عنوان و نام پديدآور: الامام الثانی عشر: الحجّة بن الحسن المهدی (علیه السلام)/ المولف لجنه التحریر فی طریق الحق؛ مترجم محمّد عبدالمنعم الخاقانی
مشخصات نشر: قم: موسسه فی طریق الحق، 1425ه ق. = 2004م. = 1383.
مشخصات ظاهری: ص 88
شابک: 4000ریال؛ 4000ریال
وضعیت فهرست نویسی: فهرست نویسی قبلی
يادداشت: عنوان اصلی: پیشوای دوازدهم: امام زمان حضرت حجّة بن الحسن المهدی (عجل الله تعالی فرجه الشریف).
یادداشت: کتاب نامه به صورت زیرنویس
موضوع: محمد بن حسن (عجل الله تعالی فرجه الشریف)، امام دوازدهم، 255ق.-- سرگذشت نامه
شناسه افزوده: خاقانی، محمّد عبدالمنعم، مترجم
شناسه افزوده: موسسه در راه حق
رده بندی کنگره: bp51/پ 9043 1383
رده بندی دیویی: 297/959
شماره کتاب شناسی ملی: م 83-26644
الامام الثّاني عشر
الحجّة بن الحسن المهدي
عليه السّلام
اسم الكتاب ... الامامُ الثّاني عشر الحجّة بن الحسن المهدي علیه السّلام
المؤلف ... لجنة التحرير في طريق الحق
المترجم ... محمّد عبد المنعم الخاقاني
الناشر... مؤسسة في طريق الحق
عدد النسخ ... 3000
المطبعة... سلمان الفارسي
الطبعة ... الثانية
تاريخ النشر... 1425 ه ق- 2004م
isbn: 964 - 6425 - 90 - 9
السعر 400 تومان
ص: 1
«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»
﴿وَ لَقَدْ كَتَبْنَا فِی الزَّبُور مِنْ بَعْدِ الِذَّكْرِ اَنَّ الاَرْضَ یَرِثُها عبَادِيَ الصّالِحُونَ﴾. سورة الأنبياء - الآية 105
إنّه يطّل علینا من وراء القرون كأنّه جبل من الصّمود و الصّبر، يمتطى فرساً طیّعاً كلّه عزم و تصميم...
و السّيف مصلَت في يديه السّما و يّتين لقمع الجبناء، و فيهما القرآن يتلألأ لهداية النّاس.
إنّه يأتي كشهاب مضي في أحلك الّليالي الّتي تمرّ بها البشريّة، و هو مرفوع الرّأس منتصب القامة في غابة مخيفة من الانحناءات و الانحرافات...
يلبس عمامة محمّد (صلّى الله عليه و آله و سلّم) على رأسه، و يرتدي ثوب محمّد (صلّى الله عليه و آله و سلّم) على بدنه، و يحتذي بحذاء محمّد (صلّى الله عليه و آله و سلّم) في قدمه، و يحمل قرآن محمّد (صلّى الله عليه و آله و سلّم) في صدره، و سيف عليّ في يده، و يتميّز
ص: 2
بحنان الزّهراء و صبر الحسن و شجاعة الحسين و عبادة السّجّاد و علم الباقر و صدق الصّادق و كظم الكاظم و رضا الرّضا و جود الجواد و هداية الهادي و هيبة العسكري...
أنّه من قمّة رأسه و الى أخمص قدمه تجلٍّ للنبوّة و الولاية، و يحمل في باطنه جميع الأنبياء، فهو مثل آدم يشيّد انسانيّة جديدة، و مثل نوح یدعو الله علی الكافرين حاملاً على عاتقه ثقل مئات السّنين من الآلام و العذاب و الظّلم، و مثل ابراهيم يصرخ بالتّوحيد و يحطّم الأصنام، و مثل موسى يثور على الفراعنة المستبّدين الظّالمين، و مثل عيسى يُحيي الانسانيّة الميّتة، و مثل محمّد (صلّى الله عليه و آله و سلّم) يرفع نداء فلاح العالمين.
و هو مرآة عبادة الحقّ الأزليّ عند ما يقف للصّلاة، و نغمة وحي الأنبياء تُسمع من لسانه عندما يسترسل في الموعظة، و صرخته تعبر القرون، و سيف غضبه يدفن الفراعنة الى الأبد في هرم الفناء. و قيامه الّذي هو عدل القيامة يثير قيامة الدّنيا، و ظهوره الّذي هو مظهر الدّيانة يجعل الدّين مهيمناً على العالم، و يداه الّلتان هما من أغصان شجرة الامامة المثمرة تربطان الأرض بالسّماء، و أقواله الّتي هي قرينة الوحي الا لهيّ تدعو الملائكة الى مجاورة الانسان...
فاذا نهض سقطت الضّلالة على الارض، و اذا رفع رأسه ارتفع رأس الهداية، فنهضته مسلخ لجميع الوان الفساد، و اسمه موت لجميع الرّذالات، و بدايته خاتمة للجبّارين و دوامه استمرار لصلاح المصلحين، و غيبته هي اطول ليلة على المظلومين المشتاقين اليه،
ص: 3
و ظهوره هو الصّبح الصّادق لمحبّيه المتلهّفين عليه...
فهو سيثّبت باذن الله سيطرة حكومة الله على العالم، و يظهر للنّاس المعنى العميق و المجهول لخلافة الانسان في الأرض، و وجوده آية الله العظيمة، و غيبته تفسير للغيب، و ظهوره مبشّر بالمعاد، و نهضته تفسير للالتزام و الجهاد، و كلامه تأويل للقرآن، و نظراته تمثّل تموّج بحار حبّ و حنان الأنبياء على التّائهين و الضّائعين... و بالتّالي فهو الّذي يقود قافلة الدّين الى شاطئ الامان و يوصلها الى المنزل المقصود و يحقّق اهداف رسالة الأنبياء و يبّين ثمار جهودهم و أتعابهم...
ص: 4
إنّ الأئمّة المعصومين عليهم السّلام قد نهوا أتباعهم عن ذكر اسم الامام القائم (عليه السّلام) و اكتفوا بالقول انّه سميّ النّبيّ (صلّى الله عليه و آله و سلّم) و كنيته ايضاً كنية النّبيّ (صلّى الله عليه و آله و سلّم).(1)
و ليس من المناسب و لا من الجائز ذكر اسمه بالّلسان صراحةً الى ان يظهر.(2)
ص: 5
أشهر ألقابه هي: «المهدي» و «القائم» و «الحجّة» و «بقيّة الله».
هو الامام الحادي عشر الحسن العسكريّ عليه السّلام .
السيّدة الجليلة «نرجس»، و هي حفيدة قيصر الرّوم.
الجمعة منتصف شهر شعبان سنة (255) هجريّة قمريّة.
مدينة سامرّاء و هي احدى مدن العراق.
قد مضى من عمره الشّريف لحدّ الآن و هو عام (1411) هجري قمري ما يقرب من الف و مائة و سبعة و خمسين عاماً، و لا يزال حيّاً الى ان يشاء الله، و سوف يظهر باذن الله في يوم من الأيّام ليملأ الأرض قسطاً و عدلاً.
انّ الاعتقاد بالامام المهديّ الموعود عليه السّلام كمصلح الهيّ و عالميّ موجود في كثير من المذاهب و الأديان، فليس ذلك مقصوراً
ص: 6
على الشّيعة و انّما يشاركهم فيه اهل السّنة بل و حتّى اتباع الأديان الاخرى كاليهود و النّصارى و الزّردشتيّين و الهندوس فهم يذعنون و يعترفون بظهور مصلح الهيّ كبير و ينتظرون ظهوره أيضاً.
فقد جاء في كتاب «ديد» و هو من الكتب السّماويّة عند الهندوس: بعد خراب الدّنيا سوف يظهر ملك في آخر الزّمان و يصبح امام الخلق و مقتداهم، و اسمه المنصور(1) و يسيطر على جميع العالم و يدخلهم في دينه و هو يعرف كلّ شخص من كافر أو مؤمن، و كلّما طلب من الله شيئا فانّه يحقّقه له.(2)
و ذكر في كتاب «جاماسب» و هو تلمیذ زردشت: «سوف يظهر رجل في ارض العرب و من ابناء هاشم، و هو رجل كبير الرّأس
ص: 7
كبير الجسم كبير السّاق، و على دين جدّه، و معه جيش جرّار فيزحف نحو ايران و يعمّرها و يملأ الأرض عدلاً، و من عدالته انه يجعل الذّئب و الشّاة يشربان من اناء واحد». (1)
و في كتاب «زند» الّذي يعتقد الزّردشتيّون انّه كتاب ديني: و عندئذ يتحقّق نصر كبير من قبل يزدان (اله الخير) ويقضون على اصحاب اهريمن (اله الشّر) و كل قدرة اصحاب اهريمن تكمن في الأرض و لا سبيل لها الى السّماء، فيصل عالم الوجود الى سعادته الأصلية و يجلس بنو آدم على عرش السّعادة.(2)
و تتحدّث التّوراة في سفر التّكوين عن اثني عشر اماماً من نسل النّبيّ اسماعيل سوف يأتون فيما بعد: ﴿و في حقّ اسماعيل سمعتك و ها اناذا باركته و نميّته و سوف ازيده سيولد منه اثنا عشر سيّداً و سوف اجعلهم أمّة عظيمة﴾. (3)
﴿... و اما الصّالحون فان الله يؤيّدهم... و سيرث الصّالحون
ص: 8
الأرض و يسكنون فيها الى الأبد﴾. (1)
و قد تعرّض القرآن الكريم لهذا الأمر بقوله سبحانه:
﴿وَ لَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴿(2)
فالزبور هو كتاب داوود(3) و الذكر هو التوراة(4) .
و يقول عزّوجلّ:
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾(5)
و يقول تعالى:
﴿و نُريدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ و نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾.(6)
انّ مثل هذه الآيات التي ذكرنا نماذج منها شاهد على انّ العالم
ص: 9
في نهاية الأمر سيقع في ايدي عباد الله الصالحين و سوف ينتهي اليهم هذا الميراث و يصبحون قادة العالم و سادته.
فاذا بقي الانسان منحرفاً عن المسير الصحيح و عن سبيل الله و تسافل الى اعماق الانحطاط فحينئذ لم يبق في الواقع سوى شي قليل عن الحدّ النهائي لقوس النّزول و سوف يستيقظ ضمير البشريّة سريعاً و يدرك انّه لا يمكن استقرار النّظام و العدالة و السّعادة الشّاملة في العالم كلّه بالاعتماد على القوّة و القدرة اوا العقل و التفكير و التكنو لوجيا و العلوم المادّيّة، و لا سبيل للانسانيّة الاّ ان تشيّد علاقاتها و اوضاعها على أساس الايمان و الوحي و قبول الولاية الالهيّة، و عندئذ تستطيع ان تنقذ نفسها من شفا حفرة هائلة خطيرة بقيادة مصلح الهيّ عالميّ يأخذ بيدها في طريق الكمال و يحقّق حكومة عالميّة قائمة على اساس العدالة المقرونة بالأمن و الصَّفاء و الاخلاص و الوفاء.
لقد أخبر نبيّ الاسلام الكريم صلّى الله عليه و آله و سلّم و كلّ واحد من الأئمّة الاطهار عليهم السّلام في مرّات عديدة و مناسبات متنوّعة عن الامام المهدي (عليه السّلام) و ظهوره و نهضته و غيبته الطّويلة و سائر خصائصه و ميزاته، و قد نقل هذه الأخبار و الاحاديث كثير من اصحابهم و اتباعهم، و ذكر مؤلّف كتاب «الامام المهدي»
ص: 10
اسماء خمسين شخصاً من صحابة النبي (صلّى الله عليه و آله و سلّم) و اسماء خمسين من التّابعين و هم الّذين لم يدركوا النبي (صلّى الله عليه و آله و سلّم) لكنّهم رأوا صحابته ممّن نقلوا الأحاديث المتعلّقة بالامام المهدي عليه السّلام(1) .
و بعض الشّعراء الكبار و المعروفين قد نظم مضمون هذه الأحاديث في قصائد سبقت ولادة المهديّ (عليه السّلام) بعشرات السّنين بل بما يتجاوز القرن من الزّمان.
فالكميت شاعر شيعيّ مناضل و شجاع (وقد توفيّ عام 126 هجري قمري) انشد شعراً يتعلّق بالامام الموعود و قرأه في محضر الامام الباقر عليه السّلام، و تساءل فيه عن نهضة ذلك الامام الكريم(2) .
و اسماعيل الحميري (المتوفّي عام 173 هجري) بعد ان لقي الامام الصّادق عليه السّلام و حظي بالهداية على يديه انشد قصيدة طويلة نذكر منها هذه الأبيات:
و أُشهد ربّى انّ قولك حجّة *** على الخلق طرّاً من مطيع و مذنب
بانّ وليّ الأمر و القائم الذيّ *** تطلّع نفسي نحوه بتطرّب
ص: 11
له غيبة لابدّ من ان يغيبها *** فصلّى عليه الله من متغيّب
فيمكث حيناً ثمّ يظهر حينه *** فيملأ عدلاً كلّ شرق و مغرب(1)
و أنشد دعبل الخزاعي و هو الشّاعر القدير في القرن الثّالث الهجري (توفيّ عام 246هجري) قصيدة في مجلس الامام الرّضا عليه السّلام جاء فيها :
فلو لا الّذي ارجوه في اليوم أوغد *** تقطّع نفسي اثرهم حسرات
خروج امام لا محالة خارج *** يقوم على اسم الله و البركات
يميّز فينا كلّ حقّ و باطل *** و يجزي على النّعماء و النّقمات(2)
و عندما قرأ دعبل هذه الأبيات رفع الامام الرّضا عليه السّلام رأسه و قال:
یا خزاعي قد اجرى روح القدس هذه الأبيات من الشّعر على لسانك. ثمّ سأله:
أتعرف من هو ذلك الإمام؟
ص: 12
فقال دعبل: لا اعرفه و أنّما سمعت فقط انّ اماماً من اهل بيتكم سيخرج و يملأ الأرض قسطاً و عدلا .
فواصل الامام قوله: يَا دِعْبِلُ إنَّ الإمَامُ من بَعْدِي هو ابْنِي مُحَمَّدٌ (الامام الجواد) وَ بَعْدَ ابْنُهُ عَلِيٌّ (الامام الهادي) وَ بَعْدَ ابْنُهُ الْحَسَنُ (الامام العسكري) وَ بَعْدَ الْحَسَن ابْنُهُ الْحُجَّةُ الْقَائِمُ الّذی ينتظرونه فِي غَيْبَتِهِ و سيكون مُطَاعاً عند ظُهُورهِ، و لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا سوی يَوْمٌ وَاحِدٌ لَطَوَّلَ اللهُ حَتَّى يَخْرُجَ الْقَائِمُ فَيَمْلأ الأرض قسطاً و عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظلماً و جَوْراً. (1)
و البعض الآخر من الشّعراء- ممّن عاصر الأئمّة عليهم السّلام او ممّن تتلمذ على المعاصرين لهم- قد ذكر في شعره الامام المهدي الموعود ارواحنا فداه اما صراحة او بالتّلميح.(2) و كثيرا ما كانوا يسألون الأئمّة الأطهار (عليه السّلام): هل قائم آل محمّد و المهدي المنتظر هو أنت؟ و يغتنم الأئمة الكرام هذه المناسبة ليفيضوا في الجواب بتعريف الامام القائم (عجّل الله تعالی فرجه الشّریف) لهم.
و بسبب استفاضة هذه الأخبار و الأحاديث فقد ظهر بين النّاس من يدعّى المهدويّة كذباً حتى قبل ولادة الامام المهدي عليه السّلام، أو نُسب مثل هذا الادّعاء لبعض الاشخاص ليستغلّوه لمآرب شخصيّة، فمثلاً فرقة «الكيسانيّة» تصوّرت- قبل ولادة الامام المهدي عليه السّلام بما يناهز القرنين- انّ محمّد بن الحنفيّة هو
ص: 13
الامام و هو المهدي المنتظر، و اعتقدت انّه قد غُيّب عن الأنظار و سوف يظهر في يوم مّا، و تمسّكت- لتأييد دعواها- بالأخبار المرويّة عن النبيّ (صلّى الله عليه و آله و سلّم) و الأئمة المتقدّمين عليه ( عليهم السّلام) فيما يتعلّق بغيبة القائم عليه السّلام.(1)
أو المهدي العبّاسيّ حيث ادعى انّه المهدي المنتظر و استغلّ انتظار النّاس لصالحه.
و قد ذكر كثير من علماء السّنّة و الشّيعة الأحاديث و الأخبار المتعلّقة بالامام المهدي عليه السّلام في كتبهم.(2) فمثلاً «مسند احمد بن حنبل» المتوفّى سنة (241) هجرية و «صحيح البخاري» المتوفّى سنة (256) هجرية من جملة الكتب الّتي يعتمد عليها اهل السّنّة و قد الفت قبل ولادة الامام القائم (عليه السّلام)، و نلاحظ انّها قد نقلت الأحاديث المتعلّقة بالامام المنتظر (عليه السّلام).(3)
و كتاب «المشيخة» تأليف الحسن بن محبوب هو من جملة
ص: 14
مؤلّفات الشّيعة، و حسب قول المرحوم الطّبرسي فقد ألف هذا الكتاب قبل الغيبة الكبرى لامام العصر سلام الله عليه بما يتجاوز المائة عام، و قد ذكرت فيه الأخبار المتعلّقة بغيبة امام الزّمان (عجّل الله تعالى فرجه الشّريف).(1) 23
و يصرّح المرحوم الطّبرسي بانّ محدّثي الشّيعة قد ذكروا أخبار الغيبة في مؤلّفاتهم المكتوبة في زمان الامام الباقر و الامام الصّادق عليهما السّلام.(2)
و الّفت طائفة من علماء الشّيعة و السّنة كتباً مستقلّة حول المهدي المنتظر عليه السّلام،(3) و قد دُوّن بعضها قبل ولادة امام العصر (عجّل الله تعالى فرجه الشّريف)، فالرّواجني مثلاً (توفّي سنة 250 هجرية قمريّة) و هو احد علماء أهل السنّة ألّف كتاب «اخبار المهدي» قبل ولادة امام الزّمان عليه السّلام،(4) و كذا بعض اصحاب الأئمة عليهم السّلام كالأنماطي و محمّد بن الحسن بن جمهور، فقد الفّوا كتبا قبل ولادة امام العصر عليه السّلام تدور حول شخصيّته و غيبته.(5)
ص: 15
و الأحاديث و الأخبار المتعلّقة به (عليه السّلام) كثيرة الى الحدّ الذي لا تصل اليها كثرة الأحاديث الواردة في ايّ موضوع من المواضع الاسلاميّة، و أمّا قطعيّة صدور هذه الأحاديث فهي امر مسلّم بين علماء اهل السّنّة و الشّيعة، فعلاوة على علماء الشّيعة هناك طائفة من علماء السّنّة صرّحت بكون هذه الأحاديث متواترة و قطعيّة،(1) و من جملتهم «السجزي» صاحب كتاب «مناقب الشّافعي» و هو متوفّى سنة 363 هجريّة قمريّة حيث يقول: انّ الأخبار المتعلّقة بالمهدي (علیه السّلام) و المنقولة عن رسول الاسلام الكريم قد وصلت الى حدّ التواتر.(2)
و يقول مؤلّف كتاب «الامام المهدي»:
«لو حسبنا الأخبار الواصلة الينا عن طريق الشّيعة و السّنّة، فانّنا نصادف في المجموع ما يزيد على سّتة الآف رواية تتعلّق بالامام المهدي عليه السّلام، و من الواضح انّ هذا رقم كبير لم يلا حظ بهذا المقدار حتّى في مجال كثير من المسائل البديهيّة في الاسلام و الّتي لا يشكّ فيها المسلمون و يعتقدون بها من دون تردّد.(3)
و على هذا الأساس فالمسلمون منذ مطلع التّاريخ الاسلاميّ كانوا مطّلعين على الوعد بنهضة «المهدي الموعود» و لا سيّما الشّيعة
ص: 16
و من تربّى في مدرسة اهل البيت فقد كانت لهم عقيدة راسخة بهذه الحقيقة و كانوا ينتظرون ولادته (عليه السّلام) طيلة الفترة الّتي عاشها الأئمة المعصومون عليهم السّلام.
و تصرّح الأحاديث المتعلّقة بالمهدي عليه السّلام بانّ هذا الامام الكريم هو من بني هاشم و ولد فاطمة و نسل سيّدالشهداء الامام الحسين، و اسم ابيه «الحسن»، و أمّا هو فاسمه و كنيته اسم النّبي صلّى الله عليه و آله و سلّم و كنيته، و سوف يولد في الخفاء و يعيش متخفيّاً و يغيب غيبتين احدا هما اقصر و الآخرى اطول و يبقى مغيّباً الى ان يشاء الله، ثمّ يظهر بأمر من الله و ينهض ليجعل الدّين الاسلاميّ مسيطراً على كلّ العالم و يملأ العالم قسطاً عدلاً كما ملئ ظلماً و جوراً.
و قد بيّنتّ هذه الرّوايات حتّى الخصائص الشخصيّة و الجسميّة للامام الثّاني عشر و سائر الشّؤون المرتبطة به، و نحن نذكر هنا بعض النّماذج من تلك الاحاديث.
