تاریخ التشیع من نشونه حتی نهایه الغیبه الصغری

اشارة

سرشناسه:محرمی، غلامحسن

عنوان قراردادی:تاریخ تشیع از پیدایش تا عصر غیبت کبری. عربی.

عنوان و نام پديدآور:تاریخ التشیع من نشونه حتی نهایه الغیبه الصغری/تالیف غلام حسن محرمی ؛ ترجمه کمال السید ؛ الاعداد المعاونیه الثقافیه، دائره الترجمه.

مشخصات نشر:قم: المجمع العالمی لاهل البیت(ع)، 1385.

مشخصات ظاهری:343ص.

شابک::964-529-141-0

وضعیت فهرست نویسی:فیپا

یادداشت:کتابنامه به صورت زیرنویس.

موضوع:شیعه -- تاریخ.

اسلام -- تاریخ.

شناسه افزوده:سید، کمال، 1336 - ، مترجم.

شناسه افزوده:مجمع جهانی اهل بیت. اداره ترجمه

رده بندی کنگره:BP239/2/م3ت17043 1385

رده بندی دیویی:297/532

شماره کتابشناسی ملی:م85-47560

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فیپا

ص: 1

اشارة

إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً سورة الأحزاب/الآية 33

ص: 2

تاريخ التشيّع من نشوئه حتى نهاية الغيبة الصغرى

ص: 3

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«إني تارك فيكم الثقلين:كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا ابدا،و انهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض»

(صحيح مسلم:ج 7:112،سنن الدارمى،ج 2:432،مسند أحمد:

ج 3:14،17،26 و ج 4:371 و ج 5:182،189.مستدرك الحاكم:ج 3:109، 148،533 و غيرها من المصادر)

ص: 4

تاريخ التشيّع من نشوئه حتى نهاية الغيبة الصغرى تأليف:غلام حسن محرّمي

ترجمة:كمال السيّد

المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السّلام

ص: 5

سرشناسه:محرمى،غلامحسن

عنوان قراردادى:تاريخ تشيع از پيدايش تا عصر غيبت كبرى،عربى.

عنوان و پديدآور:تاريخ التشيع من نشوئه حتى نهاية الغيبة الصغرى/تأليف غلام حسن محرمى؛ترجمة

كمال السيد:اعداد المعاونية الثقافية،دائرة الترجمة.

مشخصات نشر:قم:المجمع العالمي لاهل البيت(ع)،1385.

مشخصات ظاهرى:343 ص.

شابك:0-141-529-964

وضعيت فهرست نويسى:فيپا

يادداشت:كتابنامه به صورت زيرنويس.

موضوع:شيعه--تاريخ.

موضوع:اسلام--تاريخ.

شناسه افزوده:سيد،كمال،1336،مترجم.

شناسه افزوده:مجمع جهانى اهل بيت(ع)،ادارة ترجمة.

رده بندى كنگره:239/2 PB 1385 2042 ت 3 م/

رده بندى ديويى:297/532

شماره كتابخانه ملى:47560-85 م

تاريخ تشيّع من نشوئه حتى نهاية الغيبة الصغرى

المؤلف:غلام حسن محرّمي

المترجم:كمال السيد

الإعداد:المعاونية الثقافية،دائرة الترجمة

المصحح:محمد حافظ الزيدي

الناشر:المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السّلام

الطبعة:الأولى

المطبعة:ليلى

سنة النشر:1427 ه2006/ م

الكمية:3000 نسخة

حقوق الطبع محفوظة للناشر

0-141-925-469:NBSI gro.tyab-lu-lha@ofni gro.tyab-lu-lha.WWW

ص: 6

كلمة المجمع

إنّ تراث أهل البيت عليهم السّلام الذي اختزنته مدرستهم،و حفظه من الضياع أتباعهم، يعبّر عن مدرسة جامعة لشتى فروع المعرفة الإسلاميّة.و قد استطاعت هذه المدرسة أن تربّي النفوس المستعدّة للاغتراف من هذا المعين،و تقدّم للأمّة الإسلاميّة كبار العلماء المحتذين لخطى أهل البيت عليهم السّلام الرساليّة،مستوعبين إثارات و أسئلة شتى المذاهب و الاتجاهات الفكرية من داخل الحاضرة الإسلاميّة و خارجها،مقدّمين لها أمتن الأجوبة و الحلول على مدى القرون المتتالية.

و قد بادر المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السّلام-منطلقا من مسؤوليّاته التي أخذها على عاتقه-للدفاع عن حريم الرسالة و حقائقها التي ضبّب عليها أرباب الفرق و المذاهب و أصحاب الاتجاهات المناوئة للإسلام،مقتفيا خطى أهل البيت عليهم السّلام و أتباع مدرستهم الرشيدة التي حرصت في الردّ على التحدّيات المستمرّة،و حاولت أن تبقى على الدوام في خطّ المواجهة و بالمستوى المطلوب في كلّ عصر.

إن التجارب التي تختزنها كتب علماء مدرسة أهل البيت عليهم السّلام في هذا المضمار فريدة في نوعها؛لأنّها ذات رصيد علميّ يحتكم إلى العقل و البرهان و يتجنّب الهوى و التعصب المذموم،و يخاطب العلماء و المفكرين من ذوي الاختصاص خطابا يستسيغه العقل و تتقبّله الفطرة السليمة.

و قد حاول المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السّلام أن يقدّم لطلاب الحقيقة مرحلة جديدة من هذه التجارب الغنيّة من خلال مجموعة من البحوث و المؤلّفات التي يقوم بتصنيفها مؤلفون معاصرون من المنتمين لمدرسة أهل البيت عليهم السّلام،أو من

ص: 7

الذين أنعم اللّه عليهم بالالتحاق بهذه المدرسة الشريفة،فضلا عن قيام المجمع بنشر و تحقيق ما يتوخّى فيه الفائدة من مؤلفات قدامى علماء الشيعة الأعلام أيضا،لتكون هذه المؤلّفات منهلا عذبا للنفوس الطالبة للحقّ،كي تنفتح على الحقائق التي تقدّمها مدرسة أهل البيت عليهم السّلام الرساليّة للعالم أجمع،في عصر تتكامل فيه العقول و تتواصل النفوس و الأرواح بشكل سريع و فريد.

نرجو من القرّاء الكرام أن لا يبخلوا علينا بآرائهم و مقترحاتهم القيّمة و انتقاداتهم البنّاءة في هذا المجال.كما ندعو كافّة المراكز المعنيّة و العلماء و المؤلفين و المترجمين للتعاون معنا في نشر الثقافة الإسلاميّة المحمديّة الأصيلة.

سائلين اللّه تعالى أن يتقبل منّا هذا القليل و يوفقنا للمزيد في ظلّ عنايته الخاصة و رعاية خليفته في الأرض الإمام المهدي(عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف).

و نتقدّم بالشكر الجزيل للأستاذ الفاضل غلام حسن محرّمي لتأليفه هذا الكتاب.كما و نشكر الأستاذ الكريم كمال السيد لنقله هذا الكتاب من الفارسية إلى اللغة العربية،و كذلك جميع زملائنا الذين ساهموا في إنجاز هذا الأثر، بالأخص العاملين في قسم الترجمة المثابرين في أداء واجبهم.

المعاونية الثقافية المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السّلام

ص: 8

المقدمة

لا ينفصل تاريخ التشيّع عن تاريخ الإسلام ذلك أنّ التشيّع هو استمرار للإسلام بقيادة تنوب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فكان أئمة أهل بيت الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله الذي أطلق على أتباعهم و محبّيهم و أنصارهم مفردة«الشيعة».

إنّ أوّل ظهور لنواة التشيّع جاء من خلال موقف كبار الصحابة الميامين من الذين استجأبوا لدعوة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في الوقوف إلى جانب الإمام عليّ عليه السّلام و الالتزام بقيادته بعد رحيله صلّى اللّه عليه و آله.

و بعد رحيل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ظهور حادثة السقيفة و ما نجم عن ذلك الاجتماع الهام و المصيري في انتخاب خليفة للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله تحدّد المسار التاريخي للتشيّع، ذلك أن شيعة الإمام عليّ عليه السّلام أصرّوا على موقفهم بمساندة الإمام عليّ عليه السّلام و تحمّلوا في سبيل ذلك المصاعب و المحن و المشاكل و ظلّوا بمنأى عن أجهزة الحكم و مراكز القرار السياسي،الأمر الذي أفضى فيما بعد إلى أن تتّخذ الحكومات المتعاقبة مواقف عدائية تجاههم فتعرّضوا إلى أشكال من القهر السياسي و التهميش و القمع.

و قد ظلّ الشيعة بعد رحيل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يرجعون في شؤونهم الفكرية و العقيدية و الاجتماعية إلى الأئمة من أهل البيت عليهم السّلام فانفصلوا بمرور الزمن عن الشرائح الاجتماعية التي تساند الخلافة الرسمية و أصبح لهم مسارا فكريا و ثقافيا خاصا،و هذا

ص: 9

ما أثّر بطبيعة الحال في المسار التاريخي للتشيّع و بقاء ثقافته بمنأى عن الانحرافات.

و بسبب اتّباع الشيعة لأئمة أهل البيت عليهم السّلام فقد أضحوا من الناحية العملية حملة لعلوم أهل البيت عليهم السّلام و يتوارثون تلك العلوم عبر الأجيال،و قد تألّقت ثقافة التشيّع و ظلّت تتمتّع بالحيويّة و التجدّد و الأصالة،و قد اعترف بهذه الحقيقة حتى خصوم الشيعة فهذا شمس الدين محمّد الذهبي المتوفى سنة(748 ه) و هو من أعلام أهل السنّة في القرن الثامن يعترف بمرارة في ترجمة أبان بن تغلب-من تلامذة الإمام الصادق عليه السّلام بصدقه و وثاقته بعد اتّهامه بالبدعة(التشيّع) يقول فيه:

«شيعي جلد،لكنّه صدوق،فلنا صدقه و عليه بدعته و قد وثّقه أحمد بن حنبل، و ابن معين و أبو حاتم،و أورده ابن عدي و قال:كان غاليا في التشيّع...

فلقائل أن يقول كيف ساغ توثيق مبتدع و حدّ الثقة العدالة و الاتقان؟!»

ثمّ يبرّر ذلك بأنّ بدعته صغرى و هي التشيّع!«فهذا كثير في التابعين و تابعيتهم مع الدين و الورع و الصدق فلو ردّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبويّة؛ و هذه مفسدة بيّنة» (1).

من جانب آخر،إنّ التشيّع شأنه شأن سائر المذاهب الأخرى قد مرّ بمنعطفات عديدة خلال مساره التاريخي ممّا أدّى إلى تصدّع في كيانه و ظهور العديد من الأزمات داخله.و ما زاد الطين بلّة نفوذ الغلاة داخل كيانه هذا بالرغم من الطرد الشديد لهم و مهاجمتهم من لدن الأئمة عليهم السّلام.

من كل ذلك يتبيّن لنا أنّ التشيّع قد مرّ بمراحل عديدة خلال الأربعة عشر قرنا من تاريخ الإسلام،و قد قام مؤلف هذا الكتاب و هو حجّة الإسلام غلام حسن5.

ص: 10


1- ميزان الاعتدال،دار المعرفة بيروت(بدون تاريخ)ص 5.

محرّمي بجهود كبرى في هذا المضمار فجاءت دراسته شاملة إلى حدّ كبير جعله يمتاز على غيره من الباحثين في مضمار هذه الدراسات و هي ضئيلة نأمل أن تكون هذه الدراسة التي نالت درجة ممتازة في حقل الدراسات الجامعية مفيدة لأصحاب الاهتمام في حقل الدراسات الإسلاميّة.

ص: 11

ص: 12

الفصل الأوّل

اشارة

ص: 13

ص: 14

الدرس الأوّل

اشارة

ليس واردا أن نزعم أنّنا قمنا بتحقيق و تحليل شاملين لكل ما يرتبط بتاريخ التشيّع،إنّما نشير إلى أهم المصادر و المنابع في هذا الحقل و سنقوم بتعريفها و وصفها بشكل موجز.و بسبب ارتباط التشيّع الوثيق بكل الكتب التاريخية و المؤلفات في حياة و ترجمة أئمة أهل البيت عليهم السّلام و كذا الكتب الحديثية و الرجالية فأنّنا قسّمنا ذلك إلى قسمين:

1-مصادر اختصاصية.

2-مصادر عمومية.

و سوف نستعرض ذلك على مدى درسين:

مصادر عمومية

اشارة

نعرّف في هذا الدرس بعض المصادر التاريخية للتشيّع و سيكون هذا التعريف موجزا قدر المستطاع.

1-مقاتل الطالبيين،أبو الفرج علي بن الحسين الإصبهاني.

2-الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة،السيد علي خان الشيرازي.

3-أعيان الشيعة،السيّد محسن الأمين العاملي.

4-تاريخ التشيّع،الشيخ محمّد حسين المظفر.

5-الشيعة في التاريخ،محمّد حسين زين العاملي.

6-جهاد الشيعة،الدكتورة سميرة مختار الليثي.

7-تاريخ التشيّع في إيران من البداية حتى القرن السابع الهجري،الشيخ رسول جعفريان.

ص: 15

1-مقاتل الطالبيين

في الطليعة من المصادر التاريخية حول تاريخ التشيّع،و مؤلف الكتاب هو أبو الفرج علي بن الحسين الإصبهاني.

ولد المؤلف في إصفهان سنة(284 ه)،نشأ و ترعرع في بغداد و درس على أيدي كبار أساتذتها و هو أموي النسب علوي المذهب (1).

و موضوع الكتاب كما هو واضح من اسمه و عنوانه يبحث في من قتل من آل أبي طالب على أيدي الحاكمين و الظالمين و كما أورد المؤلف الإصبهاني في مقدمة كتابه قائلا:

و نحن ذاكرون في كتابنا هذا..أخبار من قتل من ولد أبي طالب منذ عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى الوقت الذي ابتدأنا فيه هذا الكتاب و هو جمادي الأولى سنة (313 ه)و من احتيل في قتله منهم بسم سقيه و كان سبب وفاته و من خاف السلطان و هرب منه فمات في تواريه و من ظفر به فحبس حتى هلك في حبسه» (2).

و يتألف الكتاب من قسمين رئيسيين،القسم الأوّل من عصر النبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله إلى قيام الدولة العبّاسية،و القسم الثاني يرتبط بالعصر العبّاسي.

و بالرغم من أنّ الكتاب يبحث فقط في حياة و شهادة آل أبي طالب،و لكنّ ذلك يرتبط من ناحية بحياة الأئمة و القادة الهداة و زعماء النهضات العلوية من الشهداء و من ناصرهم؛الأمر الذي يمكن من خلاله التعرّف على أجزاء من تاريخ التشيّع،مع التأكيد على أنّ الكتاب يرتبط فقط بتاريخ التشيّع السياسي،و لا يمكن التعويل عليه في الأبعاد الأخرى من تاريخ الشيعة و التشيّع.

ص: 16


1- السيد أحمد الصقر،كتاب مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي،قم،الطبعة الثانية(1416 ه)ص 5.
2- أبو الفرج الإصبهاني،مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي،قم،الطبعة الثانية(1416 ه)ص:24.
2-الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة

و مؤلف هذا الكتاب هو السيّد علي خان الشيرازي،و قد ولد السيّد الشيرازي في الخامس من جمادى الأولى سنة(1052 ه)في المدينة المنوّرة و نشأ فيها و ترعرع و تلقى فيها مختلف العلوم.

هاجر السيد الشيرازي إلى مدينة حيدر آباد في بلاد الهند و عاش هناك مدة 48 سنة،و من هناك تشرّف بزيارة الإمام الرضا عليه السّلام،و في سنة(1117 ه)قصد مدينة إصفهان عاصمة الدولة الصفوية،و ذلك في عهد شاه سلطان حسين الصفوي و مكث فيها سنتين ليهاجر بعدها إلى مدينة شيراز ليتسنّم هناك زعامتها الدينية و العلمية (1).

إنّ كتاب الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة هو أحد مؤلفات و آثار هذا العالم الشيعي المبرّز.و بالرغم من أنّ الكتاب يبحث تراجم الشيعة و تاريخهم و ليس تاريخ التشيّع،و لكن يمكن اعتباره تاريخا عاما للتشيّع،و يمكن الافادة منه على هذا الأساس لسببين:

الأوّل:أنّه يبحث أحوال الشيعة في فصول تاريخية عديدة و مختلفة.

الثاني:إنّ المؤلف نفسه تعرّض في مقدمة الكتاب إلى الحديث عن تاريخ التشيّع و إن جاء بشكل موجز فقد بحث على نحو خاص عهد الاضطهاد الأموي يقول في مقدمة الكتاب:«اعلم رحمك اللّه إنّ شيعة أمير المؤمنين و سائر الأئمة من ولده...»ثمّ يشير إلى أنّ حياتهم كانت بعيدة عن أعين الحاكمين و أنّهم عاشوا معاناة و قهرا بدأ مع حكم معاوية و امتدّ إلى العصر العبّاسي» (2).

ثمّ تحدّث عن فترات القهر السياسي من عهد معاوية إلى العهد العباسي.

ص: 17


1- الشيرازي،السيد عليّ خان،الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة،مؤسسة الوفاء،بيروت ص 3 و 4.
2- المصدر السابق ص 5.

و هذا الكتاب-و كما أورد المؤلف في المقدّمة-مقسّم إلى اثني عشر طبقة يعني أنّه قسّم الشيعة إلى اثني عشر قسما،ثمّ بحث أحوالهم بعد ذلك و طبقات الشيعة هي عبارة عن:

1-طبقة الصحابة،2-طبقة التابعين،3-طبقة المحدّثين الذين رووا عن الأئمة الطاهرين،4-علماء الدين،5-طبقة الحكماء و المتكلمين،6-طبقة علماء العربية،7-طبقة السادة الصوفية،8-طبقة الملوك و السلاطين،9-طبقة الأمراء،10-طبقة الوزراء،11-طبقة الشعراء،12-طبقة النساء.

و ما يتوافر اليوم بين أيدينا هي الطبقة الأولى،يعني طبقة الصحابة بشكل كامل و أجزاء من الطبقة الرابعة و قسم ضئيل من الطبقة الحادية عشرة.

و يعدّ الكتاب في موضوع التشيّع لدى الصحابة في طليعة المؤلفات و من أهم المصادر،كما يتصف بالشمول في هذا المضمار،و قد تمكن المؤلف أن يجمع آراء علماء الرجال الشيعة فيما يخصّ الصحابة الشيعة و أحجم عن إبداء رأيه الخاص أو بحث ذلك و تحليله.

3-أعيان الشيعة

مؤلف هذا الكتاب الجليل و الفريد المحقّق و العالم الشيعي الكبير المرحوم السيّد محسن الأمين العاملي.و كتاب أعيان الشيعة كما هو واضح من اسمه كتاب يبحث في حياة و تراجم و شرح أحوال الأعيان من شخصيات الشيعة، و للكتاب ثلاث مقدمات؛المقدمة الأولى تطرّق فيها المؤلف إلى شرح طريقته و بيان منهجه حيث صدّرها بقوله:«في ذكر طريقتنا في هذا الكتاب و هي أمور...»، ثمّ أورد أربعة عشر قسما و فصّل في ذلك.

أمّا المقدمة الثانية فقد اختصّت في التاريخ العام للتشيّع و تألّفت من اثني عشر

ص: 18

بحثا،فيما جاءت المقدمة الثالثة حول المصادر و المنابع للكتاب.

البحث الأوّل:معنى و مفهوم الشيعة و سائر الاصطلاحات التي تختصّ بذلك، و نقد نظرية المؤلفين من أهل السنّة حول الفرق الشيعية.

البحث الثاني:ظهور الشيعة و انتشار التشيّع،بين الصحابة،الشيعة من الصحابة، تنامي الشيعة.

البحث الثالث:إشارات إلى ما نزل من الظلم بحقّ أهل البيت عليهم السّلام و شيعتهم.

البحث الرابع:التعامل التعسفي مع شيعة أهل البيت عليهم السّلام.

البحث الخامس:الهجمات المتتالية على أهل البيت عليهم السّلام.

البحث السادس:الافتراءات العديدة على الشيعة و خاصّة العقائد الشيعية الجعفرية الإماميّة الاثني عشرية.

البحث السابع:أسباب انتشار التشيّع في البلاد الإسلاميّة.

البحث الثامن:فضائل أهل البيت عليهم السّلام و خدماتهم للإسلام.

البحث التاسع:في عقائد الشيعة الإماميّة.

البحث العاشر:الإشارة إلى العلماء و الشعراء و الأدباء و الكتّاب و كتاباتهم و مؤلفاتهم.

البحث الحادي عشر:الوزراء و الأمراء و القضاة و النقباء من الشيعة.

البحث الثاني عشر:المدن الشيعية.

إنّ الحديث حول أهمية و قيمة كتاب أعيان الشيعة يفوق قدراتنا ذلك أنّه بحر من المعارف و المعلومات التاريخية يصعب سبر أغوارها و استكشاف مكنوناتها و الغوص فيها و لكن ما يمكننا الإفادة منه هو ما يقع في نطاق ما نستطيع و ما لدينا من إمكانات و قابليات و داخل إطار تقسيم البحوث و ترتيبها منطقيا و...

و ما يمكن نقده لا يتعدى سوى بعض الأمور و في نطاق بعض التفاصيل من قبيل:

ص: 19

إنّ البحث في الأسماء الأخرى للشيعة جاء مختصرا و موجزا و انحصر في ما يلي:الإماميّة،المتأولة،القزلباش،الرافضة،الجعفرية و الخاصة (1).

في حين أنّ الأسماء التي أطلقت على الشيعة أكثر من هذا فقد أطلقت على الشيعة في القرن الأوّل للهجرة فقط أسماء من قبيل:العلوية،الترابية،الحسينية.

و النقد الآخر الذي يردّ على الكتاب إنّ بعض ما أورده من رجال الحديث معتبرا إيّاهم من الشيعة و هم ليسوا كذلك.

صحيح أنّهم وقفوا إلى جانب أهل البيت خلال النزاع المحتدم بينهم و بين خصومهم فكانوا شيعة بالمعنى و المفهوم السياسي فقط الا إنّهم ليسوا شيعة بالمعنى و المفهوم العقائدي لأنّ لديهم مذاهب أخرى في ذلك و بالتالي يجب أن يفرد لهم فصل يختصّ بهؤلاء كما أنّ عليه أن يوضّح ما يقصد بالشيعة في مقدمة الكتاب.

4-تاريخ الشيعة

كتاب«تاريخ الشيعة»هو من تأليف العلاّمة الكبير المرحوم الشيخ محمّد حسن المظفر،و يعدّ هذا الكتاب من المصادر الهامة و المعتبرة في تاريخ التشيّع.

طبع هذا الكتاب مرّات عديدة و ترجم إلى أكثر من لغة.و قد قام المرحوم المظفر بدراسة تاريخ الشيعة من عصر الرسالة و حتى عصره هو،و يشتمل الكتاب على 82 عنوانا.و يمكن تقسيم هذه العناوين بشكل عام إلى ثلاثة أقسام؛عصر انتشار و نموّ التشيّع،المناطق و الأقاليم الشيعية،و الدول الشيعية.

و المرحوم المظفّر كاتب و مؤلف قدير و له أسلوب رائع في الكتابة يمتاز

ص: 20


1- المصدر السابق ص 20،21.

بجزالة اللفظ و عمق المعنى.

و في طليعة امتيازات كتاب تاريخ الشيعة شموليته و جامعيته حيث بحث الحضور الشيعي في كل العصور و على امتداد المعمورة.

و يعدّ الكتاب من هذه الناحية في طليعة المصادر و المنابع التي لا يستغني عنها الباحث في تاريخ الشيعة و التشيّع.

و بالرغم من هذه الخصائص و المزايا التي يتمتّع بها كتاب تاريخ الشيعة الا إنّ منهجه في الإيجاز حال دون إعطاء البحث حقّه إلاّ في موارد من قبيل؛معنى التشيّع،ظهور مصطلع الشيعة من حيث البعد الزمني و التاريخي،بدء التشيّع و انتشاره بما يتعلق ببيان أساس الشيعة؛فهذه الموارد بحثها المظفر بقدر من التفصيل،يفنّد المرحوم محمّد حسن المظفر في مقدّمة الكتاب:

«بل لا أريد في هذه الرسالة الا إنّ يعلم القوم أنّ التشيّع انحدر من عهد صاحب الرسالة لا من الفرس و لا من ابن سبأ» (1).

و يمكن أن يؤخذ على الكتاب أيضا غياب البعد التحقيقي في بحوثه و يبدو أنّ منهجه في الاختصار و الإيجاز حال دون أخذ آراء الآخرين بنظر الاعتبار نقلا و نقدا.

جدير ذكره أن الفصول التي تعرّض فيها لبحث الدول الشيعية بحاجة إلى استكمال ذلك أنه بمرور الزمن حدثت تغيّرات و تحوّلات أساسية في الدول الشيعية،و قد زال منها الكثير،و لهذا فإنّ القدم هو الطابع العام في هذه البحوث، و لم يقم مترجمه إلى الفارسية بالتوسّع في هذه البحوث فظلّت على طابعها القديم دون تغيير.ب.

ص: 21


1- انظر مقدّمة الكتاب.
5-الشيعة في التاريخ

كتاب الشيعة في التاريخ هو من تأليف محمّد حسين زين العاملي،ترجمه إلى الفارسية محمّد رضا عطائي،و طبع في انتشارات(آستان قدس رضوي).يعدّ هذا الكتاب من المصادر في حقل الدراسات لتاريخ الشيعة،و الكتاب مقسّم إلى خمسة فصول و خاتمة:

الفصل الأوّل:و بحث فيه معنى و مفهوم و تاريخ و عقائد الشيعة بإيجاز.

الفصل الثاني:و بحث فيه الفرق و المجموعات التي تفرّعت عن الشيعة.

الفصل الثالث:و بحث فيه تاريخ ما بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و حتى استشهاد الإمام الحسين عليه السّلام و قد تناول هذه الحقبة التاريخية بالبحث و تحليل الحوادث و الوقائع.

الفصل الرابع:و بحث فيه مواقف الشيعة إزاء خلفاء بني أميّة و خلفاء بني العبّاس.

الفصل الخامس:و بحث فيه براءة الشيعة من الغلو و الغلاة.

و يعدّ كتاب الشيعة في التاريخ مصدرا هاما في مجال الانقسامات التي حدثت داخل الكيان الشيعي خاصّة فيما يتعلق بأسباب الانشقاقات و ظهور الفرق الشيعية حيث أخذ الكتاب في تحليل تلك الظاهرة و بيان عللها.و الكتاب لا ينحصر في بحوثه في مسألة التشيّع فربّما يجنح المؤلف بعيدا إلى خارج موضوع التشيّع ليبحث على سبيل المثال فرقة الخوارج أو تاريخ الخلافة و هي أمور قد لا تمتّ بصلّة وثيقه بموضوع التشيّع.

6-جهاد الشيعة

إنّ كتاب جهاد الشيعة يعدّ هو الآخر من المصادر التاريخية في موضوع الشيعة و التشيّع(و إن تمحورت بحوثه الأساسية في مجال جهاد الشيعة و نهضاتهم

ص: 22

و حركاتهم العسكرية)،و الكتاب من تأليف الدكتورة سميرة مختار الليثي الأستاذة في جامعة عين شمس في مصر.

يقع الكتاب في 424 صفحة قامت بطبعه مؤسسة دار الجيل في بيروت لبنان، و يشتمل الكتاب على مقدّمة و خمسة أبواب و خاتمة و موضوعه جهاد الشيعة حتى نهاية القرن الثاني الهجري تقريبا،و قد تناولت السيّدة سميرة هذه الحقبة التاريخية بالنقد و التحليل.

و بعبارة أخرى جاء الكتاب ليناقش جانبا من الحركات الشيعية السياسيية و العسكرية ضد العبّاسيين و ثورات العلويين و أسباب فشل حركاتهم و كذا دور الفرق الشيعية و حركاتها في المسارات الاجتماعية و السياسية،و من جانب آخر ناقشت سياسة الخلفاء إزاء الأئمة الأطهار من آل البيت عليهم السّلام.و اشتمل كتاب جهاد الشيعة على بحوث عديدة ناقشت:مفردة الشيعة في اللغة،مفاهيم الشيعة، ظهور الشيعة،جهاد الشيعة في العراق،ظهور الشيعة الكيسانية و فرقة الشيعة الإماميّة،و قد ناقشت الدكتورة في بحث ظهور الشيعة الآراء و النظريات المختلفة فيما يخص تاريخ الشيعة.

الإشكال الوحيد الذي يردّ على الكتاب يتعلق في بيان النظرية السياسية للأئمة الأطهار من آل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و بحسب تعبيرها أئمة الفرقة الإماميّة،و لكون المؤلفة غير شيعية فقد بدت عاجزة عن بيان مرتكزات و أسس الفكر السياسي للأئمة عليهم السّلام.من هنا فقد عرّفت مرتكزات الأئمة بعد الإمام الحسين على أنّها إمامة روحية و علمية و أنّ مناهج الأئمة بعد الإمام الحسين تختلف تماما مع مناهج الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب و ولديه الإمام الحسن و الحسين عليهما السّلام (1).6.

ص: 23


1- مختار الليثي،د.سميرة،جهاد الشيعة،دار الجيل،بيروت(1396 ه)ص 36.

تاريخ التشيّع في إيران من البداية حتى القرن السابع الهجري

مؤلف كتاب تاريخ التشيّع في إيران هو الشيخ رسول جعفريان،و هو أحد أبرز المحقّقين في الحوزة العلمية بمدينة قم.

و يعدّ الكتاب في موضوعه فريدا جدا و في طليعة ما صدر من آثار للمؤلف و الكاتب القدير.

كما يعدّ الكتاب أيضا أحد أهم المصادر في دراسة تاريخ التشيّع،يشتمل الكتاب على كمّ هائل من المعلومات و المعطيات التاريخية الفائقة الأهمية و التي لا يستغني عنها الباحث بأي حال من الأحوال.

يمتاز الكتاب بغناه في جانب النصوص،و إذا كان من إشكال قد يردّ على الكتاب فهو بما يتعلق بالشكل و الصورة،فمثلا لم تأت الهوامش وفقا للمعايير الفنية،إضافة إلى ما جاء من نقد لبعض المصادر التي جاءت في مواضع تربك القارئ،و كان من الأفضل أن يفرد المؤلف و الكاتب لها فصلا مستقلا يحمل عنوانا نقديا أو يشير إلى ذلك في الهامش على الأقل حتى لا تنقطع سلسلة البحث في الموضوع الأصلي.

خلاصة الدرس الأوّل

يمكن اعتبار جميع الكتب التاريخية مصادر جيّدة من أجل التحقيق في تاريخ التشيّع،و لكن المنابع الاختصاصية في تاريخ التشيّع عبارة عن:

-مقاتل الطالبيين:و يتحدّث الكتاب حول الذين قتلوا من آل أبي طالب على أيدي الحكّام الظالمين.

-الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة:و موضوع الكتاب هو تاريخ الشيعة و ليس تاريخ التشيّع،غير أنّه يمكن الافادة من دراسة تاريخ الشيعة،و كذا مقدمة

ص: 24

الكتاب في التعرّف على جانب من تاريخ التشيّع.

-أعيان الشيعة:و بالرغم من أنّ الكتاب يتطرّق إلى ترجمة أحوال رجال الشيعة،الا إنّ المقدّمة الثانية للكتاب جاءت حول تاريخ التشيّع بشكل عام.

-تاريخ الشيعة:للمرحوم المظفر،و يتطرّق الكتاب إلى دراسة انتشار التشيّع في مختلف العصور،المناطق و الأقاليم الشيعية و الدول التي أسسها الشيعة.

-الشيعة في التاريخ:محمّد حسين زين العاملي،و يتحدث الكتاب عن معنى و مفهوم الشيعة و عقائد الشيعة و الطرق الشيعية.

-جهاد الشيعة:و يتعرّض إلى دراسة الثورات الشيعية و حركات الشيعة حتى نهاية القرن الثاني الهجري.

-تاريخ التشيّع في إيران من البداية حتى القرن السابع الهجري:و يشتمل الكتاب على معلومات هامّة فيما يخصّ تاريخ التشيّع في إيران ما يجعله هاما لكل باحث.

أسئلة الدرس الأوّل

1-ما هي أقسام المصادر في تاريخ التشيّع؟

2-ماذا يبحث كتاب مقاتل الطالبيين؟

3-قدّم توضيحا حول كتاب الدرجات الرفيعة.

4-ما هي علاقة كتاب أعيان الشيعة بتاريخ التشيّع؟

***

ص: 25

ص: 26

الدرس الثاني: المصادر العامّة

اشارة

بعد أن بحثنا بشكل إجمالي بعض الكتب الاختصاصية في تاريخ التشيّع، نبحث فيما يلي المصادر العامّة لتاريخ التشيّع و التي تنقسم من حيث الموضوع إلى ما يلي:

1-التاريخ العام.

2-سيرة و حياة أئمة أهل البيت.

3-كتب الفتن و الحروب.

4-كتب الرجال و الطبقات.

5-كتب الجغرافيا.

6-كتب الأخبار و الروايات.

7-كتب الحديث.

8-كتب الملل و النحل.

1-التاريخ العام

إنّ ما يتعلّق بتاريخ التشيّع في مجال التاريخ العام هي الكتب التي تؤرخ للقرون الهجرية،الأوّل و الثاني و الثالث أو تاريخ الخلفاء و أمثال ذلك،حيث يمكن الإفادة من الكتب التالية على سبيل المثال:

تاريخ اليعقوبي،مروج الذهب،تاريخ الطبري،الكامل في التاريخ،العبر، الإمامة و السياسة،تاريخ الخلفاء،شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد و حتى الدراسات و الكتب التاريخية التحليلية للكتّاب المعاصرين.و من بين الكتب التي

ص: 27

اختصّت بالتاريخ العام يمكن الإفادة القصوى من تاريخ اليعقوبي و مروج الذهب،لأنّهما يعّدان حياديين في تسجيل الحوادث و نقل الوقائع و لم يجنحا إلى حجب الحقيقة،فاليعقوبي مثلا نقل بالتفصيل معارضة الصحابة لخلافة أبي بكر و أشار إلى التحزبّات التي ظهرت بعد رحيل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله (1).فقد أورد حوادث هامة تتعلق بتاريخ الشيعة من قبيل حكومة أمير المؤمنين (2)،صلح الإمام الحسن (3)،شهادة حجر بن عدي (4)،شهادة عمرو بن الحمق الخزاعي (5)، و استشهاد الإمام الحسين في كربلاء (6)،إذ بحث كل ذلك قدر المستطاع و أوفى الموضوعات حقّها إلى حدّ ما.

و الأمر كذلك مع المسعودي فلم يتعمّد هذا المؤرخ التغطية على الحقيقة و إن جاء ذكره على بعض الحوادث بشكل عابر في كتابه مروج الذهب،و كذا التنبيه و الإشراف إذ مرّ مرروا سريعا بحادثة السقيفة،و كذا مسألة الاختلاف بين الصحابة و امتناع بني هاشم عن بيعة أبي بكر (7).

و قد أورد المسعودي في مكان آخر من كتابه قصّة فدك (8)،كما ذكر بالتفصيل مسألة خلافة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام و شهادة الإمام الحسين عليه السّلام (9)6.

ص: 28


1- ابن واضح،أحمد بن يعقوب،تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي،قم(1414 ه)ج 2 ص 123-126.
2- المصدر السابق ص 178-179.
3- المصدر السابق ص 214 و 215.
4- المصدر نفسه ص 230 و 231.
5- المصدر نفسه ص 231،232.
6- المصدر نفسه ص 243،246.
7- المسعودي علي بن الحسين،مروج الذهب،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت(1411 ه) ج 2 ص 316،و التنبيه و الاشراف،دار الصاوي للطبع و النشر و التأليف،القاهرة(بدون تاريخ)ص 427.
8- مروج الذهب ج 3 ص 262.
9- المصدر السابق ج 2 ص 246-266.

إضافة إلى ما أورده المسعودي في مروج الذهب من ذكر لأسماء الشيعة و قبائلهم و أعداء أهل البيت عليهم السّلام (1)،و كذا تاريخ وفيات أئمة أهل البيت حيث ترجم و بشكل محدود قسما من حياتهم و سيرتهم (2)و بخاصّة ثورات العلويين و حركاتهم في القرن الثاني الهجري (3).

2-تراجم أئمة أهل البيت و سيرتهم

و من بين الكتب التي لها علاقة و ارتباط بتاريخ التشيّع هي الكتب التي تهتم بحياة الأئمة من آل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من قبيل كتاب الإرشاد للشيخ المفيد، و تذكرة الخواص لابن الجوزي و هما من الكتب الهامّة في هذا المضمار.

يعدّ كتاب الإرشاد أوّل و أهم مصدر شيعي يتحدّث عن حياة أئمة أهل البيت عليهم السّلام الاثني عشر،و لأنّ بعضا من سيرة الإمام عليّ كانت في حياة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقد تحدث الإرشاد عن سيرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و بخاصّة حروب الرسول الأكرم صلّى اللّه عليه و آله كلّها باستثناء غزوة تبوك و هي الغزوة الوحيدة التي لم يشترك فيها الإمام عليّ عليه السّلام،حيث استخلفه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على المدينة المنوّرة،من هنا فإنّ كتاب الإرشاد يعدّ في الطليعة من المصادر التاريخية في حياة و سيرة الأئمة الأطهار عليهم السّلام و التي لا يمكن للباحث الاستغناء عنه.

تذكرة الخواص لابن الجوزي يكتسب أهمية أيضا من هذه الزاوية،ذلك أنّه تعرّض لبحث حياة الأئمة من أهل البيت عليهم السّلام و أنّ المؤلف ليس شيعيّا فهو حنفي المذهب،لكنّه كان موضوعيا في ما كتب واضعا الحقّ و الحقيقة نصب عينيه.

ص: 29


1- المصدر السابق ج 3 ص 59 و 74.
2- المصدر السابق ص 180 و 243 و 313 و 388.
3- المصدر السابق ص 324،326 و 358.

3-كتب الفتن و الحروب

و تختصّ هذه الكتب بالحديث عن الفتن و الحروب،و بهذا فهي تكتسب أهمية فائقة في عملية كتابة التاريخ لدى المسلمين و يعدّ كتاب«وقعة صفّين»لمؤلفه نصر بن مزاحم المنقري المتوفى سنة(212 ه)في طليعة هذا النوع من الكتب حيث اختصّ بتاريخ واقعة صفّين و ملابسات الصراع الذي اندلع سنة(37-38 ه)؛يشتمل الكتاب على معلومات غاية في الأهمية من قبيل:الرسائل المتبادلة بين الإمام عليّ صلّى اللّه عليه و آله و معاوية،و مختلف خطب أمير المؤمنين عليه السّلام.و من هنا يمكن الإفادة كثيرا من تلك المعلومات فيما يخصّ تلك الحادثة و مواقف صحابة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من الإمام عليّ عليه السّلام و كذا نفوذ التشيّع بين مختلف القبائل العربية.

كتاب«الغارات»و هو من تأليف إبراهيم الثقفي الكوفي المتوفى سنة (283 ه)،كتاب آخر في هذا المضمار و للكتاب علاقة وثيقة بخلافة الإمام عليّ عليه السّلام،و الغارات التي شنّها معاوية و قادته على المناطق الخاضعة لنفوذ الإمام عليّ عليه السّلام،إضافة إلى ما تعرض له من الحديث عن أحوال شيعة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام و الذي يمكن الإفادة منه بيسر و سهولة.

كتاب«الجمل»أو«وقعة الجمل»للشيخ المفيد،مصدر آخر من المصادر المهمة في هذا الصعيد،و الكتاب يتحدث عن معركة الجمل،و لأنّ الكتاب يتحدث عن أوّل حرب اندلعت في عهد الإمام عليّ عليه السّلام فقد تعرّض المؤلف للحديث عن منزلة الإمام عليّ عليه السّلام لدى أهل العراق قبل وصوله و استقراره هناك.

4-كتاب الرجال و الطبقات

علم الرجال من العلوم الهامّة و هو يرتبط بعلم الحديث و يهتم بدراسة سند الحديث و التحقيق إذ يناقش و يبحث في أصول رواة الحديث من صحابة النبيّ

ص: 30

و يتناول وثاقتهم بالجرح و التعديل و يضيف الشيعة إلى أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أصحاب الأئمة الأطهار عليهم السّلام.

ظهر علم الرجال في القرن الثاني الهجري إلى عصرنا الراهن و قد تطوّر علم الحديث عبر العصور و وصل إلى مستويات عالية من التكامل.

و كتب الرجال لدى أهل السنّة عديدة و معتبرة منها:«الاستيعاب في معرفة الأصحاب»و هو من تأليف عبد البرّ القرطبي المتوفى سنة(463 ه)،و«أسد الغابة في معرفة الصحابة»لمؤلفه ابن الأثير الجزري المتوفى سنة(630 ه)، و«تاريخ بغداد»من تأليف الخطيب البغدادي(392-463 ه)،و«الإصابة في معرفة الصحابة»تأليف ابن حجر العسقلاني.

أمّا أهم الكتب الرجالية لدى الشيعة فهي:«اختبار معرفة رجال الكشي» تأليف الشيخ الطوسي(385-460 ه)،و«رجال النجاشي»(فهرست أسماء مصنفي الشيعة)المعروف ب«الرجال»،و«كتاب الرجال»و«كتاب فهرست الشيخ الطوسي»(385-460 ه)،و«رجال البرقي»و هو من تأليف أحمد بن محمّد بن خالد البرقي المتوفى سنة(480 ه)،و«مشيخة الشيخ الصدوق» المتوفى سنة(381 ه)،و«معالم العلماء»لابن شهر آشوب المازندراني(488- 588 ه)،و«رجال ابن داود»و مؤلفه تقي الدين حسن بن عليّ بن داود الحلّي (647-707 ه)جدير ذكره إنّ علم الرجال لدى الشيعة شهد تطورا و سيرا تكامليا و اتّسعت حقوله و مجالاته.

رتّبت بعض كتب الرجال حسب المنهج الألفبائي كما هو الحال في«أسد الغابة»، «فهرست الشيخ الطوسي»،«رجال النجاشي»و«معالم العلماء»فيما رتّبت كتب أخرى بحسب الطبقات من قبيل:«كتاب رجال الشيخ»و«رجال البرقي»إذ رتّبت كلّ منهما على أساس طبقات صحابة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أصحاب أئمة أهل البيت عليهم السّلام.

ص: 31

و هناك نوع آخر من كتب الرجال مقسّم بحسب طبقات الناس المختلفة و في طليعة هذا النوع من الكتب هو«طبقات ابن سعد».

5-كتب الجغرافيا

ظهرت كتب الجغرافيا و الرحلات بعد القرن الثالث الهجري،و لأنّ تاريخ التشيّع في القرون الثلاثة الأولى من الهجرة المباركة لهذا فلا توجد ثمّة فائدة إلاّ من بعضها و بشكل محدود،غير أنّ بعض كتب الجغرافيا تطرّقت إلى ذكر الإسناد فقد حازت أهميتها من هذا الأساس لتكون أحد مصادر هذه الدراسة؛ و من بين هذه الكتب يبرز كتاب«معجم البلدان»و ذلك لشموليته بالرغم من أنّ مؤلف الكتاب«ياقوت الحموي»يعدّ ضمن المتعصّبين إزاء الشيعة،إذ إنّه لدى ذكر أسماء الأسر الكبيرة في الكوفة لا يرد فيما يذكر اسم لعالم من الشيعة أو أسرة شيعية مرموقة.

6-كتب الأخبار

لا يقصد من كتب الأخبار كتب الحديث التي تدخل في إطار الحلال و الحرام،بل المقصود من هذه الكتب هي كتب التاريخ التي اعتمدت أسلوب التدوين التاريخي في عصور الإسلام،حيث ترد بعض الأخبار و أسانيدها بعبارة أخرى الأخبار التي اعتمد في نقلها منهج أهل الحديث في ضبطها و نقلها،و لهذا الأسلوب في التدوين التاريخي مزايا عديدة:

المزية الأولى:إنّ كلّ مجموعة من الأخبار حول حادثة ما لها استقلاليتها عن مجموعة أخرى حول حادثة أخرى و لا توجد ثمّة صلة بين الحادثتين.

المزية الثانية:هي في وجود بعد أدبي فيما ينقل،يعني أنّ الكاتب ربّما يستفيد

ص: 32

من الأشعار و القصص و المناظرات في نقولاته و هذه المزية تختصّ في الآثار الخبرية المتأثرة بروايات«أيام العرب»من هنا يرى بعض الباحثين أنّ التدوين التاريخي«للخبر»نشأ من شكل«الخبر»القصصي السائد قبل ظهور الإسلام.

و المزية الثالثة:ذكر اسناد الروايات و في الحقيقة أنّ هذا الأسلوب و التسجيل التاريخي و بخاصّة في القرنين الأوّل و الثاني من الهجرة غالبا ما يبدو كمادة تاريخية خاصة،و تشكّل الآثار التاريخية المدوّنة بهذه الطريقة مساحة واسعة.

و يحتل كتاب«الأخبار الموفقيات»للزبير بن بكّار مكانة مرموقة في هذا المضمار.و الزبير بن بكّار ينتمي إلى الأسرة الزبيرية المعروفة بعدائها لأهل البيت،إضافة إلى ذلك فإنّ الزبير تربطه علاقات وطيدة مع الطاغية العبّاسي المتوكل المعروف باضطهاده لأهل البيت و شيعتهم.و كان الزبير معلّما لأولاد المتوكل هذا (1)،و قد نصّبه المتوكل قاضيا في مكّة المكرّمة (2).

و على أية حال،فإنّ الكتاب يشتمل على معلومات هامّة و قيّمة حول اعتراض جمع من صحابة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على خلافة أبي بكر و نقل بعض الأشعار التي تضمّنت آراء أصحابها في عقيدتهم في وصيّة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام ما يدلّ على معارضتهم لخلافة أبي بكر.

7-كتب الأنساب

يبرز كتاب«أنساب الأشراف»للبلاذري كأفضل مصدر في هذه الدراسة،و من جانب آخر يمكن اعتبار الكتاب من كتب التراجم،هذا على الرغم من أن كتاب «جمهرة أنساب العرب»أكثر شمولا و هو يقدّم موجزا عن بعض الشخصيات.

ص: 33


1- الخطيب البغدادي،الحافظ أبي بكر أحمد بن عليّ،تاريخ بغداد،مطبعة السعادة مصر(1349 ه)ج 8 ص 467.
2- ابن النديم،الفهرست،دار المعرفة،بيروت(بدون تاريخ)ص 160.

و كما يمكن الاستفادة من كتاب«منتقلة الطالبيين»الذي يهتمّ بهجرة السادة من ذرّية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و من هنا يمكن الإفادة من هذا الكتاب في دراسة مسار التشيّع في القرون الأولى من التاريخ الهجري و متابعة ذلك في البلاد الإسلاميّة.

8-كتب الحديث

كتب الحديث إحدى مجموعات المصادر في دراسة تاريخ التشيّع و الحديث لدى أهل السنّة هو قول و فعل و تقرير النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،أمّا الحديث لدى الشيعة فيتّسع ليشمل حديث الأئمة المعصومين من آل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حيث يعتبر الشيعة حديث المعصوم قولا و فعلا و تقريرا حجّة كما هو حديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و كتب الحديث لدى أهل السنّة هي:«صحيح البخاري»للبخاري(194- 256 ه)،«المسند»لأحمد بن حنبل(164-241 ه)و«المستدرك على الصحيحين»للحاكم النيسأبوري المتوفى سنة(450 ه)و تعدّ هذه الكتب مصادر جيّدة في دراسة التشيّع بين صحابة النبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و حقّانية الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام الذي يعدّ محور مسألة التشيّع.

أمّا الكتب الحديثية الشيعية فهي أربعة كتب:«الكافي»للكليني المتوفى سنة (329 ه)،«من لا يحضره الفقيه»للشيخ الصدوق المتوفى سنة(381 ه)، «تهذيب الأحكام»و«الاستبصار»للشيخ الطوسي المتوفى سنة(460 ه)،إضافة إلى كتب اخرى من قبيل«الأمالي»،«غرر الفوائد و درر القلائد»للسيّد المرتضى (355-436 ه)،«الاحتجاج للطبرسي»(القرن السادس)،و الموسوعة الحديثية الكبرى«بحار الأنوار»للعلاّمة المجلسي المتوفى سنة(111 ه).

و توفر الكتب الحديثية لدى أهل السنّة-عندما تورد أحاديث عن الأئمة المعصومين-معرفة مناطق انتشار الشيعة و البيئة التي يعيشون فيها و نوع العلاقات الاجتماعية و طرق الاتصال بالأئمة الأطهار عليهم السّلام.

ص: 34

كتب الملل و النحل

و هذه الكتب من المصادر الهامّة حيث يبرز كتاب«الملل و النحل» للشهرستاني(479-548 ه)في الطليعة في هذا المضمار،و يعدّ هذا الكتاب انطلاقا من شموليته و قدمه مصدرا جيدا لدى المحققين و الباحثين،هذا بالرغم من تعصّب المؤلف في بحثه موضوع الدراسة،و قد ذكر المؤلف في مقدمة الكتاب حديث افتراق المسلمين إلى ثلاثة و سبعين فرقة،و قوله بأنّ أهل السنّة هم الفرقة الناجية،و من هنا سعى الشهرستاني و هو يعدّد فرق الشيعة و تشعّبهم و اختلاف مذاهبهم إلى أن يثبت بطلان المذهب الشيعي معتبرا فرق؛المختارية،الباقرية، الجعفرية،المفضّلة،النعمانية،الهشاميّة و اليونسية فرقا شيعية و هي فرق وهمية ليس لها وجود تاريخي،بينما ذكر المقريزي في خططه إنّ فرق الشيعة تناهز الثلاثمائة فرقة،و عند ما راح يعدّدها لم يتمكن من تجاوز العشرين فرقة فقط.

و من أهم كتب الملل و النحل كتاب«المقالات و الفرق»للأشعري القمّي و كتاب«فرق الشيعة»للنوبختي،و الأشعري و القمّي من علماء الشيعة عاشا في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري.

يمتاز كتاب«المقالات و الفرق»باتساع المعلومات و الشمولية و لكنّه يفتقد الترتيب و معلومات متناثرة ما يجعل الإفادة منه صعبة،و يؤكّد بعض الباحثين أنّ كتاب فرق الشيعة للنوبختي هو نفس كتاب«المقالات و الفرق».

خلاصة الدرس الثاني

المصادر العامّة لتاريخ التشيّع هي كما يلي:

-كتب التاريخ العامّ في القرون الأولى من التاريخي الهجري و يبرز من بينها «مروج الذهب»و«تاريخ اليعقوبي».

-كتاب تراجم أئمة أهل البيت عليهم السّلام و سيرتهم من قبيل:«الإرشاد»للشيخ المفيد.

ص: 35

-كتب الفتن و الحروب من قبيل«وقعة صفّين».

-كتب الرجال و الحديث و الطبقات و كتب التراجم.

-الكتب الجغرافية من قبيل:الرحلات و تاريخ البلدان.

-كتب الأخبار من قبيل:«أنساب العرب».

-كتب الحديث:«الملل و النحل».

أسئلة الدرس الثاني

1-ما هو أوّل كتاب في تاريخ التشيّع بين كتب التاريخ العام؟

2-قدّم تعريفا لكتاب«الإرشاد»و«تذكرة الخواص».

3-إلى أي مجموعة ينتمي كتاب«وقعة صفّين».

4-تحدث باختصار عن كتب الرجال.

5-إلى كم قسم تنقسم كتب الجغرافيا؟

6-ما هي خصائص كتب الأخبار؟

7-اذكر كتابين من كتب الأنساب.

8-ما هي العلاقة بين كتب الحديث و تاريخ التشيّع؟

9-اذكر أهم كتب الملل و النحل.

ص: 36

الفصل الثاني: كيفية ظهور الشيعة

اشارة

ص: 37

ص: 38

الدرس الثالث: الشيعة في اللغة و القرآن الكريم

الشيعة في اللغة

هي من مادة شيّع بمعنى المشايعة،و تطلق على قوم يجتمعون على أمر (1)، و تطلق غالبا على أنصار عليّ عليه السّلام (2)و مواليه.

قال الأزهري:و الشيعة قوم يهوون عترة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و يوالونهم (3).

و يقول ابن خلدون (4):إعلم أنّ الشيعة لغة هم الصحب و الاتباع و يطلق في عرف الفقهاء و المتكلمين من أتباع عليّ و بنيه رضي اللّه عنهم.

أمّا الشهرستاني فيقلّص الدائرة حيث يحدّده بقوله (5):الشيعة هم الذين شايعوا عليّا عليه السّلام على الخصوص و قالوا بإمامته و خلافته نصبا و وصاية إمّا جليا و إمّا خفيا و اعتقدوا أنّ الإمامة لا تخرج من أولاده و إن خرجت فبظلم يكون من غيره أو بتقية من عنده.

و قد استخدم القرآن مفردة الشيعة بمعنى الأنصار و الأتباع فكريّا و عقائديا قال تعالى: وَ إِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (6).

ص: 39


1- قال الشاعر: «و الخزرجي قلبه مشيّع*** ليس من الأمر الجليل يفزع» الفراهيدي،الخليل بن أحمد ترتيب كتاب العين،انتشارات أسوة،طهران ج 2 ص 960.
2- الفيروز آبادي،قاموس اللغة،ط الحجرية ص 332.
3- الحسيني الواسطي الزبيدي الحنفي،أبو الفيض السيّد مرتضى،تاج العروس ج 11 ص 257.
4- ابن خلدون،عبد الرحمن بن محمّد،مقدّمة،دار إحياء التراث العربي،بيروت(1408 ه)ص 196.
5- الشهرستاني الملل و النحل،منشورات الشريف الرضي،قم(1364 ه.ش)ج 1 ص 131.
6- الصافات:الآية(83).

و قوله تعالى ...فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ... (1).

أمّا الشيعة في المصادر الشيعية فلا نجد إلاّ معنى محددا و مفهوما واحدا و هو الاعتقاد باستخلاف النبيّ صلّى اللّه عليه و آله وصيّه عليّا عليه السّلام و أحد عشر من ذريّته بعده،و لم يطرأ أي تغيير على هذا الاعتقاد منذ رحيل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و حتى نهاية الغيبة الصغرى.

فكما أنّ الشيعة في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري كانوا يعتقدون بالأئمة الاثني عشر من أهل البيت عليهم السّلام فإنّ أوائل الشيعة من صحابة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كانوا هم أيضا على نفس هذا الاعتقاد،فقد ورد في الحديث النبويّ الشريف أسماؤهم و عدّتهم (2).

و بالرغم من الأجواء الخانقة التي كانت تحيط بالشيعة و تعرّضهم للاضطهاد ما حال دون اطّلاع أعداد كبيرة من الشيعة على هذه الروايات الا إنّ حديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله القائل:«من مات و لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية» (3)كان يدفع7.

ص: 40


1- القصص:الآية(15).
2- أورد ابن حجر الهيثمي و هو من علماء السنّة حديث الأئمة الاثني عشر و أكّد صحّته و تواتره و اتفاق الجميع عليه بعد أن نقله من طرق مختلفة،ثمّ انتقل إلى تفسير الحديث،و نقل حول ذلك آراء متضاربة لا تفضي إلى نتيجة محدّدة،و من جملة ذلك ما ورد في الصواعق المحرقة ما يلي: قال القاضي عياض:لعلّ المراد بالاثني عشر في هذه الأحاديث و ما شابهها أنّهم يكونون في مدّة عزّة الخلافة و قوّة الإسلام و إستقامة أموره و الاجتماع على من يقوم بالخلافة و قد وجد هذا فيمن اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني أميّة و وقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد،و قيل:المراد وجود اثني عشر خليفة في جميع مدّة الإسلام إلى يوم القيامة يعملون بالحقّ و إن لم يتوالوا...الخلفاء الأربعة و الحسن و معاوية و ابن الزبير و عمر بن عبد العزيز و المهدي العبّاسي و الطاهر العبّاسي و يبقى الاثنان المنتظران أحدهما المهدي لأنّه من آل بيت محمّد صلّى اللّه عليه و آله.و حمل بعض المحدّثين الحديث السابق على من يأتي بعد المهدي لرواية:ثمّ يلي الأمر بعد اثنا عشر رجلا ستّة من ولد الحسن و خمسة من ولد الحسين و آخر من غيرهم.الصواعق المحرقة،مكتبة القاهره،ط الثانية(1385 ه)ص 20،21.
3- الكليني،أصول الكافي،دار الكتب الإسلاميّة،ط الخامسة،طهران(1363 ه.ش)ج 1 ص 377.

بالجميع على التأكد و معرفة إمام زمانه.

من هنا بعث زرارة بن أعين ابنه إلى المدينة المنوّرة من أجل التحقيق في هويّة الإمام بعد استشهاد الإمام الصادق.

و يبدو أنّ الرحلة قد استغرقت وقتا تدهورت خلالها صحّة زرارة و كان شيخا مسنّا فرفع بيده القرآن و هو على فراش الموت و قال:«اللهمّ أنت الشاهد على أنّي أقول بإمامة من عيّنه كتابك» (1).

و مع مرور الزمن اكتسب معنى و مفهوم الشيعة شكله الواضح.من هنا نرى الأئمة الأطهار يصرّحون بعدم تشيّع المنتسبين إلى الفرق الأخرى كما نرى ذلك في ما رواه الشيخ الطوسي عن حمران بن أعين.يقول:«قلت لأبي جعفر عليه السّلام:

أمن شيعتكم أنا؟قال:أي و اللّه في الدنيا و الآخرة،و ما أحد من شيعتنا إلاّ و هو مكتوب عندنا اسمه و اسم أبيه إلاّ من يتولّى منهم عنّا.

قال:قلت:جعلت فداك أومن شيعتكم من يتولّى عنكم بعد المعرفة؟ قال:يا حمران نعم و أنت لا تدركهم».

يقول حمزة الزيّات و هو أحد رواة الحديث:فتناظرنا في هذا الحديث،فكتبنا به إلى الرضا عليه السّلام نسأله عمّن استثنى به أبو جعفر؟فكتب هم الواقفة على موسى بن جعفر عليه السّلام.

و انطلاقا من هذا أصبح في عرف علماء الرجال الشيعة أنّهم لا يطلقون اسم الشيعة إلاّ على الإماميّة الاثني عشرية و عادة ما يعبّر عنهم الفقهاء بقولهم:

«أصحابنا»أو«أصحابنا الإماميّة»فيما يطلقون على غيرهم من أتباع الفرق الأخرى ممّن انحرفوا عن مسار التشيّع تحت عناوين مختلفة قولهم؛الفطحي،الواقفي،1.

ص: 41


1- الشيخ الطوسي،اختيار معرفة الرجال،مؤسسة آل البيت لإحياء التراث،قم(1404 ه)ج 1 ص 371.

الناووسي و...و تدرج رواياتهم عن الأئمة قبل انحرافهم في عداد الرواة من أهل السنّة عن أئمة أهل البيت عليهم السّلام و سنجد ذلك التعامل معهم في هذا الكتاب.

أمّا علماء الرجال من أهل السنّة فإنّهم يتّسعون في تفسير معنى الشيعة ليشمل كل الفرق التي تشعّبت عن الشيعة بما في ذلك الغلاة.

إضافة إلى ذلك فإنّهم يشملون بهذا المعنى حتى مّن يهوى بقلبه أهل البيت عليهم السّلام هذا بالرغم من عدم إيمانهم بإمامتهم و عصمتهم كما هو الحال في سفيان الثوري و هو من أهل الفتوى في العراق إذ أنّه يفتي من منطلقات فكرية و عقائدية موافقة لمذاهب أهل السنّة و كذا الأمر مع ابن قتيبة إذ يعدّ من ضمن الشيعة (1).

يقول ابن النديم على سبيل المثال في الشافعي:«و هو من فقهاء المذاهب الأربعة كان الشافعي شديدا في التشيّع» (2).

مع أنّنا نرى تنامي الشيعة الزيدية في القرنين الثاني و الثالث الهجريين و كانوا بطبيعة الحال شيعة بالمعنى السياسي لا بالمعنى الإعتقادي ذلك أنّهم لا يتبعون في فقهم الفقه الجعفري بل الفقه الحنفي (3).

و حتى في عقائدهم أيضا يقول الشهرستاني:إنّ زيد تتلمذ مدّة على يد واصل بن عطاء مؤسس المذهب المعتزلي و أخذ عنه مذهب المعتزلة في أصولهم.

من هنا فإنّ الزيدية معتزلة في أصولهم و لهذا يجيزون بإمامة المفضول مع وجود الأفضل و يؤيّدون خلافة الشيخين (4)و هم في عقائدهم أقرب ما يكون إلى أهل السنّة،و لهذا يرى ابن قتيبة إنّ الزيديّة أقل فرق الرافضة غلوّا (5).3.

ص: 42


1- ابن قتيبة،المعارف،منشورات الشريف الرضي،قم ط الأولى(1415 ه.ش)ص 624.
2- ابن النديم،الفهرست،دار المعرفة للطباعة و النشر،بيروت(بدون تاريخ)ص 295.
3- الشهرستاني الملل و النحل،منشورات الشريف الرضي،قم(1364 ه.ش)ج 1 ص 143.
4- المصدر السابق ص 138.
5- ابن قتيبة،المعارف ص 623.

و من أجل هذا حظيت ثورة محمّد النفس الزكية و هو من قادة الزيدية بتأييد بعض فقهاء أهل السنّة،و قد نقل الواقدي أنّ أبا بكر بن سيرة (1)و ابن عجدان (2)و عبد اللّه بن جعفر (3)و هم من كبار المحدّثين في مدرسة المدينة الذين روى عنهم الواقدي أنّهم اشتركوا في ثورة محمّد النفس الزكية.

و ذكر الشهرستاني:إنّ من جملة شيعة محمّد النفس الزكية أبو حنيفة (4).

و كان معتزلة أهل البصرة يؤيّدون ثورة محمّد النفس الزكية،و ذكر أبو الفرج الإصفهاني إنّ جماعة من معتزلة أهل البصرة و منهم:واصل بن عطاء و عمرو بن عبيد قد بايعوه (5).

و على هذا فأنّ الزيدية كانوا شيعة بالمفهوم السياسي فقط على الرغم من اعتقادهم أيضا بتقديم أولاد فاطمة عليهم السّلام.

خلاصة الدرس الثالث

يطلق اصطلاح الشيعة على اتباع و أنصار الإمام عليّ عليه السّلام و مفهوم الشيعة و الشيعي لا يملك إلاّ معنى واحدا فقط و هو الاعتقاد بخلافة عليّ عليه السّلام و أولاده الأوصياء بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و لهذا فإنّ الأئمة الأطهار عليهم السّلام كانوا ينفون تشيّع أتباع الفرق الأخرى.

أمّا علماء السنّة و علماء الرجال فإنّهم يطلقون مصطلح الشيعة على كل الفرق التي

ص: 43


1- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي،ط الثانية،قم.
2- المصدر السابق ص 254.
3- المصدر السابق ص 256.
4- الشهرستاني الملل و النحل،منشورات الشريف الرضي،قم(1364 ه.ش)ج 1 ص 140.
5- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين ص 258.

تفرّعت عن الكيان الشيعي و حتى محبّي أهل البيت عليهم السّلام،و قد كان الشيعة الزيدية يشكّلون المرتبة الثانية بعد الشيعة الإماميّة في القرنين الثاني و الثالث الهجريين.

أسئلة الدرس الثالث

1-ماذا يعني مفهوم الشيعة لغويا؟وضّح ذلك.

2-ما هو معنى و مفهوم الشيعة في المصادر الشيعية؟

3-هل يعتبر الأئمة الأطهار الذين ينتسبون إلى الفرق الأخرى شيعة؟وضّح ذلك.

4-كيف يفسّر أهل السنّة مفهوم الشيعة؟

5-أي الفرق تعدّ من الشيعة سياسيّا؟و لماذا؟

***

ص: 44

الدرس الرابع: نشأة التشيّع

اشارة

توجد آراء مختلفة حول نشوء التشيّع غير أنّه يمكن تقسيم هذه الآراء إلى مجموعتين:

أ:القائلون بأنّ التشيّع ظهر و نشأ بعد رحيل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و هم بدورهم ينقسمون إلى أقسام:

-منهم من يرى أنّ التشيّع ظهر في يوم السقيفة عند ما هتف جمع من كبار الصحابة صراحة و قالوا:إنّ عليّا أولى بالإمامة و الخلافة (1).

-و منهم يرى أنّ ظهور الشيعة يعود إلى أواخر خلافة الخليفة الثالث عثمان و انتشار آراء عبد اللّه بن سبأ في تلك الفترة (2).

و يرى فريق ثالث أنّ ظهور الشيعة كان في يوم فتنة الدار(يوم قتل الخليفة الثالث)، إذ اصطفّ أنصار عليّ عليه السّلام و هم شيعته مقابل المطالبين بدم عثمان أو العثمانيين.

فقد كتب ابن النديم:لمّا خالف طلحة و الزبير عليّا عليه السّلام،و أبيا إلاّ الطلب بدم عثمان بن عفان،و قصدهما عليّ عليه السّلام ليقاتلهما حتى يفيا إلى أمر اللّه جلّ اسمه تسمّى من اتّبعه على ذلك،الشيعة،فكان يقول شيعتي» (3).

و على هذا يرى ابن النديم أنّ ظهور مصطلح الشيعة جاء على خلفية النزاع

ص: 45


1- ذكر اليعقوبي إنّ عددا من كبار الصحابة امتنعوا عن بيعة أبي بكر و قالوا:«عليّ أولى بالخلافة»تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي،قم(1414 ه)ج 2 ص 124.
2- مختار الليثي د.سميرة،جهاد الشيعة،دار الجيل،بيروت(1396 ه)ص:25.
3- ابن النديم،الفهرست،دار المعرفة،بيروت(بدون تاريخ)ص 249.

الذي أفضى فيما بعد إلى حرب الجمل.

و يقول ابن عبد ربّه الأندلسي هم من فضّل عليّا على عثمان (1).

و هناك فريق رابع يرى:أنّ التشيّع ظهر في الفترة ما بين حادثة التحكيم و استشهاد الإمام أمير المؤمنين (2).

فيما يرى فريق خامس أنّ بدء التشيّع كان بعد واقعة كربلاء و استشهاد الإمام الحسين عليه السّلام (3).

ب:القائلون بأنّ التشيّع جذوره في عهد الرسول صلّى اللّه عليه و آله و هم بالإضافة علماء الشيعة قاطبة (4)و بعض علماء أهل السنّة كما نرى ذلك في آراء محمّد كرد علي -و هو من كبار علماء السنّة-الذي يقول بوجود عدد من صحابة النبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله معروفين بتشيّعهم لعليّ (5)و بأخذ هذه النظريات و الآراء بنظر الاعتبار يمكن القول إنّ حادثة السقيفة،أواخر خلافة عثمان،حرب الجمل،التحكيم و واقعة كربلاء هي مفاصل تاريخية لها دورها في تاريخ التشيّع،مع التأكيد على أنّ وجود شخصية باسم عبد اللّه بن سبأ هو مجرّد و هم لا أساس له،و في غير ذلك فأنّ ما ذكر من آراء لا يفسّر بشكل معقول ظهور التشيّع و تبلوره،ذلك أنّ دراسة الأحاديث المرفوعة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله تؤكد أنّ التشيّع ظهر في زمانه صلّى اللّه عليه و آله،حيث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله هو أوّل من أطلق اسم الشيعة على محبّي عليّ و أنصاره،و كل هذه الأحاديث مقبولة من قبل إخواننا أهل السنّة و جاءت في مصادرهم الحدثية،كما5.

ص: 46


1- ابن عبد ربّه الأندلسي أحمد بن محمّد،العقد الفريد،دار إحياء التراث العربي،بيروت(1409 ه)ج 2 ص 230.
2- البغدادي،أبو منصور،عبد القادر بن طاهر بن محمّد،الفرق بين الفرق،ط القاهرة(1397 ه)ص 134.
3- مختار الليثي الدكتورة سميرة،جهاد الشيعة،ص 35 بالاستناد إلى برنارد لويس،أصول الإسماعيلية ص 84.
4- دفاع از حقانيت شيعة،ترجمة غلام حسن محرّمى،مؤمنين ط الأولى(1378 ه.ش)ص 48،و الشيعة في التاريخ ترجمة محمّد رضا عطائي،انتشارات(آستان قدس رضوي)ط ص ص 34.
5- خطط الشام،مكتبة النوري،دمشق ط الثالثة(1403 ه-1983 م ج 6 ص 245.

هو الحال في الأحاديث التي أوردها السيوطي-و هو من مفسّري أهل السنّة-في تفسير الآية الكريمة من قوله تعالى: أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ عليّ و شيعته و هم الفائزون يوم القيامة (1).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال لعليّ (2):«إنّ اللّه قد غفر لشيعتك و لمحبّي شيعتك».

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أيضا قال:«أنت و شيعتك تردون على الحوض رواء مرويين مبيضة وجوهكم و أنّ عدوّكم يردون عليّ ظماء مقمحين» (3).

و أنّه عليه السّلام يرد حوض الكوثر مع شيعة مبيضة وجوههم (4).

و قد خاطب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ابنته فاطمة بأنّ عليّا و شيعته هم الفائزون غدا (5).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أيضا:«إنّ عليا و أهل بيته و شيعته و محبّيه مغفور لهم» (6).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال لعلي عليه السّلام:«و إنّك غدا في الآخرة أقرب الناس منّي...و إنّ شيعتك على منابر من نور...» (7).

و عن ابن عباس قال:«تزف أنت و شيعتك مع محمّد و حزبه إلى الجنان زفا زفا» (8).).

ص: 47


1- الدر المنثور في التفسير بالمأثور،ط منشورات مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي،قم(1404 ه) ج 6 ص 379.
2- ابن حجر الهيثمي المكّي،الصواعق المحرقة،مكتبة القاهرة،ط الثانية(1385 ه)ص 232.
3- المصدر السابق،و الهيثمي،نور الدين عليّ بن أبي بكر،مجمع الزوائد،دار الفكر للطباعة و النشر و التووزيع،بيروت(1414 ه)ج 9،ص 177.
4- أخطب خوارزم،المناقب،منشورات المكتبة الحيدرية،النجف(1385 ه)،ص 206.
5- المصدر السابق ص 209 و القندوزي الحنفي،الشيخ سليمان،ينابيع المودّة،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت ط الأولى(1418 ه)ج 1 ص 302.
6- أخطب خوارزم،المناقب ص 210.
7- المصدر السابق ص 158 ح 188.
8- المصدر السابق ص 322(ضمن حديث 329 فصل 19).

و قد روى الخوارزمي مجموعة من المناقب في حقّ عليّ عليه السّلام منها:

إنّه صلّى اللّه عليه و آله أمره أن يتختّم بالعقيق الأحمر ليكون من المقرّبين و هم جبرئيل و ميكائيل لأنّ هذا الجبل(العقيق)آمن بنبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله و وصيّه علي عليه السّلام (1).

و إنّ سبعين ألف من(أمتي)يدخلون الجنّة بغير حساب فسأل عليّ و من هم يا رسول اللّه،فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«هم شيعتك» (2).

و روى أنس بن مالك عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:

إنّ اللّه يحبّ عليّا و إنّ اللّه عزّ و جلّ خلق من الملائكة قدر ما سبّح به و هم يستغفرون له و الشيعة (3).

و نقل عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أمر عليا أن يبشّر شيعته بأنّه شفيعهم يوم القيامة (4).

و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إنّ أوّل أربعة يدخلون الجنّة:أنا و أنت و الحسن و الحسين» (5).

و قال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لعليّ عليه السّلام:«إنّ أوّل ما يدخلون الجنّة أنا و أنت و الحسن و الحسين و ذرارينا خلف ظهورنا و أزواجنا خلف ذرارينا و شيعتنا عن أيماننا و عن شمائلنا» (6).

و من هنا فإنّ عددا كبيرا من محدّثي أهل السنّة و من مؤرّخيهم من قبيل ابن4.

ص: 48


1- المصدر السابق ص 234.
2- المصدر السابق ص 235.
3- القندوزي الحنفي،الشيخ سليمان،ينابيع المودّة ص 301.
4- المصدر السابق.
5- المصدر السابق ص 302.
6- الهيثمي نور الدين عليّ بن أبي بكر،مجمع الزوائد ص 178،عن طبعة 1407 ح 9 ص 131،174.

الجوزي،البلاذري،الشيخ سليمان القندوزي الحنفي،الخوارزمي و السيوطي، رووا إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال في عليّ بن أبي طالب عليه السّلام:«إنّ هذا و شيعته لهم الفائزون يوم القيامة» (1).

و هناك روايات عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في حقّ بعض الصحابة من الشيعة نقلت عن طريق بعض المحسوبين على خصوم الإمام عليّ عليه السّلام من قبيل ما روي عن السيّدة عائشة، فقد حجّ معاوية بعد أن ارتكب مذبحة«مرج عذراء»التي قتل فيها حجر بن عدي الكندي و ولده و بعض أصحابه و لمّا زار المدينة المنورة و التقى عائشة قالت له:

يا معاوية!أقتلت حجرا و أصحابه فأين عزب حلمك عنهم؟أمّا إنّي سمعت رسول اللّه يقول:«يقتل بمرج عذراء نفر يغضب لهم أهل السموات»قال:لم يحضرني رجل رشيد يا أمّ المؤمنين (2).

و بسبب قوّة هذه الروايات التي لا يتطرق إليها الشك و هي مثبّتة في المدوّنات الحديثية لدى علماء الحديث من أهل السنّة،فقد عمد بعض علماء السنّة إلى محاولة تفسيرها بشكل ينسجم مع توجّهاتهم الفكرية.

يقول ابن أبي الحديد (3):كان القائلون بالتفضيل هم المسمّون الشيعة و جميع6.

ص: 49


1- ابن الجوزي،تذكرة الخواص،منشورات المطبعة الحيدرية،النجف(1383 ه)ص 54،و البلاذري، أنساب الأشراف،تحقيق محمّد باقر المحمودي مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت ج 2 ص 182، و القندوزي الحنفي،الشيخ سليمان،ينابيع المودة،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت ط الأولى (1418 ه)ج 1 ص 201،و أخطب خوارزم،المناقب،منشورات المطبعة الحيدرية النجف الأشرف(1385 ه)ص 206 و السيوطي،جلال الدين،الدر المنثور في التفسير بالمأثور،مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي،قم(1404 ه)ج 6 ص 379.
2- ابن واضح،تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي،قم(1414 ه)ج 2 ص 231 مؤسسة الأعلمي، بيروت 1413 ه ح 2 ص 141.
3- ابن أبي الحديد،شرح نهج البلاغة،دار إحياء التراث العربي،بيروت ج 20 ص 226.

