانياً: اصطحابه بعض الصحابة لزيارة بيت فاطمة (علیها السّلام)

وكان ذلك من خلال اصطحابه لعمران بن حصين كما أخرج ابن شاهين عنه قائلاً: (خرجت يوماً فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم فقال لي:

«يا عمران فاطمة مريضة هل لك أن تعودها .»

قال: قلت فداك أبي وأمي وأي شرف أشرف من هذا فانطلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانطلقت معه حتى أتى الباب فقال:

«السلام عليكم أأدخل؟ .»

قالت: وعليكم أدخل.

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«أنا ومن معي .»

ص: 9


1- المحتضر لحسن بن سليمان الحلي: ص 234 . البحار للمجلسي: ج 43 ، ص 54 .

قالت: «والذي بعثك بالحق ما علي إلا هذه العباءة .»

قال: «ومع رسول الله ملاءة خلقة .»

فرمى بها إليها فقال:

«شدي بها على رأسك .»

ففعلت ثم قالت: «أدخل .»

فدخل ودخلت معه فقعد عند رأسها وقعدت قريباً منه فقال:

«أي بنية كيف تجدك؟ .»

قالت: «والله يا رسول الله إني لوجعة وإني ليزيدني وجعاً إلى وجعي أن ليس عندي ما آكل .»

قال: فبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبكت وبكيت معهما.

فقال لها: «أي بنية اصبري »؛ مرتين أو ثلاثة.

ثم قال لها: «يا بنية أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين؟ .»

قالت: «يا ليتها ماتت فأين مريم بنت عمران؟! .»

ص: 10

قال لها: «أي بنية تلك سيدة نساء عالمها وأنت سيدة نساء عالمك والذي بعثني بالحق لقد زوجتك سيدا في الدنيا وسيدا في الآخرة لا يبغضه إلاّ كل منافق »(1).

ثالثاً: بيانه لمنزلتها في محضر أزواجه وفي اللحظات الأخيرة من حياته

وهذا يدل على أهمية الموضوع الذي يتحدث عنه النبي (صلى الله عليه وآله)؛ لأن الإنسان يهتم في هذه اللحظات بأهم الأشياء لديه، ولذا نجده (صلى الله عليه وآله وسلم) لما دخلت عليه فاطمة (عليها السلام)، وهو في مرضه الذي توفي فيه، قال لها:

«يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين وسيدة نساء هذه الأمة وسيدة نساء المؤمنين؟ »(2).

المسألة الثانية: قصدية انحصار السيادة على نساء العالمين بفاطمة (علیها السّلام)

إن الذي يرشد إليه حديث عمران بن حصين في كون فاطمة سيدة نساء عالمها ومريم سيدة نساء عالمها يحتاج إلى توجيه ينسجم مع نصوص أخرى واردة عن المعصومين (عليهم السلام) لاسيما الأحاديث النبوية الشريفة التي تنص على ان

فاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين وهي كالآتي:

ص: 11


1- فضائل سيدة النساء لعمر بن شاهين: ص 25 . الاستيعاب لابن عبد البر: ج 4، ص 1895 . نظم درر السمطين للزرندي الحنفي: ص 179 . تاريخ ابن عساكر: ج 42 ، ص 134 . الجوهري للبري: ص 17 . تاريخ الإسلام للذهبي: ج 3، ص 46 . بشارة الإسلام لمحمد بن أبي القاسم الطبري: ص 118 . ينابيع المودة للقندوزي: ج 2، ص 134 . ذخائر العقبى: ص 43 . إحياء علوم الدين: ج 10 ، ص 74 .
2- المستدرك:ج 3، ص 156 . الفردوس للديلمي: ج 3، ص 145 . الكنز: ج 12 ، ص 110 ، ح 24232 . وفي الجمع بين رجال الصحيحين: ج 2، ص 611 . الاصابة لابن حجر: ج 8، ص 56 . وفي سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لابن سعد: ص 270 . وفي الاستيعاب: ج 4، ص 1893 ، ح 1895 .

1- عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إن علياً وصيي وخليفتي، وزوجته فاطمة سيدة نساء العالمين ابنتي، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ولداي، من والاهم فقد والاني، ومن عاداهم فقد عاداني، ومن ناواهم فقد ناواني، ومن جفاهم فقد جفاني، ومن برهم فقد برني،وصل الله من وصلهم، وقطع الله من قطعهم، ونصر الله من أعانهم، وخذل الله من

خذلهم »(1).

2-عن المفضل بن عمر قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أخبرني عن قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) في فاطمة أنها سيدة نساء العالمين أهي سيدة نساء عالمها؟ فقال:

«ذاك لمريم كانت سيدة نساء عالمها وفاطمة سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين »(2).

3- وروى الطبرسي في مسائل اليهودي للإمام علي (عليه السلام) كان من بينها قوله: فإن هذا يعقوب (عليه السلام) أعظم في الخير نصيبه إذ جعل الأسباط من سلالة صلبه ومريم بنت عمران من بناته قال علي (عليه السلام):

«لقد كان كذلك، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم أعظم في الخير نصيبا إذ جعل فاطمة سيدة نساء العالمين من بناته والحسن والحسين من حفدته »(3).

ص: 12


1- من لا يحضره الفقيه للصدوق: ج 4، ص 420 .
2- معاني الأخبار للصدوق: ص 107 ، دلائل الإمامة للطبري: ص 54 .
3- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 214 .

عن ابن عباس قال، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أنا سيد الأنبياء والمرسلين، وأفضل من الملائكة المقربين، وأوصيائي سادة أوصياء النبيين والمرسلين، وذريتي أفضل ذريات النبيين والمرسلين، وأصحابي الذين سلكوا منهاجي أفضل أصحاب النبيين والمرسلين، وابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين »(1).

6-وذكرها (عليها السلام) ضمن سيدات أهل الجنة أو العالمين وباللفظ الذي يدل على اشتراكها في هذه السيادة كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «حسبك من نساء العالمين أربع، مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة

بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم .»

7-عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «خير نساء العالمين أربع؛ مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم .»(2).

8- وعن عائشة قالت لفاطمة (عليها السلام): ألا أبشرك، إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه -وآله- وسلم) يقول:

«سيدات نساء أهل الجنة أربع مريم بنت عمران وفاطمة بنت محمد وخديجة بنت خويلد وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون»(3) .

ص: 13


1- التحصين لابن طاووس: ص 561 .
2- سنن الترمذي كتاب: 62 ، ح 3878 . السمط الثمين للطبري: ص 34 . درر السمط في خبر السبط لابن الأبار: ص 77 . وسيلة الإسلام لابن قنفذ: ص 54 .
3- مستدرك الحاكم: ج 3، ص 185 . مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 201 . المعجم الكبير للطبراني: ج 11 ، ص 328 .

إنَّ هذه الأحاديث الشريفة التي وردت في حق فاطمة (صلوات الله عليها) وبيان منزلتها والتي يظهر فيها اختصاصها بمنزلة السيادة على العالمين مرة، واشتراكها مع مريم، وخديجة، وآسية مرة أخرى، وتجزؤ هذه السيادة في المرة الثالثة.

لتحتاج إلى توجيه يقرب المعنى ويوصل إلى الدلالة التي ترشد إليها هذه الأحاديث والتي تقارب قصدية منتج النص في بيان الملازمة بين غرضه وغرض الاحاديث النبوية -كما مر في المسألة الاولى، فضلاً عن قصدية انحصار السيّديّة بها

على نساء العالمين، فكانت كالآتي:

1. إنّ معنى سيادتها على العالمين من الأولين والآخرين مع اختصاص مريم (عليها السلام) بذاك لاسيما ما جاء في قوله تعالى: ﴿يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّه اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَی نِسَاءِ الْعَالِمينَ﴾(1).

وبيانه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن هذا الاصطفاء على العالمين مقيد في زمانها فإن مثاله كمثال الشمس والكواكب، فكل كوكب هو سيد عالمه، لكنه بالنسبة

للشمس لا يرقى في سيادته على سيادتها، وفي نفس الوقت تكون الشمس سيدة عالمها، وعالم غيرها من الكواكب مع ملاحظة ان الجميع ضمن مجرة واحدة وعالم واحد وكذا حال فاطمة (عليها السلام) فهي كالشمس في عالم النساء مع وجود نساء أخريات كمريم، وخديجة، وآسية، هنّ كالكواكب.

ومما يدل على هذا المعنى قوله تعالى في اصطفاء بعض الأنبياء وآل الأنبياء (عليهم السلام)، فقول سبحانه:

ص: 14


1- سورة آل عمران، الآية ( 42 ).

﴿إِنَّ اللَّه اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَی الْعَالِمينَ ) 33 ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(1).

وهذا لا يعني أنَّ بقية الانبياء والمرسلين (عليهم السلام) هم خارج دائرة الاصطفاء، ولكنهم متفاوتون في عوالمهم وأممهم التي اصطفيوا منها، ليكون الاصطفاء الاعلى والمهيمن على جميع هذه العوالم وكوكبها هم محمد وعترته (صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين).

2. إن سيادة فاطمة صلوات الله عليها على نساء العالمين من الأولين والآخرين يقتضيه قوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْر أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالَمعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الُمنْكَرِ﴾(2).

وهذه الخيرة التي لهذه الأمة تقتضي خيرية فاطمة على بقية نساء الأمم.

أي: إننا إذا حملنا سيادتها على عالمها بكونها من أمة محمد (صلى الله عليه وآله) وانها سيدة نساء هذه الأمة أو المسلمين فسيلزم ذلك سيادتها على غيرها من الأمم

السابقة أو العوالم النسوية الماضية واللاحقة إلى قيام الساعة، بعلّة كون هذه الأمة هي خير أمة أُخرِجَت للناس جميعاً وهو ما يتسق مع قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لفاطمة (عليها السلام) في وفاته: «أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة، أو نساء المؤمنين »(3).

ولا شك ان الجنة تجمع نساء جميع العوالم من الأولين والآخرين، وبهذا تكون فاطمة سيدة نساء العالمين.

ص: 15


1- سورة آل عمران، الآية ( 33 - 34 ).
2- سورة آل عمران، الآية ( 110 ).
3- صحيح البخاري، باب: علامات النبوة: ج 4، ص 183 .

3. إنّ كون هذه الأمة هي الأمة الوسط من بين الأمم كما صرّح به القرآن في قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَی النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شهِيدًا﴾(1).

فان ذلك يقتضي المحورية التي يرجع إليها نظم الأمم وإصلاحها، وحالها كحال النواة في الخلية، ولاشك من الناحية الفيزيائية، أن الرعوية والسياديّة في الخلية تكون للنواة، وبذلك جعلها الله في الوسط من المكون الخليوي، وكذا حال هذه الأمة وكذا حال فاطمة (صلوات الله عليها) من نساء الأمة، ونساء العالمين.

ولعل أقرب المعاني لهذه السيادة على العالمين ما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيانه لمعنى اسم «الزهراء » حينما ابتلى الله الملائكة بظلمة شديدة فلم

تكد ترى حينها أولها من آخرها وحينها ضجت الملائكة إلى الله بالدعاء ونادت: «إلهنا وسيدنا، بحق الأشباح التي خلقتها الا ما فرجت عنا هذه الظلمة فعند ذلك تكلم الله بكلمة أخرى فخلق منها روحاً، فاحتمل النور الروح فخلق منه الزهراء، فاطمة فأقامها أمام العرش، فأزهرت المشارق والمغارب، فلأجل ذلك سميت الزهراء »(2).

أي: بسيادة نورها على المشارق والمغارب، كما سيمر بيانه بمزيد من التفصيل في مقاصدية قوله (عليه السلام):

«واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء .»

ص: 16


1- سورة البقرة، الآية ( 143 ).
2- البحار للمجلسي: ج 36 ، ص 73 . الروضة في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام لابن شاذان: ص 113 .

وعليه:

فإن مقاصديته كانت لإلفات انتباه ذهن المتلقي الى هذه الشأنية والمنزلة الجلية لبضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن ثم يتضح عندها امران:

الامر الاول: حجم الخسارة التي منيت بها هذه الامة، فلقد افتقدت بشكل سريع سيدة نساء العالمين دون أن نتنفع منها في شؤون الحياة لاسيما فيما ارتبط بالمرأة والاسرة، وما ارتبط بهما من حقول معرفية متعددة في الفقه والاقتصاد والاجتماع والتربية والاخلاق والنفس والسلوك وغيرها، فضلاً عن كونها باباً من ابواب نزول الرحمة واللطف الإلهي للعالمين بمقتضى البضعية التي لها دون غيرها من العترة النبوية ومن ثم فما للمصطفى (صلى الله عليه وآله) من خصائص يكون لها

منها البضع بمقتضى حديثة (صلى الله عليه وآله): «فاطمة بضعة مني.. » ومن هذه الخصائص رفع العذاب ومنع وقوعه على الأمة لقوله تعالى ﴿وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبَهمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ..﴾، ففقدانها كان خسارة للأمة وللمسلمين جميعاً.

الأمر الثاني: خسارته الشخصية التي ضعف معها تجلّده، أي قوّته وشدّته، كما سيمر في المبحث القادم.

ص: 17

ص: 18

المبحث الثاني عشر:مقاصدية ارتباط تفجعه لفقدها بفقد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) وحزنه عليه

اشارة

ص: 19

قوله (عليه السلام) «إلِا أَنَّ ليِ فيِ التَّأَسِّي بسِنُّتكِ بعِظَيِمِ فُرقْتكِ وفَادحِ مصُيِبتَكِ والحُزنْ الّذي حلَّ بيِ لفِرِاقكِ موَضْعِ تعَزَّ »

اشارة

ص: 20

المسألة الأولى: حجم البلاء يوازي حجم المصلحة في وقوعه

إن النظر إلى سيرة الأنبياء والمرسلين وأوصيائهم وما مرّوا به من مصائب وابتلاءات متنوعة ومتعددة كان له آثار عدّة في بناء الإنسان، فضلاً عن بيان شؤون وخصوصيات ارتباط هذه الذوات بالسماء والشرع الإلهي.

ومن ثم فكل ما ارتبط بهم كان بنظر الله وبتسديد منه لبلوغ هدف محدد؛ إذ قد يرتبط نوع البلاء بصلاح المجتمع كما في ابتلاء نبي الله ابراهيم (عليه السلام) حينما أُلقي في النار فكانت بأمر الله برداً وسلاماً، وهو بلاء يوازي حجم الفساد العقدي للمجتمع، وذلك من خلال تغلغل الوثنية في أرض الرافدين وتعدد مذاهبها، فمن عبادة الشمس وعبادة القمر وغيرها من الكواكب، أو عبادة الأصنام وتعددها،وظهور معتقد الثالوث البابلي(1) إلى دعوت النمرود للألوهية وغيرها، من المذاهب الوثنية التي استدعت أن يكون حجم البلاء موزياً لحجم الإصلاح وهو التوحيد.

بمعنى: إن الذين يعتقدون بالشمس والقمر والأوثان وبالنار وغيرها آلهة، فإنهم لا يصمدون أمام منظر قذف إبراهيم (عليه السلام) بالنار التي تأكل الحجر والبشر؛ ومن ثم فأي قوة تلك التي عطلت النار وغيرت ماهيتها وسنتها في الإحراق إلى

البرد الذي لا يضر أيضاً فكانت سلاماً على إبراهيم (عليه السلام).

أو كما في حال نوح عليه السلام الذي أبتلي بطول فترة التبليغ صابراً طوال هذه السنين التي لبث فيها مئات من السنين، فكانت كما أخبر الوحي في محكم التنزيل:

ص: 21


1- لمزيد من الاطلاع: ينظر كتاب (تكسير الأصنام بين تصريح النبي وتعتيم البخاري دراسة في الميثولوجيا والتاريخ ورواية الحديث، لمؤلف).

﴿..فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّ خَمسِينَ عَامًا..﴾(1).

فكان حجم الطوفان كاشف عن حجم الفساد الذي وقعت فيه أمة نوح، ولذا كان العلاج هو الطوفان، قال تعالى:

﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَی الْأرَضِ مِنَ الْكَافرِينَ دَيَّارًا * إنِّكَ إنِ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَ يَلِدُوا إِلَّ فَاجِرًا كَفَّارًا﴾)(2).

فأهلكهم الله جميعاً كي لا يضلوا من آمن ولا يلدوا الفجار والكفار، وذلك لتلبس الكفر بهم وتحولهم تحولاً تاماً إليه فاقتضى الحكم الإلهي إبادتهم جميعاً ببلاء الطوفان.

وعليه:

فحجم البلاء في مصيبة فقد فاطمة (عليها السلام) وما جرى عليها يوازي المصلحة في حجم بقاء الاسلام وشريعة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم).

فلولا هذا الابتلاء لما عُرِف اهل الضلال وائمته، وأهل الباطل وقادته، ولسارت الأمة بحسب ما اراده هؤلاء لها من ارجاع الناس الى حكم الجاهلية وارجاسها منتفعين من اجتماع الناس على كلمة لا اله إلا الله التي جاهد من اجلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوجدوا أن العرب مجتمعة على هذه الكلمة متفرقة في الايمان بها وهي حقيقة كشفها القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿قَالَتِ الْأعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَم تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَّما يَدْخُلِ الْأيمَانُ فِی قُلُوبِكُمْ..﴾(3)، فأصبح لهم بهذا الاجتماع عوامل قيام المملكة او السلطان او

ص: 22


1- سورة العنكبوت، الآية ( 14 ).
2- سورة نوح، الآية ( 26 - 27 ).
3- سورة الحجرات، الآية ( 14 ).

الامارة ليتطور المصطلح مع مقتضيات تمرير الامارة والتسلط المشرعن الى مفهوم الخلافة؛ فهذا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي له الحق -بحكم هذا العنوان- تصدير الاحكام وتفسيرها بحسب اجتهاده، ورأيه قاعدة، فإن اخطئ

فله أجر واحد، وإن اصاب فله أجران حتى اصبح الاسلام الذي جاء به النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله) ولما خلص منهم احد من المسلمين.

ولذا:

كان لابد من وقوع ابتلاء عظيم يهز الضمائر ويبث الروح فيها ويعيد الاسلام الى مجراه الذي سنَّه الله تعالى فينجو من نجى عن بينة ويهلك من هلك عن بينة فاختار الله تعالى لهذا البلاء اهل دينه وخاصته من خلقه وخفائه في ارضه فقتلت فاطمة (عليها السلام) وانكشف حال الجناة الذين ادعوا الصلاح فأصبحوا أهل الفساد والخراب.

من هنا:

فإن مقاصدية منتج النص في نقل هذا التفجع والتصبر الى المتلقي يكمن في افهامه أن هذه المشاعر النفسية التي يظهرها منتج النص لا تنحصر في الوجدانيات والعواطف مع ما أوتيَّ علي بن ابي طالب (عليه السلام) من امكانات نفسية التي اكتنزها لفظ (قل صبري) (ضعف تجلدي) -كما سيمر لاحقاً- وإنما ابتغى (عليه السلام) نقل المتلقي الى معرفة هذه المعادلة وهي السنّة الالهية، اي: سنة الإفداء بغية

الابقاء على دين الله وشرعه كما في قوله تعالى: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ فكان افداء الاسلام بفاطمة ولا يعرف المتلقي قيمة الاسلام مالم يعرف قيمة فاطمة (عليها السلام) التي قدمت فداءً لبقاء الاسلام.

ص: 23

ومن ثم: كيف لا يتفجع امير المؤمنين (عليه السلام) ويبحث عن ما يشد به جرحه بفقد فاطمة (عليها السلام) غير التعزي بأبيها (صلى الله عليه وآله) كما سيمر لاحقاً.

المسألة الثانية: قصدية تعزّيه وحزنه على رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

إنَّ الاطلاع على سيرة أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) وقراءة شخصيته،وما عرف عنه من شدة البأس في الحروب، وجلادة النفس في مقارعة الأبطال، ومنازلة الشجعان، فرساناً كانوا أم رجّالة، في بدر وحنين والأحزاب التي ينبئك قتله لعمر بن عبد ود عن أخبارها، ويكفيك في ذاك عن البيان قوله تعالى: ﴿إذِ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإذِ زَاغَتِ الْأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الَحنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّه الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلَی الُمؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا﴾(1).

فكان قتله (عليه الصلاة والسلام) لصنديد الأحزاب (ابن ود) كفيلاً في تغيير ميزان القوى وإحراز النصر على المشركين والمنافقين.

أما شدة بأسه في مقاتلة اليهود وفتح حصونهم، وقلعه لباب خيبر الذي عجز عن تحريكه أكثر من أربعين رجلاً، وقتله لمرحب فارس فرسانهم لَشاهد آخر عن جلادة نفسه في المواطن التي تضعف فيها النفوس، وترقّ القلوب حتى تبلغ الحناجر.

فهذه الشدّة والصلابة والقوة التي تدل عليها (الجلادة)(2) التي عُرِف بها علي (عليه السلام) واشتهر بها، فكان صفة ملازمة لاسمه فأينما ذكر اسمه تبادر إلى الذهن

مباشرة شجاعته وقوته وشدة بأسه، حتى وصفه صعصعة بن صوحان قائلاً:

ص: 24


1- سورة الأحزاب: الآية ( 10 - 11 ).
2- للمزيد، ينظر: لسان العرب لأبن منظور، مادّة (التجلّد): ج 3 ص 125 .

(کان فينا كأحدنا، لين جانب، وشدة تواضع، وسهولة قياد، وكنا نهابه مهابة الأسير المربوط للسياف الواقف على رأسه)(1).

ووصفه قيس بن سعد بن عبادة حينما قال له معاوية بن أبي سفيان: (رحم الله أبا حسن كان هشاً بشاً ذا دعابة)، أي أنه لا يصلح للخلافة -وهي كلمة قالها من قبله عمر بن الخطاب-، فرد عليه قيس بن سعد بن عبادة الانصاري قائلاً:

(نعم كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمزح ويبتسم إلى أصحابه، وأراك تسر حسوا في ارتغاء، وتعيبه بذلك؛ أما والله لقد كان مع تلك الفكاهة والطلاقة أهيب من ذي لبدتين قد مسه الطوى، تلك هيبة التقوى، ليس كما يهابك طغام أهل الشام)(2).

وقد أراد (عليه الرحمة والرضوان) بقوله: (أهيب من ذي لبدتين قد مسه الطوى) هو الأسد الذي مسه الجوع، وإذا مسه الجوع لن يقف شيء بوجهه.

وغيرها من الصفات الكاشفة عن شدته وقوته وصلابته في الحق والحرب والعبادة والابتلاءات العديدة.

إلا أنه هنا في هذا الابتلاء الذي نزل به والمصيبة التي حلت فيه يقول متفجعاً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري، وضعف عن سيدة نساء العالمين تجلدي .»

فكان حجم المصيبة في قتل الزهراء (عليها السلام) ووفاتها يوازي حجم شدة بأس علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقوة نفسه وصلابته وشدّته في المواطن كلها فكان مصابه ببضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعظم من تلك المواطن

ص: 25


1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 1 ص 25 ؛ البحار للمجلسي: ج 41 ص 147
2- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 1 ص 25 .

والمواقف، ولذا: فقد قل صبره، وضعف تجلده، ورقّ تصلبه، ليُعلم المتلقي ويُدلّه على حجم المصيبة التي أصابت بيت النبوة.

وهي مصيبة تحتاج إلى ما يجبرها ويستقوي عليها، فكان ذلك متحققاً من خلال التعزي بمصيبة أعظم من هذه المصيبة ألا وهي مصيبته بفقد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال:

«إلا إن لي في التأسي بسنتك بعظيم فرقتك، وفادح مصيبتك، والحزن الذي حل بي لفراقك موضع تعزّ .»

بمعنى: أن الحزن بخسارة الزهراء يقهر ويتغلب عليه بالحزن والتعزي بالخسارة الأعظم وهي فقد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا ما دل عليه معنى (التعزي)، (فالعزّة هي: القوة والغلبة، وفي التنزيل الحكيم: ﴿وَعَزَّنِی فِی الِخطَابِ﴾ اي: غلبني في الاحتجاج، وعزه يعزه عزاً: قهره وغلبه، والعَزَّاءُ: الشدّة)(1).

بمعنى أوضح: فإن فراق فاطمة (عليها السلام) كان له من الآثار الكبيرة على نفس امير المؤمنين (عليه السلام) ما يحتاج للتغلب عليها وقهرها بما هو اعظم واقوى، وهو موت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك أنّ فراقه أعظم من فراق فاطمة (عليها السلام) وأن حجم المصيبة في خسارة نعمة وجوده (صلى الله عليه وآله وسلم) هي أعظم الخسارات وافجع المصائب وبذلك يقوم منتج النص (عليه

السلام) بنقل المتلقي من تعريفه بشأنية فاطمة (عليها السلام) وحجم خساراته وما تركه مصابها عليه الى تعريفه بشأنية النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله) ومنزلته

وما تسبب امر وفاته عن بلاء عظيم عليه.

ص: 26


1- لسان العرب لأبن منظور: ج 5 ص 375 ، 378 ، مادة: (عزز).

من ثم: فهذا المصاب يهوّن المصاب الآخر بضياع بضعة النبوة وبقيتها فاطمة الزهراء البتول (صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها).

ص: 27

ص: 28

المبحث الثالث عشر: مقاصدية ذكره لمراسيم تجهيز النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

اشارة

ص: 29

قوله (عليه السلام) «فَلَقَد وسَّدتْك فيِ ملَحوُدةَ قَبرْكَ، وفَاضَت بيَنْ نحَرْي وصدَرْي نفَسكُ،َوغَممَّضْتُك بيِدَي، وتَوَلَّيت أَمرْكَ بنِفَسيِ،بلَى، وفَيِ كتِابِ اللهِ أَنعمَ القَبوُلِ، إنِّا للهِ وإنِّا إلِيهْ راجِعوُن »ْ

اشارة

ص: 30

إنَّ من الملفت للإنتباه في قراءة قوله (عليه الصلاة والسلام) وهو يخاطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الفاجعة أن يستعرض لنا وللتاريخ مراسم تجهيزه لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عند وفاته، فقال:

«فلقد وسدّتك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسك، وغمضتك بيدي، وتوليت أمرك بنفسي، بلى، وفي كتاب الله أنعم القبول، إنا لله وإنا إليه راجعون .»

فماذا أراد في ذلك (عليه الصلاة والسلام) أو ماذا يدل هذا القول منه في هذاالموضع الذي اجتمع فيه الزمان والمكان على تحديد أمرٍ واحد وهو حجم الظلامة التي نزلت بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعترته أهل بيته (عليهم السلام)؟!

وللإجابة على هذه التساؤلات يلزم التوقف عند بعض الحوادث التاريخية التي انتشرت في كتب المسلمين وثبتت عليها متعقداتهم ؛ وكأنه بذاك أراد وضع أدوات التصحيح لمن أراد أن يلقى الله بقلب سليم، فكانت هذه الحوادث والحقائق كالآتي:

المسألة الاولى: تصحيح المسار في حدث وفاة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في بيت عائشة

إنَّ من الامتيازات التي امتاز بها النص هو تغلغل قصدية منتج النص في الحوادث المستقبلية، وفي ميزة ينفرد بها النص الوارد عن القرآن والعترة النبوية عن بقية النصوص، إلا اننا هنا في بيان قصدية منتج النص في هذا المورد تحديداً وليس في

صدد امتيازات هذه النصوص الشريفة.

ص: 31

وعليه: يكشف النص الشريف عن القصدية في تصحيح المسار التاريخي لحدث وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعصمته من التزوير والتحريف الذي سيطرأ عليه في مرويات اتباع مدرسة السقيفة وهو أمر من الامور الغيبية التي تتكشف بأمر الله تعالى لأنبيائه وأوصيائهم وحججه على خلقه، وهو أمر وقع حقيقة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد تم تغيير مسار الحدث التاريخي لوفاته

(صلى الله عليه وآله)، فلقد شاع في كتب أبناء العامة والجماعة لا سيما في صحاحهم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد مات في بيت عائشة وأن رأسه بين نحرها

وصدرها(1)؛ وهو كذب وافتراء على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أراد منه مبغضوا أمير المؤمنين علي (عليه السلام) تغيير الحقائق وكسب الناس لصالحهم في إدامة سلطانهم وتأمرهم عليهم فبمثل هذه الأحاديث جلس من جلس على كرسي الخلافة وحكم من حكم حتى يومنا هذا وعليه:

أراد (عليه السلام) من ذكره لهذه الحوادث وعرضه لمراسيم وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حفظ مجهوده واختصاصه بشؤون رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنه وصيه الشرعي وخليفته في امته، وان الصحابة تركوا نبيهم وانصرفوا للمخاصمة والمنازعة حول الخلافة، فضلاً عن كشف هذه الادعاءات وبيان حقيقة القائلين بها.

وهو أمر صرّح به غير واحد ممن شهد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكان كالآتي:

1- قيل لعبد الله بن عباس: (أرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توفي ورأسه في حجر أحد؟

ص: 32


1- صحيح البخاري، باب ما جاء في عذاب القبر: ج 2 ص 106 ؛ مسند أحمد، من حديث عائشة: ج 6 ص 48 .

قال: نعم، توفي وإنه لمستند إلى صدر علي عليه السلام.

فقيل له: إن عروة يحدث عن عائشة أنها قالت: توفي بين سحري ونحري!؟

فأنكر ذلك وقال للسائل: أتعقل!؟ والله لتوفي وإنه لمسند على صدر علي وهو الذي غسله)(1).

2- وأخرج ابن سعد عن الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طال (عليه السلام) أنه قال: «قبض رسول الله ورأسه في حجر علي عليه السلام »(2).

3-وأخرج أبن سعد أيضاً عن الشعبي، أنه قال: (توفي رسول (الله صلى الله عليه وآله وسلم) ورأسه في حجر علي (عليه السلام) وغسله علي)(3).

4- أخرج الحاكم النيسابوري، والحافظ النسائي، والذهبي، والهيثمي، وغيرهم بسند صحيح عن أم المؤمنين أم سلمة، أنها قالت: (والذي أحلف به إن كان علي لأقرب الناس عهداً برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عدناه غداة، وهو

يقول: «جاء علي، جاء علي » مراراً.

فقالت فاطمة: «كأنك بعثته في حاجة .»

قالت أم سلمة: فجاء بعد، فظننت أنه إليه حاجة فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب، وكنت من أدناهم إلى الباب، فأكب عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

ص: 33


1- الطبقات الكبرى: ج 2 ص 51 ؛ القسم الثاني ط ليدن، وج 2 ص 263 ط دار صادر.
2- المصدر السابق.
3- المصدر السابق.

وجعل يسارّه ويناجيه، ثم قبض من يومه (صلى الله عليه وآله وسلم)(1).

ولذا كان الإمام علي (عليه السلام) يفتخر على صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن النبي توفي ورأسه في حجره وكان يخطب بذاك على رؤوس الملأ من الناس، فقد جاء في خطبة له قوله (عليه السلام): «ولقد علم المستحفظون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إني لم

أرد على الله ولا على رسوله ساعة قط، ولقد واسيته بنفسي في المواطن التي تنكص فيها الأبطال، وتتأخر فيها الأقدام، نجدة أكرمني الله بها، ولقد قُبض صلى الله عليه

وآله وسلم، وأن رأسه لَعلى صدري، ولقد سالت نفسه في كفي، فأمررتها على وجهي، ولقد وليت غسله صلى الله عليه وآله وسلم والملائكة أعواني، فضجّت الدار والافنية، ملأ يهبط وملأ يعرج، وما فارقت سمعي هنيمة منهم يصلون عليه،

حتى واريناه في ضريحه، فمن ذا أحق به مني حياً وميتاً »(2).

فهذه حقيقة مسار حدث وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي قصدها منتج النص وابتغى من ذكره لها هو قطع الطريق على هؤلاء المنافقين الذي سيدّعون انهم كانوا بقرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين وفاته وهو أمر خاص في

خصوصية هذا النص الشريف، فقد عالج الاحداث ونبّه عليها قبل وقوعها بسنين عديدة، فضلاً عن تعرية وجوه الذين تركوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو لم يدفن بعد، يتسارعون للسقيفة كما سيمر بيانه في المسألة القادمة.

ص: 34


1- المستدرك على الصحيحين للحاكم: ج 3 ص 138 أوفسيت على طبعة حيدر أباد، وأقر بصحته؛الذهبي في تلخيصه على المستدرك: ج 3 ص 138 ؛ خصائص أمير المؤمنين للنسائي: ص 40 ط التقدم بمصر؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9 ص 112 ؛ ترجمة الإمام علي عليه السلام من تاريخ دمشق لابن عساكر: ج 3 ص 16 .
2- ربيع الابرار للزمخشري، باب المراثي؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 2 ص 541
المسألة الثانية: بيان حقيقة ترك الصحابة دفن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وانشغالهم بكرسي الخلافة
اشارة

إن القصدية الثانية التي تتكشف في سبب إيراده لهذه المراسيم في دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هي بيان حقيقة ترك الصحابة دفن رسول الله (صلى

الله عليه وآله وسلم) وذهابهم إلى سقيفة بني ساعدة للحصول على كرسي الخلافة.

وهي حقيقة دلت عليها كثير من المصادر الإسلامية وحاولت غيرها التغطية عليها وأخرى حاول مصنفوها التماس العذر أو التبرير لهذا الفعل الذي قامت به الصحابة بتركهم جثمان نبيهم وانشغالهم عنه بالصراع حول كرسي الخلافة ومما يدل عليه:

أ- ما اخرجه البخاري عن عمر بن الخطاب في حدث السقيفة

(وإنه كان من خبرنا حين توفى الله نبيه (صلى الله عليه -وآله- وسلم) أن الأنصار خالفونا واجتمعوا باسرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف عنا علي والزبير ومن معهما)(1).

والسبب الذي جعل الإمام علي (عليه السلام) يخالفهم فيه ولم يحضر اجتماع السقيفة هو انشغاله بدفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي تركه المهاجرون والأنصار لغرض الخلافة التي دار الصراع حولها في سقيفة بني ساعة.

ولذلك لم تعلم عائشة ولا أبيها بدفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يروي ابن هشام عنها كما في باء.

ص: 35


1- صحيح البخاري، كتاب الحدود، باب رجم الحبلى: ج 8 ص 26 .
ب- تصريح عائشة بأنها لم تعلم بدفن رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

وهذا التصريح رواه أبن هشام، وأحمد، والترمذي، وغيرهم، عن عائشة أنها قالت: (ما علمنا بدفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى سمعنا صوت المساحي في جوف ليلة الأربعاء)(1).

ج- إن أبا بكر وعمر لم يشهدوا دفن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

روى ابن أبي شيبة وهو من شيوخ البخاري: (إن أبا بكر وعمر لم يشهدا دفن النبي ، كانا في الأنصار فدفن قبل أن يرجعا)(2).

وهذا يعني أنهما لم يكن لهما أي علاقة بهذه المراسيم التي ترافق تجهيز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من تغسيله، وتكفينه، والصلاة، عليه وتشيعه، ودفنه؛ فهذه المراسيم التي ذكرها الإمام علي (عليه السلام) عند دفنه لفاطمة (عليها السلام) والتي هي محل الدراسة لم يكن لهما فيها أي حضور كما صرّح بذلك شيخ البخاري وإخراجه في مصنفه.

د- بيان حال الأنصار في مراسيم دفن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) برواية البخاري

أما الأنصار فلم يكن حالهم بأحسن من حال المهاجرين في تركهم جثمان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتراكضهم للإجتماع في سقيفتهم عند أميرهم سعد بنعبادة، فقد أخرج البخاري في صحيحه في بيان حالهم، أنهم: (انحازوا بأجمعهم إلى سقيفة بني ساعدة، منزل سعد بن عبادة)(3).

ص: 36


1- السيرة النبوية لابن هشام: ج 4 ص 1078 ؛ مسند أحمد: ج 6 ص 62 و 242 ؛ الشمائل للترمذي: ص 204 ؛ السنن الكبرى للبيهقي: ج 3 ص 409 ؛ المصنف لابن أبي شيبة: ج 3 ص 227 ؛ المصنف للصنعاني: ج 3 ص 520 .
2- المصنف لابن أبي شيبة: ج 7 ص 432 برقم 37046 .
3- صحيح البخاري، باب رجم الحبلى من الزنا: ج 8 ص 26 .

ومن ثم فقد شغلهم كرسي الخلافة عن الحضور لدفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورجح فوق مواراته في روضته المقدسة، وهو سيد الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو أمر يدفع بالمسلم المنصف إلى أن يقف ملياً عند هذا الحدث ويطيل البحث والدراسة حوله كثيراً.

فلو كان الميت من عامة المسلمين لوجب إكرامه ودفنه، فكيف به وهو سيد الأنبياء والمرسلين والمبعوث رحمة للعالمين!!

وعليه: فكم من سؤال وسؤال يطرق الذهن قائلاً: ألم يكن بمقدورهم تأخير البيعة ولو ليوم واحد؟!

ولكن.. أنى لهم بذلك وصدى كلمات أسيد بن حضير تطرق مسامعهم مرددةً: (إن كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا الناس قبل أن يتفاقم الأمر ورسول الله في بيته لم يفرغ أمره، وقد أغلق دونه الباب أهله)(1) ؟!

ولأجل ذلك: اختلفت القراءات لحدث السقيفة وما تبعه من اقتحام بيت فاطمة (عليها السلام)(2).

ص: 37


1- سمط النجوم للعاصمي: ج 2 ص 244 ط المكتبة السلفية.
2- راجع في معرفة حادثة اقتحام بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنساب الأشراف للبلاذري: ج 1 ص 586 شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج 1 ص 134 العقد الفريد لابن عبد ربه: ج 3 ص 64 تاريخ ابي الفداء: ج 1ص 156 تاريخ الخميس للديار بكري:ج 1 ص 134 مروج الذهب للمسعودي: ج 2 ص 100 تاريخ ابن شحنة بهامش الكامل في التاريخ: ص 113 .

فمنهم من عده عاصمة عصم الله بها الأمة(1)، ومنهم من رآه اجتناباً من الوقوع في

الفتنة(2)، وتسكين نارها، وإغماد سيفها(3)، ومنهم من قد وجده تحريكاً لهذا التسكين(4).

بينما وجد البعض الآخر أنهم معذورون فيما فعلوا: (لأنهم رأوا المبادرة بالبيعة من أعظم مصالح المسلمين! وخافوا من تأخيرها حصول خلاف ونزاع تترتب عليه مفاسد عظيمة! ولهذا أخروا دفن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حتى عقدوا البيعة!!

لكونها كانت أهم الأمور! كيلا يقع نزع في مدفنه أو كفنه أو غسله أو الصلاة عليه! ذلك وليس لهم من يفصل الأمور فرأوا تقديم البيعة أهم الأشياء)(5).

ولا أدري كيف أصبح القوم أحرص من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على مصالح المسلمين وقد وصفه الباري عز وجل بقوله: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنتِّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالُمؤْمِنيِنَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾(6).

ولا أدري.. كيف أصبحوا أخوف منه (صلى الله عليه وآله وسلم) على أمته من وقوع الخلاف والنزاع بترك البيعة التي يترتب على تركها مفاسد عظيمة؟!

أغَفَل عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والعياذ بالله؟!.

أم كانوا أهدى منه لصلاح الأمة، نعوذ بالله؟!

ص: 38


1- العواصم من القواسم:ص 66 .
2- تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص 81 ط مؤسسة عز الدين.
3- الرياض النضرة للطبري: ج 2 ص 214 .
4- سمط النجوم للعاصمي: ج 2 ص 245 - 246 ط المطبعة السلفية.
5- شرح النووي على صحيح مسلم: ج 12 ص 78 ط دار إحياء التراث العربي.
6- سورة التوبة، آية، ( 128 ).

ولذلك.. نحن أمام حالتين:

1-إما أنه عين لهم الخليفة ونص عليه حفاظاً لهم من وقوع الخلاف والنزاع وما يترتب على ترك تعيينه من مفاسد عظيمة، لكنهم خالفوا قوله وعصوا أمره لأنه جاءهم بما لا تهوى أنفسهم فكانوا كما قال تعالى: ﴿..أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بمِا لَا تَهوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾(1).

2- وإما أنه لم يعين لهم!.. فيكونون بذلك أوفق منه صلى الله عليه وآله وسلم لصلاح الأمة! نستجير بالله.

ولا أدري.. وإني لمحتار فيما تناقلته مصادر المسلمين، ومتسائلاً: ترى لو لم يُبقِ الله علياً والعباس بن عبد المطلب على قيد الحياة فكم يوماً يبقى جثمان رسول الله (صلى

الله عليه وآله وسلم) دون أن يدفن؟! حتى يتمكن الجميع من البيعة التي بتأخيرها على دفن النبي (صلى الله عليه وآله) تترتب عليه مفاسد عظيمة كما يقولون؟!

وأعجب من هذا كله.. أن تعقد البيعة لغرض رفع النزاع في دفن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وغسله، والصلاة عليه!!

وها هو شيخ البخاري في مصنفه يقول: (إن أبا بكر وعمر لم يشهدا دفن النبي كانا في الأنصار فدفن قبل أن يرجعا)(2).

وها هو ابن عبد البر يقول: (ولم يلِهِ إلا أقاربه! وقد شغل الناس عن دفنه بشأن الأنصار)(3).

ص: 39


1- سورة البقرة، الآية ( 87 ).
2- المصنف لابن أبي شيبة: ج 7 ص 432 برقم ( 37046 ).
3- التمهيد لابن عبد البر: ج 24 ص 396 ط وزارة عموم الأوقاف بالمغرب.

ولم يشأ ابن عبد البر أن يسمي أحداً!! فنسب الأمر إلى الناس؛ ولم يسأل أين صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الوقت؟!

وها هو شيخ البخاري مرة أخرى يصرح بكل ألم وفاجعة قائلاً: «إن الذي ولي دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أربعة دون الناس، علي، والعباس، والفضل، وصالح مولى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟! .»(1).

فأين ذهب المهاجرون؟! وبماذا انشغل الأنصار عن دفن نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم)؟! وهل كان عنده أحد منهم حتى يكون هناك نزاع أو خلاف؟!.

ولعل الذي اعتذر عن أهل السقيفة يملك الإجابة؟!.

أو لعل اكتفاء المسلم والباحث والقارئ بقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) في هذا الموضع من دفنه للبضعة النبوية وهو يخاطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائلاً: «فلقد وسدتّك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسك، فإنّا لله وإنا إليه راجعون .»

فيه كفاية لم أراد أن يلقى الله بقلب سليم ويدرك ما نزل بآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من الظلم.

ص: 40


1- المصنف لابن أبي شيبة: ج 3 ص 15 برقم 11645 ط مكتبة الرشد بالرياض.

المبحث الرابع عشر: مقاصدية كونها وديعة عند الإمام علي (علیه السّلام)

اشارة

ص: 41

قوله (عليه السلام) «فَلَقَد استْرجْعتَ الوْدَيِعةَ»

اشارة

ص: 42

إن قراءة هذا الجزء من النص الشريف ودرايته، أي قوله عليه الصلاة والسلام: «فلقد استرجعت الوديعة واخذت الرهينة .»

ترشد إلى مقاصدية جديدة ودلالات عديدة في بيانه (عليه السلام) لخصوصيات فاطمة (عليها السلام) وشأنيتها وذلك من خلال حقول تتجدد فيها المعرفة التي تنوعت في مقتضيات هذا النص ومكوناته ومعطياته الفكرية ليخلق بذاك ثقافة اسلامية جديدة توصلت اليها الدراسة وذلك بعد أن امتنع الكثير من الباحثين الخوض في مكنونات هذه النصوص التي ارتبطت ببضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بشكل خاص، وبالعترة جميعاً بشكل عام.

وربما يكون مرد ذلك إلى جملة من الأمور، منها:

1- تجنباً للاتهام بالغلو، وهذه عند الخاصة من اتباع مدرسة أل البيت (عليهم السلام).

2- أو دفعاً للاتهام بالرفض، وهذا عند العامة من أتباع مدرسة الصحابة.

3-أو الاكتفاء بالفضائل والمناقب والجوانب السيريّة العامة لحياة آل البيت (عليهم السلام) وهذا عند الطرفين.ولذا: نسأل الله تعالى أن يوفقنا لدراسة هذه النصوص دراسة دلالية وتحليلية وذلك بحسب الضوابط التي يقتضيها هذا المنهج العلمي، والفكر التداولي في مقاصدية النص ومقبوليته.

ص: 43

وعليه:

ينقلنا هذا الجزء من الحديث إلى مسائل جديدة، ألا وهي إيراده (عليه السلام) إلى مفردات اعتمدها الفقهاء في المعاملات ضمن حقل (العقود) وهما (الإيداع) (والرهن).

ومن ثم فنحن أمام منحنىً جديداً من البيان الذي اكتنزه خطاب أمير المؤمنين علي (عليه الصلاة والسلام) ومن الله التسديد.

المسألة الأولى: الوديعة في اللغة والقرآن

يرشد المعنى اللغوي لمفردة (الوديعة) إلى ارتباط الشيء بالحفظ سواء كان ثمنه معنوي أو مالي؛ وإلا لكان دافع الحفظ منتفي؛ أي: لوكان الشيء فاقداً لقيمته المعنوية أو المالية، لانتفت الحاجة إلى ايداعه، أي: حفظه.

وفي هذا المعنى والمفهوم جاءت لفظة (الوديعة) في المعاجم اللغوية بهذه الأقوال:

1- قال الفراهيدي: (الوديعة ما تستودعه غيرك ليحفظه)(1).

-2 قال الجوهري: (أستودعته وديعة إذا أستحفظته إياها)(2).

3- قال ابن منظور: (الوديعة، واحدة الوداع، وهي ما استودع، واستودعه مالاً وأودعه إياه ليكون عنده وديعة، والمستودَع: المكان الذي تجعل فيه الوديعة)(3).

وهذا المعنى يرتبط بالنص القرآني المرتكز على مفهوم حفظ الشيء في موضع محدد، وهو كما جاء في الآيات المباركة الآتية:

ص: 44


1- كتاب العين: ج 2 ص 224 .
2- الصحاح: ج 3 ص 1296 .
3- لسان العرب: ج 8 ص 387 .

1-قال تعالى: ﴿وَهُوَ الذَّي أنَشَأكَمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَة فَمُسْتقَرٌّ وَمُسْتوَدَعٌ قَدْ فَصَّلْناَ الْأيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ﴾(1)

قال العلامة الطباطبائي (رحمه الله): قرئ (مستقر) بفتح القاف وكسرها وهو على القراءة الأولى، أي: بفتح القاف اسم مكان، بمعنى: محل الاستقرار، فيكون (مستودع) أيضاً اسم مكان، بمعنى محل الاستيداع وهو المكان الذي توضع فيه الوديعة.

فالمعنى: وهو الذي أوجدكم معشر الإناسي من نفس واحدة وعمر بكم الأرض إلى حين فهي مشغولة بكم ما لم تنقرضوا فلا يزال بعضكم مستقراً فيها وبعضكم مستودع في الأصلاب والأرحام أو في الأصلاب فقط في طريق الاستقرار فيها)(2).

وهنا يكون الرحم الذي يودع فيه الجنين لكي يتم حفظه إلى حين خروجه أو في الأصلاب تودع فيها النطف فتكون مستودعاً لحفظها وخروجها من بعد حين.

2-قال تعالى: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِ الْأرْضِ إلِّا عَلَی اللِّه رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِی كِتَابٍ مُبِينٍ﴾(3). .

قال العلامة الطباطبائي (رحمه الله): (الدابّة على ما في كتب اللغة كل ما يدّب ويتحرك، ويكثر استعماله في النوع الخاص منه، وقرينة المقام تقتضي كون المراد منه العموم لظهور أن الكلام مسوق لبيان سعة علمه تعالى، ولذلك عقب قوله:

﴿..أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهمْ يَعْلَمُ مَا يُسِّرونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾(4).

ص:45


1- سورة الأنعام، الآية ( 98 )
2- تفسير الميزان: ج 7 ص 288 .
3- سورة هود، الآية ( 6).
4- سورة هود، الآية ( 5).

وهذا المعنى، أعني: كون ذكر وجوب رزق كل دابّة على الله لبيان سعة علمه لكل دابّة في جميع أحوالها يستوجب أن يكون قوله: ﴿ وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾ بمنزلة عطف التفسير لقوله: ﴿عَلَی اللَّه رِزْقُهَا﴾ فيعود المعنى: إلى أن كل دابّة من دواب الأرض على الله أن يرزقها ولن تبقى بدون رزق فهو تعالى عليم بها خبير بحالها أينما كانت فإن كانت في مستقر لا تخرج منه كالحوت في الماء وكالصدف فيما وقعت واستقرت فيه من الأرض رزقها هناك وإن كانت خارجة من مستقرها وهي في مستودع ستتركه إلى مستقرها كالطير في الهواء أو كالمسافر الغارب عن وطنه أو كالجنين في الرحم رزقها هناك وبالجملة هو تعالى عالم بحال كل دابّة في الأرض وكيف لا وعليه تعالى رزقها ولا يصيب الرزق المرزوق إلا بعلم من الرازق بالمرزوق وخبرة منه بما حل فيه من محل دائم أو معل ومستقر أو مستودع.

ومن هنا: يظهر أن المراد بالمستقر والمستودع المحل الذي تستقر فيه الدابّة ما دامت تدب في الأرض وتعيش عيشة دنيوية والمحل الذي تحل فيه ثم تودعه وتفارقه)(1).

ويستفاد من هذا التفسير والبيان أن كل دابّة على الأرض فرزقها محفوظ لها لأن الله تعالى يعلم بحالها سواء كانت ظاهرة للعيان أو مودعة في محل، كالنمل فمنه ما هو ظاهر في حركته أو مستتر في باطن الأرض ومستودع فيها، أو كحال البكتيريا بالقياس إلى غيرها من الدواب، فتكون البكتيريا مستودعة وغيرها مستقر وبالنتيجة فجميع ما يتحرك فحاله معلوم عند الله وهذا العلم الإلهي يقتضي إيصال الرزق إليها في أي حالة كانت.

ص: 46


1- تفسير الميزان: ج 10 ص 148 .
المسألة الثانية: الوديعة في كتب الفقهاء .
اشارة

تناول الفقهاء عنوان (الوديعة) في كتبهم وخصصوا لها مسائلاً عدّة، بلحاظ كونها من العقود الجائزة التي تجري بين الناس ومن ثم لا بد من بيان لهم في حفظ حقوقهم في المعاملة، أي: (الوديعة) ونكتفي بثلاثة فقهاء، فمما جاء في ذلك:

أ - قطب الدين الراوندي (قدس سرّه) (المتوفى 573 ه)

قال (عليه الرحمة والرضوان) في كتابه الموسوم ب(فقه القرآن)، باب الوديعة والذي خصصه لآيات الأحكام: (إن الوديعة حكم في الشريعة لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّه يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَ أَهْلِهَا..﴾(1).

وقال تعالى: ﴿.. فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمنِ أَمَانَتَهُ..﴾(2).

والوديعة مشتقّة من ودع، يدع: إذا استقر وسكن، يقال أودعته أودعه إذا أقررته واسكنته، ويروى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت عنده ودائع بمكة،فلما أراد أن يهاجر أودعها أم أيمن وأمر علياً (عليه السلام) بردها على أصحابها،

فإذا ثبت ذلك فالوديعة أمانة لا ضمان على المودع ما لم يفرط، وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «ليس على المودع ضمان .»

ص: 47


1- سورة النساء، الآية ( 58 ).
2- سورة البقرة، الآية ( 283 ).

فأمّا قوله تعالى: ﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكتِابِ مَنْ إنِ تَأْمَنْهُ بقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إلِيْكَ﴾، يعني به النصارى لأنهم لا يستحلون أموال من خالفهم، ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ إنِ تَأْمَنْهُ بدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ﴾، يعني اليهود لأنهم يستحلون مال كل من خالفهم في حل السبت ﴿إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمً﴾ على رأسه بالتقاضي والمطالبة، قائما بالإجماع والملازمة.

والفرق بين تأمنه بقنطار وعلى قنطار أن معنى الباء الصاق الأمانة، ومعنى على استعلاء الأمانة، وهما متعاقبان في هذا الموضع لتقارب المعنى كما يقال (مررت به وعليه).

ويمكن أن تكون الفائدة أن هؤلاء لا يؤدون الأمانة لاستحلالهم ذلك، لقوله ﴿ذَلِكَ بأِنَّهمُ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِ الْأميِّينَ سَبيِلٌ﴾. وسائر الفرق -وإن كان منهم من لا يؤدي الأمانة- لا يستحلها.

وقال جماعة: قالت اليهود: ليس علينا فيما أصبنا من أموال العرب سبيل لأنهم مشركون، وادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم، وهم يعلمون أن هذا هو الكذب على الله.

فإذا ثبت ذلك فالوديعة جائزة من الطرفين، من جهة المودع متى شاء أن يستردها فعل، ومن جهة المودع متى شاء أن يردها فعل. فإذا ردها على المودع أو على وكيله فلا شيء عليه، وإنّ ردها على الحاكم أو على ثقته مع القدرة على الدفع إلى المودع أو إلى وكيله فعليه الضمان، فإن لم يقدر على المودع ولا على وكيله، فلا يخلو أما أن يكون له عذر أو لم يكن له عذر، فإن لم يكن له عذر برده فعليه الضمان، وإن كان له عذر برده على الحاكم أو على ثقته فلا ضمان عليه.

ص: 48

وقال أبو عبد الله (عليه السلام): «صاحب الوديعة وصاحب البضاعة مؤتمنان، وكل ما كان من وديعة ولم تكن

مضمونة فلا تلزم .»

ورد الوديعة واجب متى طلبها صاحبها وهو متمكن من ردها، وليس عليه في ردها ضرر يؤدي إلى تلف النفس أو المال، سواء كان المودع كافرا أو مسلما)(1).

ب - المحقق الحلي (قدس سرّه)(المتوفى 676 ه)

قال (عليه الرحمة والرضوان) في كتابه الموسوم ب(شرائع الإسلام) كتاب الوديعة والذي يسهب فيه ببيان الأحكام الفقهية التي انطوت تحت عنوان الوديعة، نورد منه بعض الفقرات ولمن شاء الاستزادة فليراجع الموضوع في مضانه.

قال رحمه الله (والنظر في أمور ثلاثة:

الأمر الأول: العقد: وهو استنابة في الحفظ. ويفتقر إلى إيجاب وقبول. ويقع بكل عبارة دلت على معناه. ويكفي الفعل الدال على القبول.

ولو طرح الوديعة عنده، لم يلزمه حفظها إذا لم يقبلها. وكذا لو أكره على قبضها، لم تصر وديعة، ولا يضمنها لو أهمل.

وإذا استودع، وجب عليه الحفظ. ولا يلزمه دركها، لو تلفت من غير تفريط، أو أخذت منه قهرا. نعم، لو تمكن من الدفع، وجب. ولو لم يفعل، ضمن. ولا يجب تحمل الضرر الكثير بالدفع، كالجرح وأخذ المال.

ص: 49


1- فقه القرآن: ج 2 ص 61 - 62 .

ولو أنكرها، فطولب باليمين ظلما، جاز الحلف موريا، بما يخرج به عن الكذب.

وهي عقد جائز من طرفيه، يبطل بموت كل واحد منهما وبجنونه، وتكون أمانة.

وتحفظ الوديعة، بما جرت العادة بحفظها، كالثوب والكتب في الصندوق، والدابة في الإصطبل، والشاة في المراح، أو ما يجري مجرى ذلك.

وتجب إعادة الوديعة على المودع مع المطالبة، ولو كان كافرا، إلا أن يكون المودع غاصبا لها فيمنع منها. ولو مات فطلبها وارثه، وجب الإنكار، ويجب إعادتها على المغصوب منه إن عرف. وإن جهل عرفت سنة، ثم جاز التصديق بها عن المالك.

ويضمن المتصدق إن كره صاحبها. ولو كان الغاصب مزجها بماله، ثم أودع الجميع، فإن أمكن المستودع تمييز المالين، رد عليه ماله ومنع الآخر. وإن لم يمكن تمييزهما، وجب إعادتهما على الغاصب.

الأمر الثاني: في موجبات الضمان وينظمها قسمان: التفريط والتعدي.

أما التفريط، فكأن يطرحها فيما ليس يحرز، أو يترك سقي الدابة أو علفها، أو نشر الثوب الذي يفتقر إلى النشر، أو يودعها من غير ضرورة، ولا إذن، أو يسافر بها كذلك

مع خوف الطريق ومع أمنه وطرح الأقمشة في المواضع التي تعفنها. وكذا لو ترك سقي الدابة أو علفها مدة لا تصبر عليها في العادة، فماتت به.

القسم الثاني: في التعدي: مثل أن يلبس الثوب، أو يركب الدابة، أو يخرجها من حرزها لينتفع بها، نعم، لو نوى الانتفاع، لم يضمن بمجرد النية، ولو طلبت منه، فامتنع من الرد مع القدرة، ضمن، وكذا لو جحدها، ثم قامت عليه بينة أو اعترف

بها، ويضمن لو خلطها بماله، بحيث لا يتميز)(1)....الخ

ص: 50


1- شرائع الاسلام، كتاب الوديعة: ج 2 ص 402 .
ج - الشهيد الأول محمد بن مكي الجزيني العاملي (المتوفى 786 ه)
اشارة

قال (عليه الرحمة والرضوان) في اللمعة الدمشقية (الوديعة: وهي استنابة في الحفظ.

وتفتقر إلى إيجاب وقبول، ولا حصر في الألفاظ الدالة عليهما، ويكفي في القبول الفعل، ولو طرحها عنده أو أكرهه على قبضها لم تصر وديعة فلا يجب حفظها، ولو قبل وجب الحفظ.

ولا ضمان عليه إلا بالتعدي أو التفريط، ولو أخذت منه قهرا فلا ضمان، ولو تمكن من الدفع وجب ما لم يؤد إلى تحمل الضرر الكثير كالجرح وأخذ المال، نعم يجب عليه اليمين لو قنع بها الظالم فيوري. وتبطل بموت كل منهما وجنونه وإغمائه،

وتبقى أمانة شرعية لا يقبل قول الودعي في ردها إلا ببينة.

ولو عين موضعا للحفظ اقتصر عليه إلا أن يخاف تلفها فيه فينقلها ولا ضمان.

وتحفظ الوديعة بما جرت العادة به كالثوب والنقد في الصندوق، والدابة في الاصطبل، والشاة في المراح ولو استودع من طفل أو مجنون ضمن ويبرأ بالرد إلى

وليهما.

وتجب إعادة الوديعة على المودع ولو كان كافرا، ويضمن لو أهمل بعد المطالبة، أو أودعها من غير ضرورة، أو سافر بها كذلك، أو طرحها في موضع تتعفن فيه)(1).

دلالة أقوال الفقهاء في معنى الوديعة وأحكامها
اشارة

هذه الأقوال التي أوردها الفقهاء الذين مرّ ذكرهم (رحمهم الله) وما أورده غيرهم إلى وقتنا هذا ترشد إلى مجموعة من الدلائل تتكشف معها دلالة قوله (عليه الصلاة والسلام) «فلقد استرجعت الوديعة » ومقاصديته:

ص: 51


1- اللمعة الدمشقية:، كتاب الوديعة: ص 132 - 133 .
أولاً: هي عقد للاستنابة في الحفظ

يرشد هذا اللفظ الذي نص عليه الفقهاء في أحكام الوديعة إلى وجود طرفي نجرى عقد بينها لغرض أن ينوب المستحفظ عن صاحب الوديعة في حفظها وهنا: يكون صاحب الوديعة هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والمستحفظ هو الإمام علي (عليه السلام) والوديعة هي الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ومن ثم يلزم أن يكون بينهما عقد بحسب مقتضى أحكام الوديعة فكيف جرى العقد بينهما (صلوات الله وسلامه عليهما)؟

يروي العلامة المجلسي (رحمه الله) عن عيسى الضرير، عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام في ذكر خبر وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمما جاء فيه، أنه قال: (قلت لأبي: فما كان بعد خروج الملائكة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟.

قال: ثم دعا علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم اسلام) وقال لمن في بيته: «أخرجوا عني .»

وقال لأم سلمة: «كوني على الباب فلا يقربه أحد .»

ففعلت ثم قال: «يا علي أدنوا مني .»

فدنا منه فأخذ بيد فاطمة فوضعها على صدره طويلاً، وأخذ بيد علي بيده الأخرى

ص: 52

فلما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الكلام غلبته عبرته، فلم يقدر على الكلام، فبكت فاطمة بكاء شديداً وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) لبكاءرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقالت فاطمة: «يا رسول الله قد قطّعت قلبي، وأحرقت كبدي لبكائك يا سيد النبيين من الأولين والآخرين ويا أمين ربه ورسوله ويا حبيبه ويا نبيه، من لولدي بعدك؟ والذلّ ينزل

بي بعدك، من لعلي أخيك وناصر الدين؟ من لوحي الله وأمره؟ .»

ثم بكت وأكبت على وجهه فقبلته وأكب عليه علي والحسن والحسين (صلوات الله عليهم) فرفع رأسه (صلى الله عليه وآله) إليهم ويدها في يده فوضعها في يد علي وقال له:

«يا أبا الحسن هذه وديعة الله ووديعة رسوله محمد عندك، فاحفظ الله واحفظني فيها وإنك لفاعله .»)(1).

والحديث الشريف له تتمة إلا إنني توقفت عند هذا الموضع لبيان كيفية وقوع العقد بين النبي والوصي (صلوات الله عليهما وآلهما) وفيه يظهر طرفي العقد وتحقق شروطه وهو استنابة الإمام علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حفظ فاطمة (صلوات الله عليها) وإيداعها عنده.

وهذه الاستنابة في الحفظ لم تقتصر على كون الوديعة تعود لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنما هي في الأصل تعود إلى الله تعالى؛ ولذا قال (صلى الله عليه وآله وسلم):

«هذه وديعة الله ووديعة رسوله محمد فاحفظ الله، واحفظني فيها .»

فما دلالة كونها وديعة الله؟

سيمرّ جوابه في المسألة الثالثة.

ص: 53


1- البحار للعلامة المجلسي: ج 2 ص 484 .
ثانياً: هل كان موقف الإمام علي (علیه السّلام) القبول كي يتحقق العقد لافتقاره للإيجاب والقبول

إن مما يتبادر إلى الذهن هو معرفة موقف الإمام علي (عليه السلام) من هذا العرض وهو الإنابة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حفظ الوديعة كما ورد في الفاظ الفقهاء في تحقق العقد بين الوادع والمودع؟

وجواب ذلك: إن فعل الإمام علي (عليه السلام) دليل على قبوله وتحقق العقد بينه وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي ذلك أشار الفقهاء في كتبهم:

1- قال الشهيد الأول: (ويكفي في القبول الفعل).

2- قال المحقق الحلي: (ويقع بكل عبارة دلت على معناه، ويكفي الفعل الدال على القبول).

ويرشد فعله (عليه السلام) إلى قبوله الوديعة وتحقق العقد بينه وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مما يلزم تحقيق مقتضى العقد وهو الحفظ وهو ما سنبحثه في ثالثاً.

ثالثاً: لو قَبِلَ وجب الحفظ

إن من بين أهم الامور التي يكشفها (عقد الوديعة) هو وجوب الحفظ على المستحفظ، وهذا يكشف عن موضوع عقدي مهم، وهو أن الإمام علي (عليه السلام) كان خير مؤتمن عند الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبذا يكون مقتضى الكفئية بينهما متحقق، أي في بيان شأن الوديعة والمودع، وهو ما نص عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«فاحفظ الله واحفظني فيها، وإنك لفاعله .»

فكشف عن تحقق مقام الكفئية، وتحقق الحفظ وأداء ما كُلف به صلوات الله وسلامه عليه.

ص: 54

رابعاً: سريان العقد بينهما بعد وفاة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يكشف عن أحد خصائص رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )الفريدة

ورد في ألفاظ الفقهاء في شرط دوام صحة العقد البقاء على قيد الحياة لكلا الطرفين الوادع والمودع، وهي كالآتي:

1- قال المحقق الحلي: (وهي عقد جائز من طرفيه، يبطل بموت كل واحد منهما).

2-قال الشهيد الثاني: (وتبطل بموت كل منهما، وجنونه، وإغمائه، وتبقى أمانة شرعية لا يقبل قول الودعي في ردها إلا ببينة).

وبمقتضى هذا الشرط يلزم أن يكون النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) على قيد الحياة وهو أمر عقدي يكشف عن أن معنى وجوده واقع وأن كان جسده (صلى الله عليه وآله) مغيّباً تحت التراب، وإلا لما معنى لسريان العقد بينهما، كما لا

معنى لرد الوديعة بحسب ما ورد في النص الشريف عنه (عليه السلام): «لقد استرجعت الوديعة .»

وقد دلّت كثير من النصوص على هذه الخاصية الفريدة لسيد الخلق (صلى الله عليه وآله وسلم) كقوله تعالى:

1- ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرى اللَّه عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالُمؤْمِنُونَ وَسَتُردُّونَ إِلَی عَالِم الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾(1).

1-﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَی النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا..﴾(2).

ص: 55


1- سورة التوبة، الآية ( 105 ).
2- سورة البقرة، الآية ( 143 ).

2- ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَی هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾(1).

3- ﴿وَإذِا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأمَنِ أَوِ الَخوْفِ أَذَاعُوا بهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إلِی الرَّسُولِ وَإلِی أُولِی الْأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ..﴾(2).

4- ﴿..وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّه وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ..﴾(3).

وقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أحاديث تكشف عن هذه الخاصية الفريدة له، كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم »(4).

وبلفظ: «وحيثما كنتم فصلوا عليّ، فإن صلاتكم تبلغني »(5).

فكيف يأمرنا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصلاة عليه حيث ما كنا، فإن صلاتنا تبلغه؟ وكيف يكون على الأمم شهيداً؟ وعلى هذه الأمة الوسطى بين الأمم؟ وكيف يغني المؤمنين من أمته؟

وعليه: فحكم عقد الوديعة لم يزل قائم بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والوصي (عليه السلام) ولذا: وجيب رد الوديعة، وهو ما نص عليه الفقهاء: قال المحقق الحلي: (وتجب أعادة الوديعة على المودع مع المطالبة).

ص: 56


1- سورة النساء، الآية ( 41 ).
2- سورة النساء، الآية ( 83 ).
3- سورة التوبة، الآية ( 74 ).
4- مسند أحمد بن حنبل: ج 2 ص 367 .
5- المعجم الأوسط للطبراني: ج 1 ص 117 .

قال الشهيد الثاني: (وتجب أعادة الوديعة على المودع(.

من هناك قال )عليه السلام): «لقد استرجعت الوديعة .»

المسألة الثالثة: دلالة كونها وديعة الله
اشارة

للوقوف على معنى كونها وديعة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا بد من الوقوف عند جملة من الأمور التي ارتبطت من جانب بمعنى الوديعة ومقتضياتها، ومن جانب آخر بدلالة هذه النسبة إلى الله تعالى وإلى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أي: إن هذه النسبة كما ورد في الحديث الشريف تعود إلى الله تعالى، وتعود أيضاً إلى النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، بلحاظ أن النبي هو كذلك له

نسبة بالارتباط إلى الله تعالى فيقال له (نبي الله) و(رسول الله)، وهنا كما ورد في الحديث الشريف عنه قد أعاد النسبة في الوديعة إلى الله تعالى مرة وفي المرة الأخرى إليه؛ فقال:

«هذه وديعة الله ووديعة رسوله محمد .»

فما دلالة هذه النسبة؟

أولاً: دلالة نسبتها إلى الله تعالى
اشارة

يعرض القرآن الكريم جملة من الأشياء فيربطها بالله تعالى وينسبها إليه، وهي كثيرة منها:

1- ﴿الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّه..﴾(1).

ص: 57


1- سورة البقرة، الآية ( 27 ).

2-﴿..فَقُلْنَا اضْربْ بِعَصَاكَ الَحجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْربَهمْ كُلُوا وَاشْربُوا مِنْ رِزْقِ اللَّه وَلَا تَعْثَوْا فِی الْأرْضِ مُفْسِدِينَ﴾(1).

وتظهر خصوصية هذه النسبة في الرزق إلى الله تعالى على الرغم من أن الأصل في الأرزاق هو بيد الله تعالى، لكن خصوصية هذه النسبة ودلالتها لإرتباطها بفعل الإعجاز الإلهي من خلال ضرب موسى الحجر بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة

عيناً فأصبحت النسبة في الرزق إلى الله تعالى إذ لم تكن هذه العيون قد حفرت بأيدأحد من الناس فينسبها إليه، وإنما بفعل نبي الله موسى والإذن في ضرب الحجر ليتفجر منه الماء.

1- ﴿مَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّه مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّه وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾(2).

2- ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِّمنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّه أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ..﴾(3).

3- ﴿وَلَّله الَمشْرقُ وَالَمغْرِبُ فَأَيْنَمَ تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه..﴾(4).

4- ﴿..قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّه هُوَ الُهدَى﴾(5).

5- ﴿صِبْغَةَ اللَّه وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّه صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ﴾(6).

ص: 58


1- سورة البقرة، الآية ( 60 ).
2- سورة البقرة، الآية ( 101 ).
3- سورة البقرة، الآية ( 114 ).
4- سورة البقرة، الآية ( 115 ).
5- سورة البقرة، الآية ( 120 ).
6- سورة البقرة، الآية ( 138 ).

6- ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمنْ يُقْتَلُ فِی سَبِيلِ اللَّه أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾(1).

7- ﴿إنِّ الصَّفَا وَالمرْوَةَ مِنْ شَعَائرِ الله فَمَنْ حَجَّ البْيَتْ أَوِ اعْتمَرَ فَلَ جُناَحَ عَلَيهْ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهمَا﴾(2).

8- ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّه وَالَملاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمعِينَ﴾(3).

9- ﴿..تِلْكَ حُدُودُ اللَّه فَلَا تَقْرَبُوهَا..﴾(4).

10- ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّه وَاللَّه رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾(5).

وغيرها من الآيات المباركة والتي بينت نسبة كثير من الأشياء إلى الله تعالى ك(آيات الله-نصر الله-نعمة الله-رحمة الله-كتاب الله-هدى الله-دين الله-حبل الله-رضوان الله-ناقة الله-أولياء الله) وغيرها، وفي المقابل ورد في السنّة دلالات كثيرة على هذه النسبة ك(بيت الله تعالى-أو بيوت الله-شهر الله- أيام الله) وغير ذلك، وهذه النسبة ترشد إلى ما يلي:

1 - التعظيم :

وقد ورد هذا الأمر في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّه فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾(6).

ص: 59


1- سورة البقرة، الآية ( 154 ).
2- سورة البقرة، الآية ( 158 ).
3- سورة البقرة، الآية ( 161 ).
4- سورة البقرة، الآية ( 187 ).
5- سورة البقرة، الآية ( 207 ).
6- سورة الحج، الآية ( 32 ).

فقد أظهرت الآية أن الغرض من تعظيم الشعائر هو التقوى وهذه التقوى مخصوصة بأهم ما يقبل به الإنسان على الله وهو القلب، ومن ثم يكون تحصيل التقوى القلبي من أثر تعظيم الشعائر، وهذا يجري في جميع الأشياء التي كانت

نسبتها إلى الله تعالى كتعظيم المساجد، وبيت الله، وأولياء الله، وكتاب الله، وشرع الله وهكذا.

وعليه:

فكونها (وديعة الله) يلزم تعظيمها مضاف إليه معرفة أن الوديعة في دلالتها ومعناها ومصداقها هي الأمانة ومما يكسبها تعظيماً أكبر.

وذلك لارتباطها بأمرين، الأول: إن كل أمانة لها جانب تعظيمي يكشف عن قيمتها المعنوية والمادية؛ والجانب الآخر: ارتباطها بصاحبها فتضاف عظمة المالكإلى عظمة الوديعة.

2 - الشأنية :

الشأن في اللغة هو (الخطب والأمر والحال، وجمعه شؤون، وشأنان)(1)، ويتكشف من خلال هذه المعاني أن لفاطمة (عليها الصلاة والسلام) عند الله تعالى خطباً وحالاً خاصاً أقتضى أن تحاط بالحفاوة والتكريم، وأن لها أمراً يتلزّم أن تحفظ من أجله.

ولذا: يكشف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «وديعة الله ووديعة رسوله »، إنها ذا شأن لا يُقدّر بثمن وقد وجب حفظها.

ص: 60


1- لسان العرب: ج 13 ص 231 ، فصل الشين المعجمة.
3 - الحرمة :

وهذا المعنى من أكثر المعاني وضوحاً والتصاقاً بالوديعة وذلك لمحاكاته الضوابط الشرعية في ألزام ذمة المستحفظ عند ايداع الوديعة عنده، وبها يتجلى مصداق الأمانة، فيكف إذا اضيفت إلى الله تعالى وإلى رسوله وسيد أنبيائه ورسله (صلى الله عليه وآله وسلم).

بمعنى مضاعفة حرمتها من كونها مرتبطة بإشغال ذمة المستحفظ، إلى حرمة صاحبا ونسبتها إليه وهو الله (جلت قدرته)، إلى حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ومن ثمة جمعت فيها هذه الحرمات الثلاثة والتي تُظهر معنى آخر في هذه الحالة يضاف إلى المعاني السابقة، أي (التعظيم والشأنية والحرمة) وهو:

4 - التقديس والإجلال :
اشارة

فكما أن للكعبة حرمة وتعظيماً وشأنية وتقديساُ لإرتباطها بالنسبة إلى الله تعالى فيقال لها: (بيت الله)؛ ويقال للتوراة والإنجيل والقرآن: (كتاب الله)، فقد وجبحفظها وتعظيمها وتقديسها واجلالها، لأن لها بهذه النسبة شأن وحرمة فيعظم عند ذلك حقّها، وفي نفس الوقت فإن الله تعالى أظهر حرمتها وشأنها إلى الناس أجمعين كي يترسّخ في أذهان الناس ووجدانهم تقديس هذه الأشياء المرتبطة والمنسوبة إلى

الله تعالى، والأمثلة على ذلك والشواهد كثيرة، منها

أ- أصحاب الفيل :

وقد بين القرآن الكريم في سورة الفيل ما جرى لتلك الفئة الباغية التي أرادت تحطيم بيت الله الحرام فكشفت بدرس عملي سار به الناس لبيان حرمة هذا البيت فرسَّخ في أذهانهم ووجدانهم هذه الحرمة والتي تدفع بالعقل والقلب إلى تقديس

ص: 61

الكعبة لكونها (بيت الله)، وقد جاءت الآيات واضحة الدلالة في ذلك قال تعالى: ﴿أَلَ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بأِصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَم يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِی تَضْليِلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرا أَبَابيِلَ * تَرْمِيهِمْ بحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ﴾(1).

ب- أصحاب الناقة :

في أمرٍ آخر مشابه في عرض الحرمة التي اكتسبتها الأشياء المنسوبة إلى الله تعالى في أماكن وأزمان مختلفة كناقة نبي الله صالح (عليه السلام) التي ابتُلَی بها قومه فكانت

وسيلة للاختبار في صون الحرمات، هذه الحرمات التي نالت هذه الصفة لنسبتها إلى الله تعالى، كما نص القرآن الكريم بذلك، فقال تعالى: ﴿وَيَا قَوْمِ هَذِه نَاقَةُ الله لكَمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأكْلْ فِی أرَضِ الله وَلَ تَسَّموهَا بسِوءٍ فَيأَخْذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ ( 64 ) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَتَّمعُوا فِی دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْر مَكْذُوبٍ ( 65 ) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّينْاَ صَالِحا وَالذَّينَ آَمَنوُا مَعَهُ برِحْمةٍ مِناَّ وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئذِ إنِّ رَبَّكَ هُوَ القْوِيُّ العْزِيزُ ( 66 ) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِی دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾(2).

في حين نجد أن المغايرة بين الكعبة (بيت الله) وبين ناقة قوم صالح (ناقة الله) من حيث الزمان والمكان والوظيفة واضحة، إلا أن عدم حفظ هذه الأشياء وانتهاك حرمتها أدى إلى الهلاك الجماعي، فالكل مشترك في الجرم مع أن المنفذ واحد في عقر الناقة، وقائد الجيش في أصحاب الفيل واحد.

من هنا، نجد أن فاطمة (عليها الصلاة والسلام) تستشهد بناقة صالح ونسبتها إلى الله تعالى بكونها (ناقة الله) وبينها بلحاظ كونها (وديعة الله) وشتان بين الحرمتين والشأنيتين والوظيفتين، فالمغايرة كلية هنا لا جزئية، فمن حيث الجنس فالإنسان في

ص: 62


1- سورة الفيل.
2- سورة هود، الآية ( 64 - 67 ).

الأصل مكرم عند الله تعالى ومفضل على كثير من الخلق، قال تعالى: ﴿وَلقَدْ كَرَّمْناَ بَنيِ آَدَمَ وَحَملْناَهُمْ فِی البْرِّ وَالبْحَرِ وَرَزَقْناَهُمْ مِنَ الطيَّبِّاَتِ وَفَضَّلْناَهُمْ عَلَی كَثِيرٍ مِّمنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلً﴾(1).

فكيف إذا كان هذا الإنسان ممن اصطفاهم الله تعالى على خلقه! وقد ورد في الحديث الشريف أن فاطمة (عليها السلام) سيدة نساء العالمين، وسيدة نساء اهل الجنة، وفي الجنة مريم وخديجة وآسيا وغيرهن.

وهذا المعنى بينته الزهراء (عليها السلام) لما وقع عليها ما وقع من هجوم القوم على دارها واخراجهم علياً (عليه السلام) عنوةً كي يبايع أبي بكر في المسجد مما دعاها

ذلك إلى الخروج خلف ابن عمها وأبو ولديها (حتى انتهت إلى القبر النبوي فقالت: «خلوا عن ابن عمي فوالله الذي بعث محمداً بالحق لإن لم تخلوا عنه لأنشرنّ شعري، ولأضعنّ قميص رسول الله على رأسي، ولأصرخنّ إلى الله تعال،ى فما ناقةصالح بأكرم من ولدي .»

قال الحافظ محمد بن جرير الطبري الإمامي (المتوفى 400 ه)، والحافظ الطبرسي (المتوفى 548 ه)، والمازندراني (المتوفى سنة 588 ه) عن سلمان المحمدي (رضوان الله تعالى عليه) في بيان أثر هذه الصرخة الفاطمية أنه قال: (فرأيت والله أساس حيطان المسجد تقلعت من أسفلها حتى لو أراد رجل أن ينفد من تحتها نفد، فدنوت منها وقلت: يا سيدتي ومولاتي إن الله تبارك وتعالى بعث أباك رحمة فلا تكني نقمة،

فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا)(2).

ص: 63


1- سورة الإسراء، الآية ( 70 ).
2- مناقب أل أبي طالب للمازندراني: ج 3 ص 118 .

وهنا: استشهدت (عليها الصلاة والسلام) بناقة صالح وما لحق قومه من الهلاك عند التعرض لها بالسوء في هذا الموقف إنما لبيان أنها أعظم حرمة عند الله وأجل شأناً فكيف سيكون حال هذه الأمة التي انتهكت حرمة (وديعة الله)!؟

ثانياً: أول من قام بحفظها ربّ العزّة جلّ شأنه

إنَّ في العودة إلى معنى الوديعة لغة، وعند الفقهاء، وهو (استحفاظ الشخص،واستنابته في الحفظ) يكشف عن أن الوديعة هي في الأساس كانت محفوظة عند صاحبها ثم أودت عند شخص آخر لينوب عنه في حفظها.

وعليه:

يلزم هذا المعنى أن تكون فاطمة (صلوات الله عليها) هي في الأصل كانت محفوظة عند الله تعالى قبل أن تودع عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم عند امير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام)، وإلا يصبح كلام أهل اللغة والفقه لغواًوهذا مخالف لمقاصد الشريعة ومداركها وأصولها.

ولذا:

لا بد من روايات تكشف عن هذه الحقيقة وتظهر أن فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) هي في الأصل كانت محفوظة عند ربها (جل شأنه) ومنه أطلق عليها صفة الوديعة، وهو ما وقع صدقاً وحقاً، ومنها هذه الرواية الآتية:

أخرج الشيخ الصدوق (عليه الرحمة والرضوان) بسنده عن عبد الرحمن بن الحجاج عن سدير الصيرفي عن الصادق جعفر بن محمد، عن ابيه، عن جده (عليهم السلام)، قال:

«خُلقَ نور فاطمة عليها السلام قبل أن تُلق الأرض والسماء .»

ص: 64

فقال بعض الناس: يا نبي الله فليست هي إنسية؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «فاطمة حوراء إنسية .»

فقالوا الناس: يا نبي الله وكيف هي حوراء إنسية؟

قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «خلقها الله عز وجل من نوره قبل أن يخلق آدم، إذ كانت الأرواح، فلما خلق الله

عز وجل آدم عرضت على آدم .»

قيل يا نبي الله، وأين كانت فاطمة؟؟

قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «كانت في حقه تحت ساق العرش .»

قالوا: يا نبي الله، فما كان طعامها؟

قال صلى الله عليه وآله وسلم:«التسبيح والتهليل والتحميد، فلما خلق الله عز وجل آدم واخرجني من صلبه، أحب الله عز وجل أن يخرجها من صلبي، وجعلها تفاحة في الجنة وأتاني بها جبرئيل عليه السلام فقال لي: السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا محمد.

قلت: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته حبيبي جبرئيل، فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام، قلت منه السلام وإليه يعود السلام.

قال: يا محمد إن هذه تفاحة أهداها الله عز وجل إليك من الجنة فأخذتها وضممتها إلى صدري، قال يا محمد يقول الله جل جلاله كلها.

ص: 65

ففلقتها فرأيت نوراً ساطعاً ففزعت منه، فقال: يا محمد مالك لا تأكل؟ كلها ولا تخف، فإن ذلك نور المنصورة في السماء، وهي في الأرض فاطمة، قلت حبيبي جبرئيل ولم سميت في السماء المنصورة وفي الأرض فاطمة؟

قال: سميت في الأرض فاطمة لأنها فطمت شيعتها من النار وفطم اعداءها من حبها، وهي في السماء المنصورة وذلك قول الله عز وجل: ﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الُمؤْمِنُونَ * بِنَصْر اللَّه يَنْصُر مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴾(1).

يعني نصر فاطمة لمحبيها »(2).

ثالثاً: حجم الأمانة القيمي يكشف عن حجم الإيمان

إن مما يرشد إليه النص الشريف هو إن حجم الأمانة القيمي يكشف عن حجم الإيمان الذي يلزم تواجده في الوديع.

بمعنى: أن الوادع للأمانة وصاحبها يكون على بينة ولو وجدانياً بإيمان الوديع الذي ستوضع عنده الوديعة ويتعاقد معه لحفظها وردها إلى مالكها عند المطالبة بها.

ولأن منزلة فاطمة (عليها السلام) وشأنها عند الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) يستلزم أن يكون الوديع بتلك المنزلة والشأنية، وإلا يكون الوادع في حال معرفته بحال الوديع ملاماً.

ص: 66


1- سورة الروم، الآية ( 4- 5).
2- معاني الأخبار للصدوق: ص 396 ؛ البحار للمجلسي: ج 43 ص 4.

ولقد دلّت كثير من النصوص على هذه الكاشفية والتلازمية بين الوديعة والوديع، فكل شيء غلا ثمنه وعظم قدره وارتفع شأنه لزم عقلاً ووجداناً أن يُستحفظ في أماكن يحرز معها قصد الإيداع، وهو الحفظ.

من هنا: دلّت بعض النصوص على هذه الحقيقة، منها:

1- قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأمَانَةَ عَلَی السَّمَاوَاتِ وَالْأرْضِ وَالِجْبَالِ فَأَبَيْن أَنْ يَحمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَملَهَا الْأنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾(1).

وهذه الأمانة التي عرضها الله تعالى على السماوات والأرض كانت (ولاية محمد وآله).

2-قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «فمؤمنوا امتي يحفظون وديعتي في أهل بيتي إلى يوم القيامة .»

والحديث يحدد ملامح الوديع وصفاته وهي الإيمان فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «فمؤمنوا أمتي ». ولم يقل المسلمون أو أصحابي وذلك من جهة التخصيص فاصبح الإيمان ملازماً لحفظ الأمانة، وهي الوديعة التي حددها هنا النبي (صلى الله

عليه وآله وسلم) بأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين.

ومن ثم تكون النتيجة أن المسلمين لا يحفظون أهل بيته (عليهم السلام) كما دلّ عليه القرآن الكريم، والواقع التاريخي والحياتي، قال تعالى: ﴿قَالَتِ الْأعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَم تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَّما يَدْخُلِ الْأيمَانُ فِی قُلُوبِكُمْ..﴾(2).

ص: 67


1- سورة الأحزاب، الآية ( 72 ).
2- سورة الحجرات، الآية ( 14).

ثم يبين القرآن الكريم العلة من عدم دخول الإيمان وحجب هذه الرتبة عنهم فقال عز وجل: ﴿الْأعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّه﴾(1).

أما الواقع التاريخي فيكفي بالباحث والقارئ وكل منصفٍ ان يرى هذا النص الذي وفقنا الله لدراسته، فقد كفى به دليلاً قاطعاً على ما لاقته العترة من المنافقين والأعراب بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فضلاً عن مأساة كربلاء في يوم عاشوراء فكان لرأس ابن بنت رسول اله (صلى الله عليه وآله) وسيد شباب أهل الجنة مواضعاً متعددة في البلاد، في مصر، وعسقلان، وبعلبك، ودمشق،والكوفة: ﴿إِنَّا لَّله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾.

وعليه: يكشف النص الشريف:

«إن وديعة الله عند ولي الله أمانة مستحفظة .»

وإنه (عليه السلام) بموجب عقد الوديعة ولزوم إرجاعها إلى الوادع وهو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإن الإمام علي (عليه السلام) يبرء ذمته في ردها إلى صاحبها ولذا قال:

«لقد استرجعت الوديعة .»

ص: 68


1- سورة التوبة، الآية ( 97 ).

المبحث الخامس عشر:المقاصدية في كونها رهينة ودلالة الأخذ

اشارة

ص: 69

قوله (عليه السلام):«وأُخذِت الرَّهيِنةَ»

اشارة

ص: 70

ما زال الحديث في حقل جديد من حقول المعرفة التي زخر بها هذا النص الشريف الا وهو الحقل المعرفي الفقهي وكاشفية هذا التمازج المعرفي بينه وبين الحقل العقدي

والسيري وغير ذلك من المعارف.

قال (عليه الصلاة والسلام): «وأُخِذت الرهينة »

والبحث في هذا الجزء من النص الشريف يتفرع الى مسائل ثلاثة وهي كالاتي:

المسألة الاولى: تعريف الرهن عند اهل اللغة و الفقه
اولاً: ما ورد في اللغة
1-قال الفراهيدي (توفي 175 ه):

(الرهن المعروف، تقول: رهنت الشيء فلاناً رهنا، فالشيء مرهون، وأرهنت فلانا ثوابا اذا دفعته اليه لرهنه، وأرتهنه فلاناً اذا اخذه رهناً.

والرهون، والرهان، والرهن: جمع الرهن، والمراهنة والرهان أن يراهن القوم على سباق الخل وغيره. وأرهنت الميت قبرا: ضمنته إياه. وكل إمرءٍ يحتبس به شيء فهو رهنه، ومرتهنه، كما أن الإنسان رهين عمله) (1).

ص: 71


1- العين للفراهيدي: ج 4 ص 44
2-قال ابن فارس (توفي 395 ه) :

(رهن) الراء والهاء والنون أصل يدل على ثبات شيء يمسك بحق أو غيره من ذلك الرهن الشيء يرهن. تقول رهنت الشيء رهناً، ولا يقال أرهنت، والشيءالراهن الثابت الدائم. ورهن لك الشيء اقام وارهنته لك اقمته)(1).

3- واضاف ابن سيده (توفي 458 ه) :

(الرهن): ما وضع على الانسان مما ينوب مناب ما أخذت منه)(2).

أقول: ويمكن الجمع بين هذه الاقوال للخروج بمعنى واحد وهو: احتباس شيء اخذ من الراهن ليثبت به حقه وينوب عنه المرتهن.

ثانياً: ما ورد في كتب الفقهاء
1- قال المحقق الحلي (رحمه الله) (المتوفى سنة 676 ه) :

(الرهن) وهو: وثيقة لدين المرتهن ويفتقر الى الايجاب والقبول. فالإيجاب: كل لفظ دل على الارتهان كقوله رهنتك او هذه وثيقة عندك أو ما أدى الى هذا المعنى ولو عجز عن النطق كفت الإشارة: ولو كتب بيده والحال هذه وعرف ذلك من قصده جاز، والقبول هو الرضا بذلك الايجاب)(3).

وله (رحمه الله) تفصيلاً واسعا في الموضوع والذي يهمنا هنا تعريفه للرهن وحصره في كونه وثيقة لدين المرتهن وقد نص على هذا التعريف غير واحد من الفقهاء.

ص: 72


1- معجم مقاييس اللغة: ج 2 ص 452 .
2- المخصص: ج 4 السفر الثالث عشر/ ص 22 .
3- شرائع الاسلام: ج 2 ص 329 .
2- قال الفاضل الآبي (رحمه الله) (المتوفى سنة 690 ه) :

في الرهن وأركانه أربعة: (الأول): في الرهن، وهو وثيقة لدين المرتهن ولا بد فيه من الايجاب والقبول...

(الثاني): في الحق ويشترط ثبوته في الذمة مالا كان أو منفعة.....

(الثالث): في الراهن ويشترط فيه كمال العقل وجواز التصرف والاختيار....

(الرابع): في المرتهن ويشترط فيه كمال العقل وجواز التصرف... (1)

3- قال الشيخ الجوهري (رحمه الله) (المتوفى 1266 ه) :

(في الرهن، وهو لغة الثبات والدوام، وفي المسالك، وعن المصباح المنير: الحبس باي سبب كان. قال الله تعالى ﴿كُلُّ نَفْسٍ بمِا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾(2) وأخذ

الرهن الشرعي من هذا المعنى أنسب أن أفتقر الى المناسبة.

قلت: ليس له معنى شرعي جديد يحمل عليه لفظه في الكتاب والسنة كما حرر في محله، وان طفحت عباراتهم بانه شرعا: (وثيقة لدين المرتهن).

لكن لا يريدون انه بذلك حقيقة شرعية، بل المرتد حقيقة عند المتشرعة.

ولذا: نسب في المحكي عن مجمع البحرين الى عرف الفقهاء، وتسامحوا في تعريفه، المقصد منه مجرد التصوير والتمييز ولو بذلك الشرائط فيه، فلا يناسب الإيراد عليه

بلزوم الدور فيه...

والمراد من الوثيقة للدين ما يستوفي منها، لا أن المراد يستوفي بسبب حبسها، وأن لم يصلح الاستيفاء منها، كأم الولد، والعين الموقوفة ونحوهما.

ص: 73


1- كشف الهوز: ج 1 ص 540 - 548 .
2- سورة المدثر، الآية ( 38 ).

ولا اشكال في ثبوته: اي الرهن في الجملة، بل الاجماع بقسميه عليه، بل لعله من ضروريات الدين والمذهب)(1).

أقول: والذي يستفاد من هذه الاقوال: أن الرهينة بمعناها الشرعي يتركز على كونها وثيقة لحفظ حق المرتهن كي يستوفي حقه من الراهن.

و ارتكاز معناها على كونها وثيقة لا ينحصر على تعلقها بالمال فقط، وإنما يتعداه الى عنوانها الأعم وهو حفظ الحقوق، فكل ما يمكن جعله وثيقة لحفظ الحقوق يصبح بمنزلة الرهينة ودليله قوله تعالى:﴿ قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثقِا مِنَ اللِّه لَتَأْتُنَّنيِ بهِ إلِّا أَنْ يُحاطَ بكِمْ فَلَمَّ آَتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّه عَلَی مَا نَقُولُ وَكِيل﴾(2).

من هنا: يمكننا الوقوف عند قول منتج النص (عليه الصلاة والسلام): «اخذت الرهينة » ودلالة كونها (عليها الصلاة والسلام) ب (رهينة)، من خلال عدة معاني كما في المسألة القادمة.

المسألة الثانية: دلالة كونها رهينة بقصدية الحبس

لقد مر أنفاً: أن من المعاني والدلائل التي ارتبطت ب (الرهينة) هو الحبس وذلك لقوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بمِا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾(3)ومنه ذهب بعض العلماء في شرحهم لكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنها كانت محبوسة بعملها, وفي ذلك يقول ابن ميثم البحراني (توفي 679 ه):

ص: 74


1- جواهر الكلام للجواهري: ج 25 ص 95 .
2- سورة يوسف، الآية ( 66 ).
3- سورة المدثر، الآية ( 38 ).

(إنَّ كل نفس رهينة على الوفاء بالميثاق الذي وثقاها الله تعالى به، والعهد الذي اخذ عليها حين الاهباط الى عالم الحبس والخيال أن ترجع اليه سالمة من سخطه،

عالمة بأوامره غير منحرفة من صراطه الوضوح على لسان رسوله (صلى الله عليه واله)، فأن وفيت بعهدها خرجت من وثاق الرهن وضوعف لها الاجر، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّه يَدُاللَّه فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾(1).

وأن نكثت وارتكبت بما نهيت عنه بقيت رهينة بعملها، كما قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾، والرهينة تصدق على الذكر والانثى)(2).

وهذا المعنى لا ينطبق على سيدة النساء المعصومة من الزلل والمطهرة من الرجسفي القول والعمل.

في حبسها بالعمل ورهنها بالميثاق والعهد الذي اخذ عليها، وان ترجع اليه سالمة من سخطه.

و أي سخط هذا وهو (عزَّ شأنه) يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضبها؟!!

ومن ثم لابد أن يكون هناك معنى آخر يدل على المعنى الذي جاءت به الفاظ الفقهاء والمرتكز على جملة من المعاني منها الحبس، ويراد به هنا:

(القيومية التي لأمير المؤمنين (عليه السلام) عليها بميثاق عقد الزواج).

وذلك أن الله (سبحانه وتعالى) لم يجعل على أهل العصمة ولاية أحد من الناس يكون خارجا عن هذه الصفة.

ص: 75


1- سورة الفتح، الآية ( 10 ).
2- شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني: ج 4 ص 4.

فالأنبياء لم يكن عليهم ولاية أحد تجب طاعته، ومن أوجب الله عليه منهم طاعة غيره جعله كذلك معصوما ايضا، كطاعة الوالدين وقيمومتهم و ولايتهم.

كشيث، واسماعيل، و اسحاق، وسليمان، ويحيى، وعيسى، فقد كانوا مرهونين بولاية ابائهم الانبياء المعصومين، وهم:

ادم، وابراهيم، وداوود، وزكريا، ومريم (عليهم السلام)، ولعل الرجوع الى قوله تعالى على لسان عيسى (عليه السلام) ليكفي في بيان هذا المعنى، قال تعالى: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِی وَلَم يَجعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾(1).

أما في حال اسماعيل الذبيح وتعرضه لمحنة الاختبار في الطاعة لوالده في تسليم نفسه بين يديه صابراً لأمر الله تعالى ليغني اللبيب في معرفة أنه كان رهينة لأمر الله

في طاعة ابيه نبي الله ابراهيم (عليه السلام)، قال تعالى عن لسان اسماعيل: ﴿قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِی إِنْ شَاءَ اللَّه مِنَ الصَّابِرِينَ﴾(2).

وحينما نأتي الى سيدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام) نجدها كانت رهينة لأمر الله في حبسها بميثاق عقد الزواج وما يفرضه التبعل من قيود على المرآة وهو ما انفردت به عن مريم (عليها السلام) فكلاهما كانتا معصومتان إلا أن مريم لم يجعل الله عليها قيومية عقد الزواج ولم تتعرض لهذا الاختبار في إتِّباع ما فرضه الله (عز وجل) من حقوق الزوج.

في حين أن الانبياء والمرسلين تفاوتوا في التفضيل لما مروا به من ابتلاءات، ففضل منهم خمسة سماهم الله بأهل العزم، لما حملوا به من فروض وتكاليف شرعية في امر تبليغ الرسالة.

ص: 76


1- سورة مريم، الآية ( 32 ).
2- سورة الصافات، الآية ( 102 ).

من هنا:

نجد أن فاطمة (عليها السلام) بما فضلها الله تعالى على مريم هو أمر الابتلاء في التكاليف الشرعية فيما يفرضه حسن التبعل فكانت رهينة بهذا الاختبار الذي خرجت منه راضية مرضية بشهادة من علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وذلك في:

1- مسيرتها الزوجية مع علي (عليه السلام).

2- في وصيتها له واقراره لها بحسن التبعل حيث قالت له:

«يبن العم ما وجدتني كاذبة ولم اخالف لك امراً .»

3- بعد تفجعه وتألمه وشكواه الى الله ورسوله (صلى الله عليه واله) بعد دفنها وهو موضع البحث ومدار الدراسة في الكتاب.

وعليه:

تكون قصدية منتج النص بدلالته الأولى في قوله (عليه السلام): «أُخذت الرهينة »، أنها مرهونة بما يفرضه حسن التبعل وحبس العمل فيه.

اما المعنى الثاني فهو: بقصدية الوثيقة، وفيه دلالات متعددة، وهو ما سنبحثه في المسألة القادمة.

المسألة الثالثة: دلالة كونها رهينة بقصدية الوثيقة

أجمع الفقهاء في عباراتهم في مبحث الرهينة بأنه شرعا:

(وثيقة لدين المرتهن) وهذا يكشف عن أن العلة في تشريعها هو حفظ الحقوق بين الطرفين وان جرى العرف في الرهن هو الانتفاع من العين المرهونة لاسترداد حق المرتهن.

ص: 77

وهذا يرشد الى امرين مهمين متعلقين بكون فاطمة رهينة، فالأول أن هناك حق بين طرفين، والثاني ان هذا الحق قد انتهك ولم يحفظ؛ ولذا جعله الفاضل الآبي، أي (الحق) هو الركن الثاني من أركان تحقق عقد الرهينة ولذا: يلزم (استيفاء الحق) من الوثيقة.

أما كونها وثيقة فهو كالاتي:

إنَّ الله تعالى جعل بلطفه وتفضّله لعباده حقوقاً لهم عليه، منها حق هدايتهم،فبعث إليهم الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) فقال سبحانه: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَی اللَّه حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّه عَزِيزًا حكِيمًا﴾(1).

والآيات الكريمة في ذلك كثيرة وهي تظهر أن الله تعالى جعل بلطفه وتحننه ورحمته بعباده حقوقا لهم عليه وفي المقابل جعل له حقوقا عليهم، ومنها طاعته واتباع شرعه في الأتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه.

ثم جعل بين هذه الحقوق مواثيق عديدة، منها:

1- ميثاق الاقرار بالتوحيد، وهو قوله تعالى: ﴿وَإذِ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنيِ آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَی أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ

بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَ شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ (2).

2- ميثاق الأنبياء بالإقرار برسالة المصطفى (صلى الله عليه واله) والإيمان به ونصرته وجاء في قوله تعالى:

ص: 78


1- سورة النساء، الآية ( 165 ).
2- سورة الاعراف، الآية ( 172 ).

﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّه مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَما آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لَماِ مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بهِ وَلَتَنصْرنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَی ذَلِكُمْ إصِري قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ( 81 ) فَمَنْ تَوَلَّی بَعْدَ ذَلكِ فَأوُلئَكِ هُمُ

الْفَاسِقُونَ﴾(1).

وهذه الآيات تظهر خطورة الميثاق الذي أخذ الله على الأنبياء، كما تظهر شأنية رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومنزلته عند الله تعالى فلو قصّ أحد الأنبياء (عليهم السلام) في الوفاء بهذا الميثاق لأصبح عاصيا لله تعالى.

3-الميثاق الذي أخذ من أُولي العزم (عليهم السلام)، وهو قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ( 7) لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا﴾(2).

وتدل هذه المواثيق على وجود حق بين الله وعباده بنحو عام، وبنيه (عزَّ شأنه) بين النبيين، وبينه سبحانه وبين أُولي العزم، وهذه المواثيق داخلة ضمن مفهوم الرهينة وحدودها، وذلك لقوله تعالى في قضية يوسف عن أبيه يعقوب، حينما خاطب بنيه لما طلبوا منه أخذ ولده بنيامين معهم الى مصر، فقال -كما اخبر الوحي بذلك ونزل به على قلب المصطفى (صلى الله عليه وآله)-، فقال تعالى: ﴿قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ

حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثقِا مِنَ اللَّه لَتَأْتُنَّنيِ بهِ إلِّا أَنْ يُحاطَ بكِمْ فَلَمَّ آَتَوْهُ مَوْثقِهُمْ قَالَ اللَّه عَلَی مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾(3).

ص: 79


1- سورة آل عمران، الآية ( 81 - 82 ).
2- سورة الاحزاب، الآية ( 7- 8).
3- سورة يوسف، الآية ( 66 ).

(والمَوثِقْ بكسر الثناء ما يوثق به ويعتمد عليه والموثق من الله هو أمر يوثق به ويرتبط مع ذلك بالله، وإيتاء موثِق الهي وإعطاؤه هو أن يسلّط الانسان على أمر الهي يوثق به كالعهد، واليمين بمنزلة الرهينة، والمعاهدة، والقسم بقوله (عاهدت الله أن أفعل كذا بالله، أو بالله لأفعلن كذا) يراهن على كرامة الله وحرمته فيضعها رهينة عند من يعاهده، أو ليقسم له، ولو لم يفِ بما قال خسر رهينته وهو مسؤول

عند الله لا محالة)(1).

وعليه:

لزم ان يكون هناك موثقا أو وثيقة بين الله تعالى وعباده الذين شملتهم رحمته تعالى فكانوا من اُمة حبيبه محمد (صلى الله عليه واله)، والغاية منها -أي من الوثيقة- هو: حفظ الحقوق بين الطرفين، أي بين الله والمسلمين فقد وفى الله (عزَّ وجل)لعباده فخصَّهم بخير رسله وأشرفهم فقال سبحانه:

1- ﴿لقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنَفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيهْ مَا عَنتِمُّ حَرِيصٌ عَلَيكْمْ باِلمؤْمِنيِنَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾(2)

2- ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِی الْأمّيِّينَ رَسُولًا مِنهْمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالِحكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾(3)

3- ﴿وَكُنْتُمْ عَلَی شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهتَدُونَ﴾(4)

ص: 80


1- تفسير الميزان للطباطبائي: ج 11 ص 216 .
2- سورة التوبة، الآية ( 128 ).
3- سورة الجمعة، الآية ( 2).
4- سورة آل عمران، الآية ( 103 ).

4- ﴿اليْوَمَ أكَمَلتْ لكَمْ ديِنكَمْ وَأتَمَمتُ عَليَكْمْ نعِمْتيِ وَرَضِيتُ لكَمُ الْأسْلَامَ ديِناً﴾(1)

وغيرها من الآيات التي تبين نِعَم الله الكثيرة التي منَّ بها على هذه الاُمة والتي تفرض على المتنعّم والمستفيد منها أن يفي بما عليه من حقوق الله تعالى.

وبما أن الانسان كثير الجدل فقال سبحانه ﴿وَكَانَ الْأنْسَانُ أَكْثَرَ شَیءٍ جَدَلًا﴾(2)

وهو من كونه اكثر شيء جدلا كان خصما لله مبين فقال تعالى: ﴿أَوَلَم يَرَ الْأنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ﴾(3).

وكون الانسان خصيما ومجادلا يكشف عن وجود حقوق بينه وبين الله وذلك أن الجدال يرجع الى وجود حق ضائع وكذلك الخصام والمخاصمة، فهو ناشئ من تضييع الخصم للحق الذي عليه.

ولذا: لزم ان يكون بين الطرفين رهينة، هذه الرهينة فرضها حفظ الحقوق كماعرفها الفقهاء فقالو: (وثيقة لدين المرتهن)، فكانت النِعَم الالهية التي قدمها الله تعالى لعباده هي بمنزلة الدين الذي يلزم العبد بإيفائه لربه، وبإرجاعه اليه، ووفاء

العبد يكون بحفظ هذه النِعَم وصونها وصيانة حرمتها فلا تنتهك ولا تضيع ولا يساء اليها، بل يعظَّم شأنها ومنزلتها.

وبناءاً عليه: لزم أن تكون هذه النعم رهينة عند العبد، وأنَّ الله عليه حق الإيفاء، فإن وفى العبد بالحقوق التي عليه الى الله كان نصيبه بالمقابل الزيادة، وإنْ قصَّر أو اعتدى كان مصيره العقاب، وأول العقوبات هي سلبه هذه النعمة وأخذها منه،

ودليله قوله (صلى الله عليه وآله):

ص: 81


1- سورة المائدة، الآية ( 107 ).
2- سورة الكهف، الآية ( 54 ).
3- سورة يس، الآية ( 77 ).

«كل مولود مرهون بعقيقته »

وفسرها العلامة المجلسي في البحار فقال:

(الظاهر أن المراد أنه ان لم يعق عنه، فلله الخيار في قبضه وتركه، كما أنه إذا لم يؤدِ الراهن الدين يجوز للمرتهن أخذ الرهن).

اذن: معنى قوله (صلوات الله عليه): «اخذت الرهينة »

يكشف عن أن هناك حقوق بين الله وهذه الامة وهما الطرفان اللذان بينهما الرهن، وأن فاطمة هي بمنزلة الوثيقة التي بها يتم حفظ الحقوق بين الله وهذه الامّة.

لكن ثمة سؤال اخر:اذا كانت فاطمة بمنزلة الوثيقة التي اتُّخِذَت بين الطرفين لحفظ دين المرتهن) فهذا يلزم ان يكون معنى قوله (عليه السلام) «اخذت الرهينة » أن هذه الامة لم تفي بما عليها من حق؛ ولذ لزم أخذ الرهينة وهذا ما سنتعرض له في المسألة القادمة.

المسألة الرابعة: دلالة أخذ الرهينة بقصدية عدم استيفاء الامة لحق الله

إنَّ أجلّ المعاني والدلالات في الرهن والرهينة هو استيفاء الحق، وأخذ الرهينة يدل على عدم الوفاء وضياع الحق.

فالراهن حينما يرهن مالا او منفعة مقابل شيئا اخذه من المرتهن فان هذا الشيء الذي يسمى رهينة يبقى امانة محبوسة حتى يقوم الراهن برد ما عليه من حق للمرتهن وحينما يقوم الراهن بتضييع ما عليه من حق المرتهن وعدم وفائه فان من حق المرتهن اخذ الرهينة لمدة اطول وتبقى محبوسة عنده ودوام حبسها، أي اخذها ويعني عدم الوفاء.

ص: 82

وهنا أراد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في مخاطبته لرسول الله (صلى الله عليه واله) بقوله «اخذت الرهينة » اظهار عدم وفاء الامّة بعد استشهاد رسول الله (صلى الله عليه واله) بحق الله ورسوله وهو المعنى الثالث الذي يقارب قصدية منتج النص (عليه السلام) بعد أن كان المعنى الاول: الحبس، والثاني: الوثيقة، والثالث: هو عدم الوفاء، أو بمعنى أدق كما جاء في كتب الفقهاء: (استيفاء الحق) وبما أن الناس كلهم ملكٌ لله تعالى، فهو خالقهم فلا يكون في الأصل لهم حق على الله تعالى.

لكنه بلطفه وكرمه ورأفته وتحننه على عباده وهو الرؤف الرحيم، جعل لهم حقوقا عليه كهدايتهم لما يصلح شؤونهم في الدنيا، وينجيهم من الآخرة، و رزقهم وغيرهامن الأمور التي تستقيم بها منظومة الحياة.

وفي المقابل جعل عليهم حقوقا وواجبات وفروضا فأمر ونهى وهداهم النجدين فإما شاكراً وإما كفورا، وذلك ليحيي من حيا عن بيّنة ويهلك من هلك عن بيّنة.

ومن ثم: فالأصل أن كل شيء يعود اليه سبحانه، ومن ثم يصبح الكل لله (تعالى الرهينة) والمرتهن ومثاله في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّه اشْتَرى مِنَ الُمؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهمْ بِأَنَّ لَهمُ الَجنَّةَ﴾(1).

فهُنا الآية المباركة تتحدث عن عقد من العقود التي نصت عليها الشريعة وجرت بين الناس، فهناك طرفان بائع ومشتري، وثمن ومثمن؛ فالمشتري هو الله تعالى، والبائع المؤمنون، والثمن الجنة، والمثمن انفسهم واموالهم، وهي بهذا تكون معاملة صحيحة الشروط والأركان.

ص: 83


1- سورة التوبة، الآية ( 111 ).

ولكنها في الحقيقة كلها ملك لله تعالى، فالأنفس والأموال والمؤمنون والجنة ملك الله تعالى لكنه بلطفه وكرمه منح ووهب وأعطا وأجاز وأسترد وأفاض كرما وتفضلاً وهو العزيز الحكيم.

والحال نفسه يجري في عقد الرهينة الذي اظهره الامام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فقال: «اخذت الرهينة » فهوأراد أن يكشف عن مسألة مهمة ارتبطت بروح الرهينة، وهي استيفاء الحق وعدم وفاء الراهن لحق المرتهن، فأخذت منه

الرهينة، وانطباق هذا المعنى يكون في تضييع الامّة لحق الله ورسوله وحفظ عترته وذلك للدلائل الاتية، منها:

1- إن مناسبة كلام الإمام علي (عليه السلام) هي التظلّم والشكوى الى رسولالله (صلى الله عليه وآله) بما جرى على بضعته فاطمة وولداها وعليه من الظلم والجرائم، ومن ثم يكفي بهذا التظلم والشكوى الذي جاء بعد وقوع جريمة قتل

الى الزهراء (عليها السلام) دليلا على تضييع الامة لحق الله ورسوله (صلى الله عليه واله) وعدم وفائها للحقوق التي فرضها الله تعالى.

2- إنَّ الأصل الذي عليه الفقهاء هو أن (الرهن أمانة في يد المرتهن) وقد بلَّغ النبي (صلى الله عليه واله) وأعذر في بيانه للامة في حفظ أهل بيته وأمّنهم أمانة في عنق كل مسلم، ولذا: وردت النصوص الكثيرة في ذلك منها:

أ- ما اخرجه مسلم في صحيحه في حديث الثقلين، ومنه قوله (صلى الله عليه وآله): «أُذكّركم الله في أهل بيتي، أُذكّركم الله أهل بيتي، أُذكّركم الله أهل بيتي »(1).

ص: 84


1- باب: من فضائل علي (عليه السلام): ج 7 ص 123 .

ب- قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «فأنظروني بِمَ تخلفوني فيهما » (1).

ج- قوله (صلى الله عليه آله): «فانظروا كيف تخلفوني فيهما »(2).

3- وصيتها للإمام علي (عليه السلام) بأن تدفن ليلا إذا نامت العيون وهجعت الأنفس، وأن لا يشهد جنازتها أحد ممن ظلمها، وأن يعفى موضع قبرها، لتجعل من ذلك دليلا قاطعا على مرور الأيام أن الامة والسلف ظلموها واشتركوا في

قتلها، وهضمها، وسلبها حقها، وهو حق الله ورسوله (صلى الله عليه واله) فتحقق بذاك عدم وفاء الامة لحق الله ورسوله (صلى الله عليه واله) المرتكز على أخذ الرهينة وتضييع الأمانة.

المسألة الخامسة: قصدية الملازمة بين الوديعة والرهينة والاسترجاع والأخذ
اشارة

إنَّ من التساؤلات التي رافقت هذا المبحث هو ايراد الإمام أمير المؤمنين علي(عليه السلام) للوديعة والرهينة في موضع واحد وكأنه يريد أن ينقل الى السامع قضية أساسية ومتلازمة بين الايداع والرهن، أو تحديداً بين الوديعة والرهينة وقد ثبت في قواعد الفقهاء أنَّ (الاحكام تتبع العناوين)، بمعنى: أنَّ الاحكام تختلف وتتغير بتغير العناوين.

لكن العجيب هنا أنّ الإمام (عليه السلام) وهو الشريعة التي جاء بها القرآن فهو ناطقه وترجمانه وبابه الذي حدده المصطفى (صلى الله عليه وآله) فجمع بذلك القرآن والسنة، أنّه جمع في هذه العين، أي فاطمة (عليها السلام) وأطلق عليها عنوانان، وهما (الوديعة والرهينة) ورتب لكل عنوان لوازمه الشرعية.

ص: 85


1- مسند احمد بن حنبل، من مسند ابي سعيد الخدري: ج 3 ص 17 .
2- سنن الترمذي، باب: مناقب اهل البيت (عليهم السلام): ص 329 .

ففي الوديعة أردفها بما يستوجبه العنوان من أحكام شرعية فقال: (استرجعت)، وفي (الرهينة) أردفها بما يستوجبه العنوان فقال: (أُخِذت) وهذا يرشد الى امور ثلاثة، الأول مرتبط بشخص أمير المؤمنين (عليه السلام)، والثاني مرتبط بفاطمة

(عليها السلام)، والثالث بالأمة، وهي المقاربة الأخيرة في قصدية منتج النص في (الوديعة والرهينة)، فكانت هذه الامو هي ما يلي:

الأمر الأول: ما ارتبط بشخص علي (عليه السلام) وعنوان الوصاية

لا يخفى على أهل العلم والمعرفة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعل الإمام علي (عليه السلام) وصيا فهذا يلزم أن تكون الودائع التي كانت عند النبي (صلى الله عليه وآله) تنتقل بعد وفاته الى وصيه، وقد مرّ خلال المبحث السابق بيان أن فاطمة (عليها السلام) وديعة الله ووديعة رسوله (صلى الله عليه واله). ولذا: انتقلت اليهكما جرى ذلك في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حينما خرج من مكة مهاجراً

فقد جعل عنده الودائع.

ومن ثم يلزم ارجاع هذه الودائع الى أصحابها، وهو الامر الذي كشفه (عليه السلام) بقوله (استرجعت الوديعة) فأرجع فاطمة الى صاحبها وهو رسول الله (صلى الله عليه واله).

اذن: يرشدنا النص الى بيان هذه الكينونية وما يترتب عليها من أحكام، اي (الوصاية).

الأمر الثاني: ما ارتبط بشخص فاطمة (عليها السلام)

إنَّ التلازم بين روح الوديعة وجوهرها، وبين الرهينة وجوهرها هو كون الاثنتان في الاصل (امانة)، فالوديعة هي (امانة) وكذلك الرهينة.

ص: 86

وهذا يكشف عن أنَّ فاطمة (عليها السلام) بالعنوانين هي فالأصل أمانة، وأن هذه الأمانة استرجعها صاحبها وأخذها.

الأمر الثالث: ما ارتبط بالأمة وعنوان الخيانة للحق

إنَّ كون فاطمة (عليها السلام) أمانة سواء بعنوان الوديعة أو الرهينة فهذا يقتضي أن تكون معها -أي مع عنوان الأمانة- طرفان أخلاقيان، وهما (الوفاء والخيانة).

فالاسترجاع يكشف عن فضيلة الوفاء للأمانة، والأخذ يكشف عن الخيانة للأمانة.

ولأن الحال الذي عليه الإمام (عليه السلام) وأهل بيته ومنطوقه وفعله في شكواه وتظلّمه، ودفنه فاطمة سراً واخفائه لقبرها لدليل قاطع على أن الامة خائنة لما أُؤتمنت عليه، فاُخِذت منها الرهينة.

ص: 87

ص: 88

المبحث السادس عشر: المقاصدية في اختلاسهم الزهراء (علیها السّلام)

اشارة

ص: 89

قوله (عليه السلام): «وأُخلْسِتَ الزَّهرْاَء،ُ فَماَ أَقْبحَ الخْضْراَء والغْبرْاَء »

اشارة

ص: 90

بقي من هذا الحقل المعرفي -أي: الفقه- عنوان أخير، على الرغم من أن النص الشريف لو أفرد له البحث في المسائل الفقهية بأبوابه العديدة لخرج الكتاب عن منهج البحث.

ولكن أوردنا هنا العناوين الفقهية الصريحة، وهي: الوديعة، والرهينة،والاختلاس فقط؛ ولذا: جعلناه -أي: (الاختلاس)- العنوان الأخير ضمن هذا الحقل المعرفي، والذي سنتناول فيه المسائل الاتية، وهي:

المسألة الاولى: معنى الاختلاس في اللغة والقرآن
أ - معنى الاختلاس في اللغة

قال الجوهري (المتوفى سنة 336 ه) في بيان معنى الاختلاس، هو: الاستلاب.

ثم بیَّن الفرق بين الاختلاس والاستلاب، فقال:

(قيل: المختلس: هو الذي يأخذ المال من غير الحرز، والمستلب: هو الذي يأخذ جهرا ويهرب مع كونه غير محارب )(1) ، والحرز: ما يتحرز به الانسان لحفظ ماله كوضع الاقفال وغيراها في حفظ المال.

وللفقهاء راي اخر وتفصيل ادق واوضح في بيان الفرق بين الاختلاس،والمختلس والاستلاب والمستلب، هو كما يرد في المسألة القادمة.

ص: 91


1- تاج العروس: ج 1 ص 149 .
ب - معنى الاختلاس في القران

جاء بمعنى الاختطاف، في قوله تعالى: ﴿إلِّا مَنْ خَطفِ الَخْطفْةَ فَأتَبعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ﴾(1)، وهو وصف للشياطين المسترقة للسمع، وقوله ﴿فَتَخْطَفُهُ الطَّيُر أَوْ

تَهوِي بِهِ الرِّيحُ فِی مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾(2)، ﴿يَكَادُ الْبْرقُ يْخطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾(3) وقوله ﴿وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهمْ﴾(4).

قال الراغب الاصفهاني(5): خطف: الخطف والاختطاف: الاختلاس بالسرعة، يقال: خَطِف يَطِف، والخطّاف: الطائر الذي كأنه يخطف شيئا في طيرانه، ولما يخرج به الدلو كأنه يختطفه وجمعه خطاطيف؛

وباز مخطف يختطف ما يصيده.

والخطيف سرعة انجذاب السير.

المسألة الثانية: الاختلاس في كتب الفقهاء ومعناه وحكمه
اشارة

تناول الفقهاء موضوع الاختلاس والمختلس وبحثوا العلاقة بينه وبين السلب والاستلاب وما يترتب عليه من عقوبة وغير ذلك، فكان من اقوالهم ما يلي:

1- قال القاضي ابن البراج (رحمه الله)، (توفي سنة 481 ه) :

المختلس: فهو الذي يستلب الشيء من الطرق والشوارع ظاهراً، فإذا فعل شيئا من ذلك، وجب أن يعاقب عقوبة ترتدعه عن مثل ما فعله، وذلك يكون بحسب

ص: 92


1- سورة الصافات، الآية ( 10 ).
2- سورة الحج، الآية ( 31 ).
3- سورة البقرة، الآية ( 20 ).
4- سورة العنكبوت، الآية ( 67 ).
5- المفردات في غريب القرآن (ص 150 ).

ما يراه الإمام أصلح وأردع، ولا يجب عليه قطع في ذلك على وجه من الوجوه(1).

2-قال ابن حمزة الطوسي (رحمه الله)، (توفي سنة 560 ه) :

المختلس: من يستلب الشيء ظاهراً، فإن أظهر السلاح فهو محارب، وإن لم يظهر استحق العقوبة الرادعة دون القتل والقطع.(2)

3- قال السيد عبد الأعلى السبزواري (رحمه الله)، (توفي سنة 1414 ه) :

الاختلاس: هو الذي يأخذ بغير حق من غير حرز، والاستلاب ما يؤخذ جهرة ويهرب(3).

وقد ورد اللفظ في القاموس الفقهي بمزيد من البيان فجاء فيه:

خلس الشيء خلسا: استلبه في نهزة ومخاتلة.

الاختلاس: أخذ الشيء بسرعة.

وفي تفسير الفقهاء: هو أن يستغل صاحب المال فيخطفه.

وعند الشافعية: أخذ الشيء ظلما مجاهرة والهرب به، والمختلس: هو من يأخذ المال سلبا ومكابرة. وقيل: هو الذي يخطف الشيء من غير غلبة، ويهرب، ولو مع معاينة المالك له.

وعند المالكية: هو الذي يخطف المال بحضرة صاحبه في غفلته، ويذهب بسرعة جهرا (4).

ص:93


1- المذهب، ج 2 ص 554 .
2- الوسيلة، ص 423 .
3- مذهب الاحكام، ج 28 ص 60 .
4- القاموس الفقهي، ص 119 .94

أمّا حكم عقوبة المختلس فهي:

1- عند الامامية الاثني عشرية: يفرق الإمامية بين كون المختلس شاهرا لسلاحه أم أعزل حال قيامه بالاختلاس، فمع وجود السلاح عُدَّ محارباً ومع عدمه يعاقب بعقوبة يراها الإمام أصلح للمختلس في ردعه عن فعله، وليس عليه قطع اليد،واستعادة المال منه (1).

2-اما حكمه عند الحنفية والمالكية والشافعية: (القطع -أي: قطع يد المختلس- إذا اختلس في الوديعة والعارية)(2).

وهذه المعاني والدلالات والأحكام ترشد الى بيان حقيقة جديدة ارتبطت بظلامة فاطمة (صلوات الله عليها) فضلا عن بيان شأنيتها عند الله ومراحل تكوينها وبدء خلقها كما سيمر في المسائل القادمة.

المسألة الثالثة: القصدية في إيراده (علیه السّلام) مفردة «الزهراء » في عنوان الاختلاس وما يترتب عليه من حكم شرعي
اشارة

إنَّ الملفت للانتباه: أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) يورد مفردة «الزهراء » وهي أحد أسماء بضعة النبي (صلى الله عليه وآله) التسع كما ورد في الرواية عن الصادق

(عليه السلام )(3)، أي: لم يقل:

(اختلست البتول) أو (الصديقة) أو (فاطمة)، وإنما (الزهراء)، مما يرشد الى حقيقة

ص: 94


1- ينظر: المذهب لابن البراج، ج 2 ص 554 ؛ الموسوعة الفقهية للانصاري، ج 1 ص 363 .
2- جامع الخلاف لعلي بن محمد القمي، ص 591 .
3- قال (عليه السلام): «لفاطمة تسعة اسماء عند الله عزّ وجل، فاطمة، والصديقة، والمباركة والطاهرة، والزكية، والمرضية، والراضية، والمحدثة، والزهراء »، ينظر: الخصال للصدوق: ص 414 .

اُخرى من الحقائق التي ارتبطت بهذا الحدث، أي: استشهادها (عليها السلام) أو بشخصها وشأنيتها، وذلك من خلال دلالات هذا التمازج بين عنوان الاختلاس ومعناه، وبين معنى الزهراء، وهو كما يلي:

أولاً: إنَّ مصداق الاختلاس هو عين مال الزهراء الذي سلب منها

إنَّ المعنى العام وسياق النص الشريف ومناسبة الحدث وما يفرضه عنوان الاختلاس وأحكامه لدى الفقهاء يرشد الى ان هناك مالاً لفاطمة (عليها السلام) قد سلب جهراً، ظاهراً أمام الناس من جهة، وأمامها (عليها السلام) من جهة اخرى وهو ما كشف عنه أمير المؤمنين (عليه السلام) من خلال هذا الحديث كما سيرد في البحث، وهو قوله: «فبعين الله تدفن ابنتك سراً، ويهضم حقها قهراً، ويمنع إرثها جهراً .»

أو من خلال تصريحه بذلك في مناسبات عديدة, منها في كتابة الذي كتبه الى واليه على البصرة عثمان بن حنيف، فمما جاء فيه: «بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء، فشحت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس اخرين، ونِعْم الحكم الله »(1).

وقيام أبو بكر بمصادرة أرض فاطمة (عليها السلام) وسلبها منها جهاراً قد أخرجه البخاري عن عائشة، أنها قالت:

(أن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أرسلت الى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه واله) مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس

خيبر)، فقال أبو بكر:

ص: 95


1- نهج البلاغة، ج 3 ص 7، شرح محمد عبده.

إنَّ رسول الله (صلى الله عليه واله) قال: «لا نورث ما تركناه صدقة، إنما يأكل ال محمد من هذا المال .»

واني والله لا اغير شيئا من صدقة رسول الله (صلى الله عليه واله) من حالها،ولأعملنَّ فيها بما عمل به رسول الله (صلى الله عليه واله).

فأبى ابو بكر ان يدفع الى فاطمة (عليها السلام) منها شيئا، فوجدت فاطمة على ابي بكر في ذلك فهجرته، فلم تكلمه حتى توفيت، وعاشت بعد النبي (صلى الله عليه واله) ستة اشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي (عليه السلام) ليلا ولم يؤذن بها ابا بكر وصلى عليها علي (عليه السلام).

والحديث صريح في مصادرة ابي بكر لأرض فدك واموال رسول الله (صلى الله عليه واله)، في المدينة مما افاء الله تعالى عليه، وسهم خيبر من الخمس.

ويكفي في دلالة اختلاس أموال الزهراء (عليها السلام) أنها «أرسلت الى ابي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر .»

ومطالبتها بأموالها كان نتيجة لاختلاس ابي بكر لهذه الأموال وإلّ لما كان هناك سببا وداعيا يدعوها للمطالبة بهذه الأموال لو لم يقوم ابو بكر باختلاسها جهراً.

ولأنها مغلوب على أمرها لاسيما وانها ستواجه السلطة ونفوذها العسكري احتسبت أمرها الى الله تعالى، وماتت وهي غاضبة على ابي بكر واعوانه على الرغم من علمهم بحرمتها عند الله ورسوله (صلى الله عليه واله) الذي قال فيها: «يرضى الله لرضى فاطمة ويغضب لغضبها »(1).

ص: 96


1- الامالي للصدوق: ص 467 ؛ مناقب الإمام علي (عليه السلام) لأبن المغازلي الشافعي؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم: ج 3 ص 154

وهذا هو المعنى الاول لإيراده (عليه السلام) لمفردة (الزهراء)، اما المعنى الثاني كما في ثانياً.

ثانياً: إنَّ مصداق الاختلاس هو عين شخص الزهراء الذي سلب منها الحياة فقتلت

إنَّ مما مر في معنى الاختلاس في كتب الفقهاء، فكان من جملة ما قالو: (خلس الشيء أو اختلسه، أي: استلبه في خفية أو اختطفه بسرعة عن غفلة).

ومما ورد في كتب اللغة: (أخذ الشيء بحضرة صاحبه جهرا مع الهرب به).

وهذا يكشف عن أن الزهراء اختطفت بسرعة بحضرة علي (عليه السلام)، فقد قتلت وهي في الثامنة عشر من عمرها فكان غيابها سريعا فأصبحت حياة أميرالمؤمنين (عليه السلام) بفقدها لا تزهر ولذا قال: «فما أقبح الخضراء والغبراء » وهو توصيف لحال الدنيا فقد أصبحت بعدها (عليها السلام) مظلمة لا نور فيها وذلك لأنها كانت تزهر لعلي في اليوم ثلاث مرات -كما نصت عليه الروايات الشريفة- ومنه كان أحد أسباب تسمتها بالزهراء (عليها السلام)، وهو كما سيمر في المسألة القادمة.

أما علاقة استخدام لفظ الزهراء مع عنوان الاختلاس وتمازجه فيرجع الى دلالته على الشيء المتلئلئ الثمين، مما يكشف عن الجانب النفسي لمن يقدم على الاختطاف،فقد زهر الشيء في نفسه وانجذب الى اختطافه.

ص: 97

المسألة الرابعة: قصدية تسميتها بالزهراء ومعناه وأثره في تماسك النص
اشارة

يعد هذا الاسم -أي: الزهراء- من أشهر أسمائها التسعة، حتى أصبح ملاصقاً لها فما إن قيل فاطمة حتى أُردِف بالزهراء (عليها السلام)؛ وقيل في فقه اللغة: إن الإنسان إذا كان أبيض بياضاً محموداً أدنى صفرة كلون القمر والدر فهو أزهر، وفي حديث أنس في صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (كان أزهر ولم يكن أمهق أي شديد البياض)(1).

أما السبب وراء اتصافها وتسميتها بالزهراء، فقد وردت عن العترة النبوية بعض الأحاديث الكاشفة عن ذلك، وهي كالآتي:

أ- بنورها زهرت السماوات السبع والأرضون السبع

عن سلمان الفارسي قال: (كنت جالساً عند النبي المكرم صلى الله عليه وآله وسلم إذ دخل العباس بن عبد المطلب فسلم، فرد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه ورحب به فقال: يا رسول الله بم فضل علينا علي بن أبي طالب عليه السلام أهل البيت والمعادن واحدة؟ فقال له النبي المكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «إذاً أخبرك يا عم إن الله تبارك وتعالى خلقني وخلق عليا ولا سماء ولا أرض ولا جنة ولا نار ولا لوح ولا قلم.

ولما أراد الله تعالى بدو خلقنا فتكلم بكلمة فكانت نورا ثم تكلم بكلمة ثانية فكانت روحا فمزج فيما بينهما فاعتدلا فخلقني وعليا منهما.

ثم فتق من نوري نور العرش فأنا أجل من نور العرش.

ص: 98


1- فقه اللغة للثعالبي: ج 1، ص 14 .

ثم فتق من نور علي نور السماوات، فعلي أجل من نور السماوات.

ثم فتق من نور الحسن نور الشمس؛ ومن نور الحسين عليه السلام نور القمر فهما أجل من نور الشمس ومن نور القمر.

وكانت الملائكة تسبح الله وتقدسه وتقول في تسبيحها: سبوح قدوس من أنوار ما أكرمها على الله تعالى.

فلما أراد الله جل جلاله أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحابا من ظلمة فكانت الملائكة لا ينظر أولها من آخرها، ولا آخرها من أولها، فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا منذ خلقنا ما رأينا مثل ما نحن فيه فنسألك بحق هذه الأنوار إلا ما كشفت عنا؟

فقال الله تبارك وتعالى: وعزّتي وجلالي لأفعلن.

فخلق نور فاطمة عليها السلام يومئذ كالقنديل وعلقه في قرط العرش فزهرت السماوات السبع والأرضون السبع ومن أجل ذلك سميت فاطمة (الزهراء).

وكانت الملائكة تسبح الله وتقدسه فقال الله عزّ وجل: وعزتي وجلالي لأجعلن ثواب تسبيحكم وتقديسكم إلى يوم القيامة لمحبي هذه المرأة وأبيها وبعلها وبنيها »(1).

ب- إنَّ الله تعالى خلقها من نور عظمته

عن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قلت له لم سمّيت فاطمة الزهراء (زهراء)؟ فقال: «لأن الله عزّ وجل خلقها من نور عظمته فلما أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها وغشيت أبصار الملائكة وخرت الملائكة لله ساجدين وقالوا إلهنا وسيدنا ما

ص: 99


1- إرشاد القلوب للديلمي: ج 2، ص 403 .

لهذا النور فأوحى الله إليهم هذا نور من نوري أسكنته في سمائي خلقته من عظمتي أخرجه من صلب نبي من أنبيائي أفضله على جميع الأنبياء وأخرج من ذلك النور أئمة يقومون بأمري يهدون إلى حقّي وأجعلهم خلفائي في ارضي بعد انقضاء وحيي »(1).

ج- إنها تزهر لأمير المؤمنين (عليه السلام)

عن أبان بن تغلب قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام: يا ابن رسول الله لم سمّيت الزهراء (عليها السلام) (زهراء)؟ فقال: «لأنها تزهر لأمير المؤمنين عليه السلام في النهار ثلاث مرات بالنور.

كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة والناس في فرشهم فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة فتبيض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السلام فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلي والنور يسطع من محرابها من وجهها فيعلمون أن الذي رأوه كان من نور فاطمة.

فإذا انتصف النهار وترتبت للصلاة زهر وجهها عليها السلام بالصفرة فتدخل الصفرة حجرات الناس فتصفر ثيابهم وألوانهم فيأتون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السلام فيرونها قائمة في

محرابها وقد زهر نور وجهها عليها السلام.

فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس احمر وجه فاطمة عليها السلام فأشرق وجهها بالحمرة فرحا وشكرا لله عز وجل فكان يدخل حمرة وجهها حجرات القوم وتحمر حيطانهم فيعجبون من ذلك ويأتون النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويسألونه

عن ذلك فيرسلهم إلى منزل فاطمة فيرونها جالسة تسبح الله وتمجده ونور وجهها

ص: 100


1- علل الشرايع للصدوق: ج 1، ص 179 ؛ دلائل الإمامة: ص 54 .

يزهر بالحمرة فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة عليها السلام.

فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى ولد الحسين عليه السلام فهو يتقلب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمة منا أهل البيت إمام بعد إمام »(1).

ويستفاد من الحديث بعض الأمور، وهي:

1- لا شك أن السياق العام للحديث يقتضي وجود أمير المؤمنين (عليه السلام) في الدار كي يتمكن القادم إلى بيت علي وفاطمة (عليهما السلام) من الاستئذان والدخول ولكونه من الأمور البديهية لدى حياة الناس فلم يتعرض الإمام لذكره

وبيانه في أثناء الحديث.

2-إن القادم إلى بيت علي (عليه السلام) لكي يدخل إلى بيت فاطمة (عليها السلام) ليرى ذلك النور إنما قدم بأمر من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولذا: نجد من البديهي الذي عليه حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) أنها قائمة على الامتثال لأمره (صلى الله عليه وآله وسلم)، أي: يكون أمر الدخول إلى بيت علي وفاطمة

(عليهما السلام) قد حصل بالملازمة لطاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

3- لا شك أن خروج هذا النور ودخوله إلى بيوت القوم وبتلك الكيفية التي أشار إليها الإمام الصادق (عليه السلام) إنما كان الغرض منه إرشاديّاً كي يعلم الناس ما لفاطمة من الشأنية عند الله ومثاله مثال مريم ابنة عمران (عليها السلام)حينما اقتضت الضرورة والحكمة الإلهية في إظهار منزلتها للناس لغرض حفظ حرمتها وعدم التعرض لتلك الحدود الإلهية.

ص: 101


1- علل الشرايع: ج 1، ص 181- 182 .

4- كي يعلم الناس أن فاطمة (عليها السلام) هي المخصوصة بحمل نور الأئمة كما كانت مريم مخصوصة بنور النبوة، ولذا لما ولدت فاطمة (عليها السلام) الإمام الحسين ذهب النور منها إلى ولدها الإمام الحسين (عليه السلام) وذلك أن الإمامة

في صلبه فعلم الناس حينها لما وجدوا أن هذا النور الزاهر قد انقطع من الظهور في بيوتهم عند ولادة الإمام الحسين (عليه السلام)؛ أي إنه هو المخصوص بحمل هذا النور، نور الإمامة من بعده.

وهذا كله لغرض إلزام الحجة على الناس في البيان والتذكير والبشارة والوعد والوعيد في أن هذا البيت وأهله هم أهل بيت النبوة والإمامة والقرآن، أي الشريعة.

د- إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء

روى الصدوق عن محمد بن عمارة عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله عن فاطمة لم سمّيت زهراء؟، فقال:

«لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض »(1).

ه- لأنها زهرة المصطفى(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

ذكر المناوي أن السبب في تسميتها بالزهراء: «لأنها زهرة المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) »(2)..

من هنا: كان إيراده (عليه السلام) لهذا الاسم هو بيان الأثر الذي تسببه هؤلاء المجرمون بحق الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) في اختطاف هذا النور الإلهي من

ص: 102


1- معاني الأخبار للصدوق: ص 64 .
2- إتحاف السائل للمناوي: ص 24 .

بيت النبوة فضلاً عن بيانه لتماسك النص حول هذه الحقوق التي استلبها هؤلاء،فكان التمحور حول بيان حقيقة الجناة وما جنوه يكمن في المفردات الثلاثة التي تتابعت في النص، وهي (الوديعة، والرهينة، والزهراء).

المسألة الخامسة: دلالة قوله (علیه السّلام) «فما أقبح الخضراء والغبراء . »
اشارة

أشار بعض الشراح للنص الشريف في بيان معنى قوله «فما اقبح الخضراء » الى أن المراد ب(الخضراء) السماء.

واستندوا في ذلك الى قول رسول الله (صلى الله عليه واله) في حق ابي ذر الغفاري: «ما أظلت الخضراء وما أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من ابي ذر » (1).

وفي رثاء الزهراء يقول الشيخ ابراهيم المبارك (ت 1399 ه) في رثاء الزهراء (عليها السلام): (فما أفجع الخضراء إن غاب بدرها.. وما أكدر الغبراء إن جف منبت)(2).

أما دلالة قوله (عليه السلام) فقد جاء فيها، قولهم:

1-قال العلامة المجلسي (ت 1111 ه) :

(« فما أقبح »: صيغة التعجب، والخضراء (السماء) والغبراء (الأرض)، والفرض اظهار كمال الوحدة والحزن، وعظيم المصيبة وقبح أعمال المنافقين والظالمين والتشوق الى اللحاق بسيد المرسلين وسيدة نساء العالمين؛ والسرمد: الدائم)(3).

ص: 103


1- مسند أحمد: ج 5 ص 197 ؛ سنن الترمذي: ج ص 334 ؛ علل الشرايع للصدوق: ج 1 ص 176
2- موسوعة ادب المحنة للسيد محمد علي الحلو: ص 253 .
3- مرآة العقول: ج 5 ص 327 .
2- قال صالح المازندراني (ت 1081 ه) :

(من شأن العرب أنه إذا شاع الشر في أهل الأرض، وانتشر الجور فيهم واشتهر القبح منهم، وأرادوا المبالغة في ذمهم والاشعار بعموم قبائحهم نسبوا ذلك الى الزمان والمكان والسماء والارض لقصد التعميم والشمول في ذمهم وليس في قصدهم من ذلك ذم الأشياء، وأمثال ذلك كثيرة شائعة في كلام الفصحاء والبلغاء)(1).

وقد كشف الحدث الذي كان سببا لصدور هذا النص عن امير المؤمنين (عليه السلام)، أي: ما جرى على فاطمة منذ ان قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى هذه اللحظات التي وقف فيها أمير المؤمنين يخاطبه (صلى الله عليه وآله) ان الجميع مشترك بظلم بضعته واضطهادها وقتلها؛ ولذا: لم يشهد جنازتها ولم يؤذن بها غير ولداها،وسلمان المحمدي، وعمار بن ياسر، وابو ذر، والمقداد، وأن هؤلاء الاربعة لم يتمموا المسير في تشيعها الى مثواها حرصا منه (عليه الصلاة والسلام) على تنفيذ وصيتها: «وعفي موضع قبري .»

فكيف لا تكون الدنيا بسمائها وارضها قبيحة لا جمال فيها بعد فقد الزهراء ومواراتها الثراء؟ ف﴿إِنَّا لَّله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾(2).

ص: 104


1- شرح اصول الكافي: ج 7 ص 216 .
2- سورة البقرة، الآية (156 ).

المبحث السابع عشر:المقاصدية في سرمدية حزنه (علیه السّلام) وكاشفيته لحقيقة الحدث

اشارة

ص: 105

قوله (عليه السلام):«أَمَّا حزُنْيِ فَسرَمْدَ،وأَمَّا لَيلْيِ فَمسُهَّدٌ،لَا يبَرْحَ الحُزنْ منِ قَلْبِي »

اشارة

ص: 106

ينتقل منتج النص (عليه السلام) في خطابه مع رسول الله (صلى الله عليه واله) الى مقاصدية اخرى من مقاصدية هذا الخطاب، وذلك ببيان حقيقة جديدة ارتبطت -هنا في هذا الجزء من النص- ببيان حزنه على فراق فاطمة (عليها السلام) وكاشفية ذلك عن صبره ووجدانه وملازمته مع سيرة الانبياء والمرسلين (عليهم السلام) كما بينها القرآن الكريم؛ فيمهد للمتلقي الاجواء ويهيئه الى كشف حقيقة ما جرى على فاطمة (عليها السلام) في كونها لم تفارقه بعلة الموت وبظروف طبيعية وإنما قتلت دون أن يصرّح بأسماء الجناة؛ وهذا ما سنتناوله في هذا المبحث ضمن بعض المسائل، وهي كالاتي:

المسألة الاولى: الحزن، والسرمد، والسهاد، في اللغة
أولاً: الحُزْن في اللغة

الحَزَنُ: نقيض الفرح، وهو خلاف السرور(1).

وللعرب في الحزن لغتان، اذا فتحوا ثقلوا، واذا ضموا خففوا.

يقال: اصابه حزن شديد، وقال ابو عمرو: إذا جاء الحزن منصوبا فتحوه، واذا جاء مرفوعا او مكسورا ضموا الحاء كقول الله عز وجل: ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الحزْنِ﴾(2) ، أي: أنه في موضع خفض.

ص: 107


1- لسان العرب ج 13 ص 111 .
2- سورة يوسف، الآية ( 84 ).

وقال: تفيض من الدمع حزنا: اي انه في موضع النصب، وقال (بثي وحُزني الى الله، ضموا الحاء هنا).

وفرق قوم بين الهم و الحزن، وقال المناوي: الحزن، الغم الحاصل لوقوع مكروه أو فوات محبوب في الماضي، ويضاده الفرح.

وقال الراغب: الحزن خشونة في النفس لما يحصل في الغم(1)

ثانياً: السَرْمَد في اللغة

السرمد: دوام الزمان من ليل أو نهار(2)، وليل سرمد، اي طويل، ويستفاد من قوله تعالى:

﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّه عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرمَدًا إِلَی يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْر اللَّه يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرونَ﴾(3).

هو دوام النهار وعدم انقطاعه الى يوم القيامة؛ يكشف هذا المعنى عن دوام حزنه (عليه السلام) وعدم انقطاعه الى وفاته.

ثالثاً: السُهَاد في اللغة

السُّهْدُ و السٌّهادُ: هو نقيض الرقاد، قال الأعشى:

أرِقْتُ وما هذا السُّهادُ المؤرقُ(4).

ص: 108


1- تاج العروس للزبيدي ج 18 ص 140 .
2- لسان العرب ج 3 ص 21 .
3- سورة القصص، الآية ( 72 ).
4- لسان العرب، ج 3 ص 224 .

وقال الجوهري: السُّهادُ الأرقُ(1).

والسُّهدُا بضم السين والهاء: القليل من النوم.

وسَهِدَ بكسر الهاء: لم ينم.

وفلان يسّهُدُ: أي لا يُترَك أن ينام(2).

والذي يستفاد من هذا المعنى:أن الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) كان أرِقاً يقظا طول ليله، وأن هذا الحزن الذي نزل به لا يتركه أن ينام، ولا شك أن حزنه إنما كان لأمر فظيع قد وقع، وهو جريمة قتل فاطمة الزهراء (عليها السلام).

المسألة الثانية: قصدية إيراده حال حزنه بالسرمد مع الفعل (يبرح)
اشارة

إنَّ النظر الى مفردات النص الشريف ترشد الى أن الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطابه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وشكواه يريد أن يكشف الكثير من الحقائق المرتبطة به من جهة، ومن جهة اخرى بالصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ومن جهة ثالثة بحقيقة الحدث، بل بجزئياته المتعددة والكثيرة، ومن هذه الجزئيات في هذه المفردات القليلة التي لم تتجاوز سوى بضعة اسطر، ومنها هنا في هذا الجزء من النص الشريف ما ارتبط به شخصيا من ألم، وما أرتبط بعلاقته القلبية والوجدانية بأم عياله فاطمة (عليها السلام) فضلاً عن تحفيز المتلقي الى التأمل وتحريك ذهنه في البحث وتقصي الحقائق فيما وقع في هذه الفترة الزمنية التي أعقبت استشهاد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وجميع هذه الجزئيات سنتوقف عندها، فكانت كالاتي:

ص: 109


1- الصحاح للجوهري، ج 2 ص 492 .
2- لسان العرب لابن منظور، ج 3 ص 224 .
أولاً: ما ارتبط به شخصيا من آثار نفسية

لقد كان بالإمكان أن يكتفي منتج النص (عليه السلام) بقوله:

«أما حزني فسرمد » في كاشفية حزنه الدائم والثابت بدلالة معنى لفظ (السرمد) ومقتضى معناه فيقدم عندها صورة لهذا الاثر أي: الحزن في نفسه، ألّا أنه (عليه السلام) اردفه بالفعل (يبرح) لينقل السامع الى بيان حجم الحزن من جهة، آثاره على نفسه وقلبه من جهرة ثانية ليقدم بذاك صورة فريدة في آثارها النفسية فاقت ما أصاب كثير من الأنبياء من الظلم والمصائب التي نزلت بهم.

ومن ثم بيان لحجم صبره الذي كان يوازي حجم ايمانه وشأنيته عند الله تعالى وذلك لقوله (صلى الله عليه وآله) في حديث المنزلة(1)ومقتضاه في نزول البلاء واشتداده عليه، ولمقتضى قوله (صلى الله عليه واله):

«ما أوذي نبي مثل ما أوذيت »(2).

وغيرها من الاحاديث الشريفة التي تقتضي أن يكون أمير المؤمنين (عليه السلام) أشد الناس بلاءً بعد سيد الانبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله)، أي: من اشتداد

البلاء هي مصيبة اقتحام بيت النبوة وحرقه وضرب بضعة الرسالة وقتلها (صلوات الله عليها).

وإلّا فمفردة (الحزن) قد تكفي لبيان خال الإنسان وأنّه متألم لوقوع مكروه عليه أو اصابته بأذى في ماله او ولده او نفسه، وأن هذا الألم والحزن قد يبقى لفترة محددة تختلف باختلاف الألم وأسبابه.

ص: 110


1- قال (صلى الله عليه واله) أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي.
2- المناقب لابن شهر آشوب: ج 3 ص 42 ؛ تفسير الرازي: ج 4 ص 175 .

لكننا هنا أمام ألم وحزن من نوع آخر، لم يتحدث القرآن عن شبيه له أو ما يقاربه،ولم يرد في سيرة الأنبياء نظيراً له، كما سيمر لاحقاً.

ولذا: أَورد (عليه السلام) في كاشفية هذا الحجم من الألم لفظ (السرمد) ولفظ (يبرح) والذي يدل على دوام هذا الحزن وانَّه متحرك في نفسه وغير جامد ولذلك أورده بصيغة المضارع.

ثانياً: ما ارتبط بعلاقته القلبية بأم عياله (علیها السّلام)

إنَّ أجمل ما يمكن معرفته من صفاء الرابط الروحي والقلبي بين الزوج والزوجة هي تلك العلاقة التي كانت بين الامام علي (عليه السلام) وفاطمة (صلوات الله عليها).

إذ اعتاد الناس بنحو عام أن يستمر بهم الحزن لفقد احبائهم، لاسيما فقد الزوج أو الزوجة الى فترة من الزمن قابلة للزوال ومتفاوتة في البطئ والسرعة بحسب ما يتجدد لدى الانسان من شريك حياتي.

لكننا هنا: نتحدث عن حالة فريدة في كاشفيتها عن تغلغل حب الزوجة في نفس الزوج وملازمة هذا الحب الى حد انقضاء العمر دون أن يطرأ عليه تغيير أو برود عاطفي.

بل: قد دلّت النصوص السيرية والتاريخية التي تناولت حياة أمير المؤمنين (عليه السلام) عن تجدد هذا الحب والعلاقة القلبية التي كانت تربطه بسيدة النساء فاطمة (عليها السلام) حتى مضى شهيدا الى لقاء ربه وأحبَّتِهِ فاطمة وأبيها (صلى الله عليه واله) على الرغم من تجدد الحياة الزوجية له (عليه السلام) فقد تزوج بعد فاطمة

ص: 111

(عليها السلام) لكن هذا التجدد الاسري والعاطفي لم يكن قادرا على اطفاء جمرة حزنه وآلامه لفقد فاطمة (عليها السلام).

ولذا، قال: «لا يبرح الحزن من قلبي .»

ولم يخضب لحيته بالسواد أو بغيره كي يذكر الناس جميعاً، الموالين له و لآل النبي (صلى الله عليه وآله) أم المخالفين أنَّ قلبه يتجمر، لا ينقضي حزنه، وأنَّم المسؤولون يوم القيامة عن هذ الآلام التي أنزلوها على قلبه، والتي فاقت حزن يعقوب على يوسف ولم ترقَ الى حجم ما نزل به من المصائب، وهو ما سنتناوله في المسألة القادمة.

المسألة الثالثة: القصدية في نفي زوال الحزن وديموميته في بيان التفضيل بينه وبين نبي الله يعقوب (علیهما السّلام)
اشارة

ينقل لنا القران الكريم صورة عن الاثر النفسي الذي حل بنبي الله يعقوب (عليه السلام) عند فقده لولده يوسف، ويعرضه من جوانب انسانية مختلفة، فضلاً عن بيانه لشأنية يعقوب ومنزلته الإيمانية التي تتلازم مع البلاء، وذلك لقول الإمام

الصادق (عليه السلام): «انما المؤمن بمنزلة كفّة الميزان، كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه »(1).

وقول الإمام ابي جعفر الباقر (عليه السلام): « إنَّ الله عزّ وجل ليتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل أهله بالهدية »(2)

فأما الجوانب الانسانية التي يعرضها القرآن في حزن يعقوب هي كالاتي:

ص: 112


1- الكافي للكليني: ج 2 ص 254 .
2- الكافي للكليني: ج 2 ص 255 .

1-بيان العلاقة الابوية وحنو الأب على ولده على الرغم من أن يعقوب كان لديه اكثر من ولد، إلّا أن هذه الكثرة لم تكن لتخفف من هذه العاطفة اتجاه الأبناء.

2-تجلى هذا الحس الوجداني والانساني في بيان حجم تأثر الأب على فقدان ولده الصغير مما يعكس أن حجم هذا الألم كان من اسبابه صغر سن يوسف.

3-إنَّ دوام هذا الحزن والتأسف على فقد يوسف هو نوع من انواع التربية والتهذيب النفسي الذي اتَّبعه الأب في اصلاح شأن أبناءه الذين دفعتهم رذيلة الحسد الى التخلص من يوسف وزوال ما كان يتنعم به من عاطفة ابوية، كما في قوله

تعالى ﴿قَالُوا تَاللَّه تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الَهالِكِينَ﴾(1)

فكان هذا التذكير بما فعلو وسيلة تأديبية.

4- يظهر القرآن كذلك آثار رؤية الابناء اتجاه بعضهم البعض فيما يرتبط الأمر بمصدر الحنان والرعاية -أي: الابوين-، أي أنَّ كل إمرءٍ يرغب في الاحتكار العاطفي الصادر من الوالدين، وأنَّ الابناء حريصون منذ الصغر على التملك والاحتكار العاطفي وكلفهم ذلك الى ممارسة سوء الخلق والفعل حفاظا على هذه العلاقة التي دافعها الانانية وحب الذات.

في المقابل يعرض القران شأنية يعقوب ومنزلته الايمانية من خلال هذا البلاء فكانت كالاتي:

أ- في صدد بيانه لحجم البلاء أفصح القرآن عن ذهاب بصر يعقوب (عليه السلام) من كثرة البكاء على ولده يوسف (عليه السلام) فقال عز وجل: ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الُحزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾(2).

ص: 113


1- سورة يوسف، الآية ( 85 ).
2- سورة يوسف، الآية ( 84 ).

ب- في مقام ايمانه وبيان منزلته في حجم صبره، قال تعالى:﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْر جَميِلٌ عَسَى اللُّه أَنْ يَأْتيِنيِ بِهمِ جَميِعًا إنِّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الَحكِيم﴾(1).

وهذان الامران هما ما يتميز به الانبياء ويفاضل الله تعالى بينهم، وهي حقيقة قرآنية وسنة الهية تقتضي تهذيب النفوس وترسيخ المفاهيم العقدية في اذهان المؤمنين، فضلاً عن ارشادها التربوي والقيمي لبني الانسان، ولذا قال تعالى:

1-﴿تلِكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَی بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللُّه وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ﴾(2).

2- وقال عز وجل: ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَی بَعْضٍ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾(3).

ومن ثم يندرج التفضيل فيما بينهم على حجم ما نزل بهم من البلاء والصبر عليه وعلى ما كلفوا به من تأدية الرسالة.

قال تعالى في مواساة رسوله الاكرم (صلى الله عليه وآله):

﴿فَاصْبِر كَمَ صَبَر أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾(4).

ومن ثم فأن دراسة ما نزل بأمير المؤمنين علياً (عليه السلام) وما نزل بنبي الله يعقوب وبيان آثاره الوجدانية والايمانية ليكشف عن شأنية أمير المؤمنين عند الله تعالى ومنزلته لديه، وهي كالاتي:

ص: 114


1- سورة يوسف، الآية ( 83 ).
2- سورة البقرة، الآية ( 253 ).
3- سورة الاسراء، الآية ( 55 ).
4- سورة الاحقاف، الآية ( 35 ).
أولاً: التفاضل بين اثار حزن علي (علیه السّلام) وآثار حزن يعقوب (علیه السّلام)

إنَّ اخضاع تلك الآثار الى الدراسة يرشد الى نتيجة مهمة تكشف عن أفضلية أمير المؤمنين (عليه السلام) وذلك لما يلي:

1- إنَّ حجم الألم الذي نزل على قلب أمير المؤمنين (عليه السلام) أعظم مما نزل على قلب نبي الله يعقوب (عليه السلام)، وذلك لأن يعقوب كان يدرك بأن ولده لم يقتل على ايدي اخوته وأنه على قيد الحياة، وذلك بالاستناد الى عدة من القرائن والدلائل التي اجتمعت لديه، منها:

2- قد بين القرآن الكريم أنَّ يعقوب (عليه السلام) ادرك أنهم غير صادقين فيما يدَّعون، فقال عز وجل: ﴿وَجَاءُوا عَلَی قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْر جَميلٌ

وَاللَّه الُمسْتَعَانُ عَلَی مَا تَصِفُونَ﴾(1).

فمقامه ومحله من النبوة يغنيه في معرفة نوع الدم الذي استخدمه ابنائه، ولذا قال عز وجل عن لسانه:

﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا﴾.

3- إنَّ اخوة يوسف انطلقوا من نفس النوع الذي تخوف منه ابيهم وهو (الذئب) ومن ثم فأن اعتمادهم على ايراد وحكاية ضياع يوسف قتلاً بأداة الذئب اوقعهم في دائرة التساؤل والشكوك، لاسيما وانهم قد نفوا لأبيهم امكانية حصول مثل هذه الحادثة وبواسطة الذئب فلو كان قد قال لهم -على سبيل الافتراض- أخاف ان يقع في البئر لقالوا له نفس قولهم، أي بمعنى افتراضي آخر -لأنه وقع في البئر ونحن عصبة-.

ص: 115


1- سورة يوسف، الآية ( 18 ).

ولذا:يرشد القرآن الى أنَّ اعتماده (عليه السلام) على ذكر الذئب كان نتيجة لمقدمة ما انبرت عليه نفوسهم من نية التخلص من يوسف طمعا في احتكار عاطفة أبيهم.

فجاءوا يسألونه عن سبب عدم ثقته بهم على يوسف فقالوا كما أخبر القران: ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَل تَأْمَنَّا عَلَی يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ﴾، أي لا نريد له الا الخير.

ومن ثم كان يعلم انهم يكذبون في مدعاهم بقتل الذئب ليوسف (عليه السلام) مما يقدم حقيقة حجم الحزن الذي اصابه وأنه محصور بحادثة ضياعه لا قتله، ولا شك أنَّ ذلك أخفُّ وطئه وحجما من حادثة قتله، وذلك أنه مقرون بأمل العودة اليه ولقائه.

فضلاً عن هبوط جبرائيل (عليه السلام) وأخباره بحال يوسف، إلّا أنه لا يؤذن له بالكشف عن محل وجوده لبيان صبره وايمانه.

في حين كان حزن أمير المؤمنين (عليه السلام) أعظم أثراً وأشد ألماً وذلك لما يلي:

1- إنَّ فاطمة (عليها السلام) لم تغيب عن حياة علي (عليه السلام) بالخطف وانما بالقتل، وشتان بين من غاب عن العين وتصلك أخباره وبين من غيب في الثرى قتيلاً.

2- إنَّ حادثة قتل فاطمة كانت حقيقة ولم تكن بدم كذب، بل غطت بدمائها وقد كُسِر ضلعها وأُسقِط جنينها المحسن (عليه السلام).

3- إنَّ جريمة حرق الباب والهجوم على بيت النبوة وعصر البضعة النبوية بين الحائط والباب وما تبعه من أحداث، كان بمرأى من علي (عليه السلام) وبمحضره

ص: 116

ولا شك أنَّ ذلك لا يقاس بغيره من الحوادث التي تشهدها العين فتبقى صورة ما جرى راسخة في ذهن الرائي لا تفارق باله ولا تزول من قلبه، ولذا قال (عليه السلام):«لا يبرح الحزن من قلبي .»

بمعنى: إنَّه شاهد ما جرى على أُم عياله من القتل والمصائب وأنَّ تلك المشاهد تتجدد في الحضور والدوام والاستمرارية، وهو ما دعاه الى أن يورد لفظ (يبرح) على صيغة المضارعة في التفعيل مما حقق سرمدية هذا الحزن.

في حين كان يعقوب يقول لأبنائه: ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّه إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ

مِنْ رَوْحِ اللَّه إِلَّا الْقَوْم الْكَافِرُونَ﴾(1).

وذلك كاشف عن أمله بعودة يوسف اليه وأنه على قيد الحياة وفي حال جيدة، وشتان بين حال نبي الله يعقوب وأمير المؤمنين علي (عليه السلام) مما يرجح من خلال الدراسة افضليته في حجم الابتلاء بالحزن وما ترتب عليه من آثار نفسية وقلبية.

ثانياً: التفاضل في حجم البلاء وآثاره في النفس وكاشفيته للصبر
اشارة

يدل ايراده (عليه السلام) للفظ (الكمد، والهم) على حجم صبره وعظيم ابتلائه (عليه السلام) وذلك لما يلي:

أ - الكمد في اللغة

الكمد: بالتحريك الحزن المكتوم، يقال: كمد الشيء يكمد من باب تعب فهو كمدٌ، وكميد.

ص: 117


1- سورة يوسف، الآية ( 87 ).

ومعناه: حزن دائم غير مفارق.

والكمدة: بالضم تغير اللون وذهاب صفائه، والحزن الشديد ومرض القلب(1).

ب - الهمّ في اللغة

ذكر ابن منظور: (الهم: الحزن، وجمعه هموم، وهمّه الأمر همّاً وأهمّه فاهتم واهتمَّ به ).

(واهمَّني الأمر، إذا اقلقك و حزنك، والاهتمام: الاغتمام، واهتمَّ له بأمره، وهمّهُ السقمُيهمّه همّاً اذابه وأذهَب لحمه)(2).

وقال الطبرسي (رحمه الله): الهم: هو الفكر الذي يغم، وجمعه هموم، واهمه الامر إذا عني به فحدَّث نفسه به.

والفرق بين الهمّ بالشيء والقصد اليه، أنه قد يهم بالشيء قبل أن يريده ويقصده بأن يحدث نفسه به وهو مع ذلك مقبل على فعله(3).

ويخلص مما تقدم أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان حزنه مكتوم بقلبه وملازم له لا يزول عنه، وغير مفارق له، وحارق للقلب، يتقلب بسببه على جوانبه في الليل فلا نوم لديه؛ فليله مسهد وهو مع حاله هذه مشغول الفكر مهتما بما جرى على فاطمة من المصائب مهموما بها؛ وهذا يدل على أن صبره كان أعظم من صبر نبي الله يعقوب لقوله تعالى عن لسان ابنائه: ﴿قَالُوا تَاللَّه تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الَهالِكِينَ﴾(4).

ص: 118


1- مجمع البحرين للطريحي، ج 3 ص 137 لسان العرب لابن منظور، ج 3 ص 212 .
2- لسان العرب، ج 12 ص 620 .
3- تفسير مجمع البيان، ج 3 ص 292 .
4- سورة يوسف، الآية ( 85 ).

بمعنى أنَّ يعقوب (عليه السلام) كان كثير الشكوى لما أصابه من حزن لفراق ولده يوسف (عليه السلام)؛ وبمعنى أدق: كان يظهر حزنه لأبنائه ولأسرته بدوام بكاءه وذكره ليوسف، في حين كان الامام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حزنه في قلبه مكتوم وهو ما عبر عنه بلفظ (الكمد)، فإذا جن عليه الليل لا يجد للنوم طعما.

ومما لا ريب فيه أنَّ كتمان الألم والحزن والهم في القلب وعدم اظهاره مع دوامه في القلب والنفس لأعظم أذىً وألماً على الانسان، مما يتطلب حجماً أكبر من الصبر والجلادة والتحمل وذلك (أنَّ الهم: حزن يذيب الانسان، فهو أخص من الحزن)(1).

وبهذا تكشف الدراسة عن أن صبر أمير المؤمنين (عليه السلام) على قتل فاطمة (عليها السلام) اعظم من صبر يعقوب على فقد يوسف (عليهما السلام).

ثالثاً: أدب الأنبياء والأوصياء مع الله في شكواهم وكاشفيته العقدية

قد يتبادر الى ذهن بعض الناس أنَّ شكوى الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) ناجم عن اتباع اهوانهم -والعياذ بالله- أو عدم ضبط القوى النفسية و غلبة العواطف على الاحكام فظهرت بهذا الشكل الذي عبر عنه القرآن في مواقع عدة،منها ما تعلق بحياة سيد الخلق (صلى الله عليه واله) أو منها ما كان متعلق بالأنبياء من قبله أو بأوصيائهم، كما هو حال أمير المؤمنين الامام علي (عليه السلام).

ففي قوله عز وجل وهو يواسي عن شأن حبيبه المصطفى (صلى الله عليه واله): ﴿فَلَا يَحزُنْكَ قَوْلُهمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِّرونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾(2).

ص: 119


1- تحفة الاحوذي للمار كفوري، ج 9 ص 320 .
2- سورة يس، الآية ( 76 ).

وقوله: ﴿قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِی إِلَی اللَّه وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾(1).

خير بيان عن ادبهم (عليهم السلام) مع الله تعالى، وصلابة ايمانهم، وحسن هديهم وهدايتهم الناس لشريعة ربهم كي لا يخرجهم ما ينزل بهم من المصائب والآلام عن عقيدتهم وايمانهم بالله تعالى.

وفي ذلك يقول الطباطبائي في بيان معنى قول الله تعالى على لسان أولاد يعقوب وتذمرهم من شكواه المستمر على فقد ولده يوسف (عليهما السلام): ﴿قَالُوا تَاللَّه تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الَهالِكِينَ ( 85 ) قَال َإِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِی إِلَی اللَّه وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾(2).

(يقول لبنيه: إنَّ مداومتي على ذكر يوسف شكاية من سوء حالي إلى الله ولست بائس من رحمة ربي أن يرجعه، أي: من حيث لا يحتسب، وذلك أن من أدب الأنبياء مع ربهم أن يتوجهوا في جميع أحوالهم إلى ربهم، ويوردوا عامة حركاتهم وسكناتهم في سبيله، فإن الله سبحانه ينص على أنه هداهم إليه صراطا مستقيما، قال: ﴿أولئك الذين هدى الله﴾(3)؛ وقال في خصوص يعقوب: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا﴾(4)، ثم ذكر أن اتباع الهوى ضلال عن سبيل الله، فقال تعالى:

﴿وَلَا تَتَّبِعِ الَهوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه﴾(5).

فالأنبياء وهم المهديون بهداية الله لا يتبعون الهوى البتّة، فعواطفهم النفسانية

ص: 120


1- سورة يوسف، الآية ( 86 ).
2- سورة يوسف، الآية ( 85 - 86 ).
3- سورة الآنعام، الآية ( 90 ).
4- سورة الانعام، الآية ( 84 ).
5- سورة ص، الآية ( 26 ).

وأميالهم الباطنية من شهوة أو غضب أو حب أو بغض أو سرور أو حزن مما يتعلق بمظاهر الحياة من مال وبنين ونكاح ومأكل وملبس ومسكن وغير ذلك كل ذلك واقعة في سبيل الله لا يقصدون به إلا الله جلت عظمته فإنما هما سبيلان مسلوكان سبيل يتبع فيه الحق وسبيل يتبع فيه الهوى، وإن شئت قلت: سبيل ذكر الله وسبيل نسيانه.

والأنبياء (عليهم السلام) إذ كانوا مهديين إلى الله لا يتبعون الهوى كانوا على ذكر من ربهم لا يقصدون بحركة أو سكون غيره تعالى، ولا يقرعون بحاجة من حوائج حياتهم باب غيره من الأسباب بمعنى أنهم إذا تعلقوا بسبب لم ينسهم ذلك ربهم وأن الامر إليه تعالى لا انهم ينفون الأسباب نفيا مطلقا لا يبقى مع ذلك لها وجود في التصور مطلقاً، فإن ذلك مما لا مطمع فيه، ولا أنهم يرون ذوات الأشياء وينفون عنها وصفة السببية فإن في ذلك خروجا عن صراط الفطرة الانسانية بل التعلق به أن لا يرى لغيره استقلالاً، ويضع كل شيء موضعه الذي وضعه الله فيه.

وإذ كان حالهم (عليهم السلام) ما ذكرنا من تعلقهم بالله حق التعلق تمكن منهم هذا الأدب الإلهي ان يراقبوا مقام ربهم ويراعوا جانب ربوبيته فلا يقصدوا شيئا إلا الله، ولا يتركوا شيئا إلا لله، ولا يتعلقوا بسبب الا وهم متعلقون بربهم قبله ومعه

وبعده، فهو غايتهم على كل حال.

فقوله (عليه السلام): «إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله » يريد به أن ذكري المستمر ليوسف وأسفي عليه ليس على حد ما يلغو أحدكم إذا اصابته مصيبة ففقد نعمة من نعم الله فيذكرها لمن لا يملك منه نفعا ولا ضرا بجهل منه، وانما ذلك شكوى مني إلى لله فيما دخلني من فقد يوسف، وليس ذلك مسألة مني في أمر لا يكون فإني اعلم من الله ما لا تعلمون)(1).

ص: 121


1- تفسير الميزان، ج 6 ص 275 .

من هنا:

نجد أنَّ شكوى أمير المؤمنين (عليه السلام) من الجانب العقدي تكشف عن التجائه الى محل نزول الفيض والروح الامين (عليه السلام) موضع رضا الله رب العالمين وغضبه وسخطه، وهو مقام حبيبه المصطفى المختار على العالمين (صلى الله عليه واله وسلم)، فهو محل الشكوى ومنه الى الله تعالى تعرج الملائكة بالأعمال واليه تنزل بالأمور ﴿تَنَزَّلُ الَملَائكِةُ وَالرُّوحُ فيِهَا بإِذِنِ رَبِّهمِ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾ وبين يديه

الأعمال معروضة، والأحوال مشهودة، والله خير الشاهدين.

لذا: قال (عليه السلام) «سرعان ما فرق بيننا فإلى الله اشكو .»

أي: حينما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يبث حزنه ويشكو المه وهمه ومصابه الى رسول الله (صلى الله عليه واله) فهو في الحقيقة إنما يشكو الى الله، ولذلك وقف

بين يديه مخاطبا واليه شاكيا قتل بضعته فاطمة (عليها السلام) مواظبا على شكواه باكيا بلواه الى ان يختار الله له داره الذي بها مقيم، (أو) يختار الله له داره الذي بها

مقيم، والفرق بينهما أي: بين قوله (الى أن يختار الله) (او يختار الله) يكشف عن حجم حزنه وبلائه بمصاب فاطمة (عليها السلام) كما سيمر في المبحث القادم.

ص: 122

المبحث الثامن عشر :المقاصدية في قوله «إلِى أَن يخَتَار اللَّه ليِ » وكاشفيته لعظم مصيبته وشأنيته عند الله تعالى

اشارة

ص: 123

قوله (عليه السلام) «إلِى أَن يخَتَار اللَّه ليِ داَركَ الَّتيِ أَنتْ بهِاَ مقُيِمٌ »

اشارة

ص: 124

اختلفت دلالة مقاصدية النص ومقاربته لما ابتغاه منتج النص (عليه السلام) تبعاً للألفاظ التي وردت في النص الشريف؛ فقد جاء بلفظين في هذا الجزء من خطابه (عليه الصلاة والسلام) مع رسول الله (صلى الله عليه واله) اللفظ الأول هو قوله: «الى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم .»

وقد ورد في نهج البلاغة وشروحه(1) ، والمناقب لابن شهر(2).

واللفظ الثاني هو قوله (عليه السلام):

«أو يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم .»

وقد ورد في أمالي المفيد(3) ، والكافي(4) ، ودلائل الامامة(5) .

ودلالة كل لفظ ترشد الى قصدية محددة وحقيقة جديدة، وهي كالاتي:

المسألة الأولى: قصدية (إلى) و (أو) في البقاء بعد فاطمة (علیها السّلام)
أولاً: قصدية (إلى) ودلالتها في بقاء الحزن

يكشف قوله (عليه الصلاة والسلام): «الى أن يختار الله لي دارك التي انت بها مقيم .»

ص: 125


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح، ص 320 .
2- المناقب لابن شهر اشوب، ج 3 ص 139 .
3- الاماني للمفيد، ص 282 .
4- الكافي، ج 1 ص 459 .
5- دلائل الامامة، ص 138 .

إنَّ هذا الهم الذي أصاب قلبه لا ينتهي من حياته، وهو دائم معه الى الوقت الذي ينتهي به عمره، فهو دائم بدوام بقائه في الحياة الدنيا مقرون مع هذا البقاء الذي هو بيد الله، فقد يبقى في الحياة الدنيا، بعد فقد الزهراء (عليها السلام) عام واحد، او مائة عام او اكثر من ذلك، فطول السنين او قصرها لا علاقة له بهذا الحزن.

أي بمعنى: إنّ عامل الوقت والزمن لا مدخليه له ولا أثر له في تغيير حاله (عليه السلام) فهذا الحزن دائم من جهة، ومتجدد من جهة اخرى والذي -كما مر بيانه- «لا يبرح » من قلبه، وهو بهذه الحالة أراد أن ينبه ذهن المتلقي الى أنه في حال مختلف غير ما جرت عليه عادة الناس في استعانتها بالوقت لتغيير حالها وأحزانها وهمومها بلحاظ ان الزمن لكفيل بإمحاء الآلام والهموم عن الانسان مهما كان مصابه عظيما

وفقده للأحبة عزيزاً وكبيراً؛ إلا علي بن ابي طالب (عليه السلام) فهمه لفقد الزهراء (عليها السلام) دائم وحزنه سرمد.

وعليه: تصبح الدلالة في هذه الحالة كاشفة عن الزمن وآثاره في تغيير الأحوال.

وأما في الحالة الثانية فالكاشفية والدلالة تختلف، وهي كما يلي في ثانياً.

ثانياً: دلالة قوله «أو يختار الله لي » وكاشفية «أو . »

يكشف هذا اللفظ بهذه الصيغة «أو يختار الله » لي عن حالة مغايرة للحالة السابقة،ففي الأولى كاشفيتها عن تعطيل عامل الزمن واثاره من جهة، وعن صلابة صبره وتحمله من جهة ثانية.

وفي هذه الحالة يكشف اللفظ عن تمني الموت مما يرشد الى حجم الأثر الذي أنزله مصاب الزهراء ومصيبتها على قلبه الى الحد الذي يتمنى فيه الموت.

ص: 126

وذلك أنّ الفظ لم ترد فيه اي دلالة للزمن، ولا يرغب بالبقاء بعد مصابه بقتل فاطمة الزهراء (عليها السلام)، ولأن أمر الحياة والموت بيد الله تعالى فقد فوض أمره الى الله في حياته أو مماته؛ فإن اختار له البقاء فحزنه وهمّه دائم، وإن اختار له

الموت ففيه فرجه.

وقد ارشدت النصوص عن تمنيه للموت وشوقه للالتحاق بدار الآخرة في موارد كثيرة، واشتهر عنه قوله (صلوات الله وسلامه عليه): «متى يبعث اشقاها فيغضب هذه من هذه »(1)

وقد أشار الى رأسه ولحيته؛ أي: تتغضب لحيته بدم رأسه.

وعليه: يكشف ايراده للفظ «او » الى حجم أثر هذه المصيبة على قلبه الذي افقده طعم الحياة والرغبة في البقاء، وهو ما صرّح به في هذا الخطاب مع رسول الله (صلى الله عليه واله) حينما قال: «قلَّ يا رسول الله عن صفيتك صبري، وعفا وضعف عن سيدة نساء العالمين تجلدي .»

فهذه المصيبة اضعفت تجلده وقوة قلبه الذي قارع به صناديد العرب وشجعانها وفرسان الحرب ورجالها، يطحنهم طحن الرحى، ويذرهم كعصف مأكول، ألّا أنه هنا بفقد الزهراء يتمنى الرحيل الى الآخرة الى دار المصطفى (صلى الله عليه واله).

وهو مع هذا التمني والتفويض في أمره لله رب العالمين يحدد موضع نزوله في الاخرة موقناً وعارفاً أين سيكون، وهو أمر ينفرد به الامام علي (عليه السلام)، وهو ما سنتناوله فيما يلي.

ص: 127


1- مناقب الامام علي (عليه السلام): لمحمد بن سليمان الكوفي: ج 2 ص 63 .
المسألة الثانية: قصدية الاختيار في قوله «يختار الله لي » بمعنى «التفويض »أو التعيين
اشارة

يرشد قوله (عليه الصلاة والسلام): «يختار الله لي دارك التي انت بها مقيم » الى معنيين، وهما: «التفويض » و «التعيين » وكلاهما يكشفان عن حقائق خاصة بشخصه (عليه السلام) وشأنيته عند الله تعالى وتقارب قصديته (عليه السلام) في انجاز العملية التواصلي مع المتلقي.

أ - الاختيار بمعنى: «التفويض . »

إنَّ الاختيار الالهي في هذا المعنى -اي: (التفويض) اليه عزّ وجل- يراد به ترك أمر الحياة والممات الى الله تعالى، ولا مدخلية للإنسان بهذا، فالأمر محصور بيد الله تعالى.

ومن ثم لا علاقة له ببيان حجم حزنه وهمه، فهذا الحزن باقٍ ببقائه في الحياة الدنيا، فهو لم يسأل الله كشف هذا الحزن وتفريج هذا، وانما يسأله عز وجل التفويض في البقاء أو الممات، ومن ثم يرشد المعنى الى بيان منزلة التسليم لقضاء الله تعالى وحكمه، كما نصت الآية المباركة: ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَی اللَّه إِنَّ اللَّه بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾(1).

ب - الاختيار بمعنى «التعيين . »

في هذا المعنى الذي يكون الاختيار فيه بقصد (التعيين) يكشف الامام علي (عليه السلام) عن تعيين مكانه في الاخرة بصورة القطع في معرفة هذا المكان الذي سيقيم

فيه، وهو دار رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ص: 128


1- سورة غافر، الآية ( 44)

وهذه الرتبة من القطع في بيان مكانه في الآخرة هي خاصة بشخص الامام علي (عليهالسلام)، إذ يدرك الانسان موضعه المحدد بعينه كما هو حال الامام (عليه السلام).

نعم قد جاء القرآن الكريم والاحاديث النبوية ببيان مكان الشهداء والصديقين والأنبياء والصالحين بنحو العموم، وهي الجنة.

أما بنحو الخصوص فهذا خاص بعلي بن ابي طالب (عليه السلام) فمكانه ملازم لمكان رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأين ماحلَّ رسول الله (صلی الله عليه واله) يحلّ معه الامام علي (عليه السلام)، سواء كان داره الذي فيه مقيم في جنة عدن التي خلقها الله لحبيبه المصطفى (صلى الله عليه وآله) كما روي عنه(1)، أَم كان في جنة الفردوس، أو غير ذلك مما لم يرد فيه نص على نحو التعيين، فدارُ علي (عليه السلام) هي دار رسول الله (صلى الله عليه وآله).

المسألة الرابعة: قصدية الإقامة في دار رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) البرزخية أم الفردوسية
اشارة

ينتقل أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) الى بيان حقيقة عقدية جديدة في هذا الجزء من خطابه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وشكايته له بما نزل به من المصائب والبلاء بعد وفاته (صلى الله عليه واله وسلم).

وهنا: يظهر (عليه السلام) حقيقة عقدية مرتبطة بشأنية رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند الله تعالى والمحل الذي لديه، فيظهر أن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) بعد انقضاء مدته في عالم الشهادة والحياة الدنيوية قد انتقل الى داره في الجنة.

إلّا أنَّ السؤال المطروح: هل هو مقيم في داره في جنة البرزخ أم في جنة الفردوس التي يدخلها أهلها بعد انقضاء عمر الدنيا وقيام يوم الحساب؟!

ص: 129


1- وهو قوله (صلى الله عليه واله): من اراد ان يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن.

والإجابة على هذا التساؤل:إنَّ كلا الأمرين يعاضده مجموعة من النصوص التي ترشد الى قصديه تحققه، وهي كما يلي:

أ - ما يدل على أنها الدار البرزخية

إنَّ دار النبي (صلى الله عليه واله) التي بها مقيم هي الجنة البرزخية، وقد دلَّت عليها جملة من النصوص، منها:

1- قوله تعالى: ﴿قِيلَ ادْخُلِ الَجنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ( 26 ) بمِا غَفَرَ لِی رَبِّی وَجَعَلَنِي مِنَ المكْرَمِينَ﴾(1)

2- قوله (صلى الله عليه واله): «إذا مات ابن آدم قامت قيامته .»

3-قوله (صلى الله عليه واله): «بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة .»

ومن ثم فداره (صلى الله عليه واله) التي قصدها أمير المؤمنين (عليه السلام) هي الدار البرزخية؛ ومن ثم فمحل الامام علي (عليه السلام) بعد استشهاده في جنة البرزخ في دار رسول الله (صلى الله عليه واله) التي بها مقيم ومقامهما ودارهما واحد.

وهذه شأنية وحدانية ومنزلة فردانية لم يحض بها لا نبي مبعوث ولا رسول مصطفى أن يكون داره ومقامه مع سيد الخلق اجمعين (صلى الله عليه وآله).

ب - ما يدل على انها الدار الفردوسية

قد نصت كثير من النصوص الشريفة على أنهما لم يزالا منذ أن خلقهما الله تعالى في محل واحد، وأنَّ تنقلهما في العوالم لم يباعد بينهما (صلوات الله وسلامه عليهما)، فكان من هذه النصوص:

ص: 130


1- سورة يس، الآية ( 26 - 27 ).

1-قال (صلى الله عليه واله): «خلقت أنا وعلي من نور واحد .»(1).

2- وحياتهما في مكة والمدينة متلازمة وفي ذلك يقول امير المؤمنين (عليه السلام):«ولَقَدْ عَلِمَ الُمسْتَحْفَظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحمَّدٍ (صلى الله عليه وآله)- أَنِّی لَم أَرُدَّ عَلَی اللَّه ولَا عَلَی رَسُولِه سَاعَةً قَطُّ- ولَقَدْ وَاسَيْتُه بِنَفْسِی فِی الَموَاطِنِ- الَّتِي تَنْكُصُ فِيهَا الأَبْطَالُ- وتَتَأَخَّرُ فِيهَا الأَقْدَامُ نَجْدَةً أَكْرَمَنِي اللَّه بِهَا- ولَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّه (صلى الله عليه وآله) وإِنَّ رَأْسَه لَعَلَی صَدْرِي- ولَقَدْ سَالَتْ نَفْسُه فِی كَفِّي فَأَمْرَرْتُها عَلَی وَجْهِي- ولَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَه (صلى الله عليه وآله) والَملَائِكَةُ أَعْوَانِی- فَضَجَّتِ الدَّارُ والأَفْنِيَةُ- مَلأٌ يَهبِطُ ومَلأٌ يَعْرُجُ- ومَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَيْنَمَةٌ مِنْهُمْ- يُصَلُّونَ عَلَيْه حَتَّى وَارَيْنَاه فِ ضَريحِه- فَمَنْ ذَا أَحَقُّ بِه مِنِّي حَيّاً ومَيِّتاً »(2).

3- في البرزخ مكانهما واحد وهو ما دل عليه قوله (عليه السلام): «دارك التي أنت بها مقيم .»

4- في الجنة الفردوسية كذلك لقوله (صلى الله عليه واله) لفاطمة (عليها السلام): «وانّی وايّاكِ وهما وهذا الراقد -وقد اشار الى علي (عليه السلام)- في مكان واحد في الجنة .»(3).

ج - قصدية الإقامة بمعنى الحياة

يدل قوله (عليه السلام) وخطابه لرسول الله (صلى الله عليه واله) -(بها مقيم)- على قصدية الحركة وليس الجمود الذي هو من لوازم الموت والسكون؛ ومن ثم لا ينسجم هذا المعنى مع القبر فلا يراد من مخاطبة صاحب القبر بالإقامة أي الحلول والجمود.

ص: 131


1- الأمالي للشيخ الصدوق: ص 307 .
2- نهج البلاغة: تحقيق صبحي الصالح، خطبة 197 ، ص 311 .
3- الأمالي للطوسي: ص 594 ؛ مسند أحمد: ج 1 ص 101 .

بمعنى اخر:إنَّه (عليه السلام) أراد أن يدل على معنى آخر ينسجم مع شأنية رسول الله (صلى الله عليه واله) ومنزلته التي تقتضي حياة ما بعد عالم الدنيا وله مهام يقوم بها وهو ما أرشد اليه القرآن في جملة من الآيات التي بينت قصدية الإقامة.

1-قال تعالى في بيان دعوة إبراهيم (عليه السلام):

﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ﴾(1).

2-وفي حال أهل الجنة قال سبحانه: ﴿يُبَشِّرهُمْ رَبُّهمْ بِرَحْمةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ ﴾(2).

3- وفي بيان حال اهل النار، قال تعالى: ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخزِيهِ وَيَحلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ﴾(3).

وهذا يدل على الدوام والاستمرارية والتجديد في العمل، والتي تكون من لوازم الحركة ونفي الجمود والسكون، أي: من لوازم الحياة.

من هنا: مقتضى السلام على رسول الله (صلى الله عليه واله) في التشهد من الصلاة،والصلاة عليه في كل حال أن يسمع السلام ويرد الجواب فهذا في حاسة السمع، كما ورد في النص الشريف: (أشهد أنك تسمع كلامي وترد جوابي)(4).

ص: 132


1- سورة ابراهيم، الآية ( 40 ).
2- سورة التوبة، الآية ( 21 ).
3- سورة هود، الآية ( 39 ).
4- رسائل الشريف المرتضى: ج 1 ص 407 ؛ متشابه القرآن لابن شهر آشوب: ج 1 ص 59 .

وأما في حاسة البصر والرؤية قال تعالى:﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّه عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالُمؤْمِنُونَ﴾(1).

وغيرها من الآيات التي ترشد الى قصدية الحياة وليس الموت الذي خص به رسول الله (صلى الله عليه واله)، وهو الدافع الذي كان -من الاصل- في مخاطبته والشكوى اليه والتظلم بين يديه لأخذ القصاص من الجناة والظالمين.

د - إنَّ ذهاب الحزن من لوازم الجنة التي بها النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) مقيم

إنَّ اختياره (صلوات الله وسلامه عليه) لمفردة «القيم » يرشد الى أن رسول الله (صلى الله عليه واله) هو الآن في الجنة الآخروية وليست جنة البرزخ، وذلك أنَّ الحزن من لوازم الحياة الدنيا، وأنَّ البرزخ مرحلة انتقالية كونه محلاً للعذاب والنعيم

لقوله (صلى الله عليه واله):

1-«اذا مات الميت قامت قيامته »(2).

2-«إنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار .»(3).

إلّا أنَّ منتهى ذهاب الحزن يكون في الجنة الآخروية لانتهاء مراحل البرزخ والبعث والنشور والحساب والقيامة والميزان وتطاير الصحف والصراط وغيرها من أهوال الآخرة التي ذكرها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ب «مائة هول، أهونها الموت»(4).

ص: 133


1- سورة التوبة، الآية ( 105 ).
2- تخريج الاحاديث والآثار للزيلعي: ج 1 ص 436 .
3- سنن الترمذي: ج 4 ص 55 .
4- البحار للمجلسي: ج 84 ص 5.

وبناءاً عليه:

يبين القران هذه الحقيقة في اختصاص ذهاب الحزن بالجنة، فقال تعالى:﴿وَقَالُوا الَحمْدُ لَّله الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الَحزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ( 34 ) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الُمقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾(1).

ولذا قال (عليه السلام): «لا يبرح الحزن من قلبي الى ان (أو) يختار الله لي دارك التي انت بها مقيم .»

المسألة الخامسة: قصدية سرعة التفريق بينه وبين فاطمة (علیها السّلام)
اشارة

إنَّ من البداهة التي يفرضها النص الشريف أن الامام أمير المؤمنين (صلوات الله عليه وسلم) في خطابه لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه كان يتظلم بين يديه،

ويبث حزنه والامه بحضرته، ويكشف من خلال هذا التظلم حقيقة ما جرى عليه وعلى فاطمة (عليهما السلام)، كي لا يتعذر المتعذرون، ويدلسون المخالفون، ويكذب المنافقون في نفي حقيقة قتل البضعة النبوية فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها).

من هنا: جاءت الألفاظ في النص الشريف كاشفة عن هذه الحقيقة، وقاطعة للطريق الذي يحاول أن يسلكه البعض على مر السنين في نفي هذه الجريمة والرزية العظيمة.

من هنا: يستعمل أمير المؤمنين (عليه السلام) مفردة خاصة تدل على حقيقة الحدث وترشد السائل اليها، وهي قوله (عليه السلام) -(فرّق بيننا)- فما دلالة اللفظ وكاشفيته

لجزيئات الحدث؟

ص: 134


1- سورة فاطر، الآية ( 34 - 35 ).
أولاً: معنى (فرّق) في اللغة

الفرق: خلاف الجمع، فرقه يفرقه فرقاً وفرّقة، وانفرق الشيء وتفرق وافترق.

والتفرّق والافتراق سواء، ومنهم من يجعل التفرّق للابدان، والافتراق في الكلام،يقال فرّقت بين الكلامين فافترقا، وفرّقت بين الرجلين فتفرقا(1).

وقال ابن فارسي في مقاييس اللغة: (فرّق): الفاء والراء والقاف أصيل صحيح يدل على تمييز وتزييل بين شيئين، من

ذلك الفرق، فرّق الشعر، يقال: فرّقته فرقا، والفرقان كتاب الله تعالى فرّق به بين الحق والباطل(2).

وعليه: يكون إيراده (عليه السلام) لهذا الفعل (فرَّق) هو لبيان أنّ الامر لم يكن بفعله (عليه السلام)، وإنما بفعل خارجي وهذا ما سنتناوله في ثانيا.

ثانياً: دلالة الفعل (فرّق) في كاشفية قتلها (علیها السّلام)

يرشد اللفظ المكون من دلالة (السرعة) و (التفرق) و (الشكوى) الى أنّ فاطمة (عليها السلام) لم تمت بظروف طبيعية، كأن يكون فراقها بسبب الموت بالمرض، أو الحزن على ابيها، أو ضعف بدنها وذهاب قواها، وذلك أنّ هذه الأسباب المتعددة هي خارجة عن دلالة (السرعة) و (الشكوى) اللتان اوردهما (عليه السلام) في كلامه.

ص: 135


1- لسان العرب، ج 10 ص 300 .
2- معجم مقاييس اللغة، ج 4 ص 495 .

فالمرض وبحسب النصوص التاريخية غير مطروح في سيرتها وحياتها وبيان حالها بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله)، بل نصت هذه الروايات على حزنها الشديد وبكائها المستمر على فقد ابيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فضلاً عن ذلك فأن هذه الاسباب المحتملة في وفاتها لا تتبعها شكوى الإمام علي أمير المؤمنين(عليه السلام)، أفيعقل أن يتقدم الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) بشكواه الى الله

ورسوله (صلى الله عليه وآله) لأنّ فاطمة (عليها السلام) كانت مريضة؟

حاشا لله ما هذا شأن الوصي، ولا حال الولي وهو حجة الله على خلقه وأمينه في أرضه أن يشكو لله موت فاطمة بالمرض أو الحزن أو غيرها من الاسباب التي يقدرها الله تعالى ويبتلي العباد بها، وانما شكواه الى الله لأنها قتلت؛ فقد فرق الاعداء

بينها وبينه (عليهما السلام) وأسرعوا في الانقضاض عليها ضرباً وتلويعاً وتكسيراً وقتلاً، فماتت هي وجنينها المحسن (عليهما السلام).

فعلى هذا يشكو الامام علي (عليه السلام) الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما نزل به، وحاله في هذا الشأن والحدث الكاشف عن فعل الجناة حال نبي الله يعقوب

حينما جعل سبب بث حزنه وشكواه الى الله ما فعله ابنائه في التفريق بينه وبين ولده يوسف (عليهما السلام)، ثم أتبَعوا ذلك بفراق ولده بنيامين، وبالرجوع الى الآيات المباركة يتضح أنّ الأنبياء والأوصياء لا يشكون من الموت ولا المرض ولا غيره،

إنما يشكون ما ينزل بهم من الظلم وانتهاك حرمتهم، قال تعالى: ﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْر جَميِلٌ عَسَى اللُّه أَنْ يَأْتيِنيِ بِهمِ جَميِعًا إنِّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الَحكِيمُ ( 83 ) وَتَوَلَّی عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَی يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ

الُحزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ( 84 ) قَالُوا تَاللَّه تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الَهالِكِينَ ( 85 ) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِی إِلَی اللَّه وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّه مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.

ص: 136

ولذا:

نجده (عليه السلام) في تعميق هذه الحقيقة يردف شكواه ببيان يُظهر فيه ما فعلته الصحابة بفاطمة وبه، فيقول:«وستنبئك ابنتك بتظافر أُمتك عليَّ وعلى هضمها حقّها .»

فما هي قصديته في استخدام مفردة (النبأ) ولم يقل (ستخبرك)؟!!

وهذا ما سنتناوله في المبحث القادم.

ص: 137

ص: 138

المبحث التاسع عشر: القصدية في تنبيئ النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بتظافر أمتّه على هضم فاطمة (علیها السّلام)

اشارة

ص: 139

قوله (عليه السلام): «وستَنبَّئُك ابنْتَك بتِضَافُرِ أُمَّتكِ علَيَّ وعلَى هضَمهِاَ حقَّها »

اشارة

ص: 140

لمعرفة مقاصدية منتج النص (عليه السلام) وما يرشد اليه النص الشريف في هذا الجزء منه فلا بد من الوقوف عند بعض المسائل ودراستها، ومنها لفظ (النبأ) وذلك انه (عليه السلام) قد استخدم مفردة (النبأ) دون استخدامه لمفردة (الخبر) ولا شك أن في ذلك دلالة وقصدية يريدها الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهي كالاتي:

المسألة الاولى: معنى النبأ لغة وما هو الفرق بينه وبين الخبر
أولاً: النبأ لغةً

قال الفراهيدي (ت 175 ه): النبأ، مهموز: الخبر، وان فلان نُبِّأ، أي: خبرا، والفعل: نبأته، وانبأته، واستنبأته، والجمع: الأنباء.والنبأة، والبغمة، والطغيمة، والعضرة، والنغية، بمعنى واحد والنبوة لولا ما جاء في الحديث لهمز والنبي (صلى الله عليه واله) ينبئ الأنباء عن الله عز وجل)(1) .

والنبوة والنباوة: ما ارتفع من الارض، فإن جعلت النبي مأخوذ منه، أي أنه شرِّف على سائر الخلق فأصله غير الهمزة، وهو فعيل بمعنى مفعول، وتصغيره نبي، والجمع انبياء) . (2).

ص: 141


1- العين للخليل، ج 3 ص 382
2- الصحاح للجوهري، ج 6 ص 2500 .

قال سيبويه: ليس أحد من العرب الا ويقول: تنبأ مسيلمة، بالهمزة، غير انهم تركوا الهمزة في النبي تركوها في الذرية والبرية والخابية، إلّا أهل مكة، فإنهم يهمزون هذه الأحرف ويهمزون غيرها، ويخالفون العرب في ذلك.

قال: والهمزة في النبيء لغة رديئة، يعني لقلة استعمالها لا لان القياس يمنع من ذلك.

ألا ترى الى قول سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد قيل، يا نبيء الله فقال له: لا تنبر باسمي فإنما انا نبيُّ الله.

وفي رواية، فقال: «لست بنبيء الله ولكني نبيُّ الله .»

وذلك أنه (صلى الله عيه وآله) أنكر الهمزة في اسمه فرده على قائله لأنه لم يدر بما سماه، فأنشق ان يمسك على ذلك، وفيه شيء يتعلق بالشرح فيكون بالإمساك عنه مبيح محظور أو حاضر مباح(1).

ثانياً: الفرق بين النبأ والخبر
اشارة

إلّا أن هذه المعاني للفظ (النبأ) لم توصل الى دلالة قوله (عليه السلام): «وستنبئك ابنتك »، بمعنى: لو كان معنى (النبأ): الخبر، لقال (عليه السلام) وستخبرك ابنتك، وهذا لا ينسجم مع منطوق الإمام علي (عليه السلام) الذي عرفه العرب بأنه سيد البلغاء.

ولذا: هناك فرق بين (النبأ) و (الخبر) وان الفرق بينهما يدل على معنيين:

ص: 142


1- لسان العرب لابن منظور، ج 1 ص 162 .
المعنى الاول: عدم العلم من قبل

إنَّ النبأ لا يكون إلا للإخبار بما لا يعلمه المخبر، ويجوز أن يكون المخبر بما يعلمه وبما لا يعلمه، ولهذا يقال: تخبرني عن نفسي، ولا يقال تنبئني عن نفسي، وكذلك تقول تخبرني عما عندي ولا تقول تنبئني عما عندي، وفي القرآن ﴿فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ وإنما استهزءوا به لانهم لم يعلموا حقيقته ولو علموا ذلك لتوقوه يعني العذاب.

وقال تعالى: ﴿ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ ﴾، وكان النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم لم يكن يعرف شيئا منها، وقال علي بن عيسى: في النبأ معنى عظيم الشأن وكذلك أخذ منه صفة النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم.

قال أبو هلال (أيّده الله): ولهذا يقال: سيكون لفلان نبأ ولا يقال خبر بهذا المعنى؛وقال الزجاج في قوله تعالى ﴿فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾، أنباؤه تأويله والمعنى سيعلمون ما يؤول إليه استهزاؤهم. قلنا وإنما يطلق عليه هذا لما فيه من عظم الشأن؛ قال أبو هلال: والانباء عن الشيء أيضا قد يكون بغير حمل النبأ عنه تقول هذا الامر ينبئ بكذا، ولا تقول يخبر بكذا لان الاخبار لا يكون إلا بحمل الخبر)(1).

وهذا هو الفرق الاول بين الخبر والنبأ.

المعنى الثاني: الشأن العظيم

فالنبأ: الخبر الذي له شأن عظيم، ومنه اشتقاق النبوة لان النبي مخبر عن الله تعالى ويدل على قوله تعالى: ﴿نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ﴾(2).

ص: 143


1- الفروق اللغوية، ص 539 .
2- سورة القصص، الآية ( 3).

وقوله: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الَخصْمِ﴾(1).

وقوله تعالى: ﴿عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾(2).

فوصفه بالعظمة، وصف كاشف عن حقيقة.

وقال الراغب: النبأ: الخبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم او غلبة ظن. ولا يقال للخبر نبأ حتى يتضمن هذه الاشياء، وحق الخبر الذي قال فيه نبأ لن يتعرى عن الكذب كالمتواتر،

وخبر الله عز وجل وخبر النبي (صلى الله عليه واله)(3).

وفي الواقع أنّ هذه الفروق ترشد الى أربعة دلالات، وهي: (اخبار المتلقي بأمور لا يعلمها، اخباره بأمور عظيمة، تحقق فائدة عظيمة، تعري الخبر عن الكذب) فهذه الفوارق مجتمعة في النبأ، وعليه:

فهذه الدلالات تكشف عن حقائق مهمة انضوت تحت قوله (عليه السلام): «وستنبك ابنتك »، وتقارب المتلقي من قصدية منتج النص (عليه السلام)، وهو ما سنتعرض له في المسألة القادمة.

المسألة الثانية: قصدية تنبيئ رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ودلالته العقدية والسيريّة
اشارة

اكتنز قوله (صلوات الله وسلامه عليه): «وستنبئك ابنتك » على أربعة دلالات ترشد الى حقائق مهمة ارتبطت بهذه الحادثة الاليمة، وهي كالاتي:

ص: 144


1- سورة ص، الآية ( 21 ).
2- سورة النبأ، الآية ( 1) و ( 2).
3- الفروق اللغوية، ص 530 .
الدلالة الاولى: اخبار رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بأمور لا يعلمها
اشارة

وهذه الدلالة مع أهميتها إلّ أنّا تحتاج الى بيان خاص وذلك أن شأنية سيد الانبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) وما اظهره القرآن الكريم من شأنية علمه، كقوله تعالى: ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾(1).

قد لا يتقبلها الفكر مع اخبارها (عليها السلام) بأمور لا يعلمها رسول الله (صلى الله عليه واله)؟ وجواب ذلك:

أ - إنّه (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يعلم بجزء من الحدث أو عمومه

لقد دلت النصوص الشريفة التي أخرجها علماء المسلمين من الفريقين سواء على نحو التفصيل أو الايجاز أنه (صلى الله عليه وآله) كان يعلم بما يجري على بضعته الزهراء (عليها السلام)، فمنها ما أخرجه الشيخ الصدوق (عليه الرحمة والرضوان):

«واني لما رأيتها ذكرت ما يضع بها بعدي، كأني بها وقد دخل الذل بيتها، انتهكت حرمتها وغصب حقها ومنعت ارثها وكسر جنبها واسقط جنينها وهي تنادي يا محمداه فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية.....»(2) .

ص: 145


1- سورة النجم، الآية ( 5).
2- الامالي، ص 176 البخار للمجلي، ج 31 ص 620 - بشارة المصطفى لابي القاسم الطبري،ص 307 .

ومنها ما جاء بنحو الايجاز والذي اخرجه حفاظ المسلمين من المدارس الاسلامية، كقوله:

1- فاطمة بضعة مني فمن اغضبها أغضبني.

2- يؤلمني ما يؤلمها.

3- أنا حرب لمن حاربهم.

4- من آذاها فقد آذاني.

ومن ثم فهذه النصوص ترشد الى أنه (صلى الله عليه واله) كان يعلم بهذه الأحداث، وقد أخبره بها جبرائيل على نحو العموم لا على نحو الخصوص، والتفصيل لجزيئات الحدث وهو ما يتناسب مع بقية الأحاديث التي كانت تتحدث عن المستقبل كما في استشهاد الامام علي (عليه السلام)، وانه يُضرب على رأسه ويغضّب بدمه(1).

ومنها مما تعلق باستشهاد عمار بن ياسر(2)، ومما يصيب الأمّة من الشجرة الملعونة(3)

ص: 146


1- اخرج الموصلي في مستنده: ج 1 ص 377 ؛ والطبراني المعجم الكبير: ج 8 ص 38 ؛ الزيلعي في تخريجه للاحاديث: ج 1 ص 464 .قال علي (عليه السلام) قال لي رسول الله (صلى الله عليه واله)(: من اشقى الاولين؟ قلت: عاقر الناقة،قال: صدقت، فمن اشقى الاخرين؟ قلت: لا علم لي يا رسول الله قال: الذي يضربك على هذه،واشار بيده الى يافوخه؛ وكان يقول: وددت انه قد انبعث اشقاكم مخضب هذه من هذه، يعني لحيته من دم رأسه.
2- وهو قوله (صلى الله عليه واله)(: (ويح عمار تقتله الفئة الباغية): صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، ج 3 ص 207 .
3- اخرج ابن مردوية عن عائشة انها قالت لمروان بن الحكم: سمعت رسول الله يقول لابيك وجدك (انكم الشجرة الملعونة في القرآن) ينظر: مناقب علي بن ابي طالب لابن مردوية، ص 164 ،

بني امية وبني العاص(1)، او أخباره باستشهاد الامام الحسين (عليه السلام)(2)، او

حال أصحابه يوم القيامة(3).

فهذه الأحاديث وغيرها كلها على كيفية واحدة وهي أخباره (صلى الله عليه واله) بوقوع الحدث، أما جزيئاته فغالبا لم يكشفها النبي (صلى الله عليه واله).

وهذا لا يتقاطع من الناحية العقدية مع كونه ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ وانه عالم بهذه الاحداث على نحو العموم او بعض الجزيئات والشؤون الخاصة بحسب ما يراه (صلى الله عليه واله) مناسباً.

ب - إنّه حُجب عنه تفاصيل الحدث رأفةً به

أما الناحية الثانية فأنه (صلى الله عليه واله) قد حُجب عنه تفاصيل الحدث الذي وقع في بيت فاطمة (عليها السلام) وما جرى عليها من المصائب لعلة مهمة، وهي رأفةً به، فهو لا يتحمل ما ينزل ببضعته والتي اخذت منه منزلة الروح والقلب كما صرح بذلك فقال: «فاطمة قلبي وروحي التي بين جنبي .»(4)

ص: 147


1- وجاء في تفسير قوله تعالى ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الَملْعُونَةَ فِی الْقُرْآَنِ﴾ ينظر تفسير القرطبي، ج 10 ص 283 ؛ تفسير الرازي، ج 20 ص 236 .
2- مسند احمد، ج 6 ص 294 (حديث بعض ازواج النبي (صلى الله عليه واله)؛ مستدرك الحاكم على الصحيحين، ج 4 ص 398 ؛ منتخب مسند عبد بن حميد، ص 443 .
3- اخرجه البخاري في صحيح عنه (صلى الله عليه واله): (... وان اناسا من اصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول اصحابي أصحابي!! فيقال: انهم لم يزالوا مرتدين على اعقابهم منذ فاقتهم، فأقول كما قال العبد الصالح: (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ) ينظر كتاب بدء الخلق، ج 4 ص 110 .
4- كتاب الغدير للشيخ الاميني: ج 7 ص 235 .

ولذا فقد حَجَب عنه جبرائيل جزيئات مصيبة قتل فاطمة وتفاصيلها الدقيقة،وما جرى عليها من الأمّة من بعده حتى لحقت به، مما تطلب اخباره بما لا يعلم من هذه التفاصيل، وهو ما ستُنبئُه به فاطمة (عليها السلام).

الدلالة الثانية: إنّها ستخبره (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بأمور عظيمة

إنّ من الدلائل التي يرشد اليها لفظ (النبأ) انها ستخبره بأمور عظيمة وقعت عليها بعد وفاته (صلى الله عليه واله).

وهذه الامور منها ما كشف عنها الامام امير المؤمنين (عليه السلام) من خلال هذا النص؛ وهي في امرين:

أ- «تضافر امتك عليَّ وعليها » وفيه بيان خاص سيرد إن شاء الله.

ب- «هضمها » وفيه أيضاً بيان خاص سيرد في المبحث القادم.

وهذان الأمران ستخبر فاطمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهما مع امور عظيمة اخرى لم يرد ذكرها في هذا النص الشريف، ولذلك يطلب (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه واله) أن «يستخبرها » الحال و «يحفّها السؤال .»

والسبب في ذلك أنّا (صلوات الله عليها) وقعت عليها من المصائب والآلام ما لم تكشفها لأحد حتى لعلي (عليه السلام) وهو ما صرّح عنه الامام علي (عليه السلام) قائلاً:

«فكم من غليل مقبلح بصدرها لم تجد الى بثهِ سبيلا .»

وهذه الأمور كلها عظيمة وداخلة ضمن دلالات قوله (عليها السلام): «وستنبئك ابنتك »، ومنها الدلالة الاتية:

ص: 148

الدلالة الثالثة: تحقق فائدة عظيمة من الخبر
اشارة

وهذه الدلالة التي اكتنزها لفظ «ستنبئك » يمكن الوقوف عندها من خلال أمورثلاثة، أي تحقق فوائد عظيمة ثلاثة، وهي:

الفائدة الاولى: بيان حال الامة وبعض الصحابة بشكل خاص

إنّ أعظم كاشف عن حال الأمّة لجميع المسلمين سواء من شهدوا الحدث ومصيبة قتل الزهراء ورزية اقتحام دارها وحرقه، أو سواء من لم يشهدوا ذلك من الأجيال المتعاقبة.

فإن اعظم كاشف عن حال الأمّة آنذاك وحال بعض الصحابة لاسيما تلك الرموز التي تولت الجلوس في مجلس رسول الله (صلى الله عليه واله) لقيادة الامة وهم الخلفاء الثلاثة وغيرهم ممن التف بهم وشايعهم وناصرهم واعانهم على هذه الرزية؛

إنّ خير كاشف لكل ذلك هو حال فاطمة وما جرى عليها، ومن ثم فقد حددت هذه الحادثة مسار الحق وأهله والباطل وأهله، أي: مسار رضا الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وغضب الله ورسوله (صلى الله عليه واله)؛ لاسيما وأنّ هذه الحالة لو أُرجعت الى القرآن الكريم والسنة في بيان حال من عصى الله ورسوله(1)، واغضبهما(2)،

واذاهما(3) سيخرج بفائدة عظيمة يدرك من خلالها وبيقين قاطع اين سيضع قدمه،وما هو مساره، ومن أين يأخذه دينه الذي سيقبل به على الله تعالى يوم القيامة.

ص: 149


1- قال تعالى ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّه وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِيٌن﴾؛سورة النساء، الآية ( 14 ).
2- قال عز وجل ﴿أَلْم تَرَ إلِی الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللُّه عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيْحلفِونَ عَلی َالْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾؛ سورة المجادلة، الآية ( 14 ).
3- قال عز وجل ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّه وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّه فِی الدُّنْيَا وَالَأخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾؛سورة الاحزاب، الآية ( 57 ).

وذلك أنّ الخلق جميعا مسئولون وهو قوله تعالى: ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهمْ مَسْئُولُونَ﴾(1).

الفائدة الثانية: الشهودية يوم القيامة

ومن الفوائد التي اختص بها النبأ الذي ستقوله فاطمة لرسول الله (صلى الله عليه واله) وهو شهوديتها على الأمّة يوم القيامة، لاسيما وأنّا صاحبة الظلامة الأعظم التي تشاطرت فيها مع علي و ولديها (صلوات الله وسلامه عليهم).

ولذا: قال (عليه السلام): «وستقول ويحكم الله والله خير الحاكمين »، كما سيمر بيانه مفصلاً إن شاء الله تعالى.

الفائدة الثالثة: حجم صبرها المقرون برتبتها الايمانية

لاشك أن حجم الايمان ورتبته لدى الأنبياء والمرسلين والأولياء (عليهم السلام) مقرون بحجم الصبر على البلاء والمصائب، فكلما علا الايمان رتبة علا معه البلاء والاذى، لغرض كاشفية الصبر الذي هو من الايمان منزلة الرأس من الجسد كما

قال امير المؤمنين (عليه السلام): «وعليكم بالصبر، فإن الصبر من الايمان كالرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا

رأس معه، ولا في ايمان لا صبر معه »(2)

ص: 150


1- سورة الصافات، الآية ( 24 ).
2- نهج البلاغة، من وصية له بخمسة اشياء: ج 4 ص 18 بشرح الشيخ محمد عبدة.

ومنه قوله (صلى الله عليه واله): «ما اوذي نبي مثل ما اوذيت »(1).

وقولها (عليها الصلاة والسلام): صبت علي مصائب لو انها صبت على الايام صرن لياليا(2).

ومن ثم فإن النبأ الذي ستقوله الزهراء (عليها السلام) يحمل هذه الفوائد وغيرها.

الدلالة الرابعة: تعري الخبر عن الكذب

أمّا الدلالة الأخيرة التي يكشف عنها لفظ (النبأ) ويمتاز به عن لفظ (الخبر) وهو أنّ النبأ يكون متعرياً عن الكذب، فهو صادق لا يشوبه اي كذب، بعكس الخبر فهو يحتمل الصدق والكذب معاً.

أما النبأ فيكون كالمتواتر الذي عرفه الناس بأنه صدق، ولكن هنا أراد الامام أمير المؤمنين أن يقدم للمتلقي دلالة اخرى، وذلك أنّ بضعة المصطفى (صلى الله عليه واله) هي صادقة في الاصل.

بمعنى: إنّ شأنها وما خصها الله به من العصمة لا يقتضي إلّ الصدق، فهي الصديقة الكبرى، ومن ثم فكل ما تقوله هو الصدق بعينه سواء ما تعلق بحالها ومصابها أو سواء ما تعلق بعموم حديثها (صلوات الله عليها).

ولذلك: فقد أراد الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) مع هذه المسلَّمات ايصال معنى آخر ودلالة ثانية، وهي ما احيط بنفس الحدث الذي نزل ببضعة المصطفى (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ).

ص: 151


1- المناقب لابن شهر: ج 3 ص 42 .
2- البحار للمجلسي: ج 79 ص 106 .

بمعنى:إنَّ التكذيب يكون في الأمّة منذ وقوع ما نزل برزية عصرها بين الباب والحائط وقتل جنينها المحسن (عليه السلام) وحرق دارها والى يومنا هذا، بل وسيستمر تكذيب الأمّة بما وقع على الزهراء من مصائب على أيدي أصحاب السقيفة.

وإنّ هذا التكذيب للحدث جملة وتفصيلا لم يقتصر على أشياع الشيخين ابي بكر وعمر، وانما يتعداه الى المتشيعة، فكم من متشيع يتبجح بنكران المصيبة وما وقع على بضعة المصطفى (صلى الله عليه واله) بغض النظر عن مستوى هذا المتشيع في المجتمع خطيبا كان أم باحثا، أم طالباً للعلم، أم من العامة.

ولذا: يرشد النص الى قصدية الامام علي (عليه السلام) من خلال استخدامه للفظ (النبأ) فقال لرسول الله (صلى الله عليه واله): «وستنبئك ابنتك » ولم يقل له «ستخبرك ابنتك » أنّ هذا الذي ستقوله فاطمة (عليها السلام) وهي الصادقة الصدّيقة قد كذّبته وستكذّبه الأمّة.

لكن الشاهد على ما ستقول من أنباء هو الله تعالى، وهو خير الشاهدين، ولفاطمة (عليها السلام) في ذلك أسوة بحال رسول الله (صلى الله عليه واله) فقد كذبه قومه وهو الصادق الامين، وشهد الله له بالصدق و علي بن ابي طالب (عليه السلام).

قال تعالى: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلً قُلْ كَفَى بِاللَّه شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾(1)، وهو الامام علي (عليه السلام).

ص: 152


1- سورة الرعد، الآية ( 43 ).

فسلام من الله وصلوات على المظلومة المهضومة المتضافر عليها بالأذى والهضممن أمة ابيها (صلى الله عليه وآله).

وهذا ما سنتناوله إن شاء الله في المسألة القادمة.

المسألة الثالثة: قصدية تضافر الأمة على علي وفاطمة (علیها السّلام)
اشارة

إنّ المعاني التي احتواها لفظ «الضفر » تكشف عن قصدية منتج النص وتظهر مكنون ما أراد بيانه سيد البلغاء والمتكلمين من خلال التمازج بين هذه المعاني في لفظ (الضفر) وبين المعاني في لفظ (النبأ) وتكامل البنية المفاهمية في كشف

مجريات الحدث.

ولا شك أنّ حجم هذه الجريمة وتخلي الناس عن علي (عليه السلام) وتحزبهم لأرباب السقيفة والسلطة التي ضربت بالسيف والنار، وتكليفه الشرعي بحفظ الاسلام وحفظ أبناء رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحسن والحسين (عليهما

السلام)، وغير ذلك من الموانع التي أجبرته على اتخاذ جملة من المواقف للتعامل مع الواقع الجديد مع عدم التخلي عن بيان ما وقع من ظلم والجور على بضعة المصطفى (صلى الله عليه واله) كل ذلك جعله يختار من الألفاظ في خطابه مع رسول الله (صلى الله عليه واله) وتظلمه له ما يحقق كشف الجريمة والمجرمين دون ان يصرح بالأسماء أو يخوض في التفاصيل.

ومن ثم فقد قطع الطريق على المنافقين والمتخاذلين المداهنين وانصاف المثقفين أو المتفيهقين في نفي الحدث، أو تبسيطه أو إعذار المجرمين.

ص: 153

وعليه:

نجده (عليه الصلاة والسلام) أردف مفردة (النبأ) ودلالتها الكاشفة عن: (عظمة قولها (عليها السلام) الذي ستقوله لأبيها (صلى الله عليه واله)، والذي لم يكن يعلمه من قبل، وتحقيق فائدة عظمية من هذا القول الذي لا يقبل الشك او

الظن او الكذب)، فكان قولها بمقتضى دلالة (النبأ) الذي يتلقاه رسول الله (صلى الله عليه واله) وقد أردفه منتج النص (عليه السلام) بمفردة مكملة لهذه المنظومة المفاهيمية التي أراد أن يقدمها للمسلمين الذين يسمعون حديثة مع رسول الله

(صلى الله عليه واله).

فبيّن أنّ هذا النبأ بدلالاته الجامعة ومصاديقه يرشد السامع -وإن لم يكن من أهل البحث والخوض في مكنونات معاني اللفظ ودلالاته- الى أنّ جميع المسلمين الذين أدركوا فاطمة هم مشتركون بهضمها وايذائها؛ وهذا بحد ذاته يحقق جانبا مهما من البيان في كشف الجريمة والمجرمون الظالمون لبضعة النبوة (عليها السلام).

أما ما اكتنزه لفظ (الضفر) أو (التضافر) من دلالات ومعاني لحقيقة ما حدث فهي كالاتي:

أولاً: معنى (الضفر) لغةً
1- قال الجوهري (توفي سنة 393 ه) :

الضفر: نسج الشعر وغيره عريضاً، ويقال: انضفر الحبلان اذا التويا معا وتضافروا على الشيء تعاونوا عليه(1).

ص: 154


1- الصحاح: ج 2 ص 722 .
2- قال ابن فارس (توفي سنة 395 ه) :

(ضفر): الضاد والفاء والراء أصل صحيح وهو ضم الشيء الى الشيء نسجاً أو غيره عريضاً، ومن الباب ضفائر الشعر وهي كل شعر ضفر حتى يصير ذؤابة.

ومن الباب، قولهم: تضافروا عليه، اي: تعاونوا.

واصله عندي: من ضافر الشعر وهو أن يتقاربوا حتى كأن كل واحد منهم قد شدضفيرته بضفيرة الاخر، وهذا قياس حسن في المساعدة والمظاهرة وغيرهما.

ويقال اكنانة ممتلئة، وأصلها من تضافر ما فيها من السهام، وهو تجمعها (1).

3- قال ابن سيدة (توفي سنة 458 ه) :

(الضفرة كالعقدة وجمعها ضفر، والضفيرة قطعة بين الحبلين تنقاد وتنبت الشجر وهو الضفر)(2).

4- قال ابن منظور (توفي سنة 711 ه) :

الضفر: نسج الشعر وغيره، والضفر الفتل، وانضفر الحبلان اذا التويا، يقال: تضافر القوم على فلان وتضافروا عليه وتظاهروا، كله بمعنى واحد اذا تعاونوا وتجمعوا عله وتألبوا وتصابروا(3).

5-قال ابن الاثير نقلا عن الزمخشري :

المضافرة: هي عندي مفاعلة، اي المعاودة والملابسة، والمعاونة كما في حديث علي (عليه السلام):

ص: 155


1- معجم مقاييس اللغة: ج 3 ص 66 .
2- المخصص، ج 3 ص 135 .
3- لسان العرب، ج 3 ص 489 .

«مضافرة القوم » اي معاونتهم(1).

وهذه المعاني ترشد الى دلالات تبين حقيقة ما حدث وهو ما سنتناوله في ثانيا.

ثانياً: قصدية تضافر الامة على علي (علیه السّلام) وبها تتضح مصاديق اللفظ ودلالته
اشارة

عند الرجوع الى معاني لفظ (الضفر) في اللغة وتحديد هذه المعاني ودلالاتها نجد انها ترشد الى جملة من المصاديق في وقوع الحدث ومجرياته من الإعداد له، والاشتراك فيه وتنفيذه، وما نتج عنه من آثار على العترة النبوية بشكل خاص،

وعلى الاسلام بشكل عام، وهذه المعاني في اللفظ ودلالتها تخص الامام علي (عليهماالسلام) وفاطمة في مصير واحد.

ولذا قال (عليه الصلاة والسلام): مخبرا عن هذا التضافر الذي حدث من الامّة بقوله: «عليَّ وعلى هضمها حقها .»

فكان الحال واحد في تلقي هذه الاشارة من وقوع التضافر وظهور مصاديقه، وهي على النحو الاتي:

أ - اتحاد أقطاب الناس ورموزهم

إنَّ المصداق الأول الذي يتلازم مع دلالة الضفر ومعناه الذي جاء به الجوهري في الصحاح ب (انضفر الحبلان اذا التويا معا) فأصبحا حبلاً واحداً متعاضداً، كان هذا المعنى متجسدا في رموز اصحاب السقيفة واقطابها لاسيما الشيخان، اي: أبي

بكر وعمر، فقد تعاضدا كأنهما رجل واحد على دفع علي (عليه السلام) عن حقه في

ص: 156


1- النهاية في غريب الحديث، ج 3 ص 92 -تاج العروس، ج 7 ص 129 .

الجلوس بمجلس رسول الله (صلى الله عليه واله) ويكفي في ذلك من المصاديق على هذا التضافر والتعاون بين القطبين هو قول عمر بن الخطاب في يوم السقيفة موقفه من اجتماع الأنصار فيها، وهم يريدون تنصيب شيخهم سعد بن عبادة فعارضتهم قريش من المهاجرين بقولهم:

(منا أمير ومنكم أمير ولن نرضى بدون هذا الأمر ابدا)(1).

فلما سمعها عمر منهم أقبل الى منزل رسول الله (صلى الله عليه واله) فأرسل الى ابي بكر، و ابو بكر في الدار، فقال عمر بن الخطاب أتيناهم وقد كنت زويت كلاما أردت أن أقوم به فيهم، فلما أن دفعت إليهم ذهبت لأبتدئ المنطق فقال لي أبو بكر:رويدا حتى أتكلم ثم أنطق بعد بما أحببت، فنطق؛ فقال عمر: فما شيء كنت أردت أن أقوله إلا وقد أتى به أو زاد عليه)(2)

وهذا يكشف عن اجتماع الأقطاب وتعاونهم على إبعاد علي (عليه السلام) عن الخلافة على مستوى من الاصرار من تضافرهما الحقيقي هو قوله: (من ذا ينازعنا سلطان محمد وامارته)(3).

فضلا عن ذلك فقد روى سليم بن قيس الهلالي (توفي في القرن الاول للهجرة) في مخاطبة الامام علي (عليه السلام) لأقطاب السقيفة بعد ان خرجوا من داره كي يبايع فقال (عليه لسلام) لهم: (لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي تعاقدتم عليها في الكعبة):

ص: 157


1- تاريخ الطبري، ج 2 ص 456 .
2- تاريخ الطبري، ج 2 ص 456 - 457 .
3- المصدر السابق.

«إنْ قتل الله محمداً أو مات لتزوون هذا الأمر عنا أهل البيت .»

فقال ابو بكر: فما علمك بذلك ما أطلعناك عليها.

فقال (عليه السلام): أنت يا زبير، وأنت يا سلمان، وأنت يا أبا ذر، وأنت يا مقداد، أسألكم بالله أما سمعتم رسول الله (صلی الله عليه وآله) يقول ذلك وأنتم مستمعون (أن فلانا وفلانا حتى عد هؤلاء الخمسة قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا فيه وتعاقدوا ايمانا على ما صنعوا إن قُتلت أو مت)؟

فقالوا: اللهم نعم، سمعنا رسول الله (صلى الله عليه واله) يقول ذلك:(إنهم تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا، وكتبوا بينهم كتابا إن قُتلت أو مت أن يتظاهروا عليك وأن يزووا هذا عنك يا علي)(1).