1- عن النبيّ الاكرم صلّى الله عليه و آله و سلّم في بيان حتميّة ظهور المهدي عليه السّلام انه قال:
﴿لَو لَم یَبقَ مِنَ الدُّنیا إلّا یَومٌ لَبَعَثَ اللّهُ عزَّوجَلَّ رَجُلاً مِنّا یَملَؤُها عَدلاً کَما مُلِئَت جَوراً﴾.(1)
ص: 17
2- قال النّبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم: ﴿لا تَقُومُ السّاعَةُ حَتّی یَلِی رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَیْتِی یُواطِئُ إِسْمُهُ إِسْمِی﴾.(1)
3- قال رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم: ﴿إِنَّ عَلِيّاً إِمَامُ أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي وَ مَنْ وُلْدِهِ الْقَائِمِ الْمُنْتَظَرُ إِذَا ظَهَرَ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا وَ قِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً، وَ الَّذِي بَعَثني بِالْحَقِّ بَشيراً وَ نذيراً إِنَّ الثّابتينَ عَلَى الْقَوْلِ بِإِمَامَتِهِ في زَمَانِ غَيْبَتِهِ، لأَعَزُّ مِنَ الْكِبْريتِ الْأَحْمَرِ، فَقام اليه جابر بن عبدالله الانصاري، فَقال: يا رسول الله لولدك القائم غيبة، قال: اي و ربيّ لِیُمَحِّصَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ یَمْحَقَ الْکافِرِینَ، يا جابر إنَّ هذا الأمر مِن أمر اللّه و سرٌّ مِن سرّ اللّه مطویّ من عباد اللّه فإیّاک و الشکّ فیه، فإنَّ الشک فی أمر اللّه عزّ و جلّ کفرٌ ﴾.(2)
4- تقول ام سلمة: ﴿ذكر رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم المهدي فقال هو من ولد فاطمة﴾(3)
5- يقول سلمان الفارسي: ﴿دخلت على رسول الله صلّى الله عليه و آله و سلّم و اذا الحسين بن علي على فخذه و هو يقبّل عينيه و يلثم فاه و هو يقول انت سيّد ابن سیّد اخو سيّد، انت امام ابن امام اخو امام ، انت حجّة ابن حجّة اخو حجّة و انت ابوحجج تسعة تاسعهم قائمهم﴾ (4)
ص: 18
6- عن الامام الرّضا عليه السّلام انّه قال:
﴿الخَلَفُ الصَّالِحُ مَن وُلدِ الحَسَنِ بنِ عَلي العسكري هُوَ صاحِبُ الزَّمانِ وَ هُوَ المَهْدِیُّ سلام الله عليهم﴾.(1)
7- قَالَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه و آله و سلّم: اُبَشَّرُكُمْ بِالْمَهْدِيّ، سيُبْعَثُ فِي اُمَّتِي في الوقت الذي تكون فيه الامة في حالة اخْتِلاَفٍ و زلل،ثمّ یَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا وَ قِسْطاً کَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَ جَوْراً، وَ يَرْضَى مِنْهُ أَهْلِ السَّمَاءِ وَ أَهْلِ الأرْض و يسّرون به...(2)
8- يقول الامام الرّضا عليه السّلام:
﴿لَا دِینَ لِمَنْ لَا وَرَعَ لَهُ وَ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ أي أَعْمَلُکُمْ بالتّقوى، ثمّ قال: إنّ الرَّابِعُ مِنْ وُلْدِی ابْنُ سَیِّدَةِ الْإِمَاءِ یُطَهِّرُ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ مِنْ کُلِّ جَوْرٍ وَ ظُلْمٍ وَ هُوَ الَّذِی یَشُکُّ النَّاسُ فِی وِلَادَتِهِ وَ هُوَ صَاحِبُ الْغَیْبَةِ فَإِذَا خَرَجَ (أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) وَ وَضَعَ مِیزَانَ الْعَدْلِ بَیْنَ النَّاسِ فَلَا یَظْلِمُ أَحَدٌ أَحَداً ...(3)
9- عن علي (عليه السّلام) انّه قال:
﴿سيَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ الله وَ يُحِبُّونَهُ و یملک مَن هو بینهم غریب فهو المهدی أحمر الوجه بِشَعْره صُهوبة یملأ الارض عدلاً بلا صعوبة یعتزل فی صِغره عن أُمّه و أبیه و یکون عزیزاً فی مُربّاه، فَیَملک بلاد المسلمین بأمان
ص: 19
و يصفو له الزّمان و يُسمَع كلامه و يطيعه الشّيوخ و الفتيان و يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورا فعند ذلك كملت امامته و تقرّرت خلافته و الله يبعث من في القبور فَأَصْبَحُوا لَا تری إِلَّا مَسَاکِنُهُمْ و تعمر الأرض و تصفو و تزهو الأرض بمهديها و تجري به انهار ها و تعدم الفتن و الغارات و يكثر الخير و البركات و لا حاجة لي فيما أقوله بعد ذلك و منّي على الدّنيا السّلام».(1)
1- عن الامام الصّادق عليه السّلام انّه قال:
﴿یَفْقِدُ النَّاسُ اِمامَهُمْ یَشْهَدُ المَوسِمَ (اي موسم الحج) فَیَراهُمْ وَ لا یَرَوْنَهُ﴾ (2)
2- يقول الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ:
﴿أَتَیْتُ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ علیه السّلام فَوَجَدْتُهُ مُتَفَکِّراً یَنْکُتُ فِی الْأَرْضِ فَقُلْتُ: یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مَا لِی أَرَاکَ مُتَفَکِّراً تَنْکُتُ فِی الْأَرْضِ، أَ رَغْبَةً مِنْکَ فِیهَا؟ فَقَالَ: لَا وَ اللّهِ مَا رَغِبْتُ فِیهَا وَ لَا فِی الدُّنْیَا یَوْماً قَطُّ وَ لکِنِّی فَکَّرْتُ فِی مَوْلُودٍ یَکُونُ مِنْ ظَهْرِی الْحَادِیَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِی هُوَ الْمَهْدِیُّ الَّذِی یَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً وَ قِسْطاً کَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً یَکُونُ لَهُ غَیْبَةٌ وَ حَیْرَةٌ یَضِلُّ فِیهَا أَقْوَامٌ وَ یَهْتَدِی فِیهَا آخَرُونَ...(3)﴾.
ص: 20
3- روي عن الامام الصّادق (عليه السّلام) قوله:
﴿اِنْ بَلَغَکُمْ عَنْ صاحِبِ هذا الامْرِ (امام العصر) غَیْبَةٌ فَلا تُنْکِرُوها﴾.(1)
4 - و هو ايضاً عليه السّلام يقول:
﴿لِلْقائِمِ غَیْبَتانِ: اِحْدا هُما قَصیرَةٌ وَ الأخْری طَویلَةٌ، اَلْغَیْبَهُ الأولی لا یَعْلَمُ بِمَکانِهِ فیها اِلاّ خاصَّةُ شیعَتِهِ وَ الأخْری لا یَعْلَمُ بِمَکانِهِ فیها اِلاّ خاصَّةُ مَوالیهِ﴾.(2)
5- و نقل عنه عليه السّلام قوله:
﴿یَقومُ القَائِمُ و لَیسَ لأَحَدٍ فِی عُنُقِهِ عَهْدٌ وَ لا عَقدٌ وَ لا بَیعَةٌ﴾(3)
6- قال رسول الله (صلّى الله عليه و آله و سلّم):
﴿اَلْقائِمُ مِنْ وُلْدِی اِسْمُهُ اسْمِی وَ کُنْیَتُهُ کُنْیَتِی وَ شَمائِلُهُ شَمائِلِی وَ سُنَّتُهُ سُنَّتِی، یُقِیمُ النّاسَ عَلی مِلَّتِی وَ شَرِیعَتِی، یدْعُوهُمْ إِلی کِتابِ الله رَبِّی، مَنْ أَطاعَهُ أَطاعَنِی وَ مَنْ عَصاهُ عَصانِی وَ مَنْ أَنْکَرَ غَیْبَتِهِ فَقَدْ أَنْکَرَنِی وَ مَنْ کَذَّبَهُ فَقَدْ کَذَّبَنِی وَ مَنْ صَدَّقَهُ فَقَدْ صَدَّقَنِی، إِلَی اللَّهِ أَشْکُو الْمُکَذِّبِینَ لِی فِی أَمْرِهِ. وَ الْجاحِدِینَ لِقَوْلِی فِی شَأْنِهِ وَ الْمُضِلّینَ لأُمَّتِی عَنْ طَرِیقَتِهِ ﴿وَ سَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ﴾﴾.(4)
7- يقول الامام الرّابع زين العابدين عليّ بن الحسين
ص: 21
(علیه السّلام):
﴿في القائم مناسنن من الأنبياء، سنّة من ابينا آدم (عليه السّلام) و سنّة من نوح و سنّة من ابراهيم، و سنّة من موسى، و سنّة من عيسى، و سنّة من أيوب، و سنّة من محمّد صلوات الله عليهم، فأما من آدم و نوح فطول العمر، و أمامن ابراهيم فخفاء الولادة و اعتزال الناس، و أمامن موسى فالخوف و الغيبة و أمامن عيسى فاختلاف النّاس فيه، و أمامن أیّوب فالفرج بعد البلوى، و أمّامن محمّد (صلّى الله عليه و آله و سلّم) فالخروج بالسّيف﴾. (1)
8- قال الامام الصّادق عليه السّلام:
﴿اِنَّ لِصاحِبِ هذا الأمرِ غیبَةٌ فَلْیَتِّقِ اللّه َ عَبْده وَلْیَتَمَسَّکْ بِدینِهِ﴾.(2)
9- و يقول الامام الصّادق (عليه السّلام) ايضا:
﴿یَأتی عَلَی النّاسِ زَمانٌ یَغیبُ عَنهُم إمامُهُم،فَقَالَ زرارة للامام: ما یَصنَعُ النّاسُ فی ذلِکَ الزَّمانِ؟ قالَ (عليه السّلام): یَتَمَسَّکونَ بِالأَمرِ الَّذی هُم عَلَیهِ حَتّی یَتَبَیَّنَ لَهُم﴾.(3)
10- قال الامام الصّادق عليه السّلام:
﴿لا يَكُونُ هَذَا الْأَمْرُ (ظهور الامام و قيامه) حَتَّى لَا يَبْقَى صِنْفٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا وَ قَدْ وُلُّوا عَلَى النَّاسِ، حَتَّى لَا يَقُولَ قَائِلٌ: لَوْ وُلِّينَا لَعَدَلْنَا، ثُمَّ يَقُومُ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ وَ الْعَدْلِ﴾.(4)
ص: 22
ولد الامام الثّاني عشر الحجّة بن الحسن المهدي صلوات الله عليه و على آبائه في اوائل يوم الجمعة يوم النّصف من شعبان سنة مأتين و خمس و خمسين هجريّة قمريّة الموافق لعام 868 ميلادي في مدينة سامرّاء و في دار الامام الحادي عشر عليه السّلام .(1)
و ابوه هو الامام الحادي عشر الحسن العسكري عليه السّلام، و أمّه السّيّدة الكريمة «نرجس» وتسمّى ب«سوسن» و «صیقل» ايضاً، و هي ابنة «يوشعا» قيصر الرّوم و من نسل «شمعون» احد حواريّي المسيح (عليه السّلام). و كانت نرجس ذات منزلة رفيعة بحيث انّ حكيمة- و هي اخت الامام الهادي عليه السّلام و تعتبر من اهمّ سيّدات اهل البيت (عليهم السّلام)- تخاطبها بقولها ﴿يا سيّدتي و سيّدة اهلى﴾(2)، و تعدّ نفسها خادمة لها.(3)
ص: 23
و عندما كانت «نرجس» في الرّوم شاهدت احلاماً عجيبة، ففي احدى المرّات رأت في المنام نبيّ الاسلام الأكرم صلّى الله عليه و آله و سلّم و السّيّد المسيح عيسى (عليه السّلام) و قد زوّجاها من الامام الحسن العسكري (عليه السّلام)، و في حلم آخر شاهدت امراً غريبا آخر و هو انّها قد اسلمت بدعوة كريمة من فاطمة الزهراء عليها السّلام، لكنها كتمت اسلامها عن اسرتها و من يحيط بها حتّى شبّت المعارك بين المسلمين و اهالي الرّوم، و قاد قيصر الرّوم بنفسه الجيش الى جبهات القتال. و رأت نرجس في النّوم من يأمرها ان تتخفّى مع سائر امائها و خدمها و تسير مع فئة المقاتلين الّتي تتحرّك نحو الحدود، و نفّذت ما رأته بدقّة، و لما وصلوا الى الحدود أُسروا جميعاً على يد بعض الطّلائع من جيش المسلمين و من دون ان يعرف المسلمون انّ فيهم من اعضاء اسرة قيصر الرّوم فقد حمل المسلمون الأسرى الى بغداد.
و قد جرت هذه الحادثة في اواخر مرحلة امامة الامام العاشر الهادي عليه السّلام (1)، و جاء مبعوث من الامام الهادي (عليه السّلام)
ص: 24
يحمل رسالة منه مكتوبة بالّلغة الرّوميّة و سلّمها الى «نرجس» في بغداد و اشتراها من بائع الاماء و جاء بها الى الامام الهادي في سامرّاء، و عندئذ قام الامام بتذكيرها بتلك الأحلام الّتي كانت قدرأتها من قبل و بشّرها بأنّها ستصبح زوجة للامام الحادي عشر و أمّاً لولد سوف يسيطر على كلّ العالم و يملأ الأرض قسطاً و عدلاً. ثمّ ان الامام الهادي عليه السّلام اسند شؤون «نرجس» الى اخته الجليله «حكيمة» و هي من كبار سيّدات اهل البيت (عليه السّلام)، لتُعلّمَها الآداب الاسلاميّة و الأحكام الشّرعية. و بعد مدّة من الزّمن اصبحت «نرجس» زوجة للامام الحسن العسكريّ عليه السّلام.(1)
و كان من عادة «حكيمة» انّها كلّما زارت الامام العسكريّ (عليه السّلام) فهي تدعو الله له ان يرزقه ولداً، و هي تقول: دخلتُ
ص: 25
عليه فقلت له كما اقول و دعوت كما ادعو، فقال: يَا عَمَّةُ أمَا إِنَّ الَّذِي تَدْعِينَ اللهَ أنْ يَرْزُقَنِيهِ يُولَدُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ.(1)
قالت حكيمة: فَجَاءَتْنِي نَرْجِسُ يَوْماً تَخْلَعُ خُفِّي وَ قَالَتْ: يَا مَوْلَاتِي نَاوِلْینِي خُفَّكِ، فَقُلْتُ: بَلْ أَنْتِ سَيِّدَتِي وَ مَوْلَاتِي وَ اللَّهِ لَا دَفَعْتُ إِلَيْكِ خُفِّي لِتَخْلَعِيهِ وَ لَا خَدَمْتِينِي بَلْ أَخْدُمُكِ عَلَىٰ بَصَرِي فَسَمِعَ أَبُو مُحَمَّدٍ(الامام العسکری) علیه السّلام ذَلِكَ فَقَالَ: جَزَاكِ اللَّهُ خَيْراً يَا عَمَّةِ فَجَلَسْتُ عِنْدَهُ إِلَی وَقْتِ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَصِحْتُ یا جَارِیَةِ وَ قُلْتُ نَاوِلِینِی ثِیَابِی لِأَنْصَرِفَ فَقَالَ (عليه السّلام): يا عمّتاه بِیتِی اَللَّیْلَةَ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ سَیُولَدُ اَللَّیْلَةَ اَلْمَوْلُودُ اَلْکَرِیمُ عَلَی اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ اَلَّذِی یُحْیِی اَللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ اَلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، قُلْتُ: مِمَّنْ یَا سَیِّدِی وَ لَسْتُ أَرَی بِنَرْجِسَ شَیْئاً مِنْ أَثَرِ اَلْحَملِ، فَقَالَ: مِنْ نَرْجِسَ لاَ مِنْ غَیْرِهَا. قَالَتْ: فَوَ ثَبْتُ إِلَی نَرْجِسَ فَقَلَبْتُهَا ظَهْراً لِبَطْنٍ فَلَمْ أَرَ بِهَا أَثَرَ من حَبَلِ فَعُدْتُ إِلَیْهِ فَأخْبَرْتُهُ بِمَا فَعَلْتُ فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ لِی: إِذَا كَانَ وَقْتُ الْفَجْر يَظْهَرُ لَكِ بِهَا الْحَبَلُ لأنَّ مَثَلَهَا مَثَلُ اُمَّ مُوسَى لَمْ يَظْهَرْ بِهَا الْحَبَلُ وَ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا أحَدٌ إِلَى وَقْتِ وِلاَدَتِهَا لأنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ يَشُقُّ بُطُونَ الْحَبَالَى فِي طَلَبِ مُوسَى وَ هَذَا نَظِيرُ مُوسَى عليه السّلام (يطوي سجلّ حكومة الفراعنة).
قَالَتْ حَکِیمَةُ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْقُبُهَا إِلَی وَقْتِ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَ هِی نَائِمَةٌ بَینَ یدَی لَا تَقْلِبُ جَنْباً إِلَی جَنْبٍ حَتَّی إِذَا کَانَ فِی آخِرِ اللَّیلِ وَقْتَ
ص: 26
طُلُوعِ الْفَجْرِ وَ ثَبَتْ فَزِعَةً فَضَمَمْتُهَا إِلَی صَدْرِی وَ سَمَّیتُ عَلَیهَا فَصَاحَ الامام العسكري علیه السّلام وَ قَالَ: اقْرَای عَلَیهَا ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِی لَیلَةِ الْقَدْرِ﴾ فَأَقْبَلْتُ أَقْرَأُ عَلَیهَا وَ قُلْتُ لَهَا: مَا حَالُکِ؟ قَالَتْ: ظَهَرَ الْأَمْرُ الَّذِی أَخْبَرَکِ بِهِ مَوْلَای فَأَقْبَلْتُ أَقْرَأُ عَلَیهَا کَمَا أَمَرَنِی فَأَجَابَنِی الْجَنِینُ مِنْ بَطْنِهَا یقْرَأُ کَمَا أَقْرَأُ وَ سَلَّمَ عَلَیّ. قَالَتْ حَکِیمَةُ: فَفَزِعْتُ لِمَا سَمِعْتُ، فَصَاحَ بِی الامام العسكري علیه السّلام لَا تَعْجَبِی مِنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَکَ وَ تَعَالَی ینْطِقُنَا بِالْحِکْمَةِ صِغَاراً وَ یجْعَلُنَا حُجَّةً فِی أَرْضِهِ کِبَاراً فَلَمْ یسْتَتِمَّ الْکَلَامَ حَتَّی غِیّبَتْ عَنِّی نَرْجِسُ فَلَمْ أَرَهَا کَأَنَّهُ ضُرِبَ بَینِی وَ بَینَهَا حِجَابٌ فَعَدَوْتُ نَحْوَ الامام العسكري (علیه السّلام) وَ أَنَا صَارِخَةٌ فَقَالَ لِی: ارْجِعِی یا عَمَّةُ فَإِنَّکِ سَتَجِدِیهَا فِی مَکَانِهَا، قَالَتْ: فَرَجَعْتُ فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ کُشِفَ الْحِجَابُ بَینِی وَ بَینَهَا وَ إذَا أَنَابِهَا وَ عَلَیهَا مِنْ أَثَرِ النُّورِ مَا غَشِی بَصَرِی وَ إِذَا أنَا بِالصَّبِيّ عليه السّلام سَاجِداً عَلَى وَجْهِهِ جَاثِياً عَلَى رُكْبَتَيْهِ رَافِعاً سَبَّابَتَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَ هُوَ يَقُولُ: ﴿أشْهَدُ أنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ وَأنَّ جَدَّي رَسُولُ اللهِ (صلى الله عليه و آله و سلّم) وَ أنَّ أبِي أمِيرُ الْمُؤْمِنينَ ثُمَّ عَدَّ إِمَاماً إِمَاماً إِلَی أَنْ بَلَغَ إِلَی نَفْسِهِ، فَقَالَ (عليه السّلام): اللَّهُّمَّ أنجِزلي وَعَدْي وَ أَتْمِمْ لِي أَمْرِي وَ ثَبَتَ وَ طأَتي، وَ اِمْلَأِ اَلْأَرْضَ بِی عَدْلاً وَ قِسْطاً ...﴾(1)
ص: 27
انّ تاريخ مرحلة بني اميّة و بني العبّاس، و لا سيّما منذ عصر الامام السّادس الصّادق عليه السّلام فما بعد، شاهد صادق على انّ الخلفاء كانوا يتحسّسون كثيراً من الأئمّة المعصومين، و ذلك بسبب انّ هذه الشّخصيّات الكريمة كانت مورد اهتمام المجتمع و احترامه، و كلّما مرّ الزّمن ازداد نفوذهم و تعاظم حبّ النّاس لهم، و بلغ الأمر بالخلفاء العبّاسيّين ان رأوا سلطتهم في معرض الخطر، و بالخصوص عندما سمعوا ما اشتهر بين النّاس و هو انّ المهدي الموعود من نسل النّبيّ و من أحفاد الأئمّة المعصومين و هو ابن الامام العسكريّ و سوف يملأ الأرض قسطاً و عدلا، و من هنا فقد غدا الامام العسكري (عليه السّلام) يخضع لمراقبة شديدة، و جعل تحت النّظر في مركز الحكم العبّاسي « سامرّاء» كأبيه و جدّه و جدّه الأعلى، و حاول العبّاسيون بكلّ ما اوتوا من جهد للحيلولة دون ولادة هذا الطّفل و تربيته، الاّ انّ المشيئة الا لهيّة قد تعلقّت بحتميّة هذه الولادة و لهذا فانّ جميع محاولاتهم قد باءت بالفشل، و قد جعل الله تعالى ولادته- مثل موسى (عليه السّلام)- امراً مخفيّاً، و في نفس الوقت فانّ الأصحاب المقرّبين للامام العسكري عليه السّلام قد شاهدوا الامام الموعود مراّت عديدة في زمان والده الكريم، و عندما استشهد الامام العسكريّ (عليه السّلام) فقد ظهر ايضاً امام العصر (عجّل الله تعالى فرجه الشّريف) و صلّى على جثمان والده و رأه النّاس في هذه الحالة ثمّ غاب عنهم.