ما ورد من الآثار و الأخبار في فضل الشيعة و أنّهم موعودون بالجنّة،و لذلك قال:

أصحابنا المعتزلة في كتبهم و تصانيفهم:نحن الشيعة حقّا فهذا القول هو أقرب إلى السلامة و أشبه بالحقّ.

و كذا ما قاله ابن حجر الهيثمي أيضا في الصواعق المحرقة في الردّ على أهل البدع و الزندقة-كتاب في ردّ عقائد الشيعة و مرتكزاتهم الفكرية-عند نقله هذه الأحاديث (1):أيّ أهل بيتك و محبّوكم الذين لم يبتدعوا بسبّ أصحابي و لا بغير ذلك.

و هذا ما استدعى من المرحوم المظفر أن يرد على هذه الآراء في كتابه تاريخ الشيعة (2).

و كذا المرحوم الشيخ كاشف الغطاء (3).

إنّ حضور اصطلاح«الشيعة»مفردة و معنى في أحاديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مسألة في غاية الوضوح و لهذا فأنّ محاولات التأويل و التفسير و الاتجاه بالمعنى بعيدا عن دلالاته الحقيقية هي مجرّد محاولات لخداع الذات،خاصّة و أنّ ظاهرة الصحابة من شيعة عليّ عليه السّلام هي مسلّمة تاريخية لا غبار عليها و لا يتطرّق إليها الشكّ فهناك من بين صحابة الرسول رجال عرفوا بتشيّعهم لعليّ و هو أمر مشهور جدا (4).

و كان صحابة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يستخدمون هذا الاصطلاح«الشيعة»إذ نجد علىم.

ص: 50


1- الهيثمي المكّي،ابن حجر،الصواعق المحرقة،مكتبة القاهرة(1384 ه)ص 232.
2- المظفر،محمّد حسين،تاريخ الشيعة،منشورات مكتبة بصيرتي(بدون تاريخ)ص 5.
3- دفاع عن حقانيت شيعة،ترجمة غلام حسن محرّمي،مؤمنين ط الأولى(1378 ه.ش)ص 48،49.
4- يقول سعد بن عبد اللّه الأشعري حول هذا الموضوع:فأوّل الفرق الشيعة،و هي فرقة عليّ بن أبي طالب رضوان اللّه عليه،المسمّون شيعة عليّ في زمان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و بعده معروفون بانقطاعهم إليه و القول بإمامته،منهم المقداد بن الأسود الكندي،و سلمان الفارسي،و أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري،و عمّار بن ياسر المذحجي المؤثرون طاعته،المؤتمون به،و غيرهم ممّن وافق مودته مودّة عليّ بن أبي طالب،و هم أوّل من سمّوا باسم التشيّع من هذه الأمّة لأنّ اسم التشيّع قديم،شيعة نوح و إبراهيم و موسى و عيسى و الأنبياء عليهم السّلام.

سبيل المثال هاشم المرقال يتحدث مع الإمام عليّ عليه السّلام حول شخص يدعى «محل بن خليفة الطائي»فيقول للإمام في معرض تعريف الرجل:«يا أمير المؤمنين هو من شيعتك» (1).

فيقول الإمام في معرض الجواب (2):«صفر الوجوه من السّهر،عمش العيون من البكاء...».

و في موارد أخرى نرى الإمام عليّ عليه السّلام يستخدم مصطلح«الشيعة»فيطلقه على مؤيّديه و أنصاره من قبيل قوله لمّا سمع خبر استشهاد عدّة من أنصاره في البصرة على يد طلحة و الزبير و إذا رفع يديه إلى السماء و قال (3):«...اللّهمّ اقتلهم بمن قتلوا من شيعتي...».

و هذا الاصطلاح استخدمه أعداء عليّ و مناؤوه إذ أطلقوه على أنصار عليّ و مؤيّديه إذ نرى طلحة و الزبير و عائشة في مسيرهم إلى البصرة يتداولون الحديث و الكلام مكان قرارهم (4):«...و إذا أسرعنا المسير إلى البصرة و أخرجنا عامله منها،و قتلنا شيعته بها...».

و على أيّة حال فإنّ حقيقة التشيّع التي تعني الولاء و الحبّ و التأييد و تفضيل الإمام عليّ على غيره من الصحابة أمرا كان واضحا حتى في زمن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله؛ الذي كان يدعو إلى حبّ عليّ و موالاته و أتباعه من قبيل ما حصل في«غدير خم»،كما يشير إلى ذلك ابن أبي الحديد (5).9.

ص: 51


1- الشيخ المفيد،محمّد بن محمّد بن النعمان،الجمل،مكتب العلوم الإسلامي،مركز النشر،ط 2(1416 ه)ص 243.
2- الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان الإرشاد،ترجمة محمّد باقر الساعدي الخراساني،المكتبة الإسلأميّة ط الثانية ح 1 ص 237،تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السّلام 1413 ه.
3- الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان،الجمل ص 285.
4- المصدر السابق ص 235.
5- شرح نهج البلاغة ح 2 ص 349.

و فيما يلي طائفة من الأحاديث في هذا المضمار:

عن بريدة الأسلمي قال (1):«إنّ اللّه أمرني بحبّ أربعة و أخبرني أنّه يحبّهم قيل يا رسول اللّه سمّهم لنا قال:عليّ منهم يقول ذلك ثلاثا،و أبو ذر و المقداد و سلمان».

جاء في تاريخ الطبري في وقائع معركة أحد قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«عليّ منّي و أنا من علي» (2).

و عن أمّ سلمة قالت (3):«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا غضب لم يجترئ أحد أن يكلّمه إلاّ عليّ».

و روى سعد بن أبي وقاص عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (4):«من أحبّ عليّا فقد أحبّني و من أحبّني فقد أحبّ اللّه و من أبغض عليّا فقد أبغضني و من أبغضني فقد أبغض اللّه».

و روى ابن الجوزي عن النبيّ الأكرم مثل ذلك صلّى اللّه عليه و آله (5).

و جاء أيضا في مناقب الخوارزمي عن ابن عبّاس عن النبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله (6).

و يروي الزبير بن بكّار-من أحفاد الزبير،مشهور بعدائه لأمير المؤمنين عليه السّلام- عن النبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله مثله (7).

و يروي ابن أبي الحديد عن زيد بن أرقم عن النبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله قوله:«ألا2.

ص: 52


1- الهيثمي المكّي،الصواعق المحرقة،مكتبة القاهرة،ط الثانية(1358 ه)ص 122.
2- تاريخ الطبري،دار الكتب العلمية،بيروت،ط الثالثة(1408 ه)ج 2 ص 65.
3- الهيثمي المكّي،الصواعق المحرقة ص 123.
4- المصدر السابق.
5- سبط ابن الجوزي،تذكرة الخواص،منشورات المطبعة الحيدرية،النجف(1383 ه)ص 209.
6- أخطب خوارزم،المناقب،منشورات المطبعة الحيدرية،النجف(1385 ه)ص 214.
7- الأخبار الموفقّيات،انتشارات الشريف الرضي،قم(1416 ه)ص 312.

أدلكم على ما إن تساءلتم عليه لم تهلكوا؟إنّ وليّكم اللّه و إنّ إمامكم عليّ بن أبي طالب،فناصحوه و صدّقوه،فإنّ جبرائيل أخبرني ذلك».

و يعلّق ابن أبي الحديد بعد نقله الحديث قائلا (1):

«فإن قلت هذا نصّ صريح في الإمامة فما الذي تصنع المعتزلة بذلك،قلت:

يجوز أن يريد إنّه إمامهم في الفتاوى و الأحكام الشرعية لا في الخلافة.و أيضا فإنّا قد شرحنا من قول شيوخنا البغداديين ما محصّله:إنّ الإمامة كانت لعليّ عليه السّلام إن رغب فيها و نازع عليها و إن أقرّها في غيره و سكت عنها تولّينا ذلك الغير و قلنا بصحة خلافته و أمير المؤمنين عليه السّلام لم ينازع الأئمة الثلاثة و لا جرّد السيف و لا استنجد بالناس عليهم فدلّ ذلك على إقراره لهم على ما كانوا فيه فلذلك تولّيناهم و قلنا فيهم بالطهارة و الخير و الصلاح و لو حاربهم و جرّد السيف عليهم و استصرخ العرب على حربهم لقلنا فيهم ما قلنا فيمن عامله هذه المعاملة من التفسيق و التضليل».

خلاصة الدرس الرابع

يرى بعض الباحثين أنّ ظهور التشيّع يعود إلى حادثة السقيفة و يرى آخرون أنّ ظهور التشيّع مرتبط بأواخر عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفّان.

فيما يعتقد فريق ثالث أنّ بذرة التشيّع نبتت بعد مقتل عثمان،إلى جانب هؤلاء يبرز رأي رابع فيرى ظهور التشيّع كان بعد استشهاد الإمام عليّ عليه السّلام،و هناك رأي خامس يذهب إلى أنّ واقعة عاشوراء و استشهاد الإمام الحسين هي وراء ظهور التشيّع.

أمّا الشيعة فيعتقدون بأنّ ظهور التشيّع يعود إلى زمن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و يؤيّد بعض

ص: 53


1- ابن أبي الحديد،شرح نهج البلاغة،دار إحياء الكتب العربية،مصر ط الأولى(1378 ه)ج 3 ص 98.

علماء السنّة هذا الرأي كما هو الحال في العلاّمة محمّد كرد عليّ الذي يعتقد بأنّ جذور التشيّع تعود إلى عهد النبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و أنّ النبيّ هو أوّل من أطلق هذا الاصطلاح على محبّي عليّ عليه السّلام.

تاريخيا اشتهر بأنّ بعض الصحابة عرفوا بشيعة عليّ و كان ذلك على عهد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و إضافة إلى ذلك فإنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يحثّ أصحابه على حبّ عليّ و موالاته و قد حصل ذلك في مناسبات عديدة.

***

أسئلة الدرس الرابع

1-كم نظرية توجد حول بدء و ظهور التشيّع؟اشرح ذلك.

2-من هو أوّل من أطلق مصطلح الشيعة على محبّي علي؟

3-اذكر حديثين عن النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله حول الشيعة.

4-ما هو رأي ابن أبي الحديد في الأحاديث الشريفة حول الشيعة؟

5-ما هو موقف ابن حجر الهيثمي إزاء أحاديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حول الشيعة؟

6-ما هي حقيقة التشيّع؟

7-ما هو رأي ابن أبي الحديد في حديث زيد بن أرقم؟

ص: 54

الدرس الخامس: مصطلحات أخرى

اشارة

بعد أن تسنّم الإمام عليّ عليه السّلام موقع الخلافة و بعد أن اتسعت رقعة التشيّع ظهرت إلى جانب مصطلح الشيعة مصطلحات أخرى من قبيل«العلوية»، «الإماميّة»،«الاثنا عشرية»،«الحسينية»،«الجعفرية»،«الخاصّة»،«الترابية»، و«الرافضة»كل هذه المصطلحات كانت تطلق على الشيعة و على محبّي أهل البيت و كانت الصفة الغالبة هي الشيعة و لكن المصطلحات الأخرى كانت تطلق في مناسبات ما بهدف الحطّ من شأنهم في بعض الأحيان.

ففي عهد معاوية كان الأمويون يحاولون توظيف مصطلحات محددة بهدف محاربة أتباع أهل البيت نفسيّا فقد استخدموا مثلا إحدى كنى الإمام عليّ عليه السّلام و هي«أبو تراب».

و بعد انتهاء حرب صفّين و نتيجة التحكيم التي أفرزت وضعا جديدا مكّن معاوية من ارسال ولاته إلى بعض المدن كالبصرة مثلا،إذ بعث إليها عبد اللّه بن الحضرمي و وضع له منهجا في طريقة التعامل مع قبائلها فكان نصيب قبائل ربيعة الإهمال و المضايقة و وصف رجالها بالترابيين (1).

و ذكر المسعودي إنّ أبا مخنف قد صنّف كتابا أسماه«أخبار الترابيين»و قد نقل المسعودي عنه«عين الورد» (2).

أمّا«الرافضة»فهو أكثر الاصطلاحات المستخدمة شيوعا لدى خصوم الشيعة،

ص: 55


1- البلاذري أنساب الأشراف،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت(1394 ه)ج 2 ص 423.
2- المسعودي،مروج الذهب،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت(1394 ه)ج 3 ص 110.

و لهذا يعدّ هذا الاصطلاح نوعا من التنكيل يستخدمه المعارضون للشيعة و أعداؤهم و يعني لديهم حالة من الخروج عن الدين،و قد اتّهم الشافعي بالرفض و لهذا أعلن صراحة ذلك في لهجة مليئة بالتحدّي:

إن كان رفضا حبّ آل محمّد فليشهد الثقلان أنّي رافضي (1)(2)

و قد جاء في التاريخ أنّ لقب الرافضة أطلق على الشيعة بعد ثورة زيد الشهيد(رضي اللّه عنه)يقول الشهرستاني (3):

«و لمّا سمعت شيعة الكوفة هذه المقالة منه و عرفوا أنه لا يتبرأ عن الشيخين رفضوه حتّى أتى قدره عليه فسمّيت رافضة».

أمّا لقب«العلويّ»فقد كتب السيّد محسن الأمين:«فبعد مقتل عثمان و قيام معاوية و أتباعه بوجه عليّ بن أبي طالب و إظهار الطلب بدم عثمان و استمالته عددا عظيما من المسلمين إلى ذلك صار أتباعه يعرفون بالعثمانية و هم من يوالون عثمان و يبرأون من عليّ أمّا من يوالونهما فلا يطلق عليهما اسم العثمانية،أمّا أتباع عليّ فيعرفون بالعلوية مع بقاء اطلاق اسم الشيعة عليهم و استمر ذلك حتى ملك بني أميّه،و في دولة بني العبّاس نسخ اسم العلوية و العثمانية و صار في المسلمين اسم الشيعة و السنّة إلى يومنا هذا» (4).

و هكذا بالنسبة للإماميّة فهو لقب آخر أطلق على الشيعة في مقابل الزيدية يقول ابن خلدون:«..ثمّ منهم من يرى أنّ هذه النصوص تدلّ على تعيين عليّ و تشخيصه و كذلك تنتقل منه إلى من بعده و هؤلاء هم الإماميّة و يتبرّأون من9.

ص: 56


1- الهيثمي المكّي،الصواعق المحرقة،ص 123.
2- الأمين السيّد محسن،أعيان الشيعة،دار التعارف للمطبوعات،بيروت(بدون تاريخ)ج 1 ص 21.
3- الشهرستاني،الملل و النحل،منشورات الشريف الرضي،قم(1364 ه.ش)ص 139.
4- الأمين،السيد محسن،أعيان الشيعة ص 19.

الشيخين حيث لم يقدّموا عليّا و يبايعوه بمقتضى هذه النصوص و يغمصون في إمامتهما...و منهم من يقول إنّ هذه الأدلة إنّما اقتضت تعيين عليّ بالوصف لا بالشخص و الناس مقصّرون حيث لم يضعوا الوصف موضعه و هم الزيدية و لا يتبرّأون من الشيخين» (1).

و إذا ما استقصينا شعر يوم عاشوراء و ما أنشده أصحاب الإمام الحسين عليه السّلام في أثناء المعارك،و كذا شعر ما بعد الواقعة حول كربلاء،فإنّنا سنلحظ ظهور اصطلاح جديد«دين الحسين» (2)،و من ثمّ«الحسيني»:«و من الروافض الحسينية، و هم أصحاب إبراهيم بن الأشتر،و كانوا يطوفون بالليل في أزقّة الكوفة و ينادون:

يا لثارات الحسين،فقيل لهم الحسينية» (3).

ثمّ ظهر مصطلح«القطعية»ليطلق على شرائح واسعة من الشيعة في مقابل «الواقفية»الذين وقفوا على إمامة موسى الكاظم عليه السّلام و نفوا استشهاده في السجن سنة(186 ه).في حين تمثّل«القطعية»الشيعة الذين قطعوا بمسألة شهادته و آمنوا بإمامة خلفه الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام و الأئمة من بعده،بينما ظلّت الواقفية تشكّل تيارا داخل الوسط الشيعي (4).

و اليوم يمثّل مصطلح«الجعفرية»الطائفة الشيعية رمزا لمذهب أهل البيت عليهم السّلام بطابعه الفقهي الذي يميّزه عن فقه المذاهب الأربعة لأهل السنّة.ذلك أنّ فقه أهل البيت بشكل عام إنّما تبلّور على يد الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام كما أن معظم الروايات الفقهية ترتفع إلى الإمام الصادق عليه السّلام.0.

ص: 57


1- ابن خلدون،مقدمة،دار إحياء التراث العربي،بيروت(1408 ه)ص 197.
2- ابن شهر آشوب،مناقب آل أبي طالب،مؤسسة انتشارات علاّمة،قم،ج 4،ص 102.
3- ابن عبد ربّه الأندلسي،العقد الفريد،دار إحياء التراث العربي،بيروت(1409 ه)ج 2 ص 234.
4- الشهرستاني،الملل و النحل ص 150.

و إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار شعر السيّد الحميري فإنّ الفقه وحده لا يمثّل السبب في بروز هذا المصطلح و إنّما ينسحب الأمر أيضا على الأصول،ذلك أنّ مذهب الإمام جعفر الصادق في الأصول يمتاز على غيره من الأصول المعتمدة لدى الفرق و المذاهب الأخرى يقول السيد الحميري:

تجعّفرت باسم اللّه و اللّه أكبر (1)

و هذا الإعلان القوّي يتعدّى مساحة المسائل الفقهية إلى مسائل عقائدية و جوهرية تختلف عن متبنيات فرقة الكيسانية.

منزلة الإمام عليّ عليه السّلام بين الصحابة

اشارة

للإمام عليّ عليه السّلام موقعه الفريد بين الصحابة يقول المسعودي (2):«و الأشياء التي استحقّ بها أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الفضل هي:السبق إلى الإيمان و الهجرة و النصرة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و القربى منه و القناعة و بذل النفس له و العلم بالكتاب و التنزيل و الجهاد في سبيل اللّه و الورع و الزهد و القضاء و الحكم و الفقه و العلم كل ذلك لعليّ عليه السّلام منه النصيب الأوفر و الحظ الأكبر إلى ما ينفرد به من قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حين آخى بين أصحابه:«أنت أخي»و هو صلّى اللّه عليه و آله لا ضدّ له و لا ندّ و قوله صلوات اللّه عليه:«أنت منّي بمنزلة هارون من موسى الا إنّه لا نبيّ بعدي» و قوله عليه الصلاة و السّلام:«من كنت مولاه فعليّ مولاه اللّهمّ وال من والاه و عاد من عاده»ثمّ دعاؤه عليه السّلام و قد قدم إليه أنس الطائر:«اللّهمّ ادخل إليّ أحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطائر،فدخل عليه عليّ إلى آخر الحديث فهذا و غيره من فضائله و ما اجتمع فيه من الخصال ممّا تفرّق في غيره...».

ص: 58


1- المسعودي عليّ بن الحسين،مروج الذهب،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت(1411 ه)ج 3 ص 92.
2- المصدر السابق،ح 3 ص 419،دار الفكر 1421 ه.

كما أنّ الإمام علي عليه السّلام هو أقرب الناس إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من بني هاشم قاطبة، فقد تربّى في ظلال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و نشأ في منزله و تشرّب أخلاقه (1).

و الإمام عليّ عليه السّلام هو الفدائي الأوّل في تاريخ الإسلام نام في فراش النبيّ ليلة الهجرة التاريخية ليفديه بنفسه و ليؤدّي الأمانات إلى أهلها و ما لبث أن هاجر بعد أيام و كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ينتظر وصوله في مسجد قبا (2).

و الأهم من ذلك كلّه هو موقع عليّ في الإسلام و هو موقع حدّده النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في وقت مبكّر من التاريخ الإسلامي.و في حديث الدار لمّا نزلت الآية الكريمة من قوله تعالى: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ففي ذلك اليوم عند ما حضر بنو هاشم و أعلن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله رسالته و طلب من عشيرته النصرة لم ينهض سوى عليّ،بينما اعتصم الجميع بالصمت هنالك أعلن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّ عليّا هو وصيّه و وزيره و خليفته من بعده هذا و كان الإمام في مقتبل العمر (3).

و كان النبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله يؤكد في كل مناسبة موقع عليّ عليه السّلام و مقامه و منزلته و كان يوصي المسلمين و يدعوهم إلى الوقوف في جانب عليّ لأنّه يمثّل وقوفا إلى جانب الحقّ.

و بسبب مواقف قريش المتشنّجة إزاء بني هاشم و خاصّة عليّ فقد كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يفتأ يوصي أصحابه و يرشدهم و ينبّههم إلى منزلة عليّ و موقعه الفريد.يروي ابن شهر آشوب عن عمر بن الخطاب أنّه كان يؤذي عليّا فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«لم تؤذيني؟»فيجيب عمر:معاذ اللّه أن أؤذي رسول اللّه فيقول0.

ص: 59


1- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي،قم(1416 ه)ص 41.
2- المسعودي،عليّ بن الحسين،مروج الذهب ص 294.
3- انظر اليوسفي الغروي،محمّد هادي،موسوعة التاريخ الإسلامي،مجمع الفكر الإسلامي،قم،ط الأولى (1417 ه)ج 1 ص 410.

النبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«و لكنّك تؤذي عليّا و من آذى عليّا فقد آذاني».

و روى مصعب بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقّاص أنّه كان في المسجد مع رجل فطفقا الحديث عن عليّ و وقعا فيه،فبان الغضب على وجه رسول اللّه و قال:

«من آذى عليّا فقد آذاني».

و يروي الهيثمي قائلا (1):«و عن بريدة قال:بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليّا أميرا على اليمن و بعث خالد بن الوليد على الجبل فقال إن اجتمعتما فعليّ على الناس، فالتقوا و أصأبوا من الغنائم ما لم يصيبوا مثله و أخذ عليّ جارية من الخمس فدعا خالد بن الوليد بريدة فقال:اغتنمها فاخبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ما صنع فقدمت المدينة و دخلت المسجد و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في منزله و ناس من أصحابه على بابه فقالوا:ما الخبر يا بريدة فقلت:خيرا فتح اللّه على المسلمين فقالوا:ما أقدمك،قلت:جارية أخذها عليّ من الخمس،فجئت لأخبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقالوا:فأخبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فإنّه يسقط من عين النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يسمع الكلام و خرج مغضبا فقال:ما بال أقوام ينتقصون عليّا،من تننقّص عليّا فقد تنقّصني و من فارق عليّا فقد فارقني إنّ عليّا مني و أنا منه خلق من طينتي و خلقت من طينة إبراهيم و أنا أفضل من إبراهيم ذريّة بعضها من بعض و اللّه سميع عليم يا بريدة أما علمت أنّ لعليّ أكثر من الجارية التي أخذ و أنّه وليّكم بعدي».

و يروي ابن شهر آشوب أحاديث شبيهة بهذا عن محدّثين من قبيل الترمذي، أبي نعيم،البخاري و الموصلي (2).2.

ص: 60


1- الهيثمي،نور الدين عليّ بن أبي بكر،مجمع الزوائد،دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع،بيروت (1414 ه)ج 9 ص 128،1408 ه.
2- ابن شهر آشوب،مناقب آل أبي طالب ص 211،212.

و لهذا فقد كان الإمام عليّ عليه السّلام يحظى بالاحترام و الاجلال من لدن الصحابة، يروى ابن شهر آشوب أيضا عن أنس بن مالك (1):ما كنا نعرف الرجل لغير أبيه إلاّ ببغض عليّ بن أبي طالب...كان الرجل من بعد يوم خيبر يحمل ولده على عاتقه ثمّ يقف على طريق عليّ فإذا نظر إليه أومى بإصبعه يا بنيّ تحبّ هذا الرجل؟فإن قال نعم قبّله؛و إن قال لا خرق به الأرض،و قال له:ألحق بأمّك...

و قال عبادة بن الصامت:كنّا نسيّر أولادنا بحبّ عليّ بن أبي طالب فإذا رأينا أحدهم لا يحبّه علمنا أنّه لغير رشده».

[مسألة الخلافة لعلى(عليه السلام)في أواخر حياة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله]

و في أواخر حياة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أصبحت مسألة خلافة الإمام عليّ عليه السّلام للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله أكثر شيوعا،كما أنّ لقب«الوصي»أصبح من ألقاب الإمام عليّ عليه السّلام الشائعة لدى الجميع بغض النظر عن مواقفهم إزاءه.و قد ظهر هذا جليّا في وقائع غزوة تبوك،و لأوّل مرّة لم يرافق عليّ عليه السّلام النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في هذه الغزوة لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله استخلفه على المدينة المنوّرة في خطوة لها دلالتها خاصّة بعد أن خرج النبيّ أمام الملأ العام مخاطبا عليّا عليه السّلام:«أنت منّي بمنزلة هارون من موسى الا إنّه لا نبيّ بعدي».

و سوف يتكرّر الأمر في حجّة الوداع على نطاق أوسع و أعمق إذ خرج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في منى و عرفات و أخبر بأنّ عدد خلفائه اثنا عشر كلّهم من بني هاشم (2)،ثمّ توّجت هذه الإشارات بإعلان عام في منطقة«غدير خم»في عودته صلّى اللّه عليه و آله من مكّة إلى المدينة و في منتصف الطريق إذ نزل الوحي الإلهي: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ

ص: 61


1- المصدر السابق ج 3 ص 207 دار الأضواء 1405 ه.
2- مرتضى العاملي،سيد جعفر،الغدير و المعارضون،دار السيرة،بيروت.

رِسالَتَهُ هنالك أمر النبيّ بالتوقف و حبس قوافل الحجيج و إعادة القوافل التي اجتازت المنطقة،وضع للنبيّ منبر من أفتاب الإبل و نادى النبيّ في عشرات الألوف من حجاج بيت اللّه:«من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه،اللهمّ وال من والاه و عاد من عاده،و انصر من نصره و اخذل من خذله».

ثمّ أمر الناس بأنّ يبايعوا عليّا،و يجد الباحث تفصيلا لهذه الواقعة الهامّة في التاريخ في موسوعة الغدير للعلاّمة الأميني في الجزء الأوّل،من هنا فإنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أعلن هوية خليفته و لهذا فإنّ الرأي العام السائد بين الأنصار و المهاجرين بأنّ عليّا سيخلف النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و قد تحدّث الزبير بن بكّار حول هذا الموضوع،الذي صوّر و حدّد ما يشبه الإجماع على خلافة الإمام إذ إنّ عموم المهاجرين و كلّ الأنصار كانوا لا يشكّون في أنّ الخليفة و صاحب الأمر بعد رسول اللّه هو عليّ بن أبي طالب (1).

و انعكست هذه الحقائق التاريخية في الأشعار التي رافقت حادثة السقيفة.

يقول عتبة بن أبي لهب بعد أن انتهت إليه نتائج السقيفة و انتخاب أبي بكر للخلافة:

ما كنت أحسب أنّ الأمر منصرف عن هاشم ثمّ منها عن أبي الحسن

أ ليس أول من صلّى لقبلتكم و أعلم الناس بالقرآن و السنن

و أقرب الناس عهدا بالنبيّ و من جبريل عون له في الغسل و الكفن

ما فيه ما فيهم لا يمترون به و ليس في القوم ما فيه من الحسن

ماذا الذي ردّهم عنه فتعلمه ها أن ذا غبننا من أعظم الغبن0.

ص: 62


1- الزبير بن بكّار،الأخبار الموفقيات،منشورات الشريف الرضي قم،(1416 ه)ص 580.

و قد أوصى الإمام عتبة بالابتعاد عن هذا النهج في قول الشعر و أكد له بأنّ سلامة الدين أهم من كل شيء (1).

و قول ابن أبي عبرة القرشي:

شكرا لمن هو بالثناء حقيق ذهب اللجاج و بويع الصّديق

كنّا نقول لها عليّ و الرضا عمر و أولاهم بذاك عتيق (2)

و عتيق هنا أبو بكر الذي بويع بالخلافة بعد ما ولّت السقيفة لكن الشعر يشير صراحة عن وجود انطباع عام في أنّ الخلافة ستكون من نصيب عليّ و أنّ عليّا أهلا لها.

و في الجدل الذي احتدم جرّاء السقيفة و موقف عمرو بن العاص المناهض للأنصار،نرى أنّ النعمان بن عجلان سوف ينبري للردّ على عمرو بن العاص، فجاءت أشعاره تمجيدا لعليّ و إعلان حقّه الشرعي في الخلافة:

فقل لقريش نحن أصحاب مكّة و يوم حنين و الفوارس في بدر

و قلتم حرام نصب سعد و نصبكم عتيق بن عثمان حلال أبا بكر

و هل أبو بكر لها خير قائم و إنّ عليّا كان أخلق بالأمر

و كان هوانا في عليّ و أنّه لأهل لها يا عمرو من حيث لا تدري

فذاك بعون اللّه يدعو إلى الهدى و ينهى إلى الفحشاء و البغي و النكر

وصي النبيّ المصطفى و ابن عمّه و قاتل فرسان الضلالة الكفر (3)

و لحسان بن ثابت شعر يشكر فيه الفضل بن عبّاس الذي انبرى للدفاع عن الأنصار بتوجيه من الإمام عليّ عليه السّلام:2.

ص: 63


1- الزبير بن بكّار،الأخبار الموفقيات،منشورات الشريف الرضي،قم(1416 ه)،ص 581.
2- المصدر السابق ص 580.
3- الزبير بن بكّار،المصدر السابق،ص 592.

جزى اللّه عنّا و الجزاء بكفّه أبا حسن عنّا و من كان كأبي حسن

سبقت قريش بالذي أنت أهله فصدرك مشروح و قلبك ممتحن

حفظت رسول اللّه فينا و عهده إليك و من أولى به منك من و من

أ لست أخاه في الهدى و وصيّه و أعلم منهم بالكتاب و بالسنن (1)

و حتى أبو سفيان الذي أعرب عن استيائه من نتائج السقيفة و أعلن حقّ عليّ و أهليته للخلافة في شعر مشهور جاء فيه:

بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم و لا سيّما تيم بن مرّة أو عدي (2)

فما الأمر إلاّ فيكم و إليكم و ليس لها إلاّ أبو حسن عليّ (3)

و أخيرا يأتي الإعلان العام في غدير خمّ و ما أنشده حسّان بن ثابت شاعر الرسول صلّى اللّه عليه و آله في حضرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بعد أن استأذنه في تسجيل تلك الحادثة شعريا،يقول حسّان في قصيدته المشهورة:

يناديهم يوم الغدير نبيّهم بخم واسمع بالنبيّ مناديا

و قد جاء جبرئيل عن أمر ربّه بأنّك معصوم فلا تك وانيا

و بلّغهم ما أنزل اللّه ربّهم إليك و لا تخش هناك الأعاديا

فقال فمن مولاكم و وليّكم فقالوا و لم يبدو هناك تعاميا

إلهك مولانا و أنت وليّنا و لن تجدن فينا لك اليوم عاصيا

فقال له:قم يا عليّ فأننّي رضيتك من بعدي إماما و هاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليّه فكونوا له أنصار صدق مواليا6.

ص: 64


1- ابن واضح،تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي،قم،ط الأولى(1414 ه)ج 2 ص 128.
2- تيم:هي قبيلة أبي بكر،و عدي قبيلة عمر.
3- ابن واضح،تاريخ اليعقوبي،ص 126.

هناك دعا اللهمّ و ال وليّه و كن للذي عادى عليّا معاديا

فيا ربّ انصر ناصريه لنصرهم إمام هدى كالبدر يجلو الدياجيا (1)

و نجد هنا أنّ الشاعر حسّان بن ثابت يقرّر أدبيا حديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أطلق على الإمام عليّ ألقاب:الإمام،الولي و الهادي،و على هذا فإنّ الشاعر الذي يمثل ضمير الرأي العام تلقّى خطاب النبيّ و حديثه بهذا الفهم الواضح الذي أقرّه الرسول صلّى اللّه عليه و آله في تلك المناسبة.

و من هنا يمكن القول إنّ الرأي العام كان يتصوّر بشكل جازم إنّ خلافة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ستكون للإمام عليّ عليه السّلام و لن ينازعه في ذلك منازع أو يدفعه دافع، و هذا ما أشار إليه معاوية بن أبي سفيان في رسالته الجوابية إلى محمّد بن أبي بكر (2):«...فقد كنّا و أبوك معنا في حياة من نبيّنا نرى حقّ ابن أبي طالب لنا لازما و فضله علينا مبرزا فلمّا اختار اللّه لنبيّه ما عنده...فكان أبوك و عمر أوّل من أنزله منزلته عندهما فدعواه إلى أنفسهما...».

و انطلاقا من هذا الفهم العام و الأكيد فأنّ الذين لم يحضروا وفاة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في المدينة و كانوا خارجها لم يكونوا على علم بالمؤثرات التي حيكت في الشهور الأخيرة من حياة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله منهم خالد بن سعيد و أبو سفيان و...عندما عادوا إلى المدينة و رأوا أبا بكر متربّعا على منبر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله باعتباره خليفة تلقوا ذلك بقدر كبير من الدهشة (3).6.

ص: 65


1- الأميني عبد الحسين،الغدير،دار الكتب الإسلاميّة،طهران(1366 ه.ش)ج 1 ص 11 و ج 2 ص 39.
2- ابن الأثير عز الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرم،أسد الغابة في معرفة الصحابة،دار إحياء التراث العربي،بيروت(بدون تاريخ)ج ص 120 و ابن واضح،تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 126.
3- البلاذري،أحمد بن يحيى بن جابر،أنساب الأشراف،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت (1394 ه)ج 2 ص 396.

و قد اجتمع أبو سفيان بالعبّاس بن عبد المطلب و بالإمام فيما بعد و أعلن وقوفه إلى جانب الإمام في أيّة خطوة لاستعادة حقّه في الخلافة،و تعهّد لهما بأنّه سيملأها خيلا و رجالا،و لكنّ الإمام عليّ عليه السّلام كان يدرك سلفا نوايا أبي سفيان الحقيقية،و لهذا نهره و ردّه خائبا (1).

[على(عليه السلام)افقه الامة]

و بالرغم من اعتراف أغلبية الصحابة بخلافة أبي بكر بشكل رسمي،و لكن مسألة أفضلية الإمام عليّ عليه السّلام ظلّت من المسلّمات لدى الجميع،و لهذا فإنّ الفتيا كانت لعليّ عليه السّلام و لم يكن أحد يجرؤ على الإفتاء و عليّ في المسجد،ذلك أنّ أحاديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كانت ما تزال ماثلة أمام الجميع؛و قد سمع المسلمون النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول عن عليّ إنّه:«أفقه الأمّة» (2).و كان عمر بن الخطاب كثيرا ما يردّد مقولته المشهورة:«لا أبقاني اللّه لمعضلة ليس لها أبو الحسن» (3)،و كان يخاطب أصحاب النبيّ قائلا:«لا يفتي أحد و عليّ في المسجد»و«لا أبقاني اللّه لمعضلة ليس فيها أبو الحسن» (4).

و بالرغم من بقاء الإمام بعيدا عن القرار السياسي بعد وفاة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و لكنّ الصحابة كانوا يروون و يتحدثون عن مناقب الإمام عليّ عليه السّلام،و نجد ابن حجر الهيثمي المعروف بتعصّبه الشديد يحصي من رواة الغدير ثلاثين راويا (5)،فيما نجد ابن شهر آشوب يورد ثمانين راويا لحديث الغدير (6).

ص: 66


1- ابن واضح،تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي،قم ط الأولى،(1414 ه)ج 2 ص 126.
2- مناقب آل أبي طالب،مؤسسة انتشارات علاّمة ج 3 ص 25،26.
3- البلاذري،أنساب الأشراف.
4- ابن أبي الحديد،شرح نهج البلاغة،دار إحياء التراث العربي،بيروت ج 1 ص 18.
5- المصدر السابق.
6- الصواعق المحرقة،مكتبة القاهرة،(1385 ه)ص 122.

و أثبت المرحوم العلاّمة الأميني صاحب موسوعة الغدير وجود 110 من الصحابة رووا جميعهم حديث الغدير.

و هذه قائمة بأسماء الصحابة ممّن رووا الحديث:«أبو هريرة،أبو ليلى الأنصاري،أبو زينب الأنصاري،أبو فضالة الأنصاري،أبو قدامة الأنصاري،أبو عمر بن عمرو بن محصن الأنصاري،أبو الهيثم ابن التّيهان،أبو رافع،أبو ذؤيب، أبو بكر بن أبي قحافة،أسامة بن زيد،أبي بن كعب،أسعد بن زرارة الأنصاري، أسماء بنت عميس،أمّ سلمة،أمّ هاني،أبو حمزة،أنس بن مالك الأنصاري، البراء بن العازب،بريدة الأسلمي،أبو سعيد ثابت بن وديعة الأنصاري،جابر بن سميرة،جابر بن عبد اللّه الأنصارى،جبلة بن عمرو الأنصاري،جبير بن مطعم القرشي،جرير بن عبد اللّه البجلي،أبو ذر جندب بن جنادة،أبو جنيدة الأنصاري، حبّة بن جوين العرني،حبشيء بن جنادة السلولي،حبيب بن بديل بن ورقاء الخزاعي،حذيفة بن أسيد الغفاري،أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري،خالد بن الوليد المخزومي،خزيمة بن ثابت،أبو شريح خويلد بن عمر الخزاعي،رفاعة بن عبد المنذر الأنصاري،الزبير بن العوّام،زيد بن الأرقم،زيد بن ثابت،زيد بن يزيد الأنصاري،زيد بن عبد اللّه الإنصاري،سعد بن أبي وقّاص،سعد بن جنادة، سلمة بن عمرو بن الأكوع،سمرة بن جندب،سهل بن حنيف،سهل بن سعد الأنصاري،صدى بن عجلان،ضميرة الأسدي،طلحة بن عبيد اللّه،عامر بن عمير، عامر بن ليلى،عامر بن ليلى الغفاري،عامر بن واثلة،عائشة بنت أبي بكر،العبّاس بن عبد المطلب،عبد الرحمن بن عبد ربّه الأنصاري،عبد الرحمن بن عوف القرشي،عبد الرحمن بن يعمر الديلي،عبد اللّه بن أبي عبد الأثر المخزومي، عبد اللّه بن بديل،عبد اللّه بن بشير،عبد اللّه بن ثابت الأنصاري،عبد اللّه بن جعفر الهاشمي،عبد اللّه بن حنطب القرشي،عبد اللّه بن ربيعة،عبد اللّه بن عبّاس،عبد اللّه بن أبي عوف،عبد اللّه بن عمر،عبد اللّه بن مسعود،عبد اللّه بن ياميل،عثمان بن

ص: 67

عفّان،عبيد بن عازب الأنصاري،أبو طريف عدي بن حاتم،عطية بن بسر،عقبة بن عامر،عليّ بن أبي طالب،عمّار بن ياسر،عمارة الخزرجي،عمرو بن العاص، عمر بن مرّة الجهني،فاطمة بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فاطمة بنت حمزة،عمر بن أبي سلمة،عمران بن الحصين الخزاعي،عمر بن الحمق الخزاعي،عمر بن شراحيل، قيس بن ثابت الأنصاري،قيس بن سعد الأنصاري،كعب بن عجرة الأنصاري، مالك بن حويرث الليثي،المقداد بن عمرو،ناجيه بن عمرو الخزاعي،أبو برزة فضلة بن عتبة الأسلمي،نعمان بن عجلان الأنصاري،هاشم المرقال،وحشي بن حرب،وهب بن حمزة،أبو جحيفة،وهب بن عبد اللّه و يعلي بن مرّة (1).

و من بين رواة الغدير شخصيات لم تكن لها علاقات طيّبة مع الإمام،بل كانوا يصنّفون ضمن مناوئيه و خصومه من قبيل:أبو بكر،عمر،عثمان،طلحة، عبد الرحمن بن عوف،زيد بن ثابت،أسامة بن زيد،حسان بن ثابت،خالد بن الوليد و عائشة.و من بين هؤلاء من كان يدافع عن عليّ أمام خصومه،كما هو الحال مع سعد بن أبيوقّاص و هو أحد أعضاء مجلس الشورى التي شكّلها عمر لانتخاب خليفة بعده و الذي يتألف من ستة أشخاص،و أسفر اجتماعهم عن تولّي عثمان الخلافة بعد عمر.و كان سعد بن أبيوّقاص قد اختار موقف الحياد إبّان الجدل داخل المجلس،و لسعد بن أبيوقّاص هذا موقفه الرائع لدى حواره مع معاوية (2):«إنّك نازع رجل كان أولى منك بالخلافة،فقال معاوية:لماذا؟قال:

سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه،اللّهمّ و ال من والاه و عاد من عاداه»و لفضله و سابقته في الإسلام».0.

ص: 68


1- الغدير ج 1 ص 14-61 دار الكتب الإسلاميّة طهران.
2- البلاذري أنساب الأشراف،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت ط الأولى،(1394 ه)ج 2 ص 109 و أخطب خوارزم،المناقب،منشورات المكتبة الحيدرية،النجف(1385 ه)ص 59،60.

و هكذا في موقف عبد اللّه بن عمرو بن العاص إبّان حرب صفّين،و كان عبد اللّه قد رافق أباه في الحرب،فلمّا استشهد عمار بن ياسر،وجيء برأسه إلى معاوية و كان شخصان يتنازعان و كل يقول أنّه هو الذي قتل عمّار فقال عبد اللّه (1):

«لتطب نفس كل واحد منكما لصاحبه برأس عمّار،فإني سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«تقتل عمّار الفئة الباغية»فالتفت معاوية إلى عمرو بن العاص فقال ألا تغبي (2)عنّا مجنونك هذا،فلم يقاتل معنا إذا؟قال:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمرني بطاعة أبي،فأنا معكم و لست أقاتل.

لقد كان حضور عمّار بن ياسر و وقوفه إلى جانب الإمام عليّ عليه السّلام و من ثمّ مصرعه على أيدي جيش الشام بقيادة معاوية قد كشف عن معسكر البغي،لأنّ المسلمين لم ينسوا حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«يا عمّار تقتلك الفئة الباغية»لقد كان عمّار دليلا واضحا جدا على حقّانية عليّ عليه السّلام و هذا ما اعترف به عبد اللّه بن عمرو بن العاص.

خلاصة الدرس الخامس

بعد تسنّم الإمام عليّ عليه السّلام مركز الخلافة،اطلقت على الشيعة تسميات عديدة حمل بعضها دلالات سلبية القصد منها الإهانة من قبيل:«الرافضة،الترابية»،و هاك ألقاب أخرى من قبيل:«العلوية،الإماميّة،الحسينية،الاثنا عشرية،الخاصّة و الجعفرية».

كان للإمام عليّ عليه السّلام موقعه الفريد بين سائر صاحبة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و كان أقرب بني هاشم إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فقد تربّى في حجر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و نشأ في ظلاله مذ كان

ص: 69


1- البلاذري ج 3 ص 92،دار الفكر 1417 ه.
2- أي تخفي و تغيّب،القاموس.

صغيرا و تشرّب أخلاقه و صفاته و الأهم من ذلك كلّه إنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قد اختاره و في وقت مبكر من تاريخ الإسلام معلنا إنّ عليّا وصيّه و وزيره و خليفته من بعده،و لهذا نشأ تصوّر لدى عموم المسلمين إنّ الخليفة بعد النبيّ لن يكون سوى عليّ عليه السّلام.

***

اسئلة الدرس الخامس

1-تحدّث بإيجاز عن ألقاب الشيعة الأولى.

2-ما هي الألقاب التي يستخدمها الخصوم في تسمية الشيعة؟

3-لماذا يطلق على الشيعة اسم العلوية أو الجعفرية؟

4-اذكر نصّ ما قاله المسعودي حول موقع عليّ بين الصحابة.

5-ماذا تعكس الأشعار التي قيلت في حادثة السقيفة؟

6-كم يبلغ عدد الرواة من صحابة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله؟

7-ما هو موقف الصحابة من مسألة سبّ عليّ؟

ص: 70

الدرس السادس: دور قريش في اجتماع السقيفة

اشارة

بالرغم ممّا حصل في غدير خم و الذي جاء تتويجا لمحاولات حثيثة من لدن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في تمهيد الأوضاع لخلافة وصيّه،الا إنّ حادثة السقيفة و ما أفرزته من نتائج قد فرضت نفسها على الواقع،و كان في طليعة ما أسفرت عنه السقيفة هو إقصاء الإمام عليّ عليه السّلام عن موقعه القيادي،و هنا يتوجب التذكير بدور قريش فيما حصل،ذلك أنّ قريشا تمكنت من خلال ثقلها القبلي أن تحقق ما طمحت إليه في الاستيلاء على المركز السياسي هذا المركز الخطير الذي كان حقّا طبيعيا و قانونيا لأهل البيت عليهم السّلام.و من هنا نجد الإمام عليّ عليه السّلام يذكّر بالتاريخ الأسود لتجاوزات قريش على أهل البيت عليهم السّلام و سعيها المسعور للاستيلاء على الخلافة (1).

كما ورد في رسالة الإمام الحسن عليه السّلام إلى معاوية تذكير لهذا الدور القريشي في اجتماع السقيفة (2):«فلمّا توفي صلّى اللّه عليه و آله تنازعت سلطانه العرب فقالت قريش:

نحن قبيلته و أسرته و أولياؤه و لا يحلّ لكم أن تنازعونا سلطان محمّد في الناس و حقّه،فرأت العرب أنّ القول كما قالت قريش،و أنّ الحجّة لهم في ذلك على من نازعهم أمر محمّد صلّى اللّه عليه و آله فأنعمت لهم العرب و سلّمت ذلك،ثمّ حاججنا نحن قريشا بمثل ما حاجّت به العرب فلم تصنفنا قريش إنصاف العرب لها».

ص: 71


1- الخطبة 17 من نهج البلاغة.
2- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي،قم(1416 ه)ص 65.

و في حديث للإمام الباقر عليه السّلام مع أحد أصحابه جاء فيه (1):

«يا فلان ما لقينا من ظلم قريش إيانا و تظاهرهم علينا،و ما لقي شيعتنا و محبّونا من الناس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبض و قد أخبر الناس إنّا أولى الناس بالناس، فتمالأت علينا قريش حتّى أخرجت الأمر عن معدنه و احتجت على الأنصار بحقّنا و حجّتها ثمّ تداولتها قريش واحدا بعد واحد حتّى رجعت إلينا فنكثت و نصبت الحرب لنا...».

أجل لقد كانت هناك مجموعة مؤشرات حول نشاط قريش تركت انطباعا لدى الكثير من المراقبين أنّها تسعى للاستيلاء على الخلافة،و من هنا نجد الأنصار يقدمون على محاولة استباق حصول ذلك،فقرّروا الاجتماع في السقيفة و اتخاذ الإجراءات التي تحول دون ذلك،لقد كان للأنصار هواجسهم و قلقهم الذي دفعهم إلى هذه الخطوة.

أسباب العداء القرشي لأهل البيت عليهم السّلام

اشارة

و السؤال الذي يطرح نفسه هنا:لماذا تعادي قريش أسرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله؟أليست قريش مدينة في دينها و دنياها لأهل البيت؟ألم تكن على شفا جرف فانقذها ببركة هذه الأسرة؟جوابا على هذه التساؤلات نشير إلى مايلي:

1-حبّ الزعامة
اشارة

كان لقريش موقعها الفريد بين القبائل العربية في شبه الجزيرة،يقول أبو الفرج الإصفهاني في هذا المضمار (2):«العرب تقرّ لقريش بالتقدّم في كلّ شيء

ص: 72


1- كتاب سليم بن قيس العامري،منشورات دار الفنون،بيروت(1400 ه)ص 108،و الشيرازي،السيد عليّ خان،الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة،مؤسسة الوفاء،بيروت،ص 5.
2- الإصفهاني،الأغاني،دار إحياء التراث العربي،بيروت ج 1 ص 74.

عليها إلاّ في الشعر...».

و قد حصلت قريش على هذا الموقع الهام عن طريقين:

أ:الثقل الاقتصادي:

كان لقريش نشاطها الاقتصادي التجاري الواسع الذي بدأته من فترة هاشم، و كانت رحلاتها التجارية الكبرى مع دول الجوار من قبيل:اليمن،الشام، فلسطين،العراق و الحبشة،و قد مكّنت هذه الرحلات التجارية أشراف قريش و زعاماتها في الحصول على ثروات أسطورية (1).

و قد أشار القرآن الكريم إلى تجارة قريش التي طردت عنهم شبح الفقر و الجوع و الحرمان و وفّرت لهم أسباب الرخاء و الرفاه: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ* إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَ الصَّيْفِ* فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ* اَلَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (2).

ب:الثقل الروحي:

و في وجود الكعبة بكل قداستها لدى القبائل العربية في شبه الجزيرة ما وفّر لقريش زعامة روحية و احتراما بين قبائل العرب قاطبة،ثمّ جاءت واقعة الفيل و فشل الهجوم العسكري الذي شنّه إبرهة على مكّة من أجل هدم الكعبة جاءت هذه الواقعة لتعزّز من مكانة قريش و زعامتها الروحية خاصّة و أنّ مفاتيح الكعبة و سدانة البيت هي من اختصاص قبيلة قريش،التي حصلت على ألقاب عديدة تنطوي على بعد القداسة من قبيل:«آل اللّه»،«جيران اللّه»و«سكّان حرم اللّه»

ص: 73


1- پيشوايى،مهدى،تاريخ الإسلام(1)،الجامعة الإسلاميّة الحرّة في أراك ص 50،51.
2- القرآن الكريم،سورة قريش.

و هكذا وجدت قريش نفسها في موقع فريد بين القبائل العربية (1).

و بسبب هذا الموقع الفريد لقريش فقد سعت إلى تعزيز نفوذها و فرض سيطرتها على القبائل الأخرى.

و قد استغلت قريش وجود الكعبة بشكل واسع،و فرضت قوانينها على الحجّاج العرب القادمين من مختلف أنحاء شبه الجزيرة من قبيل فرض نوع من اللباس للطواف حول الكعبة،و لهذا كان الحجّاج العرب يخلعون ثيابهم و استبدالها بثياب يشترونها من أسواق مكّة (2).

و من هنا فقد تلقّت الزعامات القرشية ظهور النبيّ صلّى اللّه عليه و آله باعتباره تهديدا خطيرا لها،و لهذا اصطفّت لمواجهته و ألقت بكل ثقلها في الصراع بهدف القضاء على أفكار الإسلام و تعاليمه،و لكنّ مشيئة اللّه سبحانه قضت بانتصار النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على أعدائه و انتصار رسالته.

و في السنة الثامنة من الهجرة المباركة ذهب عدد من أشراف قريش إلى المدينة و لكنّهم لم ينفكّوا يظهرون عداءهم للإسلام فعلى سبيل المثال كان الحكم بن أبي العاص يسخر من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فتمّ إبعاده إلى الطائف بأمر من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله (3).

و عند ما وجدت قريش نفسها عاجزة عن مواجهة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قررت التآمر من جديد لتستهدف هذه المرّة وصيّه و خليفته و كان عمر لا ينفك يردّد على ابن عبّاس في حواراته المتكرّرة معه قوله (4):«كرهت العرب أن تجتمع فيكم يا بني4.

ص: 74


1- پيشوايى،مهدي،تاريخ الإسلام(1)ص 52.
2- ابن سعد،الطبقات الكبرى،دار صادر،بيروت ج 1 ص 72.
3- ابن الأثير،أسد الغابة في معرفة الصحابة،دار إحياء التراث العربي،بيروت(بدون تاريخ)ج 2 ص 34.
4- ابن أبي الحديد،شرح نهج البلاغة،دار إحياء التراث العربي،بيروت ج 1 ص 194.

هاشم النبوّة و الخلافة».

و قالوا أيضا:«إنّ ولي الأمر بنو هاشم لم يخرج منهم أبدا،و ما كان في غيرهم فهو متداول في بطون قريش» (1).

و كان بعض الصحابة يدركون ما تفكر به قريش و ما يدور في مجالسها الخاصّة كما هو الحال في الصحابي الجليل البرّاء بن عازب الذي كانت تنتابه الهواجس من تفكير قريش في إخراج الخلافة من بني هاشم كلّما رأى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله (2).

و قد جاء رضا قريش بخلافة أبي بكر و عمر من هذا المنطلق،و قد عاد بعضهم أبابكر قبيل وفاة الأخير فقال لهم (3):«إنني أعلم إنّ كل واحد منكم يطلب الخلافة بعدي و لكنّي و ليّت عليكم خيركم».

يقول ابن أبي الحديد (4):«ما قتل عمر بن الخطاب حتّى ملّته قريش و استطالت خلافته و قد كان يعلم فتنتهم فحصرهم في المدينة».

2-المنافسة القبلية و الحسد

كانت المنافسة الشديدة بين القبائل أحد أبرز الظواهر في شبه الجزيرة العربية و نجد إشارة إلى ذلك في سورة التكاثر (5)،و كذا في سورة سبأ (6).

ص: 75


1- المصدر السابق.
2- المصدر السابق ج 2 ص 51.
3- المصدر السابق ج 1 ص 310.
4- المصدر السابق ج 2 ص 159.
5- أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ* حَتّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (التكاثر:1-2).
6- قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ* وَ ما أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاّ مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَ هُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (سبأ:36-37).

و منذ العصر الجاهلي كلّفت هذه الظاهرة بني هاشم الكثير،فقد اصطفّت كل القبائل لمواجهة بني هاشم و لم تسمح لعبد المطلب أن ينفرد بحفر بئر زمزم (1)و الحصول على هذا المجد و من هنا قال أبو جهل (2):«...تنازعنا نحن و بنو عبد مناف الشرف،أطعموا فأطعمنا،و حملوا فحملنا،و أعطوا فأعطينا،حتى إذا تجاذبنا على الرّكب و كنّا كفرسي رهان؛قالوا:منّا نبي يأتيه الوحيّ من السماء فمتى ندرك مثل هذه،و اللّه لا نؤمن به أبدا و لا نصدّقه...».

و على الرغم من كون أميّة بن أبي الصلت و هو من أشراف الطائف و زعمائها من الحنفاء الا إنّه لم يعتنق الإسلام و ظلّ ينتظر ظهور النبيّ الموعود بل إنّه كان يتصور أنّ ذلك سيكون من نصيبه،و لهذا رفض الإذعان لنبوّة خاتم الأنبياء محمّد صلّى اللّه عليه و آله و برّر ذلك بأنّه خجل من نساء ثقيف (3):

«...و كان يخبر بأنّ نبيّا يبعث قد أظلّ زمانه،فلمّا سمع بخروج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كفر حسدا له...».

و بالرغم من حجم المنافسة و الحسد الذي واجهه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الا إنّه انتصر في النهاية و هزم أعداؤه و بعد انتقال معظم الشخصيات من أشراف قريش إلى المدينة المنوّرة بعد السنّة الثامنة الهجرية الا إنّ ذلك لم يمنعهم من مواصلة الأذى و لم يطفئ نار الحسد المشتعلة في نفوسهم إزاء أهل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الكفّ عن التآمر ضدّهم.

يروي ابن سعد (4):«...إنّ رجلا من المهاجرين لقي العبّاس بن عبد المطلب4.

ص: 76


1- ابن هشام،السيرة النبوية،دار المعرفة بيروت(بدون تاريخ)ج 1 ص 143-147.
2- المصادر السابق ج 1 ص 316 دار الوفاق،بيروت.
3- ابن قتيبة،المعارف،منشورات الشريف الرضي،قم(1415 ه 9 ص 60،و پيشوايى،مهدي،تاريخ الإسلام في الجاهلية حتى حجّة الوداع،الجامعة الإسلأميّة الحرّة،أراك ص 88.
4- الطبقات الكبرى،دار بيروت،(1405 ه)ج 4 ص 24.

فقال:يا أبا الفضل أ رأيت عبد المطلب بن هاشم و الغيطلة كاهنة بني سهم جمعهما اللّه جميعا في النار؟...فرفع العبّاس يده فوجأ أنفه فكسره،فانطلق الرجل كما هو إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فلمّا رآه قال:ما هذا؟قال العبّاس،فأرسل إليه فجاءه فقال صلّى اللّه عليه و آله:ما أردت إلى رجل من المهاجرين؟فقال:...و اللّه ما ملكت نفسي فقال صلّى اللّه عليه و آله:ما بال أحدكم يؤذي أخاه في الأمر...؟

و قد عانى الإمام عليّ بسبب موقعه المتميز و الفريد من أمواج الحسد يقول الإمام الباقر عليه السّلام (1):«في قوله:يستغشون ثيابهم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان إذا حدّث بشيء من فضائل عليّ عليه السّلام أو تلا عليهم ما أنزل فيه نفضوا ثيابهم و قاموا...».

و من هنا كثيرا ما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قوله (2):«من حسد عليّا فقد حسدني و من حسدني فقد كفر».

و لم يمنع وجود النبيّ بعض الحاسدين من اظهار حسدهم في حضرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و إيذاء الإمام عليّ عليه السّلام فقد روي عن سعد بن أبيوقّاص قوله (3):

«كنت أنا و رجلان في المسجد فنلنا من عليّ،فأقبل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مغضبا فقال:

ما لكم ولي؟من آذى عليّا فقد آذاني...».

3-العداء الشخصي لعليّ عليه السّلام

و يبقى العداء الشخصي لعليّ عليه السّلام في طليعة الأسباب التي حالت دون بلوغه الموقع القيادي بعد رحيل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

ذلك أنّ قريش تحمل ما لقيها من أضرار و خسائر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و عليّا عليه السّلام فلقد

ص: 77


1- ابن شهر آشوب،مناقب آل أبي طالب،مؤسسة انتشارات علاّمة،قم ج 3 ص 214.
2- المصدر ج 3 ص 213.
3- المصدر ج 3 ص 211.

كان ذو الفقار السيف الذي حطّم أطماعهم و قضى على امتيازاتهم،و قد قتل أبرز أشرافهم في الصراع المسلّح مع الإسلام على يد عليّ عليه السّلام،و لهذا فقد كان أبناؤهم و إخوانهم ينظرون إلى الإمام نظرة مليئة بالحقد و الكراهية و الانتقام،يذكر اليعقوبي في تاريخه بعض الحوادث في الأيام الأولى من خلافة الإمام عليّ عليه السّلام (1)فيقول:«...و بايع الناس إلاّ ثلاثة نفر من قريش:مروان بن الحكم، و سعيد بن العاص،و الوليد بن عقبة،و كان لسان القوم.فقال:يا هذا إنّك قد و ترتنا جميعا،أمّا أنا فقتلت أبي صبرا يوم بدر،و أمّا سعيد فقتلت أباه يوم بدر و كان أبوه من أنور قريش و أمّا مروان فشتمت أباه و عبت على عثمان حين ضمّه...».

و قد طلب عبيد اللّه بن عمر من الإمام الحسن أن يجتمع إلى الإمام عليّ و قال للإمام الحسن (2):«إنّ لي إليك حاجة فالقني فلقيه قال:إنّ أباك قد وتر قريشا أوّلا و آخرا و قد شنئوه فهل لك أن تخلعه و نوليك هذا الأمر؟قال عليه السّلام:كلاّ و اللّه لا يكون ذلك ثمّ...».

و عند ما سئل ابن عبّاس (3):«لم أبغضت قريش عليّا؟،قال:لأنّه أورد أوّلهم النار،و قلّد آخرهم العار.

و قد استثمر بعض الساسة هذا الحقد القرشي المسعور ضد الإمام كما هو الحال في قول عمر لسعيد بن العاص (4):«مالي أراك معرضا كأنّك ترى أنّي قتلت أباك؟ما أنا قتلته و لكنّ قتله عليّ بن أبي طالب...».1.

ص: 78


1- ابن واضح،أحمد بن يعقوب،تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي،قم(1414 ه)ج 2 ص 75 الأعلمي بيروت 1413 ه.
2- ابن أبي الحديد،شرح نهج البلاغة،ج 1 ص 498.
3- ابن شهر آشوب المصدر السابق ص 220.
4- الطبقات الكبرى ج 5 ص 31.

و للإمام عليّ عليه السّلام شعر بعد تعرّضه لحادثة الاغتيال على يد ابن ملجم يشير فيه إلى عداء قريش له يقول:

تلكم قريش تمناي لتقتلني فلا و ربّك ما فازوا و ما ظفروا (1)

خلاصة الدرس السادس

يتوجّب على الباحث ألاّ يغفل دور قريش في حادثة السقيفة،ذلك أنّ قريشا هي القبيلة الوحيد التي بإمكانها إقصاء أهل البيت عليهم السّلام عن الخلافة قد أشار الإمام عليّ عليه السّلام و في مناسبات عديدة إلى ظلم قريش و عدوانها عليه.

و ينطلق عداء قريش لأهل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من الاعتبارات التالية:

1-حبّ الزعامة الذي دفع بزعامات قريش إلى رفض دعوة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا عتناق الدين الإسلامي،لأنّ ذلك يهدّد زعامتها.

2-المنافسة و الحسد الذي تكنّه القبائل إزاء بني هاشم.

3-العداء الشخصي للإمام عليّ عليه السّلام بسبب ما لحقها من خسائر على يديه.

***

أسئلة الدرس السادس

1-ما هو دور قريش في حادثة السقيفة؟اشرح ذلك.

2-ما هي أسباب العداء القرشي لأهل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله؟

3-اشرح بإيجاز ظاهرة المنافسة و الحسد بين القبائل.

4-تحدّث عن العداء القرشي لشخص الإمام عليّ عليه السّلام.

ص: 79


1- ابن شهر آشوب ج 3 ص 312.

ص: 80

الدرس السابع: سكوت الإمام عليّ عليه السّلام

اشارة

السؤال هنا:لماذا سكت عليّ و لم يطالب بحقّه القانوني و هو يرى أبا بكر في موقعه القيادي كخليفة؟و لماذا لم يستخدم القوّة المسلحة بعد أن شهد عدم جدوى احتجاجه و قوّة استدلاله المنطقي؟خاصّة و قد وقف إلى جانبه بعض كبار الصحابة،كما أنّ الرأي العام الشعبي سوف لن يعارضه،بشكل عام؟يمكن القول:إنّ الإمام عليّ عليه السّلام وضع نصب عينيه مصلحة المسلمين العليا و اختار السكوت و هذا ما صرّح به عليه السّلام في خطبته المعروفة ب«الشقشقية».

«فسدلت دونها ثوبا،و طويت عنها كشحا،و طفقت ارتئي بين أن أصول بيد جذّاء أو أصبر على طخية عمياء يهرم فيها الكبير،و يشيب فيها الصغير،و يكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربّه،فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى،فصبرت و في العين قذى،و في الحلق شجى،أرى تراثي نهبا» (1).

و انطلاقا ممّا ورد في خطبة الإمام يمكن الإشارة إلى أسباب سكوت الإمام عليه السّلام:

1-التفرقة بين المسلمين

يقول الإمام عليّ عليه السّلام:«إنّ اللّه لمّا قبض نبيّه استأثرت علينا قريش بالأمر و دفعتنا عن حقّ نحن أحقّ به من الناس كافّة،فرأيت أنّ الصبر على ذلك

ص: 81


1- نهج البلاغة،الخطبة الشقشقية.

أفضل من تفريق كلمة المسلمين و سفك دمائهم،و الناس حديثوا عهد بالإسلام و الدين يمخص مخص الوطب،يفسده و هن و يعكسه أقل خلف» (1).

2-خطر المرتدّين

بعد وفاة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ارتدّت بعض القبائل العربية التي اعتنقت الإسلام في الشهور الأخيرة من حياة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و كان خطر المرتدّين يهدد المدينة المنوّرة، و لهذا رأى الإمام عليّ عليه السّلام عدم القيام بأيّة خطوة تفضي إلى زعزعة الوضع السياسي في المدينة المنورة و لهذا اختار الصمت،يقول الإمام عليّ عليه السّلام:

«فو اللّه ما كان يلقى في روعي و لا يخطر ببالي،أنّ العرب تزعج هذا الأمر من بعده صلّى اللّه عليه و آله عن أهل بيته و لا أنّهم منعوه عنّي من بعده،فما راعني الا إنّثيال الناس على فلان يبايعونه،فامسكت يديّ حتى رأيت رجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمّد صلّى اللّه عليه و آله فخشيت إن لم أنصر الإسلام و أهله أن أرى فيه ثلما أو هدما تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم إنّما هي متاع أيام قلائل يزول منها ما كان يزول السراب أو كما ينقشع السحاب،فنهضت في تلك الأحداث حتى يزاح الباطل و زهق و اطمأنّ الدين و تهنه» (2).

و قد وردت هذه المخاوف حول مصير الإسلام في رسالة للإمام الحسن إلى معاوية (3):«..فأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين أن يجد المنافقون

ص: 82


1- ابن أبي الحديد،شرح نهج البلاغة،دار الجيل،بيروت ط الأولى(1457 ه)ج 1 ص 308.
2- نهج البلاغة،الرسالة 62.
3- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي،قم،(1416 ه)ص 65.

و الأحزاب بذلك مغمزا يثلمونه به...».

و قد أثبت القرآن الكريم أنّ إيمان الكثيرين ممّن اعتنقوا الإسلام بعد فتح مكّة كان إيمانا ظاهريا و لم يلج إلى داخل قلوبهم،و نحن نعرف حجم ظاهرة النفاق التي شكّلت معلما بارزا في المجتمع الإسلامي الحديث التكوين،و لهذا فإنّ هناك رفضا لولاية الإمام عليّ عليه السّلام برز حتى في حياة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،يقول الطبرسي في تفسير آية: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ و بالاستناد إلى حديث للإمام الصادق عليه السّلام (1):قال:لمّا نصّب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليّا عليه السّلام يوم غدير خم و قال:«من كنت مولاه فعليّ مولاه»طار ذلك في البلاد،فقدم على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله النعمان بن الحرث الفهري فقال:أمرتنا عن اللّه أن نشهد أن لا إله إلاّ اللّه،و أنّك رسول اللّه،و أمرتنا بالجهاد و الحج و الصوم و الصلاة و الزكاة فقبلناها.ثمّ لم ترض حتى نصّبت هذا الغلام فقلت:«من كنت مولاه فعليّ مولاه»فهذا شيء منك أو أمر من عند اللّه؟فقال:«و اللّه الذي لا إله إلاّ هو إنّ هذا من اللّه»فولى النعمان بن الحرث و هو يقول:اللهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك،فأمطر علينا حجارة من السماء!فرماه اللّه بحجر على رأسه فقتله،و أنزل اللّه تعالى: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ.

و قد ساند بعض سكّان البادية الأعراب قريشا فيما تمخّص عن اجتماع السقيفة،و قد ذكر أبو مخنف أنّ عددا من سكّان البادية من الأعراب الذين صادف وجودهم في المدينة يوم وفاة النبيّ،كان لهم دور ملحوظ في دفع الناس إلى بيعة أبي بكر (2).9.

ص: 83


1- مجمع البيان،دار المعرفة للطباعة و النشر،ط الثانية(1408 ه)ج 10 ص 530.
2- الشيخ المفيد،محمّد بن محمّد بن النعمان،الجمل،مكتب الإعلام الإسلامي،مركز النشر ص 118-119.
3-حماية عترة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله

إنّ آل البيت عليهم السّلام هم ورثة النبيّ و حماة الدين بالحقّ،إنّهم عدل القرآن و الإرث الثاني للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله بعد القرآن،و هم مفسّروا الشريعة الذين يمثّلون مسار الإسلام الأصيل،و لذا فإنّ القضاء عليهم سيكون ضربة قاصمة للإسلام،يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام:«فنظرت فإذا ليس لي معين إلاّ أهل بيتي فضننت بهم عن الموت» (1).

التجمّع السياسي للشيعة بعد السقيفة

بالرغم من أنّ نتائج السقيفة أفضت إلى اقصاء الإمام عليّ بعيدا عن مركز القرار السياسي الا إنّ ذلك أدّى إلى ظهور أوّل تجمع سياسي للشيعة بعد السقيفة،و قد قام أعضاؤه بشكل جماعي أو فردي في التصدّي للدفاع عن حقّانية الإمام عليّ.

و قد تشكّل التجمّع في بيت فاطمة بادئ ذي بدء و امتنعوا عن بيعة أبي بكر،لكنّهم واجهوا هجوما من بعض الشخصيات التي كسبت نتائج الاجتماع (2).

و لكنّ الإمام عليّ عليه السّلام الذي وضع نصب عينيه الدفاع عن الإسلام و حمايته من كل الأخطار طلب من الصحابة المؤيّدين له أن يتوخوا أسلوب الحوار و مقابلة العنف بموقف سلمي و الاحتجاج على خصومهم بالدليل و الحجّة و المنطق،يقول البرّاء بن عازب (3):«..فكنت أكابد ما في نفسي،فلمّا كان بليل، خرجت إلى المسجد...و أجد نفرا يتناجون...المقداد بن الأسود و عبادة بن الصامت و سلمان الفارسي و أباذر و حذيفة و أبا الهيثم بن التيّهان و إذا حذيفة

ص: 84


1- نهج البلاغة،الخطبة 26.
2- ابن واضح،تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي،قم،(1414 ه)ج 2 ص 126.
3- ابن أبي الحديد،شرح نهج البلاغة،دار إحياء التراث العربي،بيروت ج 2 ص 51.

يقول لهم:و اللّه ليكوننّ ما أخبرتكم...».

و قد تجمّع شيعة عليّ من الصحابة في يوم الجمعة في مسجد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و ناظروا أبابكر و استنكروا ما قام به،يقول الطبرسي (1):«عن أبان بن تغلب قال:قلت لأبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام،جعلت فداك،هل كان أحد في أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أنكر على أبي بكر فعله و جلوسه في مجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال عليه السّلام:نعم،كان الذي أنكر على أبي بكر اثنا عشر رجلا،من المهاجرين:خالد بن سعيد بن العاص و كان من بني أميّة، و سلمان الفارسي(رضي اللّه عنه)،و أبوذر الغفاري،و المقداد بن الأسود الكندي و عمّار بن ياسر،و بريدة الأسلمي.و من الأنصار:أبو الهيثم بن التيّهان،و سهل و عثمان ابنا حنيف،و خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين،و أبي بن كعب،و أبو أيّوب الأنصاري رضي اللّه عنهم أجمعين قال عليه السّلام:فلما صعد أبو بكر المنبر تشاوروا بينهم،فقال بعضهم لبعض:و اللّه لنتأتيّنه و لننزلّنه عن منبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قال آخرون منهم:و اللّه لئن فعلتم ذلك، إذا أعنتم على أنفسكم فقد قال اللّه عزّ و جل وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، قالوا:فانطلقوا بنا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام لنستشيره و نستطلع رأيه.فانطلق القوم إلى أمير المؤمنين بأجمعهم قالوا:...و لقد هممنا إليه فننزله عن منبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فجئنا إليك نستشيرك و نستطلع رأيك فما تأمرنا؟فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:و أيم اللّه لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين بأسيافكم مستعدين للحرب و القتال و إذا لأتوني فقالوا لي:بايع و إلاّه.

ص: 85


1- الطبري،الاحتجاج ج 1 ص 186-200،ح 37 دار أسوة قم 1413 ه.

قتلناك فلا بدّ لي من أن أدفع القوم عن نفسي...فانطلقوا بأجمعكم إلى الرجل فعرّفوه ما سمعتم من قول نبيّكم محمّد صلّى اللّه عليه و آله ليكون ذلك أوكد للحجّة و أبلغ من قطع العذر و أبعد لهم من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذ وردوا عليه.

فسار القوم حتى أحدقوا بمنبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلما صعد أبو بكر المنبر...

فأوّل من تكلّم به خالد بن سعيد بن العاص...و قال:اتق اللّه يا أبا بكر فقد علمت أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال و نحن محتوشوه يوم بني قريظة حين فتح اللّه عزّ و جل...يا معاشر المهاجرين و الأنصار إنّي موصيكم بوصية فاحفظوها و أنّي مودعكم أمرا فاحفظوه الا إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السّلام أميركم بعدي و خليفتي فيكم،بذلك أوصاني ربّي...ثمّ قام سلمان الفارسي(رضي اللّه عنه)و قال:«كرديد نكرديد»أي فعلتم و لم تفعلوا...فنزل ثمّ و انطلق إلى منزله و بقى ثلاثة أيام لا يدخلون مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فلمّا كان اليوم الرابع جاءهم خالد بن الوليد و معه ألفا رجل...و جاءهم سالم مولى أبي حذيفة و معه ألف رجل و جاءهم معاذ بن جبل و معه ألف رجل فمازال يجتمع إليهم رجل رجل حتى اجتمع إليهم أربعة آلاف رجل فخرجوا شاهرين بأسيافهم يقدمهم عمر بن الخطاب حتى وقفوا بمسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقال عمر:و اللّه يا أصحاب عليّ لئن ذهب منكم رجل يتكلم بالذي تكلّم بالأمس لنأخذنّ الذي فيه عيناه...».

هذا و قد كان بعض أنصار الإمام عليّ عليه السّلام و شيعته خارج المدينة في مهمات رسمية و لم يشهدوا وفاة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من قبيل:خالد بن سعيد و إخواته أبان و عمرو، و لهذا ما إن عادوا إلى المدينة و احيطوا علما بما حصل سجّلوا اعتراضهم الشديد ضد أبي بكر،و امتنعوا عن مواصلة عملهم في جباية الزكاة و قالوا:إنّا لا نعمل

ص: 86

لأحد بعد رسول اللّه (1).

و قال خالد بن سعيد للإمام عليّ عليه السّلام (2):«هلّم أبايعك،فو اللّه ما في الناس أحد أولى بمقام محمّد منك...».

و طوال خمسة و عشرين سنة من حكم الخلفاء الثلاثة كان الإمام عليّ جليس بيته،و مع ذلك فإنّ عددا كبيرا من الصحابة كان ينظر إليه كخليفة و أميرا للمؤمنين .يقول عبد اللّه بن مسعود:الخلفاء في القرآن أربعة:آدم،داود،هارون و عليّ (3).

و يقول حذيفة (4):«من أراد أن ينظر إلى أمير المؤمنين بالحقّ فليلق عليّ».

و يروي حارث بن خزرج صاحب لواء الأنصار في غزوات النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قوله (5):«...و إنّ أهل السموات يسمّونك أمير المؤمنين».

و يقول اليعقوبي (6):«بعد تمّ إنتخاب عثمان عن طريق الشورى التي جعلها عمر بين الأشخاص الستّة المعروفين..مال قوم مع عليّ بن أبي طالب و تحاملوا7.