وهذا أحد المصاديق والدلالات التي اكتنزها لفظ (الضفر، والتضافر عليه).

ب - انضمام الناس بعضهم الى بعض كالنسيج في اتحادهم وتعاونهم

إنّ من المعاني والدلالات التي اكتنزها اللفظ، اي (الضفر): هو انضمام كثير من الناس بعضهم الى بعض كالنسيج حتى حققوا نسبة كبيرة من الاتحاد فيما بينهم وهذا المصداق ظهر جليا في البيعة العامة التي تمت في المسجد النبوي حينما جاءوا لمبايعة ابي بكر بالخلافة، وتخلف علي (عليه السلام) عن البيعة وبعض الصحابة وهم قلة منهم عمار بن ياسر، وابو ذر الغفاري، وسلمان المحمدي، والمقداد بن الاسود، وبعض بني هاشم والزبير؛ أما عامة المهاجرين والانصار قد تعاونوا

ص: 158


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ص 155 .

وتظاهروا حتى اصبحوا كالنسيج في دفع علي (عليه السلام) عن حقه، ويتضح هذا المصداق على ارض الواقع حينما خرج الامام علي (عليه السلام) الى المسجد وخاطب ابي بكر وعمر ومن ناصرهما وتحزب لهما ونادى فيهم بأعلى صوته:

«ايها الناس اني لم ازل منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه واله) مشغولا يغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب الواحد، فلم ينزل الله على رسوله اية منه الا ووقد جمعتها، وليست منه آية إلّا وقد أقرأنيها رسول الله (صلى الله عليه واله) وعلمني تأويلها، ثم قال علي (عليه السلام) لئلّا تقولوا غدا، إنا كنا عن هذا غافلين.

ثم قال لهم علي (عليه السلام): لا تقولوا يوم القيامة إني لم أدعكم إلى نصرتي، ولم أذكركم حقي، ولم أدعكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته، فقال له عمر: ما أغنانابما معنا من القرآن عما تدعونا إليه، ثم دخل علي (عليه السلام) بيته وقال عمر لأبي بكر: أرسل إلى علي فليبايع، فانا لسنا في شيء حتى يبايع، ولو قد بايع أمناه، فأرسل إليه أبو بكر أجب خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأتاه الرسول فقال له

ذلك، فقال له علي (عليه السلام): سبحان الله ما أسرع ما كذبتم على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إنه ليعلم ويعلم الذين حوله أن الله ورسوله لم يستخلفا غيري، وذهب الرسول فأخبره بما قال له، فقال: اذهب فقل له أجب أمير المؤمنين

أبا بكر، فأتاه فأخبره بما قال: فقال علي (عليه السلام): سبحان الله! ما -والله- طال العهد فينسى، والله إنه ليعلم أن هذا الاسم لا يصلح إلا لي، ولقد أمره رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو سابع سبعة فسلموا علي بإمرة المؤمنين فاستفهم هو وصاحبه من بين السبعة فقالا: أمر من الله ورسوله؟ فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): نعم حقا من الله ورسوله، إنه أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وصاحب لواء الغر المحجلين، يقعده الله عز وجل يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنة وأعداءه النار، فانطلق الرسول فأخبره بما قال فسكتوا عنه يومهم ذلك. قال:

ص: 159

فلما كان الليل حمل علي (عليه السلام) فاطمة (عليها السلام) على حمار وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين (عليهما السلام) فلم يدع أحداً من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا أتاه في منزله، فناشدهم الله حقه، ودعاهم إلى نصرته، فما استجاب منهم رجل غيرنا أربعة فإنّا حلقنا رؤوسنا وبذلنا له نصرتنا، وكان الزبير أشدنا بصيرة في نصرته، فلما أن رأى علي (عليه السلام) خذلان الناس إياه وتركهم نصرته، واجتماع كلمتهم مع أبي بكر، وتعظيمهم إياه، لزم بيته)(1).

وقد روى ابن قتيبة والجوهري وغيرهم خروج الامام علي (عليه السلام) مع بنت رسول الله (صلى الله عليه واله) وولديهما الحسن والحسين (عليهما السلام) وفاطمة تناشد الاصحاب لنصرة الامام (عليه السلام) فيمتنعون من ذلك فكان صورة جلية في تعاونهم وتقاربهم في العقيدة والراي على خذلان علي ومناصرة اصحاب السقيفة(2).

واللفظ للجوهري، قال: حدثنا ابو عوف عبد الله بن عبد الرحمن عن ابي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام):

«إنَّ علياً حمل فاطمة على حمار وسار بها ليلاً الى بيوت الانصار يسألهم النصرة وتسألهم فاطمة الانتصار له، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، لو كان ابن عمك سبق الينا ابا بكر ما عدلنا به. فقال علي (عليه السلام): اكنت اترك رسول الله ميتا في بيته لا اجهزه واخرج الى الناس انازعهم في سلطانه،وقالت فاطمة: ما صنع ابو الحسن الا ما كان ينبغي له، وصنعوا هم ما الله حسبهم عليه »(3).

ص: 160


1- البحار للمجلسي: ج 28 ، ص 265 .
2- الامامة والسياسة لابن قتيبة: ج 1 ص 19 ؛ السقيفة وفدك.
3- السقيفة وفدك للجوهري: ص 63 ؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 6 ص 13 .

ويتضح مصاديق اللفظ بصورة جلية حينما يقرن بمعنى الهضم ودلالته وهو الاصل في تحقق تضافر الامة على الامام علي (عليه السلام) وفاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) وهو ما سنتناوله في المسألة القادمة.

المسألة الرابعة: قصدية هضم الأمّة لحق فاطمة (علیها السّلام) ودلالته
اشارة

تناول علماء اللغة مفردة (الهضم) وأوضحوا معانيها فجاءت في كتبهم على النحو الاتي:

1-قال الجوهري (توفي سنة 393 ه) :

هضمت الشيء: كسرته، يقال هضمه حقه واهتضمه، اذا ظلمه وكس عليه حقه وهضمت لك من حقي طائفة، اي تركته؛ وتهضمه: ظلمه.

ورجل هضيم ومهتضم: اي مظلوم.

والهضيمة ان يتهضمك القوم شيئا اي يظلموك(1).

2- قال ابن فار س (توفي سنة 395 ه) :

الهضم يدل على كسر وضغط وتداخل، وهضمت الشيء هضما: كسرته(2).

3- قال ابن السكيت (توفي سنة 244 ه) :

الهضم: مصدر هضمه اهضمه، اذا ظلمته، والهضيمة: أن يتهضمك القوم شيئا،اي يظلمونك(3).

ص: 161


1- الصحاح، ج 5 ص 2059 .
2- معجم مقاييس اللغة، ج 6 ص 55 .
3- ترتيب اصلاح المنطق: ص 409 .
4- قال الثعالبي (توفي سنة 429 ه) في فقه اللغة :

(هصر الغصن، هضم القصب، شدخ الرأس)(1).

اي: اختصاص الهضم في الكسر وهو ما يرتبط بالقصب والمخصوص به هو مرتبط في الاصل بما يخرجه القصب عند كسره من صوت يميزه عن الهصر والشدخ.

5-قال العسكري (توفي سنة 395 ه) :
اشارة

الفرق بين الهضم والظلم:

ان الهضم نقصان بعض الحق ولا يقال لمن اخذ جميع حقه قد ظلم(2).

قال الزمخشري (توفي سنة 538 ه):

(هضم الشيء الرخو شدخه وكسره)(3).

ويدل معنى (الهضم) كما اورده علماء اللغة في الدلالة والمعنى والبلاغة، والفقه على ثلاثة معان اساسية تتكشف معها حقيقة ما جرى على بضعة رسول الله (صلى الله عليه واله) وما ارتكبته الامة بعد استشهاد نبيها الاعظم (صلى الله عليه واله وسلم) وهي كالاتي:

أولاً: الهضم بمعنى الظلم وتعاون المسلمين على ذلك

إنّ دلالة معنى اللفظان (الهضم والتضافر) يرشدان الى حقيقة تعاون المسلمين على ظلم سيدة نساء العالمين وبنت سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) وهو أمر في

ص: 162


1- فقه اللغة، ص 215 .
2- الفروق اللغوية للعسكري، ص 557 .
3- أساس البلاغة، ص 1061 .

غاية الخطورة، فضلاً عن جانبه الوجداني المرتبط بحجم الرزية والمصيبة التي حلّت بالإسلام من جراء هذا الفعل الذي أقدم عليه السلف؛ ومصداق ذلك يظهر في سريان سنة عاقر الناقة وفصليها في الامة.

إذ يُظهر القرآن الكريم في معرض بيانه للسنن الالهية التي اجراها في الأمم السابقة، وهو سنة شمول المجتمع الواحد أو الامة الواحدة بجريرة الفاعل وإثمه بصورة جلية في حال قوم نبي الله صالح (عليه السلام).

وذلك لرضاهم بما فعل القاتل أو المجرم او المنتهك للحقوق والحدود الالهية أو سكوتهم عنه وعدم اعتراضهم، او تسليمهم للأمر وكأنه لا يعنيهم، ومن ثم فإن هذه الحالات هي في موازين الشريعة الاهية تكون واحدة ويصبح الكل شركاء

ومتعاونون في الجرم كما حدث في قوم نبي الله صالح (عليه السلام)، فقد وقع الجرم من رجل واحد فعقر الناقة وفصيلها، إلّا أنّ سكوت الناس ورضاهم بما فعل أوقعهم جميعا في العقاب مما يدل على تلبسهم بالجريمة، فنالوا حكماً واحداً كما تظهر الآيات الكريمة بذلك:

قال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا ( 11 ) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا ( 12 ) فَقَالَ لَهمْ رَسُولُ اللَّه نَاقَةَ اللَّه وَسُقْيَاهَا ( 13 ) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهمْ بذِنْبهِمْ فَسَوَّاهَا ( 14 ) وَلَا

يَخافُ عُقْبَاهَا﴾(1)

وتكشف الآيات بشكل جلي أن المذنب واحد وهو عاقر الناقة فكان (أشقاها)، أي: اشقى الامة لكن الذنب كان قد شمل الجميع، فقال سبحانه (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا) فأصبحوا في الحد والحكم والعقاب سواء.

ص: 163


1- سورة الشمس، الآية ( 11 - 15 ).

وفي موضع اخر يظهر القرآن الكريم انهم جميعا ظالمون فقال عز وجل: ﴿وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِی دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾(1)

وعليه: فإن حال المسلمين بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الحكم سواء كحال قوم نبي الله صالح (عليه السلام)، فالذي انبعث لحرق بيت فاطمة (صلوات الله

عليها) واحد، فقيل: إن في الدار فاطمة، فقال: « وإنْ »(2).

وفي لفظ آخر اخرجه شيخ البخاري، ابن ابي شيبة الكوفي (توفي سنة 235 ه) أن عمر بن الخطاب قال:(وايم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك ان امرتهم ان يحرق عليهم

البيت)(3).

فحرق بيت بضعة المصطفى (صلى الله عليه واله) وكسر جنبها واجهض جنينها المسمى بالمحسن فمضت الى ربها ورسوله (صلى الله عليه واله) تشكو اليهما ما نزل بها.

﴿فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهمْ بِذَنْبِهِمْ﴾(4).

فوقع الخلاف بينهم، وتفل بعضهم في وجه البعض وكفروهم واحلوا دمائهم

ص: 164


1- سورة هود، الآية ( 67 ).
2- الامة والسياسة لابن قتيبة، ج 1 ص 19 .
3- المصنف، ج 8 ص 57 .
4- سورة الشمس، الآية ( 14 ).

واموالهم واعراضهم(1) ويكفيك ذلك من ذاك قتلهم لابي بكر بالسم وهو خليفتهم

الاول، وبقر بطن خليفتهم الثاني عمر بن الخطاب وهجومهم على دار خليفتهم الثالث عثمان بن عفان وقتله بين نساءه، وحمل جثته على خشبة ليدفن في مقابر اليهود في كوكب.

بعد أن تضافروا على ظلم بنت رسول الله (صلى الله عليه واله) وهضمها حقها،فجرت فيهم سنة الذين ظلموا انبيائهم واوليائهم من قبلهم كعاقر ناقة نبي الله صالح (عليه السلام) ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّمٍ لِلْعَبِيدِ﴾(2).

ثانياً: الهضم بمعنى نقصان الحق
اشارة

إنّ من المعاني والدلالات التي ذكرها علماء اللغة ل (الهضم) هو نقصان بعض الحق.

وقد تكشف هذا المعنى من خلال تعاون الامّة على حجب حق بضعة النبي (صلى الله عليه واله) في بادئ الأمر في ممارسة حقها في كونها جزءً مهماً ومكون اساس من مكونات المنظومة الفكرية في الاسلام، فضلاً عن حقها في الارث، وسهم النبي (صلى الله عليه واله) وامواله، وأرض فدك وغيرها مما سنتناوله لاحقا في مبحث قوله (صلوات الله وسلامه عليه): «فبعين الله تدفن ابنتك سرا، ويهضم حقها قهرا، ويمنع ارثها جهرا .»

لكننا هنا في صدد بيان هضمها حقها في المنظومة الفكرية وذلك فيما يلي:

ص: 165


1- الغيبة للشيخ الطوسي: ص 438 .
2- سورة فصلت، الآية ( 46 ).
أ- منع حديثها ومعارفها وروايتها عن ابيها (صلى الله عليه واله)

إنّ اول مظاهر المنع الذي اجتمعت على هضم حق فاطمة هو منع حديثها ومعارفها وروايتها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إلا ما قدر من البيان الذي لا يتناسب مع منزلتها وشأنها وهي سيدة نساء العالمين وخير شاهد على ذلك صحاح المسلمين ومسانيدهم ومستدركاتهم وسننهم التي حرصوا على ايراد ماغث وسمن من اقوال بعض النساء وحديثهن عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ب- تفضيل أزواج النبي (صلى الله عليه وآله)

إنَّ تفضيل نساء النبي (صلى الله عليه واله) عليها لاسيما عائشة وعدَّ ذلك من المسلّمات وإن لم يصرِّح به البعض من علماء الأُمة إلّا ما خرج من يديه من تصانيف وتعبئتها بأحاديث عائشة يغني عن التصريح في تفضيله لعائشة على سيدة نساء العالمين وابنة سيد المرسلين (صلى الله عليه واله).

ج- الترضي على قتلة فاطمة (عليها السلام)

إنَّ الترضي والتولي لقتلها وظالميها وتعظيمهم قد سرى في معظم الأمّة كابراً بعد كابر وخلفاً بعد سلف حتى أصبحوا وكأن لا ظلامة لهم لنبيهم (صلى الله عليه واله) وكأن فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) من بنات الاعاجم ولا لها في أعناقهم فرض المودة والاتباع، فتضافروا على نكرانها وداوموا على هجرانها،وسيكون لهم النبي (صلى الله عليه واله) يوم القيامة لأنكر، وعند الحشر والحساب،وتطاير الصحف، وطلب الشفاعة، وسيدرك المبطلون مغبة ما أسسه الأولون.

ص: 166

ثالثاً: الهضم بمعنى الكسر

وهذا المعنى والدلالة التي وردت عند ابن فارس والثعالبي نجد مصداقها وكاشفيتها عن حقيقة ما جرى من هجوم القوم على دارها وضربها وكسر جنبها كما مر هذا اللفظ أي الكسر في قول رسول الله (صلى الله عليه واله) الذي أخرجه الشيخ الصدوق (عليه الرحمة والرضوان): «كأني بها وقد دخل الذل بيتها، وانتهكت حرمتها، وغصب حقها، ومنعت ارثها،

وكسر جنبها، واسقط جنينها... »(1)

فالكسر الذي دلَّ عليه علماء اللغة هو ضلعها المكسور، وكفى بذلك دلالة على حقيقة ما جرى عليها؛ وأنَّ تعاون الأمّة على ظلمها بإخفاء هذه الجريمة ومحوها من كتبهم فقد ارشد اليها مولى الموحدين وأول الصابرين من آل النبي الأمين (صلى الله

عليه واله) في تظلمه وشكواه لرسول الله (صلى الله عليه واله) وهو يواري الثرى أُم الحسن والحسين (صلوات الله عليهم اجمعين).

وما تعون الأمّة جيلاً بعد جيل على ظلم ابنائها من قتل وتشريد وهتك؛ فقبورهم شتى مفرقون في الأوطان ويتلمسون الأمن في البلدان، فلا أمن لهم ولا أمان؛ وهذا

دليل آخر على كسر قلبها وايذائها، فكان سنة في الأمّة، والله الحكم يوم القيامة.

ص: 167


1- الامالي: ص 176 .

ص: 168

المبحث العشرون: المقاصدية في الحف والاستخبار والاعتلاج ودلالة سكوت فاطمة (علیها السّلام)

اشارة

ص: 169

قال (عليه السلام): «فَأَحفْهِاَ السؤُّاَلَ واستْخْبِرهْاَ الحْاَلَ،فَكَم منِ غَليِلٍ معُتْلجِ بصِدَرْهاَ لَم تجَد إلِى بثَّه سبَيلاً »

اشارة

ص: 170

في هذا الجزء من النص الشريف ينتقل الامام علي (عليه السلام) من التمهيد لما تقوله فاطمة لرسول الله (صلى الله عليه واله) بقوله (عليه السلام): «وستنبئك ابنتك بتضافر أمّتك عليَّ وعلى هضمها حقها »

الى الطلب من رسول الله (صلى الله عليه واله) بأتباع طريقة انتزاع دقائق الحدث وجزيئاته، فما هي قصديته في ذلك؟

وجوابه: إ نّها(صلوات الله عليها) قد لا تتحدث عن كثير مما جرى عليها وذلك امتناعا من ادخال الأذى على رسول الله (صلى الله عليه واله) الذي يؤذيه ما يؤذيها كما أخبر النبي (صلى الله عليه واله) وتناقلته كتب الحديث . (1)

ومن ثم فإن حبها لرسول الله (صلى الله عليه واله) سيمنعها من الحديث عما جرى عليها من القوم، ولذلك يطلب الامام (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله) انتزاع الكلام من فاطمة (عليها السلام) وبذلك يضمن الامام (عليه

السلام) اخباره (صلى الله عليه واله) بما جرى بعد ان يندفع المانع في سكوتها وهو خوفها إنْ تكلمت آذت النبي (صلى الله عليه واله)، في حين أنه هو الذي سيحفها بالسؤال.

وبهذه الطريقة ستتحدث فاطمة كما قال (عليه السلام) بعد ايراده الطلب بأنها: «ستقول وسيحكم الله وهو خير الحاكمين .»

ص: 171


1- اخرجه البخاري عن المسور بن مخرمة في كتاب النكاح، ج 6 ص 158 / عنه (صلى الله عليه واله): «... فإنما هي بضعة مني يربيني ما ارابها ويؤذيني ما اذاها .»

ولكن السؤال المطروح: لماذا جاء الامام (عليه السلام) بلفظ «الحف » فما هي قصديته، وما هي دلالة اللفظ؟

المسألة الاولى: القصدية في الحف
اشارة

جاءت لفظة (الحف) في كتب اللغة ببعض الدلالات التي تكشف عن مكنون ما اراده الامام (عليه السلام) في ايراده لهذه اللفظة في كاشفية الآثار التي لحقت بالبضعة النبوية، إذ كثيراً مما جرى عليها كتمته الزهراء (عليها السلام) ولم تظهره

لأحد، ومنها -أي: من هذه الدلالات- ستظهر قصدية منتج النص (عليه السلام)، وهي كالاتي:

القصدية الاولى: تحديد موضوع السؤال

وهذه القصدية يستدل عليها من خلال قول العرب (حف سمعه): أي، ذهب كله فلم يبق منه شيء(1)؛ أي: عدم ترك شيءٍ مما وقع على جسدها إلّ وسيسأل النبي (صلى الله عليه وآله) عنه الزهراء، وهذه القصدية ترشد الى أن ما يراه النبي (صلى الله عليه واله) من حالها سيكون عظيماً، مما سيدفعه الى أنه سيسأل عن جميع ما وقع عليها فلا يبقي شيئاً الا وسيعرفه.

بمعنى: إنّ هيئتها الكاشفة عن حجم الاضرار التي وقعت عليها تحقق هذه القصدية وهو أمر وجداني، فاصفرار الوجه يدل على المرض او الارهاق والاجهاد والتعب، اما احمرار الوجه كاشف عن الخجل او الغضب وكذلك بقية صور هيئة

الانسان وشكله.

ص: 172


1- لسان العرب، مادة حف: ج 9 ص 49 - 50 .

وعليه: فإن رؤية النبي (صلى الله عليه واله) لحال فاطمة وهيئتها وصورتها ستدفع النبي (صلى الله عليه واله) الى التدقيق في السؤال.

ولذلك جاء معنى قولهم (حف سمعه) مرتبطا بهيئة الانسان وظواهره الجسدية ومنها حاسة السمع.

وعليه: يكشف النص أنَّ حالها تغير ونزل بجسدها اضرار عطلت موضعاً أو عضواً أو حاسة أو ذهاب عافيتها وصحتها جميعا فلم تبق لها صحة في جسدها فأصبحت عليلة الجسد.

وعلة الجسد لا تقع إلّا بحدث كبير يكون وقوعه مباشراً على الجسد كالهجوم عليها في حادثة الباب، وكسر ضلعها وما تسبب في اتلاف جسدها واعلاله، ولاسيما أن رسول الله (صلى الله عليه واله) قد فارقها وهي على حال حسن، وفي

عافية؛ ومن ثم فأن مصيبة فقدها لرسول الله )صلى الله عليه واله( وإن عظمت لا تجعلها عليلة أو قد أتلَفت مصيبته (صلى الله عليه وآله) أحد حواسها او أعضائها،مما يرشد الى قصدية قوله (عليه السلام): «فأحفها السؤال » وضمن سياق الدلالة

والقصدية الاولى للفظ، وهي: (اختصاص ذهاب هيئتها التي كانت على عهد رسول الله (صلى الله عليه واله)) مما يستلزم معرفة ما جرى عليها وغ حالها،وأضرَّ بجسدها، وسلب عافيتها؛ وهو ما سيرد في هذه الدراسة لاحقاً.

القصدية الثانية: في بيان مقبولية تلقي الاسئلة وردود الاجابة

إنَّ ما سيسمعه النبي (صلى الله عليه وآله) من فاطمة (عليها السلام) له دوي على مسامعه ويظهر حجم الآثار التي ستترتب على ما تقوله فاطمة (عليها السلام).

ص: 173

ويستدل على هذه القصدية لقول العرب (حف الفرس، يحف حفيفا، واحففته أنا إذا حملته على أن يكون له حفيف، وهو دوي جرتيه، وكذلك حفيف جناح الطائر، وحفيف الريح في كل ما مرت به)(1).

وهذا يرشد الى أمرين، الأول: إنّ تلقي فاطمة (عليها السلام) للأسئلة سيكون له دوي، وهو يكشف عن حال رسول الله (صلى الله عليه واله) حينما يرى فاطمة بهذه الحال، فسيكون لأسئلته في الكثرة والتعدد كالدوي على مسامع فاطمة، فيكون هنا الكاشف عن مقبولية فاطمة لهذه الاسئلة.

والأمر الثاني: يكون المتلقي هو رسول الله (صلى الله عليه واله)، وهذا يرشد الى أنَّ ما سيسمعه النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) من إجابات فاطمة (عليها السلام) له دوي وذلك لشدة هول وفداحة ما نزل بها، أي الكاشفية عن عظيم

المصيبة والرزية.

بمعنى: ترددات ما تقوله الزهراء (عليها السلام) على مسامع النبي (صلى الله عليه واله) وما سيتبعه من آثار خارجية سيكون له دوي كصوت الريح في كل مامرت به.

القصدية الثالثة: الكاشفية التعددية

وللحف قصدية اخرى في هذا المورد، وهي الكاشفية التعددية في حركة جناح الطائر، أي: تعدد طرح الأسئلة من النبي (صلى الله عليه واله)على فاطمة (عليها السلام) كتعدد جناح الطائر في حركته اثناء الطيران، وهو يحقق المقصد في استخدامه (عليه السلام) للفظ (الحف) من هذه الناحية.

ص: 174


1- لسان العرب، مادة (حف)، ج 9 ص 49 - 50 .
القصدية الرابعة: طريقة طرح الاسئلة

ومن المقاصد التي اكتنزها اللفظ هو الطريقة التي يعتمدها النبي (صلى الله عليه واله) في طرح الاسئلة على فاطمة (عليها السلام) لمعرفة ما جرى عليها هو الذهاب والعودة في طرح السؤال بمعنى: قد لا تتكلم فاطمة (عليها السلام) بمجرد سماعها للسؤال وذلك خشية انزال الأذى على رسول الله (صلى الله عليه واله) أو حياءً منه، او أرجاء الامر الى يوم القيامة، فعند أعادة السؤال الواحد عليها مرات عدة كطريقة

تركها لفترة ثم تسأل مرة اخرى نفس السؤال؛ وهذه الحالة يمكن ملاحظتها في كثير من المواقع الحياتية، في البيت، في المدرسة، في الجامعة، في الحوارات والمناقشات، وفي حالات التحقيق والبحث سواء في مواقع الحكم والقضاء، او في مواقع البحث والتحقيق والتأمل والتفكير فيما يبحث عنه الانسان و يدرسه؛ فنجده يعيد تكرار السؤال الواحد لمرات عديدة، وفي فترات زمنية متفاوتة، ويعاود الكرّة حتى يصل

الى الاجابة، ويحصل على مبتغاه.

وهذه القصدية ورد مدلولها من خلال معنى (الحَفَّة) وهو: المنوال، والمنوال هو: الخشبة التي يلف عليها الحائك الثوب.

والحِفَّة: بالكسر وهي التي يضرب بها الحائك كالسيف.

والحَفُّ: القصبة التي تجيء وتذهب(1).

وهذا يكشف عن القصدية في كيفية طرح الاسئلة على فاطمة (عليها السلام) كما ذكر انفاً.

ص: 175


1- لسان العرب، مادة (حف)، ج 9 ص 49 - 50 .
القصدية الخامسة: الاتيان على جميع المواضيع

إنَّ هذه القصدية جاءت من خلال وصف العرب لقيام المرآة بحف وجهها، (حَفّاً وحفافاً، تزيل عنه الشعر بالمواسي وتقشره)(1). فلا يبقى لموضع واحد في وجهها أو بدنها تواجد فيه الشعر الغير مرغوب به إلّ وأزالته بالقشط.

وهذا المعنى يرشد الى قصدية منتج النص في مبتغاه من الحف بالسؤال، أي: يا رسول الله لا تبقي شيء إلّا وسل فاطمة عنه حتى تأتي على جميع المواضيع والأسئلة

فتجيب عليها.

القصدية السادسة: انتزاع الإجابة

إنَّ مجريات الحدث وما نتج عنه من آثار على بيت النبوة والإسلام، وما كتمته فاطمة وعلي (عليه السلام) عن البوح به والتصريح عنه يستلزم أن يقوم النبي (صلى الله عليه واله) بانتزاع الاجابة من فاطمة (عليها السلام).

وهذه القصدية مأخوذة من خلال انتزاع الشعر عن الوجه بواسطة الخيط في حف المرآة لوجهها.

ومن ثم يكون القصد في طلبه (عليها السلام) (فأحفها السؤال) أي انتزاع الاجابة من البضعة النبوية لأنها ستبقى ساكتة عن ما جرى عليها، وحينها سيكون الجناة في مأمن من العقوبة.

وعليه: سيكون الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) قد حقق تَكَلُّم فاطمة (عليها السلام) وقولها لرسول الله (صلى الله عليه واله) بما جرى عليها من مصائب قد أتْبعتها هموماً

ص: 176


1- المصدر السابق.

عظيمة ملأت صدرها وأحرقت قلبها، فكتمتها عن علي (عليه السلام) وأولادها فلم تفرّج عن هذه الالام والهموم والاحزان.

ويبقى السؤال قائما: ما هي هذه الهموم، وما هو حجمها، وما هو اثرها على حال فاطمة (عليها السلام)؟! هذا ما سنتعرّض له في المسألة القادمة.

المسألة الثانية: استخبار حال فاطمة (علیها السّلام)
اشارة

بعد هذه المقاصد التي اكتنزها لفظ (الحف) في سؤال النبي لفاطمة (عليها السلام) ينتقل الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) الى إلفات انتباه السامع والقارئ الى مقاصد اخرى للتعاضد مع ما جاء من قبلها وما بعدها ليوصل المتلقي كاشفية الى ما حدث وآثاره القوية في الإسلام ماضياً ومستقبلاً.

من هنا: ينقل المتلقي الى مقاصد اخرى جاءت في لفظ (الاستخبار) وأصله (الاستفعال) وهو طلب الفعل.

وللوقوف على هذه المقاصد في الاستخبار أو الاستفعال فلا بد من الرجوع الى بعض استعمالات اللفظ في القرآن والحديث النبوي وأقوال العلماء، وهي كالاتي:

أ - صيغة الاستفعال في القرآن الكريم

إنَّ صيغة الاستفعال جاءت في آيات عديدة في محكم التنزيل وقد أفادت كلها واجتمعت على معنى واحد وهو طلب الفعل، فكانت كالاتي:

1-قال تعالى ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّه بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِی ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرونَ﴾(1).

ص: 177


1- سورة البقرة، الآية ( 17 ).

وقد ورد عن الشيخ الطوسي (المتوفى سنة 460 ه) في بيان معنى استوقد فقال: (معناه: أوقد ناراً كما يقال استجاب بمعنى أجاب؛ الوقود: الحطب والوقود: مصدر وقدت النار وقودا، والاستيقاد: طلب الوقود)(1).

2-قال تعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللُّه يُفْتيِكُمْ فِی الْكَلالَةِ إنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَم يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْن فَلَهُمَ الثُّلُثَانِ مِّما تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْن يُبَيِّن اللَّه لَكُمْ

أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّه بِكُلِّ شَیءٍ عَلِيمٌ﴾(2).

قال الشيخ الطوسي: (الاستفتاء، السؤال عن الحكم، وهو استفعال من الفتيا،ويقال: أفتى في المسألة إذا بيّن حكمها فتوى وفتيا)(3).

3- وقال تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّه مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾(4).

والاستعاذة: طلب المعاذ، استفعال من العوذ والعياذ(5).

وغيرها من الآيات المباركة.

ب - صيغة الاستفعال في الحديث النبوي

يمكن لنا اخذ بعض الشواهد من الحديث النبوي الشريف للاستدلال على ورود صيغة الاستفعال في هذه الاحاديث والتي تنص جميعها على طلب العقل، فكان منها:

ص: 178


1- التبيان في تفسير القرآن: ج 1، ص 86 .
2- سورة النساء، الآية ( 176 ).
3- مجمع البيان للطبرسي: ج 3، ص 25 .
4- سورة النحل، الآية ( 98 ).
5- مجمع البيان: ج 6، ص 196 .

1- روى احمد عن ابن مدرك قال: سمعت أبا زرعة يحدث عن جرير وهو جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في حجة الوداع: (يا جرير استنصت الناس)(1).

قال العيني: (أمر من الاستنصات، استفعال من الانصات، أي: طلب السكوت)(2).

2- روى أحمد عن عمار بن ياسر (عليه الرحمة والرضوان) أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إن من الفطرة المضمضة، والاستنشاق، وقص الشارب، والسواك، وتقليم

الأظافر، وغسل البراجم، ونتف الإبط، والاستعداد؛ والاختتان، والانتضاح .»

قال ابن سلام: (إنّ أصل الاستحداد، والله العالم، إنما هو الاستفعال من الحديد،يعني الاستحلاق بها، وذلك عن القوم لم يكونوا يعرفون النورة)(3).

3- روى البخاري عن يونس بن جبير، سألت ابن عمر فقال: طلق ابن عمر امرأته وهي حائض فسأل عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مره أن يراجعها ثم يطلق من قبل عدتها .»

قلت: أفتعتدّ بتلك التطليقة؟ قال: «أرأيت إن عجز واستحمق .»(4)

قال العيني: (استحمق، إشارة إلى أنه تكلف الحمق بما فعله من تطليق امرأته وهي حائض)(5).

ص: 179


1- مسند أحمد: ج 4، ص 358 .
2- عمدة القاري للعيني: ج 2، ص 186 .
3- غريب الحديث لابن سلام: ج 2، ص 37 .
4- صحيح البخاري: ج 6، ص 185 .
5- عمدة القاري للعيني: ج 2، ص 228 .
ج - ورود صيغة الاستفعال في بعض اقوال الفقهاء

جاءت صيغة الاستفعال في بعض اقوال الفقهاء: وقد بينوا دلالة الصيغة ما ترشد اليه قصدية ومعنى، وهذا بعض اقوالهم في ذلك:

1- قال الشيخ الطوسي (رحمه الله) في الخلاف: (ان لفظ الاستفعال ان يطلب منه الخدمة هذا موضوعها في اللغة)(1).

2- قال الشهيد الثاني في الروضة: (إن صيغة الاستفعال موضوعة غالباً للطلب كما يقال: استخرج الماء استوطن البلد، أي طلب خروج الماء، وطلب التوطن في المدينة)(2).

3-وقال أيضا: (إن الاستفعال حقيقة في طلب الفعل فلا يصدق بدون الطلب)(3).

4-وله أيضاً: (وقع الاستفعال بمعنى الفعل لغة كما في قوله تعالى: ﴿... اسْتَوْقَدَ نَارًا...﴾ (4).

بمعنى أوقد)(5).

5- قال الفخر الرازي: (الاستبشار: السرور الحاصل بالبشارة، وأصل الاستفعال طلب الفعل، فالمستبشر بمنزلة من طلب السرور فوجده بالبشارة).

6-قال الشيخ المظفر: (الاستصحاب في أصل اشتقاقها من كلمة الصحبة من باب الاستفعال، فتقول استصحبت هذا الشيء، أي حملته معك وإنما صح إطلاق

ص: 180


1- الخلاف للطوسي: ج 6، ص 181 ؛ الزائر لابن ادريس: ج 3، ص 56
2- الروضة البهية: ج 7، ص 13 .
3- مسالك الإفهام للشهيد الثاني: ج 11 ، ص 167 .
4- سورة البقرة، الآية ( 17 ).
5- مسالك الإفهام: ج 11 ، ص 267 .

هذه الكلمة على هذه القاعدة في اصطلاح الأصوليين، فبأي اعتبار أن العالم بها يتخذ ما يتقن به سابقاً صحبيا له إلى الزمان اللاحق في مقام العمل)(1).

7- قال السيد محمد سعيد الحكيم في معنى الاستصحاب: (وينبغي التمهيد له بذكر أمور.

أولاً: الاستصحاب لغة استفعال من الصحبة ومن الظاهر مناسبة البقاء والاستمرار الذي هو مفاد الاستصحاب للمادة وهي الصحبة بنحو يصحح إطلاقها في المقام.

وأما هيأة الاستفعال فهي: ألف: تارة: تفيد طلب المادة، كما هو في الاستغفار، والاستشارة والاسترفاد، والأخرى: تفيد جعلها وتحقيقها خارجاً بوجه، كما في استعمال الشيء والاستكثار من الخير.

وثانياً: تفيد ادعاءها والحكم بها والبناء عليها كما في الاستكبار والاستحسان والاستقذار)(2).

8- قال السيد محمد الشيرازي (رحمه الله): (فإن هناك جماعة من اللغويين يقولون بجواز اختراع ألفاظ وكلمات في اللغة

العربية على وزن الألفاظ والكلمات الموجودة فيها، كما يقولون بجواز الزيادة والنقيصة فيها على حسب الزوائد أو النقائص اللغوية الأخرى، مثل صرف الباب الثلاثي إلى باب الانفعال، أو التفعيل، أو المفاعلة، أو الاستفعال، وكذلك أبواب الرباعيات ونحوها)(3).

ص: 181


1- أصول الفقه للشيخ محمد رضا المظفر: ج 4، ص 276 .
2- المحكم في أصول الفقه للسيد محمد سعيد الحكيم ج 5، ص 9.
3- فقه العولمة للسيد محمد الشيرازي: ص 31 .

وعليه: نستدل بما ورد في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وأقوال الفقهاء أن أصل صيغة الاستفعال ترتكز على إرادة الطلب سواء كان هذا الطلب صريحاً أو تقديرياً.

وهنا يريد الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) من النبي الأعظم (صلى الله عليه واله) معرفة حال فاطمة (عليها السلام) وأن يطلب خبر ما جرى عليها فغير حالها.

وذلك ان (الحال هو كينَة الإنسان وهو ما كان عليه من خير أو شر، يذكر ويؤنث،والجمع أحوال وأحولة).

ومن ثم معرفة هذا التغيير المفجع الذي أصبحت عليه فاطمة (عليها السلام) وهو يقدم بذاك صورة الى السامع أنّ من يرى فاطمة (عليها السلام) قبل وفاة رسول الله (صلى الله عليه واله) ويراها بعد وفاته الى يوم استشهادها سيفجع بما

يرى من تغير حالها، وسيندفع بلا أدنى شك الى السؤال والطلب في معرفة ما غير حالها هذا التغيير المفجع!!

وعليه:

فلا بد من معرفة الأسباب والدلالات والآثار التي أدت الى هذا الحال، وهو ما سنتناوله في دلالات قوله (عليه السلام):

«فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد الى بثه سبيلا » وقصديته من هذا القول.

ص: 182

المسألة الثالثة: الغليل المعتلج وقصدية آثاره النفسية والجسدية وحكمه في الشريعة
اشارة

إنّ هذه المقدمات من المعاني ومقاصدها والالفاظ ودلالتها جاءت بالمتلقي تقوده أسيراً اليها للوصول الى هذا المطلب الذي اكتنزه قوله (عليه السلام): «فكم من غليل .»

مبينا أنّ ما جرى عليها لم يكن أمراً واحداً ظاهرا للعيان أو مخفيا عنهم وانما هي امور كثيرة كان واقعها وحقيقة أمرها جمراً متلهبا لم يزل يحرق ما يحيط به وإن كان مغطاً بالرماد مستوراً عن الناظر حتى يظنه بارداً وساكناً، كما جرى ذلك في

قصدية الحالة النفسية وما ترتب عليها من آثار بيّنها القرآن الكريم في حال نبي الله زكريا (عليه السلام) وقد جاء ذلك ظاهراً لدى القارئ العارف بدلالات الألفاظ ومقاصدها، فقال تعالى مبينا حاله في محكم كتابه: ﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ﴾(1).

وهنا يورد الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) حال فاطمة وما جرى عليها من رزايا و مصائب واضراراً نفسية وجسدية في إيراده لمفردات (الغليل) و (المعتلج) ليقدم بذلك الى كل عاقل منصف عارف بلغة العرب أنّ ما وقع على بضعة المصطفى

(صلى الله عليه واله) من اضرار على يد بعض الصحابة لا يمكن أن تنصفه ألْسِنَةُ الرواة وان جادت قرائحهم بالبيان وشهدته اعينهم من مجريات للحدث، فهم غير قادرين على معرفة ما أصابها وعاجزين عن ادراك الآمها وضرّها؛ وأنّى لهم بذلك

والزهراء البتول قد كتمته عن ابن عمها وابو ولديها ولم تقوله لاحد.

من هنا: جاء قوله (عليه الصلاة والسلام): «فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد الى بثه سبيلا .»

ص: 183


1- سورة مريم، الآية ( 4).

كاشفا عن البيان في حجم الأضرار الجسدية والآلام النفسية التي أنزلها القوم بها،وذلك بمقتضى ما يدلّ عليه لفظ (الغليل) من دلالة كما ورد بيانه في اللغة.

فالغليل: حرّ الجوف(1).

وجاء في الصحاح: الغلّة: حرارة العطش، والغليل: تقوّل منه(2).

أما قصدية منتج النص (عليه السلام) فتكمن في امور، منها:

القصدية الأولى: في بيان حجم الأضرار النفسية دون غيرها

لا شك أنَّ وصف الحالة النفسية مرتبط بمجريات ما وقع على الانسان من حوادث خارجية، بلحاظ أنّ داخل الانسان مكتوم عن العيان، ومن ثم يمكن أن يستدل العاقل والعارف من خلال الحالة النفسية على تقدير حجم الاضرار الخارجية التي لحقت بالإنسان.

ولاسيما وأن النبي الأعظم (صلى الله عليه واله) قد ركز فيما يخص العترة النبوية وبضعته على وجه الخصوص بالألم النفسي والأذى القلبي، فقال في موارد وألفاظ متعددة:

«يؤذيني ما آذاها .»

«يؤلمني ما يؤلمها .»

«يبسطني ما يبسطها .»

والبسط هو حالة مخصوصة بالنفس في الفرح والإرتياح والتي يقابلها القبض في موارد الحزن والألم بما يقع على الانسان في الخارج وبما يراه من أحداث أو يسمعه من كلام.

ص: 184


1- كتاب العين للفراهيدي، ج 2 ص 347 .
2- الصحاح للجوهري، ج 5 ص 178 .

ومن ثم ينتج عن ذلك:إنّ قصدية اللفظ الشريف: «فكم من غليل » جاء لبيان أنّا تعرضت لجملة من الاعتداءات شملت الحواس الثلاثة البصر والسمع واللمس.

1- قفد شاهدت من الصحابة من الأفعال ما جعل قلبها يحترق.

2- وسمعت منهم من الكلام ما ترك جوفها يلتهب ألماً.

3- وتلقت من الضرب ما خلف ناراً في جوفها لم تطفئ.

ومن ثم فان هذه الآلام النفسية لم تزل كالجمر في داخلها حتى لحقت بأبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وهذه الأضرار التي كانت من خلال الحواس الثلاثة قد نصت عليها بعض النصوص التاريخية والحديثية.

ففي خصوص ما شاهدته البضعة النبوية هو:

أ- محاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله) الأعظم في أيام مرضه في حادثة اللّد التي أقدمت عليها بعض أزواجه(1).

ب- انقلابهم على بيعة الغدير في يوم السقيفة.

ج- ترك الصحابة لجثمان النبي (صلى الله عليه واله) وتسابقهم الى الخلافة

د- التنازع بين المهاجرين والأنصار في سقيفة بني ساعدة.

ه- الهجوم على دارها وحرقه.

ص: 185


1- لمزيد من الاطلاع على مجريات الحدث ينظر كتابنا الموسوم ب (وفاة النبي وموضع قبره وروضته).

و- إخراج علي (عليه السلام) من الدار وولداها يلوذان بها.

ي- حبس مؤنتها وولديها من الخمس لغرض تجويعهم.

وغير ذلك لكثير ولكن هذا بعض ما ذكرته النصوص وسنقف عنده إن شاء اللهتعالى في بحوث هذه الدراسة.

أما بخصوص حاسة السمع:

أ- تهديد عمر بن الخطاب لها بحرق دارها على من فيه إن دخل عليها بعض الصحابة كما يرويه شيخ البخاري بن أبي شيبة الكوفي(1) وغيره.

ب- قول عمر بن الخطاب لها لما سألته وقد جاء بالنار ليضرمها في الحطب، فقالت: «أتَراك محرق عليَّ بابي !؟»

فرد قائلاً:

(نعم، وذلك أقوى فيما جاء به ابوك)(2)!!!.

ج- بعد ان القت فاطمة (عليها السلام) خطبتها في المسجد، صعد ابو بكر المنبر فردّ عليها، فقال: (يستعينون بالضعفة، ويستنصرون بالنساء، كأم طحال أحب أهلها اليها البغي ...)(3)!!!

وغير ذلك مما كتمته الزهراء البتول (صلوات الله عليها).

ص: 186


1- المصنف: ج 8 ص 572 ؛ المذكر والتذكير لابن ابي عاصم: ص 91 ؛ الاستيعاب لابن عبد البر: ج 3 ص 975 ؛ فضائل الصحابة لأبن حنبل: ج 1 ص 364 .
2- انساب الاشرف للبلاذري: ج 1 ص 586 ؛ الشافي في الامامة للشريف المرتضى: ج 3 ص 241 .
3- السقيفة وفدك للجواهري: ص 104 ؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 16 ص 215 .

أما بخصوص حاسة اللمس والتي ارتبطت بالجسد وما يصيبه من آلام، فقد نقلت النصوص أنّا تعرضت الى:

أ- عصرها بين الحائط والباب.

ب- كسر ضلعها.

ج- اسقاط جنينها المحسن.

د- تلويعها بالصوت على يدها.

ه- لطمها على عينها بغمد السيف.

وغير ذلك.

وقد خلفت هذه الأداث والمجريات من الأضرار النفسية ما جعل قلبها يحترق ونفسها تلتهب ناراً مكمودة؛ ومن ثم فإن هذا الكمد والكتمان للألم كان له صورة اخرى عرفتها العرب في مقاصد (الغلّ) وهو ما سنتعرض له في القصدية القادمة.

القصدية الثانية: في بيان حجم الاضرار الجسدية وارتباطها بالألم الدائم

يظهر ابن فارس (توفي سنة 395 ه) في دلالة اللفظ ما عنته العرب في قولهم: غللت الشيء، وظهور قصدية النص الشريف اتكاءً على هذه الدلالة فيقول: (غل): الغين واللام أصل صحيح يدل على تخلل شيء وثبات شيء يغرز؛ ومن ذلك قول العرب:

غللت الشيء في الشيء: إذا أثبته فيه كأنه غرزته(1).

ص: 187


1- معجم مقاييس اللغة: ج 4 ص 375 .

وبه يظهر أنّ هناك أضراراً وقعت على الجسد قد خلفت آلاماً دائمة من حين وقوعها الى حين استشهاد فاطمة (عليها السلام) وهو ما يدل على حقيقة ما وقع عليها من:

اولاً: كسر ضلعها، وهو الألصق لهذا المعنى والأقوى دلالة لهذه القصدية في غرز الضلع في اللحم عند كسره.

ثانياً: إصابة صدرها بالمسمار، وهذا من أصدق الدلالات التي اكتنزها الغلّ، فقدغرز المسمار في صدرها واثبت فيه، ولم يزل ألمه دائما ومستمراً الى حين لحاقها بأبيها (صلى لله عليه واله).

ثالثا: إصابة عينها باللطمة التي وجهها اليها قنفذ لما خرجت خلفهم تنادي (خلّو ابن عمي) كما يروي سليم بن قيس الهلالي ذلك فقال:

رابعا: تلويعها بالسوط على يدها حتى أصبح كالدملج وهو ما نص عليه الحديث....

وعليه: تكون هذه الأضرار الجسدية كاشفة عن قصدية الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) في إيراده للفظ (الغلّ)، فقد غرزت هذه الآلام في جسدها ونفسها.

القصدية الثالثة: في بيان كثرة الأضرار وتعددها ودوامها حتى ماتت (علیها السّلام)

إنَّ الترابط في دلالة «الغليل والمعتلج » تكشف عن قصدية جديدة، وهي أن هذه الأضرار كانت متنوعة وعميقة في النفس ودائمة وضارة جدا، فآلامها لم تتوقف، بل أنّها كانت في ازدياد، وهو عكس ما يتوقعه البعض في تغيير أحوال الانسان بمرور

الوقت، فإن كان اليوم قد حزن من أمر أو غصب على إمرء فللوقت وللزمن أثره في تبديل الاحوال وتغيير الأمزجة وهو أمر حاول ابو بكر وعمر الحصول عليه.

ص: 188

فقد حاولا الدخول عليها في أيامها الأخيرة وقد اشتدّ بها المرض كي يسترضيانها،ضناً منهما أن الوقت كفيل بتبديل الأحوال، فضلاً عن أن ما وقع أصبح واقع حال وقد استقرت امور الخلافة والبيعة، فجاءا الى علي (عليه السلام) كي يطلب لهما الاذن في الدخول عليها (عليها السلام) واسترضائها، فدخل عليها امير المؤمنين (عليه السلام) قائلاً:

«أيتها الحرّة، فلان وفلان بالباب، يريدان أن يسلّما عليكِ فما ترين؟

قالت (عليها السلام): البيت بيتك، والحرة زوجتك، فافعل ما تشاء.

فقال (عليه السلام): (شدّي قناعك)؛ فشدّت قناعها وحوّلت وجهها الى الحائط، فدخلا وسلّما وقالا: ارضي عنّا، رضي الله عنكِ.

فقالت: ما دعاكما الى هذا؟

فقالا: اعترفنا بالإساءة ورجونا أن تعفي عنّا وتخرجي سخيمتك.

فقالت: فإن كنتما صادقين فأخبراني عمّا اسألكما عنه، فإنّ لا اسألكما عن أمرٍ إلّا وأنا عارفة بأنكما تعلمانه، فإن صدقتما علمت إنكما صادقان في مجيئكما.

قالا: سلي عمّ بدا لكِ.

قالت: نشدتكما بالله، هل سمعتما رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يقول: (فاطمة بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني ) ؟

قالا: نعم.

ص: 189

فرفعت يدها إلى السماء فقالت: (اللهم إنهما قد آذياني، فأنا أشكوهما إليك وإلى رسولك؛ لا والله لا أرضى عنكما أبدا حتى ألقى أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخبره بما صنعتما، فيكون هو الحاكم فيكما » (1).

والحادثة كاشفة عن قصدية النص الشريف في ادماجه للفظتي (الغليل والمعتلج).

فقد جاء في بيان معنى المعتلج:

1- اعتلج الموج: التطم وهو منه.

2- اعتلج الهمّ في صدره كذلك على المثل.

3- اعتلجت الأرض طال نباتها.

4- الارض المعتلجة: الارض التي استأسد نباتها والتف وكثر.

5-نقي معتلج الريب: وهو من اعتلجت الأمواج إذا التطمت، أو من اعتلجت الأرض.

6- والعالج هو ما تراكم من الرحل ودخل بعضه في بعض(2).

فيكون بذلك أنّ هذه الأضرار لم تكن آنية وقليلة الضرر أو لفترة محدودة، بل كانت كبيرة وبالغة ودائمة وفي تزايد في حجمها وآثارها على النفس والقلب والجسد حتى لحقت برسول الله (صلى الله عليه وآله).

ص: 190


1- كتاب سليم بن قيس: ص 392 ؛ الدر النظيم للمشغري العاملي: ص 484 ؛ البحار للمجلسي: ج 28 ص 303 .
2- لسان العرب، مادة: (علج).

ولكن السؤال المطروح لماذا تكتمت فاطمة على هذه الالام ولم تبح ولم تبح بها الى أحد حتى زوجها أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو ما نص عليه قوله: «لم تجد الى بثه سبيلا » هذا ما سنتناوله في المسألة القادمة.

المسألة الرابعة: مقاصدية بث الغليل وتعذر السبيل «لم تجد الى بثه سبيلا . »
اشارة

يُرجع الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) السامع والقارئ للنص الشريف الى مقاصد جديدة اكتنزها لفظ (البث)، وذلك ارتكازاً على مجموعة من المعاني والدلالات التي فهمتها العرب واستخدمتها في خطابها وحوارها مع بعضها.

ومن ثم فهناك جملة من الآثار التي حركت ذهن المتلقي الى قصدية منتج النص الشريف (عليه السلام) فكانت كالاتي:

القصدية الأولى: التعريف والتجزيء للألم

حينما استخدم الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) معاني الاعتلاج ودلالته التي مرَّ بيانها، ومنها التشابك والالتفاف في النبات، أو التراكم في الرمال بعضها فوق بعض؛ أردفه (عليه السلام) بما يخلق في ذهن المتلقي من احتياج صاحبة الشأن

وهي فاطمة (عليها السلام) الى ما يعالج هذه الصورة من الآلام والهموم والاحزان المعتلجة في صدرها ويزيلها عنها.

وهذه المعالجة والازالة تبدأ أولا بتفريغ هذه الآلام والهموم وتجزئتها بعد أن التفت وتشابكت كما في النباتات المتشابكة في أغصانها، فهي تحتاج في البدء الى التفريق بين هذه الأغصان أو التعريف بين هذه الرمال التي تراكمت فوق بعضها.

وهنا في حالة فاطمة (عليها السلام) لابد لها أولا من تفريق هذه الهموم وفك تشابكها وتجزئتها، إذ قالت العرب في هذا المعنى:

ص: 191

(بث الشيء، والخبر يَبُثُّهُ ويبثُه بثاً بمعنى فانبث فرقة فتفرق)(1).

وهذا يعطي صورة عن حقيقة الاحداث ومجرياتها.

بمعنى: وإنَّ فاطمة (عليها السلام) كانت في كل يوم ولعلَّه وهو الأصح في كل ساعة تمر عليها كانت آلامها وآحزانها وهمومها تزداد وتتراكم كتراكم الرمال بعضها فوق بعض.

ولعل الرجوع الى قولها (عليها السلام) عند دخول مجموعة من نساء المهاجرين والأنصار لعيادتها يحقق هذه الصورة التي مرّ ذكرها، أي أنّا كانت في كل ساعة تزداد همهاً وآلاماً.

ولذا: قالت لهنّ بعد أن سألنها: كيف أصبحتِ يا بنت رسول الله: «أصبحت والله عائفة لدنياكم، قالية لرجالكم، لفظتهم قبل أن عجمتهم، وشنأتهم بعد أن سبرتهم، فقبحاً لفلول الحد، وخور القناة، وخظل الرأي، وبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون.... »(2).

وهذا النص الشريف اثار في نفوس المتلقي المعاني المكونة للصورة الحقيقة التي كان عليها حال المسلمين والصحابة وما جنته ايديهم.

وعليه: فهذه الهموم المتراكمة والمتشابكة تحتاج أولاً الى التفرقة والتجزئة وهو المرحلة الاولى من زوالها وتغير حال فاطمة (عليها السلام).

ص: 192


1- لسان العرب، مادة: (بث).
2- معاني الاخبار للصدوق: ص 354 ؛ بحار الانوار للمجلسي: ج 43 ص 158 .
القصدية الثانية: نشر هذه الآلام بين الناس لمعرفة حقيقة ما جرى

إنً الوضع الوجداني الذي عليه الناس رجالاً ونساءاً حينما يصاب احدهم بأحزان وهموم والام تسبب في وقوعها شخص ما، أو مجموعة من الاشخاص، هو حاجتهم الى نشر هذه الهموم والآلام كي يطلع السامع أو المتلقي على حقيقة ما جرى على المظلوم من ظلم واذى، فينتصر له ولو من قبيل اطلاع المتلقي على حجم الظلم الذي نزل بالضحية وما جنته أيدي الجناة.

بمعنى: مقتضى دلالة اللفظ ومعناه هنا يكون نشر الخبر وذياعه بين الناس ولا يقتصر الإخبار على شخص واحد؛ وذلك أن بعض هذه الهموم والأحزان والآلام تحتاج الى نشرها

بين الناس، وبعضها الآخر -أي هذه الآلام- تحتاج أن تذكر الى شخص واحد.

ولذا:نجده (عليه الصلاة والسلام) قال: «كم من غليل » بمعنى: لم يكن هماً واحداً ولا ألماً واحداً أو حزناً أو مصاباً واحدا؛ وانما هناك كثرة في هذه الآلام والهموم والاحزان وهي بحاجة الى النشر؛ لكن ليست كلها يمكن أن يطّلع عليها الناس، فبعضها لا يمكن البوح بها إلّ الى رسول الله (صلى الله عليه واله).

ولذلك: أردفه (عليه السلام) بلفظ (السبيل)، وهذه القصدية في النشر بين الناس مع كثرة الآلام والهموم جاءت من خلال قوله تعالى: ﴿وَبَثَّ مِنْهُمَ رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء﴾(1).

ص: 193


1- سورة النساء، الآية ( 1).

اي: نشر وكثر(1)؛ وقوله تعالى ﴿وَزَرَابِّی مَبْثُوثَةٌ﴾(2) أي كثيرة.

وهذا المعنى في القصدية الثانية يكوّن صورة جديدة لواقعين مختلفين في مجال تحقق المعنى، الصورة الاولى مراحل علاج هذه الالام تبدأ بالتفريق ثم النشر في مكان آخر، كأغصان الشجر حينما تتشابك فيلزم أولاً فك الأغصان وتفريقها

عن بعضها، ثم نشرها في اتجاه آخر كي لا تعود فتتشابك أو تتراكم كما في الرمال وتراكمها، وكما في قوله تعالى:

﴿فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا﴾(3).

والصورة الاخرى حول اختيار متلقي هذه الآلام والهموم والأحزان، فبعض هذه الهموم لا ينبغي أن يسمعها غير رسول الله (صلى الله عليه واله) وبعضها يلزم أن يسمعها الناس رجالاً ونساءً، أي من مقاصد (البث) اختلاف المتلقي مع اختلاف ما يلقى اليه من حديث.

القصدية الثالثة: اختصاص اللفظ بكاشفية حال المرض والحزن ودرجته

وهذه القصدية جاءت من خلال قول العرب لمن يفضي بهمه وحزنه الى صاحبه ب (البَثُّ).

و (البَثُّ) في الأصل شدة الحزن والمرض الشديد، كأنه من شدته يبثه الى صاحبه(4).

وهو كاشف عن حال فاطمة (عليها السلام) وما اصحابها من الحزن واظهار حجم هذا الحزن والمرض الذي نزل بها.

ص: 194


1- لسان العرب، مادة (بث).
2- سورة الغاشية، الآية ( 16 ).
3- سورة الواقعة، الآية ( 6).
4- لسان العرب، مادة (بث).

بمعنى قد يتبادر الى ذهن المتلقي من خلال النصوص التاريخية والحديثة بأنها كانت مريضة وحزينة لكن هذه النصوص غير قادرة على بيان درجة هذا الحزن والمرض ومن ثم اراد الامام امير المؤمنين (عليه السلام) من خلال قوله «لم تجد الى بثه سبيلا » بيان حجم المرض والحزن، أي: قصد في ذلك حال المرض وانعكاسه على فاطمة، فالحزن شديد، والمرض شديد، الى الحد الذي أصبحت فيه بحاجة الى أن تتكلم عن مرضها.

بمعنى: بلغ بها الحزن والمرض الى درجة لا تستطيع التحمل معه؛ ومن ثم لابد أن تتكلم وتتحدث عن هذا الحزن والمرض.

ولكن هذا الحال الذي بلغ أعلى درجات التحمل، لم تجد فاطمة (عليها السلام) من تخبره به؛ أو أنها وجدت من تخبره بحزنها ومرضها لكنها لم تفعل لأسباب أكبر من هذا المرض والحزن وهو ما سنتناوله بعد ايراد القصدية الرابعة في قوله «لم تجدالى بثه سبيلا .»

القصدية الرابعة: إنّ لديها أسراراً لم يكن ليطلع عليها غير رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

وهذه القصدّية التي أكتنزها (البث) في معانيه ودلالته جاءت من خلال اضافة أهل اللغة الألف الى اللفظ، فيقال: (أَ بَثَثت فلانا سري ابثاثا، أي: اطلعته عليه وأظهرته له)(1).

وهو أمر في غاية الاهمية وذلك أنّ النصوص وإن كانت نقلت جانبا من ظواهر الحدث إلّا أنّها لن تستطيع بأي شكل من الاشكال أن تطّلع على دقائق الامور لاسيما وأنّ الأمر مرتبط ببنت رسول الله (صلى الله عليه واله) والذي يلزم أن تحاط

بجملة من الحدود الشرعية التي جاء بها القرآن والنبي (صلى الله عليه واله).

ص: 195


1- لسان العرب، مادة (لبث).

الا الحدث كشف عن حقيقة ايمان هذه الزمرة التي اقتحمت أقدس بيت في الوجود، فهو مهبط الأملاك ومنزل الوحي ومزار الأنبياء ومعدن الرسالة وأصل النبوة وغيرها من الشؤون الالهية، ولكن الحدث كان كفيلاً بتعري تلك الوجوه عن حقيقة ارتباطها بالإسلام ونبيه (صلى الله عليه واله).

ومن ثم: يعد الحدث بجملته كاشفا عن سرائر النفوس التي اجترمت واجترأت على رسول الله (صلى الله عليه واله) وهذا هو السر الأول الذي ستبثه فاطمة الى رسول الله (صلى الله عليه واله).

من هنا: نجد القرآن والنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) قد كشفا جانبا من هذه الاسرار التي تبثها فاطمة الى رسول الله (صلى الله عليه واله)، فالوحي اخبر عن حال بعض هؤلاء في اكثر من موضع كما في قوله تعالى:﴿وَمَا مُحمَّدٌ إلِّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَی

أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَی عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُّر اللَّه شَيْئًا﴾(1).

والنبي أخبر عن حال بعضهم كما في الصحيح الذي أخرجه البخاري في كتاب بدء الخلق:

«وإنّ أُناساً من اصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: أصحابي أصحابي؟!!

فيقال: إنّهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ أن فارقتهم .»(2).

وسَتُطلع فاطمة أبيها (صلى الله عليه وآله) على أولئك الأصحاب الذين ارتدّوا منذ أن فارقهم رسول الله (صلى الله عليه واله) ستقول له (فلان وفلان) وتعدّ له أسمائهم.

ص: 196


1- سورة آل عمران، الآية ( 144 ).
2- صحيح البخاري: ج 4 ص 110 .

ومن الأسرار التي سَتُطلِعه عليها:

هي مجريات ما حدث عليها بالتفصيل والتي أشارت النصوص الى بعضها بمعنى:

إنّ فاطمة (عليها السلام) كتمتها على علي (عليه السلام) وعلى أولادها، ولم تطلع أحداً عليها، ومنها لطمها على خدها، واصابة عينها بغمد السيف الذي كان بيد قنفذ، حيناً وبكف عمر بن الخطاب حيناً، اخر عندما خرجت خلف القوم، وهم يقودون الامام علي (عليه السلام) الى ابي بكر كي يبايعه على أنه الخليفة عنوة وقهراً ولان القوم اقتحموا الدار بعد أن أضرموا النار فيه؛ ولان عمر بن الخطاب كان قد هددها من قبل بحرق دارها بمن فيه إن دخل عليها بعض الصحابة الرافضين للسقيفة وبيعة الخليفة كما يروي ابن شيبة الكوفي(1).

ولان عمر بن الخطاب لما جاء بالنار قيل له: (يا أبا حفص إنّ في الدار فاطمة)،فردَّ قائلاً: «وإن »(2).

ولهذا وغيره كان الحدث عند فاطمة في قتلهم لعلي (عليه السلام) أقرب الى البداهة في الوقوع، لاسيما وقد خذله الناصر، وتخلى عنه القريب، وقيده الصبر على ما نزل به، وأوثقه حفظ الاسلام، وإن مدوا عنقه حينها ليضربوه فلن يبالِ،

ولم يكن ليرفع بوجههم السيف وهو القادر على ابادتهم وتجزيرهم كالأضاحي، فيراكم اجسادهم ويبعثر رؤوسهم، وهو المجرّب في ساحات الوغى والمتمرس على مقارعة الشجعان وان تكاثروا؛ فكيف به في مواجهة خوانع العرب وجبنائها،

ويكفيك في ذاك من عاد يوم خيبر يجبن الناس ويجبنونه.

ص: 197


1- المصنف، ج 8 ص 572 ؛ المذكر والتذكير لابن ابي عاصم، ص 91 ؛ فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل، ج 1 ص 364 .
2- الإمامة والسياسة لابن قتيبة بتحقيق الزيني: ج 1 ص 19 .

وعليه: فأن فاطمة (عليها السلام) خرجت خلف علي (عليه السلام) لا لعدم معرفتها بعلي وصولاته، وانما لعلمها قاطعة بطاعته ومولاته لرسول الله (صلى الله عليه واله) وإن مقتضى الحال الذي أصبح عليه الاسلام واهله أنّ علياً (عليه السلام)

لن يرفع السيف بوجه أحد منهم، ولذا خرجت (عليها السلام) خلفه كي تدافع عن إمامها وتضحي بنفسها من أجله إن أقدمت الصحابة على قتله.

أو لعلها خرجت خلف علي (عليه السلام) لتحرك الرجولة فيهم فيرون أنّها إمرأة جاءت تذود عن زوجها القتل وتدفع عنه شرهم وجرمهم، لكنها تلقت منهم ضربة بغمد السيف على وجهها، فقد أرادوا عدم قدومها خشية انقلاب الناس عليهم وهم ينظرون الى بنت رسول الله (صلى الله عليه واله) تذود عن علي (عليه السلام).

من هنا: كانت قد كتمت على أمير المؤمنين (عليه السلام) ما لحق بعينها وخدها من اضرار بفعل ضربة ابن الخطاب.

القصدية الخامسة: تعذر السبيل مع وجود الامام علي (علیه السّلام) فسكتت (علیها السّلام)

إنّ النبي الأعظم (صلى الله عليه واله) كان قد أخبرها والامام علي (عليه السلام) وولداهما بما يجري عليها، ولكن هذا البيان لم يكشف عن حجم الأضرار، أو أنه لم يكشف عن الجزئيات الدقيقة.

كما يروي الشيخ الصدوق (عليه الرحمة والرضوان) عن الامام علي (عليه السلام) قال:

ص: 198

«بينما أنا وفاطمة والحسن والحسين عند رسول الله (صلى الله عليه واله) إذ ألتفت الينا فبكى، فقلت: ما يبكيك يا رسول الله؟

فقال: أبكي مما يصنع بكم بعدي.

فقلت: وما ذاك يا رسول الله؟

قال: أبكي من ضربتك على القرن، ولطم فاطمة خدها، وطعنة الحسن في الفخذ والسم الذي يسقى، وقتل الحسين.

قال: فبكى أهل البيت جميعا، فقلت يا رسول الله:

ما خلقنا ربنا إلّ للبلاء؟، قال:

أبشر يا علي، فإن الله عز وجل قد عهد اليَّ أنّه لا يحبك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّمنافق »(1).

ولذا: لم تجد الى (بثه سبيلا)، أي أنَّ القصدية في فقدان السبيل في بث هذه الالام وما جرى عليها من أضرار كانت تكمن في الاسباب الاتية:

1- أن بثَّته الى علي (عليه السلام) أدخلت عليه الاذى ولأنها انموذج الزوجة الصالحة كتمت عن زوجها أحزانها وهي العالمة أنّ ذلك من أشد ما يتعرض له الرجل حينما تضرب زوجته.

2- إنّ الامام علي (عليه السلام) كان يدرك حالها ولكن لم يطلب منها أن تتحدث كي لا يهيج الآمها وأوجاعها كالجمر الذي غطّاه الرماد فأي حرمة لرفع الرماد يظهر نار الجمر.

ص: 199


1- الامالي للشيخ الصدوق، ص 197 .

فكان يتجنب اذاها، علما منه بجلالة قدرها، وأن هذا الألم سيدخل على قلب رسول الله (صلى الله عليه واله) فكيف له أن يعصي الله طرفة عين.

3- إن تكلمت فاطمة (عليها السلام) لزم من علي الانتصار لها ممن ظلمها، ولأنها تدرك أنّ واجبه ليس القصاص ممن ظلمها وإنما العمل بما أوصاه به النبي (صلى الله عليه واله) بالصبر على ما نزل بهم آل البيت حتى يحكم الله؛ فلذا سكتت

ولم تجد السبيل الى الكلام.

4- إنهّا عملت بتكليفها الشرعي في اعانة علي (عليه السلام) على حفظ الهدف الأكبر وهو الاسلام، فهي والإمام علي شركاء في حفظ دين النبي (صلى الله عليه واله)، فهي تحملت ما نزل بها وصبرت على كتمه عن علي (عليه السلام)، وهو كتم ما نزل به من الاعتداء على فاطمة على حليلته و أُم عياله ولم تأخذه الحميّة على الانتصار ممن ظلمها على الحمية على الدين وحفظه.

ومما لا ريب فيه أن لفاطمة كثير من الأسرار التي ستطلع أبيها عليها، وتبثها له (صلى الله عليه وآله) فهو السبيل الوحيد لما اعتلج بصدرها من غليل أحرق قلبها.

ولذا:أتبعه (عليه الصلاة والسلام) بقوله:

«وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين .»

لتكتمل بذلك قصديته فيما يعقب هذا القول من آثار أراد بيانها لدى المتلقي وهو ما سنتناوله في المبحث القادم إن شاء الله تعالى.

ص: 200

المبحث الحادي والعشرون: مقاصدية الملازمة بين قول فاطمة (علیها السّلام) وحكم الله (عزوجل)

اشارة

ص: 201

قوله (عليه السلام) «وستَقُولُ ويحَكْم اللَّه »

اشارة

ص: 202

يرشد النص الشريف في هذا الموضع الى التركيز في تأثير ما تقدم على المتلقي، وذلك أنّ المتلقي للنص كان يسير معه في ثلاثة امور، وهي:

أولاً- بيانه (عليه الصلاة والسلام) لشأنية فاطمة وبيان منزلتها عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضمن الدلالات الاتية:

(ابنتك، حبيبتك، قرة عينك، زائرتك، النازلة في جوارك، البائتة الثرى ببقعتك،صفيتك، سيدة نساء العالمين).

ثانيا- بيانه لآثار وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفقده وما قام به (عليهاالسلام) من تجهيز رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأن مصابه برسول الله (صلى الله عليه وآله) هوّن عليه مصابه بفقد فاطمة (عليها السلام) كما جاء في المفردات

الاتية: «إلا أن لي في التأسي بعظيم فرقتك، وفادح مصيبتك، والحزن الذي حل بي لفراقك موضع تعز، فلقد وسدتك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسك، وغمضتك بيدي، وتوليت أمرك بنفسي، بلى وفي كتاب الله أنعم القبول: ﴿انا لله وانا اليه راجعون﴾ .»

ثالثا- بيانه لآثار مصيبة فقد الزهراء عليه، وما نزل به من الالم والحزن لفقدها مقرونا ذلك ببيان بعض شانيتها عند الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) كما جاءت به المفردات الاتية:

ص: 203

(استرجعت الوديعة، اخذت الرهينة، اختلست الزهراء)

ثم ينتقل الى بيان ما نزل به لفقدها:

«أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، لا يبرح الحزن من قلبي الى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم .»

هذه المقاطع الثلاثة كانت ترشد الى حقلين معرفيين أساسيين لدى المتلقي، وهما:

أ- الاثار المعنوية المرتبطة بشأنيتها ومنزلتها، وهي تختص بحقل المعارف العقدية.

ب- الاثار المعرفية في التعريف عن شخصيته وعاطفته، وهي تختص بحقل المعارف النفسية والمكونات الشخصية.

ومن ثم فإن هذان الحقلان المعرفيان كانا تمهيدا لما سيأتي من بيان حول تاريخ الأمة وما عملته الصحابة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) واجتماعهم علىسلب حق العترة (عليهم السلام) وانتهاك حدود الله تعالى من جهة، ومن جهة

اخرى ما يتبع هذه الافعال من أثار على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والعقدية.

بمعنى: فتح (عليه السلام) ذهن المتلقي الى حقلين معرفيين جديدين هما:

1- الحقل التاريخي والسيرّي والسياسي في أنقلاب الأمة على العهود والمواثيق التي أخذت عليهم في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

2- الحقل القانوني والقضائي والجزائي في معاقبة الجناة ومن رضى بهذه الجرائم ووقف مع الظالم ولم ينصر المظلوم.

ص: 204

وقد جاء هذان الحقلان المعرفيان في المفردات الاتية:

اولاً- في الحقل التاريخي والسيرّي والسياسي:

(وستنبئك أبنتك بتظافر امتك عليّ، وعلى هضمها حقها)

ثانيا- في الحقل القانوني والقضائي والجزائي:

(وستقول، ويحكم الله، وهو خير لحاكمين)

وهذا الحقل المعرفي له آثاره في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والعقدية فضلا عن الاثار الاخروية، وهو ما سنتناوله في هذا المبحث، اي:

الوقوف عند هذه الاثار في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والعقدية ضمن مجموعة من المسائل، وهي كالاتي:

المسألة الاولى: قصدية الاستقبال القريب بين قولها والحكم الالهي «ستقول ويحكم الله . »
اشارة

إنّ لحرف السين في الاستعمال الدلالي في اللغة تفيد في وقوع الأمر أو الفعل في الزمن الحاضر أو الزمن القريب؛ ولا يفيد التأخير أو التأجيل كما تدل (سوف).

ولذا: يدل النص الشريف في تقديم ال(سين) في الفعل (تقول) وعطف الفعل «يحكم » الى الملازمة في دلالة معنى الفعلين ووقوعهما الزمني، بمعنى:

أنها ( عليها السلام) الأن تقول ويلازمه الحكم في نفس الوقت من حين صدور قولها، وهذا يكشف عن القصدية في هذه الملازمة بين قول فاطمة وصدور الحكم الالهي والمحددة هنا بأمرين:

ص: 205

الأمر الأول: رضا الله لرضا فاطمة (عليها السلام) وغضبه عز وجل لغضبها.

الأمر الثاني: مصاديق الملازمة في صدور العقوبة الالهية في القرآن والتاريخ وبيان الأمرين، كما يلي:

أولاً: الملازمة بين غضب الله تعالى وغضب فاطمة (علیها السّلام)

إنّ ما بين تجليات المقاصدية التي اكتنزها النص في (ستقول ويحكم) هو أن الملازمة بين القول والحكم كان نتيجة لسنتين الهيتين، السُّنة الأولى (العدمية في التبديل)، والسُّنة الآخرى (العدمية في التحويل).

وقد جاء ذلك في قوله تعالى:

أ- ﴿تجدَ لِسُنَّةِ اللَّه تَبْدِيلًا﴾(1).

ب- ﴿وَلَنْ تَجدَ لِسُنَّةِ اللَّه تَحوِيلًا﴾(2).

وعليه: لن تتغير هذه السنة فمن ذلك ان الله قد اجرى غضبه عند غضب انبيائه ورسله واوليائه ومنهم فاطمة (عليها السلام) التي نص على وجود الملازمة بين غضبها وغضب الله تعالى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في جملة من النصوص، منها:

1- (ان الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها)(3).

ص: 206


1- سورة الاحزاب، الآية ( 62 ).
2- سورة فاطر، الآية ( 43 ).
3- عيون اخبار الرضا (علیه السّلام) للصدوق: ج( 2) ص( 46 )؛ المناقب لابن شهر اشوب: ج( 3) ص( 325 )؛ الامالي للمفيد: ص 94 - 95 ؛ صحيفة الرضا (علیه السّلام) للصدوق: ص( 45 )؛ عوالي اللآلئ: ج( 4) ص( 93 )؛ الاصابة لابن حجر: ج( 4) ص( 39 ) و ج( 8) ص( 56 - 57 ) ط: دار الجبل؛ المعجم الكبير للطبراني: ج( 2) ص( 401 )، حديث 1001 ؛ الثغور الباسمة للسيوطي: ج( 3) ص( 43 )؛ الحاكم النيسابوري في المشترك: ج( 3) ص( 153 - 154 )؛ جمع الزوائد للهيثمي: ج( 9) ص( 203 )؛ اسد الغابة: ج( 7) ص( 1224 ).

2- (فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني)(1).

3-(إنّما هي بضعة مني يريبها ما أرابها ويؤذيني ما أذاها)(2).

وقد نص القران الكريم على أن أذى النبي (صلى الله عليه وآله) هو أذى الله تعالى وإن النتيجة لهذه الملازمة في استحقاق الآثار وتبعات الأذى هي اللعنة الإلهية والعذاب الأليم، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّه وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّه فِی الدُّنْيَا وَالْأخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾(3).

وعليه:

فإن من السنن الألهية أن يرضى الله تعالى لرضى فاطمة (عليها السلام) ويغضب لغضبها، ومن ثم أين تكمن العلاقة، وأين تكون المغايرة بين غضب الخالق وغضب المخلوق، أي بين غضب الله تعالى وغضب فاطمة (عليها السلام)؟

وجوابه فيما يلي:

1- لابد أولاً من التفريق بين المغايرة التي يراد بها اتصاف الخالق بالمخلوق، وبين المغايرة التي يراد بها الشريعة، يعني: أننا حينما نريد أن نصف الغضب من حيث كونه غضباً فلابد أن نلتفت إلى أن هناك تغايرا في منشئ الغضب وظهوره وتحققه

في الخارج، بحيث يلحق منشئ الغضب لدى الإنسان وظهوره وتحققه في الخارج بالخالق عزّ وجل وهذا لا يجوز شرعاً، فغضب الخالق مغاير بالكلية لغضب المخلوق.

ص: 207


1- صحيح البخاري، باب مناقب المهاجرين: ج( 3) ص( 219 )، صحيح مسلم، باب فضائل فاطمة: ج( 7) ص( 141 ).
2- صحيح البخاري، باب النكاح: ج( 6) ص( 158 )، صحيح مسلم، باب فضائل فاطمة؛ ج( 7) ص( 141 ).
3- سورة الاحزاب، الآية ( 57 ).

أما أن يكون غضب الأنبياء والمرسلين الحادث لانتهاك الشريعة، وتعدي الحدود الإلهية، فهو في الواقع غضب الله تعالى وبه تنشئ العلاقة بين الغضبين والرضاءين،لأن المحرك لهذا الغضب هو الحكم الشرعي.

إلاّ أن تبعات هذا الغضب والرضا بين الخالق سبحانه والمخلوق مختلفة؛ ومغايرة، وهي المغايرة الشرعية، بمعنى: أن تبعات غضب الخالق سبحانه: هو الدخول في النار، وتبعات رضاه، هو الدخول في الجنة، أما الأنبياء والمرسلون والأئمة فهم لا

يملكون جنة ولا نار وإنما هم السبل المؤدية إلى الجنة والنار.

وهذا المعنى قد دلّ عليه الحديث الشريف للإمام الصادق (عليه السلام) في بيانه لقول الله تعالى: ﴿فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمعِينَ﴾(1).

فقال:

(إنّ الله تبارك وتعالى لا يأسف كأسفنا، ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون، وهم مخلوقون مدبرون، فجعل رضاهم لنفسه رضى، وسخطهم لنفسه سخطا، وذلك لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه، فلذلك صاروا كذلك، وليس أن ذلك يصل إلى الله كما يصل إلى خلقه، ولكن هذا معنى ما قال من ذلك، وقد قال أيضا: من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها، وقال أيضا: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه وَمَنْ تَوَلَّی فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾(2).

ص: 208


1- سورة الزخرف، الآية ( 55 ).
2- سورة النساء، الآية ( 80 ).

وقال أيضا:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّه يَدُ اللَّه فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَی نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَی بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّه فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾(1).

وكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك، هكذا الرضا والغضب وغيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك ولو كان يصل إلى المكون الأسف والضجر وهو الذي أحدثهما وأنشأهما لجاز لقائل أن يقول: إن المكون يبيد يوما ما، لأنه إذا دخله الضجر

والغضب دخله التغيير وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة، ولو كان ذلك كذلك لم يعرف المكون من المكون، ولا القادر من المقدور، ولا الخالق من المخلوق، تعالى الله عن هذا القول علوا كبيرا، هو الخالق للأشياء لا لحاجة، فإذا كان لا لحاجة

استحال الحد والكيف فيه، فافهم ذلك إن شاء الله)(2).

والحديث الشريف واضح الدلالة والمعنى في بيان العلاقة بين غضب الله تعالى وبين غضب أولياءه، وإن المناط في ذلك هو الحكم الشرعي فهؤلاء الأنبياء والمرسلين والأئمة غضبهم لله ورضاهم له ولذلك جعلهم لنفسه سبحانه.

2- لا يكون الغضب من الله تعالى إلا بهتك الحرمات، وحرمات الله تعالى تحددها الشرائع السماوية بحسب الضرورة الشرعية والمصالح الدينية التي يحددها الله تعالى لكل نبي من الأنبياء وإن كانوا جميعاً قد بعثوا لمحاربة الوثنية والإشراك بالله تعالى

وقاموا بالدعوة إلى التوحيد.

فكان انتهاك هذه الحرمات وتعدي حدود الله تعالى هي الموجبة للغضب الإلهي وبها ينزل العذاب على المقترفين لهذه الانتهاكات، وبصونها تنزل الرحمة وتفتح أبواب السماء وينال رضا الله تعالى.

ص: 209


1- سورة الفتح، الآية ( 10 ).
2- كتاب التوحيد للشيخ الصدوق: ص 169 .

ولقد تحدث القرآن الكريم عن هذه الحقيقة في مواضع كثيرة تظهر اختلاف هذه الحرمات من دين إلى دين آخر حتى إذا جئنا إلى الإسلام كانت الحرمات التي ذكرها القرآن خمسة، وهي:

(البيت الحرام، والمسجد الحرام، والبلد الحرام، والشهر الحرام، والمحرم حتى يحل)(1).

ثم كان التعظيم لهذه الحرمات فقال سبحانه:

﴿الشَّهْرُ الَحرَامُ بِالشَّهْرِ الَحرَامِ وَالُحرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّه وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه مَعَ الُمتَّقِينَ﴾(2).

كي يبتلى المسلم في هذه الحرمات فيرى الله سبحانه كيف يعظمها عباده فيختبرهم ويمتحنهم بها كما امتحن الذين من قبلهم.

وهذه الحقيقة والحكمة في هذا الابتلاء بيّنها الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) حينما تحدث عن القرآن ومن تكلم فيه من الناس بدون علم ولا هدى فقال (عليه السلام):«إن ناسا تكلموا في هذا القرآن بغير علم وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول: ﴿هُوَ الذَّي أنَزَلَ عَلَيكْ الكْتِاَبَ مِنهْ آيَاتٌ مُحكْمَاتٌ هُنَّ أمُّ الكْتِاَبِ وَأخُرُ مُتشَاَبَهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِی قُلُوبِهمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّه وَالرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْألْبَابِ﴾(3).

فالمنسوخات من المتشابهات، والمحكمات من الناسخات إن الله عز وجل بعث نوحا إلى قومه:

ص: 210


1- زبدة البيان للمحقق الأردبيلي: ص 229 .
2- سورة البقرة، الآية ( 194 ).
3- سورة آل عمران، الآية ( 7).

﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّه وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ﴾(1).

ثم دعاهم إلى الله وحده وأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، ثم بعث الأنبياء (عليهم السلام) على ذلك إلى أن بلغوا محمدا (صلى الله عليه وآله) فدعاهم إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا وقال:

(شَرعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّی بهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَينْاَ إلِيكْ وَمَا وَصَّينْاَ بهِ إبِرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُر عَلَی الُمشْركِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّ يَجتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ)(2).

فبعث الأنبياء إلى قومهم بشهادة أن لا إله إلا الله والإقرار بما جاء (به) من عند الله فمن آمن مخلصا ومات على ذلك أدخله الله الجنة بذلك، وذلك أن الله ليس بظلام للعبيد، وذلك أن الله لم يكن يعذب عبدا حتى يغلظ عليه في القتل والمعاصي التي

أوجب الله عليه بها النار لمن عمل بها، فلما استجاب لكل نبي من استجاب له منقومه من المؤمنين، جعل لكل نبي منهم شرعة ومنهاجا، والشرعة والمنهاج سبيل وسنة وقال الله لمحمد (صلى الله عليه وآله): إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده.

وأمر كل نبي بالأخذ بالسبيل والسنة وكان من السنة والسبيل التي أمر الله عز وجل بها موسى (عليه السلام) أن جعل الله عليهم السبت وكان من أعظم السبت ولم يستحل أن يفعل ذلك من خشية الله، أدخله الله الجنة ومن استخف بحقه

واستحل ما حرم الله عليه من عمل الذي نهاه الله عنه فيه، أدخله الله عز وجل النار وذلك حيث استحلوا الحيتان واحتبسوها وأكلوها يوم السبت، غضب الله عليهم

ص: 211


1- سورة نوح، الآية( 3 ).
2- سورة الشورى، الآية ( 13 ).

من غير أن يكونوا أشركوا بالرحمن ولا شكوا في شيء مما جاء به موسى (عليه السلام)، قال الله عز وجل:

﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِی السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ﴾(1).

ثم بعث الله عيسى (عليه السلام) بشهادة أن لا إله إلا الله والاقرار بما جاء به من عند الله وجعل لهم شرعة ومنهاجا فهدمت السبت الذي أمروا به أن يعظموه قبل ذلك وعامة ما كانوا عليه من السبيل والسنة التي جاء بها موسى فمن لم يتبع سبيل عيسى أدخله الله النار وإن كان الذي جاء به النبيون جميعا أن لا يشركوا بالله شيئا، ثم بعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله) وهو بمكة عشر سنين فلم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا (صلى الله عليه وآله) رسول الله إلا أدخله الله الجنة بإقراره وهو إيمان التصديق ولم يعذب الله أحدا ممن مات وهو متبع لمحمد (صلى الله عليه وآله) على ذلك إلا من أشرك بالرحمن وتصديق

ذلك أن الله عز وجل أنزل عليه في سورة بني إسرائيل بمكة:

﴿وَقَضَی رَبُّكَ أَلَّا تَعْبدُوا إلِّا إيِّاهُ وَباِلوْالدِيْنِ إحِسَانًا إمِّا يَبلْغَنَّ عِندْكَ الكْبِر أَحَدُهَما أَوْ كلِاهُما فَلَا تَقُلْ لَهمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهمَا قَوْلًا كَرِيمًا ( 23 ) وَاخْفِضْ لَهمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمهُمَا كَمَا رَبَّيَانِی صَغِيرًا ( 24 ) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بمِا فِی نُفُوسِكُمْ

إِنْ تَكُونُوا صَالِحينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْاوَّابِينَ غَفُورًا ( 25 ) وَآتَ ذاَ القْرُبىَ حَقهَّ وَالمسْكيِنَ وَابنْ السَّبِيلِ وَلَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ( 26 ) إِنَّ الُمبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ

كَفُورًا ( 27 ) وَإمِّا تُعْرِضَنَّ عَنهْهمُ ابْتغِاءَ رَحْمةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهمْ قَوْلًا مَيسْورًا ( 28 ) وَلَا تَچعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلِی عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحسُورًا( 29 ) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾(2).

ص: 212


1- سورة البقرة، الآية ( 65 ).
2- سورة الإسراء، الآيات ( 23- 30 ).

أدب وعظة وتعليم ونهي خفيف ولم يعد عليه ولم يتواعد على اجتراح شيء مما نهى عنه وأنزل نهيا عن أشياء حذر عليها ولم يغلظ فيها ولم يتواعد عليها وقال: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا

كَبِيرًا ( 31 ) وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ( 32 ) وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللُّه إلِّا بِالَحقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرفْ فِی الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ( 33 ) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتيِمِ إلِّا باِلَّتيِ هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ

أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ( 34 ) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الُمسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْر وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ( 35 ) وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بهِ عِلْمٌ إنِّ السَّمْعَ وَالْبَصَر وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ( 36 ) وَلَا تَمشْ فِی الْأرْضِ مَرَحًا إنِّكَ لَنْ تَخرِقَ الْأرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الِجبَالَ طُولًا ( 37 ) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ( 38 ) ذَلكِ مِمّا أوَحَى إلِيَكْ رَبُّكَ مِنَ الِحكْمَةِ وَلَا تَجعَلْ مَعَ الله إلِها آخَرَ فَتُلْقَى فِی جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا﴾(1).

وأنزل في:

﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ( 1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجلَّی ( 2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأنْثَى ( 3) إِنَّ سَعْيكَمْ لشَتىَّ ( 4) فَأمَّا مَنْ أعَطىَ وَاتقَّى ( 5) وَصَدَّقَ بِالُحسْنَى ( 6) فَسَنيُسَّرهُ للِيْسُرى ( 7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتغَنىَ ( 8) وَكَذَّبَ بِالُحسْنَى ( 9) فَسَنيُسَّرهُ للِعُسْرى ( 10 ) وَمَا يُغْنيِ عَنْهُ مَالُهُ إذِا تَرَدَّى ( 11 ) إنِّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ( 12 ) وَإنِّ لَنَا لَلْأخِرَةَ وَالْاوُلَی ( 13 ) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى ( 14 ) لَا يَصْلَهَا إِلَّا الْأشْقَى ( 15 ) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّی﴾(2).

ص: 213


1- سورة الإسراء، الآيات: ( 31 - 39 ).
2- سورة الليل، الآية ( 1- 16 ).

فهذا مشرك وأنزل في:

﴿إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ( 1) وَأذَنِتْ لرِبِّها وَحُقَّتْ ( 2) وَإذِا الْأرَضُ مُدَّتْ ( 3) وَألَقْتْ مَا فِيهَا وَتَخلَّتْ ( 4) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ ( 5) يَا أَيُّها الْأنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إلِی رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقيِهِ ( 6) فَأمَّا مَنْ أُوتِی كتِاَبَهُ بيِمَينهِ ( 7) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ( 8)

وَيَنْقَلِبُ إلِی أَهْلِهِ مَسْرورًا ( 9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِی كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ( 10 ) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا ( 11 ) وَيَصْلَی سَعِيرًا ( 12 ) إنِّهُ كَانَ فِی أَهْلهِ مَسْرورًا ( 13 ) إنِّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحورَ ( 14 ) بَلَ إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا﴾(1).

فهذا مشرك وأنزل في (سورة) تبارك:

﴿تَكَادُ تَمیزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فيِهَا فَوْجٌ سَأَلَهمْ خَزَنَتُهَا أَلَم يَأْتكِمْ نَذِيرٌ ( 8) قَالُوا بَلَ قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّه مِنْ شَیءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِی ضَلَالٍ كَبِيرٍ﴾(2).

فهؤلاء مشركون وأنزل في الواقعة:

﴿وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الُمكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ ( 92 ) فنَزُلٌ منِ حَميِمٍ ( 93 ) وَتصَليِةَ جَحِيمٍ﴾(3).

فهؤلاء مشركون وأنزل في الحاقة:﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِی كتِاَبَهُ بشِمَالهِ فَيقَولُ يَا ليَتْنَيِ لَم أُوتَ كتِاَبيِهَ ( 25 ) وَلَم أَدْرِ مَا حِسَابيِهَ ( 26 ) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ( 27 ) مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ ( 28 ) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ( 29 ) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ( 30 ) ثُمَّ الَجحِيمَ صَلُّوهُ ( 31 ) ثُمَّ فِی سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ

ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ ( 32 ) إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّه الْعَظِيمِ﴾(4).

ص: 214


1- سورة الانشقاق، الآية ( 1- 15 ).
2- سورة الملك، الآية ( 8 - 9).
3- سورة الواقعة، الآية ( 92 ).
4- سورة الحاقة، الآية ( 25 - 33 ).

فهذا مشرك، وأنزل في طسم:

﴿وَبُرِّزَتِ الَجحِيمُ لِلْغَاوِينَ ( 91 ) وَقِيلَ لَهمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ( 92 ) مِنْ دُونِ اللَّه هَلْ يَنْصُرونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرونَ ( 93 ) فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ ( 94 ) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمعُونَ﴾(1).

جنود إبليس ذريته من الشياطين وقوله:

﴿وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الُمجْرِمُونَ﴾(2).

يعني المشركين الذين اقتدوا بهم هؤلاء فاتبعوهم على شركهم وهم قوم محمد (صلى الله عليه وآله) ليس فيهم من اليهود والنصارى أحد وتصديق ذلك قول الله عز وجل:

﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ﴾(3).

﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأيْكَةِ الُمرْسَلِينَ﴾(4).

﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الُمرْسَلِينَ﴾(5).

ليس فيهم اليهود الذين قالوا: عزير ابن الله، ولا النصارى الذين قالوا: المسيح ابن الله.

﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّه وَقَالَتِ النَّصَارَى الَمسِيحُ ابْنُ اللَّه ذَلِكَ قَوْلُهمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّه أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾(6).

ص: 215


1- سورة الشعراء، الآية ( 91 - 95 ).
2- سورة الشعراء، الآية ( 99 ).
3- سورة الحج، الآية ( 42 ).
4- سورة الشعراء، الآية: 176 .
5- سورة الشعراء، الآية ( 160 ).
6- سورة التوبة، الآية ( 30 ).

سيدخل الله اليهود والنصارى النار ويدخل كل قوم بأعمالهم، وقولهم:

﴿وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الُمجْرِمُونَ﴾(1).

إذ دعونا إلى سبيلهم ذلك قول الله عز وجل فيهم حين جمعهم إلى النار:

﴿قَالَ ادْخُلُوا فِ أمُمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبلْكِمْ مِنَ الِجنِّ وَالْأنْسِ فِی الناَّرِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أمُّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَميعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِاولَهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ﴾(2).

وقوله: ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا﴾(3).

وقال: ﴿الُمنَافِقُونَ وَالُمنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالُمنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الَمعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهمْ نَسُوا اللَّه فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الُمنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾(4)

فيفلتوا من عظيم ما نزل بهم وليس بأوان بلوى ولا اختبار ولا قبول معذرة ولات حين نجاة والآيات وأشباههن مما نزل به بمكة ولا يدخل الله النار إلا مشركا، فلما أذن الله لمحمد (صلى الله عليه وآله) في الخروج من مكة إلى المدينة بني الاسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصيام شهر رمضان وأنزل عليه الحدود وقسمة الفرائض وأخبره بالمعاصي التي أوجب الله عليها وبها النار لمن عمل بها وأنزل في بيان القاتل:

ص: 216


1- سورة الشعراء، الآية ( 99 ).
2- سورة الأعراف، الآية ( 38 ).
3- سورة الاعراف، الاية ( 38 ).
4- سورة التوبة، الاية ( 67 ).

﴿وَمَنْ يَقْتلُ مُؤْمِناً مُتعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنمَّ خَالدِا فيِهَا وَغَضِبَ الله عَلَيهْ وَلعَنهَ وَأعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾(1).

ولا يلعن الله مؤمنا قال الله عز وجل:

﴿إِنَّ اللَّه لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهمْ سَعِيرًا ( 64 ) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾(2).

وكيف يكون في المشيئة وقد ألحق به حين جزاه جهنم الغضب واللعنة وقد بين ذلك من الملعونون في كتابه وأنزل في مال اليتيم من أكله ظلما.

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِی بُطُونِهمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾(3).

إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما وذلك أن آكل مال اليتيم يجيء يوم القيامة والنار تلتهب في بطنه حتى يخرج لهب النار من فيه حتى يعرفه كل أهل الجمع أنه آكل مال اليتيم وأنزل في الكيل:

﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾(4).

ولم يجعل الويل لاحد حتى يسميه كافرا، قال الله عز وجل:

﴿فَاخْتَلَفَ الْأحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾(5).

ص: 217


1- سورة النساء، الآية ( 93 ).
2- سورة الأحزاب، الآية ( 64 ).
3- سورة النساء، الآية ( 10 ).
4- سورة المطففين، الآية ( 1).
5- سورة مريم، الآية ( 37 ).

وأنزل في العهد:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرونَ بِعَهْدِ اللَّه وَأَيْمَنِهمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهمْ فِی الْأخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّه وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾(1).

والخلاق: النصيب، فمن لم يكن له نصيب في الآخرة فبأي شيء يدخل الجنة وأنزل بالمدينة:

﴿الزَّانِی لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانيِةً أَوْ مُشْركَةً وَالزَّانيِةُ لَا يَنْكِحُهَا إلِّا زَانٍ أَوْ مُشْركٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَی الُمؤْمِنِينَ﴾(2).

فلم يسم الله الزاني مؤمنا ولا الزانية مؤمنة وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليس يمتري فيه أهل العلم أنه قال:

«لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن فإنه إذا فعل ذلك خلع عنه الإيمان كخلع القميص ». ونزل بالمدينة: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الُمحْصَنَاتِ ثُمَّ لَم يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ( 4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّه غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾(3).

فبرأه الله ما كان مقيما على الفرية من أن يسمى بالايمان، قال الله عز وجل: ﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ﴾(4)

ص: 218


1- سورة آل عمران، الآية ( 77 ).
2- سورة النور، الآية ( 3).
3- سورة النور، الآية( 4).
4- سورة السجدة، الآية ( 18 ).

وجعله الله منافقا، قال الله عز وجل:

﴿الُمنَافِقُونَ وَالُمنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالُمنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الَمعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهمْ نَسُوا اللَّه فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الُمنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾(1).

وجعله عز وجل من أولياء إبليس، قال:

﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِأدَمَ فَسَجَدُوا إلِّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الِجنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِی وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمينَ بَدَلًا﴾(2).

وجعله ملعونا فقال:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الُمحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الُمؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِی الدُّنْيَا وَالْأخِرَةِ وَلَهمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ( 23 ) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بمِا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(3).

وليست تشهد الجوارح على مؤمن إنما تشهد على من حقت عليه كلمة العذاب،فأما المؤمن فيعطى كتابه بيمينه قال الله عز وجل:

﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بإِمِامِهِمْ فَمَنْ أُوتِی كتِاَبَهُ بيِمَينهِ فَأوُلئَكِ يَقْرَءُونَ كتِاَبَهمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾(4).

أنزلت بعد سورة النساء وتصديق ذلك أن الله عز وجل أنزل عليه في سورة النساء:

ص: 219


1- سورة التوبة، الآية ( 67 ).
2- سورة الكهف، الآية ( 50 ).
3- سورة النور، الآية ( 23 ).
4- سورة الإسراء، الآية ( 76 ).

﴿وَاللّاتِی يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِی الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الَمْوْتُ أَوْ يَجعَلَ اللَّه لَهنَّ سَبِيلًا﴾(1).

والسبيل الذي قال الله عز وجل:

﴿سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ( 1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِی فَاجْلدِوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنهْمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهمِا رَأْفَةٌ فِ دِينِ الله إنِ کنتْمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّ وَالْيَوْمِ الْأَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهمَا طَائِفَةٌ مِنَ الُمؤْمِنِينَ﴾(2).(3).

وهنا نجد بوضوح كيف أن الله تعالى قد أجرى حكمته في ابتلاء الأمم السابقة في تعظيمها للحرمات التي حددها الله سبحانه كحرمة يوم السبت ثم نسخه لهذه الحرمة في أمة عيسى (عليه السلام) وكيف كان تدرج الأحكام في هذه الأمة وابتلاء

المسلمين بها منذ أن بعث (صلى الله عليه آله) وحتى توفي وقد صدع بالنذارة وبلغ بالرسالة فكانت أعظم الحرمات التي ابتلي بها المسلمون هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعترته أهل بيته.

فكانت طاعته (صلى الله عليه وآله) طاعة الله التي ينال بها رضاه وجنته؛ ومعصيته (صلى الله عليه وآله) هي معصية الله تعالى التي ينزل بها سخط الله وتوجب الخلود في النار والعياذ بالله.

لأن العاصي لأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكون قد هتك أعظم الحرمات وذلك لعظم حرمة الإسلام عند الله تعالى؛ وأن المطيع لأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكون قد صان أعظما لحرمات عند الله تعالى.

ص: 220


1- سورة النساء، الآية ( 15 ).
2- سورة النور، الآية ( 1).
3- الكافي للكليني: ج 2، ص 28 - 33 .

وهي حقيقة نص عليها القرآن الكريم في مواضع كثيرة، منها:

1-قال الله تبارك وتعالى:﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّه وَمَنْ يُطِعِ اللَّه وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجرِي مِنْ تَحتِهَا الْأنْهارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾(1).

2- قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّه وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾(2).

3- وقد جعل الله الهجرة إليه وإلى رسوله فقال سبحانه:

﴿وَمَنْ يهُاَجِرْ فِی سَبيِلِ الله يَجدِ فِی الْأرَضِ مُرَاغَمًا كثَيِرًا وَسَعةَ وَمَنْ يَخرْجْ مِنْ بيَتْهِ مُهَاجِرًا إِلَی اللَّه وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الَموْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَی اللَّه وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا﴾(3).

4-وجعل سبحانه حرب رسوله هي حرب له عزّ شأنه فقال:

﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّه وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِی الْأرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبوُا أوَ تُقَطعَّ أيَدِيهمِ وَأرَجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أوَ يُنفْوْا مِنَ الْأرَضِ ذَلكِ لَهمْ خِزْيٌ فِی الدُّنْيَا وَلَهمْ فِی الْأخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾(4).

5-وجعل شقاهما أمر واحد فقال سبحانه:

﴿ذَلِكَ بِأَنَّهمْ شَاقُّوا اللَّه وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّه فَإِنَّ اللَّه شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾(5).

ص: 221


1- سورة النساء، الآية ( 13 ).
2- سورة النساء، الآية ( 14 ).
3- سورة النساء، الآية ( 100 ).
4- سورة المائدة، الآية ( 33 ).
5- سورة الأنفال: الآية ( 13 ).

6- وإن تحريم الرسول هو تحريم الله سبحانه فقال تعالى:

﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَلَا بِالْيَوْمِ الْأخِرِ وَلَا يُحرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الَحقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الِجزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾(1).

7- وإن الله جعل العطاء والخير والرزق وما يحتاجه العباد هو من الله ورسوله فقال سبحانه:

﴿وَلَوْ أَنَّهمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّه وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّه سَيُؤْتِينَا اللَّه مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَی اللَّه رَاغِبُونَ﴾(2).

8-وقد جعل الله سبحانه الغنى منه ومن رسوله فقال:

﴿يَحلِفُونَ بِاللَّه مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَّموا بِمَا لَم يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّه وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرا لَهمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهمُ اللُّه عَذَابًا أَلِيمًا فِی الدُّنْيَا وَالْأخِرَةِ وَمَا لَهمْ فِی الْأرْضِ مِنْ وَلِّی وَلَا نَصِيرٍ﴾(3).

9-وقال سبحانه في الذين يحاربون رسوله (صلى الله عليه وآله): ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحادُّونَ اللَّه وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِی الْأذَلِّينَ﴾(4).

ص: 222


1- سورة التوبة، الآية ( 29 ).
2- سورة التوبة، الآية ( 59 ).
3- سورة التوبة، الآية ( 74 ).
4- سورة المجادلة، الآية ( 20 ).

10- وقد سخط الله على أهل الكتاب فأخرجهم من ديارهم، وقذف في قلوبهم الرعب، وجعلهم يقدمون على تخريب بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، وأجلاهم من الأرض والسبب في ذلك أنهم شاقوا رسول الله (صلى الله عليه وآله). فقال سبحانه:

﴿وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّه عَلَيْهِمُ الَجلَاءَ لَعَذَّبَهمْ فِی الدُّنْيَا وَلَهمْ فِی الْأخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ( 3) ذَلِكَ بِأَنَّهمْ شَاقُّوا اللَّه وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّه فَإِنَّ اللَّه شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾(1).

وغيرها من الآيات الكريمة التي تظهر أن أعظم الحرمات عند الله تعالى هي حرمة رسوله الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله)، وأن بطاعته يكون المسلم قدصان أعظم الحرمات، وأن بمعصيته (صلى الله عليه وآله) يكون العاصي قد هتك

أعظم الحرمات.

قال تعالى:

﴿إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّه وَرِسَالَتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّه وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾(2).

والآية لا تنطق بعقوبة الإشراك بالله تعالى ولم تتحدث عن الصلاة والصوم والحج والزكاة والجهاد وغيرها من الفروع وإنما مطلق المعصية لله ورسوله (صلى الله عليه وآله) تدخل العاصي النار وتقضي عليه بالخلود فيها.

فكيف بمن آذى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ماذا سيكون مصيره في الدنيا والآخرة.

قال تعالى:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّه وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللُّه فِی الدُّنْيَا وَالْأخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾(3).

ص: 223


1- سورة الحشر، الآيتان( 3 و 4).
2- سورة الجن، الآية ( 23 ).
3- سورة الأحزاب، الآية ( 57 ).

وأي أذى أكبر من أن تقتل فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفيها يقول النبي: «فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني »(1).

وقال (صلى الله عليه وآله): «فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها »(2).

وعليه:قد لا يبقى مجال لدى البعض في نكران أن الله تعالى يغضب لغضب فاطمة (عليها السلام) بعد أن ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي يغضب لغضبها ويتأذى لأذاها، والسؤال المطروح هل أن الله تعالى سيجعل انفكاكاً وتجزءً بين رضا رسوله (صلى الله عليه وآله) ورضا بضعته فاطمة (عليها السلام) بعد كل هذا البيان الذي نزل به الوحي في محكم الكتاب في إظهار حرمة رسول الله (صلى الله عليه

وآله) وبيان هذا التلازم بين طاعة الله ومعصيته وحربه، وشقاقه، وحداده، وأذاه،ورضاه، وبين رسوله (صلى الله عليه وآله)، الذي لا ينفك ولا يتجزأ عن رضا بضعته وقلبه وروحه التي بين جنبيه فاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلهاوبنيها؟

ص: 224


1- صحيح البخاري، باب: مناقب المهاجرين: ج 3، ص 219 ؛ صحيح مسلم، باب: فضائل فاطمة عليها السلام: ج 7، ص 141 .
2- صحيح البخاري، باب: النكاح: ج 6، ص 158 ؛ صحيح مسلم، باب: فضائل فاطمة عليها السلام: ج 7، ص 141 .

إذن:

العلة في أن الله تعالى يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها، ويتألم لألمها، ويتأذى لآذاها، ويفرح لفرحها، وغير ذلك مما يحيط بها صلوات الله عليها وعلى أبيها

وبعلها وبنيها.

ثانياً: مصاديق الملازمة في إلحاق العقوبة لمنتهكي الحدود الإلهية في القرآن والتاريخ
اشارة

يعرض القران الكريم جملة من المصاديق التي ترشد المتلقي الى سنة الهية جرتفي الامم السابقة وتجري في هذه الامة، وهي الحاق العقوبة لمنتهكي الحدود الالهية،اما انيا ساعة وقوعها بحيث لا يستغرق وقوعها وقتا طويلا، واما تأخيرها لما بعد ثلاثة ايام او لزمن ابعد من ذلك، وذلك بحسب مكانة المقدسات او بحسب الامر الارشادي للناس كي يعودوا الى جادة الصواب والرجوع الى الله تعالى.

ويمكن الوقوف على هذه المقاصدية فيما يلي:

ألف - أسرع العقوبات الإلهية وقوعا في عقد النية الجماعية

جاء ذلك في قوله تعالى: ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾(1)

فقد أستغرق أمر وقوع العقوبة في الحادثة التي وقعت في قوم لوط (عليه السلام) بضع ساعات جزاءً لما جَنوه من عقد النية على انتهاك الحدود حينما عزموا على أن يتعدوا على ضيوف لوط (عليه السلام) وهم الملائكة الذين دخلوا عليه بهيئة البشر كما تبين الآيات المباركة:

ص: 225


1- سورة هود، الآية ( 81 ).

﴿وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهرَعُونَ إلِيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِ هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّه وَلَ تُخزُونِ فِی ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ ( 78 ) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِی بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ ( 79 ) قَالَ لَوْ أَنَّ

لِی بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إلِی رُكْنٍ شَدِيدٍ ( 80 ) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إلِيْكَ فَأَسْر بأِهْلكِ بقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إلِّا امْرَأَتَكَ إنِّهُ مُصِيبُهَا مَا أصَابَهمْ إنِّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبحْ ألَيَسْ الصُّبحْ بقِرِيبٍ ( 81 ) فَلَمَّ جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا

سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ ( 82 ) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمينَ بِبَعِيدٍ﴾(1).

والحادثة في بيانها لمصداق وقوع العقوبة وملازمتها لانتهاك المقدسات والحدودالالهية متفردة في البيان عن بقية الآيات الاخرى وذلك أنها ترشد الى خطورة النية والعزم في العمل.

فقوم لوط لم يتعدوا على الملائكة ولكن بمجرد عزمهم على إنتهاك حدود الله في الاعتداء على ضيوف نبي الله لوط (عليه السلام) عاجلهم الله تعالى في العقوبة وهي من خلال العرض القرآني تكون العقوبة الاسرع في الوقوع ان لم تستغرق

سوى بضع ساعات بين العزم على الفعل وبين رميهم بحجارة من سجيل جزاء على اجتماعهم على نية واحدة، فضلا عن أن هذا العزم في أتحاد نياتهم كان نتيجة لتلبس السيئات فيهم حتى وصلوا جميعاً الى شاكلة واحدة بسبب فعلهم السيئات.

باء - أقرب العقوبات وقوعا يكون بعد ثلاثة أيام

يكشف القرآن الكريم جانبا آخر من استحقاق الجناة والظالمين للعقوبة الالهية ومعاجلتهم بها فيحدد الفترة الزمنية بين اقتراف الجرم وصدور العقوبة ووقوعها

ص: 226


1- سورة هود، الآية ( 78 - 83 ).

وهو ثلاثة ايام وذلك حينما يتعلق الامر بالرضا بانتهاك الحرمات والمقدسات الالهية كما جاء ذلك في قضية نبي الله صالح وعقر الناقة، حيث قال تعالى:

﴿وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّه لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِی أَرْضِ اللَّه وَلَا تَمسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ ( 64 ) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمتَّعُوا فِی دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْر مَكْذُوبٍ ( 65 ) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمةٍ مِنَّا وَمِنْ

خِزْيِ يَوْمِئذِ إنِّ رَبَّكَ هُوَ القْوِيُّ العْزِيزُ ( 66 ) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِی دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾(1).

وقد بين نبي الله صالح لقومه تعجيل العقوبة حينما يرتبط الامر بانتهاك المقدسات واشتراكهم جميعا فيه وان كان الفاعل واحدا في عقر الناقة كما جاء في قوله تعالى:﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا ( 11 ) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا ( 12 ) فَقَالَ لَهمْ رَسُولُ اللَّه نَاقَةَ اللَّه وَسُقْيَاهَا ( 13 ) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهمْ بذِنْبهِمْ فَسَوَّاهَا ( 14 ) وَلَا يَخافُ عُقْبَاهَا﴾(2).

فبين قوله ﴿فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ﴾ وقوله ﴿تَمتَّعُوا فِی دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْر مَكْذُوبٍ﴾ فكان الغريب في القران الكريم هو ثلاثة ايام.

وبين قوله ﴿إذِ انْبعَثَ أشَقَاهَا﴾، وقوله﴿فَعَقَرُوهَا﴾ وهو اشراكهم في الفعل وإن كان المنفذ واحداً؛ وبين قوله ﴿فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهمْ بِذَنْبِهِمْ﴾ بيان لوقوع العقوبة واختصاص الجميع بها حينما يتعلق الامر بالسكوت والرضا على انتهاك ما ارتبط وجوده بالله تعالى واختص به، كبيت الله، وشهر الله، وناقة الله، وهذا كله في الوجود المعنوي، أما الوجود الذواتي كأنبياء الله تعالى، ورّسلُ الله، و أولياء الله، فالعقوبة

ص: 227


1- سورة هود، الآية ( 64 - 67 ).
2- سورة الشمس، الآية ( 11 - 15 ).

أشد وأسرع مالم يتم ترجيح بقاء الإمة أو القوم الذين وقعت بين ظهرانيهم الجريمة في انتهاك المقدسات كقوم النمرود ورميهم لإبراهيم في النار أو في عزمهم على قتل عيسى بن مريم؛ وإيذائهم للنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، ومن ثم:

1- يعرض القرآن الكريم استحقاق الظالمين للعقاب ونزوله ووقوعهم فيه في دلالة الزمن القريب هو ثلاثة ايام وان الفاصل الزمني للعقوبة وبين الجرم يتحدد بحسب قدسية الشيء من جهة وبين تقديم المصلحة في تجزئة العقوبة وتوقيتاتها

التنفيذية بين عقد النية الجماعية.

2- والرضا الجماعي بالجريمة.

المسألة الثانية: فاطمة (علیها السّلام) تحدد العقوبات التي استحقها الجناة وقصديةالزمن في وقوعها
اشارة

تظهر قصدية استحقاق العقوبة من خلال الحكم الإلهي في معاقبة الجناة في قوله (عليه الصلاة والسلام):

«وستقول ويحكم الله .»

وذلك من خلال تحديدها (عليها السلام) للعقوبات التي استحقها الجناة في خطبتها التي ألقتها في المسجد وقد اردفتها (عليها السلام) في اظهار قصدية الزمن في وقوعها كما مرّ بيانه في المسألة السابقة في اظهار الزمن في وقوع العقوبة كما في الرضا بوقوع الجرم بعقر الناقة.

ومن ثم فإن هذه الانتهاكات والاعتداء على الحرمات المقدسات التي وقعت على بيت النبوة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لابد لها من بيان يربط بنوع العقوبات وتحديد الزمن الذي يعقب وقوع الجريمة فكان البيان لذلك من خلال

خطبتها (عليها الصلاة والسلام) في المسجد، فكانت على النحو الاتي:

ص: 228

أولاً: تحديد الزمن الذي أعقب وقوع الجرم وصدور الحكم وتنفيذه
اشارة

يختلف الزمن في تحديده من حيث المدة التي أعقبت انتهاك حرمة بيت النبوة والاعتداء على بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما يحددها قول امير المؤمنين (عليه السلام) في هذا النص الشريف -موضع البحث- والذي سنتعرّض له

مفصلا من خلال جملة من المسائل.

ومن ثم فإن المدة الزمنية التي أعقبت هذه الاعتداءات والانتهاكات للحرمات والمقدسات تختلف عن الذي أظهره القرآن الكريم كما مرَّ سابقا والعلة في ذاك تعود الى جملة من الأسباب، منها:

1- إن الإسلام هو خاتمة الأديان ومن ثم لا يكون التعجيل في العقوبة مثلما كانت الاديان السابقة والامم الماضية إذ جرت السنّة الألهية بتعاقب الاديان ونسخها لما يأتي من بعدها، أما دين الإسلام فهو خاتم الأديان ولذا لا يكون التعجيل في

العقوبة.

2- إن النبي (صلى الله عليه وآله) كان وجوده يرفع العذاب لقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبَهمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللُّه مُعَذِّبَهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾(1). ومن ثم وجود النبي (صلى الله عليه وآله) يرفع العذاب وكذا الاستغفار؛ والاول متحقق بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بوجود نفس النبي وهو الامام علي (عليه السلام) بنص اية المباهلة في قوله تعالى (وانفسنا وانفسكم) فلم يخرج معه في الاختصاص بالأنفس غير الإمام علي (عليه السلام) لمباهلة نصارى نجران.

ص: 229


1- سورة الانفال، الآية ( 33 ).

فوجود الإمام علي (عليه السلام) في هذه الخاصية لرفع العذاب العاجل في الأمة متحقق ومانع لوقوعه في الامة والحال هذا يجري مجرى المعصومين من بعده فهم

الأمناء على الخلق في رفع العذاب العاجل بإذن الله تعالى.

إلاّ إن هذه الانتهاكات لبيت النبوة وان كانت العقوبات متحققة كما سيمر إلاّ أنها خارجة عن نطاق التعجيل في العذاب، وعليه:

يصبح تحديد الزمن متفاوت إلاّ أنه لن يطول كثيرا كما بينته الزهراء في خطبتها في موضعين، وهما:

الموضع الاول - في قولها (علیها السّلام)

(ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها وسيلس قيادها)(1).

وهذا القول فيه قصديتين:

القصدية الأولى: التلبث المقرون بالنية المبينة للانقضاض على بيت النبوة وسلب الخلافة والجلوس في مجلس الحكم والأثرة بالملك كما صرّح بذلك عمر بن الخطاب في يوم السقيفة، فقال (من ذا ينازعنا سلطان محمد وأمارته)(2).

فكان تسارعهم للسقيفة والنبي (صلى الله عليه وآله) لم يدفن بعد كاشفاً للتربص والإصرار على هتك الحرمات والاعتداء على المقدسات.

القصدية الثانية: تحديد المدة الزمنية التي تعقب نزول العقوبات على الجناة والتي تقتضي بحسب النص الشريف الى بضع سويعات وذلك من خلال دلالة انقياد الفرس النافرة عن الإنقياد لصاحبها حتى يسهل قيادها وهو ما استعارته (عليها الصلاة والسلام) كناية عن المماثلة بين بقائهم وسكن نفرة الدابة وسلس قيادها.

ص: 230


1- الاحتجاج للطبرسي: ج( 1) ص( 138 ).
2- تاريح الطبري:ج 2 ص 457 .
الموضع الثاني - قوله (علیه السّلام) (أما لعمري لقحت فنظرة ريثما تنتج)

الموضع الثاني - قوله (علیه السّلام) (أما لعمري لقحت فنظرة ريثما تنتج)(1).

وهذه القصدية في تحديد المدة الزمنية لنزول العقاب حددته (عليها الصلاة والسلام) في بضع شهور كما هي العادة في لقاح النبات حتى تثمر وتنتج، أو في الحيوان والإنسان إذ الأمر غالبا في معظم الحيوانات لم يتعد السنة لاسيما في المألوف

من الحيوان عند العرب كالأغنام والأبقار والإبل، وغير ذلك مما ألف الناس رؤيته ومعايشته.

وعليه: فالمدة الزمنية التي اعقبت تنفيذ العقوبات الالهية في الجناة والامة كانت بضع شهور.

ثانياً: نوع العقوبات التي استحقها الجناة

أما نوع العقوبات فقد حددتها (عليها السلام) بما يلي:

«ثم احتلبوا ملئ القعب دماً عبيطا وذعافاً مبيدا، هناك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غب ما أسسه الأولون ثم طيبوا عن دنياكم انفسا، واطمئنوا للفتنة جأشا.

وابشروا بسيف صارم، وسطوة معتد غاشم، وبهرج شامل، واستبداد من الظالمين،يدع فيئكم زهيدا، وجمعكم حصيدا، فيأصره لكم، وانى بكم وقد عميت عليكم ﴿ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَها كَارِهُونَ﴾ »(2).

ويتضح من ذلك جملة من العقوبات الالهية لهذه الانتهاكات والاعتداءات على المقدسات، وهو كالاتي:

ص: 231


1- الاحتجاج للطبرسي: ج( 1) ص( 148 ).
2- الاحتجاج للطبرسي: ج( 1) ص( 148 ).

الف- نتائج هذه الاعمال.

1- الإحتلاب من الدماء حتى الإمتلاء.

2- الموت الغاشم.

3- الفتنة الدائمة بين المسلمين.

باء- تسلسل العقوبات.

1- السيف الصارم.

2-سطوة الأعداء، اي: اعداء المسلمين.

3- الهرج الشامل.

4-استبداد الظالمين.

5- الفرقة الدائمة.

المسألة الثالثة: قصدية إظهار الآثار النفسية التي يعيشها الجناة
اشارة

ينقلنا النص الشريف في قوله (عليه السلام): «ستقول ويحكم الله » الى قصدية جديدة مرتبطة بالآثار النفسية التي يعيشها الجناة بعد ارتكابهم الجرم، وخاصة حينما يدركون أن العقاب واقع بهم لامحالة لاسيما إذا كان الأمر مرتبطاً بالضحية

من جهة، ومن جهة ثانية مرتبط بنوع العقوبة، وهو ما سنتناوله في هذه المسألة.

أولاً: شأنية الضحية ومنزلتها تزيد في المعاناة النفسية للجناة.
اشارة

إن القصدية في هذه الناحية، أي الآثار النفسية المرتبطة بالجناة تتكشف من خلال نفس الضحية التي تعرضت للاعتداء.

ص: 232

بمعنى: إنّ الارتدادات النفسية التي يعيشها الجناة تتعاظم كلما تعاظم شأن الضحية والأمثلة على ذلك في الحياة متعددة وعلى مر الزمان، ومنها:

ألف - الشأنية الدنيوية

ويظهر ذلك لأصحاب المنازل المرموقة كأرباب الملك وشؤن المملكة او الحكام وأرباب الحكومة، فهؤلاء بحكم مناصبهم في الدولة تصبح لهم شأنية تفرض على الاخرين جملة من الحدود والقيود في التعامل معهم في تعظيمهم والاحتفاء بهم،

ومن ثم فإن المساس بهم والتعرض لهم بما يمس بهذه الشأنية المعنوية من جهة وبما يمس بشخوصهم وذواتهم من جهة ثانية ليترتب عليه مجموعة من الآثار النفسية التي تتناسب في حجمها مع حجم تلك الشأنية.

ومن ثم يعيش الجاني أو المعتدي على شأن الملك والحاكم أو الوزير معاناة نفسية أكبر مما يعيشها نفس الجاني فيما لو أعتدى على موظف صغير في عنوانه الوظيفي في دائرة

من الدوائر الخدمية كأن يكون عاملاً في بلدية لناحية من النواحي التابعة للاقضية.

إذ الاختلاف قائم ولو كان من هذا العنوان، بمعنى: إنّ العامل في نظافة قصرالملك ولو كان عنوانه الوظيفي حاملاً للقمامة إلا أنه لا يقاس بنفس الشأنية التي يحملها من يحمل القمامة من شوارع الناحية التي تعود في نظامها الإداري للقضاء،

وهذا القضاء خاضع للمحافظة.

من هنا:

تختلف المعاناة النفسية التي يعيشها الجاني أو المعتدي في حالة الترقب لوقوع العقاب والقصاص باختلاف شأن الضحية ومنزلتها في الحياة الدنيا وذلك ليقينه أن العقوبة ستكون كبيرة في الإعتداء على الخادم في قصر الملك ولا تقاس في حجمها

في الاعتداء على عامل للنظافة في قرية من القرى.

ص: 233

باء - الشأنية الآخروية

في هذا الاتجاه تكون المعاناة النفسية للجناة كبيرة أيضا لاسيما وأن القرآن الكريم قد ركز على الجانب النفسي كنوع من العقوبة الأولية في موارد متعددة.

وذلك من خلال إمهالهم للوقت الفاصل بين وقوع الجريمة وتنفيذ العقوبة ولقد كان من شأن الانبياء (عليهم السلام) بيان الزمن الفاصل بين وقوع الجريمة وتنفيذ العقوبة كما مرَّ بيانه سابقا؛ كقوله تعالى:

1- ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾(1).

2- ﴿تَمتَّعُوا فِی دَارِكُمْ ثَلَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْر مَكْذُوبٍ﴾(2).

وخلال هذه الساعات التي يعيشها الجناة فإن الدقائق التي تمضي عليهم كلما أنقضت دقيقة منها أزداد معها حالات الترقب لوقوع العقوبة، وهذا الترقب هو في حد ذاته عقوبة شديدة للنفس فقد عاشت معاناة الألم النفسي في الإنتظار وأن هذه

المعاناة تزداد كلما كانت الضحية عظيمة الشأن عند الله تعالى.

على الرغم من أن الجناة والظالمين وإن كانوا يتظاهرون بالجلادة والعزة بالإثم والتحدي لوقوع العقوبة إلا أن الحقيقة النفسية أنهم في معاناة نفسية نتيجة تلك الإرتدادات التي يخلفها الزمن المحدد لوقوع العقوبة لاسيما إذا كانت العقوبة

بالإعدام أو أنها تكون مجهولة وهي في هذه الحالة تكون أكثر أثراً على النفس إذ يزداد معها الترقب لجهالة الجناة بنوع العقوبة.

ص: 234


1- سورة هود، الآية ( 81 ).
2- سورة هود، الآية ( 65 ).

وهذه المعاناة النفسية كشفها القرآن الكريم من خلال تحديده للزمن الذي يسبق تنفيذ العقوبة فضلا عن اخفائه نوع العقوبة اذ لا يعلم الجناة كما في حادثة خروج أبرهة لتهديم بيت الله وكقوم لوط عن نوع العقوبة، إذ لم يكونوا يعلمون أنهم سيعاقبون برميهم بحجارة من سجيل كما لم يكن كثير من الامم يعلمون أنهم سيعاقبون بنوع محدد، في حين كان غيرهم قد أخبروا بذلك كقوم صالح ﴿ فَأَصْبَحُوا فِی دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾.

وعليه:

تكون القصدية هنا من مجموعة المقاصدية في قوله (عليه السلام): (وستقول ويحكم الله)

هو بيانه واظهاره للمعاناة النفسية التي يعيشها الجناة الذين انتهكوا حرمة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وحرمة سيدة نساء العالمين هذه المعانة النفسية للجناة تكون من جهة العقوبة وزمان تنفيذها كما مرَّ بيانه.

ثانياً: ترقب الجناة لسكوت الضحية أو نطقها يزيد في عقوبة المعاناة النفسية

ولها وجهة نظر ثانية تزيد في حجم المعاناة النفسية للجناة وهي من جهة الضحية نفسها وهل أنها ستتكلم أم أنها ستسكت وذلك أن سكوتها يمنع وقوع العقوبة أو على أقل التقادير إنه يخفف في حجمها وذلك بلحاظ ما يمكن أن تتكلم به الضحية أمام القضاء.

ص: 235

وعليه:

فقوله: (ستقول ويحكم الله)، بمعنى: رفع التوهم وقطع الظنون لدى الجناة والظالمين من أنها (عليها السلام) لمم تتكلم عما جرى عليها ولن تتحدث عما اجترموا بحقها وذلك أنهم عايشوها فترة من الزمن فوجدوها ساكتة لم تألب الناس عليهم أو لم تدفع فحل الفحول ومجندل صناديد العرب الإمام علي (عليه

السلام) للأخذ بحقها كما مرَّ بيانه في سبب كتمانها ما جرى عليها حتى عن علي (عليه السلام) وهو ما بحثناه في قوله (عليه السلام): «فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد الى بثه سبيلا .»

ومن ثم قد أصبح لدى الظالمين والجناة قناعة بأنها لن تتكلم ولم تحرك ساكنا سوءا لدى علي (عليه السلام) أو لدى بني هاشم بلحاظ ما تفرضه القوانين العشائرية من قوانين

المطالبة بحق ابن العشيرة في الاعتداء عليه وهذا في اقل التقادير أو سواء على المستوى الجماهيري بتحريك الناس وهس التي تمتلك من الوسائل التي تمكنها من تأجيج

المجتمع وقيادة الحراك الجماهيري ضد أصحاب السقيفة إلا أنها اختارت السكوت في أغلب حالها وإن كانت (عليها السلام) قد قادت الحراك السياسي والجهادي ضد السلطة من خلال خروجها الى المسجد وألقاء خطبتها الإجتماعية فيه أو من خلال خطبتها في مجمع من نساء الأنصار والمهاجرين حينما جئن لزيارتها في مرضها.

إلا أنها في أصل الموضوع كانت ساكتة عن الكثير مما جرى عليها منه جاء قوله (عليه السلام): «فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد الى بثه سبيلا .»

وعليه: فالإمام امير المؤمنين (عليه السلام) يقطع طريق على الجناة في رفعهم لهذه المعانة ودفعهم لحالات الترقب من خلال عدم اطمئنانهم بأنها لن تتكلم مبين أنها (علیها السّلام):

«ستقول ويحكم الله .»

ص: 236

أي نقلهم الى المعاناة النفسية لما اقترفوه في التعدي وانتهاك حرمتها.

من هنا: اجتمع عليهم جملة من الاثار النفسية كما مر بيانة، وهي:

1- الآثار النفسية المرتبطة بشأنية فاطمة (عليها السلام) الاخروية والدنيوية.

2- الآثار النفسية المرتبطة بالزمن الفاصل بين وقوع الجريمة و وقوع العقوبة.

3- الآثار النفسية المرتبطة بما تقوله الضحية، أي فاطمة (عليها السلام).

4- الآثار النفسية المرتبطة بنوع العقوبة الالهية.

ومنها ما أرتبط بأصحاب الجريمة والجناة الاساسيين الذين اقترفوا جريمة قتلها كما سيمر لاحقا؛ ومنها ما أرتبط بالأمة، والذي حددته الزهراء (عليها السلام) بجملة من العقوبات العامة التي ستقع في الامة لسكوتها على الجريمة ورضاها

بفعل الجناة ومشايعتهم وهو ما سنتناوله في المسالة القادمة.

المسألة الرابعة: القصدية في تنوع الحكم الالهي
اشارة

تظهر قصدية قوله (عليه السلام):

«ويحكم الله » في اختلاف الحكم الى شقين أو قسمين، القسم الأول خاص بالجناة الاساسيين أصحاب السقيفة وبعض الذين تعرضوا مباشرة للاعتداء على بيتالنبوة وانتهاك حرمة بضعة النبي (صلى الله عليه وآله) وهؤلاء كانت العقوبات

الدنيوية بحقهم مختلفة عن العقوبات التي لحقت بالأمة جميعا، فأما العقوبات الاولى الخاصة بالجناة فكانت على النحو الاتي:

ص: 237

القصدية الاولى: ظهور الحكم الالهي في الجناة الاساسيين الذين انتهكوا حرمة بيت النبوة
اشارة

يمكن استجلاء قصدية تنفيذ الحكم الألهي في حق الجناة الاساسيين الذين انتهكوا حرمة بيت النبوة من خلال قراءة سيرتهم وخواتيم اعمالهم.

بمعنى الوقوف عند تلك اللحظات الاخيرة التي ودعوا فيها الحياة الدنيا ليطأوا أول أعتاب الحياة الاخرة لاسيما حالات الاحتضار والكيفية التي ماتوا بها وختموا حياتهم، ومن ثم:

تقديم صورة واضحة المعالم عن عاقبة الجناة الاساسيين الذين ظلموا فاطمة (صلوات الله عليها)، فقد ذكرت النصوص التاريخية والحديثية تهديد عمر بن الخطاب لفاطمة (عليها السلام) في حرق دارها بمن فيه واقدامه من بعد ذلك على تنفيذ التهديد.

وذكرت النصوص أيضا أن الآمر بالهجوم واقتحام بيت النبوة كان بأمر من أبي بكر ومن ثم لا بد من اجراء السنة الالهية في اختصاص اهل هذا البيت بالنبي الاعظم (صلى الله عليه وآله)، أي: تحقيق مصداق قوله (صلى الله عليه وآله):

(هؤلاء اهل بيتي؛ اني سلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم)(1).

وعليه: فإن عاقبة هؤلاء القادة والجناة الاساسيين الذين ظلموا فاطمة (عليها السلام) كانت وبحسب مقتضى قوله (عليه السلام):(وستقول ويحكم الله)، على النحو الآتي:

ص: 238


1- مسند أحمد:ج 2 ص 442 ؛ سنن الترمذي: ج 5 ص 360 ؛ مستدرك الحاكم: ج 3 ص 149
ألف - كيف كانت عاقبة ابي بكر في آخر أيام حياته وماذا قال في احتضاره ؟

أختلفت الروايات في كيفية موت أبي بكر، فمنها ما جعلت سبب الوفاة فنسبته إلى دس السم إليه فقضى مسموما(1)؛ ومنها ما قيل: إنه توفي بالسّل(2).

ومنها ما قيل: إنه مرض بسبب لسعة الحية التي لسعته ليلة الغار(3).

لكن الأشهر عند المؤرخين، إنه مات مسموماً، وقد احتضر فدخل عليه عبد الرحمن بن عوف فسمع منه اعترافه وندمه على ما فعل ببيت فاطمة (عليها السلام) وكم تمنى أنه لم يقتحم هذا الدار ولم يؤمر باقتحامه، قائلاً له: (وودت أني لم أكن كشفت عن بيت فاطمة، وتركته ولو أغلق على حرب...)(4).

باء - كيف كانت عاقبة عمر بن الخطاب في آخر حياته؟ وماذا قال في احتضاره ؟

قبل وصول عمر بن الخطاب إلى اللحظات الأخيرة من عمره كان له موقفاً مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيما مضى وقد سأله رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن حاله في القبر وحضور الملكان إليه ليسألانه عن التوحيد والنبوة والإمامة فما

كان جوابه.

قال عمر، قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله):

«كيف أنت إذا كنت في أربع أذرع في ذراعين، ورأيت منكراً ونكيراً؟ .»

ص: 239


1- الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج 1، ص 395 .
2- تاريخ القضاعي: ص 277 ؛ مستدرك الحاكم: ج 3، ص 64 ؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 3، ص 198 ؛ تاريخ القرماني: ج 1، ص 281 .
3- الفخري في الآداب السلطانية: ج 1، ص 34 .
4- السقيفة وفدك للجوهري: ص 43 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 2، ص 47

قال: قلت يا رسول الله وما منكر ونكير؟ قال (صلى الله عليه وآله): «فتانا القبر يبحثان الأرض بأنيابهما، يطآن في أشعارهما، أصواتهما كالرعد القاصف، وأبصارهما كالبرق الخاطف، معهما مرزبة لو اجتمع عليها أهل الأرض لم يطيقوا رفعها، هي أيسر عليهما من عصاي هذه .»

قلت: يا رسول الله وأنا على حالي هذه؟ قال:

«نعم .»

قلت: أكفيكهما(1).

والسؤال المطروح لماذا يتوجه النبي (صلى الله عليه وآله) بالسؤال إلى عمر عن حال القبر وحضور منكراً ونكيراً ويصفهما له ومن ثم يبيّ له النبي (صلى الله عليه وآله) بناءً على سؤاله أنه على حاله هذه فقد كفيهما لكنه بعد ترويعه لفاطمة بتهديها في حرق دارها بمن فيه، أي القضاء على أهل البيت النبوي وابادتهم، ولم يثنه شيء من حرقه لبيت النبوة واقتحامه له وقتله للمحسن وأمه، وترويع الحسن والحسين (عليهما السلام)، قطعاً قد تغير حاله، هذا الحال الجديد في القبر أخبر عنه عمر بن الخطاب حينما رآه أحد الناس في المنام بعد قتله على يد أبي لؤلؤة وكان قد طعنه في بطنه فبقرها.

إنها حالاً جديدة قال عنها ابن الخطاب: حينما سئل في الرؤيا: (كاد يُثَلُّ عرشي) وهو مثل يضرب للرجل إذا ذل وهلك(2).

أما حاله في الاحتضار فقد أخبر عنها البخاري عن المسور بن مخرمة، إنه قال: (إنّ عمر لما طعن جعل يألم، فقال له ابن عباس وكأنّه يجزّعه فرد عليه عمر قائلاً:

ص: 240


1- الدر المنثور للسيوطي: ج 4، ص 82 . كنز العمال للهندي: ج 15 ، ص 741 .
2- النهاية في غريب الحديث لابن الأثير: ج 1، ص 220 ، ط دار إحياء التراث.

وأما ما ترى من جزعي، فهومن أجلك وأجل أصحابك، ووالله لو أن طلاع الأرض لي ذهباً لافتديت به من عذاب الله من قبل أن أراه)(1).

وكان يقول:

وقد أخذ تبنة من الأرض: يا ليتني كنت هذه التبنة، ليتني لم أخلق، ليت أمي لم تلدني، ليتني لم أكن شيئاً، ليتني كنت نسياً منسياً)(2).

فهذه حال عمر بن الخطاب في اللحظات الأخيرة من حياته وعند احتضاره وانتقاله إلى الآخرة.

القصدية الثانية: معاقبة من رضا بظلمها فكانت العقوبة الجماعية
اشارة

يمكن بيان هذه القصدية في قوله (عليه السلام) (ويحكم) من خلال ما عايشته الامة من مظاهر تتجلى فيها العقوبات الالهية الجماعية فكانت على النحو الاتي:

أ- ظهور حروب الردة عند الايام الاولى لتولي الخلافة و وقوع السيف بين المسلمين

إن أول مظهر من مظاهر معاقبة الذين ظلموا فاطمة عليها السلام هي وقوع السيف بين المسلمين بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك حينما قام أبو بكر بتجهيز جيش بقيادة خالد بن الوليد لإجبار المسلمين على بيعته بحجة

ارتداد هؤلاء عن الإسلام أو امتناعهم من إعطاء الزكاة إلى السلطة الجديدة.

فكان ما كان من أمر خالد بن الوليد وقتله للمسلمين لاسيما قتله لمالك بن النويرة والمبيت مع زوجة مالك في نفس الليلة التي قتل خالد فيها زوجها(3).

ص: 241


1- صحيح البخاري، باب مناقب المهاجرين: ج 4، ص 201 .
2- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 3، ص 360 ؛ أنساب الأشراف للبلاذري: ج 10 ، ص 437 .
3- مرآة الجنان لليافعي: ج 1، ص 55 . الإيضاح للفضل بن شاذان: ص 134 . الاستيعاب لابن عبد البر:ج 3، ص 1362 . فتوح البلدان للبلاذري: ج 1، ص 117 .

والسؤال المطروح: ماذا سمي هذا المبيت هل هو اغتصاب، أم زواج مدني، أم نكاح جاهلي، أم زنى؟! لا أحد يعلم ما كانت الشريعة التي أتبعها خالد بن الوليد آنذاك سوى الذي نصبه قائداً على الجيش ولذلك لم يعاقبه.

ب- عمر بن الخطاب يغتال سيد الأنصار سعد بن عبادة بعد حادثة السقيفة

إن من الآثار التي ظهرت في الأمة بعد قيامها بظلم فاطمة بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وظلم بعلها علي بن أبي طالب (عليه السلام)، هو وقوع القتل لسيد الأنصار سعد بن عبادة الذي جلس في سقيفة بني ساعدة يتفاوض في أمر البيعة والخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) والذي لم يحرك ساكناً وهو يرى انتهاك حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حينما اقتحم عمر بن الخطاب بيت فاطمة (عليها السلام) بعد أن أضرم النار فيه.

هذا السكوت عن الظلم وترك نصرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعرضه وحرمته كان من نتائجه أن يُقتل سعد بن عبادة غيلة بسهم أصابه من رجل بعثه إليه عمر بن الخطاب كمرحلة من مراحل الإنقلاب وتصفية رموز المعارضة.

فعن ابي المنذر هشام بن محمد الكلبي، قال:

(بعث عمر رجلاً إلى الشام فقال: أدْعه إلى البيعة، واحمل له بكل ما قدرت عليه، فقدم الرجل الشام، فلقيه بحوران في حائط(1)، فدعاه إلى البيعة، فقال: لا أبايع

قرشياً أبداً.

ص: 242


1- الحائط: البستان.

قال: فإني أقاتلك: وإن قاتلتني.

قال: أفخارج أنت مما دخلت فيه الأمة؟

قال: أما البيعة فأنا خارج؛ فرماه بسهم، فقتله.

وعن ميمون بن مهران عن أبيه قال: (رمي سعد بن عبادة في حمّام بالشام فقتل).

وعن ابن سيرين قال: رمي سعد بن عبادة بسهم فوجد دفينا في جسده، فمات؛فبكته الجنّ فقالت:

وقتلنا سيد الخزْ*** رج سعد بن عبادة

ورميناه بسهمي*** ن فلم نخطئ فؤاده(1)

ولا يخفى على أهل البحث والفكر أن هذين البيتين إنما قيلا كي يضيع معهما دم سعد بن عبادة فتقيد الجريمة ضد مجهول؛ وتبرء ساحة عمر بن الخطاب الذي كان الباعث والمدبر لوقوع هذه الجريمة؛ أو لعل عمر كان له أعواناً من الجن ينفذون

أوامره بقتل المخالفين له سواء كانوا من المهاجرين أم من الأنصار وإنهم، أي هؤلاء الجن كانوا يحسنون الرمي وقول الشعر ليكون فعل الجن يشد الانتباه أكثر من وقوع الجريمة فيشغل الرواة بالجن ويتركون الضحية كما وقع لسعد بن عبادة

زعيم الأنصار وسيدهم!!

ص: 243


1- العقد الفريد لابن عبد البر الأندلسي: ج 2، ص 74 ، وج 4، ص 259 260 .
ج- عثمان بن عفان يكشف عن بطش عمر بن الخطاب بالصحابة فلم يتمكنوا من الاعتراض عليه

لا شك أن الساكت عن الظلم كالعامل به، ولا شك أن آثار الظلم لتسري في المجتمع كما يسري النار في الهشيم، سُّنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تحويلا ولاتجد لها تبديلا.

فالذين سكتوا عن ظلم فاطمة (عليها السلام) ورضوا بفعل عمر بن الخطاب قد إبتلاهم الله بعمر بن الخطاب فأذاقهم الذل كما أخبر بذلك خليفة المسلمين عثمان بن عفان فقال:

(إن لكل شيء آفة، وإن لكل نعمة عاهة، وإن عاهة هذا الدين عيابون ظنانون يظهرون لكم ما تحبون ويسرون ما تكرهون، يقولون لكم وتقولون طغام مثل النعام يتبعون أول ناعق أحب مواردهم إليهم النازح.

لقد أقررتم لابن الخطاب بأكثر مما نقمتم عليّ ولكنه وقمكم وقمعكم وزجركم جزر النعام المخزمة، والله إني لأقرب ناصراً وأعز نفراً وأقمن إن قلت هلم أن تجاب دعوتي من عمر هل تفقدون من حقوقكم شيئاً فما لي لا أفعل في الحق ما أشاء

إذا فلم كنت إماما)(1).

وله موقف آخر مع الصحابة وأبنائهم حينما أراد توسعة مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) فقال له مروان بن الحكم:

ص: 244


1- إعجاز القرآن للباقلاني: ص 216 217 ، ط دار المعارف بمصر؛ البيان والتبيين للجاحظ: ج 1، ص 377 .

(فداك أبي وأمي أمر خير لو فعلته ولم تذكر لهم، فقال ويحك! إني أكره أن يروا إني استبدّ عليهم بالأمور، فقال مروان: فهل رأيت عمر حيث بناه وزاد فيه ذكر ذلك لهم؟ فقال: أسكت إن عمر أشتد عليهم فخافوه، حتى لو أدخلهم حُجْرَ ضبٍّ

دخلوا، وإني لنت لهم حتى أصبحت أخشاهم، قال مروان بن الحكم: فداك أبي وأمي لا يُسمع هذا منك فيجترأ عليك)(1).

د- عائشة تألب الناس على عثمان بن عفان

لعل الناظر إلى الفترة الزمنية التي أعقبت وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمحصورة في زمن خلفاء المسلمين يجد أن زمن الخليفة الثالث من أكثر الأزمنة ظهوراً للتناحر بين الرعية والخليفة لاسيما وإن هذا الزمن قد شهد الظهور الأول

لتحرك عائشة زوج النبي (صلى الله عليه وآله) بأكثر من اتجاه؛ منها ما كان برواية الحديث والإفتاء، ومنها ما كان في الجانب السياسي والتدخل في شؤون السلطة وتكفير الخليفة ووصفه بالخروج عن السنة ومحو الشريعة، إذ كانت في زمن عثمان

بن عفان (تخرج قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله) وشعره، وتقول: هذا قميصه وشعره لم يبليا، وقد بلي دينه، أقتلوا نعثلاً، قتل الله نعثلا)(2).

(وكانت عائشة بمكة، خرجت قبل أن يقتل عثمان، فلما قضت حجها أنصرفت راجعة، فلما صارت في بعض الطريق لقيها ابن أم كلاب، فقالت له: ما فعل عثمان؟

قال: قتل! قالت: بعدا وسحقاً! قالت: فمن بايع الناس؟ قال: طلحة، قالت: أيها ذو الأصبح.

ص: 245


1- وفاء الوفاء: ج 2، ص 252 ، ط مؤسسة الفرقان.
2- تجارب الأمم لابن مسكويه الرازي: ج 1، ص 469 ؛ تاريخ أبي الفداء: ج 1، ص 172 ؛ أخبار الدول للقرماني: ج 1، ص 271 .

ثم لقيها آخر، فقالت: ما فعل الناس؟ قال: بايعوا علياً.

قالت: والله ما كنت أبالي أن تقع هذه على هذه، ثم رجعت إلى مكة، وأقام علي أياماً، ثم أتاه طلحة والزبير فقالا: إنا نريد العمرة، فأذن لنا في الخروج.

وروى بعضهم أن علياً قال لهما، أو لبعض أصحابه:

«والله ما أرادا العمرة، ولكنهما أرادا الغدرة .»

فلحقا عائشة بمكة فحرضاها على الخروج، فأتت أم سلمة بنت ابي أمية، زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالت: إن ابن عمي وزوج أختي أعلماني أن عثمان قتل مظلوماً، وأن أكثر الناس لم يرض ببيعة علي، وأن جماعة ممن بالبصرة قد خالفوا،فلو خرجت بنا لعل الله أن يلم أمر أمة محمد على أيدينا؟

فقالت لها أم سلمة: إن عماد الدين لا يقام بالنساء، حماديات النساء غض الأبصار،وخفض الأطراف، وجر الذيول.

إن الله وضع عني وعنك هذا، ما أنت قائلة لو أن رسول الله عارضك بأطراف الفلوات قد هتكت حجابا قد ضربه عليك؟ فنادى مناديها: إلا إن أم المؤمنين مقيمة، فأقيموا.

وأتاها طلحة والزبير وأزالاها عن رأيها، وحملاها على الخروج، فسارت إلى البصرة مخالفة على علي، ومعها طلحة والزبير في خلق عظيم، وقدم يعلى بن منية بمال من مال اليمن قيل: إن مبلغه أربعمائة ألف دينار، فأخذه منه طلحة والزبير،

فاستعانا به، وسارا نحو البصرة.

ص: 246

ومرَّ القوم في الليلة بماء يقال له: ماء الحوأب، فنبحتهم كلابه، فقالت عائشة: ما هذا الماء؟ قال بعضهم: ماء الحوأب، قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون! ردوني ردوني! هذا الماء الذي قال لي رسول الله: لا تكون التي تنبحك كلاب الحوأب،فأتاها القوم بأربعين رجلاً، فأقسموا بالله أنه ليس بماء الحوأب)(1).

فأحدث هذا الخروج شرخاً عميقاً في صرح الإسلام لم تزل الأمة تدفع ضريبته من دماء المسلمين ولن ينتهي، وذلك أن سنة ظلم فاطمة صلوات الله عليها لم تتغيرولم تتبدل حتى يغير الله تعالى حال الأمة.

المسألة الخامسة: القصدية في قوله (وهو خير الحاكمين) وآثارها العقدية والسّيريّة
اشارة

يرشدنا النص الشريف في قوله (عليه الصلاة والسلام):

«وهو خير الحاكمين » الى جملة من الأمور يمكن جمعها في حقلين معرفيين وبهما ستتضح ملامح القصدية في قوله (عليه السلام).

الحقل الاول: في إظهار الآثار العقدية في ارجاء الحكم لله تعالى، وثانيا: في الحقل السّيري، أي أظهار الآثار السّيرية في زمن الحادثة وكاشفيتها للنجاة في المستقبل فيما سينزل بالظالمين والمشايعين لهم والراضين بفعالهم، وهذا من خلال العقوبات التي تبعت الحادثة وشملت أولئك ومن خلال القصاص الذي سينزل بهم في محكمة ابن فاطمة (عليها السلام) المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) كما ورد

في النصوص الشريفة.

ص: 247


1- تاريخ اليعقوبي: ج 1، ص 178 .
أولاً: الآثار العقدية التي تظهر قصدية القول في ضوء القرآن الكريم

عند الرجوع الى القرآن الكريم للوقوف على دلالات هذه الصفة، أي أنه تعالى (خير الحاكمين) نجدها قد جاءت في ثلاثة مواضع:

الموضع الاول في سورة الاعراف في قوله تعالى:

﴿ وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آَمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَم يُؤْمِنُوا فَاصْبِروا حَتَّى يَحكُمَ اللَّه بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْر الَحاكِمِينَ﴾(1).

الموضع الثاني في قوله تعالى:

﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِر حَتَّى يَحكُمَ اللَّه وَهُوَ خَيْر الَحْاكِمِينَ﴾(2).

الموضع الثالث في قوله تعالى:

﴿فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبيِرُهُمْ أَلَم تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثقِا مِنَ اللِّه وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِی يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِی أَبِی أَوْ يَحكُمَ اللَّه لِی وَهُوَ خَيْر الَحاكِمِينَ﴾(3).

والآيات الثلاثة ترشد الى دلالات متعددة، منها:

1- إن المجال الذي تدور في فلكه الآيات هو الحقوق وانحصار هذه الحقوق إما فيما بين الناس والأنبياء في تبليغ الرسالة؛ وأما بين الله والانبياء(عليهم السلام).

ص: 248


1- سورة الاعراف، الآية ( 87 ).
2- سورة يونس، الآية ( 109 ).
3- سورة يوسف، الآية ( 80 ).

فإما بين الله والانبياء (عليهم السلام) فقد بين القرآن انهم لا يحكمون لأنفسهم وان كانوا قادرين على ذلك ولكن هم عباد الله المكلفون بتبليغ شرعه الى الناس، ومن ثم فالمعترض عليهم في التبليغ للشريعة فهو معترض على صاحب الشريعة

أي الله عز وجل وهو سبحانه المتكفل بالانتصار لشريعته وبهذا الانتصار ينتصر لأنبيائه ورسله (عليهم السلام).

وعليه: لم يكن الأنبياء يقتصون من فئة أو جماعة أو أشخاص حينما يتعلق الأمربالرسالة فالأمر الى الله تعالى وحده والشواهد على ذلك كثيرة ومتعددة وإن اظهرت هذه الشواهد القرآنية دعوة بعض الانبياء على قومهم وأممهم كما في دعوة نوح (عليه السلام) على قومه، قال تعالى:

﴿وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَی الْأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾.

والآية لم تكشف تحديده للعقوبة والاقتصاص؛ ولم يكن نوح قد علم بما سيحكم الله عليهم كأن يكون العقاب بالخسف أو المسخ أو الصيحة أو الطوفان حتى أستجاب الله دعوته فأمره ببناء السفينة وغير ذلك من العقوبات التي لم يتحدث

عنها القرآن.

وأما أن يكون الأمر بين الأنبياء والناس؛ أي للأنبياء (عليهم السلام) حقوقا على الناس وان التعرض لهذه الحقوق يتبعها قضاء وقصاص وان الحاكم في ذلك هو الله تعالى كما سيمر بيانه.

2- ترشد الآيات المباركة الى الاقتران والملازمة بين حكم الله تعالى والصبر فقد ورد اللفظ في الآيات الثلاثة ظاهرا ومستورا:

ص: 249

أ- ﴿وَاصْبِر حَتَّى يَحكُمَ اللَّه﴾.

ب- ﴿فَاصْبِروا حَتَّى يَحكُمَ اللَّه﴾.

ج- ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الْأرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِی أَبِی أَوْ يَحكُمَ اللَّه لِی﴾.

وهنا كان الصبر مستورا، إذ مقتضى الحال يلزم ان يكون صابر حتى يأذن به نبي الله يعقوب بالرجوع أو لعله لا يأذن له بالرجوع وإنما سيظهر الله الحق فيما ينسب إليهم من سرقة صواع الملك.

3-الدلالة الثالثة هي العهود والمواثيق التي جاءت أيضا ظاهرة ومستورة، ففي الآية التي تخبر عن قوم نبي الله شعيب (عليه السلام) جاءت العهود والمواثيق مستورة، قال تعالى:

﴿وَإلِی مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّه مَا لَكُمْ مِنْ إلِهٍ غَيْرهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالِميزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِالْأرْضِ بَعْدَ إِصْلَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾(1).

وفي قضية يوسف (عليه السلام) قال تعالى:

﴿قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَم تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ﴾.

فقد جاءت المواثيق ظاهرة في الآية.

ومن ثم فإن النتيجة الكاشفة عن القصدية في قوله (عليه السلام):

«وهو خير الحاكمين » في آثارها العقدية في ضوء الآيات المباركة أن الأمر مرتبط بما يلي:

ص: 250


1- سورة الاعراف، الآية ( 85 ).

أ- التعدي على الحقوق التي أوجبها الله تعالى على العباد في حفظ الشريعة وإن التعرض للمصطفين لشرع الله انما هو تعرض لله تعالى، «وهو خير الحاكمين .»

ب- انتهاكهم للعهود والمواثيق التي يفرضها وجود المعصوم سواء كان نبيا ام رسولا أم إماما، أم مخصوصا ومنصوصا عليه بالعصمة كفاطمة (عليها السلام) وإن الله تعالى قد فرض هذه العهود والمواثيق على الناس أجمعين سواء آمنوا أم لم

يؤمنوا كوجوب التوحيد على جميع الناس وأن كفروا وانكروا فإن نكرانهم وكفرهم لم يعفهم عن حق التوحيد لله تعالى.

ومن ثم تصبح المعرفة تلازمية مع حق التوحيد فكلما ازداد الإنسان معرفة بالله ازداد التوحيد الرتبي به عز وجل.

وعليه: فالذين عايشوا النبي (صلى الله عليه وآله) وصحبوه وسمعوا حديثه ورأوا فعله لا يعذرون في التهاون بهذه الحقوق التي فرضها الله تعالى عليهم في حفظ شريعته وأهلها، وهم محمد (صلى الله عليه وآله) وعترته (عليهم السلام) لاسيما

بضعته النبوية وقلبه وروحه التي بين جنبيه وأن الأمة أنتهكت العهود والمواثيق التي اخذت عليهم في حفظ عترة النبي (صلى الله عليه وآله) وموالاتهم واتباعهم.

بل قد اقدموا على ترويعهم وقتلهم، كما اقدمت بنو اسرائيل على قتل انبيائهم فاستوجبوا القصاص والعقاب من الله.

ج- إنّهم، أي: العترة النبوية صبروا كما صبر الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) لما اضطهدوا وحوربوا، أي أن فاطمة والإمام علي (عليهما السلام) كانوا على صبر كبير وتحمل غير محدود لما جرى عليهم من المصائب وذلك لانهم فوضوا الامر في

العقاب والقصاص الى الله تعالى (وهو خير الحاكمين).

ص: 251

ثانياً: تعدد الحكّام والأحكام لكن الله خير الحاكمين

يرشد النص الى قصدية مهمة وهي أن الإمام علي (عليه السلام) كان قادرا على ان يحكم لكن الله خير الحاكمين؛ كما أن الوضع الطبيعي لما يفرضه العرف العشائري في الإقتصاص ممن يتعرض لأحد أبناء العشيرة يعد هو الآخر أحد الحكام في

المجتمعات العربية.

ومن ثم: يصبح لدينا مجموعة من الأحكام في قضية الزهراء (عليها السلام) وظلامتها، وهم كالاتي:

1- الإمام علي (عليه السلام) وهو صاحب الحق الأول لكونها زوجته وأم ولده.

2-بنو هاشم وهم عشيرتها، ولها عليهم حق الرحم والدم.

3- بنو زهرة، وهم أخوالها ولهم الحق في المطالبة بحق فاطمة (عليها السلام).

-4 الانصار الذين بايعوا الرسول (صلى الله عليه وآله) في العقبة الاولى والثانية على حفظه في نفسه وماله واهله وقدموا العهود والمواثيق له بذلك فهاجر اليهم من مكة.

5- المهاجرون فلهم الحق في محاكمة من قام بانتهاك حرمة فاطمة (عليها السلام)فهم قرابتها من قريش.

6- المسلمون جميعا لهم الحق أيضا في محاكمة ظالمي فاطمة (عليها السلام).

7- ابناؤها وذريتها.

8- شيعتها وموالوها ومحبوها.

9- التأريخ وهو الحاكم الذي لا يرحم وأن طال الزمان وتعددت الأقلام وتلونت بتلون وجوه أصحابها، لكنه في النهاية حاكما من الحكام.

ص: 252

وعليه:

تعدد الحكام وفي تعددهم تتعدد الأحكام لكن حكم الله تعالى هو الأعدل و الأقص في العقاب لأنه كما قال امير المؤمنين (عليه السلام): «وهو خير الحاكمين .»

ثالثاً: الآثار السيريّة في قصدية النص
اشارة

في الآثار السيريّة الكاشفة عن حقيقة الحدث، وهو ضمناً يكشف عن قصدية النص الشريف في هذا الجزء منه، أي قوله (وهو خير الحاكمين)، أي: غياب من ينتصر بهم أهل البيت عليهم السلام فوضوا ظلامتهم الى الله تعالى؛ كانت هذه

الآثار على النحو الاتي:

أ - فقدان الناصر للعترة النبوية (علیهم السّلام) ومؤداه في توسيع دائرة تظلمهم

إنَّ من البداهة التي يكشف النص أن سكوت فاطمة وعدم تكلمها كان لفقدان الناصر عنها وعن علي (عليه السلام) وهذا فضلا عما مر ذكره سابقا في علة سكوتها.

والا لو كان للعترة ناصرا لما سكتوا عن المطالبة بحقوقهم، بل لما تجرأ اقطاب سقيفة بني ساعدة من هذا التجرّي العظيم على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)وعليه:

يودي ذلك في مجمل الحوادث في الحياة عند فقدان المعين والناصر الى السكوت والانتظار حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين.

وفي المقابل يصبح الشاهدون للحدث دون مد يد العون لدفع الظلم عن المظلوم شركاء في عمل الظالم كما مر بيانه في حادثة عقر الناقة وفصيلها فعاقبهم الله جميعا.

ص: 253

من هنا:

نجد بضعة المصطفى (صلى الله عليه وآله) تخاطب الامام علي (عليه السلام) لمّا رجعت من المسجد النبوي وقد ألقت خطبتها في جمع من المهاجرين والانصار مخاطبة أبي بكر وهو الخليفة الذي بايعه المسلمون فلم تجد حينها معينا أو ناصرا

فقالت مخاطبةً الإمام علي (عليه السلام): (مات العمد، ووهن العضد، شكواي الى أبي وعدواي الى ربي؛ اللّهم إنكّ أشد

منهم قوة وحولاً، وأشد بأساً وتنكيلا)(1)

ب - اشتراك الأنصار والمهاجرين في ظلامة فاطمة (علیها السّلام)

تتكشف الآثار السيريّة في مقاصدية النص من خلال صريح قول فاطمة (صلوات الله عليها) في خطبتها في المسجد النبوي فقد كشفت عين حقيقة اشتراك الانصار والمهاجرين في ظلامتها وتحديدها للكيفية في الاشتراك بهذا الظلم، فقالت لعلي (عليه السلام) تشكوا تظلمها وآلامها مما لاقته من أبي بكر وقد اظهرت الحجج القاطعة في المطالبة بحقها:

(هذا ابن ابي قحافة يبتزني نحلة أبي وبلغة أبني لقد أجهد في خصامي، وألفيته أَلدَّ في كلامي حتى حسبتني قيلة نصرها، والمهاجرة وصلها، وخضت الجماعة دوني طرفها، فلا دافع ولا مانع، خرجت كاظمة وعدت راغمة).

والنص الشريف مع وضوحه وصراحته في بيان التظلّم من الصحابة فقد حدد بالدقة نوع الظلم الذي مارسه القوم بحقها، فكان على النحو الاتي:

ص: 254


1- الامالي للطوسي: ص( 683 )؛ الاحتجاج للطبرسي: ج( 1) ص( 145 )؛ المناقب لابن شهر: ج( 2)ص( 51 ).

1- تخلي الانصار عن عهودهم في نصر النبي (صلى الله عليه وآله) وعترته بعد أن قدموا تلك العهود في بيعة العقبتين فاكتسبوا بذلك لقب (الانصار)، ولذا:

نجد الزهراء (عليها السلام) قد أرجعتهم الى نسبهم للمدينة، وهم بني قيلة وكان دورهم مرتكزاً على نصر الرسول (صلى الله عليه وآله) إذا ما تعرض للحرب أو المخاصمة.

وهنا: تكشف الزهراء (عليها السلام) أنها في حرب قد سلب حقها وتحتاج الى من ينصرها على عدوها وخصمها.

أي: كان الواجب الشرعي الذي ألقي في أعناق الصحابة من أهل المدينة (بنو قيلة) نصر بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكنهم حبسوا النصر وتركوها للعدو والخصم الذي هو أَّلدَّ في خصام فاطمة (عليها السلام) كما صرّحت بذلك.

2-لاشك ان لبضعة المصطفى (صلى الله عليه وآله) على قريش حق صلة الرحم وان حق الرحم يقتضي في الشرع والعرف والخلق دفع الظلم عن الرحم والوقوف معها في وجه العدو ومنعه من الاستمرار في عدوانه إلا أن الواقع السيري للحادثة يكشف عن أن المهاجرين قطعوا الرحم وامتنعوا عن الوقوف بجانب بضعة النبي (صلى الله عليه وآله).

ولذا قالت (عليها السلام):

(والمهاجرة وصلها)

3- تخلي جميع المسلمين ممن لم يكونوا من أهل المدينة أو مكة من بضعة نبيهم (صلى الله عليه وآله) لتواجه خصمها الذي أبتزها أرضها وسهم ولديها الحسن والحسين

(عليهما السلام) من واردات هذه الارض وأموال رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ص: 255

وعليه:

تظهر قصدية النص الشريف في قوله (عليه الصلاة والسلام):

(وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين)

إنّ المشتركين في ظلم فاطمة (عليها السلام) والذين ستذكرهم في قولها وشكايتها لرسول الله (صلى الله عليه وآله) والذين سيحاكمهم الله هم (الانصار والمهاجرين

والجماعة) فبين حابس للنصر، وقاطع للرحم، وغاض طرفه عن الحق وساكت عنه.

من هنا:

لم يشهدوا جميعهم جنازتها ولا دفنها ولا يعلمون موضع قبرها؛ وإنَّ الخلف من المسلمين اليوم مقتدّون بالسلف وفعالهم بالأمس غير مكترثين لبضعة نبيهم (صلى الله عليه وآله) وغير متفلتين من حكم الله:

﴿وَهُوَ خَيْر الَحاكِمِينَ﴾.

ص: 256

المبحث الثاني والعشرون قصدية التكرار في السلام على رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأثره في تماسك النص

اشارة

ص: 257

قوله (عليه السلام):«والسلام عليك يا رسول الله سلَامَ موُدَّعٍ لَا قَالٍ ولَا سئَمِ، فَإِن أَنصْرَف فَلا عنَ ملَالة »

اشارة

ص: 258

إنّ قراءة النص الشريف بصيغته ومظهره الذي اخرجه الشريف الرضي أو الشيخ المفيد أو الطوسي أو الطبري الإمامي (رحمهم الله) كما مرّ في أول الكتاب يلحظ فيه ظهور التكرار في السلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثلاث مرات، الاولى: كانت في بداية النص، والثانية: في وسط النص وهو موضع البحث،والثالثة: في خاتمة النص؛ فضلاً عن ذلك فإن الإمام (عليه السلام) يكرر السلام على فاطمة في أول حديثه، وعند أخره مع رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وهذا التكرار لاشك يرشد الى مقاصدية ودلالات أرادها الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وللوقوف على هذه المقاصدية والدلالات نورد المسائل الاتية:

المسألة الأولى: اسلوب التكرار وأثره في ايصال المعنى

إهتم البلاغيون قديما وحديثا بظاهرة التكرار للمفردات او المضامين في النص الواحد وقد جاء معنى التكرار في المعاجم اللغوية بما يفيد المعاودة والرجوع بغية اظهار امرا مهما لدى التكرار، اي: الراجع أو المعاود.

قال ابن منظور (توفي سنة 117 ه):

(الكرُّ: الرجوع، وهو مصدر كرَّ عليه: يكرُّ كراً، وكروراً وتكرارً: عطف.

وكرَّ عنه: رجع؛ وكرَّر الشيء وكرَّ الشيء وكرّره: اعادة مرة بعد اخرى ومنهالتكرار)(1).

ص: 259


1- لسان العرب، مادة: كر، ج( 5) ص( 135 ).

ومنه جاء المعنى في وصف اسلوب القاتل في الحروب بالكر والفر، أي معاودة الهجوم والرجوع الى المنازلة.

من هنا:

كان التكرار مصب اهتمام المشتغلون بعلم اللغة العربية منذ القرن الثالث الهجري، فقد اشار الخطابي (ت 388 ه) الى اهمية التكرار واثره في توكيد المعنى لدى المتلقي مشافهة او تدوينا وجاذبا اهتمامه مبتعداً ورود الغلط لديه او النسيان

لما يريده صاحب النص(1).

واتساقا لهذا المعنى المرادف من وجود التكرار، قال ابن جني (ت 392 ه):

ان العرب تلجئ الى التكرار في الالفاظ في كلامها حينما تريد معناً محدداً بغية حصر ذهن المتلقي في هذا المعنى(2).

ولم ينحصر الامر في هذه الرؤية لدى علماء اللغة القدماء، بل تبعهم على ذلك كثير من المعنيين بها في الوقت الحاضر.

فقد ذهب (ديفاتير) الى بيان اهمية التكرار في ايصال المعنى الذي قصده الناص في ذهن المتلقي ولذا فهو للم يقع اعتباطا في النص، فيقول:

(لو ان الظواهر الاسلوبية تقع اعتباطا دون عرف ترد اليه لما امكن ادراكها)(3).

ص: 260


1- ثلاث رسائل في اعجاز القران، د. محمد زغلول.
2- الخصائص لابن جني: ج( 3) ص( 101 ) طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب ط 4، ص( 52 ) طبع دار المعارف، مصر، الطبعة 3
3- اساليب التكرار في ديوان سرحان لمحمود درويش: ص( 106 ) (رسالة ماجستير) لعبد القادر علي زروقي جامعة الحاج كلية الاداب، الجزائري: السنة 2011 م.

وذهبت احدى الدراسات المعاصرة الى اكتناز ظاهرة التكرار في وجودها على تحقيق قاعدتين:

الاولى: الجمع بين بينات النص الواحد ويربط الكلام.

الثانية: اهتمام المتلقي وشد انتباهه الى اهمية هذا الكلام بحيث لا يمكن ان يغفل مراد الناص أو المتكلم(1).

وعليه:

يكون أثر التكرار في المفردات او المضامين ضمن النص الشريف مرتكزا في تحديد جملة من الوظائف، منها:

1- القصدية في ترابط المفاهيم وان تعددت.

2- بلورة القضية الاساس في سبب صدور النص؛ وتكون هنا حادثة قتل الزهراء (عليها السلام) وظلامتها.

3-تقييد ذهن المتلقي وجمع مداركه فيما يريده الناص.

4- حجز الشبهات في تخلل بعض المفاهيم التي اكتنزتها الالفاظ وتحصينها ضمن قصدية واحدة وهي التي ارادها الناص أي الإمام علي (عليه السلام) في هذا الخطاب.

5-الأثراء المفاهيمي والدلالي في اجزاء قضية الناص وتماسكه الصلد.

وهذه الفوائد والاثر في التكرار ما سنعرض له في المسائل القادمة.

ص: 261


1- لسانيات النص مدخل الى انسجام النص لمحمد الخطابي: ص( 179 ) طبع ونشر المركز الثقافي العربي، بيروت ط السنة 1991 .
المسألة الثانية: أثر التضمين الدلالي في اظهار قصدية التعامل مع قبر رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )
اشارة

احتوى النص الكامل -مادة البحث- على تضامين دلالية كثيرة ونحن وان اغفلنا ذكرها سابقا بغية التركيز عليها هنا وذلك لإظهار جانب عقدي مهم في كيفية التعامل مع قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) مما يرشد الى قضية في غاية الخطورة

وهي الكشف عن حقيقة مرة ألا وهي ان المحارب الاساس في هذه الحادثة ليس شخص علي ابن ابي طالب (عليه السلام) بتخلفه بسبب ما يسوق له البعض عن البيعة لأبي بكر او كما صرح بذلك عمر بن الخطاب حينما خاطبته البضعة النبوية:

(أو محرق عليَّ داري)؟!!

قال: (نعم، وذاك لأقوى فيما جاء به أبوك)(1).

بمعنى: إنّ إخراج علي (عليه السلام) من داره ومن كان معه ليبايعوا أبي بكر هو افضل مما جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأقوى لديه من تقوية كرسي الامارة الذي سيجلس عليه خلفاً لأبي بكر،والعلة فيه هو ليس جمع المسلمين على

بيعة أبي بكر وإنّما كي يليهم من بعده، فالملك عند ابن الخطاب أفضل مما جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله) بدليل قوله الذي لم يفتأ يصرح به ويجاهر به بين الصحابة، وهو قوله:

1- في يوم السقيفة: (من ذا ينازعنا سلطان محمد وأمارته)(2).

2- في جلوسه للخلافة كان يسأل الصحابة:

ص: 262


1- أنساب الاشراف: ج 6 ص 586 ؛ الشافي في الامامة للشريف الرضي: ج 3 ص 241 .
2- تاريخ الطبري: ج 2 ص 457 .

(والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك، فإن كنت ملكاً فقد ورطت في أمرٍ عظيم)(1).

فالرجل كان صريحا في إظهار مكنون نفسه وقصديته في الهجوم على بيت النبوة والرسالة إلا أن كثيراً من الناس يلتمسون له العذر فيما فعل فكانوا شركاء له في عمله.

وعليه:

يتضح لنا أن المُحارَب هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) وليس علي وفاطمة (عليها السلام)؛ ومن ثم لابد من اعادة الناس الى رشدهم في بيان منزلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخطورة محاربته، فتلك الجراءة التي أحدثها أبو بكر وعمر

في الهجوم على بيت النبوة وذلك من خلال بيان حدود وآداب السلام على رسول الله(صلى الله عليه وآله) فكيف في التعامل معه، وهذا الذي قصده الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، فكان التضمين الدلالي في هذا الوضع من النص الشريف جليا في اظهار هذه القصدية.

ولكن ما هو التضمين الدلالي؟

أولاً: التضمين الدلالي وقصدية التمحور حول معانِ محددة
اشارة

يذهب علماء اللسانيات الى أن النص يكون في مجموعة من اشكال العلاقات الدلالية والتي بمجموعها تخلق التماسك النصي؛ والتضمين هو مجموعة من خيوط المعنى داخل النسيج النصي ضمن معنى عام، ويهيمن التضمين الدلالي على المعنى العام فيكون بمثابة الساتر للكلمة المحورية التي يتفرع منها بيانات وتفريعات واشارات ضمن النص الواحد.

ص: 263


1- الطبقات الكبرى: ج 3 ص 306 ؛ انساب الاشراف للبلاذري:ج 10 ص 360

فيكون هنا المعنى العام لهذا النص هو: التجرّي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) والذي تفرع الى مجموعة من العناقيد في المعنى الواحد اي مجموعة من الدلالات التي ترشد الى تلك الحقيقة التي وقعت بها الامة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ومن هذه الدلالات الضمنية:

أ- تضييع الامة لحق علي بن ابي طالب (عليه السلام).

ب- إظهار ما جنته الامة واشتراكهم في ظلم فاطمة (عليها السلام) وما نزل بها من اضرار.

ج- ما نزل بعلي من المصائب وعظم رزيته.

د- اظهار منزلة فاطمة (عليها السلام) التي تعيد الاذهان الى حدود الحرمة التي فرضها الله تعالى وتمنع وقوع التجرّي مرة اخرى.

ه- إظهار حدود التعامل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله).

و- إظهار حقه في الوصاية والخلافة.

والشواهد على هذه الشبكة من التضمين الدلالي في النص الشريف هي:

ألف - في تضييع الامة لحق علي بن أبي طالب (عليه السلام)

قال (عليه السلام): (وستنبئك أبنتك بتظافر أمتك عليَّ وعلى هضمها حقها فأحفها السؤال و (ستخبرها الحال) فكان التضمين في (تضافر أمتك عليَّ) و (هضمها حقها)

يكشفان عن حال الأمة في الانقلاب والتعدي على قطبي بيت النبوة علي وفاطمة ضمن الحقل العام وهو التجري على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله).

ص: 264

باء - في التضمين الدلالي لإظهار ما جنته الأمة واشتراكهم في ظلم فاطمة (عليها السلام)

قال (عليه السلام): (فأحفها السؤال واستخبرها الحال فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد الى بثه سبيلا، وستقول ويحكم الله، وهو خير الحاكمين).

ونلاحظ هنا:

(احفها، استخبرها، الغليل، المعتلج، ستقول، ويحكم، وهو خير الحاكمين).

وقال أيضا في شبكة من التضمين الدلالي في الحقل العام:

(استرجعت الوديعة، واخذت الرهينة، واختلست الزهراء فما أقبح الخضراء والغبراء)، وقال ايضا: (تدفن سراً، وتهضم حقها قهرا، ويمنع ارثها جهرا)، ونلاحظ التضمين الدلالي:

(الوديعة، الرهينة، الزهراء) يقابلها (الاسترجاع والاخذ والاختلاس) وهو كما مرَّ في حقل الفقه وما ترتب عليه من أحكام فيما فرضه الله تعالى على الامة.

جيم- في التضمين الدلالي لما نزل بعلي )عليه السلام( من المصائب وعظيم رزيته.

وفي هذه الشبكة من الدلالات داخل النص العام قال (عليه السلام) لإظهار مصائبه وما نزل به من الرزايا لفقد الزهراء وما أصابها مكررا ذلك فيقول:

1- (قل يا رسول الله عن صفيتك صبري، وضعف عن سيدة النساء تجلدي إلا أنّ لي في التأسّی بسنتك بعظيم فرقتك وفادح مصيبتك، والحزن الذي حل بي لفراقك موضع تعز، فلقد وسدتك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري وصدري

نفسك، وغمضتك بيدي، وتوليت أمرك بنفسي، بلى وفي كتاب الله أنعم القبول إنا لله وإنا إليه راجعون).266

ص: 265

ونلاحظ هنا هذه الدلالات التي تضمنها النص العام (قل صبري، ضعف تجلدي، عظيم فرقتك، فادح مصيبتك، الحزن الذي حل بي لفراقك، إنا لله وإنا اليه راجعون).

2-وتكرار هذا التضمين الدلالي ببيانه لما نزل به في المصيبة وعظيم الرزية فيقول:

(يا رسول الله أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، لا يبرح الحزن من قلبي الى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم، سرعان ما فرق بيننا فإلى الله أشكو).

ونلاحظ هنا الدلالات الاتية:

(حزني، ليلي، سرعان ما فرق بيننا) يقابلها:

(سرمد، مسهد، لا يبرح من قلبي، فإلى الله اشكو)؛ ثم يأخذ بأنفاس المتلقي للخطاب في حالة وجدانية خاصة فيزيد من حجم التأثير النفسي والعاطفي لديه في تصعيد شجونه وهو يكشف عن حجم الأمه (عليه السلام) فيقول:

(آه، آه، واه واها، لولا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاما، والتلبث معكوفا، و لأعولت أعوال الثكلى على جليل الرزية).

ونلاحظ تضمينه الدلالة على الأمه واستمرارها في الافعال الماضية (جعلت، اعولت) يقابلها (المقام، التلبّث)، ثم ابتدائه في هذه الشبكة في التضمين أو الحقل المعرفي بدلالة، واختتامه لهذا التضمين بصورة تجعل المتلقي يقطع موقنا

بعظيم الرزية وفادح المصيبة فيبدأ بالآهات ويختتم بالعويل، و أي عويل؟، عويل الثكلى ليوصل المتلقي الى حقيقة الاحداث دون الغوص في الجزيئات والمجريات واختلاف الرواة، فواحد يؤكد، والآخر ينفي، والثالث محايد، والرابع متعدٍ وهذاهو حال الأحداث التي اشترك فيها رموز الامة.

ص: 266

ومن ثم:

كان هذا النص الشريف بما تضمنه من حقول معرفية وشبكات من الدلالات ليكشف الغطاء عن الحدث الذي وقع في بيت النبوة وبعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بساعات أو أيام لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة كما سيمر بيانه من خلال هذا النص الشريف.

وعليه:

تكون بقية الموارد من التضمين الدلالي واضحة وبينة وليست بحاجة الى السرد والبيان كما مرّ انفاً.

ثانياً: أثر الحقل الدلالي في تكوين المعنى واتساق النص

تناول الدارسون لعلم اللسانيات تكرار المضامين ضمن متطلبات اتساق النص وبناء المعنى.

ويمثل الحقل الدلالي (سياجا عميقا للمعنى حيث يشتمل على مفردات ذات سمات دلالية عامة تتسع وتضيق بحسب مكوناتها الدلالية ولها رابط دلالي يجمعها، وهنا لا نقصد فقط اعادة استعمال مفردة بعينها، وانما يشمل ذلك استعمال مفردات او الفاظ ترتبط بها معنويا)(1).

والنص الشريف -موضع الدراسة- حشد مجموعة من الحقول الدلالية ضمن فكرة واحدة وهي العمود الفقري للنص وهو ظلامة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وانه المقصود بهذه الحرب على بيت فاطمة وعلي وولداهما (عليهم السلام).

فبين الحقل الدلالي المخصوص بظلم الزهراء (عليها السلام) وضياع حقهاواستشهادها كقوله (عليه السلام):

ص: 267


1- اثر التكرار في التماسك النصي: ص 60 بتصرف.

«استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، واختلست الزهراء فما أقبح الخضراء والغبراء .»

وقوله:

«وستنبئك أبنتك بتظافر أمتك علي وعلى هضمها حقها، فأحفها السؤال واستخبرها الحال فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد الى بثه سبيلا وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين .»

وقوله (عليه السلام):

«فبعين الله تدفن أبنتك سراً، وتهضم حقها قهراً ويمنع ارثها جهراً » يقابله حقل دلالي اخر في تظلمه وحزنه فيقول:

(قل يا رسول الله عن صفيتك صبري، وضعف عن سيدة النساء تجلدي »

وقوله (عليه السلام):

«اما حزني فسرمد واما ليلي فمسهد لا يبرح الحزن من قلبي الى ان [أو] يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم .»

وقوله (عليه السلام):

«آه آه لولا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاماً، والتلبث معكوفاً، و لأعولت عوال الثكلى على جليل الرزية .»

وبين الحقل الدلالي الخاص ببيان منزلة فاطمة (عليها السلام) كقوله (عليه السلام) في بيان هذه المنازل في كونها (أبنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وصفيته وحبيبته، وقرة عينه، وسيدة نساء العالمين، الوديعة، والرهينة والزهراء) وغيرها من الحقول ليوردها ضمن الفكرة الاساس والعمود الفقري لقوام النص وبناءه وهو

ص: 268

ظلامة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وانه هو المقصود بهذه الحرب فنجده (عليه السلام) يحشد هذه الدلالات في النص منذ بدايته والى نهايته، فنلاحظ الخطاب الموجه له (صلى الله عليه وآله) قائلاً: «السلام عليك يا رسول الله عني والسلام

عليك عن ابنتك » ثم نلاحظ خطابه للنبي (صلى الله عليه وآله):

«ابنتك، قرة عينك، زائرتك، النازلة في جوارك، البائتة في الثرى ببقعتك، السريعة اللحاق بك، صفيتك، ستنبئك، امتك »، وقوله:

«احفها، استخبرها »

وقوله: «ولم يتباعد بك العهد، ولم يخلولق منك الذكر، فإلى الله يا رسول الله المشتكى، وفيك اجمل العزاء .»

وفي هذا يرشد (عليه السلام) الى أن الحقيقة التي أراد إخفائها الظالمون هي الحرب المفتوحة على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو الفكرة الأساس في هذا النص الشريف.

ثالثاً: أثر المرادف في تأكيد المعنى

يأتي المرادف في النص الشريف لغرض تأكيد المعنى الذي أراده منتج النص (عليه السلام)؛ وهو في هذا المورد كان في حدود قصدية الإجلال والإكبار والتأدب بمحضر رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتي سيمر بيانها لاحقا؛ قال (عليه السلام) في ايراد المترادف في تأكيد المعنى:

«والسلام عليك يا رسول الله، سلام مودع لا قالٍ ولا سئم، فإن انصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ضن بما وعد الله الصابرين، والصبر أيمن وأجمل .»

ونجد هنا (القال، والسئم، والملل) الفاظ مترادفة لتأكيد المعنى في حدود الزيارة،

ص: 269

وقوله (عليه السلام):

«لجعلت المقام عند قبرك لزاما، والتلبث معكوفا .»

ونجد هنا:

(المقام والتلبث) و (اللزام، والعكوف)

جاءت في هذا التكرار لتأكيد المعنى في البقاء عند قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ وإنه هو المعني فيما جرى على عترته وأهل بيته (عليهم السلام).

وإن لهذا البقاء أو المكوث حدودا وشرائطا تعبدية تجعل المسلم يدرك معنى أنه بين يدي سيد الخلق اجمعين (صلى الله عليه وآله) كما سيمر بمزيد من البيان في المسألة القادمة.

المسألة الثالثة: القصدية في تكرار السلام على رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )
اشارة

إنّ دراسة النص الشريف ترشد الى إن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) كان قد أورد السلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في موارد ثلاثة من الخطاب، المورد الاول: في بداية خطابه فقد بدأ بالسلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله)،

والمورد الثاني: وسط خطابه، وقد أشرنا الى موضعه في المسألة السابقة، وفي المورد الثالث: كان في نهاية خطابه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) والذي سيمر بيانه

إن شاء الله.

ولا شك أن هناك قصدية في هذا الايراد وتكرار السلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو ما سنتناوله في النقاط الاتية:

ص: 270

القصدية الأولى: ربط المتلقي برسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأنه الملجأ في التظلم

يشعر المتلقي للنص الشريف بحالة وجدانية تربطه برسول الله (صلى الله عليه وآله)، هذه الحالة يفرضها سياق النص من خلال تكرار الألفاظ والإشارات منذ أول النص الى نهايته برسول الله (صلى الله عليه وآله) لاسيما فيما يتعلق بالسلام عليه

وقصده في الخطاب كما مرّ في المسألة السابقة من تكرار الضمير في المفردات:

(أبنتك، حبيبتك، قرة عينك، زائرتك، جوارك، بقعتك، للحاق بك، صفيتك، فرقتك، فراقك، وسدّتك، قبرك، نفسك، غمضتك، أمرك، دارك، ستنبئك، ولم يتباعد بك).

فَالخطاب كله موجه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وانه المعني الاول بما جرى ويجري في الأمة وإنه الملجأ في التظلم، وهو الحاكم الذي يقتص من الظلمة.

وهذا الإعتقاد قد أسس له القرآن الكريم والناكر له يكون قد أخل بإيمانه بالله تعالى.

بمعنى: أنّ المؤمن يجب عليه الاعتقاد بأن الحاكم في أموره والقاص الذي يقتص من الظالمين في إصدار الاحكام ورفعها لله تعالى هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما أمر القرآن بذلك، قال تعالى ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ

بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَ يَجدُوا فِی أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِّما قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾(1).

والآية المباركة واضحة الدلالة والحكم في الإعتقاد في كونه الحاكم الذي يقضي فيما شجر بين الصحابة وانه (صلى الله عليه وآله) بمقتضى الآية المرجع الذي يرجع اليه المسلمون في الخصومات سواء في حياته أو بعد مماته كما فعل أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطابه وشكى إليه كما ورد صريحا في قوله (عليه السلام).

ص: 271


1- سورة النساء، الآية ( 65 ).

إلّا أن الفارق بين المقامين إنه (صلى الله عليه وآله) في الحياة الدنيا يصدر حكمه وقضائه فيما بينهم بمسمع منهم فمن سلّم منهم لحكمه (صلى الله عليه وآله) ولم يجد حرجا مما قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان مؤمناً.

ومن وجد حرجا في نفسه من هذا القضاء ولم يسلّم له كان غير مؤمن بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله).

ولذا: نجد الله سبحانه وتعالى يقدم القسم في أول الآية المقرون بالنفي قبل القسم وبعده، فقال: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾.

فتكرر النفي للإيمان دلالة على خطورة التعامل مع سيد الانبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله) وأن حكمه وقضاءه وهو حكم الله وقضائه.

ومن ثمَّ: فإن القصدّية الأولى في تكرار السلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو المقبولية لدى المتلقي وربطه بمقتضيات الآية الكريمة في كونه (صلى الله عليه وآله) الملجأ في التظلم سواء في حياته كما مرّ أو بعد مماته والفارق بعد مماته أنه (صلى الله عليه وآله) يقتضي بالأمر على نحوين:

النحو الاول: يكون من خلال رفع الأمر الى الله تعالى وذلك إنه سبحانه قد فوض الى النبي (صلى الله عليه وآله) الحكم فيما يشجر من خلافات بين المسلمين فيكون قضاءه (صلى الله عليه وآله) بينهم هو عينه قضاء الله تعالى؛ لكن تنفيذ العقوبة

واختيار الزمان والمكان والألية في ذلك يكون لله تعالى وان اقتضى عنوان القاضي وما جرى في الاعراف وفي القوانين الوضعية والشرائع ان تحديد الزمان والمكان والألية هي من صلاحيات القضاة.

ص: 272

إلاّ أن الأمر لله من قبل ومن بعد، ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾(1).

فهذا النحو الاول، أما النحو الثاني: فيكون من خلال الوصي الشرعي والخليفة المنصوص عليه من قبل الله تعالى

ورسوله (صلى الله عليه وآله) وهنا يكون الحاكم فيما شجر بين الصحابة والمسلمين هو الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام) لو كانوا مؤمنين بالله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) واليوم الاخر.

ومن بعده يكون الحاكم هم الأئمة الأحد عشر أولهم ولداه الحسن والحسين (عليهما السلام) ثم التسعة من بعد الحسين (عليهم السلام).

القصدية الثانية: الآثار في سلام المقبل على رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )غير سلام المودّع له

يفتح لنا هذا الجزء من النص الشريف باباً معرفيا جديدا، وهو آثار السلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله) اثناء الاقبال عليه وبيان قصدية هذه الاثار وكذا اثار السلام في الوداع والانصراف عنه ضمن دلالة جديدة:

1- إن الاقبال يكمن في الاجلال والاكبار وانه الملجأ والمستغاث؛ بمعنى: يلزم الزائر للنبي (صلى الله عليه وآله) أن يكون في إلقاء السلام مجلاً ومكبراً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وأن يكثر من السلام عليه حين جلوسه كما كان

امير المؤمنين (عليه السلام) يكرر السلام خلال هذا الخطاب.

2- أنْ يستحضر في قلبه حاجته، وأن المسلّم لما سيحكم ويقضي في أموره وحاجته (صلى الله عليه وآله)، ولا يجد حرجاً في قضاء حاجته أم حبسها أم تأخيرها.

ص: 273


1- سورة الانبياء، الآية ( 23 ).

3- إنّ هذا الإعتقاد يدعم الايمان بالله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) واليوم الآخر، ومن ثم فالمسلّم بحاجة لحفظ إيمانه أن يكون دائم الاتصال برسول الله (صلى الله عليه وآله) في جميع أموره وشؤونه.

أما قصدية السلام في الانصراف، فهو:

1- الاذن بالانصراف من محضره الشريف.

2- دوام النية وهذا يكشف عن قبول العمل أو احباطه عند انقطاع النية، أي: أن تكرار السلام في أول الحضور بين يديه (صلى الله عليه وآله) وفي وسط الخطاب وفي ختامه ناتج عن استمرار النية في الزيارة ودواعي حضور القلب في قصد القربة

لله تعالى، فما زال الحاضر في عبادة، وان صحة العبادة متوقفة على النية الدائمة.

المسألة الرابعة: زيارة قبر رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )بين حدود الاقامة والانصراف وشرائطهما
اشارة

إنّ المتأمل في النص الشريف يجد أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ينقل المتلقي الى معارف جديدة مع كل مفردة ينطق بها.

والمعارف الجديدة التي أفاضها بلطفه على المتلقي في هذا الموضوع من خطابة هي حدود الاقامة والانصراف عن قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتي سنتعرض لها في ما يلي من المفردات:

ص: 274

أولاً: المعنى اللغوي للقال والسَّئِم والمَلِل

وردت في هذا الجزء من النص الشريف المفردات الأتية:

1-القال: القلة، وهو مقلوب مغير(1)، أي أراد (عليه السلام) في هذا المعنى بيان قصدية الوقت في الاقامة والبقاء عند قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ فقد تكون الزيارة قليلة في الوقت فيصبح الزائر مقلاً للحضور والوقت المطلوب منهفي البقاء، ومن ثم يصبح مقصرا.

2- السئم، سأم: سأم: سَئِمَ الشيء و سَئِمَ منه، وسَئِمْتُ منه أسأَمُ سأماً و سَأمة، و سآماً و سآمةً؛ مَلَّ(2).

وقال ابن الاثير في بيان الحديث الشريف: (ان الله لا يسأم حتى تسأموا).

أي: لا يَمَلُّ حتى تَملّوا (3).

وجاء في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا﴾(4).

أي: لا تملوا.

يقال سئمت من الشيء، من باب: تعب، ورجل مسؤوم، أي: ملول(5).

ص: 275


1- لسان العرب: ج 11 ص 577
2- لسان العرب: ج 12 ص 280
3- غريب الحديث: ج 2 ص 328 .
4- سورة البقرة، الآية ( 282 ).
5- مجمع البحرين: ج 6 ص 82 .

3- الملالة: قال الفراهيدي: الملل والملال، ان تمل شيئاً وتعرض عنه(1).

قال ابن المنظور: الملل: الملال وهو ان تمل شيئاً وتعرض عنه، قال الشاعر: واقسم ما بين من جفاء ولا ملل.

ورجل ملة: اذا كان يمل اخوانه سريعا.

مللت الشيء ملة وملالة: برمت به.

-4 الفرق بين السأمة والملالة.

إن الترادف في معنى السئم والملل قد يرشد السامع الى أن المعنى هو نفسه لكن الصحيح أن هناك اختلافاً في القصدية لكل منهما؛ فالسأم يقصد به أن يتعب الانسان من أمر ثقيل عليه فيتركه.

اما الملل: فيقصد به (تكرار الشيء على النفس حتى تضجر) وان اضجر الانسان من شيء أعرض عنه.

وهنا في مورد زيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجعل الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) حدودا لهذه الزيارة وشرائط ترشد الزائر الى جملة من المعارف العقدية، وهو كما في الفقرة الاتية.

ثانياً: زيارة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بين حد الإقامة والإنصراف
اشارة

يرشد النص الى أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قد أورد حدودا للزائر في زيارته لقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك ضمن هذه المعاني للمفردات ودلالاتها، وهي:

ص: 276


1- العين: ج 8 ص 324 .

1- حد الإنصراف من الزيارة.

فالزائر مقيد بالنظر الى حد القلة، أي يلزم أن لا يكون بقائه قليلاً فيسرع بالخروج مما يؤثر على روحية الزائر فيحرم من الاستفادة من النفحات الرحمانية التي تحيط بالمكان وتشمل الحاضرين فيه.

فضلاً عن أن ذلك يدفع بالنفس الى التهاون بمقام سيد الخلق (صلى الله عليه وآله) فلا يلتفت الى انه بين يديه وفي محضره، ومن ثم قد جرت العادة والأعراف في زيارة العظماء والملوك والأمراء وكل من لديه شأنية عظيمة أن يفرض على

الزائرين والحاضرين وقتا محددا في البقاء أو الانصراف وذلك من خلال الحاجب او المسؤول عن التشريفات، فأما أن يأذن هو بنفسه للزائر أو الحاضر بالإنصراف،وأما أن يأذن له بالدخول وبما أن الزائر هنا بي يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيكون الامر وجدانيا ومحددا بما هو مقرر بالأعراف الإجتماعية في حدود الوقت الذي يبذله الانسان عند الزيارة.

ولذا:

يسلم الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند الانصراف مبينا أنه يطلب الاذن في ذلك، وأنه ملتزم بحدود الزيارة وأنه غير مقلٍ بوقت الحضور بين يديه (صلى الله عليه وآله).

2- حد البقاء بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله).

بعد بيانه (عليه السلام) حد الانصراف من الزيارة وانه يلزم ان لا يعد عرفا بالقلة او القليل من الوقت، ينتقل (عليه السلام) الى بيان حد البقاء فيقيده بما يلي:

ص: 277

الف- عدم الشعور بالثقل بالحضور فيندفع الى ترك الزيارة

وهذه الحالة الوجدانية مصاحبة للإنسان في زيارته وعلاقاته الاجتماعية فحينما يشعر الانسان بثقل البقاء والحضور يندفع الى الخروج والانصراف، ولكن هذا الشعور بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحوّل الأجر الى أثم؛ وسيعاقب على تقصيره في حق زيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بترك زيارته والخروج سريعا، مما يوحي الى الناظر أنه مقل بالحضور.

باء- الاقامة الزائدة تقود الى الضجر

إنّ الاقامة إذا تجاوزت الحد العرفي في الزيارة فإنها تقود الى الضجر فتدفع النفس الى الملل فينصرف الانسان وقد ملَّ البقاء بين يديه (صلى الله عليه وآله).

ولا شك أن ظهور الضجر والملل في الوضع الحياتي الاجتماعي والشخصي في علاقات الإنسان يترك أثرا سيئا على هذه العلاقات والزيارات مما يقود الى الجفاء والنفور، فكيف يكون الانعكاس في العلاقة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)

حينما يشعر الانسان بالملل من الاقامة عنده فيندفع الى الانصراف.

ثالثاً: إن القصدية في حد الاقامة والانصراف هي المراقبة القلبية
اشارة

يظهر من خلال الدلالة التي اكتنزها لفظ (السأم والملل) إن المؤمن في حالة زيارته لرسو الله (صلى الله عليه وآله) يلزمه الإلتفات الى قلبه فيراقبه وهو المناط والضابطة في زيارته (صلى الله عليه وآله)، فيشغل قلبه بذكر الله والصلاة على

رسول الله (صلى الله عليه وآله) كي لا يقع القلب في الملل أو الضجر حينما يكون فارغا من الذكر.

ص: 278

كما أن الإقلال من الذكر والصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) تقود الى تقصير الاقامة ومن ثم يهم الانسان بالخروج مما يترك اثرا سيئا على الايمان ويحرم الانسان من الخير والرحمة والمغفرة والتوفيق في الحياة الدنيا.

وأما في الآخرة فسيحرم من الشفاعة لكونه يمل من الأقامة والذكر والصلاة عليه (صلى الله عليه وآله) في الحياة الدنيا.

من هنا:

نجد الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) كان يكثر من السلام والصلاة على النبي في هذا الخطاب كي يجعل القلب مشغولا بالمقام الذي هو فيه وإنه بينيدي سيد الخلق أجمعين مستزيداً بهذه الصلاة من الخير الوفير الذي يحف بالزائر

لقبره (صلى الله عليه وآله) فضلا عن ذلك فقد أرشد (عليه الصلاة والسلام) الى بعض الشرائط التي يتحقق بها هذا الأستحقاق الرباني في فضل الزيارة والصلاة على النبي واله، ومن هذه الشرائط:

ألف - الإعتقاد بمقام الشهودية التي جعلها الله للنبي الأعظم (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) كما نص عليها القرآن الكريم

قال تعالى:

1- ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَی هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾(1).

2- وقال عز وجل ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَی النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾(2).

ص: 279


1- سورة النساء، الآية ( 41 ).
2- سورة البقرة، الآية ( 143 ).

إذ لولا هذا الإعتقاد لما جاء الإمام علي (عليه السلام) الى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويخاطبه بهذه الكلمات التي اكتنزت الكثير من الحقائق والمعارف والمجريات التي جرت بعد وفاته (صلى الله عليه وآله) وليكون الشهيد الذي شهد

حال الامة بعد وفاة نبيها (صلى الله عليه وآله) ويؤتى به يوم القيام مع الانبياء والمرسلين وهم يشهدون على اممهم ويكون الامام علي (عليه السلام) من بينهم شهيدا على الامة وما جرى فيها بعد وفاة رسول الله ليكون المصطفى هو الشهيد

على هؤلاء الشهداء.

ولعل سائل يقول: كيف للشهودية قبل بعثته (صلى الله عليه وآله) ان تتحقق؟ وجوابه:

1- اما ان يكون ذلك من خلال نوره الذي سبق خلق الخلائق فهو اول ما خلق الله تعالى(1)، فيكون نور النبوة المحمدية شاهدا لانوار الانبياء والمرسلين (عليه السلام).

2- وإما ان جبرائيل (عليه السلام) كان قد عرض عليه سيرة الانبياء والمرسلين واعمال الامم كافة، كما جاء في قوله تعالى:

أ- ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ﴾(2).

ب- ﴿تلِكَ مِنْ أنَباَءِ الغْيبْ نُوحِيهَا إلِيَكْ مَا كُنتْ تَعْلَمُهَا أنَتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبلْ هَذَا فَاصْبِر إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ﴾(3).

ج- ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ﴾(4).

ص: 280


1- السيرة الحلبية: ج 1 ص 50 ؛ بحار الانوار: ج 15 ص 24 .
2- سورة آل عمران، الآية ( 43 ).
3- سورة هود، الآية ( 49 ).
4- سورة هود، الآية ( 100 ).

د- ﴿وَكُلًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِی هَذِهِ الَحقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾(1).

وغيرها من الآيات التي تبين تحقق مقام الشهودية على جميع الامم.

3- وأما من خلال كل القرآن الكريم الذي أخبر الله عن إحاطته لكل شيء، فقال عز وجل: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِی الْكِتَابِ مِنْ شَیءٍ﴾(2).

فقد جعل الله سبحانه فيه علم كل شيء وما علم السيرّ وأحوال الأمم إلا شيئاً يسيراً مما جمعه القرآن الكريم.وعليه:

يلزم الاعتقاد بهذا المقام الذي خص الله تعالى به حبيبه المصطفى (صلى الله عليه وآله) وإلا لما وقف أمير المؤمنين بين يديه.

باء - الاعتقاد بمقام الحاكمية

ويلزم الاعتقاد بأنه (صلى الله عليه وآله) الحاكم الذي فوض الله اليه أمر التظلم وقد مرَّ آنفا بيان هذه المسألة في قوله تعالى:

﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِی أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِّما قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾(3).

ص: 281


1- سورة هود، الآية ( 120 ).
2- سورة الانعام، الآية ( 38 ).
3- سورة النساء، الآية ( 65 ).
رابعاً: الاخلال بحد الإقامة والإنصراف يحبط الأجر

إنَّ من أهم ما يكشفه النص الشريف من المقاصد المتعددة هو المحافظة على الايمان من خلال تجنيب القلب من السأم والملل والاقلال في الاقامة..

وذلك أنّ القرآن الكريم يظهر في جملة من الآيات المباركة خطورة التعامل مع مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) وشأنيته عند الله تعالى؛ وقد مرّ في المبحث الاول من الدراسة عرض لهذه المسألة مفصلاً وذكرنا أن الله تعالى فرض جملة من الحدود في التعامل معه (صلى الله عليه وآله) وذلك من خلال كيفية الحديث معه والتأدب بمحضره أو تعظيمه و أجلاله وغيرها من الأمور التي ربطها القرآن الكريم ربطا

تلازميا مع الايمان بالله تعالى وهذه الآيات كما جاءت بتلك الحدود، فمنها:

1-﴿يَا أَيُّها الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْن يَدَيِ اللَّه وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّه إِنَّ اللَّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( 1) يَا أَيُّها الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَ تَجهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحبَطَ أَعْمَلُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ( 2) إِنَّ الَّذِينَ

يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّه أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّه قُلُوبَهمْ لِلتَّقْوَى لَهمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾(1).

2- ﴿يَا أَيُّها الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْن يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْر لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَم تَجدُوا فَإِنَّ اللَّه غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾(2).

والآيات الشريفة تظهر جملة من المحاذير التي تربط بمصير الانسان في الاخرة واثر هذه المحاذير على القلب وتقواه.

ص: 282


1- سورة الحجرات، الآية ( 2- 3).
2- سورة المجادلة، الآية ( 12 ).

ومن ثم فإن الاخلال في الزيارة والشعور بالسأم والملل الباعث على الانصراف يؤديان الى مرض القلب وذهاب الاجر ان لم يؤدي الى احباط العمل دون ان يشعر الانسان.

ص: 283

ص: 284

المحتويات

المبحث الحادي عشر مقاصدية ضعف تجلده و مركوزة بشأنية سيادتها على نساء العالمين

المسألة الاولى: الملازمة بين قصدية منتج النص في كونها سيدة النساء مع الحديث النبوي ... 7 .

المسألة الثانية: قصدية انحصار السيادة على نساء العالمين بفاطمة (علیها السّلام)...11

المبحث الثاني عشر مقاصدية ارتباط تفجعه لفقدها بفقد رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وحزنه عليه

المسألة الأولى: حجم البلاء يوازي حجم المصلحة في وقوعه ...21

المسألة الثانية: قصدية تعزّيه وحزنه على رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )...24

المبحث الثالث عشرمقاصدية ذكره لمراسيم تجهيز النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

المسألة الاولى: تصحيح المسار في حدث وفاة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في بيت عائشة ...31

المسألة الثانية: بيان حقيقة ترك الصحابة دفن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وانشغالهم بكرسي الخلافة ...35

ص: 285

المبحث الرابع عشرمقاصدية كونها وديعة عند الإمام علي (علیه السّلام)

المسألة الأولى: الوديعة في اللغة والقرآن ... 44.

المسألة الثانية: الوديعة في كتب الفقهاء ... 47.

أولاً: هي عقد للإستنابة في الحفظ ... 52.

ثانياً: هل كان موقف الإمام علي (علیه السّلام) القبول كي يتحقق العقد لافتقاره للإيجاب والقبول؟ ...54

ثالثاً: لو قَبِلَ وجب الحفظ ... 54.

رابعاً: سريان العقد بينهما بعد وفاة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يكشف عن أحد خصائص رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الفريدة ... 55 .

المسألة الثالثة: دلالة كونها وديعة الله ... 57.

أولاً: دلالة نسبتها إلى الله تعالى ... 57.

ثانياً: أول من قام بحفظها ربّ العزّة جلّ شأنه ... 64.

ثالثاً: حجم الأمانة القيمي يكشف عن حجم الإيمان ... 66.

المبحث الخامس عشر المقاصدية في كونها رهينة ودلالة الأخذ

المسألة الاولى: تعريف الرهن عند اهل اللغة و الفقه ...71

اولاً: ما ورد في اللغة...71

ثانياً: ما ورد في كتب الفقهاء ... 72.

المسألة الثانية: دلالة كونها رهينة بقصدية الحبس ... 74

المسألة الثالثة: دلالة كونها رهينة بقصدية الوثيقة ... 77.

المسألة الرابعة: دلالة أخذ الرهينة بقصدية عدم استيفاء الامة لحق الله .... 82.

المسألة الخامسة: قصدية الملازمة بين الوديعة والرهينة والاسترجاع والأخذ ... 85.

ص: 286

المبحث السادس عشرالمقاصدية في اختلاسهم الزهراء (علیها السّلام)

المسألة الاولى: معنى الاختلاس في اللغة والقرآن ... 91.

المسألة الثانية: الاختلاس في كتب الفقهاء ومعناه وحكمه ... 92

المسألة الثالثة: القصدية في إيراده (علیه السّلام) مفردة «الزهراء » في عنوان الاختلاس .... 94.

أولاً: إنَّ مصداق الاختلاس هو عين مال الزهراء الذي سلب منها... 95.

ثانياً: إنَّ مصداق الاختلاس هو عين شخص الزهراء الذي سلب منها الحياة فقتلت ... 97.

المسألة الرابعة: قصدية تسميتها بالزهراء ومعناه وأثره في تماسك النص .. 98.

المسألة الخامسة: دلالة قوله (علیه السّلام)«فما أقبح الخضراء والغبراء » ...103

المبحث السابع عشر المقاصدية في سرمدية حزنه (علیه السّلام)وكاشفيته لحقيقة الحدث

المسألة الاولى: الحزن، والسرمد، والسهاد، في اللغة ... 107

أولاً: الحُزْن في اللغة ...107

ثانياً: السرمَد في اللغة ...107

ثالثاً: السُهَاد في اللغة ...108

المسألة الثانية: قصدية إيراده حال حزنه بالسرمد مع الفعل (يبرح) ... 109.

أولاً: ما ارتبط به شخصيا من آثار نفسية .... 110.

ثانياً: ما ارتبط بعلاقته القلبية بأم عياله (علیه السّلام)...111

المسألة الثالثة: القصدية في نفي زوال الحزن وديموميته في بيان التفضيل بينه وبين نبي الله يعقوب (علیهما السّلام)...112

أولاً: التفاضل بين اثار حزن علي (علیه السّلام) وآثار حزن يعقوب (علیه السّلام)...115

ثانياً: التفاضل في حجم البلاء وآثاره في النفس وكاشفيته للصبر ... 117.

ثالثاً: أدب الأنبياء والأوصياء مع الله في شكواهم وكاشفيته العقدية ... 119

ص: 287

المبحث الثامن عشر المقاصدية في قوله «إلِى أَن يخَتَار اللَّه ليِ » من قوله: «أَو يخَتَار اللَّه ليِ » وكاشفيته لعظم مصيبته وشأنيته عند الله تعالى

المسألة الأولى: قصدية (إلى) و (أو) في البقاء بعد فاطمة (علیها السّلام)...125

أولاً: قصدية (إلى) ودلالتها في بقاء الحزن ... 125.

ثانياً: دلالة قوله «أو يختار الله لي » وكاشفية «أو » ...126

المسألة الثانية: قصدية الاختيار في قوله «يختار الله لي » بمعنى «التفويض » أو التعيين ... 128

المسألة الرابعة: قصدية الإقامة في دار رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )البرزخية أم الفردوسية ...129.

المسألة الخامسة: قصدية سرعة التفريق بينه وبين فاطمة (علیها السّلام).. 134

.أولاً: معنى (فرّق) في اللغة ... 135.

ثانياً: دلالة الفعل (فرّق) في كاشفية قتلها (علیها السّلام) ...135

المبحث التاسع عشر القصدية في تنبيئ النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بتظافر أمتّه على هضم فاطمة (علیه السّلام)

المسألة الاولى: معنى النبأ لغة وما هو الفرق بينه وبين الخبر .... 141.

أولاً: النبأ لغةً ...141.

ثانياً: الفرق بين النبأ والخبر ... 142.

المسألة الثانية: قصدية تنبيئ رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ودلالته العقدية والسيريّة ...144

الدلالة الاولى: اخبار رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )بأمور لا يعلمها وقعت من بعده ... 145.

الدلالة الثانية: إنها ستخبره (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بأمور عظيمة ... 148

ص: 288

الدلالة الثالثة: تحقق فائدة عظيمة من الخبر ... 149.

الدلالة الرابعة: تعري الخبر عن الكذب ... 151.

المسألة الثالثة: قصدية تضافر الأمة على علي وفاطمة (علیه السّلام)...153

أولاً: معنى (الضفر) لغةً ... 154.

ثانياً: قصدية تضافر الامة على علي (علیه السّلام) وبها تتضح مصاديق اللفظ ودلالته ... 156.

المسألة الرابعة: قصدية هضم الأمّة لحق فاطمة (علیها السّلام) ودلالته ...161

المبحث العشرون المقاصدية في الحف والاستخبار والاعتلاج ودلالة سكوت فاطمة (علیه السّلام)

المسألة الاولى: القصدية في الحف ... 172

القصدية الاولى: تحديد موضوع السؤال ... 172.

القصدية الثانية: في بيان مقبولية تلقي الاسئلة وردود الاجابة .. 173.

القصدية الثالثة: الكاشفية التعددية ... 174.

القصدية الرابعة: طريقة طرح الاسئلة ... 175.

القصدية الخامسة: الاتيان على جميع المواضيع ... 176.

القصدية السادسة: انتزاع الإجابة ... 176.

المسألة الثانية: استخبار حال فاطمة (علیها السّلام)...177

المسألة الثالثة: الغليل المعتلج وقصدية آثاره النفسية والجسدية وحكمه في الشريعة ... 183.

القصدية الأولى: في بيان حجم الأضرار النفسية دون غيرها ... 184.

القصدية الثانية: في بيان حجم الاضرار الجسدية وارتباطها بالألم الدائم ... 187.

القصدية الثالثة: في بيان كثرة الأضرار وتعددها ودوامها حتى ماتت (علیها السّلام)...188

المسألة الرابعة: مقاصدية بث الغليل وتعذر السبيل «لم تجد الى بثه سبيلا » ...191

ص: 289

القصدية الأولى: التعريف والتجزيء للألم ... 191.

القصدية الثانية: نشر هذه الآلام بين الناس لمعرفة حقيقة ما جرى... 193.

القصدية الثالثة: اختصاص اللفظ بكاشفية حال المرض والحزن ودرجته .... 194.

القصدية الرابعة: إنّ لديها أسراراً لم يكن ليطلع عليها غير رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )...195

القصدية الخامسة: تعذر السبيل مع وجود الامام علي (علیه السّلام)فسكتت(علیها السّلام)...198

المبحث الحادي والعشرونمقاصدية الملازمة بين قول فاطمة (علیها السّلام)وحكم الله (عزو جل)

المسألة الاولى: قصدية الاستقبال القريب بين قولها والحكم الالهي «ستقول ويحكم الله » ....205

أولاً: الملازمة بين غضب الله تعالى وغضب فاطمة (علیها السّلام)...205

ثانياً: مصاديق الملازمة في إلحاق العقوبة لمنتهكي الحدود الإلهية في القرآن والتاريخ ... 225.

المسألة الثانية: فاطمة (علیها السّلام) تحدد العقوبات التي استحقها الجناة وقصدية الزمن في وقوعها ... 228.

أولاً: تحديد الزمن الذي أعقب وقوع الجرم وصدور الحكم وتنفيذه ..... 229.

ثانياً: نوع العقوبات التي استحقها الجناة ... 231.

المسألة الثالثة: قصدية إظهار الآثار النفسية التي يعيشها الجناة ... 232.

أولاً: شأنية الضحية ومنزلتها تزيد في المعاناة النفسية للجناة..... 232.

ثانياً: ترقب الجناة لسكوت الضحية أو نطقها يزيد في عقوبة المعاناة النفسية ... 235.

المسألة الرابعة: القصدية في تنوع الحكم الالهي ... 237.

القصدية الاولى: ظهور الحكم الالهي في الجناة الاساسيين الذين انتهكوا حرمة بيت النبوة ... 238.

القصدية الثانية: معاقبة من رضا بظلمها فكانت العقوبة الجماعية ... 241.

المسألة الخامسة: القصدية في قوله (وهو خير الحاكمين) وآثارها العقدية والسّيريّة ... 247.

أولاً: الآثار العقدية التي تظهر قصدية القول في ضوء القرآن الكريم . .... 248.

ثانياً: تعدد الحكّام والأحكام لكن الله خير الحاكمين ... 252.

ثالثاً: الآثار السيريّة في قصدية النص ... 253.

ص: 290

المبحث الثاني والعشرون قصدية التكرار في السلام على رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأثره في تماسك النص

المسألة الأولى: اسلوب التكرار وأثره في ايصال المعنى ... 259.

المسألة الثانية: أثر التضمين الدلالي في اظهار قصدية التعامل مع قبر رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )...262

أولاً: التضمين الدلالي وقصدية التمحور حول معانِ محددة .... 263.

ثانياً: أثر الحقل الدلالي في تكوين المعنى واتساق النص ... 267.

ثالثاً: أثر المرادف في تأكيد المعنى ... 269.

المسألة الثالثة: القصدية في تكرار السلام على رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )...270

القصدية الأولى: ربط المتلقي برسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وأنه الملجأ في التظلم ... 271.

القصدية الثانية: الآثار في سلام المقبل على رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )غير سلام المودّع له ... 273.

المسألة الرابعة: زيارة قبر رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بين حدود الاقامة والانصراف وشرائطهما ...274.

أولاً: المعنى اللغوي للقال والسَّئِم والمَلِل .... 275.

ثانياً: زيارة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بين حد الإقامة والإنصراف ... 276.

ثالثاً: إن القصدية في حد الاقامة والانصراف هي المراقبة القلبية .... 278.

رابعاً: الاخلال بحد الإقامة والإنصراف يحبط الأجر ... 282

ص: 291

المجلد 3

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 1351 لسنة 2016

مصدر الفهرسة: IQ – KaPLI ara IQ –KaPLI rda

رقم الاستدعاء: 2017 H37 F3.BP38.09

المؤلف: الحسني، نبيل قدوري ، 1965 -. مؤلف.

العنوان: فاطمة في نهج البلاغة : مقاربة تداولية في قصدية النص ومقبوليته واستكناه دلالاته وتحليله /

بيان المسؤولية: تأليف السيد نبيل الحسني.

بيانات الطبعة: الطبعة الاولى.

بيانات النشر: كربلاء، العراق : العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2017 / 1438 للهجرة.

الوصف المادي: 5 مجلد ؛

سلسة النشر: مؤسسة علوم نهج البلاغة ؛ سلسلة الدراسات والبحوث العلمية ( 12 ).

تبصرة ببليوغرافية : يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة – نهج البلاغة.

موضوع شخصي: علي ابن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة- 40 هجريا – احاديث

-- دراسة تحليلية.

موضوع شخصي: فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، 8 قبل الهجرة - 11 هجريآ

موضوع شخصي: فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، 8 قبل الهجرة - 11 هجريآ – فضائل – احاديث.

موضوع شخصي: فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، 8 قبل الهجرة - 11 هجريآ – مصائب.

موضوع شخصي: فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، 8 قبل الهجرة - 11 هجريآ – الوفاة والدفن.

مصطلح موضوعي: فقه اللغة العربية.

مصطلح موضوع: احاديث الشيعة الامامية -- دراسة تحليلية.

مؤلف اضافي: مستخلص ل )عمل( : الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة – نهج البلاغة.

اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة -- جهة مصدرة.

عنوان اضافي: نهج البلاغة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

اشارة

سلسلة الدرسات والبحوث العلمية (12)

وحدة فقه اللغة وفلسفتها - اللسانيات

فاطمة في نهج البلاغة : مقاربة تداولية في قصدية النص ومقبوليته واستكناه دلالاته وتحليله /

بيان المسؤولية: تأليف السيد نبيل الحسني

ص: 2

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة

لطبعة الأولى

1439 ه/ 2018 م

العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة

مؤسسة علوم نهج البلاغة مؤسسة علوم نهج البلاغة

فی العتبة الحسینیة المقدسة

www.inahj.org

Email: inahj.org@gmail.com

موبايل: 07815016633

ص: 3

ص:4

المبحث الثالث والعشرون:المقاصدية في الإقامة عند قبر رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ونفي سوء الظن بما وعد الله الصابرين

اشارة

ص: 5

قال (عليه السلام): «وإنِ أُقمِ فَلا عنَ سوُء ظَنٍّ بمِاَ وعَدَ اللَّه الصَّابرِين »َ

اشارة

ص: 6

يرشدنا النص الشريف هنا الى جانب اخر من حدود الاقامة والزيارة لقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي نفي سوء الظن بما وعد الله الصابرين.

والسؤال الذي يفرضه البحث ماهي قصدية الامام امير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) في ربط الاقامة بسوء الظن؟

وللإجابة عليه نتعرض للمسائل الآتية:

المسألة الاولى: هل كانت العرب تقيم عند قبور موتاها

إن العلاقة الإنسانية بين بني البشر تفرض تلازما روحيا ووجدانيا يكشف عن جملة من المشاعر والعواطف كالشوق والحنين والانس والالفة والمودة، وهذه المشاعر الانسانية نجدها عند فقدان الأحبة والأخوة والأبناء والآباء والأمهات

وغير ذلك من المشاعر كالألم والتفجع والجزع مما يدفع الى التعامل مع الفقيد بأطوار متعددة تكشف عما يختلج في النفس من مشاعر اتجاه هذا الانسان او ذاك.

من هنا:

نجد القرآن الكريم يرشد الى هذه الحالة الوجدانية التي عهدت لدى الناس عند فقد الاحبة حتى أصبح الأمر من المسلمات المجتمعات الانسانية ولان هذه الحالةكاشفة ايضا عن حجم العلاقة ومكانة الفقيد في المقيم عند قبره، جاء القران الكريم لينظم اثارها العقدية والاجتماعية في ذهن الناظر والتعامل مع صاحب القبر، فقال

عز وجل:

ص: 7

﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَی أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَی قَبْرهِ إنِّهمُ كَفَرُوا باِللَّه وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾(1)، بمعنى:

إنّ بعض الذين أماتهم الله تعالى كانوا من المنافقين وهؤلاء كانوا أعداءً لله ورسوله (صلى الله عليه وآله) ولأن القرآن الكريم جاء لتنظيم الحياة واصلاح الإنسان فقد جاء الى معالجة الجوانب الوجدانية والنفسية والعاطفية.

فالحب يكون مرتكزه في النفس وطريقة قوامه الذي يرجع إليه الإنسان المسلم هو حب الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) ومنه تبنى العلاقات الانسانية في المجتمع وتكون هي الاساس والميزان الذي توزن به العواطف؛ وليس ميزان

القرابة وإن قَرُبَت كالوالدية أو الاسرية والعشائرية كما هو معهود لدى العلاقات الانسانية في معظم المجتمعات.

فقد نهى القرآن الكريم وحذر من هذا الاتجاه العاطفي فقال عز وجل: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرفْتُمُوهَا وَتِجارَةٌ تَخشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّه وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِی سَبِيلِهِ فَتَربَّصُوا حَتَّى يَأْتِ اللَّه بِأَمْرِهِ وَاللَّه لَا يَهدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾(2).

وعليه:

يتكشف من خلال القرآن الكريم إن العلاقة مع الميت علاقة وجدانية وانسانية تتعاظم معها العواطف وتتجلى بأوضح صورها الدالة على الطبيعة الانسانية والتي تكونت وفق هذا التلازم النفسي مع الاخر.

ص: 8


1- سورة التوبة، الآية ( 84 ).
2- سورة التوبة، الاية ( 24 ).

بل ان هذه المشاعر هي مما يتفرد به الانسان عن غيره من المخلوقات وأن ألفت التعايش مع بعضها، وأرشدت بأمر الله تعالى الى تنظيم شؤونها كُلّا بحسب مقتضيات عيشه والمحافظة على جنسه فسبحان من فطر الخلائق بقدرته.

ومن ثم تصبح هذه العلاقة مع الفقيد علاقة خاصة تتعاظم بعظم العاطفة التي يكنها الحي للميت ولعل الشواهد التاريخية لهذا النوع من العلاقة ترسم حقيقة هذا

التربط مع الاخر.

فكان منها:

1-ملازمة فاطمة (عليها السلام) لقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) واستمرار بكائها عليه (صلى الله عليه وآله) فقد روي عن امير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال:

(لما رمس رسول الله (صلى الله عليه وآله) جاءت فاطمة (عليها السلام) فوقفت على قبره (صلى الله عليه وآله) واخذت قبضة من تراب القبر ووضعتها على عينيها وبكت وانشأت تقول:

ماذا على من شم تربة أحمد*** أن لا يشم مدى الزمان غواليا

صبت علي مصائب لو أنها*** صبت على الأيام صرن لياليا(1).

2- تفجع الإمام علي (عليه السلام) -كما سيمر لاحقا- فقد قال: «آه آه لولا غلبت المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاما والتلبث معكوفا،و لأعولت أعوال الثكلى على جليل الرزية .»(2).

ص: 9


1- اثارة الترغيب والتشويق للخوارزمي: ص 353 ط دار الكتب؛ المغني لابن قدامة: ج 2 ص 409 ؛فنون الادب للنويري: ج 5 ص 173 ؛ اخبار الدول للقرماني: ج 1 ص 271
2- اورده الشيخ المفيد والشيخ الطوسي في اماليهما.

3- ومن الشواهد المعبرة عن حجم العلاقة بالفقيد وملازمة قبره ما رواه ابن عساكر الدمشقي في تاريخه:

(إن ارطأة بن سهية المرّي مات له ابن فأقام على قبره حولا يأتيه كل غداة، فيقول: يا عمرو أن أقمت حتى أمسي هل أنت رائح معي؟ فيبكي وينصرف، ويأتي القبر عند المساء، فيقول يا عمرو إن أقمت حتى الصبح هل أنت غاد معي؟ ويبكي وينصرف، فلما كان عند رأس الحول تمثل شعر لبيد، فقال:

الى الحول ثم اسم السلام عليكما ومن يبك حولا كاملا فقد أعتذر ثم ترك قبره ومضى وقال:

وقفت على قبر ابن ليلى ولم يكن*** وقوفي عليه غير مبكي ومجزع

هل أنت ابن ليلى ان نَظَرْتُكَ رائح*** مع الركب او غاد غداة غد معي

على الدهر فأعتب أنه غير معتب*** وفي غير من وارث الارض فاطمع)(1).

وعليه:

يظهر أن هذه العلاقة العاطفية كاشفة عن الطبيعة الإنسانية في العلاقة مع الفقيد،وان الاقامة على قبر الميت وتعاهده بالزيارة قد جرت في معظم المجتمعات، ومن ثم فان اقامته (عليه السلام) عند قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) تكشف عن العواطف والمشاعر الانسانية من جهة، ومن جهة اخرى تكشف عن انها حالة عامة وسائرة في المجتمع العربي بدليل توجيه الوحي لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في التأسيس لقاعدة ربط العاطفة بالايمان بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله)

ص: 10


1- تاريخ دمشق: ج 8 ص 4.