ص: 28
و منذ ولادة الامام القائم (عليه السّلام) و حتّى يوم شهادة والده الامام العسكريّ (عليه السّلام) فقد وفّق كثير من الأصحاب المقرّبين للامام الحادي عشر لرؤية الامام المهديّ عليه السّلام اوللعلم بوجوده في دار الامام (عليه السّلام)، و اساساً فانّ طريقة الامام العسكري (عليه السّلام) قد جرت على الاحتفاظ بولده الكريم طيّ الكتمان، و لكنّه في نفس الوقت يستغّل الفرص المناسبة لاطّلاع اصحابه المؤتمنين على وجوده الشّريف حتّى ينقلوا ذلك للشّيعة، لئلا يبقوا في حيرة بعده، و نشير هنا الى بعض النّماذج من ذلك الأمر:
1- يقول احمد بن اسحاق- و هو من كبار شخصيّات الشّيعة و الاصحاب الخاصّين للامام العسكري (عليه السّلام)-:
﴿دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السّلام) وَ أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنِ الخَلَفِ مِنْ بَعْدِهِ، فَقَالَ لِي مُبْتَدِءاً: يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ إِنَّ اَللهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَمْ يُخَلِ الأَرْضَ مُنْذُ خَلَقَ آدَمَ (عليه السّلام) وَ لَا يُخَليهَا إِلَى أَنْ تَقُومَ اَلسَّاعَةُ مِنْ حُجَّةٍ للهِ عَلَى خَلْقِهِ، بِهِ يَدْفَعُ البَلَاءَ عَنْ أَهْلِ الأَرْضِ، وَ بِهِ يُنَزِّلُ الغَيْثَ، وَ بهِ يُخْرِجُ بَرَكَاتِ الأَرْضِ.
قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَمَنِ الْإِمَامُ وَ الْخَلِيفَةُ بَعْدَكَ؟ فَنَهَضَ (عليه السّلام) مُسْرِعاً فَدَخَلَ الْبَيْتَ، ثُمَّ خَرَجَ و عَلَى عَاتِقِهِ غُلَامٌ كَأَنَّ وَجْهَهُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ مِنْ أَبْنَاءِ الثَّلَاثِ سِنِينَ، فَقَالَ يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ لَوْ لَا كَرَامَتُكَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ عَلَى حُجَجِهِ مَا عَرَضْتُ عَلَيْكَ ابْنِي هَذَا، إِنَّهُ سَمِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صلّی اللّه عليه و آله
ص: 29
و سلّم وَ كَنِيُّهُ، الَّذِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً.
يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ مَثَلُهُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مَثَلُ الْخَضِرِ عليه السّلام وَ مَثَلُهُ مَثَلُ ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَ اللَّهِ لَيَغِيبَنَّ غَيْبَةً لَا يَنْجُو فِيهَا مِنَ الْهَلَكَةِ إِلَّا مَنْ ثَبَّتَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى الْقَوْلِ بِإِمَامَتِهِ وَ وَفَّقَهُ فِيهَا لِلدُّعَاءِ بِتَعْجِيلِ فَرَجِهِ.
فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا مَوْلَايَ فَهَلْ مِنْ عَلَامَةٍ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا قَلْبِي؟ فَنَطَقَ الْغُلَامُ عليه السّلام بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ فَصِيحٍ: أَنَا بَقِيَّةُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، وَ الْمُنْتَقِمُ مِنْ أَعْدَائِهِ، فَلَا تَطْلُبْ أَثَراً بَعْدَ عَيْنٍ يَا أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ.
یقول الصَّدُوقُ: لَمْ أَسْمَعْ بهَذَا الْحَدِیثَ إِلَّا مِنْ عَلِیِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَرَّاقِ وَجَدْتُ بِخَطِّهِ مُثْبَتاً فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ لِی عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا ذَكَرْتُهُ.(1)
2-یقول أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ إِسْحَاقَ الْقُمِّیُّ:
لَمَّا وُلِدَ الْخَلَفُ الصَّالِحُ عليه السّلام وَرَدَ عَنْ مَوْلَانَا أَبِی مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ علیهما السّلام إِلَی جَدِّی أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ کِتَابٌ فَإِذَا فِیهِ مَکْتُوبٌ بِخَطِّ یَدِهِ علیه السّلام الَّذِی کَانَ تَرِدُ بِهِ التَّوْقِیعَاتُ عَلَیْهِ، وَ فِیهِ ﴿وُلِدَ لَنَا مَوْلُودٌ فَلْیَکُنْ عِنْدَکَ مَسْتُوراً وَ عَنْ جَمِیعِ النَّاسِ مَکْتُوماً فَإِنَّا لَمْ نُظْهِرْ عَلَیْهِ إِلَّا الْأَقْرَبَ لِقَرَابَتِهِ وَ الْوَلِیَّ لِوَلَایَتِهِ أَحْبَبْنَا إِعْلَامَکَ لِیَسُرَّکَ اللَّهُ بهُ، مِثْلَ مَا سَرَّنَا بِهِ، وَ السَّلَامُ﴾.(2)
ص: 30
3- و من جملة الأشخاص الذين عرفوا بولادة الامام الموعود عليه السّلام و اطّلعوا عليها: السّيّدة الجليلة التّقيّة حكيمة عمّة الامام، و نسيم خادم الامام العسكري عليه السّلام، و ابو جعفر محمد بن عثمان العمري، و الحسين بن الحسن العلوي، و عمرو الأهوازي و ابو نصر الخادم، و الكامل بن ابراهيم و عليّ بن عاصم الكوفيّ، و عبد الله بن العبّاس العلويّ و اسماعيل بن على، و يعقوب بن يوسف الضرّاب(1)، و اسماعيل بن موسى بن جعفر، و عليّ بن المطهّر و ابراهيم بن ادريس و طريف الخادم (2)، و ابو سهل النّوبختي(3)
4- يقول جعفر بن محمّد بن مالك نقلاً عن جماعة من الشّيعة عن ابي محمّد الحسن بن عليّ عليه السّلام أنّه قال لهم:
جِئْتُمْ تَسْأَلُونِّی عَنِ الحُجَّةِ بَعْدِی؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَإِذَا غُلَامٌ کَأَنَّهُ قِطَعة قَمَرٍ أَشْبَهُ النَّاسِ بِأَبِی مُحَمَّدٍ (علیه السّلام) فَقَالَ: هَذَا إِمَامُکُمْ وَ خَلِیفَتِی عَلَیْکُمْ أَطِیعُوهُ وَ لَا تَتَفَرَّقُوا مِنْ بَعْدِی فَتَهْلِکُوا فِی أَدْیَانِکُمْ أَلَا وَ إِنَّکُمْ لَا تَرَوْنَهُ مِنْ بَعْدِ یَوْمِکُمْ هَذَا حَتَّی یَتِمَّ لَهُ عُمُرٌ، فَاقْبَلُوا مِنْ عُثْمَانَ بن سعید(4) مَا یَقُولُهُ وَ انْتَهُوا إِلَی أَمْرِهِ، وَ اقْبَلُوا قَوْلَهُ فَهُوَ خَلِیفَةُ إِمَامِکُمْ وَ الْأَمْرُ إِلَیْه.(5)
ص: 31
5- ينقل عِیسَی بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِیِّ أَنَّهُ خَرَجَ: -
هُوَ وَ جَمَاعَةٌ لِتَهْنِئَةِ الامام العسكري عَلَیْهِ السَّلاَمُ، فَأَخْبَرَنَا إِخْوَانُنَا أَنَّ الْمَوْلُودَ کَانَ وَقْتَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَیْلَةَ الْجُمُعَةِ فِی شَعْبَانَ، فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَی الامام العسكري (عَلَیْهِ السَّلاَمُ) بَدَأَنَا بِالتَّهْنِئَةِ قَبْلَ أَنْ نَبْدَأَهُ بِالسَّلاَمِ إِلَی أَنْ قَالَ: فَقَالَ لَنَا قَبْلَ السُّؤَالِ: وَ فِیکُمْ مَنْ أَضْمَرَ عَنْ مَسْأَلَتِی عَنْ وَلَدِیَ الْمَهْدِیِّ، وَ أَیْنَ هُوَ؟ وَ قَدِ اسْتَوْدَعْتُهُ اللَّهَ کَمَا اسْتَوْدَعَتْ أُمُّ مُوسَی حِینَ قَذَفَتْهُ فِی التَّابُوتِ فِی الْیَمِّ إِلَی أَنْ رَدَّهُ اللَّهُ إِلَیْهَا.(1)
انّ الأصول الأساسيّة للاسلام و أحكامه السّياسيّة و الاجتماعيّة و الاقتصاديّة و الثّقافيّة و تعاليمه الأخرى قد بينها نبيّ الاسلام الأكرم (صلّى الله عليه و آله و سلّم) و الأئمة المعصومون أثناء وجودهم في المجتمع (حتّى عام 360 هجريّ)، و قد ثمّ تدوينها أيضاً. و صحيح انّ الضّغوط و الاضطهاد كان شديداً من قبل الطّواغيت و المخالفين إلاّ انّ أئمّتنا المعصومين (عليهم السّلام) لم يفوّتوا أيّة فرصة و انّما استغّلوها في شرح و توضيح الأبعاد المتنوّعة للاسلام، و قد بيّنوا الأحكام المختلفة للاسلام بشكل رائع يثبت قدرتها على تشكيل حكومة عالميّة جديرة و لا تفسح المجال لأيّ شكّ في هذا المضمار.
ص: 32
و من ناحية اخرى فانّ أرفع نموذج للحكم قد طَبّق بواسطة نبيّ الاسلام الأكرم صلّى الله عليه و آله و سلّم و أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام، و ذلك ليرى الانسان تجليّاته و يشيح بوجهه عن غيره.
و بناء على هذا فالى عصر الامام المهدي عليه السّلام تكون ارضيّة الحكومة العالميّة الواحدة معدّة تماماً من قبل الله تعالى، و تكون القوانين و الأحكام الاسلاميّة مدوّنة و النّموذج العملي للعدالة الاسلاميّة واضحاً جدّاً، لكنّه من جانب النّاس لم يكن هناك استعداد لتحقّق هذه الحكومة الالهيّة، و لو كان النّاس حينذاك مستعدّين لا يجاد هذه الحكومة لم يغب الامام (عليه السّلام) و انمّا كان يتولّى تنفيذ القوانين الالهيّة و تطبيق حكومة العدل الاسلاميّ في جميع أرجاء العالم، اذن لعلّه لهذه النّاحية قد غاب و لهذه النّاحية امتدّت غيبته الصّغرى الى الغيبة الكبرى و استمرّت الى الوقت الرّاهن، و لا يظهر الامام المهديّ ارواحنا فداه إلاّ اذا لم يشح النّاس بوجوههم عن حكومته كما فعلوا في السّابق، و إلاّ اذا اصبحوا معدّين من كلّ جهة لقبول حكومته.
يقول المرحوم نصير الدّين الطّوسي:
انّ غيبة الامام المهدي عليه السّلام ليست من قبل الله تعالى و لا من قبل نفسه، فهي اذن من المكلّفين و النّاس، و قد تمّت بسبب غلبة الخوف و عدم خضوع النّاس للامام و عندما يزول سبب الغيبة فانّ ظهوره يتحقّق.(1)
ص: 33
و من الواضح انّ الغيبة قد تمّت على اساس حكمة الهيّة و نحن لسنا محيطين بجميع الأسرار إلاّ ان من المحتمل ان يكون السّر الرّئيسيّ للغيبته هو ما ذكرناه.
فاعراض النّاس و طغيان المجتمعات طيلة فترة امامة احد عشر اماماً قد اصبح امراً مجرّباً، و خلال هذه المدّة اتّضح تماماً تخلّف النّاس عنهم و عدم حمايتهم لهم، و لم يبق ايّ ترديد في انّ النّاس لا يريدون الخضوع لحكومة العدل الاسلامي، و في مثل هذا الوضع تغدو الغيبة امراً طبيعيّاً، و يصبح ظهور الامام و حضوره في المجتمع مثيراً للتسّاؤل، فلماذا يظهر الامام في المجتمع و الوضع بهذه الصّورة؟ لا شكّ في انّه سيغيب و يقوم بواجباته بشكلٍ مخفيّ، و يستمّر هذا حتّى تعدّ الأرضيّة لظهوره، و عندئذ يظهر و يوفّر لقافلة المشتاقين فرصة زيارته و نصرته و حمايته؛
﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾.
و يبقى هذا السّر كامناً الى حين الظّهور، و حينذاك يعرف النّاس انّ سبب الغيبة كامن في وجودهم لكنّهم كانوا غافلين عنه، و لو أنّهم اعدّوا أنفسهم قبل ذلك لظهر لهم الامام، لكنّهم لم يتصّدوا لاصلاح انفسهم و اعدادها و انّما تعلّقت قلوبهم بالأنظمة المتنوّعة الفاسدة و تصوّروا انّ هذه الأنظمة المنحرفة تستطيع معالجة ادوائهم، أو انّ المنظّمات و المؤتمرات ذات الظّاهر الجميل قادرة على حلّ مشاكلهم.
و من الواضح أنّنا عندما نقول انّ النّاس هم سبب غيبة امام
ص: 34
العصر (عجّل الله تعالی فرجه الشريف) فلسنا نقصد انّهم جميعاً متورّطون في هذا الذَّنب العظيم، و انّما المراد انّ حدّ النصاب اللاّزم لظهور الامام (عليه السّلام) لم يكن متوفّراً، و من البديهيّ ان هناك في المجتمع كثيراً من المؤهّلين المعدّين للظهور في السّابق و الحال الحاضر، لكنّ المجتمع لا يتمتّع بهذا الاستعداد بالمقدار اللازم، و المجتمع الّذي ليس له هذا الاستعداد فانه يصطدم- طبعاً- بحكومته (عليه السّلام) و يعارضها و لهذا تستمرّ الغيبة، و الله سبحانه قد حفظ امام العصر و الزّمان (عليه السّلام) من القتل بواسطة الغيبة، و ذلك لانّه لو ظهر قبل موعده لأ جهزوا عليه و قتلوه فلا ينجح عندئذ في القيام بمهمّته الالهيّة و لا يظفر بالهدف الاجتماعيّ من ظهوره.
و ينقل المرحوم الكليني في كتاب «الكافي» و الشّيخ الطّوسي في كتاب «الغيبة» عن زرارة انه قال:
﴿سَمِعْتُ الامام الصّادق (عَلَیْهِ السَّلاَمُ) یَقُولُ: إِنَّ لِلْغلام (الامام المهدي) غَیْبَهً قَبْلَ أَنْ یَقُومَ، قَالَ: قُلْتُ: وَ لِمَ؟ قَالَ: یَخَافُ، وَ أَوْ مَأَ بِیَدِهِ إِلَی بَطْنِهِ ﴿وَ هُوَ كناية عَنِ اَلْقَتْلَ﴾﴾(1)
و لم یعترف و لن یعترف الامام القائم علیه السّلام بأيّ نظام او حكومة و حتّى تقيّةً لأنّه ليس مأموراً بالتّقيّة من ايّ حاكم او سلطان و لم يخضع لحكم ايّ سلطان جائر و لن يخضع في المستقبل، و عندما يظهر فانّه لا بيعة له مع احد:
ص: 35
﴿یَقومُ القَائِمُ و لَیسَ لأَحَدٍ فِی عُنُقِهِ عَهْدٌ وَ لا عَقدٌ وَ لا بَیعَةٌ﴾.(1) و ذلك لانّه لابّد ان يعمل بالواقع و ينفّذ دين الله بشكل كامل و من دون ايّ خوف او مراعاة او تغطية و يطبّقة في المجتمع، اذن لا مجال للعهد و الميثاق مع احد و لا المماشاة و المرعاة بالنّسبة الى احد.
فهو يظهر بسوابق واضحة جدّاً و من دون ان يكون له ايّ تعهّد مع احد و يطوي سجل جميع الحكومات الفاسدة و ينشر الاسلام و يحكّمه في جميع أرجاء العالم.
بعد استشهاد الامام الحادي عشر عليه السّلام امتدّت الغيبة الصغرى من عام (260) هجري قمري الى عام (329)، اي ما، يقرب من (69) عاما(2)، و منذ ذلك الحين و حتّى يظهر الامام القائم عليه السّلام فهي مرحلة الغيبة الكبرى، و في أثناء الغيبة الصّغرى لم تنقطع تماماً علاقة النّاس بالامام (عليه السّلام) لكنّها كانت محدودة، و كلّ فرد من افراد الشيعة كان يستطيع- بوساطة نوّاب الامام الخاصّين و هم من كبار رجالات الشّيعة- ان يعرض مشاكله و مسائله على الامام و يظفر بالجواب عليها من هؤلاء، و في
ص: 36
بعض الأحيان كان يحظى بلقاء الامام نفسه، و يمكن عدّ هذه المرحلة مرحلة التّمهيد و الاعداد للغيبة الكبرى الّتي انقطع فيها ارتباط النّاس بالامام تماماً و كلّف النّاس بالرّجوع في شؤونهم الى نوّاب الامام العامّين، اي الفقهاء و من لهم تخصّص في الأحكام
الشّرعيّة.
و لو انّ الغيبة الكبرى حدثت مفاجأة و من دون تمهيد لكان من الممكن ان يؤدّي ذلك الى انحراف في الأفكار فلا تصبح الأذهان معدّة لقبولها، لكنّه قد أعدّت الأذهان تدريجيّاً طيلة فترة الغيبة الصّغرى ثمّ بدأت الغيبة الكبرى. و الارتباط بالامام عن طريق نوابه الخاصّين و لقاء بعض الشّيعة له (عليه السّلام) خلال مرحلة الغيبة الصّغرى قد ساهم في تثبيت موضوع ولادته و حياته الشريفة، و لو انّ الغيبة الكبرى قد تحقّقت من دون هذه المقدّمات فلعّل هذه المواضيع لا تكون واضحة بالشّكل المطلوب، و لأمكن ان يحدث للبعض شك و ترديد في ذلك ، و من هنا فالله سبحانه قد جعل بحكمته غيبة امام العصر (عجّل الله تعالى فرجه الشّريف)- كما أخبر بها من قبل النّبيّ (صلّى الله عليه و آله و سلّم) و الأئمة (عليهم السّلام)- بشكلين: غيبة أخفّ و مدّتها أقصر للاعداد للغيبة الكبرى، و الأولى تسمّى ب «الغيبة الصغرى» و تأتي بعدها الغيبة الطّويلة المسمّاة ب «الغيبة الكبرى»، و ذلك لتثبيت اتباع اهل البيت عليهم السّلام على ايمانهم و اتّباعهم و لئلا يخسروا عقيدتهم القلبيّة بالامام و ليعيشوا في انتظاره و توقّع الفرج الالهيّ، و خلال فترة الغيبة عليهم ان يتمسّكوا بدين
ص: 37
الله و يصوغوا أنفسهم و يبنوا ذواتهم و يعملوا بواجباتهم الدّينيّة حتّى يصدر الأمر الالهيّ بظهور و قيام امام العصر و الزّمان (عجّل الله تعالى فرجه الشّريف) حتّى ينالوا السّعادة الكاملة و الفلاح التّام.
لقد عيّن الامام (عليه السّلام) في زمان الغيبة الصّغرى أربعة أشخاص من كبار رجال الشّيعة بعنوان كونهم وكلاء و سفراء و نوّاباً له، و كانوا يحظون بلقائه، و كانت وكالتهم الخاصّة مورد تأييده، و كان النّاس يقدّمون اليهم الرّسائل الّتي تحتوي على اسئلتهم و مشاكلهم و ينالون منهم أجوبتها مدوّنة في حواشي تلك الرّسائل.
و من الواضح انّ هناك وكلاء آخرين- غير هؤلاء الأربعة- للامام عليه السّلام انفذهم في البلاد المختلفة، و هم اما ان يوصلوا اسئلة النّاس للامام (عليه السّلام) و ينالوا الأجوبة و التّوقيعات منه بواسطة هؤلاء النواب الأربعة(1)، و امّا- كما يقول المرحوم آية الله السّيد محسن الأمين- انّ سفارة هؤلاء الأربعة كانت سفارة مطلقة و عامّة، بينما سفارة الأخرين كانت في موارد خاصّة، من قبيل سفارة ابي الحسين محمّد بن جعفر الاسدي و احمد بن اسحاق الأشعري و ابراهيم بن محمّد الهمداني و احمد بن حمزة بن اليسع.(2) 69
ص: 38
و النّواب الأربعة هم بحسب التّرتيب:
1 - ابو عمرو عثمان بن سعيد العَمْري.