ص: 87


1- ابن الأثير عزّ الدين أبي الحسن عليّ بن أبي الكرام،أسد الغابة في معرفة الصحابة،دار إحياء التراث العربي،بيروت(بدون تاريخ)ج 2 ص 83.
2- اليعقوبي ج 2 ص 11.
3- قال سبحانه و تعالى في آدم عليه السّلام: وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً البقرة:30. و قال عزّ و جل في داود: يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ. سورة ص:الآية 26. و قال عزّ من قائل في هارون على لسان موسى عليه السّلام: اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي. سورة الأعراف:الآية 142 و قال تبارك و تعالى في عليّ عليه السّلام: وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ سورة النور:الآية 55. انظر ابن شهر آشوب،مناقب آل أبي طالب،الاضواء،بيروت،(1405 ه)ج 3،ص 77،78.
4- البلاذري،أحمد بن يحيى،أنساب الأشراف،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت(1394 ه) ج 3 ص 115.
5- ابن شهر آشوب،مناقب آل أبي طالب،مؤسسة انتشارات علاّمة،قم،ج 3 ص 54.
6- ابن واضح،تاريخ اليعقوبي ص 57.

في القول على عثمان.فروى بعضهم قال:دخلت مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فرأيت رجلا جاثيا على ركبتيه يتلهّف كأنّ الدنيا كانت له فسلبها و هو يقول:واعجبا لقريش و دفعهم هذا الأمر على أهل بيت نبيّهم و فيهم أوّل المؤمنين و ابن عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعلم الناس و أفقههم في دين اللّه و أعظمهم غناء في الإسلام و أبصرهم بالطريق و أهداهم للصراط المستقيم و اللّه لقد زووها عن الهادي المهتدي الطاهر النقي و ما أرادوا إصلاحا للأمّة و لا صوابا في المذهب و لكنّهم آثروا الدنيا على الآخرة فبعدا و سحقا للقوم الظالمين فدنوت منه فقلت:من أنت يرحمك اللّه و من هذا الرجل؟فقال:أنا المقداد بن عمرو و هذا الرجل عليّ بن أبي طالب قال:فقلت:ألا تقوم بهذا الأمر فأعينك عليه؟فقال:يا ابن أخي!إنّ هذا الأمر لا يجري فيه الرجل و لا الرجلان...».

كما وقف الصحابي الجليل أبوذر في مسجد النبيّ و ذلك في خلافة عثمان و نادى:«...أيّها الناس من عرفني فقد عرفني،و من لم يعرفني فأنا أبوذر الغفاري، أنا جندب بن جنادة الربذي...و محمّد صلّى اللّه عليه و آله وارث علم آدم و ما فضّل به النيبّون و عليّ بن أبي طالب وصيّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله و وارث علمه أيّتها الأمّة المتحيّرة بعد نبيّها!أما لو قدّمتم من قدّم اللّه و أخرتهم من أخّر اللّه و أقررتم الولاية و الوراثة من أهل بيت نبيّكم لأكلتم من فوق رؤوسكم و من تحت أقدامكم...و لا اختلف اثنان في حكم اللّه إلاّ وجدتم علم ذلك عندهم من كتاب اللّه و سنّة نبيّه فأمّا إذا فعلتم ما فعلتم فذوقوا و بال أمركم...» (1).7.

ص: 88


1- المصدر السابق ص 67.

خلاصة الدرس السابع

1-وضع الإمام عليّ عليه السّلام مصلحة الإسلام نصب عينيه و غضّ الطرف عن حقوقه و اختار السكوت،و من خلال تصريحات الإمام عليّ حول الموضوع يمكن الإشارة إلى الأسباب التالية:

أ:الفرقة بين المسلمين.

ب:خطر المرتدّين.

ج-حماية آل البيت.

2-بعد حادثة السقيفة ظهر أوّل تشكيل و تجمّع للشيعة و اتّخذ اتجاها سياسيّا خاصا و قد تصدّى للدفاع عن حقّانية الإمام عليّ عليه السّلام.و كان بيت فاطمة عليها السّلام أوّل مكان للتجمّع و قد قام أعضاء التجمّع السياسي بالاحتجاج على أبي بكر في مسجد النبيّ،و قد ظلّ أعضاء التجمّع يدافعون عن حقّ عليّ طوال 25 سنة.

***

أسئلة الدرس السابع

1-ما هي أسباب سكوت الإمام عليّ عليه السّلام؟

2-ما هي المرحلة التي مرّ بها الشيعة بعد حادثة السقيفة؟

ص: 89

ص: 90

الدرس الثامن: الشيعة من الصحابة

اشارة

ذكرنا فيما مضى أنّ أوّل من أطلق اصطلاح«الشيعة»على أنصار عليّ و محبّيه و مؤيديه هو سيدنا محمّد المصطفى صلّى اللّه عليه و آله،و لقد عرف في عهده صلّى اللّه عليه و آله وجود مجموعة من الصحابة كان يشار إليهم على أنّهم شيعة لعليّ صلّى اللّه عليه و آله و أورد العلاّمة محمّد كرد علي في خطط الشام أسماء عدد من الصحابة الأجلاّء كانوا يرون حبّ الإمام عليّ عليه السّلام و الولاء له واجبا كالصلاة و الصوم من قبيل:سلمان الفارسي الذي عدّ مودّة الإمام جزء من البيعة للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أبو سعيد الخدري أشار إلى أنّ المسلمين أمروا بخمسة فعملوا بأربعة و لمّا سئل عن ذلك قال:إنّ الأربعة هي:

الصلاة و الزكاة و صوم رمضان و حجّ بيت اللّه،أمّا الخامسة فهي:الولاية لعليّ عليه السّلام و لمّا سئل عن الولاية هل هي واجبة أجاب نعم.

و كذلك أبو ذر الغفاري و عمّار بن ياسر،و حذيفة بن اليمان و خزيمة بن ثابت،و ذو الشهادتين و أبو أيّوب الأنصاري و خالد بن سعيد و قيس بن سعد (1).

و يقول ابن أبي الحديد حول الشيعة من الأوائل (2):«و القول بالتفضيل قول قديم،قد قال به كثير من الصحابة و التابعين فمن الصحابة عمّار،و المقداد،و أبو ذر،و سلمان،و جابر بن عبد اللّه،و أبيّ بن كعب،و حذيفة،و بريدة،و أبو أيوب، و سهل بن حنيف،و عثمان بن حنيف،و أبو الهيثم بن التيّهان،و خزيمة بن ثابت، و أبو الطفيل عامر بن واثلة،و العبّاس بن عبد المطلب و بنوه،و بنو هاشم كافة،و بنو

ص: 91


1- خطط الشام،مكتبة النوري،دمشق ط الثالثة(1403 ه)1983 م ج 6 ص 245.
2- ابن أبي الحديد،شرح نهج البلاغة،دار إحياء التراث العربى،بيروت ج 20 ص 221،222.

المطلب كافة،و كان الزبير من القائلين به في بدء الأمر؛ثمّ رجع،و كان من بني أميّة قوم يقولون بذلك،منهم خالد بن سعيد بن العاص،و منهم عمر بن عبد العزيز.

فيما يؤكد السيّد علي خان الشيرازي في الدرجات في طبقات الشيعة بعضا من الصحابة و يشير إليهم على أنّهم كانوا شيعة للإمام عليّ صلّى اللّه عليه و آله،فيورد بني هاشم ثمّ يعقبهم بسائر الصحابة و يورد في الباب الأوّل فيما يتعلق بالصحابة الشيعة من بني هاشم الأسماء و الشخصيات التالية (1):

«أبو طالب،العبّاس بن عبد المطلب،عبد اللّه بن عبّاس،الفضل بن العبّاس، عبيد اللّه بن العبّاس،قثم بن العبّاس،عبد الرحمن بن العبّاس،تمام بان العبّاس، عقيل بن أبي طالب،أبو سفيان بان الحارث بن عبد المطلب،نوفل بن الحارث بن عبد المطلب،عبد اللّه بن الزبير بن عبد المطلب،عبد اللّه بن جعفر،عون بن جعفر، محمّد بن جعفر،ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب،الطفيل بن الحارث بن عبد المطلب،المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب،العبّاس بن عتبة بن أبي لهب،عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب،جعفر بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب».

أمّا في الباب الثاني فيقول عن الشيعة الصحابة من غير بني هاشم (2):

عمر بن أبي سلمة،سلمان الفارسي،المقداد بن الأسود،أبوذر الغفاري،عمّار بن ياسر،حذيفة بن اليمان،خزيمة بن ثابت،أبو أيّوب الأنصاري،أبو الهيثم مالك بن التيّهان،أبي بن كعب،سعد بن عبادة،قيس بن سعد،سعد بن سعد بن5.

ص: 92


1- سيد عليّ خان الشيرازي،الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة،مؤسسة الوفاء بيروت ص 41-197.
2- المصدر السابق ص 197-455.

عبادة،أبو قتادة الأنصاري،عديّ بن حاتم،عبادة بن الصامت،بلال بن رباح،أبو الحمراء،أبو رافع،هاشم بن عتبة بن أبي وقاص،عثمان بن حنيف،سهل بن حنيف،حكيم بن جبلة العدوي،خالد بن سعيد بن العاص،وليد بن جابر بن طليم الطائي،سعد بن مالك بن سنان،البراء بن مالك الأنصاري،ابن حصيب الأسلمي،كعب بن عمرو الأنصاري،رفاعة بن رافع الأنصاري،مالك بن ربيعة الساعدي،عقبة بن عمر بن ثعلبة الأنصاري،هند بن أبي هالة التميمي،جعدة بن هبيرة،أبو عمرة الأنصاري،مسعود بن أوس،فضله بن عبيد،أبو برزة الأسلمي، مرداس بن مالك الأسلمي،المسور بن شداد النهري،عبد اللّه بن بديل الخزاعي، حجر بن عدي الكندي،عمرو بن الحمق الخزاعي،أسامة بن زيد،أبو ليلى الأنصاري،زيد بن أرقم،البراء بن عازب الأوسي».

أمّا مؤلف رجال البرقي فيقول عن شيعة عليّ و أنصاره من صحابة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إذ يورد قائمة باسمائهم (1):«سلمان،المقداد،أبوذر،عمّار،و بعد هؤلاء الأربعة:أبو ليلى،شبير أبو عمرة الأنصاري،أبو سنان الأنصاري،و بعد هؤلاء الأربعة:جابر بن عبد اللّه الأنصاري،أبو سعيد الأنصاري و اسمه سعد بن مالك الخزرجي،أبو أيّوب الأنصاري الخزرجي،أبي بن كعب الأنصاري،أبو بزرة الأسلمي الخزاعي و إسمه نضلة بن عبيد اللّه،زيد بن الأرقم الأنصاري،بريدة بن حصيب الأسلمي،عبد الرحمن بن قيس و يلقّب بسفينة راكب أسد،عبد اللّه بن سلام،العبّاس بن عبد المطلب،عبد اللّه بن عبّاس،عبد اللّه بن جعفر،و المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب،حذيفة بن اليمان و يعدّ من الأنصار،أسامة بن زيد،أنس بن مالك،أبو الحمراء البراء بن عازب الأنصاري،و عرفة الأزدي».1.

ص: 93


1- أحمد بن محمّد بن خالد البرقي،رجال البرقي،مؤسسة القيّوم،ص 29-31.

هذا و يذهب فريق من علماء الشيعة و بخاصة علماء الرجال إلى أنّ عدد الشيعة من الصحابة أكثر ممّا ورد في المصادر السنّية فالشيخ المفيد يرى أنّ كلّ الصحابة ممّن بايع عليّا في المدينة و بخاصة الذين رافقوه في حروبه كانوا شيعة له عليه السّلام و ممن يعتقد بإمامته و قد حضر معركة الجمل منهم ألف و خمسمائة (1500)صحابي (1).

و جاء في رجال الكشي (2):«إنّ من-الصحابة-السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام أبو الهيثم بن التيّهان،أبو أيّوب،خزيمة بن ثابت،جابر بن عبد اللّه،زيد بن الأرقم،أبو سعيد سهل بن حنيف،البراء بن مالك،عثمان بن حنيف،عبادة بن الصامت».و بعد هؤلاء قيس بن سعد،عديّ بن حاتم،عمرو بن الحمق،عمران بن الحصين،بريدة الأسلمي،و آخرين عبّر عنهم«بشر كثير».

و يقول المرحوم مير داماد في تعليقه و شرحه على رجال الكشي و تفسيره ل «بشر كثير»أنّه يعني أعداد كبيرة من كبار الصحابة و التابعين (3).

و يقول السيّد عليّ خان الشيرازي (4):«و اعلم أنّ أعداد كثيرة من صحابة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله رجعوا إلى إمامة أمير المؤمنين عليه السّلام،و لا يمكن لنا عدّهم.و يتفق نقلة الأخبار و الرواة إنّ أكثر الصحابة قد كانوا مع أمير المؤمنين عليه السّلام في حروبه».

و نجد أن محمّد ابن أبي حذيفة يستدل على حقّانية عليّ بحضور الصحابة و وقوفهم إلى جانبه و قد جاء ذلك في رسالته إلى معاوية (5).5.

ص: 94


1- الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان،الجمل،مكتب الإعلام الإسلامي،مركز النشر،قم ص 109،110.
2- الشيخ الطوسي،أبو جعفر،اختيار معرفة الرجال(رجال الكشي)مؤسسة آل البيت عليهم السّلام،قم(1404 ه) ج 1 ص 181-188.
3- المصدر السابق ص 188.
4- الأمين السيد محسن،أعيان الشيعة،دار التعارف للمطبوعات(بدون تاريخ)ج 2 ص 24.
5- البلاذري،أنساب الأشراف،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت(1394 ه)ج 2 ص 395.

و هذا محمّد بن أبي حذيفة أحد أبرز أنصار الإمام عليّ الأوفياء يرمى في السجن بأمر من معاوية و هو ابن خالته لا لشيء إلاّ لوقوفه إلى جانب عليّ، خاطب معاوية ذات مرّة (1):«...قال:و اللّه إنّي لأشهد أنّك منذ عرفتك في الجاهلية و الإسلام لعلى خلق واحد ما زاد الإسلام فيك قليلا و لا كثيرا،و إنّ علامة ذلك فيك لبيّنة تلومني على حبّي عليّا،كما خرج مع عليّ كل صوّام قوّام مهاجري و أنصاري،و خرج معك أبناء المنافقين و الطلقاء و العتقاء...».

و قد توفي محمّد بن أبي حذيفة في سجون معاوية و معتقلاته.

غير أنّنا إذا ما أردنا تحرّي الحقيقة فإنّ كل الذين كانوا في جيش عليّ لا يمكن عدّهم من الشيعة،و لكنهم يعترفون بخلافته رسميا و ليس أكثر من ذلك، الا إنّ كل الصحابة الذين شهدوا معارك الإمام و وقفوا إلى جانبه يعدّون من الشيعة،و لهذا كان الإمام يستدلّ بشهاداتهم و مواقفهم على حقانيته كما نرى ذلك فيما اثبته سليم بن قيس (2):«..ثمّ صعد عليه السّلام المنبر في عسكره و جمع الناس و من بحضرته من النواحي و المهاجرين و الأنصار ثمّ حمد اللّه و أثنى عليه ثمّ قال:

معاشر الناس إنّ مناقبي أكثر من أن تحصى و بعد ما أنزل اللّه في كتابه من ذلك و ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اكتفي بها عن جميع مناقبي و فضلي، أتعلمون إنّ اللّه فضّل في كتابه الناطق السابق إلى الإسلام في غير آية من كتابه على المسبوق و أنّه لم يسبقني إلى اللّه و رسوله أحد من الأمّة،قالوا:

اللّهم نعم،قال:أنشدكم اللّه سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن قوله تعالى: اَلسّابِقُونَ السّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:أنزلها اللّه في الأنبياء2.

ص: 95


1- الشيخ الطوسي،أبو جعفر،رجال الكشي ص 278.
2- كتاب سليم بن قيس العامري،منشورات دار الفنون للطباعة و النشر و التوزيع،بيروت(1400 ه)ص 186 و الطبرسي أبو منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب،الاحتجاج،انتشارات أسوة ج 1 ص 472.

و أوصيائهم و أنا أفضل أنبياء اللّه و رسله و وصيّي عليّ بن أبي طالب أفضل الأوصياء،فقام نحو من سبعين بدريا جلّهم من الأنصار و بقيتهم من المهاجرين...فقالوا نشهد إنّا قد سمعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال ذلك...».

خلاصة الدرس الثامن

إنّ أوائل الشيعة كانوا من كبار الصحابة،فقد ذكر العلامة محمّد كرد عليّ في خطط الشام إنّ عدّة من صحابة الرسول صلّى اللّه عليه و آله كانوا يعرفون بشيعة علي و ذلك في حياته صلّى اللّه عليه و آله.

و يقسّم السيّد علي خان الشيرازي في كتابه الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة الصحابة الشيعة إلى قسمين:بنو هاشم و غير بني هاشم.

و هكذا في رجال البرقي فقد كان هناك فريق من الصحابة يعدون شيعة لعليّ.

و يعتبر الشيخ المفيد في كتابه«الجمل»كلّ الصحابة الذين شهدوا حروب عليّ و وقفوا إلى جانبه شيعة للإمام عليه السّلام.

و الشيخ الطوسي في رجال الكشي أحصى عددا كبيرا من الصحابة آمنوا بإمامة عليّ عليه السّلام.

إنّ وجود كبار الصحابة في جانب عليّ و تأييدهم له في مواجهة معاوية أحد أبرز الأدلة على حقّانية الإمام عليّ عليه السّلام.

***

أسئلة الدرس الثامن

1-تحدّث بإيجاز عن الصحابة الشيعة.

2-ما هو عدد الصحابة الذين شهدوا حرب الجمل مع الإمام عليّ؟

ص: 96

الفصل الثالث: فصول التحول التاريخي للشيعة

اشارة

ص: 97

ص: 98

الدرس التاسع

أوّلا:الشيعة في عصر الخلفاء الثلاثة

اشارة

امتاز الشيعة في عصر الخلفاء الثلاثة الأوائل بمواصفات خاصّة يمكن الإشارة إليها بما يلي:

1-لم يواجه الشيعة أيّة ضغوطات سياسية باستثناء الأيام التي أعقبت اجتماع السقيفة،بالرغم من أنّ الشيعة أو كثير منهم واجهوا حالة من الإقصاء السياسي و الحرمان من المناصب الهامّة بسبب تشيّعهم (1).

2-أعقب السقيفة بروز تصدّع في المرجعية الفكرية و العلمية حيث انقسم المسلمون إلى فريقين أهل السنّة و يتبعون خلفاء الوقت و يرجعون في مشكلاتهم العلمية و الفقهية و العقائدية إليهم فيما يرجع الشيعة إلى الإمام عليّ عليه السّلام.

و انتقلت هذه المرجعية بعد استشهاد الإمام عليّ عليه السّلام إلى الأئمة الأطهار من ولده و أبنائه فكان الأئمة يمثّلون المرجعية العلمية و الفقهية و بشكل عام جميع المعارف الإسلاميّة.

و بسبب الاختلاف في وجهات النظر فقهيّا و كذا في الحديث و التفسير و الكلام مع أهل السنة فقد حصل اختلاف بين المرجعيات السنّية و الشيعية تطور مع مرور الزمن.

3-كان للإمام عليّ عليه السّلام تعاون مع الخلفاء في إطار حفظ مصالح

ص: 99


1- مثالا على ذلك ما قام به أبو بكر في عزل خالد بن سعيد عن القيادة من جيوش المسلمين التي كانت تحارب في الشام،و كان عمر قد قاله له:«أتولّي خالدا و قد حبس عنك بيعته،و قال لبني هاشم ما قد بلغك؟ فو اللّه ما أرى أن توجّهه.فحلّ لواءه،و دعا يزيد بن أبي سفيان،و أبا عبيدة بن الجرّاح،و شرحبيل بن حسنة، و عمرو بن العاص فعقد لهم»تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 19 الأعلمي 1413 ه.

الإسلام (1)و قد اتّخذ هذا التعاون أبعادا سياسيّة و عسكرية.

كما أنّ بعض كبار الصحابة من الشيعة تقلدوا و بموافقة الإمام عليّ عليه السّلام مناصب عسكرية و مواقع سياسية،فمثلا الفضل بن عباس-و هو ابن عمّ الإمام عليّ و أحد المدافعين عنه في حادثة السقيفة-كان قد تولّى منصبا عسكريا في جيش الشام،و قد توفي في فلسطين سنة(18 ه) (2).

و كان حذيفة و سلمان قد تولّيا على التوالي الحكم في المدائن (3).

و هكذا بالنسبة إلى عمّار بن ياسر الذي ولاّه الخليفة الحكم على الكوفة بعد سعد بن أبي وقّاص (4)،أمّا هاشم المرقال الذي كان في طليعة المخلصين من شيعة الإمام عليّ عليه السّلام و الذي استشهد في صفين (5)،فقد كان يتسنّم منصبا1.

ص: 100


1- اقتراح الإمام عليّ عليه السّلام على أبي بكر في مسألة إرسال الجيش إلى الشام.انظر ابن واضح،أحمد بن أبي يعقوب،تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي،قم(1414 ه)ص 133. و كذا ما أشار به الإمام عليّ عليه السّلام على عمر لدى استشارة الأخير حول الذهاب بنفسه إلى جبهات القتال و قيادة الجيوش هناك:«...إنّك متى تسر إلى هذا العدوّ بنفسك فتلقهم بشخصك فتنكب،لا تكن للمسلمين كانفة دون أقصى بلادهم و ليس بعدك مرجع يرجعون إليه فأبعث إليهم رجلا محربا و احفز معه أهل البلاء و النصيحة فإن أظهره اللّه فذاك ما تحبّ و إن تكن الأخرى كنت ردءا للناس و مثابة للمسلمين»الخطبة 134 نهج البلاغة. و استشار عمر الإمام عليّ عليه السّلام عند ما أراد الشخوص لقتال الفرس بنفسه قال الإمام عليه السّلام له:«..فكن قطبا، و استدر الرّحا بالعرب،و أصلهم دونك نار الحرب،فإنّك إن شخّصت من هذه الأرض انتفضت عليك العرب من أطرافها و أقطارها حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك ممّا بين يديك أنّ الأعاجم إن ينظروا إليك غدا يقولوا:هذا أصل العرب،فإذا اقتطعتموه استرحتم،فيكون ذلك أشدّ لكلبهم عليك،و طمعهم فيك». الخطبة 146 نهج البلاغة.
2- المصدر السابق نفسه.
3- المسعودي عليّ بن الحسين،مروج الذهب،منشورات مؤسسة الأعلمى للمطبوعات،بيروت(1414 ه) ج 2 ص 324.
4- ابن واضح،أحمد بن أبي يعقوب نفس المصدر ص 155.
5- المسعودي عليّ بن الحسين،نفس المصدر ص 401.

عسكريا رفيعا على عهد الخلفاء الثلاثة و هو الذي فتح اقليم آذربيجان في سنة (22 ه) (1)،و عثمان بن حنيف و حذيفة بن اليمان اللّذين بعثهما عمر بن الخطاب في مهمة وضع قياسات للأراضي العراقية (2).

و كان عبد اللّه بن بديل بن ورقاء الخزاعي-من شيعة أمير المؤمنين عليه السّلام و قد اسشتهد ابنه في معركة الجمل (3)-من طليعة القادة العسكريين و على يديه تمّ فتح إصفهان و همدان (4)و هكذا بالنسبة لشخصيات أخرى من قبيل جرير بن عبد اللّه البجلي (5)و قرظة بن كعب الأنصاري (6).

و هم من رجال أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام في خلافته،و كان لهم في عهود الخلفاء الثلاثة مناصب إدارية و عسكرية،فجرير فتح منطقة الكوفة (7)و كان على عهد عثمان حاكما على همدان (8)،أما قرظة بن كعب فقد فتح الريّ في عهد عمر بن الخطاب (9).

إظهار التشيّع(في عهد و خلافة عليّ عليه السّلام)

ص: 101


1- ابن واضح أحمد بن أبي يعقوب،نفس المصدر ص 156.
2- نفس المصدر ص 152.
3- الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان،الجمل،مكتب الإعلام الإسلامي،مركز النشر،قم(1416 ه)ص 342.
4- ابن واضح أحمد بن أبي يعقوب،نفس المصدر ص 157.
5- البلاذري أحمد بن يحيى بن جابر،أنساب الأشراف،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت (1394 ه)ج 2 ص 275.
6- ابن الأثير،عز الدين عليّ بن أبي الكرم،أسد الغابة في معرفة الصحابة،دار إحياء التراث العربي بيروت،ج 4 ص 202.
7- ابن واضح،أحمد بن أبي يعقوب،المصدر نفسه،ص 143.
8- ابن قتيبة،أحمد بن عبد اللّه بن مسلم،المعارف،منشورات الشريف الرضي(1415 ه)ص 586.
9- ابن واضح،أحمد بن أبي يعقوب،المصدر نفسه ص 157.

بالرغم من أنّ التشيّع كان ظاهرة معروفة في عهد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الا إنّ إظهاره جاء بعد مصرع عثمان و خلافة الإمام عليّ،ففي تلك الفترة حدث الاصطفاف و أعلن التشيّع عن نفسه جهارا و أمام الجميع،فالشيخ المفيد يروي أنّ جماعة جاءت إلى الإمام عليّ و قالوا (1):«...نحن شيعتك يا أمير المؤمنين،فتفرّس في وجوههم،ثمّ قال عليه السّلام:فما لي لا أرى عليكم سيماء الشيعة؟قالوا:و ما سيماء الشيعة يا أمير المؤمنين؟فقال:صفر الوجوه من السهر،عمش العيون من البكاء،حدب الظهور من القيام،خمص البطون من الصيام،ذبل الشفاء من الدعاء عليهم غبرة الخاشعين».

و هكذا بالنسبة للشعر الذي أنشد في خلافة و زمن الإمام عليّ عليه السّلام و الذي يشهد بحقّه و وصيته و خلافته بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كقول قيس بن سعد:

و علي إمامنا و إمام لسوانا أتى به التنزيل (2)

و كذا ما أنشده خزيمة بن ثابت المعروف ب«ذي الشهادتين»:

فديت عليّا إمام الورى سراج البريّة مأوى التّقى

وصيّ الرسول و زوج البتول إمام البريّة شمس الضحى

تصدّق خاتمه راكعا فأحسن بفعل إمام الورى

ففضّله اللّه ربّ العباد و أنزل في شأنه هل أتى (3)

و نرى أنّ بعض الشيعة يعلنون أنّهم على دين عليّ كما جاء في شعر عمّار بن ياسر في حرب الجمل ولدى مواجهته لشخص يدعى عمرو بن اليثربي من6.

ص: 102


1- الشيخ المفيد،الإرشاد،ترجمة الشيخ محمّد باقر الساعدي الخراساني،(كتاب فروشى)المكتبة الإسلاميّة (1376 ه.ش)ج 1 ص 237،آل البيت 1413 ه.
2- ابن شهر آشوب،مناقب آل أبي طالب،مؤسسة انتشارات علاّمة قم،ج 3 ص 28.
3- المصدر السابق ص 6.

معسكر الجمل:

لا تبرح العرصة يا بن اليثربي حتى أقاتلك على دين عليّ

نحن و بيت اللّه أولى بالنبيّ (1)

و حتى خصوم و أعداء الشيعة استخدموا هذه المفردات في تصريحاتهم من قبيل ما قاله عمرو ابن اليثربي الذي سبقت الإشارة إليه،فلقد كان يفخر بقتله أنصار عليّ كقوله:

إن تنكروني فأنا ابن اليثربي قاتل علياء و هند الجمل

ثمّ ابن صوحان على دين عليّ (2)

2-الشيعة في زمن بني أميّة

كانت حقبة الحكم الاموي من أصعب و أقسى المراحل التاريخية التي مرّ بها الشيعة و التي بدأت بعد سنة(40 ه)و امتدت حتى سنة(132 ه)،فلقد أعلن خلفاء بني أميّة باستثناءعمر بن عبد العزيز الحرب و العداء السافر للشيعة.بالرغم من أنّ بني اميّة كانوا ما بعد فترة هشام بن عبد الملك منصرفين إلى معالجة القلاقل الداخلية و تحركات العبّاسيين،ممّا أدّى إلى تراجع سياسة التشدّد و القسوة إزاء الشيعة.فالخلفاء الأمويون في الشام(مركز بني أميّة و حصنهم) كانوا يعتمدون في إدارة الأقاليم و المناطق الشيعة على حكّام دمويّين،و كان الحكّام المنتخبين لحكم مناطق الشيعة عادة ما يكونوا من ألدّ أعداء الشيعة فكانوا لا يألوا جهدا في التضييق عليهم و إذلالهم،و من بين أولئك الحكّام الطغاة يبرز زياد بن أبيه،عبيد اللّه بن زياد و الحجّاج بن يوسف الثقفي الذين فاقوا

ص: 103


1- الشيخ المفيد،الجمل،مكتب الإعلام الإسلامي،مركز النشر،قم(1416 ه)ص 346.
2- المصدر السابق.

بوحشيتهم الجميع،يقول ابن أبي الحديد العالم المعتزلي المعروف:«..فقتلت شيعتنا بكل بلد و قطّعت الأيدي،و الأرجل على الظنّة،و كان من يذكر بحبّنا و الانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدّمت داره،ثمّ لم يزل البلاء يشتدّ و يزداد...حتى أنّ الرجل ليقال له:زنديق أو كافر أحبّ إليه من أن يقال:شيعة عليّ...و كان أشدّ الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة عليّ عليه السّلام،فاستعمل عليهم زياد بن سمية و ضم إليه البصرة فكان يتبع الشيعة و هو بهم عارف لأنّه كان منهم أيّام عليّ عليه السّلام قتلهم تحت كلّ حجر و مدر و أخافهم و قطّع الأيدي و الأرجل و سمل العيون و صلبهم على جذوع النخل و طردهم و شرّدهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم...» (1).

و يقول أبو الفرج عبد الرّحمن بن علي الجوزي في هذا المضمار (2):«فحصب و هو على المنبر،فدعا قوما من خاصته فأمرهم أن يأخذوا بأبواب المسجد...و من لم يحلف حبسه حتى صاروا إلى ثلاثين و قيل:ثمانين فقطع أيديهم على المكان و اتّخذه مقصورة،و كان يجمع الناس بالمسجد و يدعوهم إلى أن يتبرّوا من عليّ عليه السّلام،و من يمتنع عن ذلك يهدم داره...».

و كان زياد ابن أبيه يحكم كلاّ من الكوفة و البصرة بالتناوب ستة أشهر هنا و ستة أشهر هناك،و قد استخلف على حكم البصرة سمرة بن جندب الذي قام بقتل ثمانية آلاف(8000)نسمة من أهلها حتى أنّ زياد خاطبه قائلا (3):

«...لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت...».2.

ص: 104


1- ابن أبي الحديد شرح نهج البلاغة،دار إحياء الكتب العربية،القاهرة(1961 م)ج 11 ص 43-45.
2- ابن الجوزي،أبو الفرج عبد الرحمن بن عليّ.المنتظم في الأمم و الملوك،دار الكتب العلمية،بيروت،ط الأولى(1412 ه)ج 5 ص 227.
3- الطبري،محمّد بن جرير تاريخ الأمم و الملوك،دار القاموس الحديث،بيروت ج 6 ص 132.

و يقول أبو سوار العدوي (1):

«قتل سمرة من قومي في غداة سبعة و أربعين رجلا قد جمع القرآن...».

و كان معاوية بن أبي سفيان قد عمّم أوامره إلى كلّ حكّام الأقاليم و قادته العسكريين في عدم قبول شهادة من يثبت تشيّعه لعليّ عليه السّلام،كما جاء ذلك في إحدى رسائله.

و جاء في رسالة أخرى له:«...انظروا من قامت عليه البيّنة أنّه يحبّ عليّا و أهل بيته فأمحوه من الديوان،و اسقطوا عطاءه و رزقه...» (2).

و بعد ما قام الحجّاج بن يوسف الثقفي بسحق المقاومة في مكّة و المدينة في سنة(75 ه)و فرض بيعة عبد الملك بن مروان على الجميع انتدب لحكم العراق مركز الشيعة الكبير،فاتجه إلى مدينة الكوفة بعد أن دخلها ملثّما لا يعرف هويته أحد،و شقّ طريقه إلى المسجد الجامع في الكوفة ليعتلي المنبر،ثمّ يجلس ساكتا مدّة طويلة،و ارتفعت همهمة النّاس ترى من يكون هذا الرجل،و قال بعضهم:

لرجمه،فيما قال آخرون:دعونا نعرف من يكون؟!حتى إذا سكت الجميع حينئذ ازاح الحجّاج عن وجهه اللثام و بدأ خطبته المليئة بالتهديد و الوعيد و رائحة الدم (3):

«...يا أهل الكوفة...فإنّكم لطالما أوضعتم في الفتن و سننتم سنن الغيّ...و أنّي لأرى رؤوسا قد أينعت و حان قطافها و إني لأنظر إلى الدماء بين العمائم و اللّحى...و اللّه لتستقيمنّ على سبل الحقّ...».6.

ص: 105


1- المصدر السابق ج 6 ص 132.
2- ابن أبي الحديد،شرح نهج البلاغة،دار إحياء الكتب العربية،القاهرة ج 11 ص 45.
3- الزبير بن بكّار،أخبار الموفقيات،منشورات الشريف الرضي،حتى نهاية العهد الأموي مركز النشر الجامعي،طهران(1363 ه.ش)ص 184 و پيشوائى،مهدى،سير پيشوايان،مؤسسة الإمام الصادق عليه السّلام قم، ط الثامنة(1378 ه.ش)ص 246.

و قد عمّ الرعب و الخوف ربوع العراق بعد أن قتل الآلاف من الشيعة و من كبار الشخصيات المعروفة،يقول المسعودي في جرائم الحجّاج (1):«...و كان تأمّره على الناس عشرين سنة و أحصي من قتله صبرا سوى من قتل في عساكره و حروبه فوجد مائة و عشرين ألفا و مات في حبسه خمسون ألف رجل و ثلاثون ألف إمرأة منهنّ ستة عشر ألفا باكرا و كان يحبس النساء و الرجال في موضع واحد و لم يكن في الحبس ستر يستر الناس من الشمس في الصيف و لا من المطر و البرد في الشتاء و كان له غير ذلك من العذاب...».

و عند ما توفي الحجّاج و جد في سجنه الرهيب خمسون ألف رجل و ثلاثون ألف امرأة كان ستّة عشر ألف منهم عراة ليس عليهم من الثياب ما يسترهم، و كان الحجّاج يسجن الجميع نساء و رجالا في مكان واحد،و سجن الحجّاج يختلف عن غيره من السجون بعدم وجود سقف يقيهم حرّ القيظ اللاهب و برد الشتاء القارس و المطر (2)،و كان الشيعة عادة ما يتعرضون للتعذيب و القتل و لعلّ أبرز وثيقة تعكس ما تعرض له الشيعة من أوضاع مؤسفة هي شكوى أحدهم للإمام السجاد عليه السّلام يقول المرحوم المجلسي (3):«...اشتكت الشيعة إلى زين العابدين عليه السّلام و قالوا:يا ابن رسول اللّه أجلونا عن البلدان و أفنونا بالقتل الذريع، و قد أعلنوا لعن أمير المؤمنين عليه السّلام في البلدان و في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و على منبره،و لا ينكر عليهم منكر،و لا يغير عليهم مغيّر فإن أنكر واحد منّا على لعنه قالوا:هذا ترابي و رفع ذلك إلى سلطانهم و كتب إليه إنّ هذا ذكر أبا تراب بخير حتى ضرب و حبس ثمّ قتل...».5.

ص: 106


1- مروج الذهب،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت(1411 ه)ج 3 ص 187.
2- المصدر السابق.
3- بحار الأنوار ج 46 ص 275.

خلاصة الدرس التاسع

كان الشيعة بعد السقيفة يرجعون في مشكلاتهم الفقهية و العلمية و العقيدية إلى الأئمة الأطهار من آل البيت عليهم السّلام بالرغم من تعاون البعض منهم مع أجهزة الحكم في كلّ الخلفاء فيما الغالبية تعاني من الإقصاء و الحرمان.

و في خلافة الإمام عليّ عليه السّلام نجد الشيعة يظهرون عقيدتهم بشكل علني.

و يعدّ العهد الأموي من أصعب الحقب الزمنية و أقساها على الشيعة،فقد كان خلفاء بني أميّة جميعا باستثناء عمر بن عبد العزيز يصبّون العذاب على شيعة أهل البيت عليهم السّلام و يمارسون شتى صنوف الاضطهاد بحقّهم و عادة ما ينتخب لحكم الأقاليم و المناطق الشيعية حكّام دمويون.

***

أسئلة الدرس التاسع

1-ما هي خصائص الشيعة في زمن الخلفاء الأوّل؟

2-ما هي الخصيصة التي طبت مسار الشيعة في عهد الإمام عليّ عليه السّلام و خلافته؟

3-تحدّث بإيجاز عن ظروف الشيعة في العصر الأموي.

ص: 107

ص: 108

الدرس العاشر: انتشار التشيّع في عصر بني أميّة

اشارة

بالرغم من أجواء القهر و الاضطهاد التي عانى منها الشيعة في عهد الأمويين الا إنّ التشيّع كان في حالة انتشار و تمدّد؛ذلك أنّ مظلومية آل البيت جعلت منهم قضية عادلة ما أفضى إلى تأجّج العواطف الإنسانية تجاههم،و كانت نسبة الشيعة في حالة تنامي،و سنجد هذه الظاهرة واضحة تماما في نهاية العهد الأموي و من هنا يمكن تقسيم تلك الحقبة التاريخية من مسار الشيعة إلى ثلاثة أقسام:

أ:من سنة(40 ه)و حتى سنة(61 ه)و هي مرحلة الإمامين الحسن و الحسين عليهما السّلام.

ب:من سنة(61 ه)إلى حوالي سنة(110 ه)و هي مرحلة الإمامين السجاد و الباقر عليهما السّلام.

ج:من سنة(110 ه)و حتى سنة(132 ه)أي إلى نهاية الحكم الأمويّ و هي مرحلة الإمام الصادق عليه السّلام.

أ:مرحلة الإمام الحسن و الحسين عليهما السّلام

اشارة

منذ عهد الإمام عليّ عليه السّلام اتّخذ الشيعة شكلا من أشكال التجمّع السياسي و كان هناك كيان واضح و مميز و من هنا نجد في وثيقة الصلح بندا يشترط فيه الإمام الحسن على معاوية عدم المساس بأمن شيعة والده و لا يتعرّض لهم أو يلاحقهم (1).

و كان الشيعة في حالة تمرّن حول مفهوم طاعة الإمام التي لا ترتبط بوجود

ص: 109


1- ابن شهر آشوب،مناقب آل أبي طالب،مؤسسة انتشارات علاّمة،قم،ج 4 ص 33.

الإمام في مركز القرار السياسي و الحكم و أنّ معاوية لا يمكن أن يكون إماما مفترض الطاعة و هذا ما نلاحظه في الخطبة التي أعقبت توقيع معاهدة السّلام و التي أصرّ معاوية فيها على الإمام الحسن في إبقائها إذ جاء فيها (1):«إنّما الخليفة من سار بكتاب اللّه،و سنّة نبيه صلّى اللّه عليه و آله و ليس الخليفة من سار بالجور، ذلك ملك ملك ملكا يمتّع به قليلا ثمّ تنقطع لذّته و تبقى تبعته...».

و من خصائص المجتمع الشيعي في ذلك المقطع التاريخي هي حالة التضامن و الاتحاد الذي ينطلق من موقع قادة الشيعة.إذ أنّنا لا نجد أبدا أي تصدّع في الكيان الشيعي حتى اسشتهاد الإمام الحسين عليه السّلام،فلقد كان الحسنان عليهما السّلام يتمتعان بموقع فريد لدى الأمّة الإسلاميّة و هو موقع لم يحظ به أي إمام آخر من أهل البيت عليهم السّلام،فهما سبطا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،لذا نجد أمير المؤمنين عليه السّلام يهتف في حرب صفّين عند ما رأى سبط النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الحسن عليه السّلام يسرع نحو القتال (2):

«املكوا عنّي الغلام لا يهدّني،فانّني أنفس بهذين-يعني الحسن و الحسين عليهما السّلام-على الموت لئلاّ ينقطع بهم انسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله».

و لقد كان الحسنان عليه السّلام ينفردان بمنزلة خاصة لدى حماية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هذا ما يتّضح بشكل جليّ في مبايعة الناس للإمام الحسن عليه السّلام إذ نجد حالة من الإجماع الكامل حول ذلك أنّه و لم يسجل التاريخ ثمّة اعتراض،و لهذا فإنّنا لا نجد أيّة مشكلة في خلافة الإمام الحسن سوى في أطراف الشام،و عند ما آلت الأمور إلى تنازل الإمام الحسن عليه السّلام عن الخلافة و عزمه السفر من الكوفة إلى المدينة تدفقت الجموع إلى شوارع الكوفة و هي تبكي و تذرف الدموع،كما نجد تقريراه.

ص: 110


1- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الشرضي،قم(1416 ه)ص 80 الأعلمي بيروت 1408 ه.
2- نهج البلاغة،الخطبة خ 207 ص 406 د.صبحي الصالح،دار الهجرة قم 1419 ه.

يرفعه أحد القرشيين إلى معاوية يعكس موضع الإمام الحسن عليه السّلام و منزلته بين الناس؛يقول التقرير:

فالإمام الحسن يصلّي الصبح في المسجد و يجلس على سجادته حتى شروق الشمس ثمّ يستند إلى اسطوانة في المسجد فكل من يأتي يجلس عنده و يحدّثه إلى أن ترتفع الشمس فيصلّي ركعتين ثمّ ينهض ثمّ يزور زوجات النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و يتفقّدهنّ ثمّ يذهب إلى منزله» (1).

و هكذا بالنسبة للإمام الحسين عليه السّلام فقد كان يتمتع بذات المنزلة التي انفرد بها أخوه و شقيقه،و لهذا فإنّنا نجد شخصية حاقدة على آل البيت عليهم السّلام مثل شخصية عبد اللّه بن الزبير لا يمكنها إنكار مكانة الإمام الحسين عليه السّلام التي غطّت تماما على شخصية ابن الزبير في مكّة يوم وصلها الإمام عليه السّلام و لهذا كان يتوق جدا إلى أن يغادر الإمام الحسين مكّة في أسرع وقت و لهذا نراه يقول للإمام (2):

«...أما لو أنّ لي بها مثل أنصارك ما عدلت عنها...».

هذا الموقع الفريد للإمام الذي وضع حكم يزيد في حالة إحراج و قلق بسبب رفض الإمام الحسين لبيعة يزيد.و لهذا نرى إصرارا من أجهزة الحكم على أخذ البيعة من الإمام بأي شكل من الأشكال.

و للسبطين الحسن و الحسن موقع رفيع جدا لدى بني هاشم بحيث لا نرى أيّة شخصية تحاول تزعّم بني هاشم،و قد حاول معاوية إيجاد انشقاق داخل هذه الأسرة فعندما وصله نبأ اشتهاد الإمام الحسن اثر دسّه السم إليه قال لابن عبّاس و كان في مجلسه (3):«..يا ابن عباس لقد توفي الحسن و أصبحت كبير بني9.

ص: 111


1- البلاذري،أنساب الأشراف،دار التعارف للمطبوعات،بيروت(1394 ه)ج 3 ص 21.
2- ابن عبد ربّه الأندلسي أحمد بن محمّد،العقد الفريد،دار إحياء التراث العربي،بيروت(1409 ه)ج 4 ص 366،مروج الذهب ج 3 ص 67 دار الفكر بيروت 1421 ه.
3- المسعودي عليّ بن الحسين،مروج الذهب،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت(1411 ه)ج 3 ص 9.

هاشم...فقال ابن عبّاس:لا،مازال الحسين فينا».

و ما يتمتع به ابن عبّاس من موقع علمي و سياسي فهو حبر الأمّة و مفسّر القرآن إضافة إلى أنّه كان أكبر سنّا من الإمامين الحسن و الحسين الا أنّه لم يكن يرى نفسه زعيما لبني هاشم في وجودهما يقول مبارك بن أبي زياد (1):

«قلت لابن عبّاس:و قد أمسك للحسن و الحسين بالركاب و سوّى عليهما أنت أسن منهما تمسك لهما بالركاب فقال:يالكع و ما تدري من هذا؟هذان ابنا رسول اللّه أوليس ممّا أنعم اللّه به عليّ أن أمسك لهما و أسوّي عليهما».

تأثير النهضة الكربلائية في تنامي التشيّع

بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السّلام في كربلاء عمّ الكيان الشيعي لفقده قاعدة قويّة يستند إليها،و لهذا شعروا باليأس من أيّة حركة مسلحة لمواجهة العدو، و لهذا فقد كانت مأساة عاشوراء ضربة ما حقة واجهت مسار التشيّع و حركته،فقد عمّ الرعب في ربوع العالم الإسلامي بعد تناقل خبر المأساة خاصّة في العراق و الحجاز و أصيبت الأوساط الشيعية بصدمة مروّعة إذ ثبت للجميع أنّ يزيد على استعداد تام لارتكاب أكبر الجرائم و أبشعها من أجل تثبيت دعائم حكمه بعد أن أقدم على قتل سبط النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سبي عياله.

و قد ظهرت ملامح الرعب في الكوفة و المدينة المنوّرة خاصّة بعد مذبحة الحرّة و استباحة مدينة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من قبل جيش يزيد،و هكذا عمّ الخوف و الاضطهاد و سادت أجواء القهر و القمع في العراق و الحجاز و بخاصّة المناطق التي يتركّز فيها الشيعة من قبيل الكوفة و المدينة،و شهد الكيان الشيعي حالة رهيبة من التمزق و التصدّع و الانهيار،يقول الإمام الصادق عليه السّلام حول تلك الظروف:

ص: 112


1- ابن شهر آشوب،مناقب آل أبي طالب مؤسسة انتشارات علاّمة قم،ج 3 ص 400.

«ارتد الناس بعد قتل الحسين عليه السّلام إلا ثلاثة أبو خالد الكابلي،و يحيى بن أمّ الطويل،و جبير بن مطعم،ثمّ إنّ الناس لحقوا و كثروا» (1).

و يقول المسعودي المؤرخ في وصف تلك الفترة الزمنية:

«و قام أبو محمّد عليّ بن الحسين عليه السّلام بالأمر مستخفيا على تقية شديدة في زمان صعب...» (2).

و استمر هذا الوضع حتى نهاية حكم يزيد ثمّ بدأت النهضات الشيعية بالتنامي و الانشار إلى أن استقرّت حكومة عبد الملك و خلافته و كانت هذه الفترة الزمنية فرصة طيّبة لنشر مبادئ التشيّع.

إنّ في طليعة ما أسفرت عنه النهضة الكربلائية في عاشوراء هو القضاء التام على مشروعية الحكم الأموي لدى الرأي العام،و فقد مركز الخليفة كل درجات الاحترام و لم يعد يتمتع بتلك القداسة التي تمتع بها فيما مضى،فهذا شاعر يخاطب قبر يزيد قائلا:

أيّها القبر بحوارينا (3) قد ضمنت شرّ الناس أجمعينا (4)

و باستثناء إقليم الشام فقد بدا الرأي العام سواء كان سنيا أو شيعيّا معارضا لحكومة الأمويين و اتسع نطاق الحركات المسلحة الشيعية و السنيّة،يقول اليعقوبي المؤرخ:

«و كان عبد الملك قد كتب إلى الحجّاج و هو على الحجاز:جنّبني دماء آل5.

ص: 113


1- الشيخ الطوسي،اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشي،مؤسسة آل البيت لإحياء التراث،قم (1404 ه)ج 1 ص 338.
2- إثبات الوصية،المطبعة الحيدرية،النجف ط 4،(1373 ه)ص 167.
3- حوارين:مدينة في الشام.
4- المسعودي،عليّ بن الحسين،مروج الذهب،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت،ط الأولى (1411 ه)ج 3 ص 65.

بني أبي طالب،فإنّي رأيت آل حرب لمّا تهجموا بها لم ينصروا» (1).

و أخيرا انتصرت دماء الحسين الشهيد و دمّرت قصور الأمويين يقول المقدسي فقد غضب اللّه على بني أميّة بسبب الظلم الذي صبّوه على آل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فتجمعت العساكر في خراسان كقطع الليل و انقضت عليهم» (2).

و من جانب آخر كانت لقضية الإمام الحسين العادلة و المأساة التي حلّت به الدور الأكبر في ترسيخ مودّة أهل البيت في قلوب الناس الذين راحوا ينظرون إليهم باعتبارهم ذرية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و مراجع الدين.

إنّ أكثر الثورات الشيعية قامت باسم الحسين الشهيد عليه السّلام و من أجل الثأر له و أصبح شعار:«يا لثارات الحسين»هو شعار الحركات المسلحة للشيعة حتى تلك الثورات التي يقوم بها أشخاص من قبيل ثورة ابن الأشعث في إقليم«سيستان» شرق إيران (3).

ص: 114


1- المصدر السابق ج 2 ص 230 الأعلمي بيروت 1413 ه.
2- المقدسي،أحسن التقاسيم،ترجمة منزوي،شركة المؤلفين و المترجمين في إيران،ج 2 ص 426-427.
3- عيّن عبد الرحمن من قبل الحجّاج حاكما على إقليم«سيستان»على الحدود مع الهند،و قد حدثت اشتباكات مع الهنود حيث كان الحجّاج يهدف من وراء ذلك إلى إبعاد الجيش العراقي و قيادته عن العراق، و قد انتبه عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث إلى خطط الحجّاج فاعلن الثورة سنة(82 ه)،و بسبب الاستياء العام من سياسة الحجّاج فقد امتدّ لهيب الثورة التي عرفت بثورة القرّاء إلى البصرة و الكوفة و كان في طليعة الذين التحقوا بصفوف الثائرين قرّاء القرآن الكريم،و هكذا زحفت قوات الثورة من سيستان صوب العراق و كان عبد الرحمن يهدف إلى الإطاحة بحكم الحجّاج فقط إلا أنّ حماس الثائرين و غضبهم من الحكم الأمويّ دفعهم إلى خلع عبد الملك بن مروان و قد شعر الأخير بالخطر عند ما ألحق الثائرون الهزيمة بجيوش الحجّاج و وصلت طلائع الثائرين إلى الكوفة،فأرسل عبد الملك جيشا قويّا من الشام لتعزيز قوات الحجّاج و حدثت المعركة في منطقة«دير الجماجم»على بعد أميال من الكوفة و أسفرت الاشتباكات و المعارك الضارية عن هزيمة ابن الأشعث الذي فرّ نحو الهند و طلب اللجوء لدى أحد الأمراء هناك،و لكن عملاء الحجّاج ظلّوا يلاحقوه إلى أن تمكّنوا من اغتياله.(المسعودي المصدر السابق ج 3 ص 148،و ياقوت الحموي،شهاب الدين أبو عبد اللّه،معجم البلدان دار إحياء التراث العربي،بيروت،ط الأولى(1417 ه)ج 4 ص 338.

هذه الثورة التي جيّرت باسم الحسن المثنى(نجل الإمام الحسن السبط عليه السّلام) (1)ذلك أنّ أحاديثا حول الإمام المهدي الذي سيأخذ بثأر آل محمّد قد انتشرت في تلك الفترة العاصفة (2)و كان الناس في حالة ترقّب و انتظار للحظة الانتقام من بني أميّة (3)و بسبب مرارة المعاناة و قسوة الظروف فقد كان الناس ينظرون إلى بعض رموز الثورات على أنّها الإمام المهدي (4).

من جهة أخرى سعى أهل البيت عليهم السّلام و تحديدا الإمام السجّاد عليه السّلام إلى ترسيخ مشاهد مأساة كربلاء في ضمير الرأي العام فقد كان لا يشرب ماء حتى يبكي و يذرف الدموع و عند ما يسأل عن سبب ذلك كان يقول (5):«...و كيف لا أبكي؟و قد منع أبي الماء الذي كان مطلقا للسباع و الوحوش.و قال له مولى له:أما آن لحزنك أن ينقضي؟!فقال له:و يحك إنّ يعقوب النبيّ عليه السّلام كان له اثنا عشر ابنا فغيّب اللّه واحدا منهم فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه و احدودب ظهره من الغمّ و كان ابنه حيا و أنا نظرت إلى أبي و أخي و عمّي و سبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني».

و كان الإمام الصادق عليه السّلام يشجّع الشعراء و يوجّه حركة الأدب باتجاه رثاء8.

ص: 115


1- ابن عنبه،عمدة الطالب في أنساب أبي طالب،منشورات الشريف الرضي،قم،ص 100.
2- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي،قم ط الثانية(1416 ه)ص 216.
3- يقول اليعقوبي:«و أتاه أبو الطفيل عامر بن واثلة و كان من أصحاب عليّ،فقال له:يا أمير المؤمنين!لم منعتم عطائي؟قال له:بلغني أنّك صقلت سيفك و شحذت سنانك و نصّلت سهمك و غّلفت قوسك تنتظر الإمام القائم حتى يخرج فإذا خرج وفّاك عطاءك.فقال:إنّ اللّه سائلك عن هذا فاستحيا عمر من هذا و أعطاه».(تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي،قم(1414 ه)ج 2 ص 234،الأعلمي بيروت 1413 ه.
4- أبو الفرج الإصفهاني،المصدر السابق ص 210.
5- العلاّمة المجلسي،بحار الأنوار،المكتبة الإسلاميّة،طهران،ط الثانية(1394 ه)ج 46،ص 108.

سيّد الشهداء الحسين عليه السّلام يقول عليه السّلام (1):«...ما من أحد قال في الحسين شعرا فبكى و أبكى به إلاّ أوجب اللّه له الجنّة و غفر له».

و هكذا أصبح الإمام الحسين رمزا للتشيّع و من هنا نفهم جانبا من سياسة المتوكل(232-247 ه)الذي أقدم على تدمير مرقد الإمام الحسين و منع زيارته (2).

خلاصة الدرس العاشر

اتّخذ الشيعة منذ عهد الإمام عليّ عليه السّلام و خلافته شكل التجمّع السياسي و أصبح الكيان الشيعي واضحا و مميّزا من جهة أخرى،و تمتّع هذا الكيان بسبب موقع الإمامين الحسن و الحسين عليهما السّلام بالتوحّد و التضامن و لم يشهد أي شكل من أشكال التصدّع.

بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السّلام،فقد الشيعة أهم قاعدة لهم و سيطرت حالة الخوف و لهذا نجد عددا ضئيلا يقف إلى جانب الإمام السجاد عليه السّلام،لكن الأمر سرعان ما تغيّر بعد وفاة يزيد،استطاعت النهضة الكربلائية بما تضمنته من زخم المأساة أن تسحب الشرعية عن الحكم الأموي،و لم يعد مركز الخلافة يحظى بالقداسة ليصل أسوأ درجات الانحطاط فيما زادت هذه النهضة من رسوخ حبّ و مودّة أهل البيت عليهم السّلام في قلوب الناس.

***

ص: 116


1- الشيخ الطوسي،أبو جعفر،اختيار معرفة الرجال(رجال الكشي)مؤسسة آل البيت عليهم السّلام،قم(1404 ه)ج 2 ص 574.
2- الطبري،أبو جعفر محمّد بن جرير،تاريخ الطبري،دار الكتب العلمية،بيروت،ط الثانية(1408 ه)ج 5 ص 312.

أسئلة الدرس العاشر

1-ما هي مراحل اتّساع التشيّع في العصر الأموي؟

2-ما هي الخصيصة التي تمتّع بها الشيعة في عهد الإمامين الحسن و الحسين عليهما السّلام؟

3-ما هي تأثيرات النهضة الكربلائية في تنامي التشيّع؟

ص: 117

ص: 118

الدرس الحادي عشر

ب:عصر الإمام السجاد عليه السّلام

اشارة

يمكن تقسيم حياة الإمام السجاد إلى مرحلتين:

المرحلة الأولى:تبدأ بعد شهادة الإمام الحسين،و زعزعة الحكم الأموي و بالتالي نهاية الحكم السفياني و صعود المروانيين و الصراع الذي احتدم بين الأمويين و مواجهتهم للثورات و الحركات المسلحة و استقرار الحكم المرواني.

المرحلة الثانية:و تبدأ من حكومة الحجّاج و هزيمة عبد اللّه بن الزبير (1)

ص: 119


1- بدأ حكم عبد اللّه بن الزبير في مكّة بعد وفاة معاوية و إعلانه عدم البيعة ليزيد سنة(60 ه)حيث دعا الناس إلى نفسه و استمر في ذلك حتى مصرعه في المعارك التي دارت في مكّة سنة(72 ه)عندما حاصرته جيوش الحجّاج و قد استمرت حكومة عبد اللّه بن الزبير 12 سنة،و قد عبّر ابن عبد ربّه في كتابه«العقد الفريد»من هذه الفترة ب«فتنة ابن الزبير»ص 104-105. «بعد موت معاوية،طلب حاكم المدينة البيعة من ابن الزبير ليزيد،و لأجل أن لا يبايع يزيد خرج و الحسين عليه السّلام إلى مكّة...و كان ثقيلا عليه دخول الحسين عليه السّلام لكونه أجل منه ؤاطوع في الناس فلا يبايع له مادام الحسين فيها...و قال للإمام عليه السّلام:وفّقك اللّه!!أما لو أن لي بها مثل أنصارك ما عدلت عنها«أي الكوفة»... بعد شهادة الإمام الحسين أظهر الدعوة لنفسه...و في عام 62 هجري كما فعل أهل المدينة إلى يزيد فسيّر إليهم بالجيوش من أهل الشام عليهم مسلم بن عقبة المرّي،ثمّ خرج إلى الحرّة و بعدها اتجه إلى مكّة و في الطريق و افته المنية و استخلف على الجيش الحصين بن نمير و نصّب عام 64 هجري فيمن معه من أهل الشام المجانيق و العرادات على مكّة و المسجد من الجبال و الفجاج فتواردت أحجار المجانيق و العرادات على البيت و رمي مع الأحجار بالنار و النفط و مشاقات الكتان و غير ذلك من المحرقات و انهدمت الكعبة و احترقت البنية و خلال المعركة وصل نبأ هلاك يزيد إلى مكّة.نمي ذلك إلى الحصين بن نمير و من معه في جيش الشام و هو على حرب ابن الزبير،فهادنوا ابن الزبير،و نزلوا مكّة فلقي الحصين عبد اللّه في المسجد فقال له:هل لك يا ابن الزبير أن أحملك إلى الشام و أبايع لك بالخلافة؟فقال عبد اللّه...أبعد قتل أهل الحرّة«و اللّه...و بعد هلاك يزيد بايعت سائر الأمصار الإسلاميّة ابن الزبير ما عدا الأردن خليفة للمسلمين و بايع بنو أميّة مروان في الجابيه..و كان مروان أوّل من أخذها بالسيف كرها...و بعده ولي الأمر ابنه عبد الملك و بعد أن تغلّب على مصعب بن الزبير أخو بن الزبير أرسل الحجّاج بن يوسف الثقفي من العراق على رأس جيش كبير إلى مكّة لقتال عبد اللّه بن الزبير فحاصر ابن الزبير فيها مدة ورمى الكعبة بالمنجنيق من جبل أبي قبيس...و هرب أتباع عبد اللّه بن الزبير و تركوه يقاتل لوحده حتى قتل و بعد 12 سنة انتهت ثورة ابن الزبير...».

إلى بدء الحركة العباسية.

في عهد الإمام الباقر عليه السّلام

بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السّلام واجه الأمويون صراعا داخليا نشب بين البيت السفياني و البيت المرواني هذا من جهة،و من جهة أخرى وجدوا أنفسهم في مواجهة الثورات في العراق و الحجاز،و لم تستمر حكومة يزيد إذ سرعان ما انهارت بعد مصرعه في ظروف غامضة و ذلك سنة(64 ه) (1).

و بعد هلاك يزيد جاء إلى الحكم معاوية الثاني الذي لم يستمر في موقعه أكثر من أربعين يوما إذ أعلن استقالته ثمّ أعلن عن وفاته بعد ذلك بفترة قصيرة (2).

و قد أعقب وفاته انفجار الصراع داخل البيت الأمويّ حيث استعرت حمى التنافس حول الزعامة و الرئاسة،و قد وصف المسعودي ذلك المقطع التاريخي قائلا:

«و معاوية بن يزيد قبض و هو ابن اثنتين و عشرين سنة و دفن بدمشق و صلّى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ليكون الأمر له من بعده فلمّا كبر الثانية طعن فسقط ميتا قبل تمام الصلاة فقدم عثمان بن عتبة بن أبي سفيان قالوا:نبايعك؟ قال:على أن لا أحارب و لا أباشر قتالا،فأبوا ذلك عليه فصار إلى مكّة و دخل في جملة ابن الزبير» (3).

لم تمض سوى ثلاثة أعوام على استشهاد الإمام الحسين في كربلاء حتى

ص: 120


1- ابن واضح،أحمد بن أبي يعقوب،تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي قم،(1414 ه)ج 2 ص 252.
2- المصدر السابق ص 256.
3- مروج الذهب ج 3 ص 83-84 دار الفكر بيروت 1421 ه.

إنهار الحكم السفياني،و نجد أثر ذلك تحولا أساسيا لدى قناعات العديد من الزعامات السياسية و القبلية على امتداد رقعة العالم الإسلامي التي بدأت تتجه في الغالب نحو ابن الزبير كما هو الحال لدى الضحّاك بن قيس و النعمان بن بشير و خلال ذلك قام ابن الزبير بطرد الأمويين من المدينة المنوّرة و في طليعتهم مروان بن الحكم،فاتجهوا نحو الشام،و بسبب الفراغ السياسي في دمشق،انتخب الأمويون مروان بن الحكم خليفة،و قد حدث ذلك في منطقة تدعى«الجابية» كما تم انتخاب خالد بن يزيد و بعده عمرو بن سعيد الأشدق لولاية العهد.

و لم تمض سوى فترة قصيرة جدا حتى قام مروان بإقالة خالد بن يزيد من ولاية العهد و انتخب ابنه عبد الملك،و أثر هذه الخطوة قامت أم خالد التي تزوّج بها مروان بدس السمّ إليه،فيما قام عبد الملك بالتخلص من عمرو بن سعيد الأشدق و انتخاب أولاده لولاية العهد (1).

و في هذه الفترة احتدمت الثورات التي واجهت الحكم الأمويّ و التي يمكن تقسيمها إلى قسمين:

الأوّل:الثورات غير الشيعية،من قبيل:ثورة الحرّة في المدينة المنوّرة و ثورة ابن الزبير و ثورة الأخير معروفة المضمون من خلال شخصية قائد الثورة فهو معروف بعدائه الشديد لآل البيت عليهم السّلام،و هو يحمل أحقادا دفينة منذ حرب الجمل،و ما آلت إليه تلك الواقعة،أمّا شقيقه مصعب فله ميول شيعية،و قد تزوّج من السيّدة سكينة (2)،و لهذا فقد زحف بجيشه إلى العراق لمواجهة الجيوش الأموية القادمة لاستعادة العراق،و لعلّ وقوف القائد العسكري إبراهيم بن مالك الأشتر بعد نهاية ثورة المختار إلى جانبه جاء وفقا لذلك حيث قتل في المعارك4.

ص: 121


1- المصدر السابق.
2- ابن قتيبة أبو محمّد عبد اللّه بن مسلم،المعارف،منشورات الشريف الرضي،قم،ط الأولى(1415 ه)ص 214.

الفاصلة،و ثورة الحرّة أيضا لم يكن لها مضمون شيعي (1)و لم يتدخل الإمام).

ص: 122


1- وقعت ثورة الحرّة في المدينة الموّرة سنة(62 ه)،و يعزو المسعودي تلك الثورة إلى الإستياء العام من فسق يزيد و إقدامه على قتل سبط النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في كربلاء فقد عمّ الغضب المدينة المنوّرة التي تعد موطنا لأسرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الصحابة و التابعين. و كان حاكم المدينة المنوّرة شابا عديم التجربة و قد قام بإرسال وفد من أعيان المدينة كممثلين و نوّاب عن أهلها إلى لقاء يزيد و التعرّف عليه،و لكي تشملهم مكارمه و بالتالي يكون لهم دورهم في تعزيز نفوذ الحكم من خلال دفع الناس إلى الطاعة و الانقياد. و قد اختار عثمان حاكم المدينة وفدا في طليعته عبد اللّه بن حنظلة غسيل الملائكة.و لم يكن يزيد يتمتّع بحنكة والده و ذكائه لهذا لم يتظاهر بالوقار أو التزام حدود الدين فكان يتصرّف على طبيعته و مارس أمامهم ألوانا من الفسق و الفجور الا إنّه احتفى بهم و قدّم لهم الهدايا السنية و خلع عليهم الخلع الثمينة من أجل أن يعكسوا لأهل المدينة المنورة صورة ايجابية عنه،و قد أدّت هذه الخطوة إلى نتائج معاكسة تماما فقد أطلع الوفد،الرأي العام على حقيقة يزيد البشعة و أعلنوا صراحة:«...و أظهروا شتم يزيد و عيبه و قالوا:قدمنا من عند رجل ليس له دين يشرب الخمر و يضرب بالطنابير و يعزف عنده القيان و يلعب بالكلاب و يسمر عنده الخراب-و هم اللصوص- و أنّا نشهدكم إنّا قد خلعناه...». و قد أعقب هذه المواقف الغاضبة اشتعال لهيب الثورة في المدينة المنوّرة و مبايعة أهلها لعبد اللّه بن حنظلة غسيل الملائكة و قامت حكومة الثورة بطرد بني أميّة كافّة من المدينة. و عند ما وصلت التقارير إلى يزيد صدرت الأوامر إلى مسلم بن عقبة-قيادي في حكومة معاوية لا يعرف غير تنفيذ أوامرهم-بالزحف إلى المدينة المنوّرة و سحق الثورة،فقاد مسلم الذي عرف آنذاك ب«مسرف بن عقبة»،جيشا جرّارا و قد أمهل بن عقبة قادة المدينة المنوّرة ثلاثة أيام-كما قضت التعليمات-للاستسلام و إلاّ فإنّه سيقوم بالهجوم و احتلالها بالقوّة و استباحتها ثلاثة أيام. و قامت جيوش الشام بمهاجمة المدينة المنوّرة و حدثت معارك ضارية و استبسل الثائرون في الدفاع،و لكن المقاومة لم تستمر طويلا بسبب عدم التكافؤ في ميزان القوى حيث انهارت المقاومة بعد مصرع قادة الثورة في المعارك و أعلن مسلم بن عقبة استباحة المدينة ثلاثة أيام ارتكب خلالها جنود الشام الفظائع التي يندى لها جبين الإنسانية،و نفذّت بأصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله واحدة من أبشع المجازر في تاريخ الحروب،و قد استمر مسلسل القتل واجبر الناس على البيعة على أنّهم عبيد ليزيد.(انظر:ابن عبد ربّه الأندلسي،أحمد بن محمّد،العقد الفريد،دار إحياء التراث العربي،بيروت ج 4 ص 362،ابن واضح أحمد بن أبي يعقوب،تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي،قم(1414 ه)ج 2،ص 250،المسعودي،عليّ بن الحسين،مروج الذهب،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت،ج 3 ص 82،ابن الأثير،الكامل،دار صادر،بيروت،ج 4 ص 102،103 و 255،256).

السجّاد في تلك الثورة.

و لهذا تعرض أهل المدينة إلى أقسى معاملة و عوملوا على أنّهم خول و عبيد ليزيد،فيما عومل الإمام السجاد بكل إجلال و احترام (1).

أمّا القسم الثاني:فهو الثورات الشيعية.

الثورات الشيعية

الثورات الشيعية عبارة عن ثورة التوّابين و ثورة المختار و كان العراق منطلق الثورتين و تحديدا مدينة الكوفة،حيث يشكّل الشيعة فيها قوات الثورة،و تمتاز ثورة المختار بحضور فاعل للشيعة من غير العرب(الموالي).

لا يوجد أدنى غموض في ماهية ثورة التوّابين،فالثورة تستند إلى بواعث صحيحة و أهداف استشهادية و كانت الغاية الوحيدة لها هي الثأر لسيد الشهداء الحسين السبط عليه السّلام و التكفير عن الذنوب و العار الذي لحق بهم جرّاء تخاذلهم عن نصرة الإمام الحسين الشهيد عليه السّلام.

و قد غادر الثوّار مدينة الكوفة بعد تجمعهم فيها و اتجهوا نحو كربلاء حيث مرقد الإمام الحسين سيّد الشهداء و بدأوا حركتهم بهذا الإعلان:

«يا ربّ إنّا قد خذلنا ابن بنت نبيّنا فاغفر لنا ما مضى و تبّ علينا إنّك أنت التوّاب الرحيم و ارحم حسينا و أصحابه الشهداء الصديقين و إنّا نشهدك يا ربّ إنّا على مثل ما قتلوا عليه فإن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين».

أمّا المختار الثقفي فقد بدأ نشاطه مع وصول مسلم بن عقيل إلى الكوفة، و كان مسلم(رضي اللّه عنه)قد اتّخذ من منزل المختار مقرا له و مركزا لنشاطه في

ص: 123


1- أبو حنيفة،الدينوي،أحمد بن داود،الأخبار الطوال،منشورات الشريف الرضي،قم،ص 266.

تعبئة الرأي العام تمهيدا لقدوم الإمام الحسين عليه السّلام.و قد اعتقل المختار الثقفي بأوامر من عبيد اللّه بن زياد الذي عيّن حاكما على الكوفة.

و قد ظلّ المختار رهن الاعتقال إلى ما بعد واقعة كربلاء حيث أطلق سراحه بوساطة عبد اللّه بن عمر زوج أخت المختار إذ بعث برسالة إلى يزيد في هذا الموضوع.

و بدأ المختار الثقفي يحضّر للثورة بعد عودته إلى الكوفة سنة(64 ه)و ذلك بعد أن أبعد عنها ثلاث سنين قمعت خلالها ثورة التوّابين.

رفع المختار شعار الثورة:«يا لثارات الحسين»فالتفّ حوله الشيعة و بخاصّة الموالي،و سرعان ما سيطر على الكوفة و أنزل القصاص بقتلة الإمام الحسين بعد محاكمات سريعة،فقد قام بمعاقبة مئتين و ثمانين من المتورطين في مذبحة كربلاء و نفّذ بهم عقوبة الاعدام في يوم واحد.

كما دمّر بيوت آخرين كانوا قد فرّوا من وجه العدالة،و من بين ما دمّر من البيوت دار محمّد بن الأشعث،و نقل حجارتها ليعيد بناء منزل حجر بن عدي الذي قام النظام الأموي بتخريبه بسبب وفائه للإمام عليّ عليه السّلام و كان معاوية قد أصدر أمرا بقتل حجر و أصحابه و تخريب بيوتهم (1).

و قد تضاربت وجهات النظر حول المختار بين من يعتبره شيعيّا حقيقيا و بين من يراه كذّابا.يقول ابن داود في رجاله حول المختار (2):«غمز فيه بعض أصحابنا بالكيسانية و أصبح على ذلك بردّ مولانا زين العابدين عليه السّلام أنّه قال:«لا تسبّوا المختار فإنّه قتل قتلتنا و طلب بثأرنا و زوّج أراملنا و قسّم فينا المال على العسرة».

و قد زار أبو الحكم بن المختار الإمام الباقر عليه السّلام فلقي من لدن الإمام ترحيباه.

ص: 124


1- الخوارزمي،مقتل الحسين،منشورات المفيد،قم،ج 2 ص 202.
2- رجال ابن داود ص 277،منشورات الشريف الرضي قم 1392 ه.

حارا،فسأل أبو الحكم الإمام حول الموقف من والده قائلا (1):«...إنّ الناس قد أكثروا في أبي و القول قولك فمدحه و ترحّم عليه و قال عليه السّلام:سبحان اللّه! أخبرني أبي أنّ مهر أمي كان ممّا بعث به المختار...».

و هنا نرى الإمام يترحّم على المختار و يمجّد ما قام به قائلا (2):«...رحم اللّه أباك،يكررها،ما ترك لنا حقا عند أحد إلاّ طلبه،قتل قتلتنا و طلب بدمائنا...».

و كان المختار قد أرسل رأس عبيد اللّه بن زياد إلى الإمام السجّاد،فسجد الإمام شكرا للّه و دعا للمختار،و الى جانب هذه الأخبار جاءت روايات تذمّ المختار و هو من وضع و ضّاعين من أعدائه و خصومه،و فيما يخصّ تأسيس المختار لفرقة الكيسانية فقد انبرى آية اللّه الخوئي لتفنيد هذا الاتهام و قال في معرض دفاعه عن المختار (3):«أنّه نسب بعض العامة المختار إلى الكيسانية و قد استشهد لذلك بما في الكشي من قوله:و المختار هو الذي دعا الناس إلى محمّد بن عليّ بن أبي طالب بن الحنفية و سمّوا الكيسانية و هم المختارية.و كان بقية كيسان إلى آخر ما تقدم و هذا القول باطل جزما فإنّ محمّد بن الحنفية لم يدع الإمامة لنفسه حتى يدعو المختار الناس اليه و قد قتل المختار و محمّد بن الحنفية حيّ و إنّما حدثت الكيسانية بعد وفاة محمّد بن الحنفية و أمّا لقب مختار،هو كيسان فإن صح ذلك فمنشؤه ما تقدم في رواية الكشي من قول أمير المؤمنين عليه السّلام له مرتين يا كيّس يا كيسّ فمعنى كلمّة كيّس و قيل:كيسان».ت.

ص: 125


1- رجال ابن داود ص 277،الشريف الرضي قم 1392 ه.
2- المصدر السابق.
3- معجم رجال الحديث،السيّد أبو القاسم الخوئي ج 18 ص 102-103،بيروت.
الحكم المرواني(فترة الاضطراب)

ذكرنا إنّ المرحلة الثانية هي عصر الإمام السجاد،و قد واكبت فترة ترسيخ دعائم الحكم المرواني و كان بنو مروان قد نجحوا في تثبيت حكومتهم بعد تمكّنهم في القضاء على ثورة عبد اللّه بن الزبير الذي لقي مصرعه في مكّة سنة (73 ه) (1).

و اعتمد الحكم المرواني على شخصيات دموية غاية في القسوة و الايغال بسفك الدماء من قبيل الحجّاج بن يوسف الثقفي،و كان الأخير لا يعرف شيئا سوى الطاعة المطلقة لخلفاء بني أميّة،و كان لا يتورّع عن اتخاذ أيّة وسيلة من أجل تحقيق أهدافه خدمة لأسياده.