فمنع النبي من الصلاة والاقامة والزيارة لقبور المنافقين لخروجهم عن الاستحقاق العاطفي وان قربت معهم العلاقة الانسانية.

ولكن يبقى السؤال قائما لماذا ربط الامام علي (عليه السلام) الاقامة بسوء الظن بالله تعالى؟ هذا ما سنعرض له في المسائل القادمة.

المسألة الثانية: نفي قصدية الجزع عنه (علیه السّلام) في ذهن الناظر وعصمته في المشاعر
اشارة

يرشدنا قوله (عليه الصلاة والسلام):

«وإن أقم فلا عن سوء ظن » الى أمرين شرعيين:

الأمر الأول- ضرورة جب الغيبة والمحافظة على مقامه في عين الناظر.

الأمر الثاني- عصمته في تقنين مشاعره وعواطفه.

ولمزيد من البيان نعرض لكل أمرٍ على حده كما يلي:

الأمر الأول: ضرورة جب الغيبة والمحافظة على مقامه في عين الناظر

يرشدنا النص في خصوصية جب الغيبة عن نفسه حينما ينظر اليه الناظر فيجده ملازما لقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيظن أن مقامه نابع من تأثره بالمصيبة فيلازم قبر الفقيد كما جرت العادة لدى الناس فيوحى بذلك عن تألمه على ما نزل

به من المصائب.

ولكونه إمام المتقين هو يرى تقنين العواطف والمشاعر عند الناس حينما تنظر اليه فيراقبهم مراقبة الامام للمأموم، والراعي المشفق للرعية، وذلك إن الناظر إليه صنفان أما محب وموالي وأما مخالف ومعادي.

ص: 11

فأما لمحب والموالي فقد يستن بذلك الفعل حينما يبتلى بمصيبة فقد الاحبة فيلازم قبورهم معتذرا بذلك بفعل أمير المؤمنين (عليه السلام) ليس من لحاظ كونه نبي الامة (صلى الله عليه وآله) وإنما قد يفسر ذلك من لحاظ العلاقة القريبة والمنزلة الخصيصة لما صرّح (عليه السلام) بهذه العلاقة وخصوصيتها، فقال (عليه السلام):

«وقد علمتم موضعي من رسول اللَّه بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره ويكنفني في فراشه ويمسني جسده ويشمني عرفه

وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل »(1).

ومن ثم قد يتوهم المحب أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) تعامل مع مصيبة فقده لحبيبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما تربطه به من قرابة الرحم والصهرية والوالدية للحسن والحسين (عليهما السلام).

ولذا:

أراد (عليه السلام) نفي هذه التوجهات في نفس الموالي، أي عدم الاستنان بسنة ملازمة قبر الفقيد القريب.

وأما الصنف الآخر فهو المخالف المعادي، فهذا الصنف يتربص بالإسلام وأهله يراقب الأمور كي يقلبها مبتغيا بذلك الفتنة، قال تعالى في خطابه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) مبينا له خطر المنافقين:

﴿لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأمُورَ حَتَّى جَاءَ الَحقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّه وَهُمْ كَارِهُونَ﴾(2).

ص: 12


1- نهج البلاغة: ج 2 ص 157 ، الخطبة القاصعة.
2- سورة التوبة، الآية ( 48 )

ومن الطبيعي أن يكون هؤلاء المنافقون المعادون لعلي يتربصون به كما كانوا يتربصون بالنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) فضلا عن بغضهم لعلي، كما نص المصطفى (صلى الله عليه وآله):

«لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق »(1).

ومن ثم: سيقول هؤلاء المنافقون إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قد جزع -والعياذ بالله- من مصيبته في ابن عمه فلزم قبره لا يفارقه فيكون ذلك الفعل،أي إقامته (عليه السلام) وملازمته لقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسوغا للمنافقين في اغتيابه واتهامه بالجزع -والعياذ بالله-.

قال (عليه السلام) كما مرّ سابقا:

«آه آه لولا غلبت المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاما والتلبث معكوفا،و لأعولت أعوال الثكلى على جليل الرزية .»

فكان (عليه السلام) بحكم إمامته ورعايته للأمة أن يقنن للناظر رؤيته اليه ويعيد الذهن الى جادة الصواب فيحافظ على قلب الموالين وينكس الله قلوب الذين كفروا فيزيدهم بعدا عنه وعن رحمته -أجارنا الله من سوء المنقلب-.

الأمر الثاني: عصمته في تقنين مشاعره وعواطفه

قد يتبادر الى ذهن القارئ أن المعصومين (عليهم السلام) بحكم كونهم من البشر لديهم عواطف ومشاعر، فهم ليسوا من الملائكة وإنما مثلهم مثل غيرهم من الناس كما نص قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَر مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَّی﴾(2).

ص: 13


1- الآمالي للصدوق:ص 197 ؛ سنن الترمذي: ج 5 ص 306 .
2- سورة الكهف، الآية ( 110 ).

ومن ثم فإن هذه المثلية تقتضي مرور الأنبياء والمرسلين والأئمة المعصومين بالمشاعر والعواطف كما يمر بها جميع الناس، ومن ثم فما هو الوجه في تقنين هذه المشاعر لدى المعصوم عن غيره من الناس؟

ونقول: يعرض لنا القرآن الكريم صوراً عديدة من العلاقات الانسانية والوجدانية التي يستكشف فيها الجانب النفسي والوجداني للأنبياء (عليهم السلام) في مختلف العالقات الانسانية.

ففي الوالدية هناك العديد من المواقت التي تظهر فيها هذه الصورة الانسانية الغنية بالمشاعر والعواطف.

1- في والدية نوح (عليه السلام) ومشاعره، نجده (عليه السلام) يسأل الله تعالى النجاة لولده من الغرق لكن في نفس الوقت يظهر لنا القرآن الكريم تقنين هذه المشاعر والعواطف الوجدانية، قال تعالى: ﴿وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهِلی وَإِنَّ وَعْدَكَ الَحقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الَحاكِمِينَ( 45 ) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْر صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بهِ عِلْمٌ إنِّی أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الَجاهِلِينَ( 46 ) قَالَ رَبِّ إنِّی أَعُوذُ بكِ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِی بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِی وَتَرْحَمنِي أَكُنْ مِنَ الَخاسِرينَ﴾(1).

وترشدنا الآيات المباركة الى ظهور العواطف الوالدية فنجد نبي الله نوح (عليه السلام) يظهر مشاعره الأبوية وعواطفه أتجاه ولده الذي راه يغرق بعد أن تأخذه العاطفة الى نصح ولده كما جاء في قوله تعالى:

ص: 14


1- سورة هود، الآية ( 45 - 47 ).

﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِی مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾(1).

فكان جواب ولده: سآوي الى جبل يعصمني من أمر الله وبعد أن وجد إن الموعظة لا تنفع معه، التجئ لفعل هذه المشاعر الأبوية تجاه ولده وهو يراه هالك لامحالة فتوجه الى الله بالدعاء سائلا إياه عز وجل النجاة والشفاعة لولده إلا أن

الجواب لهذا السؤال: ﴿إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾(2).

لنجد القرآن الكريم يعطينا صورة حية و انموذجاً في بيان إمكانية المعصوم على ضبط مشاعره وتقنين عواطفه في حالة من أشد الحالات النفسية تأثرا على الإنسان وهي عاطفة الأبوة ومشاعر الوالدية.

لكن نوح (عليه السلام) يمتثل فورا دوان أن يحتاج الى دقائق بل ولا حتى الى ثوان في تقنين هذه المشاعر وضبطها بما يريد الله تعالى، فقال مخاطبا ربه عز وجل: ﴿رَبِّ إنِّی أَعُوذُ بكِ أَنْ أَسْألَكَ مَا ليَسْ لِ بهِ عِلْمٌ وَإلِّا تَغْفِرْ لِی وَتَرْحَمنيِ أَكُنْ مِنَ الَخاسِرينَ﴾(3).

2- في صورة آخرى يعرضها القرآن الكريم وبمشهد آخر في بيان ضبط العواطف وتقنينها وهي أيضا في عاطفة الأبوة فيقدم القرآن صورة جديدة كما في ابتلاء نبي الله إبراهيم الخليل (عليه السلام) حينما جاءه الأمر في تقديم ولده اسماعيل قربانا لإقامة البيت الحرام، وامتثال اسماعيل لهذا الامر وضبطه للمشاعر اتجاه أبيه، قال تعالى:

ص: 15


1- سورة هود، الآية ( 42 ).
2- سورة هود، الآية ( 46 ).
3- سورة هود، الآية ( 47 ).

﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إنِّی أَرَى فِی الَمنَامِ أَنِّی أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِی إنِ شَاءَ اللَّه مِنَ الصَّابرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ للِجَبيِنِ* وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الُمحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهوَ الْبَلَاءُ الُمبِينُ﴾(1).

فالحال هنا يختلف من حيث جهد الابتلاء كما أن يختلف من حيث تقنين المشاعر وضبط العواطف فإن كان نبي الله نوح (عليه السلام) يسأل الله تعالى عن ابنه الذي خشى عليه من الغرق، فإن نبي الله ابراهيم أمره الله تعالى أن يباشر بيده ذبح ولده الذي كان صبيا في الخامسة من عمره أو أكثر، لقوله تعالى ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ﴾وحينما يبلغ الإنسان مرحلة السعي يكون طفلا صغيرا لعله في الخامسة

أو فما دون ذلك أو أكثر؛ ومن ثم فإن المشاعر الأبوية إتجاه هذا الأبن تكون أعظم بكثير مما لو كان الابن رجلا قادرا على شق طريقه ودفع الضر عن نفسه كما هو حال ابن نوح (عليه السلام).

ولذا: نجد القرآن الكريم يصف لنا حال ابراهيم (عليه السلام) وما مرَّ به جهد البلاء وذلك بالنظر الى التحكم بمشاعره وعواطفه الأبوية أتجاه ولده الصغير الذي أمره الله تعالى بذبحه قربانا للبيت الحرام.

فقال عز وجل: ﴿إِنَّ هَذَا لَهوَ الْبَلَاءُ الُمبِينُ﴾.

ولا ينحصر الأمر في نوح وابراهيم (عليهما السلام) في كونهما قد قدما انموذجا في ضبط المشاعر الانسانية والعواطف الوجدانية بل هناك العديد من الصور القرآنية

التي تدل على هذه الحقيقة كما في:

ص: 16


1- سورة الصافات، الآية ( 102 - 106 ).

أ- يعقوب وفقدان ولده يوسف (عليهما السلام).

ب- في مشاعر الإمومة يظهر لنا القرآن الكريم صورة ام موسى ورميها ولدها الرضيع في البحر.

ج- في بيان مشاعر المرأة وعواطفها أتجاه إبتلائها بمواجهة قومها وهي الناسكة المتعبدة وقد جاءتهم تحمل طفلا دون أن يكون له أب وضبط هذه المشاعر وتقنينهاكما هو حال مريم (عليها السلام).

د- في بيان فقدان الإنسان لأسرته ووالديه وغدر أخوته به كل هذه المشاعر الإنسانية يعرضها القرآن الكريم في حالة يوسف (عليه السلام).

ه - في العلاقة الأخوية بين هارون وموسى ووفاة هارون في حياة موسى وابتلائه بفقدان أخيه وناصره ومعينه في إبلاغ رسالة الله تعالى.

ي- في بيان القرآن للمظاهر الاجتماعية وإقامة حدود الله تعالى وانتهاك هذه الحدود بالمستوى الظاهري دون أن يدرك الانسان الحكمة فيما يرى فيعترض رافضا لما يراه كما في قتل الخضر (عليه السلام) للغلام واغراق السفينة، اما نبي الله موسى (عليه السلام) وضبطه لمشاعره بعد ذلك حينما ادرك الحكمة فيما رأى من حوادث وافعال قام بها الخضر (عليه السلام).

فهذه الصورة القرآنية تكشف عن قدرة المعصوم (عليه السلام) على تقنين مشاعره وعواطفه والتي تدل على إن الله عصمه من أرتكاب الخطأ في المستوى الأصعب لدى

كل إنسان، وهي مشاعره وعواطفه.

إذ لولا هذه العواطف والمشاعر والخلجات النفسية لكان الإنسان كالملائكة لا التي لا تقعفي المعصية لفقدانها لتلك الشهوات والمشاعر الوجدانية المتصلة بقوتي الغضب والشهوة.

ص: 117

إذن:

أراد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن يقدم للناظر صورة حية عن تقنينه لمشاعره وعواطفه وان تكليفه الشرعي ازاء الابتلاءات والحوادث كتكليف الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام)، ومما لا ريب فيه ان المصيبة في فقد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقتل بضعته وقلبه وروحه التي بين جنبيه امام ناظره (عليه السلام) وهو يشاهدها تذبل كما يذبل الورد لا يقدر ان يضع السيف

في العصابة القاتلة والظالمة، متقيداً بتكليفه الشرعي في النظر الى الاسلام وحفظه ودفع السوء عنه كما قال مصرحاً بذلك في كتابه الذي أرسله الى أهل مصر مع مالك

الاشتر لما ولاه أمارتها فقال (عليه الصلاة السلام):

«أما بعد فإن الله بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) نذيرا للعالمين ومهيمنا على المرسلين فلما مضى تنازع المسلمون من بعده.

فو الله ما كان يلقى في روعي ولا يخطر ببالي أن العرب تزعج هذا الأمر من بعده (صلى الله عليه وآله) من أهل بيته ولا أنهم منحوه عني من بعده، فما راعني إلا انثيال الناس عن فلان يبايعونه، فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد

رجعت عن الإسلام، يدعون الى محق دين محمد (صلى الله عليه وآله)، فخشيت أن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلما، أو هدما تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت السراب، أو كما ينقشع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح

الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه(1)

فلذلك أمسك على الألم، وحبس عواطفه ومشاعره أبتغاء مرضاة الله تعالى وطوع امره في نصرة دينه، وفي نفس الوقت منع انصراف ذهن الناظر الى اتهامه بالجزع

ص: 18


1- نهج البلاغة: ص 451 بتحقيق صبحي الصالح.

لفقد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومنع المحب والموالي من الاستنان بسنة الإقامة على قبر الفقيد والعزيز متذرعا بذلك بفعل سيد الموحدين وامير المؤمنين (عليه السلام).

المسألة الثالثة: منشأ سوء الظن بالله وموارده في النفس

يرى علماء الاخلاق ان سوء الظن بالله تعالى منشائه القوة الغضبية (وهو من لوازم الجبن وضعف النفس، وربما كان من رداءة الكيفية وضده، حسن الظن بالله وبالمؤمنين وهو من آثار الشجاعة وكبر النفس)(1).

وقيل:

(إن سوء الظن ينشأ عن عدم معرفته تعالى بما هو اهله)(2).

وعليه:

يصبح سوء الظن بالله تعالى من الرذائل التي يحرم على الانسان الاتصاف بها ومن ثم يصبح وجودها عند المعصوم معدوما ومحالا لأنه موضع الكمالات ومصدر الفضائل وتعليمها للناس، إلاّ أن الحكمة في قوله هذا والذي يقارب مقاصديته في بيانه هو إبعاد ظنون الناس نحوه فقد يقول قائل:

إنه لزم قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يحتمل ما نزل به من المصيبة فنسي ما أعده الله من الأجر والثواب للصابرين لتحملهم المصائب والابتلاءات، فكان ذلك نفيا لظنون الاخر وليس لنفسه (صلوات الله عليه).

ص: 19


1- جامع السعادات لمحمد مهدي النراقي: ج 1 ص 84 .
2- اختيار مصباح السالكين لابن ميثم البحراني: ص 543 .

وانّى يحصل ذلك وهو مورد الاطمئنان ومعلم الفضائل ومقصد الكمالات لاسيما وان القرآن الكريم قد بين في جملة من الآيات المباركة الاثار السيئة التي يلحقها سوء الظن بالله تعالى في الدنيا والاخرة؛ قال تعالى: ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الَخاسِرينَ﴾(1).

فكيف يتصور -والعياذ بالله- وانه لزم قبر فقيده لقلة صبره؟!

وعليه: فإن القصدية في وقوع سوء الظن عائد الى تصريح نظر الناظر لاسيما وقد جاءت الاحاديث الشريفة زاخرة في كتل الحديث لدى الطائفة الامامية (اعزها الله تعالى)

في توجيه النفس مما يكشف عن الاثر المعرفي في حقل الاخلاق وعلم النفس والسلوك حتى عده فقهاء الامامية في رتبة الحرمة ومعاملة النقيض بالواجب أي وجوب العمل بحسن الظن كما جاء ذلك جليا في الوسائل، فقد اورد الحر العاملي (قدس سره) جملة من هذه الاحاديث معنْونا لها:

(باب وجوب حسن الظن وتحريم سوء الظن به).

(1- محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: أحسن الظن بالله، فان الله عز وجل يقول: أنا عند ظن عبدي بي إن خيرا فخيرا

وإن شرا فشرا.

2-وعن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن عمر، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) -في حديث- قال:

ص: 20


1- سورة فصلت، الآية (23)

فأحسن الظن بالله، فان أبا عبد الله (عليه السلام) كان يقول:

من حسن ظنه بالله كان الله عند ظنه به، ومن رضي بالقليل من الرزق قبل منه اليسير من العمل.

3- وعنهم، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن بريد بن معاوية، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: وجدنا في كتاب علي (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال على منبره:

والذي لا إله إلا هو ما أعطي مؤمن قط خير الدنيا والآخرة إلا بحسن ظنه بالله،ورجائه له، وحسن خلقه، والكف عن اغتياب المؤمنين، والذي لا إله إلا هو لا يعذب الله مؤمنا بعد التوبة والاستغفار إلا بسوء ظنه بالله وتقصير من رجائه له،وسوء خلقه، واغتياب المؤمنين. والذي لا إله إلا هو لا يحسن ظن عبد مؤمن بالله إلا كان الله عند ظن عبده المؤمن، لان الله كريم بيده الخير يستحيي أن يكون عبده المؤمن قد أحسن به الظن ثم يخلف ظنه ورجاءه فأحسنوا بالله الظن وارغبوا إليه.

4- وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن سفيان بن عيينة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: حسن الظن بالله أن لا ترجو إلا الله ولا تخاف الا ذنبك.

5- وعن محمد بن أحمد، عن عبد الله بن الصلت، عن يونس، عن سنان بن طريف قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ينبغي للمؤمن أن يخاف الله خوفا كأنه مشرف على النار، ويرجوه رجاء كأنه من أهل الجنة، ثم قال، ان الله تبارك وتعالى عند ظن عبده به ان خيرا فخيرا وان شرا فشرا.

ص: 21

6-محمد بن علي بن الحسين بإسناده إلى وصية علي (عليه السلام) لمحمد بن الحنفية قال: ولا يغلبن عليك سوء الظن بالله عز وجل فإنه لن يدع بينك وبين خليلك صلحا.

7- وفي (ثواب الأعمال) عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

إن آخر عبد يؤمر به إلى النار فيلتفت فيقول الله عز وجل اعجلوه، فإذا اتي به قال له: عبدي لم التفت؟

فيقول: يا رب ما كان ظني بك هذا، فيقول الله عز وجل عبدي ما كان ظنك بي؟

فيقول: يا رب كان ظني بك ان تغفر لي خطيئتي وتدخلني جنتك، فيقول الله عز وجل: ملائكتي وعزتي وجلالي وآلائي وارتفاع مكاني ما ظن بي هذا ساعة من حياته خيرا قط ولو ظن بي ساعة من حياته خيرا ما روعته بالنار، أجيزوا له كذبه

وأدخلوه الجنة، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام):

ما ظن عبد بالله خيرا الا كان له عند ظنه، وما ظن به سوء الا كان الله عند ظنه به،وذلك قول الله عز وجل: ﴿وَذَلكِمْ ظَنكُّمُ الذَّي ظَننَتْمُ برِبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأصَبحَتمُ مِنَ الَخاسِرينَ﴾(1)، ورواه البرقي في (المحاسن) عن ابن فضال، عن الحسن بن الجهم، عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر (عليه السلام) نحوه.

8- وفي (عيون الأخبار) عن جعفر بن نعيم بن شاذان، عن محمد بن شاذان، عن الفضل بن شاذان، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال:

ص: 22


1- سورة فصلت، الاية ( 23 ).

قال لي: أحسن الظن بالله فان الله عز وجل يقول: انا عند ظن عبدي بي فلا يظن بي إلا خيرا.

9-أحمد بن أبي عبد الله البرقي في (المحاسن) عن ابن محبوب، عن ابن رئاب قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: يؤتى بعبد يوم القيامة ظالم لنفسه فيقول الله ألم آمرك بطاعتي؟ ألم أنهك عن معصيتي؟

فيقول: بلى يا رب، ولكن غلبت علي شهوتي فان تعذبني فبذنبي لم تظلمني فيأمر الله به إلى النار.

فيقول: ما كان هذا ظني بك.

فيقول الله عز وجل: ما كان ظنك بي؟

قال: كان ظني بك أحسن الظن فيأمر الله به إلى الجنة.

فيقول الله تبارك وتعالى: لقد نفعك حسن ظنك بي الساعة)(1).

وعليه:

فقد أرشد النص الشريف الى أن العمل بالصبر افضل واجمل مع المصائب وذلك لما وعد الله عز وجل الصابرين من الاجر على مصابهم، وان حسن الظن بالله تعالى بما وعد كاف في تخفيف الالم، بل وفي الحالات التي يمر بها المعصوم (عليه السلام) تكون النفس مطمئنة في نزول البلاء لانشغال النفس بالأجر والثواب والانس بما قدر الله تعالى كما ثبت في النصوص على الانس القلبي بما اعد الله تعالى للصابرين فقد قالت العقيلة زينب كاشفة عن هذا الاطمئنان القلبي فيما نزل بها من ابتلاءات يوم عاشوراء:

ص: 23


1- وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 15 ص 229 - 232 .

«ما رأيت إلا جميلاً .»(1).

فيكيف يكون حال قلب مولى الموحدين وامير المؤمنين (عليه السلام)!.

المسألة الرابعة: كاشفية القرآن لما وعد الله الصابرين

يتمازج النص الشريف مع روح القرآن الكريم؛ فقد عرض القرآن في موارد كثيرة عن الثمار والنتائج التي يحصل عليه الانسان الذي أعتمد ألية الصبر كنظام حياتي وسلوكي يدر عليه فوائداً وثماراً كثيرة في الدنيا قبل الاخرة.

وللوقوف على مقاصدية النص الشريف في تمازجه مع روح القرآن ومصداق التعايش مع هذه الروح التي نزل بها الوحي، نورد لبعض هذه الآيات، وهو كالاتي:

1- ﴿وَتَمتَّ كَلمِةُ رَبِّكَ الُحسْنَى عَلَی بَنيِ إسِرائيِلَ بمِا صَبَروا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ﴾(2).

والآية في معرض ما وعد لله الصابرين الذين تعرضوا للظلم سواء كان فرعون مصر او غيره من فراعنة الارض وذلك ان النتيجة التي حصل عليها بنو اسرائيل بما صبروا امرين، هما:

أ- تمت كلمة الله بالحسنى عليهم.

ب- تدمير ما كان يضع فرعون وقومه.

2- ﴿وَالَّذِينَ صَبَروا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِّما رَزَقْنَاهُمْ سِّرا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالَحسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهمْ عُقْبَى الدَّارِ﴾(3).

ص: 24


1- الفتوح لأبن اعثم الكوفي: ج 5 ص 122 .
2- سورة الاعراف، الآية ( 137 ).
3- سورة الرعد، الآية ( 22 ).

3-﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّه بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَروا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾(1).

وهنا:

قد جاء وعد الله تعالى بأنه يجازي الصابرين اجرهم بأحسن ما كانوا يفعلون.

4- ﴿إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْر الرَّاحِمينَ * فَاتَّخذْتُموهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّ جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَروا أَنَّهمْ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾(2).

وهنا: يأتي وعد الله للصابرين بأنهم الفائزون.

5- قال سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُن وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ( 74 ) أُولَئِكَ يُجزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَروا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحيَّةً وَسَلَامًا﴾ (3).

والآية المباركة من الآيات المخصوصة بالأئمة وذلك ان التقوى غاية ما يسعى اليه المؤمن حتى يصل الى تلك الرتبة فيكون من المتقين وهم الذين قد خاضوا جهاد النفس فبلغوا الكمالات النفسية واحرزوا الفضائل الاخلاقية فكانوا انموذجاً

للطاعة الحقة.

ص: 25


1- سورة النحل، الآية ( 96 ).
2- سورة المؤمنون، الآية ( 109 - 111 ).
3- سورة الفرقان، الآية ( 74 - 75 ).

وعليه:لا يتحقق عنوان الامام للمتقين إلاَّ من كان معصوما وهو النبي وعترته الائمة الاثني عشر وأمهم فاطمة الصديقة الكبرى فهم أئمة المتقين وهم الصابرين الذين وعدهم الله أن يجزيهم الغرفة ويلقون تحية وسلاما.

6-أما بخصوص ما وعد الله الصابرين في موضع الابتلاء بفقد الابناء والاباء والاخوان وكل عزيز وحبيب والذي عبر عنه القرآن الكريم بالمعنى الخاص ب (المصيبة) وبالمعنى العام بكل ما يعظم به المصاب، فقال عز وجل: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لَّله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ

مِنْ رَبِّهمْ وَرَحْمةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الُمهْتَدُونَ﴾(1).

وأيّ مصيبة أعظم من المصاب بفقد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبه انقطع الوحي ورفع عن الامة الباب الاعظم لنزول الرحمة التي فتحه الله تعالى به للعالمين.

وعليه: فليس هناك أعظم مصيبة من علي (عليه السلام) بفقده لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك لأنه أعرف الخلق به وأحبهم عنده وأقربهم منه وأخصهم لديه.

ولذا قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهدُونَ بِأَمْرِنَا لَّما صَبَروا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾(2).

وهو مع هذا المصاب بفقد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان له (عليه السلام) مصاب آخر تشاطره مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو في قبرة لم يدعه هذا

ص: 26


1- سورة البقرة، الآية ( 156 - 157 ).
2- سورة السجدة، الآية ( 24 ).

المصاب لعظمه على قلبه إلاّ أن يجهر بآهاته ويصرخ بألآمه بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى يكاد المتلقي لهذه الكلمات يجزم بان هذه الآهات لم تكن تخرج من فم علي بن أبي طالب (عليه السلام) لولا أنها نفثت معها الروح قومها، فكأنه مع هذه الرزية جسدا بلا روح، فأي مصيبة هذه، و أي رزية هي التي جعلت علي بين أبي طالب (عليه السلام) بهذا الألم؟!؛ جواب هذا السؤال في المباحث القادمة.

ص: 27

ص:28

المبحث الرابع والعشرون : المقاصدية في تضمين الآهات وممانعة النفس ب (لولا)

اشارة

ص: 29

قوله (عليه السلام): « آه آه ، » وفي لفظ اخر:

اشارة

قوله (عليه السلام): « آه آه(1) ، » وفي لفظ اخر: «وآه وآها(2)؛ لَولا غَلَبةَ المُستْولْيِن علَينْا »

ص: 30


1- دلائل الإمامة للطبري: ص 138 .
2- روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه: ج 5 ص 348 .

يأخذنا النص الشريف في عرضه لمظلومية سيدة نساء العالمين وابنة خير الخلق اجمعين (صلى الله عليه وآله) في تماسك البيان وتدرجه تصاعديا حتى يصل الى ذروة تهيج المشاعر وتجمير العواطف وكأن صاحب النص (عليه السلام) في هذا العرض يفرض حضوره الشخصي امام المتلقي مستجمعا لقلبه وعقله في آن واحد نافذاًاليهما في اثبات مظلوميته ومظلومية فاطمة (صلوات الله عليهما).

معريا لوجوه اولئك الظلمة وما جنته ايديهم في حرق قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتأليمه وايذاءه اشد الاذى وهو غاية ما يطمح اليه الظالمون ويروم الوصول اليه المتجبرون ويأنس به الجلادون في سماعهم لآهات الضحية وتأوه المظلوم.

فتلك الآهات التي خرجت من فم علي بن ابي طالب (عليه السلام) مع ما آتاه الله من جلادة في القلب وعزيمة في معترك الخطوب والصبر على البلاء والمحن، إلاّ أنه هاهنا ينفض صدره آهات متجمّرة من حرقة مصابه ببضعة سيد المرسلين (صلى

الله عليه وآله).

فهذه الآهات التي لم يستطع الظالمون سماعها من فم رسول الله (صلى الله عليه وآله) خوفا من التنزيل وتحذرا من آيات الذكر الحكيم كما اخبر القرآن عن حالهم فقال عز وجل:

﴿ یحذَرُ المنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِی قُلُوبِهمْ﴾(1).

ص: 31


1- سورة التوبة، الآية ( 64 ).

فقد سمعوها من فم الوصي و أخ النبي (صلى الله عليه وآله)، فأي جرح قد احدثوا و أي ألم قد أنزلوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وانّى هم عن قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّه وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّه فِی الدُّنْيَا وَالْأخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾(1).

وعليه:

كانت لهذه الآهات وتضمينها مجموعة من الدلالات وممانعة نفسه (عليه السلام)بمقتضى حكم (لولا) مقاصد محددة؛ ولكي نقف على قصدية هذه الآهات وممانعة النفس ب لولا ومعرفة حاله (عليه السلام) الذي اضمره في النص نعرض للمسائل الآتية:

المسألة الاولى: معنى التأوه وقصديته في اللغة والقرآن
اشارة

ورد التأوه في النص الشريف بلفظين:

الاول: (آه آه)؛ والآخر: (وآه وآها) فما دلالة كل منها عند علماء اللغة؟

أولاً: معنى (آه آه) في اللغة

1- قال الجوهري (ت 393 ه): (قولهم عند الشكاة: أوه من كذا، ساكنة الواو، انما هو توجع، قال الشاعر:

فاوه لذكراها اذا ما ذكرتها*** ومن بعد ارض بيننا وسماء.

وربما قلبوا الواو الفاً فقالوا: آه من كذا.

وربما شددوا الواو وكسروها وسكنوا الهاء فقالوا: أوه من كذا.

ص: 32


1- سورة الاحزاب، الآية ( 57 ).

وربما حذفوا مع تشديد الهاء فقالوا: أوه من كذا، بلا مد، وبعضهم يقول: آوه بالمد والتشديد وفتح الواو ساكنة الهاء، لتطويل الصوت بالشكاية، وربما

ادخلوا فيه التاء فقالوا: أوتاه، يمد ولا يمد.

وقد أوه الرجل تأويها، وتأوه تأوها، إذا قال: أوه، والأسم منه: الآهة بالمد.

قال المثقب العبيدي:

إذا ما قمت أرلحها بليل*** تأوه آهة الرجل الحزين.

ويروى: «أهة » من قولهم: آه، اي توجع.

قال الحجاج: بآهة كآهة الجروح؛ ومنه قولهم في الدعاء على الانسان؛ آهة لك، وأوة لك بحذف

الهاء ايضاً مشددة الواو)(1).

وفي أصل اللفظ يقول ابن فارس (ت 395 ه): واما (الهمزة والهاء) فليس بأصل واحد لأن حكايات الأصوات ليست أصولا يقاس عليها لكنهم يقولون أه، أهة، وآهة)(2).

وقال ابن منظور (ت 711 ه) وقد جمع أقوال أهل اللغة فأضاف الى ما مرّ ذكره: )وقولهم: آهةً وأميهةً هو: التوجع.

ص: 33


1- الصحاح للجوهري: ج 6 ص 2225 - 2226 .
2- معجم مقاييس اللغة: ج 1 ص 32 .

-وفي ذلك- يقول الازهري:

آه هو حكاية المتَأَهِّة في صورته، وقد يفعله الإنسان شفقة وجزعا؛ وأنشد:

آه من تياك آها*** تركت قلبي متاها

2- قال ابن المظفر: آوهَّ، و أَهه إذا توجع الحزين الكئيب فقال: آه أو هاه عند التوجع، وأخرج نفسه

بهذا الصوت ليتفرج عنه بعض ما به، قال ابن سيدة:

وعندي انه وضع الاسم موضع المصدر، اي تأَوَهَ تأَوُهْ الرجل.

والأهَّةُ: التَّحَزُّنُ.

وقد آه، أهّا، وأهّةً.

وقد ترد بمعنى التوجع، وقيل:التوجع يقال فيه آها، قال: ومنه حديث ابي الدرداء:

(ما نكرتم من زمانكم فيما غيرتم من أعمالكم أن يكن خيراً فواها واها وأن يكن شراً فآها آها)(1).

ويستفاد مما مرّ ذكره: أن (آه آه) أراد بها (عليه السلام) التوجع والشكاية لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وتألمه لما أصابه من الحزن فأخرج صوته بهذه الآهات.

وهذه المعاني ترشد الى مقاصد غير التي اضمرتها لفضة (وآه، وآها) كما سيأتي في ثانياً.

ص: 34


1- لسان العرب: ج 13 ص 473 - 475 .
ثانياً: معنى (وآه وآها) في اللغة

قال الفراهيدي (ت 175 ه): (وآه): تلهف وتلدد، وينون أيضا كقول أبي النجم:

واها لرجا ثم واها واها*** يا ليت عيناها لنا وفاها(1).

وذكر ابن السكيت (ت 244 ه) إن (واها) تستخدم للتعجب(2)

وذلك أنّ الناس لهم في هذا الصوت معان أربعة ذكرها ابن الانباري (ت 328 ه)

فقال: (يقول الرجل للرجل: إنّه حدثنا، اذا استزاده؛ وأيها كف عنا، اذا سأله القطع؛ وويها أقصد الى فلان، إذا اغراه؛ وواها ما أعلم فلانا، إذا تعجب من علمه؛ ومعنى واها التعجب)(3).

بمعنى: إنّ القصدية في ذكره (عليه السلام) ل (وآه وآها) تعجبه مما فعله القوم تجريا على الله تعالى؛ أي أن كل هذه النصوص النبوية والتحذير الذي بلغ به النبي (صلى الله عليه وآله) من التعرض لحرمته وحرمة اهل بيته لم تكن حاجزا لهؤلاء في التجري

على الله تعالى وانتهاك حدوده؛ هذا من جهة ومن جهة اخرى: فإن تعجبه كان من الإساءة مقابل الإحسان، بمعنى:

ص: 35


1- العين: ج 4 ص 106 .
2- ترتيب اصلاح المنطق: ص 71 .
3- الزاهر في معاني كلمات الناس:

إن أهل البيت (عليهم السلام) لم يقدموا للناس إلا الإحسان فهم موضع الرحمة والسبب الموجب لنزولها على الخلق، والسبب المانع من نزول العذاب وذلك لقوله تعالى في بيان حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنه السبب المانع من نزول العذاب، فقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبَهمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبَهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾(1).

إلاَّ إن أولئك الظلمة المنافقون الذين كذبوا الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) قابلوا هذه الرحمة بالعذاب والاحسان بالإساءة ومن ثم كيف لا يتعجب (عليه السلام) مما وقع على بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكيف لا يتفجع ويتوجع ويتألم مما وقع فيتأوه لذلك كما كان جده ابراهيم الخليل (عليه السلام) فقد كان أواها، وهو ما سنتناوله في ثالثا.

ثالثاً: التأوه في القرآن وقصديته الوجدانية والسلوكية

جاء ذكر التأوه في القرآن الكريم في موضع واحد واختص بيانه بسلوك نبي الله ابراهيم الخليل (عليه السلام)، قال تعالى:﴿وَمَا كَانَ اسْتغِفَارُ إبِرَاهِيمَ لِأبَيِهِ إلِّا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إيِّاهُ فَلَمَّا تَبيَّن لهَ أنَّهُ عَدُوٌّ لله تَبَّرأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾(2).

والآية المباركة تكشف عن قصدية فعل ابراهيم (عليه السلام) الوجدانية وسلوكه في حب الخير وشفقته على المسيء، وغير ذلك من الصفات السلوكية والشخصية.

ص: 36


1- سورة الانفال، الآية ( 33 ).
2- سورة التوبة، الآية ( 114 ).

فقد جاء في بيان معنى صفته التي وصفه الله بها ثمانية أقوال، كما جاء في تفسير الشيخ الطوسي (رحمه الله) (ت 460 ه):

1- قال ابن عباس في معنى (أواه): ثواب.

2- وقال ابن مسعود،معناه: دعّاء.

3- وقال الحسن البصري وقتادة في معناه: رحيم.

4- وقال مجاهد، معناه: موقف.

5-وقال كعب، معناه: إذا ذكر النار قال: أوه.

6- وقال الضحاك، معناه: المؤمن الموقن بالخشية، الرحيم.

7- وقال اخرون، معناه: فقيه.

8- وقال أبو عبيدة، معناه: التوجع والتحزن، تقول: تأوه، تأوها، وأوه، تأويها(1).

وأضاف الشيخ الطبرسي (رحمه الله) (ت 548 ه) فقال في معنى الآية: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾، أي: كثير الدعاء والبكاء، وهو - مروي - عن ابن عباس والإمام الصادق (عليه السلام).وقيل معناه: الرحيم بعباد الله؛ وقيل: العفيف؛ وقيل أيضاً في معناه:

الراجع عن كل ما يكره الله عز وجل، والخاشع المتضرع، والمسبّح الكثير الذكر لله.

ص: 37


1- التبيان في تفسير القرآن: ج 5 ص 309 .

وذهب الزجاج الى أن (الأواه) هو: الحليم.

والحليم هو السيد، وأصله: الصبور على الاذى الصفوح عن الذنب)(1).

وهذه المعاني تكشف عن القصدية في بيان حال الإمام علي (عليه السلام) في تأوهه ومكنون نفسه وكاشفيته للعواطف والمشاعر التي أختلجت بنفسه المقدسة، وذلك:

إن من البداهة أن لا يتأوه الإنسان إلا إذا كان متألماً ومتوجعاً؛ إلا أن الفارق هنا: نوع الألم والتوجع فقد يتألم الإنسان من ضرر أصاب جسده أو أحد أعضائه بمرض أو تعب أو غيره فينحصر الأمر في ذهن الناظر، أن هذه الآلام لا تتعدى عن كونها محصورة في الحسد، وأن نفس المتألم تتأثر بنسبة محدودة لما يمر به الجسد، وذلك ان المشاعر والعواطف تتجاذبها النفس بمقتضى طبيعتها الانسانية؛ فألم الجسد غير ألم النفس.

بمعنى: إن الألم الذي يشعر به الإنسان حينما يصاب بالصداع أو الحمى غير الألم الذي يشعر به حينما يصاب بالحزن أو الفراق أو الوحدة أو بفقد حبيب أو عزيز وذلك أنّ الألم يكون أعظم وبقائه أدوم.

وهي حقيقة ذكرها القرآن الكريم وشهدتها الحياة الانسانية في مختلف بقاع الارض، فأما القرآن فقد قدم لنا صورتين تتحدثان عن اثنين من الأنبياء (عليهما

السلام) الأول أبتلاه الله تعالى بآلام الجسد الى الحد الذي لا يمكن أن يتحمله جسداً اخر، وهو نبي الله ايوب (عليه السلام) فقد تشقق جسده وهو ينظر اليه.

ص: 38


1- تفسير مجمع البيان: ج 5 ص 133 .

وهذه الالآم يظهرها القرآن الكريم ويقتصر في بيانها على امتياز صاحبها بصفة الصبر ويحصره بصفة (الضرّ) و (النصب)، فقال عز وجل: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّی مَسَّنيِ الضُّر وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمينَ ( 83 ) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فكَشَفنْاَ مَا بهِ منِ ضُّر وَآتَيَنْاَه أهَلهَ وَمثِلْهَمْ مَعهمْ رَحْمةَ منِ عنِدْناَ وَذكِرْى للِعْاَبدِينَ﴾(1).

وفي بيان منزلته وشأنه عند الله، قال تعالى:

﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾(2).

واما النبي الثاني وهو ابراهيم (عليه السلام) فقد ابتلاه الله تعالى بآلام النفس فصبر عليها ولأنها أعظم من آلام الجسد وصفها القرآن الكريم ب (البلاء المبين).

فهذا البلاء جمع مشاعر الابوة والرقة على الطفل والرحمة به والحب والتعلق والخوف عليه وغيرها من المشاعر النفسية والاحاسيس الوجدانية جمعها هذا

لموقف الذي امتثل فيه لأمر ربه في ذبح ولده الصغير الذي طال انتظاره له وبعد ان كبر امام عينيه واخذ يساعده على كبر سنه ويسعى معه في قضاء حوائجه كما بيَّن القرآن الكريم في قوله تعالى:

﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنيَّ إنِّی أَرَى فِی المنْاَمِ أَنِّ أَذْبَحُكَ فَانْظرُ مَاذَا تَرَى﴾(3).

يأتيه الامر الالهي بتقديمه قربانا وفداءً للبيت الحرام ليبتليه في عواطفه ومشاعره واحاسيسه النفسية.

ص: 39


1- سورة الانبياء، الآية ( 83 - 84 ).
2- سورة ص، الآية ( 44 ).
3- سورة الصافات، الآية ( 102 ).

فلما صبر على هذا الألم وسلم أمره لله تعالى كشف الله عنه البلاء ثم بين عز وجل أن الإختبار الذي مرَّ به إبراهيم لا يقاس بما مرَّ به ايوب (عليه السلام).

فهناك اسماه الله تعالى ب (الضر) وهنا اسماه الله عز وجل ب (البلاء المبين) وذلك لاختلاف الاثار بين آلام الجسد وآلام النفس.

ومن هنا نجد أنّ الإنسان في الدول التي لا تسودها ثقافة الإيمان بالله تعالى وتعجز عن الصبر على هذه الآلام النفسية يلتجئ الى الانتحار أو التوحد أو الجنون وغيرها من الحلات، والسبب في ذلك عدم القدرة على تحمل هذه الآلام النفسية.

ولذا: نجد أن الإمام علي (عليه السلام)( في هذه الآهات والتأوه يكشف عن حجم الألم الذي اصاب نفسه المقدسة وبه تتجلى شأنيتة ومنزلته عند الله تعالى، فما أبتلي به لم يبتلى به نبي من الأنبياء (عليهم السلام) لنفسه المقدسة وهو مع هذا

البلاء كان مقوماً بالصبر والايمان لما تفرضه هذه الآلام من انعكاسات خارجية ظهرت مقاصديتها في أدخاله (عليه الصلاة والسلام) لفظ (لولا) على الآهات والتأوه فحجب نفسه عن القيام ببعض الأعمال؛ فما كان اثر (لولا) على نفسه وفعله

الخارجي؟

هذا ما سنتناوله في المسألة القادمة.

المسألة الثانية: القصدية في ايراد (لولا)
اشارة

للوصول الى مقاربة قصدية منتج النص في ايراده (عليه الصلاة والسلام) للفظ (لولا) لابد من المرور بأهل اللغة وما جادت به أقلامهم، ثم نعرّج على دلالة المعنى وفلك معناه بغية الوصول الى تأثيره على الحقائق وكشف الدقائق.

ص: 40

أولاً: معنى (لولا) في اللغة

لمعرفة القصدية في ادخال (لولا) على التأوه نعرض لمعناه في اللغة: ف (لولا) من الحروف المركبة من (لو) ومعناه: امتناع الشيء لامتناع غيره.

و (لا) معناها النفي، فلما ركبوهما وجعلتا شيئاً واحداً(1). بطل معنيهما ودلت «لولا » على امتناع الشيء لوجود غيره(2).

نحو قولك: لولا زيد لأحسنت إليك.

والمعنى: إن الاحسان امتنع لحضور زيد، فترفعه بالابتداء والخبر مضمر(3).

وقيل: إنما تدل على امتناع شيء لثبوت غيره(4)، وقد استعمل العرب (لولا) في الخبر وكثر بها الكلام حتى استجازوا ان يقولوا: (لولاك) و (لولاي)(5) وهي من الحروف الشرطية التي تدل على امتناع الجواب لوجود الشرط(6).

ويكشف هذا المعنى عن إمتناع الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عن بعض الامور التي كان يروم القيام بها؛ وهذا الإمتناع يكمن فيما يلي.

ص: 41


1- المقتضب للمبرد: ج 3 ص 76 .
2- امالي الشجري: ص 76 ؛ المفصل لأبن يعيش: ج 8 ص 145 .
3- كتاب الجمل في النحو للزجاج: ص 311 .
4- شرح الشافية: ج 3 ص 1650 .
5- معاني القرآن للفراء: ج 2 ص 85 ؛ اللباب للصابوني: ص 15 .
6- اللباب للصابوني: ص 100 .
ثانياً: قصدية الممانعة وتقويم النفس

يتكشف لنا من خلال هذا البيان لمعنى التأوه والممانعة لمقتضى دلالة (لولا) أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قد أمتنع من القيام ببعض الأعمال لوجود غيرها اكثر تأثيرا عليه فكان تأوهه وتأمله من أنه لا يستطيع القيام بها.

بمعنى: إنّ غلبة المستولين عليه جعلته يمنع نفسه من القيام ببعض الأعمال، وهي:

1-الملازمة لقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله).

2- الإعتكاف عند قبره (صلى الله عليه وآله).

3-العويل عند قبره (صلى الله عليه وآله).

وعليه:

فهو أمام أمرين أحلاهما أشد من العلقم مرارة على نفسه.

الأمر الاول: الرّزية العظيمة التي أصابته والتي تقتضي أن يلتجئ الى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) باكيا ملازما له عاكفاً على البقاء عنده.

الأمر الثاني: إنه لا يستطيع القيام بهذه الأعمال لوجود المستولين مما يزيد في حجم الرّزية والمصيبة عليه.

ومن ثم أصبح يكمد ألآمه ويحبس أوجاعه ويمانع نفسه المقدسة أشد الممانعة من الاستجابة إليها في أمور كلها حق، فهي في أصلها وواقعها حقوقه الشخصية الملازمة لشرع الله تعالى لكنه يمنعها، أي نفسه المقدسة من هذه الحقوق، وذلك تحسبا من وقوع امور تسيء الى مقام الإمامة فيتخذها الناس ذريعة في وصفهم الإمام بالجزع وقلة الصبر والشماتة به، وسرور العدو بما أنزلوا به من الأذى، لكنّه

ص: 42

علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) الذي حيّر العقول بشخصه وعجز الناس من الوصول الى حق معرفته.

ولذا: امتنع من ملازمة قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) والعكوف عنده والعويل عليه وهذه تكشف عن حلمه المستتر عن التأوه والملازم له كما جاء في صفة ابراهيم (عليه السلام)، وهو ما سنت ناوله فيما يلي:

ثالثاً: الملازمة بين التأوه والحلم وظهوره اللفظي والافعالي
اشارة

إنَّ القرآن الكريم أقرن التأوه بالحلم فلازمهما في بيانه لصفات ابراهيم الخليل فكان التلازم ظاهرا فقال عز وجل:﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾)(1).

وجاء الحلم مستترا في النص الشريف لكن ظهوره الأفعالي كان متجليا في كونه صبورا، ومحسناً، ورحيما، ومؤمناً، وموقناً، وفقيهاً، وتواباً، ودعّاءً، وعنيفاً وخاشعاً، ومتضرعاً، وبكّاءً، قد تجلت هذه الصفات المنضوية تحت (الاوّاه الحليم) في أفعاله (عليه السلام) وظهرت مصاديقها وتطبيقاتها فيما يلي:

الف - في كونه صبوراً

تختلف مراتب الصبر ودرجاته لدى الناس وباختلاف هذه المراتب يختلف الأجر عند الله تعالى.

وإنّ كنّا لا نريد أن نتحدث عن الصبر ومراتبه هنا إلاّ أننا نقول:

إنَّ الإنسان مرة ينزل به البلاء في جسده أو ماله أو أبناءه وأهله فيصبر عليه حتى يزول وينقضي ويتغير حاله فيكون متفاوتا في المدة.

ص: 43


1- سورة التوبة، الآية ( 114 ).

ومرة يكون صبره مستسلما لما نزل به دون أن تكون له القدرة على التكلم بهذا البلاء لاسيما إذا كان الأمر محصورا في وقوع الظلم من اناس اقوى منه في النفوذ والسلطة والقدرة على انزال الاذى فيصبح عاجزا عن دفع هذا البلاء فيصبر حتى يفعل الله ما يشاء.

ومرة يكون قادرا على معاقبة من اعتدى عليه واضره لكنه يصبر على ما نزل به ويفوض الامر لله تعالى ويحبس نفسه ويمنعها لأجل دين الله وشرعه مع أن أصل الضرر الذي وقع به هو لكونه داعيا الى الله تعالى، ومن ثم قد يجر وقوع البلاء على الانسان الإدلال على الله تعالى.

أي: قد يتصور كثير من المؤمنين انهم حينما يكونوا من الدعاة الى الله تعالى أن لا ينزل بهم البلاء فيدل على الله تعالى، أي: يكون مدللا، وهو مأخوذ من الدلال بفعل ما يقوم به المؤمن من اعمال وأقوال مسخرة في الدعوة الى دين الله وشرعه ويغفل

عن موارد الابتلاء في الصبر وما اكثرها في هذا الطريق.

وعليه:

يتكشف لنا مقاصد التأوه والحلم والظهور الافعالي عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في مواضع عدة، نورد بعضا منها:

1-إنّ ما نزل به من الاذى والبلاء كان بدعوته لله تعالى ونصره لشريعته ومن ثم كان المقام يقتضي مواجهة اعداء الله تعالى والصبر على المواجهة.

أي حبس النفس عن الإنجرار الى الإدلال على الله تعالى والإرتقاء بها الى الإذلال في الله تعالى.

ص: 44

2-إن القدرة على أهلاك العدو كانت متحققة عند الامام امير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) من جهة الامكانات التي لم تشهد العرب والعجم مثلها ويكفي ذلك من الشواهد قلعه لباب خيبر وقتلة لعمر بن ود العامري في معركة الاحزاب، وهو القائل (عليه السلام): «انا وضعت في الصغر بكلاكل العرب، وكسرت نواجم قرون ربيعة ومضر .»(1).

والقائل ايضا: «والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها، ولو امكنت الفرص من رقابها لسارعت اليها»(2).

وهذا من الناحية الاصطفائية التي تميز بها؛ أما ما آتاه الله تعالى من الولاية على الأشياء وهو ما يعرف ب (الولاية التكوينية) التي أتاها الله للمعصومين من الأنبياء والمرسلين والأئمة الأوصياء (عليهم السلام) ومن ثم تحقق القدرة على هلاك العدو بإذن الله تعالى.

وهو مع هذه القدرات إلاّ أنه صبر على عدوه وفوض أمره الى الله تعالى صابرا محتسبا، وهو الظهور الاول لمصداق الملازمة بين التأوه والحلم.

باء - في كونه محسناً

أشتهر في سيرته (عليه الصلاة والسلام) في أنْه لم يدخر جهدا في إبداء الإحسان الى عدوه ومخالفيه وظالميه، وهو في الوقت نفسه يكشف عن سمو نفسه في عالم

ص: 45


1- نهج البلاغة، الخطبة القاصعة.
2- هج البلاغة: من كتاب له الى عثمان بن حنيف.

الفضائل، إذ لم يزل باذلاً للنصح في كل معضلة ومرشداً للحل في كل مشكلة حتى اشتهر عن عمر بن الخطاب قوله:«لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو حسن »(1).

فكان مع ما أنزلوه فيه من الظلم والعدوان لكنه لم يتوانى عن إبداء النصيحة لهم.

تاء - في كونه رحيماً

لم يختلف الإمام علي (عليه السلام) عن صفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد شابهه في خَلْقه وخُلَقه، فإما مشابهته للنبي (صلى الله عليه وآله) في خلقه فلم يختلف عنه في هيئته وصفته؛ وهو ما ثبت في التاريخ والسيرة فقد نام في ليلة الهجرة على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتغطى ببرده اليماني حتى أصبح والقوم يحيطون بالدار وينظرون اليه من شق الباب ينتظرون قيامه وخروجه، فلما ملّوا الانتظار أخذوا يرمونه بالحجارة كي يخرج إلا أنه صبر على الاذى وبقى مستلقيا على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى يأسوا منه فاقتحموا عليه الدار

وكشفوا عن البرد فوجدوا أن النائم هو الإمام علي (عليه السلام) وليس رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وهذا يدل بشكل قاطع على أنه (عليه السلام) لا يختلف عن هيئة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومشابهته له في خلقه قيد أنملة لاسيما وأن العرب قد أشتهر عنها أنها تتمتع بالفراسة والقيافة، إلاّ أنّهم هنا لم يستطيعوا أن يفرقوا بينه وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) والسبب في ذلك هو الشبه النسخي من رسول الله

(صلى الله عليه وآله) وكأنهما توأمان.

ص: 46


1- أنساب الاشراف لللاذري:ج 2 ص 100 .

و أما في مشابهته في خُلق رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يدع على قومه على الرغم من حجم الأذى الذي أنزلوه به وقد اشتهر عنه قوله:

«ما أوذي نبي مثل ما أوذيت »(1).

وقد شابه الإمام علي (عليه السلام) في هذا الأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقوله (عليه السلام): «وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين .»

وقوله: «فإلى الله يا رسول الله المشتكى، وفيك أجمل العزاء .»

فهذا الفعل يدل على رحمته بالأمة، إذ لو دعا عليهم لأهلكهم الله وذلك يعود لأمرين: الأمر الأول: إنّ الله تعالى قد أعطى الإنبياء والمرسلين والائمة (عليه السلام) ومنَّ عليهم أنهم إذا دعوه لا يرد لهم دعوة بل تكون الاجابة منه عز وجل سريعة.

ومن هنا: فإن الانبياء (عليهم السلام) في شؤونهم الخاصة واحتياجاتهم الشخصية يفوضونها الى الله تعالى، مسلّمين له ما قدَّر لهم، راضين بما شاء أن يفعل بهم مسرعين في تلبية ما يريد.

وذلك أن المحبوب لا يرى إلاّ جميلاً من الحبيب، و أن البلاء هو الدوام في المعاهدة بين الحبيب ومحبوبه.

ص: 47


1- تفسير الفخر الرازي: ج 4 ص 175 .

ولذا:

نجد الإمام الحسين (عليه السلام) يقول في يوم عاشوراء:

«صبراً على قضائك لا معبود سواك يا غياث المستغيثين »(1).

الأمر الثاني: إنّ دعوة المظلوم لا ترد فقد ورد في الاحاديث الشريفة ما يكشف عن الدعوة فكيف إذا كانت صادرة عن ولي الله تعالى.

فقد أخرج أحمد في المسند عن ابن عباس، أنّه قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «واتقِ دعوة المظلوم فإنها ليس بينها بين الله عز وجل حاجب »(2).

لكن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يدعُ عليهم، بل شكاهم الى الله تعالى هو يفعل بهم ما يشاء؛ وهذا يدل على أنه رحيم بالأمة كالنبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) كجده ابراهيم (عليه السلام) ﴿أَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾.

جيم - في كونه مؤمناً

لا يختلف اثنان من العقلاء في أن الإنبياء والمرسلين والائمة هم مؤمنون بالله تعالى؛ بل هم خيرة الله وصفوته على الخلق ومن ثم يصبح أمر إيمانهم بالله تعالى بديهيا.

إلاّ أنّ الحكمة في ذكر القرآن لهذه الصفة، أي: الحليم لإبراهيم (عليه السلام) ليس لبيان إنه كان مؤمناً، وذلك أن من معاني الحليم هو (المؤمن)؛ بل كان القصد

ص: 48


1- ينابيع المودة للقندوزي: ج 3 ص 82 .
2- مسند أحمد: ج 1 ص 233 .

من ذلك هو لبيان أن المؤمن يفوض جميع أموره الى الله تعالى، سواء كان في الشدة أو الرخاء، في العسر أو اليسر.

ولذا:

نجد أبراهيم (عليه السلام) يقابل قومه وعمه آزر بالصبر على الرغم من الوعدوالوعيد به والعزم على قتله بتلك القتلة التي أجمعوا فيها أطنانا من الحطب حتى احتاروا بعد اشعاله كيف يلقونه في النار فقذفوه بالمنجنيق، فخرج بإذن الله تعالى وهو يقول:

﴿إِنِّی ذَاهِبٌ إِلَی رَبِّی سَيَهْدِينِ﴾(1).

ولذا: وصفه الله عز وجل بالإيمان فقال:

﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الُمؤْمِنِينَ﴾(2).

وكذا كان حال الإمام علي (عليه السلام) في تفويض أمره الى الله تعالى وتسليم أمره له عز وجل، وبث شكواه إليه، فقال:

«سرعان ما فرق بيننا فإلى الله اشكوا .»

وقوله (عليه السلام):

«فإلى الله يا رسول الله المشتكى وفيك أجمل العزاء .»

دال - في كونه موقناً

يظهر النص الشريف في مواضع عديدة مصاديق كونه موقنا بما وهد الله عباده المؤمنين و اوليائه المنتجبين.

ص: 49


1- سورة الصّافات: الآية ( 99 ).
2- سورة الصافات: الآية ( 111 ).

وما هذه الآهات التي خرجت من صدره إلاّ لكونه موقنا بالله تعالى، لاسيما وأن أقواله وأفعاله دلّت على هذا اليقين الراسخ بما وعد الله الصابرين.

قال (عليه السلام) في خطابه لرسول الله (صلى الله عليه وآله):

«إلاّ أن لي في التأسي بسنتك، بعظيم فرقتك، وفادح مصيبتك، والحزن الذي حلبي لفراقك موضع تعزٍ .»

وقوله:

«وإنْ أقمْ فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين .»

وقوله:

«الصبر أيمن و أجمل .»

راء - في كونه فقيهاً

من المصاديق الاخرى التي انطوت تحت لفظ (الحليم) الفقه.

وهو في اللغة:

(العلم بالشيء والفهم له)(1).

وهو في الاصل: (الفهم)(2).

وقد سار العرف بتخصيص الفقه بعلم الشريعة وبالأخص الفروع منها.

ص: 50


1- لسان العرب لابن منظور: ج 13 ص 522 .
2- المصدر السابق.

والإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) هو أعلم الناس بشريعة المصطفى (صلى الله عليه وآله) و أعملهم بها إلاّ أن المصداق هنا لا يراد به هذا المفهوم وإنما فهمه (عليه الصلاة والسلام) لما كان يخطط له المخالفون والمحاربون لله ورسوله (صلى الله عليه وآله):

فقد أراد أولئك الظالمون من الهجوم على بيت النبوة، وترويع البضعة المحمدية فاطمة (عليها السلام) ومنعهم ارثها، وهضمهم حقها، حتى ماتت مجهولة القبر؛هو كي يصلوا الى ضرب مقام الإمامة وتعطيلها في أمة المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وأن يسير الناس خلف الأمراء والسلاطين والخلفاء، فهؤلاء أئمة القوم

بالمفهوم الجديد الذي أرسى قواعده زعماء السقيفة.

ولذا:

نجده (عليه السلام) يتأوه من غلبة المستولين عليه إن أقدم على ملازمة المقام عند قبر رسول الله والتلبث عنده، ولأعول أعوال الثكلى على جليل الرزّية.

لكنه قطع الطريق عليهم بصبره وفهمه لما يخططون له في ضرب مقام الإمامة حينما يصفونه بالجزع _ والعياذ بالله_ وعدم القدرة على تحمل الرزية؛ وهو ما يتعارض مع عنوان الإمامة وأثرها في نفوس الناس.

فكان يتأوه كجده ابراهيم الخليل (عليه السلام).

سين - في كونه تواباً

في هذه الصفة التي أكتنزها التأوه وقصديته نجده (عليه السلام) في هذا النص قد رجع إلى الله تعالى وإلى رسوله (صلى الله عليه وآله)، وذلك أن الأصل في (تاب) هو: (عاد الى الله ورجع و أتاب)(1).

ص: 51


1- لسان العرب: ج 1 ص 233 .

وهنا: نجده في هذه المصيبة التي حلت به والرزية التي نزلت عليه بقتل ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد عاد فيها الى الله تعالى والى رسوله (صلى الله عليه وآله) وأناب إليهما في بث همه وشكواه.

بل: إنَّ سبب صدور النص ومضامينه وخاتمته ومقدمته ومحتواه كله في الإنابة الى الله تعالى.

هاء - في كونه دعّاءً

وهذه هي الصفة الاخيرة المنطوية تحت لفظ (الحليم)، اي: الدّعاء، وهو كثيرالدعاء. وقد تجلى الدعاء في النص الذي بين أيدينا موضع الدراسة على أدعية ظاهرة ومستترة.

فأما المستترة: فهي في اللجوء والرجوع الى الله تعالى في الشكوى والتظّلم دعّاءً الى الله تعالى.

وأما الظاهرة فمنها قوله:

«أنّا لله وانا إليه راجعون .»

«فإلى الله يا رسول المشتكى .»

«صلى الله عليك وعليها السلام والرضوان، وصلوات الله عليها وعليك ورحمة الله وبركاته، صلوات الله عليك وعليها معك والسلام .»

وهذه المصاديق كلها كانت وراء المقاصدية في قوله:

«آه آه، وآه وآها .»

ص: 52

المسألة الثالثة: القصدية في غلبة المستولين ومن هم ؟
اشارة

يلتجئ الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) هنا الى بيان أكثر من أمر، وذلك من خلال الكناية ومقاصد اللفظ، اي (المستولين) دون أن يصرّح باسم أحد منهم مما يرشد المتلقي الى أجابات كثيرة بعد أن يثير في نفسه اسئلة عدّة ليندفع الى البحث عن أجاباتها؛ ومن ثم سيوصله (عليه السلام) بهذه الكناية الى حقائق عدة،

وهو ما سنتناوله في هذه المسألة.

أولاً: معنى الاستيلاء في اللغة :

جاء معنى الاستيلاء في المعاجم اللغوية بمعنى بلوغ الشيء والامساك به والغلبة عليه؛ ومما جاء في ذلك:قال الفراهيدي (ت 175 ه):

استولى فلان على شيء اذا صار في يده، استولى الفرس على الغاية، اي: بلغها(1).

ويأتي معنى الاستيلاء ايضاً في بيان الاستواء على الأمر، قال الجوهري: واستوى الى السماء، أي:استولى وظهر(2).

وقيل -كما هو عند ابن فارس- بمعنى القهر: (ومن قهر أمراً فقد اعتلاه واستعلى عليه؛ وبه كقولك: استولى الفرس اذا جاء الرهان فبلغ الغاية قيل استعلى على الغاية واستولى(3).

ومن الدلالة التي اكتنزها اللفظ هو كاشفيته عن حالة بعض الصحابة الذين تسابقوا للوصول الى الخلافة وبلوغ الغاية في جلوسهم على كرسي الحكم والإمارة.

ص: 53


1- كتاب العين: ج 8 ص 366 .
2- الصحاح: ج 6 ص 2385 .
3- معجم مقاييس اللغة: ج 4 ص 113 .

قال ابن منظور:

استولى على الأمر، اي بلغ الغاية.

ويقال: استبق الفارسان الى فرسيهما الى غاية تسابقا اليها فاستولى احدهما على الغاية اذا سبق الآخر، ومنه قول الذبياني:

سبق الجواد اذا استولى على الأمد، واستيلاؤه على الأمد أن يغلب عليه بسبقه اليه، ومن هذا يقال: استولى فلان على مالي، أي: غلبني عليه)(1).

من هنا:

يتضح إن قصدية منتج النص (عليه السلام) في (غلبة المستولين) هو أولئك الصحابة الذين تسابقوا الى الخلافة وهي حق علي وأولاده الحسن والحسين (عليهم السلام) وتسارعوا اليها من خلال السقيفة التي تنازعو فيها الأمر فغلبوا على عترة النبي (صلى الله عليه وآله) وهو توصيف دلالي دقيق جدأ للأحداث التي جرت

بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو ما سنتناوله فيما يلي:

ثانيا: من هم المستولون الذين لم يصرّح بهم الإمام علي (علیه السّلام)
اشارة

يرشد النص الشريف في قوله (عليه السلام):

«لولا غلبة المستولين علينا » عن وجود جماعة وليس شخصا واحدا، وأن هذه الجماعة قادرة على أن تؤثر في افكار الناس وعقيدتهم؛ بمعنى:

هذه الامكانات ستحقق هدفها من ضرب الإسس التي أقام عليها الدين فيما لو سنحت لهم الفرصة في ذلك.

ص: 54


1- لسان العرب: ج 15 ص 413 .

ولذا:

لا يتأوه الإمام علي (عليه السلام) إلاّ إذا كان الأمر يتعلق بوظيفته الشرعية في المحافظة على شريعة المصطفى (صلى الله عليه وآله).

ومن ثم نجده (عليه السلام) وانطلاقا من هذه الوظيفة يعمل بالتقية فلا يصرح بأسماء أفراد هذه الجماعة واستعان بتعريفها من خلال صفتها وهو (الاستيلاء) دافعا بذلك المتلقي الى تشخيص هذه الجماعة من خلال هذه الدلالات الثلاثة والتي سنعرض لها كالاتي:

الدلالة الاولى - التزين في الخلافة والتسابق إليها
اشارة

يتجلى التزين كصفة واضحة لهذه الجماعة في الوصول الى الخلافة، فمن خلالها تتحقق لهم الغلبة على البلاد والعباد، وهو أمر بديهي أثبتته الحياة على مر التاريخ.وقد سعى أولئك المستولون الى الخلافة وزين لهم الشيطان أمرهم ورغبت اليها أنفسهم فسارعوا اليها يتسابقون فيما بينهم، أيهم ينال الخلافة قبل الاخر، وهو ما اثبتته النصوص التاريخية الحديثية التي دونت سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكشفت عن حقيقة هؤلاء المستولين، وهو ما نجده عند البخاري وغيره فقد روى في صحيحه عن عمر بن الخطاب قوله:

(وإنه كان من خبرنا حين توفى الله نبيه - صلى الله عليه وآله - أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة...)(1).

هذا السبق في الاجتماع يستوقف الباحث ويطرح العديد من الأسئلة، وهي:

ص: 55


1- صحيح البخاري: كتاب الحدود، باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت: ج 8 ص 126 أفست دار الفكر.

1- لماذا يبادر الأنصار إلى هذا الاجتماع.

2- أو كأنهم أرادوا بذلك قطع الطريق على المهاجرين في الحصول على الإمارة؟!.

3-أو لعلهم علموا ومن خلال بعض العيون؛ بأن بعض المهاجرين ربما قد عزموا على نفس الأمر فاستبقوهم إليها؟!.

4- أو ربما هي الأحداث المروعة التي وقعت في أيام مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قبل بعض الرموز، فكانت مدعاةً ومحفزاً للسبق من الأنصار في اجتماع السقيفة؟!

5- أو لعله التخطيط المسبق بين بعض الرموز ومن كلا الطرفين لقطع الطريق على بني هاشم ورمزهم علي بن أبي طالب عليه السلام؟!

ترى أي الاحتمالات أرجح وفي أي منها تكمن الحقيقة؟!والواقع كلها راجحة، فكل واحدٍ من هذه الاحتمالات مرجح في كونه سبباً دفع

بالأنصار للاجتماع في السقيفة.

ولا سيما أن جميع هذه الاحتمالات قد دلت عليها الأحداث وأكدتها المصادر.

وإليك أيها القارئ الكريم بيانها:

الاحتمال الأول: إنّ الأنصار أرادوا قطع الطريق على المهاجرين

هذا الاحتمال دل عليه قول عمر بن الخطاب، في الخطبة التي ألقاها في المدينة بعد رجوعه من الحج؛ وقد بلغه: أن قوماً من أهل مكة قد تحدثوا في شأن السقيفة، وأن بعضاً منهم وصف بيعة أبي بكر بأنها فلتة فتمت؟!

ص: 56

فقال: «فلا يغرن إمرءٍ أن يقول، أن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت.. وإنها كانت كذلك!!.. إلا أن الله قد وقى شرها(1)!!.. ودفع عن الإسلام والمسلمين ضرها!!..

وليس فيكم من تنقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر، فمن بايع رجلاً مشورة من المسلمين، فإنه لا بيعة له، هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا.... الخ .»

ثم يمضي في حديثه عن السقيفة، وكيف كانت مجريات الحديث فيها، إلى أن يقول: «وإذا هم - أي: الأنصار - يريدون أن يجتازونا من أصلنا ويغصبونا الأمر .»

إذن:

أراد الأنصار قطع الطريق على المهاجرين واجتيازهم من الأصل، وليغصبوهم الإمارة.

والملفت للانتباه: ان عمر بن الخطاب جاء بلفظ: «الغصب » ليدل على أن الأنصار أرادوا أخذ حق ثابت له!! أو فقل للمهاجرين.. أو لمن كان على مذهبه ومعتقده.الاحتمال الثاني: وجود عيون لكلا الطرفين مما سرع في الاجتماع في السقيفة.

وهذا الاحتمال دلت عليه بعض الروايات التي تحدثت بشكل أوسع عن مجريات السقيفة، وبخاصة لبعض رموز المهاجرين.

منها:

1 ما تحدث بشكل صريح عن مجيء اثنين إلى أبي بكر وعمر يخبرانهما باجتماع

ص: 57


1- صحيح البخاري: كتاب الحدود، باب رجم الحبلى من الزنا: ج 8 ص 26 أفست دار الفكر، السيرة لابن هشام: ج 6 ص 80 ط دار الجيل بيروت، مسند أحمد بن حنبل: من حديث السقيفة ج 1 ص 55 المصنف لابن أبي شيبة: ج 7 ص 615 .

الأنصار في السقيفة، وهما: )معن بن عدي وعويم بن ساعدة)(1) وكانا من

الأنصار(2)، ثم يسدل عليهما الستار؟!

إذ سرعان ما تم تصفيتهما من قبل التاريخ! فقد قتلا كلاهما في اليمامة في خلافة أبي بكر(3).

2- ويبدو.. أن الأمر لم يقتصر عليهما، إذ من الروايات ما تحدث عن وجود عين أخرى لهذه الفئة من المهاجرين، وهو: (أسيد بن حضير) فقد نقل الخبر إلى أبي بكر خاصة، محدثاً إياه بهذا الوصف الذي سنعود لتحليله وبيان مراميه.

فقال لأبي بكر: «إن هذا الحي من الأنصار مع سعد بن عبادة قد انحازوا إليه، فإن كان لكم بأمر الناس حاجة!! فأدركوا الناس قبل أن يتفاقم الأمر!! ورسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيته لم يفرغ أمره؟!! وقد أغلق دونه الباب أهله !؟»

ولكن:

هذه العين التي بالغت في إخلاصها لهذه الفئة لم يغلق عليها الستار كما حدث لعويم بن ساعدة ومعن بن عدي؛ وإنما كان لها الدور المميز في الهجوم على دار بضعة رسول الله فاطمة عليها السلام وريحانتي النبي (صلى الله عليه وآله)(4).

الاحتمال الثالث: ان الاحداث التي وقعت في ايام مرض النبي هي التي كانت وراء استباق الانصار للاجتماع في السقيفة.

ص: 58


1- أنساب الأشراف للبلاذري: ج 2 ص 7، العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي: ج 4 ص 257 -258 ط دار الكتاب العربي.
2- الثقات للبستي: ج 2 ص 159 ط دار الفكر.
3- السيرة النبوية لابن هشام: ج 6 ص 82 ط دار الجيل بيروت.
4- أنساب الأشراف للبلاذري: ج 3 ص 12 ، سمط النجوم العوالي للعاصمي: ج 2 ص 245 - 246 المطبعة السلفية، الرياض النضرة للمحب الطبري: ج 2 ص، العقد الفريد: ج 4 ص 259 .

وهذه الأحداث المروّعة التي وقعت في أيام مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قبل بعض الرموز؛ هي التي كانت مدعاة ومحفزاً لهذا السبق من الأنصار في اجتماع السقيفة.

وهذه الأحداث.. دلت عليها النصوص الصحيحة في كثير من المصادر الإسلامية ولا سيما ورود بعضها في صحيح البخاري وغيره؛ وسنعرض لها في مواضعها المناسبة ونتوقف عندها ونعرضها على طاولة البحث والتحليل.

ولكن نشير لها هنا إشارة:

الحدث الاول: وكان قبل وفاة النبي بثلاثة عشر يوماً

فأول هذه الأحداث المروعة: كان قبل وفاة رسول الله بثلاثة عشر يوما وقد رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مخالفة الكثير منهم لأمره بالخروج مع أسامة بن زيد! مما دعا به (صلى الله عليه وآله) الى الخروج إليهم فحضهم على السير، وعقد(صلى الله عليه وآله) اللواء، لأسامة بيده الشريفة تحريكاً لحميتهم(1).

الحدث الثاني: وكان قبل وفاة رسول الله بأربعة أيام !

رزية يوم الخميس!! حدثت هذه المصيبة العظيمة قبل وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأربعة أيام؛ وقد حضر عنده بعض الصحابة وهو بأبي وأمي في فراش المرض.

فقال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فرد أحد الحاضرين

على طلبه: «إن رسول الله يهجر !؟»(2).

ص: 59


1- أنساب الأشراف للبلاذري: ج 2 ص 12 ، سمط النجوم العوالي للعاصمي: ج 2 ص 245 - 246 المطبعة السلفية، الرياض النضرة للمحب الطبري: ج 2 ص، العقد الفريد: ج 4 ص 259 .
2- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الجهاد والسير، باب: جوائز الوفد، ج 2 ص 118 .

فطردهم النبي (صلى الله عليه وآله) من حضرته قائلاً: «قوموا عني »(1).

وكان عبد الله بن عباس رضي الله عنه يذكرها ويبكي حتى تبل دموعه الحصى(2).

ولذا لم يرَ حدث أعظم من أن يوصف النبي (صلى الله عليه وآله) بالهجر!!

والوحي لم ينقطع بعد!!

وعليه: كيف لا يكون ذلك مدعاة للاجتماع في السقيفة.. فتسير إليها الأنصار سراعاً؟!

الحدث الثالث: وكان قبل وفاته (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )بيومين ؟

بعد أن سمع النبي الأعظم من بعض الحاضرين هذه الكلمة وهو في فراش المرض! وفي الساعات الأخيرة له معهم؛ عزم على تعجيل خروجهم والتحاقهم ببعث أسامة.

ولذلك صدرت من حضرته الرحمانية علائم الغضب - نعوذ بالله ونستجير بهمن غضبه وغضب رسوله (صلى الله عليه وآله) -؛ بعد أن بلغه أن قوماً منهم طعن في تأميره أسامة عليهم، وفيهم الشيوخ، وهو صبي.

فغضب غضباً شديداً فخرج إلى المسجد وهو في شدة المرض عاصباً رأسه، مدثراً بقطيفته، وألقى خطبة يرد بها على أولئك الذين طعنوا في فعله (صلى الله عليه وآله)(3) كما سيمر بيانه لاحقا بعون الله.

ص: 60


1- في باب قول المريض قوموا عني من كتاب المرض، ص 5 ج 4 من صحيح البخاري.
2- صحيح البخاري: كتاب الجزية، باب: إخراج اليهود: ج 4 ص 65 - 66 أفست دار الفكر.
3- نهاية الأرب للنويري: ج 17 ص 370 - 371 ، الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 2 ص 191 ، المغازي للواقدي: ج 3 ص 1619 ، السيرة الحلبية: ج 3 ص 307 ، شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 1 ص 160 ط مصر.
الحدث الرابع: محاولة قتل رسول الله والتعجيل عليه قبل يوم واحد من وفاته

قال ابن سعد: فلما كان يوم الاحد اشتد برسول الله وجعه فدخل اسامة من معسكره والنبي مغمور وهو اليوم الذي لدوه فيه(1).

الحدث الخامس: النبي يخرج الى المسجد ليبطل صلاة ابي بكر بالناس قبل وفاته ببضع ساعات !!!

وهذه الاحداث سنتوقف عندها لاحقا لدراستها وتحليلها، إلا أنها -أي هذه الأحداث- قد تتفاوت فيما بينها في تسريع الاجتماع في سقيفة بني ساعدة لإعطاء البيعة لسعد بن عبادة سيد الخزرج ونقيبهم قديماً وجواد الأنصار وزعيمهم حاضراً.

ولعل.. هذه الأحداث قد أعطت اليقين للأنصار أكثر من غيرها: أن المهاجرين سيقدمون على أمر مماثل.

لاسيما وقد اتهم النبي بالهجر.. ثم الطعن في تأميره لأسامة عليهم.. فضلاً عن اللعن للمتخلف منهم عن بعث أسامة! ومع هذا فقد تخلف البعض منهم!!

وعليه:كيف لا يستبق الأنصار المهاجرين للاجتماع في السقيفة ومبايعة أميرهم سعد بن عبادة؟!

ولكن بقي الاحتمال الأخير في سبب تسارع الانصار في البيعة لسعد بن عبادة واستباق المهاجرين، وهو:

ص: 61


1- الطبقات الكبرى:ج 2 ص 191 .

الاحتمال الأخير: الاتفاق بين بعض رموز الطرفين على إبعاد بني هاشم ولاسيما ورمزهم علي بن أبي طالب (علیه السّلام)

وهذا الاحتمال قد دلت عليه بعض أقوال الطرفين يوم السقيفة وإليك ايها القارئ الكريم بيانها:

1-قول عمر بن الخطاب: «إن الأنصار خالفونا»(1) !؟»

وهذا يدفع بالقارئ إلى الاعتقاد بوجود اتفاق مسبق؛ إذ غالباً لا يكون الخلاف إلا من بعد الاتفاق.

ومما يدل عليه:

2- قول سعد بن عبادة لأبي بكر حين سأله عن هذا الاجتماع، فرد قائلاً: «أنا رجل منكم»(2) !؟»

3- قول عمر بن الخطاب كما صرح به البخاري: «وكنت زورت كلاماً في نفسي»(3)

وهذا يدل على ان هناك أمراً مسبقاً قد تم الاتفاق عليه وان عمر بن الخطاب قد اعد العدة لمثل هذه المواقف في حال اتضح تخلف الانصار عما ابرم مسبقا في شأن الخلافة والانقلاب على وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله)(.

وإلا ما معنى ان يقول عمر: وقد كنت زورت كلاما في نفسي. ليلقيه على الانصار.

4-وقوله أيضا حينما تكلم ابو بكر يوم السقيفة فعقب عليه قائلا: «فما ترك كلمة كنت زورتها في نفسي إلا تكلم بها»(4)

ص: 62


1- كتاب الحدود، باب: رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت، ج 8 ص 26 من صحيح البخاري.
2- مروج الذهب للمسعودي: ج 2 ص 312 ط دار القلم، العقد الفريد: ج 4 ص 257 ط دارالكتاب العربي.
3- صحيح البخاري: كتاب الحدود، باب: رجم الحبلى من الزنا إذ أحصنت، ج 8 ص 26 أفست دار الفكر.
4- المصدر السابق.

فضلا عن ذلك:

إن بعض المصادر قد أشارت إلى هذه الحقيقة التي صرّح بها الإمام علي (عليه السلام) أيام خلافة عثمان بن عفان رداً على كلام طلحة في شأن السقيفة. فقال (عليه السلام):

«يا طلحة، أما والله ما صحيفة ألقى الله بها يوم القيامة أحب إلي من صحيفة هؤلاء الخمسة الذين تعاهدوا وتعاقدوا على الوفاء بها في الكعبة في حجة الوداع، إن قتل الله محمداً أو مات، أن يتوازروا ويتظاهروا عليَّ فلا أصل إلى الخلافة»(1) .!؟

ولذلك:

نجده (عليه الصلاة والسلام) اختزل الحديث في لفظ «التسول » يدور في فلكه الباحث ليرى الصفة الاولى للمتسولين وهي التزين الذي اتضح من خلال تسابقهم الى السقيفة وتركهم لمواراة نبيهم (صلى الله عليه وآله) وهو امر اختص بهذه الجماعة.

الدلالة الثانية: الإغواء

الصفة الثانية الكاشفة عن هؤلاء المستولين أن الشيطان سوّل لهم فأغواهم بظلم ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهذا ما يحتاج الى بيان؛ وذلك أن عنوان الكتاب ومجريات البحث فيه هو لبيان ما احتواه النص من مقصديات ودلالات وحقائق أرتبطت بمرحلة مهمة من حياة الإسلام والمسلمين وكانت سببا رئيسيا في تفرق

المسلمين واقتتالهم.

ص: 63


1- كتاب سليم بن قيس: ص 80 - 81 ط مؤسسة البعثة، وقريب منه في الاحتجاج للطبرسي: ج 1 ص 112 .

وعليه:

فبعد وصول أولئك المستولين الى الخلافة ومبايعة الناس لهم طوعا وكرها انعطفوا على محاربة بيت النبوة أشد المحاربة، والتنكيل بهم أشد التنكيل.

وإلا لأي أمر يتأوه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟

أليس لكونهم قد قتلوا البضعة النبوية وجرعوها الغصص، وهو القائل:

«ولأعولت أعوال الثكلى على جليل الرّزية، فبعين الله تدفن أبنتك سراً، وتهضم حقها قهراً، ويمنع أرثها جهراً، ولم يتباعد بك العهد، ولم يخلق منك الذكر .»

فهذه هي الصفة الثانية للمتسولين الذين لم يصرّح الإمام بأسمائهم أما الصفة الثالثة وهي التمني، فقد جاءت على النحو الأتي:

الدلالة الثالثة: التمني

وقد جاءت من حيث التسلسل في مجريات الأحداث في المرتبة الأخيرة، بمعنى:

إنّ المستولين بعد أن تمكنوا من الجلوس في مجلس الخلافة وتمت لهم البيعة، وبعد أن تمكنوا من الإنقضاض على بيت النبوة فمنعوا أرث فاطمة (عليها السلام)، فقطعوا المال عنها ومحاصرتها وبنيها، وبعد ظلمها بمنع حقها في الخمس الذي جعله الله مقسماً بين سهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) والذي يلزم أن يعود لها وللإمام علي (عليها السلام) من بعده فعزلوهما واضعفوهما.

أنتقلوا بعد ذلك الى مرحلة الهجوم المباشر، فدخلوا دارها وعصرت بين الباب والحائط، فأسقطت جنينها وماتت في غصتها عليلة مهضومة مجهولة القبر والقدر.

في المقابل كان المستولون ينتظرون أن يروا الإنكسار على الإمام علي (عليه السلام)

ص: 64

فيتشفون منه، لكنهم تفاجئوا أن ذلك من الأماني التي لا تتحقق لهم، وأن عظمت جرائمهم، وجلّت رزاياهم على الإسلام وأهله، فأنساهم الأمل أنه علي بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) الذي لم يروا منه الصبر والثبات.

وعليه:

كان (عليه الصلاة والسلام) عالما عارفا بهذه النفوس وماذا تريد، فقطع عليهم الطريق فلن ينالوا منه شيئا، فترك ملازمة قبر رسول الله والبكاء على جليل الرّزية التي حلت به كي لا يشعر المستولون بالنصر والغلبة.

فسلام الله وصلواته عليه، يوم ولد، ويوم مات، ويوم يبعث حيا.

ص: 65

ص: 66

المبحث الخامس والعشرون : مقاصدية المقام عند قبر رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ولزومه

اشارة

ص: 67

قوله (عليه السلام): «لَجعَلَت المقَام عنِدْ قَبرْك لزِاماً »

اشارة

ص: 68

للوقوف على دلالة الجعل هنا، أي في المقام عند قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتحري مقاصدية اللفظ، ومحاولة المقاربة لما عناه (عليه السلام)، فلا بد من المرور ببعض المسائل وهي:

المسألة الأولى: قصدية المقام في كون مصيبة فقد رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )أعظم المصائب

ينتقل (عليه الصلاة والسلام) بعد شحن عواطف المتلقي في تأوهه وتصبره على المصيبة لاسيما وان الآهات هي صوت يخرجه المتألم يقصد فيه جمع مشاعر السامع وشد أنتباهه الى أمر في غاية الاهمية ويدفعه للسؤال عن سبب هذه الآهات ولان المعصوم (عليه السلام) يدور كلامه مدار أثر النص القرآني في كونهما ثقلين

يتعاضدان في نجاة الامة وهداية الناس الى شريعة الله تعالى، كان لهذه الآهات من الآثار النفسية في تحريك عقل السامع وحواسه كتأثير الحروف في أوائل بعض السّوَر القرآنية وما صحب بعض هذه الحروف من أحكام للمد أو القلقلة وغيرها بغية شد ذهن السامع وجوارحه لما سيتبع هذه الحروف في المصحف الشريف أو ما

يخرج من الآهات من فم المعصوم (عليه الصلاة والسلام).

وعليه:

سيستجيب ذهن المتلقي وجوارحه الى ما بعد هذا الافتتاح من الآهات وهي إيراده لجملة من الافعال المرتبطة بقضيته الاساس وهي ظلامة البضعة النبوية وطرق الاستعانة على تحمل هذه المصيبة وبيان حجم الجريمة التي اقترفها الجناة

ص: 69

بلحاظ النظر الى منزلة الضحية وشأنيتها عند الله تعالى وعند رسوله (صلى الله عليه وآله) فكانت المقاربة من القصدية للنص الشريف في الجعل المرتضوي (عليهالسلام) في الثلاث القاسمة لظهر المباني العقدية التي أستند عليها العدو فكانت:

1-الملازمة لقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله).

2- التليث بقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والإعتكاف عنده.

3 - البكاء والعويل عند قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وهذه الثلاثة ترتكز على تصبير النفس للمصيبة العظمى وهي فقد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومنها كان منطلقه (عليه السلام) في التعامل مع مصيبته بفقد الزهراء (عليها الصلاة والسلام) وما جرى عليها من الظلم.

وقد ارشدت الاحاديث النبوية عنه (صلى الله عليه وآله) بهذه السنّة للاستعانة على المصائب التي تحل بالانسان، فكان من هذه الاحاديث ما يلي:

1- روى الحر العاملي (رحمه الله) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنه قال في مرضه الذي توفي فيه:

«أيها الناس، أيما عبد من أمتي أصيب بمصيبة من بعدي فليتعزَّ بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بعدي فإن احداً من امتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي»(1).

2-أخرج الدارمي (ت 255 ه) في سننه عن مكحول(2)، والبيهقي (ت 458 ه) عن ابن عباس، أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال:

ص: 70


1- وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 3 ص 268 .
2- سنن الدارمي: ج 1 ص 40 .

«إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها من أعظم المصائب » (1).

3-وأخرج أيضا عطاء قال:قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي فإنها من أعظم المصائب .»(2).

4- وأخرج ابن عبد البر (ت 463 ه) عن عبد الرحمن بن باسط، قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إذا أصابت أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي وليعزه ذلك من مصيبته » (3).

5-وأخرج الشيخ الكليني (رحمه الله) عن عبد الله بن الوليد بإسناده قال: (لما أصيب أمير المؤمنين (عليه السلام) تعز الحسن الى الحسين (عليه السلام) وهو في المدائن، فلما قرأ الكتاب قال:

(يا لها من مصيبة ما أعظمها مع أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال:

«من أصيب منكم بمصيبة فليذكر مصابه بي فإنه لن يصاب بمصيبة أعظم منها ،» صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله)(4).

وهذه النصوص الشريفة تكشف عن حجم الألم الذي كان يشعر به الإمام علي (عليه السلام) والمصيبة التي أحلت به لفقد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأن

ص: 71


1- شعب الايمان: ج 7 ص 239 .
2- سنن الدارمي: ج 1 ص 40 .
3- الاستذكار: ج 3 ص 80 .
4- الكافي: ج 3 ص 220 .

هذه المصيبة هي مما هون على منتج النص (عليه السلام) مصيبته بفقد الزهراء (عليها السلام) من جهة، وما نزل عليها من جهة اخرى، كما بين النص الشريف في ذكره وبيانه للظلم الذي أصابها من (دفنها سراً، وهضم حقها قهرا، ومنع ارثهاجهرا) فمصيبة فقد رسول الله أعظم مما جرى ولذا قال:

«فإلى الله يا رسول الله المشتكى وفيك احسن العزاء .»

فكان عزائه برسول الله هوّن عليه عزائه بفقد فاطمة (عليه السلام) وما جرى عليها وهذا من اصدق الدلالات على درجة حبه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وايمانه بالله تعالى.

وهو أمر وجداني لا يحتاج الى تدليل كي نثبت العلاقة بين الحب والايمان ويكفي بذلك شاهداً، قوله (صلى الله عليه وآله):

«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين »(1).

وقوله (صلى الله عليه وآله): «ثلاث من كن فيك وجد حلاوة الإيمان، أنّ يكون الله ورسوله احب اليه مما سواهما، وأن يحب المرء الا وان يكره ان يعود في الكفر كما يكره ان يقذف في النار »(2).

فكيف اذا كان علي (عليه السلام) وهو ربيب رسول الله (صلى الله عليه وآله) واخيه و ابو سبطيه الحسن والحسين (عليهما السلام).

ص: 72


1- صحيح البخاري، كتاب الايمان ج 1 ص 9.
2- المصدر السابق نفسه.

ولذلك:

كان يناشد اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويحتج عليهم بجملة من المزايا والخصائص التي حظي بها ولم ينالها غيره من بينهم وهو يكشف بذلك عن نوع العلاقة التي كانت بينه وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فيقول: «وقد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالقرابة القريبة والمنزلةالخصيصة، وضعني في حجره وانا ولد، يضمني الى صدره ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل » (1).

وعليه:

يكون الجعل في المقام عند قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتلبث والاعوال يرتكز على امرين اساسيين، وهما:

1-إيمانه بالله تعالى.

2-حبه لرسول الله (صلى الله عليه وآله).

وهذان الامران يسيران بالتوازي في المسيرة الحياتية لكل انسان.

فضلا عن ذلك فقد ارشد النص الشريف الى قضية جديدة في غاية الاهمية، الا وهي مشروعية زيارة قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وبالكيفية التي بينها النص في:

1- ملازمة القبر الشريف ومستويات هذه الملازمة.

2-اللبث عند القبر النبوي ومستوياته.

وهو ما سنتناوله في المسألة القادمة.

ص: 73


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 300 .
المسألة الثانية: قصدية المقام في تقرير مشروعية زيارة قبر رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وفضلها
اشارة

إن من الخصائص التي أرتبطت بحياة أمير المؤمنين (عليه السلام) وشخصه -وكذا حال بقية الائمة المعصومين (عليه السلام)- إستيعاب النص الوارد عنهم لحقول معرفية عديدة.

وكما قلنا سابقا أن حديث المعصوم وبمقتضى حديث الثقلين يكون له من الخصائص المعرفية ما للقرآن، ومن هذه الخصائص: الإخبار عن الحوادث المستقبلية، كالإخبار عنها عينا وتخصيصا، أو ضمنا وتنويها، كما جاء في الحديث مورد البحث.

أي قوله (عليه السلام):

«لجعلت المقام عند قبرك لزاما والتلبث معكوفا .»

فالحديث يكشف عن أمر غيبي من حوادث الزمن وما سيتعرض له القبر الشريف في المحاربة عقديا، وفي أزمان مختلفة وهي كالاتي:

أولاً: فتوى ابن تيمية في حرمة زيارة قبر رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )
اشارة

فقد أفتى ابن تيمية الحراني المحروم من رحمة ربه، بحرمة شد الرحال لزيارة قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وغيره من قبور الأنبياء (عليه السلام)، كما جاء ذلك في مجموع فتاويه قائلا:

(ولا يسافر أحد ليقف بغير عرفات، ولا يسافر ليقف بالمسجد الأقصى، ولا للوقوف عند قبر أحد لا من الأنبياء، ولا المشايخ ولا غيرهم)(1).

ص: 74


1- مجموعة الفتاوى ابن تيمية: ج 26 ص 150 .

وقال ايضا:

(ولا يقف عند القبر للدعاء لنفسه، فإن هذا بدعة ولم يكن أحد من الصحابة يقف عنده يدعو لنفسه ولكن كانوا يستقبلون القبلة ويدعون في مسجده)(1).

فسبحان من جعل العترة عدل القرآن، فهذا الرجل الذي يكذب علنا على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) في قوله هذا؛ فإن أمير المؤمنين (عليه السلام) –مورد البحث- لينقضه ويفضح كذبه:

«لجعلت المقام عند قبرك لزاما والتلبث معكوفا .»

فضلاً عن ذلك فقد أنبرى مجموعة من علماء المسلمين في الرد على هذه الفتوى الضالة والظالمة بحق سيد الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله) وبها تتجلى آثار قصدية منتج النص وقدرته على الإحاطة بالأمور قبل وقوعها وهي خاصية ينفرد بها النص المقدس الوارد عن المعصوم (عليه السلام).

ولذا فقد ردَّ بعض علماء المسلمين على هذه الفتوى لابن تيمية ، فكان منهم:

1- الحافظ السبكي (ت 756 ه).

فقد خصصَ كتابا مستقلا ضمّنه العديد من المسائل الخاصة في منزلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخصائصه والصلاة عليه وغيرها، فكان مما جاء فيه للرد على اكاذيب ابن تيمية في منعه لشد الرحال والسفر لزيارة قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)

وتحت عنوان:

(الفقهاء يقررون السفر لزيارة القبر الشريف؛ وقال أبو بكر محمد بن حسين الآجري في كتاب الشريعة في باب دفن ابي بكر وعمر مع النبي (صلى الله عليه

ص: 75


1- مجموعة الفتاوى: ج 26 ص 147 .

وآله)، ما أحد من أهل العلم قديما وحديثا ممن رسم لنفسه كتابا نسبه اليه من فقهاء المسلمين، فرسم كتاب المناسك ألاّ وهو يأمر كل من قدم المدينة ممن يريد حجاً أو عمرة، أو لا يريد حجاً أو عمرة، وأراد زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله) والمقام

بالمدينة لفضلها ألا وكل العلماء قد أمروه ورسموه في كتبهم، وعلموه كيف يسلم على النبي (صلى الله عليه وآله) وكيف يسلم على ابي بكر وعمر: علماء الحجاز قديما وحديثا، وعلماء أهل العراق قديما وحديثا، وعلماء أهل الشام قديما وحديثا، وعلماءأهل خراسان قديما وحديثا، وعلماء أهل اليمن قديما وحديثا، وعلماء أهل مصر قديما وحديثا، فلله الحمد على ذلك.

وقال قريبا من هذا الكلام أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان بن بطة العكبري الحنبلي في كتاب (الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة) في باب دفن أبي بكر وعمر مع النبي (صلى الله عليه وآله) أيضا قال:

بحسبك دلالة على إجماع المسلمين واتفاقهم على دفن أبي بكر وعمر مع النبي (صلى الله عليه وآله): أن كل عالم من علماء المسلمين وفقيه من فقهائهم، ألف كتابا في المناسك، ففصله فصولا، وجعله أبوابا، يذكر في كل باب فقهه، ولكل فصل علمه، وما يحتاج الحاج إلى علمه والعمل به قولا وفعلا: من الاحرام، والطواف،

والسعي، والوقوف، والنحر، والحلق، والرمي، وجميع ما لا يسع الحاج جهله، ولا غنى بهم عن علمه، حتى يذكر زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله) فيصف ذلك فيقول:

ثم تأتي القبر فتستقبله، وتجعل القبلة وراء ظهرك وتقول:

السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، حتى يصف السلام والدعاء.

ثم يقول: وتقدم على يمينك قليلا وتقول: السلام عليك يا أبا بكر وعمر.

ص: 76

وإن الناس يحجون البيت من كل فج عميق وبلد سحيق، فإذا أتوا البيت لا يشكون أنه بيت الله المحجوج إليه، وكذلك ما يأتونه من أعمال المناسك وفرائض الحج وفضائله ينادي بعضه بعضا، حتى يأتوا قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيسلمون عليه وعلى صاحبيه أبي بكر وعمر، وقد أدركنا الناس ورأيناهم، وبلغنا عمن لمن نره أن الرجل إذا أراد الحج فسلم عليه أهله وصحابته قالوا له: وتقرأ

على النبي (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر وعمر منا السلام، فلا ينكر ذلك أحد ولا يخالفه.

هذا كلام ابن بطة، وقد أنبأنا به جماعة من شيوخنا عن الحافظ أبي الحجاج يوسف بن خليل بسنده إلى ابن بطة. ومقصوده ومقصود الآجري الرد على بعض الملحدة في إنكار دفن أبي بكر وعمر مع النبي (صلى الله عليه وآله)، وأما زيارته (صلى الله

عليه وآله) فلم ينكرها أحد، وإنما جاءت في كلامهما على سبيل التبع، لأنه لم يظن أحد أن يقع فيها أو في السفر إليها نزاع في قرن الثمانمائة.

واستفيد من كلامهما أن سفر الحجيج إليها لم يزل في السلف والخلف، وأنها تابعة للمناسك؛ وأبو بكر الآجري هذا قديم، توفي في المحرم سنة ستين وثلاثمائة، وكان ثقة صدوقا دينا، وله تصانيف كثيرة، وحدث ببغداد قبل سنة ثلاثين وثلاثمائة، انتقل

إلى مكة فسكنها حتى توفي بها. وابن بطة المذكور توفي في المحرم سنة سبع وثمانين وثلاثمائة بعكبرى، من فقهاء الحنابلة، كان إماما فاضلا عالما بالحديث، وفقهه أكثر من الحديث، وصنف التصانيف المفيدة؛ وهكذا قال غيرهما: قال القاضي عياض:

قال إسحاق بن إبراهيم الفقيه:

ومما لم يزل من شأن من حج المرور بالمدينة والقصد إلى الصلاة في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتبرك برؤية روضته، ومنبره، وقبره، ومجلسه، وملامس يديه، ومواطئ قدميه، والعمود الذي كان يستند إليه، وينزل جبرئيل بالوحي فيه

ص: 77

عليه، وبمن عمره وقصده من الصحابة وأئمة المسلمين، والاعتبار في ذلك كله؛وقد ذكرنا في باب نصوص العلماء على استحباب الزيارة قول الباجي المالكي: إن الغرباء قصدوا لذلك، يعني قصدوا المدينة من أجل القبر والتسليم.

ذكر هذا في معرض الفرق بين أهل المدينة والغرباء لما فرق مالك (رحمه الله) بينهم، كما سبق؛ وسنذكر في الباب الرابع من كلام العبدي المالكي في (شرح الرسالة) أن المسير إلى المدينة لزيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله) أفضل من الكعبة ومن بيت المقدس؛ وأكثر عبارات الفقهاء أصحاب المذاهب ممن حكينا كلامهم في باب الزيارة، يقتضي استحباب السفر، لأنهم استحبوا للحاج بعد الفراغ من الحج الزيارة، ومن ضروريها السفر)(1).

2- الحافظ الحصني الدمشقي (ت 829 ه).

ومن علماء المسلمين الذين تصدوا لافتراءات ابن تيمية على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبيان كذبه وسوء عاقبته وهو الحافظ الحصني الدمشقي فقد خصص هو الاخر كتابا في الدفاع عن الاسلام ورسوله (صلى الله عليه وآله) فكان مما جاء فيه في الرد على منع الزيارة لقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتحت عنوان:

(فتوى ابن تيمية بأن زيارة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قبره معصية) فقال: (ومن الامور المنتقدة عليه، قوله:

زيارة قبر النبي وقبور الانبياء معصية بالإجماع مقطوع بها، وهذا ثابت عنه انه قاله؛ وثبت ذلك على يد القاضي جلال الدين القزويني؛ فأنظر هذه العبارة ما اعظم الفجور فيها، من كون ذلك معصية، ومن ادعى الاجماع وان ذلك مقطوع به؟

ص: 78


1- شفاء السقام: ص 148 - 150 .

فهذا الزائغ يطالب بما ادعاه من إجماع الصحابة، وكذا التابعون ومن بعدهم منأئمة المسلمين إلى حين ادعائه ذلك.

وما أعتقد أن أحدا يتجاسر على مثل ذلك؛ مع أن الكتب المشهورة، بل والمهجورة، وعمل الناس في سائر الأعصار على الحث على زيارته من جميع الأقطار، فزيارته من أفضل المساعي وأنجح القرب إلى رب العالمين، وهي سنة من سنن المرسلين، ومجمع عليها عند الموحدين، ولا يطعن فيها إلا من في قلبه مرض المنافقين، ومن هو من أفراخ اليهود وأعداء الدين، من المشركين الذين أسفروا في ذم سيد الأولين والآخرين، ولم تزل هذه الأمة المحمدية على شد الرحال إليه على ممر الأزمان، من جميع الأقطار والبلدان، سار في ذلك الزرافات والوحدان، والعلماء والمشايخ والكهول والشبان، حتى ظهر في آخر الزمان مبتدع من زنادقة حران، لبس على

أشباه الرجال ومن شابههم من سيئي الأذهان، وزخرف لهم من القول غرورا، كما صنع إمامه الشيطان، فصدهم بتمويهه عن سبيل أهل الإيمان، وأغواهم عن الصراط المستقيم إلى ثنيات الطريق ومدرجة النيران، فهم برزيته في ظلمة الخطأ يعمهون، وعلى منوال بدعته يهرعون.

(فتاوى العلماء باستحباب زيارة القبور) وسأذكر ذلك ما تحقق به فجوره وبدعته وتضليل من مشى خلفه وهلكته، وأبين ما أظهره من القول الباطل وما رمز إليه وأوضحه لكل من سمعه ووقف عليه؛ ثم أردف ذلك بما يدل على المنهج من ذلك، فلا يزيغ عنه بعد ذلك إلا هالك؛ قال القاضي عياض في أشهر كتبه الذي شاع ذكره

في سائر البلاد، وقرئ في المجامع والجوامع على رؤوس الأشهاد:

(فصل في حكم زيارة قبره -عليه الصلاة والسلام- وفضل من زاره، وكيف يسلم عليه ويدعو؟ وزيارة قبره سنة من سنن المرسلين، مجمع عليها، ومرغب فيها).

وروي عن ابن عمر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه -وآله- وسلم): (من زار

ص: 79

قبري وجبت له شفاعتي).

وعن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (صلى الله عليه -وآله- وسلم): (من زارني في المدينة محتسبا كان في جواري، وكنت له شفيعا يوم القيامة).

وفي حديث آخر: (من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي)، هذه ألفاظه بحروفها، وكذا ذكره الإمام العلامة هبة الله في كتاب (توثيق عرى الإيمان).

فهذا نقل الإجماع على خلاف ما نقله هذا الزائغ الفاجر المبالغ في فجوره وعزوه إلى السلف؛ وأما غير هذين الإمامين ممن نقل الندب إلى زيارته فخلق لا يحصون، وسأذكر بعضهم.

(استدلال ابن تيمية على أقواله بالباطل) على أنه ذكر في فتوى مطولة ما يناقض ما ادعاه من الإجماع والقطع هنا؛ وقد ذكرت المسألة في تنبيه السالك، وذكرت صورة الفتوى وجوابه، وهذا جواب مطول، وتعرضت لما فيه من الخلل وسوء الفهم وفجوره في النقل والعزو.

وها أنا ذا أذكر هنا بعض الجواب، وأبين ما فيه من الخطأ وعدم صحة الاحتجاج بما احتج به، كحديث (لا تشد الرحال)، ولا أدقق في الجواب، لأن قصدي بيان جهله، وأنه لا حجة له في الحديث جريا على القواعد التي عليها مدار الاستدلال صحة وبطلانا، وأذكر ما ذكره في أحاديث الزيارة وما ادعاه فيها من الفجور وما رمز إليه في تكفير الأئمة الذين رووها، وأنه قال قولا مفترى لم يسبقه إليه أحد، ولا رمز ولا أشار إليه، وبالله التوفيق.

فمما ذكره في الجواب بلفظ قوله: وقد يحتج بعض من لا يعرف الحديث بالأحاديث المروية في زيارة قبر النبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم)، كقوله: (من زار قبري بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي) رواه الدارقطني وابن ماجة).

ص: 80

فانظر -أرشدك الله تعالى- كيف جعل هذين الإمامين ممن لا يعرف الحديث، وهو من أقبح البهتان؛ وقد احتج بهذا الحديث خلائق من أئمة الحديث غير هذين الإمامين، منهم القاضي عياض وصاحب (توثيق عرى الإيمان) وأبو الفرج ابن الجوزي في كتابه (مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن) ذكره في الباب الذي عقده لزيارة قبر النبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم)، ومنهم ابن قدامة ذكره في

كتابه (المغني) في فصل (يستحب زيارة قبر النبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم))، واستدل بحديث ابن عمر من طريق الدارقطني، ومن طريق سعيد بن منصور، وذكر أيضا حديث أبي هريرة: (ما من أحد سلم علي عند قبري)، وقوله: وأما ما يذكره بعض الناس من قوله: (من حج ولم يزرني فقد جفاني) فلم يورده أحد من

العلماء.

وهذا أيضا من البهتان البين والجهل، فقد روى هذا الحديث غير واحد من الأئمة بألفاظ متقاربة، منهم الحافظ أبو عبد الله بن النجار في كتابه (الدرة الثمينة)، من حديث علي (عليه السلام).

ومنهم الإمام الحافظ -المتفق على حفظه وعلو قدره في هذا الشأن- أبو سعيد عبد الملك النيسابوري، خرجه في كتابه (شرف المصطفى) من حديث علي (عليه السلام)، قال:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من زار قبري بعد موتي فكأنما زارني في حياتي، ومن لم يزرني فقد جفاني)، رواه ابن عساكر من طرق، وقوله:

وهو مثل (من زارني وزار أبي إبراهيم في عام واحد ضمنت له على الله الجنة).

تنبه، يا من أشير إليه بالعلم، في قوله، فإنه يشير به إلى أن الحديث الأول كذب

ص: 81

على رسول الله (صلى الله عليه-وآله- وسلم)، لأنه سوى بينهما، وذكر الحديث الثاني توطئة لقصده الفاسد في إرادة تجاسره به، والتمويه على العوام والضعفاء من الطلبة، وهو شديد الاعتناء بهذا القصد الخبيث في الكلام على آيات الصفات وأحاديثها.

فليحذر الواقف على كلامه في الآيات المتشابه وأحاديثه غاية الحذر، فإن الخطأ فيها كفر بخلاف غيرها من مسائل الفروع.

وقوله: وقد احتج أبو محمد المقدسي على جواز السفر لزيارة قبر النبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم) وقبور الأنبياء: بأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يزور قباء، وأجاب عن حديث (لا تشد الرحال): بأن ذلك محمول على نفي الاستحباب، وأما الأولون فإنهم محتجون بما في الصحيحين عن النبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم)،

أنه قال: (إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي) وهذا الحديث اتفق الأئمة على صحته والعمل به.

انظر -بصرك الله تعالى- ما في هذا الكلام من الإبهام والتدليس، فإنه قال:

(وقد احتج الشيخ أبو محمد على جواز السفر لزيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله):

بأن النبي كان يزور قباء).

ولم يذكر: (راكبا وماشيا)، لأن الراكب قد شد الرحل، وهو لا غرض له في ذلك؛وأيضا فلم يذكر غير الشيخ أبي محمد، وهو يوهم انفراده بذلك، ولم ينفرد كما أذكره من بعد، وقوله:

ص: 82

أجاب -يعني أبا محمد- عن حديث (لا تشد الرحال): بأن ذلك محمول على نفي الاستحباب وهو يوهم: أن ذلك لم يقله إلا الشيخ أبو محمد، وهو من التدليس الذي هو كثير الاعتناء به، والمكر السيئ.

قوله: أما الأولون يعني القائلين بتحريم السفر، وعدم جواز القصر في سفر المعصية، فإنهم يحتجون بما في الصحيحين عن النبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم)، أنه قال: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي) هذا، وهذا الحديث اتفق الأئمة على صحته والعمل به.

وهو يوهم أنهم احتجوا لتحريم قبور الأنبياء وقبر النبي (صلى الله عليه -وآله -وسلم) به، وهو من التدليس الفاحش، وهو مطالب: بأن الأولين صرحوا: بأن شد الرحال وإعمال المطي إلى قبره وقبر الخليل إبراهيم -عليهما الصلاة والسلام- حرام ومعصية، ولا تقصر فيه الصلاة.

وهذا لا يجده، بل الموجود غيره والندب إلى ذلك، كما يأتي إن شاء الله، وقد خاب من افترى، ثم ما ذكره من انفراد الشيخ أبي محمد: بأن الحديث محمول على نفي الاستحباب، كذب وفجور وجهل، فإنه لم ينفرد بذلك، بل ولا الحديث مسوق لتحريم زيارة القبور، وإنما هو لبيان فضيلة المساجد الثلاثة دون غيرها، لأن المساجد الثلاثة مساجد الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- والعمل فيها يضاعف

ما لا يضاعف في غيرها، وليس لزيارة القبور تعلق بالحديث.

ولما تكلم الأئمة على هذا الحديث، ومنهم الإمام العلامة أبو زكريا يحيى النووي رضي الله عنه في (شرح مسلم) قال: في الحديث فضيلة المساجد الثلاثة وفضيلة شد الرحال إليها، لأن معناه عند جمهور العلماء: لا فضيلة في شدها إلى مسجد غيرها.

ص: 83

وقال الشيخ أبو محمد الجويني من أصحابنا: يحرم شدها إلى غيرها، وهو غلط، ومر بيانه في باب سفر المرأة.

فصرح بأن جمهور العلماء إنما ذكروا ذلك في الفضيلة، وصرح بأنه لا فضيلة في شد الرحال إلى مسجد غيرها، ولم يتعرض للزيارة، البتة.

قلت: وجزم الشيخ محيي الدين، بأن الشيخ أبا محمد جزم بالتحريم، وهو ممنوع، وإنما تردد في ذلك، فقال: ربما يحرم، وربما يكره، والله أعلم.

وقال -أعني النووي- في (شرح مسلم) في باب سفر المرأة:

(واختلف في شد الرحال وإعمال المطي إلى غيرها، لا الذهاب إلى قبور الصالحين والمواضع الفاضلة ونحو ذلك).

فقال الشيخ أبو محمد الجويني: يحرم، وهذا الذي أشار إليه عياض مختارا له والصحيح عند أصحابنا، واختاره الإمام والمحققون لا يحرم ولا يكره.

والمراد: (أن الفضيلة التامة إنما هي في شد الرحال إلى الثلاثة خاصة)؛ انتهى، فذكر أولا: أن جمهور العلماء إنما ذكروا ذلك في الفضيلة، وذكر ثانيا: أنه قول المحققين، وأنه لا يحرم ولا يكره، وأن المراد: أن الفضيلة التامة إنما هي في شد الرحال إلى المساجد الثلاثة خاصة، ولم يصرح بقبور الأنبياء.

وقوله: (وأن الفضيلة التامة إنما هي في شد الرحال إلى المساجد الثلاثة) يفيد أنشد الرحال إلى غير الثلاثة فيه فضيلة إلا أنها غير تامة)(1).

ص: 84


1- دفع الشبهة عن الرسول (صلى الله عليه-وآله-وسلم) للحصني الدمشقي: ص 174 .

فهذه الاقوال المتظافرة عن فقهاء المسلمين تبين مشروعية زيارة قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتظهر افتراء ابن تيمية وكذبه عن الله ورسوله (صلى الله عليه وآله).

إلاّ أنّ الأمر يقتصر على ابن تيمية فقد تبعه في ذلك الوهابية الذين زادوا عليه في النصب والعداء لرسول الله (صلى الله عليه وآله).

إنهم أفتوا بحرمة الإنابة بالسلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو ما سيمر بيانه في ثانيا.

ثانيا: فتوى الوهابية بحرمة الانابة في السلام على رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

إن الناظر الى سيرة أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) ليدرك أنه كان من اشد الناس تعظيما لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصدقهم حباً وإيمانا به.

ففي الوقت الذي يتأوه فيه الى الله تعالى من وجود المستولين على الدين لجعل المقام عند قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) لزاما والتلبث عند القبر معكوفا نجد في المقابل الوهابية تحرم الانابة في السلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وهو ما جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء، فقد سَئَل احد المسلمين اللجنة ما يأتي:

(جاء في سؤالك عبارة:

(لي رجاء الى كل من يقرأ هذه الرسالة ان يسلم لي على الرسول (صلى الله عليه -وآله- وسلم)، وعلى ابي بكر وعمر) ونوضح لك:

ان تحميل الانسان غيره السلام على رسول الله (صلى الله عليه -وآله- وسلم) اوغيره من الاموات!!! ليس مشروعا!!! بل هو بدعة.

ص: 85

والنبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم) يقول:

«كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في نار »

فالواجب ترك هذا العمل وتنبيه من يقع فيه الى انه لا يجوز، ومن فضل الله علينا ان جعل سلامنا على نبينا محمد (صلى الله عليه -وآله- وسلم) يبلغه اينما كنا في مشارق الارض ومغاربها فقد ثبت ان النبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم) قال:

«إن لله في الارض ملائكة سياحين يبلغوني من امتي السلام ».رواه احمد والنسائي وغيرهما؛ وقال (صلى الله عليه -وآله- وسلم):

«خير ايامكم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم .»

وقال (صلى الله عليه -وآله- وسلم):

«لا تجعلوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني اين كنتم .»

والاحاديث في هذا المعنى كثيرة وبالله التوفيق)(1).

وأعتمد أصحاب هذه الفتوى على التدليس والتضليل في الإجابة على سؤال السائل لتوهمه وغيره بحرمة الإنابة بالسلام على خير الأنام (صلى الله عليه واله) والدليل على ذلك:

1-إنطلقت (اللجنة الدائمة للبحوث) في مقدمة الإجابة من المساواة بين سيد الخلق وغيره من المسلمين في كونهم أموات، وهذا قولهم:

(إن تحميل الإنسان غيره السلام على رسول الله (صلى الله عليه -وآله- وسلم) أو غيره من الأموات!!! ليس مشروعاً).

ص: 86


1- فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء - احمد بن عبد الرزاق الدويش ج 16 ص 30 .

ثم تقوم اللجنة بإيراد بعض الأحاديث التي تبين نقل الملائكة للسلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أينما كان موقع صاحب السلام على الأرض.

والسؤال المطروح كيف تنقل الملائكة السلام لميت أو غيره من المسلمين؟!

إذ العلة المانعة من إلقاء السلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو غيره أنهم أموات كما تقول اللجنة.

ومن ثم فنحن أمام خيارين:

الخيار الأول- إما أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) يسلم عليه بعد موته، وأن الله جعل ملائكةً تنقل السلام إليه ومن ثم فإن هذه العلة تكون منتفية وإلاّ لما كانت الملائكة تقوم بنقل السلام اليه في حياته ،و بعد مماته، وهي بذاك يكون عملها، أي الملائكة الإنابة بنقل هذا السلام عن المسلمين فما المانع من أن تكون الإنابة أيضا فيما بين المسلمين أنفسهم بالسلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله).

الخيار الآخر- أن يكون أصل الإنابة في الإسلام ممنوعة عند اللجنة الدائمة للبحوث والافتهاء، وهي بذلك تكون قد عطلت باباً من أبواب الشريعة في الإنابة في الحج والعمرة والزيارة وغيرها.

2-التناقض في الإستدلال على منع السلام على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعلة الموت، والحث بالسلام عليه بعلة أنّ ذلك يبلغه كما جاء في قول اللجنة (ومن فضل الله علينا أن جعل سلامنا على نبينا محمد (صلى الله عليه --وآله-- وسلم) يبلغه أينما كنا).

ص: 87

88ومن ثم يتضح أن الهدف الذي تسعى اليه اللجنة الدائمة هو منع زيارة قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والإنابة عن الاخر في السفر والزيارة فلا تشد الرحال إليه ولا يناب بالسلام عليه تبعا لابن تيمية واشياخه من السلف الذين حاربوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيا وميتا؛ وإن كنا نعتقد أنّ فضله (صلى الله عليه وآله) يجري على الخلق في حياته وبعد مماته، وأنه مصدر الغنى بعد الله تعالى.

قال عز وجل:

﴿وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّه وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾(1).

وقال سبحانه:

﴿ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّه سَيُؤْتِينَا اللَّه مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَی اللَّه رَاغِبُونَ﴾(2).

أفهل يكون غنى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وفضلهما محدود بزمن معين ومتوقف في غيره من الأزمنة، أم أن لا حدود زمانية ومكانية لذلك؟!

ولذا:

نجد أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) يخاطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قائلا:

«لجعلت المقام عند قبرك لزاما والتلبث معكوفا .»

فكيف كان مستوى هذا الإلزام والتلبث عند أمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، جوابه في المسألة القادمة.

ص: 88


1- سورة التوبة، الآية ( 74 ).
2- سورة التوبة، الآية ( 59 ).
المسألة الثالثة: قصدية المقام في بيان مستويات الملازمة للقبر النبوي
اشارة

للوصول الى مقاربة القصد في ملازمة القبر النبوي فلا بد من الرجوع الى معناه اللغوي ودلالات المستويات لهذه الملازمة فقد جاء في معنى اللزوم والملازمة.

عدم المفارقة ف (رجل لُزَمَةٌ): يلزم الشيء فلا يفارقه، وعدم المفارقة اي: المقام عند القبر النبوي له مصاديق ثلاثة وهي كالاتي:

أولاً: الملازمة الوجوبية

وهذه الملازمة بمعنى الوجوب على نفسه خاصة في بعض الافعال التي يمكن ملاحظتها في سيرة الأنبياء وسيرة سيد الخلق (صلى الله عليه-وآله-وسلم) كما يمكن ملاحظتها عند كثير من الناس حينما يوجبون على أنفسهم القيام ببعض الأعمال التي يجدون فيها ضرورة ملحة كطالب العلم الذي أوجب على نفسه السهر فقد ورد في الروايات أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد اوجب على نفسه

صلاة الليل وذلك لقوله تعالى:

﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾(1).

وقال تعالى:

﴿يَا أَيُّها الُمزَّمِّلُ ( 1) قُمِ اللَّيْلَ إلِّا قَليِلًا ( 2) نصِفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَليِلًا ( 3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا﴾(2).

وأوصى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين عليه السلام في الوصية الظاهرة اليه، فقال فيها:

ص: 89


1- سورة الاسراء، الآية ( 79 ).
2- سورة المزّمل، الآية ( 1- 4).

«وعليك يا علي بصلاة الليل، وعليك يا علي بصلاة الليل، وعليك يا علي بصلاةالليل »(1).

ومثال اخر يظهر ما لصلاة الليل من الأهمية الكبيرة في مقتضيات التشيع فقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال:

«ليس من شيعتنا من لم يصلِّ صلاة الليل »(2).

ولا يخفى أنّ صلاة الليل هي من الصلوات المستحبة إلاّ أنّا تحمل صفة خاصة واثاراً متعددة جعلت بمنزلة الإلزام والملازمة أي عدم المفارقة لصفة التشيع والإيمان.

وعليه:

يصبح المستوى الأول من الإلزام في المقام عند قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الوجوب النفسي في ملازمة القبر النبوي وعدم تركه كأنه واجب عليه فيلزم نفسه الملازمة للقبر الشريف.

ثانياً: الملازمة الدائمية

يرشدنا النص الشريف الى دلالة ثانية من مستويات الملازمة وهي الملازمة الدائمة فقد ورد في معنى الدوام:

(هو إستمرار البقاء في جميع الأوقات، ولا يقتضي أن يكون في وقت دون وقت)(3).

ص: 90


1- الوسائل: ج 5 باب 49 .
2- الوسائل: ج 5 الباب 40 من بقية الصلوات المندوبة.
3- الفروق اللغوية لابي هلال العسكري: ص 239 .

وهذا المعنى يظهر الجانب الوجداني بصورة جلية وذلك أنّ الإنسان يظهر خلال سلوكه إن دوام بقائه في جميع الاوقات يكون المحل الذي ارتبط به نفسيا وعاطفي اكملازمة الأب لمحل العمل كادّاً عاملا بغية أن يوفر لأبنائه الحياة الكريمة وكذا ملازمة الأم للدار والأسرة وعكوفها على رعاية أبنائها.

والأمثلة على ذلك كثيرة فالإنسان كلما ازداد حبه وتعلقه بشيء ازداد بقائه وملازمته له.

وبذلك يكون قوله (عليه السلام): لجعلت البقاء عند قبرك لزاما، وهو دوام البقاء ولا يقتضي أن يكون في وقت دون وقت لأنه حالة وجدانية تدفع الانسان الى العمل بهذه الكيفية.

ثالثاً: الملازمة بكثرة الزيارة للقبر النبوي فيكون زواراً

هذا المعنى قد ورد من خلال المشاهدات والإستقراء لأفعال كثير من الناس عند تكرار زيارتهم لمكان من الأمكنة مما يرسم معنى في ذهن المشاهد والمراقب لتعدد هذه الحالة وهو معنى الملازمة لهذا المكان.

فقد يقوم الإنسان بتكرار الزيارة في اليوم الواحد لمكتبة عامة فيصدق عليه أنه ملازم لهذه المكتبة او قد يكرر الانسان دخوله الى مقهى في اليوم عدة مرات فيقال عنه انه ملازم للمقهى او تقوم المرآة بزيارة جارتها عدة مرات في اليوم فيصدق عليها معنى انها ملازمة لبيت الجار والجارة.

وقد دلت الروايات الشريفة في خصوص تكرار الزيارة لقبر سيد الشهداء (عليه السلام) في كربلاء ما يصدق عليه الملازمة للقبر الشريف ويصنف بكونه زواراً، أي كثير الزيارة.

ص: 91

فقد اخرج ابن قولويه (رحمه الله):

عن ابي بكر الحضرمي، عن ابي جعفر -الباقر- (عليه السلام)، قال سمعته يقول:«من اراد ان يعلن انه من اهل الجنة فليعرض حبنا على قلبه فإن قبله فهو مؤمن، ومن كان لنا محبا فليرغب في زيارة الحسين (عليه السلام)، فمن كان للحسين زوارا عرفناه بالحب لنا اهل البيت وكان من اهل اجنة، ومن لم يكن للحسين زواراً كان

ناقص الايمان »(1).

والحديث يكشف في نفس الوقت صفتان متلازمتان وهما الحب والايمان مما يدل على ان مقاصدية النص الشريف «لجعلت المقام عند قبرك لزاما » عن صفات ثلاثة:

1- كثرة الزيارة والمقام لوقت دائم تحقق الملازمة.

2- ان الدافع لهذه الملازمة خو الايمان والحب.

3- ان الايمان هو الحب لله ورسوله واهل بيته (عليهم السلام).

وان انصاف المؤمن بالحب لآل البيت (عليهم السلام) ومصداقه فعل أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) في ملازمته لقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقد دفعه ايمانه وحبه لله ورسوله الى هذه الملازمة للقبر النبوي.

بل لم يكتشف (عليه الصلاة والسلام) من إلزام نفسه المقدسة في المقام عند القبر الشريف وانما انتهج منهجا تعبديا في التعامل مع القبر النبوي ليدحض بذلك تخرسات المبطلين ويرد زيغ المنافقين في شياعهم لثقافة تسطيح القيم الاسلامية

وضياع الهوية الايمانية ومحاربة الله عز وجل ورسوله (صلى الله عليه وآله) حياً وميتاً وهو ما سنعرض له في المبحث القادم.

ص: 92


1- كامل الزيارة: ص 356 .

المبحث السادس والعشرون: مقاصدية العكوف عند قبر رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

اشارة

ص: 93

قوله (عليه السلام) في لفظ الشيخ الكليني: «ولَو لَا غَلَبةَ المْسُتْولْيِن علَينْا لَجعَلَت المْقُام واللَّبثْ لزِاَماً معَكْوفاً »وفي لفظ الشيخ المفيد: «لَولا غَلَبةَ المُستْولْيِن علَينْا لَجعَلَت المْقُام عنِدْ قَبرْكَ لزِاماً، ولَلَبثَت عنِدْهَ معَكْوفاً »

اشارة

ص: 94

إنَّ النص الشريف يسير بنا الى قصدية جديدة ويوقفنا في محطة معرفية من محطاته العديدة التي يصحب فيها القارئ والباحث ليتزود منها ما يضفي على القلب والعقل نوراً وروحاً تمازجان معاً ويحرزان بذلك رضوان من الله ورسوله (صلى الله عليه وآله).

واللفظ الشريف هنا يفتح لنا شأنية اخرى من الشؤون المعرفية المرتبطة بسيد الكائنات وأشرف الموجودات (صلى الله عليه وآله) ويرسم لنا منهجا جديدا في التعامل مع القبر النبوي لينعكس ذلك على الروح الايمانية والسلم اليقيني الذي يوصل السائر والمرتقي الى سمو المعرفة التي لولاها لما عرف الله سبحانه وتعالى كما

ورد في الدعاء عن الامام الصادق (عليه السلام):

«اللهم عرّفني نفسك فإنك إنْ لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرّفني نبيك فإنك إنْ لم تعرّفني نبيك لم أعرف حجتك، اللهم عرّفني حجتك فإنك إنْ لم تعرّفي حجتك ضلّلت عن ديني »(1) .

والنص الشريف هنا يفتح لنا باباً من ابواب المعرفة في شأنية رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه المعرفة جاءت من أعرف الخلق بسيد الخلق (صلى الله عليه وآله) وكيف لا وهو باب مدينة علمه ووصيه وخليفته في امته وحجة الله على خلقه.

وعليه:

ينقسم البحث الى مسائل نحاول من خلالها الوصول الى مقاربة القصد المولولي لمولى الموحدين وأمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام).

ص: 95


1- الكافي الكليني: ج 1 ص 339 .
المسألة الاولى: اللبث والعكوف في اللغة
أولاً: اللبث في اللغة

تكاد تكون كلمات أهل اللغة في بيان معنى (اللبث) مجتمعة على (الإقامة)، و (المكث)، و (التوقف).

1-قال الجوهري (ت 393 ه):

(اللبث، واللباث: المكث، وقد لَبَثَ يَلبْثُ لبثاً على غير قياس لان المصدر من فعل بالكسر، قياسه التحريك إذا لم يتعد، مثل تعب تعباً)(1).

2- قال ابن فارس (ت 395 ه):

(لبث) اللام والباء والثاء حرف يدل على تمكث، يقال:

لبث بالمكان أقام؛ قال الله تعالى:

﴿لَم يَلْبَثُوا إِلَّ سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ﴾(2).

3- وذهب ابن سيدة (ت 458 ه) الى ما ذكره ابن فارس فقال:

(إنّ الإعتكاف لبث واقامة، والشرعي، أي الإعتكاف الشرعي - ينضم اليه معنى آخر)(3).

4- في حين نرى ابن منظور يعطي معنى اخر للَّبث، فيقول:

ص: 96


1- الصحاح: ج 1 ص 291 ؛ معجم مقاييس اللغة: ج 5 ص 288 .
2- سورة يونس، الآية ( 45 ).
3- المخصص: ج 4 ق 1 (السفر الثالث عشر): ص 85 .

(ولي على هذا الامر لبثة، أي: توقف، واستلبث الوحي، أي ابطأ وتأخر)(1).

وقد ورد في القرآن جملة من الآيات التي اظهرت معنى اللبث ودلالاته فكان منها:

1- ﴿وَلقَدْ جَاءَتْ رُسُلُناَ إبِرَاهِيمَ باِلبْشُرى قَالوُا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لبَثِ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾(2).

2- ﴿فَضَربْنَا عَلَی آَذَانِهمْ فِی الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا ( 11 ) ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الِحزْبَيْن أَحْصَی لِما لَبِثُوا أَمَدًا﴾(3).

3- ﴿وَلَبِثُوا فِ كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا﴾(4).

4- ﴿قُلِ الله أعَلَمُ بمِا لبَثِوُا لهَ غَيبْ السَّمَاوَاتِ وَالْأرَضِ أبَصِر بهِ وَأسَمِعْ مَا لَهمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِّی وَلَا يُشْركُ فِی حُكْمِهِ أَحَدًا﴾(5).

5-﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الُمجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْر سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ﴾(6).

والآيان المباركة تدل على عدة معان مترابطة، وهي (البقاء، والاقامة، والتوقف).

ومن ثم فقد أرشدنا النص في قوله (عليه السلام): «والتلبث معكوفا .»

ص: 97


1- لسان العرب: ج 2 ص 182 .
2- سورة هود، الآية ( 69 ).
3- سورة الكهف، الآية ( 11 - 12 )
4- سورة الكهف، الآية ( 25 ).
5- سورة الكهف، الآية ( 26 ).
6- سورة الروم، الآية ( 55 ).

أي: مقيما باقيا متوقفا عند القبر، وهذه المعاني ستفتح بإذن الله مقاصداً خاصة كما سيمر لاحقا، وذلك بعد أن نورد معنى العكف والمعكوف والإعتكاف.

ثانياً: العكوف والإعتكاف في اللغة

أشار أهل اللغة الى أنّ معنى الاعتكاف والعكوف هو البقاء والحبس ولزوم الشيء فكانت اقوالهم على النحو الآتي:

1- قال الفراهيدي:

(عكف يعكف عكوفا: هو اقبالك على الشيء لا تصرف عنه وجهك)(1).

2- قال الجوهري:

(الاعتكاف في المسجد: الاحتباس)(2).

3-قال الزمخشري:

(الإعتكاف والعكوف: الاقامة على الشيء وبالمكان ولزومهما)(3).

4- قال ابن منظور: (العكوف: الاقامة في المسجد، يقال لكم لزم المسجد واقام على العبادة فيه: عاكف ومعتكف)(4).

ص: 98


1- كتاب العين: ج 1 ص 305 .
2- الصحاح: ج 4 ص 1406 .
3- النهاية: ج 3 ص 284 .
4- لسان العرب: ج 9 ص 255 .
ثالثاً: الاعتكاف عند الفقهاء

وللاعتكاف معنى امتزجه المفهوم التشريعي لهذه الممارسة.

1- فقال المحقق الحلي (ت 676 ه):

الاعتكاف: هو اللبث المتطاول للعبادة(1)، وان من شروطه (استدامة اللبث في المسجد)(2).

2- قال الشيخ الجواهري (ت 1266 ه):

(الاعتكاف لغة هو الاحتباس، ومنه اللبث الطويل الذي هو احد افراد لزوم الشيء وحبس النفس عليه براً كان او غيره؛ قال الله تعالى:

﴿مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ﴾(3).

أي: لازمون لها وحابسون أنفسكم عليها، نحو قوله: ﴿يَعْكُفُونَ عَلَی أصَناَمٍ لَهُمْ﴾.

وشرعا: على وجه النقل أو المجاز الشرعي (هو اللبث المتطاول للعبادة)، وفي المنتهى(4) لبث مخصوص للعبادة؛ وفي الدروس(5): لبث في مسجد جامع مشروط

بالصوم ابتداءً)(6).

ص: 99


1- شرائع الاسلام: ج 1 ص 158 .
2- المصدر السابق.
3- سورة الانبياء، الآية ( 52).
4- منتهى المطلب للعلامة الحلي: ج 9 ص 467 .
5- الدروس الشرعية للشهيد الاول: ج 1 ص 297 .
6- جواهر الكلام: ج 17 ص 159 .

وهذه المعاني والدلالات ترشد الى مقاصد اللفظ الشريف والتي جمعت في مقاصد اربعة وهو ما سنتناوله في المسألة القادمة.

المسألة الثانية: استظهار قصدية اللبث والعكوف
اشارة

يمكن إستظهار أربعة مقاصد من قوله (عليه الصلاة والسلام):

«والتلبث معكوفا » ومما أعاننا على استظهارها تلك المعاني والدلالات التي مرَّ ذكرها في المسألة السابقة، فكانت كالآتي:

القصدية الاولى: استدامة الإقامة عند القبر الشريف

قد ينصرف الذهن الى أن قوله (عليه السلام): «لجعلت المقام عند قبرك لزاماً » هو مترادف بالمعاني لقوله: «والتلبث معكوفاً » وذلك ان معاني المفردات وهي (المقام، لزاما، التلبث، معكوفاً) تسير في نسق واحد وهو الاقامة عند القبر الشريف ولكن واقع اللفظ يرشد الى مقاصد عدة تقارب ما اراده الامام علي (عليه السلام) في

خطابه لرسول الله (صلى الله عليه وآله).

وذلك أن الإمام علي (عليه السلام) لا يريد في خطابه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) تكرار المعاني في قوالب المفردات وانما اراد كشف خبايا كثيرة يفهمها السامع ويعلم مقاصده هذا اللفظ، ومنها:

استدامة الاقامة عند القبر الشريف وهو بيان الكيفية العملية بعد بيان الكيفية النظرية.

بمعنى: إن السامع قد فهم من اللفظ انه (عليه السلام) اراد الاقامة عند القبر لكن كيف تكون هذه الاقامة؟ ومثال هذه الحالة جاء في القرآن الكريم في مواضع عدة، منها:

ص: 100

1-قال تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلِی غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾(1).

فالآية المباركة تتحدث عن اقامة الصلاة لكنها لم تبين لكيفية العملية لهذه الاقامة.

2-وقوله عز وجل: ﴿ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا﴾(2).

وغيرها من الآيات المباركة التي جاءت بالفروض والتكاليف الشرعية إذ نلاحظ أن الآيات جاءت بالأصل دون أنْ تبين الكيفية العملية لإقامة الصلاة أو إداء فريضة الحج أو الزكاة ومن ثم كانت الطريقة في هذه الاقامة وظيفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والائمة المعصومين وهم العترة النبوية (سلام الله عليهم اجمعين).

وهنا في هذا اللفظ الشريف نجد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يظهر الكيفية العملية في الاقامة وذلك من خلال «اللبث معكوفاً »، أي: أنه بينّ في اللفظ الأول: ملازمة البقاء وما أرتبط به من مقاصد مرّ بيانها في المبحث السابق، وهنا يبين (عليه السلام) أن هذه الإقامة بمقتضى دلالة اللبث والاعتكاف وهو استدامة الاقامة كمن شرع في العمل بسنة الاعتكاف في المسجد كما هو مفصل في مكتب الفقهاء والذي يقتضي بحسب التشريع والادامة في الاقامة لمدة ثلاثة ايام.

ص: 101


1- سورة الاسراء، الآية ( 78 ).
2- سورة الاسراء، الآية ( 78 ).

وهنا:

يظهر (عليه السلام) انه يريد البقاء بالكيفية العلمية التي يعمل بها المعتكف في المسجد فيصدق عليه أنه معتكف.

القصدية الثانية: الملاذ بقبر النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )قربة الى الله تعالى

يظهر النص الشريف مقاصدية اخرى وهي أن المسلم حينما يتعرض للابتلاء لاشك سيندفع الى البحث عن ملاذات أمنة أو ملاذات تحقق له الأمن وتكون وسيلة له للنجاة مما هو فيه، والإمام علي (عليه السلام) يسن للمسلمين هذه الوسيلة، أي اتخاذ قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ملاذا للمبتلى ولكل ذي حاجة، سواء كانت من حاجات الدنيا أم حاجات الاخرة وبالكيفية التي حددها (عليه السلام) من الملازمة والاقامة عند القبر النبوي.

إلاَّ أنه وبحكم تقدير المصلحة في مواجهة خصٍومه والذين حددهم ووصفهم ب (المستولين) لجعل البقاء عند قبره (صلى الله عليه وآله) لزوما والتلبث معكوفاً؛ إلاّ أنَّ هذا المانع فرض عليه ترك البقاء والاقامة والعكوف عنده، فقدم تفويت الفرصة وسد الطريق على المستولين على ملازمة القبر الشريف والاقامة فيه والعكوف عنده.

ولا شك ان هذه المقاصدية يراد منها التقرب الى الله تعالى بل ان سنامها وقوامها القربة الى الله تعالى.

قال سبحانه:

﴿وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّه وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ﴾(1).

ص: 102


1- سورة التوبة، الآية ( 99 ).

وذلك ان القرابة هي (غاية الفعل المتعبد به، والمراد بها القرب الى رضاه او ثوابه)(1).

(وان المراد بالقربة اما موافقة ارادة الله تعالى، او القرب منه المتحقق بحصول الرفعة عنده، ونيل الثواب لديه مجازا عن القرب الكافي، وايثار القربة لتحصيل الاخلاص لتكرر ذكرها في الكتاب والسنة)(2).

وقد جاء في تفسير الآية عن الشيخ الطوسي (رحمه الله) (ت 460 ه):

إنَّ القرابة هي قلب الثواب والكرامة من الله تعالى بحسن الطاعة، وهي تدني من رحمة الله تعالى، والتقدير انه يتخذ نفقته وصلوات الرسول واستغفاره لهم.

وقال قتادة: معناه دعاؤه بالخير والبركة، قال الاعشى:

تقول بنتي وقد قربت مرتحلا***يا رب جنب أبي الاوصاب والوجعا

عليك مثل الذي صليت فاغتمضي*** نوما فان لجنب المرء مضطجعا.

ثم قال:

ألا إنها، يعني صلوات الرسول، قربة لهم، اي تقربهم إلى ثواب الله، ويحتمل أن يكون المراد ان نفقتهم قربة إلى الله)(3).

فكانت المقاصدية الثانية في قوله:

«والتلبث معكوفاً .»

ص: 103


1- الحاشية الاولى على الالفية للشهيد الثاني: ص 521
2- جامع المقاصد للمحقق الكركي: ج 1 ص 201
3- التبيان في تفسير القرآن: ج 5 ص 286 .

قصد القربة لله تعالى واستحصال دعاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) والذي تتحقق فيه القربة وينال الانسان الرحمة الواسعة.

القصدية الثالثة: حبس نفسه المقدسة على القبر النبوي

يمكن لنا الوصول الى مقاربة جديدة لقصد الامام (عليه السلام)( في هذا النص الشريف وذلك من خلال الوقوف عند مشاعره وعواطفه نحو رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وذلك ان الإنسان لا يمكن له ان يحبس نفسه ويقف على امر واحد مالم يكن قد استجمع مشاعره اتجاه هذا الأمر.

والشواهد الحياتية كثيرة على ذلك بل لا نكاد نجد انساناً لم يمر بهذا الموقف على اختلاف الثقافات والامزجة والميولات نحو الاشياء، ابتداءً من حبس الأم نفسها على ابنائها وحبس طالب العلم على تحصيله، ورجل الامن على حراسته والعامل على عمله والتاجر لتجارته وانتهاء بمواضع اللهو والتسلية ابتداءً من الاطفال وانتهاءً بالشباب والرجال الذين عكفوا على اللهو بآلة محددة من آلات اللهو وغيرها والكل في ذلك فد اندفعوا من مشاعرهم وعواطفهم نحو هذه الاشياء التي حبسوا انفسهم وبذلوا وقتهم لأجلها.

من هنا:

يظهر النص الشريف الجانب الوجداني والمشاعري لعلي (عليه السلام) ومقدار حبه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وتعلقه به الى هذا الحد والمستوى العاطفي الذي يجعله ملازماً للقبر وحابساً نفسه عليه، وهو ما اكتنزه قوله: «والتلبث معكوفاً .»

ص: 104

القصدية الرابعة: اظهار شأنية رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )وارتكازها في الحقل المعرفي

يتصرف الناس مع ما يحيط بهم من منطلق معرفتهم بالأشياء، ومن خلال هذه المعرفة تتحد افعالهم وتصرفاتهم بين الاهتمام والاهمال وتفاوت كل منهما؛ إذ كلما عظمت المعرفة بالأشياء أرتكزت عليها التصرفات في الاقتراب والابتعاد ايضاً.

والأمثلة كثيرة على ذلك، منها:

يولد الانسان وتتولد معه المعرفة بما يحيط به، فالطفل في بدء سيره وتحصيله المعرفي ينجذب في بادئ أمره الى النار بفعل ما تنقله حاسة البصر من تلألئ نور النار وتوهجها فينجذب مسرعا اليها لكنه حينما يشعر بألم الاحتراق في يده يدرك أن هذا النور المتلألئ الوهاج يسبب له ألماً كبيراً فتنشأ لديه معرفة جديدة حول النار، وكلما عظمت هذه المعرفة بالنار من حيث حجم الدمار الذي تحدثه في الاشياء حال اشتعالها نجد الإنسان يبتعد عنها بنفس درجة الدمار الذي تحدثه.

في حين نفس هذه المعرفة تجعله يحنو الى النار ويقترب منها ويعشقها حينما يصيبه البرد في الشتاء، فنراه يلتصق بالموقد ويبذل جهده في ادامة اشتعالها، وهذا ايضاً مرتكز على المعرفة لكن المعرفة هنا عكسية.

بمعنى: كلما ازداد الانسان معرفة بآثار البرد وآلامه وما يسببه من تعطيل للحياة واصابة الامراض والآلام، كلما عظم اهتمامه بالنار، بلحاظ كونها المخلص له من البرد وآلامه واضراره.

وهكذا هي الاشياء التي تحيط بنا كلما عظمت معرفتنا بها كلما ازداد اهتمامنا وقربنا منها أو ازداد اهمالنا وابتعادنا عنها.

ص: 105

وهنا:

ينقلنا النص الشريف الى بيان معرفة الامام علي (عليه السلام) برسول الله (صلى الله عليه وآله) فهذا الاهتمام والقرب من القبر الشريف الذي يتعامل معه تعاملا خاصا يعكس شأنية رسول الله (صلى الله عليه وآله)( فكان على النحو الاتي:

1-ابتدأ أولاً من مرحلة الحضور عن القبر وضمن مستويات متعددة من حيث انه يكون ملازما له لبعض الوقت ثم انه زَوّاراً للقبر، أي كثير الزيارة، تم اوجبعلى نفسه الملازمة كما اوجب على نفسه صلاة الليل كما مرّ بيانه سابقا؛ وهذا ضمن مستويات الملازمة المرتكزة على المعرفة برسول الله (صلى الله عليه وآله).

2- الإنتقال الى رتبة الاعتكاف والاقامة؛ وهنا انعطافة تشريعية جديدة، فمن الزيارة ومشروعيتها والحث عليها بهذا المستوى الذي بينه النص الشريف وقصدية المعاني في كونه زَوّاراً وملازماً ومراقباً لقلبه بين البقاء والأنصراف بدون ملل الى مرحلة تشريعية جديدة، وهي التلبث والاعتكاف عند القبر النبوي الشريف.

وهذا لعمري ليقدم صورة عقدية جديدة مرتكزة على معرفته بشخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرضت عليه هذا الاهتمام والقرب من القبر الشريف وصاحبه (صلى الله عليه وآله) والحبس والاقامة عنده.

3- إنّ هذه المعرفة بشخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرضت عليه أيضا إظهار الآثار العظيمة التي يحرزها المؤمن حينما يتأسى بإمامه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فيجعل من القبر الشريف ملجئً ومحلاً لنزول اللطف والفضل الإلهي، وهو ما نص عليه قوله تعالى:

ص: 106

1- ﴿وَلَوْ أَنَّهمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّه وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّه سَيُؤْتِينَا اللَّه مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَی اللَّه رَاغِبُونَ﴾(1).

2- ﴿وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّه وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُن خَيْرا لَهمْ﴾(2).

4- إن أظهار هذه الشأنية للقبر الشريف، وجعله موضعاً للعبادة والقربة الى الله تعالى، وإنه أفضل من المساجد التي نصت عليها الشرعية وجعلتها موضعاً للاعتكاف والتقرب الى الله تعالى.وكيف يتقرب الى الله تعالى بالمساجد ويترك قبر الحبيب، كيف يتقرب الناس الى الملوك والوزراء والرؤساء؟، بالحراس والجند والخدام، أم من خلال الأحباب والخواص؟!

أو هل هناك أشرف من رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند الله مما خلق من ملك مقرب أو نبي مرسل؟!

أم أن هناك غيره حبيب للرحمن؟! فتعالى الله عمّا يصف الجاهلون المانعون لزيارته والباترون للصلاة على آله.

اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد كما صليت وسلمت وباركت على ابراهيم وآل ابراهيم انك حميد مجيد.

ص: 107


1- سورة التوبة، الآية ( 59 ).
2- سورة التوبة، الآية ( 74 ).

ص: 108

المبحث السابع والعشرون: مقاصدية الإعوال ومشروعيته

اشارة

ص: 109

قوله (عليه السلام): «ولأَعوْلَتْ إعِوْاَلَ الثَّكْلَى »

اشارة

ص: 110

في هذا الجزء من الخطاب الشريف تُسكب العبرات وتأن الروح أنين المفجوع بمولاه، فالمتكلم هو من عرفه التاريخ صلباً صلداً، وعرفته الانسانية رجلاً تركع لرجولته فحول الرجال، وتشير إليه الشجعان بالصولات والبطولات، وكفى به معرّفاً لنفسه فقد عرف علي بن ابي طالب نفسه كما عرف ربه، فقال عن نفسه معرفاً:«ينحدر عني السيل و لا يرقى إلي الطير ».

لكن هذا الجبل الذي ينحدر عنه السيل لولا وجود المستولين لرأيناه صارخاً يشق صياحه آذان الصم الصياخيد، ويتردد صدى صوته مصدعاً قلوباً أشد قسوة من الحجارة على جليل الرزية.

يا أيها العالم إنها الزهراء، فعليٌّ مفجوعاً بها وحسبك أن يكون عليا مفجوعاً ومعولا اعوال الثكلى تعريفا بفاطمة (عليها السلام).

ولذا:

لابد من المرور بأهل اللغة للوقوف على معنى الاعوال ودلالته لنقارب بذلك قصدية أمير المؤمنين (عليه السلام).

المسألة الاولى: الإعوال والثكل في اللغة
أولاً: الإعوال والعويل في اللغة

تناول اهل اللغة مفردة العول والعولة في كتبهم بمعنى رفع الصوت في البكاء والصياح، فكانت هذه اقوالهم.

ص: 111

1- قال الخليل الفراهيدي:

العولة من العويل: وهو البكاء.

أعولت المرأة أعوالاً: هو شدّة صياحها عند البكاء أو مكروه نزل به)(1)

2- قال ابن المنظور:

(و أعول الرجل وإمرأة وعولاً: رفعا صوتهما بالبكاء والصياح.

وقد تكون العولة: حرارة وجه الحزين والمحب من غير نداء ولا بكاء؛ قال مليح الهذلي:

فكيف تسلبنا ليْلى وتكندنا*** وقد تمنّح منك العولة الكُنُدُ

ويقال:

العويل يكون صوتاً من غير بكاء؛ ومنه قول أبي زبيد:

للصدر منه عويل فيه حشرجة.

أَي: زئير كأَنه يشتكي صدره.

وأعولت القوس صوتت)(2).

ثانياً: معنى الثكل في اللغة

وجاء معنى الثكل في اللغة بفقدان الحبيب، وفيه قال ابن منظور:

(الثُكل و الثَكل، بالتحريك: فقدان الحبيب، واكثر ما يستعمل في فقدان المرأة زوجها،

ص: 112


1- كتاب العين: ج 2 ص 248 .
2- لسان العرب: ج 11 ص 482 .

وفي المحكم: اكثر ما يستعمل في فقدان الرجل والمرآة ولدهما)(1).

وهو مأخوذ من قول الخليل الفراهيدي في كتاب العين:

وقد خصه: (بفقدان المرأة ولدها، فيقال:

ثكلته أمه، فهي به ثكلى.

واثكلت المرأة فهي مثكل، لازم لها الثكل، من غير ان يقال: اثكلت ولدها، واثكلها الله، فهي مثكلة بوالدها، والجميع: مثاكيل)(2).

وهذه المعاني ترشد الى بعض المقاصد التي اكتنزها هذا الجزء من اللفظ الشريف، فكانت كالآتي ضمن المسألة القادمة.

المسألة الثانية: المقاصدية في اعواله على فقد فاطمة (علیها السّلام)
القصدية الأولى: تشريع البكاء على مظلومية العترة النبوية

أشرنا فيما سلف: أنَّ كلام المعصوم (عليه السلام) بمقتضى حديث الثقلين يجري مجراه مع القرآن الكريم في كاشفيته لعناصر المستقبل وصلاح النص لكل زمان ومكان.

وكان الامام علي (عليه السلام) يخبر تضميناً لما سيأتي من بعده من المستولين على دين محمد (صلى الله عليه وآله) فيشرعون كما يحلو لهم فيحرمون ما أحل الله ويحللون ما حرم الله عز وجل.

ص: 113


1- لسان العرب: ج 11 ص 88 .
2- كتاب العين: ج 5 ص 349 .

ومنه مشروعية البكاء والجزع على الميت والمصائب التي نزلت بالعترة النبوية بشكل خاص والبكاء على الميت بشكل عام، كما هو مدون في كتب المذاهب وآرائهم الفقهية.

فقد ذهب الشافعي الى (جواز البكاء على الميت من غير ندب ولا نياحة)(1). إلّا أنه ذهب الى كراهته بعد الموت(2)؛ ونهى عنه مالك(3)، وكذلك قال بجوازه، أي

البكاء على الميت إمام المذهب الحنبلي، وعدم جواز النياحة والندب وشق الثياب ولطم الخدود(4).

وقد اجمع علماء المسلمين من أبناء العامة على عدم جواز النياحة واللطم وشق الجيب على الميت؛ بخلاف فقهاء الإمامية في جواز النياحة واللطم والندب على مصائب العترة النبوية (صلوات الله وسلامه عليهم) وبالأخص سيد الشهداء الامام الحسين (عليه السلام).

فقد قال الشيخ الجواهري (رحمه الله) (ت 1266 ه):(ثم إنه لا ريب في جواز البكاء على الميت نصا وفتوى للأصل، والأخبار التي

لا تقصر عن التواتر معنى من بكاء النبي (صلى الله عليه وآله) على حمزة وإبراهيم وغيرهما وفاطمة (عليها السلام) على أبيها وأختها وعلي بن الحسين (عليهما السلام) على أبيه حتى عد هو وفاطمة (عليهما السلام) من البكائين الأربعة، إلى غير ذلك مما لا حاجة لنا بذكره، بل ربما يظهر من بعض الأخبار استحبابه عند اشتداد الوجد،

ص: 114


1- المجموع للنووي: ج 5 ص 307 .
2- المغني لأبن قدامة: ج 2 ص 429 .
3- الموطأ: ج 1 ص 233 .
4- الشرح الكبير لأبن قدامة: ج 2 ص 429 .

وقول الصادق (عليه السلام) في حسن معاوية بن وهب المروي عن أمالي الحسن بن محمد الطوسي كل الجزع والبكاء مكروه ما خلا الجزع والبكاء لقتل الحسين (عليه السلام) محمول على ضرب من التأويل، وأما ما روي من أن الميت يعذب ببكاء أهله فمع الطعن فيها بالعامية كما عن عائشة أولا، وبوهم الراوي واشتباهه ثانيا، وقصورها عن معارضة غيرها من وجوه عديدة ثالثا، ومنافاتها للعقل والنقل على أن لا تزر وازرة وزر أخرى رابعا، إلى غير ذلك - فقد أجاد في الذكرى في الكلام عليها -، فلاحظ، وكذا بعض الأخبار الدالة بظاهرها على النهي عن البكاء فلتحمل على المشتمل على علو الصوت والشق واللطم أو المتضمن للجزع وعدم الرضا بقضاء الله تعالى أو غير ذلك، كما في الأخبار إشارة إليه حيث اعترض على

النبي (صلى الله عليه وآله) في بكائه على إبراهيم بأنك قد نهيت عن البكاء. فتأمل جيدا. ولعله من جواز البكاء يستفاد جواز النوح عليه أيضا لملازمته له غالبا،مضافا إلى الأخبار المستفيضة حد الاستفاضة المعمول بها في المشهور بين أصحابنا، بل في المنتهى الاجماع على جوازه إذا كان بحق، كالأجماع على حرمته إذا كان بباطل، وروي أن فاطمة (عليها السلام) ناحت على أبيها، فقالت: يا أبتاه من ربه ما أدناه، يا أبتاه إلى جبرئيل أنعاه، يا أبتاه أجاب ربا دعاه كما روي عن علي (عليه السلام) أنه أخذت قبضة من تراب قبر النبي (صلى الله عليه وآله) فوضعتها على عينها ثم

قالت:

ماذا على من شم تربة أحمد*** أن لا يشم مدى الزمان غواليا

صبتّ عليَّ مصائب لو أنها*** صبتّ على الأيام صرن لياليا

ص: 115

وروي أن أم سلمة ندبت ابن عمها المغيرة بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد أن استأذنت منه للمضي إلى أهله، لأنهم أقاموا مناحة وقالت:

أنعى الوليد بن الوليد*** أبا الوليد فتى العشيرة

حامي الحقيقة ماجدا*** يسمو إلى طلب الوتيرة

قد كان غيثا في السنين*** وجعفرا غدقا وميرة

فلم ينكر عليها وعن الصادق (عليه السلام) في الصحيح أنه قال أبي: يا جعفر أوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيام منى وقد يستفاد منه استحباب ذلك إذا كان المندوب ذا صفات تستحق النشر ليقتدى بها. وعن النبي (صلى الله عليه وآله) لما انصرف من وقعة أحد إلى المدينة سمع من كل دار قتل من أهلها قتيل نوحا، ولم يسمع من دار عمه حمزة، فقال (صلى الله عليه وآله): لكن حمزة لا بواكي له فآلى أهل المدينة أن لا ينوحوا على ميت ولا يبكوه حتى يبدأوا بحمزة وينوحوا عليه ويبكوا، فهم إلى اليوم على ذلك إلى غير ذلك من الأخبار

الكثيرة الصريحة في المطلوب، وهي وإن كانت هناك أخبار في مقابلها تدل على خلافها، بل الشيخ وابن حمزة في المحكي عنه عملا بمضمونها من عدم الجواز، مدعيا الأول منهما الاجماع، لكنها مع ضعفها وعدم صراحتها محتملة للتقية، وللنوح بالباطل المشتمل على لطم الوجه والضرب وقول الهجر ونحو ذلك، كما يفهم من بعضها، ويقتضيه قواعد الاطلاق والتقييد، بل يحتمل تنزيل كلامهما عليه أيضا، ويرشد إليه دعوى الاجماع منه، لما عرفت من أن ما نحن فيه مظنة الاجماع لا العكس وبذلك يظهر أنه لا بأس بأجر النائحة نوحا محللا كما دلت عليه بعض الأخبار وتقتضيه الأصول والقواعد، ويأتي الكلام فيه في المكاسب إن شاء الله، لكن

يكره النوح بالليل لخبر خديجة بنت علي بن الحسين بن علي أمير المؤمنين (عليهم

ص: 116

السلام) قالت: سمعت محمد بن علي (عليهما السلام) يقول إنما تحتاج المرأة في المأتم إلى النوح لتسيل دمعتها، ولا ينبغي لها أن تقول هجرا، فإذا جاء الليل فلا تؤذي الملائكة نعم لا يجوز اللطم والخدش وجز الشعر إجماعا حكاه في المبسوط، ولما فيه من السخط لقضاء الله تعالى، وخبر خالد بن سدير عن الصادق (عليه السلام) لا شيء في لطم الخدود سوى الاستغفار والتوبة بل في الأخيرين الكفارة كما يأتي في محله إن شاء الله.

(ولا شق الثوب على غير الأب والأخ) كما في الوسيلة والمنتهى والإرشاد، ونسبه في المبسوط إلى الرواية، وفي ظاهر المدارك نسبته إلى الأصحاب، وقضية هذا الاطلاق عدم الفرق فيه بين الرجل والمرأة، لكنه قد يشعر اقتصار العلامة في القواعد على

الأول كما عن الشيخين بجوازه للمرأة، بل على جميع الأقارب، وعنه في النهاية التصريح به، ومال إليه في المدارك وكذا الذكرى، كما عن المحقق الثاني في فوائدالكتاب اختياره. وكيف كان فلا أعرف خلافا معتدا به في حرمته بالنسبة للرجل في غير الأب والأخ، بل في المحكي عن مجمع البرهان دعوى الاجماع عليه كظاهر غيره، سوى ما يحكي عن كفارات الجامع لا بأس بشق الانسان ثوبة لموت أخيه ووالديه وقريبه، والمرأة لموت زوجها لكنه ضعيف محجوج بما عرفت من الاجماع المحكي صريحا وظاهرا الذي قد يشهد له التتبع المؤيد بكونه إتلافا للمال وتضييعا له ومنافيا للصبر والرضا بقضاء الله تعالى وبالمرسلة المروية في المبسوط المنجبرة به وبغيره مما ستسمعه إن شاء الله في المرأة، وبالمعلوم من وصايا النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) عند الموت ونهيهم عن الشق عليهم والخمش. فلا

وجه حينئذ للتمسك بالأصل بعد انقطاعه بما عرفت، كخبر خالد بن سدير عن الصادق (عليه السلام) بعد أن سأله عن رجل شق ثوبة على أبيه أو على أمه أو على أخيه أو على قريب له لا بأس بشق الجيوب قد شق موسى على أخيه هارون ولا

ص: 117

يشق الوالد على والده ولا زوج على امرأته وتشق المرأة على زوجها وإذا شق زوج على امرأته أو والد على ولده فكفارته حنث يمين ولا صلاة لهما حتى يكفر أو يتوبا من ذلك، إلى أن قال بعد ذكر الكفارة على الجز والخدش: ولا شيء في اللطم على

الخدود سوى الاستغفار والتوبة، ولقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي (عليهما السلام)، و على مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب إذ هو وإن أطلق فيه نفي البأس أولاً، لكن المراد منه بقرينة ما بعده -مع الطعن في سنده ولا جابر- أنه لا بأس به في الجملة، فلذا كان الاستدلال به عليه من حيث تضمنه النهي عن شق الوالد على الولد متمما بعدم القول بالفصل أولى من العكس. وكذاما عساه يستدل له به أيضا من خبر الحسن الصيقل لا ينبغي الصياح على الميت، ولا شق الثياب من حيث ظهور لا ينبغي في الكراهة لوجوب إرادة الحرمة منه هنا بقرينة ما عرفت إن لم نقل بظهورها فيها بنفسها، بل قيل إنها شائعة في الأخبار بذلك، مضافا إلى ما في الحدائق من أن الظاهر من الأخبار وكلام الأصحاب حرمة الصراخ، وإنما الجائز النوح بالصوت المعتدل، فيجب حينئذ إرادة الحرمة منها بالنسبة إليه، فيتبعه الشق، وإلا لزم استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه أو المشترك في معنييه أو غيرهما، مما هو موقوف على القرينة وليست. قلت: ومع ذلك فالموجود فيما حضرني من نسخة الوسائل ولا تشق الثياب فيكون حينئذ نهيا مستقلا، كما أن الموجود فيها بالنظر إلى السند عن امرأة الحسن الصيقل، إلا أن المعروف في كتب الفروع عن الحسن الصيقل، وفي الذكرى الصفار بدل الصيقل، والأمر سهل.

ومن استدلال الصادق (عليه السلام) بشق موسى على أخيه هارون (على نبينا -وآله-وعليهما السلام) ومرسلة المبسوط المتقدمة المنجبرة بفتوى الأصحاب عدا النادر، بل نسبه غير واحد إليهم بدون استثناء يستفاد حكم المستثنى أي جواز الشق

على الأب والأخ، مضافا إلى ما حكى في الفقيه وغيره مرسلا من شق العسكري

ص: 118

(عليه السلام) قميصه من خلف وقدام عند موت أبيه (عليه السلام) وعن كشف الغمة نقلا من كتاب الدلائل لعبد الله بن جعفر الحميري عن أبي هاشم الجعفري قال: خرج أبو محمد (عليه السلام) في جنازة أبي الحسن (عليه السلام) وقميصه مشقوق، فكتب إليه ابن عون من رأيت أو بلغك من الأئمة (عليهم السلام) شق قميصه في مثل هذا؟ فكتب إليه أبو محمد (عليه السلام) يا أحمق وما يدريكما هذا، قد شق موسى على هارون ونحوه المحكي عن الكشي في كتاب الرجال مسندا، فما عن ابن إدريس من القول بالحرمة فيهما ضعيف، بل لا يبعد القول حينئذ بالاستحباب للتأسي. كما أنه من ذلك وما تقدم بل أولى منه يستفاد جوازه للمرأة أيضا فيهما، مع أنه لا خلاف فيه إلا منه أيضا، وهو ضعيف كسابقه، لما عرفت مما

تقدم، مضافا إلى ما في خبر خالد بن سدير عن الصادق (عليه السلام) ولقد شققن الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي (عليهما السلام)، وعلى مثله تلطم الخدود وتشق الجيوب إذ من المعلوم فيهن بناته وأخواته. وأما شقها

في غيرهما فالأحواط والأولى تركه إن لم يكن أقوى، لأصالة الاشتراك في الحكم، ولمرسلة المبسوط السابقة المنجبرة بإطلاق فتوى كثير من الأصحاب، وبمنافاته للصبر والرضا بقضاء الله، وبأنه تضييع، وبخبر الصفار بناء على ما وجدناه، وبما رواه في البحار عن دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه أوصى

عندما احتضر، فقال: لا يلطمن علي خد ولا يشقن علي جيب، فما من امرأة تشق جيبها إلا صدع لها في جهنم صدع، كل ما زادت زيدت وبما رواه في البحار أيضا عن مسكن الفؤاد عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب وعن أبي أمامة أن رسول الله (صلى الله عليه

وآله) لعن الخامشة وجهها، والشاقة جيبها، والداعية بالويل والثبور وبما رواه فيه أيضا عن مشكاة الأنوار نقلا عن كتاب المحاسن عن الصادق (عليه السلام)

ص: 119

في قول الله عز وجل ولا يعصينك في معروف المعروف أن لا يشققن جيبا. ولا يلطمن وجها، ولا يدعون ويلا الحديث. كل ذا مع أنه لا دليل على الجواز سوى الأصل الذي لا يصلح للمعارضة، ورواية الصفار لا ينبغي وقد تقدم الكلام فيه، وما يحكى من فعل الفاطميات كما في ذيل خبر خالد بن سدير عن الصادق (عليه

السلام) بل ربما قيل إنه متواتر، وهو موقوف على فعل ذلك من غير ذات الأب والأخ وعلى علم علي بن الحسين (عليه السلام) وتقريره المفيد رضاه به، دونه خرط القتاد، على أنه قد يستثنى من ذلك الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) أو خصوص سيدي ومولاي الحسين بن علي (عليهما السلام) كما يشعر به الخبر المتقدم، وكذا

غيره من الأخبار التي منها حسن معاوية السابق عن الصادق (عليه السلام) كل الجزع والبكاء مكروه ما خلا الجزع والبكاء لقتل الحسين (عليه السلام) المراد به فعل ما يقع من الجازع من لطم الوجه والصدر والصراخ ونحوها، ولو بقرينة ما رواه جابر عن الباقر (عليه السلام) أشد الجزع الصراخ بالويل والعويل ولطم الوجه والصدر وجز العشر إلى آخره مضافا إلى السيرة في اللطم والعويل ونحوهما

مما هو حرام في غيره قطعا، فتأمل. ما في خبر خالد المتقدم من جواز شق المرأة على زوجها، ولا قائل بالفصل، وهو -مع ضعفه ولا جابر له واستبعاد تحقق الاجماع المركب في المقام- قاصر عن معارضة ما سمعت، فتأمل جيدا)(1).

اذن:

يتضح من قوله (عليه الصلاة والسلام):

«ولأعولت اعوال الثكلى على جليل الرزية .»

إن الأصل في البكاء والعويل، أي: رفع الصوت والصياح كما نص عليه أهل

ص: 120


1- جواهر الكلام: ج 4 ص 364 - 371 .

اللغة جائز ومن فعل الأوصياء (عليهم السلام) وإن الروايات التي تعارض هذاالأصل كما فعل عمر بن الخطاب في نهيه النساء من البكاء على الميت او ما كان يدعيه ابنه ورد عائشة عليه واحتجاجها بقوله تعالى:

﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾.

فكيف يعذب الميت ببكاء اهله عليه وهو لم يفعل ذلك؛ كله مخالف للأصل لاسيما فيما يتعلق بالمصائب التي نزلت بالعترة النبوية اذ يعد البكاء والعويل كأعوال الثكلى من المستحبات المؤكدة للمؤمن إلاّ أن إمتناع أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) عنها كان لعلة غلبة المستولين عليه وقد مرّ بيانه سابقاً.

القصدية الثانية: حرارة وجده على مظلومية الزهراء البتول وكاشفية حبه لها

يكشف النص الشريف عن انقى المشاعر النفسية والعلاقة الروحية التي تنشأ بين الزوجين وذلك ان كثير من المشاعر التي تشهدها صفحات التاريخ والحياة بين الزوجين لا يمكن الوقوف على نقائها و خلوصها من الانا النفسية، فكل واحد من الرجال أو النساء وان حرص على صفاء مشاعره اتجاه الاخر دون ان تكون للانا

مدخلية في ذلك متعسر حدوثه؛ ما خلا العلاقة بين علي وفاطمة (عليهما السلام).

وذلك إن كلاهما قد اصطفاه الله تعالى لأداء مهمة الحفاظ على شريعة المصطفى (صلى الله عليه وآله) وهي حالة خاصة تتجلى في كثير من الصور القرآنية التي تحدث عن انماط العلاقة الانسانية المتعددة كالوالدية والاخوية، وقد بينت هذه الصور نقاء هذه العلاقات وخلوها من الأنا النفسية على الرغم من صعوبة كاشفية

الأنا في كثير منها لاسيما في الوالدية، كما في حال نبي الله عيسى وأمه مريم (عليهما السلام)، أو حال يوسف ويعقوب (عليهما السلام)، أو حال إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام)، فقد أنتزعت الأنا النفسية من تلك المشاهد، وذلك لأن أصحابها

قد تم اصطفائهم للرسالة الالهية.

ص: 121

وهنا: في العلاقة الزوجية بين علي وفاطمة (عليها السلام) كانت الكاشفية النفسية المتجردة من الأنا صورة منفردة في تاريخ البشرية وذلك لما يحيط بكلا الزوجين من عناصر الاصطفاء والاجتباء.

وعليه:

فإن الإعوال والعولة عند اهل اللغة بالمعنى الذي رَكَزَ في نفوس الناس وهو حرارة وجد الحزين والمحب من غير نداء ولا بكاء، كان مما تجلى في مقاصدية النص الشريف وأعاض عن ألآلف من الكلمات نضماً ونثراً في حبه لفاطمة (صلوات الله عليها).

لاسيما وان جمالية النص قد سارت في رسم هذه العاطفة والحب مع المستمع في تدرج يجلله الحياء والحشمة فأضفى على هذه المشاعر عذوبة ورونقا يأسر النفس، ويعلم الزوجين كيف تكون حقيقة المشاعر الزوجية و النفسية.

فمن جمالية قوله:

«قل صبري .»

ورقتة:

«ضعف تجلدي .»

وحرارة مشاعره:

«استرجعت الوديعة .»

وحزنه ووجده:

«اخذت الرهينة »

ص: 122

وحسن جمالها في نفسه في:

«اختلست الزهراء »

وحرارة الشوق والحنين اليها في قوله:

«لا يبرح الحزن من قلبي »

الى التصريح عن المستور في وشاح الاعوال عن حبه للزهراء البتول (صلوات الله وسلامه عليهما) كانت المشاعر النفسية والعلاقة الروحية تسير جنبا الى جنب مع الصفاء والنقاء والعفة كانت حجر الماسة يأسر النفوس ويوظف الابصار.

القصدية الثالثة: حشرجة الصدر في فقدان الحق ووقوع الظلم

إن ما يفهمه الناطقون بالعربية ودلالتها يدركون أن أميرها وسيد بلغائها والمتبحر في فنونها ومعانيها قد حشد في المفردة الواحدة ما يحير به عقولهم ويلزم نفوسهم، وهم الذين اقروا بأن الاعوال من مقاصده زئير وحشرجة ومنه قول ابي زبيد الطائي في صفة الاسد:

للصدر منه عويل فيه حشرجة*** كأنما هو من احشاء مصدور(1)

وهذه الحشرجة في صدر علي (عليه السلام) كانت خير كاشف عن بيان مقصده في بيان حجم الظلم الذي نزل بالزهراء (عليها السلام) وضياع حق الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) والتجري عليهما وهو ما اتبعه بقوله: «على جليل الرزية .»

ص: 123


1- البيان والتبيين للجاحظ: ص 189 .

وهو ممازجة بين العويل بقصدية (الحشرجة) وهو زئير الصدر من الحزن على فقدان حق عظيم وبين الاعوال خسارة كبرى وتجرٍ على الله تعالى.

فكانت هذه الثلاثة منظوية تحت:

«جليل الرزية » فما هي هذه الرزية وما تأثيرها في الاسلام واهله؟

جوابه في المبحث القادم وما يليه.

ص: 124

المبحث الثامن والعشرون: رزئية المصاب وجلالة المنزلة ومقاصدية كونه بعين الله

اشارة

ص: 125

قوله (عليه السلام): « ولأَعوْلَتْ إعِوْاَلَ الثَّكْلَى علَى جلَيِلِ الرَّزِيَّة ، فَبِعيَنْ اللَّه تُدفْن ... »

اشارة

ص: 126

ينقلنا النص الشريف الى قصدية جديدة من مقاصده المتعددة والتي سبقتها مقدمات اربعة كانت بمثابة السلم للارتقاء الى بيان شأنية جديدة من شؤون البضعة النبوية (صلوات الله وسلامه عليها).

فمن التأوه، الى المقام عند قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، الى التلبث والاعتكاف فيه، وصولا الى الاعوال كانت درجات اربعة تمهد الى مسألة محورية في قضية فاطمة الزهراء (عليها السلام) وهي رزئية المصاب الذي نزل بها وارتكازه على ما لديها من جلالة المنزلة عند الله ورسوله (صلى الله عليه وآله).

فكان ما نزل بها من:(الدفن سراً، والهضم قهراً، والمنع جهراً) انه بعين الله تعالى.

فلم يكن ما جرى على فاطمة من المصائب العظيمة إلا لكونه بعين الله تعالى مما كشف رتبتها ومنزلتها عند الله تعالى.

فما دلالة قصدية انه بعين الله عز وجل؟

المسألة الاولى: قصدية النسبة الى عين الله في القرآن الكريم

يعرض لنا القرآن الكريم جملة من الايات المباركة التي تظهر مقاصدية كون العملأ الشيء أنه بعين الله تعالى:

1- فمن البيان المتعلق بالعمل قال تعالى مخاطباً نبيه نوح (عليه السلام):

ص: 127

﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخاطِبْنِي فِی الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهمْ مُغْرَقُونَ﴾(1)،

وقد جاء في تفسيرها:

(واصنع السفينة بمراقبتنا وتعليمنا اياك)(2).

وقيل:

(والأعين، جمع قلة للعين، وانما جمع للدلالة على كثرة المراقبة وشدتها، فإن الجملة كناية عن المراقبة في الصنع؛ وذكر الأعين قرينة على أن المراد بالوحي ليس هو هذا الوحي، أعني قوله:

﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ﴾ حتى يكون وحيا للحكم، بل وحي في مقام العمل وهو تسديد وهداية عملية بتأييده بروح القدس الذي يشير اليه، أن أفعل كذا وأفعل كذا، كما ذكره تعالى في الائمة من آل ابراهيم (عليه السلام) بقوله: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الَخيْراتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾(3).

2-وفي خصوص السفينة قال سبحانه ﴿تَجرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمنْ كَانَ كُفِرَ﴾(4).

3-ومن البيان المتعلق بنبيه موسى الكليم (عليه السلام) قال سبحانه:

﴿أَنِ اقْذِفِيهِ فِی التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِی الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِی وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَی عَيْنِي﴾(5).

ص: 128


1- سورة هود، الآية ( 37 ).
2- تفسير الميزان: ج 10 ص 223 .
3- سورة الانبياء، الآية ( 73 ).
4- سورة القمر، الآية ( 14 ).
5- سورة طه، الآية ( 39 ).

وقد جاء في تفسير قوله عز وجل ﴿وَلتِصُنعَ عَلَی عَينْيِ﴾ عن الشيخ الطوسي، قال قتادة: معناه لتغذى على محبتي وإرادتي، وتقديره وأنا أراك، يجري أمرك على ما أريد بك من الرفاهة في غذائك، كما يقول القائل لغيره:

أنت مني بمرأىً ومستمع، أي أنا مراع لأحوالك)(1).

وقال السيد الطبطبائي في تفسيره:

(اللام في قوله: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَی عَيْنِي﴾ للغرض والجملة معطوفة على مقدر، والتقدير ألقيت عليك محبة مني لأمور كذا وكذا، وليحسن إليك على عيني، أي بمرأى مني فإني معك أراقب حالك ولا أغفل عنك لمزيد عنايتي بك وشفقتي عليك، وربما قيل: إنّ المراد بقوله: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَی عَيْنيِ﴾ الاحسان إليه بإرجاعه

إلى أمه وجعل تربيته في حجرها، وكيف كان فهذا اللسان وهو لسان كمال العناية والشفقة يناسب سياق التكلم وحده، ولذا عدل إليه من لسان التكلم بالغير)(2)

4- وهناك مورد آخر، ذكره القرآن الكريم وهو مختص بالحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله)، قال تعالى: ﴿وَاصْبِر لِحكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ﴾(3).

وقد أجمع المفسرون في معنى قوله تعالى ﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾:

إنَّك في حفظنا وحراستنا نحفظك ونكلأك فلا يصلوا إليك بمكروه.

ص: 129


1- التبيان في تفسير القرآن: ج 7 ص 173 .
2- تفسير الميزان: ج 14 ص 151 .
3- سورة الطور، الآية ( 48 ).

وفي ذلك يقول السيد الطبطبائي:

(أنك بمرأى منا، نراك بحيث لا يخفى علينا شيء من حالك، ولا نغفل عنك ففي تعليل الصبر بهذه الجملة تأكيد للأمر بالصبر وتشديد للخطاب.

وقيل: المراد بقوله: ﴿فَإنِّكَ بأِعْيُننِا﴾ أنك في حفظنا وحراستنا، فالعين مجاز عن الحفظ، ولعل المعنى المتقدم أنسب للسياق)(1).

أقول:

إن المعنى المتقدم الذي اورده السيد الطبطبائي (رحمه الله) (في تعليل الصبر بهذه الجملة تأكيد للأمر بالصبر وتشديد الخطاب) غير مناسب للسياق الذي جاءت به الآية، فهي في بيان مقام المصطفى عند الله تعالى وتطيبا لنفسه المقدسة لما يراه من

الاذى من قومه فخاطبه عز وجل و امره الصبر فإنه بعين الله.

فكيف يكون الانسب كما ذهب السيد الطبطبائي هو (التشديد في الخطاب) إلاّ أن يراد به التشديد بالمتابعة والرعاية له (صلى الله عليه وآله) وهو كاشف عن كون الحبيب.

وعليه:

يظهر من خلال الآيات المباركة إن المقاصدية في ايراد لفظ (بأعيننا) أنها لبيان العناية الالهية في موارد الأبتلاءات الشديدة كما ذكر القرآن في هذه المواضع، وهي:

1-صناعة السفينة الذي رافقها صعوبة صناعتها من الناحية الهندسية والفنية مع قلة الوسائل والامكانات آنذاك الى المستوى الذي يلزم ان تكون هذه السفينة مناسبة لأمرين:

ص: 130


1- تفسير الميزان: ج 19 ص 24 .

الأمر الأول: حجمها الذي يلزم أن يستوعب الرجال والنساء والاطفال الذين آمنوا بنوح (عليه السلام) مع ما أمر به من حمل زوجين من الحيوانات والنباتات والطيور والحشرات وغيرها مما يعلمه الله تعالى وذلك لضمان الحياة واعادة دورتها من جديد وهذا كله ضمن هذه السفينة ولذا قال سبحانه ﴿بوحينا﴾.

الأمر الاخر: قوة هذه السفينة ودقة صناعتها وهندستها بحيث تستطيع ان تواجه الامواج والمياه المتدفقة من الارض والسماء.

2-إنّ حجم البلاء وشدته الذي ستتعرض له السفينة وهي تحمل هذه الحمولة ضمن هذه المياه التي وصفها القرآن بقوله عز وجل:

﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّه مَجرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّی لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وَهِيَ تَجرِي بِهمْ فِی مَوْجٍ كَالِجبَالِ﴾.

فهذه الامواج التي تضرب بالسفينة كانت كالجبال، ومن ثم فإن حجم البلاء وشدته أحتاج أن تكون السفينة بعين الله تعالى.

3- في قضية موسى الكليم (عليه السلام) كان البلاء بلاءً خاصاً وشديداً، وذلك أنه طفل رضيع في تابوت في قلب البحر، ليصل بإذن الله تعالى وعنايته وتقديره الىعدو الله، وعدو موسى، ومن ثم هو في قلب الموت والطغيان، فمن موت البحر وطغيانه، الى موت فرعون وطغيانه، ولشدة البلاء الذي يحيط به لزم أن يكون

موسى في نموه وحياته أنه بعين الله تعالى.

4-أما إذا جئنا الى حبيب الرحمن (صلى الله عليه وآله) فإن البلاء الذي كان يحيط به وشدّة ابتلائه بقومه وما كان يلقاه منهم حتى قال:

«ما أوذي نبي بمثل ما اوذيت »(1).

ص: 131


1- تفسير الرازي: ج 41 ص 175 ؛ تاريخ الاسلام للذهبي: ج 41 ص 333 .

ليقتضي أن يواسيه الله تعالى ويطيّب نفسه ويذكره بالصبر ويقر عينه مظهراً حجم شأنيته عنده عز وجل، وقرب منزلته لديه، فخاطبه بعد أن أمره بالصبر قائلاً له:

﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾.

ومن ثم: يصبح ايراد لفظ بعين الله كاشفاً عن القصدية في حجم البلاء الذي ينزل بصاحبه ويكفي من ذلك من الشواهد بعد القرآن الكريم ما جاء عن سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) لما نحروا ولده الرضيع وهو في حجره انه قال: «هوّن عليَّ ما نزل بي أنه بعين الله »(1).

من هنا:

فإن قصدية منتج النص في قوله (صلوات الله وسلامه عليه):

«فبعين الله تدفن ابنتك سراً وتهضم حقها قهراً ويمنع ارثها جهراً » هو حجم البلاء الذي نزل بها، وأنه بعين الله كما كان حجم البلاء عظيما في الموارد التي ذكرها القرآن الكريم.

المسألة الثانية: القصدية في رزية المصاب وبيان المنزلة

إنَّ الرجوع الى القرآن الكريم وسيرة الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) تكشف عن الملازمة فيما بين منزلة صاحب البلاء الايمانية وبين حجم البلاء.

وقد وردت احاديث كثيرة عن العترة النبوية في بيان هذه الملازمة بين الايمان والبلاء وإنّما تبعاّ لبعض، فإذا ازداد ايمان المرء زاد بلائه مما يكشف هنا عن قصدية منتج النص (عليه الصلاة والسلام) في قوله:

«على جليل الرزية، فبعين الله تدف أبنتك سراً.... »

ص: 132


1- اللهوف للسيد ابن طاووس: ص 69 .

هو إظهاره أمام كل مؤمن بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وبما جاء عنهما، أنَّ فاطمة (عليها السلام) قد بلغت في المستوى الإيماني ما جعل حجم بلائها مساويا لهذا الايمان، ولهذه العلة كان الابتلاء، لتجزى خير جزاء من الله تعالى، ويجزي الله أعدائها ما يستحقون من العقاب والخزي يوم القيامة.

ولعل ايرادنا لجملة من الروايات الشريفة الكاشفة عن هذه الملازمة هو من قبيل النافلة وحصول الاجر واتماما للمنفعة، وهو كالاتي:

1- روى الشيخ الكليني عن ابي جعفر الباقر (علیه السّلام)، انه قال:

«أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل »(1).

2- روى ايضاً عن البجلي قال:

(ذكر عند أبي عبد الله (عليه السلام) البلاء وما يخص الله تعالى به المؤمن، فقال: سُئِل رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أشد الناس بلاءً في الدنيا؟، فقال:

«النبيون ثم الأمثل فالأمثال، ويبتلى المؤمن بعد على قدر إيمانه وحسن أعماله، فمن صح إيمانه وحسن عمله أشتد بلاؤه، ومن سخف إيمانه وضعف عمله قل بلاؤه »(2).

3- عن سماعة عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال:«إن في كتاب علي (عليه السلام):

إن أشد الناس بلاء النبيون ثم الوصيون ثم الأمثل فالأمثل، وإنما يبتلى المؤمن على قدر أعماله الحسنة، فمن صح دينه وحسن عمله أشتد بلاؤه، وذلك إن الله تعالى لم

ص: 133


1- الكافي: ج 2 ص 253 .
2- الكافي: ج 2 ص 252 .

يجعل الدنيا ثوابا لمؤمن ولا عقوبة لكافر ومن سخف دينه وضعف عمله قل بلاؤه، إن البلاء أسرع الى المؤمن التقي من المطر الى قرار الارض »(1).

4- عن محمد بن بهلول بن مسلم العبدي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال:

«إنّما المؤمن بمنزلة كفتي الميزان كلما زيد في ايمانه زيد في بلائه »(2)

5-عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:

«إنّ الله تعالى إذا احب عبداً غته بالبلاء غتً، وثجه بالبلاء ثجا فإذا دعاء، قال لبيك عبدي لأن عجعلت لك ما سألت أني على ذلك لقادر ولأن ادخرت لك فما ادخرت لك خير لك »(3)

وعليه: فهذه المصائب العظيمة كانت بعين الله تعالى وتسليما لأمره ورضى بقضائه فيما أختار لسيدة نساء العالمين وأم الائمة المعصومين فكانت تلك المواضع الثلاثة التي حددها أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله:

«تدفن ابنتك سرًا وتهضم حقها قهراً، ويمنع أرثها جهراً .»

ومن ثم ما هي القصدية في اختياره لهذه الثلاثة دون غيرها مما جرى عليها؟،

وجوابه في المبحث القادم.

ص: 134


1- علل الشرائع للصدوق: ج 1 ص 44 .
2- تحف العقول للحراني: ص 408 .
3- وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 3 ص 264 .

المبحث التاسع والعشرون : المقاصدية في دفنها (علیها السّلام)سراً

اشارة

ص: 135

قوله (عليه السلام): «تُدفْن ابنْتَك سرِاًّ »

اشارة

ص: 136

إن أول المصائب التي أوردها أمير المؤمنين (عليه السلام) والتي صنفها بعظيم الرزية هي دفن فاطمة (عليها السلام) سراً، ومن ثم فإن هناك أمور أراد بيانها (عليه السلام) من إيراده لهذه المصيبة العظيمة والظلامة الجليلة التي نزلت ببضعة الهادي الأمين (صلى الله عليه وآله).

المسألة الاولى: قصدية أظهار مكنون وصية فاطمة (علیها السّلام) في تعرية وجوه المستولين وقطع الاعتذار عن الظالمين
اشارة

يشكل أمر دفن سيدة نساء الامة وسيدة نساء العالمين وقلب سيد الانبياء والمرسلين -وهي مع ما ذكرنا- مورداً من موارد اعلان حقيقة الصحابة الذين اقبلوا على بيت النبوة حرقا وضربا وتقتيلا، فهذه المأسآة التي لزم عنها اغلب المؤرخون وأرباب السير الصمت وأعتذر عنها كثير من الرموز الإسلامية كانت ما تزال نافذة الى ذهن

كل باحث أو قارئ للتاريخ الإسلامي، وترشق الفكر بالعديد من الأسئلة:

1- ترى اين قبر أبنة نبي الاسلام، وأم الحسن والحسين، وزوج علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟!

2- ولماذا تدفن ابنة رسول النبي سراً؟!

3- أترى أن هناك من يريد أن يعتدي على قبرها حتى بعد موتها؟.

4- أيعقل أن يصل حال بعض الصحابة الى هذا المستوى من الحقد كي يقدمواعلى نبش قبر ابنة نبيهم مثلا فأخفى علي بن ابي طالب قبرها؟!

ص: 137

5- أيعلّم قبر النبي (صلى الله عليه وآله) بعلامة ويعفى قبر بنته (صلوات الله وسلامه عليها)؟!

وعليه:

هناك العديد من المقاصد ارادها منتج النص )عليه السلام( في قوله:

«تدفن ابنتك سراً .»

وهي كالاتي:

أولاً: إلتزاماً بوصيتها وتحريكاً لذهن متلقي النص في أرجاعه لهذه الوصية
اشارة

يُظهر النص الشريف أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أراد بذلك تحريك ذهن السامع في أمرين:

1-هل تصرّف (عليه السلام) من وحي نفسه فدفن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) سرّاً، ومن ثم سيندفع السامع أو الباحث الى معرفة الأسباب التي دفعته الى هذا الفعل ومن ثم الوصول الى النتيجة التي أراد الإمام علي (عليه السلام) أن يعرّفها للسامع.

2- إنه تصرّف إلتزاما بوصية فاطمة (عليها السلام) فقد أوصته أن يدفنها سراً ولا يُعلم أحداً من الناس بموضع قبرها.

ومن ثم تكون النتيجة طبيعية في تحريك ذهن السامع وعواطفه ومشاعره سائلا: لماذا أوصت فاطمة بذلك؟

ص: 138

وعليه:

سيندفع متلقي النص الشريف الى معرفة أمرين مهمين:

الأول: قراءة وصية فاطمة في كتب المسلمين.

الثاني: صعقه بما سيقرئ في هذه الوصية، ومن ثم إعادة ترتيب أفكاره وحياته ومعطياته الفكرية وتصحيح مساره في الحياة الدنيا ليأمن على نفسه يوم يقف بين يدي الله تعالى، وقد وضع الصراط، ونصبت الموازين، وسعرّت النار، وزّينت الجنة للمتقين.

وعليه:

فما هي وصية فاطمة (عليها السلام)؟

لم يتسنَّ لبضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الدوام والبقاء بعد وفاة ابيها (صلى الله عليه وآله) طويلا وذلك لما جرى عليها من المصائب والظلم والرزايا التي وصفتها بقولها (عليها السلام):

صبتّ علي مصائب لو أنها*** صبتّ على الأيام صرن لياليا(1)

وقد وصف حالها الإمام أبو جعفر الباقر عليه السلام فقال:

«إنّ رسول الله (صلى الله عليه واله) أسر إلى فاطمة عليها السلام أنها أول من

ص: 139


1- المناقب لابن شهر آشوب: ج 1، ص 20 ؛ مسكن الفؤاد للشهيد الثاني: ص 103 ؛ نظم درر السمطين للزرندي: ص 181 ؛ تفسير الآلوسي: ج 19 ، ص 149 ؛ سير أعلام النبلاء للذهبي: ج 2، ص 134 ؛ الاكتفاء للكلاعي: ص 62 .

يلحق به من أهل بيته فلما قبض صلى الله عليه-وآله-ونالها من القوم ما نالها لزمت الفراش ونحل جسمها وذاب لحمها وصارت كالخيال»(1).

وروي أنها ما زالت بعد أبيها مُعصبّة الرأس ناحلة الجسم مُنهدّة الركن باكية العين محترقة القلب يغشى عليها ساعة بعد ساعة وتقول لولديها:

«أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرة بعد مرة، أين أبوكما الذي كان أشد الناس شفقة عليكما فلا يدعكما تمشيان على الأرض ولا أراه يفتح هذا الباب أبدا ولا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما .»

ثم مرضت ومكثت اربعين ليلة وقيل خمس وسبعين وهو الاشهر؛ ثم دعت ام ايمن مولاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) واسماء بنت عميس، وعلياً (عليه السلام) و اوصت الى الامام علي (عليه السلام).

وتنقسم وصيتها الى عدة محاور نكتفي بإيراد ما تعلق بوصيتها في نفسها وفي دفنها أما بقية وصيتها نترك ذكره خوفاً من الاطالة(2).

ألف - وصيتها بنفسها الى علي (علیها السّلام)

إن اول ما اوصت به فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) الإمام علي (عليه السلام) هي وصيتها بنفسها، وذلك بعد ان مرضت مرضاً شديداً، فلما نُعيت اليها نفسها اوصت عليها فقالت:

«يابن العم إنه قد نعيت إلي نفسي وإنني لا أرى ما بي، إلاّ أنني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة وأنا أوصيك بأشياء في قلبي .»

ص: 140


1- مستدرك الوسائل للمحدث النوري: ج 2، ص 361 .
2- للإطلاع على محاور وصيتها. ينظر: كتاب هذه فاطمة (عليها السلام) للمؤلف: ج( 7) ص( 313 - 320 ).

قال لها علي (عليه السلام):

«أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) .»

فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت، ثم قالت:«يابن العم ما عهدتني كاذبة، ولا خائنة، ولا خالفتك منذ عاشرتني .»

فقال (عليه السلام):

«معاذ الله، أنت أعلم بالله، وأبرُ واتقى وأكرم وأشد خوفاً من الله، أن أوبخك بمخالفتي، قد عزّ علي مفارقتك وفقدك إلاّ أنه أمر لابد منه، والله جددت عليّ مصيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد عظمت وفاتك وفقدك .»

ف ﴿إِنَّا لَّله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ (1).

«من مصيبة ما أفجعها، وآلمها، وأمضاها، وأحزنها، هذه والله مصيبة لا عزاء لها، ورزية لا خلف لها .»

ثم بكيا جميعاً ساعة وأخذ علي رأسها وضمها إلى صدره، ثم قال:

«أوصيني بما شئت، فإنك تجديني فيها أمضي كما أمرتني به، واختار أمرك على أمري .»

ثم قالت:

«جزاك الله عني خير الجزاء؛ يا ابن عم رسول الله »(2) .

ص: 141


1- سورة البقرة، الآية ( 156 ).
2- روضة الواعظين: ص 181 ؛ البحار: ج 43 ، ص 191 .

«أوصيك في نفسي، وهي أحب الأنفس إليّ بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ إذا أنا مت فغسلني بيدك، وحنطني، وكفني، وادفني ليلاً »(1)

باء - مناشدتها علياً (علیه السّلام) أن لا يحضر جنازتها أبو بكر وعمر ولا أحداً ممن ظلمها

ثم قالت لعلي (عليه السلام):

«إن لي إليك حاجة يا أبا الحسن .»

فقال (عليه السلام):«تقضى يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) .»

قالت:

«ناشدتك بالله، وبحق محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن لا يصلي عليّ أبو بكر وعمر، فإني لأكتمك حديثاً .»

فقالت:

«قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا فاطمة! إنك أول من يلحق بي من أهل بيتي فكنت أكره أن أسوءك »(2).

ثم قالت: «أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني، وأخذوا حقّي، فإنهم عدوّي، وعدو رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا تترك أن يصلي عليّ أحد منهم، ولا من أتباعهم، وادفني في الليل، إذا هدأت العيون، ونامت الأبصار»(3).

ص: 142


1- مستدرك الوسائل للمحدث النوري: ج 2، ص 305 .
2- مسند فاطمة لحسين شيخ الإسلام: ص 480 ؛ البحار الطبعة الحجرية: ج 29 ، ص 112 ؛ مستدرك الوسائل: ج 2، ص 290 .
3- روضة الواعظين: ص 181 ؛ البحار: ج 43 ، ص 191 ؛ ناسخ التواريخ: ص 201 .

اذن:

الوصية صريحة في بيان الاسباب التي دعتها الى هذا القرار، ولمزيد من البيان نقول في ثانيا

ثانياً: ما زالت غاضبة على من ظلمها حية وميتة

إنّ التأمل في النص الشريف الذي جاء في وصيتها (صلوات الله عليها) أن الامر لم ينحصر في الشيخين أبي بكر وعمر بن الخطاب، ومن سار بأمرهما وآزرهما على ظلمهما لبنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإنما دوام ظلامتها بعد موتها؛ وذلكمن جهات:

1-إنّ بقاء قبرها مخفيا كاشف عن بقاء هذه الظلامة دون قصاص، أي تعليق الحكم الى يوم الوعد الموعود عند ظهور ولدها الامام المهدي الحجة بن الحسن (عجل الله فرجه الشريف)

2-إنّ هناك ظالمون لم يقتصر وجودهم على زمانها بل يسري ذلك في كل زمان فما زال اشياعها الموالون لها يتبرؤون ممن ظلمها، ومازال اشياع الشيخين يترضون عليهما وهما صنفان:

الصنف الأول: جاهل بما جرى على بنت سيد الانبياء والمرسلين وانه غافل عن انه مسؤول لامحالة عن حق العترة وحق فاطمة (عليها السلام) وهي سنة أجراها الله تعالى في الخلق، قال تعالى:

﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهمْ مَسْئُولُونَ﴾.

ومن شد ما يسأل عنه المسلم بعد التوحيد بعد التوحيد والنبوة هو الموالاة للعترة النبوية (عليهم السلام).

ص: 143

الصنف الثاني: علم ما جرى واطلع على ما حدث إلاّ أنه أصر عنادا وتجرياً على الله تعالى في المشايعة والمؤازرة لظالمي فاطمة (عليها السلام) ولو فسح له المجال لكان ضمن تلك الزمرة يجمع الحطب على باب بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ولاريب:

«من أحب قوماً حشر معهم »(1)

وأنه شريك لهم، لقوله )صلى الله عليه وآله(:«إن من أحب عمل قوم أشرك في عملهم »(2) فكيف بمن شايع، و آزر، وترضى على الظالمين.

وعليه:

أراد (عليه السلام) في قوله «تدفن ابنتك سراً » تحريك ذهن المتلقي للنص في السعي والبحث عن الأسباب التي أدت الى أن تدفن سيدة نساء العالمين وسيدة نساء الجنة سراً، فلا يعلم موضع قبرها.

المسألة الثانية: كيف جرى دفنها؟ وقصدية حث المتلقي على المعرفة

لم يبق لعلي (عليه السلام) من وصية فاطمة (عليها السلام) سوى المراحل الأخير منها فها هو عليه السلام قد حمل نعشها الذي خلي من المشيعين على كثرة من آمن بأبيها (صلى الله عليه وآله) وقلة الناصر لابنته في أمته حتى بدى المنظر في أقصى

درجات الغرابة، فبين كونها البنت الوحيدة للنبي (صلى الله عليه وآله) الذي أمنوا برسالته، وبين تركها وحيدة أيضا، فكانت وحيدة في الأمة.

ص: 144


1- مستدرك الحاكم: ج 3 ص 18 .
2- بحار الانوار: ج 98 ص 196 .

أليس من الغرابة أن تكون خير أمة أخرجت للناس، أن لا يخلص من أهلها وهم أهل خير القرون إلا كهمل النعم.

أما الباقي من أهل خير القرون فيساقون بسياط من نار من ساحة المحشر إلى جهنم خالدين فيها أبداً.

هكذا أخبر نبي الإسلام عن أصحابه الذين كانوا في خير القرون(1)، وهكذا كان دفن وحيدة الأمة في خير القرون؟!

وتتسارع الدقائق ويمضي الوقت سريعاً فصاحبة النعش لم تثقل على حامليها فقد أصبحت من الحزن كالخيال فذاب بدنها ويبس لحمها، فها هم الحاملون لنعشها لم يجدوا غير وزن جرائد النخيل التي صنعتها أسماء بنت عميس على هيئة الصندوق فالقت عليها ملاءة فغطت بها صاحبة النعش الذي لم يبق من رسمها وجسمها

سوى هيئة تصرخ أن ها هنا امرأة مظلومة.

وقد بدى صوتها يتردد في الفضاء الذي ضاق بمصيبة ضلعها المكسور وقرطها المنثور وحمرة عينها وصرخت جنينها وهو ملفوفاً بقماش كان قد أعد ليكون قماطاً فصار كفناً فحملته الملائكة على اكفها قبل أن تضعه أمه الثكلى على صدرها وراح صوته الذي خفت مع صوتها فضاق بهما الفضاء الرحب.

وصوت المشكول بها يهمس في أذنها: «أوصيني يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله) » والدمع يعانق الآهات، وهي تكلمه بصوت ضعيف:

«إذا أنا مت فتول أنت غُسلي، وجهزني، وصل عليّ، وأنزلني قبري، وألحدني، وسو التراب عليّ، وأجلس عند رأسي قُبالة وجهي فأكثر من تلاوة القرآن والدعاء، فإنها ساعة يحتاج الميت فيها إلى أنس الأحياء »(2).

ص: 145


1- شرح صحيح مسلم للنووي: ج 16 ، ص 84 .
2- مستدرك الوسائل: ج 2، ص 339 .

فجاء بها فوضعها على شفير قبرها، ثم تولى إنزالها فقد تلقاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيديه، وعلي (صلوات الله عليه) يقول:

«بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله)، سلمتك أيتها الصديقة إلى من هوأولى بك مني، ورضيت لك بما رضي الله تعالى لك .»

ثم قرأ:

﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾(1).

(فلما سوى عليها التراب أمر بقبرها فرش عليه الماء)(2).

ثم (قام على قبرها وقال:

«اللّهم إني راض عن ابنة نبيك، اللهم إنها قد أوحشت فأنسها، اللّهم إنها قد هُجرت فصلها، اللّهم إنها قد ظُلمت فأحكم لها، وأنت خير الحاكمين »(3).

ثم عفا على موضع قبرها، ثم قام فحوّل وجهه إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)،فقال:

«السلام عليك يا رسول الله عني، والسلام عليك عن ابنتك... الخ( ماجاء في النص الشريف –موضع الدراسة-.

ص: 146


1- سورة طه، الآية ( 55 ).
2- مستدرك الوسائل: ج 2، ص 337 .
3- مستدرك الوسائل: ج 2، ص 241 ؛ الخصال للمفيد: ج 2، ص 588 .

ثم أنشد يقول:

أرى عِلَلَ الدنيا عليَّ كثيرةً*** وصاحِبُها حتى المماتِ عليلُ

لكل اجتماع من خليلين فُرْقَةٌ*** وإن الذي دون المماتِ قليل

وإنْ افتقادي فاطمٌ بعد أحمدٍ*** دليل على ألاَ يدومَ خَليلُ(1)

ثم جلس قبالة وجهها يقرأ لها القرآن كما أوصته ويدعوا الله تعالى لها، ولكن لم يمكث طويلاً، فقد أدركه عمود الصبح، ولابد له من الرحيل عن فاطمة (عليهما السلام) قبل أن ينكشف موضع قبرها، وهي التي أوصت أن يدفنها بالليل(2)؛ كي

ص: 147


1- الأمالي للصدوق: ص 491 ؛ زهر الآداب وثمر الألباب: ج 1، ص 18 ؛ الكامل للمبّرد: ج 3،ص 1390 ؛ التعازي والمراثي لابن حمدون: ص 205 ؛ التعليق من أمالي ابن دريد لشقران العذري: ص 98 ؛ منح المدح لابن سيد الناس: ص 189 ؛ البيان والتبين: ج 3، ص 181 ؛ الحماسة البصرية: ص 248 ؛ نهاية الأرب: ج 5، ص 167 ؛ بهجة المجالس: ج 2، ص 359 ؛ الثاني في الكامل للمبرّد: ص 1390 ؛التذكرة الحمدونية: ج 4، ص 237 ؛ العقد الفريد لابن عبد ربه: ج 1، ص 345 ؛ مروج الذهب: ج 1، ص 286 ؛ المختار من شعر بشار: ص 72 .
2- السنن الكبرى للبيهقي: ج 4، ص 31 ، برقم 6702 ؛ عن ابن عباس: إن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه-وآله-وسلم دفنت ليلاً؛ المصنف لابن أبي شيبة: ج 3، ص 31 ، (إن عليا دفن فاطمة ليلاً)، برقم 11827 ؛ مصنف عبد الرزاق: ج 3، ص 521 ، برقم ( 6554 )؛ حاشية ابن القيم: ج 8، ص 309 ، ط دار الكتب العلمية؛ تحفة الأحوذي: ج 4، ص 141 ، ط دار الكتب العلمية؛ معرفة الثقات للعجلي: ج 2، ص 458 ، ط مكتبة الدار بالمدينة المنورة؛ تهذيب الكمال للمزي: ج 35 ، ص 252 ، ط مؤسسة الرسالة؛ الاستيعاب: ج 4، ص 1898 ، ط دار الجيل؛ طبقات ابن سعد: ج 8، ص 29 ، غسلها علي وصلى عليها ودفنها ليلاً؛ الدراية في تخريج أحاديث الهداية: ج 1، ص 242 ، ط دار المعرفة؛ نصب الراية للزيلعي: ج 2، ص 251 ، ط دار الحديث؛ المغني: ج 2، ص 218 ، ط دار الفكر؛ المدونة الكبرى لمالك بن أنس: ج 1، ص 186 ، ط دار صادر، وج 4، ص 137 .

لا يؤذن بها ابو بكر وعمر خاصة(1)؛ فضلًا عن من تشيع لهما ووقف بجانبهما في ظلمها؛ فقد أرادت أن يبقى موضع قبرها مجهولاً ينطق بكل آن: إن ها هنا امرأة مظلومة.

ص: 148


1- سبل السلام للصنعاني: ج 2، ص 236 ؛ الجوهر النقي مطبوع في هامش السنن الكبرى للبيهقي: ج 3، ص 396 ، ط دار المعرفة؛ وفي الإصابة لابن حجر: ج 8، ص 60 ، ط دار الجيل وجاء فيه (إن عليا صلى عليها ودفنها بليل بعد هدأة)؛ الفتح الرباني: ج 22 ، ص 97 ، نقلا عن الهيثمي والطبراني؛ حلية الأولياء: ج 2، ص 43 ؛ تهذيب التهذيب: ج 6، ص 554 ؛ المعجم الكبيرللطبراني: ج 22 ، ص 398 ؛ أنساب الأشراف: ج 1، ص 491 ، لم يعلم أبا بكر وعمر بذلك؛ مشكل الآثار للطحاوي: ج 1، ص 137 ، باب 23 ، وقال: (ولم يؤذن بها أبا بكر)؛ المغني لابن قدامة: ج 3، ص 503 ؛ معرفة الآثار والسنن للبيهقي: ج 5؛ الإصابة: ج 8، ص 60 ، ط دار الجيل؛ وفاء الوفاء: ج 3، ص 901 - 902 .

المبحث الثلاثون: المقاصدية في هضم حق فاطمة (علیها السّلام)

اشارة

ص: 149

قوله (عليه السلام): «وتُهضْم حقَّهاَ قَهرْاً »

اشارة

ص: 150

المسألة الاولى: قصدية إكتفائه(علیه السّلام) بذكر هذه الرزايا الثلاثة
اشارة

ينتقل النص الشريف الى مصيبة أخرى من المصائب التي نزلت بفاطمة (عليها السلام) والتي كما ذكرنا سابقاً انه حددها بثلاثة من هذه المصائب دون غيرها، ولاريب أنه أراد شيئاً محدداً، وهو ما نحاول ان نقاربه من أصل مقصده (عليه السلام) في ذلك، وهو كما يظهر من التأمل في النص في نقاط، وهو كالاتي:

1- إنّ القصدية في اخباره لهذه الثلاثة، أي الرزايا لإختصاصها بذرية فاطمة (عليها السلام)، فضلاً عن اختصاصها بالأمة، فالتي تختص بذريتها، فهي: حقها وأرثها وقبرها.

والذي أختص بالأمة والمسلمين هو حقهم في تعاهد قبرها بالزيارة والتقرب الى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) في الدعاء عند القبر؛ كما هو الحال بالنسبة الى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة من ولدها، أو كما هو حال كثير من قبور الأنبياء والأولياء والصالحين؛ والبحث هنا لا يدور مدار كلام الفقهاء في زيارةالقبور وإنّ مرَّ الحدث بشيء يسير في زيارة قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند البحث في قوله (صلوات الله وسلامه عليه):

«لجعلت المقام عند قبرك لزاماً والتلبث معكوفاً ».

وإنما يدور حول مقاصدية إيراده لهذه الرزايا دون غيرها هو لكونها ترتبط بحقوق الاخرين وهم ذريتها والمسلمين.

2-إنّ آثار هذه الرزايا مستمرة في الامة، حينما يكون الأثر دائما ومتعاظماً فإنه

ص: 151

سيكون مغطيا وحاجبا لغيره من الآثار كمنعهم لها من البكاء على أبيها (صلى الله عليه وآله) أو الهجوم على الدار أو لطمها على وجهها، وغير ذلك مما جرى عليها من الحرب المفتوحة والمعلّنة من السلطة وأزلامها(1).

3- لبيان حال الأُمة فقد اشتركوا جميعا في ظلم فاطمة (عليها السلام) وبتفاوت وأن هذا التفاوت وقع بحسب الرزية وحجمها ولذلك كانت اول العقوبات هي حججهم جميها من ان يشهدوا جنازتها او يصلّوا عليها باستثناء اربعة منهم كما هو ثابت في الروايات والنصوص.

ومن ثم فهم مشتركون جميعا في ظلمها ومنع ارثها جهراً ولم يحرك احد منهم أي ساكن، وفي هضمها حقها بالقهر والقوة والتسلط وفقدان الناصر، وذلك لو انها وجدت ناصراً لها في الوقوف بوجه اصحاب السقيفة لما هضمت حقها قهراً.

وعليه: كان القصد اظهار حال الامة واشتراكها في ظلم ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ولذلك:لم يخلص منهم يوم القيامة إلاّ كهمل النعم، كما أخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليسير مع ما أمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما أخبر به أمير المؤمنين (عليه السلام) في تحديده لهذه الرزايا جنباً الى جنب لبيان حقيقة إنقلاب الأمة وهو ما سنتناوله في أولاً.

ص: 152


1- لمزيد من الاطلاع ينظر كتاب: فاطمة )عليها السلام( الجزء السابع فقد تم تخصيصه لهذه المسألة.
أولاً: كاشفية الأحاديث النبوية في اشتراك الصحابة في ظلم فاطمة (علیها السّلام) وهضمها حقها

لعل المتأمل في أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) حول الحوض ليجدها تركز على مسألة واحدة وهي تحذير الأمة من التعرض لحرمة أهل البيت (عليهم السلام) وخطورة ما سيتلقاه المسلم في الحياة الدنيا والآخرة من ظلمهم والتعدي عليهم وسلب حقهم وحق مواليهم وشيعتهم، وهي كالآتي:

1-أخرج البخاري عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال:

«أنا فرطكم على الحوض، ليرفعن إليّ رجل منكم حتى إذا هيت لأنا ولهم اختلجوا دوني فأقول أي رب أصحابي، يقول لا تدري ما أحدثوا بعدك »(1).

2-عن عطاء بن ياسر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه-وآله- قال:

«بينما أنا قائم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال هلم.

فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله.

قلت: وما شأنهم؟

قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري. ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم.

قلت: أين؟ قال: إلى النار والله.

قلت: ما شأنهم؟

ص: 153


1- صحيح البخاري، كتاب الرقاق: ج 7، ص 206

قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم »(1).

3- أخرج البخاري: عن سهل بن سعد يقول: سمعت النبي صلى الله عليه- وآله-سلم يقول:

«أنا فرطكم على الحوض من ورده منكم شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً، ليرد عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم » (2).

4- وعن عائشة قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وآله- يقول وهو بين ظهْراني أصحابه:

«إني على الحوض من يرد عليّ منكم، فو الله ليقطعن دوني رجالٌ فلأقولن: أي ربّ مني ومن أمتي، فيقول: إنك لا تدري ما عملوا بعدك، ما زالوا يرجعون على أعقابهم » (3).

5-وعن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله-:

«إني ممسك بحجزكم عن النار هلم عن النار وتغلبونني تقاحمون فيه تقاحم الفراش أوالجنادب فأوشك أن أرسل بحجزكم وأنا فرطكم على الحوض فتردون عليّ معا وأشتاتا فأعرفكم بسيماكم وأسمائكم كما يعرف الرجل الغريبة من الإبل في إبله ويذهب بكم ذات الشمال وأناشد فيكم رب العالمين فأقول أي رب أمتي،

فيقول: يا محمد إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم كانوا يمشون بعدك القهقري على أعقابهم فلا أعرفن أحدكم يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء فينادي: يا محمد

ص: 154


1- صحيح البخاري، كتاب الرقاق: ج 7، ص 209 .
2- صحيح البخاري: كتاب الفتن: ج 8، ص 87 ؛ صحيح مسلم، باب: إثبات الحوض: ج 7،ص 65 .
3- صحيح مسلم: ج 4، ص 1794 ، كتاب الفضائل باب إثبات الحوض حديث 28 ( 2249 ).

يا محمد، فأقول: لا أملك لك شيئا قد بلغتك فلا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل بعيراً له رغاء فينادي يا محمد يا محمد، فأقول: لا أملك لك شيئا قد بلغتك فلا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرسا له حمحمة ينادي يا محمد يا محمد، فأقول: لا أملك لك شيئا قد بلغتك فلا أعرفن أحدكم يوم القيامة يحمل سقاء من أدم ينادي يا محمد يا محمد فأقول لا أملك لك شيئاً قد بلغتك »(1).

6-عن عبد الرحمان بن عوف، فقال: لما افتتح رسول الله -صلى الله عليه وآله- مكة انصرف إلى الطائف فحاصرها سبع عشرة، أو ثمان عشرة، فلم يفتحها، ثم ارتحل روحه، أو غدوة فنزل، ثم هجر، ثم قال:

«أيها الناس إني فرط لكم وأوصيكم بع تيتر خيراً، وإن موعدكم الحوض »(2).

7-وقالت أسماء بنت أبي بكر، قال رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم:

«إني على الحوض حتى أنظر من يرد عليّ منكم وسيؤخذ أناس دوني، فأقول: يا رب مني، ومن أمتي، فقال: أما شعرت ما عملوا بعدك؟ والله ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم، قال فكان ابن مليكة يقول: اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو أن نفتن عن ديننا »(3).

ثانياً: إنَّ الإيمان بالحوض فرض على جميع المسلمين

إنَّ الإعتقاد بالحوض ووقوف النبي (صلى الله عليه وآله) عنده يسقي بيد علي بن أبي طالب (عليه السلام) المسلمين فمن كان صادق الايمان ينال شربة منه، ومن كان كاذبا منافقا يضرب علي بن أبي طالب بالعصى على رأسه لتسوقه الملائكة بساط من نار الى جهنم.

ص: 155


1- صحيح الترغيب والترهيب للألباني: ج 1، ص 92 ، ح 784 .
2- المصنف لابن أبي شيبة: ج 8، ص 128 .
3- صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب: إثبات الحوض: ج 4، ص 1794 ، ح 2293 .

إن الاعتقاد بالحوض ووقوف النبي (صلى الله عليه وآله) يسقي من خلص إيمانه بيده، ويد وصيه علي بن أبي طالب عليه السلام؛ ومن ثم فإن حقيقة انقلاب كثير من الصحابة الذين لم يخلص منهم عند الحوض إلاّ مثل همل النعم وذلك لارتدادهم وانقلابهم على دينهم وإتباعهم للمحدثات التي أوجدوها في الشريعة وأمروا الناس باتباعها وغير ذلك مما مرّ ذكره ونصت عليه الأحاديث الصحيحة

التي أخرجها البخاري ومسلم كاشفة عن هذه الحقائق التي لا يردها إلاّ من أنكر ضرورة من ضرورات الدين والعياذ بالله.

وعليه:

فإن مصير الذين ظلموا العترة المحمدية، وقتلوا البضعة النبوية ليذادون يوم القيامة عن الحوض بسياط من نار إلى جهنم بصريح الحديث النبوي وتخريج البخاري في صحيحه.

ولعل: هذا الأمر لا يروق لمن يتولى أبي بكر وعمر وعصابتهما التي أحرقت بيت النبوة وقتلت البضعة النبوية فينكران الحوض والأحاديث الواردة فيه، ونحن نرجع من أنكر الحوض وأحاديثه التي تكشف عاقبة من ظلم العترة وشيعتهم ما قاله علماء السنة والجماعة.

قال الحافظ النووي في شرحه لأحاديث صحيح مسلم:

(قال القاضي عياض رحمه الله أحاديث الحوض صحيحة، والإيمان به فرض، والتصديق به من الإيمان، وهو على ظاهره عند أهل السنة والجماعة لا يتأول ولا يختلف فيه؛ قال القاضي: وحديثه متواتر النقل، رواه خلائق من الصحابة، فذكره مسلم من رواية ابن عمر، وأبي سعيد، وسهل بن سعد، وجندب، وعبد الله بن

ص: 156

عمرو بن العاص، وعائشة، وأم سلمة، وعقبة بن عامر، وابن مسعود، وحذيفة،وحارثة بن وهب، والمتورد، وأبي ذر، وثوبان، وأنس، وجابر بن سمرة؛ ورواه غير مسلم من رواية أبي بكر، وزيد بن أرقم، وأبي أمامة، وعبد الله بن زيد، وأبي برزة، وسويد بن جبلة، وعبد الله بن الصنابحي، والبراء بن عازب، وأسماء بنت أبي بكر، وخولة بنت قيس وغيرهم.

قلت -والقول للنووي- ورواه البخاري، ومسلم أيضاً، من رواية أبي هريرة، ورواه غيرهما من رواية عمر بن الخطاب، وعائذ بن عمرو، وآخرين، وقد جمع ذلك كله الإمام الحافظ أبو بكر البيهي في كتابه )البعث والنشور( بأسانيده وطرقه المتكاثرات؛ قال القاضي: وفي بعض هذه ما يقتضي كون الحديث متواتراً:

«أنا فرطكم على الحوض .»

قال أهل اللغة: الفرط والفارط هو الذي يتقدم الواردين ليصلح لهم الحياض والدلاء ونحوها من أمور الاستقاء، فمعنى فرطكم على الحوض سابقكم إليه كالمهيئ له)(1).

فضلاً عما ذكره الحافظ النووي في وجوب الإيمان بالحوض، فقد تناول عدد من علماء أهل السنة والجماعة ذكرها واقروا بأنها من الأحاديث المتواترة وهذه أقوالهم:

1- أبو عمر ابن عبد البر، قال:

(تواتر الآثار عن النبي (صلى الله عليه وآله) في الحوض، حمل أهل السنة والحق، وهم الجماعة، على الإيمان به وتصديقه).

ص: 157


1- شرح صحيح مسلم للنووي: ج 5، ص 53 .

2- القاضي عياض، قال:

(وحديثه متواتر النقل، رواه خلائق من الصحابة).

3- الحافظ ابن حجر العسقلاني، قال:

(وبلغني إن بعض المتأخرين أوصلها إلى رواية ثمانين من الصحابة).

4- البيضاوي، قال:

(الحوض على ظاهره عند أهل السنة، وحديثه متواتر يجب الإيمان به).

5- القرطبي، قال: (أحاديث الحوض متواترة).

6- الحافظ السيوطي قال: (من الأحاديث المتواترة، وذكر في كتابه قطف الأزهار المتناثرة خمسين صحابياً رووا هذه الأحاديث.

7- الكناني قال: (من الأحاديث المتواترة، وذكر سبعة وخمسين صحابياً لهم رواية في الحوض أو الكوثر)(1).

من هنا: نجد أن اهتمام النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بهذا المنزل الآخروي متلاصقاً مع حقيقة الإيمان ونتيجة الأعمال وكشف الحقائق وارتباطه وملازمته لموقف الأمة

ص: 158


1- ما روي في الحوض والكوثر لابن مخلد القرطبي: ص 18 - 19 .

من عترة النبي (صلى الله عليه وآله)، وهم الثقل الأصغر بعد القرآن اللذان أوصى الأمة باتباعهما وملازمتهما، وكان يوصي أمته بهما حتى آخر حياته كما دلت عليه الرواية التي أخرجها ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري، قال:

(بينما نحن جلوس في المسجد إذ خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المرض الذي توفي فيه عاصباً رأسه بخرقة يمشي حتى قام على المنبر فلما استوى عليه، قال:

«والذي نفسي بيده إني لقائم على الحوض الساعة »)(1).

فهذه الساعة تحددت فيها مصائر كثير من الصحابة في تعاملهم مع رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعترته (عليهم السلام).

المسألة الثانية: قصدية التعريف بحق فاطمة الذي هضمته الأمة قهراً
اشارة

يرتكز حق فاطمة (صلوات الله عليها) الذي هضمته الصحابة قهراً بالقهر -وكما اسلفنا- لتسلّط أصحاب السقيفة وإلتفاف الصحابة من حولهم يتسابقون لنيل الحظوة لديهم والتنافس على حطام الدنيا؛ فقد ذهب النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وهم اليوم سلاطين على الناس، كما قال عمر بن الخطاب يوم السقيفة مهدداً

الانصار وراعداً في جمعهم:

(من ذا ينازعنا سلطان محمد و إمارته)(2).

فهم اليوم |أرباب السلطة وأشياعهم ينتزعون حق أبنة سيد الخلق (صلى الله عليه وآله).

ص: 159


1- المصنف لابن ابي شيبة: ج 7، ص 413 ؛ مسند أحمد: ج 3، ص 91 ؛ المستدرك للحاكم النيسابوري: ج 4، ص 282 ؛ منتخب مسند عبد بن حميد: ص 299 ؛ ما روي في حوض الكوثر لابن مخلد القرطبي: ص 81 .
2- تاريخ الطبري: ج 2 ص 457 .

لكن ثمة سؤال مهم هنا يفرضه البحث، مفاده:

ما هو حق فاطمة الذي هضمه الصحابة، وماهي آثار هذا الحق الاقتصادية والسياسية، وكيف وجهة فاطمة هذا التجري على الرغم من أنها اليوم مهضومة ومغصوبة الحق؟!! لكنها لم تسكت عن ظلمهم بل وقفت تطالب بحقها الشرعي بما أوجع نفوسهم، وعرى وجوههم، وخزي فعالهم، وفي الاخرة يردون الى أحكم الحاكمين؟

هذه تجد جوابها ايها القارئ الكريم فيما يلي:

أولاً: قصدية التلازم بين مسار الوحي والنبي في إيصال حق فاطمة (علیها السّلام)
اشارة

ان الرجوع الى القرآن الكريم والسنة المطهرة في تلازم المسار في إيصال حق فاطمة (عليها السلام) يكاد يكون امراً بديهيا في بيان ما لفاطمة (عليها السلام) من الشأنية والجاه عند الله تعالى.

وهو أمر لم يكن القرآن ليغفله، أي: إنَّ الله تعالى جعل لبعض انبياءه ورسله واوليائه جاهاً و وجاهته عنده، قال تعالى:

1- ﴿إِذْ قَالَتِ الَملَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّه يُبَشِّركِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الَمْسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِی الدُّنْيَا وَالْأخِرَةِ وَمِنَ الُمْقَرَّبِينَ﴾(1).

2- ﴿يَا أَيُّها الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَّرأَهُ اللَّه مِّما قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّه وَجِيهًا﴾(2).

ص: 160


1- سورة آل عمران، الآية ( 45 ).
2- سورة الاحزاب، الآية ( 69 ).

ومن ثم فإن الوحي والنبي (صلى الله عليه وآله) متلازمان في بيان هذه الوجاهة وايصال حق فاطمة اليها واعلام الناس بذلك وهو ما جمع في قضية فدك ونزول امر الله تعالى في ايتائها فاطمة (عليها السلام)، فقال عز وحل مخاطبا رسوله الاعظم (صلى الله عليه وآله):

﴿وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ...﴾(1).

وللوقوف على خصوصية فدك واغتصاب حق فاطمة (عليها السلام) ومصادرة السلطة لها قهراً نعرض ما يلي:

ألف - هوية فدك

1- فدك: بالتحريك: وآخره كاف؛ قال ابن دريد: فدكت القطن تفديكا إذا نفشته؛ وفدك: قرية بالحجاز بينها وبين المدينة يومان، وقيل: ثلاثة(2)، أفاءها الله

على رسوله (صلى الله عليه وآله) في سنة سبع صلحاً(3)

2- وقال ابن منظور: فدك قرية بخيبر، وقيل بناحية الحجاز فيها عين ونخل أفاءها الله على نبيه (صلى الله عليه وآله)(4)..

3- وقال الطريحي: فدك، بفتحتين، قرية من قرى اليهود بينها وبين مدينة النبي (صلى الله عليه وآله) يومان وبينها وبين خيبر دون مرحلة(5).

ص: 161


1- سورة الاسراء، الآية ( 26 ).
2- أي ما يقارب مائة وأربعين كيلومترا عن المدينة.
3- معجم البلدان للحموي: ج 4، ص 238 .
4- لسان العرب: مادة (فدك)، ج 10 ، 473 .
5- مجمع البحرين للطريحي: ج 5، ص 283 ، بتحقيق أحمد الحسيني.