2 - ابو جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العَمْري.
3- ابو القاسم الحسين بن روح النوبختي.
4- ابو الحسن على بن محمّد السَّمَري.
و قد كان ابو عمرو عثمان بن سعيد مورد اعتماد النّاس و جليل القدر و وكيلا للامام الهادي و الامام العسكريّ عليهما السّلام (1) ، و قد تولّى- بأمر الامام (عليه السّلام)- تكفين الامام العسكري و دفنه(2)، و كان يسكن في سامرّاء في محلّة العسكر، و لهذا السبب فهو يطلق عليه لقب «العسكريّ» ايضاً، و لكي لا يكتشف عملاء السّلطة الحاكمة آنذاك أعماله و خدماته للامام عليه السّلام فانّه كان يبيع السّمن و عندما كان الاتصّال بالامام العسكريّ (عليه السّلام) صعبا على الشيعة فانّهم كانوا اذا حملوا للامام العسكري (عليه السّلام) ما يجب عليهم حمله من الأموال انفذوا الى ابي عمرو فيجعله في جراب السّمن و زقاقه و يحمله الى الامام (عليه السّلام) تقيّة و خوفاً.
يقول أحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقُمَّيُّ:
ص: 39
﴿دَخَلْتُ عَلَى أبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ فِي يَوْم مِنَ الأيَّام فَقُلْتُ: يَا سَيَّدِي أنَا أغِيبُ وَ أشْهَدُ، وَ لاَ يَتَهَيَّاُ لِيَ الْوُصُولُ إِلَيْكَ إِذَا شَهِدْتُ فِي كُلّ وَقْتٍ فَقَوْلَ مَنْ نَقْبَلُ؟ وَ أمْرَ مَنْ نَمْتَثِلُ؟ فَقَالَ لِي صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ: هَذَا أبُو عَمْرٍو (عثمان بن سعيد العمريّ) الثّقَةُ الأمِينُ مَا قَالَهُ لَكُمْ فَعَنّي يَقُولُهُ، وَ مَا أدَّاهُ إِلَيْكُمْ فَعَنّي يُؤَدَّيهِ﴾ (1).
و قد استمرّت وكالة و نيابة عثمان بن سعيد بعد استشهاد الامام العسكريّ عليه السّلام بأمر من الامام القائم (عليه السّلام) و كان الشّيعة يختلفون عليه ليسألوه بما يحتاجون اليه ثمّ تصل اليهم أجوبة الامام بواسطته.(2)
و كتب المرحوم المحقّق الداماد في كتاب (الصّراط المستقيم): ذَکَرَ اَلشَّیْخُ اَلْمَوْثُوقُ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ سَعِیدٍ اَلْعَمْرِیُّ أَنَّ اِبْنَ أَبِی غَانِمٍ اَلْقَزْوِینِیَّ قَالَ إِنَّ اَلْعَسْکَرِیَّ عَلَیْهِ السَّلاَمُ لاَ خَلَفَ لَهُ فَشَاجَرَتْهُ اَلشِّیعَهُ وَ کَتَبُوا إِلَی اَلنَّاحِیَهِ وَ کَانُوا یَکْتُبُونَ لاَ بِسَوَادٍ بَلْ بِالْقَلَمِ اَلْجَافِّ عَلَی اَلْکَاغَذِ اَلْأَبْیَضِ لِیَکُونُ عِلْماً مُعْجِزاً فَوَرَدَ جَوَاباً إِلَیْهِمْ: (من الامام عَلَیْهِ السَّلاَمُ)
﴿بِسْمِ اَللّهِ اَلرَّحْمنِ اَلرَّحِیمِ عَافَانَا اَللَّهُ وَ إِیَّاکُمْ مِنَ اَلضَّلاَلِ وَ اَلْفِتَنِ إِنَّهُ اِنْتَهَی إِلَیْنَا شَکُّ جَمَاعَةٍ مِنْکُمْ فِی اَلدِّینِ وَ فِی وِلاَیَةِ أَمْرِهِمْ فَغَمَّنَا ذَلِکَ لَکُمْ لاَ لَنَا لِأَنَّ اَللَّهَ مَعَنَا وَ اَلْحَقَّ مَعَنَا فَلاَ یُوحِشُنَا مَنْ بَعُدَ عَلَیْنَا وَ نَحْنُ
ص: 40
صَنَایِعُ رَبِّنَا وَ اَلْخَلْقُ صَنَایِعُنَا (بمعنى انّنا ننتفع بالفيض الالهيّ، و النّاس ينتفعون من فيضنا) مَا لَکُمْ فِی اَلرَّیْبِ تَتَرَدَّدُونَ أمَا عَلِمْتُمْ مَا جَاءَتْ بِهِ اَلْآثَارُ مِمَّا فِی أَئِمَّتِکُمْ یَکُونُ (حيث اخبر الأئمة السّابقون بان القائم عليه السّلام سوف يغيب) أَفَرَأَیْتُمْ کَیْفَ جَعَلَ اَللَّهُ لَکُمْ مَعَاقِلَ تَأْوُونَ إِلَیْهَا وَ أَعْلاَماً تَهْتَدُونَ بِهَا مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَی أَنْ ظَهَرَ اَلْمَاضِی (الامام الحادي عشر) عَلَیْهِ السَّلاَمُ کُلَّمَا غَابَ عَلَمٌ بَدَا عَلَمٌ وَ إِذَا أَفَلَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ فَلَمَّا قَبَضَهُ اَللَّهُ إِلَیْهِ ظَنَنْتُمْ أَنَّهُ أَبْطَلَ دِینَهُ وَ قَطَعَ اَلسَّبَبَ بَیْنَهُ وَ بَیْنَ خَلْقِهِ، کَلاَّ مَا کَانَ ذَلِکَ وَ لاَ یَکُونُ حَتَّی تَقُومَ اَلسَّاعَةُ وَ یَظْهَرَ أَمْرُ اَللّهِ وَ هُمْ کارِهُونَ فَاتَّقُوا اَللَّهَ وَ سَلِّمُوا لَنَا وَ رُدُّوا اَلْأَمْرَ إِلَیْنَا فَقَدْ نَصَحْتُ لَکُمْ وَ اَللَّهُ شَاهِدٌ عَلَیَّ وَ عَلَیْکُمْ﴾.(1)
و قد عيّن عثمان بن سعيد قبل وفاته و بأمر من امام العصر عليه السّلام ولده ابا جعفر محمّد بن عثمان خليفة له و نائباً عن الامام (عليه السّلام).
و كان محمّد بن عثمان مثل والده من كبار شخصيّات الشّيعة في التّقوى و العدالة و الصّدق و الاخلاص و كان موضع احترام الشّيعة ،و اعتمادهم، و في السّابق ايضاً اظهر الامام العسكريّ عليه السّلام الاعتماد و الاطمئنان به و بوالده و يقول الشّيخ الطّوسي: انّ الشّيعة متّفقة على عدالته و تقواه و أمانته(2) .
ص: 41
و بعد وفاة النّائب الأوّل عثمان بن سعيد صدر توقيع (1) من الامام صاحب الأمر و الزّمان عليه السّلام يشير الى وفاته و يبيّن نيابة ولده محمد و هذا هو نصّ التوقيع:
﴿اِنّا للّه ِ وَ اِنّا اِلَیْهِ راجِعُونَ تَسلِیما لِأَمرِهِ وَ رَضَیً بِقَضَائِهِ عَاشَ أَبُوکَ سَعِیداً وَ مَاتَ حَمیداً فَرِحِمَهُ اللّهُ وَ أَلحَقَهُ بِأَولِیائِهِ وَ مَوَالِیهِ علیهم السّلام، فَلَم یَزَلُ مُجتَهِداً فِی أَمرِهِم سَاعِیا فِیمَا یُقَرِّبُهُ إِلَی اللّهِ عَزّ وَ جَلّ وَ إِلَیهِم، نَضَّرَ اللّهُ وَجَهَهُ وَ أَقَالَهُ عَثرَتَهُ﴾.
و في فصل آخر من هذا التّوقيع:
﴿أجْزَلَ اللهُ لَكَ الثَّوَابَ و أحْسَنَ لَكَ الْعَزَاء رُزِئْتَ وَ رُزِئْنَا و أوْ حَشَكَ فِرَاقُهُ و أوْ حَشَنَا فَسَرَّهُ اللهُ فِي مُنْقَلَبِهِ، وَ کَانَ مِنْ کَمَالِ سَعَادَتِهِ أنْ رَزَقَهُ اللهُ وَلَداً مِثْلَكَ يَخْلُفُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَ يَقُومُ مَقَامَهُ بِأمْرهِ وَ يَتَرَحَّمُ عَلَيْهِ، و أقُولُ الحَمْدُ لله فَإنَّ الأنْفُسَ طَیِّبَةٌ بِمَكَانِكَ وَ مَا جَعَلَهُ اللهُ عَزّ وَ جَلّ فِيكَ و عِنْدَكَ، أعَانَكَ اَللهُ وَ قَوَّاكَ وَ عَضَدَكَ وَ وَفَّقَكَ وَ كَانَ لَكَ وَلِیًّا وَ حَافِظاً وَ راعِياً﴾(2)
و يقول عبد الله بن جعفر الحميري: لما مضى ابو عمر (عثمان بن سعيد) رضي الله عنه أتتنا الكتب بالخطّ الّذي كنّا نكاتب به
ص: 42
باقامة ابي جعفر (محمّد بن عثمان بن سعيد العمري) رضي الله عنه مقامه.(1)
و في توقيع آخر للامام عليه السّلام ضمن جوابه على أسئلة موجّهة من اسحاق بن يعقوب الكليني يقول (عليه السّلام):
﴿وَ أَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِیُّ رَضِیَ اَللَّهُ عَنْهُ وَ عَنْ أَبِیهِ مِنْ قَبْلُ فَإِنَّهُ ثِقَتِی وَ کِتَابُهُ کِتَابِی﴾.(2)
وَ يَقول عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ اَلْحِمْیَرِیِّ:
سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ رَضِیَ اَللَّهُ عَنْهُ فَقُلْتُ لَهُ: رَأَیْتَ صَاحِبَ هَذَا اَلْأَمْرِ؟ قَالَ: نَعَمْ وَ آخِرُ عَهْدِی بِهِ عِنْدَ بَیْتِ اَللَّهِ اَلْحَرَامِ وَ هُوَ یَقُولُ: اَللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِی مَا وَعَدْتَنِی(3).
وَ رَأَیْتُهُ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَیْهِ مُتَعَلِّقاً بِأَسْتَارِ اَلْکَعْبَهِ فِی اَلْمُسْتَجَارِ(4) وَ هُوَ یَقُولُ: اَللَّهُمَّ اِنْتَقِمْ بِی مِنْ أَعْدَائِکَ(5)
وَ رَوَی مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ اَلْعَمْرِیُّ قَدَّسَ اَللَّهُ رُوحَهُ: وَ اَللَّهِ إِنَّ صَاحِبَ هَذَا اَلْأَمْرِ لَیَحْضُرُ اَلْمَوْسِمَ کُلَّ سَنَةٍ یَرَی اَلنَّاسَ وَ یَعْرِفُهُمْ وَ یَرَوْنَهُ وَ لاَ یَعْرِفُونَهُ.(6)
ص: 43
وَ يَقول أَبُو اَلْحَسَنِ بْنُ أَحْمَدَ اَلدَّلاَّلُ اَلْقُمِّیُّ: دَخَلْتُ عَلَی أَبِی جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ رَضِیَ اَللَّهُ عَنْهُ یَوْماً لِأُسَلِّمَ عَلَیْهِ، فَوَجَدْتُهُ وَ بَیْنَ یَدَیْهِ سَاجَهٌ وَ نَقَّاشٌ یَنْقُشُ عَلَیْهَا وَ یَکْتُبُ آیات مِنَ اَلْقُرْآنِ وَ أَسْمَاءَ اَلْأَئِمَّهِ عَلَیْهِمُ السَّلاَمُ عَلَی حَوَاشِیهَا، فَقُلْتُ لَهُ: یَا سَیِّدِی مَا هَذِهِ اَلسَّاجَةُ؟ فَقَالَ لِی هَذِهِ لِقَبْرِی تَکُونُ فِیهِ أُوضَعُ عَلَیْهَا، أَوْ قَالَ أُسْنَدُ إِلَیْهَا وَ قَدْ عَزَفْتُ مِنْهُ وَ أَنَا فِی کُلِّ یَوْمٍ أَنْزِلُ فِیهِ فَأَقْرَأُ جُزْءاً مِنَ اَلْقُرْآنِ فَأَصْعَدُ وَ أَظُنُّهُ قال: فَأَخَذَ بِیَدی و أَرانیهِ،فَإِذا کانَ یَومُ کَذا و کَذا مِن شَهرِ کَذا و کَذا مِن سَنَةِ کَذا و کَذا صِرتُ إلَی اللّهِ عزّ و جلّ و دُفِنتُ فیهِ و هذِهِ السّاجَةُ مَعی، فَلَمّا خَرَجتُ مِن عِندِهِ أثبَتُّ ما ذَکَرَهُ وَ لَم أزَل مُتَرَقِّباً بِهِ ذلِکَ فَما تَأَخَّرَ الأَمرُ حَتَّی اعتَّلَّ أبو جَعفَرٍ فَماتَ فِی الیَومِ الَّذی ذَکَرَهُ مِنَ الشَّهرِ الَّذی قالَهُ مِنَ السَّنَهِ الَّتی ذَکَرَها و دُفِنَ فیهِ.(1)
و قبل وفاته زاره فريق من شخصيّات الشّيعة فعيّن لهم- بأمر من الامام القائم عليه السّلام- ابا القاسم الحسين بن روح النّوبختي سفيراً يقوم بشؤون الارتباط بالامام (عليه السّلام) و قال: ﴿إِنْ حَدَثَ عَلَیَّ حَدَثُ اَلْمَوْتِ فَالْأَمْرُ إِلَی أَبِی اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَیْنِ بْنِ رَوْحٍ اَلنَّوْبَخْتِیِّ فَقَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَجْعَلَهُ فِی مَوْضِعِی بَعْدِی فَارْجِعُوا إِلَیْهِ وَ عَوِّلُوا فِی أُمرکُمْ عَلَیْهِ﴾.(2)
ص: 44
و قد توفّي ابو جعفر محمد بن عثمان العَمْريّ في عام (305) هجري قمري(1)، رحمه الله رحمة واسعة.
كان لأبي القاسم الحسين بن روح النّوبختي عظمة و جلالة خاصّة يشعر بها الموافق و المخالف، و كان مشهوراً بالعقل و الرّؤية الواضحة و التّقوى و الفضيلة، و كانت تهتم به مختلف الفرق و المذاهب الدينيّة. و قد تصدّى لبعض الشّؤون في زمان النّائب الثّاني محمّد بن عثمان العَمْريّ، و كان «جعفر بن احمد بن متيل القمّي» ذا علاقة خاصّة و ارتباط متميّز بمحمّد بن عثمان و هو اقرب اليه من الآخرين، و في اواخر عمر محمّد بن عثمان كان يعدّ طعامه في بيت جعفر بن احمد و ابيه و لهذا كان الناس يحتملون نيابة جعفر بن احمد بن متيل اكثر من سائر اصحاب النائب الثّاني، و لكنّه في اواخر لحظات محمّد بن عثمان و عند احتضار. ينقل جعفر بن احمد بن متيل انه: لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ الْعَمْرِيَّ الْوَفَاةُ كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ رَأْسِهِ أُسَائِلُهُ وَ أُحَدِّثُهُ، وَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ رَوْحٍ عِنْدَ رِجْلَيْهِ(2) فَالْتَفَتَ إِلَيَّ ثُمَّ قَالَ: أُمِرْتُ أَنْ أُوصِيَ إِلَى أَبِي الْقَاسِمِ الْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحٍ، قَالَ: فَقُمْتُ مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ وَ أَخَذْتُ بِيَدِ أَبِي الْقَاسِمِ وَ أَجْلَسْتُهُ فِي مَكَانِي وَ تَحَوَّلْتُ إِلَى عِنْدِ رِجْلَيْهِ.(3)
ص: 45
﴿نَعْرِفُهُ عَرَّفَهُ اللَّهُ الْخَیْرَ کُلَّهُ وَ رِضْوَانَهُ وَ أَسْعَدَهُ بِالتَّوْفِیقِ، وَقَفْنَا عَلَی کِتَابِهِ وَ هُوَ ثِقَتُنَا بِمَا هُوَ عَلَیْهِ وَ أَنَّهُ عِنْدَنَا بِالْمَنْزِلَةِ وَ الْمَحَلِّ اللَّذَیْنِ یَسُرَّانِهِ، زَادَ اللَّهُ فِی إِحْسَانِهِ إِلَیْهِ إِنَّهُ وَلِیٌّ قَدِیرٌ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا شَرِیکَ لَهُ وَ صَلَّی اللَّهُ عَلَی رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ تَسْلِیماً کَثِیراً﴾. وردت هذه الرقعة يوم الأحد لسّت ليال خلون من شوال سنة خمس و ثلاث مائه.(1)!
و سُئِلَ ابو سَهلٍ النَّوبَختِیَّ (و هو من المتكلّمين المبرّزين في بغداد و كبير أسرة النّوبختيّين و قد ألّف كتبا كثيرة): کَیفَ صارَ هذَا الأَمرُ (النّيابة) إلَی الشَّیخِ أبِی القاسِمِ الحُسَینِ بنِ روحٍ دونَکَ؟
فَقالَ: هُم (الأئمّة عليهم السّلام) أعلَمُ و مَا اختاروهُ (من الأصلح و الأنسب)، و لکِن أنَا رَجُلٌ ألقَی الخُصومَ و اُناظِرُ هُم (و لو کنت ناِئب الامام) و لَو عَلِمتُ بِمَکانِهِ کَما عَلِمَ أبُو القاسِمِ (بسبب نيابته) و ضَغَطَتنِی الحُجَّةُ (في مجال البحث حول الامام مع المخالفين) لَعَلّی کُنتُ أدُلُّ عَلی مَکانِهِ (و لا استطيع السّيطرة على نفسي)، و أَبُو القاسِمِ فَلَو کانَتِ الحُجَّةُ تَحتَ ذَیلِهِ و قُرِّضَ بِالمَقاریضِ ما کَشَفَ الذَّیلَ عَنهُ .(2)
و قد شغل ابو القاسم الحسين بن روح منصب النّيابة (21) عاماً، و اسند قبل وفاته شؤون النّيابة- بأمر الامام (عليه السّلام) الى ابي الحسن عليّ بن محمّد السّمري، و توفيّ في شهر شعبان سنة
ص: 46
(326) هجريّة، و مرقده في بغداد.(1)
يقول مؤلّف كتاب «منتهى المقال» فيما يتعلّق بالنّائب الرّابع ابي الحسن عليّ بن محمّد السّمري:
انّ جلالة قدره عظيمة بحيث لا يحتاج الى توصيف.(2)
و هذا الشّخص الكريم قد احتلّ منصب النّيابة عن امام العصر ارواحنا فداه بأمر من الامام نفسه و ذلك بعد وفاة الحسين بن روح، و اخذ يدير شؤون الشّيعة. يقول المحدّث القمّي: ان ابا الحسن السّمري قال في يوم من الأيام لمجموعة من المشايخ الحاضرين عنده: عظمّ الله أجركم في مصيبة عليّ بن بابويه القمي فقد رحل عن الدّنيا في هذه السّاعة.
فسجّل هؤلاء تِلْکَ السَّاعَةَ و ذلك اليوم و ذلك الشّهر، ثمّ بعد مرور (17) او (18) يوماً وصل الخبر بوفاة عليّ بن بابويه القميّ في تلك السّاعة نفسها.(3)
و توفّي عليّ بن محمّد السّمري عام (329) هجري(4)، و قبل وفاته جاءت اليه مجموعة من الشّيعة و سألوه ان يوصي الى احد، فأجاب:
ص: 47
لله امر هو بالغه.(1)
و خرج من الامام الغائب عليه السّلام توقيع حول السّمري فأخرجه الى النّاس و استنسخوه منه، وهذا هو نصّه:
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِیمِ یَا عَلِیَّ بْنَ مُحَمَّدٍ السَّمُرِیَّ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَ إِخْوَانِکَ فِیکَ: فَإِنَّکَ مَیِّتٌ مَا بَیْنَکَ وَ بَیْنَ سِتَّةِ أَیَّامٍ فَأَجْمِعْ أَمْرَکَ وَ لَا تُوصِ إِلَی أَحَدٍ فَیَقُومَ مَقَامَکَ بَعْدَ وَفَاتِکَ، فَقَدْ وَقَعَتِ الْغَیْبَةُ التَّامَّةُ فَلَا ظُهُورَ إِلَّا بَعْدَ إِذْنِ اللَّهِ تَعَالَی ذِکْرُهُ وَ ذَلِکَ بَعْدَ طُولِ الْأَمَدِ وَ قَسْوَةِ الْقُلُوبِ وَ امْتِلَاءِ الْأَرْضِ جَوْراً وَ سَیَأْتِی شِیعَتِی مَنْ یَدَّعِی الْمُشَاهَدَةَ.