فقد قام من أجل سحق ثورة ابن الزبير بمحاصرة مكّة المكرّمة و قصف بيت اللّه الحرام بالمنجنيق و دمّر أجزاء من الكعبة و نشب حريق فيها،و لهذا فقد كان يبطش بكل خصوم بني أميّة و أعدائهم من الشيعة و غيرهم:و قد أخمد الحجّاج ثورة ابن الأشعث في سنة(80 ه) (2)و قتل العديد من القرّاء و هي شريحة

ص: 126


1- ابن واضح،أحمد بن أبي يعقوب،تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي،قم(1414 ه)ج 2 ص 267.
2- ص 110.في سنة 80 للهجرة بعث الحجّاج عبد الرحمن بن الأشعث عاملا على سجستان و زابل على الرغم من عدم الاطمئنان له.و طلب منه أن يخرج رتبيل من سجستان،فلمّا صار إلى سجستان أقام ببست ثمّ سار يريد رتبيل ملك البلد و كان قد ضبط أطرافه فلما أوغل في بلاد رتبيل خاف غدره فرجع إلى بست و كتب إلى الحجّاج يعلمه برجوعه...فكتب اليه كتابا يتوعده فيه...فجمع أطرافه إليه و حرّض الناس على الحجّاج و دعاهم إلى خلعه فخلعوه و بايعوا له فلمّا اجتمعت الكلمة قال لهم:نسير إلى العراق...و أقبل حتى صار إلى قرب الأهواز...ثمّ خرج الحجّاج في جيش...فقاتله قتالا شديدا فهزمه حتى رجع الحجّاج إلى البصرة... و لحق ابن الأشعث بالكوفة مع جماعة من قرّاء البصرة...و طلب الحجّاج الامدادات من الشام و التقى ثانيا بابن الأشعث في دير الجماجم فى معركة طاحنة كانت لصالح ابن الأشعث حتى وصل الخبر إلى عبد الملك بن مروان و أراد مخادعتهم في رسالة بعثها للعراقيين مضمونها إذا كنتم تريدون عزل الحجّاج فإني أعزله...و لم يقبل العراقيون الصلح منه...و أخيرا استطاع الاحتيال على بعض قادة ابن الأشعث و يقضى على جيشه و يضطر ابن الأشعث للهروب إلى رتبيل و بعدها يضطر رتبيل بسبب تهديدات الحجّاج إلى قتل ابن الأشعث و يبعث برأسه إليه...».

اجتماعية كانت تتمتّع بالاحترام البالغ.

و قد استمرّ الحجّاج فى حكمه الدكتاتوري للعراق و الحجاز حتى سنة (95 ه) (1).

لقد عاصر الإمام السجاد عليه السّلام تلك الحقبة العاصفة من تاريخ الإسلام،و بسبب الأجواء الخانقة فقد اتّخذ الإمام من الدعاء وسيلة لنقل العديد من القيم المعرفية و الدينية و الأخلاقية إلى المجتمع،و كان الشيعة يعيشون أقسى الظروف بين الاعتقالات و حياة التشرّد و اعتمدت شرائح واسعة حالة من التقية المكّثفة للخلاص من سجون الحجّاج و سيوف جلاّديه.

و لهذا لم يكن أحد ليجرؤ على الاقتراب من الإمام السجاد و كان أصحابه نفر قليل يعدّون بالأصابع يقول المرحوم العلاّمة المجلسي:إنّ الحجّاج قتل سعيد بن جبير لعلاقته بالإمام السجاد عليه السّلام (2).

و قد أدّت سياسة القتل و القمع و الاضطهاد إلى هجرة أعداد كبيرة من الشيعة إلى مناطق بعيدة من العالم الإسلامي ما أدى إلى انتشار التشيّع و تناميه (3).

و قد امتدت هذه السياسة إلى الفترة الاولى من عصر الإمام الباقر عليه السّلام حيث كان الحكم الأموي فيها أوج قدرته و كان الخليفة الأموي يومذاك هشام بن عبد الملك الذي عرف بقسوته و بطشه و دمويته،فقد قام باستدعاء الإمام الباقر إلى8.

ص: 127


1- المسعودي،عليّ بن الحسين،المصدر السابق ص 187.
2- الشيخ الطوسي،اختيار معرفة الرجال المعروف ب«رجال الكشي»،مؤسسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث قم(1404 ه)ج 1 ص 335.
3- ياقوت الحموي،شهاب الدين أبو عبد اللّه،معجم البلدان،دار إحياء التراث العربي بيروت،ط الأولى (1417 ه)ج 7 ص 88.

دمشق مع نجله الإمام الصادق عليهما السّلام و لم يأل جهدا في مضايقة الإمام و محاولة الحطّ من شأنه (1).

و في عهده ثار زيد بن عليّ بن الحسين عليهما السّلام و استشهد.و بالرغم من أن الأوضاع شهدت انفراجا لا بأس به في زمن عمر بن عبد العزيز الا إنّ مدّة خلافته كانت قصيرة للغاية إذ لم يحكم سوى عامين تقريبا ليموت في ظروف غامضة.

و بالرغم ممّا قام به بنو أميّة من نشاط محموم على كلّ الأصعدة بما في ذلك الدعاية المناهضة لأهل البيت عليهم السّلام الا إنّهم أخفقوا تماما في إطفاء نور الحقّ و حجب شمس الحقيقة فقد كانت فضائل أمير المؤمنين عليه السّلام و مناقبه تسطع و تملأ الخافقين و بهذه المناسبة يقول ابن أبي الحديد (2):«..فالأحاديث الواردة في فضله في الشهرة و الاستفاضة و كثرة النقل إلى غاية بعيدة لانقطع نقلها للخوف و التقية من بني مروان مع طول المدة و شدّة العداوة و لو لا أنّ للّه تعالى في هذا الرجل سرّا يعلمه من يعمله لم يرو في فضله حديث و لا عرفت له منقبة...».

خلاصة الدرس الحادي عشر

ينقسم عصر الإمام السجاد عليه السّلام إلى مرحلتين:

الأولى:تزعزع الحكم الأموي،و سقوط البيت السفياني و صعود البيت المرواني.

المرحلة الثانية:مرحلة تثبيت دعائم الحكم المرواني.

و قد شهدت المرحلة الأولى نشوب الثورات الشيعية و غير الشيعية في الحجاز

ص: 128


1- الطبري،محمّد بن جرير بن رستم،دلائل الإمامة،منشورات المطبعة الحيدرية،النجف الأشرف(1383 ه)ص 105.
2- عبده،محمّد،شرح نهج البلاغة،دار إحياء الكتب العربية،القاهرة ج 4 ص 73.

و العراق.

أمّا المرحلة الثانية:فتبدأ عقب مقتل عبد اللّه بن الزبير سنة(73 ه)حيث نجد الحكم المرواني يعتمد في تثبيت دعائمه على قيادات غاية في القسوة و الدموية من قبيل الحجّاج.

***

أسئلة الدرس الحادي عشر

1-إلى كم مرحلة ينقسم عصر الإمام السجاد عليه السّلام؟

2-تحدّث باختصار عن طبيعة الثورات التي شهدها عصر الإمام السجاد عليه السّلام.

3-اشرح بإيجاز فترة الاضطرابات التي شهدتها حكومة المروانيين في مطلع عهدها.

ص: 129

ص: 130

الدرس الثاني عشر: بدء الدعوة العبّاسية و أثرها في نشر التشيّع

اشارة

في عام(111 ه)بدأت الدعوة العبّاسية نشاطها (1)،و قد أفضت هذه الحركة إلى اتساع نطاق التشيّع ليمتدّ إلى مناطق عديدة من العالم الإسلامي كما أدّت هذه الحركة إلى التخفيف من أجواء الاضطهاد الأموي،إذ بدأ الشيعة يتنفسون الصعداء كما أن الأئمة المعصومين تمكّنوا من التصريح بمرتكزاتهم الفقهية و الكلأميّة و العمل على ترسيخها في أذهان المسلمين و هكذا بدأ التشيّع فصلا جديدا.

و بشكل عام لم تكن هناك حالة من التمايز بين العبّاسيين و العلويين في ظلّ الحكم الأموي،و لم تكن هناك حالة من الاختلاف،و هذا ما أشار إليه السيّد محسن الأمين بقوله:«سمّوا شيعة آل محمّد و لم يكن إذاك بين بني عليّ و بني العبّاس افتراق في رأي و لا مذهب فلمّا ملك بنو العباس و تسلّمها سفاحهم من بني أميّة نزغ الشيطان بينهم و بين بني عليّ فبدا منهم في حقّ بني عليّ ما بدا فنفر عنهم فرقة من الشيعة و أنكرت فعلهم و مالت إلى بني عليّ فلزمهم هذا الاسم(الشيعة)» (2).

و لهذا السبب كان دعاة بني العبّاس يتحركون بين الناس تحت شعار:«الدعوة إلى الرضا من آل محمّد»لا يفتأون يتحدثون عن مظلومية أهل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يقول أبو الفرج الإصفهاني (3):«...و خرجت دعاة بني هاشم إلى النواحي عند مقتل الوليد بن يزيد و اختلاف كلمة بني مروان فكان أوّل ما

ص: 131


1- ابن واضح،أحمد بن أبي يعقوب،تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي ج 2 ص 319.
2- السيّد محسن الأمين،أعيان الشيعة،دار التعارف للمطبوعات،بيروت ج 1 ص 19.
3- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي(1416 ه)ص 207.

يظهرونه فضل عليّ ابن أبي طالب و ولده و ما لحقهم من الفتك و الخوف و التشريد...».

و قد أدّى ذلك إلى تنامي التشيّع و انتشاره بشكل ملحوظ،و شهدت تلك الفترة من الدعوة العبّاسية انتشار أحاديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حول ظهور الإمام المهدي عليه السّلام و كان إقليم خراسان مسرحا كبيرا للنشاط الدعوي العبّاسي،و قد تزايدت أعداد الشيعة في ذلك الإقليم بشكل كبير و قد بلغت في ذلك مديات جعلت اليعقوبي يقول (1):

«و كان مقتل زيد سنة 121 ه و لمّا قتل و كان من أمره ما كان تحرّكت الشيعة بخراسان و ظهر أمرهم و كثر من يأتيهم و يميل معهم و جعلوا يذكّرون الناس أفعال بني أميّة و ما نالوا من آل رسول اللّه حتى لم يبق بلد إلاّ فشا فيه هذا الخبر و ظهرت الدعاة و رئيت المنامات و تدورست كتب الملاحم...».

و هكذا بالنسبة للمسعودي إذ أشار إلى انتشار التشيّع في خراسان ففي سنة (125 ه)و هي السنة التي قتل فيها يحيى بن زيد الشهيد في الجوزجان بخراسان سمى الناس أطفالهم الذكور الذين ولدوا في ذلك العام باسم يحيى (2).

و من هنا نفهم عمق النفوذ العبّاسي في خراسان،فقد ذكر أبو الفرج في ترجمته أحوال عبد اللّه بن محمّد بن عليّ بن أبي طالب علّة ذلك قائلا (3):

«...و هو الذي يزعم الشيعة من أهل خراسان أنّه ورث الوصية عن أبيه و أنّه الإمام و إنّه أوصى إلى محمّد بن عليّ بن عبد اللّه بن العبّاس و أوصى محمّد إلى3.

ص: 132


1- ابن واضح،أحمد بن يعقوب،تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي،قم(1414 ه)ج 2 256، الأعلمي،بيروت 1413 ه.
2- المسعودي،مروج الذهب،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت(1417 ه).
3- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي،قم(1416 ه)ص 133.

إبراهيم الإمام فصارت الوصية في بني العبّاس من تلك الجهة».

و من هنا يشكّل الخراسانيون الغالبية العظمى في القوات العبّاسية،و هذا ما أشار إليه المقدسي كما أشار إلى أنّ أنصار جيش المهدي سيكونون من أهل هذا الإقليم (1).

و هكذا فإنّ منزلة أهل البيت عليهم السّلام كانت في غاية الجلال لدى عموم الناس، و لهذا فعندما انتصرت الثورة العالمية و بدأ الناس يتعرفون حقائق حول الحكم الجديد فإنّنا نجد استياء لدى بعض الزعامات هنا و هناك من ظلم بني العباس من قبيل ثورة رجل يدعى شريح بن شيخ المهري الذي ثار في بخارى ضد بني العباس مبررا ثورته بقوله (2):«...ما على هذا بايعنا آل محمّد أن نسفك الدماء و نعمل غير الحقّ فوجّه إليه أبو مسلم زياد بن صالح الخزاعي فقاتله فقتله».

ج:التشيّع في عصر الإمامين الباقر و الصادق عليهما السّلام

عاصرت المرحلة الثانية من حياة الإمام الباقر عليه السّلام و المرحلة الأولى من عهد الإمام الصادق فترة النشاط العباسي الدعوي و اندلاع الثورات العلوية من قبيل ثورة زيد الشهيد و ثورة نجله يحيى بن زيد،و ثورة عبد اللّه بن معاوية-من أحفاد جعفر الطيّار (3).

و من ثمّ ظهور أبي مسلم الخراساني على رأس دعاة بني العبّاس في خراسان و تعبئة الرأي العام في إقليم خراسان ضد الأمويين (4).

ص: 133


1- المقدسي،أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم،ترجمة الدكتور عليّ نقي منزوي،شركت المؤلفين و المترجمين الإيرانيين ج 2 ص 426،427.
2- تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي،قم(1414 ه)ج 2 ص 354.
3- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين منشورت الشريف الرضي،قم(1414 ه)ص،ص 332.
4- ابن واضح،أحمد بن يعقوب،تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي،قم(1414 ه)ج 2 ص 332.

هذا من جهة،و من جهة أخرى اندلاع الصراع العصبي بين أقوى تجمعين قبليين يؤيدان الحكم الأموي و هما تجمّع مضر و التجمّع اليماني حيث تطور الصراع إلى اشتباكات مسلحة (1).

و قد استقطبت هذه الصراعات جلّ اهتمام الأمويين و حوّلت أنظارهم بعيدا عن الشيعة،ما جعلهم يتنفسون الصعداء و يخرجون من حالة التقيّة و محاولة إعادة بناء تنظيماتهم و مدّ العلاقات مع قادتهم،و لهذا نشهد حركة و نشاطا و تدفقا للشيعة صوب الإمام الباقر عليه السّلام و الانتهال من النعم التي حرموا منها طويلا، نعمة العلم و المعرفة،و قد نهض الإمام الباقر عليه السّلام من أجل ترسيخ دعائم مدرسة أهل البيت عليهم السّلام فتشكّلت حلقات الدراسة في المدينة و في مسجد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله على وجه التحديد،و أصبحت مرجعية الإمام الباقر هي المرجعية العليا في حلّ المشكلات العلمية و الفقهية،يروي قيس بن الربيع عن أبي إسحاق حول مسألة المسح فوق النعلين على سبيل المثال (2):

«...أدركت الناس يمسحون حتى لقيت رجلا من بني هاشم لم أر مثله قطّ و هو محمّد بن عليّ بن الحسين فسألته عن المسح على الخفين.فنهاني عنه و قال:

لم يكن أمير المؤمنين يمسح عليهما و كان يقول:سبق الكتاب المسح على الخفين.قال أبو إسحاق:فما مسحت مذ نهاني عنه و قال قيس بن الربيع:

و ما مسحت أنا مذ سمعت أبا إسحاق».

و دخل عليه رجل من الخوارج فقال له:يا أبا جعفر أي شيء تعبد؟فقال عليه السّلام:اللّه قال الرجل:رأيته؟قال عليه السّلام:بلى،لم تره العيون بمشاهدة الأبصار و لكن رأته3.

ص: 134


1- المصدر السابق ص 333.
2- حيدر،أسد،الإمام الصادق و المذاهب الأربعة،دار الكتاب العربي،ط الثالثة(1303 ه)ج 1 ص 452،453.

القلوب بحقائق الإيمان،لا يعرف بالقياس و لا يدرك بالحواس،و لا يشبه بالناس،موصوف بالآيات،معروف بالدلالات لا يجور في حكمه،ذلك اللّه لا إله إلاّ هو فخرج الرجل و هو يقول:اللّه أعلم حيث يجعل رسالته» (1).

و قصده العلماء للسؤال و كشف الحقائق كعمرو بن عبيد و طاووس اليماني و الحسن البصري و نافع مولى ابن عمر و غيرهم ممّن يطول ذكرهم...و كان يزود الوافدين بتعاليم قيّمه (2).

و كان الناس ينتهزون فرصة الحجّ و وجود الإمام الباقر في مكّة المكرمة للاستفتاء عن الحلال و الحرام و يغتنمون فرصة الحديث معه فينتهلون من علومه و معارفه، فكانت له عليه السّلام حلقته في مكّة التي يحضرها كثيرون من أرباب العلم و المعرفة (3).

و لمّا حجّ هشام بن عبد الملك و رأى (4):«..اجتماع الناس حوله و حضور العلماء عنده فثقل عليه ذلك فأرسل رجلا من أصحابه و قال له:قل له:يقول أمير المؤمنين:ما الذي يأكله الناس و يشربوه في المحشر إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة؟فلمّا سأله الرجل قال له الإمام الباقر:يحشر الناس مثل قرص النقي فيها أشجار و أنهار يأكلون و يشربون منها حتى يفرغوا من الحساب.

فقال هشام للرسول:إذهب إليه فقل له يقول:ما أشغلهم عن الأكل و الشرب يومئذ؟ فقال أبو جعفر:هم في النار أشغل و لم يشتغلوا عن أن قالوا:أفيضوا علينا من الماء أو ممّا رزقكم اللّه فسكت هشام و لم يظفر بما أراد من سؤاله للإمام...».3.

ص: 135


1- المصدر السابق.
2- المصدر السابق.
3- العلاّمة المجلسي،محمّد باقر،بحار الأنوار،المكتبة الإسلاميّة ج 46 ص 355.
4- حيدر أسد،المصدر نفسه ص 452-453.

و قال زرارة:كنت جالسا إلى جنب أبي جعفر عليه السّلام و هو مستقبل القبلة فقال:

أما أن النظر إليها عبادة،فجاءه رجل من بجيلة فقال لأبي جعفر:إنّ كعب الأحبار كان يقول:إنّ الكعبة تسجد لبيت المقدس في كل يوم غداة فقال أبو جعفر:فما تقول فيما قال كعب؟فقال الرجل:صدق كعب فقال له أبو جعفر:كذبت و كذب كعب الأحبار معك (1).

و قد تربّى في ظلاله علماء و فقهاء من قبيل زرارة بن أعين الذي قال فيه الإمام الصادق (2):«لو لا زرارة لظننت أنّ أحاديث أبي عليه السّلام ستذهب».

«...و عن محمّد بن مسلم قال:ما شجر في رأيي شيء قطّ إلاّ سألت عنه أبا جعفر عليه السّلام حتى سألته عن ثلاثين ألف حديث...» (3).

«...عن جميل بن درّاج قال:سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:بشر المخبتين بالجنة،بريد بن معاوية العجلي و أبا بصير بن ليث البختري المرادي و محمّد بن مسلم وزارة،أربعة بخباء أمناء اللّه على حلاله و حرامه لو لا هؤلاء انقطعت آثار النبوّة و اندرست» (4).

إلى جانب العديد من العلماء مثل يزيد بن معاوية العجلي،جابر بن يزيد، حمران بن أعين و هشام بن سالم و غيرهم ممّن تربّوا في مدرسته.

و لا ينحصر ذلك في علماء الشيعة فحسب بل إنّ كثيرا من علماء الشيعة تتلمذوا على يديه و رووا عنه يقول السبط بن الجوزي:إنّ جعفر يروي عن أبيه8.

ص: 136


1- المصدر السابق.
2- الشيخ الطوسي اختيار معرفة الرجال،مؤسسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث،قم(1404 ه)ج 1 ص 345.
3- المصدر السابق ص 286.
4- المصدر نفسه ص 398.

حديث النبيّ،و لهذا فقد كان بعض التابعين من قبيل عطاء بن أبي رباح سفيان الثوري،مالك بن أنس(إمام المذهب المالكي)،شعبة،و أبو أيوب السجستاني يروون عنه و ينقلون (1).

و قد أحصى الباحثون في تاريخ العلم أعدادا كبيرة ممّن رووا آلاف الأحاديث و كانوا من الكثرة جعلت جابر الجعفي و هو من كبار المحدّثين يقول أنّه روى سبعين ألف حديث (2).

و قد استمرّ الإمام في نشاطه الثقافي حتى شهادته في السابع من ذي الحجّة سنة(114 ه) (3).

الجامعة الجعفرية

عاصر الإمام الصادق عليه السّلام الظروف الانتقالية و انهيار الحكم الأموي و قيام الحكم العباسي الجديد و من ثمّ فقد توفرت فرصة مناسبة و أجواء مساعدة ليتابع مشروع والده الراحل الذي بدأ نهضة علمية كبرى سمّي أثرها ب«الباقر»لأنّه بقر العلم بقرا و في عهد الإمام الصادق تبلّورت نشاطات الإمام العلمية و الفكرية في شكل جامعة كبرى طار صيتها في الآفاق يقول الشيخ المفيد (4):

«...و نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان و انتشر ذكره في البلدان و لم ينقل عن أحد من أهل بيته العلماء ما نقل عنه و لا لقي أحد منهم من أهل

ص: 137


1- ابن الجوزي تذكرة الخواص،منشورات الشريف الرضي،قم(1376 ه.ش-1418 ه)ص 311.
2- المظفر،محمّد حسين،تاريخ الشيعة،منشورات مكتبة بصيرتي ص 42.
3- الكليني،أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق،أصول الكافي،دار الكتب الإسلاميّة،طهران(1363 ه. ش)ج 1 ص 472.
4- الشيخ المفيد،محمّد بن محمّد بن النعمان،الإرشاد،ترجمة محمّد باقر الساعدي الخراساني،المكتبة الإسلاميّة،طهران(1376 ه.ش)ص 525.

الآثار و نقلة الأخبار و لا نقلوا عنهم كما نقلوا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام...».

و يقول أمير عليّ عن الإمام عليه السّلام (1):«و لا مشاحة أنّ انتشار العلم في ذلك الحين قد ساعد على فك الفكر من عقاله،فأصبحت المناقشات الفلسفية عامّة في كل حاضرة من حواضر العالم الإسلامي و لا يفوتنا أن نشير إلى أن الذي تزعم تلك الحركة هو حفيد عليّ بن أبي طالب المسمى بالإمام الصادق و هو رجل رحب أفق التفكير بعيد أغوار العقل ملم كلّ الإلمام بعلوم عصره و يعتبر في الواقع أنّه أول من أسس المدارس الفلسفية المشهورة في الإسلام و لم يكن يحضر حلقته العلمية أولئك الذين أصبحوا مؤسسي المذاهب الفقهية فحسب بل كان يحضرها طلاب الفلسفة و المتفلسفون من الأنحاء القاصية».

و لهذا نجد الآلاف من طلاب العلم و المعرفة يتدفقون نحوه من كل حدب و صوب لينهلوا من فيض علومهم و صافي معارفه:

يقول السيد الأهل (2):«...و كان يؤمّ مدرسته طلاب العلم و رواة الحديث من الأقطار النائية...فأرسلت الكوفة و البصرة و واسط و الحجاز إلى جعفر بن محمّد أفلاذ أكبادها...».

و يقول المرحوم المحقق في المعتبر:لقد انتشرت علوم الإمام الصادق ما حيّر العقول،و قد بلغ عدد طلابه أربعة آلاف كلّهم يقول:حدّثني أبو عبد اللّه الصادق و قد تبحّر بعضهم في مختلف العلوم و جمعت أجوبته عن المسائل في أربعمائة مصنّف دعيت بالأصول الأربعمائة (3).5.

ص: 138


1- أمير عليّ،تاريخ العرب و الإسلام،ترجمة فخر داعي الگيلاني،انتشارات كنجينه،طهران(1366 ه.ش)ص 312.
2- حيدر،أسد الإمام الصادق و المذاهب الأربعة،دار الكتاب العربي،بيروت،ط الثالثة(1403 ه)،ص 53.
3- المعتبر طبعة حجرية ص 4،5.

و يقول الشهيد الأوّل محمّد بن مكّي في كتابه الذكرى (1):«...إنّ أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق كتب من أجوبة مسائله أربعمائة مصنف لأربعمائة مصنف و دوّن من رجاله المعروفين أربعة آلاف رجل من أهل العراق و الشام و الحجاز».

و على هذا فإنّ الذين تتلمذوا على يديه كانوا من العلماء الذين نبغوا في مختلف حقول العلم من قبيل:هشام بن الحكم،محمّد بن مسلم،أبّان بن تغلب،هشام بن سالم،مؤمن الطاق،المفضّل بن عمر،جابر بن حيّان الذي نبغ في الكيمياء.

و قد عرفت مصنفاتهم الأصول الأربعمائة التي كانت أساسا للكتب الشيعية الحديثية الأربعة:«الكافي»،«من لا يحضره الفقيه»،«التهذيب»و«الاستبصار».

و لم يكن تلامذة الصادق عليه السّلام من الشيعة فقط بل إنّ أكثرهم من السنّة يقول ابن حجر الهيثمي-و هو من علماء أهل السنّة-في هذا المضمار (2):

«...و نقل الناس عنه من العلم ماسارت به الركبان و انتشر صيته في جميع البلدان و روى عنه الأئمة الأكابر كيحيى بن سعيد و ابن جريح و مالك و السفيانيين و أبي حنيفة و شعبة و أيوب السجستاني...».

و يقول أنس بن مالك (3):«اختلفت إليه زمانا فما كنت أراه إلاّ على إحدى ثلاث خصال إمّا مصلّ و إمّا صائم و إمّا يقرأ القرآن و لم أره يروي حديثا إلاّ و هو على وضوء،و ما رأت عين و لا سمعت أذن و لا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمّد الصادق علما و عبادة و ورعا» (4).

و لم تضم مجالسه أئمة المذاهب الفقهية بل طلاب الفلسفة القادمين من3.

ص: 139


1- الذكرى،طبعة حجرية ص 6.
2- الصواعق المحرقة،مكتبة القاهرة(1385 ه.)ص 201.
3- ابن حجر العسقلاني،التهذيب،دار الفكر،بيروت،ط الأولى(1404 ه)ج 1 ص 88.
4- حيدر أسد،الإمام الصادق و المذاهب الأربعة،دار الكتب العربية،بيروت ج 1 ص 53.

مناطق نائية الذين ينهلون من فيض علمه ثمّ يعودون إلى مناطقهم ليكونوا أساتذة العلم و المعرفة في أوطانهم فيجتمع حولهم المسلمون و يأخذون عنهم علوم أهل البيت عليهم السّلام فانتشر التشيّع في كل مكان.و كان أبّان بن تغلب يأتي إلى مسجد النبيّ فيستند إلى الاسطوانة التي كان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله يستند إليها و يحدث الناس (1):

«قال له أبو جعفر الباقر:اجلس في مسجد المدينة و أفت الناس فإنّي أحبّ أن يرى في شيعتي مثلك».

و كان غزير العلم متضلعا في عدة علوم و له كتب منها:كتاب معاني القرآن و كتاب القراءات و كتاب من الأصول في الرواية،على مذهب الشيعة».

«...فلو ردّ هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبويّة و هذه مفسدة بيّنة» (2).

يقول أبو خالد الكالبي (3):«رأيت أبا جعفر صاحب الطاق و هو قاعد في الروضة قد قطع أهل المدينة أزراره و هو دائب يجيبهم و يسألونه...».

و قد انتشر التشيّع بشكل واسع و لهذا استغل البعض هذه الظاهرة و حاول أن يصنع له مركزا اجتماعيا من خلال وضع الأحاديث أو تأويلها بما يعود عليهم بالنفع و هذا ما أشار إليه الإمام الصادق عليه السّلام في جوابه عن سؤال أحد أصحابه و يدعى الفيض بن المختار معلا ظاهرة الاختلاف و التضارب في الأحاديث.

خلاصة الدرس الثاني عشر

بدأ النشاط الدعوي للعبّاسيين سنة(111 ه)،و لم يظهر الشرخ بين العلويين و العبّاسيين في تلك الفترة،و بسبب انشغال الأمويين في معالجة الخطر العبّاسي

ص: 140


1- المصدر السابق ج 1 ص 55.
2- الذهبي،شمس الدين محمّد بن أحمد،ميزان الاعتدال،دار المعرفة،بيروت ج 1 ص 4.
3- الشيخ الطوسي،اختيار معرفة الرجال،مؤسسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث ج 2 ص 422.

فقد شهد التشيّع نموا ملحوظا خاصّة في تلك الفترة الانتقالية حيث توفرت فرصة للإمامين الباقر و الصادق عليهما السّلام لتأسيس و توسعة مدرسة أهل البيت عليهم السّلام و في عهد الإمام الصادق حدثت قفزة كبرى في توسعة علوم أهل البيت عليهم السّلام و تبلورت حلقات الدرس في شكل جامعة علمية كبرى يمكن تسميتها بالجامعة الجعفرية التي خرّجت عشرات بل مئات العلماء و الفقهاء و المتكلمين،و قد أحصى الشيخ المفيد أربعة آلاف من تلامذة الإمام الصادق كلّهم في عداد الثقاة.

***

أسئلة الدرس الثاني عشر

1-ما هي تأثيرات الدعوة العبّاسية في انتشار التشيّع؟

2-تحدّث بإيجاز عن مسار التشيّع في عصر الإمامين الباقر و الصادق عليهما السّلام.

3-كيف استثمر الإمام الصادق عليه السّلام الفرصة التي أتيحت له؟

ص: 141

ص: 142

الدرس الثالث عشر: الشيعة في عصر العبّاسيين

اشارة

3-الشيعة في عصر العبّاسيين

إنّ معدل نموّ و انتشار التشيّع مع بدء العصر العبّاسي سنة(132 ه)و حتى نهاية الغيبة الصغرى سنة(329 ه)كان أوسع بكثير قياسا بالعصر الأموي.فقد انتشر الشيعة في كل مكان من العالم الإسلامي حتى في المناطق النائية و هذا ما نجده ينعكس في التقارير السرّية التي كانت ترد هارون الرشيد حول الإمام الكاظم و تدفّق الحقوق الشرعية إليه من المشرق و المغرب (1).

و عند ما وصل الإمام الرضا مدينة نيسأبور (2):

(...فأملى صلوات اللّه عليه هذا الحديث و عدّ من المحابر أربع و عشرون ألفا سوى الدّوي و المستملي أبو زرعة الرازي و محمّد بن أسلم الطوسي...فقال عليه السّلام....

قال:حدّثني أخي و ابن عمّي محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:حدّثني جبرئيل عليه السّلام قال:سمعت ربّ العزّة سبحانه و تعالى يقول:كلمة لا إله إلاّ اللّه حصني فمن قالها دخل حصني و من دخل حصني أمن من عذابي...».

و جاء في جواب الإمام الرضا عليه السّلام للمأمون حول ولاية العهد ما يشير إلى سعة نفوذه عليه السّلام (3):«و ما زادني هذا الأمر الذي دخلت فيه في النعمة عندي شيا و لقد كنت في المدينة و كتابي ينفذ في المشرق و المغرب...».

و هناك اعتراف لابن أبي داود و هو من كبار فقهاء السنّة و يعد في طليعة

ص: 143


1- الشيخ المفيد،الإرشاد،ترجمة محمّد باقر الساعدي الخراساني،المكتبة الإسلأميّة(1376 ه.ش)ص 581.
2- الشيخ الصدوق،عيون أخبار الرضا.
3- العلاّمة المجلسي،محمّد باقر،بحار الأنوار،المكتبة الإسلأميّة،طهران(1358-)ج 49 ص 155.

خصوم أهل البيت و أعدائهم و قد تسنّم منصب رئيس السلطة القضائية في عهد المعتصم هذا الاعتراف الصريح الذي جاء في حيثيات مسألة قطع يد السارق، حيث دارت مناقشات للفقهاء في حضور المعتصم و تبنّي الأخير رأي الإمام الجواد في هذه المسألة؛فقد جاء في التاريخ إنّ ابن أبي دواد خلى بالخليفة و انتقد موقفه في تبنّي رأي شخص يعتقد شطر الأمّة بإمامته (1)؟!

و قد نفذ التشيّع داخل أجهزة الحكم و أركان النظام العبّاسي يقول يحيى بن هرثمة (2)(3):«...أمرني المتوكل بالذهاب إلى المدينة و الشخوص بالإمام إلى سامراء...و لمّا مرّ الركب ببغداد-في طريقه إلى سامراء-تقابل مع و اليها إسحاق بن إبراهيم الطاهري فأوصاه بالإمام خيرا و استوثق من حياته بقوله:«يا يحيى إن هذا الرجل قد ولده رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و المتوكل من تعلم و إن حرّضته على قتله كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خصمك فأجابه يحيى:و اللّه ما وقفت له إلاّ على كل أمر جميل و حين وصل الركب إلى سامراء بدأ ابن هرثمة بمقابلة وصيف التركي- و هو ممّن كان يشارك في تنصيب الخليفة و عزله و مناقشته في أعماله-و ممّا قال و صيف ليحيى:و اللّه لئن سقطت من رأس هذا الرجل...و يقصد به الإمام عليه السّلام شعرة لا يكون المطالب بها غيري...».

يورد السيّد محسن الأمين في الجزء الأوّل من كتابه(أعيان الشيعة)أسماء بعض شخصيات الدولة العباسية باعتبارهم من الشيعة و هم كل من:أبو سلمة الخلال (4)هو أوّل وزير في الدولة العبّاسية و قد منح لقب وزير آل محمّد،أبومن

ص: 144


1- المصدر السابق ج 50 ص 6.
2- أحد القادة الأتراك.
3- المسعودي،مروج الذهب،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت ط الأولى،ج 4 ص 182.
4- يرى بعض الباحثين أنّ رسالة أبي سلمة الخلال إلى الإمام الصادق عليه السّلام و اقتراحه نقل الخلافة من العبّاسيين إلى البيت العلوي،لا تعد دليلا كافيّا على تشيّعه،لأنّها لا تعدو أن تكون خطوة سياسية.(انظر: پيشوائى،مهدى،سيرة الأئمة،مؤسسة الإمام الصادق عليه السّلام،ط الثامنة(1378 ه.ش)ص 378.

بجير البصري و هو من كبار القادة و الأمراء في عهد المنصور،محمّد بن الأشعث وزير هاورن الرشيد و لهذا الشخص ذكر في قصة اعتقال الإمام الكاظم و وجود ما يدلّ على تشيّعه،عليّ بن يقطين و هو أحد وزراء هارون الرشيد،يعقوب بن داود وزير المهدي العباسي والد الرشيد،و طاهر بن الحسين الخزاعي،حاكم إقليم خراسان في عهد المأمون و فاتح بغداد في الحرب الأهلية و لهذا السبب (تشيّعه)لم ينتدبه الحسن بن سهل وزير المأمون للقضاء على ثورة أبي السرايا (1).

أمّا القضاة من الشيعة فهم كل من:شريك بن عبد اللّه النخعي قاضي الكوفة، و الواقدي المؤرخ المشهور الذي عيّن للقضاء في عهد المأمون (2).

و قد انتشر التشيّع حتى في مناطق النفوذ العباسي و بات يشكّل تهديدا خطيرا، فمشهد تشييع جثمان الإمام الكاظم عليه السّلام حيث أقدم سليمان بن منصور عمّ هارون الرشيد على خطوة من أجل امتصاص الغضب الشعبي الذي كان ينذر بالانفجار في صبيحة ذلك اليوم.كانت اعداد الشيعة تتضاعف حول الجثمان الذي وضع على الجسر ببغداد و يبدو أنّ لغطا حول استفزازات قام بها رجال الشرطة دفعت سليمان إلى أن يحتفي (3)و ينظم تشييعا مهيبا لنعش الإمام الكاظم الذي لقي مصرعه مسموما في سجون هارون و عند ما أغتيل الإمام الجواد سنة (220 ه)بنفس الطريقة التي أغتيل بها الإمام الحسن السبط أرادت السلطات9.

ص: 145


1- أعيان الشيعة،دار التعارف للمطبوعات،بيروت ج 1 ص 191.
2- المصدر السابق ص 192-193،و في تشيّع الواقدي اختلاف بين الباحثين و المحقّقين.
3- الأمين السيّد محسن،أعيان الشيعة،دار التعارف للمطبوعات،بيروت(بدون تاريخ)ج 1 ص 29.

دفنه سرّا،و لكن الأنباء انتشرت في الأوساط الشيعية فهبّ ما يقارب الاثني عشر ألف كان بعضهم مسلحا أخذوا الجثمان و نظّموا للإمام تشييعا مهيبا ليوارى الثرى إلى جانب جدّه الكاظم عليه السّلام.

و هكذا بالنسبة للإمام الهادي عند وفاته في مدينة سامراء إذ كان عدد المشيعين بالألوف و تعطّلت الأسواق ذلك اليوم،و قد نظم التشييع للنعش من المسجد الجامع حيث أجريت مراسم الصلاة ليدفن في منزله الكائن في درب الحصا (1).

و يبدو من خلال بعض المؤشرات أنّ سياسة الحكم العباسي تجاه أئمة أهل البيت شهدت تغييرا ملحوظا بعد إمامة الرضا عليه السّلام و كانت السلطات تعامل الإمام باحترام خشية انفجار الغضب الشعبي الشيعي،و لهذا فقد تمتع الإمام الرضا بقدر من الحرية حتى في أخريات عهد هارون الرشيد و كان يمارس نشاطه العلمي و الثقافي و حواره مع أصحاب الفرق و المذاهب بعيدا عن أسلوب التقية،و قد آمن بإمامته العديد من رجالات أهل السنّة،بعد أن أعلن بشكل صريح إمامته يقول الأشعري القمّي (2):

«و فرقة تسمى المحدّثة كانوا من أهل الإرجاء و أصحاب الحديث من النابتة (العامّة)فدخلوا في القول بإمامة موسى بن جعفر و بعده لعليّ بن موسى و صاروا شيعتة...».

و قد اعتمدت السلطات في بعض الأحيان أسلوب المراقبة عن بعد و التدخل في الوقت المناسب للسيطرة على علاقات الإمام بعموم الناس،و لهذا فإنّ4.

ص: 146


1- ابن واضح،تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي قم،ج 2 ص 484.
2- المقالات و الفرق،مركز انتشارات العلم و الثقافة طهران،ص 94.

استدعاء الإمام الرضا عليه السّلام من المدينة المنوّرة إلى مرو في أقصى إقليم خراسان رافقته مجموعة خطوات احترازية في طليعتها تحديد خريطة لرحلة الإمام بحيث لا يكون مسيره في المناطق ذات التواجد السكاني الشيعي،و من هنا نرى بعض المحطات التي مرّ بها الإمام في رحلته من قبيل البصرة و الأهواز و لم يكن طريقه على الكوفة و قم،و مناطق الجبل في إيران،و هي مراكز شيعية في الغالب (1).

و يروي اليعقوبي جوانب من رحلة الإمام الهادي من المدينة المنوّرة إلى سامراء مرروا ببغداد و كان المتوكل الطاغية العبّاسي المعروف قد قام باستدعاء الإمام إلى العاصمة لتسهل مراقبته،فعندما وصلت الأخبار أنّه بات قريبا من بغداد تجمّع الآلاف من سكان بغداد لاستقباله و هذا ما دفع بالمسؤولين إلى الانتظار قرب بغداد لحين حلول المساء و من ثمّ دخول بغداد و مغادرتها إلى سامراء (2).

و بسبب اتساع التشيع و انتشاره في مختلف أقاليم الدولة العباسية فقد اعتمد الأئمة الأطهار عليهم السّلام نظام الوكالات و انتخاب وكلاء و نواب لهم و إرسالهم إلى المناطق البعيدة ليكونوا حلقات وصل بينهم و بين قواعدهم الشعبية.

و قد بدأ العمل بالوكالات في عهد الإمام الصادق،و قد أصبح هذا النظام فعّالا جدا بعد تشديد المراقبة على الأئمة و تعذّر اللقاء بهم،و جاء في بعض الدراسات التاريخية:إنّ نظام الوكالة تم تأسيسه في عهد الإمام الصادق عليه السّلام و وصل ذروة فعاليته و أهميته في عهد الإمامين الهاديو العسكري عليهما السّلام (3).

و جاء في دراسة أخرى:واجه الأئمة ظروفا صعبة في عهد العبّاسيين كانت تتفاقم بمرور الزمن و لهذا ظهر الوكيل كأداة ارتباط بين الإمام و قواعده،4.

ص: 147


1- انظر،پيشوائى،مهدي،سيرة الأئمة،مؤسسة الإمام الصادق عليه السّلام،ط الثالثة(1378 ه.ش)ص 478.
2- ابن واضح المصدر السابق ص 503.
3- پور طباطبائي،سيد مجيد،تاريخ عصر الغيبة،المركز العالمي للعلوم الإسلأميّة ص 84.

و يتمحور نشاط الوكلاء في جمع الخمس و الزكاة و النذور و الهدايا في مختلف المناطق و إرسالها إلى الإمام و كذا رفع بعض الأسئلة و الاستفسارات عن المشكلات الفقهية و العقيدية و الارشادات السياسية (1).

و المناطق التي ينشط فيها الوكلاء عبارة عن:الكوفة،البصرة،بغداد،قم،واسط، الأهواز،همدان،سيستان،الري،الحجاز،اليمن،مصر و المدائن (2).و قد وصل التشيّع في القرن الرابع الهجري أعلى مدياته في الانتشار شرقا و غربا من العالم الإسلامي و هو انتشار لم يشهده مذهب بهذه السعة و بهذه المستويات من النمو (3).

إنّ الفهرست (4)الذي يقدّمه المقدسي عن المدن التي يقطنها الشيعة في أنحاء العالم الإسلامي في القرن الرابع تشير إلى هذه الحقيقة،و هناك إشارات ممّا ذكره المقريزي حول انتشار مذهب(الرافضة)في بلاد المغرب،الشام،ديار بكر، الكوفة،البصرة،بغداد و جميع العراق،بلاد خراسان،مارواء النهر و كذلك الحجاز، اليمن،البحرين،و أنّه حدث بينهم(الشيعة)و أهل السنّة نزاعات لا تحصى» (5).

و في هذا القرن(الرابع)وصلت نسبة سكانها من الشيعة حدّا بحيث كانت مراسم عاشوراء تجري بشكل واضح يعكس طابع الحزن على العاصمة العبّاسية يقول ابن كثير (6):«...و لم يمكن أهل السنّة منع ذلك لكثرة الشيعة و ظهورهمه.

ص: 148


1- پيشوائى،مهدى،المصدر السابق ص 573.
2- انظر رجال النجاشي،مكتب النشر الثقافي الإسلامي،جامعة المدرّسين،قم(1404 ه)ص 344-847.
3- المقدسي،أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد،أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم،ترجمة منزوي،شركة المؤلفين و المترجمين في إيران(1361 ه.ش)ج 1 ص 136.
4- المصدر السابق ص 144.
5- المقريزي،تقي الدين بن العباس أحمد بن عليّ،المواعظ و الاعتبار بذكر الخطط و الآثار(المعروف بالخطط المقريزية)دار الكتب العلمية،بيروت،ط الأولى(1418 ه)ج 4 ص 191.
6- البداية و النهاية،بيروت(1966 م)ج 11 ص 276،إحياء التراث،بيروت 1413 ه.

و كون السلطان معهم...».

و في تلك الفترة شهد ظهور الدول الشيعية هنا و هناك من الأقاليم الإسلاميّة فقد قامت دولة العلويين في طبرستان في شمال إيران على امتداد إقليمي و گيلان و مازندران،و في مصر تأسست الدولة الفاطمية،و نهضت الدولة الزيدية في اليمن، و قامت الدولة الحمدانية في شمال العراق و سوريا،و في المناطق المركزية في إيران و العراق نهضت دولة البويهيين و كانوا هم الخلفاء الفعليين في الدولة العبّاسية.

و لا ننسى الإشارة إلى حدوث انفراج نسبي في التعامل مع الشيعة في فترات حكم بعض الخلفاء من قبيل المهدي،الأمين،المأمون،المعتصم،الواثق و المنتصر،و بعبارة أكثر وضوحا أنّ هذه الفترات لم تشهد حالات اضطهاد و تعسف كالتي مرّ بها الشيعة في حكومات غيرهم،فقد نقل اليعقوبي إنّ المهدي العبّاسي أطلق سراح الطالبيين و الشيعة من السجون و المعتقلات (1)بعد تولّيه الخلافة خلفا لوالده المنصور.

أمّا في فترة حكم الأمين فقد انعكس انصراف الخليفة الشاب إلى ملذاته و بعدها انشغاله بالحرب مع أخيه المأمون على أوضاع الشيعة بشكل ايجابي وحدث نوع من الانفراج في التعامل معهم بعد سياسة القمع و الاضطهاد التي مارسها والده هارون الرشيد تجاه الإمام الكاظم عليه السّلام و أصحابه،و قد استمر الوضع خمس سنين و هي فترة حكم الأمين الذي لقي مصرعه بعد سقوط بغداد بأيدي قوات المأمون.

و قد استمرت الأجواء على هذا المسار في فترة المأمون و المعتصم،الواثق، و بعد الواثق جاء إلى الحكم المتوكل الذي اشتهر بعدائه الشديد لأهل البيت،4.

ص: 149


1- ابن واضح،تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي،قم ج 2 ص 404.

و في عهده تدهورت أوضاع الشيعة و تعرضوا للمطاردة و الملاحقة و قام المتوكل بتدمير مرقد الإمام الحسين و فتح مياه الفرات و إغراق الأرض المحيطة بالضريح بالماء بعد حرثها و منع زيارة الإمام و إنزال أشدّ العقوبات بمن يخالف ذلك (1).

يقول ابن الأثير (2):«...إنّ المتوكل كان يبغض من تقدّمه من الخلفاء، المأمون و المعتصم و الواثق في محبّة عليّ و أهل بيته و إنّما كان ينادمه و يجالسه جماعة قد اشتهروا بالنصب و البغض لعليّ منهم:عليّ بن الجهم الشاعر الشاميّ، من بني شامة ابن لؤي،و عمر بن فرج الرّخجيّ و أبو السمط من ولد مروان بن أبي حفصة من موالي بني أميّة و عبد اللّه بن محمّد بن داود الهاشمي المعروف بابن أترجة».

و شهدت فترة المتوكل صعود الشعراء النواصب الذين اتخذوا من هجاء أهل البيت و مهاجمة رموزهم و في طليعتهم الإمام عليّ عليه السّلام وسيلة لتحقيق المزيد من الثراء و حصل بعضهم على مناصب رفيعة بسبب ذلك.

و جاء الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكومته و وصول ابنه المنتصر إلى الخلافة فوضع حدّا لهذه السياسة و تنفس العلويون و الشيعة عموما الصعداء بعد خمسة عشر عاما من القمع و الاضطهاد هي فترة المتوكّل كلّها.

استعاد العلويون حقوقهم و ممتلكاتهم المصادرة و أعيد بناء مرقد الإمام الحسين عليه السّلام و رفع المنع عن زيارته عليه السّلام و لهذا قال البحتري أبرز شعراء تلك الفترة:

إنّ عليّا لأولى بكم و أزكى يدا عندكم من عمر (3)ق.

ص: 150


1- الطبري،محمّد بن جرير،تاريخ الرسل و الملوك(تاريخ الطبري)،دار الكتب العلمية،بيروت ج 5 ص 312.
2- ابن الأثير الكامل في التاريخ،دار صادر،بيروت(1402 ه)ج 7 ص 56.
3- المصدر السابق.

السياسة العبّاسية إزاء قادة الشيعة

اتسم الحكم العباسي بنفوذ العناصر غير العربية فقد تسنّم الإيرانيون و بعدهم الأتراك أرفع المناصب و كانوا وزراء و قادة و أمراء،و في العصر العبّاسي الثاني كانت الخلافة في أشدّ فترات ضعفها،و أصبح الخلفاء ألعوبة بأيدي الضبّاط الأتراك خاصّة بعد انتقال العاصمة من بغداد إلى سامراء و كان الخلفاء العبّاسيون يتوجسون خيفة من تزايد النفوذ الشيعي و انتشار التشيّع و لهذا اعتمدوا في الغالب أسلوب المراقبة الشديدة على قادة الشيعة بالرغم من تفاوت الأسلوب في التشدّد بين خليفة و آخر.و قد أشرنا آنفا إلى أنّ الشيعة شهدوا حالات نسبية من الانفراج في عهد المهدي و المأمون و الواثق على عكس فترات خلافة المنصور،الرشيد و المتوكل الذي عرف باستبداده فعندما شعر المنصور بالخطر من محمّد النفس الزكية و أخيه إبراهيم قام بزج و الدهما و أعمامهما في السجن (1)و حاول قتل الإمام الصادق أكثر من مرّة و لم يكن بينه و بين القتل سوى شبر (2).

ص: 151


1- المسعودي،عليّ بن الحسين،مروج الذهب،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت(1411 ه) ج 3 ص 324.
2- يروي ابن الجوزي:«...حجّ جعفر أربع و أربعين و مائة فقدم المدينة فقال لي:ابعث إلى جعفر بن محمّد من يأتيني به متعنتا قتلني اللّه إن لم أقتله قال:فتغافل عنه الربيع لينساه فاعاد عليه القول ثانيا فتغافل عنه فأعاد عليه ثالثا و أغلظ له في الكلام فأرسل إلى جعفر فجاء. قال الربيع:فقلت له:يا أبا عبد اللّه اذكر اللّه فقد أرسل إليك لأمر عظيم و ما أظنّك بناج. فقال جعفر:لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم،ثمّ دخل على أبي جعفر فسلّم فلم يرد السّلام و قال:أيّ عدو اللّه،اتخذك أهل العراق إماما يجيئون إليك بزكاة أموالهم و تلحد في سلطاني و تبغيه الغوايل قتلني اللّه إن لم أقتلك؟ فقال:يا أمير المؤمنين!إن سليمان عليه السّلام أعطى فشكر و أن أيوب عليه السّلام أبتلي فصبر و إن يوسف ظلم فغفر و أنت من ذلك السنخ فاطرق أبو جعفر مليا ثمّ رفع رأسه و قال:إليّ إليّ و عندي يا با عبد اللّه البري الساحة السليم الناحية القليل الغايلة جزاك اللّه من ذي رحم خيرا أو أفضل ما جازى به ذوي الأرحام عن أرحامها ثمّ تناول يده فأجلسه معه على السدة و غلفه بالغالية حتى ظلّت لحيته تقطر ثمّ أجلسه معه على الفراش و أدناه إليه ثمّ قال:في حفظ اللّه و كلائته يا ربيع الحق أبا عبد اللّه جائزته و كسوته انصرف أبا عبد اللّه في حفظ اللّه و كنفه فانصرف. قال الربيع:فلحقته و قلت له:رأيت عجبا قبل مجيئك و بعده أعجب منه فأخبرني بما قلت حين دخلت إليه. فقال:دعوت اللّه بدعوات علّمني إياها أبي عن جدّي عن أبيه قلت و ما هي؟ قال:اللّهمّ احرسني بعينك التي لا تنام و اكنفني بكنفك الذي لا يرام أو يضام و اغفر لي بقدرتك عليّ و لا أهلك و أنت رجائي،اللهمّ إنّك أكبر و أجلّ ممّن أخاف و أحذر،اللهمّ بك أدفع في نحره و استعيذ بك من شرّه.

كان الخلفاء العبّاسيون يعتبرون قادة الشيعة منافسين لهم و لهذا كانوا لا يألون جهدا في التخلّص منهم،فقد قام المنصور بإرسال شخص يدعى ابن المهاجر و أمره بالتوجّه إلى المدينة المنورة لغرض معرفة نوايا بعض الرموز من العلويين و كانت خطته أن يدّعي ابن المهاجر أنّه مبعوث من أهل خراسان و أنّه يحمل لهم أموالا.و عند ما قابل الإمام الصادق و عرض عليه الأموال و طلب منه التوقيع على الإستلام قام الإمام بفضح هذا المخطط و بيّن له بواعث من قد تسلّم ذلك (1):

«...فقال:يا هذا اتق اللّه و تغر أهل بيت محمّد و قل لصاحبك:اتق اللّه و لا تغر أهل بيت محمّد فإنّهم قريبو العهد بدولة بني مروان و كلّهم محتاج...فقلت و ماذاك أصلحك اللّه؟فقال:ادن مني فدنوت فأخبرني بجميع ما جرى بيني و بينك...».

يقول أسد حيدر (2):«...و صعبت على المنصور تلك الطرق التي اتخذها جعفر بن محمّد في حذره و احتياطه عن أي مؤاخذة من المنصور له ليستحل بها دمه فأنّه لم يبق طريقا إلاّ سلكه من إرسال الكتب المزوّرة عن لسان شيعة جعفر بن محمّد يدعونه للنهوض و إرسال الأموال الكثيرة مع أناس استخدمهم...و لكن

ص: 152


1- ابن شهر آشوب،مناقب آل أبي طالب،مؤسسة انتشارات علاّمة،قم(بدون تاريخ)ج 4 ص 220 ه.
2- الإمام الصادق و المذاهب الأربعة،دار الكتاب العربي،بيروت ط الثالثة(1403 ه)ج 1 ص 46.

تلك المحاولات ذهبت بدون جدوى و كان نصيبها الفشل...».

و عند ما وصل خبر وفاة الإمام الصادق عليه السّلام إلى المنصور كتب إلى حاكم المدينة المنورة (1):«...إن كان أوصى إلى رجل بعينه فقدّمه و اضرب عنقه».

فجاء الجواب (2):«أنّه أوصى إلى خمسة:أحدهم أبو جعفر المنصور و محمّد بن سليمان و عبد اللّه و موسى و حميدة».

فقال المنصور:مالي إلى قتل هؤلاء سبيل.

و بعد وفاة المنصور و وصول المهدي إلى الخلافة قام بإطلاق العلويين من سجونه،يقول اليعقوبي (3):«...ثمّ أمر بإخراج من في المحابس من الطالبيين و غيرهم من الناس فأطلقهم...».

و لهذا لم تشهد فترة المهدي قيام ثورة شيعية،و لم يذكر أبو الفرج الإصفهاني سوى اثنين من العلويين توفوا في عهده أحدهما عليّ بن العبّاس الحسني الذي اغتيل بالسم،و الثاني عيسى بن زيد الذي توفي في فترة اختفائه منذ عهد المنصور (4).

و في فترة حكم موسى الهادي تصاعدت حدّة البطش و الاضطهاد للعلويين و الشيعة عموما يقول اليعقوبي (5)«و ذلك أنّ موسى الهادي ألحّ في طلب الطالبيين و أخافهم خوفا شديدا و قطع ما كان يجريه المهدي لهم من الأرزاق و الأعطيةه.

ص: 153


1- إعلام الورى ج 2 ص 13.
2- الطبرسي،أبو عليّ الفضل بن الحسن،إعلام الورى،مؤسسة آل البيت لإحياء التراث،قم(1417 ه)ج 2 ص 13-14.
3- ابن واضح،تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي قم(1414 ه)ج 2 ص 337 الأعلمي بيروت 1413 ه.
4- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي(1416 ه)ص 342-361.
5- ابن واضح المصدر نفسه ص 348 الأعلمي بيروت 1413 ه.

و كتب إلى الآفاق في طلبهم و حملهم...».

و في عهده ثار الحسين بن عليّ من ذرية الإمام الحسين الذي عرف ب«شهيد فخّ»و قد لقي الحسين مصرعه مع أعداد كبيرة من العلويين (1)و ذكّرت معركة فخّ في مأساويتها مأساة كربلاء،و قد ساند الإمام الكاظم هذه الثورة ما حدا بالهادي إلى إطلاق تهديداته بقتل الإمام الكاظم عليه السّلام الذي حمّله مسؤولية نشوب الثورة قائلا (2):«...و اللّه ما خرج حسين إلاّ عن أمره و لا اتّبع إلاّ محبته لأنّه صاحب الوصية في أهل هذا البيت قتلني اللّه إن أبقيت عليه...».

و قبل أن ينفّذ تهديداته بقتل الإمام عاجله القدر في مؤامرة حيكت و نفذت ليلا ليخلفه على الحكم أخوه هارون الرشيد الذي تعد فترة حكمه من أقسى المراحل التاريخية التي عاشها الشيعة بعد حكم المنصور،كان هارون الرشيد لا يتردد في القضاء على كلّ من يشك في ولائه و هو يعتبر العلويين عموما و معارضيه في عداد المحكوم عليهم بالإعدام منتظرا بذلك الفرصة المؤاتية.

فنراه مثلا يمنح الأمان ليحيى بن عبد اللّه شقيق محمّد النفس الزكية مقابل تسليمه نفسه ثمّ يزجّه في السجن،ثمّ يأمر بقتله على نحو فجيع (3).

و في عيون أخبار الرضا عليه السّلام قصة رهيبة تعكس دموية الرشيد و قسوته الرهيبة (4):«أنفذ إليّ هارون الرشيد وقت كونه بطوس في بعض الليل أن أجب فلمّا دخلت عليه رأيته بين يديه شمعة تتقد و سيفا أخضر مسلولا و بين يديه خادم واقف،فلما قمت بين يديه و رفع رأسه إليّ،فقال:كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟ه.

ص: 154


1- أبو الفرج الإصفهاني،المصدر نفسه ص 366.
2- العلاّمة المجلسي،محمّد باقر،بحار الأنوار ج 48 ص 151.
3- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي،قم(1416 ه).
4- الصدوق،عيون أخبار الرضا،دار العلم،قم ط(1377 ه)ج 1 ص 100،الأعلمي بيروت 1404 ه.

فقلت:بالنفس و المال فأطرق،ثمّ أذن لي في الانصراف،فلم ألبث في منزلي حتى عاد الرسول إليّ و قال:أجب أمير المؤمنين،فقلت في نفسي:إنّا للّه أخاف أن يكون قد عزم على قتلي و أنّه لما رآني استحيى مني،فوقفت إلى بين يديه فرفع رأسه إليّ فقال:كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟فقلت:بالنفس و المال و الأهل و الولد،فتبسّم ضاحكا،ثمّ أذن لي في الانصراف،فلمّا دخلت منزلي لم ألبث أن عاد إليّ الرسول،فقال:أجب أمير المؤمنين،فحضرت بين يديه و هو على حاله،فرفع رأسه إليّ و قال لي:كيف طاعتك لأمير المؤمنين؟فقلت:

بالنفس و المال و الأهل و الولد و الدين فضحك،ثمّ قال لي:خذ هذا السيف و امتثل ما يأمرك به الخادم قال:فتناول الخادم السيف و ناولنيه و جاء بي إلى بيت بابه مغلق ففتحه فإذا فيه بئر في وسطه و ثلاثة بيوت أبوابها مغلقة ففتح باب بيت منها،فإذا فيه عشرون نفسا عليهم الشعور و الذوائب شيوخ و كهول و شبّان مقيدون،فقال لي:إنّ أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء و كانوا كلهم علوية من ولد عليّ و فاطمة عليهما السّلام فجعل يخرج إليّ واحدا بعد واحد فاضرب عنقه حتى أتى على آخرهم،ثمّ رمى بأجسادهم و رؤوسهم في تلك البئر ثمّ فتح باب بيت آخر فإذا فيه أيضا عشرون نفسا من العلوية من ولد عليّ و فاطمة عليهما السّلام مقيدون،قال لي:

إنّ أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء،فجعل يخرج إليّ واحدا بعد واحد فأضرب عنقه و يرمي به في تلك البئر حتى أتى إلى آخرهم،ثمّ فتح باب البيت الثالث فإذا فيه مثلهم عشرون نفسا من ولد عليّ و فاطمة عليهما السّلام مقيدون عليهم الشعور و الذوائب،فقال لي:إنّ أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء أيضا،فجعل يخرج إليّ واحدا بعد واحد فأضرب عنقه و يرمي به في تلك البئر حتى أتيت على تسعة عشر نفسا منهم،و بقي شيخا منهم عليه شعر،فقال لي:تبا لك يا ميشوم!أي عذر لك يوم القيامة إذا قدمت على جدّنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و قد قتلت من أولاده ستين

ص: 155

نفسا و قد ولدهم عليّ و فاطمة عليهما السّلام؟!فارتعشت يدي و ارتعدت فرائصي فنظر إليّ الخادم مغضبا و زبرني فأتيت على ذلك الشيخ أيضا فقتلته ورمى به في تلك البئر.

و بالرغم من اعتراف الرشيد بحقّانية الإمام الكاظم و تمجيده له فقد أمر باعتقاله و نقله من سجن إلى سجن و التضييق عليه و بعد سنوات طويلة من حياة السجون فى الأقبية و المطامير قام هارون بدس السم إليه و اغتياله.

و بعد استشهاد الإمام الكاظم جهّز هارون الرشيد حملة عسكرية بقيادة الجلودي إلى المدينة حيث أغار المهاجمون على دور أبي طالب و مصادرة ممتلكاتهم من حليّ و ثياب النساء و يستثنى من الثياب ما كان على الجسم؛و كان الجلودي يصرّ على تنفيذ الأوامر بنفسه و لكن الإمام الرضا حال دون ذلك و طلب من النسوة التخلّي عن حليهنّ حيث قام بتسليمها إلى الجلودي و جلاوزته (1).

أمّا المأمون فقد اعتمد سياسة ذكية جديدة في مراقبة نشاط قادة الشيعة و السيطرة على الحركات المسلحة الشيعية و لهذا فقد أقدم على انتخاب الإمام الرضا عليه السّلام لولاية العهد،ثمّ عهد إلى تزويج الإمام الجواد نجل الإمام الرضا من ابنته،لكي تسهل مراقبة الإمام و اتصالاته بقواعده و محبّيه و عند ما وصل المتوكل إلى الحكم و الخلافة استخدم أسلوبا آخر فقد قام باستدعاء الإمام الهادي إلى سامراء ليكون تحت المراقبة المشدّدة و الدائمة و فصله عن قواعده و شيعته و لهذا عرف الإمام الهادي و ابنه بالإمامين العسكريين نسبة إلى سامراء التي عرفت ب «العسكر»ذلك أنّ سامراء كانت عبارة عن ثكنة عسكرية كبرى أسست لإسكان مئات آلاف من الجنود الأتراك.9.

ص: 156


1- الأمين،السيد محسن،المصدر السابق ص 29.

خلاصة الدرس الثالث عشر

شهد العصر العبّاسي قفزة كبرى في انتشار التشيّع قياسا بالعصر الأموي فقد انتشر التشيّع شرقا و غربا من العالم الإسلامي المترامي الأطراف،كما نفذ التشيّع داخل أجهزة الدولة العباسية إذ نرى أعدادا ملحوظة بين المسؤولين كانوا من الشيعة فيهم وزراء و قضاة و قادة عسكريين حتى في مدينة بغداد عاصمة الدولة كان للشيعة نفوذا واسعا من أجل هذا نلاحظ أنّ سياسة الدولة العبّاسية تجاه الأئمة بشكل عام قد اعتمدت أسلوب المراقبة المباشرة من عهد الإمام الرضا عليه السّلام و عبر وسائل متنوعة.

و بسبب اتساع نطاق التشيّع و تنامي عدد الشيعة و انتشارهم في الأقاليم المختلفة من العالم الإسلامي اعتمد الأئمة نظام الوكالة في التواصل مع قواعدهم و شيعتهم.

و قد ظلّ التشيّع يشهد نموّا متسارعا حتى وصل ذروته في القرن الرابع الهجري حيث نشهد في هذه الحقبة من التاريخ الإسلامي ظهور الدول الشيعية من الزيديين إلى الإسماعيليين إلى البويهيين و الحمدانيين.

و يتفاوت أسلوب العبّاسيين إزاء الأئمة من خليفة إلى آخر و كان المنصور، و هارون و المتوكل من أكثر العبّاسيين استبدادا و اضطهادا للشيعة.

***

أسئلة الدرس الثالث عشر

1-تحدث بإيجاز عن انتشار التشيع في العصر العباسي.و ما هي الوظيفة التي تؤدّيها الوكالة؟

2-تحدث بإيجاز عن التشيّع في القرن الرابع الهجري.

3-هل اعتمد الخلفاء العبّاسيون أساليب متنوعة في سياستهم إزاء الشيعة؟وضّح ذلك.

4-ما هي سياسة الخلفاء العبّاسيين في السيطرة على الشيعة؟

ص: 157

ص: 158

الدرس الرابع عشر: عوامل تنامي الشيعة في العصر العبّاسي

اشارة

عوامل تنامي الشيعة في العصر العبّاسي

شهد العصر العبّاسي نموا متزايدا للشيعة و لهذه الظاهرة عوامل و أسباب نشير إلى أبرزها:

1-الهاشميون و العلويون في عصر بني أميّة

كان الهاشميون يؤلفون طيفا متوحدا في عهد بني أميّة فقد كان العبّاسيون و العلويون يعيشون حالة فريدة من الاتحاد و التضامن،و عند ما بدأ النشاط العبّاسي الدعوي في عهد الخليفة هشام بن عبد الملك نجده في حالة انسجام و تناغم مع ثورة زيد الشهيد و نجله يحيى بل يمكن القول إنّ النشاط الدعوي العبّاسي كان يستمد قوّته الإعلاميّة و الدعائية من معطيات تلك الوقائع يقول أبو الفرج الإصفهاني (1):«و خرجت دعاة بني هاشم إلى النواحي عند مقتل الوليد بن يزيد و اختلاف كلمة بني مروان فكان أوّل ما يظهرونه فضل عليّ بن أبي طالب و ولده و ما لحقهم من القتل و الخوف و التشريد...».

و كان المنصور العبّاسي ثاني خلفاء بني العبّاس أحد رواة حديث و حادثة الغدير (2).

و من هنا فقد واجه العبّاسيون اعتراضات شديدة عند ما شاهدوا كيف انقلب بنو العبّاس على العلويين بعد تسلّمهم الحكم،و كان أوّل من اعترض على سياسة

ص: 159


1- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبين،منشورات الشريف الرضي،قم(1416 ه)ص 207.
2- الخطيب البغدادي،تاريخ بغداد،دار الكتب العلمية،بيروت،ط الأولى(1417 ه)ج 12 ص 340.

بني العبّاس القائد و الداعية العبّاسي الكبير أبو سلمة الخلاّل الذي كان ينشط في العراق،فقد أعلن استياءه من انتهاج العبّاسيين سياسة القمع و الاضطهاد إزاء العلويين فيما كانت الدعوة العبّاسية ترفع شعار:«الدعوة إلى الرضا من آل محمّد»و هكذا لقي أبو سلمة الذي لقّب ب«وزير آل محمّد»مصرعه على يد بني العبّاس بسبب اتّهامه بتأييد العلويين و تعاطفه معهم (1).ما

ص: 160


1- و قد كان أبو سلمة حفص بن سليمان أراد الرجوع عمّا كان عليه من الدعوة العبّاسية إلى آل أبي طالب. أبو سلمة يراسل جعفر الصادق و عبد اللّه بن الحسن: فبعث بمحمّد بن عبد الرحمن بن أسلم و كان أسلم مولى لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و كتب معه كتابين على نسخة واحدة إلى أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب،و الى أبي محمّد عبد اللّه بن الحسن بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنهم أجمعين!يدعو كلّ واحد منهما إلى الشخوص إليه ليصرف الدعوة إليه،و يجتهد في بيعة أهل خراسان له،و قال للرسول:العجل العجل،فلا تكوننّ كوافد عاد، فقدم محمّد بن عبد الرحمّن المدينة على أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد فلقيه ليلا،فلما وصل إليه أعلمه أنه رسول أبي سلمة،و دفع إليه كتابه،فقال له أبو عبد اللّه و ما أنا و أبو سلمة؟و أبو سلمة شيعي لغيري،قال:إني رسول،فتقرأ كتابه و تجيبه بما رأيت،فدعا أبو عبد اللّه بسراج ثمّ أخذ كتاب أبي سلمة فوضعه على السراج حتى احترق،و قال للرسول:عرّف صاحبك بما رأيت،ثمّ أنشأ يقول متمثلا بقول الكميت بن زيد: أيا موقدا نارا لغيرك ضوءها***و يا حاطبا في غير حبلك تحطب فخرج الرسول من عنده و أتى عبد اللّه بن الحسن فدفع إليه الكتاب فقبّله و قرأه و ابتهج به. نصيحة الصادق لعبد اللّه بن الحسن فلما كان من غد ذلك اليوم الذيوصل إليه فيه الكتاب ركب عبد اللّه حمارا حتى أتى منزل أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصاق،فلما رآه أبو عبد اللّه أكبر مجيئه،و كان أبو عبد اللّه أسنّ من عبد اللّه،فقال له:يا أبا محمّد،أمر ما أتى بك،قال،نعم و هو أجلّ من أن يوصف،فقال:و ما هو يا أبا محمّد؟قال:هذا كتاب أبي سلمة يدعوني إلى ما أقبله،و قد قدمت عليه شيعتنا من أهل خراسان،فقال له أبو عبد اللّه:يا أبا محمّد،و متى كان أهل خراسان شيعة لك؟أنت بعثت أبا مسلم إلى خراسان؟و أنت أمرته بلبس السواد؟و هؤلاء الذين قدموا العراق أنت كنت سبب قدومهم أو وجّهت فيهم؟و هل تعرف منهم أحدا؟فنازعه عبد اللّه بن الحسن الكلام،إلى أن قال:إنما يريد القوم ابني محمّدا لأنه مهديّ هذه الأمّة،قال أبو عبد اللّه جعفر:و اللّه ما هو مهدي هذه الأمّة،و لئن شهر سيفه ليقتلن،فنازعه عبد اللّه القول،حتى قال له:و اللّه ما يمنعك من ذلك إلاّ الحسد،فقال أبو عبد اللّه:و اللّه ما هذا إلاّ نصح مني لك،و لقد كتب إليّ أبو سلمة بمثل ما كتب به إليك،فلم يجد رسوله عندي ما وجد عندك، و لقد أحرقت كتابه من قبل أن أقرأه،فانصرف عبد اللّه من عند جعفر مغضبا...»مروج الذهب ج 3 ص 266- 267 دار الفكر بيروت 1420 ه.

و بالرغم من عدم تشيّع أبي سلمة الخلاّل الا إنّ حبّه لأهل البيت عليهم السّلام لا يمكن إنكاره خاصّة و أنّه ينتمي إلى الهمدانيين القبيلة المعروفة،و كان الرجل يسكن الكوفة (1).

و تعد قبيلة همدان في طليعة القبائل القحطانية التي سبقت إلى التشيّع كما أن السيد محسن الأمين عدّ أبا سلمة ضمن الوزراء الشيعة (2).

و كان العبّاسيون في بدء أمرهم يعلنون حبّهم و مودّتهم لأهل البيت عليهم السّلام و هذا ما نجده في موقف أوّل خليفة عبّاسي و هو أبو العبّاس السفّاح فقد جاء في كتب التاريخ (3):«و لمّا اتي أبو العباس برأس مروان و وضع بين يديه سجد فأطال السجود ثمّ رفع رأسه فقال:الحمد للّه الذي لم يبق ثأري قبلك و قبل رهطك و الحمد للّه الذي أظفرني بك و أظهرني عليك ثمّ قال:ما ابالي متى طرقني الموت قد قتلت بالحسين و بني أبيه من بني أميّة مائتين و أحرقت شلو هشام بابن عمّي زيد بن عليّ و قتلت مروان بأخي إبراهيم...».

و بعد تثبيت دعائم الدولة العبّاسية برز انقسام و شرخ بين بني العبّاس و العلويين و شيعتهم،و هو أمر حصل مبكّرا في تاريخ الدولة العبّاسية و في عهد المنصور على وجه التحديد الذي راح يطارد العلويين و بدأ في قسوته أشبه ما يكون بأي خليفة أموي بل إنّ العبّاسيين فاقوا الأمويين في قسوتهم و عنف ملاحقتهم.ه.

ص: 161


1- الأمين،السيد محسن،أعيان الشيعة،دار المعارف للمطبوعات،بيروت(بدون تاريخ)ج 1 ص 190.
2- الأمين السيد محسن،المصدر السابق.
3- المسعوي،عليّ بن الحسين،المصدر السابق ص 267 دار الفكر،بيروت 1421 ه.

2-نهاية الحكم الأموي و ظهور العبّاسيين

اشارة

كان للفترة الانتقالية و التي شهدت الإرهاصات الأولى لانهيار الحكم الأموي و صعود العبّاسيين و فترة الصراع بين الطرفين دور واضح في توفير الفرصة و الأجواء المساعدة للإمامين الباقر و الصادق عليهما السّلام لأن يقوما بنشاط واسع لإرساء دعائم مدرسة أهل البيت عليهم السّلام و بالتالي ترسيخ مرتكزات التشيّع،فعلى يد الصادق عليه السّلام خاصّة ترعرع مئات التلامذة في مختلف العلوم و نبغ فيهم علماء كبار من قبيل:هشام بن الحكم،محمّد بن مسلم،أبان بن تغلب،هشام بن سالم، مؤمن الطاق،المفضل بن عمر،جابر بن حيان و...و على حدّ تعبير الشيخ المفيد إنّ الثقاة من بينهم بلغ أربعة آلاف (1).

و كان العشرات يقصدون الإمام الصادق قادمين من كل حدب و صوب،ينهلون من علومه و يبدّدون ما علق بأذهانهم من الشبهات و من الطبيعي أنّ هذه الأعداد الكبيرة عند ما تعود إلى أوطانها تحمل معها بذور التشيّع لتنمو هنا و هناك.

هجرة العلويين

و في طليعة عوامل انتشار التشيّع في العصر العباسي هجرة العلويين و انتشارهم في مختلف أقاليم و مناطق العالم الإسلامي و إن كان بعض المهاجرين يحملون معهم التشيّع على المذهب الزيدي،بل هناك من العلويين من كان ناصبيا (2).

و لكن الطابع العام للعلويين هو التشيّع و أنّ بواعث هجرتهم كانت تكمن في ذلك.

و قد انتشر السادة العلويون في مناطق ما وراء النهر إلى الهند،و إلى أفريقيا،

ص: 162


1- الشيخ المفيد،الإرشاد،ترجمة محمّد باقر الساعدي الخراساني،المكتبة الإسلأميّة(1367 ه)ص 525.
2- انظر ابن عنبه،عمدة الطالب،المطبعة الحيدرية،النجف(1961 م)ص 71،200،253.

هذه الهجرة و إن كانت قد بدأت في زمن الحجّاج لكنّها اشتدّت في عصر العبّاسيين بسبب فشل و إخفاق ثوراتهم.

و كانت المناطق الجبلية في إيران و غابات الشمال في گيلان و مازندران و الى المناطق النائية في خراسان مكانا آمنا للفارّين،فقد لجأ إلى إقليم مازندران الذي كان يدعى«طبرستان»يحيى بن عبد اللّه الحسني و عند ما اشتدّت شوكته و قوي أمره حاول هارون الرشيد الإيقاع به من خلال التفاوض معه على الصلح و قد فاوضه الفضل بن يحيى،فاشترط أن يوقّع الرشيد وثيقة الأمان،حيث استجاب الرشيد لذلك (1)ثمّ نكث الوثيقة و اغتاله في السجن.