4-وجاء في المنجد قوله: فدك، واحة في الحجاز قرب خيبر، كان أهلها من المزارعين اليهود اشتهرت بتمرها وقمحها، أرسل النبي (صلى الله عليه وآله) علياً لمحاربتهم ثم صالحهم على نصف أملاكهم سنة 7ه / 628 م(1).

5-قال عبدا لله بن خميس: (إن ارض فدك وردت ضمن الأماكن التي أحتلها الملك البابلي نيوبثد الذي حكم في القرن السادس قبل الميلاد من عام 556 إلى عام539(2).

6-وتعرف حالياً ضمن المخطط البلدي لمحافظة الحناكية في السعودية ضمن أودية المحرّة الشرقية، أودية الحويط (يديع) والحائط وهو الإسم الجديد الذي سميت به فدك في الوقت المعاصر(3)

باء - قيمتها الاقتصادية

تكشف الأقوال السابقة بأن أرض فدك كانت مكونة من قرية كبيرة قديماً وحديثاً وأنها عرفت بخصوبة أرضها وعذوبة مائها وذلك لوجود عين ماء فورة فيها مما أكسبها هذه الخصوبة والجودة في المحصول الزراعي المتمثل بأهم مادتين غذائيتين وهما التمر والحنطة.

ولقد قدر عدد نخيل فدك بعدد نخيل الكوفة في القرن السادس عشر(4).، وقدر عدد نخيلها قبل ستين عاماً بعشرين ألف نخلة(5).

ص: 162


1- المنجد في الاعلام: ص 407 ، الطبعة الحادية والعشرون.
2- معجم أودية الجزيرة لعبد الله بن خميس: ج 2، ص 316 .
3- فدک فی الماضی و الحاضر لعبد الله الیوسف : ص 14.
4- نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 16 ، ص 210 .
5- معجم معالم الحجاز لعاتق البلادي: ج 2، ص 206 ، ط دار مكة المكرمة، الطبعة الأولى.

أما مقدار قيمتها الاقتصادية في زمن عمر بن الخطاب فقد قيمها مالك بن التيهان وسهل بن أبي حثمة وزيد بن ثابت ب(ستين ألف درهم)، في حين كان مقدار واردها الزراعي في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) ب(مائة ألف درهم)(1).

مما يعطيها ثقلاً استراتيجيا ممثلاً في قيمتها الانتاجية وقوتها الدفاعية لمن يمتلكها في مواجهة خصومه.

وعليه: فكيف لا تندفع السلطة الجديدة بحبسها ومنعها من أن تكون بيد فاطمةوعلي عليهما السلام وهم الخصوم الأساسيون لهذه السلطة كما يعتقد أهلها.

جيم - كيف انتقلت لرسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

1- ذكر المؤرخون وغيرهم: (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) حاصر أهل خيبر في حصنيهم: الوطيح والسلالم، فلما أيقنوا بالهلكة، سألوه أن يسيرهم ويحقن دماءهم، ففعل، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد حاز الأموال كلها، الشق والنطاة، والكتيبة، وجميع حصونهم، إلاّ ما كان من هذين الحصنين، فلما سمع أهل فدك ما صنعوا، بعثوا إلى رسول الله (صلى الله عليه آله وسلم)، فسألوه أن يسيرهم ويحقن دماءهم، ويخلوا له الأموال، ففعل، وكان فيمن مشى بينه وبينهم محيصة بن مسعود(2).

2- وروي أيضا إن فدك أفاءها الله على رسوله (صلى الله عليه وآله) في سنة سبع صلحاً وذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما نزل خيبر وفتح حصونها ولم يبق إلا

ص: 163


1- لسان العرب لابن منظور: ج 10 ، ص 473 ؛ معجم مااستعجم: ج 4، ص 239 .
2- السيرة النبوية لابن هشام: ج 3، ص 301 ؛ الخراج ليحيى بن آدم: ج 1، ص 83 ، ح 103 ؛ تاريخ الطبري: ج 2، ص 302 .

ثلث واشتد بهم الحصار راسلوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسألونه أن ينزلهم على الجلاء وفعل وبلغ ذلك أهل فدك فراسلوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يصالحهم على النصف من ثمارهم وأموالهم فأجابهم إلى ذلك فهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكانت خالصة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وفيها عين

فوارة ونخيل كثيرة(1).

3- وروى الراوندي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال:«إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)خرج في غزاة فلما انصرف راجعاً نزل في بعض الطريق فبينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) يطعم والناس معه إذ أتاه جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد قم فاركب فقام النبي (صلى الله عليه وآله) فركب وجبرئيل فطويت له الأرض كطي الثوب حتى انتهى إلى فدك فلما سمع أهل فدك وقع الخيل

ظنوا أن عدوهم قد جاءهم فغلقوا أبواب المدينة ودفعوا المفاتيح إلى عجوم لهم في بيت لهم خارج المدينة وحلقوا برؤوس الجبال فأتى جبرئيل العجوز حتى أخذ المفاتيح ثم فتح أبواب المدينة ودار النبي (صلى الله عليه وآله) في بيوتها وقرأها، فقال جبرئيل:

يا محمد هذا ما خصك الله به وأعطاك دون الناس وهو قوله:

﴿... مَا أَفَاءَ اللَّه عَلَی رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى...﴾(2).

ص: 164


1- معجم البلدان لياقوت الحموي: ج 4، ص 238 ، ط دار الفكر؛ التفسير الكبير للفخر الرازي: ج 29 ، ص 284 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 16 ، ص 210 ؛ فتح الباري لابن حجر: ج 6، ص 140 ؛ وفاء الوفاء للسمهودي: ص 1280 ؛ كتاب الأموال لأبي عبيد: ص 16 ، مطبعة الأزهر؛ عمدة الأخبار في مدينة المختار لأحمد بن عبد الحميد العباسي: ص 387 ، ط المدينة المنورة؛ فتوح البلدان لياقوت الحموي: ص 51 .
2- سورة الحشر، الآية ( 7).

وذلك في قوله:

﴿... فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَ رِكَابٍ وَلَكنِّ الله يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَی مَنْ يَشَاءُ....﴾(1).

ولم يغزُ المسلمون ولم يطأوها ولكن الله أفاءها على رسوله وطوف به جبرئيل في دورها وحيطانها وغلق الباب ودفع المفاتيح إليه فجعلها رسول الله في غلاف سيفه وهو معلق بالرحل ثم ركب وطويت له الأرض كطي الثوب فأتاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهم على مجالسهم لم يتفرقوا ولم يبرحوا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للناس:

«قد انتهيت إلى فدك وإني قد أفاءها الله عليّ فغمز المنافقون بعضهم بعضاً فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه مفاتيح فدك ثم أخرجها من غلاف سيفه ثم ركب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وركب معه الناس فلما دخل على فاطمة عليها

السلام فقال: يا بنية إن الله قد أفاء على أبيك بفدك واختصه بها فهي لي خاصة دون المسلمين أفعل بها ما أشاء وإنه قد كان لأمك خديجة على أبيك مهر وإن أباك قد جعلها لك بذلك ونحلتكها تكون لك ولولدك بعدك، قال فدعا بأديم عكاظي ودعا علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: أكتب لفاطمة بفدك نحلة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وشهد على ذلك علي بن أبي طالب ومولى لرسول الله وأم أيمن فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم إن أم أيمن امرأة من أهل الجنة وجاء أهل فدك إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقاطعهم على أربعة وعشرين ألف دينار في كل سنة»(2) .

ص: 165


1- سورة الحشر، الآية ( 6).
2- لخرائج والجرائح للراوندي: ج 1، ص 112 - 113 .

وتتفق هذه الشواهد التاريخية التي أوردها المؤرخون مع أقوال المفسرين عند أهل الجماعة في تفسير آية الفيء في سورة الحشر.

1-(فقد جاء في التفسير الكبير للفخر الرازي أن الصحابة طلبوا من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يقسّم الفيء بينهم كما قسّم الغنيمة بينهم، فذكر الله تعالىالفرق بين الأمرين، وهو أن الغنيمة ما أتعبتم أنفسكم في تحصيلها وأوجفتم عليها الخيل والركاب، بخلاف الفيء فإنكم ما تحملتم في تحصيله تعباً فكان الأمر فيه مفوّضا للرسول (صلى الله عليه وآله) يضعه حيث يشاء.

ثم يذكر وجهين لتفسير الآية:

الأول: أن الآية نزلت في يهود بني النضير وقراهم وليست للمسلمين يومئذٍ كثير خيل ولا ركاب ولم يقطعوا إليها مسافة كثيرة ولم يركب إلا رسول الله فلما كانت المقاتلة قليلة والخيل والركب غير حاصل، أجراه الله مجرى ما لم يحصل فيها المقاتلة أصلاً فخصّ رسول الله بتلك الأموال وجعلها من الفيء.

الثاني: أنها نزلت في يهود فدك لأن أهل فدك انجلوا عنها فصارت تلك القرى والأموال بيد رسول الله من غير حرب فكان يأخذ من غلة فدك نفقته ونفقة من يعوله(1).

2-وذكر القرطبي في تفسير قوله تعالى:

﴿مَا أَفَاءَ اللَّه...﴾.

يعني ما ردّ الله تعالى على رسوله من أموال بني النضير، فقال:

﴿فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ...﴾.

ص: 166


1- التفسير الكبير: ج 1، ص 506 .

أو صنعتم عليه، يقول: لم تقطعوا إليها مشقة ولا لقيتم بها حرباً ولامشقة، وإنما كانت من المدينة على ميلين قاله الفرّاء، فمشوا إليها مشياً ولم يركبوا خيلاً ولا إبلاً، إلاّ النبي (صلى الله عليه وآله) فإنه ركب جملاً فافتتحها صلحاً وأجلاهم وأخذ أموالهم، فسأل المسلمون النبي (صلى الله عليه وآله) أن يقسّم لهم فنزلت:﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّه عَلَی رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ...﴾(1).

فجعل أموال بني النضير للنبي (صلى الله عليه وآله) خاصة يضعها حيث يشاء وفي صحيح مسلم عن عمر كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب وكانت للنبي خاصة(2).

3-ويذكر الطبري في تأويل قوله تعالى:

﴿مَا أَفَاءَ اللَّه عَلَ رَسُولِهِ...﴾.

يقول تعالى ذكره: والذي ردّه الله على رسوله منهم، يعني من أموال بني النضير..

يقول فما أوضعتم فيه من خيل ولا إبل وهي الركاب، وإنما وصف جلّ ثناؤه الذي أفاءه على رسوله منهم بأنه لم يوجف عليه بخيل من أجل أن المسلمين لم يلقوا في ذلك حرباً، ولا كلفوا فيه مؤونة، وإنما كان القوم معهم، وفي بلدهم، فلم يكن فيه إيجاف خيل ولا ركاب وبنحو الذي قلنا قال أهل التأويل(3).

4- وذهب ابن كثير في تفسير الآية إلى أنّ الفيء كل مال أخذ من الكفار من غير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب، كأموال بني النضير هذه فإنها مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، أي لم يقاتلوا الأعداء فيها بالمبارزة والمصاولة، بل

ص: 167


1- سورة الحشر، الآية ( 6).
2- الجامع لأحكام القرآن: ج 18 ، ص 10 -11 .
3- جامع البيان في تفسير القرآن: مج 12 ، ج 28 ، ص 24 .

نزل أولئك من الرعب الذي ألقى الله في قلوبهم من هيبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأفاءه على رسوله، ولهذا تصرّف فيه كما يشاء، فرده على المسلمين في وجوه البر والمصالح التي ذكرها الله عزّ وجل في هذه الآيات فقال تعالى:﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّه عَلَی رَسُولِهِ مِنْهُمْ...﴾.

أي من بني النضير.

﴿... فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ...﴾.

ثم قال تعالى:

﴿... مَا أَفَاءَ اللَّه عَلَی رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى...﴾.

أي جميع البلدان التي تفتح هكذا فحكمها حكم أموال بني النضير، ولهذا قال تعالى:

﴿... فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالَمسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ...﴾.

إلى آخرها والتي بعدها فهذه مصارف أموال الفيء ووجوهه(1).

5- وجاء في الدر المنثور في التفسير بالمأثور أنه قال: أخرج عبد الحميد عن قتادة قال في تفسير قوله تعالى:

﴿وَمَا أَفَاءَ...﴾.

الآية قال: ما قطعتكم إليها وادياً ولا سيّتم إليها دابة ولا بعيراً إنما كانت حوائط لبني النضير أطعمها الله رسوله.

ص: 168


1- تفسير القرآن العظيم: ج 16 ، ص 601 - 602 .

6- وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن منذر عن عمر بن الخطاب قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله فكانت لرسول الله خاصة(1).

ثم يذكر عدة روايات من مصادر مختلفة تدور حول نفس الموضوع.

7- وقد ذهب إلى مثل هذا القول غالب مفسري العامة، كالآلوسي البغدادي في روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، وتفسير القاسمي المسمى محاسن التأويل، لصاحبه علاّمة الشام محمد جمال الدين القاسمي.

وبناءً على هذا يمكن القول: بأن البلدان والأماكن التي يفتحها المسلمون، إما أن تفتح بواسطة القتال وركوب الخيل وسفك الدماء، وهي المسماة (مفتوح العنوة) وهذه نطبّق عليها أحكام الغنيمة يقول تعالى:

﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَیءٍ فَأَنَّ لَّله خُمسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالَمسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ...﴾(2).

وإما أن يسيطر عليها المسلمون بغير قتال وبدون خيل وسفك دماء فينجلي عنها أهلها، أو يسلّموها إلى المسلمين بطريق آخر كالصلح ونحوه، وهي المسماة (غير مفتوح العنوة)، وهي ما أطلق عليها في القرآن الكريم والنصوص (الفيء) في الآية السادسة من سورة الحشر، وحكم هذه الأراضي أنها لرسول الله خاصة ولا توزع

على المسلمين كما يجري في الغنائم عادة)(3).

ص: 169


1- الدر المنثور في التفسير بالمأثور: ج 6، ص 31 .
2- سورة الأنفال، الآية ( 41 ).
3- فدك هبة النبوة للشيخ حسن أحمد العاملي: ص 53 -56 .
دال - كيف انتقلت ملكيتها إلى فاطمة (علیها السّلام)

يمكن لنا معرفة الكيفية التي انتقلت فيها قرية فدك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى فاطمة (عليها السلام) وذلك من خلال الرجوع إلى الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وهي كالآتي:

1-روى الشيخ الصدوق رحمه الله قال:

(لما نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله):﴿وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ …﴾(1).

قال: «أدعوا لي فاطمة .»

فدعيت له، فقال: «يا فاطمة .»

قالت: «لبيك يا رسول الله .»

فقال (صلى الله عليه وآله): «هذه فدك، مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وهي لي خاصة دون المسلمين، وقد جعلتها لك لما أمرني الله به، فخذيها لك ولولدك »(2).

ص: 170


1- سورة الإسراء، الآية ( 26 ).
2- الأمالي للصدوق: ص 619 .

2- روى الشيخ الكليني عن الإمام أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، أنه قال: «إن الله تبارك وتعالى لما فتح على نبيّه (صلى الله عليه وآله): ﴿وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ …﴾.

فلم يدر رسول الله من هم فراجع في ذلك جبرائيل وراجع جبرائيل ربه فأوحى الله تعالى إليه أن أدفع فدك إلى فاطمة عليه السلام فدعاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لها:

«يا فاطمة إن الله أمرني أن أدفع إليك فدك؛ فقالت: قد قبلت يا رسول الله من الله ومنك؛ فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله)»(1) .

3- روى محمد بن سليمان الكوفي (المتوفى سنة 300 ه) عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) قال:

«لما نزلت: ﴿وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ …﴾.

أمر رسول الله صلى الله عليه-وآله-وسلم لفاطمة وإبنيها بفدك فقالوا: يا رسول الله أمرت لهم بفدك؟ فقال: والله ما أمرت لهم بها ولكن الله أمر لهم بها ثم تلا هذه الآية:

﴿وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ …﴾(2).

ص: 171


1- الكافي للكليني: ج 1، ص 543 ؛ تهذيب الأحكام للطوسي: ج 4، ص 148 ؛ وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 9، ص 525 .
2- مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الكوفي: ج 1، ص 159 .

4- وروى أبو يعلى الموصلي والقاضي المغربي عن أبي سعيد الخدري:

(إن الله عزّ وجل لما أنزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله):

﴿وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ …﴾.

دعا فاطمة عليها السلام فأعطاها فدك)(1).

5-روى فرات الكوفي (عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال: «لما نزلت هذه الآية:

﴿وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ …﴾.

أعطى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة فدك.

فقال أبان بن تغلب: رسول الله أعطاها؟ فغضب الإمام جعفر الصادق (عليهالسلام) وقال: «الله أعطاها »(2).

فهذه الروايات الشريفة تظهر أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعطى فدكا لفاطمة في حياته بأمر من الله تعالى حينما نزل قوله سبحانه:

﴿وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ …﴾.

ص: 172


1- مسند أبو يعلى الموصلي: ج 2، ص 334 ؛ شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي: ج 3، ص 27 ؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 7، ص 49 ؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 16 ، ص 268 ؛ شواهد التنزيل للحسكاني: ج 1، ص 439 .
2- تفسير فرات الكوفي: ص 239 .

وإنها كانت تتصرف بها وتقبض غلتها وتنفقها على الفقراء المساكين وابن السبيل في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولقد مرّت علينا سابقاً في مبحث كرامتها ومعاجزها كيف أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان حينما يأتيه سائل ولم يكن عنده ما يعطيه لهذا السائل كان يبعثه إلى فاطمة صلوات الله وسلامه عليها

والسبب في ذلك هو أن فاطمة كانت بيديها فدك لكنها لم تنل من فدك شيئاً فلقد كانت تحب من هذه الدنيا الإنفاق في سبيل الله فكانت تنفق ما يأتيها من خير فدك في سبيل الله.

ولأنها في جميع أمورها تقدم الله تعالى فقد كان الله سبحانه يتحفها من خيره فينزل عليها جفنة من الجنة أو ثماراً أو خاتما كما مرّ علينا بيانه سابقاً.

لكن السلطة الجديدة التي جلست في مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) بدون وجه شرعي صادرت هذه القرية وحبست مالها وثمارها لصالحها تنفق هذا المال في تدعيم سلطانها الجديد وتجهيز جيش خالد بن الوليد الذي خرج لبسط البيعة على

القبائل العربية بعد أن أخذت البيعة عنوة وإرهاباً في المدينة.

فكذاك اليوم يأخذها خالد بن الوليد وتحت عنوان جديد اسمه (حروب الردة) فقد امتنع هؤلاء الذين قاتلهم خالد بن الوليد من تسليم الزكاة إلى السلطة الجديدة لكونها لم تكن شرعية بل غصبية غصبت الخلافة من علي بن أبي طالب الذي تمت

منهم له البيعة في يوم الغدير في حجة الوداع حينما بلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما أمره الله تعالى من إعلان الولي والوصي والخليفة في هذه الأمة فقال (صلى الله عليه وآله):

«ألست أولى بكم من أنفسكم؟ .»

ص: 173

قالوا: بلى، قال:

«فمن كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والِ من والاه وعاد من عاداه .»(1).

إلاّ أن بضعة المصطفى (صلى الله عليه وآله) لم تكن لتهادن أو تماطل أو تتقاعس عن الدفاع عن شريعة الله تعالى وأحكامه فهذه الهبة الإلهية التي أعطاها الله تعالى لفاطمة عليها السلام لم تكن ابنة المصطفى (صلى الله عليه وآله) لتتركها لقمة سهلة يتلاقفها الظالمون، بل انتفضت على هذا الظلم والجور ودكت أركان السلطة بفصيح لسان النبوة وصولة الرسالة في مسجد أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو ما سنعرض له في المسألة القادمة.

ثانياً: قصدية إظهارتصدي فاطمة (علیها السّلام) للسلطة في جورها على شريعة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )
اشارة

لم ينحصر خروج فاطمة ثائرة على السلطة الجديدة على المطالبة بحقها في قرية فدكوإنما كان لهذا الحراك الثوري أهداف أخرى كشفت عنها ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خطبتها التي حاججت فيها رأس الهرم في السلطة الجديدة.

ففاطمة فضلاً عن مطالبتها بأرضها فقد طالبت بميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أمواله التي مرّ بيانها والتي تمت مصادرتها بيد السلطة الحاكمة، كما طالبت فاطمة عليها السلام بالخمس الذي عطله أبو بكر ومنعه عن بني فاطمة صلوات الله عليهم أجمعين.

ص: 174


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 1، ص 118 119 ، وج 4، ص 281 ، وص 372 ، وج 5، ص 370 ؛ سنن الترمذي: ج 5، ص 297 ؛ فضائل الصحابة للنسائي: ص 14 ؛ مستدرك الحاكم: ج 3، 111 .

فهذه المطالب الشرعية كانت بكفة في هذه الانتفاضة الفاطمية وبكفة ثانية الدفاع عن أهم أصل من الأصول في الإسلام وهو إمامة علي بن أبي طالب عليه السلام الذي به أي بهذه الإمامة في علي وولده الأحد عشر تأمن الأمة من الضلال، ومن الوقوع في الفتن وتحفظ بها شريعة النبي (صلى الله عليه وآله) من رموز الظلم وأئمة الجور والضلال.

وعليه: كان هذا الخروج الفاطمي النبوي للتصدي للسلطة التي عطلت الحدود وأدارت دفة الأمة إلى الضلال والتردي لتفترق بهذا التأسيس والقيادة إلى اثنتين وسبعين فرقة هالكة.

أما الكيفية التي خرجت بها فاطمة عليها السلام للتصدي للسلطة الحاكمة والوقوف بوجه هذا الجور فكانت كالآتي:

1-أخرج البخاري وغيره عن عروة عن عائشة:

(أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم أرسلت إلى ابي بكر تسألهميراثها من رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم

قال:

«لا نورث، ما تركناه صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال .»

وإني والله لا أغير شيئاً من صدقة رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة عليها السلام منها شيئاً، فوجدت فاطمة على ابي بكر في ذلك فهجرته، فلم

ص: 175

تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي صلى الله عليه -وآله- وسلم ستة أشهر، فلما توفيت دفنها زوجها علي -عليه السلام- ليلاً، ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى عليها علي -عليه السلام-)(1).

والحديث ينص على مصادرة أبي بكر لأرض فدك وأموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المدينة مما أفاء الله تعالى عليه، وسهم خيبر من الخمس.

2- وقد أخرج أحمد في المسند في بيان مطالبة فاطمة عليها السلام أبا بكر بإرثها؛(فعن أبي سلمة قال:

إن فاطمة -عليها السلام- قالت لأبي بكر:

«من يرثك إذا مت؟ .»

قال: ولدي وأهلي، قالت:

«فما لنا لا نرث النبي صلى الله عليه -وآله- وسلم .»قال: سمعت النبي صلى الله عليه -وآله- وسلم يقول:

«إن النبي لا يورث »)(2).

3- روى علي بن إبراهيم القمي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، أنه قال: «لما بويع لأبي بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار بعث إلى فدك فأخرج وكيل فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) منها فجاءت فاطمة عليها السلام إلى أبي بكر فقالت:

ص: 176


1- صحيح البخاري، باب مناقب المهاجرين: ج 4، ص 209 ؛ مسند أحمد بن حنبل: ج 1، ص 9.
2- مسند أحمد: ج 1، ص 10 ؛ فتوح البلدان للبلاذري: ج 1، ص 35 36 ، ح 115 ، بلفظ آخر.

يا أبا بكر منعتني عن ميراثي من رسول الله وأخرجت وكيلي من فدك فقد جعلها لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمر الله، فقال لها:

هاتي على ذلك شهودا؛ فجاءت بأم أيمن، فقالت: لا أشهد حتى أحتج يا أبا بكر عليك بما قال رسول الله (صلى الله عليه-وآله-وسلم)، فقالت أنشدك الله، ألست تعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن أم أيمن من أهل الجنة؟ قال: بلى،

قالت فأشهد أن الله أوحى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله):

﴿فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ …﴾(1).

فجعل فدك لفاطمة بأمر الله وجاء علي عليه السلام فشهد بمثل ذلك فكتب لها كتاباً بفدك ودفعه إليها فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال أبو بكر: إن فاطمة ادّعت في فدك وشهدت لها أم أيمن وعلي فاكتبت لها بفدك، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة فمزقه وقال:هذا فيء المسلمين؛ وقال: أوس بن الحدثان وعائشة وحفصة يشهدون على رسول الله (صلى الله عليه-وآله-وسلم) بأنه قال إنا معاشر الأنبياء لا نورث ماتركناه صدقة، فإن عليا زوجها يجر إلى نفسه وأم أيمن فهي امرأة صالحة لو كان معها غيرها لنظرنا فيه(2).

فخرجت فاطمة (عليها السلام) من عندهما باكية حزينة فلما كان بعد هذا جاء علي عليه السلام إلى ابي بكر وهو في المسجد وحوله المهاجرون والأنصار، فقال: يا أبا بكر لم منعت فاطمة ميراثها من رسول الله وقد ملكته في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال أبو بكر: هذا فيء المسلمين فإن أقامت شهوداً أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعله لها وإلا فلا حق لها فيه، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام):

ص: 177


1- سورة الروم، الآية ( 38 ).
2- ذكر البلاذري وغيره رد أبو بكر شهادة علي وأم أيمن: فتوح البلدان: ص 527 .

يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين، قال: لا قال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادعيت أنا فيه من تسأل البينة قال إياك كنت أسأل البينة على ما تدعيه على المسلمين، قال: فإذا كان في يدي شيء وادعى فيه المسلمون فتسألني

البينة على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول الله )صلى الله عليه وآله( وبعده ولم تسأل المسلمين البينة على ما ادعوا عليّ شهوداً كما سألتني على ما ادعيت عليهم.

فسكت أبو بكر ثم قال عمر: يا علي دعنا من كلامك فإنا لا نقوى على حججك فإن أتيت بشهود عدول وإلا فهو فيء المسلمين لا حق لك ولا لفاطمة فيه.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا أبا بكر تقرأ كتاب الله؟ قال: نعم، قال:

فأخبرني عن قول الله تعالى:﴿... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾(1).

فيمن نزلت: أفينا أم في غيرنا؟ قال: بل فيكم، قال: فلو أن شاهدين شهدا على فاطمة بفاحشة ما كنت صانعا؟ قال: كنت أقيم عليها الحد كما أقيم على سائر المسلمين قال: كنت إذا عند الله من الكافرين، قال: ولم؟

قال: لأنك رددت شهادة الله لها بالطهارة وقبلت شهادة الناس عليها، كما رددت حكم الله وحكم رسوله أن جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) لها فدك وقبضته في حياته، ثم قبلت شهادة أعرابي بائل على عقبه عليها فأخذت منها فدك وزعمت أنه فيء المسلمين، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): البينة على من ادعى واليمين على من ادعى عليه.

قال: فدمدم الناس وبكى بعضهم فقالوا: صدق والله علي ورجع علي عليه السلام

ص: 178


1- سورة الأحزاب، الآية ( 33 ).

إلى منزله، قال: ودخلت فاطمة إلى المسجد، وطافت بقبر أبيها (صلى الله عليه وآله) وهي تبكي وتقول:

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها*** واختل قومك فاشهدهم ولا تغب

قد كان بعدك أنباء وهنبثة*** لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

قد كان جبريل بالآيات يؤنسنا*** فغاب عنا وكل الخير محتجب

وكنت بدرا ونورا يستضاء به*** عليك تنزل من ذي العزة الكتب

فقمصتنا رجال واستخف بنا*** إذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب

فكل أهل له قرب ومنزلة*** عند الإله على الأدنين يقترب

أبدت رجال لنا فحوى صدورهم*** لما مضيت وحالت دونك الكثب

فقد رزينا بما لم يرزَه أحد*** من البرية لا عجم ولا عرب

وقد رزينا به محضا خليقته*** صاي الضرائب والأعراق والنسب

فأنت خير عباد الله كلهم*** وأصدق الناس حين الصدق والكذب

فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت*** منا العيون بهمال لها سكب

سيعلم المتولي ظلم خامتنا*** يوم القيامة إني كيف ينقلب »1(1)

وهذه الروايات تكشف عن تحرك علي وفاطمة عليهما السلام للدفاع عن سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي عطلها أبو بكر؛ فضلاً عن تعطيل شريعة الله تعالى، فهذا المال الذي جعله الله خاصة لرسوله (صلى الله عليه وآله) يفعل فيه ما يشاء، كيف لأبي بكر أن يجمده ويصادره، وكأنه سلطان قد انقلب على سلطان آخر

وغلب عليه فوضع يده على ماله يتصرف فيه ما يشاء وليس نبياً ورسولاً منحه الله تعالى ما يشاء من فضله؟!

ص: 179


1- تفسير علي بن إبراهيم القمي: ج 2، ص 155 - 157 .

والعجيب في هذه التشريعات الجديدة للسلطة الحاكمة أن تبيح بيوت رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأزواجه فيسكُنَّ فيها ولا يطالبن بالشهود ولا البنية ولا كونهن تزوجن من رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ ومن ثم فالأنبياء لا تورث!

وكأنّ هذا القانون لا يسري إلاّ على فاطمة عليها السلام من دون أزواج النبي (صلى الله عليه وآله).

وكيف لأبي بكر أن يعطل شهادة أحد الزوجين للآخر ويردها وها هو النووي المدافع عن سنة الشيخين يقول:

(وتقبل شهادة أحد الزوجين للآخر لأن النكاح سبب لا يعتق به أحدهما على الآخر بالملك فلم يمنع شهادة أحدهما للآخر)(1).

ولا ندري بأي شريعة حكم أبو بكر في رد شهادة علي على فرض أن لأبي بكر الحق في المطالبة بإحضار الشهود على تملك فاطمة عليها السلام لفدك وهي صاحبة اليد؛ ولذلك كان مجيئها بأم أيمن وعلي (عليه السلام) يكشف عن إلزام الجائر بماجار به على الشريعة؛ فضلاً عن قلة الناصر وخذلان الصديق فهل من أحد كان

لا يعلم أن فاطمة قد قبضت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدك لما نزل قوله تعالى: ﴿وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ …﴾.

وهم بمسمع ومرأى من فعل النبي (صلى الله عليه وآله) وقوله؛ أم أنهم من ملة أخرى؟! فلم يروا ولم يسمعوا؛ أم إنهم يكتمون ما أنزل الله تعالى من شريعة؟!

ولذلك: لما لم تجد فاطمة صلوات الله عليها من ناصر أو خائف من الله واليوم الآخر، عزمت على التصدي لهذه السلطة بحراك نبوي ورسالي وتوجهت إلى

ص: 180


1- المجموع للحافظ النووي: ج 20 ، ص 235 .

المسجد النبوي لتحاجج القوم جميعاً فقد أصبح الجميع شركاء في هذا الظلم والجور الذي أنزلوه في شريعة أبيها محمد (صلى الله عليه وآله) فكيف كانت هذه الثورة المحمدية الفاطمية؟

ألف - الانتفاضة لحق الإمامة ورمزية فدك الثورة

حينما رأت ابنة الهادي الأمين (صلى الله عليه وآله) أن شريعة أبيها انتهكت وأن الحدود عطلت وأن السنة أميتت والبدعة أحييت وأن القوم اتفقت كلمتهم على تغيير مسار الإسلام، عزمت على تصحيح هذا المسار وصعق الأمة بصعقة محمدية فاطمية تعيد إليها توازنها وآلية تفكيرها وتحديد مسارها، إلقاءً للحجة وبياناً للنذارة

كي تسقط حجج القوم في الاعتذار وعدم معرفة عواقب الانجرار خلف الظالمين ومن بدلوا شريعة رب العالمين.

فخرجت ابنة الهادي الأمين (صلى الله عليه وآله) إلى المسجد، ولكن بأي كيفية؟تقول ابنتها عقيلة الهاشميين:

(لما أجمع أبوبكر وعمر على منع فاطمة (عليها السلام) فدكاً، وبلغها ذلك لاثت خمارها(1) على رأسها، واشتملت بجلبابها(2)، وأقبلت في لمة(3) من حفدتها ونساء قومها تطأ ذيولها(4)، ما تخرم مشيتها مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله)(5)، حتى

ص: 181


1- اللوث: الطي والجمع، ولاث العمامة شدها وربطها، ولاثت خمارها لفته والخمار بالكسر: المقنعة، سميت بذلك لأن الرأس يخمر بها أي يغطى.
2- الاشتمال بالشيء: جعله شاملًا ومحيطاً لنفسه؛ والجلباب: الرداء والإزار.
3- في لمة، أي: جماعة وفي بعض النسخ في لميمة بصيغة التصغير أي: في جماعة قليلة، والحفدة بالتحريك: الأعوان والخدم.
4- أي: إن أثوابها كانت طويلة تستر قدميها، فكانت تطأها عند المشي، وفي بعض النسخ تجر أدراعها والمعنى واحد.
5- الخرم بضم الخاء وسكون الراء: الترك، والنقص، والعدول.

دخلت على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم(1) فنيطت دونها ملاءة(2) فجلست ثم أنَّت أنة أجهش(3) القوم لها بالبكاء، فارتج المجلس، ثم

أمهلت هنيئة حتى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم، افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله، فعاد القوم في بكائهم، فلما أمسكوا عادت في كلامها، فقالت (عليها السلام):

«الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها، وتمام منن أولاها، جم عن الاحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أمدها، وتفاوت عن الإدراك أبدها، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها واستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وثنى بالندب إلى أمثالها.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها،وضمن القلوب موصولها، وأنار في التفكر معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام كيفيته.

ابتدع الأشياء لا من شيء كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها كونها بقدرته، وذرأها بمشيته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها، إلا تثبيتا لحكمته، وتنبيها على طاعته، وإظهارا لقدرته، وتعبدا لبريته وإعزازا لدعوته.

ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، زيادة لعباده من نقمته، وحياشة(4) لهم إلى جنته، وأشهد أن أبي محمدا عبده ورسوله اختاره قبل أن

ص: 182


1- الحشد: الجماعة.
2- نيطت: علقت وناط الشيء، علقه: والملاءة الإزار.
3- أجهش القوم: تهيئوا.
4- حاش الإبل: جمعها وساقها.

أرسله، وسماه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة علما من الله تعالى بما يلي الأمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع الأمور ابتعثه الله إتماما لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذا لمقادير حتمه، فرأى الأمم فرقا في أديانها، عكفا على

نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها فأنار الله بأبي محمد (صلى الله عليه وآله) ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها(1)، وجلى عن الأبصار غممها(2)، وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم.ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار، ورغبة وإيثار، فمحمد (صلى الله عليه وآله) من تعب هذه الدار في راحة، قد حف بالملائكة الأبرار، ورضوان الرب الغفار، ومجاورة الملك الجبار، صلى الله على أبي نبيه، وأمينه، وخيرته من الخلق وصفيه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته .»

ثم التفتت إلى أهل المجلس وقالت:

«أنتم عباد الله نصب أمره ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأمناء الله على أنفسكم، وبلغائه إلى الأمم، زعيم حق له فيكم، وعهد قدمه إليكم، وبقية استخلفها عليكم: كتاب الله الناطق، والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللامع، بينة بصائره، منكشفة سرائره، منجلية ظواهره، مغتبطة به أشياعه، قائدا إلى الرضوان أتباعه،

مؤد إلى النجاة استماعه، به تنال حجج الله المنورة، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة، وبيناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة،

ص: 183


1- بهمها: أي مبهماتها وهي المشكلات من الأمور.
2- الغمم: جمع غمة وهي: المبهم والملتبس، وفي بعض النسخ (عماها).

وشرائعه المكتوبة، فجعل الله الإيمان: تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة: تنزيها لكم عن الكبر، والزكاة: تزكية للنفس، ونماء في الرزق، والصيام: تثبيتا للإخلاص، والحج: تشييدا للدين، والعدل: تنسيقا للقلوب، وطاعتنا: نظاما للملة، وإمامتنا: أمانا للفرقة، والجهاد: عزا للإسلام، والصبر: معونة على استيجاب الأجر، والأمر

بالمعروف: مصلحة للعامة، وبر الوالدين: وقاية من السخط، وصلة الأرحام: منساة في العمر(1) ومنماة للعدد، والقصاص: حقنا للدماء، والوفاء بالنذر: تعريضا للمغفرة، وتوفية المكائيل والموازين: تغييرا للبخس، والنهي عن شرب الخمر:تنزيها عن الرجس، واجتناب القذف: حجابا عن اللعنة، وترك السرقة: إيجابا

بالعفة، وحرم الله الشرك إخلاصا له بالربوبية، فاتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، فإنه إنما يخشى الله من عباده العلماء .»

ثم قالت: «أيها الناس اعلموا: أني فاطمة وأبي محمد (صلى الله عليه وآله) أقول عودا وبدوا، ولا أقول ما أقول غلطا، ولا أفعل ما أفعل شططا(2)، لقد جاءكم رسول من أنفسكم

عزيز عليه ما عنتم(3)، حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم.

فإن تعزوه(4)وتعرفوه: تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمي دون رجالكم،

ص: 184


1- منساة للعمر: مؤخرة.
2- شططا: الشطط بالتحريك: هو البعد عن الحق ومجاوزة الحد في كل شيء.
3- عنتم: أنكرتم وجحدتم.
4- تعزوه: تنسبوه.

ولنعم المعزى إليه (صلى الله عليه وآله)، فبلغ الرسالة، صادعا بالنذارة(1)، مائلا عن مدرجة المشركين(2)، ضاربا ثبجهم(3)، آخذا بأكظامهم(4)، داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يجف الأصنام(5)، وينكث الهام، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر، حتى تفرى الليل عن صبحه(6)، وأسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين(7)، وطاح وشيظ النفاق(8)، وانحلت عقد الكفر والشقاق، وفهتم بكلمة الإخلاص(9)، في نفر من البيض الخماص(10)، وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب(11)،ونهزة الطامع(12)، وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام(13)، تشربون الطرق(14)،

وتقتاتون القد(15)، أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم،

ص: 185


1- صادعاً: الصدع هو الإظهار: والنذارة بالكسر الإنذار وهو الإعلام على وجه التخويف.
2- المدرجة: هي المذهب والمسلك.
3- ثبجهم: الثبج بالتحريك: وسط الشيء ومعظمه.
4- أكظامهم: الكظم بالتحريك: مخرج النفس من الحلق.
5- يجف الأصنام: في بعض النسخ (يكسر الأصنام) وفي بعضها (يجذ الأصنام) أي يكسر.
6- تفرى الليل عن صبحه: أي انشق حتى ظهر وجه الصباح
7- شقاشق الشياطين: الشقاشق: جمع شقشقة بالكسر وهي: شيء كالربة يخرجها البعير من فيه إذا هاج.
8- طاح: هلك، والوشيظ السفلة والرذل من الناس.
9- كلمة الإخلاص: كلمة التوحيد.
10- البيض الخماص: المراد بهم أهل البيت عليهم السلام.
11- مذقة الشارب: شربته.
12- نهزة الطامع: بالضم الفرصة أي: محل نهزته.
13- قبسة العجلان: مثل في الاستعجال؛ موطئ الأقدام: مثل مشهور في المغلوبية والمذلة.
14- الطرق: بالفتح، ماء السماء الذي تبول فيه الإبل وتبعر.
15- القد: بكسر القاف وتشديد الدال سير بقد من جلد غير مدبوغ.

فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد (صلى الله عليه وآله)، وبعد أن مني ببهم(1) الرجال وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، أو نجم قرن الشيطان(2)، أو فغرت فاغرة من المشركين(3)، قذف أخاه في لهواتها(4)، فلا ينكفئ حتى يطأ جناحها بأخمصه(5)، ويخمد لهبها بسيفه، مكدودا

في ذات الله، مجتهدا في أمر الله، قريبا من رسول الله، سيدا في أولياء الله، مشمراناصحا، مجدا، كادحا، لا تأخذه في الله لومة لائم، وأنتم في رفاهية من العيش، وادعون(6) فاكهون(7) آمنون، تتربصون بنا الدوائر(8)، وتتوكفون الأخبار(9)، وتنكصون عند النزال، وتفرون من القتال، فلما اختار الله لنبيه دار أنبيائه،

ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسكة النفاق(10)، وسمل جلباب الدين(11)، ونطق كاظم الغاوين(12)، ونبغ خامل الأقلين(13)، وهدر فنيق المبطلين(14)،

ص: 186


1- بهم الرجال: شجعانهم.
2- نجم: ظهر؛ وقرن الشيطان: أمته وتابعوه.
3- فغرفاه: أي فتحه؛ والفاغرة من المشركين: الطائفة منهم.
4- قذف: رمى؛ واللهوات بالتحريك: -جمع لهاة-: وهي اللحمة في أقصى شفة الفم.
5- ينكفئ: يرجع؛ والأخمص: ما لا يصيب الأرض من باطن القدم.
6- وادعون: ساكنون.
7- فاكهون: ناعمون.
8- الدوائر: صروف الزمان، أي: كنتم تنظرون نزول البلايا علينا.
9- تتوقعون أخبار المصائب والفتن النازلة بنا.
10- في بعض النسخ (حسيكة).
11- وسمل جلباب الدين: سمل صار خلقا، والجلباب الإزار.
12- الكظوم: السكوت.
13- الخامل: من خفي ذكره وكان ساقطاً لا نباهة له.
14- الهدير: ترديد البعير صوته في حنجرته، والفنيق: الفحل المكرم من الإبل الذي لا يركب ولا يهان.

فخطر في عرصاتكم(1)، واطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم(2)، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللعزة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافا،وأحشمكم فألفاكم غضابا(3)، فوسمتم غير إبلكم(4)، ووردتم غير مشربكم(5)، هذا والعهد قريب والكلم رحيب(6)، والجرح لما يندمل(7)، والرسول لما يقبر، ابتدارا، زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين، فهيهات منكم، وكيف بكم، وأنى تؤفكون، وكتاب الله بين أظهركم، أموره ظاهرة، وأحكامه زاهرة وأعلامه باهرة، وزواجره لايحة، وأوامره واضحة، وقد خلفتموه وراء ظهوركم أرغبة عنه تريدون(8)؟ أم بغيره تحكمون؟ بئس للظالمين بدلا، ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين، ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها(9)، ويسلس قيادها(10)، ثم أخذتم تورون وقدتها(11) وتهيجون جمرتها، وتستجيبون لهتاف الشيطان الغوي، وإطفاء أنوار الدين الجلي وإهمال سنن النبي الصفي، تشربون حسوا في

ص: 187


1- خطر البعير بذنبه إذا رفعه مرة بعد مرة وضرب به فخذيه.
2- مغرزة: أي ما يختفي فيه، تشبيها له بالقنفذ فإنه يطلع رأسه بعد زوال الخوف.
3- أي حملكم على الغضب فوجدكم مغضبين لغضبه.
4- الوسم: أثر الكي.
5- الورود: حضور الماء للشرب.
6- الكلم بالضم: الجرح، الرحب بالضم: السعة.
7- أي: لم يصلح بعد.
8- في بعض النسخ (تدبرون).
9- نفرتها: نفرت الدابة جزعت وتباعدت.
10- يسلس: يسهل.
11- أي: لهبها.

ارتغاء(1)، وتمشون لأهله وولده في الخمرة والضراء(2) ويصير(3) منكم على مثل

حز المدى(4)، ووخز السنان في الحشاء، وأنتم الآن تزعمون: أن لا إرث لنا، أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟! أفلا تعلمون؟

بلى قد تجلى لكم كالشمس الضاحية: أني ابنته.

أيها المسلمون أغلب على إرثي(5)؟ يا بن أبي قحافة أفي كتاب الله ترث أباك ولا أرث أبي؟ لقد جئت شيئا فريا! أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم؟

إذ يقول: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَنُ دَاوُودَ...﴾(6).

وقال: فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا إذ قال:

﴿... فَهَبْ لِی مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا ( 5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ...)(7).

وقال: ﴿... وَأُولُو الْأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَی بِبَعْضٍ فِی كِتَابِ اللَّه...﴾(8).

ص: 188


1- الحصو: هو الشرب شيئا فشيئا، والارتغاء: هو شرب الرغوة وهي اللبن المشوب بالماء، وحسوا في ارتغاء: مثل يضرب لمن يظهر ويريد غيره.
2- لخمر بالفتح: ما واراك من شجر وغيره، والضراء بالفتح: الشجر الملتف بالوادي.
3- وفي بعض النسخ (يصير).
4- الحز: القطع، والمدى: السكاكين.
5- في بعض النسخ (إرثه).
6- سورة النمل، الآية ( 16 ).
7- سورة مريم، الآية ( 6).
8- سورة الأنفال، الآية ( 75 ).

وقال: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّه فِی أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأنْثَيَيْن...﴾(1).

وقال: ﴿... إِنْ تَرَكَ خَيْرا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأقْرَبِينَ بِالَمعْرُوفِ حَقًّا عَلَی الُمتَّقِينَ﴾(2).

وزعمتم: أن لا حظوة(3) لي ولا إرث من أبي، ولا رحم بيننا، أفخصكم الله بآية أخرج أبي منها؟ أم هل تقولون: إن أهل ملتين لا يتوارثان؟ أو لست أنا وأبي من أهل ملة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي؟

فدونكها مخطومة مرحولة(4)، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد،

والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون، ولا ينفعكم إذ تندمون، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم .»

ثم رمت(5) بطرفها نحو الأنصار فقالت:

«يا معشر النقيبة وأعضاد الملة،(6) وحضنة الإسلام، ما هذه الغميزة في حقي(7)، والسنة عن ظلامتي(8)؟ أما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبي يقول (المرء يحفظ في ولده)؟

ص: 189


1- سورة النساء، الآية ( 11 ).
2- سورة البقرة، الآية ( 180 ).
3- الحظوة: المكانة.
4- مخطومة: من الخطام بالكسر، وهو: كل ما يدخل في أنف البعير ليقاد به، والرحل بالفتح: هو للناقة كالسرج للفرس.
5- في بعض النسخ (رنت).
6- النقيبة: الفتية.
7- الغميزة: بفتح الغين المعجمة والزاي - ضعفة في العمل.
8- السنة بالكسر: النوم الخفيف.

سرعان ما أحدثتم، وعجلان ذا إهالة(1)، ولكم طاقة بما أحاول، وقوة على ما أطلب وأزاول، أتقولون مات محمد (صلى الله عليه وآله)؟ فخطب جليل: استوسع وهنه واستنهر فتقه(2) وانفتق رتقه، واظلمت الأرض لغيبته، وكسفت الشمس والقمر، وانتثرت النجوم لمصيبته، وأكدت(3) الآمال، وخشعت الجبال، وأضيع الحريم، وأزيلت الحرمة عند مماته، فتلك والله النازلة الكبرى، والمصيبة العظمى، لا مثلها نازلة، ولا بائقة(4) عاجلة، أعلن بها كتاب الله جل ثناؤه، في أفنيتكم، وفي ممساكم، ومصبحكم، يهتف في أفنيتكم هتافا، وصراخا، وتلاوة، وألحانا، ولقبله ماحل بأنبياء الله ورسله، حكم فصل، وقضاء حتم:

﴿وَمَا مُحمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَی أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَی عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُّر اللَّه شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ﴾(5).

أيها بني قيلة(6)، أأهضم تراث أبي؟ وأنتم بمرأى مني ومسمع، ومنتدى(7) ومجمع تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخبرة، وأنتم ذوو العدد والعدة، والأداة والقوة وعندكم السلاح والجنة(8)، توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون، وأنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح، والنخبة التي انتخبت، والخيرة

ص: 190


1- إهالة: بكسر الهمزة الدسم؛ وسرعان ذا إهالة مثل يضرب لمن يخبر بكينونة الشيء قبل وقته
2- وهنة الوهن: الخرق، واستنهر: اتسع.
3- أكدت: قل خيرها.
4- بائقة: داهية.
5- سورة آل عمران، الآية ( 144 ).
6- بنو قيلة: قبيلتا الأنصار: الأوس والخزرج.
7- المنتدى المجلس.
8- الجنة بالضم: ما استترت به من السلاح.

التي اختيرت لنا أهل البيت، قاتلتم العرب، وتحملتم الكد والتعب، وناطحتم الأمم، وكافحتم(1) البهم، لا نبرح أو تبرحون(2)، نأمركم فتأتمرون، حتى إذا

دارت بنا رحى الإسلام، ودر حلب الأيام، وخضعت ثغرة الشرك، وسكنت فورة الإفك، وخمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج، واستوسق نظام الدين(3).

فأنى حزتم بعد البيان؟ وأسررتم بعد الإعلان؟ ونكصتم بعد الإقدام؟ وأشركتم بعد الإيمان؟

بؤسا لقوم نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم، وهموا بإخراج الرسول، وهم بدؤوكم أول مرة، أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين، ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض(4)، وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض، وخلوتم بالدعة(5)، ونجوتم بالضيق من السعة، فمججتم ما وعيتم، ودسعتم الذي تسوغتم(6)، فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد.

ألا وقد قلت ما قلت هذا على معرفة مني بالجذلة التي خامرتكم(7)، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنها فيضة النفس، ونفثة الغيظ، وخور القناة(8)، وبثة

ص: 191


1- في بعض النسخ (كالحتم).
2- لا نبرح: لا نزال.
3- استوسق: اجتمع.
4- أخلدتم: ملتم، والخفض: السعة والخصب واللين.
5- الدعة: الراحة والسكون.
6- الدسع: القيء، وتسوغ الشراب شربه بسهولة.
7- الجذلة: ترك النصر، خامرتكم: خالطتكم.
8- الخور: الضعف، والقناة: الرمح؛ والمراد من ضعف القناة هنا ضعف النفس عن الصبر على الشدة.

الصدر، وتقدمة الحجة، فدونكموها فاحتقبوها دبرة(1) الظهر نقبة الخف(2) باقية العار، موسومة بغضب الجبار، وشنار الأبد، موصولة بنار الله الموقدة، التي تطلع على الأفئدة، فبعين الله ما تفعلون،

﴿... وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾(3).

وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد فاعملوا إنا عاملون، وانتظروا إنا منتظرون .»

فأجابها أبو بكر عبد الله بن عثمان، وقال: يا بنت رسول الله لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفا كريما، رؤوفا رحيما، وعلى الكافرين عذابا أليما، وعقابا عظيما، إن عزوناه وجدناه أباك دون النساء، وأخا إلفك دون الأخلاء(4) آثر على كل حميم، وساعده في كل أمر جسيم، لا يحبكم إلا سعيد، ولا يبغضكم إلا شقي(5) بعيد فأنتم عترة رسول الله الطيبون، الخيرة المنتجبون، على الخير أدلتنا، وإلى الجنة مسالكنا، وأنت يا خيرة النساء، وابنة خير الأنبياء، صادقة في قولك، سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقك، ولا مصدودة عن صدقك، والله ما عدوت رأي رسول الله، ولا عملت إلا بإذنه، والرائد لا يكذب أهله، وأني أشهد الله وكفى به شهيدا، أني

سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:

ص: 192


1- فاحتقبوها: أي احملوها على ظهوركم ودبر البعير أصابته الدبرة بالتحريك وهي جراحة تحدث من الرحل.
2- نقب خف البعير رق وتثقب.
3- سورة الشعراء، الآية ( 227 ).
4- الألف: هو الأليف بمعنى المألوف والمراد به هنا الزوج لأنه إلف الزوجة وفي بعض النسخ (ابن عمك).
5- في ذخائر العقبى: -لمحب الدين الطبري قال: قال رسول الله صلى الله عليه-وآله-وسلم: «لا يحبنا أهل البيت إلا مؤمن تقي، ولا يبغضنا إلا منافق شقي »، أخرجه الملا.

«نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا دارا ولا عقارا وإنما نورث الكتاب والحكمة والعلم والنبوة وما كان لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه »(1).

وقد جعلنا ما حاولته في الكراع والسلاح يقاتل بها المسلمون ويجاهدون الكفار،ويجالدون المردة الفجار، وذلك بإجماع من المسلمين، لم انفرد به وحدي، ولم استبد بما كان الرأي عندي(2)، وهذه حالي ومالي، هي لك وبين يديك، لا تزوى عنك،

ص: 193


1- نقل الإمام المجاهد السيد عبد الحسين شرف الدين (قدس سره) في كتابه الجليل (النص والاجتهاد) عن الأستاذ المصري المعاصر محمود أبو رية ما يلي: قال: (بقي أمر لابد أن نقول فيه كلمة صريحة، ذلك هو موقف أبي بكر من فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه-وآله-وسلم وما فعل معها في ميراث أبيها، لأنا إذا سلمنا بأن خبر الآحاد الظني يخصص الكتاب القطعي، وأنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه-وآله-وسلم قد قال: «إنه لا يورث »، وإنه لا تخصيص في عموم هذا الخبر، فإن أبا بكر كان يسعه أن يعطي فاطمة عليها السلام بعض تركة أبيها صلى الله عليه-وآله-وسلم كأن يخصها بفدك، وهذا من حقه الذي ليس يعارضه فيه أحد، إذ يجوز للخليفة أن يخص من يشاء بما يشاء). قال: (وقد خص هو نفسه الزبير بن العوام ومحمد بن مسلمة وغيرهما ببعض متروكات النبي صلى الله عليه -وآله- وسلم على أن فدكا هذه التي منعها أبو بكر لم تلبث أن أقطعها الخليفة عثمان لمروان)، هذا كلامه بنصه. ثم أعقب السيد رحمه الله قائلا: ونقل ابن أبي الحديد عن بعض السلف كلاما مضمونه العتب على الخليفتين والعجب منهما في مواقفهما مع الزهراء بعد أبيها صلى الله عليه -وآله- وسلم قالوا في آخره: (وقد كان الأجل أن يمنعهما التكرم عما ارتكباه من بنت رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم فضلاً عن الدين)، فذيله ابن أبي الحديد بقوله: (هذا الكلام لا جواب عنه)؛ النصوالاجتهاد: ص 123 - 124 .
2- خطر ببالي وأنا أفكر في قول الخليفة: (وذلك بإجماع المسلمين لم أنفرد به)، وقوله في آخر الحديث الذي تفرد بنقله عن النبي صلى الله عليه-وآله-وسلم، (وما كان لنا من طعمة فلولي الأمر أن يحكم فيه بحكمه)، نعم خطر ببالي وأنا أفكر في هاتين الفقرتين وما إذا كانت فدك من حق المسلمين حتى يؤخذ رأيهم فيه أم من حقه الخاص حتى يحكم فيه بحكمه كما جاء في ذيل الحديث الذي استنكرته الصديقة الطاهرة عليها السلام وعدّته كذبا وزورا وافتراء على الرسول صلى الله عليه -وآله- وسلم اعتلالا منهم لما أجمعوا على الغدر بذريته كما عدّته طعنا في عصمته صلى الله عليه -وآله- وسلم لو صدر ذلك منه. وأسمع ذلك كله في جوابها لأبي بكر: «سبحان الله، ما كان أبي رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم عن كتاب الله صادفا، ولا لأحكامه مخالفاً، بل كان يتبع أثره، ويقفو سوره، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغى له من الغوائل في حياته »، ثم إن كان من حقه الخاص فلماذا لم يعطها سيدة النساء وبنت سيد الأنبياء إكراماً لمقام أبيها صلى الله عليه-وآله- وسلم وإذا كان من حق المسلمين لماذا لم يؤخذ رأيهم أولاً في إعطائها إياها. نعم خطر ببالي وأنا أجيل الفكر في هذا وشبهه قول الشريف قتادة بن إدريس من قصيدته العصماء في رثاء سيدة النساء عليها السلام والتي يقول في أولها: إلى أن يقول:والتي يقول فيها: إلى أن قال -وهو محل الشاهد منها-: ما لعيني غاب عنها كراها*** وعراها من عبرة ما عراها الدار نعمت فيها زمانا*** ثم فارقتها فلا أغشاها إلى أن يقول: بل بكائي لمن خصها*** الله تعالى بلطفه واجتباها وحباها بالسيدين الجليلين*** العظيمين منه حين حباها ولفكري في الصاحبين اللذين*** استحسنا ظلمها وما راعياها منعا بعلها من الحل والعقد*** وكان المنيب والأواها والتي يقول فيها: وأتت فاطم تطالب بالإرث*** من المصطفى فما ورثاها إلى أن قال -وهو محل الشاهد منها-: أترى المسلمين كانوا يلومونهما*** في العطاء لو أعطياها كان تحت الخضراء بنت نبي*** ناطق صادق أمين سواها بنت من؟ أم من؟ حليلة من*** ويلٌ لمن سن ظلمها وأذاها

ص: 194

ولا ندخر دونك، وأنك وأنت سيدة أمة أبيك، والشجرة الطيبة لبنيك، لاندفع مالك من فضلك، ولا يوضع في فرعك وأصلك، حكمك نافذ فيما ملكت يداي فهل ترين أن أخالف في ذلك أباك (صلى الله عليه وآله) فقالت (عليها السلام):«سبحان الله ما كان أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن كتاب الله صادفا(1)،

ولا لأحكامه مخالفا! بل كان يتبع أثره، ويقفو سوره، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالا عليه بالزور، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغى له من الغوائل(2) في حياته هذا كتاب الله حكما عدلا، وناطقا فصلا يقول:

﴿... يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ﴾(3).

ويقول: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَنُ دَاوُودَ...﴾(4).

وبيّن عزّ وجل فيما وزع من الأقساط، وشرع من الفرائض والميراث، وأباح من حظ الذكران والإناث، ما أزاح به علة المبطلين، وأزال التظني والشبهات في الغابرين، كلا بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما

ص: 195


1- صادفا: معرضا.
2- الغوائل: المهالك.
3- سورة مريم، الآية ( 6).
4- سورة النمل، الآية ( 16 ).

تصفون .»

فقال أبو بكر: صدق الله ورسوله، وصدقت ابنته، أنت معدن الحكمة وموطن الهدى والرحمة، وركن الدين، وعين الحجة، لا أبعد صوابك، ولا أنكر خطابك هؤلاء المسلمون بيني وبينك، قلدوني ما تقلدت، وباتفاق منهم أخذت ما أخذت غير مكابر ولا مستبد، ولا مستأثر، وهم بذلك شهود.

فالتفتت فاطمة (عليها السلام) إلى الناس وقالت:

«معاشر المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل(1)، المغضية على الفعل القبيح الخاسر، أفلا تتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟ كلا بل ران على قلوبكم ما أسأتم من

أعمالكم، فأخذ بسمعكم وأبصاركم، ولبئس ما تأولتم، وساء ما به أشرتم، وشر ما منه اغتصبتم لتجدن والله محمله ثقيلا، وغبه وبيلا، إذا كشف لكم الغطاء وبان بأورائه الضراء، وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون، وخسر هنالك المبطلون .»

ثم عطفت على قبر النبي (صلى الله عليه وآله) وقالت:

قد كان بعدك أنباء وهنبثة*** لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها*** واختل قومك فاشهدهم ولا تغب

وكل أهل له قربى ومنزلة*** عند الإله على الأدنين مقترب

أبدت رجال لنا نجوى صدورهم(2) ***لما مضيت وحالت دونك الترب

تجهمتنا رجال واستخف بنا*** لما فقدت وكل الأرض مغتصب

ص: 196


1- في بعض النسخ (قبول الباطل).
2- النجوى: السر.

وكنت بدرا ونورا يستضاء به*** عليك ينزل من ذي العزة الكتب

وكان جبريل بالآيات يونسنا*** فقد فقدت وكل الخير محتجب

فليت قبلك كان الموت صادفنا*** لما مضيت وحالت دونك الكثب(1)

ثم انكفأت عليها السلام، وأمير المؤمنين (عليه السلام) يتوقع رجوعها إليه، ويتطلع طلوعها عليه، فلما استقرت بها الدار، قالت لأمير المؤمنين (عليه السلام):

«يا بن أبي طالب، اشتملت شملة الجنين، وقعدت حجرة الظنين، نقضت قادمة الأجدل(2)، فخانك ريش الأعزل(3)، هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحلة أبي وبلغة(4) ابني! لقد أجهد(5) في خصامي، وألفيته ألد في كلامي(6) حتى حبستني قيلة نصرها والمهاجرة وصلها، وغضت الجماعة دوني طرفها، فلا دافع ولا مانع، خرجت كاظمة، وعدت راغمة، أضرعت خدك(7) يوم أضعت حدك افترست الذئاب، وافترشت التراب، ما كففت قائلا، ولا أغنيت طائلا(8) ولا خيار لي، ليتني مت قبل

هنيئتي، ودون ذلتي عذيري الله منه عاديا(9) ومنك حاميا، ويلاي في كل شارق!

ص: 197


1- الكثب بضمتين : جمع الكثيب وهو: الرمل.
2- قوادم الطير: مقادم ريشه وهي عشرة والأجدل: الصقر.
3- الأعزل من الطير: ما لا يقدر على الطيران.
4- يبتزني: يسلبني، والبلغة: ما يتبلغ به من العيش.
5- في بعض النسخ (أجهر).
6- ألفيته: وجدته، والألد: شديد الخصومة.
7- ضرع: خضع وذل.
8- أي ما فعلت شيئاً نافعاً، وفي بعض النسخ (ولا أغنيت باطلا): أي كففته.
9- العذير بمعنى العاذر أي: الله قابل عذري، وعاديا، متجاوزا.

ويلاي في كل غارب! مات العمد، ووهن العضد(1)، شكواي إلى أبي! وعدواي(2) إلى ربي! اللهم إنك أشد منهم قوة وحولا، وأشد بأسا وتنكيلا .»

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام):

«لا ويل لك بل الويل لشانئك(3)، ثم نهنهي عن وجدك(4) يا ابنة الصفوة، وبقية النبوة، فما ونيت(5) عن ديني، ولا أخطأت مقدوري(6) فإن كنت تريدين البلغة، فرزقك مضمون، وكفيلك مأمون، وما أعد لك أفضل مما قطع عنك، فاحتسبي الله .»

فقالت: «حسبي الله وأمسكت »)(7).

ص: 198


1- الوهن: الضعف في العمل أو الأمر أو البدن.
2- العدوي: طلبك إلى وال لينتقم لك من عدوك.
3- الشانئ: المبغض.
4- أي كفي: عن حزنك وخففي عن غضبك.
5- ما كللت ولا ضعفت ولا عييت.
6- ما تركت ما دخل تحت قدرتي أي لست قادراً على الانتصاف لك لما أوصاني به الرسول صلى الله عليه -وآله- وسلم.
7- السقيفة وفدك للجوهري: ص 139 - 147 ، بتحقيق د. محمد هادي الأميني؛ بلاغات النساء لابن طيفور: ص 14 - 20 ؛ منال الطالب في شرح طوال الغرائب لابن الأثير: ج 2، ص 507 ، بتحقيق محمود الطحاني؛ الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 132 ، تعليق السيد محمد باقر الخرسان؛ شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي: ج 3، ص 34 ؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 16 ، ص 249 ؛ التذكرة الحمدونية: ج 6، ص 256 ؛ جواهر المطالب للدمشقي الباعواني: ج 1، ص 157 ؛ الشافي في الإمامة للشريف المرتضى: ج 4، ص 71 ؛ أعلام النساء لرضا كحالة: ج 3، ص 1208 .
باء - رمزية فدك الثورة

منذ أن عزمت السلطة التي جلست في مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) على إصدار تشريعاتها الجديدة؛ ومنذ أن صادرت هذه السلطة أموال آل محمد (صلى الله عليه وآله) فاستولت على حقوقهم؛ ومنذ أن اقتحمت دارهم وأحرقت بابهم وقتلت ابنهم المحسن، فمنذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا أصبحت فدك رمزاً

من رموز النضال والجهاد والتضحية والحرية التي أطلقت النسيم للأحرار الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر في تجدد الحياة والإباء ضد الظلم والجور.

هكذا هي فدك رمزية الثورة وعنوان التصدي للظلم ومنطلق الحراك من أجل الشريعة المحمدية، فكان أول من انتفض لأجلها، أي الشريعة، ابنة صاحب الشريعة وحجة الله على الحجج عليهم السلام أم الأئمة ومشكاة الأنوار الإلهية.

ولو أردنا الوقوف عند كلماتها في المسجد لاحتجنا إلى كتاب مستقل كما دأب على ذلك كثير من الفضلاء والباحثين والمحققين إلاّ أننا ارتأينا هنا أن نورد بعض الشواهد على رمزية فدك الثورة منذ أن اتخذتها كذاك بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم تبعها أمير المؤمنين علي عليه السلام فها هو في مسجد الكوفة يكشف

للتأريخ تعمد الخلفاء من قبله والذين جلسوا في مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) يفتون الأمة بسنة جديدة عرفها الناس بسنة الشيخين وألحقوها ظلما وعدواناً بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأحدثوا حدثاً أماتوا فيه سنة النبي (صلى الله عليه وآله) وأحيوا فيه البدعة التي سموها بالبدعة الحسنة.

وفي هذا التظلم يقول أمير المؤمنين (عليه السلام):

«سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول:

ص: 199

كيف أنتم إذا لبستم الفتنة، ينشؤ فيها الوليد، ويهرم فيها الكبير، ويجري الناس عليها حتى يتخذوها سنة، فإذا غير منها شيء قيل أتى الناس بمنكر، غيرت السنة، ثم تشتد البلية، وتنشؤ فيها الذرية وتدقهم الفتن كما تدق النار الحطب، وكما تدق الرحا بثقالها، يتفقه الناس لغير الدين، ويتعلمون لغير العمل، ويطلبون الدنيا

بعمل الآخرة .»

ثم أقبل أمير المؤمنين عليه السلام ومعه ناس من أهل بيته، وخاصة من شيعته، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه-وآله-ثم قال: «لقد عمل الولاة قبلي بأمور عظيمة خالفوا فيها رسول الله متعمدين لذلك، ولو

حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها التي كانت عليها على عهد رسول الله لتفرق عني جندي، حتى أبقى وحدي إلا قليلا من شيعتي، الذين عرفوا فضلي وإمامتي من كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله)، أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليه السلام فرددته إلى المكان الذي وضعه فيه رسول الله، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة سلام الله عليها، ورددت صاع رسول الله ومده إلى ما كان، وأمضيت إلى قطايع كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أقطعها للناس سنين، ورددت دار جعفر بن أبي طالب إلى ورثته، وهدمتها وأخرجتها من المسجد، ورددت الخمس إلى أهله، ورددت قضاء كل من قضى بجور، ورددت سبي ذراري بني تغلب،

ورددت ما قسم من أرض خيبر، ومحوت ديوان العطاء، وأعطيت كما كان يعطي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم أجعلها دولة بين الأغنياء.

والله لقد أمرت الناس: أن لا يجمعوا في شهر رمضان إلا في فريضة، فنادى بعضأهل عسكري ممن يقاتل وسيفه معي: (أنعى الإسلام وأهله غيرت سنة عمر)، ونهى أن يصلى في شهر رمضان في جماعة، حتى خفت أن يثور في ناحية عسكري

ص: 200

على ما لقيت، ولقيت هذه الأمة من أئمة الضلالة، والدعاة إلى النار.

وأعظم من ذلك سهم ذوي القربى، الذي قال الله تبارك وتعالى فيه:

﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَیءٍ فَأَنَّ لَّله خُمسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالَمسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ...﴾(1).

وذلك لنا خاصة إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان، نحن والله عنى بذوي القربى، الذين قرنهم الله بنفسه ونبيه، ولم يجعل لنا في الصدقة نصيبا،أكرم الله سبحانه وتعالى نبيه وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ أيدي الناس »)(2).

والخطبة مليئة بالدلالات على ظلم السلطة الحاكمة لشريعة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) إلا أن الذي نحن بصدده:

1-رمزية فدك الثورة وعنوان ظلامة آل محمد.

2-سهم ذوي القربى، أي الخمس الذي أظهر في ذكره الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) الحكمة في اختصاصه بهم.

لكن التشريعات الجديدة لسلطة الشيخين جعلتها عامة للمسلمين فأكلوا ما ليس لهم وفي ذلك يقول إمام المذهب الشافعي:

(إن الذين أعطاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) الخمس هم آل محمد (صلى الله عليه وآله) وهم آل محمد الذين أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالصلاة عليهم معه، والذين اصطفاهم من خلقه بعد نبيه فإنه يقول:

ص: 201


1- سورة الأنفال، الآية ( 41 ).
2- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 393 ؛ كتاب سليم بن قيس الهلالي: ص 263 ؛ الكافي للكليني: ج 8، ص 59 ؛ البحار للمجلسي: ج 34 ، ص 168 .

﴿إِنَّ اللَّه اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَی الْعَالِمينَ ( 33 ) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(1).

فاعلم أنه اصطفى الأنبياء وآلهم)(2).

3- إن الله تعالى لم يكن ليضيع حق آل محمد (صلى الله عليه وآله) في الفيء ومال رسول الله مما أفاء الله تعالى عليه وكذاك قرية فدك.

ولقد بقيت فدك تحمل في معناها ودلالاتها على كرور الليالي والأيام عنوان الثورة والظلم الذي أنزله حكام المسلمين الذين جلسوا مجلس خلافة النبوة، فكانت منها أي من هذه الدلالات على حقيقة امتلاك فاطمة لهذه الأرض وما عليها ومصادرتها بفعل تشريعات سنة الشيخين ما يأتي:

ألف: إبقاء أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) في بيوت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم يطالب أبو بكر وعمر منهنّ أن تأتي إحداهن ببينة أو شهود على تمليك النبي (صلى الله عليه وآله) لهن هذه البيوت، ولا حتى أوصى لهن بالسكن فيها، ولم

يجعلها من النفقة الواجبة ولا المستحبة عليهن إذا المرأة فارقت الرجل بالوفاة أو الطلاق ما لم تكن حاملاً أو لها حق الحضانة بالنفقة على الزوج؛ ومن ثم بأي شريعة إلهية سكنت أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) في بيوته، وتمنع الزهراء من مال أبيها

(صلى الله عليه وآله) خاصة دون غيرها؟!!

باء: إن يهود فدك كانوا أحد الشهود على أحقية فاطمة عليها السلام بها وذلك أن عمر بن الخطاب لما أراد إجلاءهم من أرضهم وإخراجهم احتجوا عليه بما قسمفيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصالحهم عليه من نصف الارض وثمارها.

ص: 202


1- سورة آل عمران، الآية ( 34 ).
2- أحكام القرآن للشافعي: ج 1، ص 77 .

في حين كان أبو بكر يأخذ جميع خراج هذه الأرض بعد أن صادرها من فاطمة وذلك بعد تركه اليهود فيها فسكتوا لأنهم علموا حالها مع أبي بكر وأخذها من فاطمة فقد انتقلت بفعل السلطة الجديدة إلى الحاكم الجديد ومن ثم فإن المعاهدات السابقة قد سقطت بوجود السلطة الجديدة.

وفي ذلك أورد ابن سلام في كتاب الأموال، قال أبو عبيد:

(أجلى عمر بن الخاب يهود خيبر، فخرجوا منها ليس لهم من الثمر والأرض شيء، فأما يهود فدك فكان لهم نصف الأرض، لأن رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم كان صالحهم على ذلك، فأقام لهم عمر نصف الثمر ونصف الأرض لأن رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم كان صالحهم من ذهب وورق وإبل وأقتاب، ثم أعطاهم القيمة وأجلاهم.

قال أبو عبيد: إنما صار أهل خيبر لا حظ لهم في الأرض والثمر لأن خيبر أخذت عنوة فكانت للمسلمين، لا شيء لليهود فيها، وأما فدك فكانت على ما جاء فيها من الصلح، فلما أخذوا قيمة بقية أرضهم خلصت كلها لرسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم، ولهذا تكلم العباس وعلي عليهما السلام)(1).

وقال أيضا: (كان أهل فدك قد أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم فبايعوه على أن لهم رقابهم ونصف أراضيهم ونخلهم، ولرسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم أراضيهم ونخلهم فلما أجلاهم عمر بعث معهم من أقام لهم حظهممن الأرض والنخل، فأداه إليهم)(2).

ص: 203


1- الأموال لابن سلام: ج 1، ص 25 ، ح 22 .
2- المصدر السابق.

في حين أن مطالبة الإمام علي عليه السلام والعباس بأرض فدك ورجوعهما إلى عمر بن الخطاب ليس لاختلافهما فيما بينهما كما يروج لذلك رواة الشيخين أبي بكر وعمر، وإنما لأنهما جاءوا يطالبون الحاكم الجديد الذي لم يستطع أن يرد على اليهود بما كان بينهن وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) من معاهدة، وإن هذه

الأرض تختلف من حيث الحكم عن أرض خيبر، ففدك مما لم يوجف عليها بخيل أو قتال وإنما جاءت صلحاً للنبي (صلى الله عليه وآله) فهي مما أفاء الله تعالى على نبيه خالصة له.

ولو أنكر عمر بن الخطاب هذه المعاهدة لكان هؤلاء شهوداً أمام الناس يأججون عليه اغتصاب أبي بكر لفدك من فاطمة مما يثير الفوضى واحتجاج بني هاشم والمتعاطفين معهم.

ولذا:

وجد عمر أن الأسلم أن يبقي على المعاهدة فيما بينهم وبين النبي (صلى الله عليه وآله)، ومن ثم فلا يحرك ساكن ثورة فدك الذي ظهر في مجيء علي والعباس إليه يحاججانه في أرض فدك.

أي ليلزموا عمر بن الخطاب بما ألزم به نفسه مع اليهود فأما أنه يقر بأن صاحبه أبا بكر قد اغتصبها من فاطمة وأنها كانت خالصة لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولذا عمل بهذا مع اليهود؛ وأما أن يرجعها إليهما، فوجد أن إرجاع فدك إلى عليوالعباس أسلم من تحرك ثورة فدك وإثبات ظلامة فاطمة عليها السلام وحسب تصرفه اجتهاداً عند أشياع الشيخين.

جيم: تكذيب حديث (لا نورث) بلسان عثمان بن عفان وذلك بعد أن جاءته عائشة مطالبة بما كان يفرضه لها عمر بن الخطاب مع العطاء فما كان من عثمان إلاّ أن

ص: 204

يجد رأيه في هذا العطاء ويعمل باجتهاده فمنع عنها ما كان يبذله لها عمر بن الخطاب فكان سبب نقمتها عليه.

وفي ذلك يروي الشيخ المفيد (عن الإمام أبي جعفر محمد الباقر عليه السلام، أنه قال: «جاءت عائشة إلى عثمان فقالت له: أعطني ما كان يعطيني أبي، وعمر بن الخطاب، فقال لها: لا أجد لك موضعا في الكتاب ولا في السنة، وإنما كان أبوك وعمر بن الخطاب يعطيانك بطيبة من أنفسهما وأنا لا أفعل.

قالت له: فأعطني ميراثي من رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال لها: أو لم تجيئيني أنت ومالك بن أوس النصري فشهدتما أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يورث حتى منعتما فاطمة ميراثها وأبطلتما حقها، فكيف تطلبين اليوم ميراثاً من النبي (صلى الله عليه وآله)؟

فتركته وانصرفت؛ وكان عثمان إذا خرج إلى الصلاة أخذت قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله) على قصبة فرفعته عليها ثم قالت: إن عثمان قد خالف صاحب هذا القميص وترك سنته »)(1).

دال: كشف الإمام الكاظم عليه السلام لهذه الظلامة وبيان رمزية فدك الثورة والانتفاضة على ظلم آل محمد (صلى الله عليه وآله) فهذه المعاني جاءت واضحة في مخاطبة الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) للخليفة العباسي المهدي، حينما وجده يرد المظالم، (فقال له: «ما بال مظلمتنا لا ترد .»

ص: 205


1- الأمالي للشيخ المفيد: ص 125 .

فقال له: وما هي يا أبا الحسن؟ فقال -عليه السلام-:

«إنّ الله عزّ وجل لما فتح على نبيه (صلى الله عليه وآله) فدكاً وما والاها ولم يوجف عليها بخيل ولا ركاب فأنزل الله تعالى على نبيه (صلى الله عليه وآله): ﴿وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ …﴾(1).

فلم يدر رسول الله (صلى الله عليه وآله) من هم، فراجع في ذلك جبرئيل عليه السلام فسأل الله عزّ وجل فأوحى الله إليه أن ادفع فدكا إلى فاطمة عليها السلام فدعاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لها:

يا فاطمة إنّ الله تعالى أمرني أن أدفع إليك فدكا، فقالت: قد قبلت يا رسول الله، من الله، ومنك .»

فلم يزل وكلاؤها فيها حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ فلما ولي أبو بكر أخرج عنها ولكاءها، فأتته فسألته أن يردها عليها، فقال لها: ائتيني بأسود أو أحمر يشهد لك بذلك، فجاءت بأمير المؤمنين وأم أيمن(2)، فشهدا لها فكتب لها بترك

ص: 206


1- سورة الإسراء، الآية ( 26 ).
2- قال ابن عبد البر في ترجمة أم أيمن: بكرة بنت ثعلبة، بن عمرو، بن حصن، بن مالك، بن سلمة، بن عمرو، بن النعمان، وهي أم أيمن، غلبت عليها كنيتها فكنيت بابنها أيمن بن عبيد، وهي بعدأم أسامة ابن زيد، تزوجها زيد بن حارثة بعد عبيد الحبشي، فولدت له أسامة، يقال لها مولاة رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم، وخادم رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم بأم الظباء، هاجرت الهجرتين إلى أرض الحبشة وإلى المدينة جميعا؛ وكانت لعبد الله بن عبد المطلب والد رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم، وصارت للنبي صلى الله عليه-وآله- وسلم. وكانت بمنزلة الأم لرسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم يقول: «أم أيمن أمي بعد أمي »؛ (الاستيعاب لابن عبد البر: ج 2، ص 78 ). وروى المازندراني عن علي بن معمر قال: خرجت أم أيمن إلى مكة لما توفيت فاطمة وقالت لا ارى المدينة بعدها فأصابها عطش شديد في الجحفة حتى خافت على نفسها، قال: فكسرت عينيها نحو السماء ثم قالت: يا رب أتعطشني وأنا خادمة بنت نبيك، قال فنزل إليها دلو من ماء الجنة فشربت، ولم تجع ولم تطعم سنين؛ (مناقب آل أبي طالب: ج 3، ص 338 ؛ الخرائج للراوندي: ج 2، ص 530 ؛ الطبقات لابن سعد: ج 8، ص 224 ). وقال ابن سعد: وقد حضرت أم أيمن أحداً وكانت تسقي الماء وتداوي الجرحى، وشهدت خيبر مع رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم. وقال أبو نعيم قيل: كانت لأخت خديجة فوهبتها للنبي صلى الله عليه -وآله-وسلم؛ وقال ابن سعد: قالوا: كان ورثها عن أمه فأعتق رسول الله أم أيمن حين تزوج خديجة، وكان زيد بن حارثة لخديجة فوهبته لرسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم، فأعتقه وزوجه أم أيمن بعد النبوة فولد له أسامة. وأسند عن الواقدي قال: كان رسول الله صلى الله عليه-وآله-وسلم يقول لأم أيمن: «يا أمه » وكان إذا نظر إليها يقول: «هذه بقية أهلي .» وقال ابن سعد: لما هاجرت أم أيمن أمست بالمنصرف ودون الروحاء فعطشت وليس معها ماء وهي صائمة، فأجهدها العطش، فدلّ عليها من السماء دلو من ماء برشاء أبيض، فأخذته فشربته حتى رويت فكانت تقول: ما أصابني بعد ذلك عطش، ولقد تعرضت للعطش بالصوم في الهواجر، فما عطشت.وأخرج ابن سعد عن سفيان بن عيينة قال: كانت أم أيمن تُلطف النبي صلى الله عليه -وآله- وسلم وتقدّم عليه، فقال: «من سره أن يتزوج امرأة من أهل الجنة فليتزوج أم أيمن »، فتزوجها زيد بن حارثة. وأخرج البخاري في تاريخه، وابن السكن من طريق الزهري قال: كان من شأن أم أيمن أنها كانت وصفية لعبد الله بن عبد المطلب والد النبي صلى الله عليه-وآله-وسلم، وكانت من الحبشة، فلما ولدت آمنة رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم بعدما توفي أبوه كانت أم أيمن تحضه حتى كبر، ثم أنكحها زيد ابن حارثة؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 8، ص 224 225 ؛ أسد الغابة لابن الأثير: ج 3، ص 427 ؛ تهذيب التهذيب لابن حجر: ج 12 ، ص 408 ، ترجمة 9055 ).

التعرض، فخرجت والكتاب معها فلقيها عمر فقال: ما هذا معك يا بنت محمد؟

ص: 207

قالت: كتاب كتبه لي ابن أبي قحافة.

قال: أرنيه؛ فأبت، فانتزعه من يدها ونظر فيه، ثم تفل فيه ومحاه وخرقه.

فقال له المهدي: يا أبا الحسن حدها لي؟ فقال:

«حد منها جبل أحد، وحد منها عريش مصر، وحد منها سيف البحر، وحد منها دومة الجندل .»

فقال له: كل هذا؟! قال:

«نعم يا أمير المؤمنين هذا كله، إن هذا كله مما لم يوجف على أهله رسول الله (صلى الله عليه وآله) بخيل ولا ركاب .»

فقال: كثير، وأنظر فيه)(1).

والحديث الشريف يكشف عن جملة من الحقائق وهي كالآتي:

1- ثبوت انتقال ملكية فدك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد أن أفاءها الله تعالى عليه إلى فاطمة عليها السلام بأمر من الله تعالى.

2- النبي (صلى الله عليه وآله) يجري عقداً بينه وبين فاطمة في العرض والقبول فقد قبضت منه بهذا العقد، فقالت: قد قبلت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) من

ص: 208


1- الكافي للكليني: ج 1، ص 543 ؛ التهذيب للطوسي: ج 4، ص 148 ؛ وسائل الشيعة: ج 9، ص 525 ؛ عوالي اللآلي لابن أبي الجمهور الاحسائي: ج 2، ص 78 ؛ البحار للمجلسي: ج 48 ، ص 157 ؛ جامع أحاديث الشيعة للسيد البروجردي: ج 8، ص 580 ؛ تفسير القرآن المجيد للشيخ المفيد: ص 326 ؛ فقه القرآن للراوندي: ج 1، ص 248 ؛ التفسير الصافي للفيض الكاشاني: ج 3، ص 186 .

الله ومنك؛ وذلك توكيداً وتوثيقاً لانتقال ملكيتها من الله تعالى فهو سبحانه المالك وله ما في السماوات وما في الأرض وهو الذي منّ على رسوله فملكه هذه الأرض وغيرها فكانت من الفيء، وهو عزّ وجل نقل ملكيتها من رسوله (صلى الله عليه وآله) إلى فاطمة (عليها السلام).

3- تصرفها (عليها السلام) في هذه الأرض بعد أن تملكتها فقد جعلت فيها وكلاء ينظرون ويديرون شؤونها الزراعية والتسويقية وغير ذلك، وينفقون بأمرها في أوجه البر الكثيرة قربة إلى الله تعالى.

4-مطالبتها (عليها السلام) من أبي بكر بأن يرد عليها أرض فدك كان في المرحلة الأولى لإلقاء الحجة عليه ولتنظر ما هو الوجه الشرعي الذي استند إليه أبو بكر في مصادرة أرض فدك وإخراج وكلائها منها.

أما في المرحلة الثانية من المطالبة بحقها فكان التوجة إلى المسجد وإظهار المحاربة العلنية في محفل المهاجرين والأنصار، وذلك بعد أن جاءت إلى أبي بكر بالشهود وإلزامه بما ألزم به نفسه فقد طلب شهوداً فجاءته بما طلب، ولقد نزلت عند هذا الطلب كي تقطع الطريق عليه في التشريع الذي شرعه لنفسه ومخالفته الصريحةلسنة رسول الله )صلى الله عليه وآله( وشريعة الإسلام.

5-إن السبب الذي دفع أبا بكر بالمطالبة بالشهود إلى المستوى الذي كان فيه واثقا من عدم قدرة فاطمة على أن تأتي إليه بأحد فقال بصيغة المجاز: (ائتيني بأسود أو أحمر) ولم يحدد في ذلك المهاجرين والأنصار وإنما ذهب إلى استخدام الأعراق للدلالة على استحالة أن يأتي مع فاطمة (عليها السلام) من يشهد لها بامتلاكها لهذه الأرض والسبب في هذه الثقة عند أبي بكر:

ص: 209

أ- الآثار التي خلفها حرق بيت فاطمة صلوات الله وسلامه عليها واقتحامه وإخراج أمير المؤمنين (عليه السلام) يقاد مع عمار وسلمان وأبي ذر والمقداد وغيرهم إلى البيعة إرهاباً وكرهاً وتعسفاً.

ب- قلة الناصر وخذلان المهاجرين والأنصار لعلي ولها ولولديها حينما كان يدور عليهم علي مع بضعة النبي (صلى الله عليه وآله) وولديه فلم يجد ناصراً مما أعطى هذا التخاذل من المهاجرين والأنصار كل هذا الزخم النفسي لأبي بكر.

جيم: إن من يتخاذل عن نصرة بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وولديها وهي تستغيث فلا تغاث وتنتهك حرمة رسول الله في اقتحام بيت النبوة وحرقه، كيف له أن يحيا ضميره في لمحة من البصر فيأتي أمام محضر سلطان أبي بكر ليشهد لفاطمة عليها السلام بأن النبي (صلى الله عليه وآله) ملكها أرض فدك، وهل هذا

الأمر يحتاج إلى شهود والنبي (صلى الله عليه وآله) جاءته فدك في السنة السابعة، أي إن هذه الأرض بقيت ثلاث سنوات بيد فاطمة، وأن وكلاءها يعملون بها أمام المهاجرين والأنصار واليهود والنصارى.فلماذا يطلب من فاطمة أن تأتي بالشهود؟ إلا لأن الأمر أصبح أشبه بالمستحيل، فمن يشهد مع فاطمة بعد جريمة حرق بيت فاطمة (عليها السلام).

ولذلك: لم يأتِ معها ليشهد لها على ظلامتها واغتصابها حقها غير أمير المؤمنين (عليه السلام) ومولاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم أيمن؛ وهذا يكشف عن حجم الظلم الذي نزل بها (عليها السلام) فلا من أحد، لا من المهاجرين، ولا الأنصار، ولا من بني هاشم، ولا زوجة من أزواج رسول الله (صلى الله عليه وآله)،

سوى علي (عليه السلام) وأم أيمن.

ص: 210

فمن يجرؤ على المجيء وقد هتكت حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذا المستوى الذي فعله الشيخان وعصابة من الصحابة الذين خجل من بيانهم المؤرخون فقالوا: (جاء عمر بعصابة من المسلمين)، وكأننا في زمن آخر ليس بزمن الصحابة.

6-لما جاءته (عليها السلام) بما طلب، وجد نفسه ملزماً برد فدك، وذلك أن عدم الركون لهذا الطلب يكشف إصراره على ظلم فاطمة بشكل خاص، فإن كان دخوله لبيتها وحرقه بدافع جمع الصحابة على بيعة رجل واحد ومنعاً -كما يقولون- من شق عصا الأمة وتفرقها الذي أصبح واقع حال، وثمرة من ثمرات السقيفة.

فإن عدم تسليمه لأرض فدك بعد شهادة الشهود ليس له توجيه سوى التجاهر بحرب فاطمة عليها السلام، وعندها قد ينهض معها من ينهض ولو باحتمالية ضعيفة جدا.

فضلاً عن احتدام المواجهة من جديد لاسيما وقد استقر له الأمر وبايعه الناس واستقر مجلسه في السلطان الجديد.

7- لا أجد كلمات مناسبة تصف هذا الفعل الذي قام به عمر بن الخطاب حينما اعترض بضعة النبوة وروح المصطفى (صلى الله عليه وآله) فأرهبها وسلبها الكتاب، ثم ليتفل فيه ويمحوه ويمزقه ولعل الأمر لو كان مسجلاً بعدسة مصورٍ لكتب في أسفل الصورة (بدون تعليق) إذ يترك الكلام فيها للناظر.

8-إن تلك الحدود التي ذكرها الإمام أبو الحسن موسى الكاظم (عليه السلام) إنما هي الحدود الشرعية بحسب قانون الفيء الذي جعله الله خاصة من خصائص رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ص: 211

ومن ثم فكل ما هو داخل تحت هذا العنوان فهو من حق فاطمة وأبنائها فهم الورثة الشرعيون لمال رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ وإن من انتفع من هذه الأموال بدون إذن منها أو منهم من بعدها فهو غاصب لمال رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومال آل محمد (صلى الله عليه وآله)، ولذلك قال له المهدي: (كثير) أي

إن ما ذكرت من الحدود فهو كثير: وذلك: إن رمزية فدك كانت منطلقاً للثورة ورفع الظلم عن آل محمد (صلى الله عليه وآله).

9-إن إطلاق الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر بصفة (أمير المؤمنين) على المهدي العباسي ليس إقراراً له بالإمارة على المؤمنين، فأين هؤلاء الطواغيت والإيمان والمؤمنين، وإنما اتصافه بالصفة التي أطلقها على نفسه كمن يصف نفسه ل(ملك الملوك)، أو (صاحب الجلالة).

ص: 212

المبحث الحادي والثلاثون: مقاصدية ذكره للرزية الثالثة في منعهم إرثها جهراً

اشارة

ص: 213

قوله (عليه السلام): «وتُمنْعَ إرِثْهَاَ جهَرْاً »

اشارة

ص: 214

المسألة الاولى: القصدية في إيراده وقوع الأحداث تنازلياً من حيث وقوعها الزمني

يرشد النص الشريف الى أنه (عليه السلام) تناول ذكر هذه الرزايا الثلاثة من حيث الوقوع الزمني بعرضها تراجعيا؛ بمعنى:

1-إنَّ وقوعها الزمني وتسلسلها كان ابتداءً من منعها ارثها جهراً، ثم هضم حقها ثم دفنها سراً إلا أنّه (عليه السلام) قدم الدفن على الهضم والمنع لبيان النتيجة التي أدت الى المصيبة والرزية الثالثة وهي أن تدفن سراً، ومن ثم إظهار حقيقة إشتراك معظم الصحابة في ظلمها في الرزايا الثلاث.

إذ قد يتبادر الى ذهن القارئ للتاريخ الاسلامي والنصوص الحديثة وأقوال أتباع التضليل والتزييف للحقائق، أن الامر كان منحصرا بينها وبين الشخصين في منع ارثها بلحاظ أنّ أبي بكر سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) -كما يدّعي- أنه لا يورث.

ومن ثم تنتهي حقيقة تظافر الأمة على هضمها حقها وتظافرها على علي بن أبي طالب (عليه السلام).

اذن:كان المقصد في ايراده (عليه السلام) لهذا الترتيب العكسي في وقوع الاحداث لهذا الغرض وهو اظهار حقيقة الامة والصحابة وظلمهم لبنت رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ص: 215

2-ان البعض قد توهم في ان ارض فدك وميراث فاطمة (عليها السلام) هما شيء واحد وهو مما دفعها للخروج الي المسجد في حين ان مسألة ارثها وحقها في قضية فدك امران منفصلان فقد اقدم ابو بكر في بادئ امره على منعها من ارثها وتصدير اموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحبس هذه الاموال.

في حين كانت ارض فدك واخراج عاملها منها وحبس سهم خيبر وسهم الفيء عنها وعن ولديها هما من حقوقها.

وعليه:

ما هو ارث فاطمة الذي صادره ابو بكر جهراً؟ وجوابه فيما يلي.

المسألة الثانية: قصدية التعريف بمصادرة السلطة لأموال رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وماهي هذه الأموال ؟
أولاً: حقيقة قيام السلطة الحاكمة بحبس امول رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )
اشارة

قبل التعرف على ما ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله) من أموال منقولة ينبغي الرجوع أولاً إلى حقيقة قيام السلطة الحاكمة بحبس أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومنع فاطمة عليها السلام من إرثها.

فعن عائشة، أنها قالت: (إن فاطمة (عليها السلام) أرسلت إلى أبي بكر تسأله عن ميراثها من رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم، وهي حينئذ تطلب ما كان لرسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم بالمدينة، وفدك، وما بقي من خمس خيبر.

فقال أبو بكر:

ص: 216

إن رسول الله -صلى الله عليه وآله- قال: «لا نورث ما تركناه صدقة، إنما يأكل آل محمد من هذا المال .»

وإني والله لا أغيّ شيئاً من صدقات رسول الله -صلى الله عليه وآله- عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله -صلى الله عليه وآله-.

فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً، فوجدت من ذلك على أبي بكر وهجرته فلم تكلمه حتى توفيت)(1)..

دلالات الرواية:

1-إن أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

ألف: أمواله في المدينة.

باء: أرض فدك.

جيم: خمس خيبر.

وهذه الأموال جاءت فاطمة (عليها السلام) تطالب بها السلطة الحاكمة وذلك بعد حبسها ومصادرتها وجعلها من ضمن أموالها، والدليل على ذلك: هو مطالبة فاطمة (عليها السلام) فلو لم يصادرها أبو بكر ويحبسها عن فاطمة بكونها الوريث الوحيد لرسول الله (صلى الله عليه وآله) لما جاءت تطالب بحقها منه.

2- إطلاق اسم جديد على هذه الأموال وعنوان فقهي تشريعي يمكن السلطة من مصادرة هذه الأموال لحسابه كي يتصرف فيها ما يشاء، فسميت ب(صدقات رسول الله صلى الله عليه -وآله-وسلم) أي: نفي الملكية الخاصة عن هذه الأموال إلى الملكية العامة فتنفق بحسب ما تراه السلطة التي وضعت يدها على هذه الأموال.

ص: 217


1- صحيح البخاري، باب: مناقب المهاجرين: ج 4، ص 210 .

ولذلك: نجد في كتب التاريخ والسيرة وغيرها أن هذه الأموال تسمى بصدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله) كي يضيع معها أي حق لفاطمة عليها السلام يمكن أن يلتفت إليه المسلمون فيما بعد وعلى مرور الزمن.

3-إن أبا بكر كان يدرك جيداً أن هذه الأموال هي مما يستعين به آل محمد (صلى الله عليه وآله) على مؤونتهم وذلك أن الله تعالى كان قد حرم عليهم الصدقة وأباح لهم الخمس وما ورثته فاطمة من أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) مما أفاء الله تعالى عليه -كما سيمر بيانه-.

وعليه:

أصبح آل محمد (صلى الله عليه وآله) بين مطرقة حرمة الصدقات فلا يجوز لهم أكل الصدقة وبين حبس الخمس فمن أين يأكلون؟! ولذا: كان حصاراً بعنوان شرعي حتى يتم القضاء على أهل بيت فاطمة (عليها السلام).

4- إن فاطمة (عليها السلام) بحرمانها من حقها ومصادرة أموالها التي ورثتها ومنع الخمس عنها، نتج عنه غضبها على أبي بكر فلم تكلمه حتى انتقلت إلى بارئها لتشكو إليه ما نزل بها من الظلم، وقد ثبت في الصحاح عنه (صلى الله عليه وآله):

«إن الله يرضى لرضا فاطمة -عليها السلام- ويغضب لغضبها .»

ولكن ما هي أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المدينة، وفدك، وخمس خيبر؟!

كانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أموال كثيرة في المدينة المنورة وقد جاءت إليه هدية خالصة لنفسه وهي كالآتي:

ص: 218

ألف - الحوائط السبعة؛ أو أرض العوالي التي كانت لمخيريق اليهودي

وهذه الأرض مكونة من سبعة بساتين عامرة ومليئة بالنخيل والأشجار، فضلاً عن زراعتها بكثير من الحاصلات الأرضية كالخضار.

وقد جاءت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وانتقلت إليه من خلال وصية أوصى بها المالك لهذه الحوائط السبعة أي البساتين (مخيريق اليهودي) وقد نص على انتقالها أهل السير، فمما قالوا:

1- قال ابن إسحاق (المتوفى سنة 150 ه) وهو أول من صنف السيرة النبوية:

(وكان من حديث مخريق، وكان حبراً عالماً، وكان رجلاً غنياً كثير الأموال من النخل وكان يعرف رسول الله (صلى الله عليه -وآله- وسلم) بصفته، وما يجد في علمه، وغلب عليه إلف دينه، فلم يزل على ذلك، حتى إذا كان يوم أحد، وكان يوم أحد يوم السبت، قال: يا معشر يهود، والله إنكم لتعلمون أن نصر محمد عليكم لحق، قالوا: إن اليوم يوم السبت، قال: لا سبت لكم، ثم أخذ سلاحه، فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم (وأصحابه) بأحد، وعهد إلى من وراءه من قومه: إن قتلت هذا اليوم، فأموالي لمحمد (صلى الله عليه -وآله- وسلم) يصنع فيها ما أراه الله، فلما اقتتل الناس قاتل حتى قتل، فكان رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم -فيما بلغني- يقول:

«مخيريق خير يهود .»

وقبض رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم أمواله، فعامة صدقات رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم بالمدينة منها)(1).

ص: 219


1- السيرة النبوية لابن هشام: ج 2، ص 362 ؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 1، ص 501 ؛ تاريخ المدينة لابن شبة: ج 1، ص 173 ؛ الأحكام السلطانية للماوردي: ص 169.

2- وروى ابن أبي شبة النميري في تاريخ المدينة أسماء هذه الحوائط السبعة وسبب تسميتها بهذه الأسماء فقال: (عن ابن شهاب الزهري، قال: كانت صدقات رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم أموالاً لمخيريق اليهودي، قال عبد العزيز بلغني أنه كان -أي مخريق من بقايا بني قينقاع- وأوصى مخريق بأمواله للنبي صلى الله عليه -وآله- وسلم، وشهد أحداً فقتل بها، فقال رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم:

«مخيريق سابق اليهود، وسلمان سابق الفرس، وبلال سابق الحبشة .»

وأسماء أموال مخيريق التي صارت للنبي صلى الله عليه -وآله- وسلم: الدلال، وبرقة، والأعواف، والصافية، والمشيب، وحسنى، ومشربة أم إبراهيم.

فأما الصافية والبرقة والدلال والمنيب، فمجاورات بأعلى السورين من خلف قصر مروان بن الحكم، فيسقيها مهزور.

وأما مشربة أم إبراهيم فيسقيها مهزور، فإذا خلفت بيت مدراس اليهود، فحيث مال أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة الأسدي، فمشربة أم إبراهيم إلى جنبه، وإنما سميت (مشربة أم إبراهيم) لان أم إبراهيم من رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم ولدته فيها، وتعلقت حين ضربها المخاض بخشبة من خشب تلك المشربة، فتلك الخشبة اليوم معروفة في المشربة.

وأما حسنى فيسقيها مهزور وهي من ناحية القف.

وأما الأعواف فيسقيها أيضا مهزور، وهي أموال بني محمم.

- قال أبو غسان: وقد اختلف في الصدقات، فقال: بعض الناس هي أموال قريظة والنضير.

ص: 220

- فحدثني عبد العزيز بن عمران، عن أبان بن محمد البجلي، عن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: كانت (الدلال) لامرأة من بني النضير، وكان لها سلمان الفارسي، فكاتبته على أن يحييها لها ثم هو حر، فأعلم ذلك النبي صلى الله عليه -وآله- وسلم، فخرج إليها فجلس على فقير، ثم جعل يحمل إليه الودي فيضعه بيده، فما عدت

منها ودية أن أطلعت. قال: ثم أفاءها الله على رسوله صلى الله عليه-وآله- وسلم.

قال: والذي تظاهر عندنا أنها من أموال النضير، ومما يدل على ذلك أن مهزورا يسقيها، ولم يزل يسمع أنه لا يسقي إلا أموال بني النضير.

- قال: وقد سمعنا بعض أهل العلم يقول: إن برقة والميثب للزبير بن باطا، وهما اللتان غرس سلمان، وهما مما أفاء الله من أموال بني قريظة ويقال: كانت (الدلال) من أموال بني ثعلبة من اليهود، و(حسنى) من أموالهم، و (مشربة أم إبراهيم) من أموال بني قريظة، و (الأعواف) كانت لخنافة اليهودي من بني قريظة، والله أعلم أي ذلك الحق، وقد كتبناه على وجهه كما سمعنا)(1).

باء - أرضه من أموال بني النضير

قال الماوردي:

(وهي أول أرض أفاءها الله على رسوله (صلى الله عليه وآله) فأجلاهم عنها وكف عن دمائهم وجعل ما حملته الإبل من أموالهم إلاّ السلاح، فخرجوا بما استقلت أبلهم إلى خيبر والشام وخلصت أرضهم كلها لرسول الله (صلى الله عليه وآله) إلاّ ما كان ليمين بن عمير وأبي سعد بن وهب فإنهما أسلما قبل الظفر،

ص: 221


1- تاريخ المدينة لابن شبة النميري: ج 1، ص 173 175 ؛ أنساب الأشراف للبلاذري: ج 1،ص 518

فأحرز لهما إسلامهما ثم قسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما سوى الأرضين من أموالهم على المهاجرين الأولين دون الأنصار إلاّ سهل بن حنيف وأبا دجانة سماك بن خرشة فإنهما ذكرا فقرا فأعطاهما وحبس الأرضين على نفسه فكانت من صدقاته

حيث يشاء وينفق منها على أزواجه، ثم سلمها عمر ابن الخطاب إلى العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب عليه السلام)(1).

جيم - ثلاثة حصون من خيبر

كانت خيبر من الأماكن التي استملكها اليهود وبنوا فيها مجموعة من الحصون بلغ عددها ثمانية حصون كانوا يتحصنون بها من كل عدو.

ولما فتح الله تعالى عليه خيبر جاءته ثلاثة منها سلماً وصلحاً، وفي ذلك يقول الماوردي (وَكَانَتْ ثَمَانِيَةَ حُصُونٍ: نَاعِمَ وَالْقُمُوصَ وَشَقَّ وَالنَّطَاةَ وَالْكَتِيبَةَ وَالْوَطيحَ وَالسَّلالِم وَحِصْنَ الصَّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ، وَكَانَ أَوَّلَ حِصْنٍ فَتَحَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّی اللَّه عَلَيْهِ -وآله- وَسَلَّمَ مِنْهَا نَاعِمٌ وَعَنْهُ قُتِلَ مَحمْودُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَخُو مُحمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَالثَّانِی الْقُمُوصُ وَهُوَ حِصْنُ ابْنِ أَبِی الَحقِيقِ، وَمِنْ سَبْيِهِ

(اصْطَفَى رَسُولُ اللَّه صَلَّی اللَّه عَلَيْهِ -وآله- وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَكَانَتْ عِنْدَ كِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِی الَحقِيقِ فَأَعْتَقَهَا رَسُولُ اللَّه صَلَّی اللَّه عَلَيْهِ -وآله- وَسَلَّمَ وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا).

ثُمَّ حِصْنَ الصَّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ وَكَانَ أَعْظَمَ حُصُونِ خَيْبَر وَأَكْثَرَهَا مَالاً وَطَعَامًا وَحَيَوَانًا، ثُمَّ شَقَّ وَالنَّطَاةَ وَالْكَتِيبَةَ فَهَذِهِ الُحصُونُ السِّتَّةُ فُتِحَتْ عَنْوَةً، ثُمَّ افْتَتَحَ الْوَطْيحَ وَالسَّلالِم وَهِيَ آخِرُ فُتُوحِ خَيْبَر صُلْحًا بَعْدَ أَنْ حَاصَرهُمْ بِضْعَ عَشْرة لَيْلَةَ

ص: 222


1- الأحكام السلطانية للماوردي: ص 169 .

فَسَألَوهُ أنَ يَسِيرَ بِهمِ وَيْحقِنَ لَهُم دمِاءَهُمْ فَفَعَلَ ذَلكِ، وَمَلَكَ مِنْ هَذِه الْحصُونِ الثمَّانيِةَ ثَلاثَةَ حُصُونٍ الْكَتِيبَةَ وَالْوَطيحَ وَالسَّلالِم: أَمَّا الْكَتِيبَةُ فَأَخَذَهَا بِخُمُسِ الْغَنِيمَةِ.

وَأَمَّا الْوَطيحُ وَالسَّلالِم فَهُمَا مِّما أَفَاءَ اللَّه عَلَيْهِ؛ لأنهُ فَتَحَهَا صُلْحًا، فَصَارَتْ هَذِهِ الُحصُونُ الثَّلاثَةُ بِالْفَيْءِ وَالْخمُسِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّه صَلَّی اللَّه عَلَيْهِ -وآله- وَسَلَّمَ فَتَصَدَّقَ بِها وَكَانَتْ مِنْ صَدَقَاتِهِ.

وَقَسَّمَ الْخمْسَةَ الْبَاقِيَةَ بَيْن الْغَانِمِينَ وَفِی جُملَتِهَا وَادِي خَيْبَر وَوَادِي السَّريرِ وَوَادِي حَاضِر عَلَی ثَمَانيِةَ عَشَر سَهْمًا، وَكَانَتْ عِدَّةُ مَنْ قُسِمَتْ عَلَيْهِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَهُمْ أَهْلُ الُحدَيْبِيَةِ مَنْ شَهِدَ مِنْهُمْ خَيْبَر وَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَلَم يَغِبْ عَنْهَا إلاّ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللِّه

قَسَمَ لَهُ كَسَهْمِ مَنْ حَضَرهَا، وَكَانَ فِيهِمْ مِائَتَا فَارِسٍ أَعْطَاهُمْ سِتَّمِائَةِ سَهْمٍ، وَأَلْفٌ وَمِائَتَا سَهْمٍ لألفٍ وَمِائَتَيْ رَجُلٍ، فَكَانَتْ سِهَامُ جَميعِهِمْ أَلْفًا وَثَمَانِماِئَةِ سَهْمٍ، أَعْطَى لِكُلِّ مِائَةٍ سَهْمًا فَلِذَلِكَ صَارَتْ خَيْبَر مَقْسُومَةً عَلَی ثَمَانِيَةَ عَشَر سَهْمًا)(1).

دال - أرض فدك

(كان النبي (صلى الله عليه وآله) لما فتح خيبر جاءه أهل فدك فصالحوه بسفارة محيصة بن مسعود على أن لهم نصف أرضهم ونخلهم يعاملهم عليه ولهم النصف الآخر، فصار النصف منها من صدقاته معاملة مع أهلها بالنصف من ثمرتها والنصف الآخر خالصاً لهم إلى أن أجلاهم عمر بن الخطاب فيمن أجلاه من أهل الذمة عن الحجاز فقوم فدك ودفع إليهم نصف القيمة فبلغ ذلك ستين ألف

درهم، وكان الذي قوّمها مالك بن التيهان وسهل بن أبي حتمة وزيد بن ثابت، فصار نصفها من صدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ونصفها الآخر لكافة المسلمين، ومصرف النصفين الآن سواء)(2).

ص: 223


1- الأحكام السلطانية: ص 170 .
2- الأحكام السلطانية: ص 170 ؛ تركة النبي صلى الله عليه -وآله- وسلم لحماد بن إسحاق: ص 79 .

وقد نحل رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه الأرض لفاطمة (عليها السلام) قبل وفاته بأمر من الله تعالى كما سيمر بيانه في المسألة القادمة.

هاء - الثلث من أرض وادي القرى

وهو وادٍ بين المدينة والشام، ما بين تيماء وخيبر؛ وسمي بوادي القرى: لأن الوادي من أوله إلى آخره مكون من عدة قرى، يقع قسمٌ منها على طريق حاج الشام وكان يسكنها اليهود.

وهذه الأرض كانت مقسمة إلى ثلاثة أثلاث فثلثها الأول كان لبني عذرة، وثلثها الثاني والثالث كان لليهود، فصالحهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) على نصفه، فصارت أثلاثاً: ثلثها لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو من صدقاته، وثلثها لبني عذرة، إلى أن أجلاهم عمر بن الخطاب، وقومت في زمانه فكانت قيمتها تسعين ألف دينار)(1).

واو - موضع سوق بالمدينة يقال له: مهروذ أو مهروز

واو - موضع سوق بالمدينة يقال له: مهروذ أو مهروز (2).

فهذا حجم أموال رسول الله (صلى الله عليه وآله) غير المنقولة وجميعها كانت في المدينة وقد قام أبو بكر بحبسها ومصادرتها وجعلها في ميزانية الحكومة الجديدة وجميعها من حق فاطمة عليها السلام تحت عنوان إرثها من أبيها (صلى الله عليه

وآله) فجعلها أبو بكر وعمر صدقة كي تخرج من يدي بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ص: 224


1- الأحكام السلطانية: ص 170 .
2- المصدر السابق.

سعياً منهم بسد المنافذ على علي وفاطمة من التمكن في إنفاق درهم واحد في المطالبة بحق علي (عليه السلام) في خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيستعين به كما استعان رسول الله (صلى الله عليه وآله) بمال خديجة في قيام الإسلام.

ثانياً: أموال رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) غير المنقولة

وسوى هذه الأموال من الأراضي والبساتين كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أموال أخرى وهي منقولة فكانت كالآتي:

1-قال الحسن بن الوشاء: سألت مولانا أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام): هل خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله) غير فدك شيئاً؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام):

«إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خلف حيطاناً بالمدينة صدقة(1)، وخلف ستة أفراس، وثلاث نوق (العضباء، والصهباء، والديباج، وبغلتين: الشهباء والدلدل، وحماره اليعفور، وشاتين حلوبتين وأربعين ناقة حلوباً، وسيفه ذا الفقار، ودرعه ذات الفضول، وعمامته السحاب، وحبرتين يمانيتين وخاتمه الفاضل، وقضيبه

الممشوق، وفراشاً من ليف، وعباءتين قطونتين، ومخاداً من أدم.

فصار ذلك إلى فاطمة عليها السلام ما خلا درعه وسيفه وعمامته وخاتمه فإنه جعلها لأمير المؤمنين عليه السلام »)(2).

ص: 225


1- أطلق الإمام الرضا (عليه السلام) على هذه الحوائط السبعة ب(الصدقة) وذلك لأنها عرفت فيما بين الناس بصدقات رسول الله صلى الله عليه-وآله-وسلم ولذا أسماها للوشاء بما اشتهرت به وعرفت وهو لا يدل على كونها من الأصل كانت صدقة، لأن ذلك مخالف لما هو ثابت في العقيدة الإسلامية من عدم تصدق رسول الله منها على المسلمين فهي ماله الذي انتقل إلى ابنته فاطمة.
2- وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 26 ، ص 103 .

2- روى الشيخ الكليني والصدوق (رحمهما الله) عن أبان بن عثمان عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنه قال: (لما حضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الوفاة دعا العباس بن عبد المطلب

وأمير المؤمنين (عليه السلام) فقال للعباس:

«يا عم محمد تأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته؟ .»

فرد عليه فقال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي إني شيخ كثير العيال قليل المال من يطيقك وأنت تباري الريح، قال: فأطرق (صلى الله عليه وآله) هنيئة ثم قال:

«يا عباس أتأخذ تراث محمد وتنجز عداته وتقضي دينه؟ .»

فقال: بأبي أنت وأمي شيخ كثير العيال قليل المال وأنت تباري الريح، قال: أما إني سأعطيها من يأخذها بحقها ثم قال:

«يا علي يا أخا محمد أتنجز عدات محمد وتقضي دينه وتقبض تراثه؟ .»

فقال:

«نعم بأبي أنت وأمي ذاك علي ولي .»

قال: فنظرت إليه حتى نزع خاتمه من أصبعه فقال:

«تختم بهذا في حياتي .»

قال:

«فنظرت إلى الخاتم حين وضعته في أصبعي فتمنيت من جميع ما ترك الخاتم .»

ثم صاح:

ص: 226

«يا بلال علي بالمغفر والدرع والراية والقميص وذي الفقار والسحاب والبرد والأبرقة والقضيب .»

قال:

«فوالله ما رأيتها غير ساعتي تلك يعني الأبرقة فجيء بشقة كادت تخطف الابصار فإذا هي من أبرق الجنة .»

فقال:

«يا علي إن جبرئيل أتاني بها وقال: يا محمد اجعلها في حلقة الدرع واستدفر بها مكان المنطقة .»

ثم دعا بزوجي نعال عربيين جميعا أحدهما مخصوف والآخر غير مخصوف والقميصين: القميص الذي أسري به فيه والقميص الذي خرج فيه يوم أحد، والقلانس الثلاث: قلنسوة السفر وقلنسوة العيدين والجمع، وقلنسوة كان يلبسها ويقعد مع أصحابه، ثم قال:

«يا بلال علي بالبغلتين: الشهباء والدلدل، والناقتين: العضباء والقصوى والفرسين: الجناح .»

كانت توقف بباب المسجد لحوائج رسول الله (صلى الله عليه وآله) يبعث الرجل في حاجته فيركبه فيركضه في حاجة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحيزوم وهو الذي كان يقول:

«أقدم حيزوم والحمار عفير .»

ص: 227

فقال:«أقبضها في حياتي .»

فذكر أمير المؤمنين (عليه السلام):

«أن أول شيء من الدواب توفي عفير ساعة قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) قطع خطامه ثم مر يركض حتى أتى بئر بني خطمة بقباء فرمى بنفسه فيها فكانت قبره .»

وروي أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:

«إن ذلك الحمار كلم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: بأبي أنت وأمي إن أبي حدثني، عن أبيه، عن جده، عن أبيه أنه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفله ثم قال: يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم، فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار »)(1).

فهذه أملاك رسول الله (صلى الله عليه وآله) المنقولة وغير المنقولة والتي جاءته من خلال الخمس، والهبة، والفيء، والغنيمة وقد انتقلت ملكيتها إلى الزهراء صلوات الله عليها فبعضها انتقل إليها من عنوان الهبة والنحل، وبعضها كان بالإرث وقد حبسها جميعاً أبو بكر وعمر وصادراها، لاسيما أرض فدك التي كانت أعظم هذه الأموال وأكثرها أثراً على المستوى المالي والجباية وعلى المستوى الاستراتيجي والسياسي والعقائدي وذلك لكونها جاءتها أثناء حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبأمر من الله تعالى وكانت تقبض إيرادها المالي وتنظر في إصلاحها وشؤونها أثناء حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ص: 228


1- الكافي للشيخ الكليني: ج 1، ص 237 ، ح 9؛ علل الشرايع: ج 1، ص 167 ؛ البحار: ج 1،ص 167 .

مما أكسبها أي هذه الأرض خصوصية وشأنية لأنها تحمل معها عنوان الشأنية والعناية الإلهية بفاطمة وذريتها ومن ثم أراد الحاكم الجديد قطع جذور هذه الحرمة والشأنية التي لفاطمة عند الله تعالى وعند رسوله (صلى الله عليه وآله) فضلاً عن الجانب المالي الذي كان لهذه الأرض.

وقد جاءت فاطمة (عليها السلام) تطالب بجميع هذه الأموال كما أسلفنا في حديث عائشة.

وعليه:

فهذا الارث منعت منه فاطمة(عليها السلام) جهراً امام الملئ من الصحابة فلم يحركوا ساكناً ولم يهتز لهم جفن فيما كان يرون ويسمعون.

ومن ثم كانت المقاصدية هي الكشف عن حقيقة أولئك الذين اتخذهم المسلمون ائمة يقدمون بهم على الله يوم القيامة.

ص: 229

ص: 230

المبحث الثاني والثلاثون: المقاصدية في نفي أخلولق الذكر وبعُد العهد

اشارة

ص: 231

أخرجه الشيخ الكليني بلفظ: قوله (عليه السلام): «ولَم يَتَبَاعَدِ العْهَدْ ولَم يخَلَق منِكْ الذِّكْرُ »ُوأخرجه الطبري الإمامي بلفظ: «ولَم يبَعْدُ بكِ العهَدْ ولَا أخلْولْق منِكْ الذكِرُ .» وأخرجه الشريف الرضي بلفظ: «هذا ولَم يطَلِ العهَدْ ولَم يخَلُ منِكْ الذكرُ»

ص: 232

قال (عليه السلام) في هذا الشطر من النص الشريف وبحسب ما جاء في رواية الشيخ الكليني، والشيخ المفيد، والشيخ الطوسي بلفظ:

«ولم يتباعد العهد ولم یخلَق منك الذكر »(1)

وأخرجه الطبري الإمامي بلفظ:

«ولم يبعد بك العهد و لا أخلولق منك الذكر »(2).

وأخرجه الشريف الرضي بلفظ:

«هذا ولم يطل العهد ولم يخل منك الذكر»(3).

إن تعدد صيغة اللفظ كما أورده علماء الطائفة الإمامية (اعلى الله شأنهم)، يرشد مدلولات متعددة اكتنزها كل واحد من هذه الألفاظ الثلاثة، ومن ثم: فنحن نحتمل ورودها في أصل النص الشريف إلا أنَّ الاختلاف وَقَعَ تصحيفاً من النساخ لهذه المصنفات مما يلزم البحث في كل لفظ بغية الوصول الى المقاربة لمقصده (صلوات الله وسلامه عليه) بما يجود علينا المعنى من مدلولات في كل لفظ

على حدة، فكانت على النحو الاتي:

ص: 233


1- الكافي: ج 1 ص 459 ؛ الامالي للمفيد: ص 83 ؛ الامالي للطوسي: ص 110 .
2- دلائل الامامة: ص 138 .
3- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 320 .

المسألة الاولى: القصدية في (العهد) الذي لم يبعد

اشارة

بالرجوع الى معنى المفردة في اللغة، اي (العهد) نجد إن لها مدلولات كثيرة، منها:

1-الموثق، كقوله تعالى ﴿تُؤْتُونِ مَوْثِقًا﴾ في قظية اولاد يعقوب.

2- كل ما عوهد الله عليه.

3-كل ما امر به الله ونهى عنه.

4- الاقامة كما في الدعاء وانا على عهدك ووعدك ما استطعت.

5-والعَهْدُ: الوصية كقوله «عهدت اليه »، اي: اوصيته، وفي قول امير المؤمنين: عهد الي حبيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، اي: اوصاني.

6- العهد: الوفاء، كما في قول الله عزّ وجل ﴿وَمَا وَجَدْنَا لِأکثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ﴾(1).

7- العهد: الإمان، كما في قوله تعالى ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾(2).

8-العهد: الحفاظ ورعاية الحرمة.

وفيه قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد دخلت عليه امرأة فأسر بها وأحفى، فجعل يأكل من الطعام ويضع بين يديها، فقالت عائشة: لا تغمر يديك؛ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

«إنها كانت تأتينا ايام خديجة وأن حسن العهد من الايمان »(3).

9- واهل العهد، أي أهل الذمة، ومنه المعاهدة.

ص: 234


1- سورة الاعراف، الآية ( 102 ).
2- سورة البقرة، الآية ( 124 ).
3- المعجم الكبير للطبراني: ج 23 ص 14 .

10- والعهد: الإلتقاء.

11- العهد: الرؤية، وعَهْدُه: رؤيته، ويقال: متى عهدك بفلان، أي متى رؤيتك اياه.

وللوقوف على هذه المعاني وأيهما الألصق والأقرب لمقصده الشريف بحسب ما يكتنزه اللفظ من دلالة نوردها بحسب ما جاء من صيغة، وهي كالاتي:

أولاً: القصدية في لفظ «ولم يتباعد العهد . »

ويراد به الرؤية وذلك بحسب المقاربة لقصدية المعنى في قول العرب:

(متى عهدك بفلان؟، أي متى رؤيتك اياه)(1).

- بن اليمان قال:

(سألتني أمي، منذ متى عهدك بالنبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم)؟

قال: فقلت مالي عهد به منذ كذا وكذا.

قال: فهمت بي ونالت مني وسبتني، قال: فقلت لها دعيني فاني آتي النبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم) فاصلي معه المغرب ثم لا أدعه حتى يستغفر لي ولك.

قال: فاتيت النبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم) فصليت معه المغرب فصلى النبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم) العشاء ثم انفتل فتبعته فعرض له عارض فناجاه ثم ذهب فاتبعته فسمع صوتي فقال: من هذا؟

فقلت: حذيفة.

قال: مالك؟

ص: 235


1- لسان العرب لابن منظور: ج 3 ص 313 .

فحدثته بالأمر، فقال: غفر الله لك ولأمك.

ثم قال: أما رأيت العارض الذي عرض لي قبيل؟

قال: قلت بلى.

قال: فهو ملك من الملائكة لم يهبط الأرض قبل هذه الليلة فاستأذن ربه ان يسلم علي ويبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة)(1).

وعليه:

يكون القصد في هذا اللفظ أن هذه المصائب وقعت بعد فترة قصيرة من وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث لم تتباعد رؤيتهم له.

ثانياً: القصدية في لفظ «ولم يبعد بك العهد . »

ومعنى العهد هنا هو: اللقاء.

إذ قالت العرب:

(العهد: الإلتقاء. وعَهِدَ الشيءَ عَهْداً: عرَفه؛ ومن العَهْدِ أَن تَعْهَدَ الرجلَ على حال أَو في مكان، يقال: عَهْدِي به في موضع كذا وفي حال كذا؛ وعَهِدْتُه بمكان كذا، أَي لَقِيتُه، وعَهْدِي به قريب؛ وقول أَبي خراش الهذلي:

ولم أَنْسَ أَياماً لَنا ولَيالِياً*** بِحَلْيَةَ إِذْ نَلْقَى بها ما نُحاوِلُ

فَلَيْسَ كعَهْدِ الدارِ يا أُمَّ مالِكٍ*** ولكِنْ أَحاطَتْ بالرِّقابِ السَّلاسِلُ

ص: 236


1- مسند احمد: ج 5 ص 391 ؛ فضائل الصحابة للنسّائي: ص 58 .

أَي: ليس الأَمر كما عَهِدْتِ ولكن جاء الإِسلامُ فهدم ذلك؛ وأَراد بالسلاسل: الإِسلامَ، وأَنه أَحاط برقابنا فلا نسْتَطِيعُ أَن نَعْمَلَ شيئاً مكروهاً.

وفي حديث أُم زرع:

ولا يَسْأَلُ عمَّا عَهِدَ، أَي: عما كان يَعْرِفُه في البيت من طعام وشراب ونحوهما لسخائه وسعة نفسه)(1).

ونلاحظ هنا:

إنهم جاءوا بلفظ العهد للدلالة على الالتقاء بالشخص أو المكان أو الأشياء.وعليه:

يكون القصد في هذا اللفظ: «ولم يبعد بك العهد .»

أي: اللقاء لم يكن بعيداً، وهو يكشف أيضا عن أن الصحابة لاسيما رموز السقيفة قد سارعوا الى ظلم فاطمة (عليها السلام) بعد لقائهم الأخير بالنبي (صلى الله عليه وآله).

بمعنى: إنَّهم أسرعوا في أنتهاك حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهضموا حقها، ومنعوا أرثها.

ثالثاً: القصدية في لفظ «ولم يطل العهد . »

ومعنى العهد هنا: الزمن.

وهذا العهد ذكره ابن منظور، فقال:

(والعَهْد: الزمانُ، وقريةٌ عَهِيدَةٌ أَي قديمة أَتى عليها عَهْدٌ طويلٌ.

ص: 237


1- لسان العرب لأبن منظور: ج 3 ص 313 .

ويقال في المثل: متى عهدكَ بأَسفلِ فيكَ؟ وذلك إِذا سأَلته عن أَمر قديم لا عهد له به.

ومِثْلُه: عَهْدُك بالفالياتِ قديمٌ.

يُضْربُ مثلاً للأَمر الذي قد فات ولا يُطْمَعُ فيه؛ وانشد الشاعر:

وعَهْدي بِعَهْدِ الفالياتِ قَديمُ)(1).

وعليه:

تكون القصدية هنا في قوله (عليه الصلاة والسلام):

«ولم يطل العهد .»

لم يطل الزمان على فراقك ووفاتك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى يتم نسيانك ونسيان ذكرك كي يهجمون على بيت فاطمة ويرّوعونها، ويهضمون حقها، ويمنعون أرثها، فتدفن سراً وهي غاضبة واجدة على من ظلمها.

اذن:

القصدية هنا: الزمن.

فلم يكن الزمن الفاصل بين وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وظلم الزهراء (عليها السلام) بعيداً بل بزمن قرب؛ لأن النفي في الأصل لول الزمن مما يدل على أن الأحداث وقعت بعد زمن قصير من وفاته (صلى الله عليه وآله)، ولعلها ساعات وليست ايام كما سيمر لاحقاً.

ص: 238


1- لسان العرب: ج 3 ص 315 .

المسألة الثانية: القصدية في «لم يخلولق الذكر » ظاهرة ومضمرة

إنَّ هذا الجزء من النص مرتبط من حيث الدلالة مع الجزء الذي سبقه، أي قوله (عليه السلام): «ولم يبعد بك العهد .»

ولكن يبقى لكل لفظ مقصده ومعناه المضمر في قوالب المفردات واستخدامها عند العرب، وللوقوف على هذا المعنى المضمر والمستتر بغية الوصول الى المقاربة في قصدية الامام (عليه الصلاة والسلام) نرجع الى أهل اللغة أولاً ثم نعرج على مكونات المعنى.

الخَلقْ و الاخلَوُلَق في اللغة .

1- قال الفراهيدي (ت 175 ه):

(خلق الثوب، يخلق خلوقة، أي: بلي

وثوب اخلاق: ممزق من جوانبه).(1)

2- قال ابن فارس (ت 395 ه):

(أخلق الشيء وخلق إذا بلي، وأخلقته: أنا أبليته)(2).

أمّا تخصيص اللفظة اسماً أو فعلاً، أي: خَلقَ أو يخلولق عند العرب فهو للزمن والدهر واثره في الاشياء.

ص: 239


1- العين للفراهيدي: ج 4 ص 152 .
2- معجم مقاييس اللغة: ج 2 ص 214 .

3- قال ابن سيدة (ت 458 ه):

(خَلُق الثوبُ خُلُوقةً وخُلُوقا وأخْلَق وجَمع الخَلَق: خُلْقانُ وأخْلاق؛ وقال الأصمعي: لا يُقال: خَلُقَ؛ وقال سيبويه: اخْلَولَق وأخْلَقه الدهرُ)(1).

إذن:

العرب تخصص اخلولق مع الدهر، بمعنى تأثير الزمن في الاشياء، ومنه ثوب خَلَقَ، أي: بالي وممزق بفعل ما مرَّ عليه من الزمن فأصبح قديماً عتيقاً.

ومن هنا: يتضح أنّ القصدية في قوله (عليه الصلاة والسلام):

«ولم يُخلَولَقْ مِنْكَ الذِّكْرُ »

أو: «ولَم يَخلُ مِنْكَ الذِّكْرُ .»

أو «ولم يخلق منك الذكر » ظاهرة ومضمرة؛ فأما القصدية الظاهرة، فهي الفترة الزمنية التي وقعت فيها هذه الرزايا العظيمة ما بين وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما بين استشهاد الزهراء (عليها السلام) ودفنها والتي سنورد في ذلك ما جاء من النصوص في تحديد هذه الفترة الزمنية ومن ثم فهو (عليه السلام) يشير الى التسارع في وقوع هذه الاحداث.

وأمّا القصدية المضمرة، فهي دفع المتلقي الى البحث عن الاسباب التي أدّت الى هذه الاحداث المتسارعة والمفجعة والغريبة على واقع الاسلام والمسلمين حتى يقف المتلقي مع نفسه متسائلا كيف جرت هذه الاحداث وبهذه السرعة غير مصدق لما يسمع من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وذلك بفعل تقيده بالموروث العقدي والفكري حول خير القرون، وعدالة الصحابة، ومكانتهم وفضلهم.

ص: 240


1- المخصص: ج 1 (ق 4 السفر الرابع) ص 92 .

وثم:

سيندفع لا محالة إن كان من أهل العقل والفطرة السليمة للبحث عن واقع هذه الفترة الزمنية وما جرى فيها، وهو ما يمثله القسم الموازي للقصدية، وهو: المقبولية.

بمعنى: إن دراسة النص الشريف في قصديته تلزم الباحث في دراسة مقبوليته وهو ما يدفع الى متابعة البحث في تلك الفترة الزمنية التي انحصرت بين وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبين أن تدفن ابنته وبضعته وسيدة نساء العالمين سراً.

وهذا ما سنجيب عنه بكوننا من المتلقين للنص وواقعين لا محالة تحت تأثير النص وما قصده منتجه (عليه السلام) لعلّنا نصل الى مقاربة قصده (صلوات الله وسلامه عليه) وهو ما سنتناوله في المسائل المتبقية في هذا المبحث، وهي كالاتي:

المسألة الثالثة: لم يبلَ ذكره لكن غيرت سنته في اليوم الثاني من وفاته(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

اشارة

إنّ أول أثر يحدثه النص الشريف في هذا الجزء، أي:

«ولم يبعد ربك العهد ولم يخلق منك الذكر » او بألفاظه الاخرى التي أوردها علماء الإمامية (رضوان الله تعالى عليهم) هو تحريك المشاعر الإنسانية وتحريك الذهن ودفعه للتفكّر والبحث والتأمّل.

وعليه:لسنا بمعزل عن أولئك المتلقين لهذا النص الشريف فذهبنا للبحث والدراسة فكانت النتيجة في طرح هذه الاسئلة:

ص: 241

أولاً: ماذا حدث في اليوم الثاني لوفاة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وهو لم يدفن بعد؟!

وجوابه:

بعد ان تمت البيعة لأبي بكر في يوم وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في سقيفة بني ساعدة؛ عزم هو وعمر بن الخطاب في اليوم الثاني لوفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يوم الثلاثاء بحسب ما نصت عليه كتب السيرة على اخذ البيعة العامة من الناس، وكونها عامة فهذا يتطلب أن تجري في المسجد النبوي.

فكيف كان مجيء الناس الى المسجد وهم قد فجعوا بوفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!!؛ وكيف تطيب لهم نفساً بالقدوم للبيعة والنبي (صلى الله عليه وآله) لم يوار الثرى، ولم يصل عليه بعد؟!.

ولقد كان الناس خلال اليومين اذا سمعوا بلال يؤذن ينتحبون عند قوله:

«اشهد ان محمد رسول الله » فما الذي حدث؟ وكيف اخذت البيعة لأبي بكر من الناس.. والناس هذه حالهم؟!.

فلنرَ هذه الصورة من خلال لسان البراء بن عازب، وزائد بن قدامة.

يقول البراء بن عازب:

(فلما صنع الناس ما صنعوا من بيعة أبي بكر -في السقيفة- أخذني ما يأخذ الواله الثكول مع ما بي من الحزن لوفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجعلت أتردد وأرمق وجوه الناس، وقد خلا الهاشميون برسول الله لغسله وتحنيطه، وقد بلغني الذي كان من قول سعد بن عبادة ومن اتبعه من جملة أصحابه فلم أحفل بهم وعلمت أنه لا يؤول إلى شيء(1).

ص: 242


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 1 ص 73 وج 2 ص 132 ط مصر، كتاب سليم بن قيس: ص 25 ط مؤسسة البعثة.

فجعلت أتردد بينهم وبين المسجد وأتفقد وجوه قريش، فإني لكذلك إذ فقدت أبا بكر وعمر)(1).

وصادف في هذا الوقت -والقول لزائدة بن قدامة-:

«إن جماعة من الأعراب قد دخلوا المدينة ليتماروا منها -أي: يشتروا التمر- فشغل الناس عنهم بموت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فشهدوا البيعة وحضروا الأمر، فأنفذ إليهم عمر واستدعاهم وقال لهم: خذوا بالحظ من المعونة على بيعة خليفة رسول الله وأخرجوا إلى الناس واحشروهم ليبايعوا، فمن امتنع فاضربوا رأسه وجبينه .»

قال البرّاء: (ثم لم ألبث حتى إذا أنا بأبي بكر وعمر وأبي عبيدة قد أقبلوا في أهل السقيفة وهم محتجزون بالأزر الصنعانية)(2).

يقول زائدة: «والله لقد رأيت الأعراب تخرموا واتشحوا بالأزر الصنعانية وأخذوا بأيديهم الخشب، وخرجوا حتى خبطوا الناس خبطاً، وجاءوا بهم مكرهين إلى البيعة .»

قال البرّاء: ف «لا يمر بهم أحد إلا خبطوه فأنكرت عند ذلك عقلي جزعاً منه مع المصيبة برسول الله (صلى الله عليه وآله) !؟»

فخرجت مسرعاً حتى أتيت بني هاشم والباب مغلق دونهم فضربت الباب ضرباً عنيفاً، وقلت: يا أهل البيت، فخرج إلي الفضل بن العباس فقلت: قد بايع الناس أبا بكر(3)؟.

ص: 243


1- كتاب سليم بن قيس: ص 25 ط مؤسسة البعثة، شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 1 ص 73 و ج 2 ص 132 ط مصر.
2- سليم بن قيس: ص 25 ، شرح النهج للمعتزلي: ج 1 ص 73 و ج 2 ص 132 .
3- كتاب سليم بن قيس: ص 25 - 26 ط مؤسسة البعثة.

«فسمع العباس وعلي التكبير في المسجد ولم يفرغوا من غسل رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟!

فقال علي: ما هذا؟!

قال العباس: ما رؤي مثل هذا قط؟! أما قلت لك(1) فقد تربت أيديكم منها إلى آخر الدهر، أما إني قد أمرتكم فعصيتموني »(2).

إذن: هكذا يتم البرّاء بن عازب المشهد الذي رآه في يوم الثلاثاء وهو اليوم التالي لوفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)(3)!!

وبهذه الطريقة جمع الناس للبيعة.. فإن شئت سمها إرهاباً!.. وإن شئت سمها اجتهاداً.. ولكن مما لا يختلف فيه اثنان أن هذه الطريقة قد أرعبت أهل المدينة، وأدخلت في قلوبهم الذعر والخوف.

ثانياً: حكم من أخاف أهل المدينة في السنة النبوية
اشارة

إن من بديهيات الفكر الإسلامي هو قيام رسول الله (صلى الله عليه وآله) بتنبيه أمته من المخاطر التي تحيط بها وتحذير المسلمين ومن يعايشهم في بلادهم من انتهاك حرمات الإسلام.

ومن هنا: فقد حدد النبي الهادي (صلى الله عليه وآله) هذه الحرمات فكان منها: حرمة المدينة المنورة، وحرمة أهلها، فأما حرمة المدينة الطيبة فقد روي عنه (صلى الله عليه وآله) ما يأتي:

ص: 244


1- العقد الفريد لابن عبد ربه: ج 4 ص 257 - 258 ط دار الكتاب العربي، عيون الأخبار لابن قتيبة:ج 2 ص 165 .
2- كتاب سليم بن قيس: ص 29 ط مؤسسة البعثة.
3- سمط النجوم: ج 2 ص 245 - 246 ط السلفية، مروج الذهب: ج 3 ط دار القلم.
ألف - ما أخرجه البخاري ومسلم

أخرج البخاري ومسلم، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عن النبي (صلى الله عليه وآله)، أنه قال: «المدينة حرم ما بين عير إلى ثور؛ فمن أحدث فيها حدثاً، أو آوى محدثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين؛ لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً » (1).

باء - ما أخرجه أبو داود

ذكر أبو داود في السنن، من حديث علي بن أبي طالب عليه السلام، عن النبي (صلى الله عليه وآله): «المدينة حرام ما بين عافر إلى ثور؛ فمن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين؛ لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلا،ً لا يختلي خلالها، ولا ينفر صيدها، ولا تلفظ لفظها إلا لمن أنشد بها، ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال، ولا يصلح أن يقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجلاً بعيره »(2).

وعليه:

اذا كان حال من اخاف اهل المدينة في السنة عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فكيف يكون حال من أخاف بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ومن ثم من يقدم على هتك حرمة بيت النبوة لن يكون أمامه مانعا من هتك بقية الحرمات؛ بل يصبح قطع الرؤوس وجلد الأبشار، أي: الاجسام امراً هيناً.

ص: 245


1- صحيح البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب: حرم المدينة برقم ( 1870 )، صحيح مسلم، كتاب الحج، باب: فضل المدينة حديث ( 1366 ).
2- سنن أبي داود، باب تحريم المدينة، حديث ( 2034 ) ج 2 ص 529 ، مشير العزم الساكن لابن الجوزي: ص 235 مكتبة الصحابة بجدة.

وهذا الذي حدث من خلال الخطبة الاولى للخليفة ابي بكر بعد ان بايعه الناس في اليوم الثاني لوفاة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وهو لم يدفن بعد!!

ثالثاً: كيف جرت بيعة ابي بكر؟ وماذا اشتملت خطبته بعد البيعة ؟

بعد أن جُع قسم كبير من الناس في داخل المسجد النبوي في يوم الثلاثاء بتلك الطريقة المؤلمة، مع ما بهم من الألم والحزن لفقد رسول الله (صلى الله عليه وآله).

«جلس أبو بكر على المنبر -والرواية لأنس بن مالك- فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر، فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله.

وقال: أيها الناس إني قد كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت إلا من رأي، وما وجدتها في كتاب الله، ولا كانت عهداً عهده إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ولكن قد كنت أرى أن رسول الله -صلى الله عليه وآله- سيدبر أمرنا حتى يكون آخرنا؛ وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي هدى به رسوله فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه له، وإن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله وثاني اثنين إذ هما في الغار، فقوموا فبايعوا.

فبايع الناس أبا بكر، البيعة العامة بعد بيعة السقيفة »(1).

والظاهر: إن التكبير الذي علا في المسجد كان من أولئك الأعراب الذين جمعوا الناس وأدخلوهم إلى المسجد بالخبط بالخشب كي ينالوا بالحظ الأوفر من البيعة للخليفة كما وعدهم عمر بن الخطاب.

ولعل هناك من كبر أيضاً من أولئك الناس بعد أن أحس بألم تلك الضربات على ظهره فوجد التكبير متنفساً عن هذه الآلام.

ص: 246


1- مختصر صفة الصفوة لابن الجوزي: ص 12 - 13 ط دار الحديث بالقاهرة، الثقات للبستي: ج 2ص 159 ط دار الفكر، نهاية الأرب للنويري: ج 19 ص 39 ط دار الكتب المصرية.

ولذا: نجد أن الإمام علياً (عليه السلام) يسأل عمه العباس بن عبد المطلب بعد سماعهما التكبير، قائلاً: ما هذا؟؟!

فيرد عم النبي (صلى الله عليه وآله): ما رؤي مثل هذا قط!!!

وبعد ان قام الحاضرون وبايعوا ابي بكر قام خطيباً:

(فحمد الله واثنى عليه، الى ان قال:

ألا وانكم ان كلفتموني ان اعمل فيكم مثل عمل رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )لم اقم به!!

كان رسول الله (صلَّی الله عليه وآله) عبدا أكرمه الله بالوحي؛ وعصمه.

الا وإنما أنا بشر، ولست بخير من أحدكم فراعوني، فإن رأيتموني استقمت فاتبعوني، وإذا رأيتموني زغت فقوموني.

واعلموا أن لي شيطانا يعتريني.. فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني.. لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم)(1).

رابعاً: إنّ قطع الرؤوس وجلد الجسوم هو ايسر ما يلاقيه المعارضون للخليفة، فكيف لا تدفن الزهراء سراً

إنّ النظر الى مضامين الخطبة الاولى للخليفة ابي بكر بعد بيعة الناس له في المسجد النبوي والتي حددها بالأمور الاتية:

1- عدم تكليفه بالعمل بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإذا تم تكليفه بالعمل بالسنة النبوية فأنه لم يعمل.

ص: 247


1- المنتظم لأبن الجوزي: ج 4 ص 68 - 69 (ط دار الكتب العلمية)؛ نهاية الارب للنويري: ج 19 ص 43 (ط المصرية).

2-إن الخليفة بشر وأنّ هناك من الصحابة من هو خير منه ومن ثم لا يقال له إنّ فلاناً عمل كذا أو كذا، فهو لن يستطيع ان يعمل عمل الخيرين من الصحابة، ومن ثم يلزم بهم مراعاته كما طالبهم بقوله:

(ألا وإنّما أنا بشر، ولست بخير من احدكم فراعوني).

3- إنّ زيغ الخليفة عن الطريق الذي رسمه القرآن والسنة وهو قطعي الحدوث ، ولذا: احتاج الى الرعية كي تقومه وتعيده الى الطريق، وهو قوله: (واذا رأيتموني زغت فقوموني).

4- إنّ للخليفة شيطانا يعتريه، فإذا اعتراه شيطانه فأقل ما يعمله في الصحابة الذين بايعوه هو قطع رؤوسهم وجلد جسومهم، وذلك لقوله: (واعلموا إنّ لي شيطاناً يعتريني فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني لا أوثر في أشعاركم وأبشاركم).

5- إنّ تهديد الصحابة بقطع رؤوسهم اذا غضب الخليفة، قد قطع الطريق عليهم فيما سبق من الطلب بتقويمه إذا زاغ أو مطالبته بالعمل بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو المقارنة بينه وبين الخيرين من الصحابة فلا شك أنّ كل ذلك وغيره سيغضب الخليفة.

بل بدى لدى الصحابة الحيرة والخوف فهم لا يعلمون متى سيعتري الخليفة شيطانه فيغضب فيقطع رؤوسهم او يجلد أجسامهم.

بل أصبح من البداهة أن السنة الجديدة التي ترتكز على عدم اغضاب الخليفة تحرزاً من اعتراء الشيطان له هي السنة السائدة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ص: 248

بل أصبح من البداهة ايضا ان يتساءل امير المؤمنين علي بن ابي طالب مشتكياً الى سيد الخلق اجمعين بدفن ابنته سراً، وهضم حقها قهراً، ومنع إرثها جهراً؛ بل أصبح من البداهة أن قصديته في قوله:

(ولم يطل العهد ولم يخل منك الذكر) هو سنة الخليفة الجديدة بعد اعتراء شيطانه الذي دفعه أن يأمر بالهجوم على بين النبوة بقيادة عمر بن الخطاب فوقع ما وقع فكان سبباً في صدور هذا النص الشريف.

ص: 249

ص: 250

المبحث الثالث والثلاثون: سرعة الانقضاض على بضعة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بعد وفاته بأيام يكشف القصدية المضمرة «لم يطل العهدولم يخل منك الذكر »

اشارة

ص: 251

قوله (عليه السلام): «هذَا ولَم يطَلِ العْهَدْ ولَم يخَلُ منِكْ الذِّكْر »ُ

اشارة

ص: 252

يتساءل ابن ابي الحديد المعتزلي (ت 657 ه) في تلقّيه للنص الشريف في مدى مقبوليته لقوله (عليه السلام): «هذا ولم يطل العهد ولم يخل منك الذكر .»

بقوله في شرح النهج:(اي لم ينس.

فإن قلت:

فما هذا الامر الذي لم ينس ولم يخلق، إن لم يكن هناك نص؟) (1).

ثم يجب ابن ابي الحديد المعتزلي على تساءله عن الذكر الذي لم ينس والذي سنناقشه في نهاية مباحث النص الشريف.

ولكن:

الذي نحن في صدده هنا، إنّ المعتزلي التفت الى وجود نص من النبي (صلى الله عليه وآله) وهو الذي قصده أمير المؤمنين (عليه السلام) في قوله: «لم يطل العهد ولم يخل منك الذكر »، إلّا أن المعتزلي كعادته يراوغ ويوالف في المواقف.

ص: 253


1- شرح نهج البلاغة: ج 10 ص 270 ؛ وسنورد قوله هذا وغيره في مبحث مقبولية النص لاحقاً.

لكن هذا النص الذي يتساءل عنه المعتزلي قد خرج من أجله امير المؤمنين (عليه السلام) حاملاً معه فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وولدهما الحسن والحسين (صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين) يطوف بهم على بيوت الصحابة من المهاجرين والانصار يستذكرهم العهد الذي اخذ عليهم في غدير خم، كما تفيد

النصوص الاتية:

1- روى الطبرسي، وسليم بن قيس الهلالي، عن الإمام علي(عليه السلام)، أنّه قال: «فلما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) اشتغلت بغسله وتكفينه والفراغ من شأنه، ثم آليت على نفسي يمينا أن لا أرتدي برداء إلا للصلاة حتى أجمع القرآن ففعلت، ثم أخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين فدرت على أهل بدر وأهل السابقة، فناشدتهم حقي ودعوتهم إلى نصرتي فما أجابني منهم إلاّ أربعة رهط، سلمان وعمار وأبو ذر والمقداد، ولقد راودت في ذلك بقية أهل بيتي فأبوا عليّ إلا السكوت لما علموا من وغارة صدور القوم، وبغضهم لله ورسوله ولأهل بيت نبيه »(1).

2- وروى ابن أبي الحديد عن الإمام الباقر (عليه السلام) جواب هؤلاء القوم إلى فاطمة (عليها السلام) حينما كانت تطلب منهم نصر علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال:

«إنّ عليّاً حمل فاطمة (عليها السلام) وسار بها ليلاً إلى بيوت الأنصار يسألهم النصرة وتسألهم فاطمة الانتصار له، فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، لو كان ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلنا به.

ص: 254


1- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 98 ؛ سليم بن قيس الهلالي: ص 211 ؛ نهج الإيمان لابن حجر: ص 579 ؛ مستدرك الوسائل: ج 11 ، ص 74 .

فقال علي -عليه السلام-: أكنت أترك رسول الله ميتاً في بيته لا أجهزه، وأخرج إلى الناس أنازعهم في سلطانه؟

وقالت فاطمة: «ما صنع أبو حسن إلاّ ما كان ينبغي له، وصنعوا هم ما الله حسيبهم عليه »(1).

وفي لفظ آخر قالت:

«ما الله حسيبهم وطالبهم »(2).

3-وقد روى سليم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي أن أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) قد ناشدهم النصرة في ثلاث ليال، فكان يأتي يدور على بيوتهم في كل ليلة فيناشدهم فيقولون: (نصبحك بكرة) فما منهم أحد أتاه إلا هؤلاء الأربعة،وهم سلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري وعمار بن ياسر والمقداد بن الأسود(3).

فلما رأى غدرهم وقلة وفائهم له لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه، فلم يخرج من بيته حتى جمعه وكان في الصحف والشظاظ والأسبار والرقاع فلما جمعه كله وكتبه بيده على تنزيله وتأويله والناسخ منه والمنسوخ، بعث إليه أبو بكر أن اخرج فبايع.

فبعث إليه علي (عليه السلام): «إني لمشغول وقد آليت نفسي يمينا أن لا أرتدي رداء إلا للصلاة حتى أؤلف القرآن وأجمعه .»

ص: 255


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 6، ص 13 ؛ السقيفة وفدك للجوهري: ص 64 ؛ البحار للمجلسي: ج 28 ، ص 187 .
2- الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري: ج 1، ص 19 .
3- سليم بن قيس الهلالي: ص 146 .

فسكتوا عنه أياما فجمعه في ثوب واحد وختمه، ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله، فنادى علي (عليه السلام) بأعلى صوته:

«يا أيها الناس، إني لم أزل منذ قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) مشغولا بغسله ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب الواحد، فلم ينزل الله تعالى على رسول الله (صلى الله عليه وآله) آية إلا وقد جمعتها، وليست منه آية إلا وقد جمعتها وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلمني تأويلها .»

ثم قال لهم علي (عليه السلام): «لئلا تقولوا غدا:﴿إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾(1).

ثم قال لهم علي (عليه السلام):

«لئلا تقولوا يوم القيامة إني لم أدعكم إلى نصرتي ولم أذكركم حقي، ولم أدعكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته .»

فقال عمر: ما أغنانا ما معنا من القرآن عما تدعونا إليه ثم دخل علي عليه السلام بيته)(2).

وعليه:

فإن التحرك الذي قام به الامام علي (عليه السلام) أعقبه سرعة في الانقضاض على بضعة النبي (صلى الله عليه وآله) بل على بيت النبوة بمن فيه، وهو ما سنتناوله في المسائل القادمة.

ص: 256


1- سورة الأعراف، الآية ( 172 ).
2- سليم بن قيس الهلالي: ص 146 - 147 .
المسألة الاولى: كونها البضعة لم يردع الخليفة في حربه لها

إن ما وعد به الخليفة في خطبته مع الصحابة في قوله:

(فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني لا أؤثر في اشعاركم وابشاركم).

لم يكن مجرد تحذير لهم، فها هو اليوم يمضي في وعيده للصحابة وليكن أول من يتلقى هذا التهديد هو أقدس بيت في الاسلام، بيت فاطمة وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

ولذا:

لم يدرع الخليفة في حربه لهذا البيت كون أهله هم أهل بيت النبوة وموضع الرسالةومهبط الوحي والتنزيل.

لاسيما وهو يشاهد الإمام علي قد حمل فاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) يدور بهم على بيوت الصحابة فيسألهم حقه وحرمة أهل بيته.

فأصحاب السقيفة وعلى رأسهم الخليفة لم يكونوا في غفلة من هذا التحرك لأهل بيت النبوة (عليهم السلام)، لاسيما وأنّ الامام علي (عليه السلام) حمل معه بضعة النبي (صلى الله عليه وآله) وسيدا شباب اهل الجنة، مما يدل على أنهم على مبدأ واحد وأنهم الشهود عليهم يوم القيامة، فقد سمعوا وشهدوا ما دار بين علي وبين الصحابة خلال ثلاث ليالٍ، ومن ثم قد يكسب علي (عليه السلام) الجولة حينما يجد المناصر له فيعيد الأمر إلى موضعه الصحيح، ولذا سيخسر هؤلاء الدنيا مع علمهم ويقينهم بأنهم خسروا الآخرة.

ص: 257

وعليه:

فلتكن إحدى الدارين قد ذهبت ولكن فلتبقَ الأولى وهي الدنيا التي كانت أكبر همهم وهي التي كان ثمنها الآخرة، فكيف يتركون عليّاً يكسب الجولة في هذه الحرب.

ولذلك:

بادروا إلى تحرك سريع إتجاه رأس المعارضة لانقلاب السقيفة وصاحب الحق في الخلافة ومواجهته بحرب مفتوحة وبمختلف الوسائل، وعلى جميع الأصعدة سواء كانت نفسية أو عسكرية أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو عقدية.

فضلاً عن ذلك فقد حرصوا على كسر حاجز القداسة عن لأهل هذا البيت،ونسف حدود الحرمة التي لديه والتي أثبتها القرآن والسُّنة منذ أن وطئت أقدام النبي (صلى الله عليه وآله) أرض المدينة.

وبهذا يكون أقطاب السقيفة قد حققوا بهذه الحرب المفتوحة أكثر من هدف فضلاً عن تحقيقهم للهدف الأسمى وهو الجلوس على كرسي الحكم ومسك زمام السلطة وسيادة العرب التي كان يحلم بها زعماء العرب وشيوخ قبائلها فكيف الآن وقد جمعها رسول الله (صلى الله عليه وآله) تحت راية واحدة وإن كانت راية دينية تختلف

عما كان عليه العرب من معتقدات وديانات قبل الإسلام.

أي إن تجمعهم على دين واحد أفضل من تفرقهم على أديان متعددة، ولذا اختاروا من الإسلام اسمه ومن القرآن رسمه ونهضوا بأيدلوجية جديدة في مظهرها الخارجي درء الفتنة في اختيار الخليفة لأنهم، تركوا بدون خليفة كما روجوا للأمر؛

ص: 258

وفي باطنها ملك عضوض وسلطان عقيم وإمارة ولو على حجارة(1).

إذن:

بدأت ساعة الصفر في عمر العهد الجديد فكانت الحرب المفتوحة على بيت فاطمة وعلي والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين وبتحرك سريع مقابل ذلك التحرك الذي قام به أهل هذا البيت عليهم السلام فكان عقابهم واحداً، ومصيرهم واحداً، وهو حرق دار النبوّة، وقتل البضعة (عليها السلام).

المسألة الثانية: جمع الحطب حول بيت فاطمة (علیها السّلام) وإضرام النار فيه لإحراق البيت بمن فيه
اشارة

بعد انتقال فاطمة (عليها السلام) إلى المدينة وقيام النبي (صلى الله عليه وآله) ببناء المسجد وبناء بعض الحجرات من حوله، كانت إحداها لفاطمة (صلوات الله عليها) فجعلها النبي (صلى الله عليه وآله) في داخل المسجد وجعل لبيتها باباً؛ ومن ثم فبيت فاطمة هو داخل المسجد(2).

ص: 259


1- ذكر الخرائطي: عن عمران بن موسى يقول: يروى عن كعب الأحبار: أنه دخل على عمر بن الخطاب وهو جالس على فراشه، وتحت الفراش حصير، وعن يمينه وشماله وسادتان، فقال له عمر: اجلس يا أبا إسحاق وأشار إلى الوسادة، فنحاها كعب وجلس دونها، ثم قال: إن فيما أوصى به سليمان بن داود عليه السلام: أن لا تغش السلطان حتى يملك، ولا تقعد عنه حتى ينساك...)؛ ولا يخفى أن الذي أراده كعب الأحبار من بيان لحال عمر وسلطانه لجلي على أهل المعرفة؛ (الملتقى من كتاب مكارم الأخلاق للخرائطي: ج 2، ص 234 ، ح 689 ).
2- لمزيد من الاطلاع والمعرفة: أنظر كتابنا (باب فاطمة عليها السلام بين سلطة الشريعة وشريعة السلطة)، وكتابنا: (وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وموضع قبره وروضته بين اختلاف أصحابه واستملاك أزواجه).

وعليه:

فبيت فاطمة وعلي صلوات الله عليهما هو في داخل المسجد، ولا يبتعد عن القبر النبوي الشريف سوى بضع سنتمترات، فضلاً عن أنه من ضمن الروضة التي بين حجرة النبي (صلى الله عليه وآله) وبين المنبر، مما يكشف عن أن هذا البيت له من الحرمة ما للمسجد، والروضة، والقبر النبوي الشريف.

فضلاً عما لأهله من الحرمة والقداسة والشأنية عند الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) والذي لم يزل يظهرها للناس قولاً وفعلاً فقد حدد النبي (صلى الله عليه وآله) ما لهذا البيت من الحدود الشرعية وفرضها على الأمة من خلال كيفية التعامل

مع أهل بيته منذ أن جمع تحت سقفه عليّاً وفاطمة (عليهما السلام).

فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأتي إلى هذا البيت ويقف عند بابه في كلصباح فيقول:

«أنا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم »(1).

وبلفظ:

«أنا حرب لمن حاربتم، وسلم لمن سالمتم »(2).

وبلفظ:

«أنا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم »(3).

ص: 260


1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 3، ص 208 ؛ تفسير فرات الكوفي: ص 340 ؛ تهذيب الأحكام للطوسي: ج 6، ص 102 .
2- مسند أحمد: ج 2، ص 442 ؛ مستدرك الصحيحين: ج 3، ص 149 ؛ المصنف لابن أبي شيبة الكوفي، صحيح ابن حبان: ج 15 ، ص 435 .
3- سنن الترمذي: ج 5، ص 360 ؛ المستدرك للحاكم النيسابوري: ج 3، ص 149 ؛ سنن ابن ماجة: ج 1، ص 52 ؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 3، ص 40 ؛ أحكام القرآن للجصاص: ج 1، ص 571 ؛ تفسير الثعلبي: ج 8، ص 312 .

ومن ثم فقد رسم النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) تلك الحدود الشرعية لأهل هذا البيت وأظهر التكاليف التي فرضت على الأمة في التعامل مع عترته (عليهم السلام).

ولذا:

فإن هؤلاء الذين أعلنوا الحرب على هذا البيت وأهله فقد أعلنوا الحرب على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)، هذا من جانب، ومن جانب آخر كان النبي (صلى الله عليه وآله) قد أخبر فاطمة وعليّاً وولديه الحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين بما يجري عليهم من بعده ولقد ذكرنا في بداية هذا الجزء بعض الأحاديث النبوية الشريفة التي أظهرت بيان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهذه الابتلاءاتالتي سيبتلى بها أهل بيته.

بل:

إن الملاحظ في تلك السيرة النبوية في هذا الخصوص: متابعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لبيان هذه الأحداث وما سيلقى أهل بيته من بعده كي يهيئهم لتلقيّ البلاء، فمما جاء عنه (صلى الله عليه وآله)، أنه قال:

1-« إن أهل بيتي هؤلاء سيلقون من بعدي تشريداً وتطريداً.... .»(1).

2-« وروى المعتزلي في شرح النهج عن أبي جعفر الإسكافي أنه قال: (إن النبي (صلى الله عليه وآله) دخل على فاطمة (عليها السلام) فوجد عليا نائماً فذهبت تنبهه فقال (صلى الله عليه وآله):

ص: 261


1- مسند الشاشي: ج 1، ص 409 ، ح 337 .

«دعيه فرب سهر له بعدي طويل، ورب جفوة لأهل بيتي من أجله شديدة .»

فبكت فقال:

«لا تبكي فإنكما معي وفي موقف الكرامة عندي »).(1)

إلاّ أنّ كل هذا الكم من الأحاديث والنهي والتحذير لم تكن بمانعة (أصحاب السقيفة وأشياعهم) من المضي في حرب الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وتحت غطاء شرعي فقد هبوا لدرء الفتنة، ولكن هيهات فقد قال سبحانه:

﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِی وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِی الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾(2).

أولاً: كيف جرت الحادثة وما هي المرحلة الأولى من جريمة قتل فاطمة (علیها السّلام)
اشارة

إنّ من البداهة بمكان أن يتم التعتيم على حادثة جمع الحطب حول بيت فاطمة وعلي والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين وإحراقه ومن ثم اقتحامه بشتى الطرق، وذلك أن حادثة بمثل هذا التجري على الله تعالى لا تختلف من حيث الجرم عن قتل الأنبياء عليهم السلام لاسيما والقرآن الكريم يستعرض في بيانه لتعظيم

حرمة الأنبياء وحلول نقمته على الظالمين في حادثة قتل ناقة صالح وفصيلها؛ فكيف يكون غضب الله في تلك الجريمة التي هتكت فيها حرمة الله وحرمة سيد الخلق أجمعين (صلى الله عليه وآله)، وقتلت فيها فاطمة وابنها المحسن، فمضت إلى

ربها وأبيها شهيدة(3)، وهو القائل لها:

ص: 262


1- شرح نهج البلاغة: ج 4، ص 107 .
2- سورة التوبة، الآية ( 49 ).
3- قال الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام: «إن فاطمة صديقة شهيدة »، أنظر: الكافي للكليني: ج 1، ص 458 ؛ عوالم العلوم: ج 11 ، ص 260 .

«إنك أول من يلحقني من أهل بيتي، وأنت سيدة نساء أهل الجنة، وسترين بعدي ظلماً وغيظاً، حتى تضربی، ويكسر ضلع من أضلاعك، لعن الله قاتلك »(1).

من هنا:

لم تأتِ الحادثة ضمن تفاصيلها الدقيقة في كتب أهل العامة من المخالفين لمدرسة عترة النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) وإنما وردت ضمن إشارات قليلة فيما لو قورنت مع روايات أهل البيت عليهم السلام؛ إلاّ أن هذه الإشارات على قلتها إلاّ أنها دقيقة وفيها الكفاية لثبوت هذه الجريمة في هتك حرمة الله وحرمة رسول الله

(صلى الله عليه وآله) حتى أصبحت من المسلمات في الفكر الإسلامي وإن اختلفت في الحادثة الأقوال بين محب ومبررٍ لما فعله أبو بكر وعمر بن الخطاب ومن تشيع لهما، وبين متبرّئ منهم ومما فعلوا.

ولكن: بين هذه الأقوال سنورد تلك النصوص والشواهد على وقوع هذه الجريمة ونتوقف إن أسعفنا الشاهد عند تسلسل الحدث وتداعياته، فمما كان في مقدمات الحادثة ما يأتي:

1- ذكرنا فيما مضى آنفاً أن القوم تركوا جسد النبي (صلى الله عليه وآله) وهو لم يبرد بعد وتسارعوا للاجتماع في السقيفة، وبعد أن جرت فيها المناورات في كسب الجولة والفوز بكرسي الرياسة في اليوم الأول فسيق الناس إلى بيعة أبي بكر في اليوم التالي بعد أن كان صاحب الصولة في سقيفة الانقلاب عمر ابن الخطاب الذي نال

من الخلافة بعد صاحبه الحظ الأوفر.

ص: 263


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي (بتحقيق الأنصاري): ج 2، ص 907 .

2- وقد رأينا فيما رسمته لنا النصوص من تفرغ أمير المؤمنين علي عليه السلام وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وبعض وجوه بني هاشم وعمار وسلمان وأبي ذر في تجهيز رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومواراته في روضته المقدسة.

ولم يحضروا تلك الحلبة التي بايع فيها عمر بن الخطاب والأوس لأبي بكر ومن ثم بايع المهاجرون كي لا يفوتهم نصيب من كعكة الخلافة.

ومن ثم أصبح هناك مجموعة من المعارضة التي برزت بشكل واضح من خلال خروج أمير المؤمنين (عليه السلام) حاملاً الزهراء وولديها وهو يطلب النصرة من المهاجرين والأنصار على أقطاب السقيفة ومن شايعهم من الأعراب والمنافقين الذين نكثوا بيعة الله في غدير خم.

وعليه:

كان هذا الرد السريع من أقطاب السقيفة ورموزها في قمع الاحتجاجات ورأسها وهم آل محمد (صلى الله عليه وآله) وسلم لاسيما وهم ينظرون إلى اختلاف ورود بعض الصحابة إلى دار فاطمة (عليها السلام) يدخلون على علي عليه السلام

يتشاورون فيما حدث وكيف لهم المخرج منه في إرجاع الحق إلى أهله الذين اغتصبه هؤلاء النفر وساقوا الناس عنوة إلى بيعة أبي بكر في المسجد.

3- إن بيت فاطمة (عليها السلام) حينما بناه رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند قدومه للمدينة وشروعه ببناء مسجده بنى من حوله حجرات ثلاث وذلك قبل أن تنتقل إليه عائشة، فكان منها، أي من هذه البيوت، بيت فاطمة (عليها السلام) الذي بناه داخل المسجد بين المنبر والحجرة التي دفن فيها (صلى الله عليه وآله)(1)،

ص: 264


1- لمزيد من الاطلاع، أنظر: وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بين اختلاف أصحابه واستملاك أزواجه للمؤلف.

أي إنه كان من ضمن حدود الروضة، وهو أشرف موضع فيها كما في الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) حينما سئل عن الصلاة في بيت فاطمة (عليها السلام) أفضل أم في الروضة، فقال:

«في بيت فاطمة »(1).

وعليه:

يكون دخول بعض الصحابة المعارضين لانقلاب السقيفة إلى بيت فاطمة (عليها السلام) واضحاً بيناً لأبي بكر وعمر؛ بل: إن موقع بيت الزهراء (عليها السلام) في المسجد يجعل جميع تحركات أهل هذا البيت ظاهرة وأمام نظر أبي بكر وعمر؛ ومنثم فقد شهد دخول هؤلاء واجتماعهم مع علي (عليه السلام).

ولذا:

قرر البدء في المعركة مع أهل هذا البيت علانية وبمختلف الوسائل لأنهم يشكلون الخطر العظيم على الخلافة والسلطة.

وفي ذلك يروي سليم بن قيس الهلالي الكوفي الشيعي بعض أجزاء هذا التحرك الحربي على بيت فاطمة عليها السلام ومن ثم نورد ما رواه أهل السنة والجماعة من إشارات لهذه الحرب التي قادها أبو بكر ونفذها عمر بن الخطاب مع مجموعة من أشياعه.

ص: 265


1- وسائل الشيعة: ج 3، ص 547 .
ألف - ما روته أتباع مدرسة أهل البيت (علیهم السّلام) في جمع الحطب حول بيت فاطمة (علیها السّلام)

1- روى سليم بن قيس الهلالي (المتوفى في القرن الأول للهجرة) قائلاً:

(فلما رأى علي (عليه السلام) خذلان الناس إياه وتركهم نصرته واجتماع كلمتهم مع أبي بكر وطاعتهم له وتعظيمهم إياه لزم بيته.

فقال عمر لأبي بكر: ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنه لم يبق أحد إلا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة.

وكان أبو بكر أرق الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غورا، والآخر أفضّهما وأغلظهما وأجفاهما.

فقال أبو بكر: من نرسل إليه؟ فقال عمر: نرسل إليه قنفذا، وهو رجل فض غليظ جاف من الطلقاء أحد بني عدي بن كعب.

فأرسله إليه وأرسل معه أعوانا وانطلق فاستأذن على علي (عليه السلام)، فأبىأن يأذن لهم.

فرجع أصحاب قنفذ إلى أبي بكر وعمر -وهما جالسان في المسجد والناس حولهما- فقالوا: لم يؤذن لنا، فقال عمر: اذهبوا، فإن أذن لكم وإلا فادخلوا عليه بغير إذن فانطلقوا فاستأذنوا، فقالت فاطمة (عليها السلام): «أحرج عليكم أن تدخلوا علي بيتي بغير إذن .»

فرجعوا وثبت قنفذ الملعون، فقالوا: إن فاطمة قالت كذا وكذا فتحرجنا أن ندخل بيتها بغير إذن، فغضب عمر وقال: ما لنا وللنساء، ثم أمر أناسا حوله أن يحملوا الحطب فحملوا الحطب وحمل معهم عمر، فجعلوه حول منزل علي وفاطمة

ص: 266

وابنيهما (عليهم السلام)، ثم نادى عمر حتى أسمع عليا وفاطمة (عليهما السلام): (والله لتخرجن يا علي ولتبايعن خليفة رسول الله وإلا أضرمت عليك بيتك النار).

فقالت فاطمة (عليها السلام):

«يا عمر، ما لنا ولك؟ .»

فقال: افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم، فقالت:

«يا عمر، أما تتقي الله تدخل علي بيتي؟ .»

فأبى أن ينصرف)(1).

2-روى الطبرسي (المتوفى سنة 548 ه)، فقال:

(وعن عبد الله بن عبد الرحمن قال: ثم إن عمر احتزم بإزاره وجعل يطوف بالمدينة وينادي ألا إن أبا بكر قد بويع له فهلموا إلى البيعة فينثال الناس يبايعون فعرف أن جماعة في بيوت مستترون فكان يقصدهم في جمع كثير ويكسبهم ويحضرهم المسجدفيبايعون حتى إذا مضت أيام أقبل في جمع كثير إلى منزل علي عليه السلام فطالبه بالخروج فأبى، (فدعا عمر بحطب ونار، وقال: والذي نفس عمر بيده ليخرجن أو لأحرقنه على ما فيه).

فقيل له: إن فاطمة بنت رسول الله، وولد رسول الله، وآثار رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه؛ وأنكر الناس ذلك من قوله)(2).

ص: 267


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ص 149 - 150 .
2- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 80 ؛ البحار للمجلسي: ج 28 ، ص 204 .

3- وروى ابن طاووس (المتوفى سنة 664 ه) فقال: (وذكر ابن جيرانة في غرره (قال زيد بن أسلم: كنت ممن حمل الحطب مع عمر( إلى باب فاطمة حين امتنع علي وأصحابه عن البيعة أن يبايعوا.

(فقال عمر لفاطمة: أخرجي من في البيت وإلاّ أحرقته ومن فيه).

قال: وفي البيت علي والحسن والحسين وجماعة من أصحاب النبي، فقالت فاطمة:

«أفتحرق علي ولدي .»

فقال: إي والله أو ليخرجن وليبايعن)(1).

باء - ما روته أبناء العامة في جمع الحطب حول بيت فاطمة(علیها السّلام)والتهديد بالحرق

أما ما ورد في كتب أهل السنة والجماعة في بيان حادثة الهجوم على بيت النبوة وحرقه فقد جاء بالكيفية الآتية التي تظهر استخدام الراوي أسلوب التلطيف في الحدث والتخفيف من بشاعته وذلك من خلال تحسين صورة عمر بن الخطاب ببعض الملامح التي قد تساعد على قبول الحدث، أو على الأقل التماس العذر لوقوع

الجريمة، فكان بالكيفية الآتية:

1- فقد روى ابن أبي شيبة الكوفي، وابن عبد البر، وابن أبي عاصم وإمام الحنابلة وغيرهم (عن زيد بن أسلم عن أبيه أسلم أنه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال: يا بنت رسول

ص: 268


1- الطرائف لابن طاووس: ص 239 ؛ نهج الحق للعلامة الحلي: ص 271 ؛ الشهاب الثاقب للمحقق البحراني: ص 231 .

الله صلى الله عليه -وآله- وسلم ما من أحد أحب إلينا من أبيك وما من أحد أحب إلينا بعد أبيك منك وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك إن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت، قال فلما خرج عمر جاؤوها فقالت:

«تعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت وأيم الله ليمضين لما حلف عليه فانصرفوا راشدين فروا رأيكم ولا ترجعوا إليّ .»

فانصرفوا عنها فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر)(1).

2- روى الطبري، والجوهري، وابن أبي الحديد المعتزلي، عن زياد بن كليب، (قال: أتى عمر بن الخطاب إلى منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين، فقال والله (لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة)، فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه)(2).

3- روى ابن قتيبة الدينوري في الإمامة فقال:(وإن أبا بكر تفقد قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي -عليه السلام-، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي، (فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب) وقال: والذي نفس عمر بيده، لتخرجن (أو لأحرقنها على من فيها)، فقيل له يا أبا حفص، (إن فيها فاطمة؟)، فقال: وإن)(3).

ص: 269


1- المصنف لابن أبي شيبة الكوفي: ج 8، ص 572 ؛ المذكر والتذكير لابن أبي عاصم: ص 91 ؛ الاستيعاب: ج 3، ص 975 ؛ فضائل الصحابة لابن حنبل: ج 1، ص 364 ، ط مؤسسة الرسالة؛ الوافي بالوفيات للصفدي: ج 17 ، ص 167 ؛ نهاية الأرب للنويري: ج 19 ، ص 40 ؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 2 ص 45 ؛ السقيفة وفدك للجوهري: ص 41 ؛ كنز العمال للهندي: ج 5 ص 652 .
2- تاريخ الطبري: ج 2، ص 443 ؛ السقيفة وفدك للجوهري: ص 53 ؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 2، ص 56 ؛ الإمامة وأهل البيت لمحمد بيومي: ج 1، ص 345 .
3- الإمامة والسياسة لابن قتيبة: ج 1، ص 19 ؛ مسند فاطمة للسيوطي: ح 31 ؛ البحار للمجلسي: ج 28 ، ص 356 .
جيم - قراءة الحديث في جمع الحطب وتحليله

إن قراءة الحديث الذي أوردته كتب الفريقين ودراسته وتحليله ترسم لنا صورة واضحة عن مجريات هذه الجريمة العظمى في الإسلام وبيان تفاصيل وقوعها.

لاسيما وكما أسلفنا أن القوم قد حاولوا التضليل والتغيير والتعتيم على هذه الحادثة بشتى الصور ولذا وردت بصورة مختلفة عن الواقع فضلاً عن حذف كثيرٍ من التفاصيل حتى في المرحلة الواحدة من مراحل وقوع جريمة الهجوم على بيت النبوة وموضع الرسالة ومهبط الوحي ونزول القرآن.

وعليه:

فهذه المرحلة الأولى وهي (جمع الحطب حول بيت فاطمة وعلي وولديهما) جرتضمن اختصارات كثيرة في روايات أهل السنة والجماعة يمكن ملاحظتها، أي هذه الاختصارات من خلال المقارنة فيما بينها وبين الروايات الواردة في مدرسة العترة النبوية من جهة، ومن جهة أخرى مقارنتها فيما بينها أيضاً، أي: مقارنة هذه الروايات في نفس مصادر أهل السنة والجماعة لاسيما الحديث الأول فقد اتضح من خلال دراسته وتحليله ما يأتي:

1-أورده ابن أبي شيبة الكوفي في مصنفه وابن أبي الحديد المعتزلي بصورة كاملة في حين حذف منه التهديد بحرق البيت بمن فيه كلٌّ من ابن عبد البر، والصفدي، والنويري، فبدلا قول عمر بن الخطاب لفاطمة صلوات الله وسلامه عليها:

(وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك إن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت)(1).

ص: 270


1- المصنف لابن أبي شيبة الكوفي: ج 8، ص 57 ، ح 4؛ المذكر والتذكير لابن أبي عاصم: ص 91 ؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 2، ص 45 .

إلى قول آخر نسبوه لعمر بن الخطاب وهو: (ولإن بلغني أن هؤلاء من النفر يدخلون عليك، ولإن بلغني لأفعلن وأفعلن)(1)!!

واستبدلوا قول فاطمة عليها السلام الذي أخرجه ابن أبي شيبة، وابن أبي عاصم، والمعتزلي لهؤلاء الصحابة الذين التجؤوا إلى دارها من قولها لهم: «تعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لإن عدتم ليحرقن عليكم البيت وأيم الله ليمضين لما حلف عليه، فانصرفوا راشدين »(2).

إلى قول آخر، فقالت لهم:

«إن عمر قد جاءني وحلف لان عدتم ليفعلنّ، وأيم الله ليفعلنّ بها، فانظروا فيأمركم »(3).

في حين قام الخطيب البغدادي بحذف جميع الحادثة في تهديد عمر لفاطمة (عليها السلام) بحرق بيتها بمن فيه وجوابها له، فقال مختصراً الأمر ومظهراً له بحلة جديدة، فقال: قال عمر بن الخطاب لفاطمة: يا بنت رسول الله ما كان أحد أحب من الناس إلينا من أبيك، وما أحد بعد أبيك أحب إلينا منك)(4).

ص: 271


1- الاستيعاب لابن عبد البر: ج 3، ص 975 ؛ الوافي بالوفيات للصفدي: ج 17 ، ص 167 ؛ نهاية الأرب للنويري: ج 19 ، ص 41 .
2- المصنف لابن أبي شيبة: ج 8، ص 57 ؛ المذكر والتذكير لابن أبي عاصم: ص 91 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 2، ص 45 .
3- الاستيعاب لابن عبد البر: ج 3، ص 975 ؛ الوافي بالوفيات: ج 17 ، ص 167 ؛ نهاية الأرب للنويري: ج 19 ، ص 41 .
4- تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: ج 5، ص 168 .

ولا ريب أن القارئ لهذا الحديث يجد صورة جميلة جداً عن إيمان عمر بن الخطاب وذلك لمقدار حبه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وابنته من بعده، ومن ثم لا وجود لحادثة حرق بيت فاطمة بيد عمر بن الخطاب ولا أثر لخروج عمر ابن الخطاب عن سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فالنبي هو أحب الناس إليه وهو أكثر الصحابة وبفضل جهود الخطيب البغدادي اتباعاً لهذه السنة فقد صان عترة النبي (صلى الله عليه وآله) من بعده، ومن ثم يخرج القارئ لا يعلم شيئاً عن سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أو أنه يجد سنة متضاربة ومتناقضة، وذلك بفضل تلك الجهود التي بذلها أولئك في إخراج المرويات بحسب المقاسات التي ترتضيها الساسة والدراهم والدنانير.

2-إن مما لا شك ولا ريب ولا شبهة فيه أن هذا الخطاب الذي توجه به عمر ابن الخطاب لبضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) سواء بالكيفية التي أخرجها ابن أبي شيبة، وابن أبي عاصم من التهديد الصريح بحرق دارها بمن فيه، وفيه فاطمة وعلي والحسن والحسين وبعض من المهاجرين والأنصار.

أو سواء بالكيفية التي أخرجها ابن عبد البر، أو الصفدي؛ ففي كلتا الكيفيتين فإن عمر بن الخطاب قد أرعب بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وولديها الحسن والحسين واذاهما اشد الأذى وأرعب الصحابة من المهاجرين والأنصار وأدخل عليهم الذعر والخوف، وأنه آلم بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو بهذا الصنيع يكون قد ارتكب مجموعة من الجرائم وهي كالآتي:

أ- إنه آذى رسول الله (صلى الله عليه وآله):

1- لقوله (صلى الله عليه وآله):

ص: 272

«فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها»(1).

2- وقوله (صلى الله عليه وآله):

«فمن آذاها فقد آذاني... »(2).

والله تعالى يقول في محكم كتابه الكريم في بيان جريمة من يؤذي رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّ شأنه ومنزلته وعقابه اللعن في الحياة الدنيا وفي الآخرة كذاك تكون عقوبته اللعن والعذاب المهين كما هو واضح وصريح في الآية المباركة:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّه وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّه فِی الدُّنْيَا وَالْأخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا﴾(3).

ب- إن عقوبة من يرعب أهل المدينة أو يحدث فيها حدثاً أو يخيف أهلها قد أظهره رسول الله (صلى الله عليه وآله) للناس، وقد أخرجه أئمة الحديث في صحاحهم، فمنها:

1-أخرج البخاري ومسلم، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله)، أنه قال:

«المدينة حرم ما بين عير إلى ثور؛ فمن أحدث فيها حدثاً، أو آوى محدثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين؛ لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلا »(4).

ص: 273


1- صحيح البخاري، كتاب النكاح: ج 6، ص 158 .
2- المستدرك على الصحيحين: ج 3، ص 159 ؛ فتح الباري: ج 9، ص 287 .
3- سورة الأحزاب، الآية ( 57 ).
4- صحيح البخاري، كتاب فضائل المدينة، باب: حرم المدينة برقم ( 1870 )، صحيح مسلم، كتاب الحج، باب: فضل المدينة حديث ( 1366 ).

2-أخرج أبو داود في السنن، من حديث علي بن أبي طالب (عليه السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله):

«المدينة حرام ما بين عافر إلى ثور؛ فمن أحدث حدثاً أو آوى محدثا،ً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين؛ لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلا،ً لا يختلي خلالها، ولا ينفر صيدها، ولا تلفظ لفظها إلاّ لمن أنشد بها، ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال، ولا يصلح أن يقطع منها شجرة إلا أن يعلف رجلاً بعيره »(1).

3-ذكر إمام المذهب الحنبلي في مسنده، عن ابن صعصعة، عن عطاء بن يسار، عن السائب بن خلاد، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: «من أخاف أهل المدينة ظلماً، أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة أجمعين؛ لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً »(2) أي لا نفلًا ولا فرضاً » (3).

4-أخرج العباسي والجنيدي عن جابر بن عبد الله، قال: أشهد لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يقول: «من أخاف أهل المدينة فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين »(4).

ص: 274


1- سنن أبي داود، باب تحريم المدينة، حديث ( 2034 ) ج 2 ص 529 ، مشير العزم الساكن لابن الجوزي: ص 235 مكتبة الصحابة بجدة.
2- مسند أحمد: ج 4 ص 55 ، حديث ( 16622 ).
3- الدرة الثمينة لابن النجار: ص 46 ط دار الأرقم.
4- عمدة الأخبار في مدينة المختار للعباسي: ص 90 - 91 ط أسعد الحسيني، فضائل المدينة للجنيدي المكي: ص 30 ط دار الفكر.

وعليه:

لا يمكن تغيير الحقائق أو تحسين الجرائم أو تبرير الآثام لاسيما وأن الأمر متعلق بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله) فكيف يمكنهم أن يطفئوا نور الله:

﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّه بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّه إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾(1).

4- من الذي أعطى لعمر بن الخطاب الحق في منع الناس من التصرف في بيوتهم فيحدد لهم من يدخل إليهم ومن يخرج، فيمنع من يشاء ويسمح لمن يشاء؛ أليس هذا الفعل تدخلاً سافراً في حقوق الناس؟

أليس هذا الفعل لو حدث اليوم مع أحد في المجتمعات المدنية لقيل لصاحب هذا الفعل دكتاتور إن كان في هرم السلطة ولو كان فرداً في المجتمع لألقي في السجن أو لقيل عنه ما يناسبه من الألفاظ.

إذن:

قدوم عمر إلى بيت النبوة وفيه بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي يؤلمه ما يؤلمها، والتي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها، وتهديدها بحرق بيتها بمن فيه، وجمع الحطب من حوله لسبب واحد وهو أن علي بن أبي طالب، وبعض المهاجرين

والأنصار لم يبايعوا أبا بكر ليكون من حيث التسلسل الحدثي لجريمة قتل بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو المرحلة الأولى من الجريمة.

ص: 275


1- سورة التوبة، الآية ( 32 ).
ثانياً: المرحلة الثانية من جريمة قتل فاطمة (علیها السّلام(حرق بيتها بمن فيه)
اشارة

بعد أن قام عمر وعصابته بجمع الحطب حول بيت علي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وبعد تهديده لهم بحرق البيت بمن فيه إن لم يخرجوا ليبايعوا أبا بكر وبعد أن رأى امتناعهم ومواجهة بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) له عله يستحي ومن معه فيكفون بأسهم وغيهم عنها ولو من قبيل أنها امرأة لا حول لها ولا قوة وأنها أم لأربعة أولاد ومن حقها أن تدافع عنهم؛ إلاّ أنهم مع كل هذه الموانع الإنسانية والتي تتقاطع مع الشيم والأعراف العشائرية فضلاً عن شينها لصفة الرجولة وخزيها لمن كان في أصله حراً يأبى على نفسه الاستذلال فيقاتل امرأة وأطفالها مع كل هذه الموانع والحواجز وبغض النظر عن الحرمات والقيم الأخلاقية والإنسانية إلاّ أن عمر بن الخطاب وعصابته يقدمون على إضرام النار في هذا الحطب ومن ثم يقومون بالهجوم على بيت فاطمة وأطفالها يقاتلونهم على كرسي الخلافة.

ولكن كيف أضرموا النار في الحطب؟

ألف - ما ورد في مدرسة العترة النبوية في إضرام عمر بن الخطاب النار في الحطب لحرق بيت فاطمة بمن فيه

1- روى سليم بن قيس الهلالي الكوفي الكيفية التي جمع فيها الحطب ووضعه حول بيت فاطمة (عليها السلام) ومناداته لفاطمة وعلي ومن كان في دارهما من الصحابة وتهديده لهم بالحرق إذا لم يخرجوا لبيعة أبي بكر فلم يخرج أحد منهم وأبوا البيعة لأبي بكر، فقال:

(ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب)(1).

ص: 276


1- كتاب سيلم بن قيس الهلالي: ص 15 ؛ البحار للمجلسي: ج 28 ، ص 269 .

2- روى الشيخ المفيد في إضرام عمر النار في الحطب حول بيت فاطمة (عليها السلام) فقال:

(لما بايع الناس أبا بكر دخل علي (عليه السلام) والزبير والمقداد بيت فاطمة وأبوا أن يخرجوا، فقال عمر بن الخطاب أضرموا عليهم البيت نارا)(1)!!

3- روى الديلمي في الإرشاد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في بيان اقتصاص الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف من أبي بكر وعمر وعصابتهما التي اقتحمت دار فاطمة (عليها السلام) فيقول:

«ثم يؤمر بالنار التي أضرمتموها على باب داري لتحرقوني وفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وابني الحسن والحسين وابنتي زينب وأم كلثوم، حتى تحرقا بها، ويرسل عليكما ريح مرة فتنسفكما في اليم نسفا.... »(2).

باء - ما ورد في كتب العامة من إضرام النار في الحطب الذي وضع حول بيت فاطمة (علیها السّلام)

إن المرحلة الثانية من جريمة قتل فاطمة (صلوات الله عليها) وهي إضرام النار في الحطب الذي جمع حول بيت الزهراء (عليها السلام) جاءت في كتب العامةبتعتيم شديد خوفاً من إظهار حجم الجرأة على الله ورسوله في إحراق بيت النبوة من جهة، ومن جهة أخرى محاولة تلميع صورة تلك الرموز التي قادت هذا الهجوم وارتكبت الجريمة.

ولا يخفى على أهل الاختصاص في علم القانون ومكافحة الجريمة وعلم النفس أن التهديد بالقتل أخف حكما وعقوبة من الشروع في التهديد وتنفيذ الفعل وذلك

ص: 277


1- أمالي المفيد: ص 56 ، وص 30 ؛ البحار: ج 28 ، ص 232 .
2- إرشاد القلوب للديلمي: ج 2، ص 286 .

لأنه يكشف -أي الإقدام على تنفيذ التهديد- رسوخ الجريمة وانحراف الفاعل وترديه واتصافه بالجرم.

في حين أننا نجد القرآن الكريم والسنة النبوية تجعل إثم المؤسس لكل عمل سيّئ أعظم إثماً من نفس الفعل وذلك منعا لحدوث الانحرافات أو التهاون في الآثام لما يترتب عليها من التهاون والتغافل والاستقلال في حجم الجريمة فتعد صغيرة وهي عظيمة.

من هنا:

تجنبت مصادر أبناء العامة من إيراد حرق باب فاطمة (عليها السلام) الذي تولاه عمر بن الخطاب بيده حينما حمل قبساً من النار وأخذ ينادي في أهل بيت النبوة وقد جلس أبو بكر على المنبر يشرف بنفسه على هذه الحرب التي تشن على بيت فاطمة وعلي (عليهما السلام) وذلك أن بيت فاطمة في الروضة لا يفصل بينه وبين المنبر سوى أمتار قليلة.

فلا المسجد له حرمة، ولا الروضة، ولا القبر النبوي، ولا صاحبه، وذلك أن لاحرمة لله وشريعته من الأساس في معتقدات هؤلاء الذين جاءوا بالحطب والنار ليحرقوا بيت فاطمة (عليها السلام) بمن فيه.

1-روى أبو الفداء في تاريخه قائلاً:

(ثم إن أبا بكر بعث عمر بن الخطاب إلى علي ومن معه ليخرجهم من بيت فاطمة -عليها السلام-، وقال: إن أبوا عليك فقاتلهم!!!

ص: 278

فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار، فلقيته فاطمة -عليها السلام- وقالت:

«إلى أين يا بن الخطاب؟ أجئت لتحرق دارنا؟! .»

قال: نعم،....)(1).

2- روى ابن عبد ربه الأندلسي في حادثة حرق بيت فاطمة (عليها السلام) أنه قال:

(الذين تخلفوا عن بيعة أبي بكر علي والعباس والزبير وسعد بن عُبادة، فأما علي والعباس والزبير، فقعدوا في بيت فاطمة حتى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة، وقال له: إن أبوا فقاتلهم.

فأقبل بقَبس من نار على أن يُضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة، فقالت:

«يا بن الخطاب، أجئت لتُحرق دارنا؟ .»

قال: نعم، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمة)(2).

والمستفاد من قراءة الحدث بالكيفية التي نقله رواة مدرسة أهل السنة والجماعة بأن الحادثة بمجرياتها ومراحلها كانت تتداول فيما بين الرواة والمصنفين، وفي المجالس شفاهة لا كتابة وتدوينا إلى الحد الذي أصبحت هذه الحادثة متواترة عند أبناء العامة لاسيما تلك الطبقة التي اشتغلت في الكتابة والرواية والتصنيف في مختلف التخصصات كالحديثية والتأريخية والفقهية والأدبية.

ص: 279


1- تاريخ أبي الفداء: ج 1، ص 107 .
2- العقد الفريد لابن عبد البر: ج 2، ص 73 .

حتى تناولها شاعر النيل المعاصر والمتأخر عن الحادثة بأربعة عشر قرناً إلاّ أن تلك القرون الماضية لم تجعله في غفلة عن حادثة قتل الزهراء (عليها السلام) وحرق دارها بيد عمر بن الخطاب مما يكشف عن أن الحادثة متواترة شفاهة لا كتابة وتدويناً وأنها

مشهورة عند القوم تتناقلها الألسن في العراق والشام وأرض مصر إلى الأندلس.

ولذا: يقول شاعر النيل في قصيدته العمرية:

وقولة لعلي قالها عمر*** أكرم بسامعها أعظم بملقيها

حرقت دارك لا أبقي عليك بها*** إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها

ما كان غير أبي حفص يفوه بها*** أمام فارس عدنان وحاميها(1)

وإن كان حافظ إبراهيم يتغزل بعمره وإمامه ويتفاخر به، إلاّ أن المقايسة هنا باطلة مما أعطت أبياتاً موزونة لكنها مختلفة ومضطربة في الحس الجمالي فضلاً عن العقدي.

فهنا لم تكن المقايسة بين من يستطيع أن يهدد فارس عدنان وحاميها فمن قبل خرج له صناديد العرب في بدر وأحد والأحزاب، وبرز له أسطورة اليهود في خيبر وغيرها؛ فهنا تصح المقايسة في مواجهة الفرسان.

لكنها هنا عند حافظ إبراهيم فالمقايسة سمجة ولزجة كلزوجة ماء فم المحتضر؛ وذلك أن المحل في هذه المقولة محل تجرٍ على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)، فمن أعظم من أبي حفص جرأة على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) في حرق بيته وقتل

ابنته وريحانتيه وحرقهم بالنار؟!

ص: 280


1- ديوان حافظ إبراهيم: ج 1، ص 75 ، تحت عنوان (عمر وعلي) طبع دار الكتب المصرية بالقاهرة.

وعليه:

لو أدرك أدباء مصر والمشتغلون به آنذاك (كأحمد أمين، وأحمد الزين، وإبراهيم الابياري، وعلي جارم، وعلي أمين، وخليل مطران، ومصطفى الدمياطي بك، وغيرهم)(1)، لما اعتنوا بنشر هذه الأبيات والتفاخر بها.

لكنها رب ضارة نافعة، إذ لو كان هؤلاء قد أدركوا سماجة هذه الأبيات وتجريها على الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) لما قاموا بنشرها ولضاع بيان الصورة التأريخية التي تنطق بها الأبيات: بأن أبا حفص أشد الناس أذى لله ورسوله (صلى الله عليه وآله(؛ أفهناك أذى أكبر من حرق بيت بنت المصطفى على قلب المصطفى (صلى الله عليه وآله)؟!

المسألة الثالثة: هجوم عمر بن الخطاب وعصابته على بيت فاطمة (علیها السّلام) واقتحامه وما وقع عليها من الأضرار
اشارة

قبل المضي في بيان مجريات الحدث فقد أفردت لهذه المرحلة من قتل فاطمة عليها السلام مسألة مستقلة وذلك لتفرع الحدث وما لحقه من تبعات ونتائج.

إذ إن مرحلة الهجوم على بيت فاطمة (عليها السلام) واقتحامه والدخول إلى بيتها هو من أكثر المراحل دموية؛ وذلك أن المرحلتين السابقتين وهما جمع الحطب حول بيت الزهراء (عليها السلام)، وإضرام النار فيه؛ إنما كانتا مقدمة للقضاء على بضعة النبي (صلى الله عليه وآله) وولديها وزوجها، ليتم بذلك إنهاء كل ما له علاقة بالعهد القديم، عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحرق جميع آثاره.

ص: 281


1- الغدير للعلامة الشيخ عبد الحسين الأميني: ج 7، ص 86 .

لاسيما وأن التأريخ يحدثنا عن تلك الخطة والهدف المنشود من هذه العصابة وهو القضاء على كل ما يمت بصلة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) والبدء بعهد جديد اسمه سنة الشيخين بعد أن تهيّأت لهما الفرصة في جمع العرب تحت لواء واحد بعد

تفرق وشتات ليشكلا بذلك أكبر دولة في الجزيرة العربية وليعيدا بذلك ما كانا يسمعانه من أمجاد دولة النعمان بن المنذر ملك العرب، أو فخامة سلطان الفرس، أو إمبراطورية الروم وثراء قصورها.

وعليه:

1-كانت هذه الخطة أن تبدأ بحرق هذا البيت بمن فيه بحجة الدخول فيما دخلت فيه الأمة من الانقياد للسلطة الجديدة وقياداتها وحكامها الجدد.

2-حرق أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما فعل أبو بكر وهو ما تحدثت به عائشة (أنها قالت: جمع أبي الحديث عن رسول الله وكانت خمس مائة حديث،فبات ليلته يتقلب كثيرا، قالت تغمني، فقلت: أتتقلب لشكوى أو لشيء بلغك؟

فلما أصبح، قال:

«أي بنية، هلمي الأحاديث التي عندك .»

فجئته بها، فدعا بنار فحرقها.

فقلت: لم أحرقتها؟!

قال:

«خشيت أن أموت وهي عندي فيكون فيها أحاديث عن رجل قد ائتمنته ووثقت(به) ولم يكن كما حدثني فأكون قد تقلدت ذلك .»(1).

ص: 282


1- لشيعة والسيرة النبوية بين التدوين والاضطهاد للمؤلف: ص 117 ، ح 1؛ تذكرة الحفاظ للذهبي:ج 1، ص 5؛ الرياض النضرة للمحب الطبري: ج 1، ص 200 ؛ كنز العمال: ج 10 ، ص 285 .

وهي حجة أخرى تتماشى مع حجة حرق بيت النبي بمن فيه.

وذلك: (كي يدخلوا فيما دخلت فيه الأمة( في الحكومة الجديدة.

3- منع رواية حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتحدث به وهو ما قام به أبو بكر أيضاً؛ فعن أبي مليكة )قال: إن أبا بكر جمع الناس بعد وفاة نبيهم، فقال: إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئاً! فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا

حلاله وحرموا حرامه)(1).

4- إمحاء أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فعن يحيى بن جعدة: أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة، ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب في الأمصار: من كان عنده شيء فليمحه)(2).

5- معاقبة من يتحدث بحديث لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ومما يدل عليه ما أخرجه الدارمي في سننه عن سليمان بن يسار: )إن رجلاً قدم المدينة يقال له ضبيع -وهو من أهل البصرة- فجعل يسأل عن تشابه القرآن، فأرسل إليه عمر بن الخطاب فأعد له عراجين النخل، فقال: من أنت؟

قال: أنا عبد الله، ضبيع.

قال: وأنا عبد الله، عمر.

ص: 283


1- الشيعة والسيرة النبوية بين التدوين والاضطهاد للمؤلف: ص 118 ، ح 2؛ تذكرة الحفاظ للذهبي:ج 1، ص 32 .
2- تقييد العلم: ص 53 ؛ حجية السنة: ص 395 ؛ من حياة الخليفة عمر بن الخطاب للبكري: ص 274 .

فضربه حتى دمى رأسه، فقال ضبيع : حسبك يا أمير المؤمنين، فقد ذهب الذي كنت أجده في رأسي، ثم نفاه إلى البصرة)(1).

وعن سعيد بن المسيب: (فأمر به عمر فضرب مائة سوط، فلما برئ دعاه فضربه مائة أخرى، ثم حمله على قتب، وكتب إلى أبي موسى: حرّم على الناس مجالسته)(2).

وذكر السائب بن يزيد: (وكتب عمر إلى أبي موسى، يأمره أن يحرم على الناس مجالسته، وإن يقوم في الناس خطيباً، ثم يقول: إن ضبيعاً قد ابتغى العلم فأخطأه.

فلم يزل -الرجل- وضيعا في قومه حتى هلك)(3)!

6- حبس الصحابة ومنعهم من الخروج من المدينة كي لا يتحدث الناس بما فعله قادة العهد الجديد فضلاً عن منع الرواة من تحديث الناس بسيرة رسول الله وسننه.

ولذا: بدأ عهد جديد وسنة جديدة لم تحمل من الإسلام إلا اسمه مما دعا بعلي عليه السلام أن يرفض البيعة والخلافة على شرط السير بسنة الشيخين(4)؛ وقبلها عثمان

الذي عمل بسنة جديدة مما دفع الصحابة على محاربته والاعتراض عليه ومجابهته(5).

ص: 284


1- الشيعة والسيرة النبوية بين التدوين والاضطهاد للمؤلف: ص 118 ، ح 2؛ سنن الدارمي: ج 1، ص 54 ؛ نصب الراية للزيلعي: ج 3، ص 118 ؛ الدراية لابن حجر: ج 2، ص 98 ؛ الدر المنثور للسيوطي: ج 2، ص 7؛ فتح القدير للشوكاني: ج 1، ص 319 ؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 23 ، ص 411 .
2- الإصابة لابن حجر: ج 3، ص 371 .
3- كنز العمال للمتقي الهندي: ج 2، ص 334 ؛ الغدير للأميني: ج 6، ص 292 .
4- لما دفن عمر بن الخطاب جاء أبو عبيدة إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وسنة الشيخين؟ قال عليه السلام: «أما كتاب الله وسنة نبيه فنعم؛ وأما سنة الشيخين فأجتهد رأيي؛ (تاريخ مختصر الدول لابن العبري: ج 1، ص 54 .
5- تاريخ المدينة لابن شبة النميري: ج 3، ص 1093 .

وعليه:

لم يكن الهجوم على بيت الله، بيت النبوة والرسالة، بيت علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، هو نقطة النهاية بل هو نقطة البداية من القضاء على الإسلام ومحوه؛ إلاّ أن الفارق بين جميع هذه المراحل لمحو الإسلام هو اقتحام بيت النبوة والرسالة، بيت علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، فكان كالآتي:

أولاً: ما ورد في كتب مدرسة أهل البيت (علیهم السّلام) حول اقتحام بيت فاطمة (علیها السّلام)

وردت روايات كثيرة في كتب مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) حول اقتحام بيت فاطمة (عليها السلام)، فمنها:

1- ما كان بلسان عمر بن الخطاب في رسالة بعث بها إلى معاوية ونقلها المجلسي عن الطبري فقال:

(بسم الله الرحمن الرحيم من عمر إلى معاوية..... إلى قوله: فخرجت فاطمة فوقفت من وراء الباب، فقالت:

«أيّها الضالون المكذبون! ماذا تقولون؟ وأي شيء تريدون وما تشاء يا عمر؟ »

قلت: ما بال ابن عمك قد أوردك للجواب، وجلس من وراء الحجاب؟ فقالت: «طغيانك يا شقيّ! أخرجني، وألزمك الحجة، وكل ضال غويّ .»

فقلت: دعي عنك الأباطيل وأساطير النساء، وقولي لعلي يخرج، فقالت: «لا حبّ ولا كرامة، أبحزب الشيطان تخوّفني يا عمر؟! وكان كيد الشيطان ضعيفاً .»

فقلت: إن لم يخرج جئت بالحطب الجزل، وأضرمتها ناراً على أهل هذا البيت،

ص: 285

وأحرق من فيه، أو يقاد إلى البيعة، وضربت وأخذت سوط قنفذ، وقلت لخالد بن الوليد: أنت ورجالنا هلموا في جمع الحطب، فقلت: إني مضرمها. فقالت: «يا عدوّ الله، وعدوّ رسوله، وعدوّ أمير المؤمنين .»

فضربت فاطمة يديها من الباب تمنعني من فتحه، فرمته، فتصعّب عليّ، فضربت كفّيها بالسوط، فألّها، فسمعت لها زفيرا وبكاء، فكدت أن ألين وانقلب عن الباب، فذكرت أحقاد علي، وولوعه في دماء صناديد العرب، وكيد محمد وسحره، فركلت الباب وقد ألصقت أحشاءها بالباب تترسه، وسمعتها قد صرخت صرخة حسبتها

قد جعلت أعلى المدينة أسفلها.

وقالت:

«يا أبتاه! يا رسول الله، هكذا يفعل بحبيبتك وابنتك، آه يا فضة، إليك، فخذيني، فقد والله قتل ما في أحشائي من حمل .»

وسمعتها تمخض وهي مستندة إلى الجدار فدفعت الباب ودخلت، فأقبلت إليّ بوجه أغشى بصري، فصفقت صفقة على خدّيها من ظاهر الخمار، فانقطع قرطها، وتناثرت إلى الأرض، وخرج علي فلما أحسست به، أسرعت إلى خارج الدار،

وقلت لخالد وقنفذ ومن معهما: نجوت من أمر عظيم)(1).

2- روى سليم بن قيس الهلالي الكوفي، قال: (كنت عند عبد الله بن عباس في بيته ومعنا جماعة من شيعة علي عليه السلام فحدثنا فكان فيما حدثنا أن قال: يا إخوتي

ص: 286


1- البحار للمجلسي: ج 30 ، ص 293 ؛ مجمع النورين للمرندي: ص 110 ؛ بيت الأحزان للشيخعباس القمي: ص 120 ؛ مسند فاطمة الزهراء عليها السلام للسيد حسين شيخ الاسلامي: ص 439 - 440 ، برقم 399 / 3.

توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم توفي فلم يوضع في حفرته حتى نكث الناس وارتدوا وأجمعوا على الخلاف واشتغل علي بن أبي طالب (عليه السلام) برسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى فرغ من غسله وتكفينه وتحنيطه ووضعه في

حفرته ثم أقبل على تأليف القرآن وشغل عنهم بوصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يكن همته الملك لما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخبره عن القوم فلما افتتن الناس بالذي افتتنوا به من الرجلين فلم يبق إلا علي وبنو هاشم وأبو ذر

والمقداد وسلمان في أناس معهم يسير.

قال عمر لأبي بكر: يا هذا إن الناس أجمعين قد بايعوك ما خلا هذا الرجل وأهل بيته وهؤلاء النفر فابعث إليه، فبعث (إليه) ابن عم لعمر يقال له قنفذ فقال (له يا قنفذ) انطلق إلى علي فقل له أجب خليفة رسول الله، فانطلق فأبلغه.

فقال علي (عليه السلام):

«ما أسرع ما كذبتم على رسول الله (نكثتم) وارتددتم والله ما استخلف رسول الله غيري، فارجع يا قنفذ فإنما أنت رسول فقل له: قال لك علي: والله ما استخلفك رسول الله، وإنك لتعلم من خليفة رسول الله .»

فأقبل قنفذ إلى ابي بكر فبلغه الرسالة، فقال أبو بكر: صدق علي ما استخلفني رسول الله، فغضب عمر ووثب (وقام) فقال أبو بكر: اجلس، ثم قال لقنفذ اذهب إليه فقل له أجب أمير المؤمنين أبا بكر، فأقبل قنفذ حتى دخل على علي (عليه السلام) فأبلغه الرسالة فقال (عليه السلام):«كذب والله، انطلق إليه فقل له: (والله) لقد تسميت باسم ليس لك فقد علمت أن أمير المؤمنين غيرك .»

ص: 287

فرجع قنفذ فأخبرهما فوثب عمر غضبان فقال: والله إني لعارف بسخفه وضعف رأيه وإنه لا يستقيم لنا أمر حتى نقتله فخلني آتك برأسه.

فقال أبو بكر: اجلس، فأبى؛ فأقسم عليه، فجلس، ثم قال: يا قنفذ، انطلق فقل له: أجب أبا بكر فأقبل قنفذ فقال يا علي: أجب أبا بكر، فقال علي:

«إني لفي شغل عنه، وما كنت بالذي أترك وصية خليلي وأخي، وأنطلق إلى ابي بكر وما اجتمعتم عليه من الجور .»

فانطلق قنفذ فأخبر أبا بكر فوثب عمر غضبان فنادى خالد بن الوليد وقنفذاً فأمرهما أن يحملا حطبا ونارا، ثم أقبل حتى انتهى إلى باب علي (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) قاعدة خلف الباب قد عصبت رأسها ونحل جسمها في وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأقبل عمر حتى ضرب الباب ثم نادى يا ابن أبي طالب (افتح الباب) فقالت فاطمة:

«يا عمر ما لنا ولك لا تدعنا وما نحن فيه .»

قال: افتحي الباب وإلاّ أحرقناه عليكم، فقالت:

«يا عمر، أما تتقي الله عزّ وجل تدخل على بيتي وتهجم على داري .»

فأبى أن ينصرف، ثم دعا عمر بالنار فأضرمها في الباب فأحرق الباب، ثم دفعه عمر فاستقبلته فاطمة (عليها السلام) وصاحت:

«يا أبتاه يا رسول الله .»فرفع السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها، فصرخت، فرفع السوط فضرب به ذراعها، فصاحت:

ص: 288

«يا أبتاه .»

فوثب علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأخذ بتلابيب عمر ثم هزه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهم بقتله فذكر قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما أوصى به من الصبر والطاعة فقال:

«والذي كرم محمداً بالنبوة يا ابن صهاك لو لا كتاب من الله سبق لعلمت أنك لا تدخل بيتي .»

فأرسل عمر يستغيث فأقبل الناس حتى دخلوا الدار وسل خالد بن الوليد السيف ليضرب فاطمة (عليها السلام) فحمل عليه بسيفه فأقسم على علي (عليه السلام) فكف وأقبل المقداد وسلمان وأبو ذر وعمار وبريدة الأسلمي حتى دخلوا الدار أعوانا لعلي عليه السلام حتى كادت تقع فتنة فأخرج علي (عليه السلام)

واتبعه الناس واتبعه سلمان وأبو ذر والمقداد وعمار وبريدة (الأسلمي رحمهم الله) وهم يقولون: ما أسرع ما خنتم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخرجتم الضغائن التي في صدوركم.

وقال بريدة بن الخصيب الأسلمي: يا عمر أتثب على أخي رسول الله ووصيه وعلى ابنته فتضربها وأنت الذي يعرفك قريش بما يعرفك به فرفع خالد بن الوليد السيف ليضرب به بريدة وهو في غمده فتعلق به عمر ومنعه (من ذلك) فانتهوا بعلي إلى أبي بكر ملبياً فلما بصر به أبو بكر صاح خلوا سبيله فقال (علي) (عليه السلام):«ما أسرع ما توثبتم على أهل بيت نبيكم، يا أبا بكر بأي حق وبأي ميراث وبأي سابقة تحث الناس إلى بيعتك ألم تبايعني بالأمس بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) .»

ص: 289

فقال عمر: دع (عنك) هذا يا علي فو الله إن لم تبايع لنقتلنك فقال علي (عليه السلام): «إذا والله أكون عبد الله وأخا رسول الله المقتول .»

فقال (عمر) أما عبد الله المقتول فنعم، وأما أخو رسول الله فلا، فقال (عليه السلام): «أما والله لولا قضاء من الله سبق وعهد عهده إليّ خليلي لست أجوزه لعلمت أينا أضعف ناصراً وأقل عدداً .»

وأبو بكر ساكت لا يتكلم فقام بريدة فقال: يا عمر ألستما اللذين قال لكما رسول الله (صلى الله عليه وآله): انطلقا إلى علي فسلما عليه بإمرة المؤمنين .»

فقلتما أعن أمر الله وأمر رسوله فقال:

«نعم .»

فقال أبو بكر: قد كان ذلك يا بريدة ولكنك غبت وشهدنا والأمر يحدث بعده الأمر فقال عمر: وما أنت وهذا يا بريدة وما يدخلك في هذا؟ فقال بريدة: والله لا سكنت في بلدة أنتم فيها أمراء، فأمر به عمر فضرب وأخرج.

ثم قال سلمان: يا أبا بكر اتق الله وقم عن هذا المجلس ودعه لأهله يأكلوا به رغدا إلى يوم القيامة لا يختلف على هذه الأمة سيفان، فلم يجبه أبو بكر فأعاد سلمان (فقال): مثلها فانتهره عمر وقال: ما لك ولهذا الأمر وما يدخلك فيما ها هنا فقال:

مهلا يا عمر قم يا أبا بكر عن هذا المجلس ودعه لأهله يأكلوا به والله خضرا إلى يوم القيامة، وإن أبيتم لتحلبن به دما، وليطمعن فيه الطلقاء والطرداء والمنافقون والله لو أعلم أني أدفع ضيما أو أعز لله دينا لوضعت سيفي على عاتقي ثم ضربت

ص: 290

به قدما، أتثبون على وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأبشروا بالبلاء واقنطوا من الرخاء ثم قام أبو ذر والمقداد وعمار فقالوا لعلي (عليه السلام): ما تأمر والله إن أمرتنا لنضربن بالسيف حتى نقتل؛ فقال علي (عليه السلام): «كفوا رحمكم الله واذكروا عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما أوصاكم به .»

فكفوا؛ فقال عمر لأبي بكر وهو جالس فوق المنبر: ما يجلسك فوق المنبر وهذا جالس محارب لا يقوم (فينا) فيبايعك، أو تأمر به فيضرب عنقه والحسن والحسين -عليهم السلام- قائمان على رأس علي -عليه السلام- فلما سمعا مقالة عمر بكيا ورفعا اصواتهما:

«يا جداه يا رسول الله .»

فضمهما علي إلى صدره وقال:

«لا تبكيا فو الله لا يقدران على قتل أبيكم هما (أقل) وأذل وأدخر من ذلك .»

وأقبلت أم أيمن النوبية حاضنة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأم سلمة فقالتا: يا عتيق ما أسرع ما أبديتم حسدكم لآل محمد؛ فأمر بهما عمر أن تخرجا من المسجد وقال: ما لنا وللنساء، ثم قال يا علي قم بايع، فقال علي:

«إن لم أفعل .»

قال: إذا والله نضرب عنقك، قال (عليه السلام):

«كذبت والله يا ابن صهاك لا تقدر على ذلك أنت ألأم وأضعف من ذلك .»

فوثب خالد بن الوليد واخترط سيفه وقال: والله إن لم تفعل لأقتلنك فقام إليه علي (عليه السلام) وأخذ بمجامع ثوبه ثم دفعه حتى ألقاه على قفاه ووقع السيف من يده فقال عمر: قم يا علي بن أبي طالب فبايع، قال (عليه السلام):

ص: 291

«فإن لم أفعل .»

قال: والله نقتلك واحتج عليهم علي عليه السلام ثلاث مرات ثم مد يده من غير أن يفتح كفه فضرب عليها أبو بكر ورضي (منه) بذلك ثم توجه إلى منزله وتبعه الناس)(1).

3- روى الطبرسي في حادثة اقتحام بيت فاطمة صلوات الله عليها بعد أن ذكر مجريات الحادثة من جمع الحطب وإضرام النار فيه فقال: (فانطلق قنفذ فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وبادر علي إلى سيفه ليأخذه فسبقوه إليه فتناول بعض سيوفهم، فكثروا عليه فضبطوه وألقوا على عنقه حبلاً أسود، وحالت فاطمة (عليها السلام) بين زوجها وبينهم عند باب البيت فضربها قنفذ بالسوط على عضدها فبقي أثره في عضدها من ذلك مثل الدملوج من ضرب قنفذ إياها فأرسل أبو بكر إلى قنفذ أضربها فألجأها إلى عضادة بيتها فدفعها -أي:

الباب- فكسر ضلعها من جنبها وألقت جنيناً من بطنها، فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت من ذلك شهيدة)(2).

4- وروى العياشي في تفسيره عن عمرو بن أبي المقدام عن أبيه عن جده ما أتى علي يوم قط أعظم من يومين أتيا علي، فأما اليوم الأول فيوم قبض رسول الله (صلى

الله عليه وآله)، وأما اليوم الثاني فو الله إني لجالس في سقيفة بني ساعدة عن يمين أبي بكر والناس يبايعونه، إذ قال له عمر يا هذا ليس في يديك شيء مهما لم يبايعك علي،فابعث إليه حتى يأتيك يبايعك، فإنما هؤلاء رعاع فبعث إليه قنفذ فقال له اذهب فقل لعلي أجب خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فذهب قنفذ فما لبث أن رجع

فقال لأبي بكر: قال لك ما خلف رسول الله أحداً غيري.

ص: 292


1- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ص 862 - 868 .
2- الاحتجاج للطبرسي: ج 1، ص 82 .

قال: ارجع إليه فقل أجب فإن الناس قد أجمعوا على بيعتهم إياه، وهؤلاء المهاجرون والأنصار يبايعونه وقريش، وإنما أنت رجل من المسلمين لك ما لهم وعليك ما عليهم، فذهب إليه قنفذ فما لبث أن رجع فقال: قال لك إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لي وأوصاني أن إذا واريته في حفرته لا أخرج من بيتي حتى أؤلف كتاب الله، فإنه في جرائد النخل وفي أكتاف الإبل، قال عمر: قوموا بنا إليه، فقام أبو بكر، وعمر، وعثمان وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة، وأبو عبيدة بن الجراح، وسالم مولى أبي حذيفة، وقنفذ، وقمت معهم، فلما انتهينا إلى الباب فرأتهم فاطمة (عليها السلام) أغلقت الباب في وجوههم، وهي لا تشك أن لا يدخل عليها إلا بإذنها، فضرب عمر الباب برجله فكسره وكان من سعف ثم دخلوا فأخرجوا علياً ملببا فخرجت فاطمة فقالت: «يا أبا بكر أتريد أن ترملني من زوجي والله لئن لم تكف عنه لأنشرن شعري ولأشقن جيبي ولآتين قبر أبي ولأصيحن إلى ربي .»

فأخذت بيد الحسن والحسين، وخرجت تريد قبر النبي (صلى الله عليه وآله) فقال علي (عليه السلام) لسلمان:

«أدرك ابنة محمد فإني ارى جنبتي المدينة تكفيان، والله إن نشرت شعرها وشقتجيبها وأتت قبر أبيها وصاحت على ربها لا يناظر بالمدينة أن يخسف بها (وبمن فيها) .»

فأدركها سلمان رضي الله عنه، فقال: يا بنت محمد، إن الله إنما بعث أباك رحمة فارجعي، فقالت: «يا سلمان يريدون قتل علي، ما على علي صبر، فدعني حتى آتي قبر أبي فأنشر شعري وأشق جيبي وأصيح إلى ربي .»

ص: 293

فقال سلمان: إني أخاف أن تخسف بالمدينة، وعلي بعثني إليك ويأمرك أن ترجعي إلى بيتك وتنصرفي، فقالت:

«إذا أرجع وأصبر وأسمع له وأطيع »)(1).

5- روى الشيخ عباس القمي في بيت الأحزان عن فاطمة (عليها السلام)، أنها قالت: «فجمعوا الحطب الجزل على بابي، وأتوا بالنار ليحرقوه، ويحرقونا، فوقفت و(أخذت) بعضادة الباب، وناشدتهم الله: بالله وبأبي (صلى الله عليه وآله) أن يكفوا عنا وينصرونا، فأخذ عمر السوط من يد قنفذ -مولى أبي بكر-، فضرب به على عضدي، (فالتوى السوط على عضدي) حتى صار كالدملج، وركل الباب

برجله، فرده عليّ وأنا حامل، فسقطت لوجهي، والنار تسعر وتسقع في وجهي، فضربني بيده حتى انتشر قرطي من أذني، وجاءني المخاض، فأسقطت محسناً قتيلاً

بغير جرم »(2)

6- روى الكليني (عن أبان بن تغلب عن ابي هاشم قال: لما أخرج بعلي (عليهالسلام) خرجت فاطمة عليها السلام واضعة قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رأسها آخذة بيدي ابنيها فقالت: «ما لي وما لك يا أبا بكر، تريد أن تؤتم ابني وترملني من زوجي، والله لولا أن تكون سيئة لنشرت شعري ولصرخت إلى ربي .»

ص: 294


1- تفسير العياشي: ج 2، ص 66 - 68 .
2- مسند فاطمة الزهراء عليها السلام للسيد حسين شيخ الإسلام: ص 443 444 ، برقم 11/407 ؛ بيت الأحزان للشيخ عباس القمي: ص 173 .

فقال رجل من القوم: ما تريد إلى هذا ثم أخذت بيده فانطلقت به)(1).

7- روى أبو جعفر الطوسي (عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، وعن سلمان، أن قالا: لما أخرج أمير المؤمنين من منزله خرجت فاطمة حتى انتهت إلى القبر، فقالت:

«خلوا عن ابن عمي، فو الذي بعث محمدا بالحق، لئن لم تخلوا عنه لأنشرنَّ شعري، ولأضعنَّ قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رأسي، ولأصرخنَّ إلى الله، فما ناقة صالح بأكرم على الله مني، ولا الفصيل بأكرم على الله من ولدي .»

قال سلمان: فرأيت والله أساس حيطان المسجد تقلّعت من أسفلها، حتّى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها لنفذ، فدنوت منها، وقلت: يا سيدتي! ومولاتي، إن الله تبارك وتعالى بعث أباك رحمة، فلا تكوني نقمة.

فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها، فدخلت في خياشيمنا)(2).

ثانياً: ما ورد في كتب أهل السنة والجماعة في اقتحام عمر بن الخطاب لبيت فاطمة (علیها السّلام)

وكما هي العادة في روايات أهل السنة والجماعة وكما مرّ علينا في حديث جمع الحطب حول بيت فاطمة عليها السلام ودخول عمر عليها يهددها بالإحراق إن اجتمع بعض صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند علي (عليه السلام) ليحرقن عمر بيت فاطمة بمن فيه وكيف أن القوم حذفوا قول عمر في التهديد

والإحراق.

ص: 295


1- الكافي للكليني: ج 8، ص 237 - 238 .
2- مسند فاطمة للسيد حسين شيخ الإسلامي: ص 444 - 445 ؛ برقم 409 / 13 .

وهنا ليس الأمر ببعيد عن ذلك المنهج الذي اعتمدوه لاسيما وأن مرحلة الاقتحام هي من أكثر المراحل خطورة لأنها تكشف عن دموية الحدث فضلاً عن حجم الفتنة الذي أقدم عليها أبو بكر وعمر في إرعاب فاطمة وولديها وإرعاب أهل المدينة وما تبعها من قتل لفاطمة (عليها السلام).

فكيف بهم وأنى لهم أن يرووا تلك الجريمة كما وقعت.

ولذلك: نجد القوم قد أشاروا إليها إشارة خفيفة هنا وهناك علهم بذلك يستطيعون أن يخفوا هذه الجريمة ويمحوا آثارها من أذهان الناس، ويأبى الله تعالى إلا أن يظهر الحق، وعليه فلنرَ كيف أشار إليها القوم.

1- روى اليعقوبي (المتوفى سنة 248 ه) في تاريخه فقال:

(وبلغ أبا بكر وعمر أن جماعة من المهاجرين والأنصار قد اجتمعوا مع علي ابن أبي طالب في منزل فاطمة بنت رسول الله، فأتوا في جماعة حتى هجموا الدار، وخرج علي ومعه السيف، فلقيه عمر، فصارعه عمر فصرعه، وكسر سيفه، ودخلوا الدار فخرجت فاطمة فقالت:«والله لتخرجن أو لأكشفن شعري ولأعجن إلى الله! .»

فخرجوا وخرج من كان في الدار وأقام القوم أياماً، ثم جعل الواحد بعد الواحد يبايع، ولم يبايع علي إلاّ بعد ستة اشهر وقيل أربعين يوما)(1).

2-روى الجوهري (المتوفى سنة 323 ه) فقال:

(حدثني أبو زيد عمر بن شبة عن رجاله قال: جاء عمر إلى بيت فاطمة في رجال من الأنصار ونفر قليل من المهاجرين فقال: والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم فخرج إليه الزبير مصلتا بالسيف فاعتنقه زياد بن لبيد

ص: 296


1- تاريخ اليعقوبي: ج 2، ص 126 ، ط دار صادر؛ ج 2، ص 11 ، ط الأعلمي.

الأنصاري ورجل آخر فندر السيف من يده فضرب به عمر الحجر فكسره؛ ثم أخرجهم بتلابيبهم يساقون سوقا عنيفا حتى بايعوا أبا بكر.

قال أبو زيد وروى النضر بن شميل، قال: حمل سيف الزبير لما ندر من يده إلى أبي بكر وهو على المنبر يخطب فقال: اضربوا به الحجر، قال أبو عمرو بن حماس: ولقد رأيت الحجر وفيه تلك الضربة والناس يقولون هذا أثر ضربة سيف الزبير.

قال أبو بكر، وأخبرني أبو بكر الباهلي، عن إسماعيل بن مجالد، عن الشعبي قال: قال أبو بكر: يا عمر، أين خالد بن الوليد؟ قال: هو هذا، فقال: انطلقا إليهما، يعني عليا والزبير فأتياني بهما؛ فانطلقا فدخل عمر ووقف خالد على الباب من خارج، فقال عمر للزبير: ما هذا السيف؟ قال: أعددته لأبايع عليا، قال: وكان في البيت

ناس كثير منهم المقداد بن الأسود، وجمهور الهاشميين، فاخترط عمر السيف فضرب به صخرة في البيت فكسره.

ثم أخذ بيد الزبير فأقامه، ثم دفعه فأخرجه، وقال: يا خالد دونك هذا؛ فأمسكهخالد، وكان خارج البيت مع خالد جمع كثير من الناس أرسلهم أبو بكر رداءً لهما.