(و الارتباط بالامام الغائب بعنوان النّائب الخاصّ)، ألاَ فَمَن ادَّعَى الْمُشَاهَدَةَ قَبْلَ خُرُوج السُّفْيَانِيّ وَ الصَّيْحَةِ (2) فَهُوَ كَذَّابٌ مُفْتَرٍ وَ لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ الْعَلِيّ الْعَظِيم﴾(3).
و في اليوم السّادس توفّي ابوالحسن السّمريّ و دفن في شارع الخلنجى قرب نهر أبي عتاب.(4)
و يعدّ نوّاب الامام الخاصّون من اتقى و اشرف رجال عصرهم و يتعمد عليهم الشّيعة و يطمئنون بهم كثيراً، و خلال سنين «الغيبة
ص: 48
الصغرى» كان الشيعة يطرحون عليهم مشاكلهم و مسائلهم فيجيب عليها الامام (عليه السّلام) و يوصلها هؤلاء النّواب للشيعة، و في هذه الفترة كان يتيسّر مثل هذا الارتباط، و حتّى بعض الصالحين استطاع الظفر بلقاء الامام و التمتّع بمجالسته بواسطة هؤلاء النواب.
والكرامات و المعجزات الّتي كانت تحدث في هذه المرحلة من الامام عليه السّلام على يد نوّابه المعينّين فانّها كانت تزيد الشّيعة إطمئناناً و وثوقاً، يقول المرحوم الشّيخ الطّوسي في كتاب «الاحتجاج»:
﴿وَ لَمْ يَقُمْ أحَدٌ مِنْهُمْ (اي من النّوّاب الخاصّين) بِذَلِكَ إِلاَّ بِنَصّ عَلَيْهِ مِنْ قِبَل صَاحِبِ الزَّمَان عليه السّلام وَ نَصْبِ صَاحِبهِ الَّذِي تَقَدَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ تَقْبَل الشّيعَةُ قَوْلَهُمْ إِلاَّ بَعْدَ ظُهُور آيَةٍ مُعْجِزَةٍ تَظْهَرُ عَلَى يَدِ كُلّ وَ احِدٍ مِنْهُمْ مِنْ قِبَل صَاحِبِ الأمْر عليه السّلام تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ مَقَالَتِهِمْ وَ صِحَّةِ نِيَابَتِهِمْ...﴾(1)
و على كلّ حال فبمجرّد انتهاء مرحلة «الغيبة الصّغرى» بدأت مرحلة «الغيبة الكبرى» و لا تزال مستمرّة الى الآن، و في زمان الغيبة الصّغرى كان باستطاعة النّاس ان يستلموا أجوبة مسائلهم من الامام (عليه السّلام) بواسطة نوّابه الخاصّين، إلاّ انّ هذا الأمر غير ميسور في زمان الغيبة الكبرى، و يتعيّن على النّاس في هذه المرحله ان يعرضوا مسائلهم على نوّاب الامام العامّين و يأخذوا منهم
ص: 49
أجوبتها، و ذلك لأنّهم «حجّة» بالنّظر الى تخصّصهم و الى الرّوايات الواردة بحقّهم، يقول المرحوم الكشيّ: لقد صدر توقيع من الامام عليه السّلام مضمونه بانه لا عذر و لا ذريعة لأيّ واحد من محبّينا في التّشكيك فيما ينقله عنّا ثقاتنا، فهم يعلمون انّنا قد او دعنا سرّنا عندهم و اعطيناهم اياه.(1)
و أيضاً ينقل الشّيخ الطّوسي و الشّيخ الصّدوق و الشّيخ الطّبرسي عن اسحاق بن عمّار انّه قال: قال مولانا الامام المهدي عليه السّلام (فيما يتعلّق بواجب الشّيعة في زمان الغيبة):
﴿و أمَّا الحَوادِثُ الواقِعَهُ فَارجِعوا فیها إلی رُواةِ حَدیثِنا فَإِنَّهُم حُجَّتی عَلَیکُم و أنَا حُجَّةُ اللّهِ عَلَیهِم﴾.(2)
و ينقل المرحوم الطّبرسي في كتاب «الاحتجاج» عن الامام الصّادق عليه السّلام انه قال ضمن حديث:
﴿و أمَّا مَن كانَ مِن الفُقَهاءِ صائناً لنفسِهِ حافِظاً لِدينِهِ مُخالِفاً لِهَوَاهُ مُطِيعاً لأمرِ مَولاهُ فلِلعَوامِّ أن يُقَلِّدُوهُ﴾.(3)
و هكذا فشؤون المسلمين في زمان الغيبة الكبرى تكون في يد الوليّ الفقيه و لابد ان تتمّ و تجري تحت اشرافه و ادارته. و صحيح انّ منصب الفتوى و القضاء و الحكم كان قد جُعل للفقهاء من قبل
ص: 50
بواسطة الأئمّة المعصومين عليهم السّلام إلاّ انّ شرعيّة المرجعيّة و زعامة فقهاء الاسلام تبدأ من هذا التّاريخ و هي مستمرّة الى ظهور الامام صاحب الأمر و الزّمان عجّل الله فرجه.
انّ الايمان بالامام المهدي عليه السّلام سبب لتنمية الفكر و احياء الأمل، فالايمان بالمهديّ الموعود و احتمال ظهوره في كلّ ساعة له أثر عميق و خلاّق في المؤهّلين و اصحاب القلوب الطّاهرة، فهم يعدّون انفسهم اعداداً جيّداً و يبتعدون عن كلّ ألوان الظّلم و التّعدّي و يعشقون العدالة و الأخوّة حتّى يحظوا بصحبة الامام (عليه السّلام) و مرافقته و حتّى لا يحرموا من لقائه و زيارته و لا يحترقوا بنار بُعده و غضبه (عليه السّلام). فالايمان بالامام المهدي (علیه السّلام)- الّذي لا يخضع لأيّة حكومة من الحكومات الفاسدة و الظّالمة- يوجد شهامة في اتباعه بحيث يقفون في وجه ايّ ظالم و طاغوت و يتمرّدون عليه و لا يستسلمون له.
و الايمان بظهور هذا الامام الكريم لا ينبغي ان يحمل المسلمين على ايكال امورهم للمستقبل و يدفعهم لاختيار العزلة و الانزواء و التّسويف بالأمور و تأخيرها الى غدو بعد غد و الخنوع لسلطة الكفّار و التلكّأ في طريق الرقي العلميّ و الصناعيّ و الكفّ عن الاصلاحات الاجتماعيّة.
وهذا الظّنّ- و هو انّ الايمان بظهور المهدي عليه السّلام يؤدّي
ص: 51
الى التّكاسل و التّسامح و الفتور- باطل ساذج، ألم يكن الأئمّة المعصومون و تلامذتهم النّشطون الصّامدون مؤمنين بظهور القائم عليه السّلام؟ ألم يكن علماء الاسلام الكبار معتقدين به، و مع ذلك فهم لم يتوقّفوا عن بذل اقصى الجهد و التّضحية بكلّ نفيس لاعلاء كلمة الاسلام و لم يتخلّوا اطلاقا عن واجباتهم و مسؤوليّاتهم بل كانوا ينهضون بوظائفهم الخطيرة و يقومون بدورهم البنّاء بكل أمل و نشاط.
و المسلمون في صدر الاسلام قد سمعوا من النّبيّ الأكرم (صلّى الله عليه و آله و سلّم) انّ الاسلام يتقدّم و يحقّق فتوحات ضخمة، إلاّ انّ هذه البشارات لم تؤدّبهم الى الكل و الانزواء، و انّما ضاعفت جهودهم فوصلوا الى الأهداف بالتّضحية و الرّجولة.
و تواجه المسلمين اليوم مسؤولّيات كبيرة لا بدّلهم من النّهوض بها بصبر و صمود، و لابّد لهم من معرفة الظّروف الحاليّة و اغتنام الفرص بشكل جيّد، بحيث يكونون حاضرين في السّاحة دوماً، و ينهون عن المنكر و ينشرون المعروف و يطبّقون ذلك بدقّة و اخلاص، و يحولون دون نفوذ الأعداء، و يدافعون عن الاسلام و المسلمين في مقابل الهجوم الفكريّ و الاقتصاديّ و السياسيّ و العسكريّ للعدوّ، و يحاولون جهد امكانهم ان يبنوا ذواتهم لتترسّخ فيهم قابليّة ادراك الامام المهدي ارواحنا فداه و نصرته و يشملهم اللّطف الالهيّ، و يعدّون الأرضيّة بكلّ صورة ميسورة لظهور هذا الامام الكريم (عليه السّلام).
ینقل الامام امير المؤمنين عليّ عليه السّلام عن نبيّ الاسلام صلّى الله عليه و آله و سلّم انّه قال:
ص: 52
﴿اَفضَلُ العِبادَةِ اِنتِظارُ الفَرَجِ﴾(1) .
و عن الامام الرّابع زين العابدين علي بن الحسين عليه السّلام انه قال: ﴿تَمْتَدُّ الغَيْبَةُ بِوَلِيُّ اللَّه الثَّانِي عَشَرَ مِنْ أَوْصِيَاء رَسُولِ اللهِ صلّی الله علیه و آله و سلّم وَ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ، یا أبا خَالِدٍ إِنّ أَهْلَ زَمانِ غَيْبَتِهِ، الْقَائِلِينَ بإمامَتِهِ، الْمُنتَظِرِينَ لِظُهوره أَفْضَلُ مِنْ أَهْلِ كُلِّ زَمان، لأنَّ اللهَ تَعالى ذکره أَعْطاهُمْ مِنَ الْعُقُولِ وَ الْأفهام وَ الْمَعْرِفَةِ مَا صَارَتْ بِهِ الْغَيْبَةُ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ المُشاهَدَةِ، وَ جَعَلَهُمْ في ذلكَ الزَّمَانِ بِمَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِينَ بَيْنَ يَدَى رَسُول الله صلّی الله علیه و آله وسلّم بالسّيف أُولئِكَ الْمُخْلِصُونَ حَقًّا، وَ شِيعَتنا صِدقاً وَ الدُّعَاةُ إِلى دِينِ اللَّهِ سرّاً و جهراً﴾.
و قال عليه السّلام: ﴿اِنتِظارُ الفَرَجِ مِن اَعظَمِ الفَرَجِ﴾.(2)
و يقول المرحوم آية الله صدر الدّين الصّدر:
﴿الانتظار هو ترقّب حصول الأمر المنتظر و تحقّقه، و لا يخفى ما يترتب على انتظار ظهور المهدي من الأمور الاصلاحيّة الرّاجعة الى کلّ انسان فضلاً عن الهيئة الاجتماعيّة سيّما الشّيعة الاماميّة:
ان الانتظار بنفسه من حيث هو رياضة مهمّة للنّفس حتّى قيل الانتظار اشدّ من القتل و لازمه اشغال القوّة المفكّرة و توجيه الخيال نحو الأمر المنتظر، و هذا ممّا يوجب قهراً أمرين:
أ: - قوّة المفكّرة ضرورة توجب ازدياد القوى بالاعمال.
ص: 53
ب: تمكن الانسان من جمعها و توجيهها نحو أمر واحد، و هذان الأمر ان من أهمّ ما يحتاج اليها الانسان في معاده و معاشه.
يسهل وقع المصائب و النّوائب و تخفف و طئتها اذ علم الانسان و عرف انها في معرض التّدارك و الرّفع و شتّان بين مصيبة علم الانسان تداركها و بين مصيبة لا يعلم ذلك سيّما اذا احتمل تداركها عن قريب و المهدي (عليه السّلام) بظهوره يملأ الأرض قسطا و عدلاً، (و يرفع جميع المصائب).
لازم الانتظار محبّة ان يكون الانسان من اصحاب المهدي و شيعته بل من اعوانه و انصاره، و لازم ذلك ان يسعى في اصلاح نفسه و تهذيب أخلاقه حتّى يكون قابلاً لصحبة المهدي و الجهاد بين يديه، نعم انّ ذلك يحتاج الى أخلاق قلّما توجد بيننا اليوم.
الانتظار كما انّه يبعث الى اصلاح النّفس بل و الغير كذلك يكون باعثا وراء تهيئة المقدّمات و المعدّات الموجبة لغلبة المهدي على عدّوه، و لازمه تحصيل ما يحتاج ذلك اليه من المعارف و العلوم سيّما و قد علم انّ غلبته على عدّوة تكون بالأسباب العاديّة. هذا بعض الآثار المترتّبة على الانتظار ان كان صادقاً﴾(1) و يقول المرحوم المظفّر:
ان انتظار مصلح العالم و منقذ من هم على الحقّ و هو الامام
ص: 54
المهديّ (عليه السّلام) لا يعني اننّا نضع يداً على يد و لا نفعل شيئاً في تنفيذ حقائق الدّين، و لا سيّما في الواجبات الدّينيّة كالجهاد في سبيل تطبيق القوانين الدّينيّة و الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر فانّه لا يمكن سلب المسؤوليّة عن الذّات في هذه المجالات و ذلك لانّ المسلم مكلّف على كلّ حال ان يعمل بأحكام الله و ان يخطو في طريق معرفتها الصّحيحة، و ان يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر بمقدار ما يستطيع، و ليس من المناسب ان يكفّ عن العمل بالواجبات بذريعة انتظار المصلح، فالانتظار لا يسقط ايّ واجب عن المسلمين و لا يؤخّر ايّ عمل عن وقته و زمانه.(1)
و بناءً على هذا فمن البديهى انّ الشّيعة في عصر الغيبة واقعون في امتحان و اختبار عظيم، فلابدّ لهم- من ناحية- من المحافظة على دينهم، و لابدّ لهم- من ناحية اخرى- ان يعدّوا الأرضيّة حتّى يُوفّقوا للسّير في ركاب ذلك الامام الكريم و نصرة الاسلام و من الواضح انّ كثيراً من النّاس سوف لن يحقّقوا نجاحاً في هذا الامتحان و الاختبار.
يقول جَابِرٍ اَلْجُعْفِیِّ: قُلْتُ لِأَبِی جَعْفَر (الامام الباقر) عَلَیْهِ السَّلاَمُ: مَتَی یَکُونُ فَرَجُکُمْ؟
فَقَالَ (عَلَیْهِ السَّلاَمُ) هَیْهَاتَ هَیْهَاتَ لاَ یَکُونُ فَرَجُنَا حَتَّی تُغَرْبَلُوا ثُمَّ تُغَرْبَلُوا، یَقُولُهَا ثَلاَثاً، حَتَّی یُذْهِبَ اَلْکَدِرَ وَ یُبْقِیَ اَلصَّفْوَ.(2)
ص: 55
أجل انّ للانتظار هذه الميزة و هي انّه بعد القيام بالواجبات و بذل غاية الجهد فانّ المنتظر لا ييأس و يبقى لديه الأمل بحصول الفرج من قبل الله.
و أيضاً من جملة الآثار المهّمة للغيبة هو انّ البشريّة تستغلّ كلّ طاقاتها في هذه المرحلة و تدرك بالتّجربة انّه لا يمكن من دون الوحي و الالهام الالهي و الامداد الغيبيّ ان تصل قافلة البشريّة الى مقصدها الأصليّ و النّهائي و هو القرب لله عزّ و جلّ، و لابدّ لها بالتّالّي من الخضوع و الاستسلام للوحي و التّعليمات الالهيّة و السّماويّة.
انّ بعض النّاس الّذين لا اطلاّع لهم على الفلسفة الوجوديّة للامام المعصوم يتساءلون: ما هي الفائدة من وجود الامام في عصر الغيبة؟
و لا يعرف هؤلاء ان الغرض من خلق عالم الوجود لا يتكامل إلاّ بوجود حجّة الله المعصوم حتّى يتفرّغ لعبادة الله سبحانه بمعرفة كاملة.
فالملائكة قد اعترضوا على اصل خلق الانسان، و قارنوا بين ما يصدر منه من فساد و طاعة، و لم يكونوا يرون ترجيحا لخلق الانسان، و كانوا يقولون:
أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فيها وَ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ يَجْمِدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ»(1)
ص: 56
و قد اقنعهم الله و أسكتهم بما أظهره لهم من علم آدم و معرفته بحقائق العالم و ملكوته، ممّا يستلزم بالتّالي معرفته الكاملة بالله تعالى و عبادته له.
و عند ما أظهر آدم عليه السّلام- بأمر من الله- علمه للملائكة و عرف هؤلاء الحقيقة الوجوديّة لحجج الله و ما لهم من منزلة عظيمة عند الله فقد أدركوا انّ تسبيح و تقديس الملائكة لا يمكن مقارنته بتسبيح و تقديس أولياء الله و حججه، و لمّا كان هؤلاء الكرام من
نوع البشر فانّ خلق نوع الانسان في محلّه و هو أمر راجح و مناسب.
اذن وجود هؤلاء المطهّرين- الّذي يشكّل فلسفة الوجود- هو الأمر المقنع و هو الّذي جعل الملائكة يستسلمون، و ذلك لانّ عبادتهم لا نظير لها، و لا توجد عبادة تحلّ محلّ عبادتهم، و كما انّ وجود هذه الحجج الالهيّة كان مقنعاً في بدء خلق و ظهور النوع البشريّ فهو مقنع أيضاً في استمرار المجموعة البشريّة و لابدّ من وجود حجّة الله دائماً في المجتمع الانسانيّ، فاذا شملتنا نعمة الوجود فذلك ببركة وجود هؤلاء الصّالحين، و لو لم يكن هؤلاء الكرام لما وجدنا و ما لبسنا الآن ثوب الوجود، و اذا لم يكن واحد من هؤلاء الأطهار لا لتحقنا بالعدم، و بناءً على هذا فان حجج الله ليسوا اولياء نِعَم النّاس في المعارف و العلوم فحسب و انّما هم أولياء نعمة الوجود علينا أيضاً و لهم المنّة علينا.
و نقرأ في زيارة الجامعة:
﴿مَوَالِیَّ لَا أُحْصِی ثَنَاءَکُمْ وَ لَا أَبْلُغُ مِنَ الْمَدْحِ کُنْهَکُمْ وَ مِنَ الْوَصْفِ قَدْرَکُمْ وَ أَنْتُمْ نُورُ الْأَخْیَارِ وَ هُدَاةُ الْأَبْرَارِ وَ حُجَجُ الْجَبَّارِ، بِکُمْ
ص: 57
فَتَحَ اللَّهُ وَ بِکُمْ یَخْتِمُ وَ بِکُمْ یُنَزِّلُ الْغَیْثَ وَ بکُمْ یُمْسِکُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَی الْأَرْضِ إِلّا بِإِذْنِهِ وَ بِکُمْ یُنَفِّسُ الْهَمَّ وَ یَکْشِفُ الضُّرَّ...﴾.
و ينقل الامام الكاظم عن والده الكريم الامام الصّادق عليهما السّلام قوله:
﴿...وَ بِعِبَادَتِنَا عُبِدَ اَللهُ عَزّ وَ جَلّ وَ لَوْ لَا نَا مَا عُبِدَ اَللهُ﴾(1)
و ورد في روايات عديدة مثل هذا النّص:
﴿إنَّ الأرض لا تخلو إلَّا و فيها إمام ...﴾(2)
و يقول الامام الباقر عليه السّلام:
﴿و اللَّهِ مَا تَرَكَ اللَّهُ أَرْضاً مُنْذُ قَبَضَ آدَمَ (علیه السّلام) إلّا و فِيهَا إِمَامٌ يُهْتَدَى بِهِ إِلَى اللَّهِ و هُو حُجَّتُهُ عَلَى عِبَادِهِ و لَا تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ حُجَّةٍ لِلَّهِ عَلَى عِبَادِهِ﴾(3)
و الموضوع الآخر هو الهداية المعنويّة للامام، فالامام المعصوم عليه السّلام كما انّه هاد و مرشد في مرحلة الأعمال الظّاهريّة فهو هاد أيضاً في مرحلة الحياة المعنويّة، و تسير حقائق الأعمال بهدايته. يقولً الله جلّ شأنه في القرآن الكريم:
﴿وَ جَعَلْنَا هُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَ أَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ﴾(4) .
و يقول في آية اخرى:
ص: 58
﴿وَ جَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمّا صَبَرُوا﴾(1)
و يقول العلاّمة الطّباطبائي رضوان الله عليه:
یستفاد من مثل هذه الآيات انّ للامام علاوة على الارشاد و الهداية الظّاهريّة لوناً من الهداية و الجاذبيّة المعنويّة و هي من سنخ عالم الأمر و التجرّد، فهو يؤثّر و يتصرّف في القلوب المؤهلّة بواسطة حقيقة و باطن و نورانيّة ذاته و يجذبها نحو مرتبة كمال الوجود و غايته.(2)
و يقول (رحمة الله علیه) ايضا:
و الذين يعترضون على الشّيعة قائلين انكم ترون وجود الامام لازماً لبيان احكام الدّين و حقائق الشّريعة و هداية النّاس، و غيبة الامام تنقض هذا الفرض، و ذلك لانّ الامام اذا غاب فانّ النّاس لا تصل ايديهم اليه و عندئذ لا تترتب أيّة فائدة على وجوده... ان هؤلاء لم يصلوا الى حقيقة معنى الامامة، فقد أو ضحنا في بحث الامامة انّ وظائف الامام لا تقتصر على البيان الصّوري للمعارف و الهداية الظّاهريّة للنّاس، فكما انّ على عاتق الامام واجب الهداية الصّورية للنّاس فانّه يتولّى أيضاً القيادة الباطنيّة لأعمالهم، فهو الذّي ينظّم حياتهم المعنويّة و يقود حقائق اعمالهم نحو الله، و من البديهيّ ان حضور الامام او غيبته الجسمانيّة لا تأثير لها في هذا المجال، و للامام اشراف و اتّصال بباطن نفوس النّاس و أرواحهم و ان
ص: 59
كان مستوراً عن أعين اجسامهم، و وجوده ضروريّ باستمرار و ان لم يصل لحدّ الآن موعد ظهوره و اصلاحه للعالم.(1)
و يقول المرحوم نصير الدين الطّوسي:
﴿وُجُودُهُ لُطْفٌ وَ تَصَرُّفُهُ لُطْفٌ آخَرُ، وَ عَدَمُهُ مِنَّا﴾.