ثمّ تلاه في هجرته شخصيات عديدة من السادة العلويين فانتشر التشيّع،بل و انتشر الإسلام في بعض النواحي التي لم تكن قد اعتنقت الإسلام،و قد تنامى التشيّع بشكل سريع حيث سنشهد قيام الدولة العلوية في طبرستان في منتصف القرن الثالث الهجري و التي قام بتأسيسها الحسن بن زيد العلوي.و قد أصبحت هذه الدولة في شمال إيران ملاذا للعلويين يقول ابن اسفنديار:«و قد التفّ حوله بعدد أوراق الشجر من السادات العلويين و بني هاشم في الحجاز و أطراف الشام و العراق و كان إذا وضع رجله في الركاب أحدق به ثلاثمائة علوي بأيديهم السيوف» (2).

و عند ما انتدب المأمون الإمام الرضا لولاية العهد،ولّى إخوته و أقاربه وجوههم نحو إيران و تحديدا إقليم خراسان يقول المرعشي:«و لمّا بلغهم نبأ ولاية العهد جاء أخوته و بنو عمومته من كل حدب و صوب،حتى إذا سمعوا بغدر المأمون بالإمام لجأوا إلى جبال الديلم و طبرستان و استشهد بعضهم0.

ص: 163


1- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي،قم الطبعة الثانية(1416 ه-1373 ه. ش)ص 389-395.
2- تاريخ طبرستان و رويان ص 290.

و أصبحت قبورهم مزارات،و كانت تلك المناطق تدين بالولاء لعلي عليه السّلام فسهل على ذريته المقام بينهم و كرمت وفادتهم» (1).

و بعد اخفاق ثورة(فخ)في عهد الإمام الهادي العبّاسي و مصرع قائدها الحسين بن عليّ الحسني و فرّ إدريس بن عبد اللّه أخوه محمّد النفس الزكية إلى شمال افريقيا ليؤسس دولة الأدارسة في المغرب و بالرغم من دس السم إليه من قبل الخليفة العبّاسي في بغداد الا إنّ أتباعه من المخلصين استطاعوا تثبيت هذه الدولة ليحكم أولاده مدة قرن تقريبا (2).

و أصبحت دولة الأدارسة هي الأخرى محطّ أنظار العلويين و كانوا يسعون للوصول إليها و لهذا كتب المتوكل إلى حاكم مصر بطرد العلويين في مصر بعد استحصال ثلاثين دينارا عن كل رجل و خمسة عشرة دينارا عن كل امرأة (3).

و هناك تعليمات سابقة بشأن العلويين في مصر تفيد بما يلي:عدم تمليك العلويين الأرض،عدم السماح لهم بامتطاء الخيل و الاّ يغادروا عاصمة الإقليم و لا يحق لهم امتلاك أكثر من عبد واحد (4).

و قد اشتدّت شوكة العلويين و أصبح لهم أنصارا كثيرين جدا ما جعلهم يثورون مغتنمين أوّل فرصة مؤاتية.

يقول المسعودي (5):«...و في عام 270 ه ثار أحد الطالبيين بصعيد6.

ص: 164


1- المرعشي،تاريخ طبرستان و رويان و مازندران،نشر گستر،طهران(1363 ه.ش)ص 277،278.
2- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي،قم،ط الأولى و الثانية(1416 ه- 1374 ه.ش)ص 406،409.
3- آدم متنر،الحضارة الإسلأميّة في القرن الرابع الهجري،ترجمة عليّ رضا ذكاوتي قراگوزلو،مؤسسة انتشارات أمير كبير طهران(1364 ه.ش)ص 83 نقلا عن الولاة و القضاة للكندي ص 198.
4- المصدر السابق نقلا عن الولاة و القضاة للكندي ص 203-204.
5- المسعودي،عليّ بن الحسين،مروج الذهب،منشورات مؤسسة الأعلمي بيروت،ط الأولى(1411 ه)ج 4 ص 326.

مصر و يدعى أحمد بن عبد اللّه...و استطاع أحمد بن طولون أن يقبض عليه و يقتله».

و هكذا فقد أصبح العلويون أكبر و أقوى المنافسين للعبّاسيين على الخلافة، و لهذا عند ما قرر المعتضد سبّ معاوية على المنابر و أعدّ مرسوما بذلك دار هذا الحوار بينه و بين وزيره الذي أقنعه بخطورة هذا الإجراء (1):

«...عزم المعتضد باللّه على لعن معاوية بن أبي سفيان على المنابر و أمر بإنشاء كتاب بذلك يقرأ على الناس فخوّفه عبيد اللّه بن سليمان بن وهب من اضطراب العامة و أنّه لا يأمن أن تكون فتنة فلم يلتفت إلى ذلك من قوله...و ذكر أنّ عبيد اللّه بن سليمان أحضر يوسف بن يعقوب القاضي و أمره أن يعمل الحيلة في إبطال ما عزم عليه المعتضد فمضى يوسف بن يعقوب فكلّم المعتضد عن ذلك و قال له:يا أمير المؤمنين؛إنّي أخاف أن تضطرب العامة و يكون عند سماعها هذا الكتاب أن تقوم بحركة فقال:إن تحركت العامّة أو نطقت وضعت سيفي فيها، فقال:يا أمير المؤمنين ما تصنع بالطالبيين الذين هم في كل ناحية يخرجون و يميل إليهم كثير من الناس لقرابتهم من الرسول و مآثرهم و في هذا الكتاب إطراؤهم أو كما قال،و إذا سمع الناس هذا كانوا إليهم إميل و كانوا هم أبسط ألسنة و أثبت حجّة منهم اليوم فأمسك المعتضد فلم يردّ عليه جوابا و لم يأمر في الكتاب بعده بشيء...».

لقد كان العلويون يحظون بالاحترام البالغ لدى عموم الناس و لهذا فأنّهم يبنون مراقد لهم بعد وفاتهم و تصبح أضرحتهم مزارات يتبرّكون بها،أمّا في حياتهم فإنّ الناس كان يلتفّون حولهم و يدافعون عنهم.

فعندما لجأ محمّد بن القاسم إلى خراسان في عهد المعتصم5.

ص: 165


1- الطبري،أبو جعفر محمّد بن جرير،تاريخ الطبري،دار الكتب العلمية،بيروت ط الثانية(1408 ه)ج ص 620-625.

إلتفّ حوله أربعون ألف رجل في مدة قصيرة و بنوا له قلعة بالغة الاستحكام (1).

و لقد امتاز العلويون عموما بالطهر و التّقى في مقابل ما اشتهر به الخلفاء الأمويون و العبّاسيون من فسق و فجور إضافة إلى أنّ العلويين كانت لهم مظلوميتهم و قضاياهم العادلة التي تعاطف معها الرأي العام فكسبوا بذلك حبّ الناس و تأييدهم و قد أشرنا إلى ما قاله المسعودي كيف أنّ الناس سمّوا مواليدهم من الذكور(يحيى)في العام الذي استشهد فيه يحيى بن زيد الشهيد (2).

عوامل هجرة السادة العلويين
اشارة

يمكن أن نحدد ثلاثة عوامل كانت وراء هجرة العلويين إلى مختلف أقاليم الدولة الإسلاميّة و هي:

1-إخفاق ثورات العلويين.

2-الضغوط التي تمارسها أجهزة الدولة بحقّهم.

3-وجود الأرضية المناسبة للهجرة.

1-إخفاق ثورات العلويين

عقب إخفاق كل ثورة تشتد حالة المطاردة للثائرين ما يجعل البقاء في العراق و الحجاز أمرا مستحيلا بسبب قربهما من العاصمة بغداد،و لهذا نشهد حالة من فرار العلويين إلى المناطق النائية،و قد أشار المسعودي على سبيل المثال إلى فرار و هروب إخوة محمّد النفس الزكية بعد مصرعه و فشل الثورة.يقول المسعودي (3):«...و قد كان تفرّق إخوة محمّد و ولده في البلدان يدعون إلى

ص: 166


1- المسعودي،عليّ بن الحسين،المصدر السابق ج 4 ص 60.
2- المصدر السابق ج 3 ص 236.
3- المسعودي،المصدر السابق ج 3 ص 396 دار الهجرة قم 1404 ه.

إمامته؛و كان فيمن توجه ابنه عليّ بن محمّد إلى مصر،فقتل بها،و سار ابنه عبد اللّه إلى خراسان فهرب لما طلب إلى السّند.فقتل هناك.و سار ابنه الحسن إلى اليمن؛فحبس فمات في الحبس،و سار أخوه موسى إلى الجزيرة،و مضى أخوه يحيى إلى الريّ ثمّ إلى طبرستان،و مضى أخوه إدريس بن عبد اللّه إلى المغرب فأجابه خلق من الناس،اغتاله بالسم فيما احتوى عليه من مدن المغرب».

2-الضغط الحكومي

عادة ما يكون تواجد العلويين في العراق و الحجاز تحت نير ظغوطات الحكومة بسبب حساسية الأقليمين و قربهما من العاصمة بغداد،و قد علّل المسعودي سبب هجرة محمّد بن القاسم إلى خراسان بعد أن واجه ضغوطا من المعتصم الخليفة العبّاسي.

3-وجود الظروف المؤاتية

إنّ وجود مناطق تجتذب المهاجرين و تساعد على الهجرة و ما يحظى به المهاجرون العلويون عادة من موقع اجتماعي شجّع العلويين على الهجرة إلى مناطق مثل قم،طبرستان و خراسان.

خلاصة الدرس الرابع عشر

إنّ عوامل انتشار و تنامي التشيّع في عصر العبّاسيين عبارة عن:

1-إنّ الهاشميين من العلويين و العباسيين كانوا يؤلّفون طيفا واحدا في مقابل الأمويين و قد استمر ذلك الوضع حتى خلافة المنصور الدوانيقي و كان دعاة بني العباس يؤكدون على أفضلية الإمام عليّ عليه السّلام.

2-إنّ الفترة الانتقالية و بدء إرهاصات انهيار الحكم الأموي و صعود بني

ص: 167

العبّاس كانت مساعدة جدا لقيام الإمامين الباقر و الصادق عليهما السّلام بنشاطات واسعة في إرساء دعائم مدرسة أهل البيت عليهم السّلام.

3-كما أنّ هجرة العلويين كانت في طليعة العوامل التي ساعدت على انتشار التشيّع إلى مختلف مناطق العالم الإسلامي و لم يكن للعلويين توجه غير التشيّع فانتشر في ما وارء النهر و الهند و شمال أفريقيا.

و قد نشر العلويون الإسلام في مناطق من طبرستان و كان المذهب الشيعي في الإسلام أوّل ما تعرّفوا عليه.

***

أسئلة الدرس الرابع عشر

1-ما هي عوامل تنامي الشيعة في العصر العباسي؟

2-ما هي آثار هجرة العلويين في انتشار التشيّع؟

3-ما هي عوامل هجرة العلويين؟

ص: 168

الفصل الرابع: الثورات الشيعية و العلوية في العصر الأموي

اشارة

ص: 169

ص: 170

الدرس الخامس عشر

اشارة

الثورات الشيعية و العلوية في العصر الأموي

تعد ثورة كربلاء و معركة عاشوراء البداية الحقيقية للأعمال المسلحة التي قام بها الشيعة في مطلع الستينات من القرن الأول الهجري الا إنّنا سنبحث مسألة كربلاء فيما بعد.

بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السّلام اندلعت ثورتان شيعيتان هما ثورة التوّابين و ثورة المختار الثقفي،و لم تكن قيادة كل من الثورتين علوية بل كانوا من خلّص الشيعة و فيما يخصّ ثورة التوّابين هناك إجماع على أنّ قادة الثورة كانوا من صحابة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أصحاب الإمام عليّ عليه السّلام (1).

أمّا ثورة المختار الثقفي فهناك جدل بين من يؤكد حسن نواياه و إخلاصه و صدق تشيّعه و بين من يشك فيه و في أهداف ثورة الا إنّ ما ورد فيه من قدح جاء في الغالب من خصومه فقد روّج الأمويون و حتى الزبيريون حشدا من الشائعات التي لا تثبت أمام النقد و البحث و الدراسة.

و حول تأثير الحركات المسلحة في توسعة التشيّع و تناميه يتوجب القول إنّ ثورة التوّابين التي استغرقت زمنا قصيرا نسبيا لم يتسنّ لها أن تلعب دورا في نشر التشيّع الا إنّها رسخت و عمّقت حبّ آل البيت عليهم السّلام في النفوس،و عززت من عقائد الشيعة و عملت على تجذيرها أكثر فأكثر.الا إنّ ثورة المختار الثقفي كان لها الدور الكبير في تنمية التشيّع و توسيع رقعته،فقد تمكنت من حشد التأييد

ص: 171


1- انظر الدكتور سيد حسين الجعفري،التشيّع في مسار التاريخ،ترجمة الدكتور سيّد محمّد تقي آيت اللهي، مكتب النشر الإسلامي،ط التاسعة(1378 ه.ش)ص 268-273.

الواسع في صفوف الموالي من غير العرب (1)و أصبح للتشيّع عمقه الاستراتيجي الذي راح يتمدّد شرقا في إيران حتى إقليم خراسان و سوف نشهد بعد حوالي نصف قرن أو أكثر بقليل ظهور أصحاب الرايات السود و رفعها شعار:«الدعوة إلى الرضا من آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله»و لسلسة الثورات العلوية التي اندلعت في أواخر العصر الأموي حالة من التناغم و الانسجام مع النشاط العباسي الدعوي و قد أشرنا إلى توحّد العلويين و العبّاسيين تحت راية بني هاشم مؤلفين طيفا موحدا في مقابل بني أميّة و كان أبو العبّاس السفاح و أخوه المنصور قد بايعا فيما مضى محمّدا النفس الزكية و هو من أحفاد الإمام الحسن السبط،و لكن ما أن انتصرت الثورة العبّاسية إذا بمحمّد النفس الزكية و أخيه و إبراهيم و جمع آخر من العلويين يلقون مصارعهم على أيدي العبّاسيين.

و على امتداد القرن الثاني الهجري كانت ثورات العلويين ذات طابع زيدي حيث الايديولوجيا الزيدية هي المحرّك و الموجّه لهذه الثورات.

و قد استثمر العبّاسيون ثورة زيد الشهيد أفضل استثمار و أفادوا منها كثيرا في تحقيق أهدافهم و يشير أمير عليّ و هو مؤرخ معاصر،إلى أنّ استشهاد زيد قد عزز من الدعاية لخلافة بني العبّاس كما أنّهم قد تخلّصوا من منافس قوي و سنرى بعد ذلك أن أبا مسلم يستعرض قوّته للإطاحة ببني أميّة» (2).3.

ص: 172


1- جعفريان،رسول التشيّع في إيران،من البداية حتى القرن السابع الهجري(شركة الطبع و النشر في منظمة الإعلام الإسلامي)ط الخامسة(1377 ه)ص 76.
2- أمير علي،تاريخ العرب و الإسلام،ترجمة فخر داعي الگيلاني،انتشارات گنجينة،طهران ط الثالثة(1366 ه.ش)ص 162-163.

أ:ثورة زيد الشهيد

هو نجل الإمام عليّ بن الحسين السجّاد عليه السّلام و أخو الإمام الباقر عليه السّلام ثار على حكم هشام بن عبد الملك الخليفة الأموي و كان هدفه الإطاحة بالنظام الأموي الغاشم و قد بدأت إرهاصات الثورة بسفر زيد إلى دمشق و تقديم شكوى ضد يوسف بن عمرو حاكم العراق،و هناك تعرّض لمحاولات هشام في إذلاله الذي راح يؤنّبه و ينكّل به فخرج من القصر غاضبا مصمّما على الثورة و اتّجه نحو الكوفة لتعبئة الرأي العام ضد بني أميّة و في الاشتباكات العنيفة أصيب زيد بسهم قاتل و انتهت الثورة (1).

و قد وردت بعض الروايات التي تنال من زيد و ثورته و لكنّ الحشد الأكبر من الأحاديث الورادة في حقّه تفنّد بعض ما قيل فيه.

ذلك أنّ الروايات الصحيحة تمجّد زيد و تجلّه يقول الشيخ المفيد (2):

و اعتقد فيه كثير من الشيعة الإمامة،و كان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف يدعو إلى الرضّا من آل محمّد فظنّوه يريد بذلك نفسه،و لم يكن يريدها لمعرفته عليه السّلام باستحقاق أخيه للإمامة من قبله،و وصيّته عند وفاته إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام.

و يقول العلاّمة المجلسي معلّقا على بعض الروايات في زيد (3):

ثمّ اعلم أنّ الأخبار اختلفت و تعارضت في أحوال زيد و إضرابه كما عرفت

ص: 173


1- المسعودي،عليّ بن الحسين،مروج الذهب،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت(1411 ه) ج 3 ص 228،230.
2- الشيخ المفيد،محمّد بن محمّد بن النعمان،الإرشاد،ترجمة محمّد باقر الساعدي الخراساني،المكتبة الإسلأميّة ص 520.
3- العلاّمة المجلسي،محمّد باقر،بحار الأنوار ج 46 ص 205.

لكنّ الأخبار الدالّة على جلالة زيد و مدحه،و عدم كونه مدّعيا لغير الحق أكثر و قد حكم أكثر الأصحاب بعلوّ شأنه،فالمناسب حسن الظن به،و عدم القدح فيه بل عدم التعرّض لأمثاله من أولاده المعصومين عليهم السّلام إلاّ من ثبت من قبل الأئمة عليهم السّلام الحكم بكفرهم،و لزوم التبرّي عنهم».

و يقول آية اللّه الخوئي(رحمه اللّه) (1):و قد استفاضت الروايات غير ما ذكرناه في مدح زيد و جلالته و أنّه طلب بخروجه الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر...

و جميع الروايات القادحة ضعيفة...».

و هناك روايات و شواهد عديدة في أنّ ثورة زيد الشهيد كانت تتمتّع بتأييد الإمام الصادق عليه السّلام،و ما يؤيّد ذلك قول الإمام الرضا عليه السّلام في جواب المأمون حيث قال عليه السّلام (2):«و لقد حدثني أبي موسى بن جعفر عليهما السّلام أنه سمع أباه جعفر بن محمّد بن عليّ عليهم السّلام،يقول:رحم اللّه عمّي زيدا أنه دعا إلى الرضا من آل محمّد، و لو ظفر لوفى بما دعا إليه،و لقد استشارني في خروجه،فقلت له:يا عمّ إن رضيت أن تكون المقتول المصلوب بالكناسة (3)فشأنك،فلمّا ولّى،قال جعفر بن محمّد:ويل لمن سمع واعيته فلم يجبه.

أجل لقد كان زيد شيعيا مخلصا مؤمنا بإمامة ابن أخيه الإمام الصادق عليه السّلام (4).

و كان زيد الشهيد يصرّح بوضوح،بعدم إمامته و لهذا لم يدع إلى نفسه و إنّما كان يدعو إلى الرضا من آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله كما صرّح بذلك الإمام الصادق (5).م.

ص: 174


1- الخوئي،السيّد أبو القاسم،معجم رجال الحديث،ط بيروت ج 7 ص 347،مدينة العلم 1403 ه.
2- الصدوق،عيون أخبار الرضا عليه السّلام،مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت(1404 ه)ج 1 ص 225.
3- الكناسة:محلّة في ظاهر الكوفة،الحموي،ياقوت بن عبد اللّه،معجم البلدان دار إحياء التراث العربي، بيروت،ط الأولى(1417 ه)ج 4 ص 153.
4- الشيخ الصدوق،الأمالي،المطبعة،قم(1373 ه ج 9 ص 325.
5- الشيخ الطوسي،اختيار معرفة الرجال(رجال الكشي)،تحقيق سيّد مهدي رجائي،مؤسسة آل البيت لإحياء التراث،ثم.

و قد تكفّل الإمام الصادق أسرة زيد بعد استشهاده(رضي اللّه عنه) (1)،و كان الإمام يتفقّد أسر الشهداء الذين لقوا مصارعهم مع عمّه الشهيد في ثورته و قد وزع بينهم ذات مرّة ألف دينار (2).

و ممّا يمكن القول إنّ ثورة زيد الشهيد كانت كثورة التوّابين و ثورة المختار من حيث شيعيّتها و شرعيتها،و كانت ثورة على الظلم و الاضطهاد و القهر و انتصارا للحقّ و أمرا بالمعروف و نهيا عن المنكر و هي من حيث الأسلوب و المنهج تختلف كليّا عن مسار الثورات الزيدية.

ب-ثورة يحيى بن زيد

بعد استشهاد زيد(رضي اللّه عنه)سنة(121 ه)أخذ يحيى نجله على عاتقه السير على خطى والده الشهيد،حيث توجه إلى المدائن و منها الى إقليم خراسان كما عاش مدّة متخفيا في مدينة بلخ،ثمّ ألقي القبض عليه من قبل نصر بن سيّار ليزجّ في السجن و بعد وفاة الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك تمكّن يحيى من الفرار و التفّ حوله الكثيرون من شيعة خراسان فقادهم في طريق الثورة متجها إلى نيسابور حيث اشتبك مع حاكمها عمرو بن زرارة القسري و ألحق به الهزيمة و في الجوزجان اشتبك مع جيوش أموية تفوق قواته عدّة و عددا أصيب بسهم في جبينه و تشتت قواته بعد استشهاده (3).

و على خلاف ثورة زيد فإنّ ثورة نجله يحيى كانت ثورة زيدية الطابع و هذا ما يمكن استنتاجه من الحوار الذي دار بينه و بين المتوكل بن هارون و هو أحد

ص: 175


1- الإصفهاني،أبو الفرج،مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي،قم،(1416 ه)ص 331.
2- الشيخ المفيد،المصدر السابق ص 345.
3- ابن واضح،تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي،قم(1414 ه)ج 2 ص 326،327،332.

أصحاب الإمام الصادق عليه السّلام و كان يحيى يعتقد بشكل أو بآخر بأنّ والده كان إماما و أنّه ورث الإمامة عن والده،و الزيدية كما هو معروف تقول بإمامة من ينهض بالسيف (1).

و من هنا ظهرت فرقة الزيدية و تبلور مسارها بعيدا عن مسار الشيعة الإماميّة الإثني عشرية و الشيعة الزيدية لا يأخذون مسائلهم الفقهية عن الأئمة المعصومين لأنّ فقه الزيدية يختلف في مرتكزاته عن الفقه الإمامي الاثني عشري.

خلاصة الدرس الخامس عشر

اندلعت ثورات الشيعة بعد واقعة عاشوراء و استشهاد الإمام الحسين عليه السّلام في كربلاء و قد تفجّرت ثورة التوّابين و ثورة المختار من أجل الثأر للإمام الحسين عليه السّلام و لم يكن قادة كلا الثورتين من العلويين بل من رموز الشيعة و لهم

ص: 176


1- الصحيفة السجادية(المقدمة):متوكل بن هارون قال:لقيت يحيى بن زيد بن عليّ عليه السّلام و هو متوجه إلى خراسان بعد قتل أبيه فسلمت عليه فقال لي:من أين أقبلت؟قلت:من الحج.فسألني عن أهله و بني عمّه بالمدينة و أخفى السؤال عن جعفر بن محمّد عليه السّلام فأخبرته بخبره و خبرهم و حزنهم على أبيه زيد بن عليّ عليه السّلام، فقال لي:قد كان عمّي محمّد بن عليّ عليه السّلام أشار على أبي بترك الخروج و عرّفه إن هو خرج و فارق المدينة ما يكون إليه مصير أمره،فهل لقيت ابن عمّي جعفر بن محمّد عليه السّلام فقلت:نعم.قال:فهل سمعته يذكر شيئا من أمرني؟قلت:نعم.قال:بم ذكرني؟خبرني.قلت:جعلت فداك ما أحبّ أن استقبلك بما سمعته منه،فقال: أبا الموت تخوّفني؟!هات ما سمعته،فقلت:سمعته يقول:إنّك تقتل و تصلب كما قتل أبوك و صلب فتغير وجهه و قال:يمحو اللّه ما يشاء و يثبت و عنده أمّ الكتاب.يا متوكل إنّ اللّه عزّ و جل أيّد هذا الأمر بنا و جعل لنا العلم و السيف فجمع لنا و خصّ بنو عمّنا بالعلم وحده.فقلت:جعلت فداك إنّي رأيت الناس إلى ابن عمك جعفر عليه السّلام أميل منهم إليك و الى أبيك.فقال:إنّ عمّي محمّد بن عليّ و ابنه جعفرا عليهما السّلام دعوا الناس إلى الحياة و نحن دعوناهم إلى الموت.فقلت:يا بن رسول اللّه أهم أعلم أم أنتم؟فأطرق إلى الأرض مليّا ثمّ رفع رأسه و قال:كلنا له علم غير أنهم يعلمون كلما نعلم.و لا نعلم كلما يعلمون.ثمّ قال لي:اكتبت من ابن عمّي شيئا؟ قلت:نعم.قال:أرنيه،فأخرجت إليه وجوها من العلم،و أخرجت له دعاء أملاه عليّ أبو عبد اللّه عليه السّلام و حدّثني أن أباه محمّد بن عليّ أملاه عليه،و أخبره أنه من دعاء أبيه عليّ بن الحسين عليه السّلام من دعاء الصحيفة الكاملة...

دورهم في ترسيخ التشيع و انتشاره.

و ثار زيد الشهيد على حكم الطاغية الدموي هشام بن عبد الملك و كان زيد من الأتقياء الصالحين و قد ثار من أجل الإطاحة بالظلم و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و حظيت ثورته بتأييد من الإمام الصادق عليه السّلام.

و بعد استشهاد زيد اتّجه ابنه إلى خراسان ليعلن الثورة ضد بني أميّة و لكنّه لقي نفس مصير والده حيث نبت سهم في جبينه و هوى شهيدا.و تختلف ثورة يحيى عن ثورة والده في أنّ ثورته كانت زيديّة.

***

أسئلة الدرس الخامس عشر

1-متى بدأت ثورات الشيعة؟

2-ما هي أهداف ثورة زيد الشهيد؟

3-بماذا تختلف ثورة يحيى بن زيد عن ثورة والده؟

ص: 177

ص: 178

الدرس السادس عشر: الثورات الشيعية و العلوية في العصر العبّاسي

اشارة

يمكن تقسيم الثورات التي اندلعت في العصر العباسي حتى مطلع القرن الرابع الهجري إلى قسمين الثورات التي تمتلك برنامج زيدي و الثورات التي لا تمتلك برنامج مسبق و أشبه ما تكون بالانتفاضات التي تحدث هنا و هناك.

1-الثورة الزيدية

اشارة

يشكّل الشيعة الزيدية الأكثرية في الطيف الشيعي في القرون:الأوّل و الثاني و الثالث الهجري و هم يعتبرون الخلافة و الإمامة حقا لأولاد فاطمة الزهراء عليها السّلام كما أنّهم ينظرون إلى العبّاسيّين باعتبارهم غاصبين،و لهذا فقد فجّروا سلسلة من الثورات المنظمة التي خطّط لها بشكل دقيق،و قد نجحت بعض ثوراتهم و أسفرت عن قيام دول شيعية كما هو الحال في الدولة العلوية في طبرستان و دولة الأدارسة في المغرب و الدولة الزيدية في اليمن.

و الشيعة الزيدية تنظر إلى محمّد النفس الزكية و إبراهيم باعتبار أنّهما إمامين ذلك أنّ يحيى بن زيد قد أوصى لهما،و من هنا فإنّ الإمامة انتقلت من بني الحسين عليه السّلام إلى بني الحسن و كان إبراهيم الذي خلف أخاه محمّد النفس الزكية قد ثار في مدينة البصرة ضد العبّاسيين و قد أوصى إلى عيسى الابن الآخر لزيد الشهيد،و بعد مصرع إبراهيم فرّ عيسى بن زيد و اختفى عن الأنظار و توفي في عهد الخليفة المهدي أثناء فترة اختفائه (1).

ص: 179


1- أبو الفرج الإصفهاني المصدر السابق ص 345.

لم تتفق الشيعة الزيدية على قائد محدّد بعد مصرع محمّد النفس الزكية و إبراهيم و لهذا فقد كانوا يبحثون عن رمز من أولاد فاطمة تتوافر فيه الشجاعة و يشهر السيف،و قد ظلّ الزيدية في حالة اختلاف حتى سنة(301 ه)حيث ظهر الحسين بن عليّ الحسني الذي عرف بالأطروش و الذي أعلن الثورة في خراسان و استطاع السيطرة على گيلان و مازندران و من ثمّ تشييد كيان سياسي قوي للزيدية (1)؛و لهذا فقد كان العباسيون في قلق دائم من خطر الزيدية و كانوا يسعون جاهدين للقضاء على كلّ الشخصيات التي تشمّ فيها رائحة الزعامة خاصّة من ذرية زيد الشهيد؛فقد كانت أجهزة الحكم ترصد الجوائز المغرية لكل من يأتي برأس زيدي معروف إضافة إلى بث الجواسيس في كل مكان و تعقب تحركاتهم و وضع التقارير باستمرار حول نشاطاتهم (2)حيث نرى مثلا إنّ هارون الرشيد يصدر أمرا باعتقال أحمد بن عيسى (3)بعد وفاة والده...

على أنّ هناك من بني الحسن شخصيات كبيرة كانت في قيادة الثورات لم تكن تتحرك وفق المنهج الزيدي و لم تكن لها قناعات ثابتة بمرتكزات المذهب الزيدي،و لهذا نجد أنّ بعض الثورات و عند ما تحصل اشتباكات ضارية جدا فأنّق.

ص: 180


1- المسعودي عليّ بن الحسين،مروج الذهب،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت(1411 ه)ج 4 ص 393،394 و الشهرستاني،كتاب الملل و النحل،منشورات الشريف الرضي،قم(1364 ه.ش)ج 1 ص 139.
2- بعد تمكّن أحمد بن عيسى بن زيد من الفرار من السجن أوعز هارون الرشيد إلى شخص يدعى«ابن الكردية»بالتوجه إلى نواحي الكوفة و البصرة و أن يظهر التشيّع و أن يوزّع الأموال و يقسّمها بين الشيعة و الزيدية ليتمكّن من الكشف عن مخبأ أحمد بن عيسى و محل اختفائه. و قد قام ابن الكردية هذا ببذل الجهود في هذا الطريق و أنفق أموالا طائلة إلى أن تمكّن من الكشف عن محل اختفاء أحمد بن عيسى،و لكنّ السلطات أخفقت في القبض عليه و اعتقاله.انظر أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي،قم(1416 ه)ص 492،496.
3- المصدر السابق.

المشاركين من الشيعة الزيدية يتخلّون عن قادتهم ليواجهوا مصيرهم وحيدين كما ترى ذلك مع يحيى بن عبد اللّه.

و من بين الشخصيات التي حققت انتصارا أو نجاحا نسبيا هو إدريس أخو يحيى (1)و يعزى نجاحه هذا إلى تمكّنه من الفرار إلى المغرب و هي منطقة بعيدة عن سطوة الحكومة العبّاسية و هناك استطاع إدريس من حشد التأييد لثورته ضد العبّاسيين و تمكّن في النهاية من تأسيس دولته (2).

لقد كان يحيى بن عبد اللّه في طليعة قادة الثورات الشيعية الذي لم تكن له قناعات بمرتكزات المذهب الزيدي،و كان يسير على خطى أهل البيت عليهم السّلام.

بعد مصرع أخيه محمّد النفس الزكية اتّجه يحيى نحو خراسان و من خراسان إلى منطقة الديلم-و تضم إقليمي گيلان و مازندران-و كانت منطقة الديلم لم تدخل بعد في دين الإسلام و لهذا أراد حاكم الاقليم اعتقال يحيى بعد أن وصلته تهديدات هارون الرشيد بضرورة اعتقاله و تسليمه.و لذا أضطرّ يحيى للتفاوض مع الفضل بن يحيى البرمكي فسلّم نفسه مقابل وثيقة أمان موقّعة من قبل هارون الرشيد شخصيا و قد حصل يحيى على ذلك لكنّ هارون أمر بزجّه في سجن ببغداد ثمّ أوعز باغتياله (3)و كان يحيى من تلامذة الإمام الصادق و كان عند ما3.

ص: 181


1- إدريس بن عبد اللّه هو أخو محمّد النفس الزكية شارك في ثورة الحسين بن عليّ التي عرفت بثورة«فخ» و التي قمعها بوحشية الخليفة العبّاسي الهادي،و بعد إخفاق الثورة فرّ إدريس مع قوافل الحجيج العائدين إلى مصر بهوية شخصية مصرية و من مصر انطلق نحو المغرب،و هناك أعلن ثورته و تمكّن من حشد التأييد له و تأسيس دولة عرفت بدولة الأدارسة و لكنّ هارون الرشيد أرسل إليه من يدس السمّ في طعامه و تم اغتياله غير أن هيئة أركان دولته نصّبت ابنه القاصر مكانه و دعي ب«إدريس الثاني»و قد استمرت دولة الأدارسة مدّة قرن من الزمان.انظر المسعودي المصدر نفسه ج 3 ص 326.
2- أبو الفرج الإصفهاني،المصدر السابق ص 406-408.
3- المصدر السابق ص 293.

يروي حديثا عن الإمام يقول:حدّثني حبيبي جعفر بن محمّد (1).

و بسبب منهجه الذي يتماشى مع مسار أئمة أهل البيت عليهم السّلام فقد تخلّى عنه الشيعة الزيدية و انفضوا من حوله فاضطرّ إلى تسليم نفسه كما ذكرنا آنفا (2).

أ:ثورة محمّد النفس الزكية

و تعدّ ثورة محمّد النفس الزكية من أقوى الثورات في القرن الثاني الهجري، و ثورة محمّد النفس الزكية بدأ التحضير لها قبل سقوط الدولة الأموية و قد بايعه عموم بني هاشم باستثناء الإمام الصادق عليه السّلام،و شملت البيعة علماء و فقهاء من أهل السنّة في طليعتهم أبو حنيفة،محمّد بن عجلان فقيه أهل المدينة،أبو بكر بن أبي سبرة الفقيه،عبد اللّه بن جعد،هشام بن عروة،عبد اللّه بن عمر،واصل بن عطاء،عمرو بن عبيد و...و كثر الحديث في تلك الفترة عن بشارة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بظهور الإمام المهدي صلّى اللّه عليه و آله حيث برز تصور واسع على أن محمّد النفس الزكية هو المهدي الموعود (3).

و بسبب حملة المطاردة التي نظمها المنصور لملاحقته بغية القبض عليه فقد استعجل في تفجير الثورة في وقت بدا غير مناسب ما أدى إلى إخفاقه و مصرعه، و عند ما ثار إبراهيم أخوه في البصرة تخلّى عنه الزيدية و لقي هو الآخر مصرعه و تشتت قوّاته،و لكن إخوته فرّوا إلى أنحاء عديدة و ظلّوا يحضّرون للثورة حتى عهد هارون الرشيد فقد فرّ إدريس إلى المغرب و أسس دولة الأدارسة،لكنّه أغتيل بالسم بعد فترة و جيزة من حكومته ليخلفه ابنه إدريس الثاني كما ألمحنا،

ص: 182


1- المصدر السابق.
2- المصدر السابق ص 392،393.
3- المصدر السابق ص 254،255،251،347.

و ظلّت دولة الأدارسة أمرا واقعا على مدى قرن من الزمن.أمّا يحيى بن عبد اللّه فقد اتّجه إلى طبرستان و ذكرنا ما جرى له.

و هناك أخ آخر لمحمّد هو موسى بن عبد اللّه الذي فرّ إلى شمال العراق و الجزيرة فيما فرّ بنو محمّد و هم كل من:عليّ،عبد اللّه،و الحسن إلى مصر و الهند و اليمن و ظلّوا يشكّلون هاجسا يقلق الدولة العباسية.

ب-ثورة ابن طباطبا الحسني

بعد موت هارون الرشيد و اندلاع الحرب الأهلية بين ولديه الأمين و المأمون حول الخلافة،اغتنم العلويون و الشيعة هذه الفرصة و قادوا سلسلة من الثورات التي وصلت ذروتها في ثورة قائد كبير عرف ب«أبي السرايا»الذي تمكّن من بسط نفوذ العلويين على كل العراق باستثناء بغداد و على الحجاز و اليمن و جنوب إيران،و قد تمكّن هذا القائد الفذّ من طرد النفوذ العبّاسي من كل هذه المساحات المترامية (1).

و قد مثّل أبو السرايا ظاهرة عسكرية مدهشة إذ قاد قوّاته باتجاهات عديدة و كانت المدن تسقط بين يديه الواحدة تلو الأخرى و تقول بعض الدراسات التاريخية إنّ حصيلة أعداد الجنود في جيوش الدولة العبّاسية الذين قتلوا في المعارك بلغ مئتي ألف جندي؛علما بأنّ مدّة الثورة قد استغرقت عشرة شهور.

حتى في مدينة البصرة و هي المعروفة بولائها العثماني اشعل زيد الذي عرف ب«زيد النار»الثورة و حظي بتعاطف أهل البصرة و بسبب هذا التعاطف اختار هذه المدينة لتكون منطلقا لثورته.

ص: 183


1- ابن واضح،تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي،قم(1414 ه)ج 2 ص 445.

و في مكّة و أنحاء الحجاز ثار محمّد بن جعفر الملقّب بالديباج و دعي ب «أمير المؤمنين»و في اليمن انتفض إبراهيم بن موسى بن جعفر،و في المدينة المنوّرة وثب محمّد بن سليمان بن داود بن الحسن.و في واسط ذات التوجه العثماني ثار جعفر بن زيد بن عليّ و كذا الحسين بن إبراهيم بن الحسن بن عليّ، و في المدائن ثار محمّد بن إسماعيل بن محمّد.و خلاصة القول لا توجد منطقة في العالم الإسلامي لم يحاول العلويون تعبئة أهلها ضد الحكم العبّاسي بل إنّ سكان بعض المناطق هم الذين يبادرون لتشجيع رمز علوي على الثورة ضد العبّاسيين و قد وصل الأمر بإقليم الشام المعروف بثقافته الأموية و ولاءاته القديمة أن يمدّ ببصره إلى محمّد بن محمّد العلوي و مراسلته و إعلامه بأنّهم ينتظرون مبعوثه و أوامره (1).

ج:ثورة الحسن بن زيد الحسني(الدولة العلوية في طبرستان)

في سنة(250 ه)و في عهد خلافة المستعين العباسي ثار الحسن بن زيد الذي كان يسكن مدينة الري وسط إيران في طبرستان و دعا الناس إلى الرضا من آل محمّد و بعد معارك مع جيوش العبّاسيين استطاع أن يرسي دعائم الدولة العلوية في طبرستان و جرجان (2)و قد استمرت الدولة حتى سنة(345 ه) (3).

و على مدى عشرين سنة من حكم الحسن بن زيد قامت قواته بمهاجمة مناطق الري،زنجان،و قزوين،و في نفس عام الثورة بعث الحسن أحد العلويين و يدعى محمّد بن جعفر إلى الري و لكنّه وقع في قبضة الطاهريين (4)و في سنة

ص: 184


1- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي،قم(1416 ه)ص 435،436.
2- الطبري،محمّد بن جرير،تاريخ الطبري،دار الكتب العلمية،بيروت ط الثانية(1408 ه)ج 5 ص 364.
3- السيوطي،جلال الدين،تاريخ الخلفاء،منشورات الشريف الرضي،ط الأولى(1411 ه)ص 525.
4- الطبري،محمّد بن جرير،المصدر السابق ص 365.

(251 ه)انتفض الحسن بن أحمد العلوي في قزوين و تمكّن من طرد المسؤولين الحكوميين التابعين للطاهريين (1).

كما ثار أخوه الحسين بن زيد في منطقة لارجان و قصران شمال طهران حاليا و أخذ البيعة لأخيه الحسن (2)،يقول الطبري في أحداث سنة(250 ه) (3):

«فاجتمعت للحسن بن زيد مع طبرستان الرّي إلى حدّ همدان».

و قد امتد لهيب الثورة من طبرستان إلى العراق (4)و الشام (5)و مصر (6)حيث تشجع العلويون و راحوا يحثّون الناس على الثورة و استمر الوضع على هذه الوتيرة حتى سنة(270 ه)و هي سنة وفاة الحسن بن زيد و استخلاف أخيه محمّد بن زيد الذي حكم حتى سنة(287 ه)حيث حدث نزاع بينه و بين محمّد بن هارون استشهد على إثره (7).

و في نفس عام وفاة محمّد بن زيد سنة(287 ه)ثار الأطروش في منطقة گيلان و الديلم و دعا سكانها إلى الإسلام حيث لقي استجابة واسعة و تمكّن من الحكم في تلك المناطق أربعة عشر سنة إلى أن حلّت سنة(301 ه)حيث نجح في مدّ نفوذه إلى طبرستان و استلم مقاليد الحكم في هذه المنطقة (8).7.

ص: 185


1- المصدر السابق.
2- المصدر السابق.
3- المصدر السابق.
4- المصدر السابق ص 395،430.
5- المسعودي،المصدر السابق ص 327.
6- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطاليين،منشورات الشريف الرضي ط الثانية(1416 ه)ص 542.
7- المسعودي،المصدر السابق ص 283.
8- المصدر السابق ص 327.
د:ثورة يحيى بن الحسن(الدولة الزيدية في اليمن)

في سنة(288 ه)ثار يحيى بن الحسن العلوي الملقّب ب«الهادي إلى الحقّ» في الحجاز و التفّ حوله الزيديون و استطاع باسناد القبائل اليمنية من دخول صنعاء و إلقاء الخطبة باسم الإمام الزيدي و بالرغم من اصطدامه مع قبائل يمنية الا إنّه تمكّن في النهاية من الإمساك بزمام الأمور و إرساء دعائم حكم مستقر، و انتهت حياة يحيى مسموما سنة(298 ه)،بعد أن سجّل اسمه كأحد أكبر الشخصيات الزيدية فقد كان أحد العلماء المعروفين،و من هنا ارتبط المذهب الزيدي في اليمن باسمه و عرفت فرقته ب«الهادوية» (1).

و أصبح أولاده أئمة الزيدية و حكّام اليمن و استمرّ حكم الزيدية في اليمن حتى سنة(1382 ه)أي إلى قيام الحكم الجمهوري.

خلاصة الدرس السادس عشر

شكّل الزيدية الغالبية الساحقة من مجموع الشيعة في القرون الثلاثة الأولى و قد أدت سلسلة من ثوراتهم المنظمة إلى قيام دول شيعية؛و انتقلت الإمامة الزيدية عن طريق يحيى بن زيد إلى أحفاد الإمام الحسن و أصبحوا أئمة الزيدية بالرغم من وجود بعض قادتهم الذين لم تكن لهم قناعات بمرتكزات الزيدية.

بلغت ثورات العلويين ذروتها في عهد المنصور العبّاسي عند ما اندلعت ثورة محمّد النفس الزكية.

و في عهد المأمون تمكّن العلويون من إحراز انتصارات كبرى بسبب وجود قائد عسكري موهوب هو أبو السرايا.

ص: 186


1- انظر عليّ ربّاني الگبايگاني،الفرق و المذاهب الكلاميية،المركز العالمي للعلوم الإسلأميّة ج 1 ص 134.

و عند ما انتصرت ثورة العلويون في طبرستان سنة(250 ه)تشجّع العلويون في مناطق أخرى و قادوا سلسلة من الثورات في مناطق متفرقة من العالم الإسلامي.

***

أسئلة الدرس السادس عشر

1-تحدّث بإيجاز عن الثورات الزيدية.

2-ما هي منطلقات ثورة محمّد النفس الزكية؟

3-متى قامت ثورة ابن طباطبا؟

4-في أي عام انتصرت ثورة العلويين في طبرستان؟

ص: 187

ص: 188

الدرس السابع عشر

2-ثورات متفرقة

اشارة

و تتسم هذه الثورات بغياب التخطيط و البرنامج و تكون في الغالب وليدة قرار فردي و ردّ فعل إزاء الظلم الذي يمارسه الحاكمون ضد الشيعة و العلويين على وجه الخصوص و في طليعة هذه الثورات:

أ:ثورة الحسين بن عليّ(ثورة فخّ)

اشتهر الحسين بن عليّ ب«شهيد فخ»و قد ثار في حكم الهادي العبّاسي الذي عرف بقسوته و بطشه و تجاوزاته يقول اليعقوبي (1):

«...و ذلك أنّ موسى ألحّ في طلب الطالبيين و أخافهم خوفا شديدا و قطع ما كان المهدي يجريه لهم من الأرزاق و الأعطية و كتب إلى الآفاق في طلبهم و حملهم...».

و كان الخليفة قد نصّب على المدينة حاكما من ذريّة عمر و كان شديدا جدا على آل أبي طالب و كان لا ينفك يستجوبهم و يستعرضهم،و قد أثارت سياسته التعسفية هذه غضب الكثيرين و في طليعتهم الحسين بن عليّ الذي قرّر الثورة كردّ فعل إزاء هذا الظلم و القهر و سرعان ما سيطر على المدينة المنوّرة ليرفع الأذان الذي ورد فيه جملة:«حيّ على خير العمل»و دعا الناس إلى كتاب اللّه و سنّة نبيّه و رفع الشعار المعروف و هو:«الدعوة إلى الرضا من آل محمّد».

و قد ساند الإمام الكاظم هذه الثورة و قد أخبره باستشهاده (2)؛و لذا طلب منه الاستبسال في القتال.

ص: 189


1- ابن واضح،تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي،قم ط(1417 ه)ج 2 ص 349 الأعلمي،بيروت 1413 ه.
2- أبو الفرج الإصفهاني،المصدر السابق ص 372.

و كالعادة انفضّ عنه الزيدية ليواجه جيوش بني العبّاس المجهّزة ب«500» مقاتل فقط و كان القائد العبّاسي و يدعى سليمان بن جعفر الذي حاصر هذه الثلّة في مكان يدعى«فخ»بين مكّة و المدينة و انقضّ على الثائرين،و كانت نتيجة ذلك وقوع مذبحة (1)ذكّرت الرأي العام بمذبحة كربلاء و قد كان التشابه بين الحادثتين كبيرا،فالهادي العبّاسي كان يشبه يزيد في نزقه و غطرسته و كان الثائر يدعى الحسين بن عليّ و لم يكن معه سوى عدّة مئات من أنصاره أمام جيش جرّار..و قد سبي الأسرى إلى بغداد ليواجهوا هناك عقوبة الإعدام دون رحمة.

يقول الإمام الرضا عليه السّلام في تلك الحادثة (2):

«لم يكن لنا بعد الطفّ مصرع أعظم من الفخ».

و لم يشترك في هذه الثورة من الشيعة الإماميّة سوى نفر قليل و يبدو أنّها لم تتمتع بالتأييد الذي تمتعت به ثورة محمّد النفس الزكية.

ب:ثورة محمّد بن القاسم

في سنة(219 ه)قاد محمّد بن القاسم و هو من أحفاد الإمام السجاد عليه السّلام و كان محمّد بن القاسم يسكن المدينة،و يعد من زهّاد العلويين و عبّادهم و قد اشتهر بتقواه و ورعه و جاءت ثورته ردّ فعل لما مارسه المعتصم من ضغوط فاضطرّ إلى مغادرة الكوفة و التوجه إلى خراسان.يقول المسعودي (3):

ص: 190


1- أبو الفرج الإصفهاني المصدر السابق ص 380،381.
2- كيا گيلاني،سيّد أحمد بن محمّد بن عبد الرحمن،سراج الأنساب،منشورت مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي قم(1409 ه)ص 66.
3- المسعودي،عليّ بن الحسين،مروج الذهب،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت ط الأولى (1411 ه)ج 4 ص 60.

«و في هذه السنة-و هي سنّة تسع عشرة و مائتين-أخاف المعتصم محمّد بن القاسم بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب رحمهم اللّه و كان بالكوفة من العبادة و الزهد و الورع في نهاية الوصف فلمّا خاف على نفسه هرب فصار إلى خراسان فتنقل من مواضع كثيرة من كورها كمرو و سرخس و الطالقان و...».

و ينقل أبو الفرج الإصفهاني إنّ حشودا بشرية بلغت أربعين ألفا التفّت حوله و مع ذلك فإنّ ثورته أخفقت و تشتت قواته و ألقي القبض عليه من قبل حكّام الإقليم من الأسرة الطاهرية ليساق إلى العاصمة العبّاسية الجديدة سامراء حيث ألقي في السجن (1)و قد تمكّن بعض أنصاره من اطلاقه من السجن ليختفي عن الأنظار و تنقطع أخباره نهائيا إلى أن توفي (2).

ج:يحيى بن عمر الطالبي

يحيى بن عمر الطالبي من أحفاد جعفر الطيار اشتهر بزهده و تقواه بين الناس فأحبّوه و كان له منزلة في الكوفة،عاصر حكم المتوكل الطاغية المعروف بعدائه و اضطهاده لأهل البيت،و كان للضباط الأتراك يومئذ نفوذا كبيرا فعانى من معاملتهم و سوء تصرفهم،و ساءت أموره بسبب ما تعرّض له من ضغوط فقرر الثورة في الكوفة،و بسط نفوذه فيها و ازداد حبّ الناس له بسبب ما أشاعه فيهم من العدل و الإنصاف،و قد زحف لقمع ثورته محمّد بن عبد اللّه بن طاهر و بعد معارك ضارية استعادت الدولة العبّاسية سيطرتها على الكوفة و لقي قائد الثورة مصرعه في المعارك،و عمّ الحزن مدينة الكوفة و رثاه الكثيرون بأشعار رقيقة (3).

ص: 191


1- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي،قم ط الثانية(1416 ه)ص 464-467.
2- المسعودي،المصدر السابق.
3- المسعودي عليّ بن الحسين،مروج الذهب ص 160.

و يقول المسعودي (1):«...و لمّا قتل يحيى جزعت عليه نفوس الناس جزعا كثيرا و رثاه القريب و البعيد و حزن عليه الصغير و الكبير و جزع لقتله المليء و الدنيء...».

و يروي أبو الفرج الإصفهاني أنّ المراثي التي قيلت في يحيى بن عمر بلغت من الكثرة حدا كبيرا و لم يسبق لعلوي شهيد قيلت فيه المراثي بهذه الكثرة (2).

عوامل إخفاق الثورات

يعود إخفاق الثورات إلى عاملين:

الأوّل:ضعف القيادة.الثاني:غياب الإنسجام في قوات الثورة.

إنّ قادة الثورة كانت تنقصهم في الغالب البرامج و الخطط و كان مسار الثورة عادة ما يبتعد عن موازين الإسلام.و لهذا فإنّ أغلب الثورات لم تحظ بتأييد الأئمة الأطهار،مع التأكيد على أنّ عدم تأييد بعض الثورات يعود إلى التنبؤ بفشلها و بالتالي فإنّ فشلها في حالة تأييد الإمام ستكون له نتائج سلبية على التشيّع و لهذا فإنّ الإمام يعمد إلى التأييد الشرعي الذي سيحمي التشيّع و المذهب الإمامي من الخطر.

من جهة أخرى أنّ قوى الثورة عادة ما تكون غير متجانسة في أهدافها و تطلعاتها و تكوينها الفكري،فهناك من هو شيعي حقيقي يستبسل في القتال و المقاومة إلى الرمق الأخير من حياته و لكن هذا النموذج لم يكن له حضور عددي فاعل أمام الأعداد الغفيرة التي ينقصها الإيمان بأهدافها و لا يربطها ذلك الرابط العقيدي بقيادة الثورة،و لذلك ما أن تصل ساعة الفصل التي تتطلب

ص: 192


1- المصدر السابق.
2- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي،قم،ط الثانية(1416 ه)ص 511.

التضحيات حتى تتخلى تلك الجموع عن القائد و تتركه يواجه قدره وحيدا.

و يشير العلاّمة جعفر مرتضى العاملي إلى غياب العاطفة القوية و القاعدة الفكرية الصلبة في الحركات الثورية و الاعتماد على هكذا قوة بمثابة تصوّر السراب ماء إضافة إلى وجود عوامل رادعة داخل القوى الثورية و هذا ما يفسّر انفضاض الثوّار في بعض ساعات الحسم و الجدّ التي تتطلبّ الصبر و المقاومة و الإيمان و التضحية» (1).

خلاصة الدرس السابع عشر

حدثت ثورات متفرقة تفتقر في الغالب إلى البرامج و الخطط حيث يكون القرار الفردي هو المؤجج لهذه الثورات و عادة ما تأتي كردّ فعل عنيف إزاء ممارسات الحاكمين و في طليعة هذا النوع من الثورات ثورة فخ بقيادة الحسين بن عليّ الذي استشهد بعد اخفاق ثورته و قمعها من قبل الخليفة العباسي الهادي.

و هكذا بالنسبة لثورة محمّد بن القاسم الرجل العلوي الذي اشتهر بزهده و تقواه إذ ثار في عهد المعتصم بعد تصعيد الأخير للضغوط عليه فاضطرّ للهجرة إلى خراسان ليعلن الثورة هناك.

و كانت ثورة يحيى بن عمر الطالبي ردّ فعل لضغوط الطاغية العبّاسي المتوكل و يعود إخفاق الثورات العلوية إلى ضعف في القيادة والى غياب الانسجام في قوى الثورة.

***

ص: 193


1- انظر:جعفر مرتضى العاملي،الحياة السياسية للإمام الجواد،مكتب النشر الإسلامي،جامعة مدرسي الحوزة العلمية بقم،ط الثامنة(1375 ه.ش)ص 19.

أسئلة الدرس السابع عشر

1-ماذا نعني بالثورات المتفرقة؟تحدّث عن ذلك باختصار

2-ما هي عوامل فشل و إخفاق هذه الثورات؟

ص: 194

الفصل الخامس

اشارة

ص: 195

ص: 196

الدرس الثامن عشر: الأبعاد الجغرافية للتشيّع

اشارة

من المؤكد أنّ مهد التشيّع هو المدينة المنوّرة،و قد عاش الشيعة الأوائل و هم من صحابة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في هذه المدينة،و في عهود الخلفاء الثلاثة هاجر الصحابة من الشيعة إلى مختلف المدن و الأقاليم و تسنّم بعضهم مناصب سياسية و عسكرية يشير العلاّمة محمّد جواد مغنية إلى هذا الموضوع و يؤكد دور الصحابة الشيعة في نشر التشيّع إذ كانوا يدعون إلى التشيّع من خلال القرآن الكريم و أحاديث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قد ساعدت شخصياتهم التي تحظى بالتقدير و الاحترام في نشر التشيّع» (1).

و قد نفذ التشيّع حتى في مناطق خاضعة للنفوذ الأموي مثل:جبل عامل في إقليم الشام و كان لحضور الصحابي الجليل أبي ذر دوره في نمو بذرة التشيّع لتصبح تلك المنطقة واحدة من أكبر مراكز التشيّع (2).

و في أواخر خلافة عثمان تنامت أعداد الشيعة و أصبح لهم حضورا في مناطق عديدة من العالم الإسلامي،و لهذا بدأ الهمس يتصاعد في تلك الفترة حول أحقيّة الإمام عليّ عليه السّلام بالخلافة؛و عند ما تصاعدت حدّة المعارضة في المدينة المنوّرة حول سياسة عثمان و تجمّع المعارضون في المدينة المنوّرة طلب عثمان من الإمام عليّ عليه السّلام مغادرة المدينة من أجل تهدئة الوضع المتفجّر (3).

ص: 197


1- الشيعة في الميزان،ص 26-28،منشورات الشريف الرضي،قم،1413 ه.
2- الأمين،السيد محسن،أعيان الشيعة،دار التعارف للمطبوعات،بيروت(بدون تاريخ)ج 1 ص 25.
3- نهج البلاغة،الخطبة 235.

أمّا العراق فقد أصبح أحد المراكز القوية للشيعة في زمن عثمان،و نشير هنا إلى موقف الشيعة في مدينة البصرة بالرغم من سقوطها في أيدي قادة معسكر الجمل و الحملة الدعائية المضادة للإمام فيها الا إنّ ألوفا من أهلها التحقوا بقوات الإمام التي وصلت منطقة ذي قار (1)و ذلك بعد أن وصلت أخبار قدومه مع جموع من المهاجرين و الأنصار.

و كان العامل العقيدي يرافق حركة هؤلاء الشيعة و هو رأيهم في عليّ باعتباره الخليفة الذي نصّبه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و على حدّ تعبير البلاذري و قوله:من شيعة عليّ من قبيلة ربيعة (2).

و بعد أن تصدّى الإمام عليّ عليه السّلام لمسؤولية الخلافة و أصبح في رأس الهرم الحكومي و أنتقل إلى العراق،حدث انعطاف في مسار التشيّع في هذه المنطقة، كما كان لحكّام الأقاليم الذين انتدبهم الإمام لإدارة الأقاليم الدور الفاعل في توسيع نطاق التشيّع ذلك أنّ الإمام انتخب أولئك الحكّام و الولاة من بين أنصاره و شيعته.يقول السيد محسن الأمين:و لما سكن عليّ عليه السّلام العراق تشيّع كثير من أهل الكوفة و البصرة و ما حولها و لما تفرقت عمّاله و شيعته في البلاد كان من دخل منهم بلادا تشيّع كثير من أهلها» (3).

و تجدر الإشارة إلى أنّه ليس الشام وحده كان يخضع للنفوذ الأموي بل هناك مناطق أخرى عثمانية الاتجاه من قبيل البصرة و شمال العراق و ذلك لخضوعها فترة طويلة نسبيا لحكومات يرأسها أقارب لعثمان فنشأ اتجاه عثماني في تلك المناطق (4)،و قد ظلّ هذا الاتجاه سائدا حتى نهاية القرن الثاني الهجري.8.

ص: 198


1- البلاذري،أنساب الأشراف،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت(1394 ه)ج 2 ص 237.
2- المصدر السابق.
3- أعيان الشيعة ج 1 ص 25.
4- ابن واضح،تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي،قم(1414 ه)ج 2 ص 178.

أمّا مكّة فقد ظلّت متأثرة بميولها المعادية لبني هاشم منذ العهد الجاهلي، و كانت الطائف على توافق مع مكّة في هذا التوجّه،و كانت بطون قريش في حالة تنافس دائمة مع بني هاشم و لم تكن تستسيغ أو تتحمل قيادة هاشمية،و لهذا وقفت قريش ضدّ الرسالة،و تضامنت معها الطائف و قد جاء اعتناقهم للإسلام في حقيقته استسلاما.

و منذ زمن الحجّاج الثقفي عبر التشيّع حدود العراق و الحجاز إلى سائر بقاع العالم الإسلامي،و بسبب سياسة الحجّاج الدموية أضطرت أعداد كبيرة من الشيعة لمغادرة العراق إلى مناطق أخرى خاصة الشرق الإسلامي و لم يكد القرن الأوّل للهجرة يمرّ حتى تبلور وجود شيعي واضح في إيران.

ثمّ بدأ النشاط الدعوي العبّاسي برفعه شعار:«الدعوة إلى الرضا من آل محمّد» من أجل كسب الأنصار و المؤيدين و تعبئة الرأي العام للثورة ضد النظام الأموي.

و لم يأت هذا الشعار عن فراغ لقد كان دعاة بني العبّاس على اطّلاع بحجم التأييد و الحبّ الذي يحظى به أهل البيت في إقليم خراسان حيث انطلقت الشرارة الأولى للثورة العبّاسية.

و في العصر العبّاسي كان الانتشار الشيعي واضحا جدا،و تمدّد الوجود الشيعي شرقا إلى ما بعد إيران في آسيا الوسطى،الهند و القفقاز و مناطق أخرى،و مع انهيار الدولة الأموية بدأ الوجود الشيعي يتجه غربا نحو أفريقيا في النصف الثاني من القرن الثاني فقد نهضت دولة الأدارسة في المغرب بالرغم من زيدية المذهب الا إنّ ذلك يعدّ جهدا شيعيا على كل حال.و كانت علاقاتهم ضعيفة مع العاصمة و مع المدينة المنوّرة بسبب وجود دولة الأغالبة التي أسست لمواجهة خطر الأدارسة و الحدّ من نفوذها و تمدّدها (1).

ص: 199


1- أمير علي،تاريخ العرب و الإسلام،انتشارات گنجينه ط الثالثة(1366 ه.ش)ص 241،245،و أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي قم(1416 ه)ص 408.

من هنا فقد شهد القرن الثاني الهجري تمدّد الشيعة شرقا و غربا و انتشر التشيّع في مناطق عديدة من العالم الإسلامي،فإضافة إلى إقليم خوزستان جنوب غرب إيران،منطقة الجبل(المناطق المتاخمة لسلسلة جبال زاگروس)و المناطق المركزية من إيران،فقد عبر التشيّع إلى آسيا الوسطى أفغانستان حاليا، آذربيجان،المغرب،الهند و الى طبرستان (1).

خلاصة الدرس الثامن عشر

إنّ المدينة المنوّرة هي مهد التشيّع و قد عاش الشيعة الأوائل في هذه المدينة، و في عهود الخلفاء الثلاثة الأول،هاجر الصحابة من الشيعة إلى مدن مناطق متفرقة و قد أثّر ذلك في انتقال التشيع إلى تلك المناطق.

و عند ما تصدّى الإمام عليّ عليه السّلام للخلافة و انتقل إلى العراق شهد مسار التشيّع قفزة كبيرة في العراق.

و في عهد الحجّاج عبر التشيّع حدود الحجاز العراق و الى مناطق عديدة،و مع بدء الحكم العباسي تمدّد التشيّع شرقا ليعبر إيران إلى آسيا الوسطى،و الهند و القفقاز كما اتجه غربا مع قيام دولة الأدارسة في المغرب.

كان الشيعة في القرن الأوّل الهجري يتمركزون في الحجاز و العراق،و كانت المدينة المنورة هي أوّل مدن الشيعة بسبب وجود الأئمة الأطهار و بني هاشم.

ص: 200


1- نجد بين أصحاب الأئمة الأطهار عليهم السّلام أشخاص من مدن عديدة من قبيل حلب،مصر،المدائن،قزوين، الري،كاشان،أرمينيا،ساباط،إصفهان،همدان،سمرقند،كابل،انظر رجال النجاشي،مكتب النشر الإسلامي جامعة المدرسين ص 8-367 و كذا ابن شهر آشوب معالم العلماء،منشورات المطبعة الحيدرية،النجف (1380 ه.ش)ص 31.

و تعد أرض اليمن ثاني مركز شيعي بعد المدينة المنوّرة إذ إنّ إسلام أهل هذه البلاد تمّ على يد الإمام عليّ عليه السّلام.

***

أسئلة الدرس الثامن عشر

1-في أي مكان نشأ التشيّع؟و على يد من انتشر التشيّع؟

2-ما هي مراكز الشيعة في القرن الأوّل الهجري؟

3-ما هو السبب في تشيّع أهل اليمن؟

ص: 201

ص: 202

الدرس التاسع عشر: مراكز التجمّع الشيعي

اشارة

كما أشرنا سابقا إلى أنّ الشيعة انتشروا في القرون الثلاثة الأولى و كان لهم حضور في مناطق عديدة من العالم الإسلامي،و لكن مراكز التجمع الشيعية كانت محدودة و لا تعدوا المدينة،اليمن،الكوفة،البصرة،المدائن و جبل عامل.

و في القرن الثاني تمدّد الوجود الشيعي إلى مناطق أبعد من قبيل:قم،خراسان، طبرستان،بغداد،منطقة الجبل و أفريقيا و فيما يلي شروحات لهذه المناطق:

أ-المناطق الشيعية في القرن الهجري الأوّل

اشارة

تحددت مناطق الشيعة في القرن الأوّل من الهجرة في الحجاز و العراق و اليمن،و سكان هذه المناطق من العرب و هم من المسلمين الأوائل،و تعود جذور التشيّع في الحجاز و اليمن إلى عهد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله،أمّا العراق فقد تمّ فتحه بعد رحيل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أصبح موطنا للقبائل اليمانية ثمّ مركزا لحكومة الإمام عليّ عليه السّلام و هذا ما أثّر في تنامي التشيّع (1).

المدينة المنوّرة

و كانت تعرف ب«يثرب»قبل هجرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و تسكنها قبيلتان تنحدران من اليمن هما:الأوس و الخزرج و قد عرفتا فيما بعد ب«الأنصار»و هناك ثلاث قبائل

ص: 203


1- انظر:الشهيدي الدكتور جعفر،التاريخ التحليلي للإسلام حتى نهاية الحكم الأموي،مركز النشر الجامعي، طهران(1363 ه.ش)ج 2 ص 137،138.

يهودية أخرى تسكن هذه المدينة هي بنو قينقاع،بنو النضير و بنو قريظة.

و بعد هجرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عرفت يثرب ب«مدينة النبي»ثمّ اشتهرت ب«المدينة» لغلبة التكرار و الاختصار.

ظلّت المدينة المنوّرة عاصمة للخلفاء الثلاثة الأوائل(أبو بكر،عمر و عثمان) و انتقل للسكن فيها القرشيون أعداء النبيّ و آله غير أن الأنصار و هم السكان الأصليين للمدينة ظلّوا يشكّلون الغالبية فيها و قد عرفوا بولائهم للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و آله الأطهار عليهم السّلام و كانوا يقفون إلى جانب أهل البيت في غمرة النزاعات و الصراعات السياسية التي انفجرت فيما بعد،و كان كبار الصحابة من الشيعة لا ينفكّون يصرّحون بالحقيقة و يعلنون الحق فهذا الصحابي الجليل جابر بن عبد اللّه الأنصاري يتوكأ على عصاه و يدور في أزقّة المدينة هاتفا (1):«عليّ خير البشر من أنكرها فقد كفر يا معشر الأنصار أدبوا أولادكم على حبّ عليّ ابن أبي طالب فمن أبى فانظروا في شأن أمّه».و قد روي أنه كان يسير في شوارع المدينة المنورة و هو معتصم بعمامة سوداء و كان ينادي:يا باقر العلم يا باقر العلم فكان أهل المدينة يقولون:جابر يهجر فكان يقول:لا و اللّه ما أهجر و لكني سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:«إنّك ستدرك رجلا من أهل بيتي اسمه اسمي و شمائله شمائلي يبقر العلم بقرا...» (2)

و كان أبو ذر الغفاري يقف في مسجد النبيّ و ينادي (3):«...أيّها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا أبوذر الغفاري أنا جندب بن جنادةه.

ص: 204


1- الشيخ الطوسي،اختيار معرفة الرجال(رجال الكشي)،تحقيق مهدي رجائي،مؤسسة آل البيت،قم(1404 ه)ج 1 ص 237.
2- المصدر السابق ص 218.
3- ابن واضح،تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي،قم(1414 ه)ج 2 ص 17-68،الأعلمي بيروت 1413 ه.

الربذيّ...و محمّد وارث علم آدم و ما فضّل به النبيّون و عليّ بن أبي طالب وصي محمّد و وارث علمه...».

و كان بنو هاشم الذين يقطنون المدينة يتمتعون باحترام الناس إضافة إلى وجود الأئمة الأطهار عليهم السّلام حيث الناس يستقون منهم العلم و المعرفة و يتزودون بإرشاداتهم و تعاليمهم،خاصّة في الفترة التي واكبت إمامة الإمامين الباقر و الصادق عليهما السّلام،حيث تشكّلت حلقات الدراسة الدينية.

يقول أبو حمزة الثمالي (1):«...كنت جالسا في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذ أقبل رجل فسلّم...فقال لي:أتعرف أبا جعفر محمّد بن عليّ عليه السّلام؟قلت:نعم فما حاجتك إليه؟قال:هيأت له أربعين مسألة أسأله عنها...فما انقطع كلامه حتى أقبل أبو جعفر عليه السّلام و حوله أهل خراسان و غيرهم يسألونه عن مناسك الحج فمضى حتى جلس مجلسه و جلس الرجل قريبا منه يسأله...».

و كان لبعض تلامذة الإمامين مثل أبان بن تغلب حلقته في مسجد النبي و كان عندما يدخل المسجد يجلس في المكان الذي كان يجلس فيه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيتحلّق حوله الناس و كان الإمام الصادق يقول له (2):«...جالس أهل المدينة فإنّي أحبّ أن يرى في شيعتنا مثلك...».

اليمن

قبل فتح العراق و تأسيس مدنية الكوفة كان الشيعة يعيشون في اليمن التي تعد ثاني مراكز الشيعة بعد المدينة المنوّرة ذلك أنّ أهلها أسلموا على يد الإمام

ص: 205


1- العلاّمة المجلسي محمّد باقر،بحار الأنوار ج 46 ص 357.
2- النجاشي،أحمد بن علي،فهرست أسماء مصنّفي الشيعة(رجال الشيعة)مكتب النشر الإسلامي،جامعة المدرسين،قم(1407 ه)ص 10.

عليّ عليه السّلام يقول ابن شهر آشوب (1):«و أجمع أهل السير أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بعث خالدا إلى اليمن يدعوهم إلى الإسلام فيهم البرّاء بن عازب فأقام ستة أشهر فلم يجبه أحد فساء ذلك على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أمره ان يعزل خالدا،فلمّا بلغ أمير المؤمنين عليه السّلام القوم صلّى بهم الفجر ثمّ قرأ على القوم كتاب رسول اللّه،فأسلمت همدان كلّها في يوم واحد و تبايع أهل اليمن على الإسلام،فلما بلغ ذلك رسول اللّه خرّ للّه ساجدا و قال:«السّلام على همدان».

و كان أول بيت سكن فيه الإمام عليّ عليه السّلام في اليمن هو بيت امرأة من أهل اليمن و كان يعلّم الناس القرآن ثمّ أصبح البيت مسجدا عرف ب«مسجد عليّ».

و في أواخر حياة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كانت الوفود من اليمن تترى على المدينة المنوّرة للقاء النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الذي ما انفكّ يشير إلى وصيّه و خليفته من بعده و هو الإمام عليّ عليه السّلام (2)و لهذا فقد استقرت هذه المسألة في أذهانهم و ضمائرهم (3).

و من هنا فقد رفض هؤلاء الاعتراف بحكومة أبي بكر بعد وفاةتم

ص: 206


1- مناقب آل أبي طالب،مؤسسة انتشارات علاّمة،قم،ج 2 ص 129.
2- المظفر،محمّد حسين،تاريخ الشيعة،منشورات مكتبة بصيرتي،قم(بدون تاريخ)ص 124.
3- تاريخ الشيعة:عن جابر الأنصاري قال:وفد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أهل اليمن(جماعة)فلمّا دخلوا عليه قال صلّى اللّه عليه و آله:قوم رقيقة قلوبهم راسخ إيمانهم،منهم المنصور يخرج في سبعين ألف ينصر خلفي و خلف وصيّي، حمائل سيوفهم المسد فقالوا:يا رسول اللّه و من وصيّك فقال صلّى اللّه عليه و آله:هو الذي أمركم اللّه بالاعتصام به فقال عزّ و جل: (وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا) (آل عمران:103)فقالوا:يا رسول اللّه بيّن لنا ما هذا الحبل، فقال صلّى اللّه عليه و آله:هو قول اللّه تعالى (إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النّاسِ) (آل عمران:112)فالحبل من اللّه كتابه و الحبل من الناس وصيّي،فقالوا:يا رسول اللّه و من وصيّك؟فقال صلّى اللّه عليه و آله:هو الذي قال اللّه فيه: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ) (الزمر:56)فقالوا:يا رسول اللّه:و ما جنب اللّه هذا،قال فقال صلّى اللّه عليه و آله:هو الذي يقول اللّه فيه: (وَ يَوْمَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً) (الفرقان:27)و هو وصيّي و السبيل إليّ من بعدي،فقالوا:يا رسول اللّه بالذي بعثك بالحق أرناه فقد اشتقنا إليه.فقال صلّى اللّه عليه و آله:هو الذي جعله اللّه آية للمؤمنين المتوسمين،فان نظرتم إليه نظر من كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد عرفتم أنه وصيّي كما عرفتم أني نبيّكم فتخللوا الصفوف و تصفحوا الوجوه فمن أهوت إليه قلوبكم فانّه هو،لأنّ اللّه عزّ جل يقول في كتابه: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) (إبراهيم:37)إليه و الى ذريّته عليهم السّلام،قال:فقام أبو عامر الأشعري في الأشعريين،و أبو غرة الخولاني في الخولانيين.و طسان و عثمان في بني قيس في قى.و غرية الدوسي في الدوسيين.و لا حق ابن علافة«علاقة»فتخلّلوا الصفوف و تصفّحوا الوجوه و أخذوا بيد الأنزع البطين و قالوا:إلى هذا أهوت أفئدتنا يا رسول اللّه.فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:أنتم بحمد اللّه عرفتم وصيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبل ان تعرفوه،فيم عرفتم أنه هو،فرفعوا أصواتهم يبكون و يقولون:يا رسول اللّه نظرنا إلى القوم فلم تحن لهم قلوبنا،و لمّا رأيناه ثمّ اطمأنت نفوسنا و انجاشت أكبادنا،و هملت أعيننا،و انثلجت صدورنا حتى كأنه لنا أب و نحن له بنون.

النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و امتنعوا عن دفع الزكاة لأبي بكر (1).و هذا ما تشير إليه بعض الأشعار كقول أحدهم:

أطعنا رسول اللّه مادام وسطنا فيا قوم ما شأني و شأن أبي بكر

أيورثها بكرا إذا كان بعده فتلك لعمر اللّه قاصمة الظهر (2)

و في عهد الإمام عليّ عليه السّلام و خلافته كانت شيعة اليمن تشكّل مجاميع سكانية كبيرة فإضافة إلى مئات الألوف من اليمنيين القاطنين في العراق (3)و كذا الألوف منهم في قواته العسكرية إضافة إلى ذلك فإنّ الشيعة يمثلون الأكثرية في اليمن و لا نجد للاتجاه العثماني أو المؤيدين لبني أميّة نسبة يعتدّ بها و ما يشير إلى هذه الحقيقة التعليمات التي أصدرها معاوية لبسر بن أرطأة في طريقة التعامل معهم (4)ذلك أنّ الغارات العسكرية التي نفّذها بسر بن ارطأة اتسمت بالوحشية في مناطق محددة بعينها بينما نراها تمر مرورا هادئا بمكّة و الطائف بسبب ولاء هاتين7.

ص: 207


1- ابن واضح،تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي،قم(1414 ه)(بدون تاريخ)ص 124-125.
2- ياقوت الحموي،شهاب الدين أبو عبد اللّه،معجم البلدان،دار إحياء التراث العربي.
3- المصدر السابق ج 7 ص 161.
4- ابن واضح،تاريخ اليعقوبي ص 197.

المنطقتين و توجهات غالبية السكان فيهما (1).و لكن غارات معاوية التي تستهدف مناطق بعينها في اليمن على سبيل المثال-من قبيل أرحب،صنعاء و حضر موت فإن بسر بن أرطأة هذا يرتكب مذابح مروّعة ففي صنعاء أمر القائد الأموي بقتل أعضاء وفد يتألف من مائة شخصية رفيعة جاءت لاستحصال أمان لأهل مدينة مأرب و عند ما وصل حضر موت صرّح بكل قسوة أنّه يريد قتل 25%من سكّانها (2).

و في«جيشان»التي يؤكد اليعقوبي على أنّ أهلها من الشيعة فقد نفّذ فيها عمل وحشي و مجزرة كبرى (3).و قد أحصى ابن أبي الحديد عدد ضحايا المذابح التي ارتكبها بسر بن أرطأة وحده فكانت أكثر من ثلاثين ألف إنسان أكثرهم من سكان اليمن (4).