ثم دخل عمر فقال لعلي: قم فبايع فتلكأ واحتبس، فأخذ بيده وقال: نعم؛ فأبى أن يقوم فحمله ودفعه كما دفع الزبير، ثم أمسكهما خالد، وساقهما عمر ومن معه سوقاً عنيفا، واجتمع الناس ينظرون، وامتلأت شوارع المدينة بالرجال.

ورأت فاطمة ما صنع عمر فصرخت وولولت، واجتمع معها نساء كثير من الهاشميات وغيرهن، فخرجت على باب حجرتها ونادت:

«يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيت رسول الله، والله لا أكلم عمر حتى ألقى الله»(1).

ص: 297


1- السقيفة وفدك للجوهري: ص 73 74 ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 6، ص 48 49 ؛غاية المرام للسيد هاشم البحراني: ص 326 .

3- وورد ذكر الحادثة كذلك في أبحاث بعض المعاصرين، فمما جاء في ذلك أن قال بعضهم:

(أما علي بن أبي طالب فقد امتنع عن مبايعة أبي بكر هو وجماعة من الهاشميين والزبير بن العوام، وتخلفوا في بيت فاطمة، فخرج إليهم عمر بن الخطاب في جماعة من الصحابة، وأرغموا بني هاشم والزبير على مبايعة أبي بكر، ثم استقدم علي إلى

أبي بكر وطلب منه أن يبايع، فامتنع بحجة أن أبا بكر اغتصب حقه في خلافة النبي (صلى الله عليه وآله)...

ولم يبايع علي أبا بكر بالخلافة إلا بعد أن توفيت فاطمة، أي بعد ستة أشهر من وفاة النبي صلى الله عليه وآله)(1).

ص: 298


1- تاريخ الدولة العربية للدكتور عبد العزيز سالم: ص 431 432 ، ط دار النهضة العربية بيروت؛وقريب منه أورده محمد عزه في تاريخ الجنس العربي: ج 7، ص 8 25 ، ط المكتبة العصرية لبنان.

المحتويات

المبحث الثالث والعشرون المقاصدية في الاقامة عند قبر رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ونفي سوء الظن

بما وعد الله الصابرين

المسألة الاولى: هل كانت العرب تقيم عند قبور موتاها . ..7

المسألة الثانية: نفي قصدية الجزع عنه (علیه السّلام) في ذهن الناظر وعصمته في المشاعر ... 11 .

الأمر الأول: ضرورة جب الغيبة والمحافظة على مقامه في عين الناظر ... 11 .

الأمر الثاني: عصمته في تقنين مشاعره وعواطفه ... 13 .

المسألة الثالثة: منشأ سوء الظن بالله وموارده في النفس ... 19 .

المسألة الرابعة: كاشفية القرآن لما وعد الله الصابرين ... 24 .

المبحث الرابع والعشرون المقاصدية في تضمين الآهات وممانعة النفس ب (لولا)

المسألة الاولى: معنى التأوه وقصديته في اللغة والقرآن ... 32 .

أولاً: معنى (آه آه) في اللغة ... 32 .

ثانياً: معنى (وآه وآها) في اللغة... 35 .

ثالثاً: التأوه في القرآن وقصديته الوجدانية والسلوكية .... 36 .

المسألة الثانية: القصدية في ايراد (لولا) ... 40

ص: 299

أولاً: معنى (لولا) في اللغة . ... 41 .

ثانياً: قصدية الممانعة وتقويم النفس.... 42

ثالثاً: الملازمة بين التأوه والحلم وظهوره اللفظي والافعالي ... 43 .

المسألة الثالثة: القصدية في غلبة المستولين ومن هم ؟ .... 53 .

أولاً: معنى الاستيلاء في اللغة : .... 53 .

ثانيا: من هم المستولون الذين لم يصرّح بهم الإمام علي (علیه السّلام)...54

المبحث الخامس والعشرون مقاصدية المقام عند قبر رسول الله ) i( ولزومه

المسألة الأولى: قصدية المقام في كون مصيبة فقد رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أعظم المصائب ... 69 .

المسألة الثانية: قصدية المقام في تقرير مشروعية زيارة قبر رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وفضلها .... 74 .

أولاً: فتوى ابن تيمية في حرمة زيارة قبر رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )...74

ثانيا: فتوى الوهابية بحرمة الانابة في السلام على رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )...85

المسألة الثالثة: قصدية المقام في بيان مستويات الملازمة للقبر النبوي . .... 89 .

أولاً: الملازمة الوجوبية ...89

ثانياً: الملازمة الدائمية . ..90

ثالثاً: الملازمة بكثرة الزيارة للقبر النبوي فيكون زواراً . ..91

ص: 300

المبحث السادس والعشرون مقاصدية العكوف عند قبر رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

المسألة الاولى: اللبث والعكوف في اللغة . .... 97 .

أولاً: اللبث في اللغة ...97 .

ثانياً: العكوف والإعتكاف في اللغة.... 99 .

ثالثاً: الاعتكاف عند الفقهاء ...... 100.

المسألة الثانية: استظهار قصدية اللبث والعكوف . ... 101.

القصدية الاولى: استدامة الإقامة عند القبر الشريف ... 101.

القصدية الثانية: الملاذ بقبر النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) قربة الى الله تعالى ..... 103.

القصدية الثالثة: حبس نفسه المقدسة على القبر النبوي . .. 105.

القصدية الرابعة: اظهار شأنية رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وارتكازها في الحقل المعرفي ... 106.

المبحث السابع والعشرون مقاصدية الإعوال ومشروعيته

المسألة الاولى: الإعوال والثكل في اللغة .... 112.

أولاً: الإعوال والعويل في اللغة .... 112.

ثانياً: معنى الثكل في اللغة . .... 113.

المسألة الثانية: المقاصدية في اعواله على فقد فاطمة (علیها السّلام)...114

القصدية الأولى: تشريع البكاء على مظلومية العترة النبوية . ... 114.

القصدية الثانية: حرارة وجده على مظلومية الزهراء البتول وكاشفية حبه لها.... 122.

القصدية الثالثة: حشرجة الصدر في فقدان الحق ووقوع الظلم . .. 124.

ص: 301

المبحث الثامن والعشرون رزئية المصاب وجلالة المنزلة ومقاصدية كونه بعين الله

المسألة الاولى: قصدية النسبة الى عين الله في القرآن الكريم . ... 128.

المسألة الثانية: القصدية في رزئية المصاب وبيان المنزلة .... 133.المبحث التاسع والعشرون...136.

المقاصدية في دفنها (علیها السّلام) سراً.... 136.

المسألة الاولى: قصدية أظهار مكنون وصية فاطمة (علیها السّلام) في تعرية وجوه المستولين ... 138.

أولاً: إلتزاماً بوصيتها وتحريكاً لذهن متلقي النص في أرجاعه لهذه الوصية . .... 139.

ثانياً: ما زالت غاضبة على من ظلمها حية وميتة . ... 144.

المسألة الثانية: كيف جرى دفنها؟ وقصدية حث المتلقي على المعرفة . ... 145.

المبحث الثلاثون المقاصدية في هضم حق فاطمة (علیها السّلام)

المسألة الاولى: قصدية إكتفائه ) g( بذكر هذه الرزايا الثلاثة .... 152.

أولاً: كاشفية الأحاديث النبوية في اشتراك الصحابة في ظلم فاطمة (علیها السّلام) وهضمها حقها . .... 154.

ثانياً: إنَّ الإيمان بالحوض فرض على جميع المسلمين . .... 156.

المسألة الثانية: قصدية التعريف بحق فاطمة الذي هضمته الأمة قهراً ... 160.

أولاً: قصدية التلازم بين مسار الوحي والنبي في إيصال حق فاطمة (علیها السّلام) ...161

ثانياً: قصدية إظهارتصدي فاطمة (علیها السّلام) للسلطة في جورها على شريعة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )...175

ص: 302

المبحث الحادي والثلاثون مقاصدية ذكره للرزية الثالثة في منعهم إرثها جهراً

المسألة الاولى: القصدية في إيراده وقوع الأحداث تنازلياً من حيث وقوعها الزمني . ... 216.

المسألة الثانية: قصدية التعريف بمصادرة السلطة لأموال رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وماهي هذه الأموال ؟ ..... 217.

أولاً: حقيقة قيام السلطة الحاكمة بحبس أمول رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )...217

ثانياً: أموال رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) غير المنقولة ..... 226.

المبحث الثاني والثلاثون المقاصدية في نفي أخلولق الذكر وبعُد العهد

المسألة الاولى: القصدية في (العهد) الذي لم يبعد . .... 235.

أولاً: القصدية في لفظ «ولم يتباعد العهد »...236

ثانياً: القصدية في لفظ «ولم يبعد بك العهد » . ...237

ثالثاً: القصدية في لفظ «ولم يطل العهد » ....238

المسألة الثانية: القصدية في «لم يخلولق الذكر » ظاهرة ومضمرة .... 240.

الخَلقْ و الاخلَوُلَق في اللغة ... 240.

المسألة الثالثة: لم يبلَ ذكره لكن غيرت سنته في اليوم الثاني من وفاته (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )...242

أولاً: ماذا حدث في اليوم الثاني لوفاة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وهو لم يدفن بعد؟!.... 243.

ثانياً: حكم من أخاف أهل المدينة في السنة النبوية ... 245.

ثالثاً: كيف جرت بيعة ابي بكر؟ وماذا اشتملت خطبته بعد البيعة ؟... 247.

رابعاً: إنّ قطع الرؤوس وجلد الجسوم هو ايسر ما يلاقيه المعارضون للخليفة، فكيف لا تدفن الزهراء سراً ... 248

ص: 303

المبحث الثالث والثلاثون سرعة الانقضاض على بضعة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )بعد وفاته بأيام يكشف القصدية المضمرة «لم يطل العهد ولم يخل منك الذكر »

المسألة الاولى: كونها البضعة لم يردع الخليفة في حربه لها ... 258.

المسألة الثانية: جمع الحطب حول بيت فاطمة ) h( وإضرام النار فيه لإحراق البيت بمن فيه ... 260.

أولاً: كيف جرت الحادثة وما هي المرحلة الأولى من جريمة قتل فاطمة(علیها السّلام)...263

ثانياً: المرحلة الثانية من جريمة قتل فاطمة(علیه السّلام)(حرق بيتها بمن فيه) ..... 277.

المسألة الثالثة: هجوم عمر بن الخطاب وعصابته على بيت فاطمة (علیها السّلام) واقتحامه وما وقع عليها من الأضرار ...282 .

أولاً: ما ورد في كتب مدرسة أهل البيت (علیهم السّلام) حول اقتحام بيت فاطمة (علیها السّلام)...286

ثانياً: ما ورد في كتب أهل السنة والجماعة في اقتحام عمر بن الخطاب لبيت فاطمة(علیه السّلام)...296

ص: 304

المجلد 4

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 1351 لسنة 2016

مصدر الفهرسة: IQ – KaPLI ara IQ –KaPLI rda

رقم الاستدعاء: 2017 H37 F3.BP38.09

المؤلف: الحسني، نبيل قدوري ، 1965 -. مؤلف.

العنوان: فاطمة في نهج البلاغة : مقاربة تداولية في قصدية النص ومقبوليته واستكناه دلالاته وتحليله /

بيان المسؤولية: تأليف السيد نبيل الحسني.

بيانات الطبعة: الطبعة الاولى.

بيانات النشر: كربلاء، العراق : العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2017 / 1438 للهجرة.

الوصف المادي: 5 مجلد ؛

سلسة النشر: مؤسسة علوم نهج البلاغة ؛ سلسلة الدراسات والبحوث العلمية ( 12 ).

تبصرة ببليوغرافية : يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة – نهج البلاغة.

موضوع شخصي: علي ابن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة- 40 هجريا – احاديث

-- دراسة تحليلية.

موضوع شخصي: فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، 8 قبل الهجرة - 11 هجريآ

موضوع شخصي: فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، 8 قبل الهجرة - 11 هجريآ – فضائل – احاديث.

موضوع شخصي: فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، 8 قبل الهجرة - 11 هجريآ – مصائب.

موضوع شخصي: فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، 8 قبل الهجرة - 11 هجريآ – الوفاة والدفن.

مصطلح موضوعي: فقه اللغة العربية.

مصطلح موضوع: احاديث الشيعة الامامية -- دراسة تحليلية.

مؤلف اضافي: مستخلص ل (عمل) : الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة – نهج البلاغة.

اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة -- جهة مصدرة.

عنوان اضافي: نهج البلاغة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

اشارة

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ »

فاطمة (عليها السلام) في نهج البلاغة المجلد 4

ص: 2

سلسلة الدرسات والبحوث العلمية (12)

وحدة فقه اللغة وفلسفتها - اللسانيات

فاطمة في نهج البلاغة : مقاربة تداولية في قصدية النص ومقبوليته واستكناه دلالاته وتحليله الجزء الرَّابع

تأليف السيد نبيل الحسني

اصدار مؤسسةُ علوم نهج البلاغة في للعتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1439 ه/ 2018 م

العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة

مؤسسة علوم نهج البلاغة

www.inahj.org

Email: inahj.org@gmail.com

موبايل: 07815016633

ص: 4

المبحث الرابع والثلاثون: مقاصدية التلازم بين الشكوى و التعزية

اشارة

ص: 5

قوله (عليه السلام): «فَإِلى اللَّه المْشُتْكَى وفيِك أَجمْلَ العزَاء »ِ

اشارة

ص: 6

تناولنا فيما مضى من مباحث النص الشريف قصدية التكرار و واثرها في تماسك النص، وفي هذا المورد منه يعود الإمام علي (عليه السلام) الى تكرار الشكوى والتعزي برسول الله (صلى الله عليه وآله).

وفي هذا المورد أيضا يختم حديثه (عليه السلام) بالشكوى الى الله تعالى ومخاطبة النبي (صلى الله عليه وآله) والتعزي به.

ولذا:

فنحن أمام جملة من القصديات التي اكتنزها هذا المورد من النص الشريف والتي سنتناولها في المسائل القادمة، وهي كالاتي:

المسألة الاولى: القصدية في مخاطبة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بياء النداء بعد موته
اشارة

إن النص يصرحّ في تماسكه واتساقه وتمازج الأدلةّ وقوة بيانه منذ أن بدأ الإمام علي (عليه السلام) في خطابه والى أن ختم هذا الخطاب.

(فقد بدأ بالسلام وختم بالسلام).

وكرر الشكوى والتأسي برسول الله (صلى الله عليه وآله)، واستخدم ياء النداء والمخاطبة في مواضع عدة؛ واشتمل النص على أفعال الامر؛ فلاحظ في استخدام النداء والمخاطبة:

1-(السلام عليك يا رسول الله).

ص: 7

2-(قل يا رسول الله).

3-(يا رسول الله أما حزني فسرمد...).

4-(والسلام عليك يا رسول الله سلام مودع...).

5-(فإلى الله يا رسول الله المشتكى).

ولاحظ في اشتمال النص على صيغة أفعال الامر:

1-(فأحفها السؤال).

2-(واستخبرها الحال).

والسؤال المطروح أكان منتج النص (عليه الصلاة والسلام) يخاطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) بياء النداء ويأمره بفعل (الحف و الاستخبار) حيا أم ميتا؟ً!

بمعنى: إن الإمام علي (عليه السلام) كان يخاطب في الظاهر الذي عليه النص قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومقتضى الحال يلزم أن يختار منتج النص المفردات والالفاظ التي تنسجم مع عقيدة المتلقي لتنال مقبوليته وتفاعله مع النص لا أن يكون ظاهر النص يدفع الى الرفض ويخلق فجوة بين النص والمتلقي، بلحاظ أن النص يشتمل على مخاطبة الميت، في حين وجود ياء النداء، وأفعال الامر تقتضي أن يكون القصد فيه موجها للحي لا للميت.

وعليه:

تكون القصدية في ذلك هي ابراز حقيقة حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد موته، يخاطبه الزائر فيسمع قوله، ويتظلمّ عنده، ويشكو اليه، ويستغيث به؛ وهذا الذي قصده أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ وهذا الذي رسخّ عقيدة المتلقي هنا بأن

ص: 8

رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد موته حيا ومن خلال هذا الخطاب فإنه يسمع ويغيث وينتصر للمظلوم وان كثيرا من المسلمين يعتقدون بذلك على الرغم من مخالفة البعض لهذه الحقيقة ونكرانها كالوهابية وتشضيها الى جماعات باتت اكثر

نكرانا لهذه الحقائق الشرعية وهو ما سنتعرض له فيما يلي.

أولاً: إنّ رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) حي في قبره

إن هذه الحقيقة قد أكدتها جملة من النصوص النبوية الشريفة وأقر بها كثير من علماء المسلمين فضلا عن ذلك فأن الاصل في القضية بعد مخاطبة الامام علي (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله) كما جاء في هذا النص بياء النداء وافعال الامر والتظلم بين يديه والاستغاثة به في التصبر وتعزيته، كلها تعد اصلا في ثبوت حقيقة حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قبره، ومما يدل عليه:

1- عن أنس بن مالك، قال، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

«الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون »(1).

2- روى الطبراني عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال:

«ليس من عبد يصلي علي إلا بلغني صلاته، قلنا: وبعد وفاتك؟ قال: وبعد وفاتي؛ إن الله عز وجل حرمّ على ا لأرض أن تأكل أجساد الألنبياء »(2).

3-عن ابي هريرة، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

«ما من أحد يسلم علي إلا رد الله الي روحي حتى أرد السلام»(3) .

ص: 9


1- مسند ابي يعلى الموصلي: ج 6 ص 148 .
2- نيل الأوطار للشوكاني: ج 3 ص 305 .
3- سنن ابي داود: ج 1 ص 453 ، برقم ( 2041 )

4- عن عبد الله بن مسعود، أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:

«حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم تعرض علي اعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه؛ وما رأيت من شر استغفرت الله لكم »(1) وغيرها من الاحاديث الكثيرة.

وقد كان لعلماء المسلمين تعليقات وموافقات لهذه الاحاديث، منهم:

1- قال الحافظ السيوطي في مرقات الصعود:

(تواترات بحياة الانبياء في قبورهم الاخبار)(2).

وقال ايضا في انباء الاذكياء:

(حياة النبي (صلى الله عليه وآله) في قبره وسائر الانبياء معلومة عندنا علما قطعيا؛ قام عندنا من الادلة في ذلك، وتواترت بها الاخبار الدالة على ذلك، وقد الف الامام البهيقي (رحمه الله) جزء في حياة الانبياء (عليهم السلام) في قبورهم)(3).

2-قال الشوكاني (ت 1255 ه):

(ذهب جماعة من المحققين الى ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) حي بعد وفاته، وانه سير بطاعات امته، وان الانبياء لا يبالون، مع ان مطلق الادراك كالعلم والسماع ثابت لسائر الموتى.

ص: 10


1- بصائر الدرجات للصفار: ص 463 ؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9 ص 24
2- نظم المتناثر من الحديث المتواتر، جعفر الكناني: ص 621 .
3- نظم المتناثر من الحديث المتواتر للشيخ محمد جعفر الكناني: ص 126 .

وقد صح عن ابن عباس مرفوعا:

«ما من أحد يمر على قبر أخيه المؤمن في الدنيا اذا مر الرجل بقبر يعرفه فيسلم عليه فرد عليه السلام وعرفه؛ واذا مر بقبر لا يعرفه رد عليه السلام .»

وصح انه (صلى الله عليه وآله) كان يخرج الى البقيع لزيارة الموتى ويسلم عليهم.

وورد النص في كتاب الله في حق الشهداء (انهم احياء يرزقون) وان الحياة فيهم متعلقة بالجسد؛ فكيف بالانبياء والمرسلين وقد ثبت في الحديث ان الانبياء احياء في قبورهم.

رواه المنذري وصححه البهيقي.

وفي صحيح مسلم عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه قال:

«مررت بموسى ليلة أسرُيِ بي عند الكثيب الاحمر وهو قائم يصلي في قبره »(1).

3-الحافظ ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه)، فإنه قال بعد أن أورد كثيرا من الأحاديث في حياة الانبياء في قبورهم:

(وإذا ثبت أنهم -اي: الانبياء (عليهم السلام)- أحياء من حيث النقل، فإنه يقويه من حيث النظر كون الشهداء أحياء بنص القرآن، والأنبياء أفضل من الشهداء.

ومن شواهد الحديث ما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة رفعه، وقال فيه (صلى الله عليه وآله): «وصلوا علي فان صلاتكم تبلغني حيث كنتم .»

سنده صحيح، وأخرجه أبو الشيخ في كتاب الثواب بسند جيد بلفظ:

ص: 11


1- نيل الاوطار للشوكاني: ج 3 ص 305 .

«من صلى على عند قبري سمعته ومن صلى علي نائيا بلغته .»

وعند أبي داود والنسّائي وصححه ابن خزيمة وغيره عن أوس بن أوس رفعه في فضل يوم الجمعة:

(فأكثروا علي من الصلاة فيه فان صلاتكم معروضة علي قالوا يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت قال إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء).

ومما يشكل على ما تقدم ما أخرجه أبو داود من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه: «ما من أحد يسلم علي الا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام .»

ورواته ثقات، ووجه الاشكال فيه أن ظاهره أن عود الروح إلى الجسد يقتضي انفصالها عنه، وهو الموت

وقد أجاب العلماء عن ذلك بأجوبة، أحدها أن المراد بقوله -صلى الله عليه وآله- « رد الله علي روحي » ان رد روحه كانت سابقة عقب دفنه لا أنها تعاد ثم تنزع ثم تعاد، الثاني سلمنا لكن ليس هو نزع موت بل لا مشقة فيه، الثالث أن المراد بالروح الملك الموكل بذلك، الرابع المراد بالروح النطق فتجوز فيه من جهة خطابنا بما نفهمه، الخامس انه يستغرق في أمور الملا الاعلى، فإذا سلم عليه رجع إليه فهمه ليجيب من سلم عليه، وقد استشكل ذلك من جهة أخر وهو أنه يستلزم استغراق الزمن كله في ذلك لاتصال الصلاة والسلام عليه في أقطار الأرض ممن لا يحصي كثرة، وأجيب بأن أمور الآخرة لا تدرك بالعقل وأحوال البرزخ أشبه بأحوال الآخرة والله أعلم . )(1).

ص: 12


1- فتح الباري: ج 6 ص 353 .

4-الحافظ المقريزي (ت 845 ه) وقد نقل روايات كثيرة من كتاب البهيقي (حياة الانبياء في قبورهم) وذلك ضمن خصائصه (صلى الله عليه وآله) وتحت عنوان: (انه (صلى الله عليه -وآله- وسلم) حي في قبره وكذلك الانبياء)، فقال:

(وقد أفرد الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي في ذلك جزء حاصله أنه خرج من طريق أبي أحمد بن عدي الحافظ )(1).

ثم يورد هذه الاحاديث التي استشهد بها البهيقي.

5-الحافظ السبكي (ت 756 ه)، فقد قام هو الاخر بجمع ما اخرجه الحافظ البهيقي واورده في كتابه شفاء السقام وتحت عنوان: الباب التاسع في حياة الانبياء (عليهم السلام) والشهداء وحال سائر الموتى)(2).

6-الحافظ البهيقي (ت 458 ه) والذي جمع وصنف كتابا اسماه (حياة الانبياء في قبورهم) والذي تتبع فيه الأحاديث الثابتة لهذه الحقيقة(3) . انظر (فضائل تحقيق عدنان القيني ص 41 المقدمة) ولقد كان هذا ملاذا للعلماء في الرد على الناكرين لهده الحقيقة.

وعليه:

فإن هذه الاقوال وغيرها من اقوال العلماء في ثبات الاعتقاد بحياة النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) في قبره وكذلك الانبياء والاوصياء (عليهم السلام) لتلجم المعترض عيلها، ويكفينا من ذلك مخاطبة أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه

ص: 13


1- امتناع الاسماع: ج 10 ص 300 - 308 .
2- شفاء السقام: ص 319 .
3- طبع في مصر سنة 9431 ه نسخة خطية في مكتبة احمد الثالث بتركيا برقم ( 2/ 7211 ) وقد طبع بالقاهرة بالمطبعة المحمودية سنة 7531 ه بتعليق الشيخ محمد الخانجي.

الصلاة والسلام( لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذا النص وتجلي قصدية حياته وسماعه للشكوى والتظلّم الذي يرفعه الإمام علي (عليه السلام).

أمّا والاستغاثة به (صلى الله عليه وآله) فهي القصدية الثانية في قوله (عليه السلام):

«والى الله يا رسول الله المشتكى وفيك أجمل العزاء » والتي سنتناوله فيما يلي.

ثانياً: تشريع الاستغاثة برسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

إنّ من الامور التي تثير الدهشة والاستغراب إغفال بعض أهل العلم حديث أمير المؤمنين علي بن بي طالب (عليه السلام) وهو الصادق الصدوق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والذي شهد له رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما هو أعظم من ذلك وهو أنه مع القران والقران معه(1)

وقوله (صلى الله عليه وآله):

«علي مع الحق والحق مع علي »(2).

ثم نجد ان هؤلاء يعرضون عن حديث علي (عليه الصلاة والسلام) ويتغافلون عن قوله ثم يهرعون خلف كعب الاخبار وابي هريرة الذي لم يدرك من حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الا ثلاث سنوات وغيرهم مما يطول الحديث عنهم ويخرج الكتاب عن منهج البحث.

إلّا أننا نستغرب مع سعي هؤلاء وراء معرفة دينهم وعقائدهم ويشرّعون للناس تكاليفهم وهم ينهلون من عامة الناس، ويتركون خاصة رسول الله (صلى الله عليه وآله) واهل بيته وثقله الاصغر!!

ص: 14


1- الأمالي للطوسي: ص 461 ؛ مستدرك الحاكم: ج 3 ص 124 .
2- الامالي للصدوق: ص 150 ؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 7 ص 236 .

ومن ذلك الاستغاثة برسول الله (صلى الله عليه وآله) حيا وميتا، ويكفي في ذلك ما جاء في هذا النص وحده من تصريح الالتجاء الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) والاستغاثة به في نزول المحن والنوائب.

و أي المحن أعظم من تلك الرزايا الجليلة في دفن الزهراء سراً، وهضم حقها قهراً ومنع إرثها جهراً.

إلا يكفي في بيان عظمتها حبس علي (عليه السلام) لأحزانه وآلامه احتباس النار في جمر الحطب، وهو القائل كما مرّ:

«لجعلت المقام عند قبرك لزاما، والتلبث معكوفا، ولأعولت أعوال الثكلى .»

مستغيثا بقبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ملتجئا اليه، لائذاً به.

وعليه:

فإن القصدية الثانية التي اكتنزها قوله (عليه السلام):

«فإلى الله يا رسول الله المشتكى » هي الاستغاثة برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو أمر اعتقده المسلمون وانكره ابن تيمية ومن سار على نهجه، فرد على افترائه مجموعة من العلماء المسلمين، منهم الحافظ السبكي (رحمه الله)، وابن حجر،

والسمهودي وغيرهم، نورد فيما يلي بعضا من اقوالهم في الإستغاثة والتوسل والالتجاء الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد وفاته.

1-قال الحافظ السبكي (ت 756 ه) وتحت عنوان:

(في التوسل، والاستغاثة، والتشفع بالنبي (صلى الله عليه وآله):

اعلم: انه يجوز ويحسن التوسل والاستغاثة والتشفع بالنبي الى ربه سبحانه وتعالى.

ص: 15

وجواز ذلك وحسنه من الأمور المعلومة لكل ذي دين، المعروفة من فعل الأنبياء والمرسلين وسير السلف الصالحين، والعلماء والعوام من المسلمين.

ولم ينكر أحد ذلك من أهل الأديان، ولا سمع به في زمن من الأزمان، حتى جاء ابن تيمية، فتكلم في ذلك بكلام يلبس فيه على الضعفاء الأغمار، وابتدع ما لم يسبق إليه في سائر الأعصار.

ولهذا طعن في الحكاية التي تقدم ذكرها عن مالك، فإن فيها قول مالك للمنصور: (استشفع به).

ونحن قد بينا صحتها، ولذلك أدخلنا الاستغاثة في هذا الكتاب لما تعرض إليها مع الزيارة.

وحسبك أن إنكار ابن تيمية للاستغاثة والتوسل، قول لم يقله عالم قبله وصار بين أهل الإسلام مثلة !!

وقد وقفت له على كلام طويل في ذلك رأيت من الرأي القويم أن أميل عنه إلى الصراط المستقيم، ولا أتتبعه بالنقض والإبطال، فإن دأب العلماء القاصدين لإيضاح الدين وإرشاد المسلمين، تقريب المعنى إلى أفهامهم، وتحقيق مرادهم وبيان حكمه، ورأيت كلام هذا الشخص بالضد من ذلك، فالوجه الإضراب عنه.

وأقول: إن التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله) جائز في كل حال: قبل خلقه، وبعد خلقه، في مدة حياته في الدنيا، وبعد موته، في مدة البرزخ، وبعد البعث في عرصات القيامة والجنة، وهو على ثلاثة أنواع:

النوع الأول: أن يتوسل به، بمعنى أن طالب الحاجة يسأل الله تعالى به، أو بجاهه، أو ببركته.

ص: 16

فيجوز ذلك في الأحوال الثلاثة، وقد ورد في كل منها خبر صحيح:

[حديث توسل آدم عليه السلام بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم]

أما الحالة الأولى: قبل خلقه، فيدل على ذلك آثار عن الأنبياء الماضين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، اقتصرنا منها على ما تبين لنا صحته، وهو ما رواه الحاكم أبو عبد الله بن البيع في (المستدرك على الصحيحين أو أحدهما)، قال: ثنا أبو سعيد عمرو بن محمد بن منصور العدل، ثنا أبو الحسن محمد بن إسحاق

ابن إبراهيم الحنظلي، ثنا أبو الحارث عبد الله بن مسلم الفهري، ثنا إسماعيل ابن مسلمة، أنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لما اقترف آدم (عليه السلام) الخطيئة

قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي.

فقال الله (عزّ وجل): يا آدم، وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه ؟

قال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك، رفعت رأسي، فرأيت على قوائم العرش مكتوبا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فعرفت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك.

فقال الله تعالى: صدقت يا آدم، إنه لأحب الخلق إلي، إذ سألتني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك ).

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب.

ورواه البيهقي أيضا في (دلائل النبوة) وقال: تفرد به عبد الرحمن.

ص: 17

وذكره الطبراني وزاد فيه: (وهو آخر الأنبياء من ذريتك).

[توسل عيسى عليه السلام بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم]

وذكر الحاكم مع هذا الحديث أيضا: عن علي بن حماد العدل، ثنا هارون ابن العباس الهاشمي، ثنا جندل بن والق، ثنا عمرو بن أوس الأنصاري، ثنا سعيد ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عباس قال: أوحى الله إلى عيسى (عليه السلام): (يا عيسى، آمن بمحمد، وأمر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم، ولولاه ما خلقت الجنة والنار، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب، فكتبت عليه: (لا إله إلا الله) فسكن ).

قال الحاكم: هذا حديث حسن صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، انتهى ما قاله الحاكم.

والحديث المذكور لم يقف عليه ابن تيمية بهذا الإسناد، ولأبلغه أن الحاكم صححه.

فإنه قال -أعني ابن تيمية-: (أما ما ذكره في قصة آدم من توسله، فليس له أصل، ولا نقله أحد عن النبي (صلى الله عليه وآله) بإسناد يصلح الاعتماد عليه، ولا الاعتبار، ولا الاستشهاد).

ثم ادعى ابن تيمية أنه كذب، وأطال الكلام في ذلك جدا بما لا حاصل تحته، بالوهم والتخرص، ولو بلغه أن الحاكم صححه لما قال ذلك، أو لتعرض للجواب عنه.

وكأني به إن بلغه بعد ذلك: يطعن في (عبد الرحمان بن زيد بن أسلم) راوي الحديث.

ونحن نقول: قد اعتمدنا في تصحيحه على الحاكم، وأيضا: عبد الرحمان بن زيد بن أسلم، لا يبلغ في الضعف إلى الحد الذي ادعاه.

ص: 18

وكيف يحل لمسلم أن يتجاسر على منع هذا الأمر العظيم الذي لا يرده عقل ولا شرع؟ وقد ورد فيه هذا الحديث؟! وسنزيد هذا المعنى صحة وتثبيتا بعد استيفاء الأقسام.

[توسل نوح وإبراهيم وسائر الأنبياء بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم].

وأما ما ورد من توسل نوح وإبراهيم وغيرهما من الأنبياء:

فذكره المفسرون، واكتفينا عنه بهذا الحديث، لجودته وتصحيح الحاكم له.

[التعبير عن التوسل والاستغاثة ]

ولا فرق في هذا المعنى بين أن يعبر عنه بلفظ (التوسل) أو (الاستغاثة) أو (التشفع) أو (التجوه).

والداعي بالدعاء المذكور وما في معناه:

متوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله) لأنه جعله وسيلة لإجابة الله دعاءه.

ومستغيث به، والمعنى أنه استغاث الله به على ما يقصده، فالباء هاهنا للسببية، وقد ترد للتعدية، كما يقول: (من استغاث بك فأغثه).

ومستشفع به:

ومتجوه به، ومتوجه، فإن التجوه والتوجه راجعان إلى معنى واحد.

فإن قلت: المتشفع بالشخص من جاء به ليشفع، فكيف يصح أن يقال: يتشفع به؟

قلت: ليس الكلام في العبارة، وإنما الكلام في المعنى، وهو سؤال الله بالنبي (صلى الله عليه وآله) كما ورد عن آدم، وكما يفهم الناس من ذلك، وإنما يفهمون

ص: 19

من التشفع والتوسل والاستغاثة والتجوه ذلك، ولا مانع من إطلاق اللغة بهذه الألفاظ على هذا المعنى.

والمقصود جواز أن يسأل العبد الله تعالى بمن يقطع أن له عند الله قدرا أو مرتبة.

ولا شك أن النبي (صلى الله عليه وآله) له عند الله قدر علي، ومرتبة رفيعة، وجاه عظيم.

وفي العادة أن من كان له عند الشخص قدر، بحيث أنه إذا شفع عنده قبل شفاعته، فإذا انتسب إليه شخص في غايته، وتوسل بذلك، وتشفع به، فإن ذلك الشخص يجيب السائل، إكراما لمن انتسب إليه وتشفع به، وإن لم يكن حاضرا ولا شافعا، وعلى هذا التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله) قبل خلقه.

ولسنا في ذلك سائلين غير الله تعالى، ولا داعين إلا إياه، ويكون ذكر المحبوب أو العظيم سببا للإجابة.

كما في الأدعية الصحيحة المأثورة: أسألك بكل اسم لك، وأسألك بأسمائك الحسنى، وأسألك بأنك أنت الله، وأعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك).

وحديث الغار الذي فيه الدعاء بالأعمال الصالحة، وهو من الأحاديث الصحيحة المشهورة.

فالمسؤول في هذه الدعوات كلها، هو الله وحده لا شريك له، والمسؤول به مختلف، ولم يوجب ذلك إشراكا، ولا سؤال غير الله.

كذلك السؤال بالنبي (صلى الله عليه وآله) ليس سؤالا للنبي (صلى الله عليه وآله) بل سؤال لله به.

ص: 20

وإذا جاز السؤال بالأعمال وهي مخلوقة، فالسؤال بالنبي (صلى الله عليه وآله) أولى.

ولا يسمع الفرق: بأن الأعمال تقتضي المجازاة عليها.

لأن استجابة الدعاء لم تكن عليها، وإلا لحصلت بدون ذكرها، وإنما كانت على الدعاء بالأعمال.

وليس هذا المعنى مما يختلف فيه الشرائع حتى يقال: إن ذلك شرع من قبلنا، فإنه لو كان ذلك مما يخل بالتوحيد، لم يحل في ملة من الملل، فإن الشرائع كلها متفقة على التوحيد.

وليت شعري، ما المانع من الدعاء بذلك ؟!

فإن اللفظ إنما يقتضي أن للمسؤول به قدرا عند المسؤول.

وتارة: يكون المسؤول به أعلى من المسؤول: إما الباري سبحانه وتعالى، كما في قوله: (من سألكم بالله فأعطوه) وفي الحديث الصحيح في حديث أبرص وأقرع وأعمى: (أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن...) الحديث، وهو مشهور.

وإما بعض البشر، ويحتمل أن يكون من هذا القسم قوله عائشة لفاطمة -عليها السلام-: أسألك بما لي عليك من الحق.

وتارة: يكون المسؤول أعلى من المسؤول به، كما في سؤال الله تعالى بالنبي (صلى الله عليه وآله) فإنه لا شك أن للنبي (صلى الله عليه وآله) قدرا عنده، ومن أنكر ذلك فقد كفر.

فمتى قال: (أسألك بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم) فلا شك في جوازه.

ص: 21

وكذا إذا قال: (بحق محمد).

والمراد بالحق الرتبة والمنزلة، والحق الذي جعله الله على الخلق، أو الحق الذي جعله الله بفضله له عليه، كما في الحديث الصحيح قال: فما حق العباد على الله؟

وليس المراد بالحق الواجب، فإنه لا يجب على الله شئ، وعلى هذا المعنى يحمل ما ورد عن بعض الفقهاء في الامتناع من إطلاق هذه اللفظة.

[حديث الأعمى المتوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم].

الحالة الثانية: التوسل به بذلك النوع بعد خلقه (صلى الله عليه وآله) في مدة حياته:

فمن ذلك ما رواه أبو عيسى الترمذي في جامعه في كتاب الدعوات، قال: ثنا محمود بن غيلان، ثنا عثمان بن عمر، ثنا شعبة، عن أبي جعفر، عن عمارة بن خزيمة ابن ثابت، عن عثمان بن حنيف: أن رجلا ضرير البصر أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: ادع الله أن يعافيني.

قال: (إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت، فهو خير لك).

قال: فادعه.

قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوؤه، ويدعو بهذا الدعاء: (اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد، إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي ليقضي لي، اللهم شفعه في ).

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر الخطمي.

ورواه النسّائي في اليوم والليلة عن محمود بن غيلان بإسناده نحوه.

ص: 22

وعن محمد بن معمر، عن حبان، عن حماد، عن أبي جعفر، عن عمارة بن خزيمة، عن عثمان بن حنيف نحوه.

وعن زكريا بن يحيى، عن ابن مثنى، عن معاذ بن هشام، عن أبيه، عن أبي جعفر، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان نحوه.

وأخرجه ابن ماجة في الصلاة عن أحمد بن منصور بن سيار، عن عثمان بن عمر بإسناده نحوه.

ورويناه في (دلائل النبوة) للحافظ أبي بكر البيهقي، ثم قال البيهقي: وزاد محمد بن يونس في روايته: فقام وقد أبصر.

قال البيهقي: ورويناه في (كتاب الدعوات) بإسناد صحيح عن روح بن عبادة، عن شعبة قال: ففعل الرجل فبرأ.

قال: وكذلك رواه حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي.

ثم روى بإسناده عن روح بن القاسم، عن أبي جعفر المديني -وهو الخطمي- عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن عمه عثمان بن حنيف فذكره، وفي آخره: (يا محمد، إني أتوجه بك إلى ربي فيجلي عن بصري، اللهم شفعه في، وشفعني في نفسي).

قال عثمان: فوالله ما تفرقنا ولا طال الحديث حتى دخل الرجل وكأنه لم يكن به ضر قط.

وسنذكر هذا الحديث أيضا في التوسل بالنبي (صلى الله عليه وآله) بعد موته من طريق الطبراني والبيهقي.

ص: 23

وقد كفانا الترمذي والبيهقي رحمهما الله بتصحيحهما مؤنة النظر في تصحيح هذا الحديث، وناهيك به حجة في المقصود)(1).

2-قال ابن حجر في الجوهر المنظم: (من خرافات ابن تيمية التي لم يقلها عالم قبله وصار بها بين أهل الإسلام مثلة أنه أنكر الاستغاثة والتوسل به (صلى الله عليه -وآله- وسلم)، وليس ذلك كما أفتى به، بل التوسل به حسن في كل حال قبل خلقه وبعد خلقه في الدنيا والآخرة)(2).

3-قال السمهودي في خلاصة الوفا: (ولا فرق في ذلك بين التعبير بالتوسل أو الاستغاثة أو التوجه به (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحاجة، وقد يكون ذلك بمعنى طلب أن يدعو كما في حال الحياة، إذ هو غير ممتنع مع علمه بسؤال من يسأله (صلى الله عليه -وآله- وسلم)(3).

4- الحافظ الحصني الدمشقي (ت 829 ه).

قال في دفع الشبهة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتحت عنوان (الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وآله على طوال التاريخ ولو من بعيد):

(والمراد ان الاستغاثة بالنبي (صلى الله عليه وآله)، واللواذ بقبره مع الاستعانة به، كثيرة على اختلاف الحاجات، وقد عقد الائمة لذلك باباً ، وقالوا: إنّ استعانة من لاذ بقبر وشكا إليه فقره وضره، توجب كشف ذلك الضرّ بإذن الله تعالى)(4).

ص: 24


1- شفاء السقام: ص 392 - 302 .
2- شواهد الحق للنبهاني: ص 136 .
3- شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق (صلى الله عليه وآله): ص 140 .
4- دفع الشبهة عن رسول الله )صلى الله عليه وآله( للحصني الدمشقي: ص 160 .

وقد جاءت أقوال الفقهاء والعلماء في الرد على افتراء ابن تيمية والوهابية كثيرة وقام بجمع عدد منها، الشيخ يوسف النبهاني (ت 1350 ه) في كتابه شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق (صلى الله عليه وآله).

وعليه:

كانت القصدية الثانية في قوله (عليه الصلاة والسلام):

«والى الله يا رسول الله المشتكى .»

هي ارشاد المسلمين الى الاستغاثة برسول الله (صلى الله عليه وآله) والملاذ به والتوسل الى الله تعالى بجاهه وشأنه ومنزلته لديه ويكفينا في ذلك قول الامام علي (عليه السلام) وفعله هذا مع قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فما خالف علي (عليه السلام) القرآن وما افترق عنه القرآن وهو ثقله الاصغر ولسانه الناطق وقد قال سبحانه في محكم كتابه يخاطب نبيه سليمان (عليه السلام):

﴿هذَاَ عطَاَؤنُاَ فاَمنْنُ أوَ أمَسْكِ بغِيَر حسِاَب﴾ٍ(1).

وما أُوتي سيد الأنبياء خير مما أُوتي سليمان، فألمسك والعطاء بيد سيد الانبياء (صلى الله عليه وآله) بغير حساب.

وقال عز وجل: « وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ »(2) .

ص: 25


1- سورة ص، الآية ( 39 ).
2- سورة التوبة، الآية ( 74 ).

اللّهم أنا نسألك من فضلك وفضل رسولك أن تغنينا وتثبنا على دينك ولا تعذبنا فإنا إليك وبرسولك لائذون، وبين يدي حاجتنا له مقدمون، فصلِّ اللهم عليه كأفضل ما صليت على أحد من انبيائك ورسلك وملائكتك وعلى آله الطيبين الطاهرين.

المسألة الثانية: قصدية التعزية لرسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بعد موته
اشارة

يرشد النص الى معنيين يكشف كل منها عن قصدية خاصة، وهي كالآتي:

أولاً: إنّ المعزى رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فهو صاحب المصاب

إنّ الشكوى الى الله تعالى وقصدية الاستغاثة برسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد موته والملاذ به في كشف ضرهّ وحزنه على مصاب الزهراء (عليها السلام) واتباعها بالتعزية لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، لترشد الى المعنى الخفي في قصيدة الحياة

له (صلى الله عليه وآله) بعد موته.

إذ مقتضى التعزية في الوضع الحياتي والاجتماعي تكون بتقديم التصبر والسلوان لأهل الفقير، ولم تجري عادة الناس أن يقدموا التعزية للميت في قبره مما يكشف عن هذا التلازم بين الشكوى والعزاء او بين التعزية والشكاية لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنه حي -بأبي وامي- يسمع ويشهد وينصر المظلوم، ويغني المحتاج كما نصت الآية المباركة، ويمن العطاء، ويمسك لا فرق بين شهوده بين الناس أو مغيب عنهم في روضته الفردوسية التي هي منبره وحجرته.

وإلا لا يمكن أن يعتقد أن الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام) يقدم التعزية لميت مدفون في قبره مالم يكن قطعا أنه يعزي حياً يسمع التعزية ويردها وينتصر للمظلوم، وغيرها من أرباب الحوائج وتعددها للدنيا والاخرة.

ص: 26

والتعزية كما جاءت في كتب الفقهاء، هي علي النحو الاتي:

1-قال الشهيد الاول (رحمه الله) (ت 786 ه):

(التعزية: هي تفعلة من العزاء، أي: الصبر، يقال:

عزيته فتعزى، أي صبرته فتصبر.

والمراد بها طلب التسلي عن المصاب، والتصبر عن الحزن والاكتئاب، بإسناد الأمر إلى الله عز وجل ونسبته إلى عدله وحكمته، وذكر لقاء وعد الله على الصبر، مع الدعاء للميت والمصاب لتسليته عن مصيبته.

وهي مستحبة إجماعا، ولا كراهة فيها بعد الدفن عندنا، والدفن خاتمة أمره لا أمر أهله.

وقد روى إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه السلام)، قال: (ليس التعزية إلا عند القبر ثم ينصرفون، لا يحدث في الميت حدث فيسمعون الصوت)، ويظهر من كلام ابن البراج.

لنا: عموم قول النبي (صلى الله عليه وآله): (من عزى مصابا فله مثل أجره)، رواه العامة ورواه الكليني بزيادة: (من غير أن ينتقص من أجر المصاب شيء) عن وهب، عن الصادق (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وعنه (صلى الله عليه وآله): (ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبته إلا كساه الله من حلل الكرامة) رواه عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده.

وروى الكليني، عن إسماعيل الجزري، عن الصادق (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من عزى حزينا كسي في الموقف حلة يحبى بها) وروي: (يحبر بها) أي: يسر.

ص: 27

وقال (صلى الله عليه وآله): (التعزية تورث الجنة).

وقال هشام بن الحكم: رأيت الكاظم (عليه السلام) يعزي قبل الدفن وبعده.

وخبر إسحاق ليس بصريح في كونه قبل الدفن، ولو سلم حمل على تعزية خاصة كأقل التعزية، كما قال الصادق (عليه السلام): (كفاك من التعزية أن يراك صاحب المصيبة)، ولا تحمل على الأفضل، لأن ابن أبي عمير أرسل عن الصادق (عليه السلام): (التعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن) وظاهره: انها الكاملة، ولأن ابن

بابويه روى عنه (عليه السلام): (التعزية الواجبة بعد الدفن).

ومن ثم حكم الشيخ بأفضليتها بعد الدفن وتبعه الفاضلان، لاشتغال المعزى قبل دفنه بتجهيزه، واشتداد جزعهم بعده بمفارقته.

ولا حد لزمانها، عملا بالعموم؛ نعم، لو أدت التعزية إلى تجديد حزن قد نسي كان تركها أولى)(1).

أقول: والروايات الشريفة كاشفة عن أن مفهوم التعزية ومصادقها يكون مع أهل الميت لغرض تصبيرهم وتسليتهم، مما يرشد الى أن قصدية الامام علي (عليه السلام) في قوله:

«وفيك احسن العزاء » أنه (صلى الله عليه وآله) هو صاحب العزاء، وهو المعزى في هذه المصيبة التي نزلت بالعترة النبوية، ويكفي في ذلك قول الامام الصادق (عليه السلام) في اختصاص التعزية بأهل المصيبة فهو خير بيان لقصدية النص الشريف، قال (عليه السلام):

ص: 28


1- ذكرى الشيعة للشهيد الأول: ج 2 ص 34 .

(التعزية لأهل المصيبة بعد الدفن)(1).

أي: كما فعل الامام امير المؤمنين (عليه السلام) بعد ان دفن البضعة النبوية وقف وخاطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذه الكلمات وهي مورد البحث؛ ومما يدل على هذه القصدية ايضاً:

2- قال الشيخ الجواهري (رحمه الله) (ت 1266 ه):

(والتعزية مستحبة، بلا خلاف بين المسلمين، بل لعله من ضروريات الدين، وقد فعلها سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله)، وكذلك الأئمة الطاهرون (عليهم السلام)، بل والملائكة المقربون يوم موت النبي (صلى الله عليه وآله) وفيها أجر عظيم وفضل جسيم حتى ورد أنها تورث الجنة، كما في خبر السكوني وفي خبر وهب عن الصادق (عليه السلام) إن من عزى مصابا كان له مثل أجره، وفي غيره من الأخبار أن من عزى حزينا كسي يوم الموقف حلة يحبر بها، وربما اختلفت باعتبار العوارض من جهة شدة المصاب وعدمه وغير ذلك، ومن هنا قد ورد إن من عزى الثكلى أظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، والمراد بها على الظاهر المرأة التي فقدت ولدها أو حميمها، وكأنه لعظم مصابها باعتبار ضعف عقول النساء، واحتمال إرادة الطائفة الثكلى أعم من الرجال والنساء بعيد، وكيف كان فلا حاجة للتعرض لأصل

استحبابها ورجحانها، كما أنه لا حاجة إلى التعرض لذكر معناها لكفاية العرف فيه، ولا ريب في حصولها بطلب تسلي المصاب والتصبر عن الحزن والاكتئاب بإسناد الأمر إلى الله عز وجل ونسبته إلى عدله وحكمته، وذكر لقاء الله ووعده على الصبر مع الدعاء للميت والمصاب لتسليته عن مصيبة ونحو ذلك، وهي تتبع المقامات لا تتوقف على كيفية خاصة أو عبارة خاصة، واحتمال الوقوف عما ما كتبه النبي (صلى

ص: 29


1- المعتبر للمحقق الحلي: ج 1 ص 243 .

الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) أو قالوه في هذا المنوال خاصة لا وجه له، بل دعوى رجحانية خصوصية له لا تخلو من إشكال ظاهر.

وهي جائزة مشروعة قبل الدفن وبعده إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا إن لم يكن متواترا منا، بل وعن غيرنا عدى الثوري، فكرهها بعد الدفن، لأنه خاتمة أمر الميت، وفيه أنه خاتمة أمره لا خاتمة أمر أهله، وما حكاه في الذكرى عن ظاهر ابن البراج منا مما يقرب من المحكي عن الثوري، ولا ريب في ضعفه، إذ النصوص وما وقع من النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) من التعزية بعد الدفن لأصحابهم شاهدة بخلافه، فضلا عن ظاهر الإجماعات المحكية بل صريحه إن لم يدع تحصيله، بل هي بعد الدفن أفضل منه قبله وفاقا لصريح الشيخ والمصنف

والعلامة وغيرهم وظاهر الشهيد والمحقق الثاني، بل في المدارك أنه مذهب الأكثر بشهادة الاعتبار من حيث غيبوبة شخص المتوفى وانقطاع العلقة في ذلك الوقت مع اشتغالهم قبل الدفن بتجهيزه، ولقول الصادق (عليه السلام) في مرسل ابن أبي

عمير:

«التعزية لأهل المصيبة بعد ما يدفن .»

وفي مرسل خالد الآخر وغيره عنه (عليه السلام) أيضا:

«التعزية الواجبة بعد الدفن .»

وقول الصادق (عليه السلام) في خبر إسحاق بن عمار:

«ليس التعزية إلا عند القبر، ثم ينصرفون لا يحدث في الميت حدث فيسمعون الصوت .»

ص: 30

مع أنه لا صراحة فيه بل ولا ظهور بما قبل الدفن، بل لعله فيما بعده أظهر، فيحمل حينئذ على تفاوت مراتب الفضل فيما بعده، فأفضله عند القبر لاشتداد الحاجة إليها في ذلك الوقت - محمول على ضرب من التأويل، منه ما ذكره في الذكرى من الحمل

على تعزية خاصة، كأقل التعزية كما قال (عليه السلام):

«كفاك من التعزية أن يراك صاحب المصيبة .»

فيكون المراد حينئذ أنه لا تحتاج هذه التعزية إلى اجتماع آخر غير الاجتماع الأول، بل ينبغي حينئذ الانصراف ولا يقيموا بعد الدفن عند القبر لأجل التعزية خوف أن يحدث حدث بالميت، فيسمعوه ويفزعوا من ذلك ويكرهوه، أو غير ذلك)(1).

وقال ايضاً: (وهل تستحب التعزية حتى لأهل العزاء بعضهم بعضا؟

ربما يصعب انصراف الأدلة إليه في بادئ النظر، لكن التأمل فيها قاض به سيما من كبير العشيرة وسيدها.

وقد يومي إلى ذلك تعزية رسول الله (صلى الله عليه وآله) عيال جعفر، مع أنه هو من أهل العزاء) (2).

أقول: ويكفي من الأدلة على ذلك تعزية الإمام علي (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو صاحب العزاء بعد دفنه لفاطمة (عليها السلام) -مورد البحث-؛ وهذه القصدية الاولى في النص؛ أما القصدية الثانية في أن التصبرلا يكون في المصيبة إلّا بالتأسي بسيد الانبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله) وهو كما يأتي:

ص: 31


1- جواهر الكلام: ج 4 ص 325 - 327 .
2- جواهر الكلام: ج 4 ص 331 .
ثانياً: إنّ القصدية في قوله (وفيك أحسن العزاء) هو التأسي

ويأخذنا النص هنا الى مقاربة جديدة لما قصده أمير المؤمنين (عليه السلام) وهي تحمل في طياتها معنيين:

المعنى الأول- إن التأسي في المصائب لا يكون حسناً إلّا

من خلال تذكر سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في تحمّله الأذى والصبر على ما نزل به من كيد المنافقين والكفار والملحدين حتى اشتهر عنه قوله (صلى الله عليه وآله):

«ما اوذي نبي بمثل ما اوذيت .»

ومن ثم يكون تجاوز المحن وتسلية النفس في المصائب من خلال التأسي بصبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجلادة تحمله. وهو أمر مستحب عند الفقهاء كما ذكره السيد اليزدي (قدس سره) في العروة الوثقى في المسألة رقم ( 33 ) فقال:

(الصبر على المصيبة والاحتساب والتأسي بالأنبياء والاوصياء والصلحاء، خصوصا في موت الاولاد)(1).

فكان القصد في قوله «وفيك أحسن العزاء » هو التأسي به على مصيبته في فقد الزهراء (عليها السلام).

المعنى الثاني- التأسي بمصاب فقد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنها أعظم المصائب.

وقد مر في مباحث النص الشريف في قوله (عليه السلام):

«إلّا أن لي في التأسي بعظيم فرقتك، وفادح مصيبتك، والحزن الذي حل بي لفراقك، موضع تعز .»

ص: 32


1- العروة الوثقى: ج 2 ص 125 .

وقوله (عليه الصلاة والسلام): «الصبر أيمن وأجمل .»

شيئاً من البيان في قصدية التأسي بفقد رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند نزول المحن والرزايا على الانسان؛ وهنا نورد ما جاء في المسألة من روايات وحكم عند الفقهاء.

1- قال السيد اليزدي (قدس سره) وتحت الرقم ( 32 ) من مستحبات قبل الدفن وبعده:

(أن يسلي صاحب المصيبة نفسه بتذكر موت النبي (صلى الله عليه وآله) فإنه اعظم المصائب)(1).

2-وقد علّق الشيخ محمد تقي الآملي (رحمه الله) على المسألة، فقال:

(عنون في الوسائل باباً في استحباب تذكر المصاب مصيبة النبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم) واستصغار مصيبة نفسه بالنسبة إليها وذكر فيه ثمانية أحاديث لا بأس بذكر بعضها تيمنا كالمروي عن الصادق (عليه السلام) في الكافي: إذا أصبت بمصيبة فاذكر مصابك برسول ا لّلهَ (صلى اَلله عليه -وآله- وسلم) فان الخلق لم لم يصابوا بمثله قط (وخبر سليمان بن عمرو) عنه (عليه السلام) قال من أصيب بمصيبة فليذكر مصابه بالنبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم) فإنه من أعظم المصائب (وخبر حسين بن علوان) المروي في قرب الاسناد عن الصادق (عليه السلام) عن

النبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم) من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنه من أعظم المصائب)(2).

ص: 33


1- العروة الوثقى: ج 2 ص 125 .
2- مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى: ج 6 ص 494 .

اذن: كان القصد هنا -فضلاً عما مرَّ ذكره في التأسي بمصيبة فقد رسول الله (صلى الله عليه وآله)- إنها أحسن عزاء للنفس في تصبيرها وتسليتها على ما نزل بها.

ص: 34

المبحث الخامس والثلاثون المقاصدية في ملازمة الصلاة على النبي وفاطمة (علیها السّلام)

اشارة

ص: 35

قوله (عليه السلام): «صلَّى اللَّه علَيكْ وعلَيهْاَ السَّلامُ والرِّضْواَنُ »

اشارة

ص: 36

وردت الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) وعلى فاطمة (صلوات الله عليها) متلازمة في النص الشريف والذي جاء بألفاظ متعددة لكنها متسقة المعنى ومتماسكة الدلالة، وهي كالاتي:

1-أوردها -أي الصلاة- الشيخ الكليني (عليه الرحمة والرضوان) بهذا اللفظ:

«صلى الله عليك وعليها السلام والرضوان»(1).

2-أوردها الشيخ الطوسي (رحمه الله) (ت 460 ه) بلفظ:

«فصلوات الله عليها وعليك، ورحمة الله وبركاته »(2).

3-أوردها ابن جرير الطبري (الإمامي) (رحمه الله) (ت القرن الرابع ه)، بلفظ:

«صلوات الله عليك وعليها معك، والسلام »(3).

-4 وأوردها الشيخ المفيد )رحمه الله( )ت 460 ه( بلفظ:

«وصلوات الله عليك وعليها ورحمة الله وبركاته »(4).

وهذه الالفاظ الشريفة تأخذ معانيها من مقاصد اكتنزتها الألفاظ، فكانت كالاتي:

ص: 37


1- الكافي للكليني: ج 1 ص 459 .
2- الامالي: ص 110 .
3- دلائل الإمامة: ص 138 .
4- الامآلي للمفيد: ص 283 .
المسألة الاولى: إنَّ حرمة النبي وحرمتها واحدة
اشارة

يكتنز النص الشريف معناً دقيقاً في مكانة البضعة النبوية (صلوات الله عليها)، لاسيما و ان اصل صدور النص الشريف كان لوقوع الامة بعد وفاة نبيها (صلى الله عليه وآله) بانتهاك حرمته في الهجوم على بيت النبوة ومناصرة الجناة، أو التأييد لهم، أو الرضا بأفعالهم، أو لزوم الصمت عن ما فعلوا كما مرّ بيانه مفصلاً خلال مباحث النص.

ومن ثم:

فالنص يرشد الى مقاربة جديدة في قصدية الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وهي:

إتحاد حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع حرمة فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) فكلا الحرمتين هي واحدة لا تنفك احداهما عن الاخرى، وأنّ انتهاك حرمتها هو انتهاك لحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنّ صون حرمتها هو صون لحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ تلك سنّة قد أجراها الله تعالى في أنبيائه ورسله (عليهم السلام)، فكانوا أعظم الناس حرمة عند الله تعالى، وأعظم من خلق واشرفهم لديه.

وذلك لتوفر جميع عناصر الشرافة فيهم إبتداء من اختصاصهم بالله تعالى وشريعته، وانتهاءً بما لديهم في الآخرة من شأنية ومنزلة وحرمة حيث الحياة الأبدية، لاسيما و أن القرآن الكريم يرشد العاقل الى هذه الحقيقة في آيات عدة، منها:

ص: 38

1-قال تعالى: «وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ *لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ »(1).

2- وقال تعالى: «إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ »(2).

سَيِح عيِسىَ ابنْ مرَيْمَ ل

3- وقال عز وجل: «إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19)»«ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20)»«مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ »(3).

وغيرها من الآيات المباركة الكاشفة عن منازل الأنبياء (عليهم السلام) عند الله تعالى، مما يجعل الذين يعاصرون الأنبياء ويؤمنون بهم يتنافسون -كلا حسب إيمانه- في الالتصاق بالنبي، وإحراز

عناوين شرعية يرتقي بها أصحابها بين الناس، فيفاض عليهم من عظمتها وقدسيتها.

وهؤلاء الملتصقون بالأنبياء (عليهم السلام) صنفان، صنف شاء أن يحظى بمكاسب دنيوية بين الناس بما للقرب من الحظرة النبوية من آثار اجتماعية ونفسية وروحية على المؤمنين، فضلاً عن اكتساب الحصانة حيناً والذريعة حيناً آخر في تمشية المصالح الشخصية، كما كان في حال السامري في بني إسرائيل وحال غيره في الأمم السابقة وهذه الأمة.

ص: 39


1- سورة الانبياء الآية ( 26 - 27 ).
2- سورة آل عمران الآية ( 45 ).
3- سورة التكوير الآية ( 19 - 21 ) .

والصنف الآخر: كان التصاقه بالأنبياء (عليهم السلام) التصاق سنخياً لتلازم الإيمان والطهر والصدق، فيكون شأنهم مدعماً بالآيات والبراهين الإلهية لأنهم نصروا الله، فنصرهم.

ومن بين هؤلاء الذين التصقوا بالنبي (صلى الله عليه وآله) هي فاطمة وبعلها وولديها (صلوات الله عليهم أجمعين) والأئمة المعصومين من ذرية الحسين (عليهم السلام).

وقد أسلفنا أنهم مع ما لهم من صلة الرحم والدم والقرابة القريبة، فهم الأهل والآل والعترة، ومع هذا كله لهم خصوصية الشريعة المرتكزة على التقوى والطاعة لله تعالى، فكانوا بعد النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) حجج الله على العالمين وأئمة على الخلق أجمعين.

من هنا:

كان لفاطمة (صلوات الله وسلامه عليها)التصاقاً سنخياً بشخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) بجميع ما أحيط بهذه الشخصية من عبودية لله ورسالة،ونبوة، وإمامة، وحرمة، وطاعة، ومنزلة، عند الله تعالى؛إلّا أنه لا نبوة ولا رسالة بعد النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله).

بمعنى:

لا يمكن أن ينال الإنسان تلك العظمة ما لم يكن مرتبطاً بالله تعالى؛ وحيث أن الإرتباط الإلهي يكشفه القرآن في درجات ومراتب حددها الوحي عن الله تعالى، فكانت في قمة الارتقاء هي العبودية المحضة لله، فإن النبوة والرسالة والإمامة تأتي

تبعاً لما ينال الإنسان من حظه في سلم العبودية لله عز وجل، مما يكشف أن رسول

ص: 40

الله (صلى الله عليه وآله) هو أعبد الخلق للخالق، وأن جمعه (صلى الله عليه وآله) لجميع ما دون هذه الرتبة هو من ثمار تلك العبودية، وأن فاطمة قد نالت من تلك الدرجات والمراتب -بما للمصطفى (صلى الله عليه وآله)- ابعاض منها وهو ما دلّ عليه الحديث النبوي الشريف المعروف بحديث البضعة، الذي تناقلته الصحاح والمسانيد والسنن وغيرها .(1)

بمعنى آخر:

حينما ننظر إلى شخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن نظرتنا إليه يقومها النص القرآني الذي أعطاه ما لم يعط أحداً من الأنبياء والمرسلين إذ يكفي في ذلك قول تعالى:

«ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8)»«فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى »(2).

ومن ثم: فإن قوله (صلى الله عليه وآله) في حديث البضعة لا يندرج ضمن الحدود المادية التي تنم عن ضيق الفهم وعسر الاستيعاب وعمى البصيرة وذلك أن شخوص الأنبياء والمرسلين عليهم السلام يتعامل معهم بما أحرزوا من الشأنية عند الله تعالى لا على أساس الفناء الملاصق للمادة وولادتها من رحم الحياة الدنيا.

بل: تسالم العقلاء في تقيمهم وتعظيمهم للرموز من خلال ما يتصف به أولئك الرموز من عناوين روحية وشرعية ودينية وقدسية.

ص: 41


1- صحيح البخاري، باب: مناقب المهاجرين، ج 4، ص 210 ؛ صحيح مسلم: ج 4، ص 140 ، مسند أحمد: ج 4، ص 328 .
2- سورة النجم، الآية: ( 8- 9).

من هنا:

كان لفاطمة تلك الملاصقة مع شخص النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) فكانت بعضاً من رتبة العبودية التي نالها النبي (صلى الله عليه وآله) وبعضا من الرسالة والنبوة والإمامة والنذارة والبشارة والشهودية وغيرها مما أوتي المصطفى (صلى الله

عليه وآله).

وإلا فإن حديث البضعة بخلاف هذه المفاهيم يصبح مجوفاً من الروح لا حياة فيه لا طريق لديه في قلوب قد ران عليها الكفر وطبع عليها النفاق فهم لا يفقهون.

ومن هنا أيضا:

لم يكتف النبي ( صلى الله عليه وآله) في بيان منزلة فاطمة عليها السلام ضمن تلك المفاهيم القرآنية بحديث البضعة وإنما أردفه بأحاديث أخرى تسوق الذهن فيسلّم القلب إلى أنها بلغة من النبي (صلى الله عليه وآله) مبلغاً عظيماً فكانت الأحاديث

كالآتي:

أولاً: تعدد ألفاظ حديث البضعة

يعد حديث البضعة من الأحاديث المشهورة لورودها في عدد كبير من المصادر الإسلامية إلّا أن التثقيف عليه وبيان دلالاته يعد قليلاً جدا حتى يكاد المسلم حينما يسمع به في بعض المحافل يحسبه من الأحاديث المندثرة أو الغير صحيحة لعزوف أصحاب المنابر في العالم الإسلامي لاسيما أبناء السنة عنه وكأنه لا يعني لهم شيئاً أو هو مما يشكل إرباكاً في منهجهم العقدي كي لا يعد المتكلم به من المتشيعين لآل محمد (صلى الله عليه وآله).

ص: 42

والحديث الشريف ورد بألفاظ عديدة مما يكشف عن كثرة تكرار صدوره من الحضرة النبوية كي يرسخ في أذهان المسلمين ما لفاطمة من المنزلة الشرعية والروحية في الإسلام فكانت ألفاظ الحديث على النحو الآتي:

1-أخرجه البخاري في الصحيح عن المسور بن مخرمة: بألفاظ عدة:

أ- إنّ رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم قال:

«فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني »(1).

ب- وبلفظ:

«وإنّ فاطمة بضعة مني وإن أكره أن يسؤها »(2).

ج- ولفظ آخر:

«فإنما هي بضعة مني يريني ما أرابها » (3).

2-أخرجه مسلم النيسابوري عن المسور بن مخرمة بألفاظ عدة:

أ- قال: قال رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم:

«إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها »(4).

ص: 43


1- صحيح البخاري، باب: مناقب المهاجرين وفضلهم: ج 4، ص 210 .
2- صحيح البخاري، باب: مناقب المهاجرين وفضلهم: ج 4، ص 212 .
3- صحيح البخاري، باب: مناقب المهاجرين وفضلهم: ج 1، ص 158 .
4- صحيح مسلم: ج 7، ص 141 ، باب: فضائل فاطمة عليها السلام.

ب- وبلفظ آخر:

فإنما ابنتي بضعة مني يريبني ما رآبها ويؤذيني ما آذاها »(1).

3- أخرجه أحمد بن حنبل بلفظ:

أ- عنه صلى الله عليه -وآله- وسلم قال:

«إنها فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها»(2).

ب- وبلفظ آخر:

«إنما فاطمة بضعة مني وإني أكره أن تفتنوها »(3).

4-أخرجه سليم بن قيس الهلالي عن فاطمة (عليها السلام) أنها سألت أبي بكر وعمر فقالت:

«نشدتكما بالله هل سمعتما رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: فاطمة بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني؟ .»

قالا: نعم، فرفعت يدها إلى السماء فقالت:

«اللهم إنهماّ قد آذياني، فأنا أشكوهما إليك وإلى رسولك »(4).

وغيرها من الألفاظ التي تناقلتها الرواة(5).

ص: 44


1- المصدر السابق.
2- مسند أحمد: ج 4، ص 5، من حديث عبد الله بن الزبير.
3- المصدر السابق.
4- كتاب سليم بن قيس الهلالي: ص 392 .
5- أنظر في تعدد ألفاظ حديث البضعة: مناقب ابن المغازلي: ص 282 ، حديث 327 ؛ المستدرك للحاكم النيسابوري: ج 3، ص 158 ؛ المناقب للخوارزمي: ص 335 ؛ سنن البيهقي: ج 7 ص 64 ؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 20 ، ص 18 ؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 8، ص 206 ؛ مسند البزار: ج 6، ص 169 ، حديث 1938 ؛ اتحاف السائل للمناوي: ج 1، ص 7؛ مختصر صفة الصفوة لابن جوزي: ص 121 ؛ فضل آل البيت للمقريزي: ص 37 ؛ الفتح الرباني للساعاتي: ج 22 ، ص 93 ؛ المصنف لابن أبي شيبة: ج 12 ، ص 126 ؛ الروض الانُف: ج 1، ص 279 ؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 327 ؛ الشفا للقاضي عياض: ج 2، ص 574 ؛ البحر الزخار: ج 6، ص 150 ؛ المواهب اللدنية: ج 2، ص 165 ؛ الثغور الباسمة للسيوطي: ص 24 ، حديث 30 ؛ مشارق الأنوار للقاضي عياض: ص 128 ؛ تهذيب الخصائص للسيوطي: ص 433 ؛ صحيح ابن حبان: ج 5، ص 406 ؛ خصوصيات النبي للقسطلاني: ص 135 .

فكان هذا الحديث من الأحاديث الدالة على ارتباطها (عليها السلام) بشخص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

ثانياً: حديث الشجنة

إن من الملاحظ في أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيان خصوصية فاطمة (عليها السلام) لديه ومنزلته عنده استخدامه لألفاظ متعددة تشير إلى تلك الحرمة المترتبة على دلالة هذه الألفاظ فكان منها حديثه (صلى الله عليه وآله)

المعروف بحديث الشجنة.

وقد أخرجه أحمد، والحاكم، والهيثمي، والطبراني، وغيرهم بألفاظ متفاوتة في السعة والاختصار.

1-فقد رواه أحمد بهذا اللفظ:

(عن جعفر بن محمد، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن المسور بن مخرمة: أن حسن بن حسن بعث إلى المسور يخطب ابنة له فقال:

قل له يوافيني في وقت قد ذكره فلقيه فحمد الله المسور، وقال: ما من سبب ولا

ص: 45

نسب ولا صهر أحب إليّ من نسبكم وصهركم ولكن رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم قال:

«فاطمة شجنة مني يبسطني ما يبسطها ويقبضني ما يقبضها وإنه يقطع يوم القيامة الأنساب إلا نسبي وسببي .»

وتحتك ابنتها ولو زوجتك قبضها ذلك، فذهب عاذراً له)(1).

2- وأخرجه الحاكم النيسابوري بالسند المذكور، عنه (صلى الله عليه وآله)، قال: «إنما فاطمة شجنة مني يبسطني ما يبسطها، ويقبضني ما يقبضها .»

وأردفه الحاكم بقوله: وهذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه)(2).

3- وأخرجه الحميري (رحمه الله) في قرب الإسناد (عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عن أبيه الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «لما ولي عمر بن عبد العزيز أعطانا عطايا عظيمة .»

قال: «فدخل عليه أخوه فقال له: إن بني أمية لا ترضى منك بأن تفضل بني فاطمة -عليها السلام- عليهم ».

فقال: أفضهم، لأني سمعت لا أبالي أن اسمع أولا أسمع أن رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم كان يقول:

ص: 46


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 4، ص 33 ؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 20 ، ص 25 ، حديث 30 ؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9، ص 328 ؛ فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: ج 2، ص 765 ، حديث.1347.
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: ج 11 ، ص 42 ، حديث 4717 ؛ نثر الدر:ّ ج 1، ص 343 ؛ المناقب لابن شهر: ج 3، ص 332 .

«إن فاطمة شجنة مني يسرني ما أسرها ويسوؤني ما أساءها .»

فأنا أتبع سرور رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم)(1).

وللوقوف على دلالة الحديث الشريف نورد ما جاء عند أهل اللغة في بيان معنى الشجنة:

1-قال ابن فارس في (شجن): الشين والجيم والنون أصل واحد يدل على اتصال الشيء والتفافه من ذلك الشجنة وهي الشجر الملتف.

ويقال: بيني وبينه شجنة رحم يريد اتصالها والتفافها، ويقال: للحاجة الشجن وإنما سميت بذلك لالتباسها وتعلق القلب بها والجمع شجون.

قال: والنفس شتى شجونها.

والأشجان جمع شجن(2).

2-وقال ابن الأثير:

(شجن) فيه -الحديث الشريف-:

«الرحم شجنة من الرحمن .»

أي قرابة مشتبكة كاشتباك العروق، شبه بذلك مجازاً واتساعاً؛ وأصل الشجنة بالكسر والضم: شعبة في غصن من غصون الشجرة)(3).

ص: 47


1- قرب الإسناد للحميري: ص 53 .
2- معجم مقاييس اللغة لابن فارس: ج 3، ص 248 .
3- النهاية في غريب الحديث لابن الأثير: ج 2، ص 447 ؛ غريب الحديث لابن سلام: ج 1، ص 209 .

ومن هذا المعنى نستدل على أن فاطمة (عليها السلام) لها من الترابط مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما للعروق في الشجرة الواحدة وقد تشابكت والتفت مع بعضها البعض إلى الحد الذي أصبحت فيه هذه العروق شيئاً واحداً لا ينفك كل جزء فيه عن الآخر، وذلك للحمة التي بينهما فإذا قطع عضو منه مات من الشجرة عضو آخر.

ومما لا يخفى على أهل المعرفة ما لرسول الله (صلى الله عليه وآله) من الإحاطة التامة الجامعة المانعة بلغة الضاد وأسرارها وبلاغة معانيها وأبعاد ألفاظها ودلالة مفرداتها.

ولذلك:

نراه (صلى الله عليه وآله) حينما مثل فاطمة بالشجنة منه، وبيان أهل اللغة بأنها الشعبة في غصن من غصون الشجرة، أو الشعبة من كل شيء(1) ، لم يكن بأبي قد نطق بها إلا ليعرف المسلمين بمحل فاطمة من النبوة والرسالة.

فقولهم وفعلها وتقريرها شعبة من قول النبي (صلى الله عليه وآله) وفعله وتقريره؛ وهذا فضلا عن ورود نصوص عن العترة النبوية بعصمتها وإنها حجة الله تعالى على الأئمة الذين جعلهم حججاً على خلقه وأوجب عليهم لزوم طاعتهم ومودتهم وإتباعهم.

ثالثاً: حديث المهجة

لم يزل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ينتقل من بيان إلى آخر ليرشد الناس إلى عظيم منزلة فاطمة عنده وشأنها لديه كي يحذر المسلمون في تعاملهم مع المقدسات ويجتنبون الوقوع في انتهاك الحرمات عند الله ورسوله (صلى الله عليه وآله).

ص: 48


1- المجازات النبوية للشريف الرضي: ص 138 .

ولذلك:

ينتقل النبي(صلى الله عليه وآله) هنا إلى لفظ جديد ومعنى آخر يرسم صورة أخرى لهذه الشخصية الملكوتية التي أودعها الله تعالى في صلبه ليخرجها إلى الناس حجة وشاهداً وموضعاً للابتلاء الحسن ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من يحيى

عن بينة.

هذه البينة التي جهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيانها ولم يزل يظهرها -كما سيمر- علينا في بقية الأحاديث الشريفة.

وهنا:

أراد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أن يعلم الناس محلها من شخصه بذلك المستوى الذي لا يرقى إليه أحد من الخلق فمن منهم كان بمنزلة الروح من النفس، والدم من القلب، بل: هي الروح والقلب كما سيمر لاحقاً .

لكنه (صلى الله عليه وآله) هنا: حينما وضعها هذا الموضع من القلب ليعلم الناس أن لا حياة للقلب بدون الروح ولا حياة للروح بدون الدم وهو ما يذهب إليه أهل اللغة في بيان معنى (المهجة).

إذ قال الخليل الفراهيدي: (المهجة: دم القلب، ولإبقاء للنفس بعد ما تراق مهجتها)(1).

وقال الجوهري: هي، دم القلب خاصة، ويقال: إذا خرجت مهجته خرجت روحه)(2).

بمعنى: لا بقاء للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بدون مشكاة النور وأم الأئمة حجج الله على خلقه والأدلاء عليه والقادة إلى سبيله فلولاها لما كانوا ولما كان هناك ذكر للمصطفى (صلى الله عليه وآله) ولا شريعته.

ص: 49


1- كتاب العين: ج 3، ص 397 .
2- كتاب الصحاح للجوهري: ج 1، ص 342 ؛ البحر المحيط: ج 1، ص 208 .

إذ حياة كل شيء بقلبه ودوامه بروحه ودوام شريعة النبي (صلى الله عليه وآله) وروح الإسلام بفاطمة صلوات الله وسلامه عليها.

ولذا:

كان حديثه (صلى الله عليه وآله) بهذا اللفظ الكاشف عن منزلتها لدى النبوة والرسالة، فقال:

«فاطمة مهجة قلبي، وإبناها ثمرة فؤادي، وبعلها نور بصري، والأئمة من ولدها أمناء ربي، حبل ممدود بينه وبين خلقه من اعتصم به نجا ومن تخلف عنه هوى »(1).

والحديث أخرجه محمد بن أحمد القمي(المتوفى سنة 412 ه) بإسناده عن الفضل بن شاذان، عن محمد بن زياد، عن جميل بن صالح، عن الإمام جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال:

«حدثني أبي، عن أبيه عن جده الحسين بن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فاطمة مهجة قلبي....... .»

وساق الحديث، وذكره عنه الخوارزمي في مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) والزمخشري في مناقبله وغيرهم.

ص: 50


1- مائة منقبة لمحمد بن أحمد القمي: ص 76 ؛ الصراط المستقيم لعلي بن يونس العاملي: ج 2، ص 32 ؛ الصوارم المهرقة للتستري: ص 337 ؛ بحار الأنوار للمجلسي: ج 29 ، ص 649 ؛ نهج الحق وكشف الصدق للعلامة الحلي: ص 227 ؛ شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: ج 7، ص 472 ؛ مقتل الحسين للخوارزمي: ص 77 ؛ المناقب للزمخشري: ص 213 (مخطوط)؛ فرائد السمطين للحمويني: ج 2، ص 66 ، حديث 390 .
رابعاً: حديث الشعرة

لا شك إنّ من بين أهم الأولويات لدى الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) حفظ الحرمات، ومن أعظم الحرمات هي الحكم الشرعي ثم مثال الحكم الشرعي وعنوان وجوده في الحياة وهو المعصوم (عليه السلام) سواء كان نبياً أو رسولاً أو إماماً فهؤلاء هم الأمناء على الشريعة ومنهم يخرج الحكم الشرعي باختيار وتعيين

من الله تعالى إلى الناس.

ولذلك فالراد عليهم على الله تعالى والمطيع لهم مطيع لله تعالى ولعل المتتبع للآيات الكريمة يجد الكثير منها ما ينص على الملازمة بين طاعة الله تعالى وطاعة رسوله (صلى الله عليه وآله) وإن العاصي لرسول الله (صلى الله عليه وآله) هو عاص لله

تعالى.

من هنا:

كانت الملازمة بين حرمة الحكم الشرعي وبين المشرع وهو الله ورسوله ووصي رسوله فضلا عن ذلك فقد تفاوت الأنبياء (عليهم السلام) فيما بينهم من حيث المنزلة بلحاظ الحكم الشرعي كذلك، بمعنى: كان أولوا العزم أعظم منزلة عند الله تعالى لأن رسالاتهم كانت إلى الناس كافة وكانوا أصحاب كتب سماوية.

أي: إنهم كانوا في مسؤولية أعظم ومهمة أكبر وذلك من خلال سعة الشريعة وسعة المساحة التي تنشر فيها هذه الأحكام.

من هنا:

كان الإسلام أتم الأديان وأكملها وخيرها التي أخرجت للناس، فضلاً عن السعة في الشريعة والمساحة التبليغية لتشمل الأسود والأبيض والسيد والعبد

ص: 51

والجن والأنس؛ وهذا يتطلب مسؤولية عظيمة وذلك لما يلقى على عاتق خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله).

فكان هو: النبي، والرسول، والشاهد، والمبشر، والنذير، والداعي إلى الله، والسراج المنير، وهو قوله تعالى:

«وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا »(1).

وفي موضع آخر يظهر الوحي ما لهذه الرسالة من حرمة ومنزلة وخصوصية خاصة ارتكزت على ما حمل النبي (صلى الله عليه وآله) من أحكام شرعية وما أوتي من كتاب فقال عزّ وجل:

«وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ »(2).

ولم يصف الوحي أي كتاب من الكتب المنزلة ب(العظيم) سوى القرآن وذلك لما أنزل الله فيه من العلم حتى أصبح حاضنة للعلوم، فكان هذا القرآن العظيم بحرمته ملازما للنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله).

من هنا: يصبح كل أمر مرتبط برسول الله (صلى الله عليه وآله) لا ينظر إليه من حيث الصغر والكبر كنعله وثوبه وعصاه ودابته وما يلحق به من وسائل الحياة أو ما اختص ببدنه كظفره وشعره وبصاقه وعرقه (صلى الله عليه وآله) ولو أردنا أن نأتي بشواهد من السيرة والتأريخ على حرمة هذه الأشياء وآثارها التكوينية- بإذن

الله تعالى- لخرجنا من الكتاب لكن نورد شاهدين.

ص: 52


1- سورة الأحزاب، الآية ( 46 ).
2- سورة الحجر، الآية ( 87 ).

1- فيما يتعلق بحرمة ريقه وبصاقه وآثارهما التكوينية التي أظهرها الله تعالى للمسلمين حينما جاءه أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) وهو أرمد العين في غزوة خيبر حينما حاصر رسول الله (صلى الله عليه وآله) اليهود بضعا وعشرين ليلة وبخيبر أربعة عشر ألف يهودي في حصونهم فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله)

يفتتحها حصناً حصناً، وكان حصن خيبر من أشد حصونهم وأكثرها رجالاً، فأخذ أبو بكر راية المهاجرين فقاتل بها ثم رجع منهزماً ، ثم أخذ عمر بن الخطاب من الغد فرجع منهزماً يجبن الناس ويجبنونه؛ حتى ساء رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك، فقال:

«لأعطين الراية غداً رجلاً كراراً غير فرار، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ولا يرجع حتى يفتح الله على يده »(1).

فغدت قريش بقول بعضهم لبعض أما علي فكفيتموه فإنه أرمد لا يبصر موضع قدمه، وقال علي (عليه السلام):

«اللهم لا معطي لما منعت ولا مانع لما أعطيت .»

فأصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله) واجتمع إليه الناس قال سعد: جلست نصب عينيه ثم جثوت على ركبتي ثم قمت على رجلي قائماً رجاء أن يدعوني، فقال: «أرسلوا إليه وادعوه .»

فأتي به يقاد، فوضع رأسه على فخذه ثم تفل في عينيه فقام فكأن عينيه جزعتان ثم أعطاه الراية ودعا له.

ص: 53


1- أخرج البخاري حديث الراية في صحيحه، باب: دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الإسلام: ج 4، ص 20 .

فخرج الإمام علي (عليه السلام) يهرول فو الله ما بلغت آخرهم حتى دخل الحصن، قال جابر: فأعجلنا أن نلبس أسلحتنا وصاح سعد: يا أبا الحسن اربع يلحق بك الناس، فأقبل حتى ركزها أي الراية قريبا من الحصن فخرج إليه مرحب في عادته باليهود فبارزه فضرب رجله فقطعها وسقط وحمل علي والمسلمون

عليهم فانهزموا(1).

2-روى الطبرسي عن أم سلمة أنها قالت: وضعت يدي على صدر رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم مات فمر بي جمع آكل وأتوضأ ما تذهب رائحة المسك عن يدي(2).

من هنا:

يستخدم النبي (صلى الله عليه وآله) مختلف الوسائل لإرشاد المسلمين إلى طاعة الله تعالى والاحتراز من الوقوع في المعصية، فكان من بين ما أرشد به الناس إلى تلك الحرمات وحفظها وصونها هو حديث الشعرة.

فقد روى الأربلي (عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

«إنّ فاطمة عليها السلام شعرة مني، فمن آذى شعرة مني فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله لعنه الله ملئ السماء وملئ الأرض »)(3).

ص: 54


1- إعلام الورى للطبرسي: ج 1، ص 207 ؛ الدرر لابن عبد البر: ص 198 - 199 .
2- إعلام الورى: ص 141 .
3- كشف الغمة للأربلي: ج 2، ص 95 .

وروى جمع من المصنفين حديث الشعرة بلفظ آخر (عن عمرو بن خالد، قال حدثني زيد بن علي بن الحسين وهو أخذ بشعره، قال: حدثني أبي علي بن الحسين (عليهما السلام) وهو آخذ بشعره، قال حدثني الحسين بن علي عليهم السلام، وهو آخذ بشعره، قال: حدثني علي بن أبي طالب عليه السلام وهو آخذ بشعره، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو آخذ بشعره، قال:

«من آذى شعرة مني فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله لعنه الله ملئ السماء وملئ الأرض »)(1).

والحديث يرشد السامع إلى تلك الدلالة التعظيمية لحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإن آل محمد (صلى الله عليه وآله) جزء لا يتجزأ من تلك الحرمة، حالهم في ذلك حال القرآن فمن أنكر حرفاً منه أنكر القرآن ومن انتهك حرمة آية منه انتهك حرمة القرآن جميعاً.

بل إن التعرض لهم بذلك المقدار الذي حدده النبي (صلى الله عليه وآله) بالشعرة يوجب ذلك العقاب واللعن ملئ السماء وملئ الأرض، فكيف بمن قام وعزم وساعد وأسس لقتلهم وتشريدهم وسلب أموالهم وغيرها من الانتهاكات التي تعرض لها آل محمد (صلى الله عليه وآله).

فضلاً عن قتل شيعتهم ومن يتولاهم منذ أن قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإلى اليوم الذي يأذن الله فيه بالظهور لمهدي آل محمد (صلى الله عليه وآله) فيقتص من الظالمين ومن رضا بفعلهم.

ص: 55


1- الأمالي للشيخ الصدوق: ص 209 ؛ عيون أخبار الرضا عليه السلام للصدوق: ج 2، ص 227 ؛ دلائل الإمامة للطبري: 135 ؛ نظم درر السمطين للزرندي: ص 105 ؛ تاريخ مدينة دمشق: ج 54 ، ص 308 ؛ مناقب الإمام علي عليه السلام لابن مردويه: ص 80 .
خامساً: حديث (أحب أهله إليه (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ))

إنّ من المفاهيم التي مرّ ذكرها وبيانها ضمن هذا المبحث هو مفهوم الحب بمدلولاته القرآنية المتلازمة مع الإيمان والإتباع والمولاة والطاعة.

من هنا: حينما نأتي إلى حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) الناطق عن حبه لفاطمة وبعلها وبنيها فهو لا يتعدى عن ذلك المفهوم الذي أدل عليه الوحي ضمن سلسلة من الآيات الكريمة.

بمعنى: أن حب النبي وبغضه، ورضاه وغضبه مرتكز على حب الله ورضاه وغضبه، فإذا أحب كان حبه لله وإذا رضا كان كذلك، أو إذا غضب كان غضبه لله تعالى.

فضلاً عن كاشفيته لرضا الله وغضبه وحبه وبغضه بمعنى: أن النبي (صلى الله عليه وآله) لا يحب شيئاً إلا إذا كان الله تعالى يحبه ولا يبغض شيئاً إلا إذا كان الله قد بغض هذا الشيء وكذا في رضا النبي (صلى الله عليه وآله) وغضبه فهو كاشف عن رضا الله وغضبه.

من هنا: تصبح الأحاديث الشريفة الكاشفة عن حب رسول الله (صلى الله عليه وآله) هي كاشفة في الحقيقة عن حب الله تعالى لهذا الشيء.

بل: إن حبه (صلى الله عليه وآله) وبغضه هو عينه حب الله وبغضه، وذلك أن النبي الأعظم مثال الحكم الشرعي الإلهي على الخلق.

وعليه: يكون حبه لفاطمة وبعلها وولديها (صلوات الله عليهم أجمعين) ملازم لحب الله تعالى لهم، بل هو عين حب الله تعالى لهؤلاء؛ ومن ثم لا يتصور أن يكون حب الله تعالى لهم إلا لأنهم مثال أحكامه وعنوان شريعته وحجته على خلقه؛ إذ

ص: 56

ليس هناك قرابة بين الله تعالى وبين أحد من خلقه فتعالى الله ربنا المالك لما خلق وهو العزيز الحكيم.

إذن: حينما يروي الرواة عنه، كما في سنن الترمذي، ومستدرك الحاكم، وغيرها، عن عائشة وقد دخل عليها جميع بن عمير التميمي فيسألها قائلا:ً (أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟) قالت: فاطمة، فقيل من الرجال؟

قالت: زوجها)(1).

أو ما رواه أسامة بن زيد، فقال: (كنت في المسجد فأتاني العباس وعلي فقالا لي يا أسامة استأذن لنا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فدخلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فاستأذنته فقلت: له إن العباس وعلي يستأذنان قال:

«هل تدري ما حاجتهما .»

قلت: لا والله ما أدري، قال:

«لكني أدري ائذن لهما .»

فدخلا عليه، فقالا: يا رسول الله جئناك نسألك أي أهلك أحب إليك؟ قال: «أحب أهلي إلي فاطمة بنت محمد»)(2).

ص: 57


1- سنن الترمذي، كتاب المناقب، باب: فضل فاطمة: حديث 3874 .
2- مستدرك الحاكم: ج 2، ص 417 ؛ الأحاديث المختارة للمقدسي: ج 4، ص 161 ؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 22 ، ص 403 ؛ الجامع الصغير: ج 1، ص 37 ؛ فيض الغدير للمناوي: ج 1، ص 217 ؛ تفسير ابن كثير: ج 3، ص 499 ؛ الدر المنثور: ج 5، ص 201 ؛ تأريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 8، ص 54 .

وغيرها من الألفاظ(1) الكاشفة عن حجم حبه (صلى الله عليه وآله) لابنته فاطمة (صلوات الله عليها) مما يدل على منزلتها لديه ضمن تلك المفاهيم التي جاء بها القرآن الكريم.

سادساً: حديث (وهي قلبي وروحي) .
اشارة

روى الأربلي نقلاً عن كتاب لأبي إسحاق الثعلبي عن مجاهد قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد أخذ بيد فاطمة (عليها السلام) وقال: «من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة مني، وهي قلبي وروحي الذي بين جنبي؛ فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله »(2).

يمتاز هذا الحديث الشريف عن سابقه في بيان منزلة فاطمة عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكونه يقدم فاطمة عليها السلام ضمن صيغة تعريفية للناس من خلال تحديد هذه المعرفة بهذه الألفاظ.

بمعنى: أن النبي (صلى الله عليه وآله) يريد أن يعرفها ضمن تعريفه هو، فيقدمها ضمن مقامات ثلاثة يبتدأها بكلمة (هي) يسبق بها هذا المقام أو ذاك، كي تكون كل كلمة (هي) منفصلة عن غيرها لكونها تقدم تعريفا مستقلاً عن فاطمة (عليها

السلام)؛ فكانت على النحو الآتي:

ص: 58


1- أنظر في ذلك: السنن الكبرى للنسائي: ج 5، ص 140 ، برقم 8498 ؛ مسند البزار: ج 7، ص 71 ؛ الاستيعاب: ج 4، ص 1897 ، ط دار الجيل؛ الآحاد والمثاني: ج 5، ص 360 ، برقم 2951 ؛ مجمع الزوائد: ج 9، ص 302 .
2- كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 665 ؛ الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ج 1، ص 664 ؛ البحار: ج 33 ، ص 54 ؛ المحتضر للحسن بن سليمان الحلي: ص 234 ؛ نور الأبصار للشبلنجي: ص 52 ؛ عوالم العلوم للسيد البحراني: ج 11 ، ص 148 ، حديث 20 ؛ إحقاق الحق: ج 10 ، ص 212 .
ألف - من عرف هذه، فقد عرفها، ومن لم يعرفها، فهي فاطمة بنت محمد

هنا وإن كان النبي (صلى الله عليه وآله) يستثني من بيانه وتعريفه لفاطمة من كان عارفا لها إلا أنه يرجع فيقدم فاطمة (عليها السلام) ضمن تعريف محدد بتلك المقامات الثلاثة، ولذا قال:

«ومن لم يعرفها فأنا أعرفه بها .»

ومن البديهي أن الجميع يعرفون أنها ابنته (صلى الله عليه وآله) وبذاك يتساوى الجميع في هذا المقام التعريفي سواء من كان منهم مؤمنا أو منافقاً إذ أن الصورة التي ينقلها الحديث وعلى لسان الراوي: ممثلاً بخروج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد أخذ بيد فاطمة عليها السلام إنما كان لهذا القصد، أي: تقديم معرفة جديدة للناس غير تلك المعرفة التي يعرفون بها فاطمة، وقد تسالموا على أنها ابنة النبي (صلى الله عليه وآله).

وعليه:

يتضح من قوله: (فهي فاطمة بنت محمد) نفي شبهة التبني أو الربيبة عن فاطمة حصرا؛ً بمعنى: إذا كانت هناك شبهة في كون (رقية، وأم كلثوم، وزينب) هن ربائب النبي (صلى الله عليه وآله) وخديجة (عليها السلام)(1).

أو تسالم هذه الحقيقة في أذهان الناس في كون الربيبة بنتاً؛ فإن النبي أراد بهذا الخروج مع أخذه بيد فاطمة وتقديمها إلى الناس بهذا الشكل الذي يبتدأ فيه قوله: (من عرف هذه)، أي: يعرفها بأنها البنت الواحدة للنبي (صلى الله عليه وآله) (فقد عرفها)؛

ص: 59


1- للمزيد من المعرفة، أنظر كتابنا: خديجة بنت خويلد أمة جمعت في امرأة، الجزء الأول والذي نستدل فيه كونهم ربائب.

(ومن لم يعرفها) بأنها ابنتي وأنا أبوها ومن صلبي وليست بالربية، فأنا أعرفه بها: (هي فاطمة بنت محمد) (صلى الله عليه وآله).

إذن:

من كان يظن أنها ربيبة فهو خاطئ، إنما هي فاطمة بنت محمد، وإلّا لا معنى لقوله هذا صلى الله عليه وآله وسلم وقد عرفوا أنها بنت النبي ما لم يكن هناك من يعتقد بأنها ليست ابنة محمد (صلى الله عليه وآله) فأراد النبي (صلى الله عليه وآله) دفع

هذه الشبهة وهذه الظنون وإعلامهم جميعاً بأنها بنت النبي (صلى الله عليه وآله):

باء - (هي بضعة مني)

قد مرّ علينا سابقا بيان دلالة لفظ (البضعة) إلا إننا هنا نضيف بأن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) يريد أن يندرج في بيان منزلة فاطمة (عليها السلام) وتعريفها لدى الناس فبعد أن قدمها بكونها (ابنة محمد)(صلى الله عليه وآله)، وهي ليست بالربيبة ينتقل إلى بيان أعظم وتعريف أدق يكشف عن خصوصيتها منه؛ وحينما

نقول منه أي: من النبوة والرسالة وحرمة هذه المقامات في الشريعة.

ولذلك: لم يكتف النبي (صلى الله عليه وآله) بكونها ابنته، بل لها تلك المنزلة من كونه رسول الله ونبيه (صلى الله عليه وآله) الذي ختم به النبوة والرسالة.

وإن لها من الحرمة ما لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فضلاً عن خصوصية الحكم الشرعي المتمثل بالطاعة والإتباع والعصمة.

ص: 60

جيم - (هي قلبي)

يرتفع النبي (صلى الله عليه وآله) في تعريف فاطمة عليها السلام ضمن هذا السلم المعرفي فينتقل إلى منزلة هي أعظم من سابقتيها، (البنوة، والبضعة) لتكون فاطمة منه منزلة القلب.

وحينما تكون فاطمة عليها السلام في تلك المنزلة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهنا لابد من بيان بعض النقاط حسبما يكشفه منطوق الآيات والأحاديث حول قلب النبي (صلى الله عليه وآله).

إذ من البديهي أن خزانة أسرار الوحي هو قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وذلك لقوله تعالى:

1-«قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ »(1).

2 «وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192)»«نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193)»«عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ »(2).

والآيتان واضحتان في الدلالة على ما يحتويه قلب النبي (صلى الله عليه وآله) من خزانة للوحي والذكر الحكيم، ولما كانت فاطمة بهذا الوصف وبهذه المنزلة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهذا يعني أنها ومن لحاظ تكوينها النوراني -خزانة للوحي والذكر الحكيم.

ص: 61


1- سورة البقرة، الآية ( 97 ).
2- سورة الشعراء، الآية ( 192 - 194 ).

ولذا فالنبي (صلى الله عليه وآله) حينما جاء بها إلى الناس ليعرفها لهم لم يكن ليتخطى تعريف القرآن في بيانه قلبُ النبي (صلى الله عليه وآله) إلى الناس -كما في الآيتين- ولو كان المراد القلب المادي لما احتاج النبي (صلى الله عليه وآله) إلى

إخراجها إلى الناس ومخاطبتهم ليكشف لهم الشأنية والمنزلة التي لها عند الله تعالى ولاكتفى (صلى الله عليه وآله) بما لها من المعرفة النسبية والاجتماعية حالها في ذاك حال رقية وأم كلثوم وزينب، فقد اكتفى (صلى الله عليه وآله) بما رسخ في أذهان

الناس من معرفة لهن، ولم يحتج إلى كل هذا البيان والتأكيد والتحذير والتعريف الذي انتهجه النبي (صلى الله عليه وآله) مع فاطمة عليها السلام لولا تلك المنزلة والشأنية التي جعلها الله تعالى فيها فاراد النبي (صلى الله عليه وآله) حفظ حرمتها

ومعرفة قدرها كي لا يقع أحد من المسلمين في تعديه لهذه الحدود الإلهية.

دال - (وهي روحي)

هذه المنزلة التي أظهرها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ضمن الحديث الذي أوردناه في مقدمة المبحث والتي جاءت بالعطف على (القلب) فقد أخرجها الشيخ الصدوق (رحمه الله) بسنده (عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس، قال: إن

رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسن (عليه السلام) فلما راه بكى، ثم قال:

«إليّ يا بني .»

فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى، ثم أقبل الحسين (عليه السلام)، فلما رآه بكى، ثم قال:

«إليّ يا بني .»

ص: 62

فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى، ثم قبلت فاطمة (عليها السلام)، فلما رآها بكى، ثم قال:

«إلي يا بنيّة .»

فأجلسها بين يديه، ثم أقبل أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلما رآه بكى، ثم قال: «إليّ يا أخي .»

فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن، فقال له أصحابه: يا رسول الله ما ترى واحداً من هؤلاء إلا بكيت، أو ما فيهم من تسر برؤيته!

فقال (صلى الله عليه وآله): «والذي بعثني بالنبوة، واصطفاني على جميع البرية، إ نّی وإياهم لأكرم الخلق على الله عزّ وجل، وما على وجه الأرض نسمة أحب إليّ منهم.

أما علي بن أبي طالب فإنه أخي وشقيقي، وصاحب الأمر بعدي، وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة، وصاحب حوضي وشفاعتي، وهو مولى كل مسلم، وإمام كل مؤمن، وقائد كل تقي، وهو وصيي وخليفتي على أهلي وأمتي في حياتي، وبعد مماتي، محبه محبي، ومبغضه مبغضي، وبولايته صارت أمتي مرحومة، وبعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة، وإني بكيت حين أقبل لأني ذكرت غدر الأمة به بعدي حتى إنه ليزال عن مقعدي، وقد جعله الله له بعدي، ثم لا يزال الأمر به حتى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور شهر رمضان الذي

أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.

ص: 63

وأما ابنتي فاطمة، فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي... »(1).

لا شك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يريد أن يمتدح ابنته ويرطب مسامعها بكلمات اللطف والحنان والحب فيصفها بأنها قلبه وروحه (صلى الله عليه وآله) فلو أراد هذا المعنى وقصد هذه الدلالة لكان ذلك ضمن نطاق الأسرة وداخل البيت حاله في ذاك حال بقية الآباء حينما يتناغمون في كلماتهم الرقيقة مع بناتهم وأبنائهم دون الحاجة إلى أسماع الناس؛ بل لعل أسماع الأبناء هذه الكلمات خارج المنزل لا يحقق ما يريده الأب من إظهار الحب لهذا الابن أو البنت.

ولذلك: كان المراد من هذه الكلمات هو الناس وليس فاطمة وهو خلاف ما عليه النظام الأسري والأبوي في مختلف المجتمعات إذ حينما يقدم الأب على المدح والثناء وإظهار حبه لأبنائه وبناته فهو يقبل على الشخص المعني فيسمعه هذه الكلمات لكي يعزز أواصر المحبة والبر ويدفعه إلى التقوى في بر الوالدين.

لكن الحالة هنا مختلفة جذريا إذ أن المخاطب في هذه الألفاظ الناس وليس فاطمة، أي: أراد النبي (صلى الله عليه وآله) أن يعرف الناس بمنزلة فاطمة لديه وشأنها عنده وحينما كان يريد فهو لا يقصد المعنى المادي المختزن في لفظ (القلب والروح) فهذه المعرفة تكون سطحية، بل لا يتحقق الهدف من هذا الخطاب والبيان وحيث أن النبي (صلى الله عليه وآله) حكيماً ومأموراً في كشف الضلال عن الأمة وبيان الحدود الشرعية، كان القصد من هذه الكلمات هو المعنى الشرعي والروحي، والمناقبي، بمعنى: أنها قلب النبوة وروحها؛ وأن التعرض لها هو تعرض لقلب النبوة وروح الرسالة.

ص: 64


1- الأمالي للشيخ الصدوق: ص 175 ؛ الاعتقادات في دين الإمامية: ص 106 ؛ الفضائل لابن شاذان: ص 83 .

وحيث أن روح كل شيء يكون به حياته وقوامه وديمومته كذاك كانت فاطمة فهي روح النبوة ومن خلالها كان دوام الشريعة وذلك من خلال كونها أم الأئمة وأم الأوصياء لرسول رب العالمين أولهم الإمام الحسن وآخرهم المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

وعليه:

أردف النبي (صلى الله عليه وآله) هذه الكلمات وهذا البيان والتعريف بالغاية المنشودة منه وهي حفظ حرمتها وعدم التعدي لهذا الخط الأحمر الذي يترتب عليه هلاك أقوام ونجاة أخرى.

ولذا: يختم قوله وبيانه (صلى الله عليه وآله) فيقول:

«فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله .»

وعليه:

فمن آذى الله، عليه لعنة الله وأنبياءه ورسله وملائكته والناس أجمعين عدد ما خلق الله ومبلغ علمه.

المسألة الثانية: إنّ صلتها في الصلاة عليها تكون صلة لأبيها (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ).
اشارة

إنَّ تعدد الالفاظ الواردة عن علماء الطائفة (اعلى الله مقامهم) كما مرَّ ذكره في الصلاة عليها وعلى أبيها (صلى الله عليه وآله) في تقديمه (عليه السلام) للصلاة على رسول الله ثم يردفها بالصلاة على فاطمة؛ أو في تقديمه للصلاة عليها ثم على رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ أو في جمعها معاً في صلاة واحدة.

ص: 65

كل ذلك يكشف عن أنّ صلتها حينما يخصها المصلي عليها بالصلاة؛ إنما يكون قد حض رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهده الصلاة، هذا من جهة.

ومن جهة اخرى، فأن معنى الصلاة من الصلة، وأن الصلة برسول الله (صلى الله عليه وآله) التي يُسأل عنها المسلمون هي فاطمة (عليها السلام).

فمن وصلها فقد وصل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأن من قطع رسول الله فقد جفى الله تعالى، ومصيره في الآخرة الخزي والعذاب الأليم.

ولذا:

فقد لزم من ذلك أن يكون المسلم زائراً لها، ومصلياً ومسلماً عليها، يهدي من الصلاة تنفلاً ما شاء، ومن الطواف عنها ما استطاع؛ كما دلت عليه النصوص وكشفته الالفاظ في فضل الصلاة عليها مع الصلاة على أبيها، كما فعل امير المؤمنين

(عليه السلام) فكانت هذه الصلة على النحو الآتي:

أولاً: الصلاة عليها والطواف عنها

تظافرت النصوص في بيان استحباب وفضل الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) لاسيما في وجوبها في الفرائض والنوافل من الصلوات اليومية، فمن هذه الأحاديث ما كانت تبين للناس كيفية الصلاة على (النبي صلى الله عليه وآله)، ومنها ما كانت تظهر من هم الذين أخصهم الله تعالى بهذه الصلاة مع النبي (صلى

الله عليه وآله وسلم)، وهل ينفرد النبي بها؟

فقد أخرج البخاري وغيره (عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال لقيني كعب بن عجرة فقال ألا أهدى لك هدية سمعتها من النبي -صلى الله عليه وآله- فقلت بلى، فأهدها لي، فقال سألنا رسول الله -صلى الله عليه وآله- فقلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإن الله قد علمنا كيف نسلم، قال:

ص: 66

«قولوا اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد »(1).

فضلاً عن ذلك فقد تظافرت النصوص في تحديد آل البيت ومن هم حينما نزلت آية التطهير وقيام النبي (صلى الله عليه وآله) بتجليلهم بالكساء وقوله: هؤلاء أهل بيتي، كما مرّ بيانه سابقاً؛ناهيك عن قيام النبي (صلى الله عليه وآله) بتوجيه

المسلمين إلى أهمية وضرورة أن لا يصلوا عليه الصلاة البتراء، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«لا تصلوا علي الصلاة البتراء .»

قالوا: يا رسول الله، وما الصلاة البتراء؟ قال:

«لا تقولوا: اللهم صل على محمد وتمسكوا، بل قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد»(2).

فتكون الصلاة على فاطمة من الواجبات في الصلاة المفروضة لأنها من آل محمد فضلاً عن استحباب الصلاة عليها في مختلف الأوقات والأماكن لاسيما الأوقات والأماكن المشرفة والمخصوصة بالذكر والدعاء كمكة والمدينة والمشاهد المقدسة للأئمة المعصومين.

أما كيفية الصلاة عليها وآثارها الغيبية، فيمكن معرفته من خلال النصوص الآتية:

ص: 67


1- صحيح البخاري: ج 12 ، ص 39 ، ح 3370 ؛ صحيح مسلم: ج 1، ص 305 ، ح 66 ( 406 ).
2- كشف الغمة للشعراني: ج 1، ص 219 ، ط المطبعة الميمنية بمصر.
ثانياً: كيفية الصلاة عليها

روى الشيخ الطوسي، والسيد ابن طاووس، والشيخ الكفعمي، كيفية الصلاة على فاطمة (عليها السلام) فقالوا:

1- الصلاة على السيدة فاطمة (عليها السلام):

«اللهم صل على الصديقة فاطمة الزكية، حبيبة حبيبك، ونبيك، أم أحبائك وأصفيائك التي انتجبتها وفضلتها واخترتها على نساء العالمين، اللهم كن الطالب لها ممن ظلمها واستخف بحقها وكن الثائر، اللهم بدم أولادها، اللهم وكما جعلتها أم أئمة الهدى وحليلة صاحب اللواء الكريمة عند الملأ الأعلى فصل عليها وعلى أمها خديجة الكبرى صلاة تكرم بها وجه أبيها محمد (صلى الله عليه وآله) وتقر بها أعين ذريتها وأبلغهم عني في هذه الساعة أفضل التحية والسلام »(1).

2-روى السيد ابن طاووس صلاة أخرى، وهي:

«اللهم صل على محمد المصطفى وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن الرضا، الحسين المصفى، وجميع الأوصياء مصابيح الدجى، وأعلام الهدى، ومنار التقى، والعروة والثقى، والحبل المتين والصراط المستقيم »(2).

3-روى الشيخ الكفعمي صلاة أخرى، وهي:

«اللهم صل على فاطمة الطيبة الطاهرة المطهرة، التي انتجبتها وطهرتها وفضلتها على نساء العالمين، وجعلت منها أئمة الهدى، الذين يقولون بالحق وبه يعدلون، صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها، والسلام عليها ورحمة الله وبركاته »(3).

ص: 68


1- المصباح للشيخ الطوسي: ص 401 ؛ جمال الأسبوع لابن طاووس: ص 486 ؛ البلد الأمين للكفعمي: ص 303 .
2- جمال الأسبوع: ص 504 .
3- البلد الأمين: ص 296 .

4-وروى الشيخ المفيد والشيخ الطوسي فيما يصلي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في كل يوم من شهر رمضان إن قال:

«اللهم صل على فاطمة بنت نبيك محمد عليه وآله السلام والعن من آذى نبيك فيها »(1).

وأضاف السيد ابن طاووس والشيخ الكفعمي على هذه الصلاة واللعن لأعدائها: (ووال من والاها، وعادي من عاداها، وضاعف العذاب على من ظلمها)(2).

ثالثاً: الآثار الغيبية لفضل الصلاة عليها
اشارة

أشارت الروايات الشريفة إلى بيان الآثار التي تنتج عن الصلاة على فاطمة صلوات الله عليها إلى نوعين من الآثار الآخروية، فضلاً عما للمصلي عليها من الحسنات التي تترتب على الصلاة على محمد وآله، وهي كالآتي:

ألف - من صلى عليها كان مع النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في الجنة

روى الأربلي والمجلسي عن علي أمير المؤمنين (عليه السلام) عن فاطمة (عليها السلام) قالت:

«قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا فاطمة من صلى عليك غفر الله له وألحقه بي حيث كنت من الجنة »(3).

باء - من صلى عليها ثلاثة أيام أوجب الله له الجنة

روى الشيخ الطوسي عن يزيد بن عبد الملك، عن أبيه عن جده قال: دخلت على فاطمة (عليها السلام) فبدأتني بالسلام ثم قالت:

ص: 69


1- المقنعة للمفيد: ص 331 ؛ مصباح المتهجد: ص 621 .
2- إقبال الأعمال: ص 97 ؛ المصباح للكفعمي: ص 629 .
3- كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 472 ؛ مستدرك الوسائل: ج 10 ، ص 211 .

«ما غدا بك .»

قلت: طلب البركة، قالت:

«أخبرني أبي وهو ذا هو أنه من سلم عليه وعلي ثلاثة أيام أوجب الله له الجنة .»

قلت لها: في حياته وحياتك؟ قالت:

«نعم، وبعد موتنا »(1).

رابعاً: الطواف عنها

وقد ورد في الكافي عن الشيخ الكليني في فضل الطواف عنها وما يلحق العامل من الأجر، ما ورد عن الإمام علي الهادي (عليه السلام) حينما دخل عليه موسى بن القاسم فقال له: (قد أردت أن أطوف عنك، وعن أبيك فقيل لي: إن الأوصياء لا يطاف عنهم، فقال لي:

«بل طف ما أمكنك فإنه جائز .»

ثم قلت له بعد ذلك: بثلاث سنين إني كنت استأذنتك في الطواف عنك وعن أبيك فأذنت لي في ذلك، فطفت عنكما ما شاء الله ثم وقع في قلبي شيء فعملت به، قال:

«وما هو .»

قلت: طفت يوما عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ثلاث مرات:

«صلى الله على رسول الله .»

ص: 70


1- تهذيب الأحكام للطوسي: ج 6، ص 9؛ وسائل الشيعة للحر العاملي: ج 14 ، ص 367 .

ثم اليوم الثاني عن أمير المؤمنين، ثم طفت اليوم الثالث عن الحسن (عليه السلام) والرابع عن الحسين (عليه السلام) والخامس عن علي بن الحسين (عليه السلام) والسادس عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام)، واليوم السابع عن جعفر بن محمد (عليه السلام) واليوم الثامن عن أبيك موسى (عليه السلام)، واليوم التاسع عن أبيك علي (عليه السلام)، واليوم العاشر عنك يا سيدي، وهؤلاء الذين أدين الله بولايتهم، فقال:

«إذن والله تدين الله بالدين الذي لا يقبل من العباد غيره .»

قلت: وربما طفت عن أمك فاطمة (عليها السلام)، وربما لم أطف فقال:

«استكثر من هذا فإنه أفضل ما أنت عامله إن شاء الله »)(1).

خامساً: إهداء الصلاة إليها

ذكر الشيخ الطوسي في أعمال يوم الجمعة التنفل بثمان ركعات، أربعا تهدى إلى رسول الله وأربعاً تهدى إلى فاطمة (عليها السلام)(2).

وروى السيد ابن طاووس دعاء يقرأ بعد إهدائها (عليها الصلاة والسلام) صلاة ركعتين بما تيسر من السور، فقال: ما يهديه إلى فاطمة (عليها السلام) يقول:

«اللهم إن هاتين الركعتين هدية مني إلى الطاهرة المطهرة الطيبة الزكية فاطمة بنت نبيك اللهم فتقبلها مني وأبلغها إياهما عني وأثبني عليهما أفضل أملي ورجائي فيك وفي نبيك صلوات الله عليه وآله ووصي نبيك والطيبة الطاهرة فاطمة بنت نبيك والحسن والحسين سبطي نبيك يا ولي المؤمنين يا ولي المؤمنين يا ولي المؤمنين »(3).

ص: 71


1- الكافي للكليني: ج 4، ص 314 ؛ التهذيب للطوسي: ج 5، ص 450 .
2- مصباح المتهجد: ص 322 ؛ مهج الدعوات: ص 108 .
3- جمال الأسبوع لابن طاووس: ص 17 .
المسالة الثالثة: زيارة قبرها كما فعل أمير المؤمنين (علیه السّلام)
اشارة

أهتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بتربية المسلم على الإيمان بالغيب وتقويم سلوكه بتنمية هذا الإيمان ورفده بكل ما بإمكانه أن يرتبط بالآخرة؛ فكان من بين أهم تلك الروافد هي زيارة قبور الأنبياء والمرسلين والأولياء وعباد الله الصالحين، فضلاً عن زيارة قبر الوالدين والأهل، فهذا التعاهد بالزيارة يشد الإنسان إلى الآخرة فضلاً عن التغلب على الغفلة التي تفرزها المظاهر الدنيوية

ومغرياتها التي تتناقض مع الآخرة وعناصر ارتباطها.

فضلاً عن أن أداء زيارة قبور الأولياء والوالدين يعد نوعا من الإقرار بالعرفان والجميل لما بذله أولئك الأولياء والأبوين من جهود في خلق حياة كريمة للإنسان، وغيرها من الفوائد الكثيرة التي تحققها زيارة القبور، كما أشارت الأحاديث الشريفة.

ولذا: نجد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يحثون على زيارة قبورهم وإن بعدت عن المؤمنين بلدانهم حرصا منهم لنيل تلك الآثار التي قرنت بزيارتهم.

قال الإمام الصادق (عليه السلام):

«إذا بعدت بأحدكم الشقة ونأت به الدار فليعل أعلى منزل له فيصلي ركعتين وليُوم بالسلام إلى قبورنا فإن ذلك يصير إلينا »(1).

ثواب زيارتها وآثارها الغيبية
اشارة

يمكن لنا الوقوف على ثواب زيارة الصديقة الطاهرة فاطمة (عليها السلام) من خلال بعض النصوص الواردة عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) فمنها:

ص: 72


1- مستدرك الوسائل: ج 1، ص 369 .
ألف - إنّ زيارتها برٌ برسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ونجاة من أهوال يوم القيامة

(روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ذات يوم جالساً وحوله علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) فقال لهم:

«كيف بكم إذا كنتم صرعى وقبوركم شتى .»

فقال له الحسين (عليه السلام):

«أنموت موتاً أو نقتل .»

فقال:

«بل تقتل يا بني ظلما ويقتل أخوك ظلما وتشرد ذراريكم في الأرض .»

فقال الحسين (عليه السلام):

«ومن يقتلنا يا رسول الله؟ .»

قال:

«شرار الناس .»

قال:

«فهل يزورنا بعد قتلنا أحد .»

قال:

«نعم، طائفة من أمتي يريدون بزيارتكم بري وصلتي فإذا كان يوم القيامة جئتهم إلى الموقف حتى آخذ بأعضادهم فأخلصهم من أهواله وشدائده »)(1).

ص: 73


1- الخرائج والجرائح: ج 2، ص 691 ؛ الإرشاد: ج 2، ص 131 .
باء - إنّ من زارها فكأنما زار رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

عن جابر بن عبد الله، قال: قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) -في حديث طويل-:

«من زارني بعد وفاتي فإنما زارني في حياتي، ومن زار فاطمة (عليها السلام) فكأنما زارني، ومن زار علي بن أبي طالب فكأنما زار فاطمة، ومن زار الحسن والحسين فكأنما زار علياً، ومن زار ذريتهما كأنما زارهما »(1).

جيم - استحباب زيارتها في كل جمعة

ذكر الشهيد الأول في الدروس، والشيخ الكفعمي في البلد الأمين، استحباب زيارتها في كل جمعة، وفي المواسم المشهورة قصدا، وقصد المشاهد الشريفة في رجب(2) . وحيث إن زيارتها صلوات الله عليها مقرونة بزيارة أبيها فإن إتيان مشهد

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وموضع روضته يكون ملازما لقبرها كما مر بيانه سابقاً.

دال - كيفية زيارتها (علیها السّلام) والآداب المستحبة في إتيان الزيارة
أ- آداب زيارتها

ورد في آداب زيارتها (عليها السلام) ما رواه الحر العاملي في الوسائل عن الإمام الصادق (عليه السلام)، أنه قال:

«من أراد أن يزور قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقبر أمير المؤمنين، وفاطمة والحسن والحسين وقبور الحجج (عليهم السلام) وهو في بلده، فليغتسل

ص: 74


1- بشارة المصطفى: ص 139 ؛ مستدرك الوسائل: ج 10 ، ص 182 .
2- الدروس الشرعية للشهيد الأول: ج 2، ص 24 ؛ البلد الأمين: ص 269 .

في يوم الجمعة، وليلبس ثوبين نظيفين، وليخرج إلى فلاة من الأرض، ثم يصلي أربع ركعات يقرأ فيهن ما تيسر من القرآن، فإذا تشهد وسلم فليقم مستقبل القبلة وليقل:

السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام عليك أيها النبي المرسل والوصي المرتضى، والسيدة الكبرى، والسيدة الزهراء، والسبطان المنتجبان، والأولاد والأعلام والأمناء المستخزنون، جئت انقطاعا إليكم وإلى آبائكم وولدكم الخلف على بركة الحق، فقلبي لكم سلم ونصرتي لكم معدة، حتى يحكم الله بدينه، فمعكم معكم لا مع عدوكّم، إني لمن القائلين بفضلكم مقدر برجعتكم، لا أنكر لله قدرة ولا أزعم إلا ما شاء الله سبحان الله ذي الملك والملكوت يسبح الله بأسمائه جميع خلقه والسلام على أرواحكم وأجسادكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .»

قال وفي رواية أخرى افعل ذلك على سطح دارك)(1).

ب- النصوص الواردة في كيفية زيارتها (علیها السّلام)

وردت مجموعة من النصوص الشريفة في كيفية زيارتها (عليها السلام) وهي كالآتي:

1-روي أن قبرها (عليها السلام) عند أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإذا أردت زيارتها فقف بالروضة وقل:

«السلام عليك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والسلام على ابنتك الصديقة الطاهرة، السلام عليك يا فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يا سيدة

ص: 75


1- وسائل الشيعة: ج 14 ، ص 579 ؛ جمال الأسبوع: ص 231 .

نساء العالمين، أيتها البتول الشهيدة الطاهرة، لعن الله مانعك إرثك، ودافعك عن حقك، والراد عليك قولك، لعن الله أشياعهم وأتباعهم، وألحقهم بدرك الجحيم، صلى الله عليك وعلى أبيك وبعلك وولدك الأئمة الراشدين وعليهم السلام ورحمة الله وبركاته »(1).

2-تقول في زيارة فاطمة (عليها السلام):

(«السلام عليك يا بنت رسول الله، السلام عليك يا بنت نبي الله، السلام عليك يا بنت حبيب الله، السلام عليك يا بنت خليل الله، السلام عليك يا بنت أمين الله، السلام عليك يا بنت خير خلق الله، السلام عليك أيتها المغصوبة المظلومة، السلام عليك أيتها المحدثة العليمة، أشهد الله ورسوله وملائكته أني راض عمن رضيت عنه، ساخط على من سخطت عليه، متبرئ ممن تبرأت منه، موال لمن واليت، معاد لمن عاديت، مبغض لمن أبغضت، محب لمن أحببت، وكفى بالله شهيدا وحسيبا وجازيا ومثيبا .»

ثم تصلي على النبي وعلى الأئمة عليهم السلام)(2).

3-قيل: ثم زر فاطمة (عليها السلام) من عند الروضة، واختلف في موضع قبرها، فقال قوم: هي مدفونة في الروضة، وقال آخرون: في بيتها، وقال فرقة ثالثة: هي مدفونة بالبقيع، والذي عليه أكثر أصحابنا أن زيارتها من عند الروضة، ومن زارها في هذه الثلاث المواضع كان أفضل، وإذا وقف عليها للزيارة فليقل:

«يا ممتحنة امتحنك الله الذي خلقك قبل أن يخلقك فوجدك لما امتحنك صابرة، وزعمنا أن لك أولياء ومصدقون وصابرون، لكل ما أتانا به أبوك (صلى الله عليه وآله)،

ص: 76


1- كتاب المزار للمفيد: ص 179 .
2- المصباح للكفعمي: ص 475 .

وأتى به وصيه فإنا نسألك إن كنا صدقناك إلا ألحقتنا بتصديقنا لهما لنبشر أنفسنا بأنا قد طهرنا بولايتك »(1).

وقد ذكر الشيخ الطوسي رحمه الله إن هذه الزيارة مروية عن فاطمة (صلوات الله عليها)(2).

4-وأورد الشيخ الصدوق رحمه الله في كتابه من لا يحضره الفقيه كيفية زيارتها في دخول الزائر للروضة النبوية المقدسة مع الآداب الخاصة بهذه الزيارة فقال: (اختلفت الروايات في موضع قبر فاطمة سيدة نساء العالمين (عليها السلام) فمنهم من روى أنها دفنت في البقيع ومنهم من روى أناها دفنت بين القبر والمنبر، وأن

النبي (صلى الله عليه وآله) إنما قال: «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة .»

لأن قبرها بين القبر والمنبر، ومنهم من روى أنها دفنت في بيتها فلما زادت بنو أمية في المسجد صارت في المسجد وهذا هو الصحيح عندي، وإني لما حججت بيت الله الحرام كان رجوعي على المدينة بتوفيق الله تعالى ذكره، فلما فرغت من زيارة رسول

الله (صلى الله عليه وآله) قصدت إلى بيت فاطمة (عليها السلام) وهو من عند الأسطوانة التي تدخل إليها من باب جبرئيل عليه السلام إلى مؤخر الحظيرة التي فيها النبي (صلى الله عليه وآله) فقمت عند الحظيرة ويساري إليها وجعلت ظهري إلى القبلة واستقبلتها بوجهي وأنا على غسل وقلت:

«السلام عليك يا بنت رسول الله، السلام عليك يا بنت نبي الله، السلام عليك يا بنت حبيب الله، السلام عليك يا بنت خليل الله، السلام عليك يا بنت صفي الله،

ص: 77


1- مصباح المتهجد: ص 711 ؛ وسائل الشيعة: ج 14 ، ص 367 ؛ التهذيب للطوسي: ج 6، ص 9.
2- المصدر السابق.

السلام عليك يا بنت أمين الله، السلام عليك يا بنت خير خلق الله، السلام عليك يا بنت أفضل أنبياء الله ورسله وملائكته، السلام عليك يا ابنة خير البرية، السلام عليك يا سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، السلام عليك يا زوجة ولي الله وخير الخلق بعد رسول الله، السلام عليك يا أم الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة، السلام عليك أيتها الرضية المرضية، السلام عليك أيتها الفاضلة الزكية، السلام عليك أيتها الحورية الإنسية، السلام عليك أيتها التقية النقية، السلام عليك أيتها المحدثة العليمة، السلام عليك أيتها

المظلومة المغصوبة، السلام عليك أيتها المضطهدة المقهورة، السلام عليك يا فاطمة بنت رسول الله ورحمة الله وبركاته، صلى الله عليك وعلى روحك وبدنك، أشهد أنك مضيت على بينة من ربك وأن من سرك فقد سر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن جفاك فقد جفا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن آذاك فقد آذى رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن وصلك فقد وصل رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن قطعك فقد قطع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأنك بضعة منه وروحه التي بين جنبيه، كما قال عليه أفضل سلام الله وصلواته اشهد

الله ورسله وملائكته أني راض عمن رضيت عنه، ساخط على من سخطت عليه، متبرئ ممن تبرأت منه، موال لمن واليت، معاد لمن عاديت، مبغض لمن بغضت، محب لم أحببت، وكفى بالله شهيدا وحسيبا وجازيا ومثيبا.

ثم قلت:

(اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد بن عبد الله خاتم النبيين وخير الخلائق أجمعين، وصل على وصيه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وإمام المسلمين وخير الوصيين، وصل على فاطمة بنت محمد سيدة نساء العالمين، وصل على سيدي

شباب أهل الجنة الحسن والحسين، وصل على زين العابدين علي بن الحسين، وصل على محمد بن علي باقر علم النبيين، وصل على الصادق عن الله جعفر ابن

ص: 78

محمد، وصل على كاظم الغيظ في الله موسى بن جعفر، وصل على الرضا علي بن موسى، وصل على التقي محمد بن علي، وصل على النقي علي بن محمد، وصل على الزكي الحسن بن علي، وصل على الحجة القائم ابن الحسن بن علي، اللهم أحي بن العدل، وأمت به الجور، وزين بطول بقائه الأرض، وأظهر به دينك وسنة نبيك حتى لا يستخفى بشيء من الحق مخافة أحد من الخلق واجعلنا من أعوانه وأشياعه والمقبولين في زمرة أوليائه يا رب العالمين، اللهم صل على محمد وأهل بيته الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتم تطهيرا ))(1).

5-ذكر السيد ابن طاووس رحمه الله زيارة أخرى لها تقرأ في الروضة النبوية المطهرة، فقال: تقول:

«السلام عليك يا بنت (يا ابنة) رسول الله، السلام عليك يا بنت (يا ابنة) نبي الله، السلام عليك يا بنت (يا ابنة) حبيب الله، السلام عليك يا بنت (يا ابنة) خليل الله، السلام عليك يا بنت (يا ابنة) أمين الله، السلام عليك يا بنت (يا ابنة) خير خلق الله، السلام عليك يا بنت (يا ابنة) أفضل أنبياء الله.

السلام عليك يا بنت خير البرية، السلام عليك يا سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين. السلام عليك يا زوجة ولي الله وخير خلقه بعد رسول الله، السلام عليك يا أم الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، السلام عليك يا أم المؤمنين، السلام عليك يا أيتها الصديقة الشهيدة، السلام عليك أيتها الرضية المرضية.

السلام عليك أيتها الصادقة الرشيدة، السلام عليك أيتها الفاضلة الزكية، السلام عليك أيتها الحوراء الإنسية، السلام عليك أيتها التقية النقية، السلام عليك أيتها المحدثة العليمة، السلام عليك أيتها المعصومة المظلومة.

ص: 79


1- من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق: ج 2، ص 572 573 .

السلام عليك أيتها الطاهرة المطهرة، السلام عليك أيتها المضطهدة المغصوبة، السلام عليك أيتها الغراء الزهراء، السلام عليك يا فاطمة بنت محمد رسول الله ورحمة الله وبركاته. صلى الله عليك يا مولاتي وابنة مولاي وعلي روحك وبدنك. اشهد انك

مضيت على بينة من ربك، وان من سرك فقد سر رسول الله، ومن جفاك فقد جفا رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن آذاك فقد آذى رسول الله، ومن وصلك فقد وصل رسول الله، ومن قطعك فقد قطع رسول الله، لأنك بضعة منه وروحه التي بين جنبيه، كما قال عليه أفضل الصلاة وأكمل السلام.

اشهد الله وملائكته اني راض عمن رضيت عنه وساخط على من سخطت عليه، ولي لمن والاك، عدو لمن عاداك وحرب لمن حاربك، انا يا مولاتي بك وبأبيك وبعلك والأئمة من ولدك موقن وبولايتهم مؤمن وبطاعتهم ملتزم، اشهد ان الدين دين دينهم، والحكم حكمهم، وانهم قد بلغوا عن الله عز وجل ودعوا إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، لا تأخذهم في الله لومة لائم، وصلوات الله عليك وعلى أبيك وبعلك وذريتك الأئمة الطاهرين.

اللهم صل على محمد وأهل بيته، وصل على البتول الطاهرة، الصديقة المعصومة، التقية النقية، الرضية (المرضية)، الزكية الرشيدة، المظلومة المقهورة، المغصوبة حقها، الممنوعة ارثها، المكسور ضلعها، المظلوم بعلها، المقتول ولدها، فاطمة بنت

رسول الله، وبضعة لحمه وصميم قلبه، وفلذة كبده، والنخبة منك له، والتحفة خصصت بها وصية وحبيبه المصطفى وقرينه المرتضى، وسيدة النساء ومبشرة الأولياء، حليفة الورع والزهد، وتفاحة الفردوس والخلد، التي شرفت مولدها بنساء الجنة، وسللت منها أنوار الأئمة، وأرخيت دونها حجاب النبوة.

ص: 80

اللهم صل عليها صلاة تزيد في محلها عندك وشرفها لديك ومنزلتها من رضاك، وبلغها منا تحية وسلاما، وآتنا من لدنك في حبها فضا وإحساناً ورحمة وغفرانا، إنك ذو الفضل الكريم»)(1).

6-وروى الشيخ الطوسي لها زيارة أخرى فقال: (تقف على أحد الموضعين اللذين ذكرناهما وتقول:

«السلام عليك يا بنت رسول الله، السلام عليك يا بنت نبي الله، السلام عليك يا بنت حبيب الله، السلام عليك يا بنت خليل الله، السلام عليك يا بنت صفي الله، السلام عليك يا بنت أمين الله، السلام عليك يا بنت خير خلق الله، السلام عليك يا بنت أفضل أنبياء الله ورسله وملائكته، السلام عليك يا بنت خير البرية، السلام عليك يا سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، السلام عليك يا زوجة ولي الله وخير الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، السلام عليك يا أم الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، السلام عليك أيتها الصديقة الشهيدة، السلام عليك أيتها الرضية المرضية، السلام عليك أيتها الفاضلة الزكية، السلام عليك أيتها الحوراء الإنسية، السلام عليك أيتها التقية النقية، السلام عليك أيتها المحدثة العليمة، السلام عليك أيتها المظلومة المغصوبة، السلام عليك أيتها المضطهدة المقهورة، السلام عليك يا فاطمة بنت رسول الله ورحمة الله وبركاته.

صلى الله عليك وعلى روحك وبدنك، أشهد أنك مضيت على بينة من ربك وأن سرك فقد سر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن جفاك فقد جفا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن آذاك فقد آذى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن وصلك فقد صول رسول الله (صلى الله عليه وآله)، من قطعك فقد قطع رسول

ص: 81


1- إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس: ص 164 - 165 .

الله (صلى الله عليه وآله)، لأنك بضعة منه وروحه التي بين جنبيه كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم)، أشهد الله ورسله وملائكته أني راض عمن رضيت عنه، وساخط على من سخطت عليه ومتبرئ ممن تبرأت منه، موال لمن واليت، معاد لمن عاديت، بغضن لمن أبغضت، محب لمن أحببت، وكفى بالله شهيدا وحسيبا وجازيا ومثيبا .»

ثم تصلي على النبي والأئمة (عليهم السلام) إن شاء الله )(1).

المسألة الرابعة: القصدية في بدء الخطاب بالصلاة على النبي وعلى فاطمة (عليهما الصلاة والسلام) واختتامه بالصلاة عليهما معاً
اشارة

يختتم الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) خطابه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالصلاة عليه وعلى فاطمة كما بدأه بالصلاة والسلام وهذا يرشد الى قصدية محددة في تحريك مشاعر المتلقي حول أمور جمعها هذا اللفظ، فكانت كالآتي:

أولاً: جمع مشاعر المتلقي حول القضية الأساس وهي حرمة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) التي أنتهكت

إن المحور الاساس الذي دارت حوله مقاصد الالفاظ هو حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي لم تصنها الصحابة بعد موته (صلى الله عليه وآله).

وان هذه الحرمة ممثلة بأمرين، وهما:

1- حرمة الحكم الشرعي والامتثال له والعمل به، وهو مالم يقع منهم.. وقد بين النص الشريف في مواضعه ومعاني مفرداته الظاهرة والخفية وتجلي القصدية فيه: بأنهم لم يمتثلوا لهذا الحكم، والذي تعلق بأمر الخلافة والموالاة والتمسك بالثقل

ص: 82


1- التهذيب للشيخ الطوسي: ج 6، ص 10 ؛ البلد الأمين للكفعمي: ص 278 .

الاصغر عترته اهل بيته (عليهم السلام)، فكل هذه الأحكام الشرعية وغيرها ضرب بها الصحابة عرض الجدار.

2-حرمة عترته أهل بيته(عليهم السلام) ممثلاً ذلك ببضعته فاطمة (عليها السلام) وولديها الحسن والحسين (عليهما السلام)، فقد تجرئ الشيخان ومن شايعهما على العترة النبوية -بما مرَّ بيانه ودراسته في مباحث الكتاب- ومن ثم لم يخرجه (عليه السلام) بما نزل به من المصائب والابتلاء والحزن والألم عن وحدة

السياق وتكامل النص وتماسكه ورصانة نسقه الفكري والعقدي والحجاجي.

ثانياً: إنّ المستهدف الاول في هذه الحرب هو رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

إنّ القصدية التي ابتغاها منتج النص (عليه السلام) حينما ابتدأ خطابه بالسلام والصلاة على رسول الله وفاطمة (عليهما الصلاة والسلام) واستداركه للصلاة والسلام وتضمينها للنص في وسطه، ثم اختتامه للنص بها؛ يراد به جمع ذهن المتلقي وفكره حول قطب هذا التظلم وهو رسول الله (صلى الله عليه وآله) وليس علي أو فاطمة (عليهما السلام)؛ وذلك أن المنافقين الذين وصفهم القرآن للنبي (صلى الله عليه وآله) بقوله تعالى:

«لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ »(1) وقوله:

«هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ »(2).

ص: 83


1- سورة التوبة، الآية ( 48 ).
2- سورة المنافقون، الآية ( 4).

لم يكونوا في هدنة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حياته، وانما كانوا يحذرون الافتضاح والكشف عما في نفوسهم من الكفر والبغض والحقد على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)، ولذا:

قال الله تعالى في بيانه لهذا الواقع:

«يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ »(1).

أمّا وقد مات رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وانقطع الوحي، وزال ما كانوا منه يحذرون، تجاهروا في حرب الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)؛ ولأنهم يدركون أن فاطمة (عليها السلام) هي (بضعته، وروحه، وقلبه) فقد سارعوا الى ترويعها وضربها وإسقاط جنينها، وحرق دارها، وهضم حقها، ومنع إرثها أمام المسلمين

جميعاً جهاراً لا يخشون في ذلك لومة لائم فانتقموا من ابي القاسم (صلى الله عليه وآله) بما أفصح عنه النص الشريف؛ وما خفي كان أعظم.

ثالثاً: تقديم أنموذجين من الاعتقاد بالله ورسوله عن اهل القرن الاول

يقدم لنا النص الشريف مقاربة لقصدية منتج النص (عليه السلام) في انقسام الامة الى فئتين، الاولى آمنت بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله) حق الايمان فصانت حرمته وابتغت وجه الله في التمسك بحلاله وحرامه وقوله وفعله وانه اشرف ما خلق الله واقربه عنده واخصهم لديه لا يجدون حرجا في التظلم بين يديه غير حائدين عن حكمه وسنته.

وهذه الفئة تجسدت في منتج النص وخاصته ومن تمسك بهديه، فلولا هذا الايمان والاعتقاد لما كان هناك داع للنطق بهذا النص وتلفظه.

ص: 84


1- سورة التوبة، الآية ( 64 ).

ومن ثم فقد قدم النص وثيقة ودليلا يكشف عن ايمان قائله وعقيدته وفكره وحبه لله ورسوله (صلى الله عليه وآله).

وفئة اخرى لا تؤمن بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله) ولا ترى لهما حرمة بل وجدت فيه مغرماً للانتقام والتعدي والجور فكان منها ما كان والذي اخبر عنها النص الشريف.

وبه يتضح: إنَّ أهل خير القرون هم من آمن بالله وبرسوله وصان حرمتهما وتمسك بهديهما، وتحمل من اجلهما القتل والضرب والحرق، فصبروا وثبتوا وفوضوا أمرهم الى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وهو خير الحاكمين.

فعلي وفاطمة وولديهما هم أهل خير القرون حقاً.

رابعاَ: إنّ الصلاة على النبي وفاطمة تقطع الطريق على القائلين بالفصل بين النبي والآل في الصلاة

إنّ من الخصائص التي تفرد بها النص الشريف هو كاشفيتة التأثيرية للمستقبل وهذا ما يجعله في قمة المقبولية والتفاعلية، بل والعلاجية لكثير من المسائل الفكرية والعقدية.

وذلك أنّ منتج النص (عليه السلام) قد ضمن المفردات ما أستترت المتلقي عليه في الحوادث المستقبلية، والحكمة فيه أنه (عليه السلام) كان يأتي بالأصول والقواعد التي تصلح لكثير من المعضلات وتفسيرها، والمشكلات وحلها.

ومنها: ما ذهب إليه أبناء العامة وفقهائهم بفصل الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) عن الآل في غير الفريضة اليومية.

ص: 85

بل ذهب الوهابية الى تحريم السلام على العترة، وبعلّة أن السلام يكون محصوراً بالأنبياء والملائكة، فبتروا الآل من الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله).

في حين نجد أن النص الشريف يمتثل الى ما أمر الله تعالى به، وهو المودّة للقربى وادخالهم بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله)، ولذا:

ابتدأ الامام علي (عليه السلام) بالصلاة على النبي وفاطمة واختتم بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) وفاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) ومن ثم فإن القصدية في الآل هي فاطمة (عليها السلام).

خامساً: إنّ الصلاة على فاطمة تدفع المسلم عن ظلم العترة في انتهاك حقها

لم يكن النص الشريف ليخلوا من توجيه المتلقي الى قصدية قبول الأعمال وشروط تحقق هذه المقبولية، لاسيما وأنه بين يدي الله يرفع شكواه وتظلمه، ويستشهد رسوله الاكرم (صلى الله عليه وآله) على ما جرى عليه وعلى فاطمة (عليهما السلام)

ويتعزى به.

ومن ثم فهذا التظلم والشكوى من شرائط رفعها الى الله تعالى هي الصلاة على النبي وآله؛ وقد تضافرت النصوص في بيان فضل الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله) وآثارها في الدنيا والآخرة، وهذا الشرط جاء في الروايات الشريفة، ومنها:

1-روى الشيخ الكليني عن الامام الصادق (عليه السلام)، أنه قال:

« لا يزال الدعاء محجوبا حتى يصلي على محمد وآل محمد »(1) .

ص: 86


1- الكافي كتاب الدعاء، باب الصلاة على النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وهل بيته (عليهم السلام) ج 2 ص 491 .

2-وعنه أيضاً، عن الإمام الصادق (عليه السلام):

«أن رجلا أتى النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال يا رسول الله إنی: أجعل لك ثلث صلواتي، ا، بل أجعل لك نصف صلواتي، لا، بل أجعلها كلها لك، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

إذا تكفى مؤونة الدنيا وا آخرة »(1).

3-وقد سأل أبو بصير (رحمه الله) الإمام الصادق (عليه السلام) عن معنى: (أجعل صلواتي كلها لك)، فقال (عليه السلام):

«يقدمه بين يدي كل حاجة، فلا يسأل الله عز وجل شيئاً حتى يبدأ بالنبي (صلى الله عليه وآله) فيصلي عليه ثم يسأل الله حوائجه »(2).

4-روي أيضاً عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

« لا تجعلو ني كقدح الراكب، فإن الراكب يملا قدحه فيشربه إذا شاء، أجعلو ني في أول الدعاء وفي آخره وفي وسطه»(3).

5-روى الكليني أيضاً عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

«من صلى علي صلى الله عليه وملائكته ومن شاء فليقل ومن شاء فليكثر »(4).

ص: 87


1- المصدر السابق.
2- المصدر السابق.
3- المصدر السابق.
4- المصدر السابق.

6-وروى أيضاً عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

«الصلاة علي وعلى أهل بيتي تذهب بالنفاق »(1).

7- وروى ايضاً عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:

«سمع أبي (عليه السلام) رجلاً متعلقاً بالبيت وهو يقول:

اللهم صلِ على محمد، فقال له أبي:

يا عبد الله لا تبترها، لا تظلمنا حقنا، قل:

اللهم صل على محمد واهل بيت محمد »(2).

ونكتفي بهذا القدر من الروايات الشريفة حول بيان فضل الصلاة على النبي وأهل بيته في أول الحاجة الى الله تعالى، وفي وسطها، وفي آخرها، كما فعل أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ وكما وجاء في النص الشريف، فقد ابتدأ تظلمه وشكواه الى

رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أول الخطاب وفي وسطه وفي اخره فكان حريصاً على الاستجابة، وقضاء حوائجه، ونزول النصر، والصبر عليه، ولدفع ظلم حق العترة (عليهم السلام) في ذكره وجمعه الصلاة على النبي وفاطمة (صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين).

ص: 88


1- الكافي كتاب الدعاء، باب الصلاة على النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وهل بيته (عليهم السلام) ج 2 ص 492 .
2- الكافي كتاب الدعاء، باب الصلاة على النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وهل بيته (عليهم السلام) ج 2 ص 495 .

وبه نختم الفصل الأول؛ فلله الحمد رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وبضعته المظلومة المدفونة سراً، والمهضوم حقها قهراً، والممنوع إرثها جهراً،وعلى عليٍّ أمير المؤمنين والأئمة أجمعين.

«اللهم صلِ على محمد وآل محمد »

ص: 89

ص: 90

الفصل الثاني: مقبولية النص لدى المتلقي عنددفنه فاطمة(علیها السّلام)

اشارة

ص: 91

ص: 92

نتناول في هذا المبحث بيان التفاعل الذي احدثه النص الشريف في نفس المتلقي وموقفه مما سمع أو قرئ.

وذلك من خلال ايراد ثلاث شخصيات تلقت النص وتفاعلت معه، فعكست هذه التفاعلات الجوانب العقدية والإجتماعية والنفسية مما قدم أنموذجاً قل ما يتواجد في الدراسات التداولية لاسيما وأن الفاصل الزمني بين منتج النص ومتلقيه تجاوز الألف والأربعمائة سنة.

ولذا:

سنورد هذه الصور للمقبولية بحسب التسلسل الزمني كما سيأتي في المباحث القادمة.

ص: 93

ص: 94

المبحث الأول: مقبولية النص عند ابن أبي الحديد المعتزلي

اشارة

ص: 95

ص: 96

مقبولية النص عند ابن ابي الحديد المعتزلي (ت 656 ه)
اشارة

مقبولية النص عند ابن ابي الحديد المعتزلي (ت 656 ه)(1)

تمثل الحركة الفكرية التي مرَّ بها ابن أبي الحديد المعتزلي في حياته من التشيع الى الإعتزال الجاحظي ثم الاعتدال طبيعة تفاعله مع النصوص في شرحه لنهج البلاغة، فنجده يميل مرة الى ظلامة أهل البيت (عليهم السلام).

ص: 97


1- هو عز الدين أبو حامد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن الحسين ابن أبي الحديد المدائني، أحد جهابذة العلماء، وأثبات المؤرخين، ممن نجم في العصر العباسي الثاني، أزهى العصور الاسلامية إنتاجا وتأليفا، وأحفلها بالشعراء والكتاب والأدباء والمؤرخين واللغويين وأصحاب المعاجم والموسوعات. كان فقيها أصوليا، وله في ذلك مصنفات معروفة مشهورة، وكان متكلما جدليا نظارا، اصطنع مذهب الاعتزال، وعلى أساسه جادل وناظر، وحاج وناقش، وفى شرح النهج وكثير من كتبه آراء منثورة مما ذهب إليه، وله مع الأشعري والغزالي والرازي كتب ومواقف. وكان أديبا ناقدا، ثاقب النظر، خبيرا بمحاسن الكلام ومساوئه، وكتابه (الفلك الدائر على المثل السائر) دليل على بعد غوره، ورسوخ قدمه في نقد الشعر وفنون البيان. ثم كان أديبا متضلعا في فنون الأدب، متقنا لعلوم اللسان، عارفا بأخبار العرب، مطلعا على لغاتها، جامعا لخطبها ومنافراتها، راويا لأشعارها وأمثالها، حافظا لملحها وطرفها، قارئا مستوعبا لكل ما حوته الكتب والاسفار في زمانه. وكان وراء هذا شاعرا عذب المورد، مشرق المعنى، متصرفا مجيدا، كما كان كاتبا بديع الانشاء حسن الترسل ناصع البيان. ولد بالمدائن في غرة ذي الحجة سنة ست و ثمانين وخمسمائة، ونشأ بها، وتلقى عن شيوخها، ودرس المذاهب الكلامية فيها، ثم مال إلى مذهب الاعتزال منها، وكان الغالب على أهل المدائن التشيع والتطرف والمغالاة، فسار في دربهم، وتقيل مذهبهم، ونظم القصائد المعروفة بالعلويات السبع على طريقتهم، وفيها غالى وتشيع، وذهب به الاسراف في كثير من أبياتها كل مذهب، يقول في أحدها: علم الغيوب إليه غير مدافع***والصبح أبيض مسفر لا يدفع وإليه في يوم المعاد حسابنا***وهو الملاذ لنا غدا والمفزع هذا اعتقادي قد كشفت غطاءه***سيضر معتقدا له أو ينفع يا من له في أرض قلبي منزل***نعم المراد الرحب والمستربع وتكاد نفسي أن تذوب صبابة***خلقا وطبعا لا كمن يتطبع ورأيت دين الاعتزال وأنني***أهوى لأجلك كل من يتشيع ولقد علمت بأنه لابد من***مهديكم وليومه أتوقع تحميه من جند الاله كتائب***كاليم أقبل زاخرا يتدفع فيها لآل أبي الحديد صوارم***مشهورة ورماح خط شرع ورجال موت مقدمون كأنهم***أسد العرين الربد لا تتكعكع تلك المنى إما أغب عنها فلي***نفس تنازعني وشوق ينزع تالله لا أنسى الحسين وشلوه***تحت السنابك بالعراء موزع متلفعا حمر الثياب وفى غد***بالخضر من فردوسه يتلفع تطأ السنابك صدره وجبينه***والأرض ترجف خيفة وتضعضع والشمس ناشرة الذوائب ثاكل***والدهر مشقوق الرداء مقنع لهفي على تلك تراق في***أيدي أمية عنوة وتضيع يأبى أبو العباس أحمد إنه***خير الورى من أن يطل ويمنع فهو الولي لثارها وهو الحمول***لعبئها إذ كل عود يضلع والدهر طوع والشبيبة غصة*** والسيف غضب والفؤاد مشيع وحينما انقضت أيام صباه، وطوى رداء شبابه، خف إلى بغداد، حاضرة الخلافة، وكعبة القصاد، وعش العلماء، وكانت خزائنها بالكتب معمورة، ومجالسها بالعلم والأدب مأهولة، فقرأ الكتب واستزاد من العلم، وأوغل في البحث، ووعى المسائل، ومحص الحقائق، واختلط بالعلماء من أصحاب المذاهب، ثم جنح إلى الاعتدال، وأصبح كما يقول (صاحب نسمة السحر): معتزليا جاحظيا... في أكثر شرحه للنهج - بعد أن كان شيعيا غاليا. وفي بغداد أيضا نال الحظوة عند الخلفاء من العباسيين ومدحهم، وأخذ جوائزهم، ونال عندهم سنى المراتب ورفيع المناصب، فكان كاتبا في دار التشريفات، ثم في الديوان، ثم ناظرا للبيمارستان، وأخيرا فوض إليه أمر خزائن الكتب في بغداد، وفى كل هذا كان مرموق الجانب، عزيز المحل،كريم المنزلة إلى أن مات. وكان مع اشتغاله بالمناصب، ومعاناته للتأليف، شاعرا مجيدا، ذكره صاحب (نسمة السحر في ذكر من تشيع وشعر)، وكان له ديوان، ذكر ابن شاكر أنه كان معروفا مشهورا. وقد جال بشعره في شتى المعاني ومختلف الأغراض، فقال في المدح والرثاء، والحكم والوصف والغزل، إلا أن الغرض الذي غلب عليه واشتهر به هو المناجاة والمخاطبة على مسلك أرباب الطريقة، أورد في النهج كثير منه فمن ذلك قوله: فلا والله ما وصل ابن سينا***ولا أغنى ذكاء أبى الحسين ولا رجعا بشيء بعد بحث***وتدقيق سوى خفى حنين لقد طوفت أطلبكم ولكن***يحول الوقت بينكم وبيني فهل بعد انقضاء الوقت أحظى***بوصلكم غدا وتقر عيني منى عشنا بها زمنا وكانت***تسوفنا بصدق أو بمين فان أكذب فذاك ضياع ديني ***وان أجذب فذاك حلول ديني وقوله: وحقك إن أدخلتني النار قلت للذين بها قد كنت ممن أحبه وأفنيت عمري في علوم دقيقة*** وما بغيتي إلا رضاه وقربه هبوني مسيئا أوتغ الجهل قلبه ***وأوبقه بين البرية ذنبه أما يقتضى شرع التكرم عتقه*** أيحسن أن ينسى هواه وحبه ! أما كان ينوى الحق فيما يقوله ***ألم تنصر التوحيد والعدل كتبه أما رد زيغ ابن الخطيب وشكه ***وإلحاده إذ حل في الدين خطبه أما قلتم من كان فينا مجاهدا ***سنكرم مثواه ونعذب شربه فأي اجتهاد فوق ما كان صانعا ***وقد أحرقت رزق الشياطين شهبه فان تصفحوا نغنم وإن تتجرموا ***فتعذيبكم حلوا المذاقة عذبه وآية صدق الصب يعذب الأذى*** إذا كان من يهوى عليه يصبه ونحو هذا من الشعر في شرح النهج كثير. ومن طريف ما أورد له صاحب نسمة السحر قوله: لولا ثلاث لم أخف صرعتي*** ليست كما قال فتى العبد أن أنصر التوحيد والعدل في*** كل مكان باذلا جهدي وأن أناجي الله مستمتعا ***بخلوة أحلى من الشهد وأن أتيه الدهر كبرا على ***كل لئيم أصعر الخد كذاك لا أهوى فتاه ولا ***خمرا ولاذا ميعة نهد وقد اضطرب المؤرخون في تاريخ وفاته، فذكر بعضهم أنه توفى في سنة 655 ، ذهب إلى ذلك ابن شاكر في كتابيه: فوات الوفيات وعيون التواريخ، وكذلك ابن كثير، والعيني، وابن حبيب الحلبي في كتابه درة الأسلاك. ونقل صاحب كتاب (نسمة السحر) عن الديار بكري أنه توفى قبل الدخول التتار بغداد بنحو سبعة عشر يوما، وكان دخولهم إليها في العشرين من المحرم سنة 656 ، على ما ذكره المؤرخون، وقال الذهبي في سير النبلاء: (انه توفى في الخامس من جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وستمائة). وذكر ابن الفوطي في كتاب مجمع الألقاب أنه أدرك سقوط بغداد، وأنه كان ممن خلص من القتل في دار الوزير مؤيد الدين العلقمي مع أخيه موفق الدين، كما ذكر أيضا في كتابه الحوادث الجامعة، في وفيات سنة 656 : (توفى فيها الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي في جمادى الآخرة ببغداد... والقاضي موفق الدين أبو المعالي القاسم بن أبي الحديد المدائني في جمادى الآخرة، فرثاه أخوه عز الدين عبد الحميد بقوله: أأبا المعالي هل سمعت تأوهي*** فلقد عهدتك في الحياة سميعا عيني بكتك ولو تطيق جوانحي*** وجوارحي أجرت عليك نجيعا أنفا غضبت على الزمان فلم تطع*** حبلا لأسباب الوفاء قطوعا ووفيت للمولى الوزير فلم تعش*** من بعده شهرا ولا أسبوعا وبقيت بعد كما فلو كان الردى ***بيدي لفارقنا الحياة جميعا فعاش عز الدين بعد أخيه أربعة عشر يوما(. وله من المصنفات: 1- الاعتبار، على كتاب الذريعة في أصول الشريعة، ذكره ابن الفوطي وصاحب روضات الجنات. 2-انتقاد المستصفى للغزالي، ذكره ابن الفوطي. 3- الحواشي على كتاب المفضل في النحو، ذكره ابن الفوطي 4-شرح المحصل للإمام فخر الدين الرازي، وهو يجرى مجرى النقص له، ذكره ابن الفوطي. 5- شرح مشكلات الغرر لأبي الحسين البصري في أصول الكلام، ذكره ابن الفوطي وصاحب روضات الجنات. 6-ديوان شعره، ذكره ابن شاكر الكتبي. 7-شرح نهج البلاغة. 8- شرح الياقوت لابن نوبخت في الكلام، ذكره ابن الفوطي وصاحب روضات الجنات. 9- العبقري الحسان، ذكره صاحب الجنات، وقال: وهو كتاب غريب الوضع قد اختار فيه قطعة وافرة من الكلام والتواريخ والاشعار وأودعه شيئا من إنشائه وترسلاته ومنظوماته. 10-الفلك الدائر على الملك السائر، ألفه برسم الخليفة المستنصر، بدأ في تأليفه في أول ذي الحجة سنة 633 ، وفرغ منه في خمسة عشر يوما. 11- القصائد السبع العلويات، ذكر ابن الفوطي أنه نظمها في صباه وهو بالمدائن سنة 611 . 12- المستنصريات، كتبها برسم الخليفة المستنصر، ومنه نسخة بمكتبة السماوي بالنجف. 13- نظم فصيح ثعلب، ذكره ابن شاكر وصاحب الظنون. 14- نقض المحصول في علم الأصول للإمام فخر الدين الرازي، ذكره ابن الفوطي وصاحب روضات الجنات وصاحب كشف الظنون. 15- الوشاح الذهبي في العلم الأبي، ذكره ابن الفوطي. ((ينظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ج 1 ص 13 - 19 ؛ مقدمة المحقق)).

ص: 98

ص: 99

ص: 100

ص: 101

ومرة أخرى الى مخالفيهم فيشكك فيما ينقل من روايات حول ظلامة الزهراء (عليها السلام) -كما سيمر بيانه- أو يلتمس العذر للشيخين والصحابة، أو يبرء الشيخين ويجرم الصحابة؛ إلا أننا في محصلة آرائه وتفاعله مع النص وجدناه متأثرا في الإجمال مع ظلامة الزهراء (عليها السلام) وإن كانت له محاولات يائسة في درء الجرم عن أصحابه الحقيقيون، ولعله في ذلك أتبع سياسة الحصول على نسبة أكبر لشرحه على النهج، أو لعله يحاول أن ينقاد الى عقيدة الإعتزال.

وعليه:

كانت مقبولية النص عنده كما جاء في شرحه لنهج البلاغة -الذي سنورده- ثم نتناول دراسته ومناقشته متفاوتة ضمن الإقرار بفضل سيدة النساء فاطمة (عليها السلام) وفضل علي (عليه السلام) الى الإلتفات الى قصدية اللفظ في كشف الجناة الحقيقيون الذين تسببوا في قتل فاطمة ودفنها سرا وهضم حقها قهرا ومنع إرثها

جهرا الى التغافل عن النص في الخلافة والإمامة، ثم الدفاع الغير مباشر عن أبي بكر وعمر والقاء اللائمة على جميع الصحابة في إبعاد علي (عليه السلام)عن المشورة في الخلافة، وقد بدأ هذا التفاعل مع النص منعكساً على مستوى هذه المقبولية عند ابن

أبي الحديد كما جاء ذلك في شرح النص، قائلاً:

(أما قول الرضي (رحمه الله):

(عند دفن سيدة النساء) فلأنّه قد تواتر الخبر عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «فاطمة سيدة نساء العالمين .»

ص: 102

أما هذا اللفظ بعينه، أو لفظ يؤدي هذا المعنى؛ وروي أنه قال وقد رآها تبكي عند موته:

«ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الامة .»

وروي أنه قال: «سادات نساء العالمين أربع: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم، ومريم بنت عمران .»

وقوله (عليه السلام): «وسريعة اللحاق بك »

جاء في الحديث، أنه رآها تبكي عند موته، فأسر إليها:

«أنت أسرع أهلي لحوقا بي »، فضحكت.

قوله:

(عن صفيتك) أجله (صلى الله عليه وآله) عن أن يقول:

(عن ابنتك)، فقال:

(صفيتك)، وهذا من لطيف عبارته، ومحاسن كنايته، يقول (عليه السلام): ضعف جلدي وصبري عن فراقها، لكني أتأسى بفراقي لك فأقول:

«كل عظيم بعد فراقك جلل، وكل خطب بعد موتك يسير .»

ص: 103

ثم ذكر حاله معه وقت انتقاله صلوات الله عليه إلى جوار ربه، فقال: «لقد وسدتك في ملحودة قبرك »، أي في الجهة المشقوقة من قبرك، واللحد: الشق في جانب القبر، وجاء بضم اللّام في لغة غير مشهورة.

قال: «وفاضت بين نحري وصدري نفسك »، يروى أنه (صلى الله عليه وآله) قذف دما يسيرا وقت موته، ومن قال بهذا القول زعم أن مرضه كان ذات الجنب، وأن القرحة التي كانت في الغشاء المستبطن للأضلاع انفجرت في تلك الحال، وكانت فيها نفسه (صلى الله عليه وآله).

وذهب قوم إلى أن مرضه إنما كان الحمى والسرسام الحار، وأن أهل داره ظنوا أن به ذات الجنب، فلدوه وهو مغمى عليه، وكانت العرب تداوى باللدود(1) من به ذات الجنب، فلما أفاق علم أنهم قد لدوه، فقال: (لم يكن الله ليسلطها على، لدوا كل من في الدار) فجعل بعضهم يلد بعضا.

وأحتج الذاهبون إلى أن مرضه كان ذات الجنب بما روى من انتصابه وتعذر الاضطجاع والنوم عليه قال سلمان الفارسي:

دخلت عليه صبيحة يوم قبل اليوم الذي مات فيه، فقال لي: يا سلمان، ألا تسأل عما كابدته الليلة من الألم والسهر أنا وعلى! فقلت: يا رسول الله، ألا أسهر الليلة معك بدله؟ فقال: لا هو أحق بذلك منك.

وزعم آخرون أن مرضه كان أثرا لأكلة السم التي أكلها (عليه السلام)، واحتجوا بقوله (صلى الله عليه وآله): (ما زالت أكلة خيبر تعاودني، فهذا أوان

ص: 104


1- في اللسان عن الفراء: (اللد أن يؤخذ بلسان الصبي فيمد إلى أحد شقيه، ويوجر في الاخر الدواء، في الصدف بين اللسان وبين الشدق، وفى الحديث أنه لد في مرضه.

قطعت أبهري)(1).

ومن لم يذهب إلى ذات الجنب، فأولوا قول علي (عليه السلام): (وفاضت بين نحري وصدري نفسك)، فقالوا:

أراد بذلك آخر الأنفاس التي يخرجها الميت ولا يستطيع إدخال الهواء إلى الرئة عوضا عنها ولابد لكل ميت من نفخة تكون آخر حركاته.

ويقول قوم: إنها الروح، وعبر علي (عليه السلام) عنها بالنفس، لما كانت العرب لا ترى بين الروح والنفس فرقا.

واعلم أن الاخبار مختلفة في هذا المعنى، فقد روى كثير من المحدثين عن عائشة أنها قالت:

(توفى رسول الله صلى الله عليه وآله بين سحري(2) ونحري).

وروى كثير منهم اللفظ عن علي (عليه السلام)، أنه قال عن نفسه وقال في رواية أخرى:

(ففاضت نفسه في يدي، فأمررتها على وجهي).

والله أعلم بحقيقة هذه الحال، ولا يبعد عندي أن يصدق الخبران معا، بأن يكون رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقت الوفاة مستندا إلى علي وعائشة جميعا، فقد وقع الاتفاق على أنه مات وهو حاضر لموته، وهو الذي كان يقلبه بعد موته، وهو الذي كان يعلله ليالي مرضه، فيجوز أن يكون مستندا إلى زوجته وابن عمه ومثل هذا لا

ص: 105


1- لأبهر: عرق إذا انقطع مات صاحبه، وهما أبهران يخرجان من القلب، ثم يتشعب منهما سائر الشرايين.
2- السحر هنا: الرئة.

يبعد وقوعه في زماننا هذا، فكيف في ذلك الزمان الذي كان النساء فيه والرجال مختلطين لا يستتر البعض عن البعض!

فإن قلت: فكيف تعمل بآية الحجاب، وما صح من استتار أزواج رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الناس بعد نزولها؟.

قلت: قد وقع اتفاق المحدثين كلهم على أن العباس كان ملازما للرسول الله (صلى الله عليه وآله) أيام مرضه في بيت عائشة، وهذا لا ينكره أحد، فعلى القاعدة التي كان العباس ملازمه (صلى الله عليه وآله) كان علي (عليه السلام) ملازمه، وذلك يكون بأحد الامرين:

أما بأن نساءه لا يستترن من العباس وعلى لكونهما أهل الرجل وجزء منه، أو لعل النساء كن يختمرن بأخمرتهن، ويخالطن الرجال فلا يرون وجوههن، وما كانت عائشة وحدها في البيت عند موته، بل كان نساؤه كلهن في البيت، وكانت ابنته فاطمة عند رأسه (صلى الله عليه وآله).

فأما حديث مرضه صلوات الله عليه ووفاته، فقد ذكرناه فيما تقدم.

قوله: (إنا لله) إلى آخره، أي عبيده، كما تقول: هذا الشيء لزيد، أي يملكه.

ثم عقب الاعتراف بالملكية بالإقرار بالرجعة والبعث، وهذه الكلمة تقال عند المصيبة، كما أدب الله تعالى خلقه وعباده.

والوديعة والرهينة، عبارة عن فاطمة، ومن هذا الموضع أخذ ابن ثوابة الكاتب قوله عن قطر الندى بنت خمارويه بن أحمد بن طولون، لما حملت من مصر إلى المعتضد أحمد بن طلحة بن المتوكل: (وقد وصلت الوديعة سالمة، والله المحمود، وكيف يوصى الناظر بنوره، أم كيف يحض القلب على حفظ سروره)!

ص: 106

وأخذ الصابي هذه اللفظة أيضا، فكتب عن عز الدولة بختيار بن بويه، إلى عدة الدولة أبى تغلب بن حمدان، وقد نقل إليه ابنته: (قد وجهت الوديعة يا سيدي، وإنما تقلب من وطن إلى سكن، ومن مغرس إلى مغرس، ومن مأوى بر وانعطاف، إلى مثوى كرامة وإلطاف).

فأما الرهينة فهي المرتهنة، يقال للمذكر: هذا رهين عندي على كذا، وللأنثى: هذه رهينة عندي على كذا، كأنها (عليها السلام) كانت عنده عوضا من رؤية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما تكون الرهينة عوضا عن الامر الذي أخذت رهينة عليه.

ثم ذكر (عليه السلام) أن حزنه دائم، وأنه يسهر ليله ولا ينام إلى أن يلتحق برسول الله (صلى الله عليه وآله) ويجاوره في الدار الآخرة، وهذا من باب المبالغة كما يبالغ الخطباء والكتاب والشعراء في المعاني، لأنه (عليه السلام) ما سهر منذ ماتت فاطمة ودام سهره إلى أن قتل (عليه السلام)، وإنما سهر ليلة أو شهرا أو سنة، ثم استمر مريره، وارعوى وسنة، فأما الحزن فإنه لم يزل حزينا إذا ذكرت فاطمة، هكذا وردت الرواية عنه.

قوله (عليه السلام): (وستنبئك ابنتك) أي ستعلمك.

فأحفها السؤال، أي استقص في مسألتها، واستخبرها الحال، أحفيت إحفاء في السؤال: استقصيت، وكذلك في الحجاج والمنازعة قال الحارث بن حلزة:

إن إخواننا الأراقم يغلون*** علينا في قيلهم إحفاء)(1).

ورجل حفى، أي: مستقص في السؤال.

ص: 107


1- المعلقات بشرح التبريزي 245 ، يغلون، أي يرتفعون؛ والإحفاء: الاستقصاء.

واستخبرها الحال، أي عن الحال، فحذف الجار، كقولك: اخترت الرجال زيدا، أي من الرجال، أي سلها عما جرى بعدك من الاستبداد بعقد الامر دون مشاورتنا، ولا يدل هذا على وجود النص، لأنه يجوز أن تكون الشكوى والتألم من اطراحهم وترك إدخالهم في المشاورة، فإن ذلك مما تكرهه النفوس وتتألم منه، وهجا الشاعر قوماً ،فقال:

ويقضى الأمر حين تغيب تيم*** و لا يستأذنون وهم شهود(1).

قوله: (هذا ولم يطل العهد، ولم يخلق الذكر) أي لم ينس.

فإن قلت: فما هذا الامر الذي لم ينس ولم يخلق، إن لم يكن هناك نص؟

قلت: قوله (صلى الله عليه وآله): (إني مخلف فيكم الثقلين)، وقوله: (اللهم أدر الحق معه حيث دار)، وأمثال ذلك من النصوص الدالة على تعظيمه وتبجيله ومنزلته في الاسلام، فهو (عليه السلام) كان يريد أن يؤخر عقد البيعة إلى أن يحضر ويستشار، ويقع الوفاق بينه وبينهم، على أن يكون العقد لواحد من المسلمين بموجبه، إما له أو لأبي بكر، أو لغيرهما، ولم يكن ليليق أن يبرم الامر وهو غير حاضر له، مع جلالته في الاسلام، وعظيم أثره، وما ورد في حقه من وجوب موالاته والرجوع إلى قوله وفعله، فهذا هو الذي كان ينقم (عليه السلام)، ومنه

كان يتألم ويطيل الشكوى، وكان ذلك في موضعه.

وما أنكر إلا منكرا؛ فأما النص فإنه لم يذكره (عليه السلام)، ولا احتج به، ولما طال الزمان صفح عن ذلك الاستبداد الذي وقع منهم، وحضر عندهم فبايعهم، وزال ما كان في نفسه.

ص: 108


1- الجرير، من قصيدة له في ديوانه 160 - 166 ، يهجو فيها التيم، قبيل عمر بن لجأ؛ وشهود، أي حاضرين.

فإن قلت: فهل كان يسوغ لأبي بكر، وقد رأى وثوب الأنصار على الامر أن يؤخره إلى أن يخرج (عليه السلام) ويحضر المشورة؟.

قلت: إنه لم يلم أبا بكر بعينه، وإنما تألم من استبداد الصحابة بالأمر دون حضوره ومشاورته، ويجوز أن يكون أكثر تألمه وعتابه مصروفا إلى الأنصار الذين فتحوا باب الاستبداد، والتغلب)(1).

المسألة الاولى: مناقشة قول ابن أبي الحديد لبيان مستوى مقبولية النص لديه
اشارة

للوقوف على هذا التفاعل مع النص الشريف نورد أقوال ابن أبي الحديد بحسب ردوده على النص وشرحه له.

أولاً: مقبولية المعتزلي لقوله (علیه السّلام)« وفاضت بين نحري وصدري نفسك . »

جاء في شرحه لقول الإمام علي (عليه السلام):

«وفاضت بين نحري وصدري نفسك »، نسبة متواضعة من المقبولية مع محاولة تشتيت ذهن القارئ حينما خرجت من فمه كلمة: (يروى أنه (صلى الله عليه وآله) قذف دماً يسيراً وقت موته)(2) وذلك أن حادثة اللُّد التي أخرجها البخاري(3) وغيره هي عملية سم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقتله ثم اُشِيِع بين الحاضرين أنه يعاني من ذات الجنب.

وإلا في الوضع الطبيعي مع تطور البحث العلمي وتأثيرات السموم أن الإنسان إذا أُصيب بذات الجنب(4) لا يؤدي ذلك الى خروج الدم من المعدة كما روى المعتزلي

ص: 109


1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 10 ص 266 - 271 .
2- شرح نهج البلاغة: ج 1 ص 226 .
3- صحيح البخاري: باب مرض النبي (صلى الله عليه وآله): ج 5 ص 143 .
4- ذات الجنب: ويراد به )الزائدة الدودية)

أنه (صلى الله عليه وآله) قد نفث الدم من فمه، فهذا لا يحدث إلا بسبب تمزق الاوعية الدموية في جدار المعدة وحدوث نزف داخلي ويؤدي الى الوفاة سريعاً .

ولذلك فإن أبي الحديد مع ما لديه من سعة في الاطلاع على التاريخ الاسلامي والعربي والروائي لا يكون قد غفل عن هذه الحقيقة لكنه ذكر منها اشارة، فمن شاء أن يفهم فليفهم ومن شاء أن يعرف فعليه تقديم الإجابة يوم القيامة.

لكن ابن أبي الحديد عاد فشتت ذهن القارئ فيما خرج منه من دلالة على قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأن الإمام علي (عليه السلام) ربما كان قد تقصد من ذلك تعرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى هذه الجريمة حاله في ذاك حال

أبنته وبضعته فاطمة (عليها السلام).

ثانياً: محاولته اليائسة في الجمع بين حديث الإمام علي (علیه السّلام) وحديث عائشة في وفاة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

حاول الجمع بين حديث أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحديث عائشة في ادعائها بأنه (صلى الله عليه وآله) (مات بين صدرها ونحرها) زاعما صدق الخبرين وامكانية أن يكون رأس رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذا الوقت قد كان على صدر علي (عليه السلام) وصدر عائشة.

فكانت محاولة يائسة لا تصمد أمام الواقع والشرع ولا يمكن حدوثها إلا في خيال المعتزلي وحده، وقد رددنا على هذا الإدعاء بشكل أكثر سعة وبياناً في كتاب وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وموضع قبره وروضته بين اختلاف أصحابه واستملاك أزواجه.

ص: 110

ثالثاً: تفاعله مع قوله (علیه السّلام) «لقد استرجعت الوديعة واخذت الرهينة . »

فقد أورد من الشواهد ما يكشف عن شهرة تسميتها (عليها السلام) ووصفها وبالوديعة، كقول ابن ثوابة الكاتب، قوله عن قطر الندى بنت خمارويه بن أحمد بن طولون، لما حمت من مصر إلى المعتضد أحمد بن طلحة بن المتوكل: (وقد وصلت الوديعة سالمة، والله المحمود، وكيف يوصى الناظر بنوره، أم كيف يحض القلب

على حفظ سروره):

(وأخذ الصابي هذه اللفظة -اي الوديعة- فكتب عن عز الدولة بختيار بن بويه الى عدة الدولة أبي تغلب بن حمدان، وقد نقل اليه ابنته:

وقد وجهت الوديعة يا سيدي، وإنما تقلب من وطن الى سكن، ومن مغرس الى مغرس، ومن مأوى بر وانعطاف الى مثوى كرامة وألطاف).

وقد أستدل المعتزلي بهذه الحادثة على بيان أن البنت هي بمنزلة الوديعة تنقل من بيت الأب الى بيت زوجها.

رابعاً: تفاعله مع لفظ «اخذت الرهينة . »

تفاعل المعتزلي مع قوله (عليه السلام) (اُخذت الرهينة) تفاعلاً وجدانياً فقد قدم بياناً يرتكز على نوع العلاقة التي كانت بين الإمام علي (عليه السلام) وفاطمة (عليها السلام) وماذا يمثل وجودها أمامه ورؤيته لها، فقال:

(كأنها (عليها السلام) كانت عنده عوضا من رؤية رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ).

ص: 111

خامساً: حجم تلقيه ومقبوليته لقوله (علیه السّلام)« فأما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد الى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم . »

كان تفاعله مع النص مجحفاً ومتجنياً على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقد قال في هذا النص:

(وهذا من باب المبالغة، كما يبالغ الخطباء والكتاّب والشعراء في المعاني، لأنه (عليه السلام) ما سهر منذ ماتت فاطمة ودام سهره الى أن قُتِلِ (عليه السلام)، وإنما سهر ليلةً أو شهراً أو سنة، ثم أستمر مريره، وأرعوى سنة، فإما الحزن فأنه لم يزل حزيناً إذا ذكرت فاطمة هكذا وردت الرواية عنه)(1).

وعجيب أن يصدر منه هذا الاجحاف بحق أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد عكف على شرح خطبه وأقواله في نهج البلاغة.

فأي مبالغة كان يتبعها أمير المؤمنين (عليه السلام) في جميع ما ينطق به وهو الصادق الصدوق ربيب الوحي والرسالة وعدل القرآن ولسانه الناطق.

وانىّ لعلي (عليه السلام) ومبالغة الخطباء في أوصافهم والشعراء وإغوائهم، وهل يقاس بآل محمد أحد؟!!

وكأن ابن أبي الحديد كان ملازما لعلي (عليه السلام) في ليله ونهاره وحله وترحاله لا يغفل عنه طرفه عين فلحظ عدم سهره، أو أنه (عليه السلام) سهر على فراق فاطمة ومصابها وقتل جنينها وترويع ولديها الحسن والحسين كان شهراً أو سنة كما يزعم.

ص: 112


1- المعتزلي: ج 10 ص 269 .

فضلاً عن ذلك أو كان علي (عليه السلام) يبالغ في كلامه مع الرسول (صلى الله عليه وآله) كما يفعل الخطباء بغية إثارة مشاعر الجمهور ونيل استحسانهم، أو كالشعراء بغية إتّباعهم؛ وهل يكون أمير المؤمنين عليه السلام (مبالغاً في كلامه) صادقاً أو -والعياذ بالله- غير صادق فيما يقول، وعلى من يكون غير صادق ويبالغ؟، أَعلى الله عز وجل، أم على رسوله (صلى الله عليه وآله)؟!!

وحسبي في ذلك رداً، قوله (عليه الصلاة والسلام) في مخاطبة أهل العراق وعلى من ذهب مذهبهم في تكذيبه (صلوات الله وسلامه عليه):

«أما بعد يا أهل العراق فإنما أنتم كالمرأة الحامل حملت فلما أتمت أملصت ومات قيمها وطال تأيمها وورثها أبعدها، أما والله ما أتيتكم اختيارا ولكن جئت إليكم سوقاً؛ ولقد بلغني أنكم تقولون: علي يكذب.

قاتلكم الله تعالى فعلى من أكذب؟! أعلى الله؟ فأنا أول من آمن به، أم على نبيه؟

فأنا أول من صدّق به.

كلا والله، ولكنها لهجة غبتم عنها ولم تكونوا من أهلها، ويلمه كيلا بغير ثمن لو كان له وعاء، ولتعلّمن نبأه بعد حين »(1).

سادساً: في تلقيه للفظ الشريف عند قوله(علیه السّلام) «فأحفها السؤال واستخبرها الحال » وتفاعله معه

كان تفاعله مع النص بقوله:

(أي: سلها -عليها السلام- عن ما جرى بعدك من الاستبداد بعقد الأمر دون مشاورتنا؛ ولا يدل هذا على وجود نص، لأنه يجوز أن تكون الشكوى والتألم من

ص: 113


1- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 100 .

اطراحهم وترك ادخالهم في المشاورة، فإن ذلك مما تكرهه النفوس وتتألم منه؛ وهجا الشاعر قوما،ً فقال:

ويقضى الامر حين تغيب تيم*** ولا يستأذنوك وهم شهود)(1).

وهذا التفاعل قد كشف عن المستور الذي حاول ابن ابي الحديد مداراته على الرغم من محاولته في التمسك بعقيدة الاعتزال؛ -بعدم وجود نص- وهذا إن دلَّ على شيء فهو يدل على قوة منتج النص (عليه الصلاة والسلام) في تحريك مشاعر المتلقي وانتزاع ما في نفسه، فكان هذا الانتزاع لقول الحق يرتكز في النقاط الاتية:

1- إقرار المتلقي بوجود استبداد عند الصحابة والمرتكز في اصحاب السقيفة لاسيما أبي بكر وعمر فهما المستفيد الأول من حدث السقيفة وان الخاسر الأكبر هم الأنصار كما سيمر بيانه.

2- بعد ان ادرك انه فتح بابا للمتلقي في قراءته لشرح نهج البلاغة في استبداد الصحابة، تراجع كعادته وحاول تضليل المتلقي فحصر الاستبداد بعدم اشتراك علي وفاطمة (صلوات الله وسلامه عليهما) في عقد الأمر والتشاور في خلافة الامة والجلوس مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله).

لكنه عاد ففتح جانباً أوسع من السابق في استبداد الصحابة فذكر أصل الظلامة والاستبداد الذي وقع فيه الصحابة وهو مخالفة النص النبوي كما سيأتي لاحقاً.

3- ألا يكفي الاقرار بكون الصحابة مستبدين كاشفا عن بطلان نظرية عدالة الصحابة وانهم أهل خير القرون مما يدفع بالمتلقي لقول المعتزلي الى إعادة النظر؛ أو على الأقل إعادة ترتيب الأفكار في الموروث الفكري والثقافي لدى المتلقي الذي يعتقد يكونهم عدولاً.

ص: 114


1- شرح نهج البلاغة: ج 10 ص 269 .

4-إن من اطلع على شخصية الامام علي (عليه السلام) وصبره وتحمله وحكمته وتقواه وورعه لا يتبادر الى ذهنه أن الإمام علي (عليه السلام) يطالب سيد الخلق (صلى الله عليه وآله) بالحف والاستخبار من فاطمة (عليها السلام) مع ما يحمل كل لفظ من معان ودلالات ومقاصد مر ذكرها في مباحث الكتاب فينحصر الأمر عند هذا الطلب في الحف والاستخبار عن عدم اشتراك علي (عليه السلام) في المشاورة التي جرت في السقيفة!! إنه أمر يكشف عن سذاجة التأويل لهذا النص الشريف؛أو التدليس والتضليل على المتلقي.

المسألة الثانية: تأثر النص بالمتلقي دفعه للإنقلاب على الذات فكشف المستور
اشارة

إنّ تفاعل المتلقي لقوله (عليه السلام) «هذا ولم يَطِلِ العهد ولم يخلق الذكر ،» كان تفاعلاً انقلابياً على الذات وكاشفا عن ثبات الأصل في حق الامام علي (عليه السلام) في خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتجرئ الأمة على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) بعد وفاته في ظلم علي وفاطمة والائمة من ولدهما (صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين) وهو ما دفع المعتزلي للقول:

(قوله: «ولم يطل العهد، ولم يخلق الذكر »، اي: لم يُنسَ!َ!

فإن قلت: فما هذا الأمر الذي لم ينُس ولم يخلق إن لم يكن هناك نص؟!

قلت: قوله (صلى الله عليه وآله):

«إني مخلِّفٌ فيكم الثقلين »، وقوله:

«اللهم أدر الحق معه حيث دار .»

وأمثال ذلك في النصوص الدالة على تعظيمه وتبجيله ومنزلته في الاسلام؛ فهو (عليه السلام) كان يريد أن يؤخر عقد البيعة الى إن يحضر ويستشار ويقع الوفاق بينه وبينهم، على أن يكون العقد الواحد من المسلمين بموجبه؛ إما له أو لأبي بكر، أو لغيرهما.

ص: 115

ولم يكن ليليق أن يُبرم الأمر وهو غير حاضر له، مع جلالته في الاسلام، وعظيم أثره، وما ورد في حقه من وجوب موالاته والرجوع الى قوله وفعله، فهذا الذي كان ينقم (عليه السلام)، ومنه كان يتألم ويطيل الشكوى، وكان ذلك في موضعه وما أنكر إلا منكراً.

فأما النص فإنه لم يذكره (عليه السلام) ولا احتج به، ولما طال الزمان صفح عن ذلك الاستبداد الذي وقع منهم، وحضر عندهم فبايعهم وزال ما كان في نفسه).

ثم يمضي متلقي النص -أي ابن ابي الحديد- في تفاعله مع هذا الشطر من قوله (عليه السلام): «هذا ولم يطل العهد ولم يخلق الذكر » فيعود الى موقف ابي بكر وهل كان الاستبداد منه أم من الأنصار؟ نؤجل الحديث فيه لنتوقف فيما مضى من مقبوليته، فنقول:

أولاً: محاولة المعتزلي الممازجة بين حق علي (علیه السّلام) في الخلافة وتصحيح بيعة أبي بكر

يحاول ابن أبي الحديد التمسك بعقيدة الاعتزال والممازجة بين حق علي (عليه السلام) الواضح كوضوح الشمس في خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الخلافة الشرعية التي هي خلاف مفهوم ومصداق الخلافة السلطوية المرتكزة على

الامارة والسلطان والملك وبين الخضوع لبيعة أبي بكر وعمر وإضفاء الشريعة عليها بلحاظ انها تمت بموافقة أهل الحل والعقد، فيحاول أن يمنع المحاججة معه ليقينه بأن مقتضيات الإمام علي (عليه السلام) وقصديته في «ولم يطل العهد ولم يخلق الذكر » وما تفرضه لغة العرب من دلالة ظاهرية وباطنية تلزمه بأن هناك نص تجاهله أصحاب السقيفة وهو لم ينُس لدى المسلمين، لكنه ينقلب على ذاته وهو الأديب البصير بالعربية وفنونها فيصد اللفظ عن مقصده الحقيقي من النص في حق الخلافة الى النص في العموم والمطلق في العترة جميعاً كحديث الثقلين وغيرها من النصوص.

ص: 116

ثانياً: أستتاره من التصريح بحق علي (علیه السّلام) والتجائه الى النصوص النبوية في تعظيمه وتبجيله

إنّ هذه النصوص الدالة (على تعظيمه وتبجيله ومنزلته في الاسلام) هي وإن كانت تصلح للاحتجاج على الآخرين في وصولهم الى الخلافة بنفس الآلية والأسلوب كقول عمر بن الخطاب من له هذه الثلاث ثاني اثنين إذ هما في الغار،

من هما؟، إذ يقول لصاحبه، من صاحبه؟ إن الله معنا، مع من؟!، ومن ثم فأنى لهذه الثلاثة التيمية والموضوعة بالدليل والتحقيق(1) .

أن ترجح على تلك النصوص التي ذكرها المتلقي بقوله:

(الدالة على تعظيمه وتبجيله ومنزلته في الاسلام) بمعنى:

أن كان ابو بكر نال الخلافة بهذه الثلاثة التي ذكرها عمر بن الخطاب فلعلي العشرات من النصوص والمواقف الثابتة والصريحة والصحيحة التي تمكنه من الاستحقاق بالخلافة وقطع الطريق على المستولين.

ومن ثم فإن إلواء عنق النص لحيده واخراجه عن مقصوده في وجود النص فعلا وحقا هو من الاستبداد الذي أنكر وقوعه ابن ابي الحديد من الصحابة، واذا به يسلكه في تلقيه وتفاعله مع قوله (عليه السلام): «هذا ولم يطل العهد ولم يخلق الذكر .»

ص: 117


1- لمزيد من الاطلاع على هذه الحقيقة المزيفة في اختصاص ابي بكر بآية الغار، ينظر كتاب: استنطاق آية الغار واشكالية التنصيص الحديثي بين التثنية والتثليث.
ثالثاً: مناقشة قول ابن أبي الحديد (أن يؤخر عقد البيعة إلى أن يحضر ويستشار ويقع الوفاق بينه وبينهم)

فأقول:

إن هذه فرضية ظنية لا دليل على تحقيقها، فهي لا تصمد أمام الواقع ولا تغني عن الحق شيئاً، فمن أين علم ابن أبي الحديد أن الإمام علي )عليه السلام( كان يريد هذا فقط، أي أن يحضر ويستشار؟

ومن قال إنه سيقع الوفاق بينهم، ومتى كان علي (عليه السلام) يداهن أو يماطل بالحق، والحق يدور معه حيث ما دار؛ وكأن ابن ابي الحديد قد نسي أنه يتحدث عن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، أو غلبة عليه الصدمة فيما جرى على فاطمة (عليها السلام) من الصحابة فكانت سببا لأن ينطق منتج النص (عليه السلام) بهذه المفردات، فانقلب ابن أبي الحديد على ذاته في التفلتّ من دلالة اللفظ.

رابعاً: أمّا قول المتلقي (على ان يكون العقد لواحد من المسلمين بموجبه، إما له أو لأبي بكر، أو لغيرهما) :
اشارة

فهل سيتبعون قوله (عليه السلام) وهم بالأمس القريب قد عَصَوا من هو أفضل منه و أوجب في الطاعة، وهو رسول الله (صلى الله عليه وآله) حينما أمرهم بالخروج مع جيش اُسامة، وحينما أمرهم أن يأتوه بالدواة والقرطاس، فكيف يطيعونه حتى لو كان حاضراً.

والسؤال المطروح: من أعطاهم الحق في ترك جثمان النبي (صلى الله عليه وآله) والإنصراف الى سقيفة بني ساعدة، ولماذا يحضرها أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح ويتخلف عنها رموز المهاجرين من البدريين والشجريين، ألا يدل ذلك على أن الأمر كان مبيتاً ومخطط له، فلماذا يستبق الأنصار المهاجرين للاجتماع في السقيفة؟!

ص: 118

وجوابه نجده عند البخاري فقد روى في صحيحه عن عمر بن الخطاب قوله: «وإنه كان من خبرنا حين توفى الله نبيه -صلى الله عليه وآله وسلم- أن الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة... »(1).

هذا السبق في الاجتماع يستوقف الباحث ويطرح العديد من الأسئلة، وهي:

1-لماذا يبادر الأنصار إلى هذا الاجتماع.

2- أو كأنهم أرادوا بذلك قطع الطريق على المهاجرين في الحصول على الإمارة؟!.

3-أو لعلهم علموا ومن خلال بعض العيون؛ بأن بعض المهاجرين ربما قد عزموا على نفس الأمر فاستبقوهم إليها؟!.

4- أو ربما هي الأحداث المروعة التي وقعت في أيام مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبل بعض الرموز، فكانت مدعاةً ومحفزاً للسبق من الأنصار في اجتماع السقيفة؟!

5- أو لعله التخطيط المسبق بين بعض الرموز ومن كلا الطرفين لقطع الطريق على بني هاشم ورمزهم علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟!

ترى أي الاحتمالات أرجح وفي أي منها تكمن الحقيقة؟!

والواقع كلها راجحة، فكل واحد من هذه الاحتمالات مرجح في كونه سبباً دفع بالأنصار للاجتماع في السقيفة.

ولا سيما أن جميع هذه الاحتمالات قد دلت عليها الأحداث وأكدتها المصادر.

وإليك أيها القارئ الكريم بيانها:

ص: 119


1- صحيح البخاري: كتاب الحدود، باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت: ج 8 ص 126 أفست دار الفكر.
الاحتمال الأول: إنّ الأنصار أرادوا قطع الطريق على المهاجرين

هذا الاحتمال دل عليه قول عمر بن الخطاب، في الخطبة التي ألقاها في المدينة بعد رجوعه من الحج؛ وقد بلغه: أن قوماً من أهل مكة قد تحدثوا في شأن السقيفة، وأن بعضاً منهم وصف بيعة أبي بكر بأنها فلتة فتمت؟!

فقال: «فلا يغرن إمرء أن يقول، أن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت.. وإنها كانت كذلك!!.. إلا أن الله قد وقى شرها(1)!!.. ودفع عن الإسلام والمسلمين ضّرها!!..

وليس فيكم من تنقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر، فمن بايع رجلا مشورة من المسلمين، فإنه لا بيعة له، هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا.... الخ .»

ثم يمضي في حديثه عن السقيفة، وكيف كانت مجريات الحديث فيها، إلى أن يقول: «وإذا هم -أي: الأنصار- يريدون أن يجتازونا من أصلنا ويغصبونا الأمر .»

إذن:

أراد الأنصار قطع الطريق على المهاجرين واجتيازهم من الأصل، وليغصبوهم الإمارة. والملُفت للإنتباه: أن عمر بن الخطاب جاء بلفظ: «الغصب » ليدل على أن الأنصار أرادوا أخذ حق ثابت له!! أو فقل للمهاجرين.. أو لمن كان على مذهبه ومعتقده.

الاحتمال الثاني: وجود عيون لكلا الطرفين مما سرع في الاجتماع في السقيفة

وهذا الاحتمال دلّت عليه بعض الروايات التي تحدثت بشكل أوسع عن مجريات السقيفة، وبخاصة لبعض رموز المهاجرين.

ص: 120


1- صحيح البخاري: كتاب الحدود، باب رجم الحبلى من الزنا: ج 8 ص 26 أفست دار الفكر، السيرة لابن هشام: ج 6 ص 80 ط دار الجيل بيروت مسند احمد بن حنبل: من حديث السقيفة ج 1 ص 55 المصنف لابن ابي شيبة: ج 7 ص 615 .

منها:

1- ما تحدث بشكل صريح عن مجيء اثنين إلى أبي بكر وعمر يخبرانهما باجتماع الأنصار في السقيفة، وهما: (معن بن عدي وعويم بن ساعدة)(1) وكانا من الأنصار(2) ، ثم يسدل عليهما الستار؟!

إذ سرعان ما تم تصفيتهما من قبل التاريخ! فقد قتلا كلاهما في اليمامة في خلافة أبي بكر(3).

2-ويبدو.. أن الأمر لم يقتصر عليهما، إذ من الروايات ما تحدث عن وجود عين أخرى لهذه الفئة من المهاجرين، وهو: (أسيد بن حضير) فقد نقل الخبر إلى أبي بكر خاصة، محدثاً إياه بهذا الوصف الذي سنعود لتحليله وبيان مراميه.

فقال لأبي بكر: «إن هذا الحي من الأنصار مع سعد بن عبادة قد انحازوا إليه، فإن كان لكم بأمر الناس حاجة!! فأدركوا الناس قبل أن يتفاقم الأمر!! ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيته لم يفرغ أمره؟!! وقد أغلق دونه الباب أهله !؟»

ولكن:

هذه العين التي بالغت في إخلاصها لهذه الفئة لم يغلق عليها الستار كما حدث لعويم بن ساعدة ومعن بن عدي؛ وإنما كان لها الدور المميز في الهجوم على دار بضعة رسول الله فاطمة (عليها السلام) وريحانتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم(4).

ص: 121


1- أنساب الأشراف للبلاذري: ج 2 ص 7، العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي: ج 4 ص 257 -258 ط دار الكتاب العربي.
2- الثقات للبستي: ج 2 ص 159 ط دار الفكر.
3- السيرة النبوية لابن هشام: ج 6 ص 82 ط دار الجيل بيروت.
4- أنساب الأشراف للبلاذري: ج 3 ص 12 ، سمط النجوم العوالي للعاصمي: ج 2 ص 245 - 246 المطبعة السلفية، الرياض النضرة للمحب الطبري: ج 2 ص، العقد الفريد: ج 4 ص 259 .
الاحتمال الثالث: إن الاحداث التي وقعت في ايام مرض النبي هي التي كانت وراء استباق الانصار للاجتماع في السقيفة
اشارة

وهذه الأحداث المروّعة التي وقعت في أيام مرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قبل بعض الرموز؛ هي التي كانت مدعاة ومحفزا لهذا السبق من الأنصار في اجتماع السقيفة.

وهذه الأحداث.. دلت عليها النصوص الصحيحة في كثير من المصادر الإسلامية ولا سيما ورود بعضها في صحيح البخاري وغيره؛ وسنعرض لها في مواضعها المناسبة ونتوقف عندها ونعرضها على طاولة البحث والتحليل.

ولكن نشير لها هنا إشارة:

الحدث الاول: وكان قبل وفاة النبي بثلاثة عشر يوما

فأول هذه الأحداث المروعة: كان قبل وفاة رسول الله بثلاثة عشر يوما وقد رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مخالفة الكثير منهم لأمره بالخروج مع أسامة بن زيد! مما دعا به صلى الله عليه وآله وسلم الى الخروج إليهم فحضهم على السير، وعقد صلى الله عليه وآله وسلم اللواء، لأسامة بيده الشريفة تحريكاً لحميتهم(1).

الحدث الثاني: وكان قبل وفاة رسول الله بأربعة أيام !

رزية يوم الخميس!! حدثت هذه المصيبة العظيمة قبل وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأربعة أيام؛ وقد حضر عنده بعض الصحابة وهو بأبي وأمي في فراش المرض.

ص: 122


1- أنساب الأشراف للبلاذري: ج 2 ص 12 ، سمط النجوم العوالي للعاصمي: ج 2 ص 245 - 246 المطبعة السلفية، الرياض النضرة للمحب الطبري: ج 2 ص، العقد الفريد: ج 4 ص 259 .

فقال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فرد أحد الحاضرين على طلبه: «إن رسول الله يهجر»(1) !؟ فطردهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من حضرته قائلاً :«قوموا عني »(2).

وكان عبد الله بن عباس رضي الله عنه يذكرها ويبكي حتى تبل دموعه الحصى(3).

ولذا لم يرَ حدث أعظم من أن يوصف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالهجر!! والوحي لم ينقطع بعد!!

وعليه:

كيف لا يكون ذلك مدعاة للاجتماع في السقيفة.. فتسير إليها الأنصار سراعاً؟ً!

الحدث الثالث: وكان قبل وفاته (صلى الله عليه وآله ) بيومين

بعد أن سمع النبي الأعظم من بعض الحاضرين هذه الكلمة وهو في فراش المرض! وفي الساعات الأخيرة له معهم؛ عزم على تعجيل خروجهم والتحاقهم ببعث أسامة.

ولذلك صدرت من حضرته الرحمانية علائم الغضب -نعوذ بالله ونستجير به من غضبه وغضب رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)- بعد أن بلغه أن قوماً منهم طعن في تأميره أسامة عليهم، وفيهم الشيوخ، وهو صبي.

فغضب غضباً شديداً فخرج إلى المسجد وهو في شدة المرض عاصباً رأسه، مدثراً بقطيفته، وألقى خطبة يرد بها على أولئك الذين طعنوا في فعله (صلى الله عليه وآله

ص: 123


1- أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الجهاد والسير، باب: جوائز الوفد، ج 2 ص 118 .
2- في باب قول المريض قوموا عني من كتاب المرض، ص 5 ج 4 من صحيح البخاري.
3- صحيح البخاري: كتاب الجزية، باب: إخراج اليهود: ج 4 ص 65 - 66 أفست دار الفكر.

وسلم)(1) كما سيمر بيانه لاحقا بعون الله.

الحدث الرابع: محاولة قتل رسول الله والتعجيل عليه قبل يوم واحد من وفاته

قال ابن سعد: فلما كان يوم الأحد اشتد برسول الله وجعه فدخل اسامة من معسكره والنبي مغمور وهو اليوم الذي لدوه فيه(2).

الحدث الخامس: النبي يخرج الى المسجد ليبطل صلاة أبي بكر بالناس قبل وفاته ببضع ساعات !!!

وهذه الاحداث سنتوقف عندها لاحقا لدراستها وتحليلها،إلا أنها -أي هذه الأحداث- قد تتفاوت فيما بينها في تسريع الاجتماع في سقيفة بني ساعدة لإعطاء البيعة لسعد بن عبادة سيد الخزرج ونقيبهم قديماً وجواد الأنصار وزعيمهم حاضراً.

ولعل.. هذه الأحداث قد أعطت اليقين للأنصار أكثر من غيرها: أن المهاجرين سيقدمون على أمر مماثل.

لاسيما وقد أتُّهم النبي بالهجر.. ثم الطعن في تأميره لأسامة عليهم.. فضلاً عن اللعن للمتخلف منهم عن بعث أسامة! ومع هذا فقد تخلف البعض منهم!!

وعليه:

كيف لا يستبق الأنصار المهاجرين للاجتماع في السقيفة ومبايعة أميرهم سعد بن عبادة؟!

ولكن بقي الاحتمال الأخير في سبب تسارع الانصار في البيعة لسعد بن عبادة

ص: 124


1- نهاية الأرب للنويري: ج 17 ص 370 - 371 ، الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 2 ص 191 ، المغازي للواقدي: ج 3 ص 1619 ، السيرة الحلبية: ج 3 ص 307 ، شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 1 ص 160 ط مصر.
2- الطبقات الكبرى:ج 2 ص 191 .

واستباق المهاجرين، وهو:

الاحتمال الأخير: الاتفاق بين بعض رموز الطرفين على إبعاد بني هاشم ولاسيما ورمزهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

وهذا الاحتمال قد دلت عليه بعض أقوال الطرفين يوم السقيفة وإليك ايها القارئ الكريم بيانها:

1-قول عمر بن الخطاب: «إن الأنصار خالفونا »(1)

وهذا يدفع بالقارئ إلى الاعتقاد بوجود أتفاق مسبق؛ إذ غالباً لا يكون الخلاف إلا من بعد الاتفاق.

ومما يدل عليه:

2 - قول سعد بن عبادة لأبي بكر حين سأله عن هذا الاجتماع، فرد قائلاً:«أنا رجل منكم »(2)

3- قول عمر بن الخطاب كما صرح به البخاري: «وكنت زورت كلاماً في نفسي »(3)

وهذا يدل على ان هناك أمراً مسبقاً قد تم الاتفاق عليه وأن عمر بن الخطاب قد أعدّ العدة لمثل هذه المواقف في حال أتضح تخلف الأنصار عمّاأبرم مسبقا في شأن الخلافة والانقلاب على وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

ص: 125


1- كتاب الحدود، باب: رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت، ج 8 ص 26 من صحيح البخاري.
2- مروج الذهب للمسعودي: ج 2 ص 312 ط دار القلم، العقد الفريد: ج 4 ص 257 ط دارالكتاب العربي.
3- صحيح البخاري: كتاب الحدود، باب: رجم الحبلى من الزنا إذ أحصنت، ج 8 ص 26 أفست دار الفكر.

وإلا ما معنى أن يقول عمر: وقد كنت زورت كلاما في نفسي. ليلقيه على الانصار.

4-وقوله أيضا حينما تكلم ابو بكر يوم السقيفة فعقب عليه قائلا: «فما ترك كلمة كنت زورتها في نفسي إلا تكلم بها »(1)

فضلا عن ذلك:

إن بعض المصادر قد أشارت إلى هذه الحقيقة التي صرّح بها الإمام علي (عليه السلام) أيام خلافة عثمان بن عفان رداً على كلام طلحة في شأن السقيفة؛ فقال (عليه السلام):

«يا طلحة، أما والله ما صحيفة ألقى الله بها يوم القيامة أحب إلي من صحيفة هؤلاء الخمسة الذين تعاهدوا وتعاقدوا على الوفاء بها في الكعبة في حجة الوداع، إن قتل الله محمداً أو مات، أن يتوازروا ويتظاهروا عليَّ فلا أصِل إلى الخلافة »(2).!؟.

خامساً: عودة المتلقي للانقلاب ذاته هروباً من قصدية النص

إنَّ أعجب ما تفاعل معه المتلقي هو قوله:

(ولم يكن ليليق أن يبرم الأمر وهو غير حاضر له، مع جلالته في الاسلام وعظيم أثره وما ورد في حقه من وجوب موالاته والرجوع إلى قوله وفعله).

فكان أصدق صورة واوضحها في انقلاب المتلقي على ذاته ويقينه بوجود النص في خلافة علي (عليه السلام) وقطعية ذلك، إلا أنه يكابر في قوله ويحاجج الإمامية في نفي النص في الخلافة، ثم يعود فيلزم نفسه بما فرضته الشريعة المقدسة من وجوب

موالاة علي بن ابي طالب (عليه السلام)، ووجوب الرجوع الى قوله وفعله.

ص: 126


1- المصدر السابق.
2- كتاب سليم بن قيس: ص 80 - 81 ط مؤسسة البعثة، وقريب منه في الاحتجاج للطبرسي: ج 1 ص 112 .

والسؤال المطروح:

إذا كان الله عز وجل قد أوجب على الأمة موالاة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) والرجوع الى قوله والعمل به؛ فلماذا تعصي الأمة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وقد قال تعالى:

«وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا »(1)؟!.

فإما من كان قد ذهب الى السقيفة قد عصى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)؛ وإما أنّ الأمة قد عصت الله ورسوله (صلى الله عليه وآله).

سادساً: في قول المتلقي (وما أنكر إلا منكراً)ً ومناقشته

إنَّ المتلقي للنص الشريف يدرك أنه يماطل مع الحق ويحاول الخروج من عنق الزجاجة فيعاود التعريض بالصحابة كي يشتت ذهن القارئ.

فضلاً عن ذلك فإنه يحاول اضفاء معطا ثقافيا من معطيات الإعتزال المرتكز على تجنب الدخول فيما قام به أبو بكر وعمر في عقد البيعة منهما للآخر، وبين دفع علي (عليه السلام) عن حقه في الجلوس مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأن بيعة أبي بكر تمت ومضت في أعناق الناس، ويلزم عدم الرجوع إليها.

ولذا:

يعاود ابن أبي الحديد التعريض بالصحابة فيقول:

(وما أنكر إلّا منكراً)ً، أي: إنّ الإمام علي (عليه السلام) الذي (كان ينقم عليه ومنه كان يتألم ويطيل الشكوى) وبحسب مزاعم المتلقي، كان بسبب إبرام أبو بكر

ص: 127


1- سورة الاحزاب، الآية ( 36 ).

وعمر والأنصار الأمر دون حضوره، وأن هذا امراً منكراً فمن حق الإمام علي (عليه السلام) أن ينكر هذا المنكر.

فأقول:

أ- فإما (أنه منكراً) فهذا أمر لا خلاف فيه، أي: إنَّ أصل أجتماعهم في سقيفة بني ساعدة كان أمراً منكراً؛ وأما كونه (عليه السلام) أنكر عليهم عدم حضوره فلم يكن هذا مقصده، فما كان الإمام علي (عليه السلام) ليأسف عن حضوره في اجتماع يعصى فيه الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) جهاراً.

ب- أما تألمه وطول شكواه فلم يكن لعدم حضوره في مجالس المعصية وأنما على ضياع هذه الأمة بعد نبيها واتباعهم السامري، وتركهم هارونها فقد وقعوا في التيه وظلوا ظلالاً كبيراً ولن يخلص منهم إلا كهمل النعم كما اخبر المصطفى (صلى الله عليه وآله) واخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال:

«بينما أنا قائمِ فإذاَ زمُرْةَ،ٌ حتىَّ إذاَ عرَفَتْهُمُ،ْ خرَجَ رجلُ منِ بيَنْيِ وبيَنْهِمِ فقال:

(هلُمَّ)

فقَلُتْ:ُ أينْ؟َ، قال: إلى الناَّر والله!!!

قُلتُ: و ما شأنُهُم؟!! ، قل:

إنَّهُمُ ارتْدَوُّا بعَدْكَ علىَ أدبْارهِمِ القهَقْرَيَ.

ثمُ إذاَ زمُرْةَ حتىَّ إذاَ عرَفَتْهُمُ،ْ خرَجَ رجلُ منِ بيَنْيِ وبيَنْهِمِ فقال: هلَمُ،َّ قلُتْ:ُ أينْ؟َ

قال: إلى الناَّر والله.

ص: 128

قلُتْ:ُ ما شأنُهُم ؟،قال:

إنَّهُم ارتْدَوُّا بعَدْكَ علىَ أدبْارهِمِ القهَقْرَيِ، فلاَ أراَه يخلْصُ منِهْمُ إلا مثِلْ هَمَلِ النَّعَم»(1).

وإنَّ هذه الزّمر التي تخرج من أمته فتساق الى النار كان سببها اجتماع السقيفة، ولهذا كان يتألم الإمام علي (عليه السلام) ومنه يطيل الشكوى لتفرّق الأمة لما تركت وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتركت الولي و أخ النبي (صلى الله عليه وآله) فتاهت وتفرقت، كما تاهت وتفرقت الأمم السابقة.

لما عزفت عن أوصياء الأنبياء (عليهم السلام) فحال هذه الامة كحال اليهود والنصارى وهي حقيقة أخَبر عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) واثبتها الواقع وصرخ بها حال المسلمين اليوم، فالأمر ليس بحاجة الى الإسهاب في الدليل، قال وقد ورد عنه (صلى الله عليه وآله)، أنه قال:

1-« تفرقت اليهود الى احدى وسبعين فرفة او اثنين وسبعين فرقة والنصارى مثل ذلك؛ وتفرقت امتي الى ثلاث وسبعين فرقة »(2).

2- واخرج الترمذي عن ابن عمر؛ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حَذَوِ النعل بالنعل حتى لو كان منهم من يأتي أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت اثنين وسبعين ملة، وتفرقت أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة .»

قالوا: من هي يا رسول ا لله؟

ص: 129


1- صحيح البخاري، كتاب الرقاق: ج 7 ص 209 .
2- سنن الترمذي: ج 5 ص 25 حديث 2640 ط دار احياء التراث العربي؛ مسند احمد: ج 2 ص 322 .

) ))

قال: «ما أنا عليه وأصحابي »(1).

واتبعه الترمذي بقوله:

(هذا الحديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه).

والواقع:

انه غريب؟! وأغرب ما فيه الفقرة الاخيرة، وهي «ما انا عليه واصحابي !!!»

لأنها دخيلة على الحديث تحمل بصمات التلاعب بالحديث وتضليل المسلمين كما فعل اصحاب السقيفة الذين عاد ابن ابي الحديد اليهم في قوله:

(هل كان يسوغ لأبي بكر، وقد رأى وثوب الانصار على الامر أن يؤخره الى أن يخرج (عليه السلام) ويحضر المشورة)؟

سؤال لم يتمكن المعتزلي من الإجابة عليه فقد أطلق السؤال وفتح على نفسه العديد من الاسئلة التي سنوردها في المسألة الثالثة.

سابعاً: مناقشة المعتزلي في عدم وجود نص عند علي (علیه السّلام)

يحاول ابن ابي الحديد المعتزلي أن يزج بعقيدة الاعتزال ويفرضها في التعامل مع النص الشريف -مورد البحث- بشكل خاص ومع نهج البلاغة بشكل عام لاسيما فيما يتعلق بموضوع الإمامة والنص عليها.

فما من مورد من موارد الوصاية والخلافة والإمامة إلا وحاده ابن أبي الحديد عن طريق النص بإمامة علي (عليه السلام) على الأمة تبعاً للرؤية الإعتزالية، فيقول في احد موارد تعامله مع مسألة إمامه علي (عليه السلام):

ص: 130


1- سنن الترمذي: ج 5 ص 26 ، باب ما جاء في افتراق هذه الامة.

(إنّ الإمام يرى نفسه أحق بالأمر، ليس على أساس النص، وإنّما على أساس الأفضلية والقرابة والسابقة والجهاد وغيرها من الفضائل)(1).

وفي بيانه لقوله (صلى الله عليه وآله) في خطابه لرسول الله (صلى الله عليه وآله):

«هذا ولم يطل العهد ولم یَخِلْقِ منك الذكر .»

قال المعتزلي:

(فأما النص فإنه لم يذكره (عليه السلام) ولا أحتج به، ولما طال الزمان صفح عن ذلك الإستبداد الذي وقع منهم، وحضر عندهم فبايعهم، وزال ما كان في نفسه)(2).

ونقول:

1-هذا لا يعني عدم وجود نص وأنما يكشف -هنا- تظلّمه في إجحاد الصحابة لحقه، وتظافرهم عليه وعلى البضعة النبوية، وذلك أن منتج النص (عليه السلام) لم ينطق في خطابه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أساس بيان حقه في الإمامة فالمناسبة لصدور النص هي ما جرى على البضعة النبوية وما جناه الصحابة في انتهاك حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيها؛ ومن ثم ليس من اللائق أن يستغل الإمام هذه الرزية العظيمة فيتحدث عن النص في الإمامة وهو المفجوع الآن بفاطمة (عليها السلام).

فهذا ليس من شأن علي (عليه السلام) ولا هي سجيته وخلقه المحمدي أن ينتهز فرصة قتل سيدة نساء العالمين (صلوات الله عليها) وفي هذا الموضع عند دفنها

ص: 131


1- شرح نهج البلاغة: ج 10 ص 270 .
2- المصدر السابق.

ليستشهد في حديثه مع صاحب المصيبة العظمى، أي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيتحدث عن النص على الإمامة!!.

بل على العكس لو فرضنا مجازا أنه نطق بالنص على إمامته في قيادة الامة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذه المناسبة والفجيعة لقيل عنه أنه -والعياذ بالله- يجر النار الى قرصه ويستغل الأحداث لصالحه.

ومن ثم: فنكران المعتزلي على الإمام علي (عليه السلام) لعدم إستشهاده بالنص بالإمامة في قوله «ولم يطل العهد ولم يخلق منك الذكر » راجع الى عدم فهمه لشخصية علي بن أبي طالب (عليه السلام) وتعسفاً واستبداداً برأي الاعتزال في مسألة الإمامة.

2- أما لو فرضنا أن الإمام علي (عليه السلام) قد نطق بالنص على إمامته في قيادة الامة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن النتيجة الطبيعية لهذا القول هو تكذيبهم له وبكل بساطة.

بدليل:

أ- إن التجري على الله فيما جرى على بضعة سيد الانبياء (عليهما السلام) اعظم من جريمة تكذيب علي (عليه السلام) فيما لو نطق بالنص.

ب- إنّهم قد كذبوا من هو أعظم من علي بن أبي طالب )عليه السلام( وأُتهم بالهجر: والهذيان والتخريف -والعياذ بالله- اي: لرسول الله (صلى الله عليه وآله) حينما طالب الصحابة قائلاً: «إئتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تظلوا بعده أبداً .»

فقالو: أي الصحابة:

ص: 132

(هجر رسول الله )صلى الله عليه وآله)؟!!(1)

وفي لفظ آخر أخرجة البخاري أيضاً، عن الزهري عن ابن عباس: (وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب)(2)

وامتثالهم لقول عمر بن الخطاب وعصيانهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وتكذيبهم لقوله؛ فإذا كان التعامل مع سيد الخلق (صلى الله عليه وآله) بهذه الطريقة كيف سيكون التعامل مع قول علي بن ابي طالب (عليه السلام) فيما لو نطق بالنص الذي أنكره المعتزلي؛ ولهذه العلة طردهم رسول الله (صلى الله عليه

وآله) من حجرته بعد أن سبقوا قوله بالتكذيب والتشكيك.

ج- في قضية فدك لم تجد بضعة النبي (صلى الله عليه وآله) من يشهد لها من الصحابة مع كثرتهم أمام أبي بكر (الخليفة) بأن فدك نحلة أبيها (صلى الله عليه وآله) منحها إياها لما نزل قوله تعالى ﴿وآَتَ ذاَ القْرُبْىَ حقَهَّ﴾ُ فقد امتنعوا من الشهادة لها سوى

أم أيمن مولاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) فرد أبو بكر شهادتهما مدعياً أن أم أيمن امرأة وهي بحاجة الى امرأة ثانية وان علي بن ابي طالب هو زوجها فلا تصلح شهادتها لهذه العلة.

في حين أن الله تعالى قد صدقهما في القول والفعل في آية التطهير، فضلا عن انها صاحبة اليد في الأرض، وهي قاعدة أسست عليها الأحكام في الاستملاك.

وعليه:

حال علي (عليه السلام) كحال فاطمة (صلوات الله وسلامه عليهما) لا يصدقهما الخليفة واشياع الخلافة.

ص: 133


1- صحيح البخاري، باب: دعاء النبي (صلى الله عليه وآله) الى الإسلام: ج 4 ص 31 .
2- المصدر السابق: ج 8 ص 161 .

د- مثلما أتهم أهل العراق الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) (بأنه يكذب) مما دعاه (عليه السلام) ان يرتقي المنبر ويرد عليهم متسائلاً :

«قاتلكم الله تعالى فعلى من أكذب؟! أعلى الله؟ فأنا أول من آمن به، أم على نبيه؟ فأنا أول من صدق به »(1) .

والحال يجري مجراه مع النص فيما لو نطق به.

3- إنه (عليه الصلاة والسلام) حينما كان يريد أن يذّكرهم بما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيه (عليه السلام) كان يستحلفهم ويناشدهم على ما سمعوه منه (صلى الله عليه وآله).

والعلة في ذلك أنهم تعدوا حدود الله تعالى في قتل فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) واتهموا النبي الاعظم بالهجر؛ فكيف يأمنهم علي بن أبي طالب أن يقرّوا له بما سمعوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله).

4- ليس من المستبعد جدا انه استشهدهم واستحلفهم بصراحة النص في امامته وامامة ولده من بعده في الامة، وحق الطاعة له واتباعه، لكن الرواة قد حذفوا ذلك وابتروه مثلما حذفوا واخفوا تكسيره للأصنام ليلة مبيته على فراش النبي (صلى الله

عليه وآله)؛ واخفوا كذلك محاولة ابي بكر منع خروج رسول الله (صلى الله عليه وآله) من داره(2).

5-إنّ العلة الحقيقية في هذا التكابر على حقيقة وجود النص في الامامة على الامة والخلافة بعد النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله) التي اتبعها ابن ابي الحديد المعتزلي

ص: 134


1- نهج البلاغة: ص 100 .
2- ولمزيد من الاطلاع على هذه الحقائق ينظر كتاب: ما اخفاه الرواة من ليلة المبيت على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله) للمؤلف.

بادعائه بعدم وجود نص عند الامام علي (عليه السلام)، هي:

الدفاع عن الصحابة ونكران انقلابهم بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) كما صرّح به في سؤاله لشيخه ابي جعفر النقيب، قائلا له:

(إنّ نفسي لا تسامحني أن أنسب الى الصحابة عصيان رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ودفع النص)(1) !!!

فرد عليه ابو جعفر النقيب قائلاً:

(وأنا فلا تسامحني ايضاً نفسي أن أنسب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى إهمال أمر الإمامة، وان يترك الناس فوضى سدى مهملين، وقد كان لا يغيب عن المدينة إلا يؤمر عليها اميراً وهو حين ليس بالبعيد عنها، فكيف لا يؤمر وهو ميت لا يقدر

على استدراك ما يحدث)(2) .

6-إنّ هذه الحقيقة جعلته يهرب أو يلجئ النص الصريح الى التأويل لغرض اثبات عقيدة الاعتزال في التفاعل مع النص فيقول عند ايراده لقول امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام):

«إنَّ الأئمة من قريش، غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم » فيرد قائلاً:

(هذا الموضع مشكل، ولي فيه نظر، وإن صح أن علياً قاله؛ قلت:

كما قال، لأنه ثبت عندي ان النبي (صلى الله عليه وآله) قال:

«إنه مع الحق، وإن الحق معه يدور حيث دار .»

ص: 135


1- شرح نهج البلاغة: ج 9 ص 248 .
2- المصدر السابق.

ويمكن ان يتأول ويطبق على مذهب المعتزلة فيحمل على ان المراد به كمال الامامة كما حمل قوله (صلى الله عليه وآله) «لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد » على نفي الكمال لا على نفي الصحة)(1)

اذن:

إنَّ النص موجود لكن مقبوليته عند المعتزلة ترتكز على نكرانه للحفاظ على منزلة الصحابة ودفع العصيان والانقلاب عنهم.

بغية اثبات صحة دعوتهم في الاعتزال وان كان على حساب دعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في إمامة علي (عليه السلام) وخلافته على الامة.

المسألة الثالثة: تساءل المتلقي عن جواز ترك أبي بكر الأنصار في الوثوب على الخلافة دون حضور الإمام علي (علیه السّلام) قد اوقعه في كشف ما هو مستور
اشارة

إنَّ من أروع ما أحدثه منتج النص (عليه الصلاة والسلام) في أستنطاق المتلقي ورفع مستوى تفاعله الى درجات عالية من التأثير فجعله أمام خيارين:

1- أما أنه سيقر بحقيقة الواقع الذي كان سببا في اصدار النص، ومن ثم يكون منتج النص قد حقق أكبر نسبة من التفاعل مع المتلقي إذ قد تؤدي عدم المقبولية الى نتائج لا تقل أهمية عن أعلى درجات المقبولية كما سيمر بيانه في عرض مقبولية

النص عند العلامة المجلسي (عليه الرحمة والرضوان) في المبحث اللاحق.

2- وأما أنه سيراوغ ويضطرب في التعامل مع النص فيكشف ما كان مستوراً وان لم يصرّح به من الأصل منتج النص (عليه السلام) وتركيزه على أصل الحدث المسبب لهذا النص، أي ظلامة الزهراء (عليها السلام)، فقد كشف المتلقي ما لم يكن

ص: 136


1- شرح نهج البلاغة: ج 9 ص 84 - 88 .

ليبوح به؛ وذلك بفعل تأثيرات النص في أمر محدد كان بمنزلة القطب الذي دارت من حوله الرحى؛ ألّا وهو أعراض الصحابة عن النص في خلافة الإمام علي (عليه السلام)، واستغلالهم حدث وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وانشغال الإمام علي (عليه السلام) به، واضطراب الصحابة لفقدهم النبي (صلى الله عليه وآله).

وهو ما جاء في تساؤل المتلقي، أي ابن أبي الحديد حول المسوغ الذي منح أبي بكر في السماح للأنصار في الوثوب على النص الذي حاول المعتزلي نكرانه مراراً واستبداداً بمعتقده الاعتزالي؛ فضلا عن الإجابة التي جاءت بالطامة الكبرى وإعمام الجرم على المهاجرين والانصار، وإخراج أبي بكر من الأمر.

وعليه:

فقد منح ابي الحديد منتج النص (عليه السلام) ما كان يريده في كشف حقيقة القوم، وما جرى بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو ما سنتناوله في النقاط الآتية:

أولاً:من أعطى أبي بكر الحق في منع الأنصار من الاجتماع الى سيدهم وشيخهم سعد بن عبادة؟

إنَّ ابن أبي الحديد يدرك أن المعني الاول في هذا الانقلاب الذي حدث في الامة كان أبو بكر، لاسيما وهو يطالع النصوص الواردة عن علي (عليه السلام) وتصريحه علناً بقادة هذا الإنقلاب وما فعلته الامة من بعده كما جاء في الخطبة الشقشقية؛ فضلا عن ذلك فابن أبي الحديد هو متلق جيد لاسيما وقد تهيئت لديه العديد من المصادر التاريخية والادبية، والتي جمعت في بطونها الكثير من الروايات والنصوص الكاشفة عن حقيقة ما جرى بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلّا أنه -وكما أسلفنا- يحاول أن يفرض عقيدة الاعتزال فيما يكتب مما يتطلب التماس الاعذار

والتدليس والمراوغة للحقائق، كما مرَّ ويمر في تلقيه لهذا النص.

ص: 137

وعليه:

نجده يلقي بالسؤال على المتلقي لشرح نهج البلاغة منطلقاً بما ثبتت لديه من الحقائق التاريخية والحديثية لاسيما عن الإمام علي (عليه السلام) ثم يجيب عليها بطريقة يطمح من خلالها تغيير ما لا يمكن تغييره، فيبرأ ساحة هذا ويلقي باللائمة على ذاك وان كان الامر يتطلب الطعن بجميع الصحابة مما يحدث انقلاباً على الذات في عقيدة الاعتزال.

ومن ثم:

فإن اجابته على السؤال الذي طرحه قائلا:

(أفهل يسوغ لابي بكر وقد رأى وثوب الانصار على الامر أن يؤخره)؟.