فالشمس التي لا خلاف على نفعها لو ابتعد عنها النّاس فانّ الاشكال لا يتجه الى وجود الشّمس، و انّما التّقصير من النّاس حيث ابتعدوا عن الشّمس و حرموا أنفسهم من شعاعها، و مع ذلك فلا ینبغی ان يتخيّلوا انّهم لا يستفيدون من الشّمس اطلاقاً، و ذلك لانّه لو لم تكن الشّمس فانّ النّاس لا يستطيعون الاستمرار في حياتهم حتّی في الملاجئ و السّراديب، و هذه الشّمس - الّتي ابتعدوا عنها و حرموا أنفسهم من اشعاعها المباشر- هي الّتي توفّر لهم امكانيّة النّشاط و العمل و التّغذية و الحياة.
و في الرّوايات الاسلاميّة شُبّه الامام الغائب عليه السّلام بالشّمس المختفية وراء السّحاب، فقد سأل سليمان الأعمش الامام الصّادق عليه السّلام قائلاً: کَیْفَ یَنْتَفِعُ اَلنَّاسُ بِالْحُجَّةِ اَلْغَائِبِ اَلْمَسْتُورِ؟
فأجاب الامام (عليه السّلام):
کَمَا يَنْتَفِعُونَ بِالشَّمْسِ إِذَا سَتَرَهَا سَّحَابُ.(2)
ص: 60
و قد سأل جابر بن عبدالله الانصاري النّبي (صلّى الله عليه و آله و سلّم) قائلاً:
هل تنتفع الشيعة في زمان الغيبة من الامام الغائب؟
فأجاب (صلّى الله عليه و آله و سلّم): نعم وَ الَّذِی بَعَثَنِی بِالحَقِّ نَبِیّاً إِنَّهُم یَستَضِیئُونَ بِنُورِهِ وَ یَنتَفِعُونَ بِوِلایَتِه کَالانتِفَاعِ بِالشَّمسِ وَ اِن كانت السُّحُبُ تغطيّها.(1)
و بالاضافة الى هذا فانّ امام العصر ارواحنا فداه يشترك في مراسم الحجّ كلّ عام و يتردّد على المجالس و المحافل و ما اكثر المشاكل الّتي يحلّها بالواسطة او من دون واسطة لبعض المؤمنين، و لعلّ النّاس لا يرونه و لا يعرفونه و لكنّ الامام (عليه السّلام) یراهم و يعرفهم، و يشمل بلطفه بعض الصّالحين و المؤهّلين و يتفقّدهم و قد ظفر كثير من النّاس بلقائه (عليه السّلام) خلال الغيبة الصّغرى و الكبرى و رأوا الكثير من معاجزه و كراماته، و حُلّت على يديه مشاكل عدد من المؤمنين.
يقول المرحوم آية الله السّيّد صدر الدّين الصّدر:
﴿بل يمكن ان اقول من الذي اخبر بانه لا يمكن الوصول اليه في زمان غيبته الكبرى، و هذه الكتب تخبرنا عن جماعة انهم شاهدوه و تشرّفوا بخدمته، و لا ينافي ذلك ما ورد من تكذيب مدّعي الرّؤية فانّ المراد تكذيب مدّعي النّيابة الخاصّة بقرينة صدر الرّواية...
ص: 61
و يصاحب المبلغين و الدّعاة و الوعاظ و الهداة و يبلغهم نهج الحقّ و ما هو الأقرب الى نيل المقصود و اعلاء كلمة الاسلام عملوا به أو لم يعملوا.
و يزور ذوي الحاجة و المضطرّين و المرضى و المصابين و يخبرهم بطريق رفع حوائجهم و شفاء امراضهم و وسائل راحتهم و رغد عيشهم قبلوا منه او لم يقبلوا.
یقوم سلام الله عليه بجميع ذلك من غير ان يعرف او يمكنه ان يقوم به و حاشاه ان يبخل بنفع غيره فكيف جازان يقول القائل كيف ينتفع بالامام الغائب.
نعم كم من مسألة في الاصول و الفروع قد أجاب عنها و مشكلة في الدّين او الدّنيا قد انقذ منها و كم من مريض قد شفاه و مضطّر قد نجاّه و منقطع قد هداه و عطشان قد سقاه و عاجز قد اخذ بيده.
هذه الكتب و الدفاتر المؤلّفة في أزمنة مختلفة و بلاد متفاوتة ألفّها ثقات لا يعرف بعضهم بعضا و فيها من الحكايات الشّاهدة لما ذكرنا ما لا يحصى ربّما قطع الانسان بعد مشاهدتها و الاحاطة بالخصوصيّات و القرائن بصدق بعضها﴾(1)
انّ الكرامات و المعاجز الّتي صدرت من الامام عليه السّلام في
ص: 62
مرحلة الغيبة الصّغرى و شاهدها الشّيعة قد ساهمت في ترسيخ ايمانهم في مختلف الأرجاء البعيدة و القريبة، فما اكثر ما سافر الشّيعة من المناطق البعيدة و القريبة الى سامرّاء و بغداد و اتّصلوا بالامام عليه السّلام عن طريق نوّابه الخاصّين و شاهدوا بعض الكرامات الصّادرة منه.
انّ معاجز الامام في هذه المرحلة كثيرة جدّاً بحيث يحتاج ذكرها الى كتاب مستقلّ، و يقول المرحوم الشّيخ الطّوسي:
﴿و أمّا ظهور المعجزات الدّالة على صحّة امامته في زمان الغيبة فهي أكثر من ان تحصى﴾ (1)
و ننقل هنا بعض الموارد من باب المثال فحسب:
1- يقول عيسى بن نصر: ﴿کَتَبَ عَلِیَّ بْنَ زِیَادٍ اَلصَّیْمَرِیَّ یَلْتَمِسُ کَفَناً فَکَتَبَ إِلَیْهِ أَنَّکَ تَحْتَاجُ فِی سَنَةِ ثَمَانِینَ (امّا في سنة 280 هجرية و امّا انّه في سنّ الثمانين)، فَمَاتَ فِی سَنَةِ ثَمَانِینَ وَ بَعَثَ إِلَیْهِ بِالْکَفَنِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾(2)
2-يقول علي بن محمّد:
خرج نهي (من الامام للشّيعة) عن زيارة مقابر قريش و الحير (اي قبور الأئمة في الكاظمين و كربلاء) فلمّا كان بعد اشهر دعا الوزير الباقطاني فقال له: الق بني الفرات (و هم اقارب الوزير ابي
ص: 63
الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات) و البرسيين (و هم اهالي قرية برس بين الحلّة و الكوفة) و قل لهم لا تزوروا مقابر قريش فقد امر الخليفة ان يتفقّد كلّ من زار فيقبض عليه.(1)
3- عن حفيد ابي جعفر محمّد بن عثمان العَمْريّ (النّائب الثّاني للامام) أنّه قال حدّثني جماعة من بني نوبخت و منهم ابو الحسن بن كثير النّوبختي رحمه الله و حدثتني به ام كلثوم بنت ابي جعفر محمّد بن عثمان العمري رضي الله عنه انه حمل الى ابي رضي الله عنه في وقت من الاوقات ما ينفذه الى صاحب الامر عليه السّلام من قم و نواحيها فلما وصل الرّسول الى بغداد و دخل الى ابي جعفر و أوصل اليه ما دفع اليه و ودّعه و جاء لينصرف، قال له ابو جعفر: قد بقي شي مما استودعته فأين هو؟ فقال له الرجل: لم يبق شي يا سيّدي في يدي إلاّ و قد سلّمته، فقال له ابو جعفر: بلى قد بقى شيئ فارجع الى ما معك و فتّشه و تذكّر ما دفع اليك، فمض الرّجل فبقي أيّاما يتذكّر و يبحث و يفكّر فلم يذكر شيئا و لا اخبره من كان في جملته، فرجع الى ابي جعفر فقال له: لم يبق شي في يدي مما سُلّم اليّ الاّ و قد حملته الى حضرتك، فقال له ابو جعفر: فانّه يقال لك: الثّوبان السّردانيان (نوع من الملابس المنسوجة في احدى جزر بحر المغرب) اللّذان دفعها اليك فلان بن فلان ما فعلا؟ فقال له الرجل: اي و الله يا سيدي لقد نسيتهما حتّى ذهبا عن قلبي و لست أدري الآن
ص: 64
این وضعتها فمضى الرّجل فلم يبق شي كان معه اِلاّ فتّشه و حله و سأل من حمل اليه شيئا من المتاع ان يفتّش ذلك فلم يقف لهما على خبر، فرجع الى ابي جعفر فأخبره، فقال له ابو جعفر يقال لك: امض الى فلان بن فلان القطّان الذي حملت اليه العدلين القطن في دار القطن فافتق احد هما و هو الّذي عليه مكتوب كذا و كذا فانهما في جانبه، فتحيّر الرّجل مما أخبر به ابو جعفر و مضى لوجهه الى الموضع ففتق الّذي قال له افتقه، فاذا الثّوبان في جانبه قد اند سّامع القطن، فأخذ هما و جاء بهما الى ابي جعفر فسلّمها اليه و قال له: لقد نسيتهما لانيّ لما شددت المتاع بقيا فجعلتهما في جانب العِدل ليكون ذلك احفظ لهما، و تحدّث الرّجل بما رآه و اخبر به ابو جعفر عن عجيب الأمر الّذي لا يقف اليه إلا نبي او امام من قبل الله الّذي يعلم السّرائر و ما تخفي الصّدور، و لم يكن هذا الرّجل يعرف أبا جعفر و انّما انفذ على يده كما ينفذ التّجار الى أصحابهم على يد من يثقون به و لا كان معه تذكرة سلّمها الى ابي جعفر و لا كتاب لانّ الامر كان حادّا جدّاً في زمان المعتضد و السّيف يقطر دماً كما يقال، و كان سرّاً بين الخاصّ من أهل هذا الشأن، و كان ما يحمل به الى ابي جعفر لا يقف من يحمله على خبره و لا حاله و انمّا يقال: امض الى موضع كذا و كذا فسلّم ما معك من غير ان يشعر بشي و لا يدفع اليه كتاب لئّلا يوقف على ما تحمله منه.(1)
ص: 65
4 - يقول مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِیمَ بْنِ مَهْزِیَارَ الاهوازي:
شَکَکْتُ عِنْدَ مُضِیِّ أَبِی مُحَمَّدٍ عَلَیْهِ السَّلاَمُ (الامام العسكري) وَ کَانَ اِجْتَمَعَ عِنْدَ أَبِی مَالٌ جَلِیلٌ فَحَمَلَهُ وَ رَکِبَ فِی اَلسَّفِینَهِ وَ خَرَجْتُ مَعَهُ مُشَیِّعاً لَهُ فَوُعِکَ وَعْکاً شَدِیداً فَقَالَ: یَا بُنَیَّ رُدَّنِی رُدَّنِی فَهُوَ اَلْمَوْتُ، وَ اِتَّقِ اَللَّهَ فِی هَذَا اَلْمَالِ، وَ أَوْصَی إِلَیَّ وَ مَاتَ، فَقُلْتُ فِی نَفْسِی: لَمْ یَکُنْ أَبِی لیُوصِی بِشَیْءٍ غَیْرِ صَحِیحٍ، أَحْمِلُ هَذَا اَلْمَالَ إِلَی اَلْعِرَاقِ وَ أَکْتَرِی دَاراً عَلَی الشَّطِّ وَ لَا أُخْبِرُ أَحَداً فَإِنْ وَضَحَ لِی شَیْ ءٌ كَوُضُوحِهِ أَیَّامَ أَبِی مُحَمَّدٍ علیه السّلام أَنْفَذْتُهُ وَ إِلَّا تَصَدَّقْتُ بِهِ، فَقَدِمْتُ الْعِرَاقَ وَ اكْتَرَیْتُ دَاراً عَلَی الشَّطِّ وَ بَقِیتُ أَیَّاماً فَإِذَا أَنَا بِرَسُولٍ مَعَهُ رُقْعَةٌ فِیهَا یَا مُحَمَّدُ مَعَكَ كَذَا وَ كَذَا فِی جَوْفِ كَذَا وَ كَذَا حَتَّی قَصَّ عَلَیَّ جَمِیعَ مَا مَعِی مِمَّا لَمْ أُحِطْ بِهِ عِلْماً فَسَلَّمْتُ الْمَالَ إِلَی الرَّسُولِ وَ بَقِیتُ أَیَّاماً لَا یُرْفَعُ بی رَأْسٌ فَاغْتَمَمْتُ، فَخَرَجَ إِلَیَّ (كتاب من الامام عليه السّلام): ﴿قَدْ أَقَمْنَاكَ مَقَامَ أَبِیكَ فَاحْمَدِ اللَّهَ﴾ (1).
5- يقول الحسن بن الفضل اليماني:
قَصَدْتُ سُرَّ مَنْ رَأى فَخَرَجَ إِلَيَّ (من قبل الامام عليه السّلام) صُرَّةٌ فِيهَا دَنَانِيرُ وَ ثَوْبَان فَرَدَدْتُهَا وَ قُلْتُ فِي نَفْسِي: أنَا عِنْدَهُمْ بِهَذِهِ الْمَنْزلَةِ فَأخَذَتْنِي الْعِزَّةُ، ثُمَّ نَدِمْتُ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَتَبْتُ رُقْعَةً أعْتَذِرُ وَ أسْتَغْفِرُ وَ دَخَلْتُ الْخَلاَءَ وَ أنَا اُحَدَّثُ نَفْسِي وَ أقُولُ: وَ اللهِ لَئِنْ رُدَّتِ الصُّرَّةُ لَمْ أحُلَّهَا وَ لَمْ اُنْفِقْهَا حَتَّى أحْمِلَهَا إِلَى وَالِدِي فَهُوَ أعْلَمُ مِنّي.
ص: 66
فَخَرَجَ إِلَى الرَّسُولِ:
أخْطَأتَ إِذْ لَمْ تُعْلِمْهُ أنَّا رُبَّمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ بِمَوَالِينَا وَ رُبَّمَا سَألُونَا ذَلِكَ يَتَبَرَّكُونَ بِهِ. وَ خَرَجَ إِلَيَّ: أخْطَأتَ بِرَدَّكَ بِرَّنَا وَ إِذَا اسْتَغْفَرْتَ اللهَ فَاللهُ يَغْفِرُ لَكَ وَ إِذَا كَانَ عَزِيمَتُكَ وَ عَقْدُ نِيَّتِكَ أنْ لاَ تُحْدِثَ فِيهَا حَدَثاً وَ لاَ تُنْفِقَهَا فِي طَريقِكَ فَقَدْ صَرَفْنَا هَا عَنْكَ، وَ أمَّا الثَّوْبَان فَلاَ بُدَّ مِنْهُمَا لِتُحْرمَ فِيهِمَا...(1)
6- ينقل مُحَمَّدُ بْنُ سَوْرَهَ اَلْقُمِّیُّ رَحِمَهُ اَللَّهُ (و هو في مشايخ اهل قم و شخصيّاتها): أَنَّ عَلِیَّ بْنَ اَلْحُسَیْنِ بْنِ مُوسَی بْنِ بَابَوَیْهِ کَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ عَمِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَی بْنِ بَابَوَیْهِ فَلَمْ یُرْزَقْ مِنْهَا وَلَداً فَکَتَبَ إِلَی اَلشَّیْخِ أَبِی اَلْقَاسِمِ اَلْحُسَیْنِ بْنِ رَوْحٍ- رَضِیَ اَللَّهُ عَنْهُ- أَنْ یَسْأَلَ اَلْحَضْرَةَ (الامام عليه السّلام) أَنْ یَدْعُوَ اَللَّهَ أَنْ یَرْزُقَهُ أَوْلاَداً فُقَهَاءَ. فَجَاءَ اَلْجَوَابُ: أَنَّکَ لاَ تُرْزَقُ مِنْ هَذِهِ وَ سَتَمْلِکُ جَارِیَهً دَیْلَمِیَّهً وَ تُرْزَقُ مِنْهَا وَلَدَیْنِ فَقِیهَیْنِ. وَ قَالَ لِی أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ بْنُ سَوْرَةَ: وَ لِأَبِی اَلْحَسَنِ بْنِ بَابَوَیْهِ ثَلاَثَةُ أَوْلاَدٍ مُحَمَّدٌ(2) وَ اَلْحُسَیْنُ فَقِیهَانِ مَاهِرَانِ فِی اَلْحِفْظِ
ص: 67
وَ یَحْفَظَانِ مَا لاَ یَحْفَظُ غَیْرُ هُمَا مِنْ أَهْلِ قُمَّ، وَ لَهُمَا أَخٌ اِسْمُهُ اَلْحَسَنُ وَ هُوَ اَلْأَوْسَطُ مُشْتَغِلٌ بِالْعِبَادَةِ وَ اَلزُّهْدِ لاَ یَخْتَلِطُ بِالنَّاسِ وَ لاَ فِقْهَ لَهُ، قَالَ ابْنُ سَوْرَةَ: کُلَّمَا رَوَی أَبُو جَعْفَرٍ وَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ابْنَا عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ شَیْئاً یَتَعَجَّبُ النَّاسُ مِنْ حِفْظِهِمَا وَ یَقُولُونَ هُمَا: هَذَا الشَّأْنُ خُصُوصِیَّةٌ لَکُمَا بِدَعْوَةِ الْإِمَامِ لَکُمَا، وَ هَذَا أَمْرٌ مُسْتَفِیضٌ فِی أَهْلِ قُمَّ.(1)
يذكر المرحوم الشّيخ الطّبرسي في كتاب «اعلام الورى» مجموعة من الّذين وُفّقوا لزيارة الامام المهدي (عليه السّلام) و ادركوا معاجزه، و يقول انّ ثلاثة عشر شخصاً منهم كانوا من وكلاء الامام و العاملين له في بغداد و الكوفة و الاهواز و قم و همدان و مدينة ري و آذربايجان و نيشابور، و ما يقرب من خمسين شخصاً منهم كانوا من اهالي بغداد و حمدان و دینور و اصفهان و صميرة و قم و مدينة ري قزوين و سائر الأماكن.(2)
و يذكر المرحوم الحاج النوريّ- و هو كبار علماء اوائل القرن الرّابع عشر و مؤلف كتاب مستدرك الوسائل- في كتابه الشّريف «النّجم الثّاقب» ما يزيد على مائه و عشرين شخصاً علاوة على ما نقله المرحوم الطّبرسي، و هؤلاء امّا أنّهم شاهدوا المهدي
ص: 68
(عليه السّلام) أو رأوا معجزة منه أو حظوا بالاثنين، و يقول:
و لعلّ اكثر هؤلاء كانوا ممّن حظي بكلتا النّعمتين، و تنتشر قضاياهم و حكاياتهم بحمد الله في كتب الأصحاب بأسانيد مختلفة، و كلّ منصف مطّلع على احوال اصحاب تلك الكتب و ما لهم من منزلة في التّقوى و الفضل و الوثاقة و الاحتياط فانّه لا يشكّ في حصول التّواتر المعنوي و صدور المعجزة منه (عليه السّلام)، و صحيح انّ احتمال الكذب وارد في كلّ واحدة من هذا الحكايات إلاّ انه لا يحتمل اطلاقاً كذبها جميعاً، و بهذا النّحو أيضاً قد ثبت صدور المعجزات من آبائه الطاهرين.(1)
و بعض العلماء الكبار قد جمعوا في مؤلّفاتهم و ذكروا أسماء و قصص الأفراد الّذين وفّقوا للقاء الامام عليه السّلام اثناء الغيبة الكبرى أو انّهم شاهدوا كرامات منه في حالة اليقظة أو النّوم، و من جملتها هذه الكتب: «کشف الاستار» و «بحار الانوار، المجلد الثّالث عشر من الطّبعة القديمة و المجلد (51) من الطبعة الجديدة» و «دار السّلام» و ينقل المرحوم الحاج النّوري مائة قصّة في الباب السّابع من كتاب « النّجم الثّاقب»، و يقول في بدايتها:
﴿ما سوف نذكره في هذا الباب من معاجزه عليه السّلام هو کافٍ و شاف، و كثير منه يتمتّع بالسّند الأتقى و الأصحّ و الأعلى، و بالتّأمّل الصّادق فيها لا تبقى حاجة لمراجعة المعاجز السّابقة
ص: 69
و الكتب القديمة...﴾.