هذه الحوادث تؤكد بما لا يقبل الشك أنّ نسبة الشيعة كانت تشكّل رقما كبيرا.

و إثر تلك الغارات الوحشية و جرائم القتل الجماعي جرّد الإمام عليّ عليه السّلام حملة عسكرية بقيادة جارية بن قدّامة لمطاردة المغيرين و تحرير الأراضي المحتلّة و كردّ فعل قام شيعة اليمن بتصفية العديد من المتّهمين بالتواطىء مع المغيرين و المؤيدين لنبي أميّة (5).

و بعد استشهاد الإمام عليّ عليه السّلام و وصول معاوية إلى الخلافة بقوّة الحديد و النار فقد استمرت اليمن باعتبارها مركزا شيعيا هاما و سنرى ابن عبّاس في سنة3.

ص: 208


1- المصدر السابق.
2- الثقفي الكوفي،إبراهيم بن محمّد،الغارات،ترجمة محمّد باقر كمرئي،فرهنگ اسلام ص 325-331.
3- ابن واضح،تاريخ اليعقوبي ص 199.
4- شرح نهج البلاغة،دار الكتب العربية،القاهرة ج ص 17.
5- الثقفي،إبراهيم بن محمّد،الغارات ص 333.

(60 ه)يقترح على الإمام الحسين عليه السّلام بالتوجه إلى اليمن بعد أن رفض الإمام بيعة يزيد بن معاوية و كان ابن عباس يخشى على الإمام الحسين من التوجه إلى العراق و فضّل له الذهاب إلى اليمن مبررا ذلك بوجود شيعة لوالده عليه السّلام يدافعون عنه و يحمونه من انتقام النظام الأموي.

جدير ذكره أنّه مع بدء الفتوحات الكبرى و اتساع حدود الدولة أصبحت اليمن بل و شبه الجزيرة العربية في طريق مسدود و تراجع دورها في القضايا السياسية و العسكرية باستثناء مكّة و المدينة اللتان ظلّتا تحتفظان بدور اجتماعي بسبب موقعهما الديني.

في حين كان لليمن موقعا هاما في حياة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و كانت تعدّ في طليعة الأقاليم الإسلاميّة غير أنّ الفتوحات الكبرى و الانتصارات العسكرية الباهرة على دول الجوار تراجعت اليمن و انحسر دورها و أصبحت مجرّد إقليم يقع في أقصى الجنوب من حدود الدولة الإسلاميّة الكبرى،و مع أنّ تبدّل الظروف لم يؤثر على شعبية اليمن و ولاءها لأهل البيت بحيث نرى أبا السرايا إبراهيم بن موسى يدخل اليمن دون مقاومة تذكر (1)و ذلك في نهاية القرن الثاني للهجرة.و بالتالي بقاء المذهب الزيدي و استمراره حتى الآن حيث غالبية السكان اليوم زيدية المذهب (2).

الكوفة

مدينة تأسست بعد الفتح الإسلامي للعراق و قد أسسها المسلمون بالقرب من مدينة الحيرة التاريخية التي كانت عاصمة اللخميين (3).

ص: 209


1- أبو الفرج الإصفهاني،عليّ بن الحسين،مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي،قم(1416 ه)ص 435.
2- المظفر،محمّد حسين،تاريخ الشيعة ص 132.
3- ياقوت الحموي،شهاب الدين أبو عبد اللّه،معجم البلدان،دار إحياء التراث العربي،بيروت،ط الأولى [1417 ه]ص 162.

في السنة السابعة عشرة من الهجرة أسس سعد بن أبي وقاص قائد الجيوش الإسلاميّة في إيران هذه المدينة بأوامر من الخليفة الثاني،و قد اختارها ثمانون من صحابة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله للسكن (1).

كانت الكوفة أشبه ما تكون بثكنة عسكرية في بدء تأسيسها،فهي معسكر كبير لاستقرار قوات الجبهة الشرقية،و يشكّل المجاهدون المسلمون من القبائل القحطانية و اليمانية غالبية سكانها و من هنا فقد اكتسبت الكوفة الطابع القحطاني و اليمني (2).

و يشكّل الأنصار غالبية الصحابة الذين فضّلوا السكنى في الكوفة و هم ينحدرون من أصول يمانية.

و اختارت قبيلة الخزرج محلّة خاصة بها يقول ياقوت الحموي (3):

«...فلمّا كان في أيّام إمارة زياد بنوا أبواب الآجر فلم يكن في الكوفة أبواب الآجر من مراد و الخزرج...».

و من الطبيعي أنّ المدينة الحديثة التأسيس كانت بحاجة ماسّة للحرفيين و لذا فقد فتحت أبوابها للموالي و الإيرانيين الذين سيشكّلون نسبة سكانية كبيرة و سنرى لهم حضورا ملحوظا في سوقها في عهد الإمام عليّ عليه السّلام (4).كما سنرى أنّ معظم قوات المختار في ثورته ستكون من الموالي (5).

ص: 210


1- المصدر السابق.
2- ابن واضح،تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي،قم(1414 ه)ج 2 ص 150.
3- ياقوت الحموي،شهاب الدين أبو عبد اللّه،معجم البلدان ص 161.
4- البلاذري،أنساب الأشراف،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت(1394 ه)ج 2 ص 126.
5- جعفريان،رسول،تاريخ التشيّع في إيران حتى نهاية القرن السابع الهجري،شركة الطبع و النشر في منظمة الإعلام الإسلامي(1377 ه.ش)ص 71.

و قد ورد في فضل الكوفة مجموعة أحاديث عن أهل البيت عليهم السّلام منها حديث للإمام علي عليه السّلام جاء فيه (1):«نعمت المدرة،تربة تحبّنا و نحبّها إنّه يحشر من ظهرها يوم القيامة سبعون ألفا وجوههم على صورة القمر،هذه مدينتنا و محلّتنا و مقرّ شيعتنا...»

و كذا قول الإمام الصادق عليه السّلام (2):

«اللهمّ ارم من رماها و عاد من عاداها».

و تعود جذور التشيّع في مدينة الكوفة إلى ما قبل انتقال الإمام عليّ عليه السّلام إليها و اتخاذها عاصمة للدولة،أمّا ما هي جذور التشيّع في الكوفة؟و كيف نشأ؟فيعود الأمر إلى عاملين:

الأوّل:وجود القبائل اليمانية و هي في الغالب ذات ميول شيعية منذ عهد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كما أنّ الصحابي الشهيد عمّار بن ياسر كان قد عيّن حاكما فيها في عهد الخليفة الثاني،الذي طلب أيضا من الصحابي الجليل عبد اللّه بن مسعود أن يعلّم الناس القرآن في هذه المدينة.

و قد مكث عبد اللّه بن مسعود في الكوفة سنين طويلة قضاها معلّما للقرآن (3).

و لا شك في أنّ لهذه الإرشادات أثر واضح في ترسيخ جذور التشيّع و سنرى مالك الأشتر يلقي خطابا لتعبئة الناس من أجل البيعة للإمام علي عليه السّلام جاء فيه (4):9.

ص: 211


1- ابن أبي الحديد،شرح نهج البلاغة،دار إحياء التراث العربي،القاهرة،ج 3 ص 198.
2- المصدر السابق.
3- ابن الأثير،أبو الحسن عليّ بن أبي الكرم،أسد الغابة في معرفة الصحابة،دار إحياء التراث العربي،بيروت (بدون تاريخ)ج 3 ص 258.
4- ابن واضح،تاريخ اليعقوبي ص 179.

«أيّها الناس هذا وصيّي الأوصياء و وارث علم الأنبياء العظيم البلاء الحسن الغنّاء الذي شهد له كتاب اللّه بالإيمان و رسوله بجنّة الرضوان من كملت فيه الفضائل و لم يشك في سابقته و علمه و فضله الأواخر و لا الأوائل...».

و عند ما أرسل الإمام علي عليه السّلام نجله الحسن السبط و عمّار بن ياسر إلى الكوفة لتعبئة الرأي العام من أجل حرب الناكثين و ما قام به أبو موسى الأشعري من دور معاكس في تثبيط عزائم الناس نرى مبادرة أكثر من تسعة آلاف للالتحاق بجيش الإمام علي عليه السّلام الذي عسكر في ذي قار.

و مع انتقال الإمام علي عليه السّلام إلى الكوفة و في نهاية القرن الثالث الهجري أصبحت الكوفة في طليعة المدن و المراكز الشيعية،يقول الدكتور سيد حسين الجعفري:«منذ أن انتقل الإمام علي عليه السّلام إلى الكوفة سنة 36 ه و حتى قبل ذلك كانت هذه المدينة مركزا للنهضات و موضعا للآمال و مركزا لنشاط الشيعة و قد كان للكوفة الدور الأكبر في صنع تاريخ التشيّع،فالجيش الذي عبّأه الإمام لحرب صفين كان من الكوفة،و قبل ذلك حرب الجمل أيضا،و هكذا توالت الحوادث بعد تنازل الإمام الحسن عليه السّلام و مقتل حجر بن عديّ و استشهاد الحسن عليه السّلام و أصحابه و ثورة التوّابين و قيام المختار...لقد كانت الكوفة مركزا للآمال و التطلّعات و حتى الخيانة و الهزيمة التي لحقت بالثورات كانت من رجال هذه المدينة كانوا يعادون آل البيت و يرفضون تسنّمهم للخلافة» (1).

و بالرغم من أنّ الإمام الحسين عليه السّلام قتل على أيدي أهل الكوفة (2)فأنّه يتوجب3.

ص: 212


1- الجعفري،الدكتور سيد حسين،التشيّع في مسير التاريخ،ترجمة الدكتور محمّد تقي آيت اللهي،مكتب النشر الإسلامي،ط التاسعة(1378 ه.ش)ص 125.
2- المسعودي،عليّ بن الحسين،مروج الذهب،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت(1411 ه) ح 3 ص 73.

ملاحظة الظروف في تلك الفترة و في طليعتها إقدام عبيد اللّه بن زياد على زجّ كبّار الزعامات الشيعية في السجن (1).

و قد أدّى مصرع مسلم بن عقيل و هانىء بن عروة و استشهادهما إلى بقاء الشيعة دون قيادة في مواجهة طاغية جبّار مثل عبيد اللّه بن زياد،و كانت تلك الفترة العصيبة من أشد الفترات قسوة على الشيعة إذ صعق الرعب مراكز التفكير لديهم و كانوا غارقين في حيرة شديدة غير أنّ استشهاد الإمام الحسين على ذلك النحو المأساوي هزّهم هزا عنيفا و أعاد إليهم الوعي،فاندلعت ثورتان في غضون أشهر و سنوات عدّة.

و هكذا اشتهرت الكوفة بولائها و حبّها لأهل البيت و عدائها الشديد للأمويين و من أجل اكتساب ثقة السكان في الكوفة عمد مصعب بن الزبير إلى اظهار حبّه لأهل البيت عليهم السّلام و من هنا جاءت خطوته في الزواج من ابنة الإمام الحسين عليه السّلام (2).

و مع انطواء القرن الأوّل للهجرة و ظهور مراكز جديدة للتشيّع الا إنّ مدينة الكوفة ظلّت في طليعة المدن الشيعية،و هذا ما أشار إليه محمّد بن علي بن عبد اللّه بن عباس الزعيم العباسي و قائد الثورة العبّاسية في مطلع القرن الثاني للهجرة في معرض حديثه عن الجغرافيا السياسية للعالم الإسلامي آنذاك:«أما الكوفة و نواحيها فهم شيعة عليّ بن أبي طالب» (3).

و قد اندلعت في القرن الثاني و الثالث سلسلة من الثورات في مدينة الكوفة قادها علويون.كما أنّ الكوفة اكتسبت أهمية من الناحية السياسية في العصرا:

ص: 213


1- المظفر،محمّد حسين،تاريخ الشيعة،منشورات مكتبة بصيرتي(بدون تاريخ)ص 67.
2- ابن قتيبة،أبو محمّد عبد اللّه بن مسلم،المعارف،منشورات الشريف الرضي،قم ط الأولى(1415 ه)ص 214.
3- يروي الفخري في الآداب السلطانية ط مصر،ص 104:أنّ محمّدا بن عليّ أبلغ دعاة بني العبّاس قائلا:

العبّاسي لقربها من عاصمة الخلافة و ظلّت مركزا سياسيا ناشطا للعلويين و سنرى أنّ أعنف ثورة وقعت فيها (1)في النصف الثاني في القرن الثاني للهجرة و هي ثورة ابن طباطبا التي قادها عسكريا القائد الموهوب أبو السرايا و لهذا فقد كان النظام الأموي يخضع الكوفة إلى مراقبة دقيقة و شديدة و كان يعيّن لحكمها و إدارتها شخصيات دموية غاية في القسوة من قبيل عبد اللّه بن زياد و الحجاج بن يوسف يمتازون بميول معادية للعلويين،و عند ما نرى حاكما مثل عبد اللّه القسري يبدي تساهلا نسبيا إزاء الشيعة فأنّه ينحّى عن الحكم فورا ثمّ ينتهي به الأمر إلى الاعتقال و السجن (2).

و إضافة إلى الجانب السياسي الذي جعل الكوفة بهذه الأهمية فقد كان للجانب العلمي أيضا دوره في اكتساب الكوفة أهميتها كمدينة شيعية حيث ثقافة التشيّع هي السائدة،و يشكّل الكوفيون القسم الأكبر من تلامذة الأئمة الأطهار عليهم السّلام كما أنّ الأسر الشيعية الكبرى كانت تقطن مدينة الكوفة،و برز فيهم شخصيات علمية قدمت خدمات كبرى في مسار التشيّع،فأسرة آل أعين على سبيل المثال قدمت أكثر من خمسين محدّثا كبيرا منذ عهد السجاد إلى الغيبة الصغرى.من قبيل زرارة بن أعين،حمران بن أعين،بكير بن أعين،حمزة بن حمران،محمّد بن حمران و عبيد بن زرارة،و هذا الأخير أوفدته الكوفة إلى المدينة إثر وفاة الإمام الصادق عليه السّلام للتحقيق في خليفة و وصي الإمام الراحل و التعرف على الحقيقة (3).

و كذ آل أبي شعبة و هم من الأسر المعروفة في الأوساط الشيعية في الكوفة،و قد2.

ص: 214


1- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين،منشورات الرضي،قم(1416 ه)ص 424-431.
2- البلاذري،أحمد بن يحيى،أنساب الأشراف،دار التعارف للمطبوعات،بيروت(1397 ه)ج 3،ص 233.
3- الزراري،أبو غالب،رسالة في آل أعين،مطبعة رباني،إصفهان ص 8-12.

روى أبو شعبة الحديث عن الإمامين الحسن و الحسين و قد وثّقهم النجاشي جميعا (1).

و كذا آل نهيك و هي أسرة شيعية كبيرة أيضا و إليها ينتمي عبد اللّه بن محمّد و عبد الرحمن السمري (2).

و في مساجد الكوفة و بخاصة المسجد الجامع كانت أحاديث أهل البيت تدرّس يقول الحسن بن الوشاء و هو من أصحاب الإمام الرضا عليه السّلام (3):

«أدركت في هذا المسجد-يعني الكوفة-تسعمائة شيخ كلّ يقول:حدّثني جعفر بن محمّد».

البصرة

و تزامن مع بناء مدينة الكوفة في وسط العراق بناء مدينة البصرة في الجنوب التي أسست في سنة(17 ه) (4).بالرغم من الدعم و الإسناد الذي قدمته البصرة لعائشة و طلحة و الزبير و ما أسفرت عنه حادثة الجمل قد صعّد من التوجه العثماني في المدينة الا إنّ هناك تيارا شيعيا قويا في المدينة،و قد اشتبك الشيعة مع قوات الناكثين الذين دخلوا البصرة و سقطت أعداد كثيرة منهم شهداء و كما روى الشيخ المفيد أنّ ما يقارب من الخمسمائة من عبد القيس استشهدوا و كلّهم شيعة للإمام عليه السّلام (5).

ص: 215


1- النجاشي،أبو العباس أحمد بن عليّ،فهرست أسماء مصنّفي الشيعة،مكتب النشر الإسلامي،جامعة المدرسين،قم(1407 ه)ص 230.
2- المصدر السابق ص 232.
3- المصدر نفسه ص 39،40.
4- ياقوت الحموي،شهاب الدين أبو عبد اللّه،معجم البلدان،دار إحياء التراث العربي،بيروت ط الأولى (1417 ه)ج 2 ص 340.
5- الشيخ المفيد،الجمل،مكتب الإعلام الإسلامي،مركز النشر،قم(1416 ه)ص 279.

و قد سجّل البلاذري أنّ ثلاثة آلاف من شيعة ربيعة التحقوا بالإمام في ذي قار (1).

و بالرغم من أنّ حرب الجمل أفرزت في البصرة أوضاعا جديدة الا إنّ الشيعة كان لهم حضور سكاني ملحوظ و من هنا عند ما أرسل معاوية ابن الحضرمي إلى البصرة لإثارة الفتنة فإنّنا نراه يحذّر ابن الحضرمي من قبائل ربيعة و أوصاه بتحريض العثمانيين و السيطرة على المدينة غير أنّ الإمام عليّ عليه السّلام أرسل تعزيزات عسكرية سريعة و تم احباط المؤامرة (2)،و في مراسلات الإمام الحسين عليه السّلام مع شخصيات بارزة في البصرة نجد استجابة بعضها و في طليعتهم يزيد بن مسعود النهشلي الذي لبّى دعوة الإمام و جمع قبائل بني تميم،بني سعد، و بني حنظلة لنصرة الإمام الحسين،ثمّ بعث رسالة جوابية إلى الإمام يطلعه فيها على استعداد القبائل المذكورة و فيما كانت الاستعدادات تجري على قدم و ساق للالتحاق بالإمام إذ بالأبناء تدهمهم بواقعة كربلاء و استشهاد الإمام السبط (3).

و في ثورة التوّابين أيضا إذ نقل المسعودي إنّ مجاميع من شيعة البصرة و شيعة المدائن تحركت للالتحاق بقوات التوّابين و عند ما وصلوا كانت المعركة قد انتهت (4).

و خلال الحقبة الأموية ابتليت البصرة بحكام دمويين من قبيل زياد و عبيد اللّه بن زياد و سمرة بن جندب و كان زياد قد عيّن لحكم البصرة سنة(45 ه)و ألقى9.

ص: 216


1- أنساب الأشراف،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت(1394 ه)ج 2 ص 237.
2- الثقفي الكوفي،إبراهيم بن محمّد،الغارات،ترجمة محمّد باقر كمرئي،فرهنگ إسلام ص 166.
3- الأمين،السيد محسن،أعيان الشيعة،دار التعارف للمطبوعات،بيروت(بدون تاريخ)ج 1 ص 590.
4- المسعودي،عليّ بن الحسين،مروج الذهب،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت(1411 ه) ج 3 ص 109.

خطبته المعروفة ب«البتراء»التي ملأها بالوعيد و التهديد و تصفية المعارضين بكل قسوة و هو ينظر إلى الحاضرين و يرى رؤوسا قد اينعت و حان قطافها!» (1).

ثمّ أضيفت إلى سلطانه الكوفة فكان يمكث في البصرة ستة أشهر و في الكوفة ستة أشهر و خلال غيابه عن البصرة كان سمرة بن جندب ينوبه في حكم المدينة و كان سمرة سفّاكا للدماء و قد قتل في غياب زياد ثمانية آلاف إنسان (2).

و بمرور الزمن كان الوجود الشيعي ينمو و يقوى بحيث نجد أنّ ثاني ثورة تندلع في مطلع العصر العباسي ستكون في البصرة عند ما أعلن إبراهيم أخو محمّد النفس الزكية ثورته (3).

المدائن

على خلاف الكوفة و البصرة كانت المدائن مدينة قائمة قبل الإسلام حيث فتحها سعد بن أبي وقاص سنة(17 ه)في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، و يعود تأسيس و بناء المدينة إلى أنوشيروان على ما جاء في بعض المدوّنات التاريخية و اسمها الفارسي تيسفون و تعد عاصمة الفرس الساسانيين،و فيها طاق كسرى المشهور،و بسبب وجود الأحياء السبعة حيث كل حي يعادل مدينة قائمة بذاتها فقد أطلق عليها العرب اسم«المدائن»و مع ظهور و تأسيس المدن الجديدة من قبيل البصرة و الكوفة،واسط،بغداد و سامراء كانت المدائن تحث الخطى نحو الخراب (4).

ص: 217


1- شهيدي،الدكتور،جعفر،التاريخ التحليلي للإسلام حتى نهاية الحكم الأموي ص 156.
2- الطبري،محمّد بن جرير،تاريخ الأمم و الملوك،دار القاموس الحديث،بيروت ج 6 ص 132.
3- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي،قم(1416 ه)ص 292.
4- ياقوت الحموي،شهاب الدين أبو عبد اللّه،معجم البلدان،دار إحياء التراث العربي،بيروت ط الأولى [1417 ه]ج 7 ص 221-222،و المسعودي،على بن الحسين،مروج الذهب منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت(1411 ه)ج 1 ص 267.

و تعدّ المدائن أحدى مناطق الشيعة في القرون الثلاثة الأولى من الهجرة و يعود ذلك إلى أنّ الذين حكموا هذه المدينة كانوا من الصحابة الشيعة من قبيل سلمان الفارسي و حذيفة بن اليمان و كان تعرّف أهلها على الإسلام قد جاء عن طريق الصحابة من الشيعة.

و قد ورد ذكر لشيعة المدائن في ثورة التوّابين يقول المسعودي (1):

«فاستشهد سليمان بن صرد الخزاعي...فأخذ الراية المسيب بن نجبة الفزاري بعده فقاتل حتى قتل...و أخذ راية التوّابين عبد اللّه بن سعد بن نفيل و أتاهم إخوانهم يحثّون السير خلفهم من أهل البصرة و أهل المدائن في نحو من خمسمائة فارس عليهم المثنى بن مخرمة و سعد بن حذيفة...فقال ذاك لو جاؤوا و نحن أحياء...».

و قد غلب التشيّع على المدائن فيما بعد،يقول الحموي (2):«...و الغالب على أهلها التشيّع على مذهب الإماميّة...».

جبل عامل

كان جبل عامل من مراكز الشيعة في القرن الأول الهجري،و تجمع المصادر التاريخية على أنّ جذور التشيّع في هذه المنطقة تعود إلى وجود أبي ذر فيها، و كان عثمان قد قام بإبعاد الصحابي الجليل أبي ذر إلى هذه المنطقة تفاديا لمعارضته في المدينة،يقول السيد محسن الأمين:«و كان الشيعة يزيدون

ص: 218


1- المسعودي،عليّ بن الحسين،المصدر السابق ج 3 ص 109.
2- ياقوت الحموي،شهاب الدين أبو عبد اللّه،المصدر السابق ص 222.

و يكثرون بالتدريج في صدر الإسلام حتى بلغوا ألفا أو أكثر،و لمّا نفي أبوذر إلى الشام تشيّع منها جماعة كثيرة و يقال إنّ تشيّع أهل جبل عامل من ذلك الوقت و إنّه لمّا أخرجه معاوية إلى القرى وقع في جبال بني عاملة فتشيّعوا» (1).

خلاصة الدرس التاسع عشر

يعود تاريخ التشيّع في مدينة الكوفة إلى ما قبل انتقال الإمام عليّ إليها و اتخاذها عاصمة للدولة الإسلامية،ذلك أنّ القبائل اليمانية التي استوطنت الكوفة بعد تأسيسها كانت شيعية الاتجاه،كما أنّ بعض كبار الصحابة من الشيعة كانوا سكنوا فيها.

مع قدوم الإمام عليّ عليه السّلام إلى الكوفة و حتى نهاية القرن الثالث الهجري ظلّت الكوفة في طليعة المدن و المراكز الشيعية،و من هنا فقد أصبحت الكوفة في القرنين الثاني و الثالث منطلقا للعديد من الثورات التي قادها العلويون في تلك الفترة و ظلّت الثقافة الشيعية هي السائدة خلال تلك الحقبة من الزمن.

و في البصرة و مع وجود التيار العثماني القوي و سيادته فقد كان للشيعة حضور ملحوظ في هذه المدينة و قد كان لهم دور في مواجهة قوى الناكثين التي سيطرت على زمام الأمور قبل اندلاع حرب الجمل و كانت قبائل ربيعة التي سكنت البصرة من الشيعة و مع مرور الزمن بدأ الطابع الشيعي يشتد في هذه المدينة.

أمّا المدائن فإنّ نشأة التشيع فيها يعود إلى زمن مبكر أيضا بسبب تولّي بعض الصحابة من الشيعة ادارتها من قبيل:سلمان الفارسي و حذيفة بن اليمان و كانت

ص: 219


1- انظر:أعيان الشيعة،دار التعارف للمطبوعات،بيروت(بدون تاريخ)ج 1 ص 25،تاريخ الشيعة،منشورات مكتبة بصيرتي(بدون تاريخ)ص 149،خطط الشام،مكتبة النوري،دمشق ط الرابعة عشر ج 6 ص 246

تعد ضمن مدن الشيعة و مراكزهم.

***

أسئلة الدرس التاسع عشر

1-كيف أصبحت الكوفة مدينة شيعية؟

2-هل كان للشيعة حضور في مدينة البصرة؟تحدّث عن ذلك بإيجاز

3-ما هي الأسباب الكامنة وراء نشأة التشيّع في المدائن؟

4-تحدّث عن تاريخ التشيّع في جبل عامل.

ص: 220

الدرس العشرون

ب-المراكز الشيعية في القرن الثاني من الهجرة

اشارة

مع بدء القرن الثاني للهجرة عبر التشيّع حدود الجزيرة العربية و العراق و راح ينتشر في بقاع أخرى من العالم الإسلامي،مرافقا هجرة العلويين و الشيعة إلى تلك الأصقاع،و منذ عهد الحجّاج بن يوسف الثقفي بدأ الشيعة بالهجرة إلى مختلف المناطق،و في القرن الثاني للهجرة بدأ نشاط دعوي مرافقا سلسلة من الثورات العلوية و هذا ما أثر بشكل واضح على معدل تنامي التشيّع.

بعد استشهاد زيد بن عليّ بن الحسين و إخفاق ثورته في الكوفة هاجر ابنه يحيى إلى خراسان مع مجموعة من أنصاره (1)و بعده ثار عبد اللّه بن معاوية-من أحفاد جعفر الطيّار-و تمكّن من بسط نفوذه في مناطق عديدة من قبيل:همدان، قم،الري،قومس،إصفهان و فارس فقد كان يعيش في مدينة إصفهان يقول أبو الفرج (2):«و قصدته بنو هاشم جميعا منهم السّفاح و المنصور...فمن أراد عملا قلّده و من أراد صلة وصله...فلم يزل مقيما في هذه النواحي التي غلب عليها حتى ولي مروان الحمار...و ظهور أبي مسلم...».

و لم تتوقف الثورات العلوية مع سقوط الحكم الأموي و قيام الحكم العبّاسي و كان لهذه الثورات المستمرة الأثر الكبير في انتشار و هجرة العلويين في مختلف المناطق،فقد أعقب ثورة محمّد النفس الزكية في زمن المنصور و إخفاقها،انتشار لأحفاد الإمام الحسن السبط في بقاع عديدة من العالم الإسلامي،يقول

ص: 221


1- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي،قم(1416 ه)ص 146.
2- المصدر السابق ص 157.

المسعودي (1):«و قد كان تفرّق إخوة محمّد«ذو النفس الزكية»و ولده في البلدان يدعون إلى إمامته فكان فيمن توجّه ابنه عليّ بن محمّد إلى مصر فقتل بها و سار ابنه عبد اللّه إلى خراسان،فهرب لما طلب إلى السند فقتل هناك و سار ابنه الحسن إلى اليمن فحبس فمات في الحبس،و سار أخوه موسى إلى الجزيرة و مضى أخوه يحيى إلى الريّ ثمّ إلى طبرستان فكان من خبره ما كان أيّام الرشيد،و مضى أخوه إدريس إلى المغرب فأجابه خلق من الناس و مضى أخوه إبراهيم إلى البصرة و ظهر بها فأجابه أهل فارس و الأهواز و غيرها من الأمصار فحارب حتى قتل...».

و بالرغم من أنّ العبّاسيين كانوا حذرين جدا و كانوا يلاحقون هذه النشاطات بشكل مستمر ممّا أدى إلى فشل و اخفاق أغلب تلك الثورات الا إنّها كانت تترك آثارها الواضحة في مسار التشيّع و انتشاره.

و عادة ما يكون لقادة الثورات أولاد يرثون نهج آباءهم و ينقلون أفكار الثورة إلى المناطق التي يهاجرون إليها فقد هاجر عبد اللّه بن محمّد النفس الزكية على سبيل المثال إلى السند بعد أن تعذّر عليه البقاء في خراسان (2)و هذا ما أكدّه المسعودي،بينما يشير صاحب كتاب«منتقلة الطالبين»إلى بقاء ابن عبد اللّه و يدعى إبراهيم في خراسان و له أولاد منهم القاسم و محمّد (3).

و في ماوراء النهر مجموعة تنسب نفسها إلى إبراهيم بن محمّد النفس الزكية (4).3.

ص: 222


1- المسعودي،عليّ بن الحسين،مروج الذهب،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت(1411 ه)ج 3 ص 326.
2- المصدر السابق.
3- ابن طباطبا،أبو إسماعيل بن ناصر،منتقلة الطالبين،ترجمة محمّد رضا عطائي،انتشارات آستان مقدس رضوي ط الأولى(1372 ه ش)ص 207.
4- المصدر السابق ص 403.

و فيما يلي استعراض لأوضاع المدن و المناطق التي بدأ الشيعة بالظهور فيها خلال القرن الثاني.

خراسان

مع مطلع القرن الثاني للهجرة بدأ النشاط الدعوي لبني هاشم (1)فى خراسان كان لهذا النشاط آثاره في انتشار التشيّع يقول اليعقوبي (2):«و لمّا قتل زيد و كان أمره ما كان تحرّكت الشيعة بخراسان و ظهر أمرهم و كثر من يأتيهم و يميل معهم و جعلوا يذكرون للناس أفعال بني أميّة و ما نالوا من آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتى لم يبق بلد إلاّ فشا فيه هذا الخبر...».

حتى إذا هاجر يحيى بن زيد إلى خراسان و اختفى مدّة هناك ثمّ أعلن ثورته إلتفّ حوله الألوف (3)،يقول المسعودي (4):

«...و لم يولد في تلك السنة بخراسان مولود إلاّ سمّي بحيى أو زيد لما داخل أهل خراسان من الجزع و الحزن عليه...».

و يعود انتشار التشيّع في خراسان بطبيعة الحال إلى ثورات الزيدية و الى النشاط الدعوي العبّاسي،و لهذا فقد كان للتشيع في هذا الإقليم طابعا زيديا و كيسانيا خاصّة و أنّ النشاط العبّاسي كان يحاول اكتساب مشروعيته على أساس أن أبا هاشم نجل محمّد بن الحنفية قد أوصى إلى محمّد بن عليّ و هذا ما أشار إليه أبو الفرج الإصفهاني في ترجمة و أحوال عبد اللّه بن محمّد بن الحنفية (5):

ص: 223


1- إنّ بني هاشم اصطلاح كان يشمل بني العباس أيضا.
2- تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي قم(1414 ه)ج 2 ص 326.
3- أبو الفرج الإصفهاني،المصدر السابق ص 149.
4- مروج الذهب،المسعودي،عليّ بن الحسين،ص 336.
5- أبو الفرج الإصفهاني،المصدر السابق ص 123.

«...و هو الذي يزعم الشيعة من أهل خراسان أنّه ورث الوصية عن أبيه و أنّه كان الإمام و أنّه أوصى إلى محمّد بن عليّ بن عبد اللّه بن العبّاس و أوصى محمّد إلى إبراهيم الإمام فصارت الوصيّة في بني العبّاس من تلك الجهة...».

و قد التزم الخراسانيون جانب العباسيين في صراعهم مع العلويين و هذا ما نراه في قمع ثورة محمّد ذو النفس الزكية و كانوا يتحدثون الفارسية في أثناء المعركة يقول أبو الفرج الإصفهاني (1):

«...كانت الخراسانية إذا نظروا إلى ابن الخضيري الزبيري-و هو أحد قادة محمّد ذو النفس الزكية-و هو عائدا من المدينة إلى المعسكر يتنادون خضير آمد خضير آمد...»(أي جاء خضير...جاء خضير).

قم

واحدة من أهم المدن الشيعيّة منذ القرن الثاني الهجري و ما بعده.و هي لم تبن بأيدي المسلمين فحسب بل المسلمين الشيعة و قد اتخذها الشيعة موطنا في فترة مبكرة جدا بعد ظهورها،و تمتاز هذه المدينة عن غيرها بأنّها أصبحت سكنا للشيعة الإماميّة الاثني عشرية،و لم تبتعد عن هذا الطابع أبدا و قد ظلّت قم مدينة شيعية خالصة إذا لم يسجل التاريخ إنّ أهل السنّة قد استوطنوها كما ظلّت مستعصية حتى على الغلاة،و إذا ما حصل ذلك فإنّ أهلها كانوا سرعان ما يقومون بطردهم (2).

و كان لأهل قم علاقات وطيدة مع الأئمة الأطهار عليهم السّلام و عادة ما تحصل لقاءات بين وفود منها مع أئمتهم.

ص: 224


1- المصدر نفسه ص 238.
2- رجال ابن داود،منشورات الشريف الرضي ص 240،270.

و في عام(82 ه)و هو العام الذي ثار فيه ابن الأشعث ضد الحجّاج و فرار ابن الأشعث إلى كابل كان في صفوف الثائرين عدد من الشيعة (1)منهم عبد اللّه، الأحوص،نعيم،عبد الرحمن و إسحاق و هم ولد سعد بن مالك بن عامر الأشعري و قد لجأوا إلى قم بعد فشل الثورة،و كان في تلك الأنحاء سبع قرى اسم إحداها كمندان،و قد استوطن هؤلاء الإخوة تلك القرى ثمّ التحق بهم أقرباؤهم،و قم هو الإسم الذي أطلقه العرب على هذه المنطقة التي كانت تعرف ب«كمندان» (2).

و كان الشيعة و خاصّة العلويين يقصدونها من كل حدب و صوب (3)و في نهاية القرن الثاني الهجري قدمت إلى هذه المدينة على قدر السيدة فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر و شيقيقة الإمام الرضا عليهم السّلام و أضحت الحادثة نقطة انعطاف كبرى في تاريخ هذه المدينة.

بغداد

في سنة(145 ه)قام أبو جعفر المنصور الخليفة العبّاسي الثاني ببناء مدينة بغداد و سرعان ما أصبحت المدينة أحد أهم مراكز الشيعة (4)،و قد كشف التجمهر الشيعي الذي حدث على الجسر ببغداد سنة(186 ه)عندما نادى رجال الشرطة على نعش الإمام الشهيد موسى بن جعفر عليه السّلام عن هذه الحقيقة ما

ص: 225


1- المسعودي،عليّ بن الحسين،مروج الذهب،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت(1411 ه) ج 3 ص 149.
2- ياقوت الحموي،شهاب الدين أبو عبد اللّه،معجم البلدان،دار إحياء التراث العربي،بيروت ط الأولى (1417 ه)ج 7 ص 88.
3- ابن طباطبا،أبو إسماعيل بن ناصر،منتقلة الطالبيين،ط الأولى(1372 ه.)ص 333-339.
4- الحموي،ياقوت بن عبد اللّه،معجم البلدان،دار إحياء التراث العربي،بيروت ج 2 ص 361.

أدى إلى بروز مخاوف لدى أركان الحكم و مبادرة سليمان بن المنصور (1)عمّ هارون الرشيد في حل الأزمة المتفجرة و ترتيب تشييع مهيب للإمام الكاظم شارك فيه حافيا الذي أطلق من السجن فوق نعش يحمله رجال الشرطة و هم يطلقون هتافات استفزازية.

و بالرغم من أنّ بغداد بنيت لتكون عاصمة العبّاسيين و مركزا سياسيّا و عسكريا للدولة الا إنّها أصبحت إحدى مراكز العلم و الثقافة و اجتذبت إليها طلبة العلم و المعرفة بما في ذلك الشيعة حيث بدأت الهجرة إليها من البصرة و الكوفة و المدائن و شيئا فشيئا و كان النمو السكّني يشهد تسارعا حثيثا و بعد الغيبة الصغرى أصبحت بغداد مركزا للمرجعية الدينية للشيعة و ازدهرت أوضاع الشيعة و التشيع بعد تسنّم البويهيين مقاليد الحكم و استمرت الأوضاع بهذا المسار إلى هجرة الشيخ الطوسي من بغداد إلى النجف.

ج:مراكز الشيعة في القرن الثالث الهجري

يمكن دراسة التمدد الجغرافي للشيعة من خلال مسارين:

الأوّل:من خلال تأسيس الدول الشيعية في مناطق من العالم الإسلامي ففي سنة(250 ه)تأسست الدولة العلوية في طبرستان (2)و في اليمن كانت دولة للزيدية في أوخر القرن الثالث الهجري أسسها السادة الحسنيون و في سنة (296 ه)نهضت الدولة الفاطمية (3)في شمال أفريقيا و قبلها دولة الأدارسة،و لم تنهض هذه الدول على مرتكزات الشيعة الإماميّة الا إنّها تعدّ مؤشرا على وجود

ص: 226


1- الأمين السيد محسن،أعيان الشيعة،دار التعارف للمطبوعات،بيروت ج 1 ص 29.
2- الطبري،أبو محمّد بن جرير،تاريخ الطبري،دار الكتب العلمية،بيروت،ط الثانية(1408 ه)ج 5 ص 365.
3- السيوطي،جلال الدين،تاريخ الخلفاء،منشورات الشريف الرضي ط الأولى(1411 ه)ص 524.

أرضية للتشيّع في تلك المناطق استثمره الإسماعيليون و الزيديون.

أمّا الثاني:فمن خلال دراسة المناطق التي تواجد فيها وكلاء الأئمة عليهم السّلام إنّ نظام الوكالة اعتمد منذ عهد الإمام الصادق عليه السّلام و أصبح لهذا النظام دوره الفاعل و الحيوي في عهد الإمامين الهادي و العسكري.

و يمكن الإشارة إلى المناطق و المدن التي كان فيها وكلاء و هي:الأهواز، همدان،سيستان،بست،الري،البصرة،واسط،بغداد،مصر،اليمن،الحجاز و المدائن (1)مع الإشارة إلى أنّ الكوفة،قم،سامراء و نيسأبور كانت في طليعة المدن الشيعية حتى نهاية القرن الثالث للهجرة؛و كان الفقه الشيعي الذي يدرس فيها منبثقا عن أحاديث الأئمة من أهل البيت عليهم السّلام.

و قد خبا بريق الكوفة بعد القرن الثالث الهجري لتحل محلّها بغداد،التي وصلت ذروة ازدهارها في هذا المجال مع صعود البهويهيين و ظهور شخصيات علمية في مستوى الشيخ المفيد،الشريف المرتضى،الشريف الرضي و الشيخ الطوسي.

و قد كتب آدم ميتز حول نفوذ التشيع و الشيعة في بغداد خلال القرن الرابع الهجري قائلا:«أمّا في بغداد و هي عاصمة الإسلام-بكل معنى الكلمة-حيث تتلاطم فيها التيارات الفكرية و حيث لكل مذهب مؤيديه و اشتهر من بينها مذهبان قويان عرفا بالتعصّب هما الحنابلة و الشيعة،و يتركز الشيعة في أطراف سوق الكرخ ثمّ عبروا الجسر إلى الجانب الآخر من النهر فسكنوا عند باب الطاق،كما تشكلت أحياء غرب دجلة يسكنها في الغالب الهاشميون(سادات بني العبّاس)و قد عرفوا بعدائهم الشديد للشيعة» (2).

ص: 227


1- انظر:پور طباطبائي مجيد،تاريخ عصر الغيبة،المركز العالمي لعلوم أهل البيت عليهم السّلام ص 119.
2- آدم ميتز،الحضارة الإسلأميّة في القرن الرابع للهجرة،مؤسسة انتشارات أمير كبير،طهران،ط الثانية [1364 ه.ش]ص 85،86.

و قال ياقوت الحموي في معجم البلدان:«...محلة باب البصرة،و أهلها كلهم سنّية حنابلة لا يوجد غير ذلك و بينهما نحو شوط فرس و في جنوبها المحلّة المعروفة بنهر القلاّئين و بينهما أقل ممّا بينهما و بين باب البصرة و أهلها أيضا سنيّة حنابلة و عن يسار قبلتها محلّة تعرف بباب المحوّل و أهلها أيضا سنيّة و في قبلتها نهر الصراة و في شرقيها نصب بغداد و محالّ كثيرة و أهل الكرخ كلّهم شيعة إماميّة لا يوجد فيهم سني البتّة...» (1).

خلاصة الدرس العشرون

شهد العصر العباسي سلسلة من الثورات العلوية التي أفضت فيما أفضت إليه إلى انتشار العلويين في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي،و على هذا فقد شهد القرن الثاني الهجري عبور التشيع حدود الجزيرة العربية و العراق.

و مع مطلع القرن الثاني و بدء النشاط الدعوي لبني هاشم في خراسان انتشر التشيّع في تلك الأصقاع بالرغم من أنّ التشيع هناك كان كيساني الطابع.

و بعد القرن الثاني للهجرة أصبحت قم في طليعة المدن الشيعية و هي مدينة بنيت على أيدي الشيعة و كان التشيّع الذي انتشر هناك إماميا اثني عشريا.

و بالرغم من أنّ تأسيس بغداد كان على أيدي العبّاسيين لتكون عاصمتهم السياسيّة الا إنّ انتقال الشيعة و هجرتهم من الكوفة و البصرة و المدائن جعلها إحدى المراكز الشيعية الهامّة.

و نشهد في القرن الثالث الهجري انتشار التشيّع إلى العديد من المناطق و يمكننا من خلال استعراض لقائمة و كلاء الأئمة الأطهار عليهم السّلام أن نتعرف على

ص: 228


1- معجم البلدان ج 5 ص 448 إحياء التراث العربي،بيروت 1399 ه.

المناطق التي امتدّ إليها التشيّع.

و على هذا الأساس نهضت دول شيعية في طبرستان،و اليمن و أفريقيا و حتى نهاية القرن الثالث للهجرة كانت الكوفة،قم،و سامراء و نيسأبور في طليعة المراكز الشيعية.

***

أسئلة الدرس العشرون

1-ما هي مراكز الشيعة في القرن الثاني للهجرة؟

2-متى ظهر التشيّع في خراسان؟

3-ما هو الطابع العام للتشيّع في مدينة قم؟

4-كيف أصبحت بغداد أحد مراكز الشيعة؟

ص: 229

ص: 230

الدرس الحادي و العشرون: التشيّع بين القبائل

اشارة

عموما كان للإمام عليّ عليه السّلام بين القبائل القحطانية شيعة و أنصارا أكثر ممّا هو لدى القبائل العدنانية،حيث التشيّع أكثر نفوذا و انتشارا بين القحطانيين،و يمكن القول أنّ الحشود العسكرية في جيش الإمام مؤلفة من قبائل الجنوب و القحطانيين و يشير رجز منسوب للإمام عليه السّلام في صفّين إلى هذه الحقيقة:

أنا الغلام القرشي المؤتمن الماجد الأبيض ليث كالشفن

يرضى به السادة من أهل اليمن من ساكني نجد و من أهل عدن (1)

و كذلك فإنّ معظم شيعة الإمام عليه السّلام بعد رحيل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كانوا من الأنصار و هم أيضا من أصول قحطانية كما أنّ الذين رافقوه من المدينة إلى البصرة و وقفوا إلى جانبه في حرب الجمل هم من الأنصار كذلك (2).

و قد أشرنا سابقا إلى اقتراح ابن عباس على الإمام الحسين عليه السّلام عند ما قرّر الإمام التوجّه نحو الكوفة،و قد جاء في حوار ابن عباس مع الإمام الشهيد ما يلي (3):

«...فإنّ أرادك أهل العراق و أحبّوا نصرك فاكتب لوليهم أن ينفوا عدوّهم ثمّ صر إليهم و إلاّ فإنّ في اليمن جبالا و شعابا و حصونا ليس بشيء من العراق مثلها و اليمن أرض طويلة عريضة و لأبيك بها شيعة فاتها ثمّ ابثث دعاتك و كتبك يأتك الناس...».

و إذا ما ألقينا نظرة على أصحاب الإمام الحسين يوم عاشورا فإنّنا سنجدهم من

ص: 231


1- ابن شهر آشوب،مناقب آل أبي طالب،مؤسسة انتشارات علاّمة،قم ج 3 ص 178.
2- البلاذري،أنساب الأشراف ج 3 ص 161.
3- أنساب الأشراف،البلاذري ج 3 ص 374 دار الفكر 1417 ه.

قبائل يمنية باستثناء نفر من قبيلة غفار،يقول المسعودي (1):«..و قتل معه من الأنصار أربعة...».

و انتساب الأنصار إلى قبائل اليمن أمر معروف.

و فى مقابل ذلك فإنّ زعماء قريش كانوا يضمرون حقدا للإمام علي و أسرته، و هو امتداد لعدائهم للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله،لا يوجد بينهم من الشيعة إلاّ نفر قليل للغاية و موقف قريش من الإمام انتقل إلى حلفاء قريش و كانوا ينضوون تحت راية خصومه و مناوئيه كقبيلة ثقيف و أهل الطائف حيث وقفوا إلى جانب معاوية في حرب صفّين،و عند ما شنّ معاوية الغارات على المناطق الواقعة تحت نفوذ الإمام عليّ عليه السّلام فإنّ بسر بن أرطأة الذي كان ينفذها لم يتعرض للطائف و قد خرج لاستقباله المغيرة بن شعبة مرحبا به (2).

لم يكن من أصحاب الإمام عليّ عليه السّلام من قريش سوى نفر يعدّ بالأصابع من قبيل محمّد بن أبي بكر و هاشم المرقال،و بالرغم من أنّ خالد بن الوليد كان من خصوم عليّ و مناوئيه،و لكنّ ابنه مهاجر بن خالد كان إلى جانب الإمام عليّ عليه السّلام في صفين،و كذا عبد اللّه بن أبي حذيفة،ابن خال معاوية الذي كان من الشيعة المخلصين و قد استشهد على أيدي جلاوزة معاوية.

و لعليّ في جميع القبائل اليمنية شيعة و محّبين من قبيل قبائل كندة،نخع، الأزد،جهيمة،حمير،بجيلة،خثعم،خزاعة،حضر موت،مذحج،أشعر،طي، سدوس،همدان و ربيعة (3).م.

ص: 232


1- المسعودي،المصدر السابق،ج 3 ص 74.
2- انظر:شهيدي،الدكتور سيد جعفر،التاريخ التحليلي للإسلام حتى نهاية العصر الأموي مركز النشر الجامعي،طهران ط(1363 ه.ش)ص 137.
3- أحمد بن محمّد بن خالد البرقي،رجال البرقي،مؤسسة القيّوم.

و من بين هذه القبائل فإنّ قبيلتي همدان و ربيعة هما السبّاقتان لاعتناق الإسلام في زمن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و جاء اعتناق همدان للدين الحنيف على يد الإمام عليّ عليه السّلام و منذ ذلك التاريخ و هي تدين بالولاء له،و قد ذكر المسعودي أنّه لم يكن من همدان مع معاوية أحد أبدا (1).

و ينسب للإمام عليّ عليه السّلام قوله:

و لو كنت بوّابا على باب جنّة لقلت لهمدان ادخلوا بسلام (2)

و كان معاوية يحمل أحقادا و ضغينة لهمدان حتى أنّه خرج في صفّين ذات يوم و انشد هذه الأشعار بين الصفين:

لا عيش إلاّ فلق الهام من أرحب و يشكر شبام

قوم هم أعداء أهل الشام كم من كريم بطل همام

و كم قتيل و جريح دام كذلك حرب السادة الكرام

فانبرى سعيد بن قيس الهمداني يردّ عليه:

لا همّ ربّ الحلّ و الحرام لا تجعل الملك لأهل الشام

ثمّ هزّ رمحه و انطلق صوب معاوية الذي فضّل الفرار نحو قوّاته و انتدب ذا الكلاع(و هو من قادة أهل الشام)لمواجهة سعد بن قيس،و التحم الفريقان إلى أن حلّ المساء و كان النصر لسعد بن قيس،و قد أثنى الإمام عليه و قال في ذلك شعرا:

فوارس من همدان ليسوا بعزّل غداة الوغى من شاكر و شبام

يقودهم حامي الحقيقة ماجد سعيد بن قيس و الكريم محام

جزى اللّه همدان الجنان فانهم سهام العدى في كل يوم حمام (3)1.

ص: 233


1- المسعودي،مروج الذهب،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت(1411 ه)ج 3 ص 99.
2- البلاذري،أنساب الأشراف،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت ج 2 ص 322.
3- ابن شهر آشوب،مناقب آلب أبي طالب،مؤسسة انتشارات علاّمة قم ج 3 ص 170-171.

من هنا أنشدت أشعار ضد همدان من قبل جيش الشام إذ خاطب عمرو بن العاص همدان بهذه الأشعار:

الموت يغشاه من القوم الأنف يوم لهمدان و يوم لصدف

و في سدوس نحوه ما ينحرف نضربها بالسيف حتى ينصرف

و تميم مثلها أو يعترف (1)

و كان عدّة من نساء قبيلة همدان قد شهدن صفين و كن يحرّضن أصحاب الإمام عليّ عليه السّلام على القتال و الاستبسال ضد معاوية،و من بينهن سودة الهمدانية و الزرقاء بنت عدي بين قيس الهمدانية (2).

فهذه سودة،تخاطب أباها قائلة:

شمّر كفعل أبيك يابن عمارة يوم الطعان و ملتقى الأقران

و انصر عليّا و الحسين و رهطه و اقصد لهند و ابنها بهوان

إنّ الإمام أخا النبيّ محمّد علم الهدى و منارة الايمان

فقد الجيوش و سرّ أمام لوائه قدما بابيض صارم و سنان

من هنا فقد كان معاوية يمتلأ غيظا و حقدا و لم ينس أشعارهن أبدا فبعد استشهاد الإمام عليّ عليه السّلام أرسل وراءهنّ و راح يعنّفهنّ عليه السّلام (3).

أمّا القبيلة الثانية من قبائل اليمن التي تشكّل القوّة الثانية بعد همدان فهي ربيعة و قد احصى أنصار الإمام و شيعته من قبيلة ربيعة و أفرد لهم قسما بمعزل عن سائر الشيعة من انتماءات قبيلة أخرى (4).7.

ص: 234


1- البلاذري،المصدر السابق ج 2 ص 323.
2- ابن عبد ربّه،العقد الفريد،دار إحياء التراث العربي،بيروت(1409 ه)ج 1 ص 335.
3- المصدر السابق ص 332.
4- أحمد بن محمّد بن خالد البرقي،مؤسسة القيّوم ص 37.

و عند ما سمع الإمام عليّ عليه السّلام بأنباء البصرة و استشهاد عدة من قبيلة ربيعة على أيدي أصحاب الجمل قال:

يا لهف نفسي على ربيعة ربيعة السامعة المطيعة (1)

و قد أشار المسعودي إلى أحاديث كثيرة للإمام عليّ عليه السّلام في تمجيد قبيلة ربيعة،فلقد كانت هذه القبيلة تشكّل ركنا أساسيا و نصيرا قويّا في حكومته.

و ينسب للإمام علي عليه السّلام شعر في ربيعة قاله في صفّين و هذا مقطع منه:

لمن راية سوداء يخفق ظلّها إذا قيل قدمها حضين تقدما

فيوردها فى الصف حتى يعلها حياض المنايا تقطر الموت و الدما

جزى اللّه قوما قاتلوا في لقائه لدى الموت قدما ما أعرّوا كرما

و أطيب أخبارا و أكرم شيمة إذا كان أصوات الرجال تغمغما

ربيعة أعني أنّهم أهل نجدة و بأس إذا لاقوا خميسا عرمرما (2)

و عند ما وقع في الأسر جميل بن كعب الثعلبي و كان من شيعة الإمام و أنصاره خاطبه معاوية بقسوة،و خاطب شفيق بن ثور السدوسي ربيعة وسط احتدام المعارك قائلا:«يا معشر ربيعة ليس لكم عذر في العرب إن أصيب عليّ فيكم و منكم رجل حيّ...».

و بعد هلاك يزيد بن معاوية قام أهل الكوفة بطرد حاكمها من قبل بني أميّة، و أرادوا انتخاب حاكم جديد،فاقترح بعضهم عمر بن سعد فقامت نساء من همدان،كهلان،الأنصار،ربيعة،و نخع بالتجمع في المسجد و اقمن مناحة على سيّد الشهداء الحسين السبط عليه السّلام و قلن (3):6.

ص: 235


1- الزبير بن بكّار،الأخبار الموفقيات،منشورات الشريف الرضي،قم(1416 ه)ص 159.
2- المسعودي،المصدر نفسه ج 3 ص 59.
3- البلاذري،أنساب الأشراف،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت(1394 ه)ج 2 ص 306.

«...أما رضي عمر بن سعد بقتل الحسين عليه السّلام حتى أراد أن يكون أميرا علينا على الكوفة...».

و بهذه الخطوة تبددت آمال عمر بن سعد في حكومة الكوفة (1).

خلاصة الدرس الحادي و العشرون

إنّ أكثر شيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب همّ من بين القبائل القحطانية و اليمانية.

كما أنّ أكثر الصحابة الشيعة من الأنصار الذين هم أيضا من أصول يمنية.

و هكذا أصحاب الإمام الحسين عليه السّلام يوم عاشوراء فإنّ معظمهم من قبائل اليمن باستثناء بني هاشم و عدّة من الغفاريين.

و في مقابل هذا فأنّ معظم خصوم الإمام عليّ عليه السّلام و أسرته و مناوئيه هم من زعماء قريش باستثناء نفر قليل يوالون الإمام عليه السّلام.

و من بين قبائل اليمن،فإنّ قبيلتي همدان و ربيعة كانتا سبّاقات في الولاء للإمام و نصرته.

***

أسئلة الدرس الحادي و العشرون

1-أي القبائل العربية فيها التشيّع أكثر من غيرها؟

2-أي القبائل اليمانية سبّاقة في التشيّع؟

ص: 236


1- المسعودي،المصدر السابق ص 98،99.

الفصل السادس: الانشقاق داخل التشيّع

اشارة

ص: 237

ص: 238

الدرس الثاني و العشرون

اشارة

الانشقاق داخل التشيّع

حافظ المشهد الشيعي على تماسكه كطيف متوحد حتى سنة(61 ه)و هو تاريخ استشهاد الإمام الحسين عليه السّلام و بالرغم من أنّ الشهرستاني يعتبر فرقة الغلاة السبئية (1)كاحدى فرق الشيعة التي ظهرت في خلافة الإمام عليّ عليه السّلام غير أنّ الدراسات التاريخية أثبتت بشكل قاطع أنّ ابن سبأ هو شخصية و همية (2)لا وجود لها،و لكن من المؤكد ظهور عدّة من الغلاة في عصر الإمام عليّ عليه السّلام كان لهم اعتقاد في ربوبية الإمام و قد استتابهم فلم يتوبوا فأمر بإعدامهم جميعا (3).

و لذا فإنّ القرن الأوّل و الثاني من الهجرة لم يشهد انشقاقا يذكر باستثناء ما حصل من جدل حول إمامة عليّ بن موسى الرضا إذ وقف بعض الشيعة على إمامة الإمام موسى بن جعفر عليه السّلام فسمّوا ب«الواقفية»في حين سمّي الذين قطعوا بإمامة نجله عليّ بن موسى ب«القطعية» (4).

و بسبب موقع السبطين الحسن و الحسين عليهما السّلام لدى الأمّة و حضورهما في ضمير الرأي العام كأبني لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و اعتقاد الغالبية من عموم المسلمين بأهليتهما للخلافة،لهذا لم تحدث أية شبهة في مسألة إمامتهما و لم يحدث أي انشقاق

ص: 239


1- الشهرستاني،كتاب الملل و النحل،منشورات الشريف الرضي،قم(1364 ه.ش)ج 1 ص 150.
2- انظر العسكري،السيد مرتضى،عبد اللّه بن سبأ و أساطير أخرى،ط السادسة(1413 ه-1993 م)ج ص 328-2،375
3- الشيخ الطوسي،اختيار معرفة الرجال،مؤسسة آل البيت لإحياء التراث،قم(1404 ه)ج 1 ص 325.
4- الشهرستاني،المصدر السابق.

داخل التشيّع و داخل الكيان الشيعي.

و بعد استشهاد الإمام الحسين في واقعة كربلاء نشهد ظهور الفرق الشيعية المتعددة و هي كما يلي:

الكيسانية:و أساسها الاعتقاد بإمامة محمّد بن الحنفية.

الزيدية:و أساسها الاعتقاد بإمامة زيد بن عليّ بن الحسين.

الناووسية:و هم القائلون بغيبة و مهدوية الإمام الصادق عليه السّلام.

الفطحية:و هم القائلون بإمامة عبد اللّه الأفطح ابن الإمام الصادق عليه السّلام.

السمطية:و هم المعتقدون بإمامة محمّد الديباج الابن الآخر للإمام الصادق عليه السّلام.

الإسماعيلية:و هم المعتقدون بإمامة إسماعيل بن الإمام الصادق عليه السّلام أيضا.

الطفية:و يذهبون إلى أنّ الإمام الصادق عليه السّلام أوصى بالإمامة إلى موسى بن طفي.

الأقمصية:و هم القائلون بإمامة موسى بن عمران الأقمص على أساس أنّ الإمام الصادق عليه السّلام قد أوصى بالإمامة له.

اليرمعية:و يذهبون إلى إمامة يرمع بن موسى بناء على وصيّة مزعومة من الإمام الصادق عليه السّلام.

التميمية:و هم أيضا يدّعون وصيّة للإمام الصادق في إمامة عبد اللّه بن سعد التميمي.

الجعدية:و يقولون إنّ الإمام الصادق عليه السّلام استخلف من بعده شخصا يدعى أبو جعدة.

اليعقوبية:و هم ينكرون إمامة موسى الكاظم عليه السّلام و يقولون أنّ الإمامة خرجت من ولد الإمام الصادق و زعيمهم شخص يقال له أبو يعقوب.

الممطورة:و هم من الواقفين على إمامة موسى الكاظم عليه السّلام و يزعمون أن

ص: 240

لا علم لهم بأنّه حيّ أو ميت (1).

الواقفية:و هم القائلون بعدم وفاة الإمام الكاظم عليه السّلام و أنّه لا يموت إلى يوم القيامة (2)و قد تفرعت عن بعض الفرق فرق أصغر كالكيسانية مثلا حيث انقسمت حول إمامة محمّد بن الحنفية إلى فريقين:فريق يرى أن إمامته بعد الإمام الحسين عليه السّلام و آخر يرى أنّ إمامته بعد والده الإمام عليّ عليه السّلام و ان الإمام بعده ابنه أبو هاشم،و قد اختلفوا في هذه المسألة أيضا فمنهم من قال إنّ أبا هاشم أوصى إلى محمّد بن عليّ العبّاسي،و منهم من قال إنّ أبا هاشم أوصى إلى أخيه عليّ بن محمّد بن الحنفية و فريق ثالث يقول أن أبا هاشم أوصى إلى ابن أخيه الحسن بن عليّ و فريق رابع يعتقد بوصية أبي هاشم إلى عبد اللّه بن عمرو بن حرب الكندي.

و هكذا الأمر بالنسبة إلى الزيدية التي انقسمت إلى ثلاث فرق أساسية هي الجارودية (3):و هم القائلون بأفضلية عليّ و احقيته بالخلافة بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عرّفه للناس بالوصف لا بالأسم،و أنّ الناس قد قصّروا لعدم معرفتهم فاختاروا أبا بكر و قد كفروا لذلك.

السليمانية (4):و هم القائلون بأنّ الإمامة تعيين لا بالشورى و يجيزون إمامة المفضول بوجود الأفضل و من هنا فهم يعترفون بشرعية خلافة أبي بكر و عمر، و ان الأمة أخطأت بعدم أختيارها عليّا و إنّ خطأها هذا لا يبلغ حدّ الفسق.لكنّهم يكفّرون عثمان الخليفة الثالث.ة.

ص: 241


1- ابن ميثم البحراني،ميثم بن عليّ،النجاة في القيامة في تحقيق أمر الإمامة،مجمع الفكر الإسلامي قم،ط الأولى،1417 ه،ص 172،174
2- الشهرستاني المصدر نفسه ص 131-135
3- و هم أصحاب أبي الجارود و زياد بن أبي زياد و قد عرفوا بالجارودية لهذا.
4- و زعيمهم رجل يدعى سليمان بن جرير فعرفوا بالسليمانية.

البتريّة (1):و عقائدهم تشبه عقائد السليمانية مع فارق واحد هو في توقفهم عند مسألة عثمان (2)

و حتى فرقة الإسماعيلية هي الأخرى شهدت انشقاقات داخلية فأصبحت ثلاث فرق:

فرقة تقول بأنّ الإمام بعد جعفر الصادق عليه السّلام هو إسماعيل ابنه و أنه ما مات أبدا و انه المهدي الموعود.

و فرقة ثانية تقول إنّ إسماعيل قد مات و إنّ الإمامة انتقلت منه إلى ابنه محمّد بن إسماعيل و إنّه غاب و سيظهر ليملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا.

و ثالثة تقول كسابقتها بإمامة محمّد بن إسماعيل مع اختلاف في قولها بأن محمّد قد مات و أنّ الإمامة استمرت في نسله و ذريته.

على أنّ أكثر هذه الفرق التي أشرنا إليها لم تعمّر طويلا و من الصعوبة بمكان اعتبارها فرقا،و إنّما هي مجاميع صغيرة سرعان ما تختفي بعد وفاة قياداتها و يختفي كل دور سياسي و اجتماعي لها و من بين هذه الفرق كان للكيسانية،الزيدية و الإسماعيلية حضور و ظهور في القرون الثلاثة الأولى،مع الإشارة إلى أنّ فرقة الإسماعيلية قد انفصلت بشكل واضح عن الكيان الشيعي بعد رحيل الإمام الصادق عليه السّلام الا إنّها افتقدت إلى الظهور بسبب المرحلة السّرية التي مرّت بها (3)

و في القرن الأول الهجري و الى ثورة زيد الشهيد كانت الكيسانية هي الأكثر تأثيرا بعد الإماميّة و قد ظهرت الكيسانية في ثورة المختار و اذا كان من الممكن،2

ص: 242


1- و زعيمهم رجل يدعى كثير النوى الأبتر فدعوا بالبتريّة.
2- المصدر السابق،ص 140-142
3- الخراساني الشيخ محمّد كريم،تاريخ و عقائد الفرقة الآقاخانية،تلخيص و تنظيم حسين الحسني،نشر الهادي،ص 3،2

ألاّ نعتبر نفس المختار كيسانيا فان معظم قواته كانت كيسانية (1)،و قد استمر نشاط هذه الفرقة سياسيا حتى نهاية القرن الأول للهجرة حيث أبو هاشم عبد اللّه بن محمّد بن الحنفية زعيم هذه الفرقة،و هو اول من أطلق اصطلاح الحجّة و الداعي على دعاته و مبلغيه،ثمّ اعتمد هذا المصطلح بعد ذلك لدى العباسيين و الزيديين و الإسماعيليين،و هو أيضا من شكل و أسس التنظيم السري للدعاة و الذي أفاد منه بنو العبّاس فيما بعد (2)و كان الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك لما شعر بالخطر من وجوده استدعاه إلى دمشق ثمّ دس له السم و تخلص منه و عند ما أحس أبو هاشم بدنو أجله عاد إلى الحميمة حيث يعيش بنو عمه من العباسيين و هناك أوصى إلى محمّد بن عليّ العبّاسي و عرّف دعاته عليه (3).

و من ذلك التاريخ أمسك بنو العبّاس بزمام الكيسانية و ركزوا نشاطهم من خلالها في اقليم خراسان.يقول أبو الفرج الإصفهاني (4):

«...و هو الذي يزعم الشيعة من أهل خراسان أنّه ورث الوصيّة عن أبيه و أنّه كان الإمام و أنّه أوصى إلى محمّد بن عليّ بن عبد اللّه بن العبّاس و أوصى محمّد إلى إبراهيم الإمام فصارت الوصية في بني العبّاس من تلك الجهة».

حتى الشهرستاني يعتقد ان أبا مسلم كان كيسانيا في بدء أمره،ثمّ لما انتهى العباسيون آمن بشرعيتهم على اساس ان جدّهم العبّاس هو عم النبي صلّى اللّه عليه و آله و يمكن أن تلمس الخط السياسي الأجتماعي للكيسانية في ثورة عبد اللّه بن3.

ص: 243


1- المسعودي،عليّ بن الحسين،مروج الذهب،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت 1411 ه ج 3،ص 91
2- مختار الليثي الدكتورة سميرة،جهاد الشيعة،دار الجيل،بيروت 1396 ه ص 87 و ابن عبد ربه الأندلسي، احمد بن محمّد،العقد الفريد،دار إحياء التراث العربي،بيروت 1409 ه،ج 4 ص 438.
3- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين منشورات الشريف الرضي،قم 1416،ص 124.
4- أبو الفرج الإصفهاني،المصدر نفسه ص 123.

معاوية من ذرية جعفر الطيار،يقول الشهرستاني (1):

«و فرقة قالت:إنّ أبا هاشم أوصى إلى عبد اللّه بن عمرو بن حرب الكندي و أن الإمامة خرجت من بني هاشم إلى عبد اللّه...و الرجل ما كان يرجع إلى علم و ديانة فاطلع بعض القوم على خيانته و كذبه فاعرضوا عنه و قالوا بإمامة عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب...و بين أصحاب عبد اللّه بن معاوية و بين أصحاب محمّد بن عليّ خلاف شديد في الإمامة...».

و تلي الكيسانية في نشاطها السياسي و الاجتماعي الفرقة الزيدية التي ظهرت إلى المسرح السياسي و الفكري بعد ثورة زيد الشهيد و تعد من اكثر الفرق الشيعية نشاطا في الميدان السياسي كم أنها من اكثر فرق الشيعة قربا من أصول أهل السنة كما هو الحال في الفرقة البترية التي تعترف بشرعية خلافة أبي بكر، عمر و عثمان و إضافة إلى ذلك فإنّها لا تكفر عائشة،طلحة و الزبير (2)و من هنا نرى حجم التأييد الفقهي السني الذي حظيت به ثورة محمّد النفس الزكية الزيدي المذهب (3)،فقد كتب مسعر بن كدام و هو من كبار المرجئة إلى إبراهيم شقيق محمّد النفس الزكية و حثه على القدوم إلى الكوفة (4).

و كان أبو حنيفة إمام الأحناف قد شارك في ثورة محمّد النفس الزكية و دعا الناس إلى المشاركة فيها (5).

يقول سعد بن عبد اللّه الأشعري في«الزيدية البترية»بأنّهم يعترفون بولايةه.

ص: 244


1- الشهرستاني،المصدر نفسه ص 135.
2- المصدر نفسه ص 142
3- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي،قم 1416 ه،ص 247
4- المصدر السابق ص 314
5- المصدر نفسه.

الإمام عليّ عليه السّلام و يدمجون معها ولاية أبي بكر و عمر خاصّة و أنّهم يتبعون في أصولهم المعتزلة و يأخذون فروعهم من أبي حنيفة و من الشافعي و لكن على نحو محدود جدا (1).

و المذهب الزيدي لا يتعارض بشكل عام مع عقائد أهل السنة و لذا نجد مشاركة واسعة من أهل السنة في ثورات الزيدية كما اشرنا إلى المشاركة في ثورة محمّد النفس الزكية و أخيه إبراهيم،و هكذا بالنسبة للشيعة الذين اشتركوا في ثورات الزيدية ربما انطلاقا من تصور بأن الإمام المعصوم يسند هذه الثورات و يؤيدها و لعل تعذّر الاتصال بين الشيعة في المناطق النائية و ائمتهم دفعهم إلى الانضمام إلى تلك الثورات،و هذا ما يفسر انفضاض الكثيرين بعد بدء المعارك و بقاء الشيعة الزيدية فقط كما حدث لابراهيم في ثورته إذ ذكر المسعودي إنّ عدد الذين ثبتوا معه في المعركة كانوا أربعمائة و قد قتلوا جميعا (2).

أمّا الفرقة الثالثة الفاعلة سياسيا و اجتماعيا فهي الإسماعيلية،و قد انفصلت عن الكيان الشيعي في منتصف القرن الثاني للهجرة و قد ظلّت دون واجهة اجتماعية حتى نهاية القرن الثالث،و كان قادتها يعملون تحت غطاء كثيف من السرّية حتى سنة 296 ه و هو العام الذي ظهر فيه عبيد اللّه المهدي أول الخلفاء الفاطميين في المغرب و لهذا فقد ظلت مراحل تكوّن هذه الفرقة مجهولة لدى المؤرخين، و كان النوبختي الذي عاش في القرن الثالث للهجرة يربط بينهم و بين الغلاة من أتباع أبي الخطاب (3)كما ان عقائدهم تكتنفها هالة من الغموض.يشير1.

ص: 245


1- الأشعري سعد بن عبد اللّه،المقالات و الفرق،مركز النشر العلمي و الثقافي،طهران ط الثانية 1360 ه ش،ص 10.
2- المسعودي،عليّ بن الحسين،مروج الذهب،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت 1411 ه ج 3،ص 326.
3- فرق الشيعة،المطبعة الحيدرية،النجف،1355 ه،1936 م ص 71.

المسعودي إلى أن المتكلمين من فرق الشيعة،المعتزلة،المرجئة و الخوارج كتبوا عن فرقهم و كتبوا في الردّ على غيرهم من مخالفيهم،لكن أحدا لم يتعرض إلى عقائد القرامطة.و قد كتب بعضهم في الرد عليهم كما كتب آخرون في شرح عقائد أهل الباطن و قد أنكر أهل هذه الفرقة ما قاله هؤلاء عنهم (1).

و لهذا السبب فقد أطلقت عليهم أسماء مختلفة تبعا للبيئة التي تحاول تعرفيهم،يقول الخواجه نظام الملك بهذا الصدد:كانوا يعرفون بأسماء متعددة فهم يعرفون في حلب و مصر ب«الإسماعيلية»،و في قم و كاشان و طبرستان و سبزوار ب«السبعية»و في بغداد،و ماوراء النهر ب«القرامطة»و في الري ب «الخلفية»و في إصفهان...إلخ (2).

و قبل تشكيل الدولة الفاطمية كان الإسماعيليون لا يعيرون اهتماما كبيرا بالنشاط السياسي و كانوا يركزون جهودهم على النشاط الدعوي و إعداد الكوادر،و لهذا نجد قادة الإسماعيلية من قبيل محمّد بن إسماعيل،عبد اللّه بن محمّد،أحمد بن عبد اللّه و حسين بن أحمد يقومون بأسفار إلى مناطق عديدة مثل الري،نهاوند،منطقة دماوند،سوريا جبال قندهار،نيسأبور،الديلم،اليمن، همدان،استنبول و آذربيجان حيث انبث دعاتهم في تلك المناطق. (3)

و من هنا أخفق العباسيون في القضاء على حركة القرامطة اللذين ينسبون أنفسهم للإسماعيلية (4).97

ص: 246


1- انظر:التنبيه و الاشراف،دار الصاوي للطبع و النشر و التأليف،القاهرة،ص 341.
2- سياسة نامه،انتشارات علمي،طهران 1364 ه ش،ص 311.
3- انظر،جعفريان،رسول،تاريخ التشريع في إيران حتى القرن السابع للهجرة،منظمة الإعلام الإسلامي قم ط الخامسة،1377 ه ش ص 207-209.
4- المسعودي،عليّ بن الحسين،مروج الذهب،منشورات مؤسسة الأعلمي،بيروت 1411 ه،ج 4 ص 297

و في سنة 296 ه تمكن الإسماعيليون من تأسيس الدولة الفاطمية فوق مساحات واسعة كانت تحت النفوذ العبّاسي.

خلاصة الدرس الثاني و العشرون

لم يحدث انشقاقات داخل الكيان الشيعي في القرنين الأول و الثاني للهجرة و استمر الوضع هكذا حتى نهاية القرن الثاني،من هنا ما حدث من جدل حول إمامة عليّ بن موسى الرضا هو ظهور«الواقفية»الذين وقفوا على إمامة موسى الكاظم عليه السّلام فيما دعي الذين قالوا بامامة عليّ بن موسى و قطعوا بذلك ب «القطيعة»و الاثني عشرية.

و بسبب ما يتمتع به الإمامان الحسن و الحسين عليه السّلام من احترام عميق فقد ظلّ الشيعة بمأمن من الأنشقاقات و التصدّع الداخلي.

إنّ أكثر الفرق التي نجد لها أسماء في كتب الفرق و الملل و النحل لا تنطبق عليها مقومات ما يمكن أن ندعوها بذلك،لأنّها في الغالب عبارة عن مجموعات صغيرة سرعان ما تتبدد بمجرد موت زعاماتها.

أمّا الفرق الفاعلة سياسيا و اجتماعيا فثلاث فرق هي:الكيسانية،الزيدية و الإسماعيلية.

***

أسئلة الدرس الثاني و العشرون

1-متى ظهرت الانشقاقات في داخل الكيان الشيعي؟

2-ما هي الفرق التي كانت تمتلك واجهات اجتماعية؟

3-ما هي متبنيات الفرقة الزيدية في الأصول و الفروع؟

ص: 247

ص: 248

الدرس الثالث و العشرون

اشارة

أسباب التصدّع و الانشقاق في الطائفة الشيعية

إنّ مسألة الأئمة الاثني عشر التي وردت في العديد من الأحاديث النبويّة كانت قد استقرت في ضمير و وجدان الشيعة الأوائل من جيل الصحابة و التابعين،و كان بعضهم يعرفهم بأسمائهم من قبل ولادتهم كما نرى ذلك في الصحابي الجليل جابر بن عبد اللّه الأنصاري فقد جاء في كتب الحديث عن الصحابي الجليل:

لمّا أنزل اللّه عزّ و جلّ على نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (1)قلت:يا رسول اللّه عرفنا اللّه و رسوله، فمن أولو الأمر الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتك؟فقال صلّى اللّه عليه و آله:هم خلفائي يا جابر،و أئمة المسلمين من بعدي أوّلهم عليّ بن أبي طالب،ثمّ الحسن و الحسين،ثمّ عليّ بن الحسين،ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر،و ستدركه يا جابر،فإذا لقيته فأقرئه منّي السّلام،ثمّ الصادق جعفر بن محمّد،ثمّ موسى بن جعفر،ثمّ عليّ بن موسى،ثمّ محمّد بن عليّ،ثمّ عليّ بن محمّد،ثمّ الحسن بن عليّ،ثمّ سميّي و كنيّي حجة اللّه في أرضه، و بقيّته في عباده ابن الحسن بن عليّ،ذاك الذي يفتح اللّه تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض و مغاربها،ذاك الذي يغيب عن شيعته و أوليائه غيبه لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن اللّه قلبه للإيمان» (2).