لم تكن مسددة من الناحية العقلية والاجتماعية، ولا من الناحية التاريخية؛ وذلك:

1- إنّه لا يملك الحق في منعهم من الاجتماع الى سيدهم وشيخهم سعد بن عبادة، لاسيما مع وجود الحديث الشريف في منحه سعد بن عبادة لقب «سيد الانصار .»

فأبي بكر ليس لديه أي سلطان، أو جاه، أو منزلة تمكنه من منع عقد الاجتماع او المضي فيه.

فلو كان لديه هذا السلطان، أو الجاه، أو المنزلة عندهم لما احتاج للحضور اليهم من الأصل ولما حظر، هو وصاحبه عمر بن الخطاب الى تلك المحاججات في السقيفة حتى كاد أن يقع السيف بينهم.

ص: 138

وعليه:

فالرجل لا يملك الحق في منعهم من الاجتماع وليس لديه سلطان عليهم بل على العكس ان صاحب الحق الاول ومن له القرار والرأي هو من اجتمعوا اليه، اي سعد بن عبادة فقد جاءوا الى زعيمهم يتشاورون في الأمر.

ومن ثم فإن الزعامة الدينية في سعد بن عبادة متاحة بلحاظ قوله (صلى الله عليه وآله) «سيد الانصار » والزعامة الاجتماعية متوفرة فسعد كان ولم يزل زعيم عشيرة الخزرج ورئيسها.

وعليه: ما علاقة ابي بكر التيمي في الامر؟!

إذن:

هذه الفرضية التي نتجت بفعل تفاعل المتلقي مع النص دفعته الى التخبط في درء الجرم عن انقلاب الصحابة على النص بقيادة ابي بكر.

2- إن مجريات السقيفة وتحليله تدل على أن الأمر، جرى بفعل الانقسام الذي وقع بين الانصار من جهة، ومن الإعداد المسبق، وزرع العناصر المساهمة في قيادة الانقلاب بين الانصار انفسهم من جهة اخرى.

إنَّ ما وقع في السقيفة من احداث دعا الكثيرين من الرواة وحفاظ الحديث الى تناقله وتدوينه في مؤلفاتهم.

ولكن ربما اختصر البعض في نقل مجريات الحدث.. وربما رأى البعض الآخر ضرورة في نقله كاملاً.. بينما فضل القسم الآخر لزوم الصمت ظناً منه أنه يغطي على أمرٍ أبى الله إلا حفظه في صدور الناقلين.

ص: 139

وبين هذا وذاك ولاسيما رواة أهل البيت (عليهم السلام) أصحاب المصيبة العظمى والفاجعة الكبرى حاولنا الوقوف عند تسلسل الحدث.

فضلاً عن أن أصحاب الصحاح وشيخهم البخاري قد نقل مجريات السقيفة وعلى لسان صاحب الصولة فيها عمر بن الخطاب.

إذن: فلنرَ ما حدث في السقيفة؟!

يروي البخاري عن عمر بن الخطاب، أنه قال:

«وإنه كان من خبرنا حين توفى الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الأنصار خالفونا، واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف عنا علي والزبير ومن معهما »(1).

فلما وصل الخبر إلى أبي بكر وعمر بهذا الاجتماع قال عمر: فقلت لأبي بكر انطلق بنا إلى إخواننا لننظر ما هم عليه(2).

فانطلق الاثنان وفي الطريق إلى السقيفة اصطحبا أبو عبيدة بن الجراح حتى جاءوا سقيفة بني ساعدة، وسعد بن عبادة(3) على طنفّسة(4) متكئا على وسادة، وبه الحُمّى.

ص: 140


1- صحيح البخاري: كتاب الحدود، باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت: ج 8 ص 26 أفست دار الفكر.
2- سمط النجوم العوالي: ج 2 ص 244 ط المكتبة السلفية، تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي: ص 67 ط مكتبة المؤيد.
3- سعد بن عبادة، هو: أبو ثابت، كان من أهل بيعة العقبة، ومن أهل بدر وغيرها من المشاهد، وكان سيد الخزرج ونقيبهم، وجواد الأنصار وزعيمهم.
4- الطنفسة: البساط من الصوف ونحوه (الزولية) انظر: المصطلحات إعداد مركز المعجم الفقهي: ص 1273 .

فقال له أبو بكر: ماذا ترى أبا ثابت؟

قال: أنا رجل منكم!

فقال حُباب بن المنذر(1): منا أمير ومنكم أمير، فإن عمل المهاجري في الأنصاري شيئاً ردّ عليه، وإن عمل الأنصاري في المهاجري شيئاً ردّ عليه، وإن لم تفعلوا: فانا جذيلها المحُكك وعُذَيَقها المُرجّب(2)، أنا أبو شبل في عرينة الأسد، والله لئن شئتهم لنعيدنّها جَذَعَة؟!(3).

قال عمر: فأردت أن أتكلم، وكنت زورت كلاما في نفسي؟! فقال أبو بكر: على رسلك يا عمر، فما ترك كلمة كنت زوَّرتها في نفسي إلا تكلم بها!

وقال: نحن المهاجرون، أول الناس إسلاماً، وأكرمهم أحساباً، وأوسطهم داراً وأحسنهم وجوهاً، وأمسهم برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رَحِماً وأنتم إخواننا في الإسلام، وشركاؤنا في الدين، نصرتم وواسيتم، فجزاكم الله خيراً، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء! فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

الأئمة من قريش؛ وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين -يعني: عمر بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح-.

ص: 141


1- حباب بن المنذر، من سادة الأنصار وأبطالهم بدريا،ً أحديا،ً ذو مناقب عديدة.
2- قال الخلال سمعت أحمد بن يحيى النحوي قد سئل عن قوله: «أنا جذيلها المحكك »، قال: الخشبة تنصب للإبل تحك بها، و «أنا عذيقها المرجب » عذق النخلة يحوط حولها، ومراده: أنا جذيلها: أنا أشفي داءكم، وأنا عذيقها، أنا كريم. (السنة للخلال: ج 2 ص 309 ط دار الراية).
3- العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي: ج 4 ص 257 ط دار الكتاب العربي، مروج الذهب: ج 2 ص 312 ط دار القلم، الإمامة والسياسة لابن قتيبة: ج 1 ص 5- 6، شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 6 ص 958 ، تاريخ الطبري: ج 3 ص 221 ، الكامل في التاريخ لابن الأثير: ج 3 ص 329 - 330 .

فقال عمر: يكون هذا وأنت حي!ّ ما كان أحد ليؤخرك عن مقامك الذي أقامك فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)!(1) ثم مد يده ليبايع أبا بكر فبادره رجل من الأنصار فضرب على يد أبي بكر فبايعه قبل عمر فكان أول من بايع(2) ثم ضرب عمر على يده فبايعه؟!(3)

فلما رأى سعد بن عبادة ذلك أراد أن يكسب الجولة لصالحه بطلب البيعة لنفسه، ظناً منه أن الأنصار ستبايعه وهم الذين جاءوا إلى منزله من أجل هذا الغرض «فقام فبايع، فقال له أبو بكر: لئن اجتمع إليك مثلها رجلان لقتلناك»(4)

فكان هذا التهديد بالقتل لسعد بن عبادة وهو: «سيد الأنصار » ونقيب الأوس والخزرج وهو في منزله وأمام قومه كفيلا بانقلاب الأمر؟!!

ف «فتخلى الأوس عن معاضدة سعد بن عبادة خوفاً أن يفوز بها الخزرج »(5).

فهبوا كرجل واحد «وازدحموا على أبي بكر، فقالت الأنصار: قتلتم سعدا.ً فقال عمر: اقتلوه، قتله الله، فإنه صاحب فتنة »(6).

ف: «بويع لأبي بكر في اليوم الذي توفي فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

ص: 142


1- أراد بذلك المقام: هو الصلاة التي صلاها أبو بكر بالمسلمين في صبيحة يوم الاثنين، وهو اليوم الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ وفيه كان خروج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتعطيل هذه الصلاة كما سيمر علينا بيانه مشفوعاً بالأدلة والمصادر.
2- مصنف ابن أبي شيبة: ج 7 ص 432 برقم 3743 .
3- العقد الفريد لابن عبد ربه: ج 4 ص 257 ط دار الكتاب العربي.
4- المنتظم لابن الجوزي: ج 4 ص 68 ط دار الكتب العلمية.
5- مروج الذهب للمسعودي: ج 2 ص 312 ط دار القلم.
6- العقد الفريد لابن عبد ربه: ج 4 ص 257 ط دار الكتاب العربي.

وهو يوم الاثنين، الثاني عشر من شهر ربيع الأول (1)!؟ .

وقد اقتصرت هذه البيعة على أكثر من حضر السقيفة في هذا اليوم.

اذن:

فأبي بكر هو المسؤول الاول عن قيادة هذا الانقلاب على النص في تولي امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) الخلافة وقيادة المسلمين بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ثانياً:إقرار المتلقي بترك الصحابة مواراة نبيهم (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فلم يصلوا عليه، ولم يدفنوه

جاء في فرض السؤال الذي طرحه ابن ابي الحديد قوله:

(أن يؤخره -أي الاجتماع في السقيفة- الى أن يخرج (عليه السلام) ويحضر المشورة)(2).

ان هذه الفرضية التي جاءت لغرض الدفاع عن ابي بكر وتبرئة ساحته من قيادة الانقلاب والقاء اللوم على الصحابة لاسيما الانصار أثار تساؤلات في ذهن القارئ لهذا السؤال ومتلقيه، منها:

1-ماذا يعني المعتزلي بقوله: (الى أن يخرج) فأين كان علي (عليه السلام) في هذه الساعة؟!

2-ما الذي شغله عن اجتماعهم الى هذا المستوى فتم تقديمه على الاجتماع والحضور.

ص: 143


1- السيرة النبوية لابن كثير: ج 2 ص 260 ، التنبيه والأشراف للمسعودي: ص 284 ط مكتبة خياط، تاريخ الخلافة الراشدة: ص 12 ، تاريخ القضاعي: ص 172 مروج الذهب: ج 2 ص 309 ط دار القلم، سمط النجوم العوالي للعاصمي: ج 2 ص 245 - 246 ط السلفية.
2- شرح نهج البلاغة: ج 10 ص 271 .

3- أفكان الأمر الذي منعه يستحق أن يدير بظهره لهم؟

4-ولماذا لن ينشغلوا مع علي (عليه السلام).

5- كيف رجح عندهم الإجتماع على غيره من الامور؟!

أنّها اسئلة اثارت ذهن القارئ ويبقى السؤال الأساس ما الذي شغل الإمام علي (عليه السلام) عن الحضور الى السقيفة؟

ونقول:

لا شك إن الجواب على هذه التساؤلات كانت حاضرة ومجتمعة عند متلقي النص، أي ابن ابي الحديد لكنه اراد ان يتستر على حقيقة الصحابة ودافعهم، لاسيما ابي بكر وعمر في تركهم جثمان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو لم يبرد بعد، فمنذ ساعات قليلة قد فارق الحياة الدنيا، وأهله مفجوعون به وقد انشغلوا عن الدنيا وما فيها بمصابه، فرأى الصحابة إنّ الإسراع في حسم الامر في رئاسة المسلمين بعده (صلى الله عليه وآله) مع إنشغال الإمام علي (عليه السلام) والخلّص من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) فرصة ثمينة لا تعوض.

ولذا:

لم يحضروا وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم يصلوا عليه ولم يشهدوا دفنه، فأين إيمانهم وورعهم وعدالتهم، كما يحب أن يسميهم ارباب السلطة بالعدول!!

وعليه:

لم يشهد أبو بكر وعمر دفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما صرح به شيخ البخاري في مصنفه(1).

ص: 144


1- المصنف لابن أبي شيبة: ج 7 ص 432 برقم ( 37046 ).

ولم يعلما من غسله ومن كفنه!! بل ولم يصليا عليه؟! ولقد كان عمر بن الخطاب يمتنع عن الإجابة حينما يسأل عن غسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتكفينه؟!

فيقول: «سلوا علياً»(1) !

بينما كان أبو بكر يسأل من عائشة: «في كم كفنتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)»(2)!

والغريب، بل العجيب! حتى عائشة لا تعلم بغسله وتكفينه ودفنه!! وقد صرحت بذلك قائلة: «ما علمنا بدفن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى سمعنا صوت المساحي في جوف ليلة الأربعاء »(3) وهي ليلة دفن النبي الهادي الأمين (صلى الله عليه وآله وسلم).

بل هي لا تعلم حتى بوقت وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!

أما دعواها بأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) «مات بين سحرها ونحرها»(4).

ص: 145


1- الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 2 ص 51 ط ليدن، وفي: ج 2 ص 263 ط دار صادر بيروت، كنز العمال للهندي: ج 4 ص 55 برقم ( 1108 ).
2- مسند احمد بن حنبل:حديث السيدة عائشة، ج 6 ص 118 ؛ مستدرك الحاكم:ج 3 ص 65 ؛ السنن الكبرى للبيهقي:ج 3 ص 399 ؛ المصنف لابن ابي شيبة:ج 3 ص 145 ؛ الآحاد والمثاني للضحاك: ج 1 ص 84 ؛ الرياض النضرة: ج 1 ص 257 .
3- مسند احمد بن حنبل:ج 6 ص 62 وص 242 ؛ المصنف لابن ابي شيبة الكوفي: ج 3 ص 227 ؛ السنن الكبرى للبيهقي: ج 3 ص 409 ؛ الشمائل للترمذي: ص 204 ؛ عمدة القاري للعيني: ج 8 ص 121 ؛ نيل الأوطار للشوكاني: ج 4 ص 137 ؛ مصنف الصنعاني: ج 3 ص 520 ؛ السيرة النبوية لابن كثير: ج 4 ص 538 ؛ حاشية ابن القيم: ج 8 ص 309 ط دار الكتب العلمية، الطبقات لابن سعد: ج 2 ص 304 ، التمهيد لابن عبد البر: ج 24 ص 396 ط وزارة عموم الأوقاف بالمغرب؛ تنوير الحالك للسيوطي: ص 240 .
4- صحيح البخاري:ما جاء في عذاب القبر، ج 2 ص 106 .

فهو مردود لما يعارضه من أحاديث صحيحة تناقلها حفاظ المسلمين ودوّنها في مصنفاتهم، كما سيمر بيانه وإيراده.

وعليه:

فلم يلهِ عند وفاته إلا أقاربه، كما صرّح بذلك ابن سعد وابن عبد البر قائلاً: «ولم يلِهِ إلا أقاربه وقد شغل الناس عنه بشأن الأنصار »(1).

بينما أفصح شيخ البخاري عن هوية وعدد أقاربه الذين قاموا بدفن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) فأما العدد فكانوا ثلاثة فقط!! والرابع غريب عنهم.

وأما هويتهم، فهم: «أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وعم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) العباس بن عبد المطلب، وولده الفضل، وصالح مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) »(2) رضي الله عنهم جميعا.ً

فهؤلاء أقاربه الذين لم يشأ ابن سعد وابن عبد البر الإفصاح عنهم.

وأما الناس الذين شغلوا عنه بشأن الأنصار! كما قال ابن سعد، فهل في المدينة غير المهاجرين والأنصار؟!

إذن: الناس الذين شغلوا بشأن الأنصار عن غسل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ودفنه هم المهاجرون وأما الأنصار فقد شغلوا عنه بالبيعة لسعد بن عبادة؛ وما تبعها من أحداث شغلت الفريقين في السقيفة.

ص: 146


1- التمهيد لابن عبد البر: ج 24 ص 328 ؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: ج 2 ص 304 .
2- المصنف لابن أبي شيبة: ج 3 ص 15 ط مكتبة الرشد بالرياض.
ثالثاً:إنّ الخاسر الأكبر هم الأنصار في قراءة المعتزلي للحدث

قد جاءت الاجابة من المتلقي على سؤاله الذي طرحه على نفسه ومتلقي شرحه للنهج مجتمعة في تبرئة ابي بكر من عملية الانقلاب وحصره بالأنصار بالخصوص، والصحابة بالعموم، فيقول:

(إنه لم يلم أبا بكر بعينه، وإنما تألم من استبداد الصحابة بالأمر دون حضوره ومشاورته، ويجوز أن يكون أكثر تألمه وعتابه مصروفا الى الأنصار والذين فتحوا باب الإستبداد والتغلب)(1).

وأقول:

1-إن المعتزلي يغاير في توجيه المذنب بين عناصر الحدث الثلاثة، وهم (أبو بكر، والصحابة، والأنصار خاصة) فقد خص المعتزلي أبا بكر بمفردة (اللوم)، أي أن الملام في الحدث الذي وقع هو أبو بكر، ولذا قال:

(إنه لم يلم أبا بكر بعينه).

ثم يغاير في قوله من (اللوم واللائمة) الى (التألم) فقال:

(وإنما تألم -أي الإمام علي عليه السلام- من إستبداد الصحابة).

ولا يخفى ان اللوم غير التألم، فالشخص الملام يكون العنصر الاساس في وقوع الظلم والانقلاب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) والألم يسري من وقوع عموم الذنب بين الفاعلين.

ص: 147


1- شرح نهج البلاغة: ج 10 ص 271 .

ولذا:

بعد توجيه للقارئ بأن المسؤول الحقيقي هو أبو بكر تدارك الأمر سريعا ونسب الفعل الى الصحابة فكانت الطامة اعظم وهو قوله:

(من استبداد الصحابة بالأمر) .

ثم يقوم بنقل القارئ الى احتمالية ضعيفة في قصدية الإمام علي (عليه السلام) في قوله «ولم يطل العهد ولم يخلق الذكر » في تألمه مما احدثته الصحابة فيقول:

(ويجوز أن يكون أكثر تألمه وعتابه مصروفا الى الأنصار الذين فتحوا باب الإستبداد والتغلب).

2- إن النتيجة النهائية التي خلص إليها ابن أبي الحديد هي: إنّ الخاسر الأكبر هم الأنصار وذلك لما يلي:

أ-إنّهم خسروا الخلافة منذ أن قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى انتهاء خلافة العباسيين فقد حصر الامر بالمهاجرين اهل مكة.

ب- إلقاء تبعات حدث السقيفة وانقلاب الصحابة في أعناقهم، وذلك أنهم (فتحوا باب الإستبداد والتغلب).

ج- توالي التهم والغضب والإقصاء لهم في الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية فهذه كتب المسلمين اين تجد بها تضحيات الانصار ومؤازرتهم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وقيام الاسلام، واين رجالاتهم وقياداتهم؟!

هذه الاسئلة جوابها يتضح لدى القارئ من خلال الرواية الاتية:

ص: 148

(ذكر الزبير بن بكار في الموفقيات، فقال:

قدم سليمان بن عبد الملك الى مكة حاجا سنة 82 ه، فأمر أبان بن عثمان بن عفان(1) ان يكتب له سير النبي (صلى الله عليه وآله) ومغازيه.

فقال له أبان: هي عندي، قد اخذتها مصححة ممن اثق به، فأمر سليمان عشرةً من الكتاب بنسخها، فكتبوها في رق، فلما صارت إليه نظر فإذا فيها ذكر الانصار في العقبتين وفي بدر.

فقال: ما كنت أرى لهؤلاء القوم هذا الفضل، فإما ان يكون اهل بيتي غمطوا عليهم، وإما يكونوا ليس هكذا!!

فقال أبان: ايها الامير، لا يمنعنا ما صنعوا ان نقول بالحق، هم ما وصفنا لك في كتابنا هذا.

فقال سليمان: ما حاجتي الى نسخ ذاك حتى اذكره لأمير المؤمنين لعله يخالفه، ثم امر بالكتاب فخرق، ورجع فاخبر اباه عبد الملك بن مروان بذلك الكتاب.

فقال عبد الملك: )وما حاجتك ان تقدم بكتاب ليس لنا فيه فضل، تُعرّف أهل الشام أموراً لا نريد أن يعرفوها!؟

قال سليمان: فلذلك امرت بتخريق ما نسخته)(2).

ص: 149


1- ابو سعيد أبان بن عثمان بن عفان بن ابي العاص بن امية بت عبد شمس، كان واليا على المدينة لعبد الملك بن مروان سبع سنين ثن عزله عنها؛ عده الرازي في المدنيين، وقد روى عنه ابو الزناد وبنيه بن وهب وعبد الله بن ابي بكر والزهري، ملت بالفالج في خلافة يزيد بن عبد الملك عام 105 ه؛ الطبقات لابن سعد: ج 5، ص 151 - 152 ؛ الجرح والتعديل للرازي: ج 2 ص 295 ؛ مشاهير علماء الامصار لابن حيان: ص 111 ؛ تقريب التذهيب لابن حجر: ج 1 ص 51 ؛ تذهيب لابن حجر: ج 1 ص 84 .
2- الموفقيات للزبير بن بكار: ص 322 - 323 .

والحادثة التي مرَّ ذكرها لا تحتاج الى تعليق، فهي واضحة الدلالة في تدخل حكام بني أمية في تدوين السيرة النبوية؛ ويا ليت شعري أن الأمر اقتصر على التدخل في كتابتها، بل حرق هذه السيرة واتلافها لكونها لم تتضمن بين ثناياها اي ذكر لبني

أمية في مواضع الخير التي حفت بها سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

المسألة الرابعة: محاولات يائسة من المتلقي لصرف النص عن قصديته
اشارة

إنّ دراسة مواقف ابن ابي الحديد ومدى تفاعله مع النص الشريف تكشف بوضوح مستوى هذا التأثر والتفاعل الذي اجبره حيناً على كشف ما هو مستور، والتضليل على القارئ، والنفي حيناً، والتخبط في التعامل مع صراحة النص وقوة حجته في كشف الحقائق والاحداث التي وقعت بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ والتي كانت بحسب منتج النص (عليه الصلاة والسلام) ترتكز في ظلامة فاطمة (عليها السلام) والتجري على الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وانتهاك حرمته في الاعتداء عليها وقتلها حتى دفنها سراً.

وليس على أمر خلافة المسلمين الذي اتخذه متلقي النص هنا ذريعة لذَّر الرماد في العيون وصرف الاذهان عن الجريمة العظمى والخزي الاكبر الذي وقعت فيه الصحابة بقتلهم بضعة سيد الانبياء والمرسلين فلحقهم الخزي والعار الى يوم الدين، كما لحق عاقر الناقة والنمرود وقارون وهامان وفرعون ما لحقهم من الخزي.

إنَّ منتج النص (عليه السلام) لم يكن ليخاطب سيد الخلق (صلى الله عليه وآله) وهو صاحب هذه المصيبة والمعزى فيها بما فعلته الصحابة في حدث السقيفة !!

ص: 150

حاشى لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) أن يكون الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) يتألم ويشتكي لفوته خلافتهم التي هي عنده «أهون من عفطة عنز »(1).

لا والله ما هذا خلق ربيب النبوة وترجمان القرآن.

ولذلك:

نجد ان ابن ابي الحديد قد سعى جاهدا في صرف الأنظار عن اصل القضية والسبب في انتاج هذا النص، وما جاء فيه من بيان لحقيقة الصحابة وما جنته في الامة.

فأن كان لهم مجال عند المعتزلة في إلتماس الأعذار وألقاء العتاب واللوم على هذا أو ذاك، فمرّة على الأنصار، وأخرى على المهاجرين؛ فأي عذر لهم في قتل بضعة الهادي الامين (صلى الله عليه وآله).

بل أي: أفصاح بعد هذا عن نفاقهم وعداوتهم لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) وهم قتلة اولاد الانبياء.

وعليه:

فقد أتخذ المتلقي، أي ابن أبي الحديد منهجا في التعامل مع النص ككل، فضلا عن التفاعل المتجزئ مع بعض الجمل التي جاءت فيه -كما مر بيانه- والذي اظهره هنا في هذا الجزء من النص وتفاعله معه؛ وكذلك ما أظهره مع قضية الزهراء (عليها

السلام) وقتلها، وما جنته الصحابة بحقها من خلال تعرضه لشرح نهج البلاغة بنحو عام، وهي كالآتي:

ص: 151


1- نهج البلاغة، الخطبة الشقشقية: ج 1 ص 37 .
أولاً: منهجه في التعامل مع النص في صرفه عن قصديته الاساس وهي قتل بضعة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

إنّ خير شاهدٍ على إتباع المعتزلي لهذا المنهج بشكل جلي في تشتيته ذهن القارئ وحصر الامر في حادثة السقيفة وما نتج عنها من موقف لعلي (عليه السلام) اتجاه ابي بكر وعمر هو إيراده رسالة لأبي بكر قد أرسلها الى الإمام علي (عليه السلام)

في شأن الخلافة برواية أبي حامد المروروذي؛ وذلك بعد أن ألقى بعاتق الصحابة أمر الاستبداد، ثم حصره بالأنصار الذين وصفهم بقوله:

(الذين فتحوا باب الإستبداد والتغلب)(1).

لينتقل بعد ذلك وبدون بيان للمناسبة في ايراده لرواية أبي حامد المروروذي الذي خصص بعد العديد من الصفحات من شرحه على النهج بحسب الطبعات الحديثة ثم يتبعها بقوله:

(الذي يغلب على ظني أن هذه المراسلات والمحاورات والكلام كله مصنوع موضوع، وأنه من كلام أبي حيان التوحيدي، لأنه بكلامه ومذهبه في الخطابة والبلاغة أشبه، وقد حفظنا كلام عمر ورسائله، وكلام أبي بكر وخطبه، فلم نجدهما يذهبان هذا المذهب، ولا يسلكان هذا السبيل في كلامهما، وهذا كلام عليه

أثر التوليد ليس بخفي، وأين أبو بكر وعمر من البديع وصناعة المحدثين!

ومن تأمل كلام أبي حيان عرف أن هذا الكلام من ذلك المعدن خرج، ويدل عليه أنه أسنده إلى القاضي أبي حامد المروروذي(2) ، وهذه عادته في كتاب البصائر

ص: 152


1- شرح نهج البلاغة: ج 10 ص 271 .
2- هو أحمد بن عامر بن بشر بن حامد أبو حامد المروروذي، أحد فقهاء الشافعية، ترجم له ابن خلطان 1: 18 ، 19 توفى سنة 62 .

يسند إلى القاضي أبي حامد كل ما يريد أن يقوله هو من تلقاء نفسه، إذا كان كارها لان ينسب إليه، وإنما ذكرناه نحن في هذا الكتاب، لأنه وإن كان عندنا موضوعا منحولا، فإنه صورة ما جرت عليه حال القوم، فهم وإن لم ينطقوا به بلسان المقال، فقد نطقوا به بلسان الحال.

ومما يوضح لك أنه مصنوع، أن المتكلمين على اختلاف مقالاتهم من المعتزلة والشيعة والأشعرية وأصحاب الحديث، وكل من صنف في علم الكلام والإمامة لم يذكر أحد منهم كلمة واحدة من هذه الحكاية، ولقد كان المرتضى (رحمه الله) يلتقط من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) اللفظة الشاذة، والكلمة المفردة الصادرة عنه (عليه السلام)، في معرض التألم والتظلم، فيحتج بها، ويعتمد عليها، نحو قوله: (ما زلت مظلوما مذ قبض رسول الله حتى يوم الناس هذا).

وقوله: (لقد ظلمت عدد الحجر والمدر).

وقوله: (إن لنا حقا إن نعطه نأخذه، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل، وإن طال السرى).

وقوله: (فصبرت وفى الحلق شجا، وفى العين قذى).

وقوله: (اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم ظلموني حقي، وغصبوني إرثي).

وكان المرتضى إذا ظفر بكلمة من هذه، فكأنما ظفر بملك الدنيا ويودعها كتبه وتصانيفه، فأين كان المرتضى عن هذا الحديث ! وهلا ذكر في كتاب الشافي في الإمامة كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) هذا، وكذلك من قبله من الامامية كابن النعمان،

وبني نوبخت، وبني بابويه وغيرهم، وكذلك من جاء بعده من متأخري متكلمي الشيعة وأصحاب الاخبار والحديث منهم إلى وقتنا هذا ! وأين كان أصحابنا عن كلام أبي بكر وعمر له (عليه السلام) ! وهلا ذكره قاضى القضاة في المغني مع

ص: 153

احتوائه على كل ما جرى بينهم، حتى إنه يمكن أن يجمع منه تاريخ كبير مفرد في أخبار السقيفة ! وهلا ذكره من كان قبل قاضى القضاة من مشايخنا وأصحابنا ومن جاء بعده من متكلمينا ورجالنا ! وكذلك القول في متكلمي الأشعرية وأصحاب الحديث كابن الباقلاني وغيره، وكان ابن الباقلاني شديدا على الشيعة، عظيم العصبية على أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلو ظفر بكلمة من كلام أبى بكر وعمر في هذا الحديث لملا الكتب والتصانيف بها، وجعلها هجيراه ودأبه.

والأمر في ما ذكرناه في وضع هذه القصة ظاهر لمن عنده أدنى ذوق من علم البيان، ومعرفة كلام الرجال، ولمن عنده أدنى معرفة بعلم السير، وأقل أنس بالتواريخ)(1).

السؤال الذي يفرضه البحث:

إذا كانت هذه قناعة ابن ابي الحديد في الرواية، وهذا وضعها العلمي، فما الهدف من ايرادها في الكتاب وزجها هنا في التعامل مع النص الذي كان مخصصا لظلامة فاطمة الزهراء (عليها السلام)؟!

فيجيب ابن ابي الحديد على هذا التساؤل فيقول:

(وإنما ذكرناه نحن في هذا الكتاب، لأنه وإن كان عندنا موضوعاً منحولاً فإنه صورة ما جرى عليه حال القوم، فهم وإن لم ينطقوا به بلسان المقال فقد نطقوا به بلسان الحال)(2) !!

ونحن نقول:

1-أفنترك المقال الصريح في انتهاك حرمة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) بهضم بضعة النبوة حقها، ومنعها أرثها، فتدفن سراً. وهي مرضوضة الجنب، مجهضة

ص: 154


1- شرح نهج البلاعة: ج 10 ص 285 - 287 .
2- شرح نهج البلاغة: ج 10 ص 286 .

للمحسن، محمرة العين، محروقة الدار، مُرَوَعَة في ولديها ونفسها وزوجها؛ ونأخذ بلسان الحال الموضوع كذبا وبهتاناً، أفيستر الغربال قرص الشمس وقد فضح نوره الليل وكشف الظلام وبان الصبح لكل إنسان.

2- إنّ النص الشريف قد أنتزع من متلقيه حقيقة الصحابة وما جنته في بضعة النبوة وهو ما سنتناوله في الأنموذج الثاني من متلقي النص وهو شيخ المحدثين العلّامة محمد باقر المجلسي (عليه الرحمة والرضوان) (ت 1070 ه ) في المبحث القادم.

ثانياً: منهجه في التعامل مع جريمة قتل فاطمة (علیها السّلام) في شرحه لنهج البلاغة

إنّ المتتبع لأقول ابن ابي الحديد المعتزلي في جريمة قتل فاطمة (صلوات الله عليها) بعد أن حرق بيتها عمر بن الخطاب وعصابته، يوقن ببعض الحقائق وهي كالآتي:

1- إنّ هذا التردد بين تصويب الحادثة والإقرار بوقوع الجريمة في حرق بيت فاطمة عليها السلام وما تبعه من آثار أدت إلى استشهادها وبين نفي هذه الحادثة أو تكذيبها أو الإقرار ببعض جزئياتها سببه وجود روايات صحيحة، وأقوال صريحة لأئمة أهل السنة والجماعة.

إلّا أن ثقل الحديث وتأثيره على المسلم وصعوبة استيعاب أن يقدم مجموعة من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على هتك حرمته والتجري على الله بمثل هذا المستوى من الأفعال التي لا يقدم عليها يهودي أيقن أن لأهل هذا البيت

حرمة كما لموسى (عليه السلام) وغيره، فكيف بمسلم يؤمن بالله وبمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، أن يقدم على حرق بيت نبيه وقتل ابنته وجنينها؟!

ص: 155

2-إنّ هذا التردد لم يقتصر فقط على ابن أبي الحديد المعتزلي وحسب بل كل من أراد الانصاف عند قراءته التاريخ والوقوف عند حوادثه وأحداثه التي عصفت بالأمة منذ أن سجلت أقلام المؤرخين تاريخ الإسلام ورسوله المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم).

3- إنّ هذا التردد بين الإقرار بوقوع هذه الجريمة واستشهاد فاطمة على يد عمر بن الخطاب وعصابته، وبين نفي الحادثة وتكذيبها وتكفير القائل بها لم يكن ليغير من الواقع شيئاً، فالحادثة واقعة كما وقع بعث النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن ثم فإنكار وجود رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يغير من

الواقع شيئاً ولا يضر إلّا بالناكر له، وكذاك كان مقتل فاطمة وجنينها وحرق بيتها، فإنه لا يضر إلا الناكر له لقوله تعالى:

﴿وقَفِوُهمُ إنَّهُمَ مسَئْوُلوُن﴾َ(1).

4-إن هذا التحزب للحق أو الباطل هو من السنن الكونية التي أوجدها الله تعالى ومن ثم لا تنتهي بقول ابن أبي الحديد أو ابن تيمية أو الألباني أو غيرهم.

وإنما ليهلك من هلك عن بينة وليحيا من يحيا عن بينة، وعسى أن يهدي الله بهذا العمل إمرءً واحداً فهو خير مما طلعت عليه الشمس كما ورد في الحديث الشريف عنه (صلى الله عليه وآله وسلم)(2).

ص: 156


1- سورة الصافات، الآية ( 24 ).
2- قال صلى الله عليه وآله وسلم للإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): «يا علي لئن يهد الله بك رجلاً واحدا لخير لك مما طلعت عليه الشمس .»

وعليه:

أوردنا تردد ابن أبي الحديد ومحاولاته دفع الجرم عن المجرم إنما كان تبعاً لما يخالط النفس من الإقرار للحق والإذعان إليه وبين التمرد عليه والانزلاق إلى الباطل، فكان مما قال:

1-جاء في الجزء الثاني من شرح نهج البلاغة قوله:

(وقد قال قوم من المحدثين بعضه ورووا كثيراً منه: أن علياً امتنع من البيعة إلى أن يقول: ولم يتخلف إلا علي (عليه السلام) وحده فإنه اعتصم ببيت فاطمة فتحاموا إخراجه قسراً وقامت فاطمة إلى باب البيت فأسمعت من جاء يطلبه فتفرقوا وعلموا أنه بمفرده لا يضر شيئاً فتركوه، وقيل أخرجوه فيمن أخرج وحمل إلى أبي

بكر فبايعه.

ثم يقول: فأما حديث التحريق، وما جرى مجراه من الأمور الفظيعة، وقول من قال: إنهم أخذوا علياً يقاد بعمامته والناس حوله؛ فأمر بعيد، والشيعة تنفرد به.

على أن جماعة من أهل الحديث قد رووا نحوه وسنذكر ذلك)(1).

والملاحظ في هذا النص ما أشرنا إليه آنفاً من وجود حالة من التردد والتناقض بين الإقرار بالحدث ونفيه وبين أن الشيعة قد تفردوا به، وبين أن جماعة من أهل الحديث قد رووا نحوه، والسبب في ذلك هو إقراره بأن حديث التحريق وما جرى

مجراه من الأمور الفظيعة لا يحتمله قلب كل مسلم يخاف يوم الحساب فكيف له أن يسلّم بها.

ص: 157


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج 2، ص 21 - 22 ، بتحقيق أبو الفضل إبراهيم.

2-قال في الجزء السابع عشر من شرحه لنهج البلاغة:

(وأما حديث الهجوم على بيت فاطمة عليها السلام فقد تقدم الكلام فيه، والظاهر عندي: صحة ما يرويه المرتضى والشيعة، ولكن لا كل ما يزعمونه؛ بل كان بعض ذلك؛ وحق لأبي بكر أن يندم ويتأسف على ذلك، وهذا يدل على قوة دينه وخوفه

من الله تعالى) (1).

أقول:

1- وهذا النص أوضح من السابق في حالة التردد التي كان يمر بها ابن أبي الحديد المعتزلي فهو بين ثبوت صحة ما وقع من جريمة تحريق بيت فاطمة وقتلها وجنينها فهذا الذي يرويه المرتضى والشيعة فضلاً عن كسر ضلعها ولطم خدها

وضربها بالسوط؛ يعود ابن أبي الحديد فيحاول التنصل مما ثبت عنده من صحة هذه الأحداث فيقول:

(ولكن لا كل ما يزعمونه، بل كان بعض ذلك)، ولم يفصح لنا المعتزلي عن الكل الذي روته الشيعة وعن البعض الذي وجده من هذا الكل صحيحاً؟

2- لقد بدا واضحاً لدينا أن أحد أهم الأسباب التي جعلت ابن أبي الحديد يعتقد بصحة ما يرويه الشريف المرتضى والشيعة في قتل فاطمة وإحراق بيتها هو اعتراف رأس هذه العصابة والموجه والمخطط لها، أي أبو بكر بن أبي قحافة وذلك من خلال

ندمه وتأسفه على ما فعل في كشف بيت فاطمة وإحراقه والهجوم عليه.

ص: 158


1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 17 ، ص 168 .

إلّا أن المعتزلي كعادته يضع القارئ في حيرة ولم يلمس منه أي الأحداث ثبت لديه واعتقد بصحته، هل ندم أبو بكر وتأسفه على ما اقترفت يداه في هذه الفظائع؛ أم (قوة دينه وخوفه من الله تعالى -كما يزعم ابن أبي الحديد-) هو الذي دفعه لهذا الندم والتأسف.

والسؤال المطروح متى كان أبو بكر خائفاً من الله تعالى، هل كان خائفاً قبل اعطائه الأمر لعمر بن الخطاب:

(إن أبوا فقاتلهم)؛ أم بعد الهجوم على عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وحرق البيت بمن فيه؟!

فإن كان خائفاً من الله قبل حرق بيت فاطمة وقتلها، فكيف يخاف الله من هتك أعظم حرمات الله ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

وإن كان بعد قتل فاطمة وجنينها وإرعاب الحسن والحسين (عليهم السلام) فهو ليس خوفاً من الله، بل من نار الله التي أعدها لمن آذى رسوله فقال سبحانه:

«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا »(1).

ومن يلعنه الله تعالى لا تدركه الرحمة فحاله في ذاك حال إبليس الذي استحق العذاب والخلود في النار:

«وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ »(2).

ص: 159


1- سورة الاحزاب، الآية ( 57 ).
2- سورة الروم، الآية ( 6).

3-قال في الجزء العشرين من شرحه للنهج:

(وأما ما ذكره -أي الشريف المرتضى رحمه الله- من الهجوم على دار فاطمة (عليها السلام) وجمع الحطب لتحريقها فهو خبر واحد غير موثوق به ولا معول عليه في حق الصحابة، بل ولا في حق أحد من المسلمين ممن ظهرت عدالته).

وأقول:

1-نعم، فمن ظهرت عدالته من المسلمين لا يقدم على أمر شنيع كهذا وأي ذنب أشنع من جمع الحطب حول دار فاطمة وإضرام النار فيه والهجوم على أهله، ومن هم أهله؟!!

أهل محمد سيد الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم)، فضلاً عما نزل فيهم من الذكر الحكيم.

2-أما كونه غير معوّل عليه في حق الصحابة؛ فهذا خلاف القرآن والسنة، وذلك لما يأتي:

ألف: أما القرآن فقد نزلت سورة كاملة في بيان صفات المنافقين، وقد ثبت عند أئمة الحديث والرجال: أن الصحابي: هو من شاهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسمع منه حديثاً؛ولولا وجود المنافقين فيما بين الصحابة لما احتاج أهل السنة والجماعة إلى علم الجرح والتعديل، كما لما كانوا قد احتاجوا إلى إفراد

الأحاديث بين الصحيح والضعيف والمكذوب والمرسل فكانت الصحاح الستة والمستدركات ولجمعت أحاديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كلها دون تمييز وتمحيص.

ص: 160

وعليه:

فإن وجود المنافقين والكذابين والمدلسين فيما بين الصحابة ينفي تحقق العدالة فيهم جميعاً على حد سواء، إلّا من ثبتت عدالته بالدليل القاطع؛ وإلّا كان المعتقد بعدالة جميع الصحابة لكونهم شاهدوا أو سمعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) معترضاً ومنكراً عمداً لكتاب الله تعالى وأحكامه.

باء: وأما ما ورد في السنة فقد ذكر فيما مضى أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التي أخرجها البخاري ومسلم وغيرهما، وهي تنص على انقلاب الصحابة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنهم أحدثوا من بعده ورجعوا على أعقابهم رجوعاً قهقرياً حتى لا يخلص ولا ينجو منهم إلّا القليل،

وإن هؤلاء الذين انقلبوا من بعده وأحدثوا الفتنة في الأمة يقادون بسياط من نار إلى جهنم وبئس المصير.

من هنا:

فقول ابن أبي الحديد المعتزلي: إن جمع الحطب لتحريق بيت فاطمة (عليها السلام) غير معول عليه في حق الصحابة، كلام سخيف ومخالف للقرآن والسنة.

3- أما قوله، إن (الهجوم على دار فاطمة وجمع الحطب لتحريقها فهو خبر واحد وغير موثوق به)، فنقول:

ألف: لم يكن هذا الحديث من الآحاد، بل ذكره أئمة الحديث بسند صحيح وعليه: فهو مما يوثق به.

باء: تناولنا في مسألة إحراق بيت فاطمة عليها السلام بعض المصادر التي اعتمد وثوقها أهل السنة والجماعة والتي أثبتت صحة حديث التحريق لبيت فاطمة

ص: 161

صلوات الله عليها بيد عمر بن الخطاب وعصابته الذين اقتحموا بيت فاطمة عليها السلام مما أدى إلى قتلها وقتل جنينها المحسن وغير ذلك من الفظائع؛ ونحن إذ نوردها هنا أي هذه الأحاديث تسهيلاً للقارئ وقطعا للطريق على المعترض والمعاند والمدلس(1).

1- أخرج ابن أبي شيبة الكوفي (المتوفى سنة 235 ه):

(حدثنا محمد بن بشر، حدثنا عبيد الله بن عمر، حدثنا زيد بن أسلم، عن أبيه أسلم، أنه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطاب خرج حتى دخل على فاطمة فقال:

يا بنت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- والله ما من أحد أحب إلينا من أبيك، وما من أحد أحب إلينا من بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك، أن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت.

قال: فلما خرج عمر جاؤوها فقالت:

ص: 162


1- أنظر في ظاهرة التدليس التي تضحك الثكلى ما ذكره علي محمد الصلابي في كتابه الحسن بن علي في تعليقه على حديث دخول عمر إلى بيت فاطمة عليها السلام بعد أن أورد الحديث المبتور الذي بتر منه تصريح عمر بن الخطاب وتهديده لفاطمة بحرق بيتها بمن فيه إن عاد بعض الصحابة إلى بيتها، ثم يرشد القارئ إلى أنه هو الحديث الصحيح؛ والأعجب من ذلك إيراده في هامش الكتاب تحت الرقم واحد الذي وضعه عند قوله: وهذا هو الثابت الصحيح: فيرجعه إلى: أخرجه ابن أبي شيبة: 14 / 567 ، إسناده صحيح؛ ظناّ منه أنه بهذا التدليس على القارئ لا يعود إلى مصنف ابن ابي شيبة فيكتشف كذبه وتدليسه، فقد أورد ابن أبي شيبة في مصنفه حديث التحريق وتهديد عمر لفاطمة وحرق بيتها بمن فيه بسند صحيح.

«تعلمون أن عمر قد جاءني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت، وأيم الله ليمضين لما حلف عليه، فانصرفوا راشدين، فروا رأيكم ولا ترجعوا إليّ .»ّ

فانصرفوا عنها فلم يرجعوا إليها حتى بايعوا لأبي بكر)(1).

2- ورواه ابن ابي عاصم عن ابن أبي شيبة بسنده وساق الحديث(2).

3- ورواه المعتزلي في شرح النهج(3).

في المقابل نجد أن بعض الحفاظ اتبعوا في ذلك ما كان عليه ابن أبي الحديد فقد رواه إمام الحنابلة في فضائل الصحابة وقد حذف تهديد عمر لفاطمة بتحريق بيتها بمن فيه(4).

4-أخرجه الحاكم النيسابوري في المستدرك(5).

5- الصواعق المحرقة لابن حجر الهيثمي(6).

وقد أخرجه ابن عبد البر بدون ذكر تهديد التحريق بالنار وإنما كان مطلق التهديد(7).

وهذا يكشف عن وقوع هذه الفظائع ابتداءً من جمع الحطب والتحريق وقتل فاطمة وجنينها، وإن أولئك المدافعين عن الباطل سيلقون مصير الظالمين لآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

ص: 163


1- المصنف لابن أبي شيبة الكوفي: ج 8، ص 572 ، بتحقيق سعيد اللحام.
2- المذكر والتذكير لابن أبي عاصم: ج 92 .
3- شرح نهج البلاغة: ج 2، ص 45 .
4- فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: ج 2، ص 17 ، برقم 532 .
5- مستدرك الحاكم: ج 3، ص 169 ، برقم 4736 .
6- الصواعق المحرقة: ج 2، ص 520 ، ط دار الرسالة بيروت.
7- الاستيعاب: ج 3، ص 975 .

ص: 164

المبحث الثاني: مقبولية النص عندالعلامّة المجلسي (عليه الرحمة والرضوان)

اشارة

ص: 165

ص: 166

مقبولية النص عند العلّامة المجلسي (رحمه الله) (ت 070 ه) .
اشارة

تختلف مقبولية النص عند العلّامة المجلسي(علیه الرحمة و الرضوان) عن ابن ابی الحدید المعتزلی؛ فقد أعتمد العلّامة المجلسي على بيان تفاعله بمجمل النص في شرح الاحاديث الواردة عن العترة النبوية التي أوردها الشيخ الصدوق (عليه الرحمة والرضوان) في كتابه الموسوم ب (من لا يحضره الفقيه).

فتناوله العلّامة بالشرح والبيان في روضة المتقين،بينما كان تفاعله مع مفردات النص وجمله في شرحه للأحاديث التي أخرجها الشيخ الكليني (عليه الرحمة والرضوان) في كتاب الكافي بكتابه الموسوم ب (مرآة العقول)؛ وبهذا يصبح لدينا موضعين لقراءة تفاعله مع النص، مما أعطى صورة مختلفة عن المقبولية التي كانت عند ابن أبي الحديد المعتزلي.

بمعنى:

إن المنهج الذي أتبعه العلامة المجلسي (رحمه الله) وإن كان نفس المنهج الذي أعتمده ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه لأحاديث الإمام علي (عليه السلام) التي جمعها الشريف الرضي في نهج البلاغة؛ فكلاهما كان شارحاً للاحاديث.

إلّا أن التفاعل مع النص ومنتجه كان مختلفاً كلياً بين الاثنين؛ فالمعتزلي حينما كان يتعامل مع النص ويتوقف مع بعض جمله ويتفاعل معها ويظهر مقبوليتها عنده -كما مر بيانه سابقاً- فضلاً عن تعامله مع مجمل النص؛ كان يرتكز على محاولاته

ص: 167

اليائسة والمتكررة في صرف أصل صدور النص وموضوعه وقصديته وهو ظلامة فاطمة (عليها السلام) وتغيير وجهة النص الى غير جهته ومقصده فتحدث عن السقيفة ومجرياتها.

في حين كان تعامل العلامة المجلسي (رحمه الله) مع النص في مفرداته، وجمله، ومجمله، أي: كنص متكامل يرتكز على قضية أساسية وهي ظلامة فاطمة (عليها السلام).

بمعنى: لم يعتمد منهج تشتيت ذهن القارئ أو التظليل، والتدليس، وصرف المتلقي عن أصل الموضوع؛ بل كان واضحاً في تفاعله، صريحاً جريئاً، متأثراً ومتفاعلاً مع النص بأعلى درجات التفاعل والتأثر، وهو ما لم نشهده في النماذج الثلاثة التي أعتمدها في الدراسة في بيان المقبولية؛ وعليه:

يمكن لنا الوقوف عن مقبولية هذا النص عند العلّامة المجلسي من خلال المسألتين القادمتين.

المسألة الأولى: موارد استشهاد المجلسي(رحمه الله) بالنص وظهور تفاعله معه
اشارة

ذكرنا آنفاً أن العلامة المجلسي كشف عن تفاعله واظهار مدى مقبوليته للنص في موضعين، الأول: في شرحه وتعليقاته على كتاب الكافي للشيخ الكليني (عليه الرحمة والرضوان) الموسوم ب (مرآة العقول في شرح اخبار آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم).

والثاني: في شرحه وتعليقاته على كتاب من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق (عليه الرحمة والرضوان) والموسوم ب (روضة المتقين).

ص: 168

أما الموضع الثالث الذي أستشهد به العلّامة المجلسي للنص فكان في كتابه الموسوم ب (بحار الانوار)(1) .

ولم يتعرض لبيان تفاعله مع النص فقد اقتصر بيانه في هذا الموضع على ايضاح معاني بعض المفردات التي جاءت في النص.

إلّا أن مورد البحث والدراسة في بيان مقبولية النص كانت في هذين الموضعين، وهما كالآتي:

أولاً: تفاعله مع النص في كتاب مرآة العقول

يعتمد العلّامة المجلسي (رحمه الله) في شرحه للنص الشريف الذي اخرجه الشيخ الكليني (عليه الرحمة والرضوان) -مورد البحث- على التفاعل مع جزيئات النص كجمل متسقة وكمفردات، فيعطي كل جملة حقها في البيان والتفاعل مستضهراً في

ذلك حجم مقبوليته مع هذه المفردات والجمل، مركزاً على اصل صدور النص والقضية التي كانت سببا في صدوره، ألّا وهي ظلامة الزهراء (عليها السلام).

فقال:

(قوله: «دفنها أمير المؤمنين (عليه السلام) سرا .»

أقول: تواترت الأخبار من طريقي الخاصة والعامة أن فاطمة (عليها السلام) لسخطها على أبي بكر وعمر أوصت أن تدفن ليلا لئلا يصليا عليها، ولا يحضرا جنازتها.

روى السيد الجليل المرتضى (رضي الله عنه) في الشافي عن الطبري أن فاطمة دفنت ليلا ولم يحضرها إلا العباس وعلي والمقداد والزبير.

ص: 169


1- بحار الانوار: ج 43 ص 194 .

وقال: روى القاضي أبو بكر بإسناده في تاريخه عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة أن فاطمة عاشت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ستة أشهر، فلما توفيت دفنها علي ليلا وصلى عليها علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وذكر في

كتابه هذا أن أمير المؤمنين والحسن والحسين (عليهم السلام) دفنوها ليلا وغيبوا قبرها.

وقال البلاذري في تاريخه إن فاطمة لم تر متبسمة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يعلم أبو بكر وعمر بموتها.

وقال رضي الله عنه: وردت الروايات المستفيضة الظاهرة التي هي كالمتواتر أنها أوصت بأن تدفن ليلا حتى لا يصلي عليها الرجلان، وصرحت بذلك وعهدت فيه عهدا بعد أن كانا استأذنا عليها في مرضها ليعوداها فأبت أن تأذن لهما، فلما طال عليها المدافعة رغبا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك وجعلاها حاجة إليه

فكلمها أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك وألح عليها فأذنت لهما في الدخول، ثم أعرضت عنهما عند دخولهما ولم تكلمهما، فلما خرجا قالت لأمير المؤمنين (عليه السلام) لقد صنعت ما أردت؟

قال: نعم، قالت: فهل أنت صانع ما آمرك؟ قال: نعم قالت: فإني أنشدك الله أن لا يصليا على جنازتي ولا يقوما على قبري.

وروي أنه (عليه السلام) عمي على قبرها ورش أربعين قبرا في البقيع، ولم يرش على قبرها حتى لا يهتديا إليه وأنهما عاتباه على ترك إعلامهما بشأنها وإحضارهما للصلاة عليهما، انتهى كلام السيد قدس سره.

وروى مسلم في صحيحه عن عائشة في حديث طويل بعد ذكر مطالبة فاطمة أبا بكر في ميراث رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفدك وسهمه من خيبر قالت:

ص: 170

فهجرته فاطمة فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت، فدفنها علي ليلا ولم يؤذن بها أبا بكر، قالت: فكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عن علي ومكثت فاطمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ستة أشهر ثم

توفيت.

وروى ابن أبي الحديد من كتاب أحمد بن عبد العزيز الجوهري بعد إيراد قصة فدك أن فاطمة (عليها السلام) قالت:

والله لا كلمتك أبدا، قال:

والله لا هجرتك أبدا، قالت:

والله لأدعون عليك، قال:

والله لأدعون الله لك، فلما حضرتها الوفاة أوصت أن لا يصلي عليها، فدفنت ليلا وصلى عليها العباس بن عبد المطلب وكان بين وفاتها ووفاة أبيها (صلى الله عليهما) اثنتان وسبعون ليلة.

وقال ابن أبي الحديد بعد ذكر الروايات: والصحيح عندي أنها ماتت وهي واجدة(1) على أبي بكر وعمر، وأنها أوصت أن لا يصليا عليها، إلى آخر ما قال.

وروى الصدوق بإسناده عن عمرو بن أبي المقدام وزياد بن عبيد الله عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل ذكر فيه (عليه السلام) غضبها على أبي بكر وعمر، قال (عليه السلام): ثم قالت أنشدكما بالله هل سمعتما النبي (صلى الله عليه وآله) يقول:

فاطمة بضعة مني وأنا منها، من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذاها بعد موتي فكان كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي؟

ص: 171


1- أي ساخطة عليهما.

قالا: اللهم نعم، فقالت: الحمد لله، ثم قالت:

اللهم إني أشهدك فأشهد، واشهدوا يا من حضرني أنهما قد آذاني في حياتي وعند موتي، والله لا أكلمهما من رأسي كلمة حتى ألقى أبي فأشكوكما إليه بما صنعتما بي وارتكبتما مني، فدعا أبو بكر بالويل والثبور وقال:

ليت أمي لم تلدني، فقال عمر:

عجبا للناس كيف ولوك أمورهم وأنت شيخ قد خرفت تجزع لغضب امرأة وتفرح برضاها، وما لمن أغضب امرأة؟ وقاما وخرجا، ثم ذكر (عليه السلام) وصيتها أن لا يحضرا جنازتها ولا الصلاة عليها وأنه هم عمر أن يمضي إلى المقابر فينبشها حتى يجد قبرها فيصلي عليها فنازعه علي (عليه السلام) وكاد أن تقع فتنة فقعد عن ذلك.

وروى الصدوق أيضا بإسناده عن ابن نباتة قال: سُئل أمير المؤمنين -عليه السلام- عن علة دفنه لفاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليلا؟ فقال (عليه السلام) إنها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها وحرام على من يتولاهم أن يصلي على أحد من ولدها.

قوله (عليه السلام): وعفا على موضع قبرها، قال في القاموس: العفو المحو والإمحاء وقال: الثرى التراب الندى من الأرض.

«ببقعتك » ظاهره الدفن قريبا من قبره (صلى الله عليه وآله) وإن جاز إطلاق البقعة على جميع المدينة، وفي مجالس المفيد: ببقيعك، ولعله تصحيف، وفي نهج البلاغة: السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك والسريعة اللحاق بك، فيحتمل أن يكون المراد النزول في جواره في منازل الجنان، ويقال: لحق به كعلم

ص: 172

لحاقا بالفتح أي أدركه، والمختار اسم فاعل مضاف إلى الفاعل والألف واللام فيه موصولة، وسرعة مفعول.

ويدل على أن وفاتها صلوات الله عليها كانت أصلح لها دينا ودنيا، بل يومئ إلى أنها كانت راضية بذلك كما روى الراوندي في القصص بإسناده عن ابن عباس قال:

دخلت فاطمة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه الذي توفي فيه، فقال: نعيت إلى نفسي فبكت فاطمة فقال لها: لا تبكين فإنك لا تمكثين من بعدي إلا اثنين وسبعين يوما ونصف يوم حتى تلحقي بي، ولا تلحقي بي حتى تتحفي بثمار الجنة، فضحكت فاطمة (عليها السلام).

وروت العامة في صحاحهم بطرق عن عائشة قالت: ما رأيت من الناس أحدا أشبه كلاما وحديثا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من فاطمة، كانت إذا دخلت عليه رحب بها وقبل يديها وأجلسها في مجلسه، فإذا دخل عليها قامت إليه فرحبت به وقبلت يديه ودخلت عليه في مرضه فسارها فبكت ثم سارها فضحكت، فقلت: كنت أرى لهذه فضلا على النساء، فإذا هي امرأة من النساء بينما هي تبكي إذ ضحكت، فسألتها فقالت: إني لبذرة(1) فلما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سألتها، فقالت: إنه أخبرني أنه يموت فبكيت، ثم أخبرني أني أول أهله لحوقا به فضحكت.

«قل يا رسول الله عن صفيتك صبري » الصفية الحبيبة المصافية والخالصة من كل شيء «وعن » متعلقة بصبري أو تعليلية ويدل على أنها (عليها السلام) كانت محبوبة مختارة عنده (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما روى شارح صحيح مسلم عن

ص: 173


1- قال الجزري في النهاية: في حديث فاطمة -عليها السلام- عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله قالت لعايشة اني أذن لبذرة، البذر: الذي يفشى السر ويظهر ما يسمعه.

القرطبي أن فاطمة -عليها السلام- كانت أحب بناته (صلى الله عليه وآله)، وأكرم من عنده وسيدة نساء الجنة، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى ركعتين ثم ببيت فاطمة -عليها السلام- فيسأل عنها ثم يدور على

نسائه إكراما لفاطمة واعتناء بها.

«وعفا عن سيدة نساء العالمين تجلدي » قد مر أن العفو يكون بمعنى المحو وبمعنى الامحاء والثاني هو الأنسب، فقوله: تجلدي فاعله، وقيل: إذا كان بمعنى المحو فالفاعل ضمير مستتر لمصدر قل «وعن » يحتمل تعلقه بالتجلد، والتعليلية والجلد بالتحريك القوة والشدة والصبر، يقال: جلد ككرم جلادة بالفتح والتجلد تكلفه،

وفي النهج: ورق عنها تجلدي، وفي المجالس: وضعف عن سيدة النساء.

«إلا أن في التأسي لي بسنتك في فرقتك موضع تعز » يمكن أن يقرأ إلا بالكسر والتشديد وفتح أن وبالفتح والتخفيف وكسر إن، وقد ضبط بهما في النهج ولكل منهما وجه، والفرقة بالضم الاسم من قولك افترق القوم، والتعزي التسلي والتصبر، والتأسي الاقتداء، ويقال أساه فتأسى أي عزاه فتعزى، وكان المعنى أن التأسي لي بالسنة التي جعلتها لي وأوصيتني بها في فرقتك أو مطلق سنتك وطريقتك في الصبر على المصائب -فإنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان صبورا فيها- يمكن أن يكون داعيا إلى الصبر في تلك المصيبة، والحاصل أني قد تأسيت بسنتك في فرقتك يعني صبرت عليها، فبالحري أن أصبر في فرقة ابنتك فإن مصيبتي بك أعظم، وقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: إذا أصاب مصيبة(1) فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب، وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): من عظمت مصيبته فليذكر مصيبته بي فإنها ستهون عليه، أو المعنى أني أتأسى وأقتدي في صبري على هذه المصيبة بصبري في مصيبتك، فالمراد «بسنتك في فرقتك » بسنة فرقتك، والأول أظهر.

ص: 174


1- كذا في النسخ والظاهر «إذا أصاب أحدكم... »

ويحتمل أن يكون التأسي بمعنى التعزي، أي تصبري بسبب الاقتداء بسنتك في الصبر في مصيبتك موجب لتصبري في تلك المصيبة أيضا.

وفي المجالس: إلا أن في التأسي لي بسنتك والحزن الذي حل بي لفراقك موضع التعزي، وفي النهج: إلا أن في التأسي بعظيم فرقتك وفادح مصيبتك موضع تعز فلقد «إلى آخره .»

«لقد وسدتك في ملحودة قبرك » الوسادة بالكسر المخدة والمتكأ «وسدتك » أي جعلت لك وسادة، وهنا كناية عن إضجاعه (صلى الله عليه وآله) في اللحد، واللحد الشق في جانب القبر «وملحودة قبرك » أي الجهة المشقوقة من قبرك كما قاله ابن أبي الحديد.

أقول: ويحتمل أن تكون إضافة الملحودة إلى القبر بيانية، وفي القاموس اللحد ويضم: الشق يكون في عرض القبر كالملحود، ولحد القبر كمنع والحدة عمل له لحدا والميت دفنه، وقبر لأحد وملحود ذو لحد.

«وفاضت » أي سألت وجرت «نفسك » أي روحك، ويدل على عدم تجرد الروح ويكون النفس بمعنى الدم ومنه النفس السائلة، وقال بعض شارحي النهج:

المراد مقاساته للمصيبة عند فيضان نفسه (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي دمه بين نحره وصدره، ولا يخفى ما فيه، والحاصل أن عند خروج روحه المقدسة كان رأسه (صلى الله عليه وآله وسلم) في صدره (عليه السلام) متكئا عليه وهذا من أشد أوضاع وقوع مصيبة الأحباء.

«بلى وفي كتاب الله لي أنعم القبول » ليست هذه الفقرة في النهج، وقوله (عليه السلام) بلى، إثبات لما يفهم نفيه في قوله: قل، إلى آخره، أي في كتاب الله من مدح

ص: 175

الصابرين ووعد المثوبات الجزيلة لهم ما يصير سببا لي للصبر على المصائب وقبولها أنعم القبول أي أحسنه.

«قد استرجعت الوديعة » الفعل فيها وفي قرينتيها إما على بناء المجهول أو المعلوم، وفي النهج وأخذت الرهينة أما حزني.

وسقط ما بين ذلك، وضبط الفعلان فيه على بناء المجهول، والمراد بالوديعة والرهينة لا سيما في رواية الكتاب نفس فاطمة صلوات الله عليها، فاستعار لفظ الوديعة والرهينة لتلك النفس الكريمة، لأن الأرواح كالودائع والرهائن في الأبدان، أو لأن النساء كالودائع والرهائن عند الأزواج، والرهينة فعلية بمعنى المفعول.

وقال بعض شراح النهج: المراد بالوديعة والرهينة نفسه (صلى الله عليه وآله وسلم) والتعبير بالوديعة لأنها في الدنيا تشبه الودائع والآخرة هي دار القرار، أو لأنها تجب المحافظة عليها عن الهلكات كالودائع، وبالرهينة لأن كل نفس رهينة على الوفاء بالميثاق الذي واثقها الله تعالى به، والعهد الذي أخذ عليها قال الله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بماِ كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾(1) وقيل: لأنها كالرهن إذا أكملت مدتها واستوفت طعمتها ترجع إلى مقرها.

وقال بعضهم: الرهينة والوديعة فاطمة (عليها السلام) كأنها كانت عنده (عليه السلام) عوضا من رؤية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وقيل: الوديعة إشارة إليه (صلى الله عليه وآله) والرهينة عبارة عنها صلوات الله عليها، والأظهر ما ذكرنا أولاً.

ص: 176


1- سورة المدثر، الآية ( 38 ).

«وأخلست الزهراء » وفي المجالس: اختلست وهو أظهر، والاختلاس أخذ الشيء بسرعة حبا له، في القاموس: الخلس السلب كالاختلاس، أو هو أوحى من الخلس، والتخالس التسالب.

«فما أقبح » صيغة التعجب والخضراء السماء، والغبراء الأرض، والغرض إظهار كمال الوجد والحزن وعظيم المصيبة، وقبح أعمال المنافقين والظالمين والشوق إلى اللحوق بسيد المرسلين وسيدة نساء العالمين، والسرمد الدائم، والسهد بالضم:

السهر، وبضمتين القليل النوم، وسهدّته فهو مسهد على صيغة التفعيل والإسناد إلى الليل تجوز، ويحتمل أن يكون اسم زمان فلا تجوز.

«وهم لا يبرح » كأنه خبر مبتدأ محذوف، أي همي أو مصيبتي هم لا يزول من قلبي «أو يختار الله » أي إلى أن، أو إلا أن يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم، وهي الجنة والدرجات العالية في الآخرة، أو هم عطف على مسهد أي ذو هم «كمد مقيح » أي

حزن شديد يخرج قلبي ويقيحه، أي يوجب سيلان القيح منه «وهم مهيج » أي همي هم يهيج هموما أخرى، لأن مصيبتها صلوات الله عليهما أورثتا له (عليه السلام) هموما كثيرة سوى أصل المصيبة، أو يهيج الشوق إلى الآخرة ويمكن أن يكون هم

أولا مبتدأ وكمد خبره، وهم ثانيا عطفا عليه، قال الفيروزآبادي الكمدة بالضم والكمد بالفتح وبالتحريك تغيير اللون وذهاب صفائه، والحزن الشديد، ومرض القلب منه، وقال: القيح المدة لا يخالطها دم، قاح الجرح يقيح كقاح يقوح وقيح وتقيح وأقاح واوية ويائية، انتهى.

وربما يقرأ كمد بكاف التشبيه وكسر الميم أي القيح وهو مضاف إلى مقيح اسم فاعل باب الأفعال أو التفعيل، أي جرح ذي قيح و «سرعان » بتثليث السين وسكون الراء اسم فعل ماض أي سرع وهو يستعمل خبرا محضا وخبرا فيه معنى التعجب و «ما » عبارة عن الموت وفرق معلوم من باب التفعيل.

ص: 177

«وإلى الله أشكو » أي سوء فعال القوم بعدك حتى صار سببا لشهادة حبيبتك.

وروى البخاري عنه (عليه السلام) أنه قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة «بتظافر أمتك على هضمها » أي تعاون بعضهم بعضا كذا في النسخ بالظاء المعجمة وكذا شاع بين الناس، والضاد المعجمة أوفق بما في كتب اللغة، قال الجوهري تضافروا على الشيء تعاونوا عليه ولم يذكر التظافر بهذا المعنى، بل ذكر الظفر بالمطلوب وعلى العدو، وكذا غيره من أهل اللغة وكان التصحيف من النساخ.

وفي المجالس: بتظاهر أمتك على وعلى هضمها حقها فاستخبرها الحال، وهو حسن، إذ التظاهر بالهاء بمعنى التعاون، وفي الصحاح: الهضم الكسر، يقال: هضمه حقه واهتضمه إذا ظلم وكسر عليه حقه.

«فأحفه السؤال » الإحفاء في السؤال الاستقصاء فيه «واستخبرها الحال » أي حالي وحالها وحال أمتك في ظلمهم لي ولها «فكم من غليل معتلج بصدرها » الغليل كأمير حرارة الجوف وحرارة الحب والحزن ذكره الفيروزآبادي، وقال: اعتلجت الأمواج: التطمت، وقال: بث الخبر: نشره وفرقه السر وأبثثتكه أظهرته «وستقول » بصيغة الغيبة أي فاطمة لك جميع أحوالها، أو بصيغة الخطاب أي تقول في جوابها ما يوجب رفع حزنها كما قيل، والأول أظهر.

«سلام مودع » منصوب بفعل مقدر أي سلمت سلام، وفي النهج: والسلام عليكما سلام، وفي المجالس سلام عليك يا رسول الله سلام مودع، التوديع طلب الدعة لمحبوب عند فراقه «لا قال » بالجر نعت مودع أو بالرفع بتقدير: لا هو قال، والجملة نعت مودع والقلاء: البغض، يقال قلاه يقليه إذا أبغضه، وقال الجوهري:

إذا فتحت مددت ويقلاه لغة طيئ.

ص: 178

وسئمت من الشيء وسئمته كعلمت أي مللته «واه واها » الواو فيهما جزء الكلمة، أو للعطف أو في إحداهما للعطف وفي الأخرى جزء الكلمة، وهما إما للتلهف والتحسر أو للتعجب مما وعد الله الصابرين وطيبه وحسنه والأول أظهر، وعلى التقادير الأول غير منون والثاني منون قال في النهاية فيه: من ابتلي فصبر فواها

واها قيل: معنى هذه الكلمة التلهف، وقد توضع موضع الإعجاب بالشيء يقال: واها له وقد ترد بمعنى التوجع يقال: فيها آها ومنه حديث أبي الدرداء: ما أنكرتم من زمانكم فيما غيرتم من أعمالكم إن يكن خيرا فواها واها وإن يكن شرا فآها آها.

وقال الزمخشري في الفائق: آها كلمة تأسف وانتصابها على إجرائها مجرى المصادر كقولهم: ويحا له، وتقدير فعل ينصبها كأنه قال تأسفا على تقدير أتأسف تأسفا.

وقال الفيروزآبادي: واها له ويترك تنوينه كلمة التعجب من طيب شيء وكلمة تلهف، انتهى.

وأيمن أفعل من اليمن بمعنى البركة وأجمل أي أشد جمالا وحسنا «ولولا غلبة المستولين » أي استيلاء الغاصبين للخلافة وخوف تشنيعهم أو علمهم بمكان القبر الشريف وإرادتهم نبشه «لجعلت المقام واللبث » عند القبر وقيل: إشارة إلى خروجه

(عليه السلام) عن المدينة إلى البصرة والكوفة وغيرهما، فالمراد بالمقام المقام بالمدينة وهو بعيد، واللبث بالفتح وبالضم وبفتحتين: المكث «لزاما » أي أمرا لازما يقال: لازمه ملازمة ولزاما وككتاب الملازم.

قوله: معكوفا، أي معكوفا عليه قال القاموس: عكف عليه عكوفا أقبل عليه مواظبا، وشعر معكوف ممشوط مضفور، وفي المجالس: ولولا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاما، والتلبث عنده معكوفا، والإعوال مد الصوت بالبكاء، والثكلى امرأة مات ولدها، والرزية بالهمز وقد تقلب ياءا: المصيبة.

ص: 179

«فبعين الله » أي بعلم الله ومع رؤيته وشهوده، وقيل: الفاء لبيان باعث ترك الإعوال.

أقول: أو لبيان باعث الإعوال، قال الراغب في المفردات: فلان بعيني أي أحفظه وأراعيه، كقولك: هو مني بمرأى ومسمع، قال: ﴿فإَنِكَّ بأِعَيْنُنِا﴾(1) وقال:

«تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا»(2) وقال: ﴿واَصنْعَ الفْلُكْ بأِعَيْنُنِا﴾(3) أي بحيث نرى ونحفظ،

وقال: «وَلتِصُنعَ عَلى عَينْيِ »(4) أي بكلائتي وحفظي، وقال البيضاوي في قوله تعالى «واَصنْعَ الفْلُكْ بأِعَيْنُنِا » أي ملتبسا بأعيننا، عبر بكثرة آلة الحس الذي به يحفظ

الشيء ويراعى عن الاختلال والزيغ عن المبالغة في الحفظ والرعاية على طريقة التمثيل، انتهى.

«تدفن ابنتك سرا » لغاية مظلوميتها «وتهضم » على بناء المجهول أي تغصب «حقها » بالنصب مفعول ثان وكذا «إرثها » ومنع الإرث لمنعهم إياها فدك.

وجملة القول في ذلك أن فدك كانت مما أفاء الله على رسوله بعد فتح خيبر، فكانت خاصة له (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وقد وهبها لفاطمة صلوات الله عليها، وتصرف فيها وكلاؤها ونوابها، فلما غصب أبو بكر الخلافة انتزعها فجاءته فاطمة (عليها السلام) متعدية فطالبها بالبينة فجاءت

بأمير المؤمنين والحسنين (عليهم السلام) وأم أيمن المشهود لها بالجنة فرد شهادة أهل البيت بجر النفع وشهادة أم أيمن بقصورها عن نصاب الشهادة، ثم ادعتها على وجه الميراث تنزلا فرد عليها بخبر موضوع افتروه مخالفا لكتاب الله: نحن

ص: 180


1- سورة الطور، الآية ( 48 ).
2- سورة القمر، الآية ( 14 ).
3- سورة هود، الآية ( 37 ).
4- سورة طه، الآية ( 39 ).

معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة، فغضبت عليه وعلى عمر وهجرتهما وأوصت بدفنها ليلا لئلا يصليا عليها.

ثم لما انتهت الأمارة إلى عمر بن عبد العزيز ردها علي بني فاطمة، ثم انتزعها منهم يزيد بن عبد الملك ثم دفعها السفاح إلى الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم أخذها المنصور، ثم أعادها المهدي ثم قبضها الهادي، ثم ردها

المأمون.

فنقول: خطاء أبي بكر وعمر في القضية واضحة من وجوه شتى: الأول: أن فاطمة كانت معصومة فكان يجب تصديقها في دعواها وقد بينا عصمتها فيما تقدم، وما قيل: من أن عصمتها لا تنافي طلب البينة منها فلا يخفى سخافته لأن الحاكم يحكم بعلمه، وقد دلت الدلائل عليه، وأيضا اتفقت الخاصة والعامة على رواية قصة خزيمة بن ثابت وتسميته بذي الشهادتين لما شهد للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدعواه، ولو كان المعصوم كغيره لما جاز للنبي (صلى الله عليه وآله) قبول شاهد واحد والحكم لنفسه، بل كان يجب عليه الترافع إلى غيره.

الثاني: أنه لا ريب ممن له أدنى تتبع في الآثار في أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يرى فدك حقا لفاطمة سلام الله عليها وقد اعترف بذلك جل أهل الخلاف ورووا أنه (عليه السلام) شهد لها وقد ثبت بالأخبار المتظافرة عند الفريقين أن عليا (عليه السلام) لا يفارق الحق والحق لا يفارقه، بل يدور معه حيثما دار، وقد اعترف ابن أبي الحديد وغيره بصحة هذا الخبر وهل يشك عاقل في صحة دعوى كان المدعي فيها سيدة نساء العالمين باتفاق المخالفين والمؤالفين، والشاهد لها أمير المؤمنين وسيدا شباب أهل الجنة أجمعين صلوات الله عليهم أجمعين.

ص: 181

الثالث: أنه طلب البينة من صاحب اليد مع أنه أجمع المسلمون على أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر.

الرابع: أنه رد شهادة الزوج، والزوجية غير مانعة من القبول كما بين في محله.

الخامس: أنه رد شهادة الحسنين (عليهما السلام) إما لجر النفع أو للصغر كما قيل، مع أنه لا ريب أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان أعرف منهم بالأحكام بالاتفاق ولو لم تكن شهادتهما جائزة مقبولة لم يأت بهما للشهادة والقول في أم أيمن كذلك.

السادس: أنه لو لم تكن شهادة ما سوى أمير المؤمنين مقبولا فلم لم يحكم بالشاهد واليمين، مع أنه قد حكم بهما جل المسلمين، قال شارح الينابيع من علمائهم:

ثبوت المال بشاهد ويمين مذهب الخلفاء الأربعة وغيرهم.

السابع: أن الخبر الذي رواه موضوع مطروح لكونه مخالفا للكتاب، وقد وورد بأسانيد عن النبي (صلى الله عليه وآله): إذا روي عني حديث فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافقه فاقبلوه وإلا ردوه.

وأما مخالفته للقرآن فمن وجوه: «الأول » عموم آيات الميراث فإنه لا خلاف مجملا في عمومها إلا ما أخرجه الدليل.

الثاني: قوله تعالى مخبرا عن زكريا (عليه السلام): «وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ»(1) الآیة

ولفظ الميراث في اللغة والشريعة والعرف إذا أطلق ولم يقيد لا يفهم منه إلا الأموال وما في معناها، ولا يستعمل في غيرها إلا مجازا فمن ادعى أن المراد ميراث العلم والنبوة لا بد له من دليل.

ص: 182


1- سورة مريم، الآية ( 5- 6).

علي أن القرائن على إرادة ما ذكرنا كثيرة: «منها » أن زكريا اشترط في وارثه أن يكون رضيا، وإذا حمل الميراث على العلم والنبوة لم يكن لهذا الاشتراط معنى، بل كان لغوا لأنه إذا سأل من يقوم مقامه في العلم والنبوة فقد دخل في سؤاله الرضا وما هو أعظم منه، فلا معنى لاشتراطه، ألا ترى أنه لا يحسن أن يقول أحد اللهم ابعث إلينا نبيا واجعله مكلفا عاقلا «ومنها » أن الخوف من بني العم ومن يحذو حذوهم يناسب المال دون النبوة والعلم، وكيف يخاف مثل زكريا (عليه السلام) أن يبعث الله تعالى إلى خلقه نبيا يقيمه مقام زكريا ولم يكن أهلا للنبوة والعلم، سواء

كان من موالي زكريا أو غيرهم، علي أن زكريا (عليه السلام) كان إنما بعث لإذاعة العلم ونشره في الناس، فلا يجوز أن يخاف من الأمر الذي هو الغرض في بعثته.

الثالث: قوله سبحانه:«وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ »(1). والتقريب ما مر.

أقول: ويدل على بطلان هذا الخبر وجوه أخرى.

منها: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يرى الخبر موضوعا باطلا وكان (عليه السلام) لا يرى إلا الحق والصدق، فلا بد من القول بأن من زعم أنه سمع الخبر كاذب، أما الأولى فلما رواه مسلم في صحيحه في رواية طويلة أنه قال عمر لعلي

(عليه السلام) والعباس: قال أبو بكر: قال رسول الله لا نورث ما تركناه صدقة فرأيتماه كاذبا آثما خائنا غادرا، والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق، ثم توفي أبو بكر فقلت: أنا ولي رسول الله وولي أبي بكر فرأيتماني كاذبا غادرا خائنا والله يعلم إني لصادق بار تابع للحق فوليتها.

ونحو ذلك روى البخاري وابن أبي الحديد عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري وأما المقدمة الثانية فللأخبار الدالة على أن عليا (عليه السلام) مع الحق يدور معه حيثما دار.

ص: 183


1- سورة النمل، الآية ( 16 )

ومنها: أن فاطمة (سلام الله عليها) أنكرت الخبر وحكمت بكذب أبي بكر في خطبتها المشهورة وغيرها، وعصمتها وجلالتها مما ينافي تكذيب ما كان يحتمل عندها صدقه لغرض دنيوي.

ومنها: أنه لو كانت تركة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) صدقة ولم يكن لها صلوات الله عليها حظ فيها، لبين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحكم لها إذ التكليف في تحريم أخذها يتعلق بها ولو بينه لها لما طلبتها لعصمتها، ولا يرتاب عاقل

في أنه لو كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين لأهل بيته (عليهم السلام) أن تركتي صدقة لا تحل لكم، لما خرجت ابنته وبضعته من بيتها مستعدية ساخطة صارخة في معشر المهاجرين والأنصار تعاتب إمام زمانها بزعمكم، وتنسبه إلى

الجور والظلم في غصب تراثها وتستنصر المهاجرة والأنصار في الوثوب عليه وإثارة الفتنة بين المسلمين وتهيج الشر، ولم يستقر بعد أمر الإمارة والخلافة وقد أيقنت بذلك طائفة من المؤمنين أن الخليفة غاصب للخلافة ناصب لأهل الإمامة فصبوا عليه اللعن والطعن إلى نفخ الصور ويوم النشور، وكان ذلك من آكد الدواعي

إلى شق عصا المسلمين وافتراق كلمتهم وتشتت ألفتهم وقد كانت تلك النيران تخمدها بيان الحكم لها صلوات الله عليها أو لأمير المؤمنين (عليه السلام)، ولعله لا يجسر من أوتي حظا من الإسلام على القول بأن فاطمة (عليها السلام) مع علمها

بأن ليس لها في التركة بأمر الله نصيب كانت تقدم على مثل تلك الأمور أو كان أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) مع علمه بحكم الله لم يزجرها عن الظلم والاستعداء، ولم يأمرها بالقعود في بيتها راضية بأمر الله فيها، وكان ينازع العباس بعد موتها ويتحاكم إلى عمر بن الخطاب، فليت شعري هل كان ذلك الترك والإهمال لعدم

الاعتناء بشأن بضعته التي كانت يؤذيه ما آذاها أو بأمر زوجها وابن عمه المساوي لنفسه ومواسيه بنفسه، أو لقلة المبالاة بتبليغ أحكام الله وأمر أمته وقد أرسله الله بالحق بشيرا ونذيرا للعالمين.

ص: 184

ومنها: أنا مع قطع النظر عن جميع ما تقدم نحكم قطعا بأن مدلول هذا الخبر كاذب باطل، ومن أسند إليه لا يجوز عليه الكذب فلا محيص من القول بكذب من رواه والقطع بأنه وضعه وافتراه، أما المقدمة الثانية فغنية عن البيان، وأما الأولى فبيانها أنه قد جرت عادة الناس قديما وحديثا بالأخبار عن كل ما جرى بخلاف

المعهود بين كافة الناس، سيما إذا وقع في كل عصر وزمان، وتوفرت الدواعي إلى نقله وروايته، ومن المعلوم لكل أحد أن جميع الأمم على اختلافهم في مذاهبهم يهتمون بضبط أحوال الأنبياء (عليهم السلام) وسيرتهم وأحوال أولادهم وما يجري عليهم بعد آبائهم وضبط خصائصهم وما يتفردون به عن غيرهم، ومن

المعلوم أيضا أن العادة قد جرت من يوم خلق الله الدنيا وأهلها إلى انقضاء مدتها بأن يرث الأقربون من الأولاد وغيرهم أقاربهم وذوي أرحامهم، وينتفعوا بأموالهم وما خلفوه بعد موتهم، ولا شك لأحد في أن عامة الناس عالمهم وجاهلهم وغنيهم وفقيرهم، وملوكهم ورعاياهم، يرغبون إلى كل ما نسب إلى ذي شرف وفضيلة،

ويتبركون به، ويحرزه الملوك في خزائنهم، ويوصون به لأحب أهلهم فكيف بسلاح الأنبياء وثيابهم وأمتعتهم.

إذا تمهدت تلك المقدمات فنقول: لو كان ما تركه الأنبياء من لدن آدم (عليه السلام) إلى الخاتم (صلى الله عليه وآله) صدقة، لقسمت بين الناس بخلاف المعهود من توارث الآباء والأولاد وسائر الأقارب، ولا تخلو الحال إما أن يكون كل نبي يبين هذا الحكم لورثته بخلاف نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) أو يتركون البيان

كما تركه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإن كان الأول فمع أنه خلاف الظاهر كيف خفي هذا الحكم على جميع أهل الملل والأديان ولم يسمعه أحد إلا أبو بكر ومن يحذو حذوهم، ولم ينقل أحد أن عصا موسى انتقل على وجه الصدقة إلى فلان، وسيف سليمان صار إلى فلان، وكذا ثياب سائر الأنبياء وأسلحتهم وأدواتهم

ص: 185

فرقت بين الناس ولم يكن في ورثته أكثر من مائة ألف نبي قوم ينازعون في ذلك وإن كان بخلاف حكم الله عز وجل، وقد كان أولاد يعقوب (عليه السلام) مع علوم قدرهم يحسدون على أخيهم ويلقونه في الجب لما رأوه أحبهم إليه ووقعت تلك المنازعة مرارا ولم ينقلها أحد في الملل السابقة وأرباب السير مع شدة اعتنائهم بضبط أحوال الأنبياء وخصائصهم وما جرى بعدهم.

وإن كان الثاني فكيف كانت حال ورثة الأنبياء؟ أكانوا يرضون بذلك ولا

ينكرون؟ فكيف كانت ورثة الأنبياء جميعا يرضون بقول القائمين بالأمر مقام الأنبياء ولم ترض به سيدة النساء أو كانت سنة المنازعة جارية في جميع الأمم ولم ينقلها أحد ممن تقدم ولا ذكر من انتقلت تركات الأنبياء إليهم، إن هذا لشيء عجاب! وأما أن فدك كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فمما لا نزاع فيه، وقد أوردنا من رواياتنا وأخبار المخالفين في الكتاب الكبير ما هو فوق الغاية.

وروي في جامع الأصول من صحيح أبي داود عن عمر قال: إن أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة قرى عرينة وفدك وكذا وكذا ينفق على أهله منها نفقة سنتهم ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله، وتلا: «مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ »ِ(1) الآية.

وروي أيضا عن مالك بن أوس قال: كان فيما احتج عمر أن قال: كانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاث صفايا، بنوا النضير وخيبر وفدك، إلى آخر الخبر.

وأما أنها كانت في يد فاطمة عليها السلام فلأخبار كثيرة من كتبهم دلت على ذلك أوردتها في الكتاب الكبير.

ص: 186


1- سورة الحشر، الآية ( 7).

وفي نهج البلاغة في كتاب أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى عثمان بن حنيف: بلى كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين ونعم الحكم الله.

وروى الطبرسي قدس سره في الاحتجاج عن حماد بن عثمان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما بويع أبو بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) منها

فجاءت فاطمة (عليها السلام) إلى أبي بكر فقالت: يا أبا بكر لم تمنعني ميراثي من أبي رسول الله وأخرجت وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمر الله تعالى؟ فقال: هاتي على ذلك بشهود فجاءت بأم أيمن فقالت:

لا أشهد يا أبا بكر حتى أحتج عليك بما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنشدك بالله ألست تعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن أيمن امرأة من أهل الجنة؟ فقال: بلى، قالت: فأشهد أن الله عز وجل أوحى إلى رسول الله (صلى الله

عليه وآله وسلم):

﴿فآَت ذاَ القْرُبْى حَقَهُ)(1) فجعل فدك لها طعمة بأمر الله، وجاء علي فشهد بمثل ذلك، فكتب لها كتابا ودفعه إليها، فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال: إن

فاطمة ادعت في فدك وشهدت لها أم أيمن وعلي فكتبته، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة فمزقه، فخرجت فاطمة (عليها السلام) تبكي فلما كان بعد ذلك جاء علي (عليه السلام) إلى أبي بكر وهو في المسجد وحوله المهاجرون والأنصار فقال: يا أبا بكر لم منعت فاطمة ميراثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد ملكته في حياة رسول الله؟ فقال أبو بكر:

ص: 187


1- سورة الروم، الآية ( 38 ).

إن هذا فيء للمسلمين فإن أقامت شهودا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعله لها وإلا فلا حق لها فيه، فقال أمير المؤمنين: يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟ قال:

لا، قال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ثم ادعيت أنا فيه من تسأل البينة؟

قال: إياك كنت أسأل البينة، قال: فما بال فاطمة سألتها البينة على ما في يدها وقد ملكته في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبعده ولم تسأل المسلمين البينة على ما ادعوها شهودا كما سألتني على ما ادعيت عليهم؟ فسكت أبو بكر فقال

عمر: يا علي دعنا من كلامك فإنا لا نقوى على حجتك فإن أتيت بشهود عدول وإلا فهو فيء للمسلمين لا حق لك ولا لفاطمة فيه فقال علي (عليه السلام): يا أبا بكر تقرأ كتاب الله؟ قال: نعم، قال:

أخبرني عن قول الله عز وجل: « إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا »(1) فينا نزلت أو في غيرنا؟ قال: بل فيكم قال: فلو أن شهودا

شهدوا على فاطمة بنت رسول الله بفاحشة ما كنت صانعا بها؟ قال: كنت أقيم عليها الحد كما أقيم على سائر المسلمين، قال: كنت إذا عند الله من الكافرين، قال: ولم؟

قال: لأنك رددت شهادة الله لها بالطهارة وقبلت شهادة الناس عليها كما رددت حكم الله وحكم رسوله أن جعل لها فدك وقبضته في حياته ثم قبلت شهادة أعرابي بائل على عقبيه عليها وأخذت منها فدك وزعمت أنه فيء للمسلمين، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، فرددت قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) البينة على من ادعى واليمين على من ادعي عليه.

ص: 188


1- سورة الاحزاب، الآية ( 33 ).

) ))

قال: فدمدم الناس وأنكر بعضهم وقالوا: صدق والله علي ورجع علي (عليه السلام) إلى منزله.

قال: ودخلت فاطمة (عليها السلام) المسجد وطافت بقبر أبيها وهي تقول:

قد كان بعدك أنباء وهنبثة*** لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

(1)

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها*** واختل قومك فاشهدهم فقد نكبوا(2)

قد كان جبريل بالآيات يؤنسنا*** فغاب عنا فكل الخير محتجب

قد كنت بدرا ونورا يستضاء به*** عليك تنزل من ذي العزة الكتب

جمتنا رجال واستخف بنا*** إذ غبت عنا فنحن اليوم نغتصب

فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت*** منا العيون بتهمال لها سكب(3)

قال: فرجع أبو بكر وعمر إلى منزلهما وبعث أبو بكر إلى عمر، ثم دعاه فقال:

أما رأيت مجلس علي منا في هذا اليوم؟ والله لئن قعد مقعدا مثله ليفسدن أمرنا فما الرأي؟ قال عمر: الرأي أن نأمر بقتله، قال: فمن يقتله؟ قال: خالد بن الوليد، فبعثوا إلى خالد فأتاهم فقالا له: نريد أن نحملك على أمر عظيم، فقال: احملوني على ما شئتم ولو على قتل علي بن أبي طالب، قالا: فهو ذاك، قال خالد: متى أقتله؟ قال أبو بكر: أحضر المسجد وقم بجنبه في الصلاة فإذا سلمت قم إليه واضرب عنقه، قال: نعم.

فسمعت أسماء بنت عميس وكانت تحت أبي بكر، فقالت لجاريتها: اذهبي إلى منزل علي وفاطمة واقرئيهما السلام وقولي لعلي: « إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي

ص: 189


1- لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب.
2- الوابل: المطر الشديد.
3- هملت العين: فاضت وسالت، وسكب الماء وغيره: انصب.

لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ»فجاءت الجارية إليهما وقالت لعلي: إن أسماء بنت عميس تقرأ عليك السلام وتقول: إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فأخرج إني لك من الناصحين، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: قولي لها إن الله يحول بينهم وبين ما يريدون ثم قام

وتهيأ للصلاة وحضر المسجد وصلى خلف أبي بكر وخالد بن الوليد بجنبه ومعه السيف، فلما جلس أبو بكر للتشهد ندم على ما قال وخاف الفتنة وعرف شدة علي وبأسه فلم يزل متفكرا لا يجسر أن يسلم حتى ظن الناس أنه سها ثم التفت إلى خالد وقال: خالد لا تفعلن ما أمرتك، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا خالد ما الذي أمرك به؟ قال: أمرني بضرب عنقك قال: أو كنت فاعلا؟ قال: أي والله لولا أنه قال لي: لا تفعله قبل التسليم لقتلتك، قال: فأخذه علي فجلد به الأرض فاجتمع الناس عليه فقال عمر: يقتله ورب الكعبة فقال الناس: يا أبا الحسن الله الله بحق صاحب القبر، فخلى عنه.

ثم التفت إلى عمر فأخذ بتلابيبه(1) فقال: يا بن صهاك والله لولا عهد من رسول

الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكتاب من الله سبق لعلمت أينا أضعف ناصرا وأقل عددا، ودخل منزله.

وروى الصدوق (رحمه الله) في العلل نحوا من ذلك بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام).

وقالت فاطمة صلوات الله عليها في الخطبة الطويلة التي احتجت على القوم في أمر فدك: وأنتم تزعمون أن لا إرث لنا، أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون، أفلا تعلمون؟ بلى تجلى لكم كالشمس الضاحية أني ابنته،

ص: 190


1- تلابيب جمع التلبيب: ما في موضع اللبب من الثياب ويعرف بالطوق، يقال أخذ بتلابيبه، أي أمسكه متمكنا منه.

أيها المسلمون، أأغلب على إرثيه، يا بن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي، لقد جئت شيئا فريا، أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم إذ يقول:

«وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ »(1) وقال فيما اقتص من خبر يحيى بن زكريا (عليه السلام)، إذ قال:

« رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِیًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ »(2) وقال: « وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ »(3)وقال: «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ »(4)

وقال: « إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ »(5) وزعمتم أن لا حظوة لي ولا أرث من أبي ولا رحم بيننا، أفخصكم الله بآية أخرج منها أبي أم هل تقولون أهل ملتين لا يتوارثان، ولست أنا وأبي من أهل ملة واحدة أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي وابن عمي فدونكها(6) مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم الله والزعيم محمد والموعد القيامة وعند الساعة ما تخسرون ولا ينفعكم إذ تندمون، ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون، من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم، إلى آخر الخطبة المذكورة مع شرحها في الكتاب الكبير.

ص: 191


1- سورة النمل، الآية ( 16 ).
2- سورة مريم، الآية ( 6).
3- سورة الأحزاب، الآية ( 6).
4- سورة النساء، الآية ( 11 ).
5- سورة البقرة، الآية ( 180 ).
6- الضمير للخلافة.

قوله (عليه السلام): ولم يتباعد العهد، الجملة حالية أي فعلوا جميع ذلك ولم يبعد ذلك ولم يبعد عهدهم بك وبما سمعوا منك في أهل بيتك مع وجوب رعاية حرمتك، وفي النهج: ولم يطل العهد، وفي المجالس: تدفن بنتك سرا ويهتضم حقها

قهرا وتمنع إرثها جهرا ولم يطل العهد، وفي القاموس: العهد الوصية، والتقدم إلى المرء في الشيء واليمين وقد عاهده، والذي يكتب للولاة، من عهد إليه أوصاه، والحفاظ ورعاية الحرمة والأمان، والذمة والالتقاء والمعرفة، منه عهدي به بموضع كذا والمنزل المعهود به الشيء، والزمان والوفاء، انتهى.

ولا يخفى على اللبيب ما يناسب المقام من تلك المعاني «ولم يخلق » على المعلوم من باب نصر وعلم وحسن أي لم يصر ذكرك وتذكر أحوالك ورواية أقوالك بالياء، بل كان كلها جديدا، وقيل: الذكر القرآن، والمشتكى مصدر ميمي أي الشكوى.

«وفيك يا رسول الله أحسن العزاء » أي في أقوالك وصفاتك وما أمرتني به فيما يعرض لي بعدك أو في سبيل رضاك أحسن التعزية، وما يوجب أحسن الصبر، وقيل: في، للسببية، وقد مر بعض الوجوه في باب تاريخ النبي (صلى الله عليه وآله

وسلم) في قوله: إن في الله عزاء)(1).

أقول:

ونلاحظ هنا تركيز العلّامة المجلسي (رحمه الله) على القضية الأساس التي ارادها منتج النص (عليه الصلاة والسلام)، والى المقاصد التي اكتنزتها المفردات، ليصل بالمتلقي الى الإقرار ولو ضمنا بما جرى على الزهراء (عليها السلام) من الظلم والعدوان، وأن الصحابة أول من أنتهك حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيها.

ص: 192


1- مرآة العقول: ج 5 ص 321 - 342 .

بل قد أسسوا لظلمها وسنوا ذلك في الائمة، فجرى هذا الظلم والعدوان في ابنائها وذريتها وشيعتها فمن شاء فليؤمن بما جاء في النص وشواهده التاريخية والحديثية التي لا يمكن لعاقل منصف ان ينكرها؛ ومن شاء فليكفر وليعد جواباً في يوم غد حينما يقف للسؤال بين يدي الله عز وجل ويدي رسوله (صلى الله عليه

وآله)، فلا ينفع نفس إيمانها أن لم تكن آمنت من قبل.

وبناءً عليه: كان تفاعله مع النص في مرآة العقول يرتكز على اظهار معاني النص ودلالاته في بيان حقيقة ما جرى على فاطمة وما جنته الصحابة في انتهاك حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ بينما بدأ موقفه وتفاعله (رحمة الله عليه) مع مجمل النص قوياً ومدوياً وجلياً وصريحاً وعظيماً، حينما أورد النص في كتاب روضة

المتقين، وهو ما سنعرض له في ثانياً.

ثانياً: تفاعله مع النص في كتاب روضة المتقين

في كتاب روضة المتقين يختلف المشهد عنه في كتاب مرآة العقول، واختلف معه المنهج في التعامل مع النص.

ففي مرآة العقول كان النص حاضراً من الاساس مما يلزم الاسهاب والتعامل معه بحسب مقتضيات المفردات والجمل المكونة للنص؛ فضلاً عن ذلك أن المنهج هنا كان منهج الشرح والبيان لأحاديث كتاب الكافي وكان لزاما عليه بمقتضى هذا

المنهج ان يتناول النص شارحاً ومبيناً ومتفاعلاً مع ما جاء فيه.

أما في روضة المتقين فالمنهج قد اختلف وذلك لأن المجلسي هو من جاء بهذا النص شاهدا على بيان فضل الزهراء (عليها السلام) ومنزلتها حينما تحدّث الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن زيارتها، فاتبعه العلامة المجلسي بقوله:

ص: 193

(عذر لتأليف الزيارة لأنها مأثورة افضل، وان كان ما ذكره -الصدوق- وألفه في غاية الجودة؛ والظاهر من عدم الخبر في زيارتها، انهم صلوات الله عليهم لو ذكروها لكان اللازم ذكر مظلوميتها وشهادتها، وكانوا يتقون من العامة لأن في ذلك رفع مذهبهم بخلاف سائر الائمة كما رواه الكليني في القوي عن علي بن محمد الهرمزاني

عن ابي عبد الله الحسين بن علي (صلوات الله عليهما)، قال:

«لما قبضت فاطمة (صلوات الله عليها) دفنها امير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) سراً» .

والموجود في الاخبار الكثيرة ان دفنها سرا كان لوصيتها (صلوات الله عليها) لئلا يصلي عليها الاشقيان).

وعفا على موضوع قبرها ثم قام فحول وجهه الى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال:

«السلام عليك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)...... »(1) الخ النص الشريف.

ثم يورد العلّامة المجلسي الحديث ويعقبه بقوله الذي يكشف فيه عن مستوى تأثره وتفاعله فيقول:

(فتدبر أيها المنصف في فصاحة هذا الكلام، وبلاغته، وشكايته، ومظلوميته، ومظلوميتها صلوات الله عليهما، فانظر هل يبقى اللعن عليهم محل توقف، أو في كفرهم مجال كلام، فلعنة الله على من توقف في كفرهم)(2).

ص: 194


1- روضة المتقين: ج 5 ص 347 .
2- روضة المتقين: ج 5 ص 349 .

وهذا الموقف الواضح من التفاعل مع النص وبهذه القوة لا يحتاج الى مزيد من البيان، ولكن ما ينبغي الحديث عنه هو قطب هذا التفاعل أو المقبولية مع النص الشريف المرتكزة على اصل عقيدة التولي والتبري التي اظهرها العلّامة المجلسي (عليه الرحمة والرضوان) فقد بدت واضحة جلية مثلما اظهر النص في قوة تأثيره

مكنون ابن ابي الحديد المعتزلي وعقيدته الاعتزالية.

وهنا تتجلى قدرة النص ومنتجه (عليه الصلاة والسلام) على خلق هذه الاجواء من التفاعل مع خطابه لاسيما إذا كان النص في نسقه العقدي والتاريخي والوجداني يتحدث عن أعقد المسائل العقدية والايمانية المرتبطة بشخص رسول الله (صلى الله

عليه وآله) وعترته (عليهم السلام) وصحابته، ومن ثم:

فإن أهمية النص تبرز بكونها صادرة عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) فضلا عن اكتنازه لإدق التفاصيل لما حدث بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتحديد مسار الامة وانقسامها من حين السقيفة ودفن الزهراء سرا الى فئتين، وهما فئة اهل السقيفة وعقيدتها وفكرها وثقافتها وتشريعاتها وفئة علي وفاطمة (صلوات

الله وسلامه عليهما) مما أسس الى أصل من اصول العقيدة والايمان وفيه تباين مسار هاتين الفئتين، وهما ما سنتناوله في المسألة القادمة.

المسألة الثانية: إبداء ذروة التفاعل مع النص بين حدَّي التولي والتبري
اشارة

تناول الفقهاء مسألة التولي والتبري في كتبهم ومباحثهم وللنظر في ادلتهما من القرآن واحاديث العترة النبوية (سلام الله عليهم اجمعين) وتوصلوا الى كونهما من الفروع التي تأخذ بعنق المكلف وانه مسؤول عنهما يوم القيامة.

ص: 195

ولذا:

نورد بعض هذه الادلة من القرآن والعترة (عليهم السلام) ثم نعرض اقوال بعض الفقهاء ليتضح لنا اثر النص الشريف ومقبوليته عند العلّامة المجلسي (رحمه الله) ومستوى تأثره وتفاعله مع هذه الكلمات التي اكتنزها النص الشريف.

أولاً: نصوص التولي والتبري في القرآن والعترة (علیهم السّلام)

إنَّ النظر في الآيات المباركة المشتملة على الموالاة والبراءة او التولي والتبريّ والبحث فيها ليأخذ بيد الباحث الى حقيقة إلتصاق المودة والبغض بالموالاة والبراءة.

ولذلك:

فإن في قوله تعالى: «قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى»(1) ملاصق لقصدية قوله تعالى: «وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ »(2).

فالمودة والتولي يسيران جنباً الى جنب في تحديد هوية الانسان المسلم وبيان مستوى ايمانه، ومقتضيات هذا الايمان في حب الله تعالى وحب رسوله (صلى الله عليه وآله) والذين امنوا وهم عترته (صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين) ومصداقها في الامام علي (عليه السلام) الذي وردت فيه نصوص نبوية صريحة في التلازم بين حبه والايمان، وبغضه والنفاق.

وقد جاءت اية الموالاة صريحة في تجلي قصدية هذه الموالاة في رسول الله (صلى الله عليه وآله) والامام علي (عليه السلام) وحصرها فيهم، قال تعالى:

ص: 196


1- سورة الشورى، الآية ( 23 ).
2- سورة المائدة، الآية ( 56 ).

«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ »(1).

وقد نصت الأحاديث النبوية الشريفة في التفسير واسباب النزول انها نزلت في الامام علي (عليه السلام) فهذه الآية وغيرها ترشد الى تولي المؤمن وموالاته والتبري او البراءة من اعداء الله ورسوله وعترته (صلوات الله عليهم اجمعين)، فهي كالاتي:

1-قال تعالى في بيان ارتكاز المودة على الايمان وارتكازهما معاً على البراءة من اعداء الله تعالى في قوله تعالى:

«لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ...»(2).

فالآية صريحة في نفي وجود هؤلاء القوم الذين يدعون الايمان بالله واليوم الاخر وفي نفس الوقت يوادون من حاد الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وعاداهم.

بمعنى:

ان مقتضى الايمان بالله واليوم الاخر يلزم البراءة ممن يعادون الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) ويحاربونهما فهذه قاعدة اساس يتحدد فيها مسير الانسان في الحياة الدنيا ويتحدد كذلك مصيره في الاخرة.

وذلك ان الايمان بالله واليوم الاخر والمودة والموالاة لأعداء الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) نقيضان لا يجتمعان، وان اجتمعا في شخص فإن ذلك يكشف عن كذبه ونفاقه.

ص: 197


1- سورة المائدة، الآية ( 55 ).
2- سورة المجادلة، الآية ( 22 )

ولذا: يعرض القرآن هذه الحقيقة في قوله تعالى:

«قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا... »(1).

وفي قوله تعالى:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ .....»(2).

ومن ثم تتوج هذه العقيدة الايمانية في سورة براءة التي جعلها الله تعالى عنوانا انظوى تحته مستوى الايمان بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله) من خلال العلامة مع الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وعترته من جهة الموالاة والتولي والحب.

في المقابل تتحدد العلامة مع الكفار والمنافقين في البراءة منهم وبغضهم وحرمة موالاتهم.

ولذلك نجد النصوص الشريفة الواردة عن العترة النبوية تسير جنبا الى جنب مع الآيات القرآنية كاشفة عن قصدية الآيات ومرادها وحكمها، وهو ما نجده من خلال دخول بعض المؤمنين على الائمة عليهم السلام وهم يعرضون عليك دينهم ومستوى ايمانهم وعقيدتهم في التولي والتبري، وهي كالآتي:

1-قال عيسى بن السري (رحمه الله) قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

حدثني ما بنيت عليه دعائم الاسلام التي اذا اخذت بها زكى عملي ولم يضرني جهل ما جهلت بعده؟

ص: 198


1- سورة الممتحنة، الآية ( 4).
2- سورة الممتحنة، الآية ( 13 ).

فقال:

«شهادة أن لا إله إ لا الله، وأن محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإقرار بما جاء من عند الله، وحق في الأموال والزكاة، والولاية التي امر الله ها و اية آل محمد(صلى الله عليه وآله).

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

«من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية .»

وقال الله تعالى:

«أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ .....»، فكان علي (عليه السلام) ثم صار من بعده الحسن ثم من بعده الحسين، ثم من بعده علي بن الحسين ثم من بعده محمد بن علي، ثم هكذا يكون الامر، أن الأرض لا تصلح الا بإمام ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية، وأحوج ما يكون أحدهم الى معرفته إذا بلغت

نفسه ها هنا، قال: واهوى بيده الى صدره، يقول حينئذ لقد كنت على أمر حسن »(1).

2-عن أبي اليسع، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)، أخبرني دعائم الإسلام التي لا يسع أحداً التقصير عن معرفة شيء منها، التي من قصر عن معرفة شيء منها فسد عليه دينه، ولم يقبل منه عمله، ومن عرفها وعمل بها، صلح دينه وقبل عمله، ولم يضيق به مما هو لجهل شيء من الأمور جهله، ثم قال:

«شهادة أن لا إله إ لا الله، والإيمان بأن محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والإقرار بما جاء به من عند الله، وحق في الأموال والزكاة، والولاية التي أمر الله عز

ص: 199


1- الكافي: ج 2 ص 21 .

وجل ها، و اية آل محمد (صلى الله عليه وآله) »(1).

3- وأخرج الشيخ الكليني (رحمه الله) عن إسماعيل الجعفي، قال:

سألت أبا جعفر -الباقر- (عليه السلام) عن الدين الذي لا يسع العباد جهله؟

فقال:

«الدين واسع ولكن الخوارج ضيقوا على أنفسهم من جهلهم .»

قلت: جعلت فداك فأحدثك بديني الذي أنا عليه؟

فقال: «بلى .»

فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله، والإقرار بما جاء من عند الله وأتو اكم وأبرء من عدوكم ومن ركب رقابكم وتأمر عليكم وظلمكم حقكم؛ فقال:

«ما جهلت شيئاً هو الله الذي نحن عليه .»

قلت: فهل سلم أحد لا يعرف هذا الأمر؟

فقال: « لا، إ لّا المستضعفين .»

قلت: ومن هم؟، قال:

«نساؤكم وأو لادكم » ثم قال:

«أرأيت أم أيمن؟ فإ ي أشهد أ نها من أهل الجنة وما كانت تعرف ما أنتم عليه »(2).

ص: 200


1- الكافي: ج 2 ص 19 .
2- الكافي: ج 2 ص 405 .

4- وأخرج الشيخ الكليني (رحمه الله) عن عجلان بن أبي صالح، قال: قلت لأبي عبد الله -الصادق- (عليه السلام): أوقفني على حدود الايمان؟ فقال:

«شهادة إن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله -(صلى الله عليه وآله)- والإقرار بما جاء من عند الله، وصلوات الخمس، وأداء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج البيت، وولاية ولينا، وعداوة عدونا، والدخول مع الصادقين »(1).

5- وأخرج الشيخ الكليني (رحم الله) عن أبي الجارود (رحمه الله)، قال: قلت

لأبي جعفر (عليه السلام): يا ابن رسول الله، هل تعرف مودتي لكم وانقطاعي اليكم وموالاتي اياكم؟

قال: فقال: نعم.

قال: فقلت: فإني اسألك مسألة تجيبني فيها فإني مكفوف البصر قليل المشي و لا استطيع زيارتكم كل حين؟

قال: هات حاجتك.

قلت: أخبرني بدينك الذي تدين الله عز وجل به أنت وأهل بيتك لأدين الله عز

وجل به.

قال: «إن كنت أقصرت الخطبة، فقد أعظمت المسألة والله لأعطينك ديني ودين أبائي الذي ندين الله عز وجل به:

ص: 201


1- الكافي: ج 2 ص 18 .

شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله) والإقرار بما جاء به من عند الله، والولاية لولينا، والبراءة من عدونا، والتسليم لأمرنا وانتظار قائمنا، والإجتهاد والورع »(1).

6-وأخرج الشيخ المفيد (عليه الرحمة والرضوان) بسنده عن حنش بن المعتمر،

قال: دخلت على أمیر المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقلت:

السلام عليك يا أمیر المؤمنين ورحمة الله وبركاته، كيف أمسيت؟

قال: «أمسيت محباً لمحبنا، مبغضاً لمبغضنا، وأمسى محبنا مغتبطاً برحمة من الله كان ينتظرها، وأمسى عدونا يرمس(2) بنيانه على شفا جرف هار، فكأن ذلك الشفا قد أنهار به في نار جهنم، وكأن أبوب الجنة قد فتحت لأهلها، فهنيئا لأهل الرحمة رحمتهم، والتعس لأهل النار، والنار لهم.

يا حنش، من سره أن يعلم أمحب لنا أم مبعض فليمتحن قلبه، فإن كان یحب

ولينا فليس بمبغض لنا، وأن كان يبغض ولينا فليس بمحب لنا؛ إنّ الله تعالى أخذ

ميثاقاً لمحبنا بمودتنا، وكتب في الذكر أسم مبغضنا، نحن النجباء، وأفراطنا أفراط

الأنبياء »(3).

ص: 202


1- الكافي: ج 2 ص 22 .
2- الظاهر انه تصحيف (يؤسس).
3- الامالي للشيخ المفيد: ص 334 ؛ الامالي للطوسي: ص 113 ؛ البحار للمجلسي: ج 72 ص 53 .

7-وأخرج الكليني (رحمه الله) عن إسماعيل الجعفي، قال: دخل رجل على أبي جعفر (عليه السلام) ومعه صحيفة فقال له أبو جعفر (عليه السلام):

«هذه صحيفة مخاصم يسأل عن الدين الذي يقبل فيه العمل ».

فقال: رحمك الله هذا الذي أريد.

فقال أبو جعفر (عليه السلام):

«شهادة أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً (صلى الله عليه وآله) عبده

ورسوله، وتقر بما جاء من عندالله، والولاية لنا أهل البيت، والبراءة من عدونا،

والتسليم لأمرنا والورع والتواضع، وانتظار قائمنا فإن لنا دولة إذا شاء الله جاء

ها »(1).

فهذه الاحاديث صريحة في تحديد مسار الانسان وتبين دين الله الذي ارتضاه

لعباده.

ومن ثم، فقد تناول الفقهاء هذه المسألة في كتبهم فكان ممن أوردها:

أ- الشيخ المفيد (عليه الرحمة والرضوان) (ت 413 ه) وتحت عنوان: باب: ما

يجب من ولاية أولياء الله في الدين وعداوة أعدائه الفاسقين؛ قال (رحمه الله):

(وولاية أولياء الله تعالى مفترضة، وبها قوام الايمان، وعداوة اعدائه واجبة على

كل حال.

ص: 203


1- الكافي: ج 2 ص 23 .

قال تعالى: «لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ»(1).

و قال عزّوجل:«وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ ...»(2).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أوثق عرى الإيمان احب في الله، والبغض في الله، والولاية لأولياء الله، والعداوة لأعداء الله(3)»(4).

ونلاحظ هنا أن هذه النصوص هي عقيدة راسخة لدى أتباع وأشياع أهل البيت

(عليهم السلام) في وجوب موالاة أولياء الله، ومعاداة أعداء الله تعالى، وعليه سار

السلف الصالح لأتباع العترة النبوية منذ القرن الأول للهجرة النبوية والى يومنا

هذا فقد بسط الفقهاء القول في مقتضيات هذه النصوص الشريفة ولوازمها.

ثانياً: إرتكاز مقبولية النص عند المجلسي على عقيدة التولي والتبري

بعد هذا البيان للنصوص الشريفة وأقوال الفقهاء في فريضة التولي والتبري يظهر

لنا أن مقبولية النص الشريف لدى العلامة المجلسي (رحمه الله) وتفاعله معه يرتكز على هذه الفريضة، لاسيما وأنه قد صرّح بذلك تصريحاً جلياً وصارماً وصلباً في

البراءة مما اجترمه هؤلاء القوم في حق البضعة النبوية (عليها السلام).

ص: 204


1- سورة المجادلة، الآية ( 22 ).
2- سورة المائدة، الآية ( 81 ).
3- الوسائل: ج 11 الباب 17 من ابواب الامر والنهي: ص 439 .
4- المقنعة للشيخ المفيد: ص 33 .

إذ لم يكتف (عليه الرحمة والرضوان) ببيان تأثره وحزنه ومقبوليته لما نطق به

الإمام علي (عليه السلام) وإنما أصدر حكما شرعيا يحدد فيه رؤية الناس لهؤلاء

الذين هضموا الزهراء حقها، ومنعوا أرثها، وهجموا على دارها، فقد بنى حكمه

(عليه الرحمة والرضوان) وهو الفقيه في كفرهما ولعنهما مستندا بهذا النص الشريف، وهو بذاك يقدم الصورة الإنموذج في مقبولية النص وذروة التفاعل في العملية التواصلية، وتحقق بذلك منجّزية الأفعال في الخارج ليس من لحاظ براءته من هما، بل من لحاظ لعنه لمن توقف في كفرهما ولعنهما؛ وهو غاية ما يطمح اليه العلماء في لسانيات النص في تحقق الفكر التداولي في معياري القصدية والمقبولية بين منج النص والمتلقي.

ص: 205

ص: 206

المبحث الثالث: مقبولية النص عند المرجع الديني الشيخ جواد التبريزي (عليه الرحمة والرضوان)

اشارة

ص: 207

ص: 208

مقبولية النص عند المرجع الديني الشيخ جواد التبريزي (رحمه الله) (ت 427 ه).
اشارة

تمتاز مقبولية النص هنا في هذا المبحث عن سابقيها، واعني عند ابن ابي الحديد

المعتزلي والعلّامة المجلسي وذلك أن الشيخ جواد التبريزي (رحمه الله) أحد مراجع المذهب الإمامي ومن ثم فإن مقبولية النص نتجت عن قواعد ومباني إصولية وفقهية، كما سيرد ذلك خلال العرض.

بمعنى: إنّ تفاعل المتلقي هنا لم يخضع للميولات النفسية أو العاطفية كما حدث

لدى المتبقي الاول، وأنما خضعت لتلك المباني الأصولية والفقهية مما أعطى صورة مختلفة في مقبولية النص وتأثيره في المتلقي وتفاعله معه.

وذلك أن علماء لسانيات الخطاب، وفلاسفة اللغة يدورون حول قطب التفاعل

النفسي والوجداني عند المتلقي بغية الوقوف على روح النص وأثره في تحريك

الاخرين.

ولذا: جاءوا ينظرون في تراكيب الجمل وقوالب الألفاظ ومعاني المفردات

والظواهر والمستورات، وغيرها من روح النص ولسانه.

ولولا ذاك لما كان للنص اثر في اهتمام العلماء والفلاسفة ولأصبح الحال ينظر في

مقطوعة اشتملت على ارقام رياضية ورموز صورية.

ص: 209

وعليه: تظهر أهمية المقبولية هنا أنها حددت للآخرين مسار حياتهم فكان قوله (قدس سره) تكليف شرعي لمن اتخذه مرجعا وقلده تكاليفه الشرعية وختم صحيفته التي يقبل بها على الله تعالى.

بمعنى: لم تعد مقبولية النص هنا قابلة للنقاش كما حصل في المبحث الاول عند عرض مقبولية النص عند ابن أبي الحديد المعتزلي وقد استعرضنا مقبوليتنا لما ورد عنه من تأثر وتفاعل وحاولنا أن نقف عند الجذور والدوافع التي دفعت ابن أبي الحديد المعتزلي ليتعامل مع كلام امير المؤمنين (عليه السلام) بههذه الكيفية، لاسيما فيما يتعلق بعقيدة الإعتزال في عدالة الصحابة، ونفي ما وقع على بضعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من الظلم والجور، وجود نص نبوي عند الامام علي (عليه السلام) في خلافته على الامة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وغيرها مما مرّ نقاشه.

وفي البحث الثاني حاولنا ان نقدم للقارئ الكريم متبنيات مقبولية النص عند

العلامة المجلسي (رحمه الله) وايضاح عقيدة التبري والتولي وغيرها.

أما هنا: فمقبولية النص غير خاضعة للنقاش أو الحوار أو الارجاع الى المباني الأصولية والفقهية، وذلك أن عمل المكلف الإمتثال لرأي مرجعه الذي يقلّده.

أما البيان والإيضاح لتلك الأصول والمباني فمحله لأهل العلم والفضيلة في

درس البحث الخارج كما هو معروف لأهل العلم والفضل.

ص: 210

ولذا:

نجد أن هذه المقبولية ظهرت لدى الشيخ جواد التبريزي (قدس سره) من خلال

مجموعة من الاسئلة الشرعية التي وجهت إليه من بعض المؤمنين لمعرفة تكاليفهم الشرعية في زمن تكالب فيه اهل الجهل وماجت فيه الشبهات والفتن.

ومن ثم فإن هذه المقبولية لها أثرها الفقهي والتشريعي عند المتلقي لاسيما وقد تركت اثراً كبيراً في نفوس الناس، فكانت هذه المقبولية على النحو الاتي:

أولاً: اعتماد النص في اثبات ظلامة فاطمة (علیها السّلام) وصحة ما نزل بها من المصائب على أيدي الصحابة، فكان اظهر مستويات مقبولية النص

في جوابه (عليه الرحمة والرضوان) على سؤال وجه له في نفي ما نزل بفاطمة

(عليها السلام) من الظلم والمصائب على يدي أبي بكر وعمر ومن أئتمر بأمرهما؛

يجيب (قدس سره) بإجابة ترتكز على النص الشريف وإعتماده اصلاً ودليلاً في

اثبات هذه الجريمة وما نتج عنها، فتظهر مقبولية النص هنا كقيمة علمية وأداة من

أدواة أثبات الجريمة، فضلاً عن كاشفيتها لحقيقة الأحداث والاشخاص والرموز

الاسلامية في تلك المدة الزمنية التي أعقبت وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فكان السؤال والإجابة على النحو الاتي:

(ما رأيكم في مقولة من يقول:

أنا لا أتفاعل مع كثير من الأحاديث التي تقول: أن القوم كسروا ضلعها أو

ضربوها على وجهها وما إلى ذلك؛ وعند ما سئل: كيف نستثني كسر ضلع الزهراء

مع العلم بأنّ كلمة (وإن) التي أطلقها أصل المهاجمة أعطت الإيحاء، أضف إلى ذلك: كيف نفسّر خسران الجنين محسن؟ أجاب: قلت، إنّ هذا لم يثبت ثبوتاً بأسانيد معتبرة، ولكن قد يكون ممكناً،أمّا سقوط الجنين فقد يكون بحالة طبيعيّة طارئة؟!!

ص: 211

فكان تفاعله وتلقيه لهذا السؤال والاجابة عليه:

باسمه تعالى: كفى في ثبوت ظلامتها وصحّة ما نقل من مصائبها وما جرى عليها

خفاء قبرها ووصيتّها بأن تُدفن ليلاً إظهاراً لمظلوميتّها (سلام الله عليها)، مضافاً لما نُقل عن عليّ (عليه السّلام) من الكلمات في الكافي (ج 1 ص 458 ) عند ما دفنها، كما في مولد الزهراء (سلام الله عليها) من كتاب الحجةّ قال (عليه السّلام): «وستنبئك ابنتك بتظافر أمّتك على هضمها، فاحفها السؤال واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً ،ً وستقول و یحكم الله، والله خیر الحاكمين ».

وقال (عليه السلاّم): «فبعين الله تُدفَنُ ابنتك سرّاً ، ویهضم حقّها،و تمنع إرثها،ولم يتباعد العهد ولم يخلق منك الذكر، وإلى الله يا رسول الله المشتكى .»

وفي الجزء الثاني من نفس الباب بسند معتبر عن الكاظم (عليه السّلام) قال: «إنّها صدِّیقة شهيدة »؛ وهو ظاهر في مظلوميّتها وشهادتها.

ويؤيّده ما في البحار (ج 43 ، باب رقم 11 ) عن دلائل الإمامة للطبري بإسناده

عن كثير من العلماء، عن الصادق (عليه السلاّم): «وكان سبب وفاتها أنّ قنفذاً أمره مو لاه فلكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسناً »! والله الهادي للحق)(1).

ونلاحظ هنا:

إنَّ مقبولية النص الشريف كانت تشتمل على اظهاره كدليل يثبت ظلامة بضعة

المصطفى (صلى الله عليه وآله) وانها ماتت شهيدة مع جنينها المحسن وهذا يكشف عن اعلى مستويات التأثر والتفاعل مع النص ليس فقط عند متلقيه الشيخ التبريزي

ص: 212


1- الانوار الالهية في المسائل العقائدية: ص 117 - 118 .

(عليه الرحمة والرضوان) وانما لأهل الفضل والعلم والمكلفين من المؤمنين؛ فضلاً عن تأثر الباحثين والقرّاء بهذا الرأي الذي صدر عنه (رحمه الله) مما شكل حافزاً قوياً لدى أهل الإختصاص وطلاب المعرفة من المسلمين وغيرهم في معرفة

حقيقة الأحداث التي أعقبت وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحددت مسار

المسلمين وهويتهم العقدية وحقيقة ايمانهم وأرتباط ما جرى على البضعة النبوية

(صلوات الله وسلامه عليها) بالركن الخامس من أركان الاسلام الذي حددته

الروايات الشريفة الواردة عن أئمة العترة النبوية (عليهم السلام).

وهو ما جاء في اجابته (عليه الرحمة والرضوان) في سؤال آخر وُجِهِ إليه بخصوص

ما جرى على الزهراء (عليها السلام) ومساسه بالولاية لآل البيت (عليهم السلام)

كما سنعرض في ثانياً.

ثانياً: إن ما جرى على فاطمة الزهراء (علیها السّلام) من الظلم والجور مرتبط بعقيدة الموالاة والبراءة

إنَّ النظر في كتب فقهاء المذهب الامامي والبحث في البراءة من اعداء الله وموالاة اولياءه التي وردت في مصنفاتهم وكتبهم العقدية، تجمع على وجوب هذه العقيدة ومساسها بالولاية للعترة النبوية.

ولذا: لم يكن الشيخ جواد التبريزي (قدس سره) ليخالف ما اجمع عليه فقهاء المذهب واساطين العلم (رضوان الله تعالى عليهم).

وهو ما ظهر جليا في جوابه حينما وجه احد المؤمنين له السؤال الاتي:

ص: 213

(أفي نظركم أنّ الظلامات التي تعرضت لها أمّ الأئمة الأطهار فاطمة الزهراء

(سلام الله عليها) من قبل الحاكمين في ذلك الوقت مثل: (غصبها فدكاً، والهجوم

على دارها، وكسر ضلعها، وإسقاط الجنين المسمّى بمحسن بن علي (عليه السّلام)،ولطمها على خدها، ومنعها البكاء على فقد أبيها رسول الله (صلَّی الله عليه وآله وسلّم)، وما إلى ذلك من ظلامات) ألها أرتباط بصميم عقائدنا من التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد.. أم لا؟

فأجاب (قدس):

(بإسمه تعالى إنّ ما ثبت من الظلامات الكثيرة التي جرت على الصديقة الزهراء

فاطمة (عليه السّلام) لها مساس تام بالولاية التي هي الركن الخامس من أركان

الإسلام، وهو صريح عدة من النصوص المعتبرة، منها صحيح زرارة عن أبي جعفر

(عليه السّلام): «بُني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية »؛ ويظهر مساس هذه الظلامات بالولاية لمن تأمل وتمعّن في ملابسات هذه الحوادث ودوافعها، والله العالم)(1).

وعليه: تظهر مقبولية النص عند المتلقي (قدس سره) كحلقة متصلة في ثبوت عقيدة الموالاة والبراءة مع مقتضيات الأدلة الشرعية التي أحرزت في النص الشريف -مورد بحث- فكان سبباً لصدور هذا الرأي وتوجيه الناس الى العمل به مما حقق نسبة كبيرة من المقبولية لأصل النص، وذلك لقوله في رد شبهات أهل الجهل والضلال، فضلاً عن أحراز الإلتفات للعمل به من قبل الباحثين والمحققين وأهل الفضل والعلم.

ص: 214


1- الانوار الالهية: ص 118 .

وهو ما يطمح إليه أهل الاختصاص في علم لسانيات النص والمشتغلون بالتداولية

وادواتها، اي المقبولية.

ص: 215

ص: 216

الباب الثاني: ما رواه الشريف الرضي في وصية علي (علیه السّلام) في أمواله وابنيَ فاطمة (علیهم السّلام) وما رواه في حجاجه (علیه السّلام) لمعاوية في نفي ما لعلي (علیه السّلام)من الفضل

اشارة

ص: 217

ص: 218

نتناول بإذن الله تعالى وسابق لطفه في هذا الباب ما رواه الشريف الرضي في وصية الإمام علي (عليه السلام) في أولاد فاطمة (سلام الله عليهم أجمعين) وبيان قصدية النص ثم لنتبعه ببيان مقبوليته وذلك ضمن الفصل الاول من هذا الباب.

ثم سنتناول في الفصل الثاني في النص الشريف الذي رواه الرضي (رحمه الله)

جوابا على ما جاء في كتاب معاوية الذي يحتج فيه وينكر ما للإمام علي (عليه

الصلاة والسلام) من الفضل في الاسلام فكان جوابه حجاجيا ولم يخلوا من

القصدية والمقبولية التي سنعرجّ عليها ان شاء الله تعالى.

ص: 219

ص: 220

الفصل الاول : ما رواه الشريف الرضي (رحمه الله) في وصية علي (علیه السّلام) في أمواله وابنيَ فاطمة (علیه السّلام)

اشارة

ص: 221

ص: 222

يورد الشرف الرضي (عليه الرحمة والرضوان) (ت 406 ه) هذا النص في نهج

البلاغة وتحت عنوان:

(ومن وصية له (عليه السلام) بما يعمل في أمواله) فضلا عن ذلك:

فقد أخرج مجموعة من علماء المذهب هذه الوصية قبل أن يوردها الشريف الرضي

في نهج البلاغة.

ولذا: سنتناول هذه المصادر التي تقدمت على نهج البلاغة وأخرجت الوصية

وذلك ضمن المبحث الأول الذي سنعرض فيه لبيان سبب صدور الوصية ومكان

صدورها وزمانها كما سيأتي في المبحث الاول.

ص: 223

ص: 224

المبحث الأول : سبب صدور النص الشريف وبيان مكان صدوره وزمانه
اشارة

ص: 225

ص: 226

المسألة الاولى: سبب صدور النص (الوصية في أمواله (علیه السّلام)

أهتم الإسلام أهتماماً كبيراً بالإنفاق بالمال وحض عليه ورغب فيه أشد الترغيب

وذلك لما يحدثه من آثار أجتماعية ونفسية وتنمية للإنسان والمجتمع.

ولذا: لم يغب عن أمير المؤمنين (عليه السلام) هذه الآثار للإنفاق بل كان (عليه

السلام) نعم الدليل والمرشد والإمام العامل في تذويب الطبقية الإجتماعية وتحقيق العدالة الإجتماعية.

من هنا:

كان إهتمام العلماء كذلك في أمر الإنفاق وبيان آثاره العديدة في الدنيا والآخرة؛

وفي ذلك يقول العلّامة الطبطبائي: (الإنفاق من أعظم ما يهتم بأمره الاسلام في

أحد ركنية وهو حقوق الناس، وقد توسل إليه بأنحاء التوسل ايجابا وندبا من طريق

الزكاة والخمس والكفارات المالية وأقسام الفدية والإنفاقات الواجبة والصدقات

المندوبة، ومن طريق الوقف والسكنى والعمري والوصايا والهبة وغير ذلك.

وانما يريد بذلك ارتفاع سطح معيشة الطبقة السافلة التي لا تستطيع رفع حوائج

الحياة من غير إمداد مالي من غيرهم، ليقرب أفقهم من أفق أهل النعمة والثروة،

ومن جانب آخر قد منع من تظاهر أهل الطبقة العالية بالجمال والزينة في مظاهر

الحياة بما لا يقرب من المعروف ولا تناله أيدي النمط الأوسط من الناس، بالنهي

عن الاسراف والتبذير ونحو ذلك.

ص: 227

وكان الغرض من ذلك كله ايجاد حياة نوعية متوسطة متقاربة الا جزاء متشابهة

الابعاض، تحيى ناموس الوحدة والمعاضدة، وتميت الإرادات المتضادة وأضغان

القلوب ومنابت الأحقاد، فإن القرآن يرى أن شأن الدين الحق هو تنظيم الحياة

بشؤونها، وترتيبها ترتيبا يتضمن سعادة الانسان في العاجل والأجل، ويعيش به

الانسان في معارف حقة، واخلاق فاضلة، وعيشة طيبة يتنعم فيها بما أنعم الله عليه من النعم في الدنيا، ويدفع بها عن نفسه المكاره والنوائب ونواقص المادة.

ولا يتم ذلك إلا بالحياة الطيبة النوعية المتشابهة في طيبها وصفائها، ولا يكون

ذلك إلا بإصلاح حال النوع برفع حوائجها في الحياة، ولا يكمل ذلك إلا بالجهات

المالية والثروة والقنية، والطريق إلى ذلك انفاق الافراد مما اقتنوه بكد اليمين وعرق الجبين، فإنما المؤمنون إخوة، والأرض لله، والمال ماله.

وهذه حقيقة أثبتت السيرة النبوية على سائرها أفضل التحية صحتها واستقامتها

في القرار والنماء والنتيجة في برهة من الزمان وهي زمان حياته عليه السلام ونفوذ امره.

وهي التي يتأسف عليها ويشكو انحراف مجريها أمير المؤمنين علي عليه السلام

إذ يقول: وقد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلا إدبارا، والشر فيه إلا اقبالا، والشيطان في هلاك الناس إلا طمعا، فهذا أو ان قويت عدته وعمت مكيدته وأمكنت فريسته، اضرب بطرفك حيث شئت هل تبصر إلا فقيرا يكابد فقرا؟ أو غنيا بدل نعمة الله كفرا؟ أو بخيلا اتخذ البخل بحق الله وفرا أو متمردا كأن بإذنه عن سمع المواعظ وقرا؟ (نهج البلاغة).

ص: 228

وقد كشف توالي الأيام عن صدق القرآن في نظريته هذه - وهي تقريب الطبقات

بإمداد الدانية بالإنفاق ومنع العالية عن الاتراف والتظاهر بالجمال - حيث إن

الناس بعد ظهور المدنية الغربية استرسلوا في الاخلاد إلى الأرض، والافراط في

استقصاء المشتهيات الحيوانية واستيفاء الهوسات النفسانية، وأعدوا له ما استطاعوا من قوة، فأوجب ذلك عكوف الثروة وصفوة لذائذ الحياة على أبواب اولي القوة والثروة، ولم يبق بأيدي النمط الأسفل الا الحرمان، ولم يزل النمط الاعلى يأكل بعضه بعضا حتى تفرد بسعادة الحياة المادية نزر قليل من الناس وسلب حق الحياة من الأكثرين وهم سواد الناس، وأثار ذلك جميع الرذائل الخلقية من الطرفين، كل يعمل على شاكلته لا يبقي ولا يذر، فأنتج ذلك التقابل بين الطائفتين، واشتباك النزاع والنزال بين الفريقين، والتفاني بين الغني والفقير والمنعم والمحروم والواجد والفاقد، ونشبت الحرب العالمية الكبرى، وظهرت الشيوعية، وهجرت الحقيقة والفضيلة وارتحلت السكن والطمأنينة وطيب الحياة من بين النوع وهذا ما نشاهده اليوم من فساد العالم الانساني، وما يهدد النوع بما يستقبله أعظم وأفظع.

ومن أعظم العوامل في هذا الفساد انسداد باب الانفاق وانفتاح أبواب الرباء

الذي سيشرح الله تعالى أمره الفظيع في سبع آيات تالية لهذه الآيات أعني آيات

الانفاق ويذكر ان في رواجه فساد الدنيا وهو من ملاحم القرآن الكريم، وقد كان

جنينا أيام نزول القرآن فوضعته حامل الدنيا في هذه الأيام.

وإن شئت تصديق ما ذكرناه فتدبر فيما ذكره سبحانه في سورة الروم إذ قال:

«فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31)مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ

ص: 229

حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33)لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ »إلى أن قال: «فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38)«وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)إلى أن قال -:«ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)«قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ (42)«فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ (43)(1).

وللآيات نظائر في سور هود ويونس والاسراء والأنبياء وغيرها تنبئ عن هذا

الشأن، سيأتي بيانها إنشاء الله.

وبالجملة هذا هو السبب فيما يترائى من هذه الآيات أعني آيات الانفاق من الحث

الشديد والتأكيد البالغ في أمره.

قوله تعالى: «مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ »«الخ» ، المراد بسبیل الله کل أمر ینتهی إلی مرضاته سبحانه لغرض ديني فعل الفعل لأجله، فإن الكلمة في الآية مطلقة، وان كانت الآية مسبوقة بآيات ذكر فيها القتال في سبيل الله، وكانت كلمة، في سبيل الله، مقارنة للجهاد في غير واحد من الآيات، فإن ذلك لا يوجب التخصيص وهو ظاهر.

وقد ذكروا أن قوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ حَبَّةٍ﴾ الخ، على تقدير قولنا كمثل من زرع

حبة أنبتت «الخ » فإن الحبة المنبتة لسبع سنابل مثل المال الذي أنفق في سبيل الله لا مثل من أنفق وهو ظاهر.

ص: 230


1- سورة الروم، الآية ( 30 - 43 ).

وهذا الكلام وإن كان وجيها في نفسه لكن التدبر يعطي خلاف ذلك فإن جل

الأمثال المضروبة في القرآن حالها هذا الحال فهو صناعة شائعة في القرآن كقوله

تعالى: «وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ »(1) ، فإنه مثل من يدعو الكفار لا مثل الكفار، وقوله تعالى: «إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ »(2)، وقوله تعالى: ﴿مثَلَ نوُرهِ كمَشِكْاَة﴾ٍ(3)، وقوله تعالى في الآيات التالية لهذه الآية: ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ﴾ الآية: وقوله تعالى: ﴿مثَلَ الذَّيِن ينُفْقِوُن أمَوْاَلهمُ ابتْغِاَء مرَضْاَة الله وتَثَبْيِتاً منِ أنَفْسُهِمِ كمَثَلَ جنَةَّ برِبَوْةَ﴾ٍ إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة.

وهذه الأمثال المضروبة في الآيات تشترك جميعا في أنها اقتصر فيها على مادة

التمثيل الذي يتقوم بها المثل مع الاعراض عن باقي أجزاء الكلام للإيجاز.

توضيحه: أن المثل في الحقيقة قصة محققة أو مفروضة مشابهة لأخرى في جهاتها يؤتي بها لينتقل ذهن المخاطب من تصورها إلى كمال تصور الممثل كقولهم: لا ناقة لي ولا جمل، وقولهم: في الصيف ضيعت اللبن من الأمثال التي لها قصص محققة يقصد بالتمثيل تذكر السامع لها وتطبيقها لمورد الكلام للاستيضاح، ولذا قيل: إن الأمثال لا تتغير، وكقولنا: مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل من زرع حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، وهي قصة مفروضة خيالية.

والمعنى الذي يشتمل عليه المثل ويكون هو الميزان الذي يوزن به حال الممثل ربما كان تمام القصة التي هي المثل كما في قوله تعالى: ﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ)(4)،

ص: 231


1- سورة البقرة، الآية ( 171 ).
2- سورة يونس، الآية ( 24 ).
3- سورة النور، الآية ( 35 ).
4- سورة إبراهيم، الآية ( 26 ).

وقوله تعالى: «مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا »(1)، وربما كان بعض القصة مما يتقوم به غرض التمثيل وهو الذي نسميه مادة التمثيل، وإنما جيء بالبعض الآخر لتتميم القصة كما في المثال الأخير (مثال الانفاق والحبة) فإن مادة التمثيل إنما هي الحبة المنبتة لسبعمائة حبة وإنما ضممنا إليها الذي زرع لتتميم القصة.

وما كان من أمثال القرآن مادة التمثيل فيه تمام المثل فإنه وضع على ما هو عليه،

وما كان منها مادة التمثيل فيه بعض القصة فإنه اقتصر على مادة التمثيل فوضعت

موضع تمام القصة لان الغرض من التمثيل حاصل بذلك، على ما فيه من تنشيط

ذهن السامع بفقده أمرا ووجد انه أمرا آخر مقامه يفي بالغرض منه، فهو هو بوجه

وليس به بوجه، فهذا من الايجاز بالقلب على وجه لطيف يستعمله القرآن.

قوله تعالى: أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، السنبل معروف وهو على فنعل، قيل الأصل في معنى مادته الستر سمي به لأنه يستر الحبات التي تشتمل عليها في الأغلفة.

ومن اسخف الاشكال ما أورد على الآية أنه تمثيل بما لا تحقق له في الخارج وهو

اشتمال السنبلة على مائة حبة، وفيه أن المثل كما عرفت لا يشترط فيه تحقق مضمونة في الخارج فالأمثال التخيلية أكثر من أن تعد وتحصى، على أن اشتمال السنبلة على مائة حبة وإنبات الحبة الواحدة سبعمائة حبة ليس بعزيز الوجود.

قوله تعالى:«وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ »، أي يزيد على سبعمائة لمن يشاء فهو الواسع لا مانع من جوده ولا محدد لفضله كما قال تعالى: «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً»(2)، فأطلق الكثرة ولم يقيدها بعدد معين.

ص: 232


1- سورة الجمعة، الآية ( 5).
2- سورة البقرة، الآية ( 245 ).

وقيل: إن معناه أن الله يضاعف هذه المضاعفة لمن يشاء فالمضاعفة إلى سبعمائة

ضعف غاية ما تدل عليه الآية، وفيه ان الجملة على هذا يقع موقع التعليل، وحق

الكلام فيه حينئذ ان يصدر بان كقوله تعالى: «اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ »(1)، وأمثال ذلك.

ولم يقيد ما ضربه الله من المثل بالآخرة بل الكلام مطلق يشمل الدنيا والآخرة

وهو كذلك والاعتبار يساعده، فالمنفق بشيء من ماله وإن كان يخطر بباله ابتداءً أن المال قد فات عنه ولم يخلف بدلا، لكنه لو تأمل قليلا وجد أن المجتمع الانساني بمنزلة شخص واحد ذو أعضاء مختلفة بحسب الأسماء والاشكال لكنها جميعا متحدة في غرض الحياة، مرتبطة من حيث الأثر والفائدة، فإذا فقد واحد منها نعمة الصحة والاستقامة، وعى في فعله أوجب ذلك كلال الجميع في فعلها، وخسرانها في أغراضها فالعين واليد وإن كانا عضوين اثنين من حيث الاسم والفعل ظاهرا، لكن الخلقة إنما جهز الانسان بالبصر ليميز به الأشياء ضوءً ولونا وقربا وبعدا

فتتناول اليد ما يجب أن يجلبه الانسان لنفسه، وتدفع ما يجب أن يدفعه عن نفسه، فإذا سقطت اليد عن التأثير وجب أن يتدارك الانسان ما يفوته من عامة فوائدها بسائر أعضائه فيقاسي أولا كدا وتعبا لا يتحمل عادة، وينقص من أفعال سائر الأعضاء بمقدار ما يستعملها في موضع العضو الساقط عن التأثير، وأما لو أصلح حال يده الفاسدة بفضل ما ادَّخره لبعض الأعضاء الاخر كان في ذلك إصلاح حال الجميع، وعاد إليه من الفائدة الحقيقية أضعاف ما فاته من الفضل المفيد أضعافا ربما زاد على المآت والألوف بما يورث من إصلاح حال الغير، ودفع الرذائل التي يمكنها الفقر والحاجة في نفسه، وإيجاد المحبة في قلبه، وحسن الذكر في لسانه، والنشاط في عمله،

ص: 233


1- سورة المؤمن، الآية ( 61 ).

والمجتمع يربط جميع ذلك ويرجعه إلى المنفق لا محالة، ولا سيما إذا كان الانفاق

لدفع الحوائج النوعية كالتعليم والتربية ونحو ذلك، فهذا حال الانفاق)(1).

وعليه: يتضح لدى القارئ الاهمية البالغة التي تترتب على مسألة الانفاق وآثاره

الكبيرة في المجتمع فضلاً عن كاشفيتها عن شخصية المنفق وايمانه في إستثمار المال لغرض عوائده الاخروية وهذا من بين أهم الآمور التي يمكن فهمها ومعرفتها من خلال وصية منتج النص (عليه أفضل الصلاة والسلام) في أمواله وفي أبني فاطمة (عليهم السلام) كما سيمر مفصلاً من خلال مقاصدية النص.

المسألة الثانية: زمان صدور النص الشريف ومكانه
أولاً: مكان صدور النص

ترشد المصادر التي اخرجت الوصية الى أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)

كان قد كتبها بعد منصرفه من صفين، وعنون لها الشريف الرضي (رحمه الله) في

النهج )(2).

وقد أخرج الكليني والشيخ الطوسي (رحمة الله عليهما) الوصية وقد جاء فيها

قول الإمام علي (عليه السلام): «هذا ما قضى به علي في ماله، الغد من يوم قدم مسكنِ »(3).

ومسكِنِ، بكسر الكاف موضع بالكوفة على شاطئ الفرات، وهو يرشد ايضاً كما

عنون الشريف الرضي (رحمه الله) الى صدور النص بعد رجوعه من صفين لاسيما

وأن الوصية قد حملت تاريخ كتابتها بخط يده (عليه السلام)؛ كما سيمر في ثانياً.

ص: 234


1- تفسير الميزان، ج 2 ص 383 - 388 .
2- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 379 .
3- تهذيب الاحكام: ج 9 ص 148 ؛ الكافي: ج 7 ص 50 .
ثانياً: زمان صدور النص

لقد أشارت المصادر التي أخرجت النص الشريف الى أن الإمام علي (عليه

السلام) قد كتب الوصية في اليوم العاشر من جمادي الاولى سنة سبع وثلاثين، كما جاء بقوله (عليه السلام): «وكتب علي بن أبي طالب بيده لعشر خلون من جمادي الاولى سنة سبع وثلاثين »(1).

في حين كان النص الذي أخرجه الحر العاملي (رحمه الله) في الوسائل يرشد الى

عام تسع وثلاثين مع عدم الاختلاف في اليوم والشهر(2).

والظاهر أن التاريخ الذي ورد في الكافي والتهذيب وغيرهما هو الأقرب إلى صحة

التاريخ الذي كتب فيه الإمام وصيته (عليه السلام) وذلك لوقوع معركة صفين في

عام سبع وثلاثين للهجرة(3) ،ووقوع معركة النهروان في نفس السنة.

أما ما يرشد إليه هذا التوقيت في كتابته (عليه السلام) للوصية فهو يرجع الى

بعض الأمور، منها:

1-يقينه بما أخبره رسول الله (صلى الله عليه وآله) من خروج الناكثين والقاسطين

والمارقين وقد وقعت هذه الحروب الثلاثة ومن ثم فهو (عليه السلام) ينتظر ما

وعده الله به، أي الشهادة في سبيله على يد أحد شرار خلقه، وكما أخبره بذلك

رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ولذا: لطالما كان يقول (عليه السلام): «حتى يبعث أشقاها فيغضب هذه من هذه » وكان يشير بيده الى رأسه ولحيته المقدسة.

ص: 235


1- المصدر السابق.
2- وسائل الشيعة: ج 19 ص 201 .
3- تاريخ الطبري: ج 4 ص 52 .

2- ظروف المرحلة التي يمر بها مع وجود كل هذه المتغيرات في الثوابت العقدية

والايمانية وهو الموقن أيضا بما كشف له حبيبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن حال الأمة وما يجري فيها من بعده؛ لاسيما تكالب المنافقين عليه وعلى اهل بيته (عليهم السلام).

وإن هذه المتغيرات في الرؤى والمعطيات الثقافية والفكرية ستسري الى النخبة

الذين كان يقاتل بهم عدو الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وعدوهم، ولعل

موقف بعض هؤلاء النخبة من تأثره عليه السلام واظهار حزنه الشديد على مقتل

محمد بن ابي بكر يرشد الى أنهم تأثروا بهذه الاحداث والمتغيرات الفكرية(1).

ولذا:

نلاحظ -كما سيمر في النص- تشديده على اختيار من يخلف الامام الحسين (عليه

السلام) في التولية على الوقف؛ كقوله (عليه الصلاة والسلام):

«وأن حدث بحسن وحسين حدث فإن الاخر منهما ينظر في بني علي فإن وجد

فيهم من يرضى بهداه وأسلامه وأمانته فإنه يجعله إليه إن شاء الله، وأن لم ير فيهم بعض الذي يريده فإنه يجعله في رجل من آل أبي طالب يرضى به، فإن وجد آل أبي طالب قد ذهب كبراؤهم وذوو آرائهم فأنه يجعله الى رجل يرضاه من بني هاشم، وأنه يشترط على الذي يجعله إليه أن يترك المال على اصوله.... »(2).

3- إنّ المعركة منذ أن قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) تدور رحاها حول

الحفاظ على عترة المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وذلك أن حفظهم هو حفظ

ص: 236


1- لمزيد من الاطلاع ينظر كتاب الأمن الفكري في نهج البلاغة للمؤلف.
2- الكافي: ج 7 ص 50 .

للقرآن والأمة والإسلام؛ فإن ضيعهم الناس فقد ضيعوا القرآن وتفرقوا في دينهم

وكانوا شيعاً وفرقاً يكفّر بعضهم بعض حتى يقبلوا على الله عز وجل ليوردهم النار

وبئس الورد المورد.

وعليه:

مثلما عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على تبليغ رسالة ربه وصدع بما أمر

به بالنذارة والبشارة فأوصى بالتمسك بالثقلين كتاب الله وعترته أهل بيته (عليهم

السلام) كذلك كان عمل الإمام علي (عليه السلام) ومنهجه حتى لاقى ربه شهيداً مخضباً بدمائه.

ولذا: كتب هذه الوصية بيده واستشهد عليها الشهود في هذا الوقت كما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يكتب لهم كتاباً في أيام مرضه فواجهه عمر بن الخطاب بتهمة الهجر.

ضرورات المرحلة أستلزمت أن يكتب هذه الوصية بيده، وسيشهد عليها بعض

الشهود وأن الأصل فيها أمران:

الأول- إستخدام المال لإستحصال رضا الله عز وجل.

الثاني- إستحفاظ حرمة فاطمة وحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حفظ

حرمة ولديها الإمام الحسن والحسين (عليهما السلام)، وتعظيم شأنهما أبتغاء وجه الله تعالى، وصوناً لشرع الله في حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحرمة فاطمة (عليها السلام)؛ كما سيمر خلال مباحث الفصل إن شاء الله تعالى.

ص: 237

المسألة الثالثة: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج التي تضمنت الوصية
اشارة

المسألة الثالثة: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج(1) التي تضمنت الوصية .

ورد النص الشريف المتضمن لوصية الامام علي (عليه السلام) في أمواله في

الكتب الحديثة لمدرسة العترة النبوية (عليهم السلام)، في:

1- الكافي للشيخ الكليني (رحمه الله) (ت 329 ه).

2- دعائم الاسلام للقاضي النعمان المغربي (رحمه الله) (ت 363 ه).

3- التذهيب للشيخ الطوسي (رحمه الله) (ت 460 ه).

4- نهج البلاغة جمعه الشريف الرضي (رحمه الله) (ت 436 ه).

5- وسائل الشيعة للحر العاملي (رحمه الله) (ت 1140 ه).

وورد النص أيضاً في الكتب التاريخية، ومنها:

تاريخ المدينة لأبن شبة النميري (ت 262 ه).

والذي يهمنا في النص الشريف ما تعلق بأولاد فاطمة (عليهم السلام) ولكن

ص: 238


1- ابو علي عبد الرحمن بن الحجاج البجلي، مولاهم، كوفي، بياع السابري، سكن بغداد، ترجم له السيد الخوئي (قدس سره) في معجم رجال الحديث ونقل عن الكشي قوله: (وكان ثقة، ثقة، ثبتاً،وجهاً، عابداً، له كتب يرويها عنه جماعات من أصحابنا). وعده الشيخ الطوسي (رحمه الله) في أصحاب الصادق (عليه السلام)، قائلاً:(مولاهم، كوفي، بياع السابري، استاذ صفوان، وعده كذاك من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)، وذكره الكشي، بقوله: (عن أبي القاسم نصر بن الصباح، قال: عبد الرحمن الحجاج شهد له أبو الحسن (عليه السلام) بالجنة؛ وكان أبو عبد الله (عليه السلام) يقول لعبد الرحمن: «يا عبد الرحمن كلم أهل المدينة فإني أحب أن يرى في رجال الشيعة مثلك .» وعده الشيخ المفيد (رحمه الله) من شيوخ أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين؛ للمزيد ينظر: معجم رجال الحديث: ج 10 ص 342 - 350 .

لابد من ذكر النص كاملا ومن مصدرين من حيث القدم وهما كالاتي:

أولاً:ما رواه الشيخ الكليني (رحمه الله) (ت 329 ه)

أخرج الشيخ الكليني (رحمه الله) عن صفوان بن يحيى، عم عبد الرحمن بن

الحجاج، قال: بعث لي أبو الحسن موسى (عليه السلام) بوصية أمير المؤمنين (عليه السلام) وهي:

«بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به وقضى به في ماله عبد الله علي ابتغاء وجه الله، ليولجني به الجنة، ويصرفني به عن النار، ويصرف النار عني يوم تبيض وجوه وتسود وجوه؛ أن ما كان لي من مال بينبع يعرف لي فيها، وما حولها صدقة ورقيقها غير أن رباحا وأبا نيزر وجبيرا عتقاء ليس لأحد عليهم سبيل، فهم موالي يعملون في المال خمس حجج وفيه نفقتهم ورزقهم وأرزاق أهاليهم، ومع ذلك ما كان لي بوادي القرى كله من مال لبنى فاطمة ورقيقها صدقة، وما كان لي بديمة وأهلها صدقة غير أن زريقا له مثل ما كتبت لأصحابه(1) ، وما كان لي بأذينة وأهلها صدقة والفقيرين كما قد علمتم صدقة في سبيل الله، وان الذي كتبت من أموالي هذه

صدقة واجبة بتلة(2) حيا أنا أو ميتا، ينفق في كل نفقة يبتغى بها وجه الله وفي سبيل الله ووجهه، وذوي الرحم من بني هاشم وبني المطلب والقريب والبعيد، فإنه يقوم على ذلك الحسن بن علي يأكل منه بالمعروف وينفقه حيث يراه الله عز وجل في حل محلل لا حرج عليه فيه، فان أراد أن يبيع نصيبا من المال فيقضى به الدين فليفعل إن شاء ولا حرج عليه فيه، وإن شاء جعله سرى الملك(3) وإن ولد علي ومواليهم

ص: 239


1- في التهذيب (غير أن رقيقها لهم مثل ما كتبت لأصحابهم).
2- صدقة بتلة أي منقطعة عن صاحبها.
3- السرى: الشريف والنفيس. وفي الوافي(شراء الملك).

وأموالهم إلى الحسن بن علي، وإن كانت دار الحسن بن علي غير دار الصدقة فبدا له أن يبيعها فليبع إن شاء لا حرج عليه فيه، وإن باع فإنه يقسم ثمنها ثلاثة أثلاث فيجعل ثلثا في سبيل الله، وثلثا في بني هاشم وبني المطلب، ويجعل الثلث في آل أبي طالب، وإنه يضعه فيهم حيث يراه الله، وإن حدث بحسن حدث وحسين حي فإنه إلى الحسين بن علي، وإن حسينا يفعل فيه مثل الذي أمرت به حسنا له مثل الذي كتبت للحسن، وعليه مثل الذي على الحسن، وإن لبنى [ابني] فاطمة من صدقة علي مثل الذي لبنى علي، وأني إنما جعلت الذي جعلت لابني فاطمة ابتغاء وجه الله عز وجل وتكريم حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتعظيمهما وتشريفهما ورضاهما.

وإن حدث بحسن وحسين حدث فإن الآخر منهما ينظر في بني علي، فان وجد

فيهم من يرضى بهداه واسلامه وأمانته، فإنه يجعله إليه إن شاء، وإن لم ير فيهم بعض الذي يريده فإنه يجعله إلى رجل من آل أبي طالب يرضى به، فان وجد آل أبي طالب قد ذهب كبراؤهم وذووا آرائهم فإنه يجعله إلى رجل يرضاه من بني هاشم وأنه يشترط على الذي يجعله إليه أن يترك المال على أصوله وينفق ثمره حيث أمرته به من سبيل الله ووجهه وذوي الرحم من بني هاشم وبني المطلب والقريب والبعيد لا يباع منه شيء ولا يوهب ولا يورث وإن مال محمد بن علي على ناحيته وهو إلى ابني فاطمة وأن رقيقي الذين في صحيفة صغيرة التي كتبت لي عتقاء(1).

هذا ما قضى به علي بن أبي طالب في أمواله هذه الغد من يوم قدم مسكن(2) أبتغاء وجه الله والدار الآخرة، والله المستعان على كل حال، ولا يحل لامرئ مسلم يؤمن بالله

واليوم الآخر أن يقول في شيء قضيته من مالي، ولا يخالف فيه أمري من قريب أو بعيد.

ص: 240


1- (لي) ليست في التهذيب.
2- مسكن - بكسر الكاف -: موضع بالكوفة على شاطئ الفرات.

أما بعد فان ولائدي اللائي أطوف عليهن السبعة عشر منهن أمهات أولاد معهن

أولادهن ومنهن حبالى ومنهن من لا ولد له فقضاي فيهن إن حدث بي حدث أنه

من كان منهن ليس لها ولد وليست بحبلى فهي عتيق لوجه الله عز وجل ليس لأحد عليهن سبيل ومن كان منهن لها ولد أو حبلى فتمسك على ولدها وهي من حظه(1)فان مات ولدها وهي حية فهي عتيق ليس لأحد عليها سبيل، هذا ما قضى به علي في ماله الغد من يوم قدم مسكن شهد أبو سمر بن برهة وصعصعة بن صوحان ويزيد بن قيس وهياج بن أبي هياج وكتب علي بن أبي طالب بيده لعشر خلون من جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين)(2).

ثانياً: ما رواه ابن شبة النميري (ت 262 ه) .

وروى الوصية ابن شبة النميري بدون سند، فقال:

(قال أبو غسان: وهذه نسخة كتاب صدقة علي بن ابي طالب -(عليه الصلاة والسلام)- حرفاً بحرف نسختها على نقصان هجائها، وصورة كتابها، أخذتها من أبي، أخذها من حسن بن زيد.

بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أمر به وقضى به في ماله عبد الله علي أمير المؤمنين، ابتغاء وجه الله ليولجني الله به الجنة، ويصرفني عن النار ويصرف النار عني يوم تبيض وجوه وتسود وجوه؛ أن ما كان لي بينبع من ماء يعرف لي فيها وما حوله صدقة ورقيقها غير أن رباحا وأبا نيزر وجبير أعتقناهم(3) ، ليس لأحد عليم سبيل،

ص: 241


1- في بعض النسخ (في حصته ).
2- الكافي: ج 7 ص 49 - 51 .
3- في الأصل «أن رباحا وأبا نزير وجبيرا عتقاء » وما أثبتناه عن وفاء الوفا 2: 349 ط. الآداب.

وهم موالي يعملون في الماء خمس حجج، وفيه نفقتهم ورزقهم ورزق أهليهم؛ ومع ذلك ما كان بوادي القرى، ثلثه مال ابني قطيعة(1) ، ورقيقها صدقة، وما كان لي (بواد)(2) ترعة(3) وأهلها صدقة، غير أي زريقا له مثل ما كتبت لأصحابه، وما كان لي بإذنية وأهلها صدقة، والفقير لي كما قد علمتم صدقة في سبيل الله، وأن الذي كتبت من أموالي هذه صدقة وجب فعله حيا أنا أو ميتا ينفق في كل نفقة ابتغى به وجه الله من سبيل (الله)(4) ووجهه وذوي الرحم من بني هاشم، وبني المطلب والقريب والبعيد، وأنه يقوم على ذلك حسن بن علي، يأكل منه بالمعروف وينفق حيث يريه الله في حل محلل لا حرج عليه فيه، وإن أراد أن يندمل(5) من الصدقة مكان ما فاته يفعل إن شاء الله لا حرج عليه فيه، وإن أراد أن يبيع من الماء فيقضي به الدين فليفعل إن شاء لا حرج عليه فيه، وإن شاء جعله يسير إلى ملك، وإن ولد علي وما لهم إلى حسن بن علي، وإن كان دار حسن غير دار الصدقة فبدا له أن يبيعها، فإنه يبيع إن شاء لا حرج عليه فيه، فإن يبع فإنه يقسم منها ثلاثة أثلاث، فيجعل ثلثه في سبيل الله، ويجعل ثلثه في بني هاشم وبني المطلب، ويجعل ثلثه في آل أبي طالب، وأنه يضعه منهم حيث يريه الله، وإن حدث بحسن حدث وحسين حي، فإنه إلى حسين بن علي، وأن حسين بن علي يفعل فيه مثل الذي أمرت به حسنا، له منها مثل الذي كتبت لحسن منها، وعليه فيها مثل الذي على حسن، وإن لبني فاطمة من صدقة علي مثل الذي لبني علي، وإني إنما جعلت الذي جعلت إلى

ص: 242


1- قطيعة: أي إقطاع وهبة. على سبيل الوقف أو غيره.
2- اللفظ محرف في الأصل، والتصويب عن وفاء الوفا 2: 349 .
3- ترعة: واد يلقى أضم من القبلة، وفي ترعة يقول بشر السلمي: أرى إبلي أمست تحن لقاحها * بترعة ترجو أن أحل بها إبلا والإضافة للتوضيح (وفاء الوفا 2: 270 ).
4- إضافة على الأصل.
5- يندمل: أي يصلح من الصدقة (أقرب الموارد).

ابني فاطمة ابتغاء وجه الله وتكريم حرمة محمد وتعظيما وتشريفا ورجاء بهما، فإن

حدث لحسن أو حسين حدث، فإن الآخر منهما ينظر في بني علي، فإن وجد فيهم من يرضى بهديه وإسلامه وأمانته فإنه يجعله إن شاء، وإن لم ير فيهم بعض الذي يريد، فإنه يجعله إلى رجل من ولد أبي طالب يرضاه، فإن وجد آل أبي طالب يومئذ قد ذهب كبيرهم وذوو رأيهم وذوو أمرهم، فإنه يجعله إلى رجل يرضاه من بني هاشم، وإنه يشترط على الذي يجعله إليه أن ينزل الماء على أصوله، ينفق تمره حيث أمر به من سبيل الله ووجهه، وذوي الرحم من بني هاشم، وبني المطلب، والقريب والبعيد لا يبع منه شيء ولا يوهب ولا يورث، وإن مال محمد على ناحية، ومال ابني فاطمة ومال فاطمة إلى ابني فاطمة.

وإن رقيقي الذين في صحيفة حمزة الذي كتب لي عتقاء: فهذا ما قضى عبد الله علي أمير المؤمنين في أمواله هذه الغد من يوم قدم مكر(1) ابتغي وجه الله والدار الآخرة،

والله المستعان على كل حال، ولا يحل لامرئ مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن

يقول في شئ قبضته في مال، ولا يخالف فيه عن أمري الذي أمرت به عن قريب ولا بعيد؛ أما بعدي (فإن)(2) ولائدي اللاتي أطوف عليهن السبع عشرة منهن أمهات أولاد أحياء معهن ومنهن من لا ولد لها، فقضائي فيهن إن حدث لي حدث: أن من كان منهن ليس لها ولد، وليست بحبلى، فهي عتيقة لوجه الله، ليس لأحد عليها سبيل، ومن كان منهن ليس لها ولد وهي حبلى فتمسك على ولدها وهي من حظه، وأن من مات ولدها وهي حية فهي عتيقة، ليس لأحد عليها سبيل، فهذا ما قضى به عبد الله علي أمير المؤمنين من مال الغد من يوم مكر.

ص: 243


1- مكر: بمعنى اختضب، ولعله من يوم قدم مختضب الدماء. (تاج العروس).
2- إضافة يقتضيها السياق.

شهد أبو شمر بن أبرهة، وصعصعة بن صوحان، ويزيد بن قيس، وهياج بن أبي

هياج، وكتب عبد الله علي أمير المؤمنين بيده لعشرة خلون من جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين ه) (1).

أما النص المخصوص -مورد البحث- الذي أورده الشريف الرضي (رحمه الله)

في نهج البلاغة فكان هو: «وإنَّ لإبنيَ فاطمة من صدقة علي مثل الذي لبني علي، وإني أنما جعلت القيام بذلك الى ابنيَ فاطمة أبتغاء وجه الله، وقربة الى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتكريما لحرمته، وتشريفا لوصلته »(2).

وعند الرجوع الى المصادر التي تقدمت على كتاب نهج البلاغة نجد هذا النص

الشريف ورد بالصيغ الأتية:

1- أخرجه الشيخ الكليني (رحمه الله) بلفظ:

«وإنّ لبني [ابني] فاطمة من صدقة علي مثل الذي لبني علي وإني أنما جعلت

الذي لأبني فاطمة أبتغاء وجه الله عز وجل، وتكريم حرمة رسول الله (صلى الله

عليه وآله) وتعظيمهما وتشريفهما ورضاهما »(3).

2-رواه القاضي النعمان المغربي (ت 363 ه) بلفظ:

«وإن الذي لبني فاطمة من صدقة علي (عليه السلام) مثل الذي لبني علي، واني انما جعلت الذي جعلت الى بني فاطمة ابتغاء وجه الله، ثم تكريم حرمة محمد

ص: 244


1- تاريخ المدينة: ج 1 ص 225 - 228 .
2- نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: ص 379 .
3- الكافي: ج 7 ص 50 .

(صلى الله عليه وآله)، وتعظيما وتشريفا ورضا بها »(1).

3-وأورده الشيخ الطوسي (رحمه الله) بلفظ:

«وإن الذي لبني فاطمة من صدقة علي مثل الذي جعل لبني علي، واني انما جعلت لأبني فاطمة من ابتغاء وجه الله وتكريم حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتعظيمهما وتشريفهما، ورضاها بهما »(2).

4-وأورده الحر العاملي (رحمه الله) (ت 1140 ه) بلفظ:

«وإنَّ الذي لبني، ابني، فاطمة من صدقة علي مثل الذي لبني علي، واني انما جعلت الذي جعلت لأبني ابتغاء وجه الله وتكريم حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ وتعظيمها وتشريفها، ورضاها بهما .»

فهذه مجموعة من المصادر التي اخرجت هذه الوصية وبهذه الالفاظ التي يمكن

توليفها ضمن النص الآتي:

«وإنَّ لبني [ابني] فاطمة من صدقة علي مثل الذي لبني علي وإني أنما جعلت

[القيام] الذي جعلت لابني [الى بني] فاطمة [بذاك الى ابني فاطمة] أبتغاء وجه الله عز وجل؛ (وتكريم حرمة رسول الله) محمد (صلى الله عليه وآله)، (وقربة الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)، (وتكريما لحرمته)، (وتعظيمهما وتشريفهما ورضاهما)، (ورضاهما بهما)، (وتشريفا ورجاء بهما)، (وتعظيمها وتشريفها ورضاها بهما) .»

ونلاحظ هنا: إنّ الإختلاف وقع في شأن الحسن والحسين وشأن فاطمة وأتصالهم

برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو ما سنتناوله في المباحث القادمة أن شاء الله تعالى.

ص: 245


1- دعائم الاسلام لقاضي النعمان المغربي: ج 2 ص 342 .
2- تهذيب الاحكام: ج 9 ص 147 .

ص: 246

المبحث الثاني: المقاصدية في قوله (علیه السّلام) «أبتغاء وجه الله »
اشارة

ص: 247

ص: 248

يمتاز النص الشريف بجملة من الخصائص التي جعلت منه نصا منفردا في

المفهوم والمصداق بنحو العموم والخصوص في آن واحد وهي كالآتي:

1- في المفهوم العام فالنص يرتب جملة من التشريعات المقدسة فيما يتعلق بالوصية والوقف والصدقات، والعتق، والإنفاق وغيرها من التشريعات.

2- وفي المفهوم الخاص يرتب جملة من الحدود في التعامل مع أبناء فاطمة

(صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين) ضمن عنوانات متعددة كالقربة لله واحراز

رضوانه، واكرام حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والقربة إليه، تشريفاً لوصلته، وتعظيماً للحسن والحسين (عليهما السلام)، وتشريفاً لهما، وأحراز

رضاهما، وتعظيم فاطمة (عليها السلام) وتشريفها، وأحراز رضاها من خلال

أرضاء الحسن والحسين (عليهما السلام).

وهذه العنوانات لها مقاصد محددة؛ وحدود خاصة ودلائل معينة تجتمع كلها في

شأنية فاطمة وشرفها ومنزلتها ورضاها، والطرق والآليات المحرزة لهذا الرضا وما

يترتب عليه ويلازمه من اثار تشريعية وتكوينية في الدنيا والآخرة، كسوء العاقبة أو

حسنها في الدنيا، وسوء المنقلب والعذاب في منازل الآخرة من الإحتضار وحتى

الإنتهاء من الحساب ومواقف يوم القيامة.

ولذا:

سنتناول في البدء المساحة العامة التي شغلها النص الشريف ومضمونه العام وهو الأموال وما يترتب عليها في الوصية بها، وأفضل السبل للانتفاع منها ما بعد الموت

ص: 249

ومن ثم نتناول القصدية في المفهوم الخاص، وهو شأنية فاطمة وولداها وتلازمهم

مع رضوان الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)، وما تعلق به من مباحث ومسائل

ستمر تبعاً بإذن الله تعالى، وسابق لطفه، وفضله وفضل رسوله (صلى الله عليه وآله).

المسألة الأولى: قصدية الإنفاق في سياق العرض القرآني

ورد لفظ (وجه الله) في القرآن الكريم ملازما للأنفاق وأرتكازه -كما عند

المفسرين- على الإنفاق في المال.

ولذا:

نجده (عليه السلام) حينما ابتدأ الوصية قال:

«بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به، وقضى به في ماله عبد الله علي، إبتغاء وجه الله، ليولجني به الجنة، ويصرفني به عن النار، ويصرف النار عني، يوم تبيض وجوه وتسود وجوه .»

وهذا المعنى والقصدية التي جاءت في مقدمة الوصية ترشد الى ان الانفاق في المال ملازم في انجازه وحصوله والاقدام عليه لوجه الله تعالى.

وهو ما نراه في جملة من الآيات المباركة، وهي كالاتي:

1- قال تعالى «.... وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ »(1).

2- قال تعالى «فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ »(2).

ص: 250


1- سورة البقرة، الآية ( 272 ).
2- سورة الروم، الآية ( 38 ).

3- قال تعالى ﴿..... وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ »(1).فالآيات المباركة تخصص الإنفاق في المال بالخير وتلازمه لوجه الله تعالى.

وهو ما ذهب اليه أغلب المفسرين لهذه الآيات، لاسيما قوله تعالى:

« وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ »

ومما جاء في أقوالهم لبيان قصدية الإنفاق:

1-قال الشيخ الطوسي (ت 460 ه) بعد أن تعرض لبيان الآية التي سبقت آية

الانفاق وما تعلق بها من أمر الهداية للناس، فقال:

(فهذا يجب إلا تمنوّا بالصدقة والانفاق: إذ كان لأنفسكم من حيث هو ذخر لكم

ولإبتغاء وجه الله الذي هو يوفر به الجزاء لكم فهو من كل وجه عائد عليكم وليس

كتمليك الله لعباده إذ نفعه راجع عليهم كيف تصرفت الحال بهم؛ فلذلك افترق

ذكر العطية منه تعالى، والعطية من غيره)(2).

2- قال الشيخ الطبرسي (ت 548 ه) بعد أن اورد الآية:

« وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ»(من مال)، ﴿ فَلِأَنْفُسِكُمْ) فهو لأنفسكم لا ينتفع به

غيركم، فلا تمنوا به على من تنفقونه عليه ولا تؤذوه، ﴿وَمَا تُنْفِقُونَ﴾َ أي: وليست

نفقتكم، (إِلَّا) ل، «إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ »ولطلب ما عنده بالکم تمنون بها وتنفقون الخبيث الذي لا يتوجه بمثله الى الله.

ص: 251


1- سورة الروم، الآية ( 39 ).
2- التبيان: ج 2 ص 354 .

« وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ »، أي:

ثوابه اضعافاً مضاعفة، فلا عذر لكم ان ترغبوا من الانفاق وان يكون على احسن

الوجوه واجملها)(1).

3-قال العلّامة الطبطبائي: (سياق الآيات من حيث اتحادها في بيان أمر الانفاق،

ورجوع مضامينها واغراضها بعضها إلى بعض يعطي انها نزلت دفعة واحدة، وهي

تحث المؤمنين على الانفاق في سبيل الله تعالى، فتضرب أولا مثلا لزيادته ونموه عند الله سبحانه: واحد بسبعمائة، وربما زاد على ذلك بإذن الله، وثانيا مثلا لكونه لا

يتخلف عن شأنه على أي حال وتنهى عن الرياء في الانفاق وتضرب مثلا للإنفاق

رياء لا لوجه الله، وانه لا ينمو نماءً ولا يثمر أثرا، وتنهي عن الانفاق بالمن والأذى

إذ يبطلان أثره ويحبطان عظيم اجره، ثم تأمر بأن يكون الانفاق من طيب المال لا

من خبيثه بخلا وشحا، ثم تعين المورد الذي توضع فيه هذه الصنيعة وهو الفقراء

المحضرون في سبيل الله، ثم تذكر ما لهذا الانفاق من عظيم الاجر عند الله.

وبالجملة الآيات تدعو إلى الإنفاق، وتبين أولا: وجهه وغرضه وهو ان يكون

لله لا للناس، وثانيا: صورة عمله وكيفيته وهو أن لا يتعقبه المن والأذى، وثالثا:

وصف مال الانفاق وهو ان يكون طيبا لا خبيثا، ورابعا: نعت مورد الانفاق وهو ان

يكون فقيرا احصر في سبيل الله، وخامسا: ما له من عظيم الاجر عاجلا وآجلا)(2) .

لكن ثمةَ سؤال يفرضه البحث، وهو:

إن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قد خصص أمر التولية في الوصية فجعلها

في ابناء فاطمة (عليهم السلام) ولازمها ل (وجه الله) فما هي القصدية في هذه

ص: 252


1- تفسير جوامع الجامع: ج 1 ص 248 .
2- تفسير الميزان: ج 2 ص 383 .

الملازمة والامر خارج عن أمر الانفاق كما نص السياق القرآني؟؛ وجواب هذا

السؤال في المسألة التالية.

المسألة الثانية: قصدية الملازمة بين تولية أبني فاطمة (علیهم السّلام) ووجه الله تعالى
اشارة

إنّ الملاحظ في نص الوصية الشريفة أن الإمام علي (عليه السلام) يورد لفظ (وجه الله) في موضعين، الاول: عند ابتداء الوصية كما مر بيانه في قوله (عليه السلام): «هذا ما أوصى به وقضى به في ماله عبد الله علي إبتغاء وجه الله .»

والموضع الثاني عند تولية الإمام الحسن (عليه السلام) على هذه الأموال، فقال

(عليه السلام):

«وإني أنما جعلت الذي جعلت لابني فاطمة ابتغاء وجه الله » ومن ثم فهناك

قصدية في هذا التلازم بين الانفاق واختصاص امر التولية للتصرف بهذه الاموال

بحسب ما جاء في الوصية فكان ايضاً لابتغاء وجه الله تعالى، وهذه القصدية هي:

أولاً:لا يحصل رضا الله في الأعمال إلاّ برضا فاطمة وأبنائها (علیهم السّلام)

إنّ المدار الذي يدور من حوله الإنفاق هو أحراز رضا الله تعالى ليضمن العامل

لهذا الرضا الدخول الى الجنة والنجاة من النار كما بين ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في مقدمة وصيته، حيث أظهر القصد والغاية من الوصية في أمواله، فقال (عليه السلام) في لفظ نهج البلاغة:

«إبتغاء وجه الله، ليولجني به الجنة ويعطيني الأمنة »(1).

ص: 253


1- نهج البلاغة: باب المختار من كتبه (عليه السلام)، الكتاب رقم 24 من وصيته له بما يعمل بماله.

وفي لفظ الكليني في الكافي: «إبتغاء وجه الله ليولجني به الجنة ويصرفني به عن النار ويصرف النار عني يوم تبيض وجوه وتسود وجوه»(1).

فظهر أثر الإنفاق بالمال هو الولوج الى الجنة والنجاة من النار وأن الغاية والقصد

في تولية أبنيّ فاطمة (عليهم السلام) هو أحراز وجه الله تعالى، أي رضوانه والذي

ينال به الإنسان الدخول الى الجنة والنجاة من النار.

ومن ثم فإن القصدية في هذا التلازم والمدار حول (وجه الله) ورضا الله تعالى ولا

يحصل رضاه في الأعمال، ومنها الإنفاق بالخير الا برضا فاطمة وابنائها (صلوات

الله وسلامه عليهم اجمعين).

إذ المصلحة واحدة وهي (وجه الله تعالى).

ولذا:

نجده (عليه السلام) قال في بيان ارتكاز رضا الله فيما يقوم به المسلم على رضا

فاطمة (صلوات الله عليها) ما جاء في الوصية ضمن اللفظ الذي أخرجه الشيخ

الطوسي (رحمه الله) في التهذيب، فقال (عليه السلام):

«ابتغاء وجه الله، وتكريم حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وتعظيمهما

وتشريفهما، ورضاها بهما .»

فالنص صريح بإظهار العلاقة بين رضا الله عز وجل في الاعمال وبين رضا فاطمة

(عليها السلام) وبه يتحقق ابتغاء وجه الله تعالى.

ص: 254


1- الكافي: ج 2 ص 7 وص 49 .
ثانياً: إنَّ القصدية في إبتغاء (وجه الله) هي عترة آل محمد(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

يكشف النص الشريف عن قصدية أخرى في إيراده للفظ (ابتغاء وجه الله) وهذه

القصدية تتجلى من خلال الروايات والنصوص الشريفة الواردة عن العترة النبوية

عليهم السلام.

والتي تحدد للمتلقي دلالة لفظ (وجه الله) وماذا قصد به، وهو كالاتي:

1- أخرج الشيخ الكليني (رحمه الله) عن الحارث بن المغيرة النصري، قال:

سُئلِ أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) عن قول الله تعالى:

﴿كلُ شَیءٍ هاَلكِ إلَّا وجَهْهُ)(1).

فقال:

«ما يقولون فيه ؟»

قلت:

يقولون: یهلك كل شيء إلا وجه الله.

قال:

«سبحان الله لقد قالوا قولا عظیماً ، و انما عنی بذلک وجه الله الذی یؤتی منه»(2).

2-عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أحمد بن محمد بن أبي

نصر، عن صفوان الجمال، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل:

ص: 255


1- سورة القصص، الآية ( 88 ).
2- الكافي: ج 1 ص 143 .

«كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ» قال: من أتى الله بما أمر به من طاعة محمد (صلى الله عليه وآله) فهو الوجه الذي لا یهلك و كذلك قال: «مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ »(1).

3- محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن أبي سلام النحاس، عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: نحن

المثاني(2) الذي أعطاه الله نبينا محمدا (صلى الله عليه وآله) ونحن وجه الله نتقلب في الأرض بين أظهركم، ونحن عين الله في خلقه، ويده المبسوطة بالرحمة على عباده، عرفنا من عرفنا، وجهلنا من جهلنا، وإمامة المتقين)(3).

4- الحسين بن محمد الأشعري ومحمد بن يحيى جميعا، عن أحمد بن إسحاق، عن سعدان بن مسلم، عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل:«وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا » قال: نحن والله الأسماء الحسنى(4) التي لا يقبل الله من العباد عملا إلا بمعرفتنا.

5-محمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن إسماعيل، عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن سعيد، عن الهيثم بن عبد الله، عن مروان بن صباح قال:

ص: 256


1- سورة النساء، الآية ( 80 ).
2- اشارة إلى قوله تعالى: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) والمثاني جمع مثناة من التثنية أو جمع من الثناء قال الصدوق رحمه الله معنى قوله: نحن المثاني أي نحن الذين قرننا النبي صلى الله عليه وآله إلى القرآن وأوصى بالتمسك بالقرآن وبنا، وأخبر أمته انا لا نفرق حتى نرد عليه حوضه إنتهى. وإنما كانوا عليه السلام عين الله لان الله سبحانه بهم ينظر إلى عباده نظر الرحمة ويده لأنه بهم يربيهم. (في).
3- وامامة بالنصب عطفا على ضمير المتكلم في جهلنا ثانيا أي جهلنا وجهل امامة المتقين وفى التوحيد (أمامه اليقين) أي الموت على التهديد أو المراد انه يتيقن بعد الموت ورفع الشبهات. (آت).
4- كما أن الاسم يدل على المسمى ويكون علامة له كذلك هم عليهم السلام أدلاء على الله يدلون الناس عليه سبحانه وهم علامة لمحاسن صفاته وافعاله وآثاره. (في).

قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الله خلقنا فأحسن صورنا وجعلنا عينه في عباده

ولسانه الناطق(1) في خلقه ويده المبسوطة على عباده، بالرأفة والرحمة ووجهه الذي

يؤتى منه وبابه الذي يدل عليه وخزانه في س ائه وأرضه(2) ، بنا أثمرت الأشجار وأينعت الثمار، وجرت الأنهار وبنا ينزل غيث السماء وينبت عشب الأرض وبعبادتنا عبد الله ولولا نحن ما عبد الله.

6- محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن عمه حمزة بن بزيع، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز وجل: ﴿فلَمَا آسَفَوُناَ انتْقَمَنْاَ منِهْمُ﴾ْ(3) فقال: إن الله عز وجل لا يأسف كأسفنا ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم خلوقون مربوبون، فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه، لأنه جعلهم الدعاة إليه والأدلاء عليه، فلذلك صاروا كذلك وليس أن ذلك يصل إلى خلقه، لكن هذا معنى ما قال من ذلك وقد قال: «من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها » وقال «من يطع الرسول فقد أطاع الله »(4) وقال:

«إن الذين يبايعونك إن ا يبايعون الله، يدالله فوق أيد هم »(5).

ص: 257


1- لما كان اللسان يعبر عما في الضمير يبين ما أراد الانسان اظهاره اطلق عليهم عليه السلام لسان الله لأنهم المعبرون عن الله مبينين حلاله وحرامه ومعارفه وسائر ما يريد بيانه للخلق وبابه الذي يدل عليه وإنما سموا أبواب الله لأنه لابد لمن يريد معرفته سبحانه وطاعته من أن يأتيهم ليدلوه عليه و على رضاه (آت).
2- وخزانه في سمائه وارضه حيث إنه عندهم مفاتيح الخبر من العلوم والأسماء الحسنى التي بها ينفتح أبواب الجود على العالمين. (رف) وبهم أثمرت الأشجار وأينعت الثمار لكونهم المقصودين من الوجود والايجاد. (في). و (بعبادتنا عبد الله) أي بمعرفتنا وعبادتنا إياه تعالى التي نعرفه ونعبده ونهدى عباده إليها ونعلمها إياهم عبد الله.
3- سورة الزخرف، الآية ( 55 ).
4- سورة النساء، الآية ( 79 ).
5- سورة الفتح، الآية ( 10 ).

فكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك وهكذا الرضا والغضب وغيرهما من الأشياء

مما يشاكل ذلك، ولو كان يصل إلى الله الأسف والضجر، وهو الذي خلقهما

وأنشأهما لجاز لقائل هذا أن يقول: إن الخالق يبيد يوما ما، لأنه إذا دخله الغضب

والضجر دخله التغيير، وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة، ثم لم يعرف المكون

من المكون ولا القادر من المقدور عليه، ولا الخالق من المخلوق، تعالى الله عن هذا القول علوا كبيرا، بل هو الخالق للأشياء لا لحاجة، فإذا كان لا لحاجة استحال الحد والكيف فيه، فافهم إن شاء الله تعالى.

7-عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي نصر، عن محمد بن حمران

عن أسود بن سعيد قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فأنشأ يقول ابتداء منه من غیر أن أسأله: نحن حجة الله، ونحن باب الله، ونحن لسان الله، ونحن وجه الله، ونحن عين الله في خلقه، ونحن و لاة أمر الله في عباده.

8-وأخرج الشيخ الصدوق (رحمه الله) عن أبي صالح الهروي، قال:

(قلت لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام):

يا ابن رسول الله، ما تقول في الحديث الذي يرويه أهل الحديث:

«إنَّ المؤمنين يزورون ربهم من منازلهم في ا لجنة ؟»

فقال (عليه السلام):

«يا أبا الصلت، إن الله تبارك وتعالى فضَّل محمد (صلى الله عليه وآله) على جميع

خلقه من النبيين والملائكة، وجعل طاعته طاعته، ومتابعته متابعته، وزيارته في الدنيا والآخرة زيارته، فقد قال عز وجل ﴿منَ يطُعِ الرسَّوُل فقَدَ أطَاَع ا لله﴾.

ص: 258

وقال: ﴿إنِ الذَّيِن يبُاَيعِوُنكَ إنِمَّا يبُاَيعِوُن الله يدَالله فوَقْ أيَدِیهِم).

وقال النبي (صلى الله عليه وآله):

«من زارني في حياتي أو بعد مماتي فقد زار الله جل جلاله ».

ودرجة النبي يوم القيامة أرفع الدرجات، فمن زاره الى درجته في الجنة من منزلته، فقد زار الله تبارك وتعالى.

قال: فقلت له: يا ابن رسول الله، فما معنى الخبر الذي رووه:

«إنّ ثواب لا إله إلّا الله النظر الى وجه الله ؟»

فقال (عليه السلام):

يا أبا الصلت من وصف الله بوجه كالوجوه فقد كفر، ولكن وجه الله أنبيائه

ورسله وحججه (صلوات الله عليهم) هم الذين يتوجه بهم لله، والى دينه، ومعرفته، وقال الله عز وجل: «كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ *وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ »

وقال عز وجل: ﴿ كلُ شیءٍ هاَلكِ إلِّا وجَهْهَ﴾

فالنظر الى أنبياء الله ورسله وحججه (عليهم السلام) في درجاتهم ثواب عظيم

للمؤمنين يوم القيامة.

وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله):

«من أبغض أهل بيتي وعترتي، لم يرني ولم أره يوم القيامة ».

ص: 259

وقال (عليه السلام):

إنّ الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان و لا يدرك بالأبصار والأوهام)(1).

وعليه: فهذه الأحاديث تكشف عن القصدية في (وجه الله) تبارك وتعالى وهي أنبياء الله ورسله وحججه وهم العترة (سلام الله عليهم اجمعين).

ولذا: نجده (عليه السلام) قد خصص هذه التولية في أقواله في أبني فاطمة

(عليهما السلام) لكونهما من حجج الله على خلقه، فلزم البيان بأنهم المقصودون

بقوله «وأني أنما جعلت الذي جعلت لأبني فاطمة ابتغاء وجه الله عز وجل »، أنهما

وجه الله تعالى.

لكن ثمة سؤال: أليس هو من حجج الله، أيضا فما معنى تكرار (وجه الله) في الوصية؟

وجوابه فيما يلي من المسألة الآتية.

المسألة الثالثة: اختلاف القصدية في تكرار لفظ (وجه الله) في الوصية
اشارة

أختلفت القصدية في إيراده (عليه السلام) للفظ (وجه الله) في الوصية؛ فاللفظ

الذي جاء به (عليه السلام) في أول الوصية قائلاً:

«هذا ما أمر به عبد الله علي بن أبي طالب امير المؤمنين في ماله إبتغاء وجه الله،

ليولجني به الجنة... »(2) عن القصدية في قوله (عليه السلام):

«وأني أنما جعلت القيام بذلك الى أبني فاطمة، ابتغاء وجه الله »(3)

ص: 260


1- الامالي للصدوق: ص 545 - 546 .
2- نهج البلاغة: رسائله وكتبه برقم 24 .
3- المصدر السابق.

فالقصدية في اللفظ الثاني كانت لبيان أن (وجه الله تعالى) هم أنبياء الله ورسله

وحججه (عليهم السلام)؛ كما مرَّ بيانه.

أما القصدية في اللفظ الأول فهي تعني:

الإخلاص في النية والعمل، وتجنب محبطاته كالرياء والسمعة.

أولاً:الإخلاص في النية
اشارة

وهو أمر تكاثرت فيه النصوص الشريفة وأسست عليه قاعدة فقهية عند الفقهاء،

وقد جمع قسماً منها الشيخ الصدوق (رحمه الله) في الهداية في باب النية، فقال:

1- قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): « إنّما الأعمال بالنیات»

2- «إنّ نية المؤمن خیرٌ من عمله، ونية الكافر شرٌ من عمله .»

3-وروي: «إن بالنيات خلُدَ أهل الجنة في الجنة، وهل النار في النار .»

4-وقال عز وجل: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَی شَاكلِتهِ﴾ يعني: على نيته، ولا يجب على

الانسان أن يجدد لكل عمل يعمله نية، وكل عمل من الطاعات إذا عمله العبد لم

يرد به إلّا الله عز وجل فهو عمل بنية، وكل عمل عمله العبد من الطاعات يريد به

غير الله فهو عمل بغير نية، وهو غير مقبول) (1).

وسنام هذه الأحاديث قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) والذي كان اساساً لبناء

قاعدة فقهية اعتمدها الفقهاء واسندوا اليها الاعمال التي يقوم بها الانسان المسلم.

ص: 261


1- الهداية: ص 62 .

وقد أجاد الشهيد الاول (عليه الرحمة والرضوان) (ت 786 ه) في بيانه للفوائد

التي أكتنزتها هذه القاعدة والتي تظُهر مصداق أيراد الإمام أمير المؤمنين (عليه

السلام) لفظ (إبتغاء وجه الله) في أول وصيته، ولاسيما تلك الفوائد الأولى التي

أفاد بها الشهيد الأول في كتابه.

ولذا:

فقد كفانا المؤنة في البحث والدراسة للإظهار هذه القصدية فقد بذل جهده وعلى

الله اجره.

قال (رحمه الله) في القواعد والفوائد في بيان هذه القاعدة، -اي: تبعية العمل

للنية- وفوائدها:

(ومأخذها من قول النبي (صلى الله عليه وآله):

«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل إمرء ما نوى ».

أي: صحة الاعمال واعتبارها بحسب النية؛ ويعلم منه أن من لم ينو،ِ لم يصح

عمله، ولم يكن معتبراً في نظر الشرع.

ويدل عليه -مع دلالة الحصر-: الجملة الثانية، فإنها صريحة في ذلك ايضاً.

وفي هذه القاعدة فوائد:

الفائدة الاولى:

يعتبر في النية التقرب إلى الله تعالى، ودل عليه الكتاب والسنة.

ص: 262

أما الكتاب: فقوله تعالى: «وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ»(1).

وما أمر أهل الكتابين بما فيهما ألا لأجل أن يعبدوا الله على هذه الصفة، فيجب علينا ذلك، لقوله تعالى: ﴿وذَلَكِ ديِن القْيَمِّةَ﴾ِ(2).

وقال تعالى: «وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19)» «إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى »(3).

أي: لا يؤتي ماله إلا ابتغاء وجه ربه، إذ هو منصوب على الاستثناء المنفصل وكلاهما يعطيان أن ذلك معتبر في العبادة، لأنه تعالى مدح فاعله عليه.

وأما السنة: ففيما روي عن النبي صلى الله عليه وآله في الحديث القدسي: (من

عمل لي عملا أشرك فيه غيري تركته لشريكي)(4).

الفائدة الثانية

الفائدة الثانية(5) :

معنى الاخلاص: فعل الطاعة خالصة لله وحده وهنا غايات ثمان:

الأولى: الرياء، ولا ريب في(6) أنه يخل بالإخلاص. ويتحقق الرياء بقصد مدح الرائي، أو الانتفاع به، أو دفع ضرره.

فان قلت: فما تقول في العبادات المشوبة بالتقية؟

ص: 263


1- سورة البينة، الآية ( 5).
2- سورة البينة، الآية ( 5).
3- سورة الليل، الآية ( 19 - 20 ).
4- رواه أحمد بلفظ: (أنا خير الشركاء من عمل لي عملا فاشرك فيه غيري فانا منه برئ وهو للذي أشرك) مسند أحمد: 2/ 301 ، 432 وانظر أيضا: القرافي/ الفروق: 3/ 22 (باختلاف بسيط).
5- ( في (ك) و (م) و (أ): فائدة (من غير رقم) ولعل ما أثبتناه هو الصواب، لأنه يوافق عدد الفوائد المذكورة في هذه القاعدة، كما أنه يوافق الترقيم الوارد في (ك) من الفائدة العشرين وما بعدها.
6- زيادة من (ك) و (م).

قلت: أصل العبادة واقع على وجه الاخلاص، وما فعل منها تقية فان له اعتبارين:

بالنظر إلى أصله: وهو قربة، وبالنظر إلى ما طرأ من استدفاع الضرر، وهو لازم لذل،

فلا يقدح في اعتباره. أما لو فرض إحداثه صلاة - مثلا - تقية فإنها من باب الرياء.

الثانية: قصد الثواب، أو الخلاص من العقاب، أو قصدهما معا.

الثالثة: فعلها شكرا لنعم الله واستجلابا لمزيده.

الرابعة: فعلها حياء من الله تعالى.

الخامسة: فعلها حبا لله تعالى.

السادسة: فعلها تعظيما لله تعالى ومهابة وانقيادا وإجابة.

السابعة: فعلها موافقة لإرادته، وطاعة لأمره.

الثامنة: فعلها لكونه أهلا للعبادة. وهذه الغاية مجمع على كون العبادة تقع بها

معتبرة، وهي أكمل مراتب الاخلاص، وإليه أشار الإمام الحق أمير المؤمنين

عليه الصلاة والسلام بقوله: (ما عبدتك طمعا في جنتك، ولا خوفا من نارك،

ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك)(1) . وأما غاية الثواب والعقاب فقد قطع الأصحاب(2) بكون العبادة فاسدة بقصدها. وكذا ينبغي أن تكون غاية الحياء والشكر وباقي الغايات.

ص: 264


1- لم أعثر على هذا في المراجع المتقدمة عن عصر المؤلف، وإنما رواه مرسلا كل من الفيض الكاشاني في/ الوافي: 3/ 70 ، والمجلسي في/ مرآة العقول: 2/ 101 (بتقديم وتأخير بين بعض فقراته).
2- انظر: العلامة الحلي/ المسائل المهنائية: ورقة 2 ب، و 32 - 23 (مخطوط بمكتبة السيد الحكيم العامة في النجف، ضمن مجموع برقم 1107 ).

والظاهر أن قصدها مجز، لان الغرض بها في الجملة، ولا يقدح كون تلك الغايات

باعثا على العبادة، أعني: الطمع، والرجاء، والشكر والحياء، لان الكتاب والسنة

مشتملتان على المرهبات: من الحدود، والتعزيرات، والذم، والايعاد بالعقوبات،

وعلى المرغبات: من المدح والثناء في العاجل، والجنة ونعيمها في الآجل.

وأما الحياء فغرض مقصود، وقد جاء في الخبر عن النبي (صلى الله عليه وآله):

(استحيوا من الله حق الحياء)(1) و (اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك(2) . فإنه إذا تخيل الرؤية انبعث على الحياء والتعظيم والمهابة.

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) - وقد قال له ذعلب اليماني - بالذال المعجمة

المكسورة، والعين المهملة الساكنة، واللام المكسورة -: (هل رأيت ربك يا أمير

المؤمنين؟ فقال (عليه السلام): أفأعبد ما لا أرى؟؟

فقال: وكيف تراه؟ فقال: لا تدركه العيون بشاهدة الأعيان، ولكن تدركه

القلوب بحقائق الايمان، قريب من الأشياء غير ملامس(3) بعيد منها غير مباين،

متكلم بلا روية(4) ، مريد لا بهمة، صانع لا بجارحة، لطيف لا يوصف بالخفاء،كبير لا يوصف بالجفاء بصير لا يوصف بالحاسة، رحيم لا يوصف بالرقة، تعنو الوجوه لعظمته، وتوجل القلوب من مخافته)(5) .

وقد اشتمل هذا الكلام الشريف على أصول صفات الجلال والاكرام التي عليه مدار

علم الكلام، وأفاد أن العبادة تابعة للرؤية، وتفسير معنى الرؤية، وأفاد الإشارة إلى أن قصد التعظيم بالعبادة حسن وإن لم يكن تمام الغاية، وكذلك الخوف منه تعالى.

ص: 265


1- انظر: صحيح الترمذي: 9/ 281 .
2- انظر: المتقي الهندي/ كنز العمال: 2/ 6، حديث: 124 .
3- في (ك): ملابس، وفي (م): ملاق، وما أثبتناه مطابق لما في نهج البلاغة.
4- في (ك): رؤية، وما أثبتناه مطابق لما في النهج.
5- انظر: نهج البلاغة: 2/ 120 - 121 )شرح محمد عبده( مطبعة الاستقامة بمصر.
الفائدة الثالثة:

لما كان الركن الأعظم في النية هو الاخلاص، وكان انضمام تلك الأربعة(1) غير قادح فيه، فحقيق(2) أن نذكر ضمائم أخرى، وهي أقسام:

الأول: (ما يكون منافيا)(3) له، كضم الرياء، وتوصف بسببه العبادة بالبطلان، بمعنى عدم استحقاق الثواب.

وهل يقع مجزئا بمعنى سقوط التعبد به، والخلاص من العقاب؟

الأصح أنه لا يقع مجزئا، ولم أعلم فيه خلافا إلا من السيد الإمام المرتضى(4)*قدس الله سره، فان ظاهره الحكم بالاجزاء في العبادة المنوي بها الرياء(5) .

الثاني: ما يكون من الضمائم لازما للفعل، كضم التبرد أو (التسخن أو التنظف)(6) إلى نية القربة؛ وفيه وجهان ينظران: إلى عدم تحقق معنى الاخلاص، فلا يكون الفعل مجزئا، وإلى أنه حاصل لا محالة، فنيته كتحصيل الحاصل الذي لا فائدة فيه؛ وهذا الوجه

ظاهر(7) أكثر الأصحاب(8) ؛ والأول أشبه، ولا يلزم من (حصوله نية)(9) حصوله.

ص: 266


1- وهي: الطمع، والشكر، والحياء، والرجاء.
2- في (ك): فخليق.
3- في (م) و (أ): ما تكون منافية.
4- (*) هو علم الهدى أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى الشهير بالسيد المرتضى ولد سنة 355 ه تقلد نقابة الشرفاء وإمارة الحج والحرمين والنظر في المظالم وقضاء القضاة توفي سنة 436 ه. خلف بعد وفاته ثمانين ألف مجلد من مقروآته ومصنفاته ومحفوظاته.(القمي/ الكنى والألقاب: 2/ 445 ).
5- انظر: السيد المرتضى/ الانتصار: 17 (طبعة النجف).
6- في (ح): التسخين أو التنظيف، وفي (م) و (أ): التسخين والتنظيف.
7- في (ح) و (م) زيادة: عند.
8- انظر: الشيخ الطوسي/ المبسوط: 1/ 19 ، والعلامة الحلي/ منتهى المطلب: 1/ 56 .
9- في (ك): حصول نيته.

ويحتمل أن يقال: إن كان الباعث الأصلي هو القربة ثم طرأ التبرد عند الابتداء

في الفعل، لم يضر، وإن كان الباعث الأصلي هو التبرد فلما أراده ضم القربة، لم

يجز؛ وكذا إذا كان الباعث مجموع الامرين، لأنه لا أولوية حينئذ فتدافعا، فتساقطا،

فكأنه غير ناو.

ومن هذا الباب ضم نية الحمية إلى نية(1) القربة في الصوم، وضم ملازمة الغريم إلى القربة في الطواف والسعي والوقوف بالمشعرين.

الثالث: ضم ما ليس بمناف ولا لازم، كما لو ضم إرادة دخول السوق مع نية

التقرب في الطهارة، أو إرادة الاكل، ولم يرد بذلك الكون على طهارة في هذه

الأشياء، فإنه لو أراد الكون على طهارة كان مؤكدا غير مناف، وهذه الأشياء إن

لم يستحب لها الطهارة بخصوصها إلا أنها داخلة فيما يستحب بعمومه؛ وفي هذه

الضميمة وجهان مرتبان على القسم الثاني، وأولى بالبطلان، لان ذلك تشاغل عما

يحتاج إليه بما لا يحتاج إليه(2) . (3)

اذن: يتضح من خلال هذه الفوائد التي أوردها الشهيد الاول (عليه الرحمة والرضوان) أن القصدية في قوله (عليه السلام): «هذا ما أمر به عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين في ماله إبتغاء وجه الله .»

كان لبيان أرتكاز الأعمال على الاخلاص في النية وان من قوام الاخلاص وتحققه

تجنب الرياء وذلك أن بعض الناس حينما.

ص: 267


1- زيادة من (م) و (أ).
2- انظر هذه الفائدة في الأشباه والنظائر/ للسيوطي: 23 .
3- الشهيد الاول: ج 1 ص 75 - 80

يقدم على الأعمال المختلفة في أوجه البر والخير انما يقصد في ذلك أن يرائي الناس لينال المدح والثناء والسمعة بين الناس ويكسب الشهرة والجاه وغير ذلك مما تدعوا اليه النفس وتمني به صاحبها فلا ينال من عمله هذا الا الجهد والتعب والنفاد.

ولذا: اقتضى البحث البيان لخطورة الرياء في النية، وهو ما سنتناوله في ثانيا.

ثانياً: أثر الرياء في النية وإحباط العمل

يعلمنا سيدنا ومولانا امير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن نجاح

الأعمال وصعودها الى الله تعالى مقبولة مرضية عنده جل شأنه أنما يكون خالصاً لوجه الله تعالى، ولا يكون الإخلاص إلا بالنجاة من الرياء والسمعة.

وهو أمر أهتم به الفقهاء والعلماء وصنفوا فيه كتبا وتحدثوا عنه ضمنا ونبهوا عليه.

وذلك لما يشكله من خطورة بالغة على الاعمال والقلوب والعواقب؛ ومما صنف

في ذلك القول الشهيد الأول أيضاً، فقد خصص فائدة من فوائد قاعدة (تبعية العمل

للنية) والشيخ محمد مهدي النراقي (رحمه لله) والشيخ الفيض الكاشاني (رحمه الله) وغيرهم من علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم الفقهية والعقدية كأبن عربي في الفتوحات المكية وغيره.

وعليه:

وجدنا أن الرجوع الى بعض الروايات الشريفة لاسيما ما رواه ابن بابويه في فقه

الرضا (عليه السلام)؛ والى الشهيد الاول (رحمه الله) في بيان اثر الرياء في النية كان هو الأنسب لبيان مقتضيات القصدية لإيراده (عليه السلام) هذا اللفظ (ابتغاء

وجه الله) في اول الوصية واختلاف هذه القصدية عن تكرار اللفظ في توليته (عليه

السلام) لابني فاطمة (عليهم السلام) على هذه الاموال والتصرف المشروط بها.

ص: 268

1-قال الشهيد الاول (رحمه الله): (يجب التحرز من الرياء في الاعمال فإنه يلحقها بالمعاصي؛ وهو قسمان: جلي، وخفي، فالجلي ظاهر، والخفي إنما يطلع عليه أولوا المكاشفة والمعاملة لله، كما يروى عن بعضهم: أنه طلب الغزو وتاقت نفسه إليه، فتفقدها فإذا هو يحب المدح بقولهم:

فلان غاز، فتركه، فتاقت نفسه إليه، فأقبل يعرض نفسه(1) على ذلك الرياء حتى أزاله، ولم يزل يتفقدها شيئا بعد شيء حتى وجد الاخلاص مع بقاء الانبعاث، فاتهم نفسه وتفقد أحوالها فإذا هو يحب أن يقال: فلان مات شهيدا، لتحسن سمعته في الناس بعد موته.

وقد يكون ابتداء النية إخلاصا وفي الأثناء يحصل الرياء، فيجب، التحرز منه فإنه

مفسد للعمل؛ نعم لا يكلف بضبط هواجس النفس وخواطرها بعد ايقاع النية في

الابتداء خالصة، فان ذلك معفو عنه، كما جاء في الحديث(2) . (3).

2- قال ابن بابويه القومي (عليه الرحمة والرضوان) (ت 329 ه) فيما رواه عن

الامام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) في بيان آثار الرياء والسمعة والعجب

ما يلي:

(نروي(4) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، انه قال:

«قال الله تبارك وتعالى: انا اعلم بما يصلح عليه دين عبادي المؤمنين، ان يجتهد في عبادتي فيقوم من نومه ولذة وسادته، فيجتهد لي، فأضربه بالنعاس الليلة والليلتين،

ص: 269


1- زيادة من ( أ ).
2- انظر: الحر العاملي/ وسائل الشيعة: 1/ 80 باب 24 من أبواب مقدمة العبادات، حديث: 3، وصحيح مسلم: 1/ 116 وما بعدها باب 58 ، 59 من كتاب الايمان، حديث: 201 - 207 .
3- القواعد والفوائد: ج 1 ص 120 .
4- اي: ان الامام الرضا (عليه السلام) يروي عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله).

نظرا مني له وإبقاء عليه، فينام حتى يصبح، فيقوم وهو ماقت نفسه، ولو خليت

بينه وبين ما يريد من عبادتي، لدخله من ذلك العجب، فيصيره العجب إلى الفتنة،

فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه، ألا فلا يتكل العاملون على أعمالهم، فإنهم لو اجتهدوا أنفسهم أعمارهم في عبادتي، كانوا مقصرين غير بالغين كنه عبادتي، فيما يطلبونه عندي، ولكن برحمتي فليثقوا، وبفضلي فليفرحوا، وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا، فإن رحمتي عند ذلك تدركهم، فإني أنا الله الرحمن الرحيم، وبذلك تسميت »(1).

ونروي في قول الله تبارك وتعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لقِاءَ رَبِّهِ فَلْيعَمَلْ عَمَلاً صَالِحاً

وَلَا يُشْركْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾(2) قال: ليس من رجل يعمل شيئا من الثواب، لا يطلب به وجه الله، إنما يطلب تزكية الناس، يشتهي أن تسمع به الناس، إلا أشرك بعبادة ربه3(3) في ذلك العمل، فيبطله(4) الرياء، وقد سماه الله تعالى الشرك.

ونروي: من عمل لله كان ثوابه على الله، ومن عمل للناس كان ثوابه على الناس،

إن كل رياء شرك(5) .

ونروي: ما من عبد أسر خيرا، فيذهب الأيام حتى يظهر الله له خيرا، وما من عبد

أسر شرا، فيذهب الأيام حتى يظهر الله له شراً (6).

ونروي: أن عالما أتى عابدا فقال له: كيف صلاتك؟ قال: تسألني عن صلاتي

وأنا أعبد الله منذ كذا وكذا! فقال له: كيف بكاؤك؟ قال: إني لأبكي حتى تجري

ص: 270


1- الكافي 2: 50 / 4، التمحيص: 57 / 115 ، عدة الداعي: 222 باختلاف يسير.
2- سورة الكهف، الآية ( 110 ).
3- الكافي 2: 222 / 4، تفسير العياشي 2: 352 / 93 ، الزهد: 67 / 177 باختلاف يسير.
4- في نسخة «ش « :» فيطلب » وفي نسخة «ض « :» فيطلبه » وما أثبتناه من البحار 72 : 300 / 36 .
5- الزهد: 67 / 177 وورد بتقديم وتأخير في الكافي 2: 222 / 3.
6- الكافي 2: 224 / 12 ، الزهد: 67 / 17 7 باختلاف يسير.

دموعي، فقال له العالم (عليه السلام): فإن ضحكك وأنت عارف بالله، أفضل من

بكائك وأنت تدل على الله إن المدل(1) لا يصعد من عمله شيء(2) .

ونروي: من شك في الله بعد ما ولد على الفطرة لم يتب أبدا(3) .

وأروي: أن أمير المؤمنين عليا (عليه السلام) قال في كلام له: «إن من البلاء

الفاقة، وأشد من الفاقة مرض البدن، وأشد من مرض البدن مرض القلب»(4).

أروي: لا ينفع مع الشك والجحود عمل(5).

وأروي: من شك أو ظن، فأقام على أحدهما، أحبط عمله(6).

وأروي في قول الله عز وجل: (وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم

لفاسقين)(7) قال: نزلت في الشكاك(8) .

وأروي في قوله تعالى: ﴿الذَّيِن آمَنَوُا وَ يلَبْسِوُا إيِمانَهُم بظِلُمْ﴾ٍ(9) قال: الشك(10)،

والشاك في الآخرة مثل الشاك في الأولى، نسأل الله الثبات وحسن اليقين.

ص: 271


1- المدل: المنان. انظر «الصحاح - دلل - 4: 1699 ».
2- الكافي 2: 236 / 5، الزهد: 63 / 168 ، قصص الأنبياء: 179 ، باختلاف يسير.
3- الكافي 2: 294 / 6 باختلاف يسير.
4- نهج البلاغة 3: 247 / 388 .
5- الكافي 2: 294 / 7.
6- الكافي 2: 294 / 8.
7- سورة الأعراف، الآية ( 102 ).
8- الكافي 2: 293 / 1، تفسير العياشي 2: 23 / 60 .
9- سورة الأنعام، الآية ( 82 ).
10- الكافي 2: 293 / 4، تفسير العياشي 1: 366 / 48 .

وأروي أنه سئل عنه رجل يقول بالحق، ويسرف على نفسه بشرب الخمر، ويأتي

الكبائر، وعن رجل دونه في اليقين، وهو لا يأتي ما يأتيه؛ فقال (صلى الله عليه وآله): أحسنهما يقينا كنائم على المحجة إذا انتبه ركبها، والأدون الذي يدخله الشك كالنائم على غير طريق، لا يدري إذا انتبه أيما المحجة)(1).

ص: 272


1- فقه الرضا (عليه السلام): ص 389 .
المبحث الثالث: المقاصدية في جعل التولية لأبني فاطمة (علیها السّلام) قربة الى رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )
اشارة

ص: 273

ص: 274

ينفرد الشريف الرضي (رحمه الله) بهذه العبارة، أي قوله (عليه الصلاة والسلام):

«وقربة الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) » عن المصادر الأخرى التي أخرجت

ورَوَتَ هذه الوصية.

ومن ثم فالبحث لا يتناول علة تفرد الشريف (رحمه الله) بهذه العبارة، وإنما

أعتمدها كجزء من هذه الوصية التي أخرجها الشريف الرضي (رحمه الله) والتي

أكتنزت العديد من المسائل التي تقارب قصدية منتج النص )صلوات الله وسلامه

عليه).

وذلك من خلال الرجوع الى النصوص التي تناولت دراسة وبيان معنى القربة

والقرابة، أي: قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وانعكاسات التعامل مع هذه

القرابة في الحياة الدنيا والاخرة.

المسألة الاولى: قصدية التقرب الى رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بالحسن والحسين(علیهما السّلام)
اشارة

إنّ الملاحظ في خطاب أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) -موضع الدراسة-

أنه أثار عقول السامعين للوصية وحفز مشاعرهم لما سينطق به كي يتم التعامل

بدقة مع ما سيقوله فضلاً عن توجيههم نحو قصدية اللفظ والتفاعل معه.

ولذا:

استخدم -بحسب دراسة النص ومقتضيات منهج البحث- أمورا عدّة بغية

الوصول الى مجموعة من الثمار التي يروم الحصول عليها من المتلقين، منها:

ص: 275

1-إبتداءه بمفردة (الوصية) وهو أمر قد حثَّ عليه الإسلام ورّغب على العمل

به لما يترتب على الوصية من تكاليف شرعية وأجتماعية وأسرية.

2-تحديد موضع الوصية، وهو (المال) كما صرّح به (عليه السلام) كما جاء في

النص الشريف الذي أخرجه الشيخ الكليني وغيره:

«هذا ما أوصى به وقضى به في ماله عبد الله علي بن أبي طالب » ومما لا يخفى على أهل المعرفة ما للمال من آثار على أهتمام الناس وقد جبلوا على حبة كما بين القرآن الكريم في قوله تعالى: «وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا »(1).

ومن ثم فإن النفس الإنسانية ستندفع بفعل فطرتها لحب المال على التفاعل مع

هذا الخطاب أو الوصية.

4-تحديد العلّة الموجبة لكتابة الوصية وهو قوله:

«إبتغاء وجه الله ليولجني به الجنة، ويصرفني به عن النار، ويصرف النار عني يوم

تبيض وجوه وتسود وجوه .»

ومن ثم الاعتماد على تحريك الجانب الغيبي والإيمان باليوم الأخر وأغتنام المال

لهذا الغرض.

هذه الاجواء التفاعلية التي أحرزها الإمام (عليه السلام) كي يسخرها في بيان

القضية التي تكون بموازاة النتيجة التي ربطها بالمال والوصية، وهي رسول الله

(صلى الله عليه وآله) ورحمته، وتشريف ابني فاطمة وتعظيمهما، وارتكاز كل ذلك

على حرمة فاطمة (عليها السلام) التي هي عين حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ص: 276


1- سورة الفجر، الآية ( 20 )

ومن ثم إحراز النتيجة العظمى وهي الولوج الى الجنة والنجاة من النار للعامل

بهذه الجزئية -مورد البحث- وذلك من خلال جملة من القصديات التي اكتنزها

قوله (عليه السلام): «قربة الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) »، فكانت كالاتي:

أولاً: القربة في القرآن واللغة

جاء ذكر (القربة) في القرآن الكريم في قوله تعالى: «وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ »(1).

وقد جاء في تفسيرها ومعناها ما تناوله الشيخ الطوسي في تفسيره، فقال:

(قال الزجاج: يجوز في (قربات) ثلاثة أوجه -ضم الراء وأسكانها وفتحها- وما

قرئ إلا بالضم، والقربة هي طلب الثواب والكرامة من الله تعالى بحسن الطاعة،

وهي تدني من رحمة الله والتقدير أنه يتخذ نفقته وصلوات الرسول اي دعاؤه له

قربة إلى الله.

وقال ابن عباس والحسن: معنى وصلوات الرسول: استغفاره لهم، وقال قتادة:

معناه: دعاؤه بالخير والبركة، قال الأعشى:

تقول بنتي وقد قربت مرتحلا *** يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا

عليك مثل الذي صليت فاغتمضي*** نوما فان لجنب المرء مضطجعا(2) .

ص: 277


1- سورة التوبة، الآية ( 99 ).
2- ديوانه 720 القصيدة 13 وقد مر البيت الثاني في 1/ 193 .

ثم قال «ألا إنها » يعني صلوات الرسول «قربة لهم » اي تقربهم إلى ثواب الله؛

ويحتمل أن يكون المراد ان نفقتهم قربة إلى الله. وقوله «سيدخلهم الله في رحمته » وعد منه لهم بان يرحمهم ويدخلهم فيها، وفيه مبالغة، فان الرحمة وسعتهم وغمرتهم، ولو قال فيهم رحمة الله لأفاد انهم اتسعوا للرحمة من الله تعالى.

وقوله «إن الله غفور رحيم » معناه إنه يستر كثيرا على العصاة ذنوبهم ولا يفضحهم

بها لرحمته بخلقه «وغفور رحيم » جميعا من ألفاظ المبالغة فيما وصف به نفسه من المغفرة والرحمة) (1).

وجاء في معنى القرب ومشتقاته في القرآن الكريم ما يوضح تعدد معاني هذه

اللفظة ومن ثم تعدد قصديتها، وفي ذلك قال الراغب الاصفهاني (ت 425 ه):

(القرب والبعد يتقابلان، يقال قربت منه اقرب وقربته اقربه قربا وقرباناً،

ويستعمل ذلك في المكان والزمان وفي النسبة وفي الخطوة والرعاية والقدرة، فمن الأول نحو (ولا تقربا هذه الشجرة - ولا تقربوا مال اليتيم - ولا تقربوا الزنا -

فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا). وقوله (ولا تقربوهن( كناية عن الجماع

كقوله (لا يقربوا المسجد الحرام)، وقوله: (فقربه إليهم) وفي الزمان نحو (اقترب

للناس حسابهم) وقوله (وإن أدرى أقريب أم بعيد ما توعدون( وفي النسبة نحو:

(وإذا حضر القسمة أولوا القربى)، وقال: (الوالدان والأقربون) وقال: )ولو كان ذا

قربى - ولذي القربى - والجار ذي القربى - يتيما ذا مقربة) وفي الحظوة (والملائكة المقربون) وقال في عيسى (وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين - عينا يشرب بها المقربون - فأما إن كان من المقربين - قال نعم وإنكم لمن المقربين - وقربناه نجيا) ويقال للحظوة القربة كقوله (قربات عند الله ألا إنها قربة لهم - تقربكم

ص: 278


1- التبيان: ج 5 ص 286 .

عندنا زلفى) وفى الرعاية نحو (إن رحمة الله قريب من المحسنين) وقوله (فإني قريب أجيب دعوة الداع) وفى القدرة نحو (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) وقوله

(ونحن أقرب إليه منكم) يحتمل أن يكون من حيث القدرة، والقربان ما يتقرب

به إلى الله وصار في التعارف اسما للنسيكة التي هي الذبيحة وجمعه قرابين، قال: (إذ قربا قربانا - حتى يأتيا بقربان) وقوله: (قربانا آلهة) فمن قولهم قربان الملك لمن يتقرب بخدمته إلى الملك، ويستعمل ذلك للواحد والجمع ولكونه في هذا الموضع جمعا قال آلهة، والتقرب التحدي بما يقتضى حظوة وقرب الله تعالى من العبد هو بالافضال عليه والفيض لا بالمكان ولهذا روى أن موسى (عليه السلام) قال إلهي أقريب أنت فأناجيك؟ أم بعيد فأناديك؟ فقال: لو قدرت لك البعد لما انتهيت إليه، ولو قدرت لك القرب لما اقتدرت عليه، وقال: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) وقرب العبد من الله في الحقيقة التخصص بكثير من الصفات التي يصح أن يوصف الله تعالى بها وإن لم يكن وصف الانسان بها على الحد الذي يوصف تعالى به نحو: الحكمة والعلم والحلم والرحمة والغنى وذلك يكون بإزالة الأوساخ من الجهل والطيش والغضب والحاجات البدنية بقدر طاقة البشر وذلك قرب روحاني لا بدني، وعلى هذا القرب نبهّ عليه الصلاة والسلام فيما ذكر عن الله تعالى: «من تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا » وقوله عنه «ما تقرب إلى عبد بمثل أداء ما افترضت عليه وإنه ليتقرب إلى بعد ذلك بالنوافل حتى أحبه » الخبر وقوله: ﴿ولَا تقَرْبَوُا ماَل اليْتَيِم﴾ِ هو أبلغ من النهى عن تناوله، لان النهى عن قربه أبلغ من النهى عن أخذه، وعلى هذا قوله: ﴿ولَا تقَرْبَاَ هذَهِ الشجَّرَةَ﴾َ وقوله: ﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ كناية عن الجماع ﴿ولَا تقَرْبَوُا الزنِّاَ﴾(1).

ص: 279


1- المفردات للراغب: ص 398 - 399 .

وهذه المعاني للفظ (القربة) وما أرتبط بها من موارد ومقاصد في القرآن الكريم

يدفع الرجوع الى كتب الفقهاء بغية معرفة حكمها ومتعلقاتها في الاعمال ومن ثم

الوصول الى قصديته (عليه السلام) في جعل امر التولية في هذه الاموال لأبني

فاطمة (عليهما السلام).

ثانياً: معنى القربة عند الفقهاء

إن للّفظ خصوصية خاصة وذلك لإرتباطه بروح الشريعة والعقيدة؛ لما للفظ

-اي: (القربة)- من مسافة واسعة تداخلت مع الفرائض والمندوبات والحث على

العمل في مختلف أوجه البر.

فجميع ذلك مرتبط أرتباطا وثيقا وأساسياً ب(القربة) الى الله تعالى؛ فهي -أي

(القربة)- مدار الاعمال والاعتقاد باليوم الاخر.

وعليه: يصبح قوله (عليه السلام):

«قربة الى رسول الله » مورداً خصباً لمجموعة من المقاصد التي أراد من خلالها

توجيه المتلقي الى بناء العقيدة ونظام الحياة الدينية؛ وذلك أن المتلقي ومن خلال

هذا اللفظ سيواجه العديد من المفاهيم التي أدخلت إلى المنظومة الفكرية للإسلام فكانت سببا في تغيير جملة من المفاهيم والتي أصبحت واقعاً ملموساً لدى النخبة من أهل القرن الأول الهجري.

الهجوم على بيت فاطمة وترويعها مع ولديها الحسن والحسين (عليهم السلام)، وبين جعلهما وسيلة للتقرب الى رسول الله مساحة واسعة وهوّة عظيمة

سقط فيها من سقط من الناس والصحابة كما أخبر عن ذلك رسول الله (صلى الله

عليه وآله) في حديث الحوض:

ص: 280

«فلا أراه يخلص منهم إلّا کهمل النعم»(1).

ومن ثم نحتاج الى الرجوع الى مفهوم القربة عند الفقهاء كي نصل الى قصدية

منتج النص (صلوات الله وسلامه عليه) في جعل ابني فاطمة (عليهما السلام) قربة الى سيد الانبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولعل الرجوع الى الجواهر الذي جمع فيه الشيخ الجواهري (رحمه الله) جواهر

الفقهاء ليكفينا المؤنة في البحث والاستقصاء عن اقولهم (اعلى الله درجاتهم)؛ قال (رحمه الله) وتحت عنوان (إعتبار القربة في النية):

(ومن الكيفية أن ينوي (القربة) بلا خلاف اجده فيها، بل في المدارك أنه موضع

وفاق، وكأن عدم ذكر البعض لها لعدم تعرضه لأصل النية لا يشعر بالخلاف، بل

إما لاكتفائهم باشتراط الاخلاص في العبادة المستلزم لها أو غير ذلك، وكان خلاف

المرتضى )رحمه الله( الآتي إن شاء الله في صحة العبادات الريائية وإن كان لا ثواب

عليها ليس نزاعا في اشتراط التقرب، لأنه على ما يظهر من نقل بعضهم له أن نزاعه في ضميمة الرياء، والظاهر أن المراد من القربة العلة الغائية بمعنى أنه يقصد وقوع الفعل تحصيلا للقرب إلى الله تعالى الذي هو ضد البعد المتحقق بحصول الرفعة عنده استعارة من القرب المكاني، لكن فيه من الاشكال ما لا يخفى، لأن دعوى وجوب نية القرب بهذا المعنى مما لا يمكن إقامة الدليل عليها من كتاب أو سنة، بل هي إلى البطلان أقرب منها إلى الصحة، لما نقل عن المشهور بل في القواعد للشهيد نسبته إلى قطع الأصحاب، بل نقل أنه ادعى عليه الاجماع أنه متى قصد بالعبادة تحصيل الثواب أو دفع العقاب كانت عبادته باطلة، لمنافاته لحقيقة العبودية، بل هي من قبيل المعاوضات التي لا تناسب مرتبة السيد سيما مثل هذا السيد، ولا ريب أن

ص: 281


1- صحيح البخاري، كتاب الرقاق: ج 7 ص 209 .

القرب بالمعنى المتقدم نوع من الثواب، فيجري فيه ما يجري فيه، نعم اختار بعض

متأخري المتأخرين في مثل تلك العبادة الصحة، عملا بظواهر الآيات والروايات،

كقوله تعالى(1): ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُم خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ و﴿ويَدَعْوُننَاَ رغَبَاً ورَهَبَاً﴾(2) وقد روي عنهم (عليهم السلام)(3) «إن من بلغه ثواب على عمل ففعله التماس ذلك الثواب أويته وإن لم يكن كما بلغه » وما ورد(4) من تقسيم العباد إلى ثلاثة، منهم عبادة العبيد، وهي أن يعبد الله خوفا، ومنهم عبادة الأجراء، وهم وجميع ما ذكر محمول على إرادة إيقاع الفعل بقصد الامتثال، وموافقة الإرادة والطاعة، وجعل ذلك وسيلة إلى تحصيل ذلك الثواب كما هي سيرة سائر العبيد مع ساداتهم، إنما الممنوع عندنا القصد بالفعل لتحصيل الثواب، ومما يؤيده أنه إن أريد القربة بالمعنى الأول كان لا ينبغي الاجتزاء بعبادة قاصد الإطاعة والامتثال مقتصرا عليهما لفقد الشرط وهو مما لا يلتزم به فقيه، أو يراد بوجوبها الوجوب المخير بينها وبين غيرها، وهو خلاف الظاهر منهم.