و يضيف: ﴿و ما راعيناه فيهم- في ناقلي القصص-هو الصّدق و التّديّن، و لم ننقل هنا كلّ ما سمعناه من ايّ شخص كان، و انّما بذلنا جهدنا بعون الله في التّحقّق من الصّدق و الوثاقة في النقل، و هم جميعا شريكون في هذا، و كثير منهم يعتبر من اصحاب المقامات العالية و الكرامات الباهرة﴾(1)
و بعد الحاج النّوري وُفّق بعض الأفراد للقاء الامام عليه السّلام و قد تصدى العالم الجليل لطف الله الصّافي في كتابه «اصالة المهدويّة» نذكر بعض النماذج من قصص هؤلاء، و هو يقول:
﴿لمّا كنّا قد بنينا على الاختصار فنحن نكتفي بذكر بعض المعاجز الّتي حدثت في عصرنا﴾
و نحن في هذه الكرّاسة نقتصر على نقل قصّة مذكورة في كتاب « النّجم الثّاقب» و نوصي القرّاء الكرام بالرجوع الى تلك الكتب المشار اليها لزيادة الاطّلاع و التّفصيل.
الغمة» قصّة يقول انّها قريبة العهد من زمانه و قد حدّثه بها جَمَاعَةٌ مِنْ ثِقَاتِ إِخْوَانِه و هذا هو نصها: کَانَ فِی بِلَادِ الْحِلِّة شَخْصٌ یُقَالُ لَهُ إِسْمَاعِیلُ بْنُ الْحَسَنِ الْهِرَقْلِیُّ مِنْ قَرْیَةٍ یُقَالُ لَهَا هِرقْلُ، مَاتَ فِی زَمَانِی وَ مَا رَأَیْتُهُ،حَکَی لِی وَلَدُهُ شَمْسُ الدِّینِ قَالَ حَکَی لِی وَالِدِی أَنَّهُ خَرَجَ فِیهِ وَ هُوَ شَابٌّ عَلَی فَخِذِهِ الْأَیْسَرِ تُوثَةٌ مِقْدَارَ قَبْضَهِ الْإِنْسَانِ وَ کَانَتْ فِی کُلِّ رَبِیعٍ تَتَشَقَّقُ وَ یَخْرُجُ مِنْهَا دَمٌ وَقَیْحٌ وَ یَقْطَعُهُ أَلَمُهَا عَنْ کَثِیرٍ مِنْ أَشْغَالِهِ وَ کَانَ مُقِیماً بِهِرَقْلَ.
فَحَضَرَ الْحِلَّةِ یَوْماً وَ دَخَلَ إِلَی مَجْلِسِ السَّعِیدِ رَضِیِّ الدِّینِ عَلِیِّ بْنِ طَاوُسٍ(1) رَحِمَهُ اللَّهُ وَ شَکَا إِلَیْهِ مَا یَجِدُهُ وَ قَالَ أُرِیدُ أَنْ أُدَاوِیَهَا فَأَحْضَرَ لَهُ أَطِبَّاءَ الْحِلَّةِ وَ أَرَاهُمُ الْمَوْضِعَ فَقَالُوا هَذِهِ التُّوثَهُ فَوْقَ الْعِرْقِ الْأَ کْحَلِ وَ عِلَاجُهَا خَطَرٌ وَ مَتَی قُطِعَتْ خِیفَ أَنْ یَنْقَطِعَ الْعِرْقُ فَیَمُوتَ.
فَقَالَ لَهُ السَّعِیدُ رَضِیُّ الدِّینِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: أَنَا مُتَوَجِّهٌ إِلَی بَغْدَادَ وَ رُبَّمَا کَانَ أَطِبَّاؤُهَا أَعْرَفَ وَ أَحْذَقَ مِنْ هَؤُلَاءِ فَأَصْحَبَنِی، فَأَصْعَدُ مَعَهُ وَ أَحْضُرُ الْأَطِبَّاءَ فَقَالُوا کَمَا قَالَ أُولَئِکَ فَضَاقَ صَدْرُهُ، فَقَالَ لَهُ السَّعِیدُ: إِنَّ الشَّرْعَ قَدْ فَسَحَ لَکَ فِی الصَّلَاةِ فِی هَذِهِ الثِّیَابِ وَ عَلَیْکَ الِاجْتِهَادُ فِی الِاحْتِرَاسِ وَ لَا تُغَرِّرْ بِنَفْسِکَ فَاللَّهُ تَعَالَی قَدْ نَهَی عَنْ ذَلِکَ وَ رَسُولُهُ.
ص: 71
فَقَالَ لَهُ وَالِدِي إِذَا كَانَ الأمْرُ على ذلك وَ قَدْ وَصَلْتُ الی بَغْدَادَ فَأتَوَجَّهُ إِلَى زيَارَةِ الْمَشْهَدِ الشَّريفِ بِسُرَّ مَنْ رَأى عَلَى مُشَرَّفِهِ السَّلاَمُ ثُمَّ أنْحَدِرُ إِلَى أهْلِي، فَحَسَّنَ لَهُ ذَلِكَ فَتَرَكَ ثِيَابَهُ وَ نَفَقَتَهُ عِنْدَ السَّعِيدِ رَضِيَّ الدَّين وَ تَوَجَّهَ.
قَالَ فَلَمَّا دَخَلْتُ الْمَشْهَدَ وَ زُرْتُ الأئِمَّةَ عليهم السّلام و نَزَلْتُ السَّرْدَابَ(1) وَ اسْتَغَثْتُ بِاللهِ تَعَالَى وَ بالإمَام عليه السّلام وَ قَضَيْتُ بَعْضَ اللَّيْل فِي السَّرْدَابِ وَ بتّ فِي الْمَشْهَدِ إِلَى الْخَمِيس ثُمَّ مَضَيْتُ إِلَى دِجْلَةَ وَ اغْتَسَلْتُ وَ لَبِسْتُ ثَوْباً نَظِيفاً وَ مَلَأْتُ إِبْرِيقاً كَانَ مَعِي وَ صَعِدْتُ أُرِيدُ الْمَشْهَدَ فَرَأَيْتُ أَرْبَعَةَ فُرْسَانٍ خَارِجِینَ مِنْ بَابِ السُّورِ وَ كَانَ حَوْلَ الْمَشْهَدِ قَوْمٌ مِنَ الشُّرَفَاءِ یَرْعَوْنَ أَغْنَامَهُمْ فَحَسِبْتُهُمْ مِنْهُمْ.
فَالْتَقَیْنَا و رَأَیْتُ شَابَّیْنِ أَحَدُ هُمَا عَبْدٌ مَخْطُوطٌ وَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُتَقَلِّدٌ بِسَیْفٍ وَ شَیْخاً مُنَقِّباً بِیَدِهِ رُمْحٌ وَ الْآخَرُ مُتَقَلِّدٌ بِسَیْفٍ وَ عَلَیْهِ فرجیة مُلَوَّنَةٌ فَوْقَ السَّیْفِ وَ هُوَ مُتَحَنِّکٌ بِعَذَبَتِهِ، فَوَقَفَ الشَّیْخُ صَاحِبُ الرُّمْحِ یَمِینَ الطَّرِیقِ وَ وَضَعَ کَعْبَ الرُّمْحِ فِی الْأَرْضِ وَ وَقَفَ الشَّابَّانِ عَنْ یَسَارِ الطَّرِیقِ وَ بَقِیَ صَاحِبُ الفرجیه عَلَی الطَّرِیقِ مُقَابِلَ وَالِدِی ثُمَّ سَلَّمُوا عَلَیْهِ فَرَدَّ عَلَیْهِمُ السَّلَامَ.
فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الفرجیّة أَنْتَ غَداً تَرُوحُ إِلَی أَهْلِکَ؟ فَقَالَ نَعَمْ، فَقَالَ لَهُ: تَقَدَّمْ حَتَّی أَبْصُرَ مَا یُوجِعُکَ، قَالَ: فَکَرِهْتُ
ص: 72
مُلَامَسَتَهُمْ وَ قُلْتُ في نَفسي أَهْلُ الْبَادِیَةِ مَا یَکَادُونَ یَحْتَرِزُونَ مِنَ النَّجَاسَةِ وَ أَنَا قَدْ خَرَجْتُ مِنَ الْمَاءِ وَ قَمِیصِی مَبْلُولٌ، ثُمَّ إِنِّی بَعد ذَلِکَ تَقَدَّمْتُ إِلَیْهِ فَلَزِمَنِی بِیَدِی وَ مَدَّنِی إِلَیْهِ وَ جَعَلَ یَلْمِسُ جَانِبِی مِنْ کَتِفِی إِلَی أَنْ أَصَابَتْ یَدُهُ التُّوثَةَ فَعَصَرَهَا بِیَدِهِ فَأَوْجَعَنِی ثُمَّ اسْتَوَی سَرْجِه کَمَا کَانَ.
فَقَالَ لِیَ الشَّیْخُ: أَفْلَحْتَ یَا إِسْمَاعِیلُ، فَعَجَّبْتُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِاسْمِی فَقُلْتُ أَفْلَحْنَا وَ أَفْلَحْتُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، قَالَ فَقَالَ لي الشيخ: هَذَا هُوَ الْإِمَامُ، قَالَ: فَتَقَدَّمْتُ إِلَیْهِ فَاحْتَضَنْتُهُ وَ قَبَّلْتُ فَخِذَهُ،ثُمَّ إِنَّهُ سَاقَ وَ أنَا أمْشِي مَعَهُ مُحْتَضِنَهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ، فَقُلْتُ: لاَ اُفَارقُكَ أبَداً، فَقَالَ: الْمَصْلَحَةُ رُجُوعُكَ فَأعَدْتُ عَلَيْهِ مِثْلَ الْقَوْل الأوَّل.
فَقَالَ الشَّيْخُ: يَا إِسْمَاعِيلُ مَا تَسْتَحْيِي يَقُولُ لَكَ الإمَامُ مَرَّتَيْن ارْجِعْ وَ تُخَالِفُهُ؟
فَجَبهَّني بِهَذَا الْقَوْل فَوَقَفْتُ فَتَقَدَّمَ خُطُوَاتٍ وَ الْتَفَتَ إِلَيَّ وَ قَالَ إِذَا وَصَلْتَ بَغْدَادَ فَلاَ بُدَّ أنْ يَطْلُبَكَ أبُو جَعْفَرٍ يَعْنِي الْخَلِيفَةَ الْمُسْتَنْصِرَ(1) فَإذَا حَضَرْتَ عِنْدَهُ وَ أعْطَاكَ شَيْئاً فَلاَ تَأخُذْهُ وَ قُلْ لِوَلَدِنَا الرَّضِيَّ(2) لِيَكْتُبَ لَكَ إِلَى عَلِيَّ بْن عِوَضٍ فَإنَّنِي اُوصِيهِ يُعْطِيكَ الَّذِي تُريدُ.
ثُمَّ سَارَ وَ أَصْحَابُهُ مَعَهُ فَلَمْ أَزَلْ قَائِماً أَبْصُرُ هُمْ اِلى ان غابوا عنّي وَ حَصَلَ عِنْدِی أَسَفٌ لِمُفَارَقَتِهِ فَقَعَدْتُ إِلَی الْأَرْضِ سَاعَةً ثُمَّ مَشَیْتُ
ص: 73
إِلَى الْمَشْهَدِ. (1)
فَاجْتَمَعَ الْقُوَّمُ حَوْلِي وَ قَالُوا نَرَى وَجْهَكَ مُتَغَيَّراً أوْ جَعَكَ شَيْءٌ؟
قُلْتُ لاَ، قَالُوا أخَا صَمَكَ أحَدٌ؟ قُلْتُ لاَ لَيْسَ عِنْدِي مِمَّا تَقُولُونَ خَبَرٌ لَكِنْ أسْألُكُمْ هَلْ عَرَفْتُمُ الْفُرْسَانَ الَّذِينَ كَانُوا عِنْدَكُمْ؟ فَقَالُوا هُمْ مِنَ الشُّرَفَاءِ أرْبَابِ الْغَنَم، فَقُلْتُ لابَلْ هُوَ الإمَامُ عليه السّلام، فَقَالُوا: الإمَامُ هُوَ الشَّيْخُ أوْ صَاحِبُ الفرجيه؟ فَقُلْتُ هُوَ صَاحِبُ الفرجية، فَقَالُوا: أرَيْتَهُ الْمَرَضَ الَّذی فِیكَ؟ فَقُلْتُ هُوَ قَبَضَهُ بِیَدِهِ وَ أَوْ جَعَنِی ثُمَّ كَشَفْتُ رِجْلِی فَلَمْ أَرَ لِذَلِكَ الْمَرَضَ أثراً .
فَتَدَاخَلَنِي الشَّكُّ مِنَ الدَّهَش فَأخْرَجْتُ رجْلِيَ الاُخْرَى فَلَمْ أرَ شَيْئاً، فَانْطَبَقَ النَّاسُ عَلَيَّ وَ مَزَّقُوا قَمِيصِي فَأدْخَلَنِي الْقُوَّامُ خِزَانَةً وَ مَنَعُوا النَّاسَ عَنّي.
وَ كَانَ نَاظِرُ بَيْن النَّهْرَيْن بِالْمَشْهَدِ فَسَمِعَ الضَّجَّةَ وَ سَألَ عَن الْخَبَر فَعَرَّفُوهُ فَجَاءَ إِلَى الْخِزَانَةِ وَ سَألَنِي عَن اسْمِي وَ سَألَنِي مُنْذُ كَمْ خَرَجْتَ مِنْ بَغْدَادَ فَعَرَّفْتُهُ أنّيّ خَرَجْتُ فِی أَوَّلِ الْأُسْبُوعِ فَمَشَی عَنِّی وَ بِتُّ فِی الْمَشْهَدِ وَ صَلَّیْتُ الصُّبْحَ، وَ خَرَجْتُ وَ خَرَجَ النَّاسُ مَعِی إِلَی أَنْ بَعُدْتُ عَنِ الْمَشْهَدِ وَ رَجَعُوا عَنِّی وَ وَصَلْتُ إِلَی أَوَانَا فَبِتُّ فیهَا وَ بَکَّرْتُ مِنْهَا أُرِیدُ بَغْدَادَ.
فَرَأَیْتُ النَّاسَ مُزْدَحِمِینَ عَلَی الْقَنْطَرَةِ الْعَتِیقَةِ یَسْأَلُونَ مَنْ وَرَدَ عَلَیْهِمْ عَنِ اسْمِهِ وَ نَسَبِهِ وَ أَیْنَ کَانَ فَسَأَلُونِی عَنِ اسْمِی وَ مِنْ أَیْنَ
ص: 74
جِئْتُ؟ فَعَرَّفْتُّهُمْ فَاجْتَمَعُوا عَلَیَّ وَ مَزَّقُوا ثِیَابِی وَ لَمْ یَبْقَ لِی فِی رُوحِی حُكْمٌ وَ كَانَ نَاظِرُ بَیْنِ النَّهْرَیْنِ كَتَبَ إِلَی بَغْدَادَ وَ عَرَّفَهُمُ الْحَالَ ثُمَّ حَمَلُونِی إِلَی بَغْدَادَ وَ ازْدَحَمَ النَّاسُ عَلَیَّ وَ كَادُوا یَقْتُلُونَنِی مِنْ كَثْرَةِ الزِّحَامِ.
وَ كَانَ الْوَزِیرُ الْقُمِّیُّ رحمه الله تعالی قَدْ طَلَبَ السَّعِیدَ رَضِیَّ الدِّینِ رحمه الله وَ تَقَدَّمَ أَنْ یُعَرِّفَهُ صِحَّةَ هَذَا الْخَبَرِ، قَالَ: فَخَرَجَ رَضِیُّ اَلدِّینِ وَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ فَوَافَیْنَا بَابَ اَلنُّوبِیِّ فَرَدَّ أَصْحَابُهُ اَلنَّاسَ عَنِّی فَلَمَّا رَآنِی قَالَ: أعَنْکَ یَقُولُونَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فترجّل عَنْ دَابَّتِهِ وَ کَشَفَ عَنْ فَخِذِی فَلَمْ یَرَشَیْئاً فَغُشِیَ عَلَیْهِ سَاعَةً وَ أَخَذَ بِیَدِی وَ أَدْخَلَنِی عَلَی اَلْوَزِیرِ وَ هُوَ یَبْکِی وَ یَقُولُ یَا مَوْلاَنَا هَذَا أَخِی وَ أَقْرَبُ اَلنَّاسِ إِلَی قَلْبِی.
فَسَأَلَنِی اَلْوَزِیرُ عَنِ اَلْقِصَّةِ فَحَکَیْتُ لَهُ فَأَحْضَرَ اَلْأَطِبَّاءَ اَلَّذِینَ أَشْرَفُوا عَلَیْهَا وَ أَمَرَهُمْ بِمُدَاوَاتِهَا، فَقَالُوا مَا دَوَاؤُهَا إِلاَّ اَلْقَطْعُ بِالْحَدِیدِ، وَ مَتَی قَطَعَهَا مَاتَ، فَقَالَ لَهُمُ اَلْوَزِیرُ، فَبِتَقْدِیرِ أنْ تقْطَعَ وَ لاَ يَمُوتَ فِي كَمْ تَبْرَاُ؟ فَقَالُوا: فِي شَهْرَيْن وَ يَبْقَى فِي مَكَانِهَا حَفِيرَةٌ بَيْضَاءُ لاَ يَنْبُتُ فِيهَا شَعْرٌ فَسَألَهُمُ الْوَزيرُ: مَتَى رَأيْتُمُوهُ؟ قَالُوا: مُنْذُ عَشَرَةِ أيَّام.
فَكَشَفَ الْوَزيرُ عَن الْفَخِذِ الَّذِي كَانَ فِيهِ الألَمُ وَ هِيَ مِثْلُ اُخْتِهَا لَيْسَ فِيهَا أثَرٌ أصْلاً فَصَاحَ أحَدُ الْحُكَمَاءِ وَ قال: هَذَا عَمَلُ الْمَسِيح، فَقَالَ الْوَزيرُ: حَيْثُ لَمْ يَكُنْ عَمَلَكُمْ فَنَحْنُ نَعْرفُ مَنْ عَمِلَهَا.
ثُمَّ إِنَّهُ اُحْضِرَ عِنْدَ الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَنْصِر فَسَألَهُ عَن الْقِصَّةِ فَعَرَّفَهُ بِهَا كَمَا جَرَى فَتَقَدَّمَ لَهُ بِألْفِ دِينَارٍ فَلَمَّا حَضَرْتُ قَالَ خُذْ هَذِهِ فَأنْفِقْهَا، فَقَالَ: مَا أجْسُرُ آخُذُ مِنْهُ حَبَّةً وَاحِدَةً، فَقَالَ الْخَلِيفَةُ: مِمَّنْ تَخَافُ؟ فَقَالَ: مِنَ
ص: 75
الَّذِي فَعَلَ مَعِي هَذَا قَالَ لاَ تَأخُذْ مِنْ أبِي جَعْفَرٍ (المستنصر) شَيْئاً فَبَكَى الْخَلِيفَةُ وَ تَكَدَّرَ وَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَ لَمْ يَأخُذْ شَيْئاً.
يقول عَلِيُّ بْنُ عِيسَى (مؤلّف كشف الغمّة): کُنْتُ فِی بَعْضِ الْأَیَّامِ أَحْکِی هَذِهِ الْقِصَّةَ لِجَمَاعَةٍ عِنْدِی وَ کَانَ هَذَا شَمْسُ الدِّینِ مُحَمَّدٌ وَلَدُهُ عِنْدِی وَ أَنَا لَا أَعْرِفُهُ، فَلَمَّا انْقَضَتِ الْحِکَایَةُ قَالَ: أَنَا وَلَدُهُ لِصُلْبِهِ، فَعَجِبْتُ مِنْ هَذَا الِاتِّفَاقِ وَ قُلْتُ: هَلْ رَأَیْتَ فَخِذَهُ وَ هِیَ مَرِیضَةٌ؟ فَقَالَ: لاَ لأنّي أصْبُو عَنْ ذَلِكَ وَ لَكِنّي رَأيْتُهَا بَعْدَ مَا صَلَحَتْ وَ لاَ أثَرَ فِيهَا وَ قَدْ نَبَتَ فِي مَوْضِعِهَا شَعْرٌ...