ص: 249


1- النساء:الآية(59).
2- تفسير الصافي،ج 1 ص 366 و كمال الدين و تمام النعمة ج 1 ص 365.

و كان الصحابي الجليل اذا جلس في مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله (1)و هو معتم بعمامة سوداء و كان ينادي يا باقر العلم يا باقر العلم،فكان أهل المدينة يقولون:جابر يهجر فكان يقول:لا و اللّه ما أهجر و لكن سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:إنّك ستدرك رجلا من أهل بيتي اسمه اسمي و شمائله شمائلي يبقر العلم بقرا...».

و كان الأئمة من أهل البيت عليهم السّلام قد أثبتوا حقّانيتهم بالبراهين و الكرامات غير ان الفترات العصيبة التي مرّت بها الشيعة و ما لا قوه من معاناة قد حجبت الكثير من الحقائق او اشتبهت على الكثيرين الحقيقة و الحقّ و الجادة الصواب و فيما يلي العوامل التي ادّت إلى تشعب مسارات الشيعة:

1-أعوام القهر

بعد عام 40 ه بدأت فصول من القهر السياسي و الاضطهاد استهدفت أهل البيت عليهم السّلام و شيعتهم و لم يكن من السهل الاتصال بالأئمة عليه السّلام و بالتالي التعرّف عليهم.

و في النصف الثاني من القرن الأول للهجرة و تحديدا بعد سنة 72 ه هزم عبد اللّه بن الزبير على أيدي الحجّاج بن يوسف و لم يكن لا بن الزبير علاقات طيبة مع أهل البيت.

و كان يشدّد الخناق عليهم و على شيعتهم،ثمّ سارت الأمور بعد انتصار عبد الملك و تولّي الحجّاج حكم العراق و الحجاز مدّة عشرين سنة،و كانت حقبة الحجّاج من أصعب الفترات التي مرّ بها الشيعة،و تحول العراق في عهده إلى مسرح لعمليات دموية رهيبة،و تعرض الشيعة إلى القتل و الاعتقال و التشرّد و شهد

ص: 250


1- الشيخ الطوسي،اختيار معرفة الرجال(رجال الكشي)،مؤسسة آل البيت لإحياء التراث قم،1404 ه،ج 1 ص 218.

العراق و الحجاز هجرة المئات و فرارهم إلى أقاليم اخرى (1).

و قد اعتمد الإمام السجاد عليّ بن الحسين عليه السّلام منهج التقية،و كان يستثمر اسلوب الدعاء لابلاغ المعرفة و ترسيخ القيم الإنسانية و الاخلاقية،و في هذه الفترة العاصفة ظهرت الفرقة الكيسانية.

و بالرغم من أن الامامين الباقر و الصادق عليهما السّلام مرّا بظروف أفضل و حدث انفراج نسبي و تمتعا بنوع من الحرية حيث تبلورت من خلال جهودهما مدرسة أهل البيت عليهم السّلام الا إنّ الامر لم يستمر طويلا اذ سرعان ما تربع المنصور على كرسي الحكم و راح يقمع النشاط الشيعي بقسوة و قد حاول أغتيال الإمام الصادق اكثر من مرّة،و لما وصله خبر وفاته عليه السّلام أوعز إلى والي المدينة المنورة بالتعرف على خليفته و وصيّه و تصفيته.

غير أن الإمام الصادق الذي كان يدرك نوايا المنصور و اساليبه نظم وصيته و اثبت فيها خمسة اشخاص من بينهم المنصور نفسه،محمّد بن سليمان،عبد اللّه، موسى و السيدة حميدة زوجته (2).

و قد امضى الإمام موسى الكاظم عليه السّلام سنوات طويلة من حياته في السجون، و كان موسى الهادي الخليفة العبّاسي أول من قام باعتقاله،ثمّ اطلق سراحه.

و في عهد هارون الرشيد اعتقل الإمام اربع مرات و قام بقطع الاتصالات مع شيعته (3)و في هذه الفترة عانت الشيعة من الحيرة و ظلت دون قائد ما وفر الفرصة لدعاة الاسماعيلية و الفاطمية،و كان هارون الرشيد قد صعد من حربه على أهل البيت،و كان الجواسيس يرصدون كل شاردة و واردة و قد بلغت الأجواء من7.

ص: 251


1- زين العاملي،محمّد حسين،الشيعة في التاريخ،انتشارات آستان قدس رضوي ط الثانية 1375 ه ش،ص 120.
2- الطبرسي،أبو عليّ الفضل بن الحسن،اعلام الورى،مؤسسة آل البيت لإحياء التراث قم،(1417 ه)،ج 2،ص 13.
3- المظفر،محمّد حسين،تاريخ الشيعة،منشورات مكتبة بصيرتي،قم(بدون تاريخ)،ص 47.

الاختناق أن عليّا بن إسماعيل يسافر إلى بغداد و يكيل الاتهامات لعمه الإمام الكاظم من أجل حفنة من الدراهم (1)و تكشف هذه الحادثة عن الحصار الاقتصادي الذي يتعرض له العلويون بحيث يقوم أحدهم بالوشاية ضد عمه.

أجل لقد شاعت لدى الغالبية من الشيعة حيرة إزاء إمامها هل هو حيّ أم ميت؟و لم تكن هذه بالمسألة الهينة و من هنا صرّح يحيى بن خالد البرمكي؛بأنه قد تمكّن من القضاء على(دين الرافضة)لأنهم يعتقدون أن الدين لا يقوم إلاّ بإمام حيّ و هم اليوم لا يدرون عن إمامهم أهو حيّ أم ميت (2).

و عند ما استشهد لم يحضره أحد من الشيعة و لعل هذا ما دفع بالواقفية إلى رفض فكرة موته،بالرغم من وجود سبب آخر يتعلق بما لدى زعماء الواقفية من الأموال التي يتعين عليهم دفعها لخليفة الإمام الشهيد.

لقد عاش أئمة أهل البيت عليهم السّلام في أجواء مراقبة شديدة،و صلت ذروتها في استدعاء الإمامين الهادي و العسكري إلى سامراء التي هي عبارة عن ثكنة عسكرية كبرى فعاشا هناك في ظروف صعبة تشبه ظروف الإقامة الجبرية،و بعد استشهاد الإمام العسكري،سعت السلطة إلى معرفة الخلف من بعده بسبب هواجسها من أن يكون هو المهدي الموعود و لذا قامت باعتقال زوجته،حتى جعفر بن عليّ المعروف بالكذاب وقف ضد أخيه،من هنا انتشرت عقائد الغلاة المعروفين بالنصيرية و زعيمهم محمّد بن نصير الفهري،كما التف بعضهم حول جعفر الكذاب الذي ادعى الإمامة (3).5.

ص: 252


1- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي،قم 1426 ه،ص 414.
2- زين العاملي،محمّد حسين،المصدر نفسه ص 123.
3- الشيخ الطوسي،اختيار معرفة الرجال(رجال الكشي)،مؤسسة آل البيت لإحياء التراث قم،1404 ه،ج 2،ص 805.

2-التقية

التقية عبارة عن إظهار المرء خلاف الحقيقة،بسبب الخوف و هي مبرّرة شرعيا و عقليا و معمول بها قبل الإسلام،ففي قصة سيدنا موسى بن عمران عليه السّلام نجد مؤمن آل فرعون الذي كان يكتم إيمانه،و عصر الرسالة في مكّة المكرمة تعرض عمار بن ياسر إلى تعذيب وحشي فأقر بالأوثان و عند ما شعر بالندم قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله (1):«فإن عادوا لمثلها فعد...».

و بسبب ما عاناه الشيعة من اضطهاد و ملاحقة فقد اعتمدوا منهج التقية بغية الحفاظ على حياتهم و تداوم وجودهم و هكذا استمر التشيع،تقول الدكتورة سميرة الليثي (2):«و من عوامل استمرار حركات الشيعة أيضا لجوء الأئمة العلويّين إلى التقية و الكتمان و الدعوة السرية مما أتاح الفرصة لنمو الحركات الشيعية و هي لا تزال في المهد بعيدة عن أيدي الخلفاء العبّاسيين و ولاتهم...».

من جهة أخرى فان التقية كانت أحد العوامل في ظهور الانشقاقات داخل الشيعة،و كان بعض الأئمة الأطهار ينتهجون ذلك و لم يعلنوا إمامتهم خوفا من سطوة الدولة،و فيما يلي حوار دار بين الإمام الرضا و بعض أصحابه (3):

قال له عليّ بن أبي حمزة الواقفي:جعلت فداك،اخبرنا عن أبيك عليه السّلام ما حاله؟فقال له:انه قد مضى،فقال له:فالى من عهد؟فقال:إليّ،فقال له:إنّك لتقول قولا ما قاله أحد من آبائك عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فمن دونه،قال:لكن قد قاله خير آبائي و أفضلهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فقال له:أما تخاف هؤلاء على نفسك؟فقال:لو خفت عليها كنت عليها معينا،إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتاه أبو

ص: 253


1- الأمين السيد محسن،اعيان الشيعة،دار التعارف للمطبوعات،بيروت(بدون تاريخ)،ج 1،ص 199.
2- جهاد الشيعة،دار الجيل،بيروت 1396 ه،ص 394.
3- عيون أخبار الرضا 2:213 حديث 20.

لهب فتهدده،قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:إن خدشت من قبلك خدشة فأنا كذّاب،فكانت أوّل آية نزع بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و هي أوّل اّيه انزع لكم ان خدشت خدشة من قبل هارون فأنا كذّاب.

فقال له الحسن بن مهران:قد أتانا ما نطلب ان أظهرت هذا القول،قال:فتريد ماذ؟أتريد أن أذهب إلى هارون فأقول له:أني إمام و أنت لست في شيء،ليس هكذا صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في أوّل أمره،إنّما قال ذلك لأهله و مواليه و من يثق به فقد خصّهم به دون الناس و أنتم تعتقدون الإمامة لكن كان قبلي من آبائي،و لا تقولون أنه انما يمنع عليّ بن موسى أن يخبر أن أباه حيّ تقيّة،فاني لا أتقيكم في أن أقول:أنّي إمام،فكيف أتقيكم في أن أدعي أنّه حي لو كان حيا.

و سئل الإمام الباقر ذات مرّة في ظروف تستدعي التقية فأجاب وفقا لذلك، و هذا ما حدا ببعض الشيعة إلى التراجع عن الاعتقاد بإمامته (1)،من جهة أخرى كان من بين الشيعة متطرفون لا يتفهمون منهج التقية،هذا التطرف دفع بهم إلى تبني المذهب الزيدي.

و من هنا انحسرت ظاهرة الانشقاق و ظهور المزيد من الفرق مع حدوث الانفراج النسبي و تمكن الأئمة من ممارسة دورهم التوعوي بين قواعدهم الشعبية.

ففي الفترة الانتقالية التي عاصرها الإمام الصادق عليه السّلام و ما أتيح له من انفراج نسبي لم نشهد ظهور فرق جديدة للشيعة.و بعد رحيله عليه السّلام و تفاقم الأوضاع في زمن المنصور الذي يعد في طليعة الخلفاء العباسيين في بطشه ظهرت فرق شيعية عديدة من قبيل؛الناووسيه،الإسماعيلية،الخطابية،القرامطة،السمطية و الفطحية (2).9.

ص: 254


1- الأشعري القمي،سعد بن عبد اللّه،المغالات و الفرق،مركز انتشارات علمي،طهران ص 75.
2- المصدر نفسه ص 79.

و في عهد الإمام الرضا عليه السّلام حدث قدر من التحسن في الأجواء السياسية بعد ان خفت و تيرة المطاردة و الملاحقة لأجهزة هارون بعد استشهاد الإمام الكاظم، إذ نشهد ان عددا من الواقفية (1)يتراجعون عن آرائهم و يعلنون إيمانهم بإمامة عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام،كما حدث تطور نوعي في مسار الإيمان بالإمامة إذ استقبلت الشيعة إمامهم الجديد الإمام الجواد و آمنت به بالرغم من مسألة السن لقد كان الجواد في التاسعة من عمره فقط.و لعل جهود الإمام الرضا في تعريف خليفته هي وراء مرور هذه القضية بسلام.

3-الزعامة و حبّ الدنيا

و بسبب الأوضاع العاصفة،و اعتماد الأئمة عليه السّلام منهج التقية للحفاظ على وجود التشيع و كيان الشيعة،انتهز بعض الطموحين و الطامعين هذه الظروف و راحوا يصطادون في الماء العكر،و قد سئل الإمام الصادق ذات مرّة فأجاب (2):

«...بتأويلهم أحاديثنا يريدون بذلك السمعة و الدنيا...».

و قد تفاقمت هذه الظاهرة خاصة بعد انتشار التشيع في القرن الثاني الهجري و تحديدا بعد رحيل الإمام الصادق عليه السّلام،و قد ظل التشيع يعاني من هؤلاء في زمن الإمام الكاظم عليه السّلام و استمر ذلك إلى عهد الإمام الحسن العسكري و عادة ما تكون الدنيا،المال،الزعامة بواعث لنشاط أولئك الانتهازيين.فقد ادعى المغيرة بن سعيد بأن الإمام بعد رحيل الإمام الباقر زاعما بان السجاد و الباقر قد أوصيا له بالإمامة،فانفصلت وفقا لذلك مجموعة من الشيعة دعيت ب«المغيرية».

و بعد استشهاد الإمام الصادق عليه السّلام ظهرت عدة فرق من قبيل الناووسية

ص: 255


1- من قبيل:عبد الرحمن بن الحجّاج،رفاعة بن موسى،يونس بن يعقوب،جميل بن دراج،حماد بن عيسى و آخرون.
2- الشيخ الطوسي،اختيار معرفة الرجال(رجال الكشي)،مؤسسة آل البيت لإحياء التراث،قم 1404 ه ج 1 ص 274.

و الخطابية و عادة ما تستفيد تلك الزعامات من أسماء الأئمة كمحور لا دعائاتهم، فابن ناووس زعم ان الإمام الصادق لم يمت و أنه هو المهدي فتشكلت فرقة الناووسية،أما الخطابية فقد أنكرت موت إسماعيل بن الإمام الصادق عليه السّلام،فكان زعيمهم هو الإمام (1)،و بعد استشهاد الإمام الكاظم في السجن حدث تطور في ظهور الفرق إذ كانت الأموال و الأطماع الباعث الوحيد تقريبا في إنكار وفاة الإمام الكاظم و بالتالي رفض إمامة عليّ بن موسى فقد اتفق بعض وكلائه على هذه المقولة لتصفوا لهم الأموال التي بحوزتهم من الحقوق الشرعية.

فقد كانت بحوزت زياد القندي الأنباري سبعون ألف دينار ولدى عليّ بن حمزة ثلاثون ألف دينار يقول يونس: (2)

«مات أبو الحسن عليه السّلام و ليس من قوامه أحد إلاّ و عنده المال الكثير،و ذلك سبب وقوفهم و جحودهم موته،و كان عند زياد القندي سبعون ألف دينار،و عند عليّ بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار،قال:رأيت ذلك و تبيّن على الحقّ،و عرفت من أمر أبي الحسن الرضا عليه السّلام ما علمت فكلمت و دعوت الناس إليه،قال:فبعثا إليّ و قالا لي:لا تدعو إلى هذا إن كنت تريد المال فنحن نغنيك و ضمنا لي عشرة آلاف دينار و قالا لي:كفّ فقلت لهما إنا روينا عن الصادقين أنهم قالوا:«إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه فإن لم يفعل سلب عنه نور الإيمان»و ما كنت ادع الجهاد و أمر اللّه على كلّ حال،قال فناصاباني و أظهرا لي العدواة».

و يقول سعد بن عبد اللّه الأشعري: (3)

«فرقة منهم يقال لها الهموية أصحاب محمّد بن بشير مولى بني أسد من أهل1.

ص: 256


1- المصدر نفسه ص 80.
2- الغيبة للشيخ الطوسي ص 26.
3- الأشعري القمي،سعد بن عبد اللّه المصدر نفسه ص 91.

الكوفة،قالت أن موسى بن جعفر لم يمت و لم يحبس،و أنّه غاب و استتر،و هو القائم المهدي،و أنه في وقت غيبته استخلف على الأمّة محمّد بن بشير و جعله وصيّه و أعطاه خاتمه و علّمه جميع ما يحتاج إليه رعيته من أمر دينهم و دنياهم، و فوضّ إليه جميع أموره و أقامه مقام نفسه،فمحمّد بن بشير الإمام من بعده.

حدّثني محمّد بن عيسى بن عبيد عن عثمان عن عيسى الكلابي أنّه سمع محمّد بن بشير يقول:الظاهر من الإنسان ارضيّ و الباطن أزليّ.و قال أنّه كان يقول بالاثنين و ان هشام بن سالم ناظره عليه فأقرّ به و لم ينكره،و أنّ محمّد بن بشير لما توفي أوصى إلى ابنه سميع بن محمّد فهو الإمام و من أصي إليه سميع فهو إمام مفترض طاعته على الأمّة إلى وقت خروج موسى بن جعفر و ظهوره فما يلزم الناس من حقوق في أبيهم غير و ذلك فما يتقربون به إلى اللّه فالفرض عليهم أداؤه إلى أوصياء محمّد بن بشير إلى قيام القائم...».

4-القلوب الضعيفة

إذا حاولنا تفهم ظاهرة الغلو و وجود الغلاة نفسيا فان العقول الصغيرة و النفوس القلقة لا تتحمل في العادة ان تحافظ على قدر من التوازن إزاء كرامة يرونها او ظاهرة مميّزة،فيجنحون في عقائدهم نحو الغلو بما يخرج الإمام من حالته البشرية و كان الأئمة في موقفهم إزاء هؤلاء في غاية الحزم و لم يتساهلوا في التصدّي لهم و تفنيد مزاعهم و حتى لعنهم،ذلك ان من بين أولئك زعامات كانت تنتهز هذه الظاهرة لا عن عقيدة و إنما عن أطماع رخيصة و قد نقل الكنسي ان سبعين من الزط في البصرة كانوا يغالون في عليّ عليه السّلام بعد حرب الجمل (1).

ص: 257


1- لما انتهى أمير المؤمنين من حرب الجمل أتاه سبعون رجلا من الزط فسلّموا عليه و كلّموه بلسانهم فردّ عليهم بلسانهم و قال لهم:إني لست كما قلتم أنا عبد اللّه مخلوق،قال:فأبوا عليه و قالوا له:أنت أنت هو قال لهم: لئن لم ترجعوا عما قلتم فيّ و تتوبوا إلى اللّه تعالى لا قتلنّكم قال،فأبوا أن يرجعوا و يتوبوا فأمر أن تحفر لهم آبار فحفرت ثمّ فرق بعضها إلى بعض ثمّ فرّقهم فيها ثمّ طمّ رؤوسها ثمّ ألهب النار في بئر منها ليس فيها أحد فدخل الدخان عليهم فماتوا».الشيخ الطوسي،أخبار معرفة الرجال(رجال الكشي)مؤسسة آل البيت لإحياء التراث قم 1404 ه،ج 1 ص 325.

و كما ذكرنا ان هناك انتهازيين كانوا يستثمرون هذه الظاهرة لمصلحتهم كما حصل لأبي الخطاب الذي أسس فرقة الخطابية و ادعى ان الإمام الصادق نبيّ ثمّ قال ان اللّه حلّ في جسمه ثمّ ادعى لنفسه الإمامة (1).

و في فترة الغيبة الصغرى ادعى أبو نصير انه السفير و الباب و الوكيل للامام المهدي ثمّ ادعى النبوّة و وصل به الأمر إلى ادعاء الإلوهية (2)و عادة ما يلاحظ أولئك انتهازيو المستوى الثقافي لأتباعهم و الأجواء النفسية ليطرحوا مزاعمهم و أفكارهم المنحرفة.

جهاد الأئمة ضد تيار الغلاة

شكّلت ظاهرة الغلو و تيار الغلاة أكبر التحديات الخطيرة التي واجهت الشيعة في مسارهم التاريخي الطويل.و قد استغلت السلطة هذه الظاهرة لاتهام الشيعة بشكل عام بالغلو و التطرف في نظرتهم إلى الأئمة الأطهار عليه السّلام.و لسنا بصدد الحديث عن فرق الغلاة و بيان أفكارهم و آرائهم،سوى الإشارة إلى المحور الأساسي و القاسم المشترك بين تيارات الغلو المختلفة إذ أنها تشترك في حالة التطرف في حق الأئمة و إخراجهم من حالتهم البشرية.

و يمكن القول ان هناك عوامل خارجية تحاول ضرب الإسلام من الداخل بالتشجيع على هذه الأفكار المتطرفة.فهناك في الأمم المغلوبة من يفكر بالانتقام

ص: 258


1- الشهرستاني،كتاب الملل و النحل،منشورات الشريف الرضي،قم ج 1 ص 160.
2- الشيخ الطوسي المصدر نفسه ج 2 ص 805.

من الإسلام الذي قهرهم و لا توجد وسيلة أنجع من ضرب أصول الإسلام التي تتمحور حول التوحيد،و قد حاولت أجهزة الحكم ضرب التشيع من الداخل بتغذية هذه الأفكار و دعم بعض الشخصيات المتطرفة و بالتالي اتهام الشيعة بالغلو و الزندقة و الخروج عن الإسلام.

و المؤشرات تفيد من أن ظاهرة الغلو بدأت في عهد الإمام عليّ عليه السّلام الذي بهر العقول بعبقريته و عدالته و إنسانيته ما دفعهم إلى التصريح بآرائهم حول إلوهية الإمام عليه السّلام و قد تصدّى الإمام بحزم و أعدم أول مجموعة من الغلاة (1)

اما عبد اللّه بن سبأ فهو شخصية و همية من مخترعات سيف بن عمر و لكن الطبري المؤرخ قام بنقل هذه الأوهام و منحها وجودا تاريخيا و إلاّ فان سيف بن عمر مشهور بالكذب (2)

و قد واجه الأئمة عليه السّلام هذه الظاهرة بحزم و شدّة و كانوا يعلنون آراهم في زعمائهم و يلعنونهم و يحذرون من خطرهم و انحرافهم،و قد حرّموا على شيعتهم مجالسة الغلاة و إقامة علاقات معهم (3).

و قد لعن الإمام الصادق بعض زعماء الغلاة (4)منهم:المغيرة بن سعيد،بيان، صائد النهدي،الحارث الشامي،عبد اللّه بن الحارث،الحمزة بن عمار البربري و أبو الخطاب.و من الجدير ذكره أن أكثر نهايات هؤلاء كانت سيئة و قد قتل بعضهم شرّ قتلة يقول الإمام الرضا عليه السّلام: (5)1.

ص: 259


1- الشيخ الطوسي،المصدر نفسه،ص 325.
2- انظر:العسكري،السيد مرتضى،عبد اللّه بن سبأ و أساطير أخرى،ط السادسة 1413 ه 1992 م،ج 2،ص 328-375.
3- الشيخ الطوسي،المصدر نفسه،ج 2 ص 586.
4- المصدر نفسه،ص 577.
5- المصدر نفسه،ص 591.

«كان بنان يكذب على عليّ بن الحسين عليه السّلام فأذاقه اللّه حرّ الحديد و المغيرة بن سعيد يكذّب على أبي جعفر عليه السّلام فأذاقه اللّه حرّ الحديد،و أبو الخطاب يكذّب على أبي عبد اللّه عليه السّلام فأذاقه اللّه حرّ الحديد و الذي يكذّب عليّ محمّد بن فرات...».

و تفاقمت ظاهرة الغلاة في عهد الإمام الحسن العسكري و قد صدرت عن الإمام بيانات شديدة اللهجة تضمنت لعن الكثيرين منهم من قبيل قاسم اليقطيني، عليّ بن مسكة القمي،ابن بابا القمي الفهري،محمّد بن نصير النميري (1)و فارس بن حاتم القزويني.

و بسبب هذه البيانات التي صدرت عن الأئمة حول الغلاة و انحرافهم و خطرهم فان بعض المدن و المراكز الشيعية كانت تقوم بطرد الغلاة و لا تسمح لهم بالسكن فيها فقد جاء في ترجمة حسين بن عبد اللّه انه اتهم بالغلو مع مجموعة من أصحابه و طردوا من قم (2)

و نقل ابن حزم عن أبي الحسن محمّد بن أحمد من نسل الإمام الكاظم عليه السّلام في القرن الثالث الهجري انه كان شديدا على الغلاة في منطقة آذربيجان فتآمروا على قتله و أقنعوا مفلح غلام ابن أبي الساج حاكم آذربيجان باغتياله (3)

خلاصة الدرس الثالث و العشرون

بالرغم من وجود الروايات و الإخبار التي ذكرت أسماء الأئمة الاثني عشر و ما وراه الصحابة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله من أحاديث بشأنهم،الا إنّ الظروف التي تلت رحيل

ص: 260


1- المصدر نفسه،ص 805.
2- رجال ابن خلدون،منشورات الرضي،قم،ص 240.
3- جمهرة انساب العرب،بيروت،ط الأولى،1403 ه،ص 63.

النبي صلّى اللّه عليه و آله و ما مرّ به الشيعة من منعطفات تاريخية قد أثارت الكثير من غبار الشك و فقدت هذه المسألة وضوحها وراء ضباب الحوادث و غبار السنين.و من العوامل التي أدت إلى انحراف بعض المجموعات الشيعية عن جادة الصواب هي:

1-اعوام القهر:بعد سنة 40 ه أمسك الأمويون بزمام الحكم و سيطر جو من الرعب و الخوف على الحياة السياسية و الاجتماعية و الإرهاب الفكري.

و قد استمرت هذه الأجواء من بعد انهيار الحكم الأموي،و لهذا كان الشيعة يواجهون صعوبات في التعرف على أئمتهم و الاتصال بهم.

2-التقية:بالرغم من أن التقية حفظت التشيع و مكنت الشيعة من الاستمرار في نشاطهم.الا إنّها من جهة أخرى كانت من ضمن العوامل في انشقاق مجموعات شيعية و انفصالها عن الكيان العام بسبب امتناع بعض الأئمة و في فترات حرجة عن التصريح بإمامتهم.

3-حبّ الزعامة و الدنيا:انتهز بعض الشيعة الظروف السائدة و راحوا يستغلون ذلك من أجل التأسيس لزعاماتهم و الحصول على مكاسب دنيوية.

4-القلوب الضعيفة:عادة ما يوجد أناس لا تتحمل عقولهم كرامة من إمام أو ولي و تقصر عقولهم الصغيرة عن تفهم هذه الكرامة ضمن إطار معقول و لذا فأنهم يجنحون إلى التطرف في نظرتهم للإمام،و قد انتهز بعض الطامعين و ذوي الطموح هذه الظاهرة و راحوا يغذون تيار الغلو و الغلاة و تعتبر هذه الظاهرة من اخطر ما واجهه التشيع في مساره الطويل و قد وقف الأئمة من الغلو و الغلاة موقفا شديدا و حازما و بذلوا جهودا كبيرة في مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة.

***

أسئلة الدرس الثالث و العشرون

1-ما هي أسباب انشقاق الفرق الشيعية؟

2-ما هو موقف الأئمة من الغلاة؟تحدّث باختصار.

ص: 261

ص: 262

الفصل السابع: الميراث العلمي للشيعة

اشارة

ص: 263

ص: 264

الدرس الرابع و العشرون

اشارة

الميراث العلمي للشيعة

لا تخفى على أحد أهمية التأليف و التصنيف في الشريعة الإسلاميّة،ذلك ان الكتابة إحدى أهم الوسائل في انتقال العلم و المعرفة. (1)

و قد برز إحساس بأهمية الكتابة و ضرورتها بعد البعثة النبويّة الشريفة و ذلك من أجل تدوين آيات القرآن و تعليمها للمسلمين،و قد جاء في سيرة ابن هشام:

قال لعمر:«أ فلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم؟قال:و أي أهل بيتي؟قال:

ختنك و ابن عمك سعد بن فريد بن عمرو،و اختك فاطمة بنت الخطاب،فقدوا...

أسلما و تابعا محمّدا على دينه،فعليك بهما،قال:فرجع عمر عامدا إلى أخته و ختنه،و عندهما خباب بن الأرت معه صحيفة،فيها«طه»يقرئهما إيّاه» (2).

و في المدينة المنورة انتخب النبي عددا من المسلمين يوفون القراءة و الكتابة من أجل كتابة ما ينزل من الوحي،و كان الإمام عليّ عليه السّلام هو الكاتب الأساسي للوحي،و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله قد انتدبه لكتابة و تدوين المتشابه و المحكم من آيات القرآن الكريم و بيان الناسخ و المنسوخ منها في كتاب سماه:«الصحيفة الجامعة» و هو من إملاء النبي صلّى اللّه عليه و آله و تشتمل الصحيفة على الحلال و الحرام،و الأحكام و السنن و الفرائض و ما يحتاجه الناس في أمور المعاش (3)كما يوجد كتابان

ص: 265


1- ابن خلدون،عبد الرحمن بن محمّد،مقدمة،دار إحياء التراث العربي،بيروت 1408 ه،ص 417.
2- ابن هشام،السيرة النبويّة،دار المعرفة،بيروت(بدون تاريخ)،ج 1،ص 344.
3- النجاشي،احمد بن عليّ،فهرست أسماء مصنفي الشيعة،مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين قم،1407 ه،ص 360.و الطبرسي،إعلام الورى بأعلام الهدى،مؤسسة آل البيت لإحياء التراث،قم ط الأولى،(1417 ه)،ج 1،ص 536.

آخران ينسبان إليه أيضا و هما«الصحيفة»و كتاب«الفرائض» (1)

و كان عدد من الصحابة أيضا قد قاموا بجمع أحاديث النبي صلّى اللّه عليه و آله في كتاب دعي«الصحيفة»و قد روى البخارى عن أبي هريرة قوله:«ما من أصحاب النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أحد أكثر حديثا عنه منّي إلاّ ما كان من عبد اللّه بن عمرو فإنّه كان يكتب و لا أكتب» (2).

و ما حصل بعد وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله ان الخليفة الثاني منع تدوين الحديث (3)و قد استمر هذا المنع إلى عهد عمر بن عبد العزيز الذي رفع الحظر عن عملية تدوين الأحاديث النبويّة الشريفة:«و كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم انظر ما كان من حديث رسول اللّه فاكتبه» (4).

و لم يترجم هذا الإجراء في رفع الحظر عمليا حتى أواخر القرن الثاني فعلى اساس ما نقله الغزالي ان أوائل المؤلفين في تدوين الحديث لدى أهل السنة هم:

ابن جريح،معمر بن راشد،مالك بن أنس،و سفيان الثوري (5)و هذه شخصيات ترتبط بالنصف الثاني من القرن الثاني للهجرة و سنوات وفياتهم حسب ترتيب أسمائهم هي:150،152،179 و 191 هجرية.

و ما قاله الغزالي ليس دقيقا لأن بعضا من كبار الصحابة بادروا إلى تدوين الحديث في مرحلة مبكرة من تاريخ الإسلام،من قبيل سلمان الفارسي،أبو ذر2.

ص: 266


1- الشيخ الطوسي،محمّد بن الحسن،تهذيب الأحكام،مكتبة الصدوق،ط الأولى 1376 ه ش-1418 ه ق ج 1 ص 338،342.
2- صحيح البخاري،دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع،ج 1،ص 36.
3- حيدر أسد،الإمام الصادق عليه السّلام و المذاهب الأربعة،دار الكتاب العربي،بيروت ط الثالثة،1403 ه،ج 1،ص 544.
4- صحيح البخاري،دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع،بيروت،ج 1،ص 33.
5- ابن شهر اشوب،معالم العلماء،منشورات المطبعة الحيدرية،النجف،1380 ه ص 2.

الغفاري و أبو رافع القبطي،يقول ابن شهر اشوب:«قال الغزالي أوّل كتاب صنّف في الإسلام كتاب ابن جريح«الآثار»،و«حروف التفاسير»عن مجاهد،و عطاء بمكّة،و معمر بن راشد الصنعاني باليمن،ثمّ كتاب الموطأ بالمدينة لمالك بن أنس،ثمّ جامع سفيان الثوري،بل الصحيح أنّ أوّل من صنف فيه أمير المؤمنين عليه السّلام جمع كتاب اللّه جلّ جلاله،ثمّ سلمان الفارسي(رضي اللّه عنه)، ثمّ أبو ذر(رحمه اللّه)ثمّ الأصبغ بن نباتة،ثمّ عبيد اللّه بن أبي رافع ثمّ الصحيفة الكاملة عن زين العابدين» (1).

و كذا ابن النديم يصرح بأن تاريخ التدوين لدى الشيعه يعود إلى القرن الأول للهجرة (2)و من هنا اشار الذهبي إلى هذه الحقيقة في ترجمته«أبان بن تغلب»:

«فهذا كثير في التابعين و تابعيهم مع الدين و الورع و الصدق،فلو ردّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبويّة» (3).

و لهذا نجد كثيرا من فقهاء و محدثي أهل السنة و خاصّة أئمة المذاهب الأربعة ينهلون بواسطة و مباشرة من علم الإمام الصادق و تتخذ منهم لدى محدثي الشيعة و أخذوا عنهم الحديث (4).

و حول إعداد الكتب التي ألفت و صنفت لدى الشيعة في القرون الثلاثة الأولى فيقول صاحب الوسائل ان عددها يربو على الستة آلاف و ستمائة كتاب و ذلك في الفترة الممتدة بين أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام و عهد الإمام الحسن العسكري عليه السّلام:«أما ما نقلوه منه و لم يصرّحوا باسمه فكثير جدا في كتب الرجال8.

ص: 267


1- معالم العلماء لابن شهر آشوب:ص 38 ط قم.
2- ابن النديم،الفهرست،دار المعرفة للطباعة و النشر،بيروت(بدون تاريخ)،ص 307.
3- ميزان الاعتدال ج 1 ص 5 دار المعرفة،بيروت 1383 ه.
4- ابن ابي الحديد،شرح نهج البلاغة،دار إحياء التراث العربي،بيروت ج 1 ص 18.

يزيد على ستة آلاف و ستمائة كتاب على ما ضبطناه» (1).

و تعددت الحقول العلمية التي ألف فيها الشيعة بما في ذلك العلوم الحديثة فقد ألفوا في الأدب،اللغة،الشعر،علوم القرآن،التفسير،الحديث،أصول الفقه، الكلام،التاريخ،السيرة،الرجال و الأخلاق،.و كان لهم في كل ذلك تأليفات كثيرة و كانوا هم المؤسسين للعديد من هذه العلوم في تاريخ الإسلام،فهذا أبو الأسود الدؤلي الشاعر الشيعي أول من أسس لعلم النحو (2)و هو أول من نقط القرآن الكريم (3)،كما أن أول كتاب في اللغة هو كتاب العين،الذي ألفه الخليل بن احمد الفراهيدي (4)و هو من علماء الشيعة (5)،

و يعترف ابن حجر بان الشيعة هم أول من كتب في السيرة و المغازي (6)و بعد هذه النظرة العابرة؛من المفيد ان نتحدث بإيجاز عن علوم الحديث و الفقه و الكلام حيث لمدرسة التشيع مرتكزاتها و أصولها الخاصّة.

الحديث

اشارة

الحديث الشريف او السنة ثاني أهم المصادر في الفقه الإسلامي بعد القرآن الكريم،و هي عبارة عن قول و فعل و تقرير المعصوم،و يحصر أهل السنة ذلك في حديث النبي و سيرته و سنته قولا و فعلا و تقريرا غير ان الشيعة يتوسعون في ذلك

ص: 268


1- الشيخ الحر العاملي،محمّد بن الحسن،وسائل الشيعة،المكتبة الاسلأميّة،طهران ط السادسة 1367 ه ش، ج 20،ص 49.
2- ابن النديم،المصدر نفسه،ص 61.
3- البستاني،دار المعارف،دار المعرفة،بيروت(بدون تاريخ)،ج 1 ص 788.
4- ابن النديم،المصدر نفسه ص 63.
5- الاردبيلي الغروي الحائري،محمّد بن عليّ،جامع الرواة،منشورات مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي قم 1403 ه،ج 1 ص 298.
6- ابن حجر العسقلاني،تحرير تقريب التهذيب،مؤسسة الرسالة،بيروت ط الأولى 1417 ه،1997 م،ج 3 ص 211،212.

لتشمل الأحاديث و السنّة سيرة المعصومين من آله قولا و فعلا و تقريرا و يعتبرون ذلك حجة. (1)

و فيما يلي إشارة إلى الآثار الحديثية في عهد الأئمة عليه السّلام حيث يمكن تقسيمها إلى أربعة مراحل في أربع طبقات:

إشارة إلى الآثار الحديثية و تقسيمها إلى أربعة مراحل
الطبقة الأولى: [وفقا لرأي النجاشي]

وفقا لرأي النجاشي فان الطبقة الأولى لمدوني الحديث هم كل من:أبو رافع القطبي،عليّ بن ابي رافع،ربيعة بن سميع،سليم بن قيس الهلالي،الاصبغ بن نباته المجاشعي،و عبيد بن الحر الجعفي (2)و هؤلاء من أصحاب الإمام عليّ و الحسن و الحسين.

الطبقة الثانية: [أصحاب الإمام السجاد عليه السّلام و الإمام الباقر]

و هم من بين أصحاب الإمام السجاد عليه السّلام و الإمام الباقر،و وفقا لدراسات تاريخية يبلغ عدد من ألف في الحديث اثني عشر مصنفا. (3)

و يمكن الإشارة إلى أبان بن تغلب الذي يحظى بمنزلة طيبة لدى الأئمة الأطهار قال له الإمام الباقر:«اجلس في مسجد المدينة و افت الناس فإنّي أحبّ أن يرى في شيعتي مثلك» (4).

ص: 269


1- الشهيد الثاني،الشيخ زين الدين،ذكرى الشيعة في احكام الشريعة،ط حجرية ص 4 و الرعاية في علم الدراية،الشهيد الثاني،منشورات مكتبة المرعشي ط الأولى 1408 ه ص 52،50.
2- رجال النجاشي،مؤسسة النشر الإسلامي،جامعة المدرسين،قم 1407 ه ص 4-9.
3- و هم كل من:برد الاسكافي،ثابت بن ابي صفية،أبو حمزة الثمالي،ثابت بن هرمز،بسام بن عبد اللّه الصيرفي،محمّد بن قيس البجلي،حجر بن زائدة الحضرمي،زكريا بن عبد اللّه الفياض،ابن جهم الكوفي، الحسين بن ثوير،عبد المؤمن بن قاسم الانصاري،عبد الغفار بن قاسم الأنصاري و أبان بن تغلب،النظر الرباني الشيرازي،عبد رحيم،مقدمة وسائل الشيعة،المكتبة الاسلأميّة ط السادسة 1403 ه ص ياء.
4- انظر:النجاشي،احمد بن عليّ،فهرست أسماء مصنفي الشيعة،مؤسسة النشر الإسلامي جامعة المدرسين قم،1407 ه،ص 10.

و يشير النجاشي إلى تعدد فنونه إذ يقول:«و كان أبان(رحمه اللّه)مقدما في كلّ فن من العلم في القرآن و الفقه و الحديث و الأدب و النحو و اللغة و له كتب منها:

تفسير غريب القرآن و كتاب الفضائل» (1).

و كذا أبو حمزة الثمالي الذي قال فيه الإمام الصادق:«أبو حمزة في زمانه مثل سلمان في زمانه» (2).و من تأليفاته كتاب النوادر،كتاب الزهد و تفسير القرآن. (3)

الطبقة الثالثة: [عصر الامام الصادق(ع)]

شهد عصر الإمام الصادق عليه السّلام نموا متسارعا في مختلف العلوم كما توفرت للشيعة اجواء من الحرّية النسبية نشطت خلالها فعاليتهم العلمية و الثقافية و كان الإمام الصادق محور جامعة اسلأميّة كبرى كما يقول الشيخ المفيد:«و لا تقولوا عنه كما تقولوا،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة الثقاة،على اختلافهم في الآراء و المقالات،فكانوا أربعة آلاف رجل» (4).

يقول الحسن بن عليّ الوشاء و هو من تلامذة الإمام الرضا عليه السّلام انه رأى في مسجد الكوفة تسعمائة محدث كلهم يقول حدثني جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام. (5)

و من هنا فقد اعتمدت أجوبته الأربعمائة أساسا للكتب الأربعمائة (6)التي اعتبرت أصولا.و هناك كتب أخرى في مختلف حقول المعرفة و فنون العلم ألّفها أصحاب الإمام الصادق و تلامذته.

ص: 270


1- المصدر السابق ص 11.
2- المصدر نفسه ص 115.
3- ابن شهر اشوب،معالم العلماء،منشورات المطبعة الحيدرية،النجف 1380 ه،ص 30.
4- الشيخ المفيد،الارشاد،المكتبة الاسلأميّة طهران 1376 ه ش،ص 525.
5- النجاشي،المصدر نفسه ص 39،40.
6- إعلام الورى بأعلام الهدى،مؤسسة آل البيت لإحياء التراث العربي،قم ط الأولى(1417 ه)،ج 1،ص 35.
الطبقة الرابعة: [تالى مرحلة الإمام الصادق عليه السّلام]

و في هذه المرحلة التي تلت مرحلة الإمام الصادق عليه السّلام ظهرت كتب حديثة كثيرة فقد ألّف الحسين بن سعيد الكوفي و هو من أصحاب الإمام الرضا عليه السّلام ثلاثين كتابا في الحديث (1)،كما ألّف محمّد بن أبي عمير و هو من أصحاب الإمام الرضا عليه السّلام 94 كتابا،كما ألّف صفوان البجلي من أصحاب الرضا و الجواد عليهما السّلام ثلاثين كتابا و سمّى معظمها ب«المجامع»و من أصحاب المجموعات الحديثية المتأخرين:ثقة الإسلام الكليني،الشيخ الصدوق و الشيخ الطوسي اللذين قاموا بتدوين الحديث اعتمادا على ما ألّفه الأقدمون.

خلاصة الدرس الرابع و العشرون

إنّ مسألة التأليف و التدوين في غاية الأهمية و قد حث عليها الإسلام،و قد برزت الحاجة إلى التدوين بعد نزول الوحي و عرف بعض المسلمين بأنهم كتّاب الوحي.

و قد قام الإمام عليّ عليه السّلام و بعض الصحابة بتدوين أحاديث النبي صلّى اللّه عليه و آله تحت عنوان الصحيفة.

يعود تاريخ تدوين الحديث لدى أهل السنة إلى النصف الثاني من القرن الثاني.ذلك ان الخليفة الثاني أصدر منعا حول تدوين الأحاديث النبويّة.الا إنّ بعض الصحابة الشيعة دوّنوا الحديث النبوّي فكانوا منذ أوائل المؤلفين و هم كل من الصحابي سلمان الفارسي،أبو ذر الغفاري و أبو رافع القبطي.

ألّف علماء الشيعة من عهد الإمام الحسن العسكري ما يربو على الستة آلاف و ستمائة حديث.

ص: 271


1- ابن شهر آشوب،معالم العلماء،منشورات المطبعة الحيدرية،النجف 1380 ه،ص 40.

و تنقسم الآثار الحديثية في عهد الأئمة عليه السّلام أربع طبقات في أربع مراحل:

الطبقة الأولى:و هم أصحاب الإمام عليّ عليه السّلام و السبطين الحسن و الحسين عليهم السّلام.

الطبقة الثانية:و هم أصحاب الإمام السجاد و الباقر عليهم السّلام.

الطبقة الثالثة:و هم أصحاب الإمام الصادق.

الطبقة الرابعة:و هم أصحاب الأئمة؛الكاظم،الرضا،الجواد،الهادي و العسكري عليهم السّلام.

أسئلة الدرس الرابع و العشرون

1-كيف كان تدوين القرآن في زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله؟

2-هل كان صحابة النبي صلّى اللّه عليه و آله يقومون بتدوين الحديث الشريف؟

3-من هم أول من قام بتدوين الحديث لدى أهل السنة؟و في أية فترة زمنية؟

4-من هم رواد التدوين لدى الشيعة؟

5-كم يبلغ عدد الكتب المؤلفة لدى الشيعة حتى زمن الإمام العسكري؟

6-تحدث بإيجاز عن الطبقة الأولى من محدثي الشيعة.

7-تحدث بإيجاز عن تدوين الحديث في عهد الإمام الصادق عليه السّلام.

8-الي أي فترة زمنية تنتمي المدونات الحديثية التي ظهرت تحت عنوان «الجامع»؟

ص: 272

الدرس الخامس و العشرون: علم الفقه

اشارة

إنّ مجموع السلوكيات الإنسانية و العلاقات بين الإنسان و ربه و بين الناس أنفسهم بحاجة إلى تنظيم و قواعد حيث علم الفقه يتكفل ذلك.ان قوانين الإسلام هي قوانين الهية و مصدرها اللّه سبحانه.كما ان إرادة اللّه سبحانه لا تأتي من مسائل اعتبارية بل إنها تنهض على مسألة المصالح و المفاسد التكوينية و الحقيقية،و ان سيدنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله هو رسول اللّه هو حكمه هو حكم اللّه: وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى (1)،على أساس هذه الآية الكريمة:

أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (2) و أولي الأمر هم خلفاء الرسول بالحق و تأتي طاعتهم انطلاق من طاعة اللّه و الرسول صلّى اللّه عليه و آله؛و من هنا فان حديث الأئمة المعصومين لا ينفصل عن حديث النبي و حديث النبي امتداد للوحي الذي لا ينطق عن الهوى.

الفقه في عصر الصحابة و التابعين

بعد رحيل النبي صلّى اللّه عليه و آله حدث انعطاف في المسار الحقيقي للإسلام،و أقصي خليفة النبي بالحق حيث ظهرت مرجعيات دينية في المسائل الشرعية من بين أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله،و قد ظهر من بين الصحابة من تصدّى للإفتاء يقول ابن سعد:«أخبرنا محمّد بن عمر الأسلمي أخبرنا جارية بن أبي عمران عن

ص: 273


1- النجم:الآيتان(4،3).
2- النساء:الآية(59).

عبد الرحمن بن قاسم عن أبيه عن أنّ أبا بكر الصديق كان إذا نزل به أمر يريد فيه مشاورة أهل الرأي و أهل الفقه دعا رجالا من المهاجرين و الأنصار و دعا عمر و عثمان و عليّا و عبد الرحمن بن عوف و معاذ بن جبل و أبي بن كعب و زيد بن ثابت و كلّ هؤلاء كان يفتي في خلافة أبي بكر و إنّما تصير فتوى الناس إلى هؤلاء النفر،فمضى أبو بكر على ذلك،ثمّ ولي عمر فكان يدعو هؤلاء النفر و كانت الفتوى تصير و هو خليفة إلى عثمان و أبي زيد» (1).

بالرغم من نبوغ شخصيات فقهية كبرى من بين الشيعة من قبيل ابن عباس و أبو سعيد الخدري و بدأت تستقطب عموم المسلمين لتصبح مرجعيات دينية شاخصة (2)و تجدر الإشارة إلى أنّ الشيعة كانوا يراجعون الأئمة المعصومين في هذه الفترة في المسائل الشرعية و عموم المعارف الإسلاميّة،من هنا لم يكن الفقه و الاجتهاد كما نعرفه اليوم مطروحا في تلك الفترة،و لكن بعد مضي جيل الصحابة تصدّى التابعون لإحداث حركة في مسار الفقه بسبب بروز قضايا جديدة و ظهر اصطلاح الفقيه ليطلق على تلك الشخصيات من جيل التابعين،و من بينهم ما يعرف تاريخيا ب«الفقهاء السبعة». (3)

الفقه لدى الشيعة

إنّ مسار الفقه لدى الشيعة يختلف مما هو عليه لدى أهل السنة،ذلك أنّ حضور الإمام المعصوم حال دون بروز الحاجة إلى الاجتهاد،غير انه يمكن

ص: 274


1- الطبقات الكبرى،دار إحياء التراث العربي،بيروت،ط الأولى 1410 ه،ج 2 ص 267 و في ط دار صادر ص 350.
2- المصدر السابق ص 279،385.
3- و هم كما اثبتهم ابن سعد في طبقاته:سعيد بن المسيّب،أبو بكر بن عبد الرحمن،عروة بن الزبير،عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة،القاسم بن محمّد،خارجة بن زيد،و سليمان بن سيار،إنظر.المصدر نفسه ص 293.

القول ان الفقه الشيعي في عصر الأئمة و حتى نهاية الغيبة الصغرى كان في مرحلة التفريع و إعداد الأرضية للاجتهاد. (1)

و بسبب وجود المعصوم و فتح باب العلم على مصراعيه،و حضور النص فانه لم تبرز حاجة إلى الاجتهاد الذي يسند في الغالب إلى أدلة ظنيّة و من هنا فأن الفقه الشيعي الذي استند إلى الاجتهاد ظهر لأول مرّة عن طريق ابن أبي عقيل العماني(المتوفى مطلع القرن الرابع الهجري)و هو معاصر للكليني ثمّ أعقبه محمّد بن جنيد الاسكافي(المتوفى أواسط القرن الرابع الهجري)حيث دعم و عزز أسس الاجتهاد و الاستنباط الفقهي.و هما ينتميان إلى جيل الأقدمين أو هكذا أطلق على أولئك الفقهاء.و قد قاد كل من الشيخ المفيد(المتوفى سنةه.

ص: 275


1- يعتقد آية اللّه إبراهيم جناتي ان الفقه الشيعي مر بثمانية مراحل منذ صدر الإسلام و حتى العصر الحاضر: المرحلة الأولى:مرحلة ظهور مباديء الاجتهاد و تبدأ من هجرة النبي صلّى اللّه عليه و آله حتى سنة 11 ه المرحلة الثانية:مرحلة التمهيد و اعداد الارضية لاستخدام الاجتهاد و تبدأ من رحيل النبي صلّى اللّه عليه و آله و حتى نهاية الغيبة الصغرى. المرحلة الثالثة:و هي مرحلة تدوين القواعد الاصولية و عناصر الاجتهاد المشتركة و تبدأ من زمن ابن أبي عقيل المتوفى سنة 329 ه و حتى زمن الشيخ الطوسي(المتوفى سنة 460 ه). المرحلة الرابعة:مرحلة استخدام عناصر الاجتهاد المشتركة في المنابع و المصادر و تبدأ من زمن الشيخ الطوسي إلى زمن حفيده ابن ادريس(المتوفى سنة 598 ه). المرحلة الخامسة:مرحلة اتساع الاستدلال في القضايا الاجتهادية و تبدأ من زمن ابن ادريس إلى زمن البهبهاني(المتوفى سنة 1205 ه). المرحلة السادسة:مرحلة تكامل الاجتهاد و تبدأ من زمن الوحيد البهبهاني إلى زمن الشيخ الانصاري(المتوفى سنة 1281 ه). المرحلة السابعة:مرحلة التعمق الفكري في البحوث الاجتهادية و تبدأ من زمن الشيخ الانصاري إلى زمن الإمام الخميني(قدس سره). المرحلة الثامنة:مرحلة استخدام الاجتهاد بطريقة جديدة و رائدها الإمام الخميني(رض). انظر:ادوار الاجتهاد،سازمان انتشارات كيهان ط الأولى 1372 ه ش الفصل الثاني و ما بعده.

413 ه)،و السيد المرتضى علم الهدى(المتوفى سنة 436 ه)مسار الاجتهاد إلى زمن الشيخ الطوسي(المتوفى سنة 460 ه)و في زمن الشيخ الطوسي ذلك الرجل العبقري وصل الفقه إلى مرحلة الازدهار فإضافة إلى كتابيه الجليلين في الحديث و هما«التهذيب»و«الاستبصار»فقد قام بتأليف الكتب الفقهية و الاجتهادية فألّف كتاب«النهاية»،«المبسوط»و«الخلاف».

و لم يكن الاجتهاد و الفقه قد طرح بهذا المستوى في عصر الأئمة،بسبب البعد المكاني و صعوبة اتصال الناس بالأئمة عليه السّلام فإنهم عليهم السّلام بادروا إلى طرح و بيان مجموعة من المعايير لمعرفة الفقهاء الذين ينبغي الرجوع إليهم و الذين يمكنهم ممارسة نوع من الاجتهاد الابتدائي و تقديم أجوبة للناس على مسائلهم،كما ورد ذلك في مقبولة عمر بن حنظلة الذي عاصر الإمام الصادق عليه السّلام حيث تقدم اثنان من الشيعة في مسألة شرعية مثل الدين و الميراث فكان جوابه عليه السّلام كما يلي:«عن عمر بن حنظلة قال:سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة...فقلت:فكيف يصنعان قال:ينظران من كان منكم ممّن روى حديثنا و نظر في حلالنا و عرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإنّي قد جعلته عليكم حاكما» (1).

و ربما قام الأئمة بتحديد شخص ما كمرجع يراجعه الناس في مسائلهم الشرعية و الدينية فقد روى الشيخ الطوسي ان عليّ بن المسيب التقى الإمام الرضا عليه السّلام و سأله (2):عن عليّ بن المسيب قال:«قلت للرضا عليه السّلام شقتي بعيدة2.

ص: 276


1- الحر العاملي،محمّد بن الحسن،وسائل الشيعة،المكتبة الاسلأميّة،طهران،ج 18 ص 99 كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي،باب 11،حديث 1.
2- الشيخ الطوسي،اختيار معرفة الرجال،مؤسسة آل البيت عليه السّلام لإحياء التراث العربي قم 1404 ه،ج 2 ص 857 ح 1112.

و لست أصل إليك في كل وقت،فممّن آخذ معالم ديني فقال:زكريا بن آدم القمي المأمون على الدين و الدنيا».

و هكذا بالنسبة للإمام الباقر و طلبه من أبان بن تغلب أن يجلس في مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله لإفتاء الناس.قال له أبو جعفر عليه السّلام:«اجلس في مسجد المدينة و افت الناس» (1).

بدء الاجتهاد

و في هذه المرحلة قام الأئمة الاطهار بتعليم تلامذتهم أصول الفقه و قواعد الاستنباط و قد ظهرت مجموعة من الكتب صنفها علماء الشيعة منسوبة إلى الأئمة المعصومين،مثل:«كتاب أصول آل الرسول»و هو من تأليف هاشم الخوانساري و كتاب«الأصول الاصيلة»تأليف السيد عبد اللّه بن محمّد رضا حسين و كتاب «الفصول المهمة في أصول الأئمة»تأليف محمّد بن الحسن الحر العاملي. (2)

و هناك في كتب الرجال مجموعة من كبار أصحاب الأئمة كانوا في عداد الفقهاء فعلى سبيل المثال يقول النجاشي في الفضل بن شاذان:"كان ثقة احد أصحابنا الفقهاء و المتكلمين" (3)

الفقهاء من أصحاب الأئمة

أحصى الشيخ الطوسي ثمانية عشر فقهيا كانوا من أصحاب الإمام الباقر عليه السّلام، الإمام الصادق عليه السّلام،الإمام الكاظم عليه السّلام و الإمام الرضا عليه السّلام و عرّفهم على انهم

ص: 277


1- النجاشي،احمد بن عليّ،رجال النجاشي،مؤسسة النشر الإسلامي،جامعة المدرسين قم،1407 ه ص 10.
2- الصدر،السيد حسن،تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام،منشورات الاعملي،طهران(بدون تاريخ)ص 310.
3- النجاشي،المصدر نفسه ص 307.

الفقهاء من أصحاب ابي جعفر،الفقهاء من أصحاب أبي عبد اللّه عليه السّلام و الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم عليه السّلام و أبي الحسن الرضا عليه السّلام و أضاف مستطردا بأن الشيعة يجمعون على صحة مروياتهم و يعترفون بأفقهيتهم من بين سائر أصحاب الأئمة عليه السّلام،ثمّ قسمهم الشيخ الطوسي إلى ثلاث طبقات:

الطبقة الأولى:الفقهاء من أصحاب الإمام الباقر عليه السّلام و هم كل من:زرارة، معروف بن خربود،بريد،أبو بصير الأسدي،الفضل بن يسار و محمّد بن مسلم الطائفي حيث زرارة أفقه هؤلاء الستة و هم من أصحاب الإمام الصادق عليه السّلام ايضا.

الطبقة الثانية:الفقهاء من أصحاب الإمام الصادق عليه السّلام و هم كل من:جميل بن دراج،عبد اللّه بن مسكان،عبد اللّه بن بكير،حماد بن عيسى و حماد بن عثمان.

الطبقة الثالثة:الفقهاء من أصحاب الإمام الكاظم و الإمام الرضا عليهما السّلام و هم كل من:يونس بن عبد الرحمن،صفوان بن يحيى،بياع السابري،محمّد بن أبي عمير،عبد اللّه بن المغيرة،حسن بن محبوب،و احمد بن محمّد بن أبي نصر (1)

و قد ذكر ابن النديم ايضا و في قسم اخبار الفقهاء الشيعة و تأليفاتهم عددا من الفقهاء من أصحاب الأئمة عليه السّلام و قال انهم من المشايخ الذين رووا الفقه عن الأئمة ثمّ أورد اسماءهم و هم كل من:صالح بن أبي الاسود،عليّ بن غرّاب،أبو يحيى ليث المرادي،زريق بن الزبير،أبو سلمة البصري،اسماعيل بن زياد،أبو احمد عمر بن الرفيع،داود بن فرقد،عليّ بن رئاب،عليّ بن إبراهيم المعلّى، هشام بن سالم،محمّد بن حسن العطار،عبد المؤمن بن القاسم الانصاري،سيف بن عميره النخعي،إبراهيم بن عمر الصنعاني،عبد اللّه بن ميمون القداح،ربيع بن أبي مدرك،عمر بن أبي زياد الابزاري،زكريا بن يحيى الواسطي،أبو خالد بن30

ص: 278


1- الشيخ الطوسي،اختيار معرفة الرجال(رجال الكشي)،مؤسسة آل البيت لإحياء التراث،قم ج 2،ص 507،736،830

عمرو بن خالد الواسطي،حريز بن عبد اللّه الازدي السجستاني،عبد اللّه الحلبي، زكريا المؤمن،المثنى بن أسد الخياط،عمر بن اذينة،عمار بن معاوية الدهني العبدي الكوفي،معاوية بن عمار الدهني،الحسن بن محبوب الرّاد و قد ذكر لكل فقيه منهم كتابا في الفقه. (1)

خلاصة الدرس الخامس و العشرون

ان منظومة السلوك البشري تحتاج إلى قوانين تتكفل تنظيمها و هو علم الفقه.

و بعد رحيل النبي صلّى اللّه عليه و آله انفصل الناس عن خلفائه بالحق و كانوا يراجعون أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و آله.

و بعد انتهاء مرحلة الصحابة برز عدد من الفقهاء لدى أهل السنة.أما الفقه لدى الشيعة فقد كان يختلف تماما،و ذلك لاستمرار حضور المعصوم،و لهذا لم تكن ثمة حاجة للاجتهاد و كان الفقه في تلك المرحلة يحمل أرضية للاجتهاد، و لم يطرح الفقه على أساس الاجتهاد إلاّ في عهد ابن أبي عقيل العماني في القرن الرابع الهجري.

مع الإشارة إلى أن الاجتهاد كان مطروحا في زمن الأئمة من أهل البيت عليهم السّلام و ذلك لأن الأئمة الأطهار كانوا يرشدون أصحابهم إلى كيفية الاجتهاد و لهذا ظهرت في تلك الفترة كتب الأصول.

و قد عرّف الشيخ الطوسي 18 من أصحاب الأئمة عليهم السّلام:الباقر،الصادق، الكاظم،و الرضا عليهم السّلام على أنهم من فقهاء الأصحاب.

***

ص: 279


1- الطوسي أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ،الفهرست،دار المعرفة للطباعة و النشر(بدون تاريخ)ص 308.

اسئلة الدرس الخامس و العشرون

1-كيف كان الفقه في عهد الصحابة و الى من كان يرجع الشيعة في تلك المرحلة؟

2-كيف أن الفقه لدى الشيعة في وجود المعصومين عليهم السّلام؟

3-متى بدأ الفقه لدى الشيعة؟اشرح ذلك باختصار.

4-كم كان عدد الفقهاء من أصحاب الأئمة الأطهار عليهم السّلام؟

ص: 280

الدرس السادس و العشرون: الكلام

اشارة

الكلام علم يختص و يهتم بمنظومة العقائد التي يتوجب على كل مسلم الإيمان بها.و بعبارة أخرى:علم يتكفل بمناقشة و دراسة أصول الدين.

إنّ أول اختلاف وقع في أصول الدين كان بعيد رحيل النبي صلّى اللّه عليه و آله،يقول الشهرستاني (1):«ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة في كلّ زمان...».

و يقول النوبختي:«قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في شهر ربيع الأوّل سنة (2)سنة عشر من الهجرة و هو ابن ثلاث و ستين سنة و كانت نبوّته صلّى اللّه عليه و آله ثلاثا و عشرين سنة و أمّه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب،فافترقت الأمّة ثلاث فرق(فرقة منها)سميت الشيعة و هم شيعة عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و منهم افترقت الشيعة كلّها،(و فرقة منهم)ادّعت الإمرة و السلطان و هم الأنصار و دعوا إلى عقد الأمر لسعد بن عبادة الخزرجي،(و فرقة)مالت إلى أبي بكر بن أبي قحافة و تأوّلت فيه أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم ينصّ على خليفة بعينه» (3).

و من هنا بدأ جدل بين الشيعة و سائر المسلمين في مسألة الإمامة و استمر هذا الجدل و الاحتجاج.

اما الاختلاف في سائر الأصول و المرتكزات الدينية فقد ظهر في أواخر القرن

ص: 281


1- الشهرستاني،الملل و النحل،منشورات الشريف الرضي،قم،ط الثانية 1364 ه ش ج 1 ص 30.
2- المشهور ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله توفي في الثامن و العشرين من صفر.
3- النوبختي،أبو محمّد الحسن بن موسى،فرق الشيعة،المطبعة الحيدرية،النجف 1355 ه،1936 م ص 2،3.

الأول و أوائل القرن الثاني للهجرة يقول الشهرستاني بهذا الصدد (1):«فحدثت في آخر أيّام الصحابة بدعة معبد الجهني و غيلان الدمشقي و يونس الأسواري في القول بالقدر و إنكار إضافة الخير و الشر إلى القدر و نسج على منوالهم واصل بن عطاء الغزال و كان تلميذ الحسن البصري و تلمذ له عمرو بن عبيد و زاد عليه في مسائل القدر...».

و قد ظهرت بعض الفرق الكلاميّة في تلك الفترة من بينها:الوعيدية، الخوارج،المرجئة و الجبريّة.

و قد استعر الجدل الكلامي بعد اعتزال واصل بن عطا مجلس الحسن البصري و بالتالي ظهور مذهب المعتزلة (2)،و على هذا فان مدرسة المعتزلة تستند إلى الأدلة العقلية في مقابل مدرسة أهل الحديث الذين كان يطلق عليهم ب «الحشوية»و قد استمر الوضع في هذا المسار حتى نهاية القرن الثالث للهجرة عندما انفصل أبو الحسن الأشعري عن مذهب المعتزلة و راح يدافع عن مدرسة أهل الحديث في أطر عقلية و بالتالي تبلور مذهب الأشاعرة (3).هذا و لم يسجل أي تقدم يذكر للمذهب المعتزلي بل كان يسجل تراجعا مستمرا أمام أهل الحديث حيث أصبح الخطاب الرسمي لأهل السنّة من خلال الكلام الأشعري.

أما الكلام الشيعي فيعدّ أقدم مدرسة كلاميّة لدى المسلمين حيث الإمام عليّ عليه السّلام الإمام الأوّل لدى الشيعة أول من تكلم في القضايا العقيدية من قبيل التوحيد،القضاء و القدر،الجبر و الاختيار و صفات اللّه عز و جل.و قد جمعت مباحثه في هذا المضمار في نهج البلاغة.5.

ص: 282


1- الشهرستاني،المصدر نفسه ص 35.
2- المصدر نفسه ص 500.
3- المصدر نفسه ص 86،85.

أما الجدل و المناقشات و الحوارات الكلاميّة لدى الشيعة في مسألة الإمامة فقد بدأت بعد وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله مباشرة،و تمحورت حول أحقية الإمام عليّ بالخلافة و قد اثبت الشيخ الصدوق اثني عشر من كبار الصحابة كانوا قد نهضوا لمواجهة رجال السقيفة و دافعوا عن حق الإمام عليّ عليه السّلام بالخلافة.

و قد اجتمعوا على أبي بكر في مسجد النبي صلّى اللّه عليه و آله و ذلك بعد أيام من اجتماع السقيفة و قد عجز الخليفة عن تقديم تبرير مقنع حول ما حصل. (1)

و أعقب هذا قيام أبي ذر بسلسلة من الاعتراضات المتواصلة ضد مسار السقيفة بشكل عام إلى أن قام عثمان بنفيه إلى الشام ثمّ إلى الربذة ليموت وحيدا.

كما عرف ابن عباس و هو ابن عم النبي و السياسي الهاشمي البارز و المفسر و حبر الأمة بدفاعه عن مدرسة التشيع و كان لا ينفك يدافع عن حقانية الإمام عليّ عليه السّلام حتى اخذ عليه الخليفة الثاني هذه المواقف و انتقد تصريحاته و تكراره ان حقنا قد غصب.و قد كف بصره في أخريات عمره و أيامه. (2)

عن سعيد بن جبير قال بلغ ابن عبّاس أنّ قوما يقعون في عليّ،فقال لابنه عليّ بن عبد اللّه:خذ بيدي فاذهب بي إليهم فأخذ بيده حتى انتهى إليهم فقال:أيكم الساب اللّه فقالوا سبحان اللّه من سبّ اللّه فقد أشرك فقال:أيّكم الساب رسول للّه صلّى اللّه عليه و آله فقالوا من سبّ رسول اللّه فقد كفر فقال:أيّكم الساب لعليّ عليه السّلام قالوا قد كان ذلك،قال فاشهدوا أني سمعت رسول اللّه يقول:«من سبّ عليّا فقد سبّني و من سبّني فقد سبّ اللّه و من سبّ اللّه أكبّه اللّه على وجهه في النار»ثمّ ولى عنهم فقال لابنه كيف رأيتهم فانشأ يقول:7.

ص: 283


1- الشيخ الصدوق،الخصال،منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية،قم،1403 ه،ص 461-465.
2- الشيرازي،السيد عليّ خان،الدرجات الرفيعة،منشورات مكتبة بصيرتي،قم(بدون تاريخ)،ص 127.

نظروا إليك بأعين محمرة نظر التيوس إلى شفار الجازر

قال زدني فداك أبوك فقال:

خزر الحواجب ناكس إذ قامهم نظر الذليل إلى العزيز القادر

قال زدني فداك أبوك فقال:ما أجد مزيدا قال لكن أجد:

أحياؤهم خزي على أمواتهم و الميتون فضيحة للغابر

و من بين أصحاب أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام رجال أفذاذ من قبيل صعصعة بن صوحان،ميثم التمار،كميل بن زياد،اويس القرني،سليم بن قيس،الحارث الهمداني و الأصبغ بن نباته عرفوا بالدفاع عن حق الإمام عليه السّلام و ناظروا العديد من خصومه في ظروف بالغة القسوة.

أما فيما يخص أول مؤلف لدى الشيعة في علم الكلام فان ابن النديم و كذا ابن شهر آشوب يذهبان إلى أن عليّ بن إسماعيل بن ميثم التمار أول من صنّف و ألّف في علم الكلام حيث ألف كتاب الإمامة و كتاب الاستحقاق. (1)غير أن المرحوم السيد حسن الصدر يرى أنّ أول من صنف في علم الكلام هو عيسى بن روضة. (2)جدير ذكره أن أقدم كتاب كلامي للشيعة وصل إلينا هو كتاب الإيضاح و مؤلفه الفضل بن شاذان النيسأبوري(المتوفى سنة 260 ه)و هو من أصحاب الإمامين الهادي و العسكري عليهما السّلام.

و قد ازدهر علم الكلام في عصر الإمام الصادق مثله مثل سائر العلوم و قد نبغ فيه تلامذة للإمام عليه السّلام من قبيل هشام بن الحكم،مؤمن الطاق فضالة بن حسن،0.

ص: 284


1- ابن النديم،المصدر نفسه ص 249 و ابن شهر اشوب،معالم العلماء،منشورات المطبعة الحيدرية،النجف، 1380 ه-1960 م،ص 62.
2- تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام،منشورات الاعلمي،طهران(بدون تاريخ)ص 350.

جابر بن يزيد الجحفي،و لهم مصنفات في ذلك كما أنهم خاضوا مناظرات عديدة في هذا المضمار.

و يعد الفضل بن شاذان النيسابوري من أبرز المتكلمين الشيعة و قد عاصر الإمام الرضا،الإمام الجواد،الإمام الهادي و له مؤلفات كثيرة في علم الكلام و العقائد و المذاهب. (1)

و كذا الحسن النوبختي(المتوفى سنة 310 ه)هو الآخر من متكلمي الشيعة و من بين مؤلفاته و آثاره"فرق الشيعة".

خلاصة الدرس السادس و العشرون

يبحث علم الكلام في أصول الدين و العقيدة و قد ظهر أول اختلاف كلامي بعد وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله مباشرة و ذلك حول مسألة الإمامة.بعد ما تمخضت عنه واقعة السقيفة.

أما الاختلاف في سائر الأصول و المرتكزات فانه يرتبط بنهاية القرن الهجري الأول.

و قد تصاعدت حدّة الجدل الكلامي بعد تبلور المذهب المعتزلي.

و يعد كلام الشيعة من أقدم المدارس الكلاميّة لدى المسلمين،ذلك أن البحوث و الجدل و المناقشات الكلاميّة قد ظهرت لأول مرّة بعد رحيل النبي صلّى اللّه عليه و آله مباشرة و دارت حول مسألة الإمامة دفاعا عن حقانية عليّ عليه السّلام.

إنّ أول كتاب في علم الكلام صنفه عيسى بن روضه الشيعي المذهب كما أنّ أقدم كتاب موجود حاليا هو"الإيضاح"للفضل بن شاذان(المتوفى سنة 260 ه).

ازدهر الكلام لدى الشيعة في عصر الإمام الصادق عليه السّلام و قد نبغ فيه مجموعة من تلامذته.

***

ص: 285


1- النجاشي،فهرست اسماء مصنفي الشيعه،مؤسسة الفكر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين قم،1407 ه،ص 306.

أسئلة الدرس السادس و العشرون

1-حول أي من الأصول حصل الاختلاف بين المسلمين؟

2-متى بدأت المباحثات الكلاميّة لدى الشيعة؟

3-من هو مؤلف أول كتاب كلامي لدى الشيعة؟

ص: 286

الفصل الثامن: دور الشعراء الشيعة في نمو و انتشار التشيّع

اشارة

ص: 287

ص: 288

الدرس السابع و العشرون

اشارة

شعراء الشيعة و موقع الشعر

كان الشعر في ما مضى يحتل موقعا في غاية الأهمية؛فإلى جانب الأبعاد الأدبية و الجمالية فانه يعد في طليعة الأدوات و الوسائل الإعلاميّة على الإطلاق ذلك أن الشعر كان يقوم بما تقوم به الوسائل الإعلاميّة في العصر الراهن من صحف و إذاعات و قنوات تلفازية.

و في العصر الجاهلي كان موقع الشعر لدى العرب في غاية الوضوح من حيث ما يلعبه من دور في الحياة الاجتماعية و الأدبية ففي ذلك العصر كان العرب يمجدون الفصاحة و البلاغة و يولونها أهمية بالغة.و لهذا جاء القرآن الكريم يتحدى العرب في امهر ما يجيدونه و يمجدونه،جاء القرآن بفصاحته و بلاغته من هنا فان الشعر لدى العرب كان يحتل موقعا فريدا يقول اليعقوبي:

«و كانت العرب تقيم الشعر مقام الحكمة و كثير العلم،فإذا كان في القبيلة الشاعر الماهر،المصيب المعاني،المخبر الكلام،أحضروه في أسواقهم التي كانت تقوم في السنة و مواسم حجهم البيت،حتى تقف و تجتمع القبائل و العشائر،فتسمع شعره،و يجعلون ذلك فخرا من فخرهم،و شرفا من شرفهم،و لم يكن لهم شيء يرجعون إليه من أحكامهم و أفعالهم إلاّ الشعر،فيه كانوا يختصمون،و به يتمثلونه، و به يتقاسمون،و به يتناضلون،و به يمدحون و يعأبون» (1).

و بعد اجتماع السقيفة و ما أسفر عنه من نتائج و تبلور التشيع حافظ الشعر على موقعه،ذلك ان الشيعة بدأوا حركة في الدفاع عن آرائهم في مسائل الإمامة

ص: 289


1- ابن واضح،تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي،قم،ج 1،ص 262.

و الخلافة و الولاية،و من الطبيعي أن يسهم الشعراء في هذه الحركة حيث صوت الشعر من أقوى الأصوات في الدفاع عن مدرسة التشيع و محورها الأساس في حقانية الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام.

و قد أورد الزبير بن بكار و بالرغم من توجهاته المعادية للتشيع بعض الأشعار و منها شعر عتبة بن أبي لهب:

ما كنت احسب أن الأمر منصرف عن هاشم ثمّ منها عن ابي حسن

أ ليس أولى من صلّى لقبلتكم و اعلم الناس بالقرآن و السنن

و أقرب الناس عهدا بالنبي و من جبريل عون له في الغسل و الكفن

ما فيه ما فيهم لا يمترون به و ليس في القوم ما فيه من الحسن

ماذا الذي ردهم عنه فتعلمه ها أن ذا غبنا من أعظم الغبن (1)

و كان الأئمة عليه السّلام أيضا على اطلاع تام بدور الشعر و يكرمون الشعراء.انشد الكميت الأسدي ذات مرّة قصيدته الميمية و وصل إلى هذا البيت:

و قتيل بالطف غودر منهم بين غوغاء أمّة و طغام

فبكى الإمام الباقر عليه السّلام و قال (2):

«و اللّه يا كميت لو كان عندنا مال لأعطيناك منه و لكن لك ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لحسان بن ثابت:لم يزال معك روح القدس ما ذبيت عنّا».و عن الإمام الصادق عليه السّلام قال:«يا معشر الشيعة علموا أولادكم شعر العبدي (3)فإنّه على دين».