إذا عرفت ذلك فالمتجه حينئذ تفسير القربة بما يظهر من بعضهم من موافقة الإرادة وقصد الطاعة والامتثال، فإنه حينئذ يدل عليه جميع ما دل على وجوب الاخلاص كتابا وسنة، كقوله تعالى(5): ﴿ومَاَ أمُرِوُا إلِا ليِعَبْدُوُا ا لله مخلصِينِ لهَ الديِّن﴾َ مضافا إلى توقف تحقق قصد الطاعة والامتثال المأمور بهما في الكتاب والسنة عليها، لا يقال:

أن القول باشتراط القربة بالمعنى المتقدم قد يكون منشؤه الاجماع على وجوبها مع ظهورها في ذلك، وبه تمتاز عن نية غيرها من قصد جلب الثواب أو دفع العقاب، بل

ص: 282


1- سورة السجدة، الآية ( 16 ).
2- سورة الأنبياء، الآية ( 90).
3- الوسائل، الباب ( 18 ) من أبواب مقدمة العبادات.
4- الوسائل، الباب ( 9) من أبواب مقدمة العبادات.
5- سورة البينة، الآية ( 4).

مما يرشد إليه ما نقل عن ابن طاووس في البشرى أنه قال: لم أعرف نقلا متواترا ولا آحادا يقتضي القصد إلى رفع الحدث أو استباحة الصلاة، لكنا علمنا يقينا أنه لابد من نية القربة، ولولا ذلك لكان هذا من باب «اسكتوا عما سكت الله عنه »(1) انتهى.

فإن قوله ولولا ذلك إلى آخره ظاهر في إرادة القربة بالمعنى الأول، وإلا ففي

المعنى الثاني لا يكون من باب (اسكتوا عما سكت الله عنه) لأنا نقول أما دعوى

الاجماع على اشتراط نية القربة بالمعنى المتقدم إن لم يكن ممنوعا فهو محل الشك، وما ذكره من كلام ابن طاووس لا دلالة فيه على ذلك، لأنه قد يكون المقصود منه المعنى الثاني، ولولا ما ذكرنا من الأدلة عليه من توقف الإطاعة والامتثال وأدلة الاخلاص التي أفادتنا اليقين بذلك لكان من باب (اسكتوا عما سكت الله عنه) وهو كذلك، واحتمال القول أنه لا فرق معنوي بين المعنى الأول للقربة والثاني فيه ما لا يخفى، نعم قد يظهر من ابن زهرة في الغنية إيجاب معنيي القربة، متمسكا للأول منهما بنحو قوله تعالى(2)«وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ »وقوله تعالى(3): «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » فإن المعنى

افعلوا ذلك على رجاء الفلاح، وقوله تعالى(4): ﴿ويَتَخَّذِ ماَ ينُفْقِ قرُبُاَت عنِدْ الله وصَلَوَاَت الرسَّوُل ألَا إنِها قرُبْةَ لهُم﴾ْ وفيه ما لا يخفى، بل الاجماع على خلافه، إذَ هو مؤد إلى فساد عبادة الأولياء الذين لا يخطر ببالهم ذلك، فتأمل)(5).

أقول: وخلاصة قوله (رحمه الله) في القربة فهي:

ص: 283


1- تفسير الصافي، سورة المائدة الآية ( 101 )، والبحار الباب ( 33) من أبواب كتاب العلم (حديث 5).
2- سورة العلق، الآية ( 19 ).
3- سورة الحج، الآية ( 76 ).
4- سورة التوبة، الآية ( 100 ).
5- جواهر الكلام: ج 2 ص 86 - 89 .

(أرادة إيقاع الفعل بقصد الإمتثال، وموافقة الإرادة والطاعة، وجعل ذلك وسيلة

الى تحصيل ذلك الثواب).

وهذا القول مهم جداً لأنه يرشد الى قصدية قوله:

(قربة الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).

أي: إيقاع فعل التولية لأبناء فاطمة (عليهم السلام) بقصد الإمتثال لما أمر به

رسول الله (صلى الله عليه وآله) في تعظيم شأنهما واداء حقهما وحق امهما فاطمة وموافقة الارادة والطاعة لما أمر به الله تعالى في قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وجعل هذه التولية وسيلة لنيل الولوج الى الجنة والصرف عن النار، وذلك لترتب

نفس الاثر الذي تعلق بالإنفاق.

ومن ثم: توجيه المتلقي الى قضية مهمة وهي: إنّ انفاق المال الذي حدد ثماره منتج النص (عليه السلام) في مستهل وصيته لا يداني ثمار القربة الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالحسن والحسين (عليهما السلام).

وبذلك يتضح ما يترتب على المخالف لهذه الحرمة وصيانتها والتعرض لمقامها

(عليها السلام) من الإبتعاد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ بل أن توقف

أرتفاع الاعمال وقبولها الذي به تتحقق القربة من الله لا يختلف من حيث معنى

القربة ومقصدها فيما يتعلق بالقربة الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأبني فاطمة (عليهم السلام).

بمعنى: إنّ النتيجة واحدة في قبول العمل أو أحباطه، وذلك لأتحاد المنشأ وهو ما

سنتناوله في القصدية القادمة.

ص: 284

المسألة الثانية: قصدية التلازم بين القربة الى الله والقربة الى رسوله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ووحدة المنشأ بينهما

إنّ الوصول الى مقام (وجه الله) تعالى الذي جعله الإمام أمير المؤمنين (عليه

السلام) غاية في قصدية الانفاق لينال بذلك الرفعة عند الله تعالى متحقق في القربة الى رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وذلك (إن القربة والتقرب طلب الرفعة عند الله تعالى بواسطة نيل الثواب)(1) .

وهذه القصدية متحققة في القرب الى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بمعنى:

إن القربة والتقرب التي تحقق الرفعة عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) هي في حقيقتها وغايتها تحقق الرفعة عند الله تعالى.

وذلك لوحدة المنشأ بين القربين، القرب لله والقرب لرسول الله (صلى الله عليه

وآله).

وقد دلت عليه كثير من الآيات المباركة، منها:

1- ففي وحدة الإتباع قال تعالى: «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ »(2).

2-وفي وحدة الطاعة، قال تعالى: «قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ»(3).

ص: 285


1- ذكرى الشيعة في احكام الشريعة للشهيد الاول: ج 2 ص 103 .
2- سورة آل عمران، الآية ( 31 ).
3- سورة آل عمران، الآية ( 32 ).

ونلاحظ هنا ان الطاعة جاءت في توجيه المسلم بدون فاصلة بين الله تعالى والرسول (صلى الله عليه وآله)، وقال تعالى في امر الطاعة له ولرسوله (صلى الله عليه وآله): «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ»(1).

﴿ياَ أيَها الذَّيِن آمَنَوُا أطَيِعوُا الله ورَسَوُلهَ ولَا توَلَوَّاْ عنَهْ وأَنَتْمُ تسَمْعَوُن﴾َ(2).

وغيرها من الآيات الخاصة في التلازم بين طاعة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله).

3-وفي وحدة التحذير من معصية الله ومعصية الرسول (صلى الله عليه وآله)

قال سبحانه: ﴿ومَنَ يعَصْ ا لله ورَسَوُلهَ ويَتَعَدَ حدُوُدهَ يدُخْلِهْ ناَراً خاَلدِاً فيِهاَ ولَهَ عذَاَب مهُينِ﴾(3).

4-وفي وحدة الحكم والقضاء بين الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) قال تعالى:

«وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا »(4).

5- وفي وحدة اعلان الحرب على العدو، قال تعالى: «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ»(5).

ص: 286


1- سورة النساء، الآية ( 59 ).
2- سورة الانفال، الآية ( 20 ).
3- سورة النساء، الآية ( 14 ).
4- سورة الاحزاب، الآية( 36 ).
5- سورة البقرة، الآية ( 278 ).

6-وفي تحديد الوجهة والهجرة ووحدة التلازم فيهما الى الله ورسوله (صلى الله

عليه وآله)، قال تعالى: «وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا »(1).

7- وفي وحدة التبرّي من المشركين والمنافقين قال تعالى: «بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ »(2).

8- وفي وحدة التفضيل على الخلق قال تعالى: «وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ »(3).

وغيرها من الآيات الكثيرة التي تقدم حقيقة الملازمة في النيات والاعمال والاثار

والنتائج والمقاصد بين الله تعالى ورسوله المصطفى (صلى الله عليه وآله).

ومنها القربة الى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) كما جاء في النص الشريف عنه (عليه الصلاة والسلام) بقوله: «قربة الى رسول الله .»

ص: 287


1- سورة النساء، الآية ( 100 ).
2- سورة التوبة، الآية ( 1).
3- سورة التوبة، الآية ( 59 ).

أي: إن القربة الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ابني فاطمة (عليهم السلام) هو قربة الى الله تعالى، وانها مصداق قوله تعالى:

﴿ومَاَ أمُرِوُا إلِا ليِعَبْدُوُا الله مخلْصِينِ لهَ الديِّن.َ...﴾(1).

بمعنى: إن الاخلاص في الدين والذي جعل قاعدة واساسا للامتثال في عبادته يكون من خلال ما اراد الله ومن خلال ما امر الله تعالى به.

ومن امره عز وجل اعطاء الاقرب احقيته في نيل القربة الى رسول الله (صلى الله

عليه وآله) وتشخيصهم كي لا يشتبه على الناس كما قال امير المؤمنين (عليه السلام) في هذه الوصية.

بمعنى ادق: إنّ جميع أبناء علي بن أبي طالب (عليه السلام) لهم القرابة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلّا أن تحديد الأقرب الذي نال حق القرابة والتقرب والقرب لله ورسوله (صلى الله عليه وآله) كان ابني فاطمة (عليهم السلام) كما أراد القرآن الكريم في هذا التشخيص.

أي: اتحاد القصدية في القرابة وتشخيصها بين القرآن والنص الشريف، هو ما

سنتناوله في المسألة القادمة.

ص: 288


1- سورة البينة، الآية ( 5).
المسألة الثالثة: إتحاد القصدية بين القرآن ومنتج النص في تشخيص قرابة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والتعريف بهم

يسير القرآن الكريم ومنتج النص الشريف في اظهار قصدية حق قرابة رسول

الله (صلى الله عليه وآله) وتشخيصهم في الامة لغرض بيان جملة الحدود والاحكام

والفرائض المرتبطة بهم في رقبة كل مسلم.

فالقرآن الكريم اظهر من خلال جملة من الآيات ما يترتب على الامة من فرائض

في حق قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومنها هذه الآيات:

قال تعالى: « قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى »(1).

فقد روي: انّها لما نزلت قیل: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟

قال (صلى الله عليه وآله): «علي وفاطمة وابناهما »(2).

قال الثعلبي (ت 427 ه) بعد ان اورد الرواية: (فثبت ان هؤلاء الاربعة اقارب النبي صلى الله عليه وآله وسلم)؛ واذا ثبت هذا وجب ان يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم)(3).

ص: 289


1- سورة الشورى، الآية ( 23 ).
2- الكشاف للزمخشري: ج 3 ص 467 ؛ تفسير ابن ابي حاتم: ج 10 ص 3276 ؛ المعجم الكبير: ج 11 ص 351 .
3- الكشف والبيان: ج 8 ص 37 ، وعنه الفخر الرازي: ج 7 ص 166 .

2- وقال الفخر الرازي (ت 606 ه):

لاشك ان النبي كان يحب فاطمة (عليها السلام)، قال (صلى الله عليه وآله):

«فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها .»

وثبت بالنقل المتواتر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه كان يحب علياً والحسن والحسين؛ واذا ثبت ذلك وجب على كل الامة مثله؛ لقوله:

﴿واَتبَّعِوُه لعَلَكَّمُ تهتْدَوُن﴾َ(1).

وقوله تعالى: ﴿فلَيْحَذْرَ الذَّيِن یخاَفِوُن عنَ أمَرْهِ﴾ِ(2)

ولقوله عز وجل: ﴿قلُ إنِ كنُتْمُ تحبِوُّن ا لله فاَتبَّعِوُن﴾ِ(3).

ولقوله سبحانه: ﴿لقَدَ كاَن لكَمُ فی رسَوُل الله أسُوْةَ حسَنَةَ﴾(4).

3- أن الدعاء للآل منصب عظيم ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في

الصلاة وهو قوله: «اللهّم صل على محمد وعلى آل محمد وارحم محمداً وآل محمد .»

ص: 290


1- سورة الاعراف، الآية ( 158 ).
2- سورة النور، الآية ( 166 ).
3- سورة آل عمران، الآية ( 31 ).
4- سورة الاحزاب، الآية ( 21 ).

وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل، فكل ذلك يدل على أن حب آل محمد واجب.

وقال الشافعي:

يا راكباً قف بالمحصب من منى***واهتف بساكن خيفها والناهض

سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى ***فيضاً كما نظم الفرات الفائض

إن كان رفضاً حب آل محمد*** فليشهد الثقلان أنّی رافضي)(1)

وعليه:

فقصدية القرآن في بيان منزلة القرابة انما يراد بها التقرب الى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله).

وهي نفسها القصدية التي اكتنزها اللفظ واراد بيانها منتج النص في تولية ابني

فاطمة (عليهم السلام).

مما يستلزم تقديم جملة من الحدود للتعامل مع ابني فاطمة، بمعنى:

اذا كان تعظيمهما وتشريفهما والتقرب بهما الى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) له مجموعة من النتائج والآثار في الدنيا والآخرة، فإن التعرض لهما وانتهاك حرمتهما يؤدي الى نتائج عظيمة ومنها البعد عن الله ورسوله (صلى الله عليه وآله).

ولذا: وجب تحذير الامة بقصدية التعظيم.

بمعنى: إن القرآن الكريم والسنة النبوية حينما وضعت جملة من الحدود والمحاذير

المتعلقة بحرمة الشريعة والفرائض والاماكن كبيت الله الحرام والاشهر كشهر

ص: 291


1- تفسير الرازي: ج 27 ص 166 .

رمضان وليلة القدر وليلة عرفة وغيرها من المقدسات التي كانت تبتغي حفظ هذه

المقدسات وتعظيمها وتقديسها بواسطة تلك المحاذير من جهة، ومن جهة أخرى

كلما اظهرت الشريعة حرمة الاشياء كلما اشتد التحذير من التعرض لهذه الحرمات.

وعليه: من المقاصد التي تقارب قصدية منتج النص في هذا الشطر من خطابه (عليه السلام) تحذير الامة؛ وهو ما سنتناوله في المسألة القادمة.

المسالة الرابعة: قصدية القربة لرسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بتحذير الأمة من المساس بهذه القربة

إنّ مما يرشد الى هذه القصدية ويقارب مبتغى منتج النص -فضلا مما مرَّ بيانه من

المقاصدية المرتبطة بهذا اللفظ- هو تحذير الامة من التعرض لحرمة الحسن والحسين (عليهما السلام) وعدم الاكتراث لما يترتب على الامة من حقوقهما، ومنها بيان هذه الشأنية والمنزلة التي لهما عند الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله).

فقد ارشد القرآن الكريم والأحاديث الشريفة الى اظهار هذه القصدية، أي:

تحذير الامة من التعرض لأبني فاطمة (عليهم السلام) وذلك بعد بيان منتج النص

(عليه السلام) للتقرب الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهما فمما جاء في قصدية التحذير ما اخرجه فرات بن ابراهيم الكوفي في تفسيره لجملة من الروايات الشريفة في بيان معنى قوله تعالى: «وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ *بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ »

، فقال:

ص: 292

1-عن ابي جعفر -الباقر (عليه السلام)- في قوله: «وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ *بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ »؟ قال:

«قتل في مودتنا »(1).

2-وعنه (عليه السلام) في الآية نفسها، انه قال:

«هم قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله)»(2).

3- وعنه ايضاً،أي: الامام الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى:

«وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * *بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ »، يقول:

«أسألكم عن المودة التي انزلت عليكم وصلها مودة ذي القربى بأي ذنب

قتلتموهم»(3).

4- واخرج فرات الكوفي عن الفزاري معنعنا عن ابي عبد الله الصادق (عليه

السلام) في قوله عزّ ذكره: «وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ» يعني:

«مودتنا اهل البيت »، ﴿بأِيَ ذنَبْ قتُلِتَ﴾ْ قال:

«ذلك حقنا الواجب على الناس، (وب) حبنا الواجب على الخلق قتلوا مودتنا »(4).

ص: 293


1- تفسير فرات الكوفي: ص 541 - 542 .
2- المصدر السابق.
3- تفسير فرات الكوفي: ص 541 - 542 .
4- تفسير فرات الكوفي: ص 542 .

والاحاديث الشريفة واضحة الدلالة في التحذير من التعرض للعترة النبوية اذ

اظهر الإمام الباقر والصادق (عليهما السلام) التحذير للأمة من المساس بحرمة

العترة من خلال التعظيم في حق المودة وحدودها وشأنها عند الله تعالى وهو نفس الغرض والقصد الذي اراده منتج النص (عليه السلام) في قوله «قربة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) .»

ومما يدل على هذه القصدية ويعاضدها:

1- إن الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) لمّا قُتِلِ امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) قام فخطب بالناس فقال:

«وإناّ من أهل البيت افترض الله مودتهم على كل مسلم، حيث يقول:

﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إلِّا الموَدَّةَ الْقُرْبَى﴾ ﴿وَمَنْ يَقْترفَ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ

فيِهاَ حسُنْاً﴾.

فاقتراف الحسنة مودتنا اهل البيت»(1).

فإذا كان اقتراف الحسنة مودة اهل البيت التي جعلها في الاصل فرض على كل

مسلم، فكيف يكون حال من تعرض لهم بالقتل؟

2- ان هذا المعنى عينه والقصدية نفسها نجدها في حديث الامام زين العابدين

بعد مأساة يوم عاشوراء وقد أدُخل مكتوفا ومقيدا بالحبال مع بنات النبوة، يساقون

في البلدان ويطاف بهم في ازقة دمشق والشام.

ص: 294


1- مسائل علي بن جعفر (عليه السلام): ص 328 .

فقد اخرج الطبري (ت 310 ه) والثعلبي (ت 427 ه) وابن كثير الدمشقي (ت

774 ه)؛ واللفظ لأبن جرير الطبري، انه قال: عن ابي الديلم قال:

(لما جيء بعلي بن الحسين [عليه السلام] اسيراً، فأقيم على درج دمشق، قام رجل من اهل الشام فقال:

الحمد الله الذي قتلكم، واستأصلكم، وقطع قربى الفتنة.

فقال علي بن الحسين [عليه السلام]:

«أقرأت القرآن ؟»

قال: نعم.

قال: «أقرأت آل حم »(1)؟

قال: قرات القرآن وما قرأت آل حم.

قال: « قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى »؟

قال: وانكم لأنتم هم؟!!

قال: «نعم »(2)

3- إن من المصاديق التي تكشف عن هذه القصدية، أي: تحذير الامة من المساس بحرمة الحسن والحسين ولم تحفظ قرابتهما وقربهما من رسول الله (صلى الله عليه وآله)

ص: 295


1- سورة بني اسرائيل.
2- جامع البيان للطبري: ج 25 ص 33 ؛ تفسير الثعلبي: ج 8 ص 311 ؛ تفسير ابن كثير: ج 4 ص 121 ؛ تفسير السوطي: ج 6 ص 7.

هي الدعاء الذي دعا به الامام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء بعد استشهاد

ولده علي الاكبر (صلوات الله وسلامه عليهما) فقد اخرج ابن اعثم الكوفي والعلامة

المجلسي (رحمه الله): (رفع الامام الحسين شيبته(1) نحو السماء، وقال:

«اللهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا

ومنطقا برسولك، كنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إلى وجهه، اللهم أمنعهم بركات

الأرض، وفرقهم تفريقا، ومزقهم تمزيقا، واجعلهم طرائق قددا، ولا ترض الولاة

عنهم أبدا، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا .»

ثم صاح الحسين بعمر بن سعد: «ما لك؟ قطع الله رحمك! ولا بارك الله لك في

أمرك، وسلط عليك من يذبحك بعدي على فراشك، كما قطعت رحمي ولم تحفظ

قرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) »، ثم رفع الحسين (عليه السلام) صوته وتلا: «إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، ذرية

بعضها من بعض والله سميع عليم »)(2).

اذن:

كانت القصدية الجديدة في قوله (عليه السلام):

«قربة الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) » هي تحذير الامة من المساس بهذه

القرابة والقربة التي لابني فاطمة (عليه السلام) من سيد الخلق اجمعين (صلى الله عليه وآله).

ص: 296


1- وورد في البحار بلفظ (سبابته).
2- البحار: ج 45 ص 43 ؛ الفتوح لابن اعثم الكوفي: ج 5 ص 114 .

لكن الامة لم تنصاع لهذا التحذير المكتنز من دلالة اللفظ وقصدية منتج النص كما

لم تطع الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) في العمل بالمودة والقربى ولم تحفظ حرمة ابني فاطمة (عليهم السلام).

ولذا: تحملت الآثار الدنيوية والآخروية للمساس بهذه القرابة فكانت هذه الآثار

كالاتي وهو ما سنتناوله في المسألة القادمة.

المسألة الخامسة: قصدية التلازم في الآثار المرتبطة بالتعامل مع قرابة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في الدنيا والآخرة

إنّ لكل عمل من الاعمال آثاره المرتبطة به سواء كانت هذه الآثار دنيوية ام

آخروية لاسيما تلك الاعمال الخاصة بقصدية الشريعة ورموزها كالأنبياء والمرسلين

والحجج والمعصومين (سلام الله عليهم اجمعين) كما مرَّ بيانه في مسألة التولي والتبري عند دراسة مقبولية النص عند العلّامة المجلسي (رحمة الله عليه) في الباب الاول من الكتاب.

وإن الاثار المرتبطة بقرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) هي من اخطر الاثار

تأثيراً وفعالية في الدارين الاولى والآخرة؛ ولقد كشفت المصادر الاسلامية في

التاريخ والسيرة والتراجم وغيرها مما تناولت حياة المسلمين ورموزهم عن سرعة

ظهور هذه الآثار في الحياة الدنيا حينما اقدم بعض المسلمين على انتهاك حرمة رسوله الله (صلى الله عليه وآله) في التعامل مع قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ولقد مرَّ في المسألة السابقة حديث الإمام الحسين (عليه السلام) ودعائه على عمر بن سعد وكيف نال آثار هذا التعرض لحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ص: 297

وكذا حال الذين تعرضوا لحرمة بقية الائمة (عليهم السلام) وابنائهم ويكفي في

ذاك كاشفا عن هذه الاثار ما نال الذين تعرضوا لفاطمة بنت رسول الله (صلى الله

عليه وآله) وكيف انقلب الذين ظلموها.

من هنا: فان الروايات التاريخية والوقائع الحياتية كاشفة عن اظهار هذه الاثار المرتبطة بالتعامل مع قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

بمعنى: مثلما جعل الله تعالى للإنفاق اثارا دنيوية وآخروية تلحق العامل بها، كذا هو حال التعامل مع أبني فاطمة (عليهم السلام).

ولذا: لازم بينهما منتج النص (صلوات الله وسلامه عليه)، اي: لازم في تلك الاثار

منبها على خطورة اغفال هذه المسألة الهامة حيث ينصرف الانسان الى عمل الانفاق بالمال والموقوفات والصدقات بغية الانتفاع منها بعد الموت ويغفل عن نفس هذه الاثار المرتبطة بالتعامل مع قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد الموت.

إذ سيجني الانسان بعد موته إما خيراً وفيراً ورحمة من الله واسعة فيكون في قبره

منعما في روضة من رياض الجنة او في حفرة من حفر النار؛ كما أخبر المصطفى (صلى الله عليه وآله) عن حال الإنسان في قبره، فقال:

«إنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار »(1).

ص: 298


1- الخرائج والجرائح للراوندي: ج 1 ص 172 ؛ سنن الترمذي: ج 4 ص 55 .

وقد كشفت الروايات الشريفة ايضا مثلما كشفت الوقائع الحياتية منذ استشهاد

رسول الله (صلى الله عليه وآله) والى قيام الساعة عن هذه الآثار ما بعد الموت،

ومنها، اي من هذه النصوص ما يلي:

1- أخرج العياشي (رحمه الله) (ت 320 ه) عن أبي عمرو الزبيري عن الإمام

الصادق (عليه السلام)، انه قال: «من تولى آل محمد (صلى الله عليه وآله) بما قدم من قرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فهو من آل محمد لتوليه آل محمد لا أنه من القوم بأعينهم وانما هو منهم بتوليه اليهم وأتباعه اياهم، وكذلك حكم الله في كتابه: ﴿ومَنَ يتَوَلَهُم منِكْمُ فإَنِهَّ﴾ُ.

وقول ابراهيم: ﴿فمَنَ تبَعِنَيِ فإَنِهَّ منِيِّ ومَنَ عصَاَنی فإَنِكَّ غفَوُر رحَيِم﴾»(1)

ونلاحظ هنا اثار تولية آل محمد (صلى الله عليه وآله) وتقديمهم على النفس

والناس لقرابتهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنه منهم لهذه التولية؛ ومن

ثم له بذلك ان يكون في زمرتهم وجوارهم في الآخرة.

2- روى المحدث النوري في المستدرك نقلا عن التفسير المنسوب للأمام الحسن

العسكري (عليه السلام)، انه قال:

(ان رجلا جاع عياله فخرج يبغي لهم ما يأكلون، فكسب درهما فاشترى به خبزا

وادما(2) ، فمر برجل وامرأة من قرابات محمد وعلي صلوات الله عليهما فوجدهما

ص: 299


1- تفسير العياشي: ج 2 ص 231 .
2- في المصدر: وإداما.

جائعين، فقال: هؤلاء أحق من قراباتي فأعطاهما إياهما ولم يدر بماذا يحتج في منزله، فجعل يمشي رويدا يتفكر فيما يعتذر(1) ، به عندهم، ويقوله(2) لهم، ما فعل بالدرهم إذا لم يجئهم بشيء؟ فبينا هو في طريقه إذا بفيج(3) يطلبه، فدل عليه فأوصل إليه كتابا من مصر وخمسمائة دينار في صرة، وقال: هذه بقية حملت(4) إليك من مال ابن عمك، مات بمصر وخلف مائة ألف دينار على تجار مكة والمدينة، وعقارا كثيرا ومالا بمصر بأضعاف ذلك، فأخذ الخمسمائة دينار فوسع على عياله، ونام ليلته فرأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليا (عليه السلام)، فقالا له:

« كيف ترى اغناءنا لك، لما(5) آثرت قرابتنا على قرابتك!؟ » إلى أن ذكر أنه وصل إليه من أثمان تلك العقار ثلاثمائة ألف دينار، فصار أغنى أهل المدينة، ثم أتاه رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال:

« يا عبد الله، هذا جزاؤك في الدنيا على ايثار قرابتي على قرابتك، ولأعطينك في

القيامة(6) بكل(7) حبة من هذا المال، في الجنة ألف قصر، أصغرها أكبر من الدنيا، مغرز كل إبرة منها خير من الدنيا وما فيها)(8).

ص: 300


1- في المصدر: يعتل.
2- في المصدر: يقول.
3- الفيج: هو الذي يحمل الاخبار من بلد إلى بلد، فارسي معرب، وهو ساعي البريد بتعبير عصرنا الحاضر (لسان العرب (فيج) ج 2 ص 350 ).
4- في المصدر: حملته.
5- في المصدر: بما.
6- في المصدر: الآخرة.
7- في المصدر: بدل كل.
8- مستدرك الوسائل النوري: ج 12 ص 382 .

والحديث غني عن البيان في تدعيم مصاديق هذه القصدية التي تقارب ما قصده

منتج النص (صلوات الله وسلامه عليه) في جعل التولية لأبني فاطمة (صلوات

الله عليهم اجمعين) في الدنيا والاخرة متقربا بهما الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع ما لديه من المنزلة الخصيصة والقرابة القريبة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو القائل:

«وقد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالقرابة القريبة والمنزلة

الخصيصة، وضعني في حجره وانا ولد، يضمني الى صدره، ويكنفني في فراشه،

ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل.....»(1).

هذا هو حال امير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) مع رسول الله (صلى الله عليه

وآله) وهذا حال معرفته بمنزلة ابني فاطمة (عليهم السلام) وموضعهما منه ليس

بلحاظ كونهما سبطاه وانما لأنهما متلازمان مع حرمته (صلى الله عليه وآله) وان

حرمته متلازمة مع حرمة الله (صلى الله عليه وآله).

ولذا: عرّج (عليه السلام) الى مقاصدية اخرى، فقال:

«وتكريما لحرمته ».

فما هو مبتغاه من هذا اللفظ، وكيف سيتحقق هذا التكريم لحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في توليتهما على الاموال؟ وجوابه في المباحث القادمة.

ص: 301


1- نهج البلاغة الخطبة القاصعة: ج 2 ص 156 .

ص: 302

المحتويات

المبحث الرابع والثلاثون مقاصدية التلازم بين الشكوى و التعزية

المسألة الاولى: القصدية في مخاطبة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بياء النداء بعد موته ... 7.

أولاً: إن رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) حي في قبره ... 9

ثانياً: تشريع الاستغاثة برسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )...14

المسألة الثانية: قصدية التعزية لرسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بعد موته ... 26.

أولاً: إن المعزى رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )فهو صاحب المصاب... 26

ثانياً: إن القصدية في قوله (وفيك أحسن العزاء) هو التأسي ...32

المبحث الخامس والثلاثون المقاصدية في ملازمة الصلاة على النبي وفاطمة (علیها السّلام)

المسألة الاولى: إن حرمة النبي وحرمتها واحدة ... 38

أولاً: تعدد ألفاظ حديث البضعة ... 42

ثانياً:حديث الشجنة ... 45

ثالثاً: حديث المهجة... 48

رابعاً: حديث الشعرة ... 51

خامساً: حديث (أحب أهله إليه (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )...56

ص: 303

سادساً: حديث (وهي قلبي وروحي) ....58

المسألة الثانية: إنّ صلتها في الصلاة عليها تكون صلة لأبيها (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ...65

أولاً: الصلاة عليها والطواف عنها ...66

ثانياً: كيفية الصلاة عليها ... 68

ثالثاً: الآثار الغيبية لفضل الصلاة عليها ... 69

رابعاً: الطواف عنها ... 70

خامساً: إهداء الصلاة إليها ... 71

المسالة الثالثة: زيارة قبرها كما فعل أمير المؤمنين (علیه السّلام)...72

المسألة الرابعة: القصدية في بدء الخطاب بالصلاة على النبي وعلى فاطمة (عليهما الصلاة والسلام) ... 82.

أولاً: جمع مشاعر المتلقي حول القضية الأساس وهي حرمة رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) التي أنُتهكت . .. 82

ثانياً:إن المستهدف الاول في هذه الحرب هو رسول الله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ...83

ثالثاً: تقديم أنموذجين من الاعتقاد بالله ورسوله عن اهل القرن الاول ... 84

رابعاً: إن الصلاة على النبي وفاطمة تقطع الطريق على القائلين بالفصل بين النبي والآل في الصلاة ... 85

خامساً: إنّ الصلاة على فاطمة تدفع المسلم عن ظلم العترة في انتهاك حقّها ... 86

ص: 304

الفصل الثاني: مقبولية النص لدى المتلقي عند دفنه فاطمة (علیها السّلام)

المبحث الأول مقبولية النص عند ابن أبي الحديد المعتزلي

المسألة الاولى: مناقشة قول ابن أبي الحديد لبيان مستوى مقبولية النص لديه ...109

أولاً: مقبولية المعتزلي لقوله (علیه السّلام) «وفاضت بين نحري وصدري نفسك . »...109

ثانياً: محاولته اليائسة في الجمع بين حديث الإمام علي (علیه السّلام) وحديث عائشة في وفاة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )...110

ثالثاً:تفاعله مع قوله (علیه السّلام) « لقد استرجعت الوديعة واخذت الرهينة »...111

رابعاً: تفاعله مع لفظ «اخذت الرهينة »...111

خامساً: حجم تلقيه ومقبوليته لقوله (علیه السّلام) « فأما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد »...112

سادساً: في تلقيه لقوله (علیه السّلام)« فأحفها السؤال واستخبرها الحال » وتفاعله معه .... 113

المسألة الثانية: تأثير النص بالمتلقي دفعه للانقلاب على الذات فكشف المستور ... 115 .

أولا: محاولة المعتزلي الممازجة بين حق علي(علیه السّلام) في الخلافة وتصحيح بيعة أبي بكر ... 116

ثانياً: استتاره من التصريح بحق علي (علیه السّلام) والتجائه الى النصوص النبوية في تعظيمه وتبجيله.... 117

ثالثاً: مناقشة قول ابن أبي الحديد (أن يؤخر عقد البيعة إلى أن يحضر ..) .... 117

رابعاً: أمّا قول المتلقي (على ان يكون العقد لواحد من المسلمين بموجبه، إما له أو لأبي بكر، أو لغيرهما) :.... 118

خامساً: عودة المتلقي للانقلاب ذاته هروبا من قصدية النص... 126

ساددساً: في قول المتلقي (وما أنكر إلا منكرا) ومناقشته ... 127

سابعاً: مناقشة المعتزلي في عدم وجود نص عند علي(علیه السّلام) ...130

المسألة الثالثة: تساءل المتلقي عن جواز ترك أبي بكر الأنصار في الوثوب على الخلافة..... 136 .

أولاً: من أعطى أبي بكر الحق في منع الأنصار من الاجتماع الى سيدهم وشيخهم سعد بن عبادة؟ ... 137

ثانياً: إقرار المتلقي بترك الصحابة مواراة نبيهم(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فلم يصلوا عليه، ولم يدفنوه .... 143

ثالثاً: إن الخاسر الأكبر هم الأنصار في قراءة المعتزلي للحدث .... 147

المسألة الرابعة: محاولات يائسة من المتلقي لصرف النص عن قصديته .... 150 .

أولاً: منهجه في التعامل مع النص في صرفه عن قصديته الاساس وهي قتل بضعة النبي(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )...152

ثانياً: منهجه في التعامل مع جريمة قتل فاطمة (علیها السّلام) في شرحه لنهج البلاغة .... 155

ص: 305

المبحث الثاني مقبولية النص عند العلّامة المجلسي(عليه الرحمة والرضوان)

المسألة الأولى: موارد استشهاد المجلسي (رحمه الله) بالنص وظهور تفاعله معه ... 168 .

أولاً: تفاعله مع النص في كتاب مرآة العقول .... 169

ثانیاً: تفاعله مع النص في كتاب روضة المتقين .... 193

المسألة الثانية: إبداء ذروة التفاعل مع النص بين حدّي التولي والتبري .... 195

أولاً: نصوص التولي والتبري في القرآن والعترة(علیهم السّلام)...196

ثانياً: إرتكاز مقبولية النص عند المجلسي على عقيدة التولي والتبري ... 204

المبحث الثالث مقبولية النص عند المرجع الديني الشيخ جواد التبريزي (عليه الرحمة والرضوان)

أولاً: اعتماد النص في اثبات ظلامة فاطمة (علیها السّلام) وصحة ما نزل بها من المصائب على أيدي الصحابة .... 211

ثانياً: إن ما جرى على فاطمة الزهراء (علیها السّلام) من الظلم والجور مرتبط بعقيدة الموالاة والبراءة ... 213

ص: 306

الباب الثاني: ما رواه الشريف الرضي في وصية علي (علیه السّلام) في أمواله وابنيَ فاطمة (علیهم السّلام) وما رواه في حجاجه (علیه السّلام) لمعاوية في نفي ما لعلي (علیه السّلام) من الفضل . 

الفصل الاول: ما رواه الشريف الرضي (رحمه الله) في وصية علي (علیه السّلام) في أمواله وابنيَ فاطمة (علیه السّلام)

المبحث الأول سبب صدور النص الشريف وبيان مكان صدوره وزمانه

المسألة الاولى: سبب صدور النص (الوصية في أمواله )...227

المسألة الثانية: زمان صدور النص الشريف ومكانه .... 234 .

أولاً: مكان صدور النص .... 234

ثانياً: زمان صدور النص .... 235

المسألة الثالثة: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج التي تضمنت الوصية ... 238 .

أولاً: ما رواه الشيخ الكليني (رحمه الله) (ت 329 ه) .... 239

ثانياً: ما رواه ابن شبة النميري (ت 262 ه) .... 241

المبحث الثاني المقاصدية في قوله (علیه السّلام) «أبتغاء وجه الله  »

المسألة الأولى: قصدية الإنفاق في سياق العرض القرآني... 250 .

المسألة الثانية: قصدية الملازمة بين تولية أبني فاطمة (علیها السّلام) ووجه الله تعالى... 253 .

أولاً: لا يحصل رضا الله في الأعمال إلّا برضا فاطمة وأبنائها (علیهم السّلام)...235

ثانياً: إن القصدية في إبتغاء (وجه الله) هي عترة آل محمد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ...255

المسألة الثالثة: اختلاف القصدية في تكرار لفظ (وجه الله) في الوصية .... 260 .

أولاً: الإخلاص في النية ...261

ثانياً: أثر الرياء في النية وإحباط العمل .... 268

ص: 307

المبحث الثالث المقاصدية في جعل التولية لأبني فاطمة (علیها السّلام) قربة الى رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

المسألة الاولى: قصدية التقرب الى رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بالحسن والحسين (علیهما السّلام)...275

أولا: القربة في القرآن واللغة ... 277

ثانيا: معنى القربة عند الفقهاء ... 280

المسألة الثانية: قصدية التلازم بين القربة الى الله والقربة الى رسوله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ووحدة المنشأ بينهما .... 285 .

المسألة الثالثة: إتحاد القصدية بين القرآن ومنتج النص في تشخيص قرابة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) والتعريف بهم .... 289 .

المسالة الرابعة: قصدية القربة لرسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بتحذير الأمة من المساس بهذه القربة .... 292 .

المسألة الخامسة: قصدية التلازم في الآثار المرتبطة بالتعامل مع قرابة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في الدنيا والآخرة ... 297 .

ص: 308

المجلد 5

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية ببغداد 1351 لسنة 2016

مصدر الفهرسة: IQ – KaPLI ara IQ –KaPLI rda

رقم الاستدعاء: 2017 H37 F3.BP38.09

المؤلف: الحسني، نبيل قدوري ، 1965 -. مؤلف.

العنوان: فاطمة في نهج البلاغة : مقاربة تداولية في قصدية النص ومقبوليته واستكناه دلالاته وتحليله /

بيان المسؤولية: تأليف السيد نبيل الحسني.

بيانات الطبعة: الطبعة الاولى.

بيانات النشر: كربلاء، العراق : العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2017 / 1438 للهجرة.

الوصف المادي: 5 مجلد ؛

سلسة النشر: مؤسسة علوم نهج البلاغة ؛ سلسلة الدراسات والبحوث العلمية ( 12 ).

تبصرة ببليوغرافية : يتضمن ارجاعات ببليوجرافية.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة – نهج البلاغة.

موضوع شخصي: علي ابن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة- 40 هجريا – احاديث

-- دراسة تحليلية.

موضوع شخصي: فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، 8 قبل الهجرة - 11 هجريآ

موضوع شخصي: فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، 8 قبل الهجرة - 11 هجريآ – فضائل – احاديث.

موضوع شخصي: فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، 8 قبل الهجرة - 11 هجريآ – مصائب.

موضوع شخصي: فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)، 8 قبل الهجرة - 11 هجريآ – الوفاة والدفن.

مصطلح موضوعي: فقه اللغة العربية.

مصطلح موضوع: احاديث الشيعة الامامية -- دراسة تحليلية.

مؤلف اضافي: مستخلص ل (عمل) : الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة – نهج البلاغة.

اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة -- جهة مصدرة.

عنوان اضافي: نهج البلاغة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

اشارة

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ »

فاطمة في نهج البلاغة الجُزءُ الخَّامِس

ص: 2

سلسلة الدرسات والبحوث العلمية (12)

وحدة فقه اللغة وفلسفتها - اللسانيات

فاطمة في نهج البلاغة : مقاربة تداولية في قصدية النص ومقبوليته واستكناه دلالاته وتحليله الجزء الخامس

تأليف السيد نبيل الحسني

اصدار مؤسسةُ علوم نهج البلاغة في للعتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى 1439 ه/ 2018 م

العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة

مؤسسة علوم نهج البلاغة

www.inahj.org

Email: inahj.org@gmail.com

موبايل: 07815016633

ص: 4

المبحث الرابع: المقاصدية في جعل التولية لأبني فاطمة (علیه السّلام) تكريماً لحرمة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

اشارة

ص: 5

ص: 6

في هذا المورد من الخطاب يتجه منتج النص (صلوات الله وسلامه عليه) الى

مقاصدية جديدة ودلالة اخرى ارادها من خلال «التكريم » لحرمة رسول الله (صلى

الله عليه وآله).

بمعنى: إنّ قيامه لتولية ابني فاطمة (عليهم السلام) بعد ابتغائه لوجه الله عز وجل

هو تكريمه لحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، اي: الذهاب بالمسلم الى رسول الله (صلى الله عليه وآله).

بمعنى آخر: إنّ المسلم يقوم ببعض الاعمال ناظرا فيها القرب من الله تعالى او الامتثال لطاعته او حصول الاجر كمقدمة لما عند الله تعالى وهو بهذه الطريقة لا ينظر قلباً او عقلاً الى متعلقات اخرى كمن برَّ والديه فنال منهما الدعاء والمحبة، او كمن احسن الى جاره فنال منه ثماراً نفسية واجتماعية ومعنوية وتواصلاً في صروف الدهر.

فهذه النتائج او الثمار في هذه الاعمال لا ينظر بها الى الله تعالى منفرداً وهي ليست كمن تنفّل في الصلاة او الصيام او العمرة والحج او الانفاق في المال كما قال امير المؤمنين (عليه السلام): «ابتغاء وجه الله ليولجني به الجنة.... .»

فكان الامر منظوراً فيه الى الله عز وجل وحده لا شيء اخر معه وضرب آخر من

الافعال ينظر فيه الجهة ك:

ص: 7

بر الوالدين، والانفاق على الزوجة والعيال، و صلة الارحام، وحسن الجوار،

وغيرها من افعال الخير الكثيرة والمتنوعة التي يقصدها العامل ويقوم بها.

وهنا: ينتقل منتج النص (عليه السلام) من الرتبة الاولى في العمل والتعامل مع ابني فاطمة (عليهم السلام) من «ابتغاء وجه الله » الى «حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) .»

ومن ثم: فهناك جملة مسائل وثمار مرتبطة برسول الله (صلى الله عليه وآله) يصل اليها متلقي النص بغض النظر عن المسائل والثمار المرتبطة بالله تعالى في المرحلة الاولى.

وعليه: فمن لم يأت الى الحسن والحسين من خلال استحضار القصد في ابتغاء وجه الله عز وجل سيكون من خلال استحضار حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وقلنا: كمن يحسن الى والديه وهو غير مستحضر لابتغاء وجه الله تعالى وانما لأنهما والداه او كرعاية الام لولدها فهي غير مستحضرة في قلبها الاجر العظيم الذي اعده الله تعالى لها ولا ابتغاء وجه الله تعالى.

وانما الحاضر في قلبها معنى كونه ولدها فهي تتصرف معه بدون وعي في اكرامه

وقضاء عمرها في رعايته.

ص: 8

وهنا: ينقلنا مولى الموحدين وأمير المؤمنين (عليه السلام)، اي: منتج النص الى هذا الاستحضار الرتبي للقلب في التعامل مع ابني فاطمة (عليهم السلام) وهو رسول الله (صلى الله عليه وآله).

فإن هذا التعامل يقود الى تكريم حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتشريف

وصلته كما سيرد في المبحث القادم.

ومن ثم لابد من الوقوف ببعض المسائل للوصول الى مقاصدية هذا التكريم

لحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من خلال ابني فاطمة (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين).

المسألة الاولى: حدود حرمة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ومفهومها

اشارة

لعل أول ما يتبادر الى الذهن المتلقي هو: الوقوف عند معرفة حرمة رسول الله

(صلى الله عليه وآله)، فما هي (الحرمة)؛ وما هي حدود هذه الحرمة، وهل تحدث

القرآن عن هذه الحرمة فقدم لنا مفهوما عنها.

فنقول:

أولاً: الحرمة في اللغة

يمكن القول في معرفة مفهوم الحرمة من خلال المعاجم اللغوية:

إنّه يرتكز على المنع من الأباحة في الفعل والقول وتقيدهما بقيود خاصة وضعتها

الشريعة.

ص: 9

وذلك ان (الحرمة ما لا يحل لك انتهاكه، وتقول فلان له حرمة، اي: تحرّم منا

بصحبة أو بحق)(1).

ويعد انتهاك الحرمة مقيدا ب(تناولها بما لا يحل)(2).

ولذا: نجد العرب قد خصصت ثلاثة اشهر حرمت فيها القتال فسمتها (الأشهر الحرم) وهي ما نص عليها القرآن الكريم في قوله تعالى:

«إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ »(3).

فكانوا يعظمون هذه الاشهر ويقعدون فيها عن القتال لحفظ الانفس والمال

فكانت هذه الاشهر وتحريمها مقدمة لتعظيم حرمة الكعبة والوصول اليها فكانت

حرمة الاشهر مكتسبة من حرمة البيت الحرام.

ومن هنا: اتخذ اليوم الذي استحلت فيه العرب حرمة هذه الاشهر ب (يوم الفجّار)، اي: انتهكت هذه الحرمة فأحلت لنفسها الخروج من هذا القيد، اي حرمة القتال

وتحويله الى الحلية فكان الفاعلون المنتهكون لهذا الحرمة: فجّاًرا بهذا المفهوم.

ص: 10


1- كتاب العين للفراهيدي: ج 3 ص 222 .
2- الصحاح للجوهري: ج 4 ص 1613 .
3- سورة التوبة، الآية ( 36 ).
ثانياً: مفهوم حرمة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في القرآن
اشارة

تناولنا في الباب الاول من الكتاب قصدية منتج النص عليه السلام في إظهار

كيفية التأدب بمحضر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند مخاطبته؛ وهنا نورد جملة من الآيات التي تظهر مفهوم حرمة النبي (صلى الله عليه وآله)، منها:

1-في بيانه لتوقير النبي (صلى الله عليه وآله) والدفاع عنه

قال عزّ وجل: «لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا »(1).

فَالآية المباركة تخاطب الناس بالإيمان بالله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وبتعزيره

وتوقيره، والتعزير (اصله العزر، وهو المنع والزجر، يقال: عزره اذا رفعه، وهو من

الاسماء الاضداد ومنه سمَّي النصر تعزيراً، لأنه يدفع العدو ويمنعه)(2).

ويراد به هنا الخطاب للمؤمنين بمنع العدو ودفعه عن النبي (صلى الله عليه وآله)

او بالقول والدفاع عنه ودفع كل ما من شأنه يؤدي الى التقليل من شأنه وتعظيمه

وتوقيره وهو بذلك يحدد مفهوماً للحرمة النبوية ضمن عنوان (التعزير والتوقير).

2- في بيانه لحدود الادب ي مناداته

وقد جاء ذلك في قوله تعالى: «لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ »(3).

ص: 11


1- سورة الفتح، الآية ( 10 ).
2- دراسات في الولاية الفقهية للشيخ المنتظري: ج 2 ص 317 .
3- سورة النور، الآية ( 63 ).

والآية ترسم للمسلمين حدود التعامل في الحديث مع رسول الله (صلى الله عليه

وآله) (فلا يعامل بالاسترسال والمباسطة كما يعامل الاكفاء بعضهم بعضاً) فينادى

باسمه الصريح (محمد) (صلى الله عليه وآله) او بكنية فيدعى (يا ابا القاسم) كما

ينادي بعظهم بعضاً فيجر ذلك الى عدم الحرمة والهيبة والتوقير، بل اذا ارادوا ان

ينادوه فيقولون: يا رسول الله.

وإن من اجمل وابلغ ما جسد العمل بهذه الآية واظهر قصديتها في بيان حرمة

رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حدود الحديث معه ما اخرجه الحافظ ابن

المغازلي وغيره عن الامام جعفر الصادق (عليه السلام)، عن أبائه (عليهم السلام)

عن الامام الحسين الشهيد (عليه السلام)، عن امه فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قالت: «ما نزلت على النبي (صلى الله عليه وآله):

«لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا....»، قالت فاطمة:

فتهيبت النبي (صلى الله عليه وآله) أن اقول له: يا أبه !؛ فجعلت أقول له: يا رسول الله.

فأقبل عليَّ فقال لي:

يا بنية لم تنزل فيك ولا فی اهلك من قبل، انتِ مني وانا منكِ، وانما نزلت في اهل الجفاء والبذخ والكبر، قولي: يا أبه، فإنه أحب للقلب وارضى للرب.

ثم قبّل النبي جبهتي ومسحني بريقه فما أحتجت الى طيب بعده)(1).

ص: 12


1- مناقب علي بن ابي طالب (عليه السلام): ص 285 .
3- رفع الصوت بمحضره يحبط العمل

هذه الخاصية المرتبطة ايضا في حدود الحديث مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)

فتظهر خطورة تجاوز تلك الحدود الكاشفة عن اظهار حرمته (صلى الله عليه وآله).

كما جاء في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ »(1).

فإذا كان رفع الصوت بمحضره يحبط العمل فكيف بالتعدي على اهل بيته وايذاءه

(صلى الله عليه وآله)؟!

ولذا: فإن القرآن الكريم يستعرض جملة من الآيات التي ترشد الناس الى بيان مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند الله تعالى وتعظيمه واظهار حرمته، وأن اجلى مصاديق هذه الحرمة هي في التعامل مع اهل بيته وعترته (صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين).

ومن ثم فإن تعظيمهم واجلالهم انما هو تكريم لحرمة من ينتسبون اليه ويتسمون به فعرفوا بين الناس بآل محمد (صلى الله عليه وآله) وهو ما قصده الامام امير المؤمنين (عليه السلام) في هذا النص، أي: «تكريما لحرمته » وان هذه الحرمة لا يحدّها زمن معين فحرمته (صلى الله عليه وآله) حياً كحرمته بعد رحيله (صلى الله عليه وآله) وهو ما سنعرض له في المسألة القادمة.

ص: 13


1- سورة الحجرات، الآية ( 2).

المسألة الثانية: لا تنحصر حرمة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بزمن حياته

إنّ من المقاصد التي اكتنزها اللفظ في حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) هي عدم انحصارها بزمن محدد كأن يكون زمن حياته بين الناس، ومن ثم فإذا توفاه الله تعالى استلبت منه هذه الحرمة او التعظيم وغيرها كما يحدث عرفاً لدى الزعماء وارباب الوجاهات والمناصب والرئاسات.

فتعظيمهم وتوقيرهم وحرمتهم متفاوتة في الحضور والاثر بعد مماتهم حتى كان

منهم من يرى فيه العكس.

بمعنى: كم من عظيم في الحياة الدنيا اصبح ذليلا في سيرته وذكره بعد مماته، ولا حاجة للاستشهاد ببعض الرموز، سواء في الحياة العامة للناس او في سيرة بعض المسلمين.

أو أن البعض يحاول ان يجرد الحرمة من صفة دوام اثارها بعد الممات بحجة ان

هذه الحرمة مرتبطة بحياة الشخص، أما بعد مماته تنتهي مع المتوفى كل شيء مما كان له في حياته.

وهذا الفكر الهدام الضال نجده في دعوى ابن تيمية الحراني في التعامل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقول في ذلك:

(وَأَمَّا دُعَاءُ الرَّسُولِ وَطَلَبُ الحوْائِجِ مِنْهُ وَطَلَبُ شَفَاعَتِهِ عِنْدَ قَبْرهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ،

فَهَذَا يَفْعَلْهُ أَحَدٌ مِن السَّلَفِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَصْدُ الدُّعَاءِ عِندْ الْقَبْر مَشروعاً

لفَعَلَهَ الصحَّاَبةَ واَلتاَّبعِوُن وكَذَلَكِ السؤُّاَل بهِ،ِ فكَيَفْ بدِعُاَئهِ وسَؤُاَلهِ بعَدْ موَتْهِ؟ِ)(1).

ص: 14


1- مجموع الفتاوى: ج 1 ص 233 .

والنص فيه من الكذب والتجني على القرآن والصحابة ما فيه ويكفي بزيفه

وبطلانه ادعاءه بأن احداً من الصحابة لم يفعله، ولا نعلم أي أسلافه كان يعني،

فإما أسلافنا وسيدهم علي بن ابي طالب (عليه السلام) كان مقصده في الرزايا

والمصائب قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما مرَّ بيانه في الباب الاول من هذا الكتاب عند دفنه للبضعة النبوية.

وعليه: تظهر القصدية الثانية في النص المتعلق بتكريم حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ان هذه الحرمة لا تنحصر بزمان محدد وإلا لانتفى جعل منتج النص (عليه السلام) امر تولية ابني فاطمة (عليهم السلام) بقصد تكريم حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد موته وذلك ان هذه الحرمة محصورة بحياته كما افتى ابن تيمية بذلك مستنداً الى استقراء فعل أسلافه في التعامل مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد وفاته.

ولذا: نجد أسلاف ابن تيمية تركوا جثمان رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يحضروا في وفاته ولم يشهدوا تغسيله وتكفينه ولم يصلّوا عليه !!! فقد ذهب الأسلاف الى سقيفة بني ساعدة بغية الجلوس على كرسي الخلافة والسعي في اثباتها وان تطلّب ذلك احراق بيت فاطمة (عليها السلام) وترويعها مع ابنيها كما مرَّ بيانه مسبقاً في الباب الاول.

ص: 15

ومن ثم: فإن الامام امير المؤمنين (عليه السلام) ابتغى في جعل التولية على أمواله لابني فاطمة (عليهم السلام) بيان دوام حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد وفاته وان هذه الحرمة متصلة بفاطمة وابنائها (عليهم السلام).

وهو ما التفت اليه كثير من المتلقين للنص، فقد دل السياق العام لهذا النص

وتغلغله لدى كثير من علماء المسلمين ان حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حياً كحرمته ميتاً، ومنهم:

1- ابن عربي (ت 543 ه).

(فقد بیَّن في حكم قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ»، ان حرمة النبي النبی -(صلى الله عليه وآله)- ميتاً كحرمته حيا وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثل كلامه المسموع من لفظه فإذا قرئ كلامه وجب على كل حاظر ان لا يرفع صوته عليه ولا يعرض عنه كما كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تلفظه به وقد نبهَّ الله تعالى على دوام الحرمة المذكورة على مرور الازمنة بقوله تعالى: ﴿وإَذِاَ قرُئِ القْرُآْن فاَستْمَعِوُا لهَ وأَنَصْتِوُا﴾ وكلام النبي من الوحي وله من الحرمة ما للقرآن إلا معاني مستثناة بيانها في كتب الفقه، والله اعلم)(1).

2- القاضي عياض (ت 544 ه).

وقد وفق هذا العالم الى تصنيف كتاباً حول حقوق النبي (صلى الله عليه وآله)

وخصص فصلاً خاصاً في بيان حرمة النبي (صلى الله عليه وآله)، فقال:

ص: 16


1- احكام القرآن: ج 4 ص 145 .

(وأعلم أن حرمة النبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم) بعد موته وتوقيره وتعظيمه

لازم كما كان حال حياته وذلك عند ذكره (صلى الله عليه -وآله- وسلم) وذكر حديثه

وسنته وسماع اسمه وسيرته ومعاملة آله وعترته وتعظيم أهل بيته وصحابته، قال

أبو إبراهيم التجيبي واجب على كل مؤمن متى ذكره أو ذكر عنده أن يخضع ويخشع ويتوقر ويسكن من حركته ويأخذ في هيبته وإجلاله بما كان يأخذ به نفسه لو كان بين يديه ويتأدب بما أدبنا الله به، قال القاضي أبو الفضل وهذه كانت سيرة سلفنا الصالح وأئمتنا الماضين، حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الأشعري وأبو القاسم أحمد بن بقى الحاكم وغير واحد فيما أجازونيه قالوا أخبرنا أبو العباس أحمد بن عمر بن دلهاث قال حدثنا أبو الحسن على بن فهر حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الفرج حدثنا أبو الحسن عبد الله بن المنتاب حدثنا يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا ابن حميد قال ناظرا أبو جعفر أمير المؤمنين مالكا في مسجد رسول الله (صلى الله عليه -وآله- وسلم) فقال له مالك، يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله تعالى أدب قوما فقال « لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ »، ومدح قوما فقال«إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ »، وذم قوما فقال ﴿إنِ الذَّيِن ينُاَدوُنكَ﴾َ وإن حرمته ميتا كحرمته حيا فاستكان لها أبو جعفر وقال يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله (صلى الله عليه -وآله- وسلم)؟ فقال ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم (عليه السلام) إلى الله تعالى يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله قال الله تعالى ﴿وَلَوْ أَ َنَّهم إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ وقال مالك -وقد سئل عن أيوب السختياني- ما حدثتكم عن أحد إلا وأيوب أفضل منه، قال وحج حجتين فكنت أرمقه ولا أسمع منه غيرا أنه كان إذا ذكر النبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم) بكى حتى أرحمه فلما رأيت منه ما رأيت وإجلاله للنبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم) كتبت عنه، وقال مصعب بن عبد الله كان مالك إذا ذكر النبي (صلى

ص: 17

الله عليه -وآله- وسلم) يتغير لونه وينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه فقيل له

يوما في ذلك فقال لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم على ما ترون ولقد كنت أرى محمد بن المنكدر وكان سيد القراء لا نكاد سأله عن حديث أبدا إلا يبكى حتى نرحمه ولقد كنت أرى جعفر بن محمد وكان كثير الدعابة والتبسم فإذا ذكر عنده النبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم) أصفر وما رأته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه -وآله- وسلم) إلا على طهارة، ولقد اختلفت إليه زمانا فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال إما مصليا وإما صامتا وإما يقرأ القرآن ولا يتكلم فيما لا يعنيه وكان من العلماء والعباد الذين يخشون الله عز وجل، ولقد كان عبد الرحمن بن القاسم يذكر النبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم) فينظر إلى لونه كأنه نزف منه الدم وقد جف لسانه في فمه هيبة منه لرسول الله (صلى الله عليه -وآله- وسلم) ولقد كنت آتي عامر بن عبد الله بن الزبير فإذا ذكر عنده النبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم) بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع، ولقد رأيت الزهري وكان من أهنأ الناس وأقربهم فإذا ذكر عنده النبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم) فكأنه ما عرفك ولا عرفته، لقد كنت آتي صفوان بن سليم وكان من المتعبدين المجتهدين فإذا ذكر النبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم) بكى فلا يزال يبكى حتى يقوم الناس عنه ويتركوه، وروى عن قتادة أنه كان إذا سمع الحديث أحذه العويل والزويل ولما كثر على مالك الناس قيل له لو جعلت مستمليا يسمعهم، فقال قال الله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ »وحرمته حيا وميتا سواء، وكان ابن سيرين ربما يضحك فإذا ذكر عنده حديث النبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم) خشع وكان عبد الرحمن بن مهدي إذا قرأ حديث النبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم) أمرهم بالسكوت وقال (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) ويتأول أنه يجيب له من الإنصات عند قراءة حديثه ما يجب له عند سماع قوله)(1).

ص: 18


1- الشفا بتعريف حقوق المصطفى: ج 2 ص 40 - 43 .

وعليه: فدوام حرمته (صلى الله عليه وآله) حياً كحرمته ميتا وان مدّعى ابن تيمية وقصديته في مشروعية التوسل به (صلى الله عليه وآله) والالتجاء الى قبره ونفي فعل السلف في هذا التعامل ما هو الا مدّعى كاذب يراد به التعرض لحرمته (صلى الله عليه وآله) بعد موته.

من هنا: يتضح ان منتج النص (عليه السلام) قد اسس لهذه الشأنية في نفوس

المتلقين لهذا النص بغية تحصين الاذهان من المساس بحرمة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد وفاته وانها متصلة بأهل بيته وليس كما اسس اهل السقيفة لانفصالها عن اهل البيت (عليهم السلام)، أي: ابني فاطمة بلحاظ كونهما ابناء علي (عليهم السلام) لا ابناء رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ولذا: نجده قد دأب على تعظيم حرمتهما طوال حياته لأنهما ابناء رسول الله (صلى الله عليه وآله) فكان امر توليتهما هو ضمن هذا المنهج الذي قصده (عليه السلام)

في وجوب حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهما وهو ما سنتناوله في المسألة القادمة.

المسألة الثالثة: تحصين الأذهان من استحلال ما لا يحل

قد ينصرف ذهن المتلقي للنص بأن القصد في قول منتج النص (عليه السلام) في

تكريم حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منحصر في دوام هذه الحرمة

بعد وفاته (صلى الله عليه وآله) غير متعدية الى لوازم هذه الحرمة.

ص: 19

بمعنى: قد يفهم المتلقي ان هذه الحرمة مستمرة بعد وفاة رسول الله، لكن ما علاقة ابني فاطمة (عليهم السلام) بالأمر؟

وجوابه: إنّ منتج النص أراد تحصين الاذهان من استحلال ما لا يحل عند فصل ابني

فاطمة (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيصبح التعامل معهما على قاعدة انهما ابناء علي بن ابي طالب (عليهم السلام)، ومن ثم تحجيم حرمتهما وشأنيتهما المتصلة برسول الله (صلى الله عليه وآله).

فضلا عن ان نفوس القوم قد مُلأُت بالضغائن من علي بن ابي طالب (عليه

السلام) قاتل الآباء والاخوان والازواج في بدر وحنين والاحزاب وغيرها من

حركة النبوة والرسالة.

بل هكذا: سعى اصحاب السقيفة الى تحويل الاذهان وسلب نفاسة الحسن

والحسين من كونهما ابناء رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى ابناء علي (عليهم

السلام)، ومن ثم يهون على الناس الاستخفاف بمنزلتهما والمساس بحرمتهما

والتعرض لهما والتعدي عليهما كما ثبت ذلك في تاريخ المسلمين.

فكيف تم قتل الامام الحسن (عليه السلام) مسموماً؛ وكيف ذبح الامام الحسين

(عليه السلام) واهل بيته مهضوما ومظلوماً.

ولذا: لم يقتصر منتج النص على هذا الفعل فقط في جعل امر التولية على الاموال لابني فاطمة (عليهم السلام) وانما سبقه افعال اخرى رافقت مسيرته في الحياة موضحاً

ص: 20

خلال هذه السيرة الحياتية انهما ابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) موجهاً للناس الى هذه القصدية مستشعراً لهم بدوام وجود رسول الله (صلى الله عليه وآله) ودوام حرمته فيهما، ولذا كان تعامله معهما على هذا النحو، فمما جاء في ذلك من الاعمال ما يلي:

1-بعد مقَدْمهِ (عليه السلام) من صفين الى الكوفة لقيه عبد الله بن وديعة

الانصاري، فدَنَا منه وسأله:

«ما سمعت الناس يقولون في امرنا هذا .؟»

قال منهم المعجب به، ومنهم الكاره له، والناس كما قال الله تعالى:

«وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ».

فقال (عليه السلام): «فما يقول ذوو الرأي .؟»

قال: يقولون أن عليا كان له جمع عظيم ففرقه، وحصن حصين فهدمه، فحتى

متى يبني مثل ما قد هدم، وحتى متى يجمع مثل ما قد فرق؛ فلو أنه كان مضى بمن أطاعه إذا عصاه من عصاه، فقاتل حتى يظهره الله أو يهلك، إذن كان ذلك هو

الحزم؛ فقال علي: أنا هدمت أم هم هدموا، أم أنا فرقت أم هم فرقوا(1) ؟

وأما قولهم لو أنه مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فقاتل حتى يظفر أو يهلك،

إذن كان ذلك هو الحزم فوالله ما غبَيِ عني ذلك الرأي(2)، وإن كنت لسخيا بنفسي

ص: 21


1- في الأصل: «تفرقوا » والوجه ما أثبت من الطبري.
2- غبي عنه: لم يفطن له، وفي الأصل: «ما غنى عن ذلك الرأي » وفي الطبري: «غبي عن رأيي ذلك » ووجههما ما أثبت.

عن الدنيا(1) ، طيب النفس بالموت؛ ولقد هممت بالإقدام [على القوم]، فنظرت إلى هذين [قد ابتدراني - يعني الحسن والحسين - ونظرت إلى هذين(2) ] قد استقدماني - [ يعني عبد الله بن جعفر ومحمد بن علي] - فعلمت أن هذين إن هلكا انقطع نسل محمد من هذه الأمة، فكرهت ذلك؛ وأشفقت على هذين أن يهلكا، وقد علمت(3) أن لولا مكاني لم يستقدما - يعني محمد بن علي وعبد الله بن جعفر -(4) ، وأيم الله لئن لقيتهم بعد يومي لألقينهم(5) وليس هما معي في عسكر ولا دار(6).

2- بعث معاوية برجل الى علي (عليه السلام) متغفلاً ليسأله عن مسائل كان

ملك الروم قد بعثها اليه ليسأله عنها فعجز معاوية عن الجواب، فأختار احد رجاله

ليطرحها على الامام علي (عليه السلام)، فلما حضر عنده عرفه امير المؤمنين )عليه السلام) فاستنطقه فقال الرجل معترفا بحقيقة مجيئه (أنا رجل بعثني إليك معاوية متغفلاً لك أسألك عن شيء بعث فيه ابن الأصفر(7) وقال له: إن كنت أنت أحق بهذا الامر والخليفة بعد محمد فأجبني عما أسألك فإنك إذا فعلت ذلك اتبعتك

وأبعث إليك بالجائزة فلم يكن عنده جواب، وقد أقلقه ذلك فبعثني إليك لأسألك

عنها فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): قاتل الله ابن آكلة الأكباد ما أضله وأعماه

ومن معه والله لقد أعتق جارية فما أحسن أن يتروج بها حكم الله بيني وبين هذه

ص: 22


1- في الأصل: «لسخى النفس بالدنيا » صوابه من الطبري.
2- التكملة من الطبري.
3- في الأصل: «ولو علمت » صوابه من الطبري.
4- في الأصل: «يعني بذلك ابنيه الحسن والحسين » صوابه من الطبري.
5- في الأصل: «لقيتهم » وأثبت ما في الطبري.
6- وقعة صفين للمنقري: ص 529 - 530 .
7- أي ملك الروم وإنما سمى الروم بنو الأصفر لان أباهم الأول كان أصفر اللون.

الأمة، قطعوا رحمي، وأضاعوا أيامي(1) ، ودفعوا حقي وصغروا عظيم منزلتي وأجمعوا على منازعتي، علي بالحسن والحسين ومحمد فاحضروا فقال: يا شامي هذان ابنا رسول الله وهذا ابني فسأل أيهم أحببت)(2).

3- وعن ابن عباس قال: (لما كان يوم من أيام صفين دعا علي (عليه السلام) ابنه

محمد ابن الحنفية، فقال له(3):

شد على الميمنة، فحمل محمد مع(4) أصحابه، فكشف ميمنة عسكر معاوية(5).

ثم رجع وقد جرح، فقال: العطش العطش، فقام إليه أبوه (عليه السلام)(6)فسقاه جرعة من الماء، ثم صب الماء بين درعه وجلده، فرأيت علق الدم يخرج من حلق الدرع، ثم أمهله ساعة(7) ؛ثم قال: يا بني، شد على القلب، فشد عليهم فكشفهم(8) ، ثم رجع وقد أثقلته

ص: 23


1- «قطعوا رحمي » أي لم يراعوا الرحم التي بيني وبين رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو بيني وبينهم فالمراد به القريش؛ وقوله «أضاعوا أيامي » أي ما صدر مني من الغزوات وغيرها مما أيد الله به الدين ونصر به المسلمين فكثيرا ما يطلق الأيام ويراد بها الوقائع المشهورة الواقعة فيها كما قاله العلامة المجلسي (رحمه الله) في البحار.
2- الخصال للصدوق: ص 440 ؛ تحف العقول لأبن شعبة الحراني: ص 228 .
3- في (ب) و (ع): ابنه محمدا، فقال.
4- في (ف) و (ب): فحمل مع.
5- معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، مؤسس الدولة الأموية في الشام، ولد بمكة وأسلم يوم فتحها، مات سنة ( 60 ه)في دمشق؛ (تاريخ ابن الأثير: 4/ 2، تاريخ الط ري: 6/ 180 ، البدء والتاريخ: 6/ 5، الاعلام: 7/ 261 - 262 ).
6- في (ب) و(ع): فقال له: العطش، فقام إليه (عليه السلام).
7- قوله: (فرأيت علق الدم... ساعة) ليس في (ف).
8- في (ب) و (ع): فقام إليه ففعل مثل الأول، ثم قال: شد في القلب، فكشفهم.

الجراحات وهو يبكي، فقام إليه أبوه (عليه السلام) فقبل(1) ما بين عينيه، وقال: سررتني فداك أبوك، لقد سررتني - والله - يا بني بجهادك بين يدي(2) ، فما يبكيك؟

أفرح أم جزع؟ فقال: كيف لا أبكي وقد عرضتني للموت ثلاث مرات فسلمني

الله تعالى، وكلما رجعت إليك لتمهلني عن الحرب(3) فما أمهلتني، وهذان أخواي الحسن والحسين (عليهما السلام) ما تأمرهما بشي؟ فقبل (عليه السلام) رأسه وقال:

يا بني، أنت ابني، وهذان ابنا(4) رسول الله (صلى الله عليه وآله) أفلا أصونهما عن القتل(5) ؟ قال: بلى، يا أبتاه، جعلني الله فداك وفداهما(6) . (7).

وغيرها من الموافق والافعال التي تظهر منهج منتج النص (عليه السلام) وقصديته

في التعامل مع الحسن والحسين (عليهما السلام) حتى آخر لحظات حياته المقدسة بعد ان ضربه ابن ملجم (عليه لعنة الله) في مسجد الكوفة؛ وفيما اوصى يقول الامام الباقر (عليه السلام):

ثم ان علياً حضره الذي حضره فدعا ولده وكانوا اثنى عشر ذكرا فقال لهم:

«يا بنَيِ ان الله عز وجل قد ابى الا ان يجعل في سنة من يعقوب وإن يعقوب دعا

ولده وكانوا اثنا عشر ذكرا، فأخبرهم بصاحبهم، ألا وإني أخبركم بصاحبكم، إلا

إن هذين ابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحسن والحسين (عليهما السلام)

ص: 24


1- في (ب) و (ع): فقام إليه فقبل.
2- في (ب) و (ع): وقال: فداك.
3- عبارة (بجهادك بين يدي) ليس في (ب) و (ع).
4- في (ف): أبناء.
5- عبارة: (عن القتل) ليس في (ب) و (ع)، وفيهما: (يا أباه) بدل (يا أبتاه).
6- أخرجه في البحار: 42 / 105 عن بعض مؤلفات أصحابنا، عن ابن عباس، باختلاف يسير.
7- ذوب النضار لأبن نما الحلي: ص 56 - 57 .

فاسمعوا لهما وأطيعوا، ووازروهما فإني قد ائتمنتهما على ما ائتمنني عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) مما ائتمنه الله عليه من خلقه ومن غيبه ومن دينه الذي ارتضاه لنفسه، فأوجب الله لهما من علي (عليه السلام) ما أوجب لعلي (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلم يكن لاحد منهما فضل على صاحبه إلا بكبره، وإن الحسين كان إذ حضر الحسن لم ينطق في ذلك المجلس حتى يقوم)(1) .

وهذا يدعو الى امرين اساسيين هما:

1- وجوب حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيهما.

2- ان ابني فاطمة (عليها السلام) هما جزء لا يتجزأ من هذه الحرمة لما لهما من

رحم ماسةّ برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وإن السياق العام للنص يحرك الضمير الجمعي للأمة في حرمة الحسن والحسين

(عليهما السلام) وذلك بحسب نظرية الافعال الكلامية التي سنختم بها المبحث القادم.

ص: 25


1- الكافي للكليني: ج 1.

ص: 26

المبحث الخامس: المقاصدية في جعل التولية لأبني فاطمة(علیهم السّلام) تشريفاً لصلة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

اشارة

ص: 27

ص: 28

مازال مدار قصدية النص تدور حول ارجاع الامة الى خصوصية رسول الله (صلى

الله عليه وآله) في ضمير الناس وعقائدهم؛ فبعد التكريم لحرمة رسول الله (صلى

الله عليه وآله) ينتقل منتج النص (عليه السلام) الى ارادة فعل آخر ضمن غاية

محددة وهي تعظيم حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووجوبها على المسلمين ولكن ضمن آلية جديدة، وهي تشريف رحم رسول الله (صلى الله عليه وآله) من خلال صلتها بالحسن والحسين.

بمعنى: ان الوصول الى اداء حق رحم رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتواصل

معه وعدم الانقطاع عنه يكون من خلال ابني فاطمة (صلوات الله وسلامه عليهم

اجمعين).

وبمعنى آخر:

إن آليات صلِة رسول الله (صلى الله عليه وآله) كثيرة، منها:

1- زيارة قبره (صلى الله عليه وآله).

2- الصلاة عليه وآله.

3- اهداء الصلوات المستحبة له.

4- الاعتمار نيابة عنه واهدائها اليه.

5-قراءة القرآن واهدائه اليه.

ص: 29

6- احياء لسنته (صلى الله عليه وآله).

7- تحديث الناس بسيرته وتبليغ الناس عنها.

8-التأسي به (صلى الله عليه وآله).

9- التوبة الى الله تعالى به وسؤال الله به وتقديمه بين يدي الحاجات لقوله تعالى:

«وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ »(1).

10- من خلال فاطمة وابنيها وذريتهما، أي اهل بيته وعترته وآله (صلى الله عليه

وآله).

وهذه -أي صلته (صلى الله عليه وآله)- من خلال ابني فاطمة (عليهم السلام)

هي من اشرف الصلاِت التي يصل بها المسلم مع رسول الله (صلى الله عليه وآله

وسلم) لأن فيها احياء لسنةّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) والهداية والنجاة من

الضلال.

أمّا: كيفية تحقق هذه النتائج التي كانت مقصد منتج النص (عليه السلام) جوابه

من خلال المسائل الآتية.

المسألة الاولى: قصدية التشريف لصِلة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

للوصول الى قصدية التشريف لصلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لابد من

الرجوع الى اهل اللغة ابتداء بغية بيان معنى لفظ (الشرف) ومن ثم كيفية انطباق

هذا المعنى على صلته (صلى الله عليه وآله) من خلال ابني فاطمة (عليهم السلام).

ص: 30


1- سورة التوبة، الآية ( 59 ).

إن معنى(الشرف) لدى اللغويين هو: (العلو، والمكان العالي)(1)؛ ولذا يقال: (للجبل: مشرف، أي: عالٍ)(2).

واذا (اشرف الشيء: علا وارتفع)(3) .

ومن هذا المعنى (سمي الشريف شريفاً تشبيهاً للعلو المعنوي بالعلو المكاني)(4).

وعليه: فإن هذا العلو متحقق بقصديه المكاني والمعنوي.

بمعنى: إنَّ قصدية العلو المعنوي متحققة بلحاظ انهما ابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما مر بيانه في المبحث السابق في تركيز الامام علي (عليه السلام) على هذه الخصيصة طيلة حياته وتحصين الاذهان من الانحراف عن تنزيلهما عن منزلتهما من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهما لحمه ودمه وحرمته.

ومن ثم فلهما من المنزلة التشريفية ما ليس لأحد من الناس، ولذلك كان مقصده

في تشريف صلة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في جعل التولية لهما كما جاء في الوصية هو هذا العلوّ المعنوي فليس في الامة ابن بنت للنبي (صلى الله عليه وآله) غيرهما.

ص: 31


1- الصحاح للجوهري: ج 4 ص 1379 .
2- المصدر السابق.
3- لسان العرب لأبن منظور: ج 9 ص 169 .
4- مجمع البحرين للطريحي: ج 5 ص 74 .

اما قصدية العلوّ المكاني: فقصديته متحققة في مكانهما من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الجنة والذي لا يعلوه مكان فيها، كما نصت عليه الاحاديث الشريفة عنه (صلى الله عليه وآله)، فكان منها:

1- اخرج الشيخ الطوسي (رحمه الله) عن ميمونه وأم سلمة زوجي النبي (صلى

الله عليه وآله) قالتا: (استسقى الحسن فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخرج له في غمر كام لهم ثم اتاه به، فقام الحسين فقال:

«اسقينيه يا أبه »، فأعطاه الحسن، ثم خرج للحسين فسقاه، فقالت فاطمة:

«كأن الحسن احبهما اليك ؟»

قال: انه استسقى قبله، وإني وإياك وهما وهذا الراقد(1) في مكان واحد في الجنة)(2).

2-واخرج احمد بن حنبل وابن ابي عاصم عن الامام علي -(عليه السلام)-،

قال: دخل رسول الله (صلى الله عليه -وآله- وسلم) وانا نائم على المنامة فاستسقى الحسن أو الحسين، قال: فقام النبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم) إلى شاة لنا فحلبها فدرت، فجاءه الحسن فنحاه النبي (صلى الله عليه -وآله- وسلم)، فقالت فاطمة:

ص: 32


1- الراقد: كان هو الامام علي (عليه السلام).
2- الامالي للطوسي: ص 593 ؛ تاريخ دمشق: ج 14 ص 164 .

«يا رسول الله كأنه أحبهما إليك قال لا ولكنه استسقى قبله »، ثم قال:

«إني وإياك وهذين وهذا الراقد في مكان واحد يوم القيامة »)(1).

وهذه الشرفية والعلو المكاني متلازمة مع الشرفية والعلو المعنوي فمن حيث

كونهما ابناه (صلى الله عليه وآله) ومن حيث كونهما معه في مكان واحد يوم القيامة بعموم مواقفها ومنازلها ومنها الجنة.

بمعنى: إن من اراد ان ينال هذه الصلة المعنوية والمكانية والقرب منها فعليه بابني

فاطمة (صلوات الله عليهم اجمعين).

ولذا: نجد منتج النص (صلوت الله وسلامه عليه) اول ما ابتدأ به في العلاقة مع

رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ابتغائه لوجه الله تعالى، انه قال:

«وقربة لرسول الله (صلی الله علیه وآله) وتكريما لحرمته »، ثم هذه الرتبة الثالثة من أليات التعامل مع سيد الخلق (صلی الله علیه وآله) والتقرب منه وصلته في الدنيا والاخرة، وهي تشريف هذه الصلة التي لهما برسول الله (صلی الله علیه وآله).

والتي لا تتحقق ولا تنال الا بمعرفة هذه الصلة التي لهما برسول الله (صلى الله عليه وآله) والتي تتلازم معها، أي مع هذه المعرفة مراتب القرب والتشرف بالوصول الى رسول الله (صلی الله علیه وآله).

وعليه:

يلزم بيان مراتب هذه المعرفة التي ابتغاها منتج النص وارادها فعلاً خارجياً بين

الناس، وسيتم بيان هذه المراتب في المسالة التالية.

ص: 33


1- مسند احمد: ج 1 ص 101 ؛ السنة لأبن أبي عاصم: ص 584 .

المسألة الثانية: مراتب صلة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) التي ينال بها العامل شرف الصلة

اشارة

إن المخاطب الاساس في هذه الوصية والتي تناولت الجهة المقصودة كانوا ثلاثة

طبقات، وهم المتلقون الاساس في زمانه اما المتلقون الاخرون لما بعد زمانه فسيرد الحديث عنها في الفصل القادم ان شاء الله تعالى.

أولاً: الطبقة الاولى وهم ابنائه وقصدية التشرف بصلة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) القرابية

وهؤلاء هم ابنائه (عليه وعليهم السلام) فهم الطبقة الاولى المخصوصة بهذا

النص وذلك ان الحقل المعرفي للنص هو الوصية في اموال الاب الذي اراد أن يجعل

الورثة وهم المعنيون الاساسيون بهذه الوصية على بينة من امرهم فيما يتعلق بأموال ابيهم ما سيرثون منه فضلاً عن اوقافه وصدقاته وغير ذلك مما جاء في الوصية.

وهؤلاء هم المخصصون بالخطاب في التعامل مع ابني فاطمة (صلوات الله

وسلامه عليهم اجمعين) وعليهم يترتب معرفة ما للحسن والحسين (عليهما السلام) من حرمة وشأن وصلِة برسول الله (صلی الله علیه وآله) ومن ابيهما علي بلحاظ انه الانموذج الاول لمعرفة ما يريده الله ورسوله (صلی الله علیه وآله) ومن بعده يأتي الامامان الحسن والحسين في تجسيد هذه المعرفة التي جاء بها القرآن والنبي (صلى الله عليه وآله).

وعليه:

فمن اراد منهم الاستنان بأبيه في التعامل مع ابني فاطمة (عليهم السلام) المتركز على هذه الثوابت والدراية بما لهما من حرمة متلازمة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وشرف وشأن يقتضي تقديمها في الامور والرجوع اليهما في الصغائر من الامور وكبائرها وعدم مخالفتهما وطاعتهما، اعظاماً واجلالاً والتزاماً بما جاء به الوحي في وجوب حرمتهما.

ص: 34

وبهذا تتحقق شرفية صلة رسول الله (صلی الله علیه وآله) والقرب منه؛ وإلا فأبناء

علي (عليهم السلام) هم في الاساس لهم صلة القرابة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) من جهة امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) الا ان هذه الصلة لا تحقق للإنسان الشرف المكاني والمعنوي من رسول الله (صلی الله علیه وآله) في الدنيا والاخرة بل تتحقق هذه الصلة والقرب لرسول الله (صلی الله علیه وآله) من خلال كيفية التعامل مع ابني فاطمة (عليهم السلام).

ثانياً: الطبقة الثانية وهم اهل زمانه وقصدية الصلة بوجوب حرمة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وتحقق الشرفية بهذه الحرمة

إن الطبقة الثانية التي تلقت النص والتي قصدها منتج النص هم اهل زمانه الذين

يتابعون امره وما سيصدر عنه من مواقف وافعال لاسيما واننا نتحدث عن شخصية

«ينحدر عنها السيل ولا يرقى اليها الطير .»

ومن ثم فأن الغاية الاساس ليس هذه الصدقات والوقوفات وانما حفظ حرمة

رسول الله (صلی الله علیه وآله) في ابني رسول الله (صلی الله علیه وآله).

فإذا كانت الناس تعظم المسلمين الاوائل الذين سبقوا الى الاسلام وهاجروا

وجاهدوا وناصروا رسول الله (صلی الله علیه وآله)، بل مطلق الصحبة كما يعتقد

اهل العامة من المسلمين بغض النضر عن سيرة هذا الصحابي ومواقفه وعلاقته بالله ورسوله (صلی الله علیه وآله) فله حرمة الصحابة وشانية الحديث والنظر والتعامل مع سيد الخلق (صلی الله علیه وآله) فكيف حال من كان دمهم دم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولحمهم لحمه وحرمتهم حرمته وتوقيرهم توقيره وغير ذلك.

ص: 35

وعليه:

فإن القصدية في هذا التشريف الذي ورد في النص يراد به كيفية تعامل الامة مع

ابني فاطمة (صلوات الله عليهم) وذلك بوجوب حرمة رسول الله (صلى الله عليه

وآله) كما دلت عليه النصوص وبينته الاحاديث الشريفة.

فمن اراد ان يصل الى رسول الله (صلی الله علیه وآله) ويتقرب منه فلابد له من

معرفة كيفية الصلة مع ابني فاطمة(علیهم السلام) فهذه هي المقصودة في صلة

الرحم كما في الرواية الاتية:

روى الامام الحسن العسكري، عن جده امير المؤمنين علي (علیه السلام) في

تفسير قوله تعالى: «الرَّحْمَنُ »

(إن قوله ﴿الرحَّمنُ﴾ مشتق من الرحمة، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله)

يقول: «قال الله عز وجل: أنا، الرحمن؛ وهي من الرحم شققت لها اسماً من اسمي، من وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته.

ثم قال علي (علیه السلام):

«أوتدري ما هذه الرحم التي من وصلها وصله الرحمن، ومن قطعها قطعه الرحمن »؟

فقيل يا أمير المؤمنين: حث بهذا كل قوم على أن يكرموا أقرباءهم(1) ويصلوا أرحامهم.

ص: 36


1- آباءهم » البحار: 92 .

فقال لهم: أيحثهم على أن يصلوا أرحامهم الكافرين، وأن يعظموا من حقره الله،

وأوجب احتقاره من الكافرين؟

قالوا: لا، ولكنه حثهم على صلة أرحامهم المؤمنين.

قال: فقال: أوجب حقوق أرحامهم، لاتصالهم بآبائهم وأمهاتهم؟

قلت: بلى يا أخا رسول الله.

(قال: فهم إذن إنما يقضون فيهم حقوق الآباء وا لأمهات.

قلت: بلى يا أخا رسول الله (صلى الله عليه وآله).

قال: فآباؤهم وأمهاتهم إنما غذوهم في الدنيا ووقوهم مكارهها، وهي نعمة زائلة،

ومكروه ينقضي، ورسول ربهم ساقهم إلى نعمة دائمة لا تنقضي، ووقاهم مكروها

مؤبدا لا يبيد، فأي النعمتين أعظم؟

قلت: نعمة رسول الله(صلى الله عليه وآله) أعظم وأجل وأكبر.

قال: فكيف يجوز أن يحث على قضاء حق من صغر [الله] حقه، ولا يحث على

قضاء حق من كبر [الله] حقه؟

قلت: لا يجوز ذلك.

قال: فإذا حق رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعظم من حق الوالدين، وحق

رحمه أيضا أعظم من حق رحمه ، فرحم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولى بالصلة)(1) ، وأعظم في القطيعة فالويل كل الويل لمن قطعها، والويل كل الويل لمن لم يعظم حرمتها.

ص: 37


1- زاد في البحار: 92 : أيضا أعظم وأحق من رحمها، فرحم رسول الله (صلی الله علیه وآله).

أوما علمت أن حرمة رحم رسول ا لله(صلى ا هل عليه وآله) حرمة رسول الله، وأن

حرمة رسول الله حرمة الله تعالى، وأن الله أعظم حقا من كل منعم سواه، وأن كل

منعم سواه إنما أنعم حيث قيضه لذلك(1) ربه، ووفقه له)(2) .

اذن:

الرواية واضحة القصدية في بيان حقيقة الصلة لرحم رسول الله (صلى الله عليه

وآله) والتي ينال بها المسلم نعمة الصلة بالله ورسول الله (صلی الله علیه وآله) وأن هذه الصلة لا تتحقق الا من خلال الحسن والحسين (عليهما السلام).

وهذه هي الرتبة الثانية من المعرفة بكيفية الصلة برسول الله (صلی الله علیه وآله).

ثالثاً: الطبقة الثالثة وهم عامة المسلمين وقصدية حفظ ابني فاطمة (علیها السّلام)لصلتهما الوالدية به (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

أما المرتبة الثالثة من المعرفة فهي موجهة الى عامة المسلمين في زمانه وما بعده من الازمنة بغية الوصول الى حقيقة الاسلام وما يفرضه من حدود في التعامل مع رسول الله (صلی الله علیه وآله) واهل بيته وذلك من خلال خصوصية التعامل مع ابني فاطمة(علیهم السلام).

بمعنى آخر: إن منتج النص كان مدركاً لما ستصل اليه الامة من الانحدار القيمي

وانعكاسه على واقع الحياة الاسلامية لاسيما بعد ان خاض امير المؤمنين (عليه

السلام) هذه الحروب الثلاثة في اصلاح ما افسده الولاة من قبله.

ص: 38


1- « له ذلك » البحار.
2- تفسير الامام العسكري: ص 35 ؛ البحار للمجلسي: ج 23 ص 266 .

فضلاً عن تغيير المسار القرآني والنبوي في الامة فكان المستهدف الاساس هو

العترة النبوية ابتداءً من تجريدها من حقوقها التي فرضها القرآن واقلها وجوب

المودّة لهم وحفظ رسول الله (صلی الله علیه وآله) فيهم وتعظيم حرمته وصلته بهم.

وهذه القصدية دلت عليها الروايات الواردة عن ائمة العترة والتي تكشف

الغرض الذي قصده منتج النص (علیه السلام) في تشريف هذه الصلة التي لابني

فاطمة برسول الله (صلی الله علیه وآله) والتي يلزم بالأمة صونها وحفضها والنظر

اليها من منظار الصلة والحرمة والقرب من سيد الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه

وآله وسلم) وإنهم أبناه ولهم على الأمة حق البنوة لرسول الله (صلی الله علیه وآله).

فمما جاءت به الروايات لبيان قصدية منتج النص في اظهار الرتبة الثالثة من المعرفة بصلة رسول الله (صلی الله علیه وآله) وهي حفظ ابناء فاطمة لبنوتهّم من رسول الله ما يلي من الروايات ومنها:

1-اخرج الشيخ الطوسي (رحمه الله) في اماليه عن ابن شبيب (رحمه الله) عن

الإمام الصادق (علیه السلام)، قال: «احفظوا فينا ما حفظ العبد الصالح في اليتيمين وكان ابوهما صالحاً »(1).

2-وأخرج الشيخ المفيد في اماليه عن الشهيد بن الإمام زين العابدين (عليهما

السلام) قرأ: «وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ »(2)

؛ ثم قال:

ص: 39


1- الامالي للشيخ الطوسي: ص 273 .
2- سورة الكهف، الآية ( 82 ).

«حفظهما ربهما لصلاح أبيهما، فمن اولى بحسن الحفظ منا؟، رسول ا لله(صلى الله عليه وآله) جدنا، وبنته سيدة نساء العالمين امنا، وأول من آمن با لله ووحده وصلى ابونا »(1) .

3-أخرج الشيخ الكليني (رحمه الله) عن الإمام الصادق (علیه السلام) وقد سُئلِ

عن قوله تعالى: «فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ».

قال: أعظم، ثم من يحلف بها؛ قال: وكان اهل الجاهلية يعظمون الحرم ولا

يقسمون به يستحلون حرمة الله فيه ولا يعرضون لمن كان فيه ولا یخرجون منه دابة؛ فقال الله تبارك وتعالى: «لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1)»«وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2)»

«وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ».

قال: يعظمون البلد ان يحلفوا به ويستحلون فيه حرمة رسول الله (صلى الله عليه

وآله)(2).

4-قال العلامة المجلسي (رحمه الله) في بيان معنى الحديث الشريف:

(الظاهر ان المراد منه أنه تعالى لم يحلف بمواقع النجوم ومغاربها، كما أن أهل

الجاهلية لم يكونوا يحلفون بها لعظمها عندهم، ولهذا قال تعالى: ﴿وإنِّه لقَسَمَ لوَ تعَلْمَوُن عظَيِمٌ﴾ أي إثمه، لأنه قسم بغير الله ولكن لا تعلمون عظيم إثم الحلف

بغير الله، ولذلك تقسمون بغيره تعالى.

ص: 40


1- الامالي للشيخ المفيد: ص 116 .
2- الكافي للشيخ الكليني: ج 7 ص 450 .

ويمكن أن تكون «لا » زائدة كما ذكره المفسرون وحينئذ يكون المراد أن أثم مخالفته عظيم كما أنكم تعظمونه لأنهم كانوا يعظمون المحرم وغيره من الأشهر الحرم وكانوا لا يحلفون بها ولو حلفوا لوفوا به وكذلك الحرم كما قال الله: ««لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ »ِ مع عظمه والحال أن حرمته صار أعظم باعتبار أنك حال فيه.

والمراد «بالوالد » رسول الله (صلّی الله عليه وآله وسلّم) أو أمير المؤمنين (عليه

السلام) وب «ما ولد » أولادهما وكانوا يعظمون الحرم ولم يعرفوا حق الوالد وما ولد وقتلوا ولد رسول الله (صلّی الله عليه وآله ) فيه ولم يلاحظوا حرمة رسول الله

الله (صلّی عليه وآله وسلم) ولا حرمة الشهر مع أن حرمة الشهر والبلد لحرمته)(1).

اذن: كانت الغاية والقصدية التي اكتنزها اللفظ والتي تقارب ما ابتغاه منتج

النص في قوله (علیه السلام):

«وتشريفاً لوصلته .»

تكمن في هذه المعرفة الملازمة لأمور ثلاثة:

1-التمييز بين ولد رسول الله وولد علي(علیهم السلام) في الحرمة من جهة

صلتهم الوالدية برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

2- وجوب هذه الحرمة في الامة.

3- حفظهما من القتل والتعدي لجهة بنوّة رسول الله (صلی الله علیه وآله) وهذا

اقل ما يمكن ان ينظر اليهما كي لا يستحل الناس التعدي عليهم، كما هو ثابت في التأريخ والسيرة والتراجم في قتلهم وتهجيرهم وسلبهم الاموال وسبيهم ويكفي من ذلك كله يوم عاشوراء وما لقي فيه ابناء وبنات فاطمة(علیهم السلام) من

ص: 41


1- روضة المتقين للمجلسي: ج 8 ص 29 .

المصائب والرزايا العظيمة التي لم يراع فيها حرمة رسول الله (صلی الله علیه وآله)

ولعل خير ما يثبت قصدية منتج النص في سياق العام من القربة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وتكريم حرمته وتشريف وصلته ما جاء على لسان ابنته العقيلة زينب (عليها السلام) حينما خطبت بأهل الكوفة، فمما جاء في بيان قصدية منتج النص (علیه السلام) انها قالت:

«ويلكم يا أهل الكوفة، أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم، وأي كريمة له أبرزتم،

وأي دم له سفكتم، وأي حرمة له انتهكتم، لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات

ليتفطرن منه، وتنشق ا أ لرض، وتخر الجبال هداً، لقد جئتم بها شوهاء خرقاء كطلاع الأرض، وملئ السماء، أفعجبتم ان قطرت السماء دما ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينظرون، فلا يستخفنكم المهل فإنه لا يحفزه البدار، ولا یخاف فوت الثار، وان ربكم لبالمرصاد »(1).

ص: 42


1- بلاغات النساء لأبن ابي طيفور: ص 24 ؛ الاحتجاج للطبرسي: ج 2 ص 31 .

المبحث السادس: المقاصدية في جعل التولية لأبني فاطمة بلفظ الكليني(رحمه الله) غير التي جاء ت بلفظ الطوسي (رحمه الله)

اشارة

ص: 43

ص: 44

مثلما سرنا في البحث والدراسة بعرض مصادر النص وجمع ألفاظه في هذه المصادر بغية الوصول الى المقاربة في قصدية المعصوم (علیه السلام) التي ابتغاها في توجيه خطابه الى افعال مباشرة وغير مباشرة ومقاصد مضمرة واخرى معلنه.

مما تطلب الاخذ بهذه الالفاظ التي اخرجت النص الشريف وذلك بحسب ما

تم عرضه في بداية الدراسة ضمن الباب الاول المخصوص بالنص الشريف في

حدث دفن بضعة النبي (صلی الله علیه وآله) كما مرَّ بيانه او بحسب ما تم عرضه

خلال الباب الثاني لهذا النص الشريف الخاص بأمر الوصية والتولية على الاموال

والصدقات والموقوفات لأبني فاطمة(علیهم السلام).

فقد ظهر من خلال عرض هذه الالفاظ أن النص الشريف يختلف في ألفاظه بين

مصادر اخراجه مع كونه نصاً متماسكاً ومنسجماً.

فقد اخرج الكليني في مورد الغاية والقصدية في جعل التولية لابني فاطمة (عليهم

السلام): «ابتغاء وجه الله، وتكريم حرمة رسول الله (صلی الله علیه وآله)، وتعظيمهما وتشريفهما، وررضاهما .»

واخرجه الشيخ الطوسي بلفظ: «ابتغاء وجه الله وتكريم حرمة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وتعظيمهما وتشريفهما ورضاها بهما .»

ومما لا ريب فيه فإن القصدية الظاهرة والمضمرة في اللفظين تختلف، وهو ما

سنتعرض له في المسائل القادمة.

ص: 45

المسألة الأولى: المقاصدية الظاهرة والمضمرة في اللفظ الذي أخرجه الشيخ الكليني (رحمه الله)

أولاً: القصدية الظاهرة

تتحد القصدية بوضوح في النص الذي اخرجه الشيخ الكليني (رحمه الله) في

اهتمام منتج النص (علیه السلام) في ارشاد المخاطب وهم اولاده ومواليه وعامة

المسلمين الى امور ثلاثة تخص الامامين الحسن والحسين (عليهما السلام)، وهي:

1- تعظيمهما.

2- تشريفهما.

3- رضاهما.

وهذه الامور الثلاثة لم يرافقها من المضمرات ما يحفز المتلقي على الخوض بها أو

اخذ الغاية التي استترت خلفها.

فقد بدأ واضحاً ان منتج النص له مقاصد معلنة ابتداها بابتغاء وجه الله تعالى

وثناها بتكريم حرمة رسول الله (صلی الله علیه وآله) واخيرا بالحسن والحسين

(عليهما السلام).

وهذه المقاصدية الظاهرة سبقها أمر وختمها أمر اخر، فأما الأمر الذي سبقها هو

أمر الوصية في أمواله والتولية عليها بأحد أبنائه الذين تفاوتوا في الفضل والشرف

والحرمة، وهو أمر ينفرد به الإمام علي(علیه السلام) عن جميع الآباء في زمانه فمن منهم كان له امرأة مثل فاطمة (عليها السلام)، ومن ثم فأولاده منهم ابني فاطمة (عليهم السلام) ومنهم من نساء اخرى.

ص: 46

وما الأمر الآخر الذي ختم به الإمام علي (علیه السلام)، أي منتج النص فهو

اظهار ما للحسن والحسين (عليهما السلام) من المنزلة الخاصة عند الإمام علي

(علیه السلام)، وما هي الموازين والأليات التي كان يتعامل بها معهما ومن ثم

ترسيخ هذه المكانة في نفوس المتلقين للخطاب بهذه المقصدية الظاهرة والمعلنة ومنه (علیه السلام).

وعليه:

يصبح المقصود والمعني بهذه التولية هو اظهار ما للحسن والحسين (عليهما السلام) من شأنية ومنزلة خاصة عنده (علیه السلام) والتي كان يحرص من خلالها، اي من خلال التولية على تعظيمهما وتشريفها ورضاهما.

وهذه القصدية غير منحصرة بالمتلقي الاول او الثاني او الثالث وانما لكل متلق

للنص سواء كان في زمان منتج النص (علیه السلام) ام بعد وفاته والى يومنا هذا.

كما سيمر علينا في الفصل القادم في بيان مدى التفاعل والمقبولية لدى المتلقين لهذا النص.

ثانياً: القصدية المضمرة في اللفظ الذي أخرجه الكليني(رحمه الله)
اشارة

ذكرنا انفاً ان منتج النص (علیه السلام) قد اظهر قصديته في التولية ليصرف ذهن

المتلقي سريعا الى امور ثلاثة، وهي:

(تعظيم ابني فاطمة(علیهم السلام) وتشريفهما ورضاهما).

فهذه الامور الثلاثة هي التي تشهد اذن المتلقي للنص لاسيما المتلقي الاول وهم ابنائه بغية قطع الحديث او التساؤل من الغاية في جعل امر التولية في الحسن والحسين (عليهما السلام).

ص: 47

أما النص الشريف فمقاصديته متعددة يتفاوت في تلقيها اهل الفكر والمعرفة

والتأمل، ومنها:

القصدية الاولى: إنّ السبب في جعل التولية لم يكن بكرية الحسن والحسين (علیهما السّلام)

قد يتبادر الى ذهن المتلقي ان القصدية في جعل التولية للأمام الحسن (علیه السلام) في كونه بكر الامام علي (علیه السلام) فهو اكبر ابناءه وأول من ولد له ثم كان بعده الامام الحسين (علیه السلام) ومن ثم يتم تجريدهما من حقيقة منزلتهما عند الله تعالى ورسوله (صلی الله علیه وآله).

بمعنى:

إن الإمام اندفع لهذا الفعل لكون الامام الحسن (علیه السلام) هو اكبر اخوانه

ومن ثم يصبح أمر التولية امراً طبيعياً كما جرت به -غالباً- عادات الناس واشارت

اليه الروايات الشريفة وتناوله الفقهاء في كتبهم في بيان خصوصية الابن البكر وماله من الحبوة عند ابيه ومختصاته كخاتمه او عباءته وغيرها من الامور التي جاءت بها كتب الفقهاء.

الا ان الامر هنا يختلف تماماً من حيث القصدية، فالإمام علي (علیه السلام) جعل

امر التولية وارجعه الى أمور اخرى، وهي:

1- ابتغاء وجه الله تعالى.

2- تكريماً لحرمة رسول الله (صلی الله علیه وآله).

3- تشريفاً لوصلته (صلی الله علیه وآله).

4- تعظيم الحسن والحسين وتشريفهما ورضاهما.

ص: 48

ومن ثم يلزم ان يكون تعامل المسلمين معهما على هذه الثوابت فضلاً عن قطع

الطريق على المنافقين في تجريدهما مما جعله الله ورسوله لهما من الشانية والفضل العظيم والحرمة والشرف.

القصدية الثانية: إن القصدية في انشاء القاعدة في التعامل مع ابني فاطمة هي الله ورسوله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

قد يتبادر الى ذهن الانسان عند تلقيه للنص الشريف بهذا اللفظ الذي اخرجه

الشيخ الكليني (رحمه الله) ان المقصود -كما مرَّ انفاً- هو اكرام الامامين الحسن

والحسين (عليهما السلام) وتعظيمهما وتشريفهما ورضاهما بلحاظ انهما ابناء فاطمة عليها السلام وخصوصيتها.

أو بلحاظ ما للحسن والحسين (عليهما السلام) من مكانه ومنزلة عند رسول

الله (صلی الله علیه وآله) فهما ريحانتيه من الدنيا وسبطاه أو بلحاظ ما لهما (عليهما السلام) من فضل ومناقب كشفتها الاحاديث الشريفة كقوله (صلی الله علیه وآله):

«الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة .»

ومن ثم فإن المدار في القصدية يدور في فلك هذه المعارف التي يتساوى في

ظهورها المعرفي جميع المسلمين بما فيهم المنافقين، إلا انهم انكروها كما انكروا في الاصل الرسالة والنبوة كما اخبر القرآن الكريم عنهم: «إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)»«اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ »(1).

ص: 49


1- سورة المنافقون، الآية ( 1- 2).

لكن القصدية المضمرة في النص الشريف هي:

أن منتج النص (علیه السلام) استند في امر التولية على امرين اساسيين، وهما:

الاول: وجه الله تعالى.

الثاني: حرمة رسول الله (صلی الله علیه وآله).

فإذا ثبت هذا الامران في قلوب الناس وانقادت له جوارحهم وجوانحهم فإن

النتيجة تكون متحققة في الامور الثلاثة المتعلقة بابني فاطمة(علیهم السلام)،أي:

(تعظيمهما وتشريفهما ورضاهما).

بمعنى: لا يكون التعظيم والتشريف والرضا نتيجة لجعل منتج النص (عليه

السلام) امر التولية لابني فاطمة(علیهم السلام)، بل النتيجة والقصدية المضمرة

هي:

1-وجه الله تعالى.

2-حرمة رسول الله (صلی الله علیه وآله).

نعم في القصدية الظاهرة سكون امر تعظيم ابني فاطمة(علیهم السلام) وتشريفهما ورضاهما هي النتيجة التي ابتغاها منتج النص (علیه السلام).

أما المضمرة فهي أن أمر تعظيمهما يكون لله ورسوله (صلی الله علیه وآله).

ص: 50

المسألة الثانية: المقاصدية الظاهرة والمضمرة في اللفظ الذي أخرجه الشيخ الطوسي (رحمه الله)

اشارة

يختلف اللفظ الذي اخرجه الشيخ الطوسي (رحمه الله) عن بقية الالفاظ التي اخرجت النص الشريف، وذلك أن جميع هذه المصادر والالفاظ اجمعت على النقاط الاتية:

1- ابتغاء وجه الله تعالى.

2- تكريم حرمة رسول الله (صلی الله علیه وآله).

3- تشريف صلته.

4- تعظيم الحسم والحسين وتشريفهما ورضاهما.

فهذه النقاط أو الامور الاربعة اشتملت عليها جميع الالفاظ التي اخرجت النص

الشريف؛ اما اللفظ الذي اخرجه الشيخ الطوسي فهو:

«ابتغاء وجه ا هل وتكريم حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتعظيمها وتشريفها الشریف ورضاها بهما ».

ومما لا ريب فيه فإن النص الشريف اشتمل على قصدية ظاهرة ومضمرة، وهي كالاتي:

أولاً: القصدية الظاهرة ومدارها فاطمة (علیها السّلام)

ينعطف النص الشريف الى منعطف جديد في هذا اللفظ فقد تركزت قصدية منتج

النص (علیه السلام) هنا بما يلي:

1- وجه الله تعالى.

2-حرمة رسول الله (صلی الله علیه وآله).

3- تعظيم فاطمة (عليها السلام).

ص: 51

4- تشريف فاطمة (عليها السلام).

5- رضا فاطمة (عليها السلام).

6-السبيل لهذا الرضا هو ابنائها الحسن والحسين (عليهما السلام).

ومن ثم فإن مقبولية النص لدى المتلقي ستدور حول قطب هذه التولية وهي

فاطمة (عليها السلام).

فالإمام علي (علیه السلام) يحرص من خلال هذا الجعل في التولية على اظهار

منزلة بضعة النبي (صلوات الله وسلامه عليهما) وانها السبيل للوصول الى وجه

الله تعالى ورسوله (صلی الله علیه وآله) وان ذلك متحصل لدى المتلقي من خلال

الفعل الغير مباشر في التعامل مع ابني فاطمة(علیهم السلام) والذي كان يبتغيه

ويقصده منتج النص سواء كان ذلك ضمن دائرة المتلقي الاول وهم ولِده (عليهم

السلام) ام سواء كان لدى المتلقي الثاني وهم موالوه، ومن ثم يكون منتج النص قد حقق مبتغاه في تحقيق هذه القصدية الظاهرة، إذ سار أمر التولية بكل اجلال واهتمام وحقق الصورة التي ارادها منتج النص في اذهان المتلقين في تعظيم فاطمة وتشريفها من خلال ولديها.

لكن القصدية المضمرة في النص الشريف ذهبت الى معان عدة، واخذت حيزاً معرفياً كبيراً وذلك لارتكازها على حقيقة المعرفة بفاطمة (صلوات الله وسلامه

عليها) وانعكاسات التعامل مع بنيها(علیهم السلام) وما يترتب عليه من آثار في

الدنيا والآخرة وهو ما سنتعرض له في ثانيا.

ص: 52

ثانياً: القصدية المضمرة ومدارها رضا فاطمة (علیها السّلام) وآثاره في الدنيا والآخرة
اشارة

إن اللفظ الذي ختم به منتج النص غايته في جعل التولية لابني فاطمة (عليهم

السلام) كان في قوله (علیه السلام):

«ورضاها بهما .»

وإن هذا الرضا مرتكز على كيفية التعامل مع الحسن والحسن (عليهما السلام)،

ومن ثم فإن قصدية منتج النص تدور حول هذه المحاور الثلاثة:

1- تعظيم فاطمة (عليها السلام).

2- تشريفها.

3- رضاها.

وهو ما سنقف عند بيانه بغية الوصول الى مقاربة ما قصده المعصوم (علیه السلام) والله الموفق وبه المستعان.

الف - اقتضاء تعظيم فاطمة (علیها السّلام) مرهون بمعرفتها

لا يخفى على اهل العلم والمعرفة ان الحديث عن معرفة فاطمة -بحسب ما

جادت به الروايات الشريفة- هو حديث عسير جدا إن لم يكن الطريق مسدودا في

الوصول الى هذه الغاية وهي معرفة فاطمة (عليها السلام)، ويكفي بالقارئ النظر

الى مضامين بعض الروايات الشريفة في هذا الخصوص:

1-اخرج الشيخ الطوسي (رحمه الله) عن ابي بصيرة عن الامام الصادق (علیه السلام)، انه قال:

«ان الله تعالى امهر فاطمة (عليها السلام) ربع الدنيا، فربعها لها، وأمهرها الجنة والنار،

ص: 53

تدخل اعدائها النار وتدخل اولياءها الجنة، وهي الصديقة الكبرى، وعلى معرفتها

دارت القرون الاولى »(1).

2-واخرج الفرات الكوفي (رحمه الله) (ت 352 ه) عن الامام ابي عبد الله

الصادق (علیه السلام) في تفسير قوله تعالى: ﴿إنِاَّ أنَزْلَنْاَه في ليَلْةَ القْدَرْ﴾ِ، فقال:

«الليلة فاطمة، والقدر الله، فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد ادرك ليلة القدر؛

ونما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها.

وقوله تعالى: ﴿ومَاَ أدَرْاَك ماَ ليَلْةَ القْدَرْ ( 2) ليَلْةَ القْدَرْ خَیرمنِ ألَفْ شهَرْ﴾ٍ.

يعني: خير من الف مؤمن، وهي ام المؤمنين.

﴿تنَزَلَّ الْملائَكِةَ واَلروُّح فيِهاَ﴾، الملائكة المؤمنون الذين يملكون علم آل محمد

(صلی الله علیه وآله)، والروح القدس هي فاطمة (عليها السلام).

﴿بِإِذْنِ رَ بِّهِم مِنْ كُلِّ أَمْرٍ ( 4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾، يعني: حتى يخرج

القائم (علیه السلام) »(2).

فهذه الاحاديث تكشف الجانب المضمر من قصدية منتج النص (علیه السلام)

ولو شاء ان يعرف الناس بها لفعل، لكنه يمتنع امتثالاً لقوله تعالى:

«وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ »(3).

ص: 54


1- الامالي للشيخ الطوسي: ص 668 .
2- تفسيرات فرات الكوفي: ص 581 .
3- سورة الاسراء، الآية ( 59 ).

ولذا:

اضمر التعريف بمقامها وتركه لأهل الايمان والتأمل ليندفعوا الى معرفة فاطمة

بغية حصول التعظيم لها فيعكس على القلب والسلوك في التعامل مع ابنيها وذريتها.

وهذا ما تدعوا اليه نظرية الافعال وتحث عليه في تحويل الكلام والقول الى فعل

خارجي يريده منتج النص.

فكان نهجه في ذاك تبعا لنهج النبي (صلی الله علیه وآله) في تعريف المسلمين

بفاطمة وهو ما سنتناوله في باء.

باء - كيف عرّف النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فاطمة (علیه السّلام) للمسلمین وبيَّن علوِّ مقامها ومنزلتها
اشارة

إنّ المتتبع لسيرة رسول الله (صلی الله علیه وآله) وتفاصيل حياته المقدسة ليجد

استنان الامام علي (علیه السلام) بهذه السيرة بكل تفاصيلها، ومن ثم لم يكن علي (علیه السلام) بمعزل عن منهج البيان والتعريف بمقام بضعة النبي (صلوات الله وسلامه عليهما) ومنزلتها عند الله تعالى ورسوله (صلی الله علیه وآله) وآثار هذه المعرفة على حياة الانسان في الدنيا والآخرة.

وإلا لانتفى الغرض من هذا المنهج الذي اتبعه النبي (صلی الله علیه وآله) والوصي (علیه السلام) في حث الناس على تعظيم فاطمة وتشريفها والحرص على رضاها -كما سيمر بيانه لاحقا بإذن الله تعالى-.

وعليه:

فقد اتبع الامام علي (علیه السلام) منهج النبي (صلی الله علیه وآله) في تعريف

الناس بفاطمة (عليها السلام) فكان التعريف النبوي للبضعة الطاهرة كالآتي:

ص: 55

روى الأربُلي نقلاً عن كتاب لأبي اسحاق الثعلبي عن الجهاد، قال:

(خرج رسول الله (صلی الله علیه وآله) وقد اخذ بيد فاطمة (عليها السلام) وقال:

«من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد، وهي بضعة

مني، وهي قلبي وروحي الذي بين جنبي؛ فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد

آذى الله »(1).

يمتاز هذا الحديث الشريف عن غيره في بيان منزلة فاطمة عند رسول الله (صلى

الله عليه وآله وسلم) بكونه يقدم فاطمة عليها السلام ضمن صيغة تعريفية للناس

من خلال تحديد هذه المعرفة بهذه الألفاظ.

بمعنى: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد أن يعرفها ضمن تعريفه هو،

فيقدمها ضمن مقامات ثلاثة يبتدأها بكلمة (هي) يسبق بها هذا المقام أو ذاك، كي تكون كل كلمة (هي) منفصلة عن غيرها لكونها تقدم تعريفاً مستقلاً عن فاطمة عليها السلام؛ فكانت على النحو الآتي:

1- من عرف هذه، فقد عرفها، ومن لم يعرفها، فهي فاطمة بنت محمد

هنا وإن كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يستثني من بيانه وتعريفه لفاطمة

من كان عارفاً لها إلا أنه يرجع فيقدم فاطمة عليها السلام ضمن تعريف محدد بتلك

المقامات الثلاثة، ولذا قال:

«ومن لم يعرفها فأنا أعرفه بها .»

ص: 56


1- كشف الغمة للأربلي: ج 1، ص 665 ؛ الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ج 1، ص 664 ؛ البحار: ج 33 ، ص 54 ؛ المحتضر للحسن بن سليمان الحلي: ص 234 ؛ نور الأبصار للشبلنجي: ص 52 ؛ عوالم العلوم للسيد البحراني: ج 11 ، ص 148 ، حديث 20 ؛ إحقاق الحق: ج 10 ، ص 212 .

ومن البديهي أن الجميع يعرفون أنها ابنته (صلى الله عليه وآله وسلم) وبذاك

يتساوى الجميع في هذا المقام التعريفي سواء من كان منهم مؤمنا أو منافقاً إذ أن الصورة التي ينقلها الحديث وعلى لسان الراوي: ممثلاً بخروج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أخذ بيد فاطمة عليها السلام إنما كان لهذا القصد، أي: تقديم معرفة جديدة للناس غير تلك المعرفة التي يعرفون بها فاطمة، وقد تسالموا على أنها ابنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

وعليه:

يتضح من قوله: (فهي فاطمة بنت محمد) نفي شبهة التبني أو الربيبة عن فاطمة

حصراً؛ بمعنى: إذا كانت هناك شبهة في كون (رقية، وأم كلثوم، وزينب) هن

ربائب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وخديجة (عليها السلام)(1) .

أو تسالم هذه الحقيقة في أذهان الناس في كون الربيبة بنتا؛ً فإن النبي أراد بهذا

الخروج مع أخذه بيد فاطمة وتقديمها إلى الناس بهذا الشكل الذي يبتدأ فيه قوله:

(من عرف هذه)، أي: يعرفها بأنها البنت الواحدة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (فقد عرفها)؛ (ومن لم يعرفها) بأنها ابنتي وأنا أبوها ومن صلبي وليست بالربية، فأنا أعرفه بها: (هي فاطمة بنت محمد) (صلى الله عليه وآله وسلم).

إذن:

من كان يظن أنها ربيبة فهو خاطئ، إنما هي فاطمة بنت محمد، وإلّا لا معنى لقوله هذا صلى الله عليه وآله وسلم وقد عرفوا أنها بنت النبي ما لم يكن هناك من يعتقد بأنها ليست ابنة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فأراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دفع هذه الشبهة وهذه الظنون وإعلامهم جميعاً بأنها بنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):

ص: 57


1- للمزيد من المعرفة، أنظر كتابنا: خديجة بنت خويلد أمة جمعت في امرأة، الجزء الأول والذي نستدل فيه كونهم ربائب.
2- (هي بضعة مني)

قد مرّ علينا سابقاً بيان دلالة لفظ (البضعة) إلا إننا هنا نضيف بأن النبي الأكرم

(صلى الله عليه وآله وسلم) يريد أن يندرج في بيان منزلة فاطمة عليها السلام

وتعريفها لدى الناس فبعد أن قدمها بكونها (ابنة محمد) (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي ليست بالربيبة ينتقل إلى بيان أعظم وتعريف أدق يكشف عن خصوصيتها منه؛ وحينما نقول منه أي: من النبوة والرسالة وحرمة هذه المقامات في الشريعة.

ولذلك: لم يكتف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بكونها ابنته، بل لها تلك المنزلة من كونه رسول الله ونبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي ختم به النبوة والرسالة.

وإن لها من الحرمة ما لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فضلاً عن خصوصية

الحكم الشرعي المتمثل بالطاعةٍ والإتباع والعصمة.

3-(هي قلبي)

يرتفع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في تعريف فاطمة (عليها السلام) ضمن

هذا السلم المعرفي فينتقل إلى منزلة هي أعظم من سابقتيها، (البنوة، والبضعة)

لتكون فاطمة منه منزلة القلب.

وحينما تكون فاطمة عليها السلام في تلك المنزلة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهنا لابد من بيان بعض النقاط حسبما يكشفه منطوق الآيات والأحاديث حول قلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

إذ من البديهي أن خزانة أسرار الوحي هو قلب رسول الله صلى الله عليه وآله

وسلم وذلك لقوله تعالى:

ص: 58

1- «قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ »(1).

2- ﴿«وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ »(2).

والآيتان واضحتان في الدلالة على ما يحتويه قلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من خزانة للوحي والذكر الحكيم، ولما كانت فاطمة بهذا الوصف وبهذه المنزلة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهذا يعني أنها -ومن لحاظ تكوينها النوراني- خزانة للوحي والذكر الحكيم.

ولذا فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما جاء بها إلى الناس ليعرفها لهم لم يكن ليتخطى تعريف القرآن في بيانه قلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الناس -كما في الآيتين- ولو كان المراد القلب المادي لما احتاج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى إخراجها إلى الناس ومخاطبتهم ليكشف لهم الشأنية والمنزلة التي لها عند الله تعالى ولاكتفى صلى الله عليه وآله وسلم بما لها من المعرفة النسبية والاجتماعية حالها في ذاك حال رقية وأم كلثوم وزينب، فقد اكتفى (صلى الله عليه وآله وسلم) بما رسخ في أذهان الناس من معرفة لهن، ولم يحتج إلى كل هذا البيان والتأكيد والتحذير والتعريف الذي انتهجه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع فاطمة عليها السلام لولا تلك المنزلة والشأنية التي جعلها الله تعالى فيها فاراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حفظ حرمتها ومعرفة قدرها كي لا يقع أحد من المسلمين في تعديه لهذه الحدود الإلهية.

ص: 59


1- سورة البقرة، الآية ( 97 ).
2- سورة الشعراء، الآية ( 192 - 194 ).
4-(وهي روحي)

هذه المنزلة التي أظهرها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ضمن الحديث

الذي أوردناه في مقدمة المبحث والتي جاءت بالعطف على (القلب) فقد أخرجها

الشيخ الصدوق رحمه الله بسنده (عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس، قال:

إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان جالسا ذات يوم إذ أقبل الحسن (عليه السلام) فلما راه بكى، ثم قال:

«إليّ يا بني .»

فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى، ثم أقبل الحسين (علیه السلام)، فلما رآه بكى، ثم قال:

«إليّ يا بني .»

فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى، ثم قبلت فاطمة (عليها السلام)،

فلما رآها بكى، ثم قال: «إلي يا بنيةّ .»

فأجلسها بين يديه، ثم أقبل أمير المؤمنين (علیه السلام)، فلما رآه بكى، ثم قال:

«إليّ يا أخي .»

فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن، فقال له أصحابه: يا رسول الله ما ترى واحداً من هؤلاء إلا بكيت، أو ما فيهم من تسر برؤيته!

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم):

«والذي بعثني بالنبوة، واصطفاني على جميع البرية، إنّی وإياهم لأكرم الخلق على الله عزّ وجل، وما على وجه الأرض نسمة أحب إليّ منهم.

ص: 60

أما علي بن أبي طالب فإنه أخي وشقيقي، وصاحب الأمر بعدي، وصاحب لوائي

في الدنيا والآخرة، وصاحب حوضي وشفاعتي، وهو مولى كل مسلم، وإمام كل

مؤمن، وقائد كل تقي، وهو وصيي وخليفتي على أهلي وأمتي في حياتي، وبعد مماتي، محبه محبي، ومبغضه مبغضي، وبولايته صارت أمتي مرحومة، وبعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة، وإني بكيت حين أقبل لأني ذكرت غدر الأمة به بعدي حتى إنه ليزال عن مقعدي، وقد جعله الله له بعدي، ثم لا يزال الأمر به حتى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.

وأما ابنتي فاطمة، فإنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة

مني، وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي... »)(1).

لا شك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يريد أن يمتدح ابنته ويرطب

مسامعها بكلمات اللطف والحنان والحب فيصفها بأنها قلبه وروحه (صلى الله عليه

وآله وسلم) فلو أراد هذا المعنى وقصد هذه الدلالة لكان ذلك ضمن نطاق الأسرة

وداخل البيت حاله في ذاك حال بقية الآباء حينما يتناغمون في كلماتهم الرقيقة مع بناتهم وأبنائهم دون الحاجة إلى أسماع الناس؛ بل لعل أسماع الأبناء هذه الكلمات خارج المنزل لا يحقق ما يريده الأب من إظهار الحب لهذا الابن أو البنت.

ولذلك: كان المراد من هذه الكلمات هو الناس وليس فاطمة وهو خلاف ما عليه

النظام الأسري والأبوي في مختلف المجتمعات إذ حينما يقدم الأب على المدح والثناء وإظهار حبه لأبناءه وبناته فهو يقبل على الشخص المعني فيسمعه هذه الكلمات لكي يعزز أواصر المحبة والبر ويدفعه إلى التقوى في بر الوالدين.

ص: 61


1- الأمالي للشيخ الصدوق: ص 175 ؛ الاعتقادات في دين الإمامية: ص 106 ؛ الفضائل لابن شاذان: ص 83 .

لكن الحالة هنا مختلفة جذريا إذ أن المخاطب في هذه الألفاظ الناس وليس فاطمة، أي: أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يعرف الناس بمنزلة فاطمة لديه وشأنها عنده وحينما كان يريد فهو لا يقصد المعنى المادي المختزن في لفظ (القلب والروح) فهذه المعرفة تكون سطحية، بل لا يتحقق الهدف من هذا الخطاب والبيان وحيث أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حكيماً ومأموراً في كشف الضلال عن الأمة وبيان الحدود الشرعية، كان القصد من هذه الكلمات هو المعنى الشرعي والروحي، والمناقبي، بمعنى: أنها قلب النبوة وروحها؛ وأن التعرض لها هو تعرض لقلب النبوة وروح الرسالة.

وحيث أن روح كل شيء يكون به حياته وقوامه وديمومته كذاك كانت فاطمة

فهي روح النبوة ومن خلالها كان دوام الشريعة وذلك من خلال كونها أم الأئمة

وأم الأوصياء لرسول رب العالمين أولهم الإمام الحسن وآخرهم المهدي المنتظر

عجل الله تعالى فرجه الشريف.

وعليه:

أردف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الكلمات وهذا البيان والتعريف

بالغاية المنشودة منه وهي حفظ حرمتها وعدم التعدي لهذا الخط الأحمر الذي

يترتب عليه هلاك أقوام ونجاة أخرى.

ولذا: يختم قوله وبيانه (صلى الله عليه وآله وسلم)فيقول:

«فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله .»

ص: 62

وعليه:

فمن آذى الله، عليه لعنة الله وأنبياءه ورسله وملائكته والناس أجمعين عدد ما

خلق الله ومبلغ علمه.

اذن:

يحقق هذا المنهج النبوي القصدية المضمرة التي ارادها منتج النص (علیه السلام)

في قوله:

«ابتغاء وجه الله وتكريم حرمة رسول الله (صلی الله علیه وآله) وتعظيمها

وتشريفها .»

فقد جمع الفعل النبوي وقوله اظهار التعظيم المرتكز على المعرفة واظهار العلو

والشرف الذي لديها.

أما أمر رضاها فهو امر خاص له قصديته المحدودة في بيان العلاقة بين فاطمة والله

ورسوله (صلی الله علیه وآله) وان هذا الرضا والغضب لله ورسوله هو الاساس

الذي بنى عليه منتج النص مقاصده كلها التي جمعها فعل التولية لابني فاطمة

(عليها السلام)؛ وهو ما سنتناوله في المبحث القادم.

ص: 63

ص: 64

المبحث السابع: المقاصدية في جعل التولية لأبني فاطمة (علیها السّلام) احرازاً لرضاها

اشارة

ص: 65

ص: 66

إنّ الغاية التي ارادها منتج النص (علیه السلام) في تولية ابني فاطمة (عليهم

السلام) هو احراز رضاها (عليها السلام) ومن ثم فإن هناك قصدية مضمرة في

ثنايا النص أرادها (علیه السلام) من المتلقي، وهي الحذر كل الحذر من الوقوع في تلك الهاوية بإغضاب الله ورسوله (صلی الله علیه وآله) والنجاة كل النجاة بإحراز رضا الله ورسوله (صلی الله علیه وآله).

ولأن الامر في غاية الخطورة والحساسية المرتبطة بعقيدة الانسان ومصيره في الدنيا والآخرة، لزم الوقوف ملياً عند الحديث النبوي الشريف الذي جاء في بيان هذه

الخطورة والحرمة والشرفية لفاطمة (صلوات الله وسلامه عليها).

فقد اخرج الصدوق والمفيد والطوسي وابن الغزالي وغيرهم، عنه (صلی الله علیه وآله) أنه قال:

«إن ا هل ل يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها »(1).

فهذا الحديث له خصوصية التفرد في الدلالة والمعنى، فلا يقبل الظن او الاحتمال

وذلك لما يحمله المخصوص بهذا الحديث؛ أي فاطمة (عليها السلام) من شأنية

تكشف عن الخطورة في التعامل معها، فضلاً عن بيان الحدود الدالة على الحرمة كي لا يقع الانسان في الهاوية فيهلك.

ص: 67


1- الامالي للصدوق: ص 467 ؛ عيون اخبار الرضا (علیه السلام) للصدوق: ج 2 ص 51 ؛ شرح الاخبار للقاضي المغربي: ج 3 ص 29 ؛ الامالي للمفيد: ص 95 ؛ الامالي للطوسي: ص 427 ؛ مناقب علي بن ابي طالب (علیه السلام) لأبن المغازلي: ص 276 ؛ اتحاف السائل للمناوي: ص 65 .

إنّ هذا المنهج النبوي الكاشف عن التعامل مع الحرمات ينبثق من المنهج القرآني

في التعامل مع الاشياء التي اراد لها الشرع المقدس تلك الحرمة والخصوصية الموجبة للحذر في التعامل معها.

ومن ثم يرسم القرآن الكريم والنبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) جملة

من الخطوط كي يسير عليها الإنسان فيحظى بالأمن والطمأنية في الحياة الدنيا

وبالسعادة والرضوان في الآخرة.

والأمثلة لهذا النهج القرآني والنبوي كثيرة جدا؛ً إلا أننا نكتف هنا بمثال واحد

لبيان هذا النهج القرآني.

ففي خطورة التعامل مع الحكم الشرعي يعطي القرآن الكريم صورة فريدة في

الدلالة والمعنى على حرمة الحكم الشرعي عند الله تعالى؛ بل خطورة التعامل مع

كل ما ينسب إلى الله عز وجل، كقوله سبحانه: «وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ *لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ *ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ *فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ»(1).

فهذه الآيات تنطلق في الخطاب مع الإنسان في بيانها لخطورة التعامل مع الحكم

الشرعي فتضع جملة من المحاذير الكاشفة عن شأنية الحكم الشرعي عند الله

سبحانه، لكنها قبل البدء في بيان شأنية الحكم الشرعي يبدأ القرآن بشأنية قول

النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأن هذا القول هو:

«إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ *وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ »(2).

ص: 68


1- سورة الحاقة، الآية ( 44 - 47 ).
2- سورة الحاقة، الآية ( 40 - 43 ).

وذلك كي يدرك السامع هذه القوانين التي ارتبطت بشأنية الحكم الشرعي

وخطورة التعامل معه، بل تظهر خطورة التعامل مع قول رسول الله (صلى الله عليه

وآله وسلم) فكانت كالآتي:

1- يعرض القرآن من خلال هذا السياق القرآني أن هناك تلازماً لا ينفك بين قول

النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين الحكم الشرعي؛ بمعنى: كل ما يخرج من فم النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) هو حكم شرعي.

2- إنّ هذا القول الصادر من فم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو منزه من

الشيطان ومن الجن ومن القوة الخيالية وخصوبتها التي يتمايز بها الشعراء، علماً أن العرب كانت تعتقد أن الشاعر حينما يكون مخضرماً فإن مقولته الشعرية مدعومة

من الجن، وكلما كان الشاعر ملهماً كلما كان قرينه من الجن أقوى وعلاقتهما أمتن(1).

وفي ذلك يقول امرئ القيس:

تخيرني الجن من أشعارها *** فما شئت من شعرهن اصطفيت

ويقول حسان بن ثابت:

إذا ما ترعرع منا الغلام*** فما إن يقال له من هو

إذا لم يسد قبل شد الإزرار*** فذلك فينا الذي لاهوه

لي صاحب من بني الشيصبان*** فطورا أقول وطورا هوه

ص: 69


1- المعتقدات الشعبية في الموروث الشعري: ص 30 .

والشيصبان هم الجن وإن أحدهم كان يتناوب القول ويساعد صاحبه حسان بن

ثابت على الشعر حتى أصبح هذا المعتقد واقعة يؤمن بها شعراء العرب قبل الإسلام)(1).

ومن هنا:

نجد أن القرآن الكريم أول ما يبتدأ بتنزيه قول النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله

وسلم) من الشعر وذلك لما ارتسخ في ذهن العرب من أن الشعراء المجيدون للشعر لهم اتصال مع الجن وهم الذين يلهمونهم قول الشعر، ثم ينعطف القرآن الكريم إلى نفي التكهن عن هذا القول وذلك لارتباط الجن بصورة مباشرة مع الكهنة، فضلاً عن إلتصاق الكذب بهم وتجذره في الكاهن.

ولذا:

ينفي القرآن عن قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الكذب الذي مصدره

التكهن سواء كان ذلك من اتصال الكاهن مع الجن أومن خلال التنجيم -وإن كان

البعض ينفي أن يكون للتكهن علاقة مع التنجيم- وفي ذلك يقول النبي (صلى الله

عليه وآله وسلم):

«كذب المنجمون »(2).

أما الجنون فهو في الأصل يراد به المتكلم وأن المتكلم هم الجن؛ وذلك أن المجنون

سمي بذلك لتسلط الجن عليه وتلبسها فيه، فيقال للرجل المسلوب العقل: مجنون نسبة للجن، وكذا يقال للمرآة: مجنونة.

ص: 70


1- الأساطير والمعتقدات العربية قبل الإسلام لميخائيل مسعود: ص 85 ؛ وللمزيد من الإطلاع أنظر: تكسير الأصنام بين تصريح النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعتيم البخاري للمؤلف: ص 67 - 68 .
2- تفسير الرازي: ج 29 ، ص 199 .

وعليه:

يبدأ القرآن الكريم في منهجه الدلالي لشأنية الحكم الشرعي وخطورة التعامل معه في إثبات أن هذا القول الصادر من فم النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) هو صادر من محل واحد وهو المشرع سبحانه ولأجل ذلك قرن طاعته سبحانه بطاعة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأن معصية رسوله هي معصيته سبحانه وأن حبه عز وجل مقرون باتباع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

فقال عزّ وجل في بيانه لمحل صدور هذا القول النبوي بعد نفي هذه الشبهات

العالقة في أذهان الناس وتحديد مصادر المتقولين بينهم، بأن هذا القول الصادر من

فم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو:

«تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ »(1).

والملاحظ أن القرآن لم يستخدم مفردة الوحي كما في سورة النجم حينما تحدث

القرآن عن قول النبي من حيث التمييز بين الآيات القرآنية والأقوال النبوية، فهنا

في سورة الحاقة نسب الباري عز وجل إليه القول الصادر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مطلقاً، فيكون كل ما يقوله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو:

«إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ »(2).

وقوله عزّ وجل:

«تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ».

ص: 71


1- سورة الحاقة، الآية ( 43 ).
2- سورة الحاقة، الآية ( 40 ).

وفي سورة النجم حصر الآيات الكريمة بقوله:

«وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى *إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى »(1).

على الرغم من شمول الوحي في الآيات الكريمة، ومن ثم تسير هذه الآيات جنبا

إلى جنب في بيان خطورة الحكم الشرعي وخطورة التعرض لأقوال رسول الله

(صلى الله عليه وآله وسلم) على حد سواء وإنهما من حيث الحرمة سواء.

3-ثم يقطع القرآن الطريق على الذين يحاولون التفريق بين قوله عزّ وجل وقول

رسوله الكريم وذلك حينما ينفي عنه القرآن هذه المصادر التي كانت تقف وراء

هذه الطبقة في المجتمع، وهم: الشعراء، والكهان، والجن؛ ثم يعطي كل المصادقية لهذا القول الذي هو (من رب العالمين) فيرقى به إلى المستوى الذي لا يمكن أن يكون هذا الرسول الكريم أن يتقول على الله تعالى وذلك لوجود (لو) التي تفيد الامتناع؛ أي: يكون معصوماً في القول والفعل لأن قوله وفعله وتقريره حجة؛ بمعنى: أنه حكم شرعي.

4-ثم يقدم القرآن أعلى درجات التحذير لمن تسّول له نفسه بالتعرض للحكم

الشرعي فيحرّم ما يحل الله، ويحل ما حرم الله، وذلك إن حرمة قول الله تعالى أعظم من حرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الرغم من وجود كل تلك الشأنية والمنزلة التي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأن هذه الشأنية والحصانة منتفية فيما لو تقول هذا الرسول الكريم وبتلك الصورة التي حددتها الآيات:

«لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ»(2).

ص: 72


1- سورة النجم، الآية ( 3- 4).
2- سورة الحاقة، الآية ( 45 - 46 ).

5-إن هذه الحرمة التي حازها النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما كانت

لتلازمه مع القول الإلهي المنزل عليه ومن ثم يكون التعرض لهذا (الرسول الكريم)

تعرض لله تعالى وأن ما سيحل به من غضب الله تعالى ليفوق التصور فيما لو قورن

مع ما نصت عليه الآيات الكريمة في الأخذ باليمين وقطع الوتين وهو الشريان

الذي يزود الدماغ بالدم ويكون في الرقبة، فكيف ستكون عقوبة من لا شأنية له أو

مكانة عند الله تعالى.

وهل:

تتحقق المكانة عند الله بغير التقوى، إن الله ليس له قرابة مع أحد من عباده، فتعالى الله عما يصفه المبطلون.

ولذلك كانت خاتمة الآيات بقوله سبحانه:

«وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ »(1).

من هنا:

حينما نأتي إلى حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيان منزلة فاطمة عليها السلام عند الله تعالى فيقول:

«إنّ الله تعالى يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها .»

وفي لفظ آخر:

«إن الله يرضى لرضاك ويغضب لغضبك .»

إنما لأجل إظهار التلازم بين غضب الله تعالى وغضب فاطمة وإن رضاه سبحانه

هو لرضى فاطمة عليها السلام.

ص: 73


1- سورة الحاقة، الآية ( 48 ).

وفي الواقع لو تتبعنا الأحاديث النبوية الشريفة لوجدنا أن هذا الحديث يمتاز في

خصوصية الدلالة وانطباق المعنى وأنه ينبع من النهج القرآني في إظهار خطورة

الحكم الشرعي والشأنية التي له عند الله تعالى.

وذلك أن غضب الله تعالى مقرون ومتلازم بعدم طاعته في أحكامه، وأن رضاه

سبحانه مقرون كذاك في الامتثال لأوامره ونهيه، وحيث أن فاطمة لها من الشأنية

ما للحكم الشرعي اقتضى أن يكون للغضب والرضا الإلهي تلازما بغضب ورضى

بضعة حبيب إله العالمين (صلى الله عليه وآله وسلم).

ولأجل الوصول إلى خصوصية هذا التلازم بين غضب الله تعالى وغضب فاطمة ومنشئ هذه العلاقة بين الغضبين وبين الرضائين ينبغي التوقف عند بعض

المقدمات وهي كما سيمر في المسائل التالية.

المسألة الاولى: إنَّ غضب المخلوق غير غضب الخالق لاختلاف المنشئ والمغايرة في العلامات

إنّ من المسائل التي هي قطعية فلا تقبل الظن والاحتمال وهي: أن الله تعالى له صفات ذاتية لا يتصف بها عباده، وإن كانت هناك بعض الصفات والأسماء لله

تعالى اتصف بها العباد، كالبصر، والسمع، والغضب، والرضا وغير ذلك.

إلّا أن هذه الأسماء والصفات الإلهية تختلف اختلافا كليا مع المخلوق؛ وذلك

لتنزهه سبحانه عن التشبه بخلقه وإن اتصاف المخلوق ببعض هذه الصفات إنما

ليعي الإنسان معناها ودلالتها لا عين حركتها ومكونها.

فالسمع هو حركة اهتزاز غشاء رقيق مرتبط بعصب حي يقوم بنقل هذه الموجات

الصوتية إلى الدماغ فيتم تحليلها بحسب المعطيات البنائية والنشئوية للإنسان فثبت

ص: 74

عندها منذ الصغر أن هذا هو صوت أمه وهذا صوت أبيه، ثم أصوات الحروف

والأشياء، وهكذا، فأصبح بواسطة هذه الأدوات المخلوقة سميعا وكذا يكون

بصيراً.

أما الخالق سبحانه فهو سميع بصير بغير أدوات ولا يحتاج إلى واسطة فسبحان من ليس كمثله شيء وهو على كل شيء قدير، لا تدركه العيون ولا تحيطه الظنون.

ولذلك: حينما نأتي إلى الغضب وننظر فيه نجد أن غضب الخالق عز شأنه غير

غضب المخلوق، فالغضب لدى الإنسان هو: (كيفية نفسانية موجبة لحركة الروح

من الداخل إلى الخارج للغلبة، ومبدؤه شهوة الانتقام، وهو من جانب الإفراط،

وإذا اشتد يوجب حركة عنيفة، يمتلئ لأجلها الدماغ والأعصاب من الدخان

المظلم، فيستر نور العقل ويضعف فعله، ولذا لا يؤثر في صاحبه الوعظ والنصيحة،

بل تزيده الموعظة غلظة وشدة.

قال بعض علماء الأخلاق: (الغضب شعلة نار اقتبست من نار الله الموقدة، إلا أنها

لا تطلع إلا على الأفئدة، وإنها لمستكنة في طي الفؤاد استكنان الجمر تحت الرماد، وتستخرجها حمية الدين من قلوب المؤمنين، أو حمية الجاهلية والكبر الدفين من قلوب الجبارين، التي لها عرق إلى الشيطان اللعين، حيث قال:

«خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ »ِ﴾(1).

فمن شأن الطين السكون والوقار، ومن شأن النار التلظي والاستعار).

ثم قوة الغضب تتوجه عند ثورانها إما إلى دفع المؤذيات إن كان قبل وقوعها، أو

إلى التشفي والانتقام إن كان بعد وقوعها، فشهوتها إلى أحد هذين الأمرين ولذتها فيه، ولا تسكن إلا به.

ص: 75


1- سورة الأعراف، الآية ( 12 ).

فإن صدر الغضب على من يقدر أن ينتقم منه، واستشعر باقتداره على الانتقام،

انبسط الدم من الباطن إلى الظاهر، واحمر اللون، وهو الغضب الحقيقي.

وإن صدر على من لا يتمكن أن ينتقم منه لكونه فوقه، واستشعر باليأس عن

الانتقام، انقبض الدم من الظاهر إلى الباطن، وصار حزنا.

وإن صدر على من يشك في الانتقام منه انبسط الدم تارة أو انقبض أخرى، فيحمر

ويصفر ويضطرب)(1).

لكن الغضب الإلهي لا يكون من كيفية نفسانية -والعياذ بالله- ولا يكون مبدؤه

شهوة الانتقام كما للمخلوق، وإنما غضبه سبحانه: هو سخطه وعقابه، وفي ذلك

يقول الإمام أبو جعفر الباقر (علیه السلام) وقد سأله عمرو بن عبيد قائلاً له:

(جعلت فداك، قول الله تبارك وتعالى:

«كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى »(2).

ما ذلك الغضب؟ فقال أبو جعفر (علیه السلام):

«هو العقاب؛ يا عمرو إنه من زعم أن الله قد زال من شيء إلى شيء فقد وصفه

صفة مخلوق، وأن الله تعالى لا يستفزه شيء فيغيره »(3).

والحديث الشريف واضح المعنى بينُ الدلالة فلا يحتاج إلى توضيح، فالإنسان

بطبيعته النفسانية يُستفز فيتغير ما له من السكون إلى الغضب، ومن الغضب إلى

ص: 76


1- جامع السعادات للشيخ النراقي: ج 1، ص 255 .
2- سورة طه، الآية ( 81 ).
3- الكافي للكليني: ج 1، ص 110 ؛ التوحيد للصدوق: ص 168 .

الفعل في الخارج، وغير ذلك مما يظهر على الإنسان في حالة الغضب وذهاب العقل وهذا كله مناط بالخلق؛ لكن الخالق عز اسمه منزّه عنه:

ف:«سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ »(1).

كما ويستدل من حديث الإمام الصادق الذي مر ذكره، ومن الأحاديث الأخرى

التي سنعرض لها: أن الله تعالى منزه عن الأسباب والدوافع التي تكون هي المنشئ وراء تكوّن الغضب لدى الإنسان، وذلك أن مبدأ الغضب شهوة الانتقام، عند وقوع الضرر على الإنسان فيندفع إلى التشفي من خصمه، وأما في حال عدم وقوع الضرر فإن النفس تندفع لكي تقي هذا الضرر.

لكن الله سبحانه ليس له كما للعباد من الشهوات، وإذا انتقم لم يكن ذاك إرضاء لشهوة الغضب، ولم يكن تشفيا لأنه غير عاجز عن أخذ ما يريد، ولا يفوته درك ما

يشاء، كما لا يهدده أي خطر، ولا يخاف من محذور؛ بل الخلق هم منه حذرون، وإليه راغبون، ولرحمته ولطفه ملتمسون.

وقد أرشدتنا روايات أهل البيت عليهم السلام إلى ذلك وأظهرت لنا هذا المعنى،

فقد روى الصدوق (رحمه الله) عن هشام بن الحكم: إن رجلا سأل أبا عبد الله

(علیه السلام) عن الله تبارك وتعالى له رضا وسخط؟

فقال:

«نعم، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين، وذلك أن الرضا والغضب دخال

يدخل عليه فينقله من حال إلى حال، معتمل، مركب، للأشياء فيه مدخل، وخالقنا

لا مدخل للأشياء فيه، واحد، أحدي الذات، واحدي المعنى، فرضاه ثوابه،

وسخطه عقابه، من غير شيء يتداخله فيهيجه وينقله من حال إلى حال، فإن ذلك

ص: 77


1- سورة المؤمنون، الآية ( 91 ).

صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين، وهو تبارك وتعالى القوي العزيز الذي لا

حاجة به إلى شيء مما خلق، وخلقه جميعا محتاجون إليه، إنما خلق الأشياء من غير حاجة ولا سبب، اختراعاً وابتداعاً »(1).

كما تدلنا الروايات الشريفة لأهل البيت عليهم السلام أن علامات غضب الله

تعالى على خلقه المعاندين والمنتهكين للحرمات والحدود هي مغايرة كليا لعلامات

غضب خلقه بعضهم على بعض.

وذلك أن الله تعالى إذا غضب على خلقه فسخط عليهم جعل فيهم بعض الأمور

التي كشفتها رواية الإمام الصادق (علیه السلام) فقال:

«وعلامة غضب الله تبارك وتعالى على خلقه جور سلطانهم وغلاء أسعارهم .»

وفي رواية ثانية قال (علیه السلام):

«إذا غضب الله على أمة ولم ينزل بها العذاب غلت أسعارها، قصرت أعمارها، ولم

تربح تجارتها، ولم تزك ثمارها، ولم تغزر أنهارها .»

أما الإنسان فإن علامة غضبه تغير لون وجهه، وعدد دقات قلبه، وسرعة أنفاسه،

ثم إقدامه على دفع الضرر بوسائل عديدة مستعينا بها على تحقيق ذلك بقوته العضلية أو باستخدامه لسلاح معين أو بالصراخ وغير ذلك من الاحتياجات.

أما الخالق سبحانه فهو لا يتغير ولا يستعين بشيء:

﴿«إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ »(2).

وأن علامات سخطه ما نصت عليه الرواية.

ص: 78


1- التوحيد للشيخ الصدوق: ص 168 .
2- سورة يس، الآية ( 82 ).

المسألة الثانية: قصدية اقتران صفتي الرضا والغضب دون غيرها من الصفات الالهية بفاطمة (علیها السّلام)

اشارة

لاشك أن الصفات الأفعالية كثيرة لكن السؤال الذي يستوقف الباحث، لماذا:

الغضب والرضا ولم يكن الرحمة أو العذاب، أو اللطف والنقمة.

لماذا لم ترد نصوص نبوية تتحدث عن بعض الصفات الأفعالية التي لها ظهور في الخارج؟

وجوابه من مقدمات، وهي كالآتي:

ألف - أرتباط الغضب والرضا بالقلب

إنّ من الصفات الأخلاقية ما كان منشئه القلب أو ارتباطه وعلاقته بالقلب

كالإيمان والكفر والبغض والحب، والرضا والغضب وغيرها من الصفات الأخلاقية التي تناولها العلماء في مصنفاتهم وتتبعوا مناشئها وقواها النفسانية.

وحينما نأتي إلى الغضب والرضا نجد علماء الأخلاق يرجعونها من حيث المنشئ

إلى القلب وإن لها معه أرتباطاً مباشراً، إلى المستوى الذي وصفوا فيه الغضب

وعلاقته بالقلب بقولهم: (الغضب شعلة نار اقتبست من نار الله الموقدة؛ إلا أنها

لا تطلع إلا على الأفئدة، وأنها لمستكنة في طي الفؤاد استكنان الجمر تحت الرماد، وتستخرجها حمية الدين من قلوب المؤمنين، أو حمية الجاهلية والكبر الدفين من قلوب الجبارين، التي لها عرق إلى الشيطان اللعين حيث قال:

«قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ »(1).

فمن شأن الطين السكون والوقار، ومن شأن النار التلظي والاستعار)(2).

ص: 79


1- سورة ص، الآية ( 76 ).
2- جامع السعادات للمحقق النراقي: ج 1، ص 224 ؛ وقد مر سابقا الاستشهاد بهذا التعريف وذكرناه هنا لضرورة البحث.

ولما كان الغضب بهذه الرتبة والأثر والعلاقة مع القلب الذي هو محل النظر

وصمام الأمان في التحكم مع الناس أصبح الاحتياج إلى ضبط المشاعر وتقديم

الحقوق ومحاربة النفس هي من أهم السمات التي يتمايز بها المؤمن من الكافر، وبها يتضح معنى أن يكون غضب الأنبياء والمرسلين ورضاهم لله تعالى، بل يتضح معنى أن يكون هؤلاء مما حفت بهم يد الرحمة الإلهية فكانوا الأدلاء على الله والدعاة إليه.

بمعنى آخر: كم يكون هؤلاء على مستوى من الضبط والقوام والمجاهدة حتى

استحقوا أن يكونوا لله تعالى فإن غضبوا غضب الله لغضبهم، بل هم لا يغضبون

إلا إليه ولا يرضون إلا لأجله فقلوبهم سليمة من الشوائب ونقية من الظلمات،

ولذا امتدح الله هذه القلوب حينما امتدح قلب إبراهيم الخليل (علیه السلام) فقال

عزّ وجل:

«إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ »(1).

من هنا: حينما ينص الحديث النبوي الشريف على إظهار العلاقة بين غضب الله

تعالى وغضب فاطمة، ورضاه برضا فاطمة، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم):

«يغضبني ما يغضبها .»

ليدل على الرتبة التي بلغ إليه قلب فاطمة صلوات الله وسلامه عليها.

باء - قوام الغضب والرضا بالعدل

ولأن الرضا والغضب يصاحب الإنسان في جميع أفعاله وأقواله ومعاملاته لزم أن

يكون ضبطهما وإرجاعهما إلى الوسط كي يعتدل من أعسر المجاهدات وذلك لأنهما

ص: 80


1- سورة الصافات، الآية ( 84 ).

أول مظاهر النفس الإنسانية ظهورا للعلن، فكم من رضا أفسد صاحبه وكم من

غضب أهلك صاحبه وأهله وعشيرته وقومه، ولعل التاريخ لغني بهذه الشواهد.

ولذا:

كان قوام الرضا والغضب بالعدل؛ وذلك أن (العدالة أشرف الفضائل وأفضلها

فهي كل الفضائل أو ما يلزمها، كما أن الجور كل الرذائل أو ما يوجبها، لأنها هيئة

نفسانية يقتدر بها على تعديل جميع الصفات والأفعال، ورد الزائد والناقص إلى

الوسط، وانكسار سورة التخالف بين القوى المتعادية بحيث يمتزج الكل ويتحقق

بينها مناسبة واتحاد تحدث في النفس فضيلة واحدة تقتضي حصول فعل متوسط

بين أفعالها المتخالفة، وذلك كما تحصل من حصول الامتزاج والوحدة بين الأشياء

المتخالفة صورة وحدانية يصدر عنها فعل متوسط بين أفعالها المتخالفة فجميع

الفضائل مترتبة على العدالة.

ولذا قال أفلاطون: العدالة إذا حصلت للإنسان أشرق بها كل واحد من أجزاء

نفسه، ويستضيء بعضها من بعض، فتنتهض النفس حينئذ لفعلها الخاص على

أفضل ما يكون، فيحصل لها غاية القرب إلى مبدعها سبحانه)(1) .

(وإذا عرفت شرف العدالة وإيجابها للعمل بالمساواة، ورد كل ناقص وزائد

إلى الوسط، فاعلم: أنها إما متعلقة بالأخلاق والأفعال، أو بالكرامات وقسمة

الأموال، أو بالمعاملات والمعارضات، أو بالأحكام والسياسات والعادل في كل

واحد من هذه الأمور ما يحدث التساوي فيه برد الإفراط والتفريط إلى الوسط،

ولا ريب أنه مشروط بالعلم بطبيعة الوسط، حتى يمكن رد الطرفين إليه، وهذا

العلم في غاية الصعوبة، ولا يتيسر إلا بالرجوع إلى ميزان معرف للأوساط في جميع

ص: 81


1- جامع السعادات للنراقي: ج 1، ص 68 - 70 .

الأشياء، وما هو إلا ميزان الشريعة الإلهية الصادرة عن منبع الوحدة الحقة الحقيقية، فإنها هي المعرفة للأوساط في جميع الأشياء على ما ينبغي والمتضمنة لبيان تفاصيل جميع مراتب الحكمة العملية فالعادل بالحقيقة يجب أن يكون حكيما عالما بالنواميس الإلهية الصادرة من عند الله سبحانه لحفظ المساواة)(1).

ومن هنا: تتضح لنا دلالة: إن الله تعالى يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها عليها

السلام في كونها قد بلغت رتبة المعرفة بالنواميس الإلهية الصادرة من عند الله تعالى؛ ولذا لا يخرجها غضبها أو رضاها عن العدالة في الأخلاق والأفعال، أو الكرامات وقسمة الأموال، أو بالمعاملات والمعارضات، أو بالأحكام والسياسات، فهي في كل ذلك عادلة موافق رضاها وغضبها لغضب الله تعالى ورضاه.

ويراد بذلك العصمة، وفيها تكون حرمة الحكم الشرعي، وفيها تكون حرمة

رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وحرمة الإسلام فكل ذلك رضا الله تعالى

وغضبه، وهو متلازم مع رضا فاطمة وغضبها.

المسألة الثالثة: الطريق الى رضا فاطمة احراز رضا ابنيها (علیهم السّلام)

إن القصدية التي دار حولها النص بحسب السياق العام الذي تناقلته المصادر

الاسلامية هي حرص منتج النص (علیه السلام) الى معرفة المتلقي سواء كان

المتلقي الاول وهم ابناءه او المتلقي الثاني وهم شيعته او المتلقي الثالث وهم عامة المسلمين على حفظ حرمة الحسن والحسين (عليهما السلام) وتقديمهما على الناس بعد ابيهما وتوقيرهما وتشريفهما واجلالهما والحرص على رضاهما وذلك انهما قطب دائرة الحرمات الثلاثة، حرمة الله، وحرمة رسوله، وحرمة أمهما فاطمة (صلوات الله عليهم اجمعين).

ص: 82


1- جامع السعادات للنراقي: ج 1، ص 70 .

وهي اللغة التي يفهمها جميع المسلمين باستثناء اهل النفاق والشقاق والغدر،

ولذا: استثنى من النص حرمته (صلوات الله وسلامه عليه) والتي هي من حيث

الحرمات أعظم عند الله من حرمة فاطمة )صلوات الله وسلامه عليها( فإذا كانت

فاطمة بضعة النبوة فعلي (علیه السلام) هو نفس النبوة والرسالة وباب الفيض

والفضل والرحمة التي جعلها الله في سيد خلقه ورسله (صلی الله علیه وآله).

ولذا:

لم يرد في النص أي اشارة الى ملازمة حرمتهما (عليهما السلام) بحرمة أبيهما وذلك خوفا من تقولّ القائل بأنه يمدح نفسه أو يعظمها أو لعل ذلك سيحولُ دون تحقق المقاصدية في حفظ حرمتهما وتعظيمهما وتشريفهما وذلك لما يجول في نفوس المنافقين من بغض له؛ فضلا عن الضغائن التي كانت في قلوب بعض الناس منه لقتلة الآباء والأجداد وغيرهم.

فكان اعراضه عن ذكر حرمته المتصلة بهما يعارض القصدية التي كانت وراء جعل

التولية لهما في امواله لابني فاطمة(علیهم السلام)، اما كيفية احراز رضاها برضا

ابنيهما(علیهم السلام) فجوابه كما يلي:

1- إنزالهما المنزلة التي جعلها الله بهما وهي منزلة الامامة كما ثبت ذلك في الادلة النقلية والعقلية في مباحث العقيدة والكلام وغيرها.

2-تعظيمهما وتوقيرهما ودفع الاذى عنهما.

3- إجابة دعوتهما ونصرهما.

4-حفظ ذريتهما وتشريفها والاحسان اليها.

ص: 83

5- تعاهد زيارتهما وابنائهما أحياء وامواتا كما ثبت في النصوص الشريفة في تعاهد

مشاهدهم وزيارة قبورهم.

6- الاحسان والرعاية لزائري قبورهم.

7- توقير مواليهم وشيعتهم.

8- الموالاة لوليهم والبراءة من اعدائهم.

وغيرها من الامور التي يحرز بها الانسان رضا فاطمة، التي يرضا الله ورسوله

لرضاها ويغضب الله ورسوله لغضبها.

فهذه المقاصدية التي اضمرها النص الشريف والتي سنعرض لمزيدٍ من بيانها في

الفصل القادم في عرضنا لمقبولية النص لدى المتلقي، وهل حقق منتج النص غرضه من ذلك؟ وجوابه في الفصل القادم.

ص: 84

الفصل الثاني: مقبولية النص في وصيته في أمواله وأبني فاطمة (علیهم السّلام) لدى المتلقي

اشارة

ص: 85

ص: 86

تشكل المقبولية عند المتلقين للنص انعكاساً لروح النص المحركة للقوة الانجازية

التي تحدثها المفردات في ذهنية المتلقي ومشاعره، وتعكس رؤية المتلقي وفهمه لمقاصدية منتج النص، سواء كانت هذه المقاصدية في مضاهرها الافعالية المباشرة ام غير المباشرة، فكلٌ له آثاره على المتلقي وكلٌ له انعكاساته الايمانية والنفسية والاجتماعية والعقدية.

وهذا ما سنلاحظه من خلال التفاعل والانسجام والاندفاع لإنجاز روح النص

في الخارج من خلال الامتثال وتحقيق الغرض الظاهر والخفي لمنتج النص (عليه

السلام) فكانت هذه المستويات من المتلقي ممثلة في أربعة نماذج نورد ذكرها بحسب زمان صدور النص ومكانه ودوام روح النص بعد انتهاء زمان صدوره كما هو

الحال عند شارحه المعتزلي المتوفى سنة 656 ه، وشارحه حبيب الله الخوئي والذي أعقبه بأكثر من ستمائة وخمسون سنة (المتوفى سنة 1324 ه).

إلا أن روح النص مازالت تبث في المتلقي التفاعل والانسجام والتوجيه ونقل

الحقائق وتصحيح الرؤى واعادة ترتيب الافكار.

فكانت هذه الدارسة لهذا الفصل ضمن أربعة مباحث تفرعت الى بعض المسائل

بغية تقديم رؤية علمية عن مقبولية النص لدى هذه المستويات الفكرية والعقدية

والاجتماعية.

ص: 87

ص: 88

المبحث الاول: مقبولية النص عند أبناء علي (علیهم السّلام)

اشارة

ص: 89

ص: 90

المسألة الاولى: أسباب تفاعل المتلقي الأول

لا شك أن المتلقي الاول للنص هم الشريحة التي تلقت الافعال المباشرة في قصدية منتج النص (علیه السلام) وهم موضع تلقي الوصية والمعنيون بها، وهم ورثة هذا المال والمخصوصون به لاسيما وأن منتج النص قد وجه الوصية وحدد مسارها في اول كلماته التي ابتدأ بها الوصية قائلاً:

«بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به، وقضى به في ماله، عبد الله علي، إبتغاء وجه الله، ليولجني به الجنة، ويصرفني به عن النار، ويصرف النار عني يوم تبيض وجوه وتسود وجوه....... .»

وهو ما يرشد الى ان هذه الشريحة المخصوصة والمعنية بالوصية بالدرجة الاساس

والمستوى الاول قد تلقتّ هذه الوصية بمقبولية تامة وتفاعل بلغ الذروة في القبول

وذلك ان التاريخ الاسلامي الذي رصد حياة ابناء علي(علیهم السلام) لم يسجل

أي خلاف لهذه النتيجة من المقبولية للنص، وهذا يتوقف على امور:

اولاً: إن هذا المال الذي اوصى به منتج النص هو ماله الذي احرزه من كد يده

وجهده فهو لم يأته من الغنائم او الفتوحات الاسلامية.

بل كان (علیه السلام) مكافحاً يعمل بيده قد احيى كثيرا من الاراضي الموات بيده

بعد أن حفر فيها آباراً او استسقاءً بالدلو حتى زهرت وعمرت واثمرت.

ثانيا: على الرغم من كونه الحاكم الشرعي وبيده مفاتيح بيت المال يفعل فيه ما

يشاء إلا انه جنَّب نفسه وعياله مال المسلمين ولم ينفق على هذه الحقول والبساتين

ص: 91

منه شيئاً ولم يأمر احداً من رعيته وهو الخليفة من جهة والإمام من جهة ثانية فله

حق الطاعة عليهم بالبيعة للخلافة أو انعقاد الذمّة في الامامة ووجوب الطاعة لكن

هيهات ان تكون الإمامة سببا وعنواناً لخدمة المصالح الخاصة او الشؤون الشخصية

فإن كان له من خادم يخدمه كقنبر عليه الرحمة والرضوان فهو يعمل بأجره.

وعليه: كان تلقي النص لدى هذه الشريحة وهم ابناؤه، مطلعون على حقيقة

ونزاهة هذه الاموال فكيف لا يتلقون النص بأعلى درجات المقبولية.

ثالثاً: حينما يكون الأب -أي منتج النص (علیه السلام)- يتعامل مع ابني فاطمة

(عليهم السلام) طيل فترة حياته بهذه الطريقة التي مرَّ ذكرها فيصون حرمتهما

ويذب عنهما ويعظمهما لمكانتهما من رسول الله (صلی الله علیه وآله) يصبح من

البداهة أن تسير هذه الشريحة -أي ابناء الامام علي(علیهم السلام)- على هذا

النهج الإيماني والعقدي.

رابعا: إن تفاعل هذه الطبقة مع ظاهر مقاصدية منتج النص في ابني فاطمة

(عليهم السلام) وجعل التولية لهما مرتكز على فهمهم بأن لمنتج النص مقاصديته

المتعددة والموجهة الى فئات اخرى ممن تتلقى النص؛ وإلا فهم مدركون لتعظيم

حرمة الحسن والحسين )عليهما السلام( ويعلمون بهذا النهج الذي سار عليه منتج النص طيلة فترة حياتهِ.

خامساً: إنّ التسليم الكامل والتام لهذا النص -أي أمر التولية على المال- يرجع

ايضاً الى أن الحسن والحسين (عليهما السلام) هما الإمامان بعد أبيهما علي (عليه السلام) ومن ثم فلا مجال للمخالفة حتى لو لم يوص (علیه السلام) بهذه التولية ولو من قبيل المجاز، وهو محال لما يترتب على الوصية من عناوين شرعية.

ص: 92

وعليه:

يصبح تفاعل ابناء علي (علیه السلام) مع هذه الوصية تفاعلا تاما ومنجزا في

الذمة لما ورد فيه من ايقاعات في عنوان النص وهو الوصية، وتجلي قصدية الافعال

المباشرة في النص، كما سيمر بيانه في المسألة القادمة.

المسألة الثانية: أثر الأفعال الكلامية المباشرة في رفع مستوى المقبولية عندالمتلقي الأول
اشارة

اشتمل النص الشريف على مجموعة من الافعال المباشرة والمكتنزة للقوة الانجازية الدافعة الى الامتثال التام وتحقق المقبولية بدرجات عالية وذلك ان منتج النص (عليه السلام) وبفعل حكمته العالية قد اولج في النص بعض الافعال المباشرة المحركة للنفوس والقلوب في تحقيق مبتغاه من الوصية.

فنلاحظ هنا:

أولاً: صيغة الإيقاع، وهي من (التصريحيات - . DECLARATIONS )

ابتدأ منتج النص خطابه بصيغة الايقاع التي جاءت في بعض الافعال المباشرة،

وهي:

1- أوصى.

2- قضى.

فقد حققت هذه الافعال بقوتها الانجازية قصدية منتج النص عند المتلقي الاول،

وهم اولاده تمام المقبولية في العمل بهذه الاموال والمتولي عليها، وما اوقعه منتج النص من مصاريف وانفاق لابني فاطمة(علیهم السلام) من هذه الاموال

والايرادات.

ص: 93

ثانياً: صيغة الطلب، وهي من (التوجيهيات - . DIRECTIVES )

إستهل منتج النص (علیه السلام) خطابه ببعض الافعال المباشرة الدالة على معنى الطلب والدعاء الى الله تعالى مما يخلق شعوراً إيمانياً ووجدانياً لدى المتلقي سواء كان المتلقي الاول او الثاني او غيرهما.

وذلك أن منتج النص له من المقاصدية ما تجعله يبث روح الايمان ونتائج التربية

والمودة في نفوس المتلقي في امر لابد لكل مسلم ان ينجزه ويوقعه ألا وهو امر

الوصية ودوافعها النفسية والاسرية والايمانية والاجتماعية؛ وذلك ان منتج النص

رتب أمر امواله وفق عناوين شرعية وشخصية عديدة ابتداء من النية وانتهاءً بأثار

هذه الوصية التي سيجنيها في الدنيا والاخرة.

ولذا:

استهل الخطاب، اي الوصية بصيغ الطلب والدعاء في جملة مع الافعال المباشرة،

وهي:

1- ابتغاء وجه الله تعالى.

2-ليولجني به الجنة.

3- ويصرفني به عن النار.

4- ويصرف النار عني.

فهذه الافعال الطلبية الاربعة جاءت لترسم للمتلقين منهجاً تربوياً وتقوائياً للنفس والابناء والمجتمع وشدهم بمرجعهم الاول والآخر وهو الله تعالى ورسوله

الاكرم (صلی الله علیه وآله)؛ وان حقيقة هذه الاموال ووجه الانتفاع الحقيقي منها

ص: 94

بعد الموت وهو رضا الله ورسوله (صلی الله علیه وآله) وجعلها الوسيلة للدخول الى الجنة والنجاة من النار فهما الحياة الحقيقية والابدية التي سيؤول امر الانسان اليهما.

ولذلك أردف هذه الأفعال الاربعة بقصد المطلوبية الى قصدية اخرى تؤثر في

نفوس المتلقين وهي صيغة الاخبار عن حال الانسان بعد الموت وعاقبته في الآخرة كما في ثالثاً.

ثالثاً: صيغة الاخبار

تظهر صيغة الاخبار في الافعال الكلامية المباشرة في قول منتج النص (علیه السلام):

«يوم تبيضُّ وجوهٌ وتسودُّ وجوه .»

ففي هذا اليوم العصيب والرهيب الذي اخبر عنه منتج النص (علیه السلام) بأنه

اليوم الذي تبيضُّ فيه وجوه الخلائق من الجن والانس لحريٌّ بالإنسان ان يحرص

جاهداً على العمل بما يمكنه لتجنب اسوداد الوجه وان يعمل جاهداً على العمل بما يخلف عليه ببياض الوجه عند الفوز برضا الله تعالى ورضا رسوله (صلى الله عليه وآله) ورضا ابني فاطمة(علیهم السلام) والسبيل الى تحقق هذا الرضا من خلال امهما البضعة النبوية.

وذلك ان المال وحده لا يكفي للوصول الى هذه النتيجة ليَبيْضّ وجهه ويفوز بالرضا

ودخول الجنة والنجاة من النار وانما يحتاج كذلك الى العمل الجاد والحرص على احراز رضا فاطمة (عليها السلام) ورضا ابنيها الحسن والحسين (عليهما السلام).

ص: 95

من هنا:

نجد منتج النص (علیه السلام) يلازم بين هذه الافعال المباشرة في جعل التولية

لابني فاطمة وذلك ان الوصول الى جوهر ايقاع الوصية وتحقق الطلب في هذه

الافعال (ابتغاء، يولجني، يصرفني، يصرف عني) يكمن في رضا ابني فاطمة

(عليهم السلام) ورضاها بهما، لتلازم حرمتهما بحرمة رسول الله وتشريفهما بشرفه (صلی الله علیه وآله).

وعليه:

لن يصل الانسان بالإيقاعات في الوصية بالأموال او غيرها مالم يقرن ابني فاطمة

(صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين).

ولذا:

نجد منتج النص يقدم افعالا مباشرة اخرى حينما يورد ذكر العلة في جعل التولية

لابني فاطمة(علیهم السلام) فيقول:

«وإن لابنَي فاطمة من صدقة علي مثل الذي لبني علي، واني انما جعلت الذي

جعلت لابنيَ فاطمة ابتغاء وجه ا لله، وتكريم حرمة رسول ا لله (صلى الله عليه وآله)، وتعظيمهما وتشريفهما ورضاهما ».

فكانت صيغ الافعال المباشرة في التوكيد والاخبار والطلب الذي اتحد مع الطلب

الاول الذي استهل به اصل ايقاع الوصية، وهو:

«ابتغاء وجه الله .»

فكانت المقبولية لدى المتلقي الاول -وهم ابناءه- جلية في التفاعل والانسجام

التام والعمل المنجز في الامتثال لما جاء في خطاب منتج النص (علیه السلام) وذلك

ص: 96

بفعل صيغة التوكيد والاخبار من جهة وفي صيغة الطلب والدعاء من جهة ثانية

مع وضوح اصل القصد في وقوع الوصية وتحقق نتائجها المرجوة في يوم القيامة،

وهو كما يلي في رابعاً.

رابعاً: صيغة التوكيد والاخبار، وهي من (الاخباريات - . ASSERTIVES )

لقد لازم منتج النص (علیه السلام) بين التوكيد في قوله «وإني » والحصر في

«انما » لإحراز أعلى درجات المقبولية لدى المتلقي الأول والثاني كما سيمر في المسألة القادمة.

فهذا التوكيد يظهر ما يلي:

1- إن ابني فاطمة(علیهم السلام) لا ينقصهما تعظيم أو تشريف فهما من الاصل

لهما شرف عالٍ وحسب راقٍ ولكن جاءت صيغة التوكيد للإخبار عن امر التولية

جَعَلَ لهما شرفاً لهذه الشرفية بأمر التولية.

بمعنى: إن شرفهما يحجز اعتلاء بقية أولاد الامام علي (علیه السلام) لهذه التولية، فليس هناك من هو اشرف منهما أو اعظم حرمة منهما، ولذا جاء بأداة الحصر (إنما).

2- التوكيد على احراز رضاهما وذلك ان حصر رضا الله تعالى ورسوله (صلى

الله عليه وآله) في الاعمال وقبولها وارتفاعها محصور برضا الله تعالى ورضا رسوله

(صلی الله علیه وآله).

3-حصر النتيجة النهائية لأصل الفعل في ايقاع الوصية (وهي دخول الجنة

والنجاة من النار في يوم القيامة الذي تبيْضَ في فيه الوجوه) بالمرتكزات الثلاثة وهي (وجه الله، وحرمة رسول الله (صلی الله علیه وآله)، ورضا فاطمة (عليها السلام).

ص: 97

إن هذه النتيجة لتثير الوجدان والايمان وتدفع الى تصحيح التفكير وتقوّم الذهن

من الإعوجاج في الاستدلال ببعض وجوه الخير و حينما تكون الاعمال منفصلة عن

هذه المرتكزات فإنها لن توصل صاحبها الى الجنة وتصرفه عن النار وتصرف النار

عنه وتبُيضِ وجهه يوم القيامة، فلا تذهبن بكم الظنون.

من هنا:

نجد التفاعل مع النص ومقبوليته عند المتلقين كان عالياً سواء عند المتلقي الاول

أو الثاني أو الثالث أو غيرهم على مر الأزمنة؛ فقد أبدع منتج النص (علیه السلام)

في أيقاظ ضمير الامة وخلق حالة جديدة من الوعي الجماعي فيها وهو ما سنتناوله في المبحث القادم.

ص: 98

المبحث الثاني: تفاعل المتلقي الثاني واتّضاح قصدية منتج النص في خلق الوعي الجمعي والفردي وسريانه الى أزمنه متعددة

اشارة

ص: 99

ص: 100

يعد أهل زمان منتج النص (علیه السلام) هم الشريحة الثانية لتلقي النص ولا

شك ان هذه الشريحة كان تفاعلها متفاوت مع النص لاسيما وأن عموم النص

وسياقه العام هو موجه الى المتلقي الاول وهم ابنائه(علیهم السلام).

إلا ان هذه الشريحة هي ايضا مصدر اهتمام متبادل ومشترك بين منتج النص (عليه السلام) وبين اهل زمانه.

فمنتج النص بلحاظ تكاليفه الشرعية من موقع الامامة فهو يؤسس لنظام عقدي

مرتكز على العلاقة بين الله والعباد، وعلى نظام اجتماعي وتربوي يهدف الى تماسك هذا المجتمع وتحريك الضمائر وخلق حالة من الوعي الجمعي الذي يحفظ للأمة هيبتها وتماسكها وديموميتها.

ولذا: كانت مقاصديته ترتكز على أمرين يختصان بالشريحة الثانية، وهم اهل زمانه

وما يليه من الازمنة اللاحقة، فكل هذه الازمنة سيسري فيها آثار هذا النص.

الأمر الأول- خلق الوعي الجمعي أو الضمير الجمعي كما سيمر بيان ذلك.

الأمر الآخر- ديمومية هذا التفاعل وتحقق آثاره في الازمنة اللاحقة لينتقل القصد

من توجيه النص للشريحة الاولى وهم اولاده الى الشريحة الثانية وهم اهل زمانه الى الازمنة اللاحقة، بلحاظ تغلغل هذا الفكر وتحقق الغرض من أطلاق النص في الامة.

لذا: اختار لهذه القصدية أمر التولية لأبني فاطمة(علیهم السلام) من بيان تلك

الغايات المرتكزة على أصل جعل التولية، وهي: ابتغاء وجه الله، وتكريم حرمة رسول

ص: 101

الله (صلی الله علیه وآله) وتشريف وصلته، وتعظيم الحسن والحسين وتشريفهما

ورضاهما، وتحقق رضا فاطمة (عليها السلام) بهذا الرضا كما مرَّ سابقاً.

وعليه: يتفرع المبحث الى مسألتين، وهما كالآتي:

المسألة الاولى: تحفيز الوعي الجمعي وبث الروح في ضمير الامة
اشارة

إن انطلاق منتج النص (علیه السلام) من الثوابت التي شكلت الأسس التي

قام عليها الاسلام في مخاطبة متلقي النص بغض النظر عن انتمائه السببي والنسبي إليه، اي: وجه الله عز وجل وحرمة رسول الله (صلی الله علیه وآله) لا يجعل عملية التفاعل والتأثر بالنص دائمة مازال هناك وعي لأبناء هذه الامة الواحدة مما يساهم في بث الروح في ضميرها وتحقق الضمير الجمعي او الوعي الجمعي في ادراك شأنية ابني فاطمة(علیهم السلام) التي اراد بيانها منتج النص بأكثر من مفهوم كمفهوم قرابتهما من رسول الله فهما ابناه (صلی الله علیه وآله) او كمفهوم انهما مرجعا الامة وسبيل نجاتها وباب هدايتها وطريقها لنيل رضا الله والولوج الى الجنة والتحرز من الوقوع في النار والعذاب المقيم.

أو كمفهوم شرافتهما وما لهما من الصلة برسول الله (صلی الله علیه وآله) والذي

يقتضي في اقل التكاليف مودتهما وتوقيرهما وصيانتهما من كل ما من شأنه أن

يعرضهما للأذى؛ وهذا ما سنعرض له فيما يلي:

أولاً: ما هو الوعي الجمعي ؟

إن هذه المفاهيم مرتكزة على قصدية منتج النص في تحفيز الوعي الجمعي الذي

تنبه الى أهميته وخطورته علماء الاجتماع بالدرجة الاساس وعلماء النفس، لاسيما العالم الفرنسي (اميل دوركهايم، ت 1917 م) اذ يمثل (دوركهايم نقطة تحول هامة في تاريخ التفكير الاجتماعي ونظرية علم الاجتماع فلقد تجنب كثيراً من المشكلات

ص: 102

التي اثارها علماء الاجتماع التطويريون في القرن التاسع عشر وجعل اهتمامه على تحديد موضوع علم الاجتماع)(1).

ويعد دوركهايم )الأب الروحي للمدرسة الوظيفية في علم الاجتماع من خلال

إطلاقه صفة العضوية على التضامن الاجتماعي في المجتمعات الحديثة، وكذلك

عد قيام أعضاء المجتمع (المؤسسات، النظم، الطبقات، الأفراد) بالوظائف الموكلة

اليهم شرطاً لبقاء المجتمع واستمراره تماما كما يعد قيام أعضاء الكائن الحي بوظائفها شرطاً لبقاء ذلك الكائن)(2)..

ويعرف الوعي الجماعي بأنه )عبارة عن وعي الافراد بالعلاقات الاجتماعية الرابطة

بينهم وبتجاربهم المشتركة، وقد يتطور هذا الوعي وينموا ليحفزهم على الاشتراك

في تحمل مسؤولية النهوض بمجتمعهم؛ ويترجم ايضا بالضمير الجمعي)(3).

ويشير الضمير الجمعي الى (المعتقدات والمواقف الاخلاقية المشتركة والتي تعمل كقوة للتوحيد داخل المجتمع)(4) .

ويشكل الضمير في منظور دوركهايم بأنه )جهاز متكون من الوجدان والتصوير

وأنه ليس الجهاز العقلي وهو المفهوم الذي تتضمنه كلمة الوعي او الضمير)(5) ، وهذا يدعو الى مفهوم الوعي وإلى وجود فروق بين الوعي الفردي والجمعي كما سيمر في المسألة اللاحقة، ولكن ما هو مفهوم الوعي؟.

جوابه فيما يلي:

ص: 103


1- تاريخ الفكر الاجتماعي، أ. د نبيل عبد الحميد الجبار: ص 95 / ط 1 دار دجلة/ الاردن.
2- نقد الفكر الاجتماعي المعاصر، د. معن خليل: ص 114 / ط 2، دار الآفاق/ العراق.
3- موسوعة علم الانسان، المفاهيم والمصطلحات الأنثروبولوجية، لسيمور سميث: ص 369 ،ط 2، المركز القومي للترجمة - القاهرة.
4- ويكيبيديا - الموسوعة الحرة - الضمير الجمعي.
5- المصدر السابق.
ثانياً: مفهوم الوعي

إنَّ للفلاسفة رؤى اضافية وتعاريفاً اخرى لبيان مفهوم الوعي؛ إذ (يرى «هيجل »

أن الوعي كخاصية انسانية هو تلك المعرفة التي تكون لكل شخص بصدد وجوده

وافعاله وافكاره، كأن يكون الشخص واعيا ويتصرف طبقاً للمعرفة التي تحركه

والعيش بوعي الوجود)(1) .

وذلك (إن الانسان هو الموجود الوحيد الذي يعي ذاته، باعتباره يوجد كما توجد

اشياء الطبيعة، وباعتباره موجودا لذاته.

اما الاشياء الاخرى فإنها لا توجد إلا بكيفية واحدة، وعلى هذا الاساس يجب

على الانسان ان يعيش بوصفه موجودا لذاته لأنه يريد ان يرى ذاته تتحقق بشكل

موضعي؛ فكيف يمكن ان تتمثل الذات نفسها؟)(2)

وللإجابة على هذا السؤال:

(يرى ديكارت ان الشك هو السبيل الوحيد الى اليقين، فهو الذي يجعلنا نحيط

بذواتنا؛ هكذا شك ديكارت بكل شيء بما في ذلك وجوده، فلم يستطع ان يقول إن

الجسم والنفس من خواص نفسه؛ لكن تأكد له بوضوح انه لا يستطيع ان يشك في انه يفكر، حيث ان التفكير هو الخاصية الوحيدة التي لازمت الذات منذ البداية،

اي بداية الشك.

فانطلاقاً من التفكير يمكن ان ندرك بصفة حدسية وجود الذات؛ هكذا استطاع

ديكارت ان يقول:

«أنا أفكر، إذاً أنا موجود .»

ص: 104


1- المصدر السابق.
2- الموسوعة الحرة – ويكيبيديا، الضمير الجمعي.

فالذات والتفكير متلازمان، فحينما تتوقف الذات عن التفكير تنقطع عن الوجود)(1) .

ويأتي برغسون Bergson برأي آخر لا يتفق مع رؤية البعض حول الوعي، فيقول:

(ليس الوعي لحظة شعورية مرتبطة بشيء معين، وإنما الوعي: هو إدراك للذات

والاشياء في ديموميتها، فالوعي انفتاح على الحاضر والماضي والمستقبل).

في حين كان (كانط) يميز بين الوعي بالذات والمعرفة، فهو يرى ان وعي الذات

لنفسها كوجود اخلاقي لا يعني بالضرورة وعينا المطلق للأشياء، لأننا نجهل

نومينات الاشياء في ذاتها، ومن ثم يظل وعينا بالأشياء وعياً سببياً.

أما (هوسرل) فيرى على خلاف ذلك أن الوعي دائماً قصدي، (وعي بشيء ما)

فقد يكون الوعي تخيلا او تذكراً، او تفكيراً منطقياً إلا انه يتجه دائماً صوب الشيء

المفكر فيه، ومن ثم فإن الوعي بالذات هو انفتاح على الذات من خلال قصدية

معينة، والوعي بالعالم هو وعي قصدي للعالم.

ويحاول (ميرلونبتي) ان يخرج الوعي من هذه النزعة الفينومينو لوجية الظاهراتية فيقول:

(إن الوعي هو الذي يمنح للعالم معاينته التي يتجلى بها، ان العالم كما هو في ذاته، فإن كل اتجاهاته وحركاته نسبية الشيء الذي يعني انه لا وجود لها فيه؛ فَالذات الواعية لا تستطيع هي كذلك أن تتمثل وعيها إلا بإسقاطها له في العالم.

ومن ثم فإن هناك علاقة جدلية بين الذات والعالم، فبدون الذات يصبح العالم

بدون ابعاد ولا جهات، وبدون العالم لا تستطيع الذات ان تتمثل كوجود متعال

من العالم؛ هكذا نتمكن من القول بأن الانسان لا يستطيع ان يمثل نفسه في غياب العالم دون ان يسقط في مذهب ال «أنا وحدي .»).

ص: 105


1- المصدر السابق.

لكن ما هو دور الآخر في الوعي بالذات؟

يرى سارتر: (إن الآخر هو الذي يجعلني أعي ذاتي، فأنا حين أكون لوحدي أُحيي

ذاتي ولا أُفكر فيها ولكن بمجرد أن أرفع بصري فأرى الآخر ينظر إلي، أخجل

من نفسي، لأنني أصبحت أنظر إلى نفسي بنظرة الآخر إلي، فالآخر هو الوسيط

الأساسي الذي يجعلني أجعل من ذاتي موضعاً للوعي)(1).

ونلاحظ في اقوال الفلاسفة حول مفهوم الوعي انهم يدورون حول امرين

اساسيين وهما (الذات) و (التفكير) ومن ثم لا يمكن ان يتحقق الوعي عند

الانسان بدون التفكير والمعرفة ولكنهم لم يحددوا طريق المعرفة هل هو فطري ام

اكتسابي ووسيلته التفكير.

من هنا: اختلفوا في حدود الوعي ونوعيته فقالوا في حدود الوعي:

1-قال (ماركس) في حدود الوعي ودرجاته والذي يرى إن (الوعي هو ذلك

البناء الفوقي الذي تتجلى فيه جميع الأنشطة الانسانية، ويرى انه لا نستطيع اطلاقاً ان نتمثل الوعي في معزل عن الأوضاع الاجتماعية وبالتالي علاقات الإنتاج.

فالناس يدخلون في علاقات إنتاج معينة خارجة عن إرادتهم، تولد عندهم

درجات متنوعة من الوعي.

ومن هذا المنطلق يقول ماركس: (ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم،

وانما وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم).

إلا أن ماركس لا يعتبر الوعي انعكاساً سلبياً للواقع لأنه يؤمن بوجود علاقة

جدلية فيما بينهما، فالوعي يمكنه أن يؤثر في الواقع؛ فإما ان يساهم في تغيير الواقع (الوعي الصحيح) وإما أن يساهم في تكريسه (الوعي الزائف).

ص: 106


1- معضلة الحداثة من منظور مقارن، للأستاذ الدكتور جهاد عودة: ص 206 - 207 .

أما (نتشيه) فيرى أن بالإمكان أن يعيش الإنسان حياته في استقلال عن الوعي

تماماً؛ لما كانت الحياة البشرية معرَّضة للهلاك بوصفها حياة يؤطرها الصراع من

أجل البقاء، اضطر الإنسان أن يعبر عن نفسه في كلمات؛ ومن ثم يكون نمو اللغة

ونمو الوعي متلازمين.

هكذا أختلف الإنسان لنفسه أوهاماً اصبحت تؤطر حياته وأضفى عليها صبغة

حقائق تقنن واقعه (كالواجب، والمسؤولية، والحرية....)، فالحقائق في العمق

ليست إلا أوهاماً منسية.

أما (فرويد) فينظر إلى حياتنا نظرة مخالفة تماماً؛ فالحياة الإنسانية عنده أشبه بجبل الجليد (ما يظهر منه أقل بكثير مما هو خفي)؛ ومن ثمة نكون مخطئين جدا إذا نسبنا كل سلوكياتنا إلى الوعي؛ لأن كل هذه الأفعال الواعية سوف تبقى غير متماسكة وغير قابلة للفهم إذا اضطررنا الى الزعم بأنه لابد أن ندرك بواسطة الوعي كل ما يجري فينا؛ فكثير من السلوكيات لا تفهم إلا إذا أرجعناها إلى الجانب الأساسي من حياتنا النفسية وهو اللّاشعور.

وكتمثل توفيقي نستطيع القول بأن الحياة الإنسانية حياة مركبة؛ حيث يلعب فيها

كل من الوعي واللّاشعور دوراً مركزياً فإذا كان اللّاشعور ضرورياً لتفسير كثير

من السلوكيات خصوصاً منها المنحرفة والمرضية والشاذة فإنه لا يجب أن ننسى

بأن الحياة الإنسانية حرية وإرادة ومسؤولية حيث يختار الإنسان كثيراً من سلوكياته بكامل الوعي)(1) .

إن هذا التباين في فهم (الوعي) من جهة وآثاره في الفرد والمجتمع من جهة ثانية وتداخله مع الشعور أو كما عبر عنه (فرويد) باللّاشعور كما في الأفعال الشاذة

ص: 107


1- ويكيبيديا - الموسوعة الحرة - (وعي).

التي تصدر عن الإنسان، أو تكريسها في المجتمع كما عند (ماركس) تبقى حلقة

الاحتياج إلى التفكير هي الأساس في التغيير ونقل الإنسان من مستوى إلى مستوى آخر حتى تلك التي أطلق عليها الفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع باللّاوعی او اللّاشعور كقيام الأُم بالدفاع عن ابنها الصغير وان كلفها ذلك الكثير من الخسائر وذلك لتصرفها بدون شعور أو اللّاوعي، ومن ثم دخول (الوعي) في دائرة جديدة خارجة عن نطاق التفكير بالأضرار التي ستصيب الأُم وهنا تدخل عملية الفطرة التي غابت عن الفلاسفة وعلماء النفس وأثرها في تحديد الأُسس التي يستقيم بها النظام الحياتي الذي سنهّ الله تعالى في خلقه.

ولذلك:

يقودنا النص إلى قصدية تغير الوقع الاجتماعي الذي عليه الشريحة الثانية وهم أهل زمان منتج النص في رفع مستوى الوعي الجمعي والفردي في التعامل مع الحرمات والمقدسات وهما هنا -موضع الدراسة- حرمة رسول الله وبضعته فاطمة وولديها (صلوات الله عليهم اجمعين)؛ ويتجلّی هذا الوعي في الأفراد حيناً وفي المجتمع حيناً آخر كما سيمر بيانه في المسألة القادمة.

المسألة الثانية: نماذج من تجلي قصدية منتج النص لدى المتلقي الثاني في بث روح الوعي الجمعي والفردي وإحياء صيانة الحرمات
اشارة

تظهر القوة الانجازية للنص في التفاعل معه من قبل المتلقي، فبه -أي بهذا المتلقي وتفاعله- تتجلى قصدية النص وقدرته على تحقيق ما ابتغاه منتج النص من جهة أو ما حققه النص من فاعلية في الفرد والمجتمع من جهة ثانية وإن كان منتج النص لم يبتغي بعض الآثار التي ترافق النص من قبيل التفاعل الذي يخرج عن السيطرة حتى من قبل المتلقي نفسه.

ص: 108

وعلى سبيل المثال ما حدث لهمام بن عباد بن خيثم حينما سمع الإمام علي (عليه السلام) يصف المتقين في الخطبة التي عرفت فيما بعد بخطبة المتقين.

فلما أنهى أمير المؤمنين (علیه السلام) كلامه )صحاح همام بن عباد صيحة فوقع مغشياً عليه، فحركوه فإذا هو فارق الدنيا؛ فغسله وصلى عليه أمير المؤمنين ومن معه)(1) .

ومن ثم نجد أن هذا المستوى العالي من التفاعل لم يكن في قصدية منتج النص ولم يكن هو مبتغاه بأن يفارق المتلقي الحياة وتزهق روحه متأثراً بالنص فيعكس بذلك آثار النص التفاعلية في الفرد والمجتمع ومستوى التأثر الكبير ليعكس صورة فريدة عن الوعي الّاشعوري وذلك لتعسر وصوله، اي همام بن عباد الى هذه الرتبة فيكون من المتلقين.

بَيد أن هذا المستوى من الوعي الفردي يتجلى في بعض النماذج التي تلقت النص -موضوع الدراسة- وعكست بتفاعلها حجم وعيها وشعورها الوجداني وفهمها

لمبتغى منتج النص وقصديته في التعامل مع ابني فاطمة(علیهم السلام) مستنةً بذلك بمنتج النص حينما جعل العلةّ والغاية في توليتهما هي هذه المرتكزات (ابتغاء وجه الله، وحرمة رسول الله (صلی الله علیه وآله)، ورضا فاطمة (عليها السلام) بهما).

فمما كان من هذه النماذج في زمانه وبعده من الأزمنة ما يلي:

أولاً: تحقق الوعي الفردي في شخصية عبد الله بن عباس وظهور قصدية منتج النص في التعامل مع ابني فاطمة (علیهم السّلام)

ينقل لنا عبد الله بن عباس صورة نقية عن مستوى تحقق غرض منتج النص (عليه

السلام) في تعظيم ابني فاطمة وصيانة حرمتهما ومن ثم يحقق هذا المشهد الذي سنورده عن حجم التلقي ومستوى الوعي والتفاعل مع النص.

ص: 109


1- معارج العلا في مناقب المرتضى للشيخ محمد صدر العالم، تحقيق السيد نبيل الحسني: ج 1 ص 266 .

فقد أخرج الخطيب البغدادي وابن الجوزي وغيرهما عن يحيى بن زياد بن منظور

في موقف جرى بين الفرّاء والمأمون العباسي وقد أستشهد بفعل ابن عباس في خلق حالة من الوعي في التعامل مع أهل الفضل والحرمات وذلك حينما قال للمأمون:

(يروى عن ابن عباس انه أمسك للحسن والحسين (عليهما السلام) ركبتيهما حين خرجا من عنده.

فقال له بعض من حضر:

أتمسك لهذين الحدثين ركبتيهما وأنت اسنُّ منهما؟

قال له:

أُسكت يا جاهل، لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذو الفضل)(1).

وقد عكس فعل عبد الله بن عباس تحقق مبتغى منتج النص في رفع مستوى الوعي بتعظيم ابني فاطمة(علیهم السلام) وحرمتهما عند الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) وهو ما كان يبتغيه منتج النص في الصل التولية، اي خلق هذا الوعي عند المتلقي سواء كانوا ابناءه ام اهل زمانه ام الازمنة التي تلت ذلك الزمان كما هو حال اصاحب الامام الحسين (علیه السلام) يوم عاشوراء، فقد عكسوا أجلى صور الوعي الجمعي في تحقق غرض منتج النص (علیه السلام) وكانوا اصدق حالة من حالات التفاعل والاستجابة لمقتضى النص وقصديته واعظمها اثراً في المجتمعات على مر العصور.

ص: 110


1- تاريخ بغداد للخطيب: ج 14 ص 155 ؛ المنتظم لابن الجوزي: ج 10 ص 179 ؛ وفيات الاعيان لابن خلكان: ج 6 ص 179 ؛ إنباه الرواة للقفطي: ج 4 ص 18 .

وذلك جاءت هذه الصور حية في ضمير الامة فأعادت لها الروح وفتحت الاذهان

لإعادة الاسس التي جاء بها الاسلام والتي بها يتم الحفاظ على هوية الامة وحفظها من الجاهلية والضلال والهلاك، وهو ما نجده متجلياً في تلك الكلمات والمواقف التي شهدتها ارض كربلاء ليلة العاشر من شهر محرم الحرام سنة احدى وستون هجرية وهو كما سنعرض له في ثانيا.

ثانياً: تحقق الوعي الجمعي وتجلّي قصدية منتج النص في المتلقي الثاني كما في ليلة عاشوراء

إنّ دراسة النص الشريف لا ينفك عنها الباحث دون التوسع وإن أراد حصرها

في مقتضيات القصدية والمقبولية في زمان منتج النص بلحاظ أنهم الشريحة الاولى المعنية بالخطاب.

إلّا أن ذلك لا يمكن العمل به لاسيما وإننا ندرس نصاً للمعصوم (علیه السلام)

الذي يقتضي الديمومية في الآثار بحكم الملازمة بينه وبين النص القرآني - كما ثبت في حديث الثقلين -.

بل- إن الوقائع الحياتية والتاريخية والعقُلاَئيِة اثبتت تحقق هذا المصداق في مختف

الازمنة، ومنها ليلة العاشر من المحرم ويومه وما تلاه والى يومنا هذا.

فقد تحقق غرض منتج النص في تغيير اتجاه الوعي عند كثير من المسلمين وفهموا معنى ان يقوم منتج النص في أمر التولية لهذه المرتكزات التي قامت عليها العقيدة وملازمتها لابني فاطمة(علیهم السلام) )وجه الله، وتعظيم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورضا فاطمة (صلوات الله عليها).

وهو ما نشهده في هذه المواقف الاتية:

ص: 111

فقد روى الشيخ الصدوق (ت 381 ه) وابن جرير الطبري (ت 310 ه) والشيخ

المفيد (ت 413 ه) وغيرهم:

إن الامام الحسين (علیه السلام) استمهل جيش الكوفة ليلة العاشر من محرم كي يدعو الله تعالى ويستغفره ويصلي له ويتلو كتاب الله تعالى وهو بذاك يقدم منهاجه في التهجد، وفي تلك الليلة جمع اصحابه واهل بيته فقام فيهم خطيباً، فقال:

«أثني على الله أحسن الثناء، وأحمده على السراء والضراء، اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة، فاجعلنا من الشاكرين.

أما بعد: فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خير من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا

أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا، ألا وإني لأظن أنه آخر(1) يوم لنا من هؤلاء، ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم مني ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا.

فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر: لم نفعل ذلك؟! لنبقى

بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبدا؛ بدأهم بهذا القول العباس بن علي رضوان الله عليه

واتبعته الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه؛ فقال الحسين عليه السلام: يا بني

عقيل، حسبكم من القتل بمسلم، فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم، قالوا: سبحان الله،

فما يقول الناس؟! يقولون إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا -خير الأعمام -

ولم نرم معهم بسهم، ولم نطعن معهم برمح، ولم نضرب معهم بسيف، ولا ندري ما صنعوا، لا والله ما نفعل ذلك، ولكن (تفديك أنفسنا وأموالنا وأهلونا)(2) ، ونقاتل

معك حتى نرد موردك، فقبح الله العيش بعدك.

ص: 112


1- في «ش » و «م »: لأظن يوما؛ وما أثبتناه من «ح »
2- كذا في «م » وهامش «ش »، وفي «ش »: (نفديك أنفسنا وأموالنا وأهلينا).

وقام إليه مسلم بن عوسجة فقال: أنخلي(1) عنك ولما نعذر إلى الله سبحانه في أداء حقك؟! أما والله حتى أطعن في صدورهم برمحي، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة، والله لا نخليك حتى يعلم الله أن قد حفظنا غيبة رسول الله(2) صلى الله عليه وآله فيك، والله لو علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق ثم أحيا ثم أذرى، يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا.

وقام زهير بن القين البجلي - رحمة الله عليه - فقال: والله لوددت أني قتلت ثم

نشرت ثم قتلت حتى أقتل هكذا ألف مرة، وأن الله تعالى يدفع بذلك القتل عن

نفسك، وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك.

وتكلم جماعة أصحابه(3) بكلام يشبه بعضه بعضا في وجه واحد، فجزاهم الحسين عليه السلام خيرا وانصرف إلى مضربه(4). (5).

إذن:

هذه المواقف والمشاهد المشرقة من الوعي الجمعي في تغلغل مبتغى منتج النص (علیه السلام) في ابتغاء وجه الله وقربة الى رسول الله (صلی الله علیه وآله) وتكريما لحرمته ورضا لفاطمة وتشريفاً لأبنيها(علیهم السلام).

ص: 113


1- في «م » وهامش «ش »: أنحن نخلي.
2- في هامش «ش »: رسوله.
3- في هامش «ش »: من أصحابه.
4- المضرب: الفسطاط أو الخيمة «القاموس المحيط - ضرب 1: 95».
5- الامالي للصدوق: ص 220 - 222 ؛ الارشاد للمفيد: ج 2 ص 91 - 93 ؛ مناقب آل ابي طالب (علیه السلام) لابن شهر: ج 3 ص 248 - 249 ؛ تاريخ الطبري: ج 4 ص 317 - 318 .

فكانت انموذجا صادقا عن تفاعل المتلقي الثاني وهم اهل زمانه بهذه الدرجة

من التضحية بالنفس والمال من اجل احراز رضا الله ورسوله (صلی الله علیه وآله)

ورضا بضعته النبوية (علیه السلام).

وان هذه التضحيات لم تكن لتقع لو كانت رموز الامة من اهل السابقة الى

الاسلام والذين اتبعوهم من المسلمين قد حفظوا الله ورسوله (صلی الله علیه وآله) في عترته أهل بيته؛ وهي حقيقة تجلت لدى العقلاء والمفكرين والباحثين والمتلقين لهذا النص لاسيما الانموذج الثالث وهو ابن ابي الحديد المعتزلي الذي صرّح بهذه الحقيقة وان كانت مرةّ لايستسيغها كثير من المسلمين الذين انقادوا لثقافة السقيفة وساروا بمقتضيات البقاء على الخلافة، وهذا ما سنعرض له في المبحث القادم.

ص: 114

المبحث الثالث: تفاعل ابن أبي الحديد مع النص، وبيان المقبولية لدى المتلقي الثالث

اشارة

ص: 115

ص: 116

يعد ابن ابي الحديد المعتزلي انموذجا جديدا من المتلقين للنص الشريف وله مميزاته التي جعلت منه موضع اهتمام وعناية وذلك لاختلافه مع بقية الشرائح الاخرى -موضع الدراسة- في الثقافة والمعطيات العقدية التي اتخذت من الفكر الاعتزالي منطلقاً وقاعدة تستند اليها الحوادث والوقائع التاريخية والمتبنيات الفكرية التي تتقاطع مع نفس منهاج منتج النص وهويته الفكرية والايمانية لاسيما في عقيدة التوحيد والنبوة والامامة.

وهو ما سيتجلى من خلال مقبوليته للنص الشريف وهو كالآتي:

فقد قال شارحاً ومظهراً لتأثره وقبوله لما جاء في قول منتج النص (علیه السلام):

«واني انما جعلت القيام بذلك الى ابني فاطمة.... »

متسائلاً ومجيباً على السؤال فقال:

(ثم بين لماذا خصهما بالولاية؟

فقال: إنما فعلت ذلك لشرفهما برسول الله (صلی الله علیه وآله)، فتقربت إلى

رسول الله (صلی الله علیه وآله) بأن جعلت لسبطيه هذه الرياسة، وفي هذا رمز

وإزراء بمن صرف الامر عن أهل بيت رسول الله (صلی الله علیه وآله)، مع وجود

من يصلح للأمر، أي كان الأليق بالمسلمين والأولى أن يجعلوا الرياسة بعده لأهله

قربة إلى رسول الله (صلی الله علیه وآله)، وتكريما لحرمته، وطاعة له، وأنفة لقدره، (صلی الله علیه وآله) أن تكون ورثته سوقة، يليهم الأجانب، ومن ليس من شجرته

ص: 117

وأصله؛ ألا ترى أن هيبة الرسالة والنبوة في صدور الناس أعظم إذا كان السلطان

والحاكم في الخلق من بيت النبوة، وليس يوجد مثل هذه الهيبة والجلال في نفوس الناس للنبوة إذا كان السلطان الأعظم بعيد النسب من صاحب الدعوة)(1) .

وعليه: يتضح من خلال هذا النص أن ابن أبي الحديد قد فهم و وعى قصدية منتج

النص (علیه السلام) في هذه التولية، فضلا عن ذلك فقد اظهر تفاعله مع النص جوانباً اخرى أرتبطت بالخلافة والصحابة، وهذا ما سنتناوله في مسائل البحث، وهي كالآتي:

المسألة الاولى: تحميل الصحابة مسؤولية دفع اهل البيت (علیهم السّلام) عن موقع الرياسة والخلافة
اشارة

قد فهم ابن ابي الحديد قصدية منتج النص (علیه السلام) من منظور آخر، هذا

المنظور يرتكز على احاطته بالتراث الاسلامي ومجريات الاحداث التي أعقبت

وفاة رسول الله (صلی الله علیه وآله)؛ فقصدية تحميل الصحابة مسؤولية دفع أهل

البيت(علیهم السلام) عن مكانتهم في الخلافة لم ترشد إليها دلالة الالفاظ ومعاني المفردات ولا السياق العام للنص الشريف.

وهو ما يعزز نظرية خروج النص عن قصدية منتجه ونقله قصديات اخرى يكتنزها النص الى المتلقين، فبقدر ما يتحلى المتلقي والقارئ بالوعي والقدرة على

الفهم والاستيعاب والادراك للإشارات والايحاءات والمعاني والدلالات، تكون

قدرته في اكتشاف قصديات جديدة ليست بالضرورة أن تكون هي مقصد منتج

النص وغرضه فيها.

وما تفاعل معه ابن ابي الحديد هو واحد من هذه الحقائق المرتبطة بالنص، وقد

جاء ذلك في قوله:

ص: 118


1- شرح نهج البلاغة: ج 15 ص 14 .

(وفي هذا رمز وأزراء بمن صرف الأمر عن أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه

وآله)، مع وجود من يصلح للأمر؛ اي كان الألْیَق بالمسلمين والأَولى ان يجعلوا

الرياسة بعده لأهله)(1).

وهنا في هذا التفاعل مع النص ثمت اسئلة اثارها كلام ابن ابي الحديد المعتزلي،

وهي:

1-هذا (الازراء) لمن، وبمن؟

جوابه عند المعتزلي بقوله: (بمن صرف الامر عن اهل بيت رسول الله صلى الله

عليه وآله وسلم).

2- ومن هو الذي صرف الامر عن اهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله

وسلم)؟

يجيب ابن ابي الحديد على هذا التساؤل الذي يفرضه النص بغية الوصول الى فهم

المتلقي لقصدية منتج النص (علیه السلام) وهو اصل معيار المقبولية -كما لا يخفى على اهل البحث في لسنيات الخطاب- ولذا:

يجيب المعتزلي:

(اي كان لا يليق بالمسلمين والاولى ان يجعلوا الرياسة بعده لأهله).

3- فمن هؤلاء المسلمين الذين كان أليق لهم وأولى ان يجعلوا الرياسة بعد رسول

الله (صلی الله علیه وآله) لأهله؟

ص: 119


1- شرح نهج البلاغة: ج 15 ص 149 .

جوابه مخفي عن ظاهر النص، لكن بحسب نظرية الأفعال الكلامية فأن ابن أبي

الحديد المعتزلي له مقصدية في الاخبار عن وجود خلل في تولي الخلافة بعد رسول الله (صلی الله علیه وآله) هذا من جهة، ومن جهة اخرى تحميل الصحابة هذا الخلل الذي وقع في الامة بعد رسول الله (صلی الله علیه وآله)؛ وهو كما يلي:

أولاً: اخبار المعتزلي بوجود خلل في تولي منصب الخلافة بعد رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وبطلان نظرية نفي الوصية
اشارة

تظهر مقبولية النص عند ابي الحديد ان اصل الخلل الذي وقع بعد وفاة رسول الله

(صلی الله علیه وآله) يكمن في تولي منصب الخلافة، وذلك يعتمد على امرين اساسيين:

الأمر الأول - نقض نظرية ترك الوصية من الاصل

إنّ الثابت في عقيدة ابناء العامة وكذلك الحال عند المعتزلة بان النبي (صلى الله

عليه وآله) لم يوص لعلي (علیه السلام) بالخلافة من بعده؛ بل ان اصل الوصية

لم يقع فهو بزعمهم لم يوص لأحد من بعده، وقد احتج علماء الامامية (أعلى الله

شأنهم) بحديث الموالاة وبيعة الغدير وغيرها من النصوص؛ بل القطع عندهم

بصدور الوصية منه (صلی الله علیه وآله) لعلي بالخلافة والوصاية.

وذهب ابناء العامة وعلمائهم الى ان النبي (صلی الله علیه وآله) قد اوصى بشكل غير مباشر بالخلافة الى ابي بكر من خلال الصلاة الاخيرة التي صلاها ابو بكر في المسلمين ايام مرض النبي (صلی الله علیه وآله)، وهي حجة لم تثبت عند ابناء العامة انفسهم)(1) .

ص: 120


1- لمزيد من الاطلاع ينظر كتاب (وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وموضع قبره وروضته) للمؤلف.

وذهب المعتزلة -كما مرَّ بيانه- الى عدم وجود نص عند علي (علیه السلام)، ولو

وجد لكان قد اظهره للمسلمين؛ وقد مرَّ النقاش في المسألة سابقاً في الباب الاول من الكتاب.

وعليه:

كيف ينطلق ابن ابي الحديد المعتزلي من وصية الامام (علیه السلام) في امواله

وجعل التولية لابني فاطمة(علیهم السلام) في نقض فعل المسلمين في توليتهم

لغير اهل بيت النبوة.

بمعنى:

اذا كان اصل التولية لابني فاطمة(علیهم السلام) جاء من خلال النص والوصية

التي كتبها الامام علي (علیه السلام) بيده فكيف يصح الاحتجاج بهذا الفعل واتخاذه حجة ودليلاً على تخطئة فعل المسلمين بعد وفاة رسول الله (صلی الله علیه وآله)؟

وجوابه يتضح كما يلي في الامر الثاني.

الامر الثاني - إن المسلمين خالفوا وصية النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وعصوه متعمدين

يتضح من ذلك إن أمر الوصية قد وقع من النبي (صلی الله علیه وآله) مثلما وقع

من علي أمير المؤمنين (علیه السلام)، وأن النبي قد أوصى لعلي مثلما أوصى أمير المؤمنين لأبني فاطمة(علیهم السلام).

إلا أن المستأثرون بالسلطة والطامحون للخلافة قد ادعوا ظلما وبهتاناً وزورا أن

النبي (صلی الله علیه وآله) لم يوص لعلي (علیه السلام) من بعده، فعمدوا الى

السقيفة متسارعين والى الملك والامارة متحاملين، يهدد بعضهم بعضاً.

ص: 121

فهذا الصحابي البدري الانصاري حباب بن المنذر ينادي في اهل السقيفة من

الانصار والمهاجرين وموجها خطابه لابي بكر وعمر:

(منّا أمير ومنكم أمير، فإن عمل المهاجري في الأنصاري شيئاً ردّ عليه، وإن عمل

الأنصاري في المهاجري شيئاً رد عليه، وإن لم تفعلوا فأنا جذيلها المحكّك وعُذيقها

المرجّب، انا ابو شبل في عرينة الاسد، والله لإن شأتهم لنعيدنّها جذعة)(1).

ليقابله تهديد اخر وهذه المرة من رأس الفريق المعاكس وهم المهاجرون وبنیرة أشد حدة فيقول ابو بكر لسيد الانصار سعد بن عبادة مهدداً له بالقتل لو بايعه اثنان، قائلا:

«لإن اجتمع اليك مثلها رجلان لقتلناك »(2)

ثم لينتهي الامر بقول عمر بن الخطاب للأنصار بعد ان خذلوا سيدهم سعد بن

عبادة فهبوا لبيعة ابي بكر وقد )ازدحموا على ابي بكر، فقالت الانصار:

قتلتم سعداً؟؟

فقال عمر:

اقتلوه، قتله الله، فإنه صاحب فتنة)(3) .

اذن: هي الفتنة التي اوقعها هؤلاء المجتمعون في السقيفة، فأي واحد منهم لو

حكم كان قد تولى منصبا ليس من حقه، وذلك أن الأمر لا ينحصر في سيد الانصار

ص: 122


1- تاريخ الطبري: ج 3 ص 221 ؛ الامامة والسياسة لابن قتيبة: ج 1 ص 5- 6؛ العقد الفريد لابن ربه الاندلسي: ج 4 ص 25 ط/ دار الكتاب العربي؛ مروج الذهب للمسعودي: ج 2 ص 312 ط/ دار القلم.
2- المنتظم لابن الجوزي: ج 4 ص 68 ط/ دار الكتب العلمية.
3- العقد الفريد للاندلسي: ج 4 ص 257 ط/ دار الكتب العلمية.

سعد بن عبادة كما أدعى عمر بن الخطاب بأنه صاحب فتنة، وانما الفتنة في مخالفة الوصية ومعصية رسول الله (صلی الله علیه وآله).

وإلّا فكيف تنحصر الفتنة بسعد بن عبادة دون غيره ممن اجتمع في السقيفة وكلهم من المكانة ما لا يخفى، وكلهم يدعي الاهلية لهذا المنصب، وما هو الفرق لو تولى الأمر سعد بن عبادة بدلا عن ابي بكر مالم يكن الفرق هو مخالفة وصية رسول الله (صلی الله علیه وآله) في تولي علي (علیه السلام) للخلافة؟!!.

ثانياً: اخبار المعتزلي لحقيقة تعمُّد الصحابة إبعاد أهل البيت عن الخلافة

يتجنب ابن ابي الحديد ايراد لفظ (الصحابة) في تفكيكه للنص الشريف وتفاعله

مع فعل الامام علي (علیه السلام) في جعل التولية والوصية في ابني فاطمة (عليهم السلام) فينسب فعل ابعاد اهل البيت(علیهم السلام) عن خلافة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى المسلمين جميعا كما جاء بقوله:

(كان الاليق بالمسلمين والاولى ان يجعلوا الرياسة...).

وإستعارته للفظ (المسلمين) بديلاً وعوضاً عن لفظ (الصحابة) يفرض جملة من

الاسباب، منها:

1- تجنباً من الوقوع في المشاكل والمتاعب التي قد تصل الى حد التكفير والقتل كما هو شأن كثير من اصحاب المصالح والاغراض والامراض القلبية كما اخبر القرآن

عنهم بقوله تعالى:

«قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ »(1).

ص: 123


1- سورة الحجرات، الآية ( 14 ).

2- الخشية من اتهامه بالرفض لاسيما وان جذوره الفكرية كانت شيعية ورافضية

ثم عدل من الرفض الى الاعتزال؛ ومن ثم لا يختلف الامر عن عنوان التعرض لمقام

الصحابة او الرفض، فالنتيجة واحدة عند كثير من المدارس الفكرية في الاسلام.

3-إنّ ذلك سيقود الى التساؤل وبث الظنون من حوله بتركه عقيدة الاعتزال

التي ترى صحة ما وقع في السقيفة وان البيعة التي تمت هي بيعة شرعية صحيحة.

كيف يصح الاعتقاد بشرعية السقيفة وصحة البيعة لأبي بكر وعمر وعثمان

والنتيجة فاسدة من هذه البيعة كما يقر ابن ابي الحديد المعتزلي هنا بقوله:

(والأولى أن يجعلوا الرياسة بعده لأهله قربة إلى رسول الله (صلی الله علیه وآله)،

وتكريما لحرمته، وطاعة له، وأنفة لقدره، (صلی الله علیه وآله) أن تكون ورثته

سوقة، يليهم الأجانب، ومن ليس من شجرته وأصله).

ونلاحظ هنا تصريحه بأمور هي في غاية الاهمية:

1-إن أبعاد أهل البيت(علیهم السلام) عن الخلافة تسبب في الابتعاد عن رسول

الله (صلی الله علیه وآله) وهو خلاف القرب منه وضده، وهو ما قصده ب «قربة الى

رسول الله (صلی الله علیه وآله) .»

2- انتهاك حرمة رسول الله (صلی الله علیه وآله)، وهو ما قصده بقوله «وتكريماً لحرمته .»

3- معصية رسول الله (صلی الله علیه وآله)؛ وهذا ما قصده بقوله: «وطاعة له »، وهذا يكشف عن اقراره -اي: ابن ابي الحديد- بوجود وصية لرسول الله (صلی الله علیه وآله) تأمر المسلمين جميعاً بالموالاة لعلي فهو الخليفة عليهم من بعده (صلی الله علیه وآله).

ص: 124

وإلا لا يمكن ان يتحقق أمر (الطاعة) مالم يكن هناك امر وتكليف صادر عن

النبي (صلی الله علیه وآله) بموالاتهم لعلي واخذ البيعة منهم، والا بخلاف ذلك،

اي بخلاف وجود نص من النبي (صلی الله علیه وآله) كيف يطيع الانسان مالم يكن

هناك أمر وتكليف شرعي.

4-إن الذين جلسوا في منصب الرياسة والخلافة هم اصناف يأنف منهم منصب

خلافة رسول الله (صلی الله علیه وآله)؛ وهؤلاء ثلاثة اصناف:

الصنف الاول: السوقة.

الصنف الثاني: الأجانب.

الصنف الثالث: ليسوا من اصله وشجرته.

ومن ثم فهذه المقبولية والتفاعل الذي اظهره ابن ابي الحديد المعتزلي قد استنطقته بحقائق مهمة وخطيرة وكشفت عن روح الحركة التواصلية بين منتج النص (عليه السلام) والمتلقي؛ فقد اعطى بفعل هذا التفاعل والتأثر مالم يكن ليطالب به منتج النص فيما لو افترضنا بأنه قد وجه خطابه الى المعتزلي مباشرةً وهذا يكشف عن قوة النص وانسجامه وتماسكه وتأثيره في وجدان المتلقي وعلى اختلاف الازمنة كما سيمر لاحقا في المبحث القادم.

المسألة الثانية: اقراره بأن صلاح الأمور لا يكون إلاّ بالعترة النبوية (علیهم السّلام)
اشارة

ينتزع النص بسياقه وسبكه في طرح الدلالات والقصديات حقيقة اخرى من المتلقي يظهر فيها قناعته في مجريات الاحداث التي وقعت في الامة، كاشفاً عن اصل قصدية النص وروحه في ايصال حقيقة صلاح الأمة التي تكمن بتولي اهل البيت (عليهم السلام) لقيادتها ورياستها وامامتها، مستندا في ذلك الى هيبة الرسالة والنبوة.

ص: 125

وهو امر يلازم بواقع الحال مقتضيات المنصب، اي الرياسة والخلافة معرّضاً في

نفس الوقت بهؤلاء الذين جلسوا دون استحقاق في هذا المنصب؛ فضلاً عن بيانه

لفشل هذه الرياسات والخلافات التي توالت في قيادة الامة بعد رسول الله (صلى

الله عليه وآله) مستعيراً عن كثير من المصطلحات الادارية والسياسية بلفظ (الهيبة) في صدور الناس كما جاء ذلك جليا في قوله:

(ألا ترى ان هيبة الرسالة والنبوة في صدور الناس اعظم اذا كان السلطان والحاكم في الخلق من بيت النبوة، وليس يوجد مثل هذه الهيبة والجلال في نفوس الناس للنبوة اذا كان السلطان الاعظم بعيد النسب من صاحب الدعوة (صلی الله علیه وآله).

والقول يرشد الى قصدية جديدة عند ابن أبي الحديد المعتزلي، وهي كما يلي:

أولاً: إنَّ الاصلاح يبدأ بالقيادة والخلافة
اشارة

يوعز المعتزلي انحراف الناس عن قياداتها بعد وفاة رسول الله (صلی الله علیه وآله) الى جلوس السوقة والاجانب والذين ليسوا من اصله وشجرته (صلى الله عليه وآله) في مجلس الخلافة وذلك يفرز امرين:

الأمر الأول - حصول العلم اليقيني عند الناس باغتصاب الخلافة

لقد علم الناس بأن هؤلاء السوقة والاجانب قد تصدوا لأمر هو ليس من حقهم،

واغتصبوا الامر من اهله فتمردوا على السلطة والخلافة على مر الازمنة منذ بيعة

السقيفة والى آخر يوم من عمر هذه الخلافة.

وما وقوع حروب (الردّة) كما أسماها المؤرخون في مواجهة أبي بكر وقتل مالك

بن النويرة وقومه؛ او نفور الناس من عمر ودرته التي كانت تعلو رؤوس الصحابة

وحبسه لهم في مكة والمدينة، وفرض الاقامة الجبرية عليهم، ومنعهم من كتابة

العلم، والتحديث بالسنة، ورواية احاديث رسول الله (صلی الله علیه وآله)، وحرمة

الاحاديث النبوية وغيرها من الاعمال.

ص: 126

أو انتفاضة الصحابة والتابعين على عثمان بن عفان وقتله في داره؛ فما هي الا مظاهر متعددة لعلم الناس باغتصاب هؤلاء السوقة لمنصب الخلافة والرياسة، فلم يهابوهم ولم تعظم خلافتهم في نفوسهم سواء نفذ ابو بكر تهديده فيهم بقوله:

(فإذا غضبت فاجتنبوني، لا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم).

أو سواء علتهم درة عمر بن الخطاب وحبسه لهم.

أو سواء علاهم سوط عثمان بن عفان كما حدث لعمّار بن ياسر (رضوان الله عليه)،

نفيه من المدينة وتهجيره القصري مجرداً من ابسط لوازم حياته، فقد صودرت هذه

المستحقات الحياتية وان بخس ثمنها كما هو حال ابي ذر الغفاري (رضوان الله

عليه)، فهؤلاء وغيرهم قد علموا حقيقة هذه الخلافة والرياسة فكيف تكون لهم

هيبة في نفوس الناس.

الأمر الثاني - استحقاق اهل البيت لقيادة الامة والخلافة عليهم

ان الناس سواء في زمان منتج النص (علیه السلام) اي الامام علي او في غيره من الازمنة توقن ان امر الامة لا ينصلح الا بوجود قيادة ورياسة وخلافة وسلطان يتولاه اهل بيت النبوة ليس من لحاظ ان الله تعالى جعل لهم هيبة الانبياء(علیهم السلام) في النفوس، وانما لكونهم أصل النبوة وشجرتها وعزتها ونورها ومعدن علمها.

وذلك ان الخلافة لا تحتاج الى الهيبة في نفس الناس فينقادون لأوامر السلطة والخلافة.

وانما هي نظام إدارة الدولة بعنصريها وهما (الراعي والرعية) وإلّا ما هو دور الهيبة

في معالجة الادارة والسياسة والاقتصاد وشؤون الناس وحياتهم الدنيوية والآخروية.

ص: 127

ولذلك:

لم يشأ المعتزلي ان يفضح علناً عن هذه المقتضيات الملازمة للخلافة والرياسة

وقيادة الامة كما كان الحال في زمن رسول الله (صلی الله علیه وآله) فاستعار عنها بلفظ الهيبة التي لازمها بلفظ (النبوة والرسالة) وهو مالم يتحقق وجوده إلا في اهل بيت النبوة(علیهم السلام) وان المقصود من ذلك هو الامام علي (علیه السلام) كما سيمر في ثانياً.

ثانياً: قصدية المتلقي بانحصار صلاح الخلافة بعلي (علیه السّلام)

يختم المتلقي بيانه في التفاعل مع النص الشريف وتفكيكه لخفاياه وفهمه امر جعل التولية لابني فاطمة(علیهم السلام) بانحصار صلاح الخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالإمام علي (علیه السلام) وذلك لجملة من الامور:

الأمر أول- ان المرتكزات التي اعتمدها الامام علي (علیه السلام) في جعل

التولية من بعده لابني فاطمة(علیهم السلام) هي مجتمعة ومتحققة فيه (علیه السلام).

فهو محرز للقرب من رسول الله (صلی الله علیه وآله) وفيه حرمة النبي ورضاه،

ومن ثم فهو الاحق بالتولية والخلافة.

الأمر الثاني- احرازه لهيبة الرسالة والنبوة في دلالتها الظاهرة -كما اسلفنا- او

في دلالتها المضمرة، اي لوازم النبوة في قيادة الامة من الاحاطة للشريعة والادارة

والسياسة والاقتصاد وغيرها، وبذلك يستقيم امر الخلافة والرعية.

الأمر الثالث- تعظيم الناس له ومهابته وتوقيره وهي حقيقة تواتر ذكرها ووقوعها

بين الناس الذين صحبوه أو رأوه؛ وفي وصف مهابته يقول صعصعة بن صوحان،

وغيره من شيعته واصحابه:

ص: 128

(كان فينا كأحدنا، لين جانب، وشدة تواضع، وسهولة قياد، وكنا نهابه مهابة

الأسير المربوط للسياف الواقف على رأسه)(1) ، ويقول فيه ضرار الصائدي بعد سؤال معاوية بن أبي سفيان، قائلاً له: (صف لي عليا).