وَ حَكَى لِي وَلَدُهُ هَذَا أنَّهُ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ شَدِيدَ الْحُزْن لِفِرَاقِهِ عليه السّلام حَتَّى إِنَّهُ جَاءَ إِلَى بَغْدَادَ وَ أقَامَ بِهَا فِي فَصْل الشّتَاءِ وَ كَانَ كُلَّ یوم يَزُورُ سَامَرَّاءَ وَ يَعُودُ إِلَى بَغْدَادَ، فَزَارَهَا فِي تِلْكَ السَّنَةِ أرْبَعِينَ مَرَّةً طَمَعاً أنْ يَعُودَ لَهُ الْوَقْتُ الَّذِي مَضَى أوْ يُقْضَى لَهُ الْحَظُّ بِمَا قَضَى، وَ مَن الَّذِي أعْطَاهُ دَهْرَهُ الرَّضَا، أوْ سَاعَدَهُ بِمَطَالِبهِ صَرْفَ الْقَضَاءِ، فَمَاتَ رحمه الله بِحَسْرَتِهِ وَ انْتَقَلَ إِلَى الآخِرَةِ بِغُصَّتِهِ وَ اللهُ يَتَوَلاَّهُ وَ إِيَّانَا بِرَحْمَتِهِ بِمَنّهِ وَكَرَامَتِهِ.(1)
و في خاتمة هذه القصّة ينقل مؤلّف «النّجم الثّاقب» عن الشّيخ الحرّ العاملي في كتاب «أمل ألامل» انّ محمّد بن إسْمَاعِيلُ وَ هُوَ ابْن إسْمَاعِيلُ الْهِرَقْلِيُّ كان عالماً فاضلاً و من تلامذة العلاّمة الحلّي.(2)
ص: 76
يقول السيّد ابن طاووس:
وَ قَدْ أدْرَكْتُ فِي وَقْتِي جَمَاعَةً يَذْكُرُونَ أنَّهُمْ شَاهَدُوا الْمَهْدِيَّ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ، وَ فِيهِمْ مَنْ حَمَلُوا عَنْهُ رقَاعاً وَ مَسَائِلَ عُرضَتْ عَلَيْهِ ثمّ ذكر جملة من تلك الحكايات منها ما تضّمّن الاعجاز.(1)
و يقول الشّيخ الحرّ العامليّ (و هو من كبار علماء الشّيعة و مراجعهم في القرن الحادي عشر الهجريّ) بعد نقله لقصّة تشبه قصّة الهرقليّ:
﴿و قد تواتر عنه عليه السّلام مثل هذا في زماننا و ما قبله﴾.(2)
و يقول أيضاً:
﴿وَ قَدْ أَخْبَرَنِی جَمَاعَةٌ مِنْ ثِقَاتِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ رَأَوْا صَاحِبَ الْأَمْرِ عَلَیْهِ السَّلاَمُ فِی الْیَقَظَةِ وَ شَاهَدُوا مِنْهُ مُعْجِزَاتٍ مُتَعَدِّدَاتٍ وَ أَخْبَرَهُمْ بِعِدَّةِ مَغِیبَات، وَ دَعَا لَهُمْ بِدَعَوَاتٍ صَارَتْ مُسْتَجَابَاتٍ، وَ أَنْجَاهُمْ مِنْ أَخْطَارٍ مُهْلِکَاتٍ تَضِیقُ عَنْ تَفَاصِیلِهَا الْکَلِمَاتُ، وَ کُلُّهَا مِنْ أَوْضَحِ الْمُعْجِزَاتِ﴾(3)
و يقول كذلك:
﴿يقول محمّد الحرّ مؤلّف هذا الكتاب: قد رأيت من المهديّ عليه السّلام معجزات في النّوم مراراً».(4)
ص: 77
كما سبق لنا القول فانّه بعد وفاة النّائب الخاصّ الرّابع من نوّاب الامام صاحب الزّمان عليه السّلام و هو ابوالحسن السّمري تبدأ مرحلة الغيبة الكبرى المستمرّة لحدّ الآن، و سيكون ظهور الامام عليه السّلام و قيامه في نهاية هذه المرحلة و بأمر من الله تعالى، و قد صرّح ائمّتنا المعصومون في كثير من الروايات بانّه لا يمكن تعيين وقت الظّهور، و الله يعلمه، و سيقع فجأة بأمر من الله عزّ و جلّ، و كلّ من يدعي تعيين الوقت فهو كاذب. عن الفضيل قال سألت ابا جعفر (الامام الباقر) عليه السّلام:
﴿هَلْ لِهَذَا اَلْأَمْر وَقْتٌ؟
﴿فَقَالَ: کَذَبَ اَلْوَقَّاتُونَ، کَذَبَ اَلْوَقَّاتُونَ، کَذَبَ اَلْوَقَّاتُونَ﴾.(1)
و قد ارسل اسحاق بن يعقوب رسالة الى الامام صاحب الزّمان عليه السّلام بواسطة محمّد بن عثمان العَمْري، سأله فيها عَن بَعضِ الأُمُورِ، و في جانب من جواب الامام عليه السّلام جاء هذا النّص: ﴿و أَمّا ظُهورُ الفَرَجِ فَإِنَّهُ إلَی اللّهِ تَعالی ذِکرُهُ و کَذَبَ الوَقّاتونَ﴾(2)
و من الواضح ان المقصود من تعيين الوقت هو التّعيين الدّقيق لوقت الظهور، و مثل هذا التّعيين لوقت الظّهور لم يسمح به الأئمّة المعصومون بأيّ شكل من الأشكال و اعتبروه من جملة الأسرار
ص: 78
الالهيّة، لكنّهم عليهم السّلام ذكروا بعض العلامات الّتي اذا تحقّقت فانّها تحيي الأمل بان الظّهور قريب الوقوع.
انّ الرّوايات الواردة في مجال الحوادث الّتي ستقع قبل الظّهور و تعتبر من علامات الظّهور هي كثيرة و متنوّعة، فبعض هذه الرّوايات يبيّن الأجواء الاجتماعيّة و لا سيّما اوضاع المجتمعات الاسلاميّة قبل الظّهور، و البعض الآخر يشرح الحوادث الّتي ستقع قرب الظّهور، و بعضها يبيّن تحقّق امور عجيبة حينذاك.
و دراسة جميع هذه الرّوايات بما تتميّز به من تعقيد و اشارات تقع على عاتق الكتب الموسّعة، و الرّاغبون في التّفصيل يستطعيون الرّجوع الى كتب الرّوايات الّتي تتصدّى لهذا الموضوع، و نحن نذكر في هذه الكّراسة بعض العلامات الّتي هي أوضح من غيرها و اقرب الى الفهم:
1- شيوع الظّلم و الجور و الفسق و الذّنوب و التّحلّل من الدّين في كلّ العالم و في المجتمعات الاسلاميّة:
ففي كثير من الرّوايات الّتي يحيي فيها الأئمّة الكرام الأمل بقيام الامام صاحب الزّمان عليه السّلام يصرّح هؤلاء المعصومون ايضاً بان قيامه (عليه السّلام) يكون في وقت قد امتلأ العالم فيه بالظّلم و الجور، و في بعض الرّوايات اشارة الى أنّه قبل ظهور الامام القائم
ص: 79
(عليه السّلام) و لا سيّما قرب ظهوره يروج سوق انواع الفسق و الفجور و الذّنوب و القبائح في المجتمعات الاسلامية، و من جملتها هذه الفجائع:
شرب المخمور و بيع و شراء المسكرات بصورة علنيّة، و رواج اكل الرّبا، و شيوع الزّنا و الأعمال الشّنيعة الاخرى، و تكثر القسوة و الغشّ و النّفاق و الارتشاء و الرّياء و البدعة و الغيبة و البهتان، و يعّم الظّلم و عدم العفّة و عدم الحياء، و تظهر النّساء في المجتمع بلا حجاب و بملابس فاضحة، و يتشبّه الرّجال بالنّساء و النّساء بالرّجال في الملابس والزّينة، و يترك الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر، و يصبح المؤمنون اذ لاّء حزينين و لا قيمة لهم و لا قدرة على الحيلولة دون الذّنوب و القبائح. و يشيع الكفر و الالحاد و اللادينيّة، و لا يُعمل بالاسلام و القرآن، و يتجّرأ الأبناء على آبائهم و امهّاتهم و لا يرعون لهم حرمة و لا كرامة، و الصّغير لا يحترم الكبير، و الكبير لا يرحم الصّغير، و تقطع صلة الأرحام. و لا يدفع الخمس و لا الزّكاة أو لا تُنفق في مجالها الصّحيح، و يتغلّب الأجانب و الكفّار و اهل الباطل على المسلمين و يقلّدهم المسلمون في جميع الامور، في الملابس و الأعمال و الأقوال، و تذوب ،شخصيّاتهم، و تُعطّل الحدود الالهيّة و...
و هناك كوارث اخرى ذكرت في روايات الأئمّة بعبارات مختلفة.(1) و كلّنا قد لا حظ ذروة هذه الفجائع في القرن الأخير و لا
ص: 80
سیّما خلال حكم الشّاه المقبور في ايران، و تعتبر الثورة الاسلاميّة للأمّة الاسلاميّة في ايران- الّتي نأمل ان تصبح مقدّمة لقيام الامام صاحب الزمان عليه السّلام- ثورة على جميع هذه الفجائع لا نقاذ الشّعب من الفسق و الذّنوب و التحلّل من الدّين الذي كان في تزايد مستمر على يد الملحدين العملاء في الدّاخل و بدعم من الاستعمار الخارجي، و كانت تلا حظ آثاره السّيئة في جميع شؤون المسلمين. و بحمد الله سبحانه على قضائه على كثير من هذه الامور الشائنة في ايران المسلمة، و كلّنا يعرف انّ هذه الجرائم و القبائح لا تزال منتشرة في سائر الدول الاسلاميّة...
2و3- «خروج السّفياني» و «انخساف الأرض بجيش السفياني»:
من العلامات الّتي أكدّ عليها الأئمة المعصومون و بيّنوها بوضوح هو خروج السّفياني، و السّفياني حسب بعض الرّوايات رجل أمويّ و من نسل يزيد بن معاوية بن ابي سفيان و هو من أخبث النّاس و اسمه «عثمان بن عنبسة»، و يشعر بعداوة خاصّة لأهل بيت النّبوّة و الامامة و شيعتهم و هو أشقر احمر ازرق خشن الوجه ضخيم الهامة
ص: 81
بوجهه اثر جدري، و هو ظالم و خائن، و يظهر في الشّام (و كانت تضمّ في السّابق دمشق و فلسطين و الاردن و حمص و قنسرين) و يحتلّ بسرعة خمس مدن و يتجّه بجيش جرّار نحو الكوفة في العراق و يرتكب جرائم ضخمة في العراق و لا سيّما في النجف و الكوفة، و يبعث بجيش آخر الى المدينة في الحجاز، و يعبث جيش السّفياني بالمدينة قتلاً و نهبا ثمّ يتجه نحو مكّة، و في الصّحراء الفاصلة بين المدينة و مكة تنخسف الارض بأمر الله و يسيخ فيها جيش السّفياني، و عندئذ ينهض الامام القائم عليه السّلام بعد حدوث بعض الوقائع في مكّة و يسير من مكّة الى المدينة ثمّ من المدينة نحو العراق و يدخل الكوفة، و يفّر السّفياني من العراق الى الشّام و الى دمشق، و يرسل الامام جيش ليتعقّب السّفياني و بالتّالي يتّم القضاء عليه في بيت المقدس و يحزّون رأسه.(1)
4- خروج السيد الحسني: -
بناء على بعض الرّوايات الواردة عن الأئمّة عليهم السّلام فالسّيد الحسنيّ رجل من كبار رجالات الشّيعة ينهض في ايران و من ناحية الدّيلم و قزوين، و هو رجل مؤمن و شريف لا يدّعي الامامة و لا
ص: 82
المهدويّة و يرتفع نجمه و يكسب اتباعاً كثيرين وَ لَمْ يَزَلْ يَقْتُلُ الظَّلَمَةَ حَتَّى يَردَ الْكُوفَةَ وَقَدْ صَفَا أكْثَرُ الأرْض، فَيَجْعَلُهَا لَهُ مَعْقِلاً.
فَيَتَّصِلُ بِهِ وَ بِأصْحَابِهِ خَبَرُ الْمَهْدِيَّ عليه السّلام، وَ يَقُولُونَ: يَا ابْنَ رَسُول اللهِ مَنْ هَذَا الَّذِي قَدْ نَزَلَ بِسَاحَتِنَا؟ فَيَقُولُ: اخْرُجُوا بِنَا إِلَيْهِ حَتَّى نَنْظُرَ مَنْ هُوَ؟ وَ مَا يُريدُ؟ وَ هُوَ وَ اللهِ يَعْلَمُ أنَّهُ الْمَهْدِيُّ (كما يقول الامام الصّادق عليه السّلام) وَ إِنَّهُ لَيَعْرفُهُ، وَ لَمْ يُردْ بِذَلِكَ الأمْر إِلاَّ لِيُعَرّفَ أصْحَابَهُ مَنْ هُوَ؟
فَيَخْرُجُ الْحَسَنِيُّ فَيَقُولُ: إِنْ كُنْتَ مَهْدِيَّ آل مُحَمَّدٍ فَأيْنَ هِرَاوَةُ جَدَّكَ رَسُول اللهِ (صلّى الله عليه و آله و سلّم) وَ خَاتَمُهُ وَ بُرْدَتُهُ وَ دِرْعُهُ الْفَاضِلُ وَ عِمَامَتُهُ السَّحَابُ وَ فَرَسُهُ الْيَرْبُوعُ وَ نَاقَتُهُ الْعَضْبَاءُ، وَ بَغْلَتُهُ الدُّلْدُلُ وَ حِمَارُهُ الْيَعْفُورُ وَ نَجِيبُهُ الْبُرَاقُ وَ مُصْحَفُ أمِير الْمُؤْمِنينَ عليه السلام؟
فَيَخْرُجُ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ يَأخُذُ الْهِرَاوَةَ فَيَغْرسُهَا فِي الْحَجَر الصَّلْدِ وَ تُورقُ، وَ لَمْ يُردْ ذَلِكَ إِلاَّ أنْ يُريَ أصْحَابَهُ فَضْلَ الْمَهْدِيَّ (عليه السّلام) حَتَّى يُبَايِعُوهُ. فَيَقُولُ الْحَسَنِيُّ: اللهُ أكْبَرُ مُدَّ يَدَكَ يَا ابْنَ رَسُول اللهِ حَتَّى نُبَايِعَكَ، فَيَمُدُّ يَدَهُ فَيُبَايِعُهُ وَ يُبَايِعُهُ سَائِرُ الْعَسْكَر الَّذِي مَعَ الْحَسَنِيَّ إِلاَّ أرْبَعِينَ ألْفاً أصْحَابُ الْمَصَاحِفِ الْمَعْرُوفُونَ بِالزّيدِيَّةِ، فَإنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَا هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ عَظِيمٌ.
فَيَخْتَلِطُ الْعَسْكَرَان فَيُقْبِلُ الْمَهْدِيُّ (عليه السّلام) عَلَى الطَّائِفَةِ الْمُنْحَرفَةِ فَيَعِظُهُمْ وَ يَدْعُوهُمْ ثَلاَثَةَ أيَّام، فَلاَ يَزْدَادُونَ إِلاَّ طُغْيَاناً وَ كُفْراً فَيَأمُرُ بِقَتْلِهِمْ فَيُقْتَلُونَ جَمِيعاً، ثُمَّ يَقُولُ لأصْحَابِهِ: لاَ تَأخُذُوا الْمَصَاحِفَ
ص: 83
وَ دَعُوهَا تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً كَمَا بَدَّلُوهَا وَ غَيَّرُوهَا وَ حَرَّفُوهَا وَ لَمْ يَعْمَلُوا بِمَا فِيهَا.(1)
5- «النداء السّماوي»:
و من العلامات المشهورة النداء السّماوي و هو يحدث بعد ظهور الامام الغائب في مكّة، و هي صيحة جبرئيل ينادي باسم القائم و اسم ابيه فيسمعه اهل المشرق و اهل المغرب، و يوصي النّاس بالبيعة للامام ليهتدوا و ان لا يخالفوا حكمه حتّى لا يضلّوا.(2)
و هناك صيحه اخرى تحدث قبل الظّهور، و تكون لتثبيت حقّ الامام (عليه السّلام) و شيعته.(3)
6- نزول السيد المسيح عيسى (عليه السّلام) و اقتداؤه بالامام المهدي عليه السّلام:
في بعض الرّوايات يذكر نزول المسيح عيسى عليه السّلام من
ص: 84
السّماء و اقتداؤه في الصّلاة بالامام المهدي عليه السّلام بعنوان انّه من الامور الّتي ترافق ظهور الامام الغائب (عليه السّلام)، فرسول الاسلام الأكرم صلّى الله عليه و آله و سلّم قال لابنته الكريمة فاطمة الزّهراء عليها السّلام:
﴿وَ مِنّا- وَ اللَّهِ الَّذی لا اِلهَ اِلاّ هُوَ- مَهْدِیّ هذِهِ الاُمَّةِ اَلَّذی یُصَلّی خَلْفَهُ عیسَی بْنُ مَرْیَمَ﴾(1)
و هناك علامات أخرى مذكورة في الكتب، لكن هل تتحقّق جميعا ام قد يطرأ تغيير عليها؟ هذا موضوع مدروس في مجاله، و قد بيّن العلماء هناك ان هذه العلامات على قسمين: الحتميّة و غير الحتميّة، و ما هو حتميّ فهو واقع لا محالة.
و جاء في بعض الرّوايات انّ الحتميّات ايضاً قد يطرأ عليها التّغيير، و امّا ما لا سبيل للتّغيير اليه فهو ما وعد الله به فحسب و الله لا يخلف وعده:
﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ﴾(2).
و من البديهي ان الرّوايات القائلة انّ الحتميّات قابلة للتّغيير ايضاً تجعل حالة الانتظار في المجتمع الشّيعيّ أقوى و اشدّ حتّى يصبحوا منتظرين دائماً و يعدّوا أنفسهم باستمرار فلعلّ الامام عليه السّلام يظهر و بعض العلامات غير متحققّة.
ص: 85
من مجموع الرّوايات الواردة عن الأئمّة المعصومين عليهم السّلام في مجال الحوادث الّتي تكتنف ظهور الامام المهدي الموعود (عجل الله فرجه الشريف) يظهر لنا ما يأتي:
انّه عليه السّلام یَظْهَرُ بَعْدَ غَیْبَهٍ طَوِیلَة بأمر الله في مكّة و الى جانب الكعبة (بين الرّكن و المقام)، و معه عَلَم رسول الله (صلّى الله عليه و آله و سلّم) و سيفه و عمامته و ثوبه، تنصره الملائكة، و هو ينهض غاضبا مطالباً بالدّم، و ينهمك في قتل اعداء الله و الاسلام و ينتقم من الظّالمين.
و اصحابه الخاصّون (313) شخصاً يبايعونه في مكّة، و يبقى الامام (عليه السّلام) فترة في مكّة ثمّ يأتي الى المدينة. و اصحابه رجال مقاتلون ابطال و صالحون مؤمنون، رهبان في اللّيل و أسود في النّهار، لهم قلوب كالحديد الصّلب و هم يبذلون غاية جهدهم في طاعته، و أينما اتّجهوا فهم منتصرون.
و بعد أن يناضل الامام عليه السّلام في المدينة فانّه يتجه مع جيشه نحو العراق و يدخل الكوفة، و فيها يلقى السّيد الحسنيّ، فيبايع السّيد الحسنيّ مع جيشه الامام (عليه السّلام)، و ينزل السّيد المسيح عيسى (علیه السّلام) من السّماء و ينصر الامام و يقتدي به في الصّلاة.
و مركز حكومة الامام (عليه السّلام) هي الكوفة، ثمّ يفتح الامام شرق العالم و غربه و ينشر الاسلام و يطبقّه في جميع ارجاء العالم و يجدّد حياة الدّين، و يذود الغبار و الانحرافات عن الوجه الحقيقي
ص: 86
للاسلام الواقعيّ، و يسير و يحكم حسب كتاب الله و سنّة نبيّه، و يكون طعامه بسيطاً و لباسه خشنا كجدّه امير المؤمنين (عليه السّلام).
و خلال حكمه تظهر الأرض بركاتها و تزداد الثّروة و النّعمة و الفواكه و المحاصيل، و ينعدم الفقر و يعيش الجميع في رغد و رفاه بحيث لا يجد الانسان فقيراً حتّى يدفع اليه الزّكاة و الصّدقات، و كلّ من يُعرض عليه ذلك فانّه يرفضه، و ينهال المؤمنون و الأصحاب على الكوفة و يسكنونها من شدّة الشّوق لمجاورة الامام عليه السّلام و يبنون فيها مسجداً كبيراً فيه الف باب ليتسّع للمصلّين الّذين يقتدون بالامام.
و في أثناء حكمه يتمّ نشر العدل و الأمان في كلّ مكان بحيث اذا حملت عجوزة على رأسها طبقاً مليئا بالذّهب و المجوهرات و سارت به وحدها مشياً على الأقدام من مدينة الى اخرى فانّ أحداً لا يتعرّض لها و لا يطمع في ثروتها.
و تظهر الأرض للامام (عليه السّلام) خزائنها و ما هو مدفون فيها، و يعمّر الامام جميع خرائب المظلومين، و عندما يقوم الامام (علیه السّلام) فانّ الله سبحانه يمدّ في عيون و آذان اصحابه حتّى لا يبقى حائل بينهم و بين امامهم و ليتحدّث معهم و هم يسمعون حديثه و یرون صورته بينما هو ( عليه السّلام) في مكانه. و عند ظهوره عليه السّلام يضع الله تعالى أيادي لطفه و رحمته على رؤوس عباده و تتكامل عقولهم، و يحكم الامام عليه السّلام بين النّاس بأسلوب
ص: 87
داوود عليه السّلام و طريقة النّبيّ محمّد صلّى الله عليه و آله و سلّم، و هو يفعل كلّ ما كان يفعله رسول الاسلام الأكرم (صلّى الله عليه و آله و سلّم)، و يقضي على السّنن الجاهليّة كما فعل رسول الله (صلّى الله عليه و آله و سلّم)، و يجدّد للاسلام حياته مرّة اخرى.(1)
اللَّهُمَّ صَلّ عَلَیهِ وَ عَلى آبائِهِ الطّاهِرینَ وَ عَجِّل فَرَجَهُ الشَّریفَ وَ سَهِّل مَخرَجَهُ واقضِ جَمیعَ حَوائِجِهِ بِرَحْمَتِکَ یَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِینَ وَ آخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ.
ص: 88