قال: أعفني.

قال: لتصفنه.

قال: (أما إذا لا بد من وصفه، فكان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا

ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من

الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل ووحشته، وكان والله غزير العبرة طويل الفكرة،

يقلب كفه ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما خشن، كان

فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه وينبئنا إذا استنبأناه، ونحن مع تقريبه إيانا وقربه منا لا

نكاد نكلمه لهيبته ولا نبتدئه لعظمته، يعظم أهل الدين ويحب المساكين، لا يطمع

القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله، وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه

وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين، ويقول:

يا دنيا غري غيري إلى تعرضت أم إلي تشوقت هيهات هيهات قد باينتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك قصير وخطرك حقير، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق)(2) .

الامر الرابع- انحصار هذه الهيبة النبوية فيه وذلك ان جميع من جلس مجلس

الخلافة هم ليسوا من شجرة النبوة واصلها وهو ما قصده ابن ابي الحديد في قوله:

ص: 129


1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 1 ص 25 ؛ بحار الانوار: ج 41 ص 147 .
2- امالي القالي: ج 2 ص 149 ؛ الجوهرة للبري: ص 75 ؛ شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 18 ص 225 .

(وليس يوجد مثل هذه الهيبة والجلال في نفوس الناس للنبوة إذا كان السلطان

الأعظم بعيد النسب من صاحب الدعوة صلى الله عليه وآله وسلم).

وعليه: فقد استعاض عن لفظ الخلافة (السلطان الاعظم)، ومن ثم فهذه المقبولية

اراد منها المتلقي بيان حقيقة هذه التولية وقصدية سياق النص في ارسال رسالة الى المسلمين كافة تشتمل على بيان الخلل الذي وقع بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وإن الاصلاح في الأمة لا يتم الا بإرجاع الحق الى أهله وذلك بأتباع منهج العترة

النبوية وهديها والاستنان بسنتها التي لا تفترق مع القرآن حتى يلاقيهما رسول الله (صلی الله علیه وآله) عند الحوض يوم القيامة.

وهو امر تسالم عند اهل الايمان والفضل والعلم فقد عكس النص اثاره التفاعلية

على المتلقي الرابع وهو حبيب الله الخوئي الذي تبنى مقاصدية ابن ابي الحديد المعتزلي فيما مرَّ بيانه مضيفاً لما اورده المعتزلي اظهار قصدية النص في امر التولية، وخالص عنايته بالحسن والحسين (عليهما السلام)؛ وهذا ما سنعرض له في المبحث القادم.

ص: 130

المبحث الرابع: مقبولية النص عند حبيب الله الخوئي(رحمه الله)

اشارة

ص: 131

ص: 132

مقبولية النص عند حبيب الله الخوئي (رحمه الله) (ت 1324 ه)
اشارة

لقد اظهر السيد حبيب الله الهاشمي الخوئي تفاعله مع النص ساعياً الى الوقوف

عند مقاصدية منتج النص في امر التولية بفعل ما احدثته الافعال الكلامية المباشرة

من قوة إنجازية في التأكيد على حرمة الحسن والحسين (عليهما السلام) ووجوب

صيانة هذه الحرمة وتوقيرهما والدفاع عنهما وجعلهما في الموضع الذي جعل الله لهما؛ مستنداً في ذلك على فعل منتج النص وقوله في امر التولية.

اي: لينقل المتلقي في عرضه لمقبولية النص من التأكيد على هذه الحدود الشرعية والعقيدة الى الايقاع في امر التولية بغية استنان الناس بهذه السنة في حياتهم واعمالهم.

ولذا:

سنورد قوله فيما يتعلق بموضع الدراسة، اي: امر التولية لابني فاطمة (عليهم

السلام) الذي ورد في النص ثم نحلل ما جاء فيه بغية الوصول الى قصدية المتلقي

في تفاعله وتأثره مع النص.

المسألة الاولى: انسجام المقبولية بين حبيب الله الخوئي والمعتزلي

للوقوف على هذه الحالة الانسجامية في المقبولية عند المتلقي الرابع، اي حبيب الله الخوئي فلابد اولا من عرض هذا التفاعل مع النص، فقد جاء في شرحه للنهج في هذا الموضع:

ص: 133

(قوله -عليه السلام-:

«وان لابني فاطمة من صدقة علي.... .»

يعني: انهم فيها شرع واحد، لا تختص ببعض دون بعض ولا مزيةّ لابني فاطمة في

منافعها على غيرهما نعم إنمّا جعلت القيام بذلك أي من يتولَّی أمرها ويتصدّي عليها إليهما بتلك الوجوه الأربعة من ابتغاء وجه اللهَّ -إلخ، أو المراد منه دفع التوهّم المتقدّم.

قال الشارح المعتزلي: ثمّ بیّن لماذا خصّهما بالولاية فقال: إنمّا فعلت ذلك بشرفهما برسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) فتقرّبت إلى رسول ا لله بأن جعلت لسبطيه هذه الرّياسة وفي هذا رمز وإزراء بمن صرف الأمر عن أهل بيت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) مع وجود من يصلح للأمر أي كان الأليق بالمسلمين والأولىّ أن يجعلوا الرّياسة بعده لأهله قرابة إلى رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )، وتكريما لحرمته وطاعة له وأنفة لقدره (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) أن تكون ورثته سوقة يليهم الأجانب ومن ليس من شجرته وأصله، ألا ترى أنّ هيبة الرسالة والنبوّة في صدور الناّس أعظم إذا كان السلطان والحاكم في الخلق من بيت النبوّة، وليس يوجد مثل هذه الهيبة والجلال

في نفوس النّاس للنبوّة إذا كان السلطان الأعظم بعيد النسب من صاحب الدّعوة

عليه السّلام، انتهى، ونعم ما قال.

وكان لأمير المؤمنين عليه السّلام فيهما شأن خاصّ وقصد تامّ ومزيد اهتمام وزيادة

عناية يخصّهما بها دون سائر بنيه تشريفا لوصلة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وتنبيها واعلاما بمقامهما الشامخ ومنزلتهما السامية حتّى أنّه عليه السّلام كان يضنّ بهما على الحرب والقتال لئلَّا ينقطع نسل رسول ا لله(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )من هذه الامّة فإنّ نسله من الحسن والحسين وتسعة من أولاد الحسين بعد أبيهم أبي الأئمّة عليّ

ص: 134

عليه السّلام هم حجج الله تعالى واحدا بعد واحد على عباده ولم تخل الأرض من

حجّة لله على عباده قطَّ ولا يخرج الحجّة من بيت النبوّة قطّ، وقد روى نصر بن

مزاحم في أواخر صفّين عن عبد الرحمّن بن جندب قال: لما أقبل علي عليه السّلام من صفّين أقبلنا معه فأخذ طريقا غير طريقنا الَّذي أقبلنا فيه، ثم أخذ بنا طريق البرّ على شاطئ الفرات حتّى انتهينا إلى هيت وأخذنا على صندودا فبات بها ثمّ غدا وأقبلنا معه حتّى جزنا النخيلة ورأينا بيوت الكوفة-إلى أن قال: ثمّ مضى غير بعيد فلقيه عبدالله بن وديعة الأنصاري فدنى منه وسأله فقال: ما سمعت النّاس يقولون في أمرنا هذا قال: منهم المعجب به، ومنهم الكاره له والنّاس كما قال ا لله تعالى: «وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ » فقال له: فما يقول ذوو الرأي، قال: يقولون: إن عليّا كان له جمع عظيم ففرّقه، وحصن حصين فهدمه وحتّى متى يبنى مثل ما قد هدم، وحتّى متى يجمع مثل ما قد فرّق فلو أنّه كان مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فقاتل حتّى يظهره الله أو يهلك إذا كان ذلك هو الحزم.

فقال عليّ عليه السّلام: أنا هدمت أم هم هدموا أم أنا فرقّت أم هم فرّقوا وأمّا

قولهم: لو أنّه مضى بمن أطاعه إذ عصاه من عصاه فقاتل حتّى يظفر أو يهلك إذا

كان هو الحزم، فو الله ما غفلت عن ذلك الرأي وإن كنت سخي النفس بالدّنيا

طيّب النفس بالموت ولقد هممت بالإقدام فنظرت إلى هذين قد استقدماني فعلمت أنّ هذين إن هلكا انقطع نسل محمّد (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) من هذه الامةّ فكرهت ذلك وأشفقت على هذين أن يهلكا ولو علمت أن هؤلاء مكاني لم يستقد ما -يعني بذلك ابنيه الحسن والحسين- وأيم ا لله لئن لقيتهم بعد يومي لقيتهم وليس هما معي في عسكر ولا دا)(1).

ص: 135


1- منهاج البراعة: ج 8 ص 372 .

ويمكن ملاحظة هذا الانسجام والتأكيد لماذا ذهب اليه المعتزلي في اظهار قصدية

منتج النص بفعل هذا البيان الذي اورده في شرحه للنص الشريف.

فبعد ان اورد المعتزلي عقب عليه قائلاً:

(ونعم ما قال).

اي ان النتائج التي مر بيانها انفا في المبحث السابق هي نفسها تنطبق على المتلقي الرابع فقد دلَّ الفعل الكلامي في قوله (ونعم ما قال) عن القوة الانجازية في حدوث التأييد التام لما اورده ابن ابي الحديد من مقبولية للنص الشريف.

فضلا عن ذلك فقد اظهرت المقبولية عن كاشفية جديدة لم يتطرق اليها المعتزلي

فوجد حبيب الله الخوئي فرصة ليظهر تفاعله مع النص بنحو آخر يظهر فيه قصدية

منتج النص في التعامل مع ابني فاطمة(علیهم السلام) وهو ما سنعرض له في

المسألة القادمة.

المسألة الثانية: فهم المتلقي لقصدية منتج النص في ملازمة حرمتهما لحرمة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) وبيان قصدية حفظ هذه الحرمة

يمتاز تفاعل المتلقي هنا عن غيره في التركيز على اظهار قصدية منتج النص في

دلالة الحرمة -كما مرَّ بيانه في الباب الاول من هذا الفصل-، فقد بين المتلقي هنا ان قصدية الحرمة ترتكز على كونهما حجتا الله في خلقه وان هذه الحرمة لا تنفك عن حرمة الشريعة، اي حرمة الله ورسوله (صلی الله علیه وآله) وانبيائه ورسله (عليهم السلام).

وان حفظ هذه الحرمة يقصد به عدم خلو الارض من حجة كما جاء في الحديث

الذي اخرجه ابن فروخ الصفار عن الإمام أبي الحسن الرضا (علیه السلام) حينما

سأله سليمان الجعفري قائلاً:

ص: 136

(قلت: تخلو الارض من حجة ا لله؟

قال: «لو خلت الارض طرفة عين من حجة لساخت بأهلها »)(1).

فهذه قصدية منتج النص في اصل التولية، وهذا غرضه في التعامل مع الحسن

والحسين (عليهما السلام) طيلة حياته الشريفة، وهو ما فهمه حبيب الله الخوئي من تلقيه لهذا النص، فقال:

(وكان لأمير المؤمنين فيهما شأناً خاصاً، وقصداً تام، ومزيد اهتمام، وزيادة عناية

يخصهما بها دون سائر بنيه تشريفاً لوصلة رسول الله (صلی الله علیه وآله)، وتنبيهاً واعلاماً بمقامها الشامخ ومنزلتهما السامية.

حتى انه (علیه السلام) كان يضن بهما عن الحرب والقتال لئلا ينقطع نسل رسول

الله (صلی الله علیه وآله) من هذه الامة فإن نسله من الحسن والحسين وتسعة من اولاد الحسين بعد ابيهم ابي الائمة علي (علیه السلام)، هم حجج الله تعالى واحداً بعد واحد على عباده ولم تخلُ الارض من حجة الله على عباده قط ولا يخرج الحجة من بيت النبوة قط)(2).

اذن:

هي الإمامة بعد النبوة، وهي التي كانت السبب في توليتهما على أموال أمير المؤمنين علي (علیه السلام)، فبهذا اختلفا عن بقية اولاده، اما من حيث الاستحقاق في المال فجميع ابناءه سواء، كما صرحَّ بذلك منتج النص (علیه السلام):

«وان الذي لابني فاطمة مثل الذي لبني علي .»

ص: 137


1- بصائر الدرجات: ص 509 .
2- منهاج البراعة: ج 18 ص 372 .

لكن الفارق هو كونهما إمامان بعد أبيهما، فلزم جعل التولية لهما حصراً.

وهذا الذي قصده منتج النص واراد من المتلقي على اختلاف الازمنة فهمه

وحفظه وصيانته فسوف يسألون عن ذلك كما جاءهم القرآن بالتحذير والاخبار

عن السؤال يوم القيامة؛ قال تعالى:

«وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ »

ثبتنا اللهم على ولايتهم وأماتنا على إمامتهم، وحشرنا معهم، ورزقنا شفاعتهم

«يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ *إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ »

ص: 138

الفصل الثالث: ما رواه الشريف الرضي في حجاج الامام علي (علیه السّلام) لمعاوية في الفضائل .

اشارة

ص: 139

ص: 140

إن مما يمتاز به هذا الفصل هو اختلاف مادة الدراسة عن سابقيها وذلك لإقتصارها

على موضع واحد لم يكن يكتنز في طياته الكثير من المقصديات مما ادى الى التفاوت في سعة البحث هنا عن الفصول السابقة وهذا أولاً.

أما ثانياً ان طبيعة النص تختلف في سياقها عن النصوص التي بُحِثت سابقاً وذلك

أن السياق هنا هو حجاجي اكثر مما هو قصدي.

وعليه: سنقتصر على الاحاطة بموضع البحث في النص، أي: ما له علاقة بفاطمة

(عليها السلام) وهو المورد الأخير الذي ورد في كتاب نهج البلاغة وذلك ضمن

مبحثين فقط، نستعرض في المبحث الأول مقاصدية النص وفي الثاني مقبوليته

ليكون بذاك خاتمة هذه الدراسة بإذن الله تعالى وسابق لطفه ورحمته فله الحمد

والفضل والمنّة، وصلواته الدائمة على خير خلقه وصفوته من رسله محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

ص: 141

ص: 142

المبحث الأول: المقاصدية في قوله(علیه السّلام) «ومنّا خيرُ نساء العالمين ومنكم حمّالة الحطب »

اشارة

ص: 143

ص: 144

للوقوف على مقاصية النص الشريف وما يبتغيه منتج النص (علیه السلام) من

هذا القول وبيان غرضه فلابد ان ندرس اولا سبب صدور النص الشريف ومكان

صدوره ومكانه، ثم نتناول ان شاء الله مقاصدية النص.

المسألة الاولى: سبب صدور النص وزمانه ومكانه
اشارة

إن أصل النص الشريف وما كان له من مقدمات تسببت في صدوره لتحتاج الى

تفصيل كبير وبيان واسع وبحث عميق.

وذلك لاحتواء هذه المقدمات على جملة من القضايا السياسية والاجتماعية

والعقدية وهو ما لا يمكن تناوله هنا لتقاطعه مع منهج البحث ومحور الدراسة.

ولكن ليس لنا بد من ايراد سبب الصدور وزمانه ومكانه لتعلق معيار المقصدية

والمقبولية به فكان على النحو الاتي:

أولاً: سبب صدور النص الشريف

إن السياق العام للنص يرشد الى ان السبب الذي كان وراء صدوره سببا قوياً مما

جعل منتج النص ان يعبئ به هذه العبارات والمعاني والدلالات والمقاصد وغيرها

مما لا يسعنا عدهّ وجمعه.

ولذا:

فإن سبب صدور النص يختلف عن سابقه من النصوص، وخير ما يمكن لنا

تحققه من سبب للصدور ما أورده ابن أبي الحديد المعتزلي، فقد تنبه الى عظم ما جاء في هذا النص، فضلاً عن أن الإمام علي (علیه السلام) يثير ذهن القارئ في مطلع

ص: 145

كتابه للرجوع الى معرفة ما قاله معاوية بن أبي سفيان ليستحق هذا الرد والبيان من الإمام علي (علیه السلام).

وقد تحققت هذه القصدية، أي تحريك ذهن المتلقي وتفاعله مع النص لدى ابن

أبي الحديد المعتزلي فقد أندفع للبحث والإستفسار عن كتاب معاوية من شيخه

النقيب أبي جعفر، فيقول:

(سألت النقيب يحيى بن جعفر ابي زيد، فقلت:

أرى هذا الجواب منطبقا على كتاب معاوية الذي بعثه مع أبي مسلم الخولاني إلى

علي (علیه السلام)، فإن كان هذا هو الجواب فالجواب الذي ذكره أرباب السيرة

وأورده نصر بن مزاحم في كتاب صفين إذن غير صحيح، وإن كان ذلك الجواب،

فهذا الجواب إذن غير صحيح ولا ثابت، فقال لي:

بل كلاهما ثابت مروي، وكلاهما كلام أمير المؤمنين (علیه السلام) وألفاظه، ثم

أمرني أن أكتب ما عليه علي عليه السلام، فكتبته، قال رحمه الله:

كان معاوية يتسقط(1) عليا وينعى عليه ما عساه يذكره من حال أبي بكر وعمر، وأنهما غصباه حقه، ولا يزال يكيده بالكتاب يكتبه، والرسالة يبعثها يطلب غرته، لينفث بما في صدره من حال أبي بكر وعمر، إما مكاتبة أو مراسلة، فيجعل ذلك حجة عليه عند أهل الشام، ويضيفه إلى ما قرره في أنفسهم من ذنوبه كما زعم، فقد كان غمصه(2) عندهم بأنه قتل عثمان، ومالا على قتله، وأنه قتل طلحة والزبير، وأسر عائشة، وأراق دماء أهل البصرة؛ وبقيت خصلة واحدة، وهو إن يثبت عندهم أنه يتبرأ من أبي بكر وعمر، وينسبهما إلى الظلم ومخالفة الرسول في أمر الخلافة، وأنهما

ص: 146


1- يتسقطه: يتنقصه.
2- غمصه: اتهمه.

وثبا عليها غلبة، وغصباه إياها، فكانت هذه الطامة الكبرى ليست مقتصرة على

فساد أهل الشام عليه، بل وأهل العراق الذين هم جنده وبطانته وأنصاره، لأنهم

كانوا يعتقدون إمامة الشيخين، إلا القليل الشاذ من خواص الشيعة، فلما كتب ذلك

الكتاب مع أبي مسلم الخولاني قصد أن يغضب عليا ويحرجه ويحوجه إذا قرأ ذكر

أبى بكر، وأنه أفضل المسلمين، إلى أن يخلط خطه في الجواب بكلمة تقتضي طعنا في أبى بكر، فكان الجواب مجمجما(1) غير بين، ليس فيه تصريح بالتظليم لهما، ولا التصريح ببراءتهما، وتارة يترحم عليهما، وتارة يقول أخذا حقي وقد تركته لهما،فأشار عمرو بن العاص على معاوية أن يكتب كتابا ثانيا مناسبا للكتاب الأول ليستفزا فيه عليا عليه السلام ويستخفاه، ويحمله الغضب منه أن يكتب كلاما يتعلقان به في تقبيح حاله وتهجين مذهبه؛ وقال له عمرو:

إن عليا رجل نزق تياه، وما استطعمت منه الكلام بمثل تقريظ أبى بكر وعمر،

فاكتب؛ فكتب كتابا أنفذه إليه مع أبي أمامة الباهلي، وهو من الصحابة، بعد أن عزم على بعثته مع أبي الدرداء؛ ونسخة الكتاب: من عبد الله معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب.

أما بعد، فإن الله تعالى جده اصطفى محمدا عليه السلام لرسالته، واختصه بوحيه

وتأدية شريعته، فأنقذ به من العماية، وهدى به من الغواية، ثم قبضه إليه رشيدا حميدا، قد بلغ الشرع، ومحق الشرك، وأخمد نار الإفك، فأحسن الله جزاءه وضاعف عليه نعمه وآلاءه؛ ثم إن الله سبحانه اختص محمدا عليه السلام بأصحاب أيدوه ونصروه وكانوا كما قال الله سبحانه لهم:«أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ »(2)،فكان أفضلهم مرتبة، وأعلاهم عند الله والمسلمين منزلة، الخليفة الأول، الذي جمع

ص: 147


1- مجمجما: غير واضح.
2- سورة الفتح، الآية ( 29 ).

الكلمة، ولم الدعوة وقاتل أهل الردة، ثم الخليفة الثاني الذي فتح الفتوح، ومصر

الأمصار وأذل رقاب المشركين؛ ثم الخليفة الثالث المظلوم الذي نشر الملة، وطبق

الآفاق بالكلمة الحنيفية.

فلما استوثق الاسلام وضرب بجرانه عدوت عليه فبغيته الغوائل، ونصبت له

المكايد، وضربت له بطن الامر وظهره، ودسست عليه، وأغريت به، وقعدت

حيث استنصرك عن نصره، وسألك أن تدركه قبل أن يمزق فما أدركته، وما يوم

المسلمين منك بواحد.

لقد حسدت أبا بكر، والتويت عليه، ورمت إفساد أمره، وقعدت في بيتك،

واستغويت عصابة من الناس حتى تأخروا عن بيعته، ثم كرهت خلافة عمر

وحسدته واستطلت مدته، وسررت بقتله، وأظهرت الشماتة بمصابه، حتى إنك

حاولت قتل ولده لأنه قتل قاتل أبيه، ثم لم تكن أشد منك حسدا لابن عمك عثمان، نشرت مقابحه، وطويت محاسنه، وطعنت في فقهه، ثم في دينه، ثم في سيرته، ثم في عقله، وأغريت به السفهاء من أصحابك وشيعتك، حتى قتلوه بمحضر منك، لا تدفع عنه بلسان ولا يد، وما من هؤلاء إلا من بغيت عليه، وتلكأت في بيعته، حتى حملت إليه قهرا، تساق بخزائم الاقتسار كما يساق الفحل المخشوش، ثم نهضت الان تطلب الخلافة، وقتلة عثمان خلصاؤك وسجراؤك والمحدقون بك، وتلك من أماني النفوس، وضلالات الأهواء.

فدع اللجاج والعبث جانبا، وادفع إلينا قتلة عثمان، وأعد الامر شورى بين

المسلمين ليتفقوا على من هو لله رضا؛ فلا بيعه لك في أعناقنا، ولا طاعة لك علينا، ولا عتبى لك عندنا، وليس لك ولأصحابك عندي إلا السيف؛ والذي لا إله إلا

هو لأطلبن قتلة عثمان أين كانوا، وحيث كانوا، حتى أقتلهم أو تلتحق روحي بالله.

ص: 148

فأما ما لا تزال تمن به من سابقتك وجهادك فإني وجدت الله سبحانه يقول:

(يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم

للإيمان إن كنتم صادقين)(1) ؛ ولو نظرت في حال نفسك لوجدتها أشد الأنفس امتنانا على الله بعملها، وإذا كان الامتنان على السائل يبطل أجر الصدقة، فالامتنان على الله يبطل أجر الجهاد، ويجعله (كصفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدى القوم الكافرين)(2) .

قال النقيب أبو جعفر: فلما وصل هذا الكتاب إلى علي عليه السلام مع أبي أمامة

الباهلي، كلم أبا أمامة بنحو مما كلم به أبا مسلم الخولاني، وكتب معه هذا الجواب.

قال النقيب: وفي كتاب معاوية هذا ذكر لفظ الجمل المخشوش أو الفحل

المخشوش، لا في الكتاب الواصل مع أبي مسلم، وليس في ذلك هذه اللفظة، وإنما فيه: «حسدت الخلفاء وبغيت عليهم، عرفنا ذلك من نظرك الشزر(3) ، وقولك الهجر(4) ، وتنفسك الصعداء، وإبطائك عن الخلفاء ».

قال: وإنما كثير من الناس لا يعرفون الكتابين، والمشهور عندهم كتاب أبى مسلم

فيجعلون هذه اللفظة فيه، والصحيح أنها في كتاب أبي أمامة ألا تراها عادت في

جوابه ولو كانت في كتاب أبي مسلم لعادت في جوابه!

انتهى كلام النقيب أبي جعفر)(5) .

ص: 149


1- سورة الحجرات، الآية ( 17 ).
2- سورة البقرة، الآية ( 264 ).
3- يقال: شزره وإليه: نظر إليه بأحد شقيه، أو هو نظر فيه إعراض.
4- الهجر (بضم فسكون): القبيح من القول.
5- شرح نهج البلاغة: ج 15 ص 184 - 188 .

اذن:

كان السبب في صدور النص هو هذه المغالطات التي اوردها معاوية والأخبار

الكاذبة والشبهات الكبيرة، فضلاً عن تلك الاسباب والدوافع التي كانت العمود

الفقري لهذا الكتاب وهو زرع الفتنة بين المسلمين واراقة دمائهم من خلال اثارة

التطرف الديني وبث الكراهية حينما يتم التعرض الى معتقداتهم.

فكان جوابه (علیه السلام) ناسفا لهذه الاكاذيب ومستأصلاً لهذا التحجر

الفكري، ولم ينل معاوية مبتغاه للوصول الى هذه الفتنة.

ثانياً: زمان صدور النص ومكانه
اشارة

يضفي زمان صدور النص ومكانه الى مقاصدية النص قوة وبيانا في كشف كثير من

الخبايا التي احاطت بواقع الامة وما أسسه الاولون في بناء صورة مغايرة للإسلام

المحمدي أدت الى هذا التناحر والتقاتل والتفرق.

فما جاء في كتاب معاوية الذي ارسله بيد ابي مسلم الخولاني إلا حلقة من حلقات ما أسسته السقيفة ورموزها، وثمرة من ثمارها.

ولذا:

يشكل زمان صدور النص ومكانه سبباً مكملاً لصدوره ايضاً فضلاً عن كشفه

للنوايا التي كانت وراء كتابته كما مرَّ انفاً وعلى لسان النقيب ابي جعفر شيخ المعتزلي.

وهو ما بدا واضحاً في النص التاريخي الذي رواه المنقري في وقعة صفين، وقد جاء فيه:

(إن ابا مسلم الخولاني(1) قدم معاوية في اناس من قراء الشام قدم إلى معاوية في

ص: 150


1- أبو مسلم الخولاني الزاهد الشامي من قرّاء أهل الشام، هو عبد الله بن ثوب، بضم المثلثة وفتح الواو، وقيل بإشباع الواو، وقيل ابن أثوب بوزن أحمر، ويقال ابن عوف وابن مشكم، ويقال اسمه يعقوب بن عوف، وكان ممن رحل إلى النبي فلم يدركه، وعاش إلى زمن يزيد بن معاوية (لعنه الله)، وللمزيد انظر (تقريب التهذيب لابن حجر: ص 612 وغيره).

أناس من قراء أهل الشام، قبل مسير أمير المؤمنين عليه السلام إلى صفين، فقالوا له: يا معاوية علام تقاتل عليا، وليس لك مثل صحبته ولا هجرته ولا قرابته ولا سابقته؟

قال لهم: ما أقاتل عليا وأنا أدعى أن لي في الإسلام مثل صحبته ولا هجرته ولا

قرابته ولا سابقته، ولكن خ روني عنكم، ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما؟ ب

قالوا: بلى.

قال: فليدع إلينا(1) قتلته فنقتلهم به، ولا قتال بيننا وبينه.

قالوا: فاكتب إليه كتابا يأتيه به بعضنا؛ فكتب إلى علي هذا الكتاب مع أبي مسلم

الخولاني، فقدم به على علي، ثم قام أبو مسلم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أما بعد فإنك قد قمت بأمر وتوليته(2) ، والله ما أحب أنه لغيرك إن أعطيت الحق من نفسك، إن عثمان قتل مسلما محرما(3) مظلوما، فادفع إلينا قتلته، وأنت أميرنا، فإن خالفك أحد من الناس كانت أيدينا لك ناصرة، وألسنتنا لك شاهدة، وكنت ذا عذر وحجة .»

فقال له علي: أغد على غدا، فخذ جواب كتابك؛ فانصرف ثم رجع من الغد ليأخذ

ص: 151


1- ح: ( 3: 407 ): فليدفع إلينا ».
2- ح: ( 3: 408): وليته ».
3- محرما: أي له حرمة وذمة، أو أراد أنهم قتلوه في آخر ذي الحجة، وقال أبو عمرو: أي صائما، ويقال أراد لم يحل بنفسه شيئاً يوقع به، فهو محرم؛ وبكل هذه التأويلات فسر بيت الراعي، الذي أنشده صاحب اللسان ( 15 : 13 ): قتلوا ابن عفان الخليفة محرما * ودعا فلم أر مثله مقتولا وانظر خزانة الأدب ( 1: 503 - 504 ).

جواب كتابه فوجد الناس قد بلغهم الذي جاء فيه، فلبست الشيعة أسلحتها ثم

غدوا فملؤا المسجد وأخذوا ينادون: كلنا قتل ابن عفان وأكثروا من النداء بذلك،

وأذن لأبي مسلم فدخل على علي أمير المؤمنين فدفع إليه جواب كتابه معاوية، فقال له أبو مسلم: قد رأيت قوما ما لك معهم أمر؛ قال: وما ذاك؟ قال: بلغ القوم أنك تريد أن تدفع إلينا قتلة عثمان فضجوا واجتمعوا ولبسوا السلاح وزعموا أنهم كلهم قتلة عثمان.

فقال علي: «والله ما أردت أن أدفعهم إليك طرفة عين، لقد ضربت هذا الأمر أنفه

وعينيه ما رأيته ينبغي لي أن أدفعهم إليك ولا إلى غيرك .»

فخرج بالكتاب وهو يقول: الآن طاب الضراب)(1) .

اذن: يكشف لنا النص اثار الزمان والمكان في تجلي مقاصدية منتج النص، فأما اثار

زمان النص فهي كالآتي:

ألف - آثار زمان صدور النص

إنّ زمان صدور النص كان قبل تحرك الإمام علي (علیه السلام) من الكوفة متجهاً الى الشام لقتال الفئة الباغية معاوية بن ابي سفيان وحزبه، وهذا يكشف عن امور، منها:

1- إنّ تحرك ابو مسلم الخولاني مع قراء اهل الشام وقع بعد انكشاف فتنة الجمل

وارجاع عائشة الى المدينة واتضاح رموز الفتنة والقضاء عليهم ومن ثم فإن هذا

التحرك من قراء الشام ما كان ليقع لولا إندحار اقطاب الناكثين في معركة الجمل.

2-إن الحديث الذي ابتدأه القراء مع معاوية يكشف عن معرفتهم بحقيقة هذه

ص: 152


1- وقعة صفين لابن حزم المنقري: ص 85 ؛ الاخبار الطوال لابن قتيبة: ص 163 .

الحرب فأرادوا حفظ دماء اهل الشام الذين -الى هذه اللحظة- كانوا يعتقدون ان

معاوية يسير بهم الى حرب الامام علي (علیه السلام) دون هدف مسوغ وشرعي، وانما لاستئثاره بالسلطة؛ ولذا قالوا لمعاوية: علام تقاتل علي -عليه السلام- وليس لك مثل صحبته، ولا هجرته، ولا قرابته، ولا سابقته؟

3- تغيير معاوية لحقيقة الواقع الذي عرضه القراء، أي: أنه أدرك أن قراء اهل

الشام لا يمكن له ان يكذب عليهم فيقول (أنا لي منقبة مما ذكرتم)؛ ومن ثم سيقوم هؤلاء القراّء بالتأثير على الناس وتغيير توجهاتهم نحو معاوية بأنه كاذب ويسعى من اجل السلطة؛ فقد أدعى زوراً وكذباً بأن له مثل ما لعلي عليه السلام من (هجرته وقرابته وسابقته).

ولذا: احتال عليهم بقضية مقتل عثمان بن عفان وانه يطالب بدمه ملقياً بذلك في

عهدة الإمام علي (علیه السلام) بلحاظ انه يمتنع من تسليمهم اليه.

مع علمه ويقينه أنّ الإمام علي (علیه السلام) لا يمكن له أن يسلمّ لمعاوية رجلاً واحداً ممن قتل عثمان بن عفان ولأسباب عدة كان معاوية يعلمها قبل غيره، منها:

1-ان عثمان بن عفان لقى جزاءه بيده بعد أن غير وبدّل في شرع الله ورسوله

(صلی الله علیه وآله)؛ ومن ثم لا يأخذ المظلوم بجريرة الظالم.

2- تسليم أي أحدٍ ممن أشترك بقتل عثمان بن عفان يكون اقراراً بصحة ما كان

عليه عثمان، وأنه صاحب حق فيما صنع، وهذا يقصم ظهر الحق والسنة المحمدية

التي امتلأت بدعا ومحدثات على يدي معاوية وأسلافه.

3-إنّ الذين اشتركوا في قتل عثمان بن عفان صحابة رسول الله (صلى الله عليه

وآله) وإن تسليم أي أحد منهم سيلحق بالإمام علي (علیه السلام) ضرراً اعظم من ضرر حرب معاوية إذ سيقال أن الإمام علي (علیه السلام) قد قتل صحابة رسول

ص: 153

الله (صلی الله علیه وآله)، ولأغتنم معاوية هذه الفرصة فيعفوا عنهم بلحاظ أنه

من اولياء الدم كما يدّعي فهو ابن عمه الاموي وحينها يكون معاوية صافحاً عن

صحابة رسول الله (صلی الله علیه وآله) كريم النفس حافظاً للسنة معزا للصحابة.

فضلاً عن ان معاوية سيتركهم فترة من الزمن ثم يقوم بقتلهم وتصفيتهم كما قام

مروان بن الحكم بقتل طلحة بن عبيد الله في معركة الجمل وهو يقاتل الى جنبه وفي حزبه اذ رماه بسهم فوقع في ركبته ومات من نزف الدم.

وكما قتل معاوية عائشة زوج النبي (صلی الله علیه وآله) بعد ان حفروا لها حفيرة

فسقطت فيها هي وحمارها؛ وكما قام بقتل محمد بن ابي بكر، وحجر بن عدي،

وعمرو بن الحمق الخزاعي وغيرهم.

4-إنّ على رأس من أشترك بقتل عثمان هي عائشة، ومن ثم كيف يسلّمها الإمام

علي (علیه السلام) لمعاوية مع علم أهل الشام بذلك كما يروي ابن شبة النميري في تاريخ المدينة:

أ- دخل أبو مسلم الخولاني الشام فوجدهم ينالون من عائشة في شأن عثمان،

فقال لهم:

(يا أهل الشام، أضرب لكم مثلكم ومثل أمكم هذه، مثلكم ومثلها كمثل العين

في الرأس تؤذي صاحبها ولا تستطيع أن تعاقبها الا بالذي هو خير لها)(1) .

ب- روى عن قتادة أن عبد الله بن اذينة العبدي لما بلغه قدوم طلحة والزبير ركب

فرسه فتلقاهما قبل أن يدخلا البصرة؛ فإذا محمد بن طلحة بن عبيد الله، وكان يقال له الساجد من عبادته، فقال له: من انت؟، قال انا محمد بن طلحة، قال: والله اني كنت لاحب ان القاك، فقال له محمد: من انت؟

ص: 154


1- تاريخ المدينة لابن شبة: ص 174 .

قال: عبد الله بن اذينة، فأخبرني عن قتل عثمان.

قال أخبرك أن دم عثمان ثلاثة أثلاث، ثلث على صاحبه الخدر -يعني عائشة- فلما

سمعته يقول ذلك شتمته وأساءت له القول.

فقال: يغفر الله لك يا أمتاه...)(1) .

اذن:

وجد معاوية أن خير وسيلة لجمع اهل الشام على قتال الامام علي (علیه السلام)

هي أمتناعه من تسليم قتلة عثمان بن عفان، فقام فكتب هذا الكتاب إليه -مورد

البحث- وأرسله بيد أبي مسلم الخولاني ليكون شاهداً ومؤثراً في تغيير ثقافة قراء

أهل الشام، معززاً ذلك بمجموعة من المضامين التي تعلقت بالشيخين أبي بكر

وعمر ليجمع بذاك جميع العوامل العقدية والمذهبية التي عليها أهل الشام في تعظيم الخلفاء وتبجيلهم موضحاً أن الأمر لا ينحصر بعثمان فقط، وانما بالخلفاء الثلاثة ولذلك خاطبه قائلاً:

(فكان افضلهم في اسلامه، وانصحهم لله ولرسوله الخليفة من بعده، وخليفة

خليفته، والثالث الخليفة المظلوم عثمان، فكلهم حسدت، وعلى كلهم بغيت...).

من هنا:

كان جواب الامام علي (علیه السلام) محيطاً بكل هذا الفكر الهدام آخذاً بجوامع

الشبهات داكاً لها بمطارق الحق الذي يدور معه حيث ما دار؛ لاسيما وان الزمان

الذي احاط بصدور النص كان بين حربين عقدّيتين، فمن قتال الناكثين الى قتال

القاسطين، وبين هذا وذاك شبهات ومعضلات تفقد اللبيب الحذق صوابه إلّا من

عصم الله وكان صادقاً فيما عاهد الله عليه.

ص: 155


1- نفس المصدر السابق.
باء - آثار المكان على صدور النص

مثلما كان للزمان آثاراً كبيرة على تجلي مقاصدية منتج النص وتفاعل القرّاء والمتلقين له على مر الازمنة كذلك كان للمكان اثاره الخاصة على اعانة الباحث في الوصول الى مقاصدية منتج النص (علیه السلام)، فكانت هذه الاثار كالآتي:

1- إن اول ما يمكن ملاحظته بعناية هي تلك الحكمة الكبيرة التي تعامل معها

الامام علي (علیه السلام) مع رسول معاوية، اي: ابو مسلم الخولاني والذي يتضح من خلال سياق حديثه مع الامام علي (علیه السلام) انه كان متأثراً ومتفاعلاً مع كتاب معاوية.

بمعنى: ان المقبولية لدى المتلقي الاول لكتاب معاوية كان ابو مسلم الخولاني وان المتلقي الثاني كان الامام علي (علیه السلام).

الا ان النص التاريخي يسجل ملاحظاته حول المقبولية عند المتلقي الاول والثاني

وذلك صمن النقاط الاتية:

أ- إن المتلقي الاول، اي ابو مسلم الخولاني كان متفاعلاً الى حد كبير مع كتاب

معاوية وذلك من خلال حديثه مع الامام علي (علیه السلام) قائلاً له فيما يخص امر عثمان بن عفان:

(إنّ عثمان قتل مسلماً محرماً مظلوماً، فادفع إلينا قتلته وأنت أميرنا، فإن خالفك من الناس أحد كانت أيدينا لك ناصرة...).

فهنا بدى واضحا انه متأثر بكلام معاوية ومؤمن بأحقيته في المطالبة لقتلة عثمان،

وهو مع هذا يقر للإمام علي (علیه السلام) بالإمرة، اي: الى هذه اللحظة كان الإمام علي (علیه السلام) اميره.

ص: 156

ب- اما المقبولية عند المتلقي الثاني، أي الامام علي (علیه السلام) فقد كانت

تكشف عن الهدوء والسكينة والتعامل بحكمة دقيقة مع الكتاب ومع الرسول

فأجله الى اليوم التالي.

2- ان اجتماع شيعة الكوفة على امر واحد وقد لبسوا السلاح ودخلوا مسجد

الكوفة في اليوم التالي من قدوم ابي مسلم الخولاني ليأخذ جواب كتاب معاوية

وصياحهم بوجهه:

(كلنا قتل ابن عفان) له اثاره الكبيرة في مضاعفة قناعة الخولاني بعدم الحصول

على رجل واحد من اهل هذا المكان، وهم اهل الكوفة.

ومن ثم يلزم من معاوية مقاتلة اهل الكوفة جميعاً او مقاتلة من حضر مسجد

الكوفة كم شيعة علي (علیه السلام) من الصحابة البدريين والشجريين وهم

بالمئات فأيهم يريد معاوية ان يقتل وهذا حالهم وكلهم ناقم على ابن عفان.

3- في محاولته الاخيرة اراد ابو مسلم الخولاني تضعيف شيعة علي (علیه السلام) ودفع الإمام علي (علیه السلام) الى انتزاع قتلة عثمان من بين هؤلاء ولو بالاختيار من بينهم، لاسيما والكل هنا ينادي بقتله، فضلاً عن ضنه بأنه يستطيع ان يثير حفيظة الإمام علي (علیه السلام) حينما يقول له:

(قد رأيت قوماً مالك معهم أمر).

بمعنى: إنك امير ضعيف ليس له كلمة أو أمر على هؤلاء القوم؛ ومن ثم يلزم أن

يؤثر ذلك في هيبة السلطان أو الأمير فينتفض ويظهر لهذا المتكلم عكس ما يدّعي.

إلّا أنه تفاجئ برِد حازم قلب كل هذه الاحتيالات والخداع فهذا علي بن ابي طالب

(علیه السلام) فكان رده صاعقاً، فقال له:

ص: 157

«والله ما اردت ان ادفعهم اليك طرفة عين، لقد ضربت هذا الامر انفه وعينه ما

رأيته ينبغي لي ان ادفعهم اليك ولا الى غيرك .»

4-بعد هذا الجواب بدا أن الإمام علي (علیه السلام) لا يؤخذ من حين غرة ولا

ينخدع، وانه وهؤلاء الذين ينادي (كلنا قتلنا ابن عفان) على عزيمة واحدة في قتال

معاوية، فخرج أبو مسلم الخولاني من الكوفة وهو يقول:

(الان طاب الضراب).

أي: خرج منها بعقيدة جديدة مقاتلة علي (علیه السلام) وشيعته.

وهو بعد لا يدري ماذا جاء في جواب الامام علي (علیه السلام) من مقاصد

وحقائق، وهو ما سنعرض له في المسألة القادمة حاصرين البحث فيما يتعلق

بالدراسة وهو قوله (علیه السلام):

«ومنّا خير نساء العا م لين ومنِكم حمّالة الحطب .»

المسألة الثانية: المقاصدية في المقامية بين خير النساء وحمالة الحطب
اشارة

لا شك اننا ومهما جهدنا فلن نستطيع القطع بمقصدية المعصوم (علیه السلام) في النص، ولذا كان منهجنا المقاربة لمقاصدية النص بحسب ما يفرضه النهج التداولي وفقه اللغة.

ومن هنا:

لن نتوصل الى قطعية القول بمقاصدية النص التي ابتغاها منتج النص في أنه قصد

بخير النساء البضعة النبوية فاطمة (عليها السلام) كما قطع بذلك معظم الذين

تلقوا النص وتفاعلوا معه.

ص: 158

إلا انني وجدت ان الماقصدية في المقامية بين خير نساء العالمين وبين حمالة الحطب -ولا محل للتفاضل هنا بين المقامين- وانما لإظهار تجسد الفضيلة في المقام الاول وهو (الخيرية) وتجسد الرذيلة في المقام الثاني وهو (الشرّيّة).

ومن ثم فالمقامان نقيضان كما هي سائر المقامات والشأنيات التي ذكرها منتج

النص (علیه السلام) كمقام النبوة يقابله مقام التكذيب، ومقام التضحية في سبيل

الله يقابله مقام محاربة الله تعالى وهكذا...

ونلاحظ هنا وبحسب السياق العام للنص ان مقام الخيرية يراد به ام المؤمنين

السيدة خديجة (صلوات الله وسلامه عليها) وان كان هذا المقام هو متلبس في كل حال بالبضعة النبوية فاطمة (عليها السلام) الا ان مقتضى السياق يرشد الى ان القصدية في ذكر خير نساء العالمين هي مولاتنا ام المؤمنين السيدة خديجة (عليها السلام) وذلك لجملة من القرائن:

أولاً: إن مقامية الشرّيّة في حمالة الحطب هو محاربة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

تدور المقامات التي إوردها الإمام علي (علیه السلام) حول شخص النبي الاعظم

(صلی الله علیه وآله)؛ فلا فضل ولا جاه ولا عزّة بعد النبوة، ولذا:

أول ما أبتدأ به منتج النص كتابه هو مقام النبوة، فقال لمعاوية:

«أما بعد فقد اتاني كتابك، تذكر فيه إصطفاء الله محمداً (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) لدينه... »؛ الى قوله (علیه السلام):

«اذ طَفِقِتْ تخبرنا ببلاء الله تعالى عندنا ونعمته علينا في نبينا .»

ومن ثم فإن إحراز الفضائل والخير والشرف يكون من خلال نصر النبي (صلى

الله عليه وآله) والدفاع عن دعوته وشريعته.

ص: 159

وان الشر كل الشر لمن وقف بوجه النبي (صلی الله علیه وآله) يحاربه خفية وجهاراً كما هو حال أبي جهل الذي عُرف بالكذاب، وعقبة بن ابي معيط وابنائه الذين دأبوا على حرب الله ورسوله (صلی الله علیه وآله)؛ ومنهم حمالة الحطب ام جميل بن حرب عمة معاوية، إذ (كانت تحمل حزم الشوك فتنشرها بالليل في طريق رسول الله عليه وآله ليعقره)(1).

ليقابلها في نصر رسول الله (صلی الله علیه وآله) المصدّق الأول وهو الإمام علي

(علیه السلام)، وأسد الله حمزة بن عبد المطلب، والسيدة خديجة (عليها السلام)

التي دافعت عن رسول الله (صلی الله علیه وآله) بالمال والنفس وجاهدت في نصره بكل ما تملك لتكون بذاك مثال الخيرية والفضيلة التي يقابلها مثال الشر والرذيلة النفسية.

ومما يدل على أن قصدية منتج النص في ذكر هذا المقام -اي الخيرية- هي أم

المؤمنين خديجة (عليها السلام) لتقابلها من البيت الاموي في مقام الشرّيّة العوراء عمة معاوية واخت ابي سفيان بن حرب.

فكل منهما كان يدور حول شخص رسول الله (صلی الله علیه وآله) فهذه بذلت

نفسها وما تملك في نصر دين الله ورسوله الاعظم (صلی الله علیه وآله)، وتلك

بذلت ما تملك - وإن قل وهو الحطب لكنه عظيم الذنب - في محاربة دين الله وايذاء رسوله (صلی الله علیه وآله).

اذن:

السياق يقتضي مقاربة القصدية عند منتج النص (علیه السلام) في «خير النساء

ص: 160


1- شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني: ج 4 ص 441 .

هي ام المؤمنين خديجة (عليها السلام) ومما يدل عليه ويعززه اتصاف ام المؤمنين

خديجة الكبری في الاحاديث النبوية الشريفة بالخيرية ليقابله شهرة وحضوراً صفة

سيدة نساء العالمين لسيدتنا ومولاتنا البضعة النبوية فاطمة (صلوات الله عليها

وعلى ابيها وبعلها وبنيها) وإن كانت محصلة لمقام الخيرية كما هو حال أمير المؤمنين خديجة (سلام الله عليها) فهي محصلة ومحرزة لمقام السيدية والافضلية كما نصت عليها الاحاديث الشريفة وهو ما سنتناوله في ثانيا.

ثانياً: اشتهار صفة الخيرية بالسيدة خديجة الكبرى يقابله اشتهار صفة السيدية عند فاطمة (صلوات الله عليهما)
اشارة

إنّ أول ما ينصرف إليه الذهن واللسان عند ذكر البضعة النبوية فاطمة الزهراء

(عليها السلام) هي مقام السيدية على نساء العالمين حتى بات هذا الاسم من أشهر أسمائها وصفاتها حتى يكاد لا يفارق أسمها (صلوات الله عليها).

وهو أشهر من صفة الخيرية التي نالتها سيدة النساء فاطمة (عليها السلام) وإن

كانت محرزةً لهذه المقامات بمقتضى مقام السيدية والافضلية.

من هنا:

نجد الأحاديث الشريفة قد ركزت على ترتيب هذه المقامات وشأنيتها وخصوصيتها وتعريف الناس بها كما عرّف القرآن امرأة فرعون ومريم أبنة عمران (عليها السلام) مُظهراً بذلك منزلتهما.

وهو ما قام به سيد الانبياء والمرسلين (صلی الله علیه وآله) فقد اظهر للناس منزلة خديجة وابنتها فاطمة (عليهما السلام) مبيناً شأنيتهما واحرازهما لهذه المقامات من الكمالات والفضائل، وهي كالاتي:

ص: 161

الحديث الاول - حديث الخيرية
اشارة

ويعد هذا الحديث من اشهر الاحاديث واكثرها ألتصاقا بشخصية أم المؤمنين

(عليها السلام) وأكثرها بيانا لما قامت به من جهاد في سيبل الله ورسوله (صلى الله عليه وآله).

فهي مصدر الخير الذي احتضن سيدة النساء فاطمة (عليها السلام) واوى نصر

سيد الانبياء (صلی الله علیه وآله) وعم خيرها على المسلمين في محنتهم وحصارهم وجوعهم وتفرقهم وضرهم.

ولذا:

لم يشوب هذا الحديث جرح او تعديل عند ابناء العامة اذ يكفيهم في ذاك ان محمد

بن اسماعيل البخاري اخرجه في صيحة عن مولى الموحدين وامير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب (صلوات الله وسلامه عليه)، انه قال:

(سمعت النبي (صلی الله علیه وآله) يقول:

«خير نسائها حريم ابنة عمران وخير نسائها خديجة .»

ان هذا الحديث النبوي قد اشار مقام الخيرية في عالم الدنيا تحديداً؛ وذلك ان الدنيا

هي محل الابتلاء والاختباء وظهور الخير واهله والشر واهله.

ولذا:

يجعل المصطفى (صلی الله علیه وآله) التقديم في الخيرة في الدنيا اسم مريم (عليها السلام) ثم يتبعه باسم خديجة (عليها السلام) وانهما صاحبتا هذا المقام لأسباب سيمر بيانها في التفاضل بينها.

ص: 162

بمعنى:

ان خير نساء اهل الدنيا مريم ابنة عمران وخديجة ابنة خويلد.

ومما يدل على هذه القصدية:

أولاً- إن النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) يجعل خديجة ومريم في رتبة واحدة من مقام الخيرية

ان النبي الاكرم (صلی الله علیه وآله) قد جعل مريم وخديجة (عليهما السلام) في

منزلة واحدة من الخيرية عند الله تعالى؛ ولذا كرّر (صلى الله عليه وآله وسلم) لفظ

(الخير) مرتين، فقال خير نسائها مريم ثم كرر ذلك فقال:

«خير نسائها خديجة ».

ثانياً- إن خديجة حازت على الكمالات التي عرضها القرآن الكريم لمريم(علیها السّلام)

إنّ لمريم مجموعة من الكمالات التي عرضها القرآن هي نفسها كانت لخديجة عليها السلام وهي كالآتي:

ألف: انقطاع مريم عن قومها .

وكذا كانت خديجة؛ فلقد انقطعت عن قومها وهجرتها نساء قريش.

باء: تفرغ مريم للعبادة .

وكذا كانت خديجة؛ إذ لم تكن امرأة في مكة تعبد الله غيرها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

جيم: اختصاص مريم بسلام جبرائيل (علیه السلام) وكذا خديجة فلقد خصها جبرائيل بالسلام.

ص: 163

دال: اختصاصها بالجهاد

فكان جهاد مريم بعد أن جاءت تحمل عيسى عليه السلام، وكان جهاد خديجة

بعد أن آمنت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى رميت بالحجارة وهي في دارها.

هاء: إكرام مريم بثمار الجنة

وكذا أكرم الله خديجة بعنب الجنة.

ياء: إن مريم تحدث معها عيسى لحظة ولادته ليدفع عنها الخوف والحزن

وكذا كانت خديجة تحدثها فاطمة وهي في أحشائها فتسليها.

ثالثاً- إنّ خديجة فاقت في بعض المواطن مريم ابنة عمران (علیهما السّلام)

بل لقد فاقت خديجة عليها السلام مريم بنت عمران في بعض المواطن ومنها:

ألف: إنّ مريم عليها السلام لما رجعت تحمل وليدها نبي الله عيسى عليه السلام

التجأت إليه في دفع الأذى عنها.

ولذا:

«فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا»(1).

وإن هذه الأزمة قد انتهت بكلام نبي الله عيسى عليه السلام:

«قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا »(2).

في حين كانت خديجة تدافع عن النبوة بنفسها ومالها، وهذا أفضل.

ص: 164


1- سورة مريم، الآية ( 29 ).
2- سورة مريم، الآية ( 30 ).

باء: إن مريم عليها السلام كان كلما يمر عليها الوقت كانت تجد الأمن والأمان

وهذا يخفف جهد البلاء عليها، في حين كانت خديجة كلما يمر بها الوقت كان يشتد عليها الجهد والابتلاء حتى توفيت خديجة بعد أن أنهكها الجوع والمعاناة في شعب أبي طالب عليه السلام نتيجة للحصار الذي فرضه طواغيت قريش.

ولقد قال تعالى: « وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا»(1)

جيم: كانت مريم عليها السلام تلقى من حيث كونها في مقام الوالدية كل بر من

نبي الله عيسى عليه السلام، قال تعالى:

«وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا »(2).

بمعنى أن المبتلى هنا نبي الله عيسى (علیه السلام).

في حين كانت خديجة عليها السلام هي المبتلاة في موقع حسن التبعل وما يفرضه من جهاد، فضلاً عما يفرضه الارتباط بسيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم على الزوجة من تكاليف شرعية كما دل قوله تعالى:

«يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ » (3).

وكما هو ثابت في النصوص الأخرى، وهذا أفضل عند الله تعالى.

دال: إن مريم عليها السلام لم يظلمها المسيحيون في حين أن خديجة (عليها السلام) ظلمها المسلمون الذين قتلوا ابنتها فاطمة عليها السلام وأحفادها الحسن والحسين

ص: 165


1- سورة النساء، الآية ( 95 ).
2- سورة مريم، الآية ( 32 ).
3- سورة الأحزاب، الآية ( 32 ).

عليهما السلام وذريتهما وساقوا بنات فاطمة زينب وأم كلثوم وبنات الإمام الحسين

سكينة ورقية من كربلاء إلى الشام، وهم يقادون كما تقاد نساء الترك والديلم، وغير ذلك مما فضلت به خديجة ابنة خويلد عليها السلام؛ وما أوتيت ابنتها فاطمة عليها السلام لأعظم.

الحديث الثاني - حديث التفضيل

روى ابن حجر العسقلاني عن البزار والطبراني بإسناد حسن من حديث عمار بن

ياسر يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

«لقد فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين »(1).

والحديث يكشف بل ينص على أفضلية خديجة عليها السلام على جميع المسلمات بما فيهن أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم ما خلا بضعته فاطمة عليها السلام ولا تعارض بين النصوص الدالة على أفضلية فاطمة على جميع نساء العالمين؛ إذ إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما أشار إلى أفضلية خديجة كان ناظراً إلى أفضلية مريم حسبما نطقت به الآيات المباركة وهذا يكشف عن مناسبة الحديث النبوي، أي إنه أشار إلى أفضلية خديجة بعد نزول الوحي بتلك الآيات، فأراد أن يحفظ لخديجة مقامها في الامة فلا يتبادر إلى ذهن المسلم حينما نزلت تلك الآيات بأنها تقول بتفضيل مريم على خديجة عليها السلام، ولذا قال:

«لقد فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين .»

فكان الحديث قد أزال اللبس عن أذهان المسلمين في تفضيل مريم على نساء

المسلمين أو قد يتصور البعض أن ليس في الامة امرأة لها من الفضل عند الله تعالى

ص: 166


1- فتح الباري في شرح صحيح البخاري لابن حجر: ج 7، ص 101 ؛ تحفة الأحوذي للمباركفوري: ج 10 ، ص 265 ؛ تفسير التبيان للشيخ الطوسي: ج 2، ص 456 .

ما لمريم فكان قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد قطع الطريق على هذا الوهم وبدوه بقوله في تفضيل خديجة إلا أن هذه الأفضلية مقيدة هنا بنساء الامة، أما أفضلية فاطمة فمطلقة، ومما يدل عليه:

إن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حينما تحدث عن منزلة الحسن والحسين فقال: «إن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة »(1).

أردفه: ببيان أزال اللبس عن أذهان المسلمين بأن منزلة علي عليه السلام محفوظة وإن لم يرد ذكرها في هذا القول.

ولذا: عاد صلى الله عليه وآله وسلم فقال وهو يبدد هذا اللبس عن بعض الأذهان:

«وأبوهما خير منهما »(2).

وهنا: وإن كان الحديث السابق قد أشار إلى أفضلية خديجة على نساء الامة إلا أن

ذلك لم يكن ليتعارض مع كون ابنتها فاطمة أفضل منها عند الله تعالى لصدور جملة

من الأحاديث الشريفة عنه صلى الله عليه وآله وسلم وهي تظهر هذه المنزلة وتخص هذه الأفضلية للبضعة النبوية صلوات الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها.

ويدل عليه الحديث الآتي:

ص: 167


1- ذخائر العقبى للطبري: ص 129 ؛ تاريخ بغداد للخطيب البغدادي: ج 2، ص 181 ، ح 598 ؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 13 ، ص 208 ؛ مسند زيد بن علي: ص 461 .
2- دعائم الإسلام للقاضي النعمان المغربي: ج 1، ص 37 ؛ عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق: ج 1، ص 36 ، ح 56 .
الحديث الثالث - حديث أفضلية خديجة في الجنة

روى أحمد بن حنبل في المسند عن ابن عباس قال: خط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأرض أربعة خطوط، قال:

«تدرون ما هذا؟ .»

قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية بنت مزاحم

امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران »(1).

هذا الحديث الشريف له دلالات كثيرة منها:

1- استخدام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوسائل التعليمية في تثبيت

الحقائق في أذهان المسلمين؛ كيما لا تذهب بهم الأهواء أو الآراء عن الثوابت

الإسلامية.

ولذا:

نجده هنا مثلاً استخدم الخطوط على الأرض كوسيلة لإرشادهم إلى حفظ

عقيدتهم فيما يتعلق بالعنصر النسائي الذي سيفرض عليهم الاختبار والتمحيص

الإلهي مع هذه الرموز النسائية كأزواجه وابنته صلوات الله عليها، جملة من المسائل الابتلائية والتكاليف الشرعية.

2-اعتماده الأسلوب التعليمي في وضع الخطوط على الأرض يراد منه تثبيت

حقيقة مفادها أن هذه النسوة قد انحصرت فيهن الأفضلية.

ص: 168


1- مسند أحمد بن حنبل، من مسند عبد الله بن عباس: ج 1، ص 293 ؛ فضائل الصحابة، النسائي: ص 74

3-إن نصف عدد هؤلاء النسوة كان من أمته صلى الله عليه وآله وسلم وهذا يدل

على أفضلية نساء هذه الامة، على بقية الأمم.

4-إنّ المثل الذي ضربه الله تعالى للمؤمنين في آسية والاصطفاء في مريم قد جمعته كل من خديجة وفاطمة عليهما السلام بمقتضى قوله تعالى:

«كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ »(1).

فكان إحراز خديجة وفاطمة لما أحرزته مريم وآسية من مصاديق هذه الآية بل

تقتضي الزيادة.

5- حصره صلى الله عليه وآله وسلم التفضيل في نساء الجنة وليس في نساء الدنيا يكشف عن خلاصة هذه النخبة من بين نساء جميع الأمم منذ أن قدر الله تعالى التكاليف الشرعية على الإنسان؛ لأن الجنة خلقت للخُلّص من بني آدم.

ويدل عليه الحديث الآتي:

الحديث الرابع - خيرية خديجة على نساء العالمين
اشارة

أخرج الحاكم النيسابوري في مستدركه على صحيح الشيخين -البخاري ومسلم-

قائلاً: تفرد مسلم بإخراج حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«خير نساء العالمين أربع »(2)

والحديث له دلالات منها:

ص: 169


1- سورة آل عمران، الآية ( 110 ).
2- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري: ج 3، ص 154 .
أولاً: حذف فضائل خديجة من صحيح مسلم
اشارة

قول الحاكم: (تفرد مسلم بإخراج حديث أبي موسى) وساق الحديث دليل على

اتباع أهل الضلال المعادين لأهل البيت عليهم السلام حذف الأحاديث الشريفة

التي تتحدث عن مناقب أهل البيت عليهم السلام من صحيح مسلم؛ إذ تخلو

الطبعات المعاصرة لصحيح مسلم من هذا الحديث، وهذا دليل على اعتماد من يتولى طباعة هذه الصحاح منهج التحريف والتزييف.

ويدل على عدم المصداقية فيما يتم نشره منها ولاسيما أنها لم تعرض على التحقيق والمقابلة مع النسخ القديمة التي اطلع عليها المعاصرون للبخاري ومسلم أو الذين أدركوا هذه النسخ الخطية الأم، أو التي عليها ختم المصنف.

ومما يدل على صحة هذا الحديث إخراج الحفاظ الذين أدركوا مسلماً أو الذين

خلفوه لهذا الحديث فكان منهم:

ألف- الحافظ الضحاك (المتوفى 287 ه)

فقد أخرج الحديث عن أبي جعفر الرازي عن ثابت بن أنس قال: قال رسول الله

صلى الله عليه وآله وسلم:

«خير نساء العالمين مريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم وخديجة بنت خويلد

وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم »(1).

باء- الحافظ ابن حبان (المتوفى 345 ه)

وقد أخرج الحديث عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله

عليه وآله وسلم:

ص: 170


1- الآحاد والمثاني: ج 5، ص 364 .

«خير نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد

صلى الله عليه وآله وسلم وآسية امرأة فرعون »(1).

جيم- الحافظ الطبراني (المتوفى 360 ه)

وقد أخرج الحديث عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى

الله عليه وآله وسلم:

«خير نساء العالمين مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد

وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم»(2).

ثانياً: دلالة الخيرية والأفضلية في الأحاديث النبوية الشريفة

إنّ الفرق بين الخيرية والأفضلية التي اشتملت عليها الأحاديث النبوية الشريفة

هو أن الخيرية تدل على اجتماع صفات الخير في هؤلاء النسوة، كما يدل أيضاً على وجود نساء خيرات في العالمين إلا أن فاطمة وخديجة ومريم وآسية كنَّ خيرهن.

أما الأفضلية فدلالة على أنهن تفردن في الفضل عند الله تعالى، والتفضيل يقتضي

إحرازهن لمراتب لم يكن لغيرهن أن يأتين بها ولذا تفردن عن نساء العالمين بما قدمن لله تعالى.

الحديث الخامس: خديجة سيدة نساء عالمها

من الأحاديث النبوية الشريفة في بيان منزلة خديجة عليها السلام ما روي عنه

صلى الله عليه وآله وسلم في تحديد السيادة لهؤلاء النسوة كلاً حسب عالمها.

ص: 171


1- صحيح ابن حبان: ج 15 ، ص 402 .
2- المعجم الكبير للطبراني: ج 22 ، ص 402 .

فقد روى الطبري والزرندي الحنفي، والمتقي الهندي وغيرهم عن عبد الله بن

عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:

«أربع نسوة سادات عالمهن مريم بنت عمران، وآسية -امرأة فرعون- وخديجة

بنت خويلد وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأفضلهن عالما فاطمة »(1).

دلالة الحديث:

1- الحديث واضح الدلالة على انحصار السيادة في الأزمنة لهؤلاء النسوة إلا أن

أفضل هذه العوالم هو العالم الذي كانت فيه فاطمة (عليها السلام).

2- وإن كان الحديث يجعل السيادة غير منحصرة في مريم (عليها السلام) على

العالمين وإنما في عالمها فقد أخل من جهة أخرى في بيان مقام فاطمة (عليها السلام).

وهذا يدل على أن الحديث يحتمل وجهين، الأول عن السيادة وليس عن العوالم

كما أخرجه المصنفون، بدليل:

أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان يتحدث عن السيادة لهؤلاء النسوة

وإنها منحصرة فيهن ولذا لم يتحدث عن غيرهن، ولو كان حديثه منحصراً في العوالم

لأصبح لكل زمن امرأة تسوده في الفضل على باقي النسوة وهذا يستلزم الدور في كل زمان إلى قيام الساعة.

في حين كل الأحاديث تجمع على انحصار السيادة والخيرية والأفضلية بهؤلاء

النسوة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم:

ص: 172


1- ذخائر العقبى لأحمد بن عبد الله الطبري: ص 44 ؛ نظم درر السمطين للزرندي: ص 178 ؛ كنز العمال للمتقي الهندي: ج 12 ، ص 145 ؛ الدر المنثور للسيوطي: ج 2، ص 23 ؛ تفسير الآلوسي: ج 3، ص 155 .

«خير نسائها مريم ابنة عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد »(1).

كما أخرجه البخاري وغيره.

ولذلك:

يقتضي الحديث السابق أن يكون لأم سلمة عالمها، وزينب بنت جحش عالمها،

ولحفصة عالمها، ولعائشة عالمها.

وهذا الاحتمال مردود لما نصت عليه الأحاديث الشريفة السابقة بانحصار الفضل

والخير والسيادة بمريم وآسية وخديجة وفاطمة.

وعليه:

يكون الحديث بالنظر إلى الأحاديث الصحيحة السابقة أن أفضلهن فاطمة

صلوات الله عليها وليس أن عالمها هو أفضل العوالم لانحصار السيدية والخيرية

والأفضلية بهؤلاء النسوة.

والوجه الآخر: هو حمل الحديث على العوالم فيكون الانحصار بهذه العوالم فقط

أي لا يكون هناك عالم آخر تظهر فيه امرأة فتصل إلى ما وصلت إليه مريم وآسية

وخديجة وفاطمة.

أما اختصاص عالم فاطمة عليها السلام: فلأنها أدركت نصف مرحلة البعثة وجميع

مرحلة الهجرة مع ما ابتليت به من فقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي إنها عاشت أفضل العوالم التي خلقها الله تعالى وهو عالم النبوة.

ص: 173


1- صحيح البخاري: ج 4، ص 138 ؛ صحيح مسلم: ج 7، ص 132 .

وبحمل الوجه الأول على الثاني يكون الحديث محمولاً على الدلالة الآتية:

أربع نسوة سادات عالمهن، مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت

خويلد، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأفضلهن سيادة وعالما فاطمة عليها السلام.

بدلالة قوله صلى الله عليه وآله وسلم الذي أخرجه الحاكم في مستدركه على

الصحيحين وأبو داود في سننه والنسائي في سننه وغيرهم عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة: (إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال وهو في مرضه الذي توفي فيه:

«يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين وسيدة نساء هذه الامة، وسيدة نساء المؤمنين »(1).

واتبعه الحاكم بقوله: وهذا إسناد صحيح ولم يخرجاه.

اذن: نستخلص من ذلك إن قصدية منتج النص (علیه السلام) في قوله:

«ومنا خير نساء العالمين »

هي خديجة بالدرجة الاساس غير مستبعدين احراز سيدة نساء العالمين فاطمة

(صلوات الله عليها وعلى ابيها وبعلها وبنيها) هذه الخيرية ومن ثم مبتغى قصدية

منتج النص، فنساء بيت النبوة اي خديجة وفاطمة (صلوات الله عليهما) هما خير

نساء العالمين؛ اما مقبولية النص فهو مما سنتناوله في المبحث القادم.

ص: 174


1- المستدرك للحاكم النيسابوري: ج 3، ص 156 ؛ مسند أبي داود الطيالسي: ص 197 ؛ السنن الكبرى للنسائي: ج 4، ص 25 و ج 5، ص 147 ؛ الذرية الطاهرة للدولابي: ص 142 ؛ فضائل سيدة النساء لابن شاهين: ص 25 ؛ الاستيعاب لابن عبد البر: ج 4، ص 1895 .

المبحث الثاني: مقبولية النص لدى المتلقي في تفضيل سيدة نساء العالمين (علیها السّلام) في حجاجه لمعاوية

اشارة

ص: 175

ص: 176

إنّ مما يمتاز به المبحث هنا هو تعذر الوصول الى المقبولية والتفاعل مع النص

للوصول الى مقاصديته ضمن هذا الجزء تحديدا،ً اي قول منتج النص «ومنا خير

نساء العالمين ومنكم حمالة الحطب .»

وذلك لتسالم المتلقين على ان المعني في قصدية منتج النص هي فاطمة (صلوت الله وسلامه عليها).

اما مجمل النص ففيه الكثير مما تفاعل معه المتلقون وتباينت آرائهم ومعالجاتهم

لمضامين النص بحسب توجيهاتهم الفكرية والعقدية والنفسية والاجتماعية.

والتي كانت من ابرزها مقبولية ابن ابي الحديد المعتزلي، فقد اسهب في البحث

ودلالته واضفى عليه مادة تاريخية جديدة تظهر القصدية في هذا التفاوت بين

البيتين وما حازه كل منهما من الخصائص والصفات.

ولكن: لابد من البحث والدراسة في مقبولية النص كسياق عام ومتجزء فيما تعلق

بمورد البحث وإن قل التفاعل معه بنسبة ما عند المعتزلي وتأثر حبيب الله الخوئي به فكان التأثر في معيار المقبولية لدى هؤلاء على النحو الاتي:

المسألة الاولى: المقبولية عند معاوية بن أبي سفيان وهو المتلقي الأول
اشارة

إنّ الملفت للانتباه هو عدم اهتمام المؤرخين واهل السير بردود الفعل التي احدثها

كتاب الامام علي (علیه السلام) على معاوية وقد حمله إليه أبو مسلم الخولاني، وهو تساؤل فرضه البحث، فَسَعَينا للبحث عن الاجابة، فكانت النتيجة ضمن النقاط

الاتية:

ص: 177

أولاً: مواجهة قصدية منتج النص في تجريد خصمه من مقومات الحكم

التجئ معاوية الى كتمان فضائل بني هاشم عن اهل الشام التي وردت في كتاب الامام علي (علیه السلام) جواباً على ما ادعاه في مطلع كتابه الذي جاء به الخولاني الى الكوفة، لاسيما وأن قرّاء أهل الشام كان تحركهم نحو معاوية مرتكزاً على خلوِّه من الفضائل التي تمكنه من جمع الناس من حوله في حربه وقتاله للإمام علي (علیه السلام).

فقد بادروه بالسؤال:

(علام تقاتل علياً، وليس لك مثل صحبته ولا هجرته ولا قرابته ولا سابقته).

وعليه:

لم يجد معاوية بُداً وخلاصاً من هذا المأزق سوى محاولة صرف بعض الفضائل

للإمام علي (علیه السلام) وان لبني امية مثل ما لبني هاشم من المآثر، ومن ثم

تقديم افضلية الخلفاء الثلاثة على قاعدة ترتيبهم الزمني في الجلوس على كرسي الخلافة، فضلاً عن نعته للإمام علي (علیه السلام) -والعياذ بالله- بالحسد والبغي موهماً نفسه واشياعه بأنه يستطيع من هذا التعريض دفع الامام علي (علیه السلام) عن بيانه لما جرى من الشيخين في حقه ومن ثم صرف الانظار عن قصدية منتج النص (علیه السلام) في بيانه افتقار معاوية من جميع مقومات الحاكم الاسلامي والخلافة.

وان هذه المقومات مجموعة ومتحققة في عترة النبي (صلی الله علیه وآله)، ابتدأ من قديم عز بني هاشم قبل الاسلام واطفائهم للنبوة والامامة وهو ما اكتنزه النص في «منّا ومنّكم » الذي اوردنا شطراً منه فيما يتعلق بخير نساء العالمين خديجة وفاطمة (عليهما السلام).

ص: 178

ولذا: كان لابد له من ايجاد وسيلة تخرجه من هذا المأزق الذي اوقعه فيه قرّاء اهل

الشام والمجيء اليهم بأمر لا طاقة لهم برده والتخلي عنه، كما في ثانياً.

ثانياً: إن أوج التأثر في النص ظهر في فعل قرّاء أهل الشام

يظهر تفاعل المتلقي الاول -أي معاوية- مع النص في تدبيره للخروج من فك

مقاصدية النص وتأثيراته على المتلقين، فعمد معاوية الى حيلة كبيرة صرف من

خلالها الانظار عن مبتغى منتج النص في اظهار غصبية معاوية للحكم، وفقدانه

لمقومات الحاكم الإسلامي، فجاء الى قميص عثمان ليتخذ منه وسيلة لتغيير موازين مقدمات الحرب والإعداد النفسي والعقدي لها، (فقد البس منبر دمشق قميص عثمان وهو مخضب بالدم، وحول المنبر سبعون الف شيخ يبكون حوله لا تجفُّ دموعهم على عثمان)(1) .

ولا شك ان الالتجاء الى هذه الحيلة العظيمة للخروج من تأثيرات الكتاب الذي

كتبه الامام علي (علیه السلام) له تداعياته الفكرية والاجتماعية على اهل الشام،

فهؤلاء الشيوخ الذين يبكون حول قميص عثمان قد صرفوا الانظار كلياً عن

فضائل علي (علیه السلام) وهجرته وسابقته وقرابته بالنبي (صلی الله علیه وآله).

بل: ان هذه الدموع قد غسلت ادمغة الشاميين عن جميع القيم التي جاء بها

المصطفى (صلی الله علیه وآله) ولم يبق فيها سوى الثأر للخليفة، حتى لو افترضنا مجازاً ومحالاً أن يبعث النبي (صلی الله علیه وآله) من قبره ليخبرهم بأن علياً بريءُ من دم عثمان لما انقادوا لقوله بعد هذا التأثير النفسي، والوعي السلبي المنصاع لخدمة الحاكم.

ص: 179


1- وقعة صفين لنصر بن مزاحم: ص 127 .

ولذلك:

لم يكتف معاوية بهذا الفعل، وانما اتبعه بخطاب أسهَمَ في شد عزمهم وأقفال

عقولهم على الخروج لقتال الإمام علي (علیه السلام) مهما كلف الامر، فقد اطفئ سراج المناقب والفضائل الذي منعهم لاسيما القراء منهم من التعرض لحرب الامام علي (علیه السلام).

ولذا:

خاطب اهل الشام بعد أن ألَّبَ مشاعرهم بقميص عثمان الذي ألبسه المنبر فقال: (يا أهل الشام، قد كنتم تكذبوني في علي، وقد أستبان لكم أمره، والله ما قتل خليفتكم غيره، وهو أمر بقتله، وألَّبَ الناس عليه، وآوى قتلته وهم جنده وأنصاره وأعوانه، وقد خرج بهم قاصدا بلادكم ودياركم لإبادتكم.

يا أهل الشام، الله الله في عثمان، فأنا ولي عثمان وأحق من طلب بدمه، وقد جعل الله لو لي المظلوم سلطانا. فانضروا خليفتكم المظلوم، فقد صنع به القوم ما تعلمون، قتلوه ظلما وبغيا، وقد أمر الله بقتال الفئة الباغية حتى تفيئ إلى أمر الله)(1).

ثم نزل من المنبر.

اذن:

أستطاع المتلقي الأول وهو معاوية، من فهم مقاصدية منتج النص جيداً، واستطاع

ايضاً ان يغير الانماط الثقافية لدى المتلقي الثاني وهم أهل الشام، وسحب تفاعلهم وتأثرهم بمكانة الإمام علي (علیه السلام) وماله من الكمالات والحرمة التي تحول دون إقدامهم على حربه ومواجهته وقتاله فكانت حرب صفين.

ص: 180


1- وقعة صفين، نصر بن مزاحم: ص 127 .
المسألة الثانية: المقبولية عند المعتزلي وحبيب الله الخوئي
اشارة

لم يختلف كلاً من ابن ابي الحديد المعتزلي وحبيب الله الخوئي -كما اسلفنا في بداية المبحث- عن فهم قصدية منتج النص في قوله:

«ومنا خير نساء العالمين ومنكم حمالة الحطب » عن التعريف بتلك الشخصيتين

وانهما المقصودتان بهذه الصفات.

فكانت «خير نساء العالمين » هي عند المتلقي كالآتي:

أولاً: مقبولية النص عند ابن أبي الحديد المعتزلي

قال ابن أبي الحديد في بيان قصدية النص في قوله (علیه السلام):

«ومنا خير نساء العالمين » يعني فاطمة (عليها السلام)، نص رسول الله (صلى الله عليه وآله) على ذلك فلا خلاف فيه.

اذن:

بدا تأثره بالنص واضحاً بأن المقصود هنا فاطمة (عليها السلام) معتمداً في ذلك

على ما ورد عن رسول الله (صلی الله علیه وآله).

ومن ثم فإن هذه الحجة والاستدلال أي بالاعتماد على الاحاديث النبوية وهو

يقود الى أن منتج النص هي سيدتنا ومولاتنا خديجة الكبرى (عليها السلام) -كما

مر انفاً- فهي من خير نساء العالمين كأبنتها سيدة النساء فاطمة الزهراء (صلوات

الله عليها وعلى بعلها وبنيها).

ص: 181

ثانياً: مقبولية النص عند حبيب الله الخوئي

قال السيد حبيب الله الهاشمي الخوئي (رحمه الله) في بيان مقبولية للنص واظهار قصدية الإمام علي (علیه السلام) في قوله:

«ومنا خير نساء العالمين ومنكم حمالة الحطب »:

يعني: بخير نساء العالمين فاطمة بنت رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )المعصومة الَّتي أذهب اللهَّ عنها الرّجس وطهّرها تطهيرا، فقد روى أبو الحسين مسلم بن الحجّاج في جامعه المعروف بصحيح مسلم (الباب التاسع من كتاب الفضائل في فضائل أهل بيت النّبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ص 1883 ج 4 من طبع مصر) بإسناده عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمّد بن عبدالله بن نمير، عن محمّد بن بشير، عن زكريّا، عن مصعب بن شيبة، عن صفيّة بنت شيبة قالت: قالت عائشة: خرج النّبيّ (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) غداة وعليه مرط مرحّل من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثمّ جاء الحسين فدخل معه، ثمّ جاءت فاطمة فأدخلها، ثمّ جاء علي فأدخله، ثمّ قال: إنّما يريدالله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا.

وفي الباب الخامس والخمسين من ينابيع المودّة للفاضل الشّيخ سليمان النقشبنديّ الحنفي (ص 148 من الطبع الناصري): وفي جمع الفوائد، عائشة: كنّ أزواج النّبيّ (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) عنده لا يغادر منهنّ واحدة فأقبلت فاطمة تمشي ما تخطي مشيتها من مشية النّبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) شيئا فلمّا رآها رحب بها، وقال: مرحبا يا بنتي ثمّ أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثمّ سارّها فبكت بكاء شديدا، فلمّا رأى جزعها سار الثانية فضحكت فلمّا قام سألتها ما قال لك أبوك قالت: ما كنت لأفشى على رسول ا لله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) سرّه فلمّا ، توفّی قلت: عزمت عليك بما لي عليك من الحقّ حدّثني ما قال لك أبوك (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )قالت: أمّا الان فنعم؛ أمّا حين

ص: 182

سارّني في المرّة الأولى فأخبرني أن جبر بائيل كان يعارضني القرآن في كلّ سنة مرّة وعارضه الان مرّتين وإنّی لا أرى الأجل إلَّا قد اقترب فاتّقي اللهَ واصبر فإنّه

نعم السلف أنا لك، فبكيت بكائي الَّذي رأيت، فلمّا رأى جزعي سارّني في الثانية

فقال: يا فاطمة أما ترضين أن تكون سيّدة نساء المؤمنين أو سيّدة نساء هذه الامّة فضحكت ضحك الَّذي رأيت؛ وفي رواية: ثمّ سارّني أنّی أوّل أهله يتبعه فضحكت وفي أخرى قال: أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء أهل الجنّة وأنّك أوّل أهلي لحوقا بي فضحكت، للشّيخين والترمذي.

وقال: وفي صحيح البخاري: قال النبّي صلى اللهَ عليه وآله: فاطمة سيّدة نساء

أهل الجنّة.

وقال أيضا: وفي جمع الفوائد: أنس رفعه حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد، وآسية امرأة فرعون -للترمذي-؛ انتهى.

قلت: رواية البخاري مذكورة في باب مناقب فاطمة عليها السّلام (ص 36 من

الجزء الخامس من صحيح البخاري المشكول).

وفي الدر المنثور في التفسير بالمأثور في قوله تعالى: «وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ »(1): أخرج الحاكم وصحّحه عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أفضل نساء العالمين خديجة، وفاطمة، ومريم، وآسية امرأة فرعون.

وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله إنّ اللهَ اصطفى على نساء العالمين أربعة: آسية بنت مزاحم، ومريم بنت عمران، وخديجة

بنت خويلد وفاطمة بنت محمّد (صلى اللهَ عليه وآله).

ص: 183


1- سورة آل عمران، الآية ( 42 ).

) ))

وأخرج أحمد والترمذي وصححّه وابن المنذر وابن حبّان والحاكم عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: حسبك من نساء العالمين، مريم بنت عمران

وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد صلى الله عليه وآله، وآسية امرأة فرعون،

وأخرجه ابن أبي شيبة عن الحسن مرسلا.

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن فاطمة عليها السّلام: قالت: قال لي رسول

ا لله (صلى الله عليه وآله): أنت سيّدة نساء أهل الجنّة لا مريم البتول.

وأخرج ابن عساكر من طريق مقاتل عن الضحّاك، عن ابن عبّاس، عن النّبي صلى الله عليه وآله قال: أربع نسوة سادات عالمهنّ: مريم بنت عمران، وآسية بنت

مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد صلى ا لله عليه وآله، وأفضلهنّ عالما فاطمة.

انتهى ما أردنا من نقل ما في الدّر المنثور.

أقول: ونزل في آسية امرأة فرعون وفي مريم قوله تعالى «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ *وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ »(1).

ثمّ لمّا كانت فاطمة عليها السلاّم بضعة من أبيها خاتم النبييّن سيّد ولد آدم كما

رواها الفريقان في جوامعهم الروائية فهي عليها السلاّم سيّدة نساء العالمين مطلقا فقوله تعالى في مريم عليها السّلام «وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ » محمول على أنها مصطفاة عليهنّ لا مطلقا بل على بعض الوجوه، فليتأمّل في قول الإمام أبي جعفر

ص: 184


1- سورة التحريم، الآية ( 11 - 12 ).

عليه السلاّم في معنى الآية: اصطفاك لذرية الأنبياء وطهّرك من السفاح واصطفيك

لولادة عيسى من غير فحل.

وفي قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ *ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ »(1).

وفي قوله تعالى: «وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ *مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ *وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ »(2) وفي قوله تعالى: «وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ »(3).

وفي قوله تعالى: إ«إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ »(4) وفي قوله تعالى«وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ » 5(5).

وفي قوله تعالى «وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ »(6).

فإمّا أن يكون المراد من العالمين في قوله تعالى « وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ »َ: نساء عالمي زمانها كما مال إليه غير واحد من المفسّرین بآيتي الدّخان والجاثية، ولكنّ الإعراض عن اطلاق سياق الآية لا يخلو من دغدغة.

ص: 185


1- سورة آل عمران: الآية ( 34 ).
2- سورة الدخان: الآية ( 33 ).
3- سورة الجاثية: الآية ( 17).
4- سورة آل عمران: الآية( 46 ).
5- سورة الأنبياء، الآية ( 91 ).
6- سورة الطلاق، الآية ( 12 ).

وإمّا أنّ المراد من اصطفائها على نساء العالمين اصطفائها عليهنّ من حيث إنّها

آية عجيبة إلهيّة كما بيّنه أبو جعفر عليه السلاّم في الخبر المذكور بقوله: واصطفيك لولادة عيسى من غير فحل، ويستفاد هذا المعنى من آيتي الأنبياء والتحريم ويؤيّد بهما فلا تختصّ من هذه الجهة بنساء عالمي زمانها، وهذا الوجه الأخير كأنّه الصوّاب أو هو متعیّن)(1).

اذن:

تمتاز المقبولية عند السيد حبيب الله الخوئي بعدةّ نقاط اظهرت تفاعله وتأثره

بالنص، وهي كالاتي:

1- أورد جملة من الاحاديث الشريفة والايات المباركة التي اراد من خلالها بيان

قصدية منتج النص بأن غرضه في خير نساء العالمين هي فاطمة (عليها السلام)

حصراً.

2- إن ايراده لهذا الاستقراء في الروايات الشريفة والايات المباركة هدفه اظهار

هذا الاستحقاق الذي حظيت به البضعة النبوية من خلال جملة من الصفات

الكمالية والايمانية.

بمعنى: لم تكن الخيرية التي وردت في الحديث ناتجة عن منزلة القرابة مع رسول

الله (صلی الله علیه وآله)، وانما لجملة من الفضائل والكمالات التي نالتها بضعة

النبي (صلی الله علیه وآله).

3- دفع في عرضه لبعض الشبهات والتساؤلات التي ترد على ذهن المتلقي في

المقارنة بينها وبين مريم ابنة عمران (عليهما السلام) التي ورد فيها الذكر الحكيم في

ص: 186


1- منهاج البراعة: ج 19 ص 139 - 142 .

بعض الآيات التي استعرضها في استقرائه مبيناً انها -أي: فاطمة (عليها السلام)-

قد فاقت مريم (عليها السلام) في كثير من الصفات والكمالات ومن ثم فهي خير

نساء العالمين.

4-بیَّن ببعض الاوجه في معنى الاصطفاء، اي اصطفاء فاطمة (عليها السلام)

على خير نساء العالمين اللاتي ورد ذكرهن في الحديث النبوي الشريف، اي: خديجة وفاطمة (عليهما السلام) واظهر من خلال البحث العلة في اصطفائها (عليها السلام) على جميع النساء وإن علا ذكرهن وفضائلهن مبتغياً في ذلك قطع الطريق على المتأولين والرادين للحق والذين يكمتون ما انزل الله.

5- اظهر من خلال هذه السيرة العطرة لسيدة نساء العالمين وخيرهن فاطمة

(عليها السلام) ما عرى الصورة الاخرى من القبح التي اعتلتها حمالة الحطب.

بمعنى: كي يدرك الانسان معنى الجمال فلابُدَّ له من ان يرى القبح ايضاً؛ وهنا

كان ممثلاً بهذا التفاوتات بين الصورتين، صورة خير نساء العالمين وصورة حمالة

الحطب.

ولذا:

نجده (رحمه الله) يورد ما جاء على لسان المؤرخين والمفسرين في بيانهم لسيرة حمالة الحطب، فقال:

(حمالة الحطب: هي العوراء امّ جميل امرأة عبد العزّى المكنّى بأبي لهب بنت حرب أخت أبي سفيان عمّة معاوية الَّتي ورد فيها وفي زوجها قوله تعالى: «تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ *مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ*سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ *وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ *فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ »(1).

ص: 187


1- سورة المسد.

وفي تفسير الدّر المنثور وأخرج ابن جرير عن ابن زيد أنّ امرأة أبي لهب كانت تلقى في طريق النّبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) الشوك فنزلت«تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ».....«وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ»

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد «وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ» قال:

كانت تأتي بأغصان الشوك تطرحها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وآله.

وأخرج ابن أبي الدّنيا في ذمّ الغيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد «وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ»قال: كانت تمشى بالنميمة «فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ »من نار.

وأخرج ابن أبي جرير وابن أبي حاتم عن قتادة«وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ»قال:

كانت تنقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض ﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ﴾ قال: عنقها.

وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن «حَمَّالَةَ الْحَطَبِ» قال: كانت تحمل النميمة فتأتي بها بطون قريش.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف عن عروة بن الزبير

«فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ » قال: سلسلة من حديد من نار ذرعها سبعون ذراعا.

وفي التفسير الصاّفي نقلا من قرب الأسناد عن الكاظم عليه السّلام في حديث

آيات النّبي صلى الله عليه وآله قال: ومن ذلك أنّ امّ جميل امرأة أبي لهب أتته حين نزلت سورة تبّت ومع النّبي أبو بكر بن أبي قحافة فقال: يا رسول الله هذا أم جميل محفظة أم مغضبة تريدك ومعها حجر تريد أن ترميك به فقال صلى الله عليه وآله: إنّها لا تراني، فقالت لأبي بكر: أين صاحبك؟، قال: حيث شاء الله، قالت: لقد

جئته ولو أراه لرميته فإنّه هجاني واللّات العزّی إنّی لشاعرة، فقال أبو بكر: يا

رسول الله لم ترك قال: لا، ضرب الله بيني وبينها حجابا.

ص: 188

وقال معاوية يوما وعنده عمرو بن العاص وقد أقبل عقيل: لأضحكنّك من عقيل فلمّا سلم قال معاوية: مرحبا برجل عمهّ أبو لهب، فقال عقيل: وأهلا برجل عمّته حمّالة الحطب في جيدها حبل من مسد، قال معاوية: يا أبا يزيد ما ظنّك بعمّك

أبي لهب قال: إذا دخلت النار فخذ على يسارك تجده مفترشا عمّتك حمّالة الحطب أفناكح في النار خير أم منكوح قال: كلا شرّ والله، نقله الشارح المعتزلي في الجزء الرّابع من شرحه على النهج ( 27 من الطبع الرحلي).

ونقل الشّيخ الأجل المفيد قدس سرهّ في الإرشاد (ص 173 طبع طهران

1377 ه): بعد السبب في قبول الإمام الحسن المجتبى عليه السلاّم الهدنة والصلح من معاوية ما هذا لفظه: فتوثق عليه السلاّم لنفسه من معاوية بتوكيد الحجّة عليه والإعذار فيما بينه وبينه عند اللهَ تعالى وعند كافة المسلمين واشترط عليه ترك سبّ أمير المؤمنين عليه السلاّم والعدول عن القنوت عليه في الصلّاة، وأن يؤمّن شيعته رضى الله عنهم ولا يتعرّض لأحد منهم بسوء ويوصل إلى كلّ ذي حقّ منهم حقّه.

فأجابه معاوية إلى ذلك كلّه وعاهده عليه وحلف له بالوفاء به فلمّا استتمّت الهدنة

على ذلك سار معاوية حتّى نزل بالنخيلة وكان ذلك يوم الجمعة فصلى بالناس ضحى النهار فخطبهم وقال في خطبته: واللهَ ما قاتلتكم لتصلَّوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكَّوا انكم لتفعلون ذلك ولكنّي قاتلتكم لأتامّر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له لكارهون، ألا وإنّی كنت منّيت الحسن عليه السلاّم أشياء وأعطيته أشياء وجميعها تحت

قدمي لا أفي بشيء منها له.

ثم سار حتّى دخل الكوفة فأقام بها أيّاما فلمّا استتمّت البيعة له من أهلها صعد المنبر فخطب الناس وذكر أمير المؤمنين عليه السلاّم ونال منه ونال من الحسن عليه السلاّم ما نال وكان الحسن والحسين عليهما السلاّم حاضرين فقام الحسين عليه السّلام ليردّ عليه

ص: 189

فأخذ بيده الحسن عليه السّلام وأجلسه، ثم قام فقال: أیّها الذاكر عليّا أنا الحسن وأبي عليّ وأنت معاوية وأبوك صخر وامّي فاطمة وامّك هند وجدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وجدّك حرب وجدّتي خديجة وجدّتك فتيلة، فلعن الله أخملنا ذكرا وألأمنا حسبا وشرّنا قدما وأقدمنا كفرا ونفاقا، فقالت طوائف من أهل المسجد: آمين آمين، انتهى قوله قدّس سره.

وروى قريبا منه المحدّث القميّ رضوان الله عليه في مادّة حسن من سفينة البحار عن الشعبي، وقال الفاضل الشارح المعتزلي: إنّ هذا الحديث نقله الفضل بن الحسن المصري عن يحيى بن معين قال وقال الفضل: قال يحيى: آمين، وقال الفضل: أنا أقول آمين، وقال عليّ بن الحسين الاصفهاني آمين، وقال الشارح المذكور أنا أقول آمين، وكذلك كاتب هذه الأحرف الحسن بن عبد الله الطبري الآملي يقول آمين آمين ويرحم ا لله تعالى عبدا قال آمين(1) .

وعليه: فقد أجاد (رحمه الله) في نقل هاتين الصورتين كي يدرك الإنسان أي البيتين أراد الله تعالى اصطفائه وتكريمه ورفعه وأن يذكر فيه اسمه.

فقال عز وجل: «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ »(2).

ص: 190


1- منهاج البراعة: ج 19 ص 142 - 144 .
2- سورة النور، الآية ( 36 ).

نتائج الدراسة

توصلت الدراسة في مقاصدية النص الشريف الوارد عن أمير المؤمنين علي (عليه

الصلاة والسلام) ومقبوليته المتعلقة بسيدة نساء العالمين فاطمة (عليها السلام) في نهج البلاغة وتحليله إلى بعض النتائج وهي كالاتي:

أولاً- لقد حققت التداولية أو نظرية نحو النص ضمن معاييرها السبعة التي

وضعها (بوجراند ودريسلر) فتحاً جديداً في بناء العلاقة التواصلية بين بني البشر

وذلك لما تحمله اللغة من قوة وروحية في بناء الانسان والحضارة.

فلولا اللغة لأصبح الانسان فاقدا لخصوصيته وميزته في بناء الحياة ونموها

والمحافظة عليها، فبها تحددت الحضارات، وشخصت المجتمعات، وتحددت

الهويات.

ثانياً- إن معياري القصدية والمقبولية كانت من اقوى المعايير النصية اثراً في

العلاقة التواصلية بين الملقي والمتلقي وهما روح العلاقة بين المتكلم والسامع وذلك لتحريكهما المشاعر الوجدانية والخلجات النفسية والنوافذ الذهنية لاسيما اذا كان النص مقدساً كما كان في عينة الدراسة.

ص: 191

ثالثا- لقد توصلت الدراسة الى ان النص المقدس ويراد به هنا (القرآن والسنة

المشتملة على قول النبي وعترته (صلوت الله وسلامه عليهم اجمعين) هو من

أخصب العينات البحثية في معياريّ القصدية والمقبولية؛ ولذا فإن الدارس

والباحث في العلوم الحوزوية والشرعية هو المعني الاول في إضافة هذين المعيارين في دراسته لهذه النصوص.

رابعاً- إنّ دراسة النص بآليات النظرية التداولية وبالأخص معيارّي القصدية والمقبولية

توصل الباحث الى حقائق عديدة وتكشف عن خبايا الحوادث الكثيرة دون الحاجة الى التنقير في مصنفات المؤرخين وشواهد الحاضرين للحدث.

فها هو صاحب الحدث (علیه السلام) يتكلم عن أحواله وشؤونه وخصوصياته

وهو بذاك يغني الباحث عن الرجوع الى المصادر والرواة والحفاظ وما ذكروا.

إذ يكفي بدراسة النص بعد ثبوت نسبته للقائل بتطبيق معياريّ القصدية والمقبولية

للوصول الى حقيقة الاحداث والمواقف، وكشف ما جهد المخالفون لمنتج النص في

اخفائه ونكرانه.

فقد زج منتج النص بما يحتاج اليه الباحث في مكنون خطابه ودعاه الى التأمل

والبحث والتفكير فيما يقول ، ومن ثم سيجد الباحث نفسه غنيا فيما يبحث عنه غير محتاج الى مسند الروايات ومرسلها فقد بدد النص ظلمات المخالفين.

خامساً- إنّ من الخصائص التي تضفيها الافعال الكلامية هو الوقوف على مشاعر

المتكلم -أي: منتج النص- وما كان يجول في نفسه من احزان وآلام وتفجع وحنين

وشوق وصبر وتحمل للأذى.

ص: 192

بمعنى: انك تنظر الى منتج النص وهو كتلة من المشاعر وكأنك واقف بين يديه

وحاضر في جزيئات حياته وهو مالم تحصل عليه من الاخرين وان قربوا من منتج

النص وشهدوا احداثه ومجريات اموره وهذا مما توصلت اليه الدراسة في حال امير

المؤمنين (علیه السلام) بعد فقده سيدة نساء العالمين (عليها السلام).

سادساً- إن دراسة مقاصدية المقبولية تحفظ للنص حقوق منتج النص وتعيد له

قوته الانجازية وروحه التواصلية التي اراد المتلقون سلبها وتجريدها من النص

ليصبح نصاً جامداً و هيئة فارغة من الروح والحس.

وهي بذاك -أي: الدراسة- تدعو الباحثين الى توظيف هذا المعيار في دراسة النص

وتحليله لاسيما النصوص المقدسة.

سابعاً- لقد استطاعت الدراسة -بحمد الله وفضله- الوصول الى حقائق جديدة

وعديدة فيما يخص البضعة النبوية فاطمة الزهراء (عليها السلام)؛ سواء فيما يتعلق

بشخصها أو بما جرى عليها من المصائب أو سواء فيما يتعلق بالإمام أمير المؤمنين

(علیه السلام)؛ ومن ثم فقد اضافت الدراسة مادة معرفية جديدة.

ثامناً- ان النص الشريف كان معينا رويا للعديد من العلوم، ومكنزاً للعديد من

المعارف والتي تجلتّ من خلال البحث في مقاصدية النص وسعته في الاحاطة

بمقوامة روح النص ودوام تأثيره على مر الازمنة وتعدد الثقافات والمشارب

الفكرية وهو ما شهدته الدراسة في بحثها للمقبولية لدى المتلقين الذين اختلفت

ازمنتهم وثقافاتهم وعقائدهم.

ص: 193

ومن ثم وجدت الدراسة ان النص الشريف دائم البقاء لقوته الانجازية وعناصره

الروحية الجاذبة والفاعلة في العملية التواصلية بين بني البشر.

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيه الامين محمد وآله الطاهرين.

وبهذا نكون قد انهينا ما وفقنا الله تعالى اليه في هذه الدراسة والبحث بسابق لطفه ومَنّه وفضله وفضل رسوله (صلی الله علیه وآله).

اللهم تقبله منا بأحسن قبولك فإنا اليك والى رسولك (صلی الله علیه وآله)

راغبون، ونقول: «سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ »(1).

«سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ *وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ *وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ »(2).

ص: 194


1- سورة التوبة، الآية ( 59 ).
2- سورة الصافّات، الآية ( 180 - 182 ).

المصادر

1- اتحاف السائل بما لفاطمة من المناقب والفضائل، زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (ت: 1031 ه)، دراسة وتحقيق وتعليق: عبد اللطيف عاشور، الناشر: مكتبة القرآن للطبع والنشر والتوزيع، القاهرةاثارة الترغيب والتشويق للخوارزمي ط دار الكتب.

2-الآحاد والمثاني/الضحاك/الوفاة: 287 ه/تحقيق: باسم الجوابرة/ الطبعة: الأولى/لسنة: 1411 - 1991 م/الناشر: دار الدراية -الرياض.

3- الأحاديث المختارة/ تأليف: الضياء المقدسي/ تحقيق: عبد الملك بن عبدالله بن دهيش/ نشر: دار خضر للطباعة والنشر/ سنة الطبع: 1421 ه، 2001 م/ بيروت-لبنان.

4- الاحتجاج/ تأليف: الشيخ أبو منصور أحمد بن علي الطبرسي/ تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري/ الطبعة السادسة/ نشر: دار الأسوة للطباعة والنشر/ سنة الطبع: 1425 ه، 2004 م/ قم المقدسة-إيران.إحقاق الحق: ج 10 ، ص 212 .

ص: 195

5- الأحكام السلطانية والولايات الدينية/علي بن محمد البغدادي الماوردي/ الوفاة: 450 / ط الثانية/ 1386 - 1966 م/ شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر عباس ومحمد محمود الحلبي وشركاءهم – خلفاء/: توزيع دار التعاون للنشر والتوزيع عباس أحمد الباز مكه المكرمة.

6- أحكام القرآن/ الجصاص/ الوفاة: 370 / تحقيق: عبد السلام محمد علي شاهين/ط الأولى/ 1415 - 1995 م/الناشر: دار الكتب العلمية-بيروت- لبنان.

7- أحكام القران/ تأليف: محمد بن ادريس الشافعي/ تحقيق: عبد الغني عبد الخالق/ نشر وطبع: دار الكتب العلمية لسنة 1400 ه، 1980 م/ بيروت-لبنان.

8-الأموال/ أبو أحمد حميد بن مخلد بن قتيبة بن عبد الله الخرساني المعروف بابن زنجويه (المتوفى: 251 ه)/ تحقيق الدكتور: شاكر ذيب فياض الأستاذ المساعد-بجامعة الملك سعود/الناشر: مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، السعودية/ط الأولى/- 1406 ه- 1986 م.

9- إحياء علوم الدين/ محمد بن محمد الغزالي أبو حامد/ الناشر: دار المعرفة – بيروت.

10- ذكر أخبار إصبهان/ تأليف: الحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الإصبهاني/ نشر: مطبعة بريل/ سنة الطبع: 1352 ه، 1934 م/ ليدن- هولند

ص: 196

11- أخبار الدول وآثار ا لأول في التاريخ/ تأليف: أحمد بن يوسف القرماني/ تحقيق: د. أحمد حطيط، د. فهمي سعد/ نشر: عالم الكتب/ الطبعة الأولى/ سنة الطبع: 1412 ه، 1991 م/ بيروت-لبنان.

12- الأخبار الطوال/ أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري (المتوفى: 282 ه)/ تحقيق: عبد المنعم عامر/مراجعة: الدكتور جمال الدين الشيال/الناشر: دار إحياء الكتب العربي-عيسى البابي الحلبي وشركاه/ القاهرة/ ط الأولى/ 1960 م.

13- اختيار مصباح السالكين/ لابن ميثم البحراني/ تحقيق: محمد هادي الأميني/ مشهد-إيران/ مجمع البحوث الإسلامية/ ط 1/ 1408 ه.

14- مسند أبي يعلى الموصلي/ أبو يعلى الموصلي/-الناشر: دار المأمون للتراث/ط 2/ 1410 – 1989 .

15-صحيح البخاري/البخاري/ الوفاة: 256 / الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع/ 1401 - 1981 م.

16- إرشاد القلوب/ تأليف: الحسن بن محمد الديلمي/ الطبعة الثانية/ نشر: إنتشارات الشريف الرضي/ سنة الطبع: 1415 ه، 1994 م/ قم المقدسة-إيران.الارشاد للمفيد (رحمه الله): ج 2 ص 17 ؛

17- أساس البلاغة/ محمود بن عمر الزمخشري جار الله أبو القاسم/المحقق: محمد باسل عيون السود/ الناشر: دار الكتب العلمية/ 1419 - 1998 .

ص: 197

18-الأساطير والمعتقدات العربية قبل الإسلام/ لميخائيل مسعود/بيروت: دار العلم للملايين/ 1994 .

19-اساليب التكرار في ديوان سرحان لمحمود درويش/ (رسالة ماجستير) لعبد القادر علي زروقي-جامعة الحاج كلية الاداب، الجزائري: السنة 2011 م.

20- الاستذكار/ ابن عبد البر/الوفاة: 463 /تحقيق: سالم محمد عطا-محمد علي معوض/ط الأولى/ 2000 م/ بيروت-دار الكتب العلمية

21- استراتيجيات الخطاب مقاربة لغوية تداولية/ عبد الهادي بن ظافرالشهري/ الناشر: دار الكتاب الجديد/ 2004 .

22- استنطاق آية الغار واشكالية التنصيص الحديثي بين التثنية والتثليث/ دراسة وتحليل وتعليق: السيد نبيل الحسني/ الطبعة -الأولى/ لسنة: 1435 ه/ الناشر: العتبة الحسينية المقدسة -قسم الشؤون الفكرية والثقافية، العراق -كربلاء المقدسة.

23-الاستيعاب/ تأليف: ابن عبد البر/ تحقيق: علي محمد البجاوي/ الطبعة الأولى/ نشر: دار الجيل/ سنة الطبع: 1412 ه، 1991 م/ بيروت-لبنان.

24- أسد الغابة في معرفة الصحابة/ تأليف: عز الدين ابن الأثير ابي الحسن علي بن محمد الجزري/ تحقيق: مجموعة من المحققين/ الطبعة الثانية/ نشر: دار الكتب العلمية/ سنة الطبع: 1424 ه، 2003 م/ بيروت-لبنان.

ص: 198

25- الأشباه والنظائر/عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي/ الوفاة 911 / الناشر دار الكتب العلمية،-بيروت/ 1403 .

26- الإصابة في تميز الصحابة/ ابن حجر/ الوفاة: 852 ه/ تحقيق: علي محمد البجاوي/ لسنة: 1992 / الناشر: دار الجيل، بيروت، ودار الكتب العلمية، بيروت -لبنان.

27- أصول الفقه/ الشيخ محمد رضا المظفر/ منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات-بيروت لبنان/الطبعة: الثانية 1990 .

28- الاعتقادات في دين الإمامية/الشيخ الصدوق/الوفاة: 381 /تحقيق: عصام عبد السيد/الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع-بيروت – لبنان/ط الثانية/ 1414 - 1993 م.

29-إعجاز القرآن/ أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم الباقلاني/الناشر: دار المعارف – القاهرة/تحقيق: السيد أحمد صقر.

30- أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام/ عمر رضا كحالة/ الناشر: مؤسسة الرسالة.

31- اعلام الورى بأعلام الهدى/ الفضل بن الحسن الطبرسي/تحقيق: علي اكبر الغفاري/الناشر: دار المعرفة للطباعة و النشر – بيروت/ الطبعة: 1399 ه/ 1979 م.

ص: 199

32- الأعلام/خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس، الزركلي الدمشقي (المتوفى: 1396 ه)/الناشر: دار العلم للملايين/الطبعة: الخامسة عشرة-أيار/ مايو 2002 م.

33- إقبال الأعمال/المؤلف: السيد ابن طاووس/الوفاة: 664 /تحقيق: جواد القيومي الاصفهاني/ الطبعة: الأولى/ سنة الطبع: رجب 1414 / المطبعة: مكتب الإعلام الإسلامي.

34- الاكتفاء/ سليمان بن موسى الكلاعي/الوفاة: 634 ه/ الناشر: مكتبة الخانجي، القاهرة -مصر.

35-الالزامات والتتبع للدارقطني/ تأليف: أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينر البغدادي الدارقطني (ت 385 ه)/ دراسة وتحقيق: الشيخ أبو عبد الرحمن مقبل بن هادي الوداعي/ طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1405 ه، 1985 م/ الطبعة الثانية/ بيروت-لبنان.

36-أمالي ابن الشجري/ هبة الله بن علي بن محمد بن حمزة الحسني العلوي أبو السعادات ابن الشجري/ المحقق: محمود محمد الطناحي/الناشر: مكتبة الخانجي/ سنة النشر: 1413 – 1992 .

37- آمالي الطوسي/ (ت 460 ه)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية- -مؤسسة البعثة، سنة الطبع: 1414 ، الناشر: دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع- قم، ط 1.

ص: 200

38- اللآلي في شرح أمالي القالي/ عبد الله بن عبد العزيز بن محمد البكري/ تحقيق: عبد العزيز الميمني/ دار النشر: دار الكتب العلمية-بيروت/ لبنان/ الطبعة: الأولى/- 1417 ه- 1997 م.

39-الأمالي/ الشيخ المفيد/الوفاة: 13/ تحقيق: حسين الأستاد ولي ، علي 4 أكبر الغفاري/ الطبعة: الثانية/ 1414- 1993 م.

40- الأمالي/ الشيخ الطوسي/ الوفاة: 460 ه/ تحقيق: مؤسسة البعثة/ الطبعة: الأولى/ لسنة: 1414 / الناشر: دار الثقافة – قم.

41- الإمامة والسياسة/ تأليف: ابن قتيبة الدينوري/ تحقيق: طه محمد الزيني/ نشر: مؤسة الحلبي وشركاه للنشر والتوزيع.

42- الإمامة وأهل البيت/ محمد بيومي مهران/ الطبعة: الثانية/ لسنة: 1995-1415 م/ الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية.

43- امتاع الأسماع/ تأليف: تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد المقريزي/ تحقيق: محمد عبد الحميد النميسي/ الطبعة الأولى/ نشر: دار الكتب العلمية/ سنة الطبع: 1420 ه، 1999 م/ بيروت-لبنان.

44- الأموال/ أبو عُبيد القاسم بن سلّام بن عبد الله الهروي البغدادي (المتوفى: 224 ه)/ المحقق: خليل محمد هراس/ الناشر: دار الفكر.-بيروت.

45- إنباه الرواة على أنباه النحاة/ علي بن يوسف القفطي جمال الدين أبو الحسن/المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم/ 1406 – 1986 .

ص: 201

46- أنساب الأشراف/البلاذري/ تحقيق: محمود الفردوس العظم/ الطبعة الأولى/ نشر: دار اليقظة العربية/ سنة الطبع: 1417 ه، 1997 م/ دمشق- سوريا.

47- الأنوار الالهية في المسائل العقائدية/الميرزا جواد الت ريزي/ الناشر: دار الصديقة الشهيدة عليها السلام/ الطبعة: الرابعة 1425 .

48 الايضاح في الرد على سائر الفرق/ تأليف: الفضل بن شاذان النيسابوري/ تحقيق: جلال الدين الارموي/طبع ونشر: مؤسسة التأريخ العربي-لبنان ، بيروت .

49- باب فاطمة صلوات الله وسلامه عليها بين سلطة الشريعة وشريعة السلطة/ دراسة وتحليل وتحقيق نبيل الحسني؛.-كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة. قسم الشؤون الفكرية والثقافية، 1435 ق. - 2014 م.

50- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار/ تأليف: العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي/ الطبعة الثانية المصححة/ نشر: مؤسسة الوفاء/ سنة الطبع: 1403 ه، 1983 م/ بيروت-لبنان.

51- مسند البزار ( البحر الزخار )/أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار/سنة الولادة 215 / سنة الوفاة 292 / تحقيق د. محفوظ الرحمن زين الله/ الناشر مؤسسة علوم القرآن , مكتبة العلوم والحكم/ 1409 / مكان النشر بيروت , المدينة.

ص: 202

52-تفسير البحر المحيط/ أبي حيان الأندلسي/ الوفاة: 745 ه/ الناشر: دار الفكر، لسنة: 1992 م.

53-البدء والتاريخ/ المطهر بن طاهر المقدسي/ الناشر: دار صادر، بيروت -لبنان.

54- بشارة المصطفى/ محمد بن علي الطبري/ الوفاة: ن 525 / تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني/ الطبعة: الأولى/ لسنة: 1420 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين -قم المشرفة.

55- بصائر الدرجات/ محمد بن الحسن الصفار/الوفاة: 290 ه/تحقيق: الحاج ميرزا حسن كوچه باغي/ لسنة: 1404 - 1362 ش/ الناشر: منشورات الأعلمي – طهران.

56-بلاغات النساء/ أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر ابن طيفور (المتوفى: 280 ه)/صححه وشرحه: أحمد الألفي/ الناشر: مطبعة مدرسة والدة عباس الأول، القاهرة/ 1326 ه- 1908 م.

57-البلد الامين والدرع الحصين/ الشيخ تقي الدين ابراهيم بن علي بن الحسن بن محمد العاملي الكفعمي/ قدم له وعلق عليه: علاء الدين الاعلمي/ الناشر: منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات/ط الاولى 1997 .

58-البيان والتبيين/ أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ/ تحقيق: المحامي فوزي عطوي/ الناشر: دار صعب – بيروت/الطبعة الأولى ، 1968 .

ص: 203

59- بيت الأحزان/ الشيخ عباس القمي/ الوفاة: 1359 ه/ دار المعارف، بيروت -لبنان، لسنة: 1998 م.

60- تاج العروس/ الزبيدي/ الوفاة: 1205 ه/ تحقيق: علي شيري/ لسنة: 1414 - 1994 م/ الناشر: دار الفكر، بيروت.

61-تاريخ الأمم والرسل والملوك/ المؤلف: محمد بن جرير الطبري أبو جعفر/الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت/ الطبعة الأولى ، 1407 .

62- الكامل في التاريخ/ ابن الأثير/ الوفاة: 630 ه/ الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت -لبنان/ لسنة: 1997 م.

63- تاريخ مدينة دمشق/ ابن عساكر/ الوفاة: 571 ه/ الناشر: دار الفكر، بيروت – لبنان.

64- تاريخ أبي الفداء/ أبي الفداء/ الوفاة: 732 ه/ الناشر: دار الكتاب البناني، بيروت -لبنان.

65- تاريخ الإسلام/ الذهبي/ الوفاة: 748 ه/ تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمرى/ الطبعة: الأولى/ لسنة: 1407 - 1987 م/ الناشر: دار الكتاب العربي.

66- تاريخ الجنس العربي في مختلف الاطوار والادوار والاقطار/-محمد عزة دروزه/ بيروت/ دار النشر منشورات المكتبة العصرية.

67- تاريخ الخلافة الراشدة خلاصة تاريخ ابن كثير/ تأليف: القاضي الشيخ محمد بن أحمد كنعان/ طبع: مؤسسة المعارف لسنة 1417 ه، 1997 م/

ص: 204

الطبعة الأولى/ بيروت-لبنان.

68- تاريخ الخلفاء/ تأليف: جلال الدين السيوطي/ تحقيق: لجنة من الأدباء/ نشر: مؤسسة عز الدين.

69- تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس/ تأليف: الشيخ حسين بن محمد الديابكري/ نشر: دار صادر/ بيروت-لبنان.

70-تاريخ الدولة العربية/ للدكتور عبد العزيز سالم/ ط دار النهضة العربية/ بيروت.

71- تاريخ الفكر الاجتماعي/ أ. د نبيل عبد الحميد الجبار/ ط 1 دار دجلة/ الاردن.

72- أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ/ تأليف: أحمد بن يوسف القرماني/ تحقيق: د. أحمد حطيط، د. فهمي سعد/ نشر: عالم الكتب/ الطبعة الأولى/ سنة الطبع: 1412 ه، 1991 م/ بيروت-لبنان.

73- كتاب الأنباء بأبناء الأنبياء وتواريخ الخلفاء وولايات الأمراء المعروف ب(تاريخ القضاعي)/ تأليف: القاضي، أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن علي القضاعي (ت 454 ه)/ طبع: المكتبة العصرية لسنة 1418 ه، 1998 م/ط الأولى/ صيدا-لبنان.

74- تاريخ المدينة/ تأليف: أبو زيد عمر بن شبه النميري البصري/ تحقيق: فهيم محمد سلتوت/ الطبعة الأولى/ نشر: دار التراث/ سنة الطبع: 1410 ه،

ص: 205

1989 م/ بيروت-لبنان.

75- تاريخ اليعقوبي/ اليعقوبي/ الوفاة: 284 ه/ الناشر: مؤسسة الاعلمي،

لسنة: 1993 م ودار صادر، بيروت – لبنان.

76- تاريخ بغداد/ الخطيب البغدادي/ الوفاة: 463 ه/ الناشر: دار الكتب

العلمية، بيروت – لبنان، ودار الفكر.

77-تاريخ خليفة بن خياط/ تأليف: بو عمر خليفة بن خياط أبي هبيرة

الليثي العصفري/ تحقيق: د. مصطفى مجيب فواز/ الطبعة الأولى/ نشر: دار

الكتب العلمية/ سنة الطبع: 1415 ه، 1995 م/ بيروت-لبنان.

78- تاريخ دمشق الكبير/ تأليف: ابن عساكر/ تحقيق: أبي عبد الله علي

عاشور الجنوبي/ الطبعة الأولى/ نشر: دار إحياء التراث العربي/ سنة الطبع:

1421 ه/ بيروت-لبنان.

79- تاريخ عمر بن الخطاب/ تأليف: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي،

ابن الجوزي (ت 597 ه)/ تحقيق: أحمد شرحان/ طبع: مكتبة المؤيد لسنة

1407 ه، 1987 م/ الطائف-المملكة العربية السعودية.

80- تاريخ مختصر الدول/ العلامة غريغوريوس الملطي المعروف بابن

العبري (ت 1286 ه)/ طبع: المطبعة الكاثوليكية لسنة 1377 ه، 1958 م/

الطبعة الثانية/ بيروت-لبنان.

ص: 206

81-تأويل الآيات/ شرف الدين الحسيني/ الوفاة: ن 965 / تحقيق:

مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف/ الطبعة: الأولى/ لسنة:

1366-1407 ش/ الناشر: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه

الشريف-الحوزة العلمية-قم المقدسة.

82-التبيان/ الشيخ الطوسي/ الوفاة: 460 ه/ تحقيق: أحمد حبيب قصير

العاملي/ الطبعة: الأولى/ لسنة: 1409 / الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي.

83-تجارب الأمم وتعاقب الهمم/أحمد بن محمد بن يعقوب مسكويه أبو

علي/المحقق: سيد كسروي حسن/ الناشر: دار الكتب العلمية/ سنة النشر:

. 2003-1424

84- التحصين لأسرار ما زاد من أخبار كتاب اليقين/ الورع التقي السيد

رضي الدين علي بن الطاووس الحلي 589 - 664 ه ق/ مؤسسة الثقلين

لاحياء التراث الاسلامي/ مؤسسة دار الكتاب (الجزائري) للطباعة والنشر.

85- تحف العقول/ ابن شعبة الحراني/ الوفاة: ق 4/ تحقيق: علي أكبر

الغفاري/ الطبعة: الثانية/ لسنة: 1404 - 1363 ش/ الناشر: مؤسسة النشر

الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

86- تحفة الأحوذي/ المباركفوري/ الوفاة: 1282 ه/ الناشر: دار الكتب

العلمية بيروت – لبنان.

87-تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة/ تأليف: أبو بكر بن الحسين

بن أبي الفخر المراغي )ت 816 ه(/ تحقيق: محمد عبد الجواد الأصمعي/

ص: 207

طبع: المكتبة العلمية لسنة 1401 ه، 1981 م/ الطبعة الثانية/ المدينة المنورة-

المملكة العربية السعودية.

88- تحليل الخطاب المسرحي في ضوء النظرية التداولية، عمر بلخير ، طبع

منشورات الاختلاف- الجزائر، ط 1 لسنة 2003 م.

89-التحليل اللغوي عند مدرسة أكسفورد/ إسماعيل عبد الحق/الطبعة

الأولى – 1993 /الناشر: دار التنوير للطباعة والنشر/بيروت – لبنان.

90- تخريج الأحاديث والآثار/ الزيلعي/ الوفاة: 762 ه/ تحقيق: عبد

الله بن عبد الرحمن السعد/ الطبعة: الأولى/ لسنة: 1414 / الناشر: دار ابن

خزيمة.-

91- تذكرة الحفاظ/ محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي شمس الدين

أبو عبد الله/ المحقق: عبد الرحمن بن يحي المعلمي/-الناشر: دائرة المعارف

العثمانية/ 1374 .

92- التذكرة الحمدونية/محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن حمدون/

المحقق: إحسان عباس-بكر عباس/ الناشر: دار صادر/ 1996 .

93- تهذيب التهذيب/ تأليف: ابن حجر العسقلاني/ الطبعة الأولى/ نشر:

دار صادر/ سنة الطبع: 1325 ه، 1907 م/ بيروت-لبنان.

94-ترتيب إصلاح المنطق/ ابن السكيت/ المحقق: أحمد محمد شاكر أبو

الأشبال-عبد السلام محمد هارون/ الناشر: دار المعارف.

ص: 208

95- التعازي [والمراثي والمواعظ والوصايا]/ محمد بن يزيد بن عبد الأكبر

الثمالى الأزدي، أبو العباس، المعروف بالمبرد (المتوفى: 285 ه)/تقديم

وتحقيق: إبراهيم محمد حسن الجمل/ مراجعة: محمود سالم/ الناشر: نهضة

مصر للطباعة والنشر والتوزيع .

96- تعليق من أمالي ابن دريد/ أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي

(المتوفى: 321 ه)/ المحقق: السيد مصطفى السنوسي، مدرس اللغة العربية

بجامعة الكويت/الناشر: المجلس الوطني للثقافه والفنون والآداب

بالكويت-قسم التراث العربي/الطبعة: الأولى، 1401 ه- 1984 م .

97- تفسير ابن أبي حاتم/ ابن أبي حاتم الرازي/ الوفاة: 327 ه/ تحقيق:

أسعد محمد الطيب/ الناشر: المكتبة العصرية.

98-تفسير ابن كثير/ ابن كثير/ الوفاة: 774 ه/ تحقيق: يوسف عبد

الرحمن المرعشلي/ لسنة: 1412 - 1992 م/ الناشر: دار المعرفة، بيروت –

لبنان.

99- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني/ تأليف: أبي الفضل

شهاب الدين السيد محمود الآلوسي البغدادي/ تحقيق: محمد حسين العرب/

نشر: دار الفكر/ بيروت-لبنان.

100- تفسير الإمام العسكري (علیه السّلام)/ المنسوب إلى الإمام العسكري (علیه السّلام) الوفاة: 260 /تحقيق: مدرسة الإمام المهدي (علیه السّلام)/الطبعة: الأولى محققة/سنة الطبع: ربيع الأول 1409 /المطبعة: مهر-قم المقدسة/الناشر: مدرسة الإمام

ص: 209

المهدي عجل الله فرجه الشريف-قم المقدسة.

101- التبيان/ الشيخ الطوسي/ الوفاة: 460 ه/ تحقيق: أحمد حبيب قصير

العاملي/ الطبعة: الأولى/ لسنة: 1409 / الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي.

102-تفسير الثعلبي/ الثعلبي/ الوفاة: 427 ه/ تحقيق: الإمام أبي محمد

بن عاشور/ الطبعة: الأولى/ لسنة: 1422 - 2002 م/ الناشر: دار إحياء

التراث العربي.

103- تفسير الفخر الرازي/ تأليف: فخر الدين محمد الرازي/ الطبعة

الأولى/ نشر: دار الفكر/ سنة الطبع: 1423 ه، 2002 م/ بيروت-لبنان.

104- الجامع الصغير/ السيوطي/ الوفاة: 911 ه/ الطبعة: الأولى/

تحقيق: المناوي/ الناشر: دار طائر العلم -جدة.

105- التفسير الصافي/ الفيض الكاشاني/ الوفاة: 1091 ه/ الطبعة:

الثانية/ لسنة: 1416 - 1374 ش/ الناشر: مكتبة الصدر – طهران.

106- تفسير العياشي/ ابن مسعود العياشي/ الناشر: مكتبة العلمية

الإسلامية -طهران.

107- روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني/ تأليف: أبي

الفضل شهاب الدين السيد محمود الآلوسي البغدادي/ تحقيق: محمد حسين

العرب/ نشر: دار الفكر/ بيروت-لبنان.

ص: 210

108- تفسير القران المجيد المستخرج من تراث الشيخ المفيد/السيد محمد

علي ايازي/الناشر: مؤسسة بوستان كتاب/ الطبعة: الاولى.

109-تفسير القرطبي/ القرطبي/ الوفاة: 671 ه/ تحقيق: أحمد عبد العليم

البردوني/الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت-لبنان.

110- تفسير الميزان/ السيد الطباطبائي/ الوفاة: 1412 ه/ الناشر: جماعة

المدرسين في الحوزة العلمية-قم المقدسة.

111- تفسير جوامع الجامع/ الشيخ الطبرسي/ الوفاة: 548 ه/ تحقيق:

مؤسسة النشر الإسلامي/ الطبعة: الأولى/ لسنة: 1418 / الناشر: مؤسسة

النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين -قم المشرفة.

112- تفسير القمي/ علي بن إبراهيم القمي/ الوفاة: ن 329 / تحقيق:

السيد طيب الموسوي الجزائري/ الطبعة: الثالثة/ لسنة: 1404 / الناشر:

مؤسسة دار الكتاب، قم – إيران.

113- تفسير فرات الكوفي/ فرات بن إبراهيم الكوفي/ الوفاة: 352 ه/ ف

الناشر: مؤسسة الثقافة والإرشاد الإسلامي – طهران.

114- تفسير مجمع البيان/ الشيخ الطبرسي/ الوفاة: 548 ه/ تحقيق: لجنة

من العلماء والمحققين الأخصائيين/ الطبعة: الأولى/ لسنة: 1415 - 1995

م/ الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات-بيروت – لبنان.

115-تقريب التهذيب/ ابن حجر/ الوفاة: 852 ه/ تحقيق: مصطفى عبد

ص: 211

القادر عطا/ الطبعة: الثانية/ لسنة: 1415 - 1995 م/ الناشر: دار الكتب

العلمية، بيروت – لبنان.

116- تكسير الأصنام بين تصريح النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعتيم

البخاري دراسة في الميثولوجيا والتاريخ ورواية الحديث/ تأليف: السيد نبيل

قدوري الحسني/ الطبعة الأولى/ نشر: شعبة الدراسات والبحوث الإسلامية

في العتبة الحسينية المقدسة/ طبع: مؤسسة الأعلمي/ سنة الطبع: 1433 ه،

2012 م/ بيروت-لبنان.

117- التَّمحيصُ/للشيخ الثقة الجليل أبي علي محمد بن همام الاسكافي من

أصحاب سفراء الامام الحجة «(عجّل الله تعالی فرجه الشریف) » المتوفى سنة 336 ه ق/ تحقيق ونشر مدرسة الامام المهدي (علیه السلام)/ قم المقدسة.

118- التمهيد/ تأليف: ابن عبد البر/ تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي/

نشر: وزارة علوم الأوقاف والشؤون الإسلامية/ سنة الطبع: 1428 ه،

2008 م/ المغرب.

119- التنبيه والأشراف/ تأليف: أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي/

نشر: مكتبة خيط/ بيروت-لبنان.

120- تهذيب الأحكام/ تأليف: أبو جعفر محمد بن الحسن-الطوسي/

تحقيق: محمد جعفر شمس الدين/ الطبعة الأولى/ نشر: دار التعارف

للمطبوعات/ سنة الطبع: 1412 ه، 1992 م/ بيروت-لبنان.

121-تهذيب التهذيب/ تأليف: ابن حجر العسقلاني/ الطبعة الأولى/

ص: 212

نشر: دار صادر/ سنة الطبع: 1325 ه، 1907 م/ بيروت-لبنان.

122-تهذيب الخصائص النبوية الكبرى/ للسيوطي/ عبد الله التليدي/-

الناشر: دار البشائر الإسلامية .

123- تهذيب الكمال في أسماء الرجال/ جمال الدين أبو الحجاج يوسف

المزي/المحقق: بشار عواد معروف/ الناشر: مؤسسة الرسالة/ سنة النشر:

. 1983-1403

124- الكامل في الأدب/ أبي العباس محمد بن يزيد المبرد/ الوفاة: 285 ه/

الطبعة -الثالثة، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت -لبنان، لسنة: 1997 م.

125-الثغور الباسمة/ السيوطي/ الوفاة: 911 ه/ الناشر: دار الصحابة

للتراث، طنطا -مصر، لسنة: 1991 م.

126- الثقات/ ابن حبان/ الوفاة: 354 ه/ الطبعة: الأولى/ لسنة:

1393 ه/ الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية، ودار الفكر، بيروت -لبنان.

127- ثلاث رسائل في إعجاز القرآن/الرماني-الخطابي – الجرجاني/

المحقق: محمد خلف الله-محمد زغلول سلام/ الناشر: دار المعارف-مصر .

128- ثواب الأعمال/ الشيخ الصدوق/ الوفاة: 381 ه/ تحقيق: السيد

محمد مهدي السيد حسن الخرسان/ الطبعة: الثانية/ لسنة: 1368 ش/

الناشر: منشورات الشريف الرضي – قم.

129- جامع أحاديث الشيعة/ السيد البروجردي/ الوفاة: 1383 ه/

ص: 213

لسنة: 1399 / المطبعة: المطبعة العلمية – قم.

130- جامع البيان/ أبن جرير الطبري/ الوفاة: 310 ه/ الناشر: دار إحياء

التراث العربي، بيروت -لبنان.

131-جامع السعادات/ محمد مهدي النراقي/ الوفاة: 1209 ه/ تحقيق:

السيد محمد كلانتر/ الناشر: دار النعمان.-

132-الجامع الصغير/ السيوطي/ الوفاة: 911 ه/ الطبعة: الأولى/

تحقيق: المناوي/ الناشر: دار طائر العلم -جدة.

133- جامع المقاصد في شرح القواعد/المحقق الشيخ علي بن الحسين

الكركي/تحقيق مؤسسة ال البيت عليهم السلام لاحياء التراث.

134-الجامع لإحكام علوم القرآن/ القرطبي/ الوفاة: 671 ه/ الناشر:

دار الفكر، بيروت -لبنان، لسنة: 1995 م.

135- الجرح والتعديل/ الرازي/ الوفاة: 327 ه/ الطبعة: الأولى/ لسنة:

1952-1371 م/ الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت.

136- جمال الأسبوع/السيد ابن طاووس/الوفاة: 664/تحقيق: جواد

قيومي الجزاي الإصفهاني/الطبعة: الأولى/سنة الطبع: 1137 .

137-جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد/محمد بن سليمان

المغربي/المحقق: سليمان بن دريع أبو علي/الناشر: مكتبة ابن كثير-دار ابن

حزم.

ص: 214

138- جواهر الكلام/ الشيخ الجواهري/ الوفاة: 1266 ه/ تحقيق: الشيخ

عباس القوچاني/ الطبعة: الثانية/ لسنة: 1365 ش/ الناشر: دار الكتب

الإسلامية – طهران.

139- جواهر المطالب في مناقب الإمام علي عليه السلام/ ابن الدمشقي/

الوفاة: 871 ه/ تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي/ الطبعة: الأولى/ لسنة:

1415 / الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، قم – إيران.

140- الجوهر النقي شرح البيهقي/علاء الدين علي بن عثمان بن إبراهيم

بن مصطفى المارديني، أبو الحسن، الشهير بابن التركماني (المتوفى: 750 ه)/

ط 1316 من مطبوعات مجلس دائرة المعارف ، حيدرآباد الهند.

141- الحاوي للفتاوي/عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي جلال الدين/

المحقق: عبد اللطيف حسن عبد الرحمن/ الناشر: دار الكتب العلمية/ سنة

النشر: 1421 – 2000 .

142- حلية الأبرار/ السيد هاشم البحراني/ الوفاة: 1107 ه/ الناشر: دار

المعارف الإسلامية/ قم -إيران.حلية الأولياء: ج 2، ص 43 ؛

143- الحماسة البصرية/ علي بن أبي الفرج بن الحسن البصري صدر الدين/

المحقق: عادل سليمان جمال/ الناشر: مكتبة الخانجي/ سنة النشر: 1420 -

. 1999

144-ما روي الحوض والكوثر/ أبو عبد الرحمن بقي بن مخلد بن يزيد

الأندلسي القرطبي (المتوفى: 276 ه)/المحقق: عبد القادر محمد عطا صوفي/

ص: 215

الناشر: مكتبة العلوم والحكم-المدينة المنورة/الطبعة: الأولى، 1413 .

145-خديجة بنت خويلد عليها السلام: أمّة جُمعت في امرأة: دراسة

وتحقيق/ دراسة نبيل قدوري الحسني؛ [تقديم اللجنة العلمية، محمد علي

الحلو]. . كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة. قسم الشؤون الفكرية والثقافية،

1432 ق.- 2011 م.

146- الخراج/يحي بن آدم القرشي/ المحقق: حسين مؤنس/ الناشر: دار

الشروق/ سنة النشر: 1987 .

147- الخرائج والجرائح/ قطب الدين الراوندي/ الوفاة: 573 ه/ تحقيق:

مؤسسة الإمام المهدي/ الطبعة: الأولى/ لسنة: 1409 / الناشر: مؤسسة

الإمام المهدي-قم المقدسة.

148- خزانة الأدب وغاية الأرب/ تقي الدين أبي بكر علي بن عبد الله

الحموي الأزراري/ تحقيق: عصام شعيتو/ دار ومكتبة الهلال – بيروت/

الطبعة الأولى ، 1987

149- الخصال/ الشيخ الصدوق/ الوفاة: 381 ه/ تحقيق: علي أكبر

الغفاري/ لسنة: 18 ذي القعدة الحرام 1403 - 1362 ش/ الناشر: جماعة

المدرسين في الحوزة العلمية -قم المقدسة.

150- خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب/ النسائي/ الوفاة: 303 م/

الطبعة -الأولى/ لسنة: 1986 م./ الناشر: مكتبة العلا -الكويت.

ص: 216

151- الخصائص لابن جني/طبع الهيئة المصرية العامة للكتاب ط 4، طبع

دار المعارف، مصر، الطبعة 3

152- الخلاف/ الشيخ الطوسي/ الوفاة: 460 ه/ تحقيق: جماعة من

المحققين/ لسنة: 1407 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي -قم المشرفة.

153-الدر المنثور/ جلال الدين السيوطي/ الوفاة: 911 ه/ الناشر: دار

الفكر ودار المعرفة، بيروت -لبنان.

154- الدر النظيم/ ابن حاتم العاملي/ الوفاة: 664 ه/ الناشر: مؤسسة

النشر الإسلامي -قم المشرفة.

155- دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الاسلامية/الشيخ المنتظري/

الناشر: الدار الاسلامية للطباعة والنشر والتوزيع/الطبعة: الثانية 1988 .

156-الدراية في تخريج أحاديث الهداية/ ابن حجر/ الوفاة: 852 ه/

تحقيق: السيد عبد الله هاشم اليماني المدني/ الناشر: دار المعرفة – بيروت.

157- الدرة الثمينة في أخبار المدينة/ محب الدين أبو عبد الله محمد بن محمود

بن الحسن المعروف بابن النجار (المتوفى: 643 ه)/المحقق: حسين محمد علي

شكري/الناشر: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم.

158- درر السمط في خبر السبط/ ابن الابار البلنسي الاندلسي ابي

عبدالله محمد بن عبدالله بن ابي بكر القضاعي/اشرف على نقده وتعليقه:

السيد ابو الفتح دعوتي/تحقيق: الدكتور عبد السلام الهراس-الاستاذ سعيد

ص: 217

احمد اعراب-الدكتور عز الدين عمر موسى/الناشر: مؤسسة الهدى للنشر

والتوزيع/الطبعة: الاولى 1421 ه.

159- الدرر/ ابن عبد البر/ الوفاة: 463 ه/ دار المعارف، القاهرة -مصر.

-160 الدروس/ الشهيد الأول/ الوفاة: 786 ه/ تحقيق: مؤسسة النشر

الإسلامي/ الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي -قم المشرفة.

161- دعائم الإسلام/ القاضي النعمان المغربي/ الوفاة: 363 ه/ تحقيق:

آصف بن علي أصغر فيضي/ لسنة: 1383 - 1963 م/ الناشر: دار المعارف

– القاهرة.

162- دفع الشبه عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والرسالة/ لأبي بكر

الحصني الدمشقي (ت 829 ه) الطبعة الاولى عام 1350 ه دار إحياء الكتاب

العربي-القاهرة بتعليق الأمام الكوثري الطبعة الثانية- 1418 ه.

163-دلائل الإعجاز/ عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني

النحوي أبو بكر/المحقق: محمود محمد شاكر أبو فهر/ الناشر: مكتبة

الخانجي-مطبعة المدني .

164- دلائل الإمامة/ محمد بن جرير الطبري (الشيعي)/ الوفاة: ق 4/

الطبعة: الأولى / لسنة: 1413 / الناشر: مؤسسة البعث/ تحقيق: قسم

الدراسات الإسلامية-مؤسسة البعثة – قم.

ص: 218

165- ديوان حافظ إبراهيم/ تحت عنوان (عمر وعلي) طبع دار الكتب

المصرية بالقاهرة.

166- ذخائر العقبى/ احمد بن عبد الله الطبري/ الوفاة: 694 ه/ الناشر:

مكتبة القدسي – القاهرة، ودار المعرفة -بيروت.

167- الذرية الطاهرة/ محمد بن أحمد الدولابي/ الوفاة: 310 ه/ الناشر:

مؤسسة الاعلمي، بيروت -لبنان، لسنة: 1988 م.

168- ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة/ الشهيد الأول/ الوفاة: 786 ه/

تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث/ الطبعة: الأولى/

لسنة: 1419 / الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث – قم.

169- ذوب النضار في شرح الثار/ابن نما الحلي جعفر بن محمد بن جعفر

بن هبة الله/الناشر: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم

المشرفة/الطبعة: الاولى.

170-الفتح الرباني/ الساعاتي/ الناشر: دار التراث العربي، بيروت -لبنان.

171-ربيع الأبرار ونصوص الأخبار/ تأليف: الزمخشري/ تحقيق: عبد

الأمير مهنا/ نشر وطبع: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات لسنة 1412 ه،

1992 م/ الطبعة الأولى/ بيروت-لبنان.

172- رسائل الشريف المرتضى/اعداد: السيد مهدي الرجالي/تقديم واشراف:

السيد احمد الحسيني/الناشر: منشورات دار القران الكريم-قم المقدسة.

ص: 219

173- الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام/ أبو القاسم عبد

الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي (المتوفى: 581 ه)/المحقق: عمر عبد

السلام السلامي/الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت/الطبعة: الطبعة

الأولى، 1421 ه/ 2000 م.

174- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية/ الشهيد الاول محمد بن جمال

الدين المكي العاملي-الشهيد الثاني زين الدين الجبعي العاملي/تحقيق: محمد

كلانتر/الناشر: منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات/الطبعة: الاولى.

175- روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه/المولى محمد تقي المجلسي

الاول/تحقيق: علي بناه الاشتهاردي-حسين الموسوي الكرماني/الناشر: بنياد

فرهنك اسلامي حاج محمد حسين كوشانيور/الطبعة: الاولى.

176- روضة الواعظين/ الفتال النيسابوري/ الوفاة: 508 ه/ تحقيق:

السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان/ الناشر: منشورات الشريف الرضي

– قم.

177- الروضة في فضائل أمير المؤمنين/ شاذان بن جبرئيل القمي/ الوفاة:

660 / تحقيق: علي الشكرجي/ الطبعة: الأولى .-

178- الرياض النضرة في مناقب العشرة/ تأليف: الطبري أحمد بن عبد الله

(ت 694 ه)/ طبع: دار المغرب الإسلامي/ بيروت-لبنان.

179- الزاهر في معانى كلمات الناس/أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري/

دار النشر/ مؤسسة الرسالة-بيروت- 1412 ه - 1992 /الطبعة: الأولى.

ص: 220

180- زبدة البيان في براهين أحكام القرآن/المحقق أحمد الاردبيلي-أعداد:

رضا أستادي ، علي أك ر نزاد/ نشر:أنشارات المؤمنين – أيران. ب

181- كتاب الزهد/أحمد بن حنبل/المحقق: محمد جلال شرف/ الناشر:

دار النهضة العربية/ سنة النشر: 1981 .

182- زهر الآداب وثمر الألباب/ إبراهيم بن علي بن تميم الأنصاري، أبو

إسحاق الحصرُي القيرواني (المتوفى: 453 ه)/ الناشر: دار الجيل، بيروت.

-183 سبل السلام/ الصنعاني/ 773 - 853 ه/ الناشر: دار إحياء

التراث العربي.

184- سبل الهدى والرشاد/ الصالحي الشامي/ الوفاة: 942 ه/ تحقيق:

الشيخ عادل أحمد عبد الموجود/ الطبعة: الأولى/ لسنة: 1414 - 1993 م/

الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان.

185- السقيفة وفدك/أبو بكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري البصري

البغدادي المتوفى- 323 ه/ تقديم وجمع وتحقيق/الدكتور محمد هادي

الأميني/اصدار مكتبة نينوى الحديثة/طهران ناصر خسرو-مروي .

186- كتاب سليم بن قيس الهلالي/ سليم بن قيس الهلالي/ تحقيق: الشيخ

محمد باقر الأنصاري الزنجاني/ الطبعة الثالثة/ نشر: دار دليل ما/ سنة الطبع:

1423 ه، 2002 م/ قم المقدسة-إيران.

ص: 221

187- سمط النجوم العوالي في أبناء الأوائل والتوالي/ تأليف: عبد الملكب

ن حسين بن عبد الملك الشافعي العاصمي المكي/ تحقيق: عادل أحمد عبد

الموجود/ الطبعة الأولى/ نشر: المكتبة السلفية/ القاهرة-مصر.

188-السنة لأبن أبي عاصم/ أبو بكر بن أبي عاصم وهو أحمد بن عمرو

بن الضحاك بن مخلد الشيباني (المتوفى: 287 ه) المحقق: محمد ناصر الدين

الألباني الناشر: المكتب الإسلامي-بيروت الطبعة: الأولى، 1400 .

189- السنة للخلال/ أحمد بن محمد بن هارون بن يزيد الخلال أبو بكر/

المحقق: عطية الزهراني/ حالة الفهرسة: مفهرس فهرسة كاملة/ الناشر: دار

الراية-الرياض؛ سنة النشر: 1410 – 1989 .

190-سنن ابن ماجة/ ابن ماجة أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني،

وماجة اسم أبيه يزيد (المتوفى: 273 ه) تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي الناشر:

دار إحياء الكتب العربية .

191-سنن أبي داوود/ تأليف: ابي داود سليمان بن الاشعث السجستاني/

تحقيق وتعليق: سعد محمد اللحام/ الطبعة الأولى/ نشر دار الفكر للطباعة

والنشر والتوزيع/ سنة الطبع: 1410 ه، 1990 م/ بيروت-لبنان.

192-السنن الكبرى/ تأليف: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي/ تحقيق:

محمد عبد القادر عطا/ الطبعة الثالثة/ نشر: دار الكتب العلمية/ سنة الطبع:

1424 ه، 2003 م/ بيروت-لبنان.

193- سنن الترمذي/ تأليف: الترمذي/ تحقيق وتصحيح: عبد الوهاب عبد

ص: 222

اللطيف/ الطبعة الثانية/ نشر: دار إحياء التراث الإسلامي/ بيروت-لبنان.

194- سنن النسائي/ تأليف: أحمد بن شعيب أبو عبد الرحمن النسائي/

الطبعة الأولى/ نشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع/ سنة الطبع:

1348 ه، 1930 م/ بيروت-لبنان.

195- سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم/ السيد الطباطبائي/ الوفاة:

1412 ه/ تحقيق: الشيخ محمد هادي الفقهي/ لسنة: 1419 / الناشر:

مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين -قم المشرفة.

196- سير أعلام النبلاء/ الذهبي/ الوفاة: 748 ه/ تحقيق: شعيب

الأرنؤوط/ الطبعة: التاسعة لسنة: 1413 - 1993 م/ الناشر: مؤسسة

الرسالة، بيروت – لبنان.

197- السيرة الحلبية/ الحلبي/ الوفاة: 1044 ه/ الناشر: دار المعرفة،

بيروت -لبنان.

198- السيرة النبوية/ لابن هشام/ ط دار الجيل بيروت.

199-السيرة النبوية/ النووي/ الوفاة: 676 ه/ الناشر: دار البصائر، لسنة: 1980 م، ودار المكتب الإسلامي.

200- الشافي في الامامة/ تأليف: الشريف المرتضى/ الطبعة الثانية/ نشر:

مؤسسة إسماعيليان/ سنة الطبع: 1410 ه، 1989 م/ قم المقدسة-إيران.

ص: 223

201- شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام/جعفر بن الحسن الهذلي (

المحقق الحلي )/الناشر: مؤسسة مطبوعاتي إسماعليان.

202- شرح نهج البلاغة/ ابن أبي الحديد/ الوفاة: 656 ه/ تحقيق: محمد

أبو الفضل إبراهيم/ الطبعة: الأولى/ لسنة: 1378 - 1959 م/ الناشر: دار

إحياء الكتب العربية-وعيسى البابي الحلبي وشركاه.

203- شرح إحقاق الحق/ السيد المرعشي/ الوفاة: 1411 ه/ تحقيق:

السيد شهاب الدين المرعشي النجفي/ الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي-قم – إيران.

204- شرح اصول الكافي/ الملا صدرا صدر الدين محمد بن ابراهيم الشيرازي

مع تعليقات: المولى علي النوري تصحيح: محمد خواجوي تعليق: علي بن جمشيد النوري الناشر: مؤسسة المطالعات والتحقيقات الطبعة: الاولى 1366 ه.

205- شرح الأخبار/ القاضي النعمان المغربي/ الوفاة: 363 ه/ تحقيق:

السيد محمد الحسيني الجلالي/ الطبعة: الثانية/ لسنة: 1414 / الناشر: مؤسسة

النشر، قم المشرفة.

206- الشرح الكبير/ عبد الرحمن بن قدامه/ الوفاة: 682 ه/ الناشر: دار

الكتاب العربي ، بيروت – لبنان.

207- شرح صحيح مسلم/ النووي/ الوفاة: 676 ه/ الناشر: دار القلم،

بيروت -لبنان.

ص: 224

208- شرح نهج البلاغة/ لابن ميثم البحراني/الناشر: منشورات دار

الثقلين للطباعة والنشر والتوزيع الطبعة: الاولى 1999 .

209- شعب الإيمان/ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي/الناشر: دار الكتب

العلمية – بيروت/الطبعة الأولى ، 1410 /تحقيق: محمد السعيد بسيوني

زغلول.

210-الشفا بتعريف حقوق المصطفى/ القاضي أبي الفضل عياض اليحصبي

544 ه/مذيلا بالحاشية المسماة مزيل الخفاء عن ألفاظ الشفاء/للعلامة أحمد

بن محمد بن محمد الشمنى 873 /دار الفكر الطباعة والنشر والتوزيع.

211-شفاء السقام في زيارة خير الأنام صلى الله عليه وآله/تأليف شيخ

الإسلام تقي الدين السبكي الفقيه المحدث قاضي القضاة الإمام علي بن عبد

الكافي بن علي أبو الحسن الأنصاري الخزرجي المصري الشافعي ( 683 - 756

ه)/ تحقيق السيد محمد رضا الحسيني الجلالي الطبعة الرابعة 1419 ه.

212-مختصر الشمائل المحمدية/المؤلف: أبو عيسى محمد بن سورة الترمذي

صاحب السنن/الناشر: المكتبة الإسلامية-عمان – الأردن/تحقيق: اختصره

وحققه محمد ناصر الدين الألباني.

213- الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب/ المحقق البحراني/

الوفاة: 1186 /تحقيق: السيد مهدي الرجائي/ الطبعة: الأولى/ سنة الطبع:

1377-1419 ش/المطبعة: أمير – قم.

ص: 225

214- شواهد التنزيل لقواعد التفضيل/الحاكم الحسكاني الحذاّء الحنفي/

تحقيق: السيد محمد باقر المحمودي/ الطبعة الأولى/ نشر: مؤسسة الطبع

والنشر التابعة لوزارة الثقافة والارشاد الاسلامي/ سنة الطبع: 1411 ه،

1990 م/ طهران-إيران.

215- شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )/ فقيد الإسلام الشيخ يوسف بن إسماعيل النبهاني/ الوفاة: 1350 / قد اعتنى بطبعه طبعة جديدة بالأوفست/ حسين حلمي بن سعيد.

216-المبسوط/ السرخسي/ الوفاة: 483 ه/ لسنة: 1406 - 1986 م/

الناشر: دار المعرفة، بيروت – لبنان.

217- الشيعة والسيرة النبوية/ السيد نبيل الحسني/ الطبعة -الأولى/

لسنة: 1430 ه/ المطبعة: مؤسسة الاعلمي، بيروت -لبنان، الناشر: العتبة

الحسينية المقدسة، العراق -كربلاء المقدسة.

218- الصحاح/ الجوهري/ الوفاة: 393 ه/ الطبعة -الربعة/ الناشر:

دار العلم للملايين، بيروت – لبنان.

219- صحيح البخاري/ تأليف: محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي (ت

852 ه)/ طبع: دار الفكر/ طبعة أوفسيت/ بيروت-لبنان.

220- صحيح الترغيب والترهيب/ تأليف: محمد ناصر الدين الألباني/

طبع: مكتبة المعارفة لسنة 1412 ه، 1992 م/ الطبعة الأولى/ الرياض-

المملكة العربية السعودية.

ص: 226

221-صحيح الترمذي/ تأليف: الترمذي/ تحقيق وتصحيح: عبد الوهاب

عبد اللطيف/ نشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع/ بيروت-لبنان.

222- صحيح مسلم/ تأليف: محي الدين النووي الشافعي/ تحقيق: محمد

فؤاد عبد الباقي/ نشر: دار إحياء التراث العربي/ بيروت-لبنان.

223- صحيفة الرضا عليه السلام/ تجميع: الشيخ جواد القيومي/ طبع:

مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين لسنة 1415 ه، 1995 م/

قم المقدسة-إيران.

224- الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم/ تاليف: المتكلم الشيخ زين

الدين أبي محمد علي بن يونس العاملي النباطي البياضي/ تصحيح وتعليق:

محمد الباقر البهبودي/ طبع: المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية لسنة

1384 ه، 1964 م/ الطبعة الأولى/ قم المقدسة-إيران.

225- مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلى

ا لله عليه وسلم للقاضي عياض/ المؤلف: عبد الرحمن السيوطي/ المحقق:

سمير القاضي/ حالة الفهرسة: غير مفهرس/ الناشر: دار الكتب العلمية/

سنة النشر: 1408 – 1988 .

226- صفوة الصفوة/ أبي الفرج عبد الرحمن بن علي/ 510 - 597 ه/

تحقيق: محمود فاخوري/ الناشر: دار المعرفة -بيروت.

227- الصوارم المهرقة/ الشهيد نور الله التستري/ الوفاة: 1019 ه/

تحقيق: السيد جلال الدين المحدث.

ص: 227

228- الصواعق المحرقة/ إبن حجر الهيثمي/ الطبعة الأولى/ 1997 م/

تحقيق: عبد الرحمن بن عبد الله التركي وكامل محمد الخراط/ مؤسسة الرسالة

– بيروت-.

229- الطبقات الكبرى/ تأليف: أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع

المعروف بابن سعد (ت 230 ه)/ تحقيق: محمد عبد القادر عطا/ طبع: دار

الكتب العلمية لسنة 1410 ه، 1990 م/ الطبعة الأولى/ بيروت-لبنان.

230- الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف/ تأليف: السيد ابن طاووس/ طبع:

مؤسسة الخيام لسنة 1399 ه، 1978 ه/ الطبعة الأولى/ قم المقدسة-إيران.

231- طهارة آل محمد صلى ا لله عليه وآله وسلم/ تأليف: السيد علي عاشور/

طبع: دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع لسنة 1421 ه، 2001 م/ بيروت-

لبنان.

232- ظاهرة الاستقلاب في النص النبوي والتاریخي: حديث سد الأبواب

233- أنموذجاً/ دراسة تحليلية وتحقيق نبيل الحسني.-كربلاء: العتبة

الحسينية المقدسة. قسم الشؤون الفكرية والثقافية، 1435 ق. - 2014 م.

234-العثمانية/ تأليف: أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت 255 ه)/

تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون/ طبع: دار الجيل لسنة 1411 ه،

1991 م/ الطبعة الأولى/ بيروت-لبنان.

235- عدة الداعي ونجاح الساعي/ تأليف: أحمد بن فهد الحلي/ طبع:

مؤسسة المعارف الإسلامية لسنة 1420 ه، 2000 م/ الطبعة الثانية/ قم

ص: 228

المقدسة-إيران.

236- العقد الفريد/ تأليف: أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي/ تحقيق:

د. مفيد محمد قميحة/ نشر: دار الكتاب العربي/ بيروت-لبنان.

237-علل الشرائع/ الشيخ الصدوق/ الوفاة: 381 ه/ تحقيق: السيد

محمد صادق بحر العلوم./ لسنة: 1385 - 1966 م/الناشر: المكتبة الحيدرية،

النجف الأشرف.

238- العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي

صلى الله عليه وآله وسلم/ تأليف: ابن العربي/ تحقيق وتعليق حواشيهك

محب الدين الخطبير/ الطبعة الثانية/ نشر: الدار السعودية للنشر/ سنة الطبع:

1387 ه، 1967 م/ جده-المملكة العربية السعودية.

239- عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار والأقوال/

تأليف: الشيخ عبد الله البحراني الاصفهاني/ طبع: مؤسسة الإمام المهدي

عجل الله تعالى فرجه الشريف لسنة 1415 ه، 1995 م/ الطبعة الثالثة/ قم

المقدسة-إيران.

240-عوالي اللئالي/ تأليف: ابن أبي جمهور الأحسائي (ت 880 ه)/

تقديم: السيد شهاب الدين النجفي المرعشي/ تحقيق: مجتبى العراقي/ طبع:

مطبعة سيد الشهداء لسنة 1403 ه، 1983 م/ قم المقدسة-إيران.

241- عيون أخبار الرضا عليه السلام/ تأليف: الشيخ الأكبر أبي جعفر

الصدوق/ طبع: المكتبة الحيدرية لسنة 1425 ه، 2005 م/ الطبعة الأولى/

ص: 229

قم المقدسة-إيران.

242-عيون الأثر في فنون المغازي والسير/ تأليف: ابن سيد الناس (ت

734 ه)/ طبع: مكتبة دار التراث لسنة 1413 ه، 1993 م/ المدينة المنورة-

المملكة العربية السعودية.

243- عيون الأخبار/ تأليف: ابن قتيبة الدينوري/ نشر: منشورات محمد

علي بيضون/ طبع: دار الكتب العلمية لسنة 1424 ه، 2003 م/ الطبعة

الثالثة/ بيروت-لبنان.

244- غاية المرام وحجة الخصام في تعيين الإمام من طريق الخاص والعام/

تأليف: السيد هاشم البحراني الموسوي التويلي/ تحقيق: السيد علي عاشور/

طبع: مؤسسة التاريخ العربي لسنة 1422 ه، 2002 م/ الطبعة الأولى/

بيروت-لبنان.

245- الغدير/ الشيخ الأميني/ الوفاة: 1392 ه/ الطبعة: الرابعة/ لسنة:

1977-1397 م/ الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت – لبنان.

246- غريب الحديث/ تأليف: أبو عبيد، القاسم بن سلام الهروي ( 224 ه)/ طبع: دار الكتاب العربي لسنة 1396 ه، 1976 م/ الطبعة الأولى/ بيروت-لبنان.

247- الغيبة/ الشيخ الطوسي/ الوفاة: 460 ه/ تحقيق: الشيخ عباد الله الطهراني واخرون./ الطبعة: الأولى/ لسنة: 1411 / الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامية-قم المقدسة.

ص: 230

248- الغيبة/ تأليف: ابن أبي زينب النعماني/ تحقيق: فارس حسون كريم/

طبع: دار أنوار الهدى لسنة 1422 ه، 2001 م/ الطبعة الأولى/ قم المقدسة-

إيران.

249-الفتاوى الكبرى/ تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية

الحراني (المتوفى: 728 ه)/المحقق: محمد عبدالقادر عطا-مصطفى عبدالقادر

عطا/الناشر: دار الكتب العلمية/الطبعة: الطبعة الأولى 1408 ه- 1987 م.

250- فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء/ جمع أحمد بن عبد

الرزاق الدويش.-

251- فتح الباري/ ابن حجر العسقلاني/ الوفاة: 852 ه/ تحقيق: محمد

الدين الخطيب/ الناشر: دار المعرفة ودار الفكر، بيروت – لبنان.

252- الفتح الرباني/ الساعاتي/ الناشر: دار التراث العربي، بيروت -لبنان.

-253 فتح القدير/ الشوكاني/ الوفاة: 1250 ه/ الناشر: دار الكلم

الطيب، بيروت –لبنان.

254- فتوح البلدان/ البلاذري/ الوفاة: 279 ه/ الناشر: دار ابن خلدون،

إسكندرية -مصر.

255- كتاب الفتوح/ أحمد بن أعثم الكوفي/ الوفاة: 314 ه/ تحقيق: د.

سهيل زكار/ الطبعة -الأولى/ لسنة: 1992 م/ الناشر: دار الفكر، بيروت

-لبنان.

ص: 231

256-الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية/ المؤلف: محمد بن

علي بن طباطبا المعروف بابن الطقطقا/ حالة الفهرسة: غير مفهرس/ الناشر:

دار صادر.

257- فدك في الماضي والحاضر/ لعبد الله اليوسف/ دار الهادي،, 2001 .

258- فدك هبة النبوة/ للشيخ حسن أحمد العاملي/ دار الولاء للطباعة

والنشر والتوزيع.

259-فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين والأئمة من

ذريتهم عليهم السلام/ تأليف: إبراهيم بن محمد ابن المؤيد بن عبد الله بن

علي بن بن محمد الجويني الخراساني/ تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي/

الطبعة الأولى/ نشر: مؤسسة المحمودي/ سنة الطبع: 1398 ه، 1978 م/

بيروت-لبنان.

260- الفردوس/ الديلمي/ الوفاة: 509 ه/ تحقيق: السعيد بن بسيوني/

لسنة: 1986 م/ الناشر: دار الكتب العلمية -بيروت.

261- الفروق اللغوية/الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد أبو هلال

العسكري/ المحقق: محمد إبراهيم سليم/ الناشر: دار العلم والثقافة للنشر

والتوزيع.

262- الفصول المختارة/الشريف المرتضى/ الوفاة: 413 ه/ تحقيق: السيد

نور الدين واخرون الطبعة: الثانية/ لسنة: 1414 - 1993 م/ الناشر: دار

المفيد، بيروت – لبنان.

ص: 232

263- الفصول المهمة في معرفة الأئمة/ ابن الصباغ المالكي/ الوفاة: 855

ه/ الناشر: دار الأضواء، بيروت -لبنان، لسنة: 1988 م.

264- فضائل الصحابة/ أحمد بن حنبل أبو عبد الله الشيباني/الناشر:

مؤسسة الرسالة – بيروت/الطبعة الأولى ، 1403 – 1983 / تحقيق: د.

وصي الله محمد عباس.

265- فضائل الصحابة/أحمد بن شعيب النسائي أبو عبد الرحمن/الناشر

دار الكتب العلمية/ بيروت/ 1405 .

266-فضائل المدينة/ المفضل بن محمد بن إبراهيم الجندي أبو سعيد/

تحقيق: محمد مطيع الحافظ/ الناشر: دار الفكر – دمشق/ الطبعة الأولى ،

.1407

267- فضائل سيدة النساء/ عمر بن شاهين/ الوفاة: 385 ه/ الناشر:

مؤسسة الوفاء -بيروت -لبنان، لسنة: 1985 م.

268- الفضائل/شاذان بن ج رئيل القمي/ الوفاة: 660 / 1381 - 1962 ب

م/ الناشر: منشورات المطبعة الحيدرية ومكتبتها-النجف الأشراف.

269- فضل آل البيت/ أحمد علي المقريزي تقي الدين/ المحقق: محمد أحمد

عاشور/الناشر: دار الإعتصام/ 1980 .

270-فقه العولمة دراسة اسلامية معاصرة/السيد محمد الحسيني الشيرازي/

الناشر: مؤسسة المجتبى عليه السلام للتحقيق والنشر/الطبعة: الثانية 2002 .

ص: 233

271- فقه القرآن/: قطب الدين الراوندي/المحقق: السيد احمد الحسينى

باهتمام السيد محمود المرعشي/الناشر: مكتبه آيه الله العظمى النجفي المرعشي/ الطبعة: مطبعه الولاية-قم التاريخ: 1405 .

272-یفقه اللغة وسر العربية/ عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور

الثعالبي (المتوفى: 429 ه)/المحقق: عبد الرزاق المهدي/ الناشر: إحياء

التراث العربي/ الطبعة: الطبعة الأولى 1422 ه- 2002 م .

273-نهاية الأرب في فنون الأدب/ تأليف: النويري/ نشر: دار الكتب

المصرية/ القاهرة-مصر.

274- فيض القدير شرح الجامع الصغير/ زين الدين محمد المدعو بعبد

الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي

القاهري (المتوفى: 1031 ه)/ الناشر: المكتبة التجارية الكبرى – مصر/

الطبعة: الأولى، 1356 .

275- الوافي/الفيض الكاشاني/ الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه

السلام-اصفهان الطبعة: الاولى 1312

276- القاموس الفقهي/ الدكتور سعدي أبو حبيب/ الطبعة: الثانية/

لسنة: 1408 - 1988 م/ الناشر: دار الفكر-دمشق – سوريا.

277- القاموس المحيط/ محمد بن يعقوب الفيروز آبادي مجد الدين/

المحقق: محمد نعيم العرقسوسي/ حالة الفهرسة: غير مفهرس/ الناشر:

مؤسسة الرسالة/ سنة النشر: 1426 - 2005

ص: 234

278- أنوار البروق في أنواء الفروق/المؤلف: أبو العباس شهاب الدين

أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي (المتوفى: 684 ه)/

الناشر: عالم الكتب.

279- قرب الاسناد/الشيخ الجليل ابي العباس عبدالله بن جعفر الحميري/

من اعلام القرن الثالث الهجري/تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام

لأحياء التراث .

280- الكنى والألقاب/ الشيخ عباس القمي/ الوفاة: 1359 ه/ الناشر:

مكتبة الصدر – طهران.--

281- القواعد والفوائد الأصولية وما يتبعها من الأحكام الفرعية/ ابن

اللحام، علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عباس البعلي الدمشقي الحنبلي (المتوفى: 803 ه) المحقق: عبد الكريم الفضيلي الناشر: المكتبة العصرية

الطبعة: 1420 ه- 1999 .

282- الكافي/ الشيخ الكليني/ الوفاة: 329 ه/ تحقيق: علي أكبر الغفاري/

الطبعة: الخامسة/ لسنة: 1363 ش/ الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران.

283- كامل الزيارات/ جعفر بن محمد بن قولويه/ الوفاة: 367 ه/

تحقيق: الشيخ جواد القيومي،/ الطبعة: الأولى/ لسنة: 1417 / الناشر:

مؤسسة نشر الفقاهة.

284- الكامل في التاريخ/ ابن الأثير/ الوفاة: 630 ه/ الناشر: دار الكتاب

العربي، بيروت -لبنان/ لسنة: 1997 م.

ص: 235

285-الكامل في الأدب/ أبي العباس محمد بن يزيد المبرد/ الوفاة: 285 ه/

الطبعة -الثالثة، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت -لبنان، لسنة: 1997 م.

286-الأمن الفكري في نهج البلاغة/السيد نبيل قدوري الحسني/العراق،

كربلاء/العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة/: 346 ق، 1

2015

287-كتاب التوحيد/ للشيخ الصدوق/صححه وعلق عليه: السيد هاشم

الحسيني الطراني الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر-بيروت لبنان.

288-كتاب الجمل في النحو للزجاج/ المحقق: علي توفيق الحمد. حالة

الفهرسة: غير مفهرس. الناشر: مؤسسة الرسالة-دار الأمل. سنة النشر:

.1984-1404

289- العين/الخليل بن أحمد الفراهيدي-عبد الحميد هنداوي/ المحقق:

عبد الحميد هنداوي/ حالة الفهرسة: غير مفهرس/ الناشر: دار الكتب

العلمية/ سنة النشر: 1424 – 2003 .

290-الغدير/ الشيخ الأميني/ الوفاة: 1392 ه/ الطبعة: الرابعة/ لسنة:

1977-1397 م/ الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت – لبنان.

291- المزار للمفيد/ الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان البغدادي/

تحقيق: السيد محمد باقر الابطحي الناشر: المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد

الطبعة: الاولى

ص: 236

292- الموطأ/ مالك بن أنس/ الوفاة: 179 ه/ الطبعة -الأولى/ لسنة: 1999 م/ تحقيق: ابو عبد الرحمن الاخضري/ الناشر: دار اليمامة، سوريا -دمشق.

293- هذه فاطمة (صلوات الله وسلامه عليها) وهي قلبي وروحي التي بين

جنبي/ دراسة وتحليل نبيل الحسني/ الطبعة الأولى/ كربلاء/ العتبة الحسينية

المقدسة/ قسم الشؤون الفكرية/ 1434 ه- 2013 م.

294- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل/ الزمخشري/ الوفاة:

538 ه/ الناشر: مكتبة العبيكان -الرياض، لسنة: 1998 م.

295- كشف الخفاء/ إسماعيل بن محمد العجلوني/ الوفاة: 1162 ه/

الطبعة: الرابعة/ لسنة: 1405 / الناشر: مؤسسة الرسالة -بيروت. تحقيق:

احمد القلاش.

296- كشف الغمة/ ابن أبي الفتح الإربلي/ الوفاة: 693 ه/ الطبعة:

الثانية/ لسنة: 1405 - 1985 م/ الناشر: دار الأضواء، بيروت – لبنان.

297- كشف الغمة/ للشعراني/ ط المطبعة الميمنية بمصر.

298- الكشف والبيان/ أحمد أبو إسحاق الثعلبي/ المحقق: علي بن عاشور

أبو محمد-نظير الساعدي/ الناشر: دار إحياء التراث العربي/ سنة النشر:

.2002 – 1422

ص: 237

299- كفاية الأثر/ الخزاز القمي/ الوفاة: 400 ه/ تحقيق: السيد عبد

اللطيف الحسيني/ لسنة: 1401 / الناشر: بيدار.

300- كنز العمال/ المتقي الهندي/ الوفاة: 975 ه/ الناشر: مكتبة التراث

الإسلامي -حلب.

301-لباب الخيار في سيرة المختار/ الشيخ مصطفى الغلاييني/ طبع في

المطبعة الرحمانية بمصر 1342 ه.

32- لسان العرب/ ابن منظور/ الوفاة: 711 ه/ لسنة: 1405 / الناشر:

نشر أدب الحوزة-قم – إيران.

303-لسانيات النص مدخل الى انسجام النص/ لمحمد الخطابي/طبع

ونشر المركز الثقافي العربي، بيروت ط السنة 1991 .

304-اللمعة الدمشقية/ الشهيد الأول/ الوفاة: 786 ه/ الناشر: دار

إحياء لتراث العربي، بيروت -لبنان.

305- اللهوف في قتلى الطفوف/السيد ابن طاووس الوفاة: 664 تحقيق:

الطبعة: الأولى سنة الطبع: 1147

306- مائة منقبة/محمد بن أحمد القمي/الوفاة: ح 412/تحقيق: مدرسة

الإمام المهدي (علیه السّلام)/ إشراف: السيد محمد باقر بن المرتضى الموحد الأبطحي/ الطبعة: الأولى المحققة المسندة/سنة الطبع: ذي الحجة 1407.

307-متشابه القرآن و مختلفه/ الشيخ محمد بن علي بن شهراشوب المازندراني

ص: 238

الناشر: دار البيدار للنشر الطبعة: الاولى.

308-مصباح المتهجد/ الشيخ الطوسي/ الوفاة: 460 ه/ الطبعة: الأولى/

لسنة: 1411 - 1991 م/ الناشر: مؤسسة فقه الشيعة، بيروت – لبنان.

309- المجازات النبوية/ الشريف الرضى 406 ه 1015- م بتحقيق وشرح

فضيلة الدكتور طه محمد الزينى الاستاذ بالازهر منشورات مكتبة بصيرتي قم-

شارع إرم.

310-مجمع البحرين/ الشيخ الطريحي/ الوفاة: 1085 ه/ تحقيق: السيد

أحمد الحسيني/ الطبعة: الثانية/ لسنة: 1408 - 1367 ش/ الناشر: مكتب

النشر الثقافة الإسلامية.

311- تفسير مجمع البيان/ الشيخ الطبرسي/ الوفاة: 548 ه/ تحقيق: لجنة

من العلماء والمحققين الأخصائيين/ الطبعة: الأولى/ لسنة: 1415 - 1995

م/ الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات-بيروت – لبنان.

312- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد/ تأليف: الحافظ نور الدين علي بن

ابي بكر الهيثمي/ تحقيق عبد الله محمد الدرويش/ الطبعة الأولى/ نشر: دار

الفكر/ سنة الطبع: 1425 ه، 2004 م/ بيروت-لبنان.

313- المجموع شرح المهذب/ تأليف: محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف

النووي/ تحقيق: ثمانية من الباحثين/ الطبعة الأولى/ نشر: دار الكتب العالمية/

سنة الطبع: 1423 ه، 2002 م/ بيروت-لبنان.

ص: 239

314-مجموع الفتاوى/ تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية

الحراني (المتوفى: 728 ه) المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية عام النشر: 1416 ه/ 1995 م.

315- المحتضر/ حسن بن سليمان الحلي/ الوفاة: ق 8/ تحقيق: سيد علي

أشرف/ لسنة: 1424 – 1382 ش/ الناشر: انتشارات المكتبة الحيدرية.

316-المحجة البيضاء في تهذيب الاحياء/المولى محسن الفيض الكاشاني

صححه وعلق عليه: علي اكبر الغفاري الناشر: منشورات مؤسسة الاعلمي

للمطبوعات الطبعة: الثانية 1983 .

317- المحكم في أصول الفقه/ السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم/ قم/

المطبعة: جاويد الطبعة الاولى 1414 / 1994 .

318-المختار من شعر بشار اختيار الخالديين/ أبو الطاهر إسماعيل بن أحمد

زيادة الله التجيبي البرقي/ المحقق: محمد بدر الدين العلوي/ الناشر: مطبعة

الإعتماد .

319- المختصر الكبير/ ابن جماعة الكناني/ الوفاة: 767 ه/ الناشر: دار

البشير، عمان -الأردن، لسنة: 1993 م.

320- مختصر تاريخ دمشق/ ابن منظور/ الوفاة: 711 ه/ الناشر: دار

الفكر، بيروت -لبنان.

ص: 240

321- مختصر صفة الصفوة/ لابن الجوزي/ ط دار الحديث بالقاهرة.

322- المخصص/ علي بن إسماعيل أبو الحسن ابن سيده/ الناشر: دار

الطباعة الكبرى الأميرية.

323- المدونة الكبرى/ لمالك بن أنس ط دار صادر- بيروت.

324-مدينة المعاجر/ للبحراني/ الوفاة: 1107/ تحقيق: لجنة التحقيق

برئاسة الشيخ عباد الله الطهراني الميانجي الطبعة: الأولى سنة الطبع: 1146

325- المذكر والتذكير/أبو بكر بن أبي عاصم وهو أحمد بن عمرو بن

الضحاك-بن مخلد الشيباني (المتوفى: 287 ه) تحقيق: ياسر خالد بن قاسم

الردادي الناشر: دار المنار-الرياض تاريخ النشر: 1413 ه .

326- المهذب/ تأليف: القاضي ابن البراج/ إعداد: مؤسسة سيد الشهداء

العلمية/ إشراف: الشيخ جعفر السبحاني/ نشر: مؤسسة النشر الإسلامي

التابعة لجماعة المدرسين/ سنة الطبع: 1406 ه، 1985 م/ قم المقدسة-إيران.

327-مرآة الجنان/ اليافعي/ الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت -لبنان.

328-مرآة العقول في شرح اخبار ال الرسول/العلامة الشيخ محمد باقر

المجلسي المقدمة بقلم: السيد جعفر مرتضى العسكري الناشر: دار الكتب

الاسلامية.

329- مروج الذهب ومعدن الجوهر/ تأليف: أبي الحسن علي بن الحسين بن

علي المسعودي/ تحقيق: أمير مهنا/ نشر: دار القلم.

ص: 241

330-مسالك الافهام إلى تنقيح شرائع الاسلام/زين الدين بن علي العاملي

الشهيد الثاني/تحقيق ونشر: مؤسسة المعارف الاسلامية/ الطبعة الاولى 1413 .

331-مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها/تحقيق وجمع: مؤسسة ال البيت

عليهم السلام لاحياء التراث/الناشر: المؤتمر العالمي للامام الرضا عليه

السلام/الطبعة: الاولى 1409 ه.

332-مستدرك الوسائل/ الميرزا النوري/ الوفاة: 1320 ه/ تحقيق:

مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث/ الطبعة: الأولى المحققة/

لسنة: 1408 - 1987 م/ الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام، بيروت

– لبنان.

333-مستدرك سفينة البحار/ الشيخ علي النمازي الشاهرودي/ الوفاة:

1405 ه/ تحقيق: الشيخ حسن بن علي النمازي/ لسنة: 1418 ه/ الناشر:

مؤسسة النشر الإسلامي -قم المشرفة.

334- مستدركات علم رجال الحديث/ الشيخ علي النمازي الشاهرودي/

الوفاة: 1405 ه/ الطبعة: الأولى/ لسنة: 1412 / الناشر: ابن المؤلف .

335- المستدرك على الصحيحين للحاكم/ أوفسيت على طبعة حيدر أباد.

336- مُسَكِنُ الفُؤادِ عند فقد الألحبة والأولاد/الشهيد الثاني الشيخ زين

الدين علي بن محمد الجبعي العاملي/( 911 - 965 ه )/تحقيق مؤسسة آل

البيت عليهم السلام لإحياء التراث.

ص: 242

337- مسند أبي داود الطيالسي/ سليمان بن داود الطيالسي/ الوفاة: 204 ه/

الناشر: دار المعرفة، بيروت – لبنان.

338- مسند أبي يعلى/ أبو يعلى الموصلي/ الوفاة: 307 ه/ تحقيق: حسين

سليم أسد/الناشر: دار المأمون للتراث.

339- مسند احمد/ الإمام احمد بن حنبل/ الوفاة: 241 ه/ الناشر: مؤسسة

قرطبة -مصر.

340- مسند البزار/ تأليف: صديق بن حسن القنوجي (ت 1307 ه)/

تحقيق: محفوظ الرحمن/ طبع: مؤسسة علوم القرآن لسنة 1409 ه، 1989 م/

بيروت-لبنان.

341-مسند الشاشي/ الهيثم بن كليب الشاشي أبو سعيد/ المحقق: محفوظ

الرحمن زين الله/ الناشر: مكتبة العلوم والحكم/ سنة النشر: 1414 – 1994 .

342-مسند زيد بن علي/ زيد بن علي/ الوفاة: 122 ه/ الناشر: دار مكتبة

الحياة، بيروت – لبنان.

343-مشارق الأنوار على صحاح الآثار/ عياض موسى عياض اليحصبي

السبتي المالكي أبو الفضل/-سنة النشر: 1333 .

344-مشاهير علماء الأمصار/ ابن حبان/ الوفاة: 354 ه/ الطبعة -الأولى/ لسنة: 1995 م/ الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت -لبنان.

ص: 343

345- مشكل الآثار/ تأليف: أبو جعفر الطحاوي، أحمد بن محمد بن سلامة

الأزدي المصري الحنفي/ تحقيق: شعيب الأرناؤوط/ طبع: مؤسسة الرسالة

لسنة 1415 ه، 1995 م/ الطبعة الأولى/ بيروت-لبنان.

346- مشير العزم الساكن/ ابن الجوزي/ تحقيق: ابي موسى عز العرب بن

محمد/ الطبعة الأولى/ 1415 ه/ مكتبة الصحابة- جدة.

347- المصباح ( جنة الأمان الواقية وجنة الايمان الباقية)/ الشيخ إبراهيم

الكفعمي/وفاة: 905 /الطبعة: الثالثة/ 1403 - 1983 م/الناشر: مؤسسة

الأعلمي للمطبوعات – بيروت.

348-مصباح المتهجد/ الشيخ الطوسي/ الوفاة: 460 ه/ الطبعة: الأولى/

لسنة: 1411 - 1991 م/ الناشر: مؤسسة فقه الشيعة، بيروت – لبنان.

349-مصباح الهدى في شرح عروة الوثقى/الشيخ محمد تقي الآملي/

الوفاة: 1391 /الطبعة: الأولى/سنة الطبع: 1381 /المطبعة: مصطفوي.

350-مصباح المتهجد/ الشيخ الطوسي الطبع: مؤسسة فقه الشيعة الطبعة:

الأولى تاريخ ومكان الطبع: 1411 ه ،-بيروت.

351- المصطلحات/ إعداد مركز المعجم الفقهي.

352- المصنف/ ابن أبي شيبة الكوفي/ الوفاة: 235 ه/ تحقيق: سعيد

اللحام/ الطبعة: الأولى/ لسنة: 1409 - 1989 م/ الناشر: دار الفكر،

بيروت – لبنان.

ص: 244

353-المصنف/ عبد الرزاق الصنعاني/ الوفاة: 211 ه/ الطبعة -الثالثة/ تحقيق: حبيب الرحمن الاعظمي/ الناشر: المكتبة الإسلامية -بيروت.

354-المصنف/ تأليف: عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي العبسي/ نشر:

مكتبة الرشد/ الرياض-المملكة العربية السعودية.

355- معارج العلا في مناقب المرتضى للشيخ محمد صدر العالم/ تحقيق

السيد نبيل الحسني/ط 1/كربلاء المقدسة/ العتبة الحسينية- مؤسسة علوم

نهج البلاغة/ 1438 - 2016 م.

356- معاني الأخبار/ الشيخ الصدوق/ الوفاة: 381 ه/ تحقيق: علي أكبر

الغفاري/ لسنة: 1379 - 1338 ش/ الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي -قم

المشرفة.

357- معاني القرآن للفراء/أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء/ تحقيق: أحمد

يوسف نجاتى/ محمدعلى نجار/ عبدالفتاح إسماعيل شلبى/الناشر:

دارالمصرية للتأليف والترجمة/ مصر.

358- المعتبر/ المحقق الحلي/ الوفاة: 676 ه/ لسنة: 1364 / 3/ 14 ش/

الناشر: مؤسسة سيد الشهداء عليه السلام – قم.

359- المعتقدات الشعبية في الموروث الشعري/ عبدالرزاق خليفة محمود/

دمشق: دار الينابيع , 2009 .

ص: 245

360-المعجم الأوسط/ الطبراني/ الوفاة: 360 ه/ الطبعة -الأولى/ لسنة: 1985 م/ الناشر: مكتبة المعارف -الرياض.-

361- معجم البلدان/ ياقوت الحموي/ الوفاة: 626 ه/ تحقيق: فريد بن عبد العزيز الجندي/ الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت -لبنان.

362-المعجم الكبير/ الطبراني/ الوفاة: 360 ه/ تحقيق: حمدي عبد المجيد

السلفي/ الطبعة: الثانية/ الناشر: مكتبة العلوم والحكم -الموصل.

363-معجم المصطلحات ولألفاظ الفقهية/ محمود عبد الرحمن عبد

المنعم/ الناشر: دار الفضيلة للنشر والتوزيع والتصدير.

364-معجم رجال الحديث/ السيد الخوئي/ الوفاة: 1411 ه/ الطبعة: الخامسة/ لسنة: 1413 - 1992 م.-

365- معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع/ تأليف: أبو عبيد عبد

الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي/ تحقيق: د. جمال طلبة/ الطبعة الأولى/

نشر: دار الكتب العلمية/ سنة الطبع: 1418 ه، 1997 م/ بيروت-لبنان.

366- معجم معالم الحجاز/ لعاتق البلادي/، ط دار مكة المكرمة، الطبعة

الأولى.

367-معجم مقاييس اللغة/ أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا/ الوفاة:

395 ه/ الناشر: دار الفكر، بيروت -لبنان، لسنة: 1979 م.

ص: 246

368-معرفة الثقات للحافظ العجلى/ الطبعة الاولى 1405 ه- 1985 م الناشر مكتة الدار بالمدينة المنورة شارع السنين.

369- شرح القصائد العشر/الخطيب التبريزي ( 431 - 503 ه)/تحقيق

وتعليق وضبط: محمد محيي الدين عبد الحميد/ الناشر: مكتبة محمد علي

صبيح وأولاده – القاهرة.

370-المغازي/ تأليف: محمد بن عمر الواقدي/ تحقيق: د. مارسدن جونس/

نشر: مكتب الاعلام الاسلامي/ سنة الطبع: 1414 ه، 1994 م/ قم المقدسة-

إيران.

371- المغني/ عبد الله بن قدامه/ الوفاة: 620 ه/ الطبعة -الأولى/

لسنة: 1987 م/ تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو/ الناشر: هجر، القاهرة

-مصر.

372- المفردات في غريب القرآن/أبو القاسم الحسين بن محمد/ الوفاة

502 ه/تحقيق محمد سيد كيلاني/الناشر دار المعرفة/لبنان.

373-شرح المفصل للز مخشري/ يعيش بن علي بن يعيش ابن أبي السرايا

محمد بن علي، أبو البقاء، موفق الدين الأسدي الموصلي، المعروف بابن يعيش

وبابن الصانع (المتوفى: 643 ه)/قدم له: الدكتور إميل بديع يعقوب/الناشر:

دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان/الطبعة: الأولى، 1422 ه- 2001 م.

374- المقتضب/ أبو العباس محمد بن يزيد المبرد/ المحقق: محمد عبد

الخالق عضيمة/الناشر: وزارة الأوقاف المجلس الأعلى للشئون الإسلامية

ص: 247

لجنة إحياء التراث الإسلامي – القاهرة/ 1415 – 1994 .

375- المقنعة/ تأليف: الشيخ المفيد/ تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي/

الطبعة الثانية/ نشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين/ سنة

الطبع: 1410 ه، 1990 م/ قم المقدسة-إيران.

376- المنتقى من كتاب مكارم الأخلاق ومعاليها ومحمود طرائقها/ أبو

بكر محمد بن جعفر بن محمد بن سهل بن شاكر الخرائطي السامري (المتوفى:

327 ه)/ انتفاء: أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي الأصبهاني/تحقيق: محمد

مطيع الحافظ، وغزوة بدير/ الناشر: دار الفكر-دمشق سورية/ سنة النشر:

1406 ه.

377- من لا يحضره الفقيه/ الشيخ الصدوق/ الوفاة: 381 ه/ تحقيق:

علي أكبر الغفاري/ الطبعة: الثانية/ الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي -قم

المشرفة.

378- مناقب الإمام علي عليه السلام/ ابن المغازلي/ الوفاة: 483 ه/

الناشر: دار مكتبة الحياة، بيروت -لبنان.

379- مناقب آل أبي طالب/ ابن شهر آشوب/ الوفاة: 588 ه/ تحقيق:

لجنة من أساتذة النجف الأشرف/ لسنة: 1376 - 1956 م/ الناشر: المكتبة

الحيدرية-النجف الأشرف.

380- مناقب آل أبي طالب/الامام الحافظ ابن شهر اشوب مشير الدين أبى

عبد الله محمد بن على بن شهر اشوب ابن أبى نصر بن أبى حبيشى السروى

ص: 248

المازندرانى/المتوفى سنة 588 ه/قام بتصحيحه وشرحه ومقابلته على عدة

نسخ خطية لجنة من أساتذة النجف الاشرف/قام بطبعه محمد كاظم الكتبى

1956 م.طبع في المطبعة الحيدرية صاحب المكتبة والمطبعة الحيدرية/ 1376 ه

في النجف.

384-مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام/ محمد بن سليمان الكوفي/

الوفاة: ح 300 / الشيخ محمد باقر المحمودي/ الطبعة: الأولى/ لسنة:

1412 / الناشر: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية-قم المقدسة.

382-مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام وما نزل من القرآن في علي عليه

السلام/ أبو بكر أحمد بن موسى ابن مردويه الأصفهاني/ الوفاة: 410 ه/

تحقيق: عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين/ الطبعة: الثانية/ لسنة: 1424 -

1382 ش/ الناشر: دار الحديث.

383- مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب/ علي بن محمد الواسطي أبو

الحسن ابن المغازلي/ المحقق: تركي بن عبد الله الوادعي أبو عبد الرحمن/

الناشر: دار الآثار – صنعاء/ سنة النشر: 1424 - 2003 .

384-مناقب علي بن أبي طالب (علیه السّلام) وما نزل من القرآن في علي (علیه السّلام) أحمد بن موسى ابن مردويه الأصفهاني/ تحقيق: عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين/ الطبعة الثانية/ سنة الطبع: 1424 - 1382 ش/ نشر: مطبعة درا

الحديث.

ص: 249

385- مناقب آل أبي طالب/أبي جعفر بن شهر آشوب المازندراني-تحقيق

وفهرسة:يوسف البقاعي-طبع ونشر: دار الاضواء-لبنان ، بيروت.

386- المناقب/الموفق الخوارزمي/تحقيق: الشيخ مالك المحمودي،

ومؤسسة سيد الشهداء عليه السلام/ نشر وطبع: مؤسسة النشر الإسلامي

التابعة لجماعة المدرسين لسنة 1414 ه، 1994 م/ الطبعة الثانية/ قم المقدسة-

إيران.

387- منال الطالب في شرح طوال الغرائب/المبارك بن محمد بن الأثير مجد

الدين أبو السعادات/تحقيق: محمود محمد الطناحي/الناشر: مكتبة الخانجي/

سنة النشر: 1417 – 1997 .

388- المنتخب من مسند عبد بن حميد/عبد بن حميد بن نصر أبو محمد

الكسي/ تحقيق: صبحي البدري السامرائي , محمود محمد خليل الصعيدي/

الناشر: مكتبة السنة – القاهرة/ الطبعة الأولى ، 1408 – 1988 .

389- المنتظم في تاريخ الأمم والملوك/ تأليف: ابن الجوزي/ دراسة

وتحقيق: محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا/ مراجعة وتصحيح:

نعيم زرزور/ نشر: دار الكتب العلمية/ سنة الطبع: 1412 ه، 1992 م/

بيروت-لبنان.

390-منتهى المطلب/ تأليف: للعلامة الحلي/ تحقيق: قسم الفقه في مجمع

البحوث الإسلامية/ الطبعة الأولى/ نشر: مؤسسة الطبع والنشر في العتبة

الرضوية المقدسة/ سنة الطبع: 1412 ه، 1991 م/ مشهد المقدسة-إيران.

ص: 250

391-منح المدح/ ابن سيد الناس/ الوفاة: 734 ه/ الطبعة -الأولى/ لسنة: 1978 م/ الناشر: دار الفكر، سوريا -دمشق.

392- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة/ قطب الدين ابي الحسين سعيد

بن هبة الله الراوندي/تحقيق: السيد عبد اللطيف الكوهكمري باهتمام: السيد

محمود المرعشي/ الناشر: منشورات مكتبة أيه الله العظمى المرعشي النجفي/

الطبعة: الاولى 1406 .

393- مهج الدعوات ومنهج العبادات/ السيد ابن طاووس/الوفاة: 664 /الناشر: كتابخانه سنائى.

394- المواهب اللدنية/ القسطلاني/ الوفاة: 923 ه/ الناشر: دار الكتب

العلمية، ودار المعرفة، بيروت -لبنان.

395-موسوعة أدب المحنة أو شعراء المحسن بن علي عليه السلام/ السيد

محمد علي الحلو/ الناشر: مؤسسة دارالكتاب ( الجزائري ) للطباعة والنشر-

قم-ايران/ط: الأولى/ربيع الثاني 1419 - 1377 ش.

396- الموسوعة الفقهية الميسرة/ الشيخ محمد علي الانصاري/ الناشر:

مجمع الفكر الاسلامي/ الطبعة: الاولى 1415 ه .

397-موسوعة علم الانسان، المفاهيم والمصطلحات الأنثروبولوجية،

لسيمور سميث ، ط 2، المركز القومي للترجمة-القاهرة.

ص: 251

398- الموضوعات/ ابن الجوزي/ الوفاة: 597 ه/ الناشر: المكتبة السلفية، المدينة المنورة -السعودية، ومحمد عبد المحسن/ الطبعة -الأولى، لسنة: 1966 م.

399- الموطأ/ تأليف: الإمام مالك/ تحقيق وتصحيح وتعليق: محمد فؤاد

عبد الباقي/ نشر: دار إحياء التراث العربي/ سنة الطبع: 1406 ه، 1985 م/

بيروت-لبنان.

400- الأخبار الموفقيات/ تأليف: أبو عبد الله الزبير بن بكار بن الزبير القرشي الأسدي/ تحقيق: د. سامي مكي العاني/ الطبعة الأولى/ نشر: عالم

الكتب/ سنة الطبع: 1429 ه، 2008 م/ بيروت-لبنان.

401-ميزان الاعتدال/ الذهبي/ الوفاة: 748 ه/ تحقيق: علي محمد

البجاوي/ الطبعة: الأولى/ لسنة: 1382 - 1963 م/ الناشر: دار المعرفة،

بيروت – لبنان.

402- ناسخ التواريخ/ ميرزا محمّد تقي سِپِهِرْ/المترجم والمحقّق: السيّد

علي جمال أشرف/الناشر: انتشارات مَديَن-قمّ المقدّسة/الطبعة: الأولى-سنة

1477 ه/ 2007 م.

403- نثر الدر/ أبو سعد منصور بن الحسين الآبي/ تحقيق: خالد عبد الغني/

دار النشر: دار الكتب العلمية-الطبعة: الأولى/ بيروت/ لبنان- 1424 ه-

2004 م.

ص: 252

404-نزهة الناظرين في مسجد سيد الأولين والآخرين/ تأليف: السيد

جعفر بن السيد إسماعيل المدني البرزنجي (ت 1177 ه)/ طبع: دار صعب

لسنة 1303 ه، 1885 م/ بيروت-لبنان.

405-نصب الراية/ الزيلعي/ الوفاة: 762 ه/ تحقيق: أيمن صالح شعبان/ الطبعة: الأولى/ لسنة: 1415 - 1995 م/ الناشر: دار الحديث – القاهرة.

406-نظرية الأفعال الكلامية بين فلاسفة اللغة المعاصرين والبلاغيين

العرب/ طالب سيد هاشم الطبطائي/ مطبوعات جامعة الكويت/ الكويت

1994 م.

407-نظم المتناثر من الحديث المتواتر/ أبي عبد الله محمد بن جعفر الكتاني/

تحقيق: شرف حجازي/ الطبعة: الثانية المصححة ذات الفهارس العلمية/

دار الكتب السلفية للطباعة والنشر بمصر/ الناشر: دار الكتب السلفية.

408- نظم درر السمطين/ الزرندي الحنفي/ الوفاة: 750 ه/ الطبعة

-الأولى/ لسنة: 1958 م.

409- نقد الفكر الاجتماعي المعاصر، د. معن خليل/ ط 2، دار الآفاق/

العراق.

410- نهاية الأرب في فنون الأدب/ تأليف: النويري/ نشر: دار الكتب

المصرية/ القاهرة-مصر.

ص: 253

411- النهاية في غريب الحديث/ ابن الأثير/ الوفاة: 606 ه/ الناشر: دار

إحياء التراث، بيروت -لبنان.

412-نهج الإيمان/ ابن جبر/ الوفاة: ق 7/ تحقيق: السيد أحمد الحسيني/

الطبعة: الأولى/ لسنة: 1418 / الناشر: مجتمع إمام هادي عليه السلام –

مشهد.

143-نهج البلاغة-الدكتور صبحي صالح/تأليف: الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام/ضبط نصه وابتكر فهارسه العلمية: الدكتور صبحي صالح/ الناشر: دار الكتاب المصري-دار الكتاب اللبناني/الطبعة: الرابعة .2004

414- شرح نهج البلاغة/ ابن أبي الحديد/ الوفاة: 656 ه/ تحقيق: محمد

أبو الفضل إبراهيم/ الطبعة: الأولى/ لسنة: 1378 - 1959 م/ الناشر: دار

إحياء الكتب العربية-وعيسى البابي الحلبي وشركاه.

415-نهج البلاغة/ خطب الإمام علي عليه السلام/ الوفاة: 40 ه/ تحقيق:

الشيخ محمد عبده/ الطبعة: الأولى/ لسنة: 1412 - 1370 ش/ الناشر: دار

الذخائر-قم – إيران، الناشر: مؤسسة إسماعليان.

416-نهج الحق وكشف الصدق/العلامة الحلي/الوفاة: 726 /تحقيق:

تقديم: السيد رضا الصدر/ تعليق: الشيخ عين الله الحسني الأرموي/الناشر:

مؤسسة الطباعة والنشر دار الهجرة – قم/ ستارة – قم/ ذي الحجة 1421 .

ص: 254

417-نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار(صلى الله عليه [وآله]

وسلم)/ للشبلنجي/ منشورات الشريف الرضي.

418- نيل الأوطار/ الشوكاني/ الوفاة: 1255 ه/ لسنة: 1973 / الناشر:

دار الجيل. بيروت – لبنان، ودار الكلم الطيب -دمشق.

419- الهداية الكبرى/ الحسين بن حمدان الخصيبي/ الوفاة: 334 ه/

الطبعة: الرابعة/ لسنة: 1411 - 1991 م/ الناشر: مؤسسة البلاغ، بيروت

– لبنان.

420- الوافي بالوفيات/ الصفدي/ الوفاة: 764 ه/ الناشر: دار صادر،

بيروت-لبنان، لسنة: 1972 م.

تخريج الأحاديث والآثار/ الزيلعي/ الوفاة: 762 ه/ تحقيق: عبد الله بن

عبد الرحمن السعد/ الطبعة: الأولى/ لسنة: 1414 / الناشر: دار ابن خزيمة.

421-وسائل الشيعة/ الحر العاملي/ تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم

السلام لإحياء التراث/ الطبعة الثانية/ نشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام

لإحياء التراث/ سنة الطبع: 1414 ه، 1993 م/ قم المقدسة-إيران.

422- الوسيلة/ تأليف: ابن حمزة الطوسي/ تحقيق: الشيخ محمد الحسون/

إشراف: السيد محمود المرعشي/ الطبعة الأولى/ نشر: مطبعة الخيام/ سنة

الطبع: 1408 ه، 1988 م/ قم المقدسة-إيران.

ص: 255

423- وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى/نور الدين علي بن عبد الله السمهودي تحقيق وتقديم د.: قاسم السامرائي مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي 2001 م.

424- وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وموضع قبره وروضته بين

اختلاف أصحابه واستملاك أزواجه/ دراسة وتحليل وتحقيق: السيد نبيل

الحسني/ ط 1.-كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة. قسم الشؤون الفكرية

والثقافية/ 1434 ق. 2013 م.

425- الجمع بين الصحيحين/ محمد بن فتوح الحميدي/ دار النشر/ دار

ابن حزم-لبنان/ بيروت- 1423 ه- 2002 م/ الطبعة: الثانية/تحقيق: د.

علي حسين البواب.

426- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان/ ابن خلكان/ الوفاة: 681 ه/ الناشر: دار صادر، بيروت -لبنان.

427-وقعة صفين/نصر بن مزاحم المنقرى المتوفى سنة 212 تحقيق وشرح:

عبد السلام محمد هارون/ط الثانية/ 1382 ه/ الناشر: المؤسسة العربية

الحديثة للطبع والنشر والتوزيع

428- ينابيع المودة لذوي القربى/ القندوزي/الوفاة: 1294 / تحقيق: سيد

علي جمال أشرف الحسيني/ الطبعة: الأولى/: دار الأسوة للطباعة والنشر/

.1416

ص: 256

فهرس الأيات

البقرة

السورة/ الآية (المباركة) -رقمها - الجزء والصفحة

«مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ »- 17- ج2/ 177

«يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ »- 20- ج2/ 92

«الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ ...»-27- ج2/ 57

«وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ »

54- ج2/ 57

«... فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ ...» 60- ج2/ 58

«وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ»

65- ج2/ 212

«... أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ» 87- ج2/ 39

«قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ » -97- ج4/ 61؛ ج5/ 59

ص: 257

«وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ »-101- ج2/ 58

«وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ...» 114- ج2/ 58

«وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ...» 115- ج2/ 58

«...قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى » 120- ج2/ 58

« لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ » 124- ج3/ 234

«وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ » 130- ج1/ 266

«وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ » 132- ج1/ 265

«صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ » 138- ج2/ 85

«وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ...» 143- ج1/ 136 - ج2/ 16، 55، 972

«وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ» 154- ج2/ 59

«الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»*أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ ...» 156- 157- ج3/ 26، ج2/ 104

ص: 258

«إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا » 158- ج2/ 59

«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ » 161- ج2/ 59

«وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً » 171- ج4/ 231

«ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ »

176- ج1/ 191

«... إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ »

180- ج3/ 189؛ ج4/ 191

«... تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ...» 187- ج2/ 59

«الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ...» 194- ج2/ 210

«وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ »

207- ج2/ 59

«تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ »

253- ج2/ 114

«مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً » 245- ج4/ 232

«يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ ...» 264- ج5/ 149

ص: 259

«يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ » 269- ج1/ 28

«... وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ » 272- ج4/ 250

«فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ » 278- ج4/ 286

آل عمران

«نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ » 3- ج1/ 191

«هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ...»

7- ج2/ 210

«قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ...» 31- ج1/ 269

ج4/ 285، 290

«قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ » 32- ج1/ 269؛ ج4/ 285

«إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ *ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ...» 33- 34- ج1/ 265ريال ج2/ 15- ج3/ 202؛ ج5/ 187

«... يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ »

42- ج1/ 270؛ ج2/ 14- ج5/ 185

ص: 260

«ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ » 43- ج2/ 280

«إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ...» 45- ج3/ 160؛ ج4/ 39

«إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ...» 77- ج2/ 218

«وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ » 81- 82- ج2/ 88

«...وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا » 97- ج3/ 101

« وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ » 103- ج2/ 80

«كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ »

110- ج2/ 15؛ ج5/ 169

«وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ...» 144- ج2/ 196؛ ج3/ 190

«لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ » 198- ج1/ 193

ص: 261

النساء

«وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً » 1- ج2/ 193

«إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا » 10- ج2/ 217

«يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ...» 11- ج1/ 177؛ ج3/ 189ج4/ 191

«تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ » 13- ج2/ 221

«وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ »

14- ج2/ 221؛ ج4/ 286

«وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ ...» 15- ج2/ 220

« وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ » 32- ج1/ 181

«فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا » 41- ج1/ 136، 137، 273؛ ج2/ 56، 279

«يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا » 42- ج1/ 136

ص: 262

«أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا » 54- ج1/ 181

«إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ...» 58- ج2/ 47

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ » 59- ج4/ 286

«فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا » 65- ج2/ 271، 281

«... فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا » 69- ج1/ 279

«مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ » 80- ج4/ 256

«وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ...» 83- ج2/ 56

«وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا » 93- ج2/ 217

« وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا » 95- ج5/ 165

«وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ ...» 100- ج2/ 221؛ ج4/ 287

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ ...» 136- ج1/ 191

ص: 263

«يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ ...» 153- ج1/ 192

«رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا » 165- ج2/ 78

«فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ...» 173- ج1/ 181

«يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ...» 176- ج2/ 178

المائدة

«إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ » 55- ج4/ 197

«وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ » 56- ج4/ 197

«وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ ...» 81- ج4/ 204

«مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ ...» 117- ج1/ 137

ص: 264

«إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ ...» 33- ج2/ 221

« الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا »

107- ج2/ 81

الأنعام

« مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ» 38-ج2/ 281

«وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ » 45- ج1/ 18

«وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ »

54- ج1/ 153، 145

«الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ » 82- ج4/ 271

«وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا » 84- ج2/ 120

«أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ » 90- ج2/ 120

«لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ » 127- ج1/ 150

ص: 265

الاعراف

« خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ » 12- ج5/ 75

«قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا ...» 38- ج2/ 216

«وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ » 46- ج1/ 151، 153

«وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ... » 85- ج2/ 250

«وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ » 87- ج2/ 248

«وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ » 102- ج3/ 234؛ ج4/ 271

«وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ ...» 137- ج3/ 24

«وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا ...» 155- ج1/ 244

«وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ » 158- ج4/ 290

«وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا ...» 172- ج2/ 78

ص: 266

الانفال

«ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ » 13- ج2/ 221

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ » 20- ج4/ 286

«وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ »

33- ج2/ 229؛ ج3/ 36

«وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ...» 41- ج3/ 169، 201

«...وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ...» 75- ج3/ 188

التوبة

«بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ » 1- ج4/ 287

«يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ » 21- ج2/ 132

«قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا ...»

24- ج3/ 8

ص: 267

«قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ...» 29- ج2/ 222

«إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ...» 36- ج5/ 10

«وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ ...» 39- ج2/ 215

«يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ »

32- ج3/ 275

«لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ » 48- ج3/ 12؛ ج4/ 83

«وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ » 59- ج1/ 183؛ ج2/ 222؛ ج3/ 86، 107؛ ج4/ 287؛ ج5/ 30

«لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ...» 63- ج5/ 11، 12

«يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ » 64- ج3/ 31؛ ج4/ 84

«الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ...» 67- ج2/ 216، 219؛ ج1/ 216، 219

ص: 268

«يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ...» 74- ج1/ 182؛ ج4/ 25؛ ج2/ 56، 222؛ ج3/ 86، 107

«وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ...» 97- 68

«الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ »...84- ج3/ 8

« وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ » 99- ج3/ 102؛ ج4/ 277

«وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ...» 105- ج1/ 138، 273؛ ج2/ 55، 133

«إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ » 111- ج2/ 83

«وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ ...» 114- ج3/ 36، 43

«لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ » 128- ج1/ 80

ص: 269

يونس

«دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ ...» 10- 147

«إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ » 24- ج4/ 231

« لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ» 45- ج3/ 96

«وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ » 109- ج2/ 248

هود

«... أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ »

5- ج2/ 45

«وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ » 6- ج2/ 45

«وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ »

37- ج3/ 128؛ ج4/ 180

«فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ » 39- ج2/ 132

«وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ...» 45- 47- ج3/ 15

ص: 270

«تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ » 49- ج2/ 281

«وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ...» 64- 67- ج2/ 62، 164، 227، 234

«وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ» 69- ج1/ 149، 147؛ج3/ 97

«وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ ...» 78-83- ج2/ 225، 226، 234

« وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ » 88- ج1/ 18

«ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ » 100- ج2/ 281

«وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ » 120- ج2/ 281

يوسف

« بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ » 18- ج2/ 115، ج3/ 53

«قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ ...»66- ج2/ 74، 88

ص: 271

«فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ ...» 80- ج2/ 248

«قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ » 83- ج2/ 114

«وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ » 84- ج2/ 107، 113

«قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ *قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ...» 85- 86- ج2/ 113، 118، 120

«يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ » 87- ج2/ 117

الرَّعد

«وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ...» 22- ج3/ 24

«جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ...» 24- 25- ج1/ 151

«وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ » 43- ج2/ 152

ص: 272

إبراهيم

«وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ » 23- ج1- 147

«وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ » 26- 231

«رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي» 40- ج2/ 132

الحجر

«وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ » 87- ج4/ 52

سورة النحل

«مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ » 96- ج3/ 25

«الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ » 32- ج1/ 151، 152

«وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ ...» 89- ج1/ 138

«فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ » 98- ج2/ 178

ص: 273

الاسراء

«وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ...» 23- 30- ج2/ 212؛ ج3/ 160

«وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ...»

31- 39- ج2/ 213

«وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا » 55- ج2/ 114

«وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ » 59- ج5- 54

«وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا » 70- ج2/ 63

«يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا » 71- ج2/ 219

«أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا » 78- ج3/ 101

«وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا » 79- ج3/ 78

«وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا » 105- ج1/ 191

ص: 274

الكهف

«فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا *ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا » 11-12- ج3/ 97

«وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا » 25- ج3/ 97

«قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ...» 26- ج3/ 97

«وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ...» 50- ج2- 219

«وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا » 54- ج2/ 81

«وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا*فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا ...» 60- 63- ج1/ 224

«وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ» 82- ج5/ 39

«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا » 107-ج1/ 193

«أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا » 107- ج1/ 193

«قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ » 110- ج1/ 225، 228؛ ج3/ 13؛ ج4/ 270

ص: 275

مريم

«وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ » 4- ج2/ 183

«وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا *يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ...» 5- 6- ج3/ 188، 195؛ ج4/ 182

«فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا » 29- ج5/ 165

«وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا » 32- ج5/ 165؛ ج2/ 67

«وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا » 33- ج1/ 147

«فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ » 37- ج2/ 217

«قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا » 47- ج1/ 150، 152

طه

«أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ...» 39- ج3/ 128؛ ج4/ 180

«مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى» 55- ج1/ 237؛ ج3/ 146

«خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ...» 81- ج5/ 76

ص: 276

الأنبياء

« مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ » 52- ج3/ 99

«وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ *«لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ » 26- 27- ج4/ 39

«ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ » 32- ج1/ 126

« وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ » 73- ج3/ 128

«اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ »75- ج1/ 266

«وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ *فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ ...»83- 84- ج3/ 39

« وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا » 90- ج4/ 282

«وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا ...» 91- ج5/ 187

الحج

«فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ » 31- ج2/ 92

«ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ » 32- ج2/ 59

«وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ » 42- ج2/ 215

ص: 277

المؤمنون

«وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ » 29- ج1/ 193

«اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ » 61- ج4/ 233

«... سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ » 91- ج5/ 77

«إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ ...» 109- 111- ج1/ 100؛ ج3/ 25

النور

«سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ*...» 1- ج2/ 220

«الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ » 3- ج2/ 218

«وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ...» 4- ج2/ 218

«إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ *...»23- ج2/ 219

«...مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ ...» 35- ج4/ 231

ص: 278

«فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ...» 36- ج5/ 192

«فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ » 63- ج4/ 290

الفرقان

«خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا » 63- ج1/ 33، 148

«وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ...» 74- 75- ج3/ 25

الشعراء

«يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ*إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ » 88- 89 - ج1/ 125

«وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ *وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ *مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ ...» 91- 95- ج2/ 215

«وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ » 99- ج2/ 215، 216

«كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ » 172- ج2/ 215

«وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ *نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ *عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ »

192- 194- ج1/ 191؛ ج4/ 61؛ ج5/ 59

«... وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ» 227- ج3/ 8192

ص: 279

النمل

«وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ...» 16- ج3/ 188، 195؛ ج4- 182-191

«قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ » 59- ج1/ 266

القصص

«نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ» 3- ج2/ 143

«وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ» 9- ج1/ 172

«وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ » 55- ج1/ 153، 151

«وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ...» 68- ج1- 244

«قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ» 72- ج2/ 108

«كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ » 88- ج4/ 255

ص: 280

العنكبوت

«...فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا ...» 14- 22

«وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ...» 63- ج1/ 191

«وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ » 67- 92

الروم

«وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ *بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ» 4- 5- 66

«وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ » 6- ج4/ 159

«فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ...» 30- 43- ج3/ 177؛ ج4- 230- 187، 251

«وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ »

55- ج3/ 97

لقمان

«وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ » 12- ج1/ 28

ص: 281

سورة السجدة

«أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ » 18- ج2/ 218

«أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ »

19- ج1/ 193

«وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ » 24- ج3/ 26

سورة الأحزاب

«النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ...» 6- ج1/ 123؛ ج4/ 191

«وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا...» 7- 8- ج2/ 88

«إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ...» 10- 11- ج2/ 24

«وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا » 46- ج4/ 290

«يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ» 32- ج5/ 166

«... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا » 33- ج3/ 178؛ ج4/ 188

ص: 282

«وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ...» 36- ج1/ 244، 269؛ ج4/ 127، 286

«تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا » 44- ج1/ 148

«وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا » 46- ج4/ 52

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ ...» 53- ج1/ 157

«إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا » 56- ج1/ 146

«إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا » 57- ج1/ 248، 172،ج2/ 207، 223،ج3/ 32، 273

« تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا » 62- ج2/ 206

«إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا *خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا »

64- 65- ج2/ 217

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا » 69- ج3/ 160

ص: 283

فاطر

«وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ *الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ ...» 34- 35- ج2/ 134

« وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا » 43- ج2/ 106

یس

«وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ *اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ ...» 20- 23- ج1/ 196

«قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ » 26- 27- ج1/ 196؛ ج2/ 130

«فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ » 76- ج2/ 119

«أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ » 77- ج2/ 81

«إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » 82- 78

سورة الصّافّات

«إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ » 10- ج2/ 92

«وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ » 24- ج2/ 150؛ ج4/ 156

ص: 284

«سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ» 79- ج1/ 146

«إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ » 84- ج5/ 80

« إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ » 99- ج3/ 49

«إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ » 111- ج3/ 102

«فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى ...» 102- 106- ج3/ 16، 39؛ ج2/ 67

«سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ » 120- ج1/ 146

«سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ» 130- ج1/ 147

سورة (ص)

«وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ » 20- ج1/ 26

«وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ» 21- ج2/ 144

«... فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ » 23- ج1/ 26

«وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ » 26- ج2/ 120

«هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ » 39- ج4/ 25

«قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ » 76- ج5/ 79

«وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ» 77- ج1/ 155

ص: 285

الزمر

«وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ...» 73- ج1/ 151، 152

غافر

« وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ » 44- ج2/ 128

فصّلت

«وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ » 23- ج3/ 20، 22

« وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ » 46- ج2/ 165

الشوری

«شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ...» 13- ج2/ 211

«قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى » 23- ج / 196، 289

ص: 286

سورة الزخرف

«وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ*فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ »

88- 89 -ج1/ 148

«فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ » 55- ج2/ 208؛ ج4/ 257

الدخان

«وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ *مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ *وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ ...» 33 - ج5/ 187

الجاثیة

«وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ...» 17- ج5/ 187

الأحقاف

«فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ» 35- ج2/ 114

ص: 287

الفتح

«...عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ...» 6- ج1/ 155

«إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ » 10- ج2/ 75، 209

« أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ » 29- ج5/ 147

الحجرات

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ...» 2- ج1/ 124؛ ج2/ 282؛ ج5/ 13، 123

«إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ » 3- ج1/ 127؛ ج2/ 282

«إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ » 4- ج1/ 134

«وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ » 5- ج1/ 134

«قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ...» 14- ج2/ 22، 67؛ ج5/ 123

«يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ ...» 17- ج5/ 149

ص: 288

سورة الذاریات

«إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ » 25- ج1/ 148، 150

«وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ » 55- ج1/ 128

سورة الطور

«وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ » 48- ج3/ 129؛ ج4/ 180

النجم

«وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى » 3- 4- ج1/ 136؛ ج5/ 72

«ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى *«فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى » 8- 9- ج4/ 41

«عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى » 5- ج2/ 145

«وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى *عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى» 13- 14- ج1- 192

سورة القمر

«تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ » 14- ج3/ 128؛ ج4/ 180

ص: 289

الوافعة

«فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا » 6- ج2/ 194

«وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ *فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ *وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ » 92- 94- ج2/ 214

المجادلة

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ ...» 12- ج1/ 127، 132؛ ج2/ 282

«أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ...» 13- ج1/ 129

«إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ » 20- ج2/ 222

«لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ ...» 22- ج4/ 197، 204

الحشر

«وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ...» 3- 4- ج2/ 223

ص: 290

«وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ...» 6- ج3/ 165، 167

«مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ...» 7- ج1/ 269؛ ج3/ 164؛ ج4/ 186

«هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ » 23- ج1/ 145

الممتحنة

«قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ...» 4 - ج4/ 198

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ...» 13- ج4/ 198

سورة الجمعة

«هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ...» 2- ج2/ 80

«مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا » 5- ج4/ 232

ص: 291

المنافقون

«إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ...» 1- 2- ج5/ 49

«هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ » 4- ج4/ 83

التغابن

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا ...» 14- ج1/ 177

«إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ » 15- ج1/ 177

التحریم

«وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ *وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ...» 11- 12- ج5/ 187

ص: 292

الملک

«تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ*قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا...» 8-9- ج2/ 214

الحاقة

«إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ *وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ *وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ...» 40- 43- ج5/ 68

«وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ *لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ *ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ *فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ » 44- 47- ج5/ 68، 71، 72

«وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ*وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ *يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ... » 25- 27- ج2- 214

سورة نوح

«أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ » 3- ج2/ 211

«وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا *إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا » 26- 27- ج2/ 22

ص: 293

الجن

«إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا » 23- 223

المزَّمل

«يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ *قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا *نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا *أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا » 1- 4- ج3/ 88

المدَّثر

«كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ » 38- ج2/ 74؛ ج4/ 176

النبأ

«عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ *عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ » 1- 2- ج2/ 144

«... الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا » 37- ج2/ 34

التکویر

«إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ *ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ *مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ » 19- 21- ج4/ 39

ص: 294

المطففین

«وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ » 1- ج 2/ 217

الإنشقاق

«إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ *وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ *وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ *وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ *وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ...» 1- 15- ج2/ 214

الغاشیة

«وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ » 16- ج2/ 194

الفجر

«وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا » 20- ج4/ 276

سورة الشمس

«كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا *إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا *فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا *فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا ...» 11- 15- ج2/ 163، 164، 227

ص: 295

اللیل

«وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى *وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى *وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى *إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى *فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ...» 1- 16 ج2- 213

«وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى *إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى » 19- 20- ج4/ 263

القدر

«تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ » 4- ج1/ 192، 139

«سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ » 5- ج1/ 148، 150

البینة

«وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ » 5- ج4/ 263، 228

سورة الزلزلة

«فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ » 7-8- ج1/ 172

ص: 296

سورة الفیل

«أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ *أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ *وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ...» سورة الفیل- ج2/ 62

سورة الکوثر

«إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ *فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ *إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ » سورة الکوثر- ج1/ 175

المسد

«تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ *مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ...» سورة المسد- ج5- 189

ص: 297

ص: 298

المحتويات

المبحث الرابع : المقاصدية في جعل التولية لأبني فاطمة (علیه السّلام) تكريما لحرمة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

المسألة الاولى: حدود حرمة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ومفهومها ... 9

أولاً: الحرمة في اللغة ... 9

ثانياً: مفهوم حرمة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) في القرآن ... 11

المسألة الثانية: لا تنحصر حرمة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) بزمن حياته.... 14

المسألة الثالثة: تحصين الأذهان من استحلال ما لا يحل... 19.

المبحث الخامس : المقاصدية في جعل التولية لأبني فاطمة (علیها السّلام) تشريفا لصلة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )

المسألة الاولى: قصدية التشريف لصلِة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) ...30

المسألة الثانية: مراتب صلة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) التي ينال بها العامل شرف الصلة .... 34.

أولاً: الطبقة الاولى وهم ابنائه وقصدية التشرف بصلة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ ) القرابية ... 34

ثانياً: الطبقة الثانية وهم اهل زمانه وقصدية الصلة بوجوب حرمة رسول الله )(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )...35

ثالثا: الطبقة الثالثة وهم عامة المسلمين وقصدية حفظ ابني فاطمة(علیها السّلام) لصلتهما الوالدية به (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )...38

ص: 299

المبحث السادس المقاصدية في جعل التولية لأبني فاطمة بلفظ الكليني (رحمه الله) غير التي جاء ت بلفظ الطوسي (رحمه الله)

المسألة الأولى: المقاصدية الظاهرة والمضمرة في اللفظ الذي أخرجه الشيخ الكليني(رحمه الله)...46

أولاً: القصدية الظاهرة ... 46

ثانيا: القصدية المضمرة في اللفظ الذي أخرجه الكليني (رحمه الله)...47

المسألة الثانية: المقاصدية الظاهرة والمضمرة في اللفظ الذي أخرجه الشيخ الطوسي (رحمه الله)...51

أولا: القصدية الظاهرة ومدارها فاطمة (علیها السّلام)...51

ثانياً: القصدية المضمرة ومدارها رضا فاطمة (علیها السّلام) وآثاره في الدنيا والآخرة.... 53

المبحث السابع : المقاصدية في جعل التولية لأبني فاطمة احرازاً لرضاها(علیها السّلام)

المسألة الاولى: إن غضب المخلوق غير غضب الخالق لاختلاف المنشئ والمغايرة في العلامات .... 74

المسألة الثانية: قصدية اقتران صفتي الرضا والغضب دون غيرها من الصفات الالهية بفاطمة (علیها السّلام)...79

المسألة الثالثة: الطريق الى رضا فاطمة احراز رضا ابنيها (علیهم السّلام)...82

ص: 300

الفصل الثاني: مقبولية النص في وصيته في أمواله وأبني فاطمة (علیهم السّلام) لدى المتلقي .

المبحث الاول: مقبولية النص عند أبناء علي (علیهم السّلام)

المسألة الأولى: أسباب تفاعل المتلقي الأول ... 91.

المسألة الثانية: أثر الأفعال الكلامية المباشرة في رفع مستوى المقبولية عند المتلقي الأول ... 93.

أولاً: صيغة الإيقاع، وهي من (التصريحيات -.DECLARATIONS )...93

ثانياً: صيغة الطلب، وهي من (التوجيهيات - 94..... DIRECTIVES ).

ثالثا: صيغة الإخبار ...95

رابعاً: صيغة التوكيد والاخبار، وهي من (الاخباريات - 97...... ASSERTIVES)

المبحث الثاني: تفاعل المتلقي الثاني واتّضاح قصدية منتج النص في خلق

الوعي الجمعي والفردي وسريانه الى أزمنه متعددة

المسألة الاولى: تحفيز الوعي الجمعي وبث الروح في ضمير الامة .... 102 .

أولاً: ما هو الوعي الجمعي ؟ .... 102

ثانياً: مفهوم الوعي ..... 104

المسألة الثانية: نماذج من تجلي قصدية منتج النص لدى المتلقي الثاني في بث روح الوعي ....... 108 .

أولاً: تحقق الوعي الفردي في شخصية عبد الله بن عباس ... 109

ثانياً: تحقق الوعي الجمعي وتجلّی قصدية منتج النص في المتلقي الثاني كما في ليلة عاشوراء ...... 111

ص: 301

المبحث الثالث : تفاعل ابن أبي الحديد مع النص، وبيان المقبولية لدى المتلقي الثالث

المسألة الاولى: تحميل الصحابة مسؤولية دفع اهل البيت (علیهم السّلام) عن موقع الرياسة والخلافة .... 118 .

أولاً: اخبار المعتزلي بوجود خلل في تولي منصب الخلافة بعد رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )...120

ثانياً: اخبار المعتزلي لحقيقة تعمدُّ الصحابة إبعاد أهل البيت عن الخلافة ... 123

المسألة الثانية: اقراره بأن صلاح الأمور لا يكون إلا بالعترة النبوية(صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )...125

أولاً: إنَّ الاصلاح يبدأ بالقيادة والخلافة ..... 126

ثانياً: قصدية المتلقي بانحصار صلاح الخلافة بعلي (علیه السّلام)

المبحث الرابع: مقبولية النص عند حبيب الله الخوئي (رحمه الله)

المسألة الاولى: انسجام المقبولية بين حبيب الله الخوئي والمعتزلي ..... 133 .

المسألة الثانية: فهم المتلقي لقصدية منتج النص في ملازمة حرمتهما لحرمة رسول الله (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )...136

ص: 302

الفصل الثالث: ما رواه الشريف الرضي في حجاج الامام علي (علیه السّلام) لمعاوية في الفضائل .

المبحث الأول : المقاصدية في قوله(علیه السّلام) «ومنّا خير نساء العالمين ومنكم حمّالة الحطب »

المسألة الاولى: سبب صدور النص وزمانه ومكانه ....145

أولا: سبب صدور النص الشريف ... 145

ثانياً: زمان صدور النص ومكانه ..... 150

المسألة الثانية: المقاصدية في المقامية بين خير النساء وحمالة الحطب ... 158

أولاً: إن مقامية الشرّيّة في حمالة الحطب هو محاربة النبي (صلّی اللَّهِ علیه وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ )...159

ثانياً: اشتهار صفة الخيرية بالسيدة خديجة الك ر بى يقابله اشتهار صفة السيدية عند فاطمة(علیها السّلام)...161

المبحث الثاني : مقبولية النص لدى المتلقي في تفضيل سيدة نساء العالمين (علیها السّلام)في حجاجه لمعاوية

المسألة الاولى: المقبولية عند معاوية بن أبي سفيان وهو المتلقي الأول ... 177

أولاً: مواجهة قصدية منتج النص في تجريد خصمه من مقومات الحكم .. 178

ثانياً: إن أوج التأثر في النص ظهر في فعل قراّء أهل الشام ... 179

المسألة الثانية: المقبولية عند المعتزلي وحبيب الله الخوئي .... 181 .

أولاً: مقبولية النص عند ابن أبي الحديد المعتزلي ... 181

ثانياً: مقبولية النص عند حبيب الله الخوئي ...182

ص: 303

نتائج الدراسة ... 191

المصادر والمراجع .... 195

فهرس الأيات ... 255

ص: 304

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.