ص: 290


1- الزبير بن بكار،الاخبار الموفقيات،منشورات الشريف الرضي،قم 1416 ه،ص 581.
2- المسعودي،عليّ بن الحسين،مروج الذهب،منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت،ج 3،ص 254.
3- العبدي من أصحاب الإمام الصادق عليه السّلام و قد ورد اسمه في رجال الكشي:سفيان بن مصعب و كنيته أبو محمّد(الشيخ الطوسي،اختيار معرفة الرجال،مؤسسة آل البيت لإحياء التراث،قم 1404 ه،ج 2،ص 704) و قد ذكره ابن شهر اشوب في طبقة شعراء«المقتصد». و ورد ذكره في طبقة شعراء«المجاهد»باسم عليّ بن حماد العبيدي،انظر معالم العلماء،منشورات المطبعة الحيدرية،النجف،1308 ه،1961 م ص 147،151.

دين اللّه» (1).

و لهذا فقد تمتع الشعراء الشيعة من الذين كانوا يصرحون بالحقيقة بمنزلة رفيعة لدى محبي أهل البيت عليهم السّلام.يقول ابن المعتز؛إنّ أهل قم كانوا يمنحون دعبل الخزاعي الشاعر الشيعي خمسين ألف درهم سنويا. (2)

و من هنا فقد كان شعراء الشيعة يتعرضون للملاحقة و المطاردة و الاضطهاد سواء في الحكم الأموي او الحكم العبّاسي.

فقد تعرض الكميت بن زيد الأسدي للاعتقال و السجن في العهد الأموي بسبب أشعاره في مدح بني هاشم و وصفه لمعاناة أهل البيت.

كتب إليه بأخبار الكميت و هجائه بني أميّة،و أنفذ إليه قصيدته التي يقول فيها:

فيا ربّ هل إلاّ بك النصر يبتغى و يا ربّ هل إلاّ عليك المعوّل!

و هي طويلة يرثي فيها زيد بن عليّ عليه السّلام و يمدح بني هاشم،فلما قرأها أكبرها و عظمت عليه،و كتب إلى خالد يقسم عليه أن يقطع لسانه...فأخذ و حبس في المخيّس» (3).

كما تعرض سديف بن ميمون (4)لغضب المنصور بسبب أشعار قالها في تأييد محمّد النفس الزكية(5) و اصدر أمره إلى عبد الصمد بن عليّ حاكم المدينة فيه.

ص: 291


1- معالم العلماء ص 147.
2- الدكتور شوقي ضيف،تاريخ الادب العربي في العصر العبّاسي الاول،دار المعارف،بمصر ص 321.
3- أبو الفرج الإصفهاني،الاغاني،دار إحياء التراث العربي،بيروت،ج 17،ص 1-8.
4- سديف بن ميمون من موالي السجاد عليه السّلام و ذكره ابن شهر اشوب ضمن الشعراء المقتصدين في أهل البيت، و هو الذي حرّض بأشعاره السفاح و خلفاء بني العبّاس على الانتقام من بني أميّة؛انظر:الامين،السيد محسن، اعيان الشيعة،دار التعارف للمطبوعات،بيروت 1420 ه-2000 م ج 10 ص 135 رقم 7133.
5- محمّد النفس الزكية من احفاد الإمام الحسن السبط عليه السّلام أبو عبد اللّه بن الحسن المثنى.بايعه بنو هاشم على الخلافة فى اخريات العهد الأموي،و قد اخبر الإمام الصادق بأن امره لايتم،و لهذا عند ما انتصرت الثورة العباسية و تسنم أبو جعفر المنصور الخلافة بعد اخيه نظم حملة شديدة لمطاردة محمّد النفس الزكية الذي اضطر لاعلان الثورة في المدينة المنورة و قد قمعت ثورته و لقي محمّد النفس الزكية مصرعه.

دفنه حيّا. (1)

كان بن هرثمة شاعرا مجيدا مدح آل البيت بأبيات.

و لما دخل على المنصور قال:لا مرحبا و لا أهلا،قد بلغني عنك أشياء،لو لا ذلك فضلتك على نظرائك،فاقرّ لي بذنوبك فاستعفاه فعفى عنه حفظا لدمه،و قال:

لئن بلغني عنك أمر أكرهه لا قتلنّك (2).

و عاش دعبل الخزاعي حياته مطاردا و صرّح أكثر من مرّة يقول:أنا أحمل خشبتي على كتفي منذ خمسين سنة لست أجد أحدا يصلبني عليها» (3).

شعراء الشيعة حتى نهاية الغيبة الصغرى

كما أشرنا سابقا أن الشعر تحرّك للدفاع عن الحقيقة بعد اجتماع السقيفة و ما أسفر عنه من أوضاع جديدة.

و في خلافة الإمام علي عليه السّلام و تحديدا في حرب الجمل و حرب صفين صدح الشعراء من العراق و من الشيعة بحقّ الإمام عليّ عليه السّلام و قيلت أشعار كثيرة على لسان الصحابة من قبيل عمّار بن يسار،خزيمة بن ثابت،أبو أيوب الأنصاري،ابن عباس و...

و بعد صعود الأمويين إلى الحكم و الخلافة حافظ الشعراء الشيعة على ولائهم لأهل البيت عليهم السّلام،غير أن عددهم كان ضيئلا بالقياس إلى العصر العباسي،ذلك

ص: 292


1- ابن عبد ربه الاندلسي،العقد الفريد،دار إحياء التراث العربي،بيروت ج 5،ص 73،72.
2- أسد حيدر،الإمام الصادق و المذاهب الأربعة،دار الكتاب العربي بيروت،ط الثالثة 1403 ه،ج 1،ص 452.
3- الشكعة،الدكتور مصطفى،الأدب في موكب الحضارة الإسلأميّة،كتاب الشعراء،دار الكتب اللبنانية، ص 162،163.

أن العصر الأموي اتّسم بالقسوة الشديدة في التعامل مع شيعة أهل البيت عليهم السّلام و قد أشار أبو الفرج الإصفهاني إلى هذه الحقيقة خاصّة فيما يتعلق برثاء الإمام الحسين عليه السّلام:«و أما من تقدّم فما وقع إلينا رثى به،و كانت الشعراء لا تقدم على ذلك مخافة من بني أميّة و خشية منهم» (1).

و عند ما أنشد الكميت الأسدي هاشمياته خاطب عبد اللّه بن معاوية-من ذرية جعفر الطيّار-بني هاشم قائلا:«هذا الكميت قال فيكم الشعر حين صمت الناس من فضلكم و عرض دمه لبنيّ أميّة» (2).

و قبله اعتقل الفرزدق بسبب قصيدته المشهورة في مدح السجاد عليه السّلام التي ارتجلها في موسم الحج في حادثة معروفة (3).

أما العصر العبّاسي فلم يشهد اضطهادا للشعراء الشيعة على النحو الذي تعرضوا له في الحكم الأموي ذلك أن المجتمع الشيعي شهد نموا كبيرا جدا يتعذر فيه على أجهزة الحكم العبّاسي السيطرة عليه،كما أن سلطة العبّاسيين كانت تنحسر شيئا فشيئا و تخف قبضتهم على أزمّة الحكم و مقاليد الأمور،إضافة إلى ظهور عدد كبير من الشعراء للدفاع عن الحقيقة،و يشير شوقي ضيف إلى كثرة ما أنشد من شعر شيعي والى كثرة الشعراء من الشيعة و هم ينقسمون إلى مجموعتين:شعراء علويون و شعراء غير علويين» (4).

أما ما يخصّ عدد الشعراء الشيعة،فقد تعرض لإحصائهم ابن شهر آشوب، و علي خان الشيرازي و كذا موسوعة الغدير في الأدب للمرحوم الأميني و يبقى6.

ص: 293


1- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي،قم ص 121.
2- الغدير ج 2 ص 200 دار الكتاب العربي،1397 ه،بيروت أبو الفرج الإصفهاني،الأغاني،دار إحياء التراث العربي،بيروت،ج 17 ص 1-8
3- قطب الدين الراوندي،الخرائج و الجرائح،مؤسسة الإمام المهدي،قم،ط الأولى ج 1 ص 267.
4- ضيف،شوقي،تاريخ الأدب العربي،العصر العبّاسي الثاني،دار المعارف بمصر ص 386.

أكبر عمل حول تراجم الشعراء الشيعة هو ما قام به السيّد محسن الأمين،و قد أثبت إحصاءات دقيقة لهم و يمكن أن نتعرف على جميع الشعراء الشيعة منذ صدر الإسلام و حتى نهاية الغيبة الصغرى كالآتي (1):

أمير المؤمنين علي عليه السّلام،فاطمة زهراء عليها السّلام بنت رسول اللّه،الفضل بن عباس، م 12 يا 15 ه،ربيعة بن حارث بن عبد المطلب،م 23 ه،عباس بن عبد المطلب، م 32 ه،الحسن بن علي عليه السّلام،الحسين بن علي عليه السّلام،عبد اللّه بن ابي سفيان بن حارث بن عبد المطلب ش 61 ه،عبد اللّه بن عباس،م 68 ه،أم حكيم بنت عبد المطلب،القرن الأوّل الهجري،أروى بنت عبد المطلب،و من غير بني هاشم و صحابة النبي صلّى اللّه عليه و آله،النابغة الجعدي قيس بن عبد اللّه،القرن الأول الهجري،أبو الهيثم بن التيّهان الأنصاري،استشهد سنة 37 ه،خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، استشهد سنة 37 ه،عمّار بن ياسر ش 37 ه،عبد اللّه بن بديل بن ورقاء الخزاعي،استشهد سنة 37 ه،خزيم بن فاتك أسدي،القرن الأول الهجري، صعصعة بن صوحان العبدي،القرن الأول الهجري،ربيعة العامري م 41 ه، كعب بن زهير الأسلمي م 45 ه،حجر بن عدي الكندي،م 51 ه،كعب بن مالك الأنصاري،القرن الأول الهجري،قيس بن سعد الأنصاري،م 60 ه،منذر بن الجارود العبدي،م 61 أو 62 ه،سليمان بن صرد الخزاعي،استشهد سنة 65 ه،الأحنف بن قيس التميمي،م 67 أو 68 ه،عدي بن حاتم الطائي،م 68 ه، أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني،م 100 ه،هاشم المرقال،استشهد سنة 37 ه،مالك الأشتر،استشهد سنة 38 با 39 ه،ثابت بن عجلان الأنصاري،50 ه،النجاشي قيس بن عمرو الحارثي،قيس بن فهدان الكندي،م 51 ه،شريكي:

ص: 294


1- ما أحصاه المرحوم السيّد محسن الأمين منن شعراء الشيعة كالآتي:

بن الحارث الأعور،م 60 ه،سعية بن عريض،جرير بن عبد اللّه بجلي،الرباب ابنة امرء القيس،زوجة الإمام الحسين عليه السّلام،م 62 ه،أم البنين فاطمة الكلابية زوجة أمير المؤمنين،عبيد اللّه بن حزم الجعفي،المثنى بن مخرمة العبدي،أبو دهبل الجمحي،أبو الأسود الدؤلي،م 69 ه،عقبة بن عمرو السهمي،عبد اللّه بن عوف بن الأحمر،مسيب بن نجبة الفزاري،م 65 ه،عبد اللّه بن سعد بن نفيل،م 65 ه،رفاعة بن شداد البجلي،م 66 ه،أعشى حمدان،ابراهيم الأشتر،م 66 ه،أيمن بن خريم الأسدي،م 90 ه،الفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب،م 90 ه،أبو الرميح الخزاعي،م 100 ه،خالد بن معدان الطائي،م 103 ه،كثير عزة،م 105 ه،الفرزدق همام بن غالب التميمي،م 110 ه،سفيان بن مصعب العبدي،م 120 ه،زيد بن عليّ بن الحسين عليه السّلام،م 122 ه،سليمان بن قتيبة العدوي،م 126 ه،الكميت بن زيد الأسدي،م 126 ه،المستهل بن الكميت، يحيى بن يعمر،م 127 ه،الفضل بن عبد الرحمن بن عباس بن ربيعة بن حارث بن عبد المطلب،م 129 ه،مالك بن أعين الجهني،ورد بن زيد أخو الكميت،م 140 ه،قاضي عبد اللّه بن شبرمة الكوفي،م 144 ه،ابراهيم بن عبد اللّه بن الحسن،145 ه،موسى بن عبد اللّه،سديف بن ميمون،م 147 ه،محمّد بن غالب بن هذيل الكوفي،زرارة بن أعين،م 150 ه،ابراهيم بن هرثمة،150 ه، عبد اللّه بن معاوية من أحفاد جعفر الطيار،أبو هريرة العجلي،أبو هريرة الأبار، قدامة السعدي،جعفر بن عفان الطائي،م 150 ه،أبو جعفر مؤمن الطاق،شريك بن عبد اللّه النخعي،علي بن حمزة النحوي الكسائي،م 189 ه،منصور النمري، معاذ بن مسلم الهراء،م 188 ه،عبد اللّه بن غالب الأسدي،مسلم بن وليد الأنصاري،أبو نؤاس،السيد الحميري،م 199 ه،علي بن عبد اللّه الخوافي، عبد اللّه علي المراني،عبد اللّه بن أيوب الحريبي،القاسم بن يوسف الكاتب،

ص: 295

الأشجع بن عمرو السلمي،210 ه،محمّد بن وهيب الحميري،أبو دلف العجلي،م 255 ه،أبو طالب القمي،أبو تمام حبيب بن أوس الطائي،ديك الجن،236 ه،إبراهيم بن العباس الصولي،م 234 ه،ابن السكيت يعقوب بن إسحاق،244 ه،أبو محمّد عبد اللّه بن عمر البرقي،م 245 ه،دعبل بن علي الخزاعي،م 246 ه،محمّد بن عبد اللّه ابن عم دعبل،عبد اللّه بن محمّد الخزاعي، حسين بن دعبل الخزاعي،موسى بن عبد الملك،م 246 ه،أحمد بن خلاد الأشروي،أحمد بن إبراهيم،بكر بن محمّد النحوي،م 248 ه،أحمد بن عمران الأخفش،م 250 ه،أبو علي حسين بن الضحاك،م 250 ه،محمّد بن إسماعيل الصميري،م 255 ه،فضل بن محمّد،الحماني على بن محمّد،م 260 ه،، داود بن قاسم الجعفري،م 261 ه،ابن الرومي علي بن عباس،م 283 ه، البحتري،وليد بن عبيد الطائي،م 284 ه،علي بن محمّد بن منصور بن بسام،م 302 ه،أحمد بن عبيد اللّه،م 314 ه،البصري نصر بن أحمد،م 317 ه، البلدي محمّد بن أحمد،أحمد بن علويه الإصفهاني،م 320 ه،،أبو بكر محمّد بن حسن دريد،م 321 ه،محمّد بن أحمد بن إبراهيم الطباطبائي الحسني،م 322 ه،محمّد بن مزيد البوشنجي،م 325 ه،المفجّع البصري محمّد بن أحمد،م 327 ه،على بن عباس النوبختي م 329 ه (1).

شعراء الشيعة المبرزون

عادة ما يسطع في كل عصر اسم شاعر شيعي فحل يفوق أقرانه و يسبق أخوانه في أنشاد الشعر و في الدفاع عن الحق و الحقيقة و إعلان آيات الحب و الولاء لآل

ص: 296


1- راجع أعيان الشيعة ج 1 ص 166-172 دار التعارف للمطبوعات بيروت.

بيت الرسول صلّى اللّه عليه و آله،و من بين قوافل الشعراء يشعّ اسم الكميت بن زيد الأسدي، كثير عزّة،الفرزدق و السيّد الحميري و هؤلاء عاشوا في العصر الأموي و قد صنّف ابن عبد ربّه كلاّ من الكميت و كثير ضمن الشعراء الغلاة المتطرفين (1)و يروي المستهل بن الكميت قال:«حضرت أبي عند الموت و هو يجود بنفسه،ثمّ أفاق ففتح عينيه ثمّ قال:اللّهمّ آل محمّد،اللهمّ آل محمّد،اللهمّ آل محمّد ثلاثا» (2).

و ذكر ابن المعتز ان السيّد الحميري«لم يترك لعليّ بن أبي طالب فضيلة معروفة إلاّ نقلها إلى الشعر» (3)،و ذكر أبو الفرج الإصفهاني السيد الحميري و قال:

«لا يخلو شعره من مدح بني هاشم أو ذم غيرهم ممّن هو عنده ضد لهم.و روى الموصلي عن عمّه قال:جمعت 2300 قصيدة في الثناء على بني هاشم» (4).

و من هنا تمتّع السيّد الحميري بمنزلة رفيعة لدى الشيعة،و كان له مكان خاص في مسجد الكوفة (5).

و في العصر العبّاسي لمع اسمان من كبار الشعراء هما منصور النمري،و دعبل الخزاعي،و قد تعرضا للمطاردة و القهر السياسي،فقد أصدر هارون الرشيد أمرا بتصفية النمري الذي اختفى عن الأنظار إلى حين توفي هارون:

«و هذا منصور النمري أنشأ أبياتا منها:

آل النبيّ و من نحبّهم يتطامنون مخافة القتل

أمن النصارى و اليهود و من في أمّة التوحيد في أزل0.

ص: 297


1- ابن عبد ربّه الأندلسي،المصدر السابق،ج 5 ص 290.
2- أبو الفرج الإصفهاني،المصدر السابق ج 17 ص 40.
3- العلاّمة الأميني،الغدير،دار الكتب الإسلأميّة،طهران ج 2 ص 242 عند ابن المعتز في طبقاته ص 70.
4- المصدر السابق،ص 241 نقلا عن الأغاني ج 7 ص 236-237.
5- ابن عبد ربّه الأندلسي،المصدر السابق ج 4 ص 320.

إلاّ مصالة ينصرونهم بظبا الصوارم و القنا الذّل

فغضب الرشيد و أرسل إليه من يقتله فوجده ميتا فقال:هممت أن أخرج لسانه من قفاه،و أراد أن ينبش عظامه فيحرقه و لكنه لم يفعل» (1).

و يشير الدكتور مصطفى الشكعة إلى مديح دعبل الخزاعي لأهل البيت في أشعاره و قصائده و هجومه على الأمويين و العبّاسيين و كان لا يخشى في ذلك أحدا و لما حذّر من سطوتهم قال:أنني أحمل خشبتي خمسين سنة و لا أجد من يصلبني عليها» (2).

كما يشير الدكتور شوقي ضيف إلى كثرة ما أنشد من شعر شيعي في العصر العبّاسي الثاني و انّ بعض شعراء الشيعة كانوا من العلويين إضافة إلى غيرهم من الشيعة،و كان محمّد بن صالح العلوي الحمّاني و محمّد بن عليّ من أحفاد العبّاس بن عليّ في طليعة الشعراء في تلك الحقبة في عهد المتوكل و في شعرهما فخر بالآباء و الأجداد إضافة إلى التنويه بنظريات الشيعة و آرائهم (3).

خلاصة الدرس السابع و العشرون

تمتع الشعر في الماضي بموقع حيوي هام و كان له دور إعلامي في غاية الأهمية بالإضافة إلى الأبعاد الأدبية و الجمالية.

و بعد حادثة السقيفة أفاد الشيعة من الشعر في الدفاع عن أفكارهم و معتقداتهم

ص: 298


1- أسد حيدر،الإمام الصادق و المذاهب الأربعة،دار الكتاب العربي،بيروت،ط الثالثة(1403 ه)ج 1 ص 254 نقلا عن زهر الآداب ج 3 ص 70.
2- الأدب في موكب الحضارة الإسلأميّة،كتاب الشعراء،دار الكتاب اللبنانية،ص 162،163.
3- يبدأ العصر العبّاسي الثاني في مطلع القرن الثالث الهجري أو مع تولّي المعتصم الخلافة و نفوذ الأتراك في البلاط العبّاسي.

و في طليعتها مسألة الإمامة و كان للشعراء دورهم الهام في نشر التشيّع.

و كان الأئمة الأطهار عليهم السّلام على اطلاع كامل حول دور الشعر و نفوذ الشعراء و لهذا كانوا يكرمون الشعراء الشيعة،الذين كانوا يتعرضون و باستمرار للقهر و الاضطهاد من قبل الحاكمين في العصرين الأموي و العبّاسي على حد سواء.

و في عهد الإمام عليّ عليه السّلام و خلافته لم يكن الشعراء الشيعة وحدهم يدافعون عن حقّانية الإمام عليّ عليه السّلام بل انضم إليهم صحابة كبار فانشدوا أشعارا في الدفاع عن حق أمير المؤمنين عليه السّلام و خاصّة أثناء حرب الجمل و صفين.و قياسا إلى عدد شعراء العصر العبّاسي فإنّ عدد الشعراء الشيعة في العهد الأموي يعدّ ضئيلا.و يعود ذلك إلى قسوة النظام الأموي و سيطرة أجواء خانقة و حكّام دمويين.

و قد استمرت سياسة الاضطهاد بحقّ الشعراء الشيعة في العصر العبّاسي الأوّل، و لكن العصر العبّاسي الثاني شهد قدرا من الانفراج بسبب تنامي عدد الشعراء الشيعة و ضعف السلطة العبّاسية.

و يعد ما قام السيّد محسن الأمين في إحصاء شعراء الشيعة الأكثر شمولا و دقة في هذا المضمار.

***

أسئلة الدرس السابع و العشرون

1-ما هو موقع الشعر لدى العرب؟

2-ما هو دور الشعراء الشيعة بعد حادثة السقيفة؟

3-كيف تعامل الأئمة الأطهار مع الشعراء الشيعة؟

4-تحدث بإيجاز عن تعامل حكام بني أميّة و بني العبّاس مع الشعراء الشيعة.

5-ما هو أفضل مصدر حول الشعراء الشيعة؟و من هو مؤلفه؟

ص: 299

6-من هم الشعراء الشيعة المبرزين في العصر الأموي؟

7-من هم الشعراء الشيعة في العصر العبّاسي الأول و الثاني؟

ص: 300

الدرس الثامن و العشرون: اهتمامات شعراء الشيعة

اشارة

كان لشعراء الشيعة إسهامات عديدة في كل فنون الشعر و فيما يلي إشارة إلى بعض اهتماماتهم:

1-الاحتجاج على الغاصبين

أمسى شعراء الشيعة بالولاء للإمام علي عليه السّلام و الأئمة من ذريته،و لهذا فإنهم، احتجوا و استنكروا النتائج التي تمخضت عن اجتماع السقيفة و هكذا بدأ شعراء الشيعة دفاعهم عن حقوق آل البيت عليهم السّلام و كانوا يصورون للرأي العام أن آل النبيّ صلّى اللّه عليه و آله هم الامتداد الطبيعي للنبي صلّى اللّه عليه و آله و قد اشتهر الكميت في هذا الباب و هو باب الاحتجاج و كان رائدا في ذلك و يروي العلاّمة الشيخ الأميني ما قاله الجاحظ في هذا المضمار:

«و إنّك تجد الاحتجاج بما ذكره و غيره في كثير من شعر الصحابة و التابعين لهم بإحسان و في كلماته المنثورة قبل أن تنعقد نطفة الكميت،كخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين،و عبد اللّه بن عبّاس،و الفضل بن العبّاس،و عمار بن ياسر،و أبي ذر الغفاري،و قيس بن سعد الأنصاري،و ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب،و عبد اللّه ابن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب،و زفر بن زيد بن حذيفة،و النجاشي بن الحرث بن كعب،و جرير بن عبد اللّه البجلي،و عبد الرحمن بن حنبل حليف بني جمع،و آخرين كثيرين» (1).

ص: 301


1- الغدير ج 2 ص 191.

و كان عبد اللّه بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب في طليعة من أنشد شعرا في تلك الحادثة و قد ذكر الشيخ المفيد؛أنه لما توفي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان عبد اللّه بن أبي سفيان بن الحارث خارج المدينة المنورة،فلمّا عاد وجد الناس قد بايعوا أبا بكر فانطلق إلى مسجد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و لما دخل وقف في وسط المسجد و أنشد:

ما كنت أحسب أن الأمر منتقل عن هاشم ثمّ منها عن أبي الحسن

أ ليس أوّل من صلّى لقبلتهم و أعرف الناس بالآثار و السنن (1)

كما انبرى عدد من شعراء بني هاشم من الصحابة و التابعين للدفاع عن حقّ الإمام عليّ عليه السّلام في الخلافة و من بينهم الفضل بن عبّاس الذي قال في شعر له:

الا إنّ خير الناس بعد محمّد وصي النبيّ المصطفى عند ذي الذكر

و أول من صلّى و صنو نبيّه و أوّل من أردى الغواة لدى بدر (2)

و منهم المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الذي أنشد شعرا في صفين يخاطب فيه أنصار الإمام و يحثّهم على القتال و الاستبسال:3.

ص: 302


1- الشيخ المفيد،الجمل،مكتب الإعلام الإسلامي،مركز النشر ص 118،و قد اختلف المؤرخون و أصحاب التراجم في قائل هذا الشعر فالشيخ المفيد نسبها إلى عبد اللّه بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب.أما ابن حجر فينسبها إلى الفضل بن عباس،فيما يذكر مؤيد الخوارزمي في كتابه المناقب أن قائل الشعر هو العبّاس عمّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله. أما القاضي البيضاوي،و النيسأبوري فينسبان الشعر إلى حسان بن ثابت.و في كتاب المجالس للشريف الرضي نجد الشعر منسوبا إلى ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب.أما الزبير بن بكار فيذهب إلى أن الشعر لأحد أبناء أبي لهف،غير أن القاضي عبد اللّه يفنّد رأي ابن حجر مؤكدا أن الشعر قيل قبل السقيفة و أن الفضل بن عباس بن عتبة لم يكن قد ولد بعد.انظر السيد عليّ خان الشيرازي،الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة منشورات مكتبة بصيرتي،قم ص 193. على كل حال هذا الاختلاف في الرأي،لا يؤثر على ما نحن بصدده في بحثنا بالتأكيد على أن هذه الأبيات من نظم أحد شعراء الشيعة.
2- السيّد علي خان الشيرازي،المصدر السابق ص 143.

فيكم وصيّ رسول اللّه قائدكم و صهره و كتاب اللّه قد نشرا (1)

و الفضل بن عباس بن عتبة من الشعراء المشهورين و قد عاش في نهاية القرن الأول للهجرة.

يذكر ابن عبد ربّه أن الوليد لما طاف حول الكعبة،كان الفضل بن عبّاس يستسقي من بئر زمزم و ينشد هذا الشعر:

يا أيّها السائل عن عليّ تسأل عن بدر لنا بدريّ

مردّد في المجد أبطحي سائلة غرّته مضيءّ (2)

و جاء في شرح ابن أبي الحديد أن امرأة يقال لها:«أم مسطح بن أثاثة»:

نقل المؤرخون:«لما أكثر تخلف عليّ عن البيعة و اشتدّ أبو بكر و عمر في ذلك،خرجت أمّ مسطح بن أثاثة،فوقفت عند قبر النبيّ و نادته يا رسول اللّه...:

قد كان بعدك أنباء و هينمة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها فاختل قومك فاشهدهم و لا تغب (3)

و من جملة الشعراء الذين احتجوا على ما حصل و دافعوا عن حقّ عليّ الشاعر و الأديب العربي أبو الأسود الدؤلي مؤسس علم النحو يقول أبو الفرج الإصفهاني:«أبو أسود الدؤلي نازلا بني قشير و كانت بني قشير عثمانية و كانت امرأته أمّ عوف منهم فكانوا يؤذونه و يسبّونه و ينالون من عليّ بحضرته ليغيظوه به ويرمونه بالليل فإذا أصبح قال لهم:يا بني قشير أي جوار هذا فيقولون له لم نرمك إنّما رماك اللّه لسوء مذهبك و قبح دينك»فقال في ذلك:3.

ص: 303


1- المصدر السابق ص 187.
2- ابن عبد ربّه الأندلسي،العقد الفريد،دار إحياء التراث العربي،بيروت ج 5 ص 75.
3- ابن أبي الحديد،شرح نهج البلاغة،دار الكتب العربية،مصر ج 6 ص 43.

يقول الأرذلون بنو قشير طوال الدهر لا تنسى عليّا

فقلت لهم و كيف يكون تركي من الأعمال مفروضا عليّا

أحبّ محمّدا حبّا شديدا و عبّاسا و حمزة و الوصيّا

بني عمّ النبيّ و أقربيه أحب النّاس كلّهم إليّا

فإن يك حبّهم رشد أحبّه و لست بمخطيء إن كان غيّا

هم أهل النصيحة غير شك و أهل مودّتي مادمت حيّا

رأيت اللّه خالق كلّ شيء هداهم و اجتبى منهم نبيّا

و لم يحفص بهم أحدا سواهم هنيئا ما اصطفاه لهم مريّا (1)

و في نهايات العصر الأموي ظهر شعراء كبار كانوا من فحول الشعر العربي من قبيل:الكميت الأسدي،كثيّر عزّة و السيد الحميري الذين استبسلوا في الدفاع عن حقّ أهل البيت عليهم السّلام.

2-المواجهة بين الشعراء الشيعة و شعراء البلاط

من الطبيعي أن يكون للبلاط الأموي و العبّاسي جهاز دعائي يحاول الدفاع عن مشروعية الحكم و يتحدى إعلام المعارضة.بعد سنة(35 ه)و تحديدا بعد مصرع عثمان بن عفان سعى بنو أميّة إلى استغلال هذه الحادثة في التعبئة ضد أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام و كان الشعر في طليعة الأدوات و الوسائل التي استخدمت في الحملات الدعائية ضد الإمام عليه السّلام؛و كان الوليد بن عقبة أخو عثمان بالرضاعة الذي نزل فيه قوله تعالى: (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ). ينبري بعد قتل عثمان و يحاول اتّهام الإمام بقتله و الإغارة على أمواله!

ص: 304


1- أبو الفرج الإصفهاني،الأغاني،دار إحياء التراث العربي،بيروت ج 12 ص 321.

بني هاشم ردّوا سلاح ابن اختكم و لا تنهبوه لا تحلّ نهائبه

بني هاشم كيف الهوادة بيننا و عند عليّ درعه و نجائبه

بني هاشم كيف التودّد منكم ابن أروى فيكم و حرائبه (1)

هنالك نهض الشعراء من المدافعين عن الحقيقة لتفنيد هذه المزاعم و ما أسرع ما أجاب عبد اللّه بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب على هذه التخرّصات قائلا:

فلا تسألونا سيفكم إن سيفكم أضيع و ألقاه لدى الروع صاحبه

و شبهته كسرى و كان مثيله شبيها بكسرى هديه و ضرائبه

و منا عليّ الخير صاحب خيبر و صاحب بدر يوم سالت كتائبه

و كان وليّ الأمر بعد محمّد عليّ وفي كل المواطن صاحبه

وصي النبيّ المصطفى و ابن عمّه و أول من صلّى و من لان جانبه (2)

و في مرحلة لا حقة يقوم الوليد بإرسال رسالة إلى عمارة بن الوليد الذي كان يعيش في الكوفة و يحرّضه فيها على الإمام عليّ عليه السّلام:

ان يكن ظنّي في عمارة صادقا ينمّ و لا يغلب بذحل و لا وتر

يبيت و أوتار بن عفان عنده مخيّمة بين الخورنق و القصر

تمشى رخيّ البال متشزر القوى كأنك لم تسمع بقتل أبي عمر

الا إنّ خير الناس بعد ثلاثة قتيل التجيبي الذي جاء من مصر (3)

فجاء الردّ من الفضل بن عبّاس بن عبد المطلب مخاطبا إيّاه:4.

ص: 305


1- سيد عليّ خان الشيرازي،الدرجات الرفيعة ص 188.
2- المصدر السابق ص 189.
3- ابن أبي الحديد،شرح نهج البلاغة ج 2 ص 114.

اتطلب ثأرا لست منه و لا له و ما لابن ذكران الصفدري و الوتر

كما افتخرت بنت الحمار بأمها و تنسى أباها إذ تسامى أولو الفخر

الا إنّ خير الناس بعد نبيّهم وصي النبي المصطفى عند ذي

و أوّل من صلّى و صنو نبيّه و أوّل من أردى الغواة لدى بدر (1)

و في غمرة معارك الجمل كان المؤيّدون لبني أميّة أو الذين عرفوا بالعثمانيين يصدحون بأراجيزهم لإثارة الحماس في صفوف قواتهم فيما كان أصحاب أمير المؤمنين يجيبونهم بأراجيز مقابل أراجيزهم و في طليعة من كان لهم رجز في حرب الجمل الصحابي عمار بن ياسر و مالك الأشتر.و قد التفّ بنو ضبّة حول الجمل الذي تركبه عائشة و كان أحدهم يأخذ بزمامه فإذا قتل أخذه آخر و هو يصيح:

نحن بنو ضبّة أصحاب الجمل ننعى ابن عفّان بأطراف الأسل

ردّوا علينا شيخنا ثمّ بجل (2)

فردّ عليهم مالك الأشتر قائلا:

كيف نردّ نعثلا و قد قخل سارت به أم المنايا و رحل

ثمّ أهوى عليه بالسيف و قتله (3).

و في حرب صفين التي استغرقت مئة يوم دخلت المواجهة الشعرية مرحلة شاملة و تصاعدت لهجة الخطاب بين الفريقين المتحاربين،و قد أورد نصر بن مزاحم أشعارا كثيرة لشخصيات مرموقة في جيش الإمام عليه السّلام من قبيل:مالك الأشتر،خزيمة بن ثابت،الفضل بن عباس،قيس بن سعد،عدي بن حاتم،عمرو بن الحمق الخزاعي،حجر بن عدي الكندي،النعمان بن عجلان الأنصاري،ق.

ص: 306


1- شرح نهج البلاغة.
2- الشيخ المفيد،الجمل ص 118.
3- المصدر السابق.

محمد ابن أبي سبرة القريشي،المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب،جندب بن زهير،أبو زبيد الطائي،الأحمر شاعر العراق،أبو حبّة بن غزية الأنصاري و...

و كانت أشعارهم غالبا ما تأتي للردّ على أشعار أهل الشام.حتى الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام له شعر في صفين ردّا على عمرو بن العاص.

يقول ابن أبي الحديد:«و منهم النجاشي الشاعر من بني الحارث بن كعب كان شاعر أهل العراق بصفين و كان عليّ يأمره بمحاربة شعراء أهل الشام،مثل كعب بن جعيل و غيره» (1).

خلاصة الدرس الثامن و العشرون

في طليعة ما اهتمّ به الشعراء الشيعة:

1-الاحتجاج

بعد ظهور نتائج اجتماع السقيفة صدح الشعر بالاحتجاج على ما حصل و انبرى للدفاع عن حق الإمام في الخلافة و من بين أولئك المحتجين شخصيات من بني هاشم من قبيل:عبد اللّه بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، و المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب.

2-مواجهة شعراء البلاط:

بعد مصرع الخليفة الثالث في سنة(35 ه)سعى الأمويون لاستغلال الشعر في التحريض الدعائي ضد الإمام عليّ عليه السّلام،و قد تصدّى لهم الشعراء الشيعة و فنّدوا أباطيلهم و تخرصاتهم،و في حرب صفين دخلت المواجهة الشعرية مرحلة حاسمة.

***

ص: 307


1- ابن أبي الحديد،المصدر السابق ج 4 ص 87.

أسئلة الدرس الثامن و العشرون

1-ما هو رأي العلاّمة الأميني في احتجاج الشعراء الشيعة؟

2-متى بدأت المواجهة الشعرية بين الشيعة و خصومهم؟

ص: 308

الدرس التاسع و العشرون

3-شعر المراثي

اشارة

الرثاء من المواضيع الأساسية التي طرقها الشعر الشيعي و قد أبدع الشعراء في الرثاء و وصلوا بمرثياتهم حدودا رائعة و مؤثرة و قد شهد شعر المراثي قفزة كبرى بعد مأساة عاشوراء ذلك أن نزف الدم و مسلسل الثورات و مسيرة المعاناة الطويلة كانت قد بدأت منذ سنة(61 ه)و هو تاريخ مذبحة كربلاء المروّعة تلك المأساة التي هزّت وجدان الرأي العام الإسلامي بشكل عام و الضمير الشيعي بشكل خاص.

من هنا يمكن أن نقسم شعر المراثي إلى قسمين:

الأوّل:رثاء الإمام الحسين و شهداء كربلاء

لم يشهد تاريخ الإسلام حادثة أكثر فجيعة ممّا حدث في كربلاء و بالرغم من مرور ما يقارب الأربعة عشر قرنا؛ما تزال هذه الحادثة المروّعة الأشد إيلاما و الأكثر تأثيرا في النفوس و القلوب بحيث يمكن القول أنه لا يوجد محب لأهل البيت له القدرة على نظم الشعر لم يرث الإمام الشهيد و أصحابه الأوفياء.

و قد ظهرت معظم قصائد الرثاء الحسيني و الكربلائي بعد نهاية القرن الأوّل و بدء اضمحلال الحكم الأموي،يقول أبو الفرج الإصفهاني:«و قد رثى الحسين بن علي-صلوات اللّه عليه-جماعة من متأخري الشعراء استغني عن ذكرهم في هذا الموضع كراهة الإطالة و أما من تقدم فما وقع إلينا شيء رثى به،و كانت الشعراء لا تقدم على ذلك مخافة من بني أميّة و خشية منهم» (1).

ص: 309


1- مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي،ط الثانية(1416 ه)ص 121.

و كان عبيد اللّه بن الحر قد رثى الإمام الحسين بعد استشهاده فتعرض لملاحقة عبيد اللّه بن زياد حاكم العراق مما اضطرّه إلى الفرار (1).

لقد بدأ شعر المراثي الكربلائي مبكرا و يمكن القول بعد حدوث المأساة مباشرة،و لكن قسوة النظام الأموي و بطشه و دمويته جعل حجم الأشعار الرثائية ضئيلا إذا ما قيس بالمراثي التي نظمت بعد نهاية القرن الأوّل للهجرة.

و يمكن القول أن نساء بني هاشم كنّ الرائدات في شعر المراثي،فما إن وصلت أنباء كربلاء إلى المدينة المنوّرة حتى خرجت زينب بنت عقيل من دارها لتندب شهداء كربلاء:

ماذا تقولون إذ قال النبيّ لكم ماذا فعلتم و أنتم آخر الأمم

بعترتي و بأهلي بعد مفتقدي نصف أسارى و نصف ضرّجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم إن تخلفوني بشرّ في ذوي رحمي (2)

و تبقى مرثيات أم البنين و هي والدة العباس أخو الإمام الحسين في طليعة المشهد الشعري الرثائي حول مأساة كربلاء يذكر أبو الفرج الإصفهاني أن أم البنين كانت تمسك بيد حفيدها عبيد اللّه بن العبّاس و تذهب صوب البقيع، فيجتمع أهل المدينة حولها و يبكون لرثائها،و قد أبكت لواعجها و أشجانها عدوّ آل البيت اللدود مروان بن الحكم (3)تقول أم البنين في بعض أشعارها:

يا من رأى العباس كر على جماهير النقد

و ورائه من أبناء حيدر كل ليث ذي لبد

أنبئت ان أبني أصيب برأسه مقطوع يد0.

ص: 310


1- أبو مخنف،مقتل الحسين،تحقيق حسن الغفاري،ط الثانية(1406 ه)ص 245.
2- مقتل الحسين عليه السّلام ص 227،228.
3- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي،قم ط الثانية(1416 ه)ص 90.

ويل على شبلي أمال برأسه ضرب العمد

لو كان سيفك في يد يك لما دنا منك أحد (1)

و عند ما عادت قافلة سبايا كربلاء إلى المدينة المنورة طلب الإمام زين العابدين من بشير بن حذلم أن يسبقهم في دخول المدينة و ينعى شهداء كربلاء،و انطلق بشير فدخل المدينة و وقف قرب مسجد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هتف بأعلى صوته:

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها قتل الحسين فأدمعي مدرار

الجسم منه بكربلاء مضرّج و الرأس على القناة يدار (2)

و من بين شعراء القرن الأول الهجري من قبيل خالد بن معدان،عقبة بن عمرو،عبيد اللّه بن الحرّ،سليمان بن قتّة العدوي،و عوف بن عبد اللّه الأحمر الأزدي،و قد رثوا الإمام الحسين،و قد روي أن خالد بن معدان كان في الشام و قد رأى رأس الحسين فوق رمح طويل فقال:

جاءوا برأسك يا ابن بنت محمّد مترملا بدمائه ترميلا

و كأنما بك يا بن بنت محمّد قتلوا جهارا عامدين رسولا

قتلوك عطشانا و لم يترقبوا في قتلك التنزيل و التأويلا

و يكبّرون بأن قتلت و إنّما قتلوا بك التكبير و التهليلا (3)

و هذه الأبيات أروع ما قيل في رثاء الحسين الشهيد في تلك الفترة.

و من بين الذين رثوا سيّد الشهداء عبيد اللّه بن الحرّ،و مطلع قصيدته:

يقول أمير غادر أي غادر ألا كنت قاتلت الشهيد ابن فاطمة3.

ص: 311


1- الغفاري،حسن،ذيل كتاب مقتل الحسين لأبي مخنف،قم(1364 ه.ش)ص 181.
2- ابن طاووس،اللهوف،ترجمة محمّد طاهر الدزفولي،مؤسسة الأنصاري،قم ط الأولى 1378 ه.ش ص 284.
3- الأمين السيد محسن،أعيان الشيعة،دار التعارف للمطبوعات،بيروت(بدون تاريخ)ج 1 ص 6023.

فتعرّض لملاحقة ابن زياد،فامتطى صهوة جواده و هرب و لم يمسك به أحد (1).

و تنسب إلى سليمان بن قتّة أبيات في رثاء الشهيد جاء فيها:

مررت على أبيات آل محمّد فلم أرها لعهدها بيوم حلّت

و كانوا رجاء ثمّ صاروا رزيّة و قد عظمت تلك الرزايا و جلّت

أ لم تر أن الشمس أضحت مريضة لفقد حسين و البلاد اقشعرت

و قد أعولت تبكي السماء لفقد و أنجمها ناحت عليه و حلّت (2)

و تنطوي هذه الأبيات على صور غاية في الروعة و الرقة و الجمال،أنها لوحة طبيعية حزينة تصوّر الحياة الإنسانية في مأتم كوني،غارقا في الحزن و البكاء لمصيبة سيّد الشهداء.

و بعد انطواء القرن الأوّل للهجرة و انشغال الحكم الأموي بمعالجة الوضع المتفجر هنا و هناك و بدء النشاط العبّاسي ضعفت سلطة الحاكمين و تراجع البطش و انحسرت السياسة الدموية و في تلك الفترة بدأ الأئمة عليهم السّلام بإحياء شعر الرثاء الحسيني و الأدب الكربلائي و بدأ كبار الشعراء ينشدون مراثيهم في مجالس الأئمة الأطهار عليهم السّلام شعراء هم من فحول الشعر العربي من قبيل:الكميت الأسدي،السيد الحميري،سفيان بن مصعب العبدي،منصور النمري و دعبل الخزاعي،يقول سفيان بن مصعب العبدي:«دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:قولوا لأمّ فروة تجيء فتسمع ما صنع بجدها قال:فجاءت فقعدت خلف الستر ثمّ قال:فأنشدها فقلت:

فروجودي بدمعك المسكوب...قال:فصاحت و صحن النساء» (3).5.

ص: 312


1- أبو مخنف،المصدر السابق ص 245.
2- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين ص 121.
3- العلاّمة الأميني،عبد الحسين،الغدير،دار الكتب الإسلأميّة،طهران،ج 2 ص 294،295.

كما يروي أبو الفرج الإصفهاني عن إسماعيل التميمي:

«كنت عند أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليه السّلام إذ استأذن آذنه السيد فأمره بإيصاله،و أقعد حرمه خلف ستر،و دخل مسلم و جلس فاستنشده فأنشد قوله:

امرر على جدث الحسين فقل لأعظمه الزكيه

يا أعظما لازلت من وطفا و ساكبة رويّه

فإذا مررت بقبره فاطلّ به وقف المطيه

و ابك المطهر للمطهر و المطهرة النقيه

كبكاء معولة أتت بيوما لواحدها المنيّه

قال:فرأيت دموع جعفر بن محمّد تنحدر على خديه،و ارتفع الصراخ و البكاء من داره» (1).

و ربما أنشد شخصيات من قبيل الفضيل الرسان و أبو هارون المكفوف أشعار السيد الحميري في رثاء الحسين في مجلس الإمام الصادق فيبكي الإمام بأسى و ربّما يطلب الإمام الصادق نفسه-على ما يروي ابن قولويه-من أحد أصحابه -أبو عمار مثلا-أن ينشده أشعار العبدي في رثاء الحسين فينشدها في حضرته (2).

و اشتهرت مراثي دعبل الخزاعي في حضرة الإمام الرضا و في طليعتها:

مدارس آيات خلّت من تلاوة و منزل وحي مقفر العرصات (3)2.

ص: 313


1- الأغاني،أبو الفرج الإصفهاني ج 7 ص 260.
2- المصدر السابق ص 295.
3- المسعودي،عليّ بن الحسين،مروج الذهب،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت 1411 ه، ج 3 ص 327 و رجال ابن داود،منشورات الرضي،قم ص 92.
ب-رثاء سائر الشهداء من ذرية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله

و قد فجّرت مأساة مسلم بن عقيل و هانئ بن عروة عيون الشعر العربي في رثاء أبطال سقطوا و هم يقاتلون الطاغية،فهذا شاعر يقول بأسى:

إذا كنت لا تدرين ما الموت إلى هانئ في السوق و ابن عقيل

إلى بطل قد هشّم السيف وجهه و آخر يهوي في طمار قتيل

أصابهما أمر الأمير فأصبحا أحاديث من يسعى بكل سبيل

ايترك أسماء المهايج آمنا و قد طلبته مذحج بدحول (1)

و يقول شاعر من قبيل:أعشى همدان في قصيدة طويلة يرثي بها شهداء ثورة التوّابين و مصرعهم في معركة عين الوردة:

توجه من دون ثنية سائرا فانظري إلى ابن زياد في الجموع الكتائب

فيا حيز جيش للعراق و أهله سقتكم روايا كل أسحم ساكب (2)

و للشعراء الشيعة مرثيات في زيد الشهيد و نجله يحيى و رموز الثورات التي قادها أحفاد الإمام الحسن السبط عليه السّلام في العصر العباسي و سقطوا شهداء في دروب الثورة...

كما رثى شعراء من قبيل:عليّ بن عبد اللّه الخزاعي،المشيع المدني،الأشجع بن عمر السلمي و أبو طالب القمي الإمام الرضا عليه السّلام (3):

و تأتي مرثيات الشهيد يحيى بن عمر الطالبي في المرتبة الثانية بعد رثاء الإمام الحسين عليه السّلام،و كان يحيى قد ثار سنة(248 ه)في الكوفة و لقى مصرعه على يد محمّد بن عبد اللّه بن طاهر (4)و قد رثاه القريب و البعيد و بكاه الكبير و الصغير

ص: 314


1- المسعودي،عليّ بن الحسين،المصدر السابق ج 3 ص 71.
2- المصدر السابق ص 110.
3- الأمين،السيد محسن،المصدر السابق ص 170.
4- المسعودي،عليّ بن الحسين،المصدر السابق ج 4 ص 159،160.

على حدّ تعبير المسعودي (1).

و قد أشار أبو الفرج الإصفهاني إلى كثرة المراثي التي قيلت و أنشدت بحقّ يحيى بن عمر الطالبي (2).

4-فضائل و مناقب آل البيت عليهم السّلام

و منذ القرن الثاني و ما تلاه اتجه شعراء الشيعة إلى الإشادة بأهل البيت عليهم السّلام و تخليد مناقبهم و وصف فضائلهم،ساعين إلى نشر التشيّع من خلال التركيز على محوره الأساسي في إمامة الإمام عليّ عليه السّلام،و قد تبارى في هذا الميدان شعراء كبار من قبيل الفرزدق،الكميت الأسدي،السيد الحميري،سفيان بن مصعب العبدي و دعبل الخزاعي.

لقد أوقف السيد الحميري حياته على الإشادة بمناقب أمير المؤمنين عليه السّلام و كان لوحده يمثل أكبر جهاز إعلامي لمدرسة أهل البيت عليهم السّلام و لهذا فقد حظي لدى الشيعة في عصره بمنزلة رفيعة جدا.

و وفقا لما رواه أبو الفرج الإصفهاني فإنّ للسيّد الحميري 2300 قصيدة.

و روى أبو الفرج الإصفهاني أيضا أن السيّد الحميري كان يتردّد على منزل سليمان بن مهران الأعشى فيسمع منه فضائل أمير المؤمنين عليه السّلام و يقوم بتسجيلها ثمّ ينظمها شعرا،يقول ابن المعتز:

«كنّا جلوسا عند أبو عمرو العلاء فتذكرنا السيّد فجاء فجلس و خضنا في ذكر الزرع و النخل ساعة فنهض فقلنا يا أبا هاشم لم القيام فقال:

إني لأكره أن أطيل بمجلس لا ذكر فيه لفضل آل محمّد

ص: 315


1- المصدر السابق ص 162.
2- أبو الفرج الإصفهاني،مقاتل الطالبيين ص 511.

لا ذكر فيه لأحمد و وصيّه و بنيه ذلك مجلس نطف ردي

إنّ الذي ينساهم في مجلس حتى يفارقه لغير مسدد (1)

كما روي أيضا:

كان السيّد يأتي الأعمش فيكتب عنه فضائل عليّ(رضي اللّه عنه)و يخرج من عنده و يقول في تلك المعاني شعرا.فخرج ذات يوم من عند بعض أمراء الكوفة و قد حمله على فرس و خلع عليه؛فوقف بالكناسة ثمّ قال:يا معشر الكوفيّين،من جاءني منكم بفضيلة لعليّ بن أبي طالب أقل فيها شعرا أعطيته فرسي هذا و ما عليّ.فجعلوا يحدّثونه و ينشدهم؛حتى أتاه رجل منهم و قال:إن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه عزم على الركوب؛فلبس ثيابه و أراد لبس الخفّ فلبس أحد خفّيه،ثمّ أهوى إلى الآخر ليأخذه فانقضّ عقاب من السماء فحلّق به ثمّ ألقاه فسقط منه أسود و انساب فدخل حجرا؛فلبس عليّ(رضي اللّه عنه)الخف.قال:و لم يكن قال في ذلك شيئا؛ففكّر هنيهة ثمّ قال:

ألا يا قوم للعجب العجاب فانظري لخف أبي الحسن الحساب

عدوّي عداة الجبن و غد بعيد في المرادة من صوب

أتى خفا له أنساب فيه لينهش رجله مئة بناب

لينهش خير من ركب المطايا أمير المؤمنين أبا تراب

فخرّ من السماء له عقاب من العقبان أو شبه العقاب

و دوفع عن أبي حسن عليّ نقيع سمامه بعد انسياب (2)

و من الشعراء الذين نظموا في مناقب أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام و أكثروا و أجادوار.

ص: 316


1- الأغاني،أبو الفرج الإصفهاني ج 7 ص 286.
2- الأغاني ج 7 ص 276-277،دار الفكر.

الشاعر سفيان بن مصعب العبدي،قال فيه العلامة الأميني أنه لم ير له مديحا في غير آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله (1).

و كان العبدي يسمع من الإمام الصادق مناقب الإمام عليّ عليه السّلام ثمّ يقوم بنظمها شعرا (2)،و قد روي عن الإمام الصادق قوله:«يا معشر الشيعة علّموا أبنائكم شعر العبدي فانّه على دين اللّه...».

«و قد أنشد الشعراء في رثاء الإمام الرضا عليه السّلام قصائد كثيرة،أمثال عليّ بن عبد اللّه الخوافي،مشبع المدني،أشجع بن عمرو السلمي،و أبو طالب القمي» (3).

لم يرث بعد الإمام الحسين عليه السّلام أحد من قتلى آل أبي طالب مثلما رثى يحيى بن عمر الطالبي،الذي ثار سنة 248 ه و قتله محمّد بن عبد اللّه بن طاهر (4).يقول المسعودي في تاريخه:

«و قد رثي أبو الحسين يحيى بن عمر بأشعار كثيرة،و قد أتينا على خبر مقتله و ما رثي به من الشعر....

...و لما قتل يحيى جزعت عليه نفوس الناس جزعا كثيرا،و رثاه القريب و البعيد،و حزن عليه الصغير و الكبير،و جزع لقتله المليء و الدنيء» (5)

5-هجاء خصوم آل النبي صلّى اللّه عليه و آله

إنّ التصدي للعدوّ إعلاميا و دعائيا هو أحد أشكال الصراع في عصرنا الحاضر.

ص: 317


1- المصدر السابق ص 295.
2- المصدر السابق.
3- راجع أعيان الشيعة الأجزاء 4،8 و 10.
4- مروج الذهب ج 4 ص 64.
5- مروج الذهب،المسعودي ج 4 ص 65،منشورات دار الهجرة 1404 ه،قم.

و في العصور الماضية كان هجاء العدوّ بشكل قصائد و مقاطع شعرية من أكثر الوسائل الدعائية و الإعلاميّة تأثيرا.

و لهذا فقد انبرى شعراء الشيعة للدفاع عن كيان التشيّع من خلال هجاء الأعداء و الخصوم و قد استهدف الشعراء رموز معادية لأهل البيت عليهم السّلام و هم في الحقيقة أعداء للّه و الرسول؛و في طليعة من هجاهم شعراء الشيعة:

معاوية بن أبي سفيان،الوليد بن عقبة،و عمرو بن العاص فقد انقضّ عليهم شعراء بني هاشم و أنصار الإمام عليّ،يفنّدون مزاعمهم و يبطلون تخرصاتهم و يفضحون شخصياتهم.

و كانت أشعار الهجاء التي تستهدف طغاة بني أميّة غالبا ما تبقى دون إعلان عن قائلها كما هو الحال في هذا البيت الذي ظهر بعد هلاك يزيد بن معاوية:

يا أيها القبر بحوّارينا ضممت شرّ الناس أجميعنا (1)

و من أفضل شعر الهجاء في بني أميّة شعر للكميت الأسدي جاء فيه:

فقل لبني أميّة حيث حلّوا و إن خفت المهنّد و القطيعا

اجاع اللّه من اشبعتموه و اشبع من بجوركم أجيعا

بمرضيّ السياسة هاشمي يكون حيا لأمته ربيعا (2)

يقول الدكتور شوقي ضيف:«و كان الشيعة في كل مكان:في العراق و خراسان و الحجاز يردّدون هذه الأبيات و أمثالها من أشعار الكميت،و أحسّ الأمويون و واليهم في العراق يوسف بن عمر الثقفي خطرا في أشعار5.

ص: 318


1- المسعودي،عليّ بن الحسين،مروج الذهب،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت ط الأولى (1411 ه)ج 3 ص 65.
2- الجاحظ،أبو عثمان عمرو بن بحر،البيان و التبيين،مطبعة لجنة التأليف و الترجمة و النشر،القاهرة ط الأولى (1367 ه-1948 م)ج 3 ص 365.

الكميت» (1).

و يقول أبو الفرج الإصفهاني في الكميت:«ذاك أشعر الأوّلين و الآخرين» (2).

و قال:إنّ سبب هجاء الكميت أهل اليمن،أنّ شاعرا من أهل الشام يقال له حكيم بن عياش كان يهجو على بن أبي طالب عليه السّلام و بني هاشم،و كان منقطعا إلى بني أميّة،فانتدب له الكميت فهجاه و سبّه،فأجابه و لج الهجاء بينهما،و كان الكميت يخاف أن يفتضح في شعره عن عليّ عليه السّلام،لما وقع بينه و بين هشام، و كان يظهر هجاءه في العصبية التي بين عدنان و قحطان» (3).

و قد يعمد بعض الشعراء للردّ على شعراء البلاط من دون التصريح بأسمائهم كما هو الحال في سعيد بن حميد في عهد المستعين(العباسي)و كان من أعداء أهل البيت عليهم السّلام و خاصة الإمام عليّ عليه السّلام فقد تعرّض للهجاء من قبل شعراء لم يصرحوا بأسمائهم و لكن الناس تناقلوا أشعار الهجاء فيه.

و في تلك الفترة كان الشاعر عليّ بن الجهم في طليعة أعداء أهل البيت عليهم السّلام و له قصائد تكشف عن حقده على الإمام عليّ عليه السّلام بل حصل من المتوكل على مكافأة لم يحظ بها شاعر من شعراء البلاط على امتداد تاريخ الإسلام و قد انبرى شعراء الشيعة له بالهجاء من قبيل عليّ بن محمّد بن جعفر العلوي و هاجم ابن الجهم و طعن في نسبه المزعوم.

و لأبي الأسود الدؤلي شعر يهجو ابن زياد جاء فيه:

أقول و ذاك من جزع و وجد أزال اللّه ملك بني زياد

ص: 319


1- الشعر و طوابعه الشعبية على مرّ العصور،دار المعارف،القاهرة ص 36.
2- أبو الفرج الإصفهاني،الأغاني،دار إحياء التراث العربي،بيروت ج 17،ص 36.
3- المصدر السابق ج 17 ص 39.

و أبعدهم بما غدروا و خانوا كما بعدت ثمود و قوم عاد

و هجا السيّد الحميري قاضيا ردّ شهادة السيّد بسبب تشيّعه قائلا:

أبوك ابن سارق عنز النبيّ و أنت ابن بنت أبي جحد

و نحن على رغمك الرافضون لأهل الضلالة و المنكر (1)

و كان أبو نعامة الدقيقي الكوفي من جملة شعراء القرن الثالث الهجري الذين قاموا بهجاء مسؤولين كبار في الدولة العبّاسية و اتهمهم بارتكاب الفضائح و قد لقي الشاعر مصرعه على يد«مفلح»أحد قادة الأتراك في الدولة العبّاسية (2).

خلاصة الدرس التاسع و العشرون

3-إنّ أحد أهم الموضوعات التي طرقها الشعر الشيعي هي المراثي حول أهل البيت عليهم السّلام و هي تنقسم إلى قسمين:

أ:رثاء الحسين و شهداء كربلاء

و كانت نساء بنو هاشم أوّل من رثا شهداء كربلاء و في طليعتهنّ أم البنين و هي أم العبّاس،و كانت تذهب إلى البقيع لترثي أبنها الشهيد و كان أهل المدينة يجتمعون حولها و يبكون لرثائها و بسبب سياسة القمع و البطش التي انتهجها الأمويون فإنّ شعر المراثي الكربلائية كان ضئيلا إذا ما قورن بالعصر العبّاسي،إذ شهد عصر الإمام الصادق ازديادا ملحوظا في شعر المراثي الحسينية.

ب:رثاء سائر الشهداء من ذرية النبيّ صلّى اللّه عليه و آله

إنّ مسار أهل البيت هو مسار المعارضة للأنظمة القمعية و قدم أبناء

ص: 320


1- العلاّمة الأميني،عبد الحسين،المصدر السابق ص 256.
2- ضيف،الدكتور شوقي،تاريخ الأدب العربي في العصر العبّاسي الثاني،دار المعارف بمصر ص 388.

النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قوافل من الشهداء و هم يقودون سلسلة من الثورات و الانتفاضات ضدّ الظلم و الطغيان و كان الشعراء الشيعة ما انفكّوا ينشدون المراثي لشهداء آل بيت الرسول صلّى اللّه عليه و آله و تأتي مراثي الشهيد يحيى بن عمر الطالبي الذي ثار في عهد الخليفة المستعين العبّاسي في المرتبة الثانية بعد المراثي الحسينية.

4-فضائل و مناقب آل البيت عليهم السّلام

و قد برع في هذا الميدان من الشعر فحول الشعر العربي في العصرين الأموي و العبّاسي من قبيل الفرزدق،الكميت الأسدي،السيّد الحميري و دعبل الخزاعي و لهم عشرات القصائد التي تمجّد مناقب آل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

5-هجاء خصوم آل الرسول صلّى اللّه عليه و آله

و بسبب اقدام السلطات الحاكمة على دعم شعراء البلاط و اتخاذهم وسيلة اعلأميّة ضد آل البيت عليهم السّلام فقد تصدّى شعراء الشيعة إلى مهاجمة المسؤولين الحكوميين و فضحهم و انتقاد شعراء البلاط من خلال أسلوب الهجاء.

***

أسئلة الدرس التاسع و العشرون

1-متى بدأ شعر المراثي؟

2-من هم شعراء كربلاء؟

3-تحدث بايجاز عن المراثي الكربلائية بعد نهاية القرن الثاني الهجري.

4-من هو الشهيد الذي رثاه الشعراء بغزارة بعد الإمام الحسين؟

5-تحدث بايجاز عن شعر المناقب في آل النبي صلّى اللّه عليه و آله.

6-تحدث عن الهجاء لدى شعراء الشيعة و من كانوا يستهدفون في ذلك؟

ص: 321

ص: 322

فهرس المصادر

1-آل عبد الجبار،شيخ محمّد بن شيخ عبد علي،اثبات الإمامة المسمى بالشهب الثواقب في رجم شياطين النواصب،الهادي.

2-ابن أبي الحديد،عبد الحميد،شرح نهج البلاغة،تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم،دار إحياء التراث العربي،بيروت.

3-ابن الأثير،عز الدين عليّ بن محمّد،الكامل في التاريخ،دار صادر، بيروت 1402 ه.

4-ابن الأثير،عز الدين علي بن محمّد،أسد الغابة في معرفة الصحابة، المكتبة الإسلاميّة،تهران(بى تا).

5-ابن أعثم،أبو محمّد بن أعثم.الفتوح،دار الكتب العلمية،بيروت 1406 ه،و دار الأضواء،بيروت.

6-ابن طقطقاء،الفخري في الآداب السلطانية و الدول الإسلاميّة،دار صادر، بيروت 1385 ه.

7-ابن الجوزي،تذكرة الخواص،منشورات المطبعة الحيدرية،النجف 1383 ه.

8-ابن الجوزي،المنتظم في تاريخ الأمم و الملوك،دار الكتب العلمية، بيروت ط الأولى 1412 ه.

9-ابن الجوزي،الإصابة في تمييز الصحابة،دار إحياء التراث العربي،بيروت.

10-ابن حجر العسقلاني،شهاب الدين بن عليّ.تحرير تقريب التهذيب، مؤسسة الرسالة،بيروت ط أول 1417 ه-1997 م.

11-ابن حجر العسقلاني،شهاب الدين بن عليّ.تهذيب التهذيب،دار الفكر بيروت،ط الأولى،1404 ه.

ص: 323

12-ابن حجر العسقلاني،شهاب الدين بن علي.لسان الميزان،دار إحياء التراث العربي،بيروت،ط الأولى،1416 ه.

13-ابن حجر الهيثمي المكي،أحمد.الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع و الزندقة،مكتبة القاهرة 1385 ه.

14-ابن حزم الأندلسي،أبو محمّد على بن أحمد بن سعيد.جمهرة أنساب العرب،بيروت ط الأولى 1403 ه.

15-ابن خلدون،عبد الرحمن بن محمّد.مقدمة،دار إحياء التراث العربي، بيروت 1408 ه.

16-ابن سعد،محمّد.الطبقات الكبرى،دار بيروت 1405 ه.

17-ابن شهر آشوب المازندراني.معالم العلماء،منشورات المطبعة الحيدرية،النجف 1380 ه.

18-ابن شهر آشوب المازندراني.مناقب آل أبي طالب،دار الأضواء، بيروت 1405 ه.

19-ابن طاووس،على بن موسى.اللهوف على قتلى الطفوف،ترجمة محمّد طاهر الدزفولي،انتشارات بصيرتي،قم 1378 ه.ش.

20-ابن طباطبا،أبو إسماعيل بن ناصر.منتقلة الطالبيين،ترجمه محمّد رضا عطائي،انتشارات آستان قدس رضوي،ط الأولى،2،113 ه.ش.

21-ابن عبد البرّ،يسوف بن عمر.الاستيعاب في معرفة الأصحاب في حاشية الإصابة.

22-ابن عبد ربّه،أحمد بن محمّد.العقد الفريد،دار إحياء التراث العربي، بيروت 1409 ه.

23-ابن عساكر.تاريخ دمشق،ترجمة الإمام علي بن أبي طالب تحقيق محمّد باقر المحمودي،مؤسسة المحمودي للطباعة و النشر،بيروت.

ص: 324

24-ابن عنبه.عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب،انتشارات الرضي،قم.

25-ابن قتيبة،أبو محمّد عبد اللّه بن مسلم.المعارف،تحقيق ثروة عكاشة، منشورات الشريف الرضي،قم،ط الأولى 1415 ه.

26-ابن كثير،إسماعيل بن عمر.السيرة النبويّة،تحقيق مصطفى عبد الواحد، دار إحياء التراث العربي،بيروت،(بدون تاريخ).

27-ابن ميثم البحراني،ميثم بن علي النجاة في القيامة في تحقيق الإمامة، مجمع الفكر الإسلامي،قم ط الأولى 1417 ه.

28-ابن النديم.الفهرست،دار المعرفة،بيروت(بدون تاريخ).

29-ابن واضح،أحمد بن أبي يعقوب.تاريخ اليعقوبي،منشورات الشريف الرضي،قم،1414 ه.

30-ابن هشام،أبو محمّد عبد الملك.السيرة النبويّة،دار المعرفة،بيروت (بدون تاريخ).

31-أبو الفرج الإصفهاني،عليّ بن الحسين.الأغاني،دار إحياء التراث العربي،بيروت.

32-أبو الفرج الإصفهاني،عليّ بن الحسين.مقاتل الطالبيين،منشورات الشريف الرضي،قم 1416 ه.

33-أبو حنيفة الدينوري،أحمد بن داود.الأخبار الطوال،منشورات الشريف الرضي،قم،(بدون تاريخ).

34-أبو مخنف.مقتل الحسين عليه السّلام،تحقيق حسن الغفاري،قم 1346.

35-أبو نعيم.تاريخ إصفهان،دار الكتب العلمية بيروت.

36-أحمد بن حنبل.المسند،دار صادر،بيروت.

37-أخطب خوارزم.المناقب،منشورات المكتبة الحيدرية،النجف 1385 ه.

ص: 325

38-آدم متز.التمدن الإسلامي في القرن الرابع الهجري،ترجمة علي رضا ذكاوتي قراگزلو،مؤسسة انتشارات أمير كبير،طهران 1346 ه.

39-الأردبيلي الغروي الحائري،محمّد بن علي.جامع الرّواة،منشورات مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي قم 1403 ه.

40-الأشعري،سعد بن عبد اللّه.المقالات و الفرق،مركز انتشارات علمي و فرهنگي،طهران،ط 2،1360 ه.ش.

41-البراقي النجفي.تاريخ الكوفة،دار الأضواء،بيروت.

42-البغدادي،أبو منصور عبد القادر بن طاهر بن محمّد.الفرق بين الفرق، القاهرة 1367 ه.

43-الحرّ العاملي،محمّد بن الحسن.وسائل الشيعة،المكتبة الإسلاميّة، طهران ط 6،1403 ه.

44-الحسيني الواسطي الزبيدي الحنفي،أبو فيض السيد مرتضى.تاج العروس،دار الفكر للطباعة و النشر و التوزيع،بيروت.

45-الرازي،أبي غالب.رسالة في آل أعين،مطبعة رباني،إصفهان 1399 ه.

46-الشيرازي،سيد عليّ خان.الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة،مؤسسة الوفاء بيروت.

47-الفراهيدي،الخليل بن أحمد.ترتيب كتاب العين،منشورات أسوة،طهران.

48-المبرّد،أبو العباس محمّد بن يزيد.الكامل في اللغة و الأدب،منشورات دار الحكمة،دمشق.

49-المنقري،نصر بن مزاحم.وقعة صفين،منشورات مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي 1404 ه.

50-النميري البصري،أبو زيد عمر بن شبه.تاريخ المدينة المنورة،تحقيق

ص: 326

فهيم محمّد شلتوت،منشورات دار الفكر،قم 1410 ه.

51-أمير علي.تاريخ العرب و الإسلام،ترجمة فخر داعي،انتشارات گنجينة، ط 3،1366 ه.ش.

52-الأمين،سيد محسن.أعيان الشيعة،دار التعارف للمطبوعات،بيروت (بدون تاريخ).

53-الأميني،عبد الحسين.الغدير في الكتاب و السنّة و الأدب،دار الكتاب الإسلاميّة،طهران 1366 ه.ش.

54-البخاري،محمّد بن إسماعيل.الصحيح،بولاق،1314 ه.

55-البرقي،أحمد بن محمّ بن خالد.رجال البرقي،مؤسسة القيوم.

56-البلاذري،أحمد بن يحيى بن جابر.أنساب الأشراف،تحقيق محمّد باقر المحمودي،مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت 1349 ه

57-پور طباطبائي،سيد مجيد.تاريخ عصر الغيبة،مركز جهاني علوم اسلامي،قم.

58-پيشوائي،مهدي.پيشواى آزاده،انتشارات توحيد،قم،ط 2 1360 ه.

59-پيشوائى،مهدي.سيره پيشوايان،مؤسسة تحقيقاتي و تعليماتي إمام صادق عليه السّلام،قم،ط 8،1378 ه.ش.

60-پيشوائى،مهدي.شخصيت هاى اسلامى شيعة،انتشارات توحيد،قم، ط 1،1359 ه.ش.

61-التستري،محمّد تقي.قاموس الرجال،انتشارات اسلامى التابعة لجامعة المدرسين 1410 ه.

62-الثقفي،أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد.الغارات،ترجمة محمّد باقر كمره اى،فرهنگ إسلام(بدون تاريخ).

ص: 327

63-جعفريان،رسول.تاريخ التشيّع در ايران از آغاز تا قرن هشتم هجري، شركت چاپ و نشر سازمان تبليغات اسلامى،قم ط 5 1377 ه..

64-الجعفري،يعقوب.مسلمانان در بستر تاريخ،دفتر نشر فرهنگ اسلامى 1371 ه.ش.

65-حسن ابراهيم،حسن.تاريخ الإسلام،مكتبة النهضة المصرية،القاهرة 1967 م.

66-حسني،عليّ أكبر.تاريخ تحليلي و سياسي اسلام،دفتر نشر فرهنگ اسلامى،طهران 1373 ه.

67-حسين يعقوب،أحمد.النظام السياسي في الإسلام،مؤسسة انصاريان، قم،ط 2،1412 ه.

68-حيدر،أسد.الإمام الصادق و المذاهب الأربعة،دار الكتب العربية، بيروت،ط 2،1390 ه.

69-خالد حسن.مجتمع المدينة قبل الهجرة و بعدها،دار النهضة العربية،بيروت.

70-الخراساني،محمّد كريم.تاريخ و عقايد فرقه آقاخانيه،تلخيص حسين حسنى،قم 1377 ه.ش.

71-الخطيب البغدادي.تاريخ بغداد،دار الكتب العلمية،بيروت،ط 1،1417 ه.

72-الخوئي،السيد أبو القاسم.معجم رجال الحديث،دار إحياء التراث العربي،بيروت.

73-الذهبي،شمس الدين محمّد بن أحمد.تاريخ الإسلام،دار الكتب الإسلاميّة،دار الكتب المصري و دار الكتب اللبناني 1405 ه.

74-الذهبي،شمس الدين محمّد بن أحمد.ميزان الاعتدال،دار المعرفة،بيروت.

75-الذهبي،شمس الدين محمّد بن أحمد.تذكرة الحفاظ،دار إحياء التراث العربي،بيروت.

ص: 328

76-الراوندي،قطب الدين.الخرائج و الجرائح،مؤسسة الإمام المهدي قم،1409 ه.

77-رباني گلپايگاني،علي.فرق و مذاهب كلامي،مركز جهاني علوم اسلامي ج 1،قم،1377 ه.ش.

78-رضوي اردكاني،سيد أبو فاضل.ماهيت قيام مختار،انتشارات دفتر تبليغات اسلامى حوزة علمية قم(بى تا).

79-الزبير بن بكّار.الآحاد الموفقيات.تحقيق د.سامي مكي العاني، منشورات الشريف الرضي،قم 1416 ه.

80-زيدان،جرجي.تاريخ تمدن اسلام و عرب،ترجمة على جواهر الكلام، مؤسسة انتشارات أمير كبير.

81-زين العاملي،محمّد حسين.شيعة في التاريخ،ترجمة محمّد رضا عطائي،بنياد پژوهش هاى اسلامى،آستان قدس رضوى،ط 2 1375 ه.ش.

82-السبحاني،جعفر.كليات في علم الرجال.مركز مديريت حوزة علمية قم،ط 2 1410 ه.

83-السمهودي،نور الدين.وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى،تحقيق محمّد محي الدين عبد المجيد.

84-السيد الرضي.نهج البلاغة،ترجمة فيض الإسلام.

85-السيوطي،جلال الدين عبد الرحمن.تاريخ الخلفاء.منشورات الشريف الرضي،قم 1411 ه.

86-السيوطي،جلال الدين عبد الرحمن.الدر المنثور في التفسير بالمأثور، منشورات مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي قم،1404 ه.

87-الشهرستاني.كتاب الملل و النحل.منشورات الشريف الرضي،قم 1346 ه.ش.

ص: 329

88-شهيدي،سيد جعفر.تاريخ تحليلى اسلام،مركز نشر دانشگاهى، طهران،ط 6،1365 ه.ش.

89-الشهيد الثاني.ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة،ط حجرية.

90-الصدر،سيد حسن.الشيعة و فنون الإسلام،لبنان 1331 ه.

91-الصدوق.عيون أخبار الرضا،مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت، ط 1،1404 ه.

92-الصدوق،الأمالي،انشارات كتاب فروشي اسلأميّة.

93-ضيف.الدكتور شوقي.تاريخ الأدب العربي العصر العباسي الأوّل،دار المعارف مصر.

94-الطباطبائي،سيد محمّد حسين.الميزان في تفسير القرآن،دفتر انتشارات اسلامي جامعة المدرسين في الحوزة العلمية قم.

95-الطبرسي،أبي علي الفضل بن الحسن.إعلام الورى بأعلام الهدى، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث،قم،1417 ه.

96-الطبرسي،أبو علي الفضل بن الحسن.مجمع البيان،دار المعرفة،بيروت، ط 2،1408 ه.

97-الطبرسي،أبو منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب.الاحتجاج.منشورات أسوة.

98-الطبري،محمّد بن جرير.تاريخ الأمم و الملوك،دار القاموس الحديث، بيروت(بدون تاريخ).

99-الطوسي،أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ.اختيار معرفة الرجال، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث،قم 1404 ه.

100-الطوسي،أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ.الفهرست،جامعة مشهد 1315 ه.ش.

ص: 330

101-عالمي دامغاني،محمد على.پيغمبر و ياران،كتاب فروشي بصيرتي، قم(بدون تاريخ).

102-عبد اللّه عبد العزيز بن ادريس.مجتمع المدينة في عهد الرسول،عمارة شؤون المكاتب جامعة الملك سعود،الرياض.

103-العسكري،مرتضى.معالم المدرستين،مؤسسة البعثة قسم الدراسات الإسلاميّة،طهران ط 2،1409 ه.

104-الفيروزآبادي.قاموس اللغة.ط حجرية.

105-قائدان،اصغر.تحليلي بر مواضع سياسي علي أبي طالب پس از رحلت پيامبر تا قتل عثمان بن عفان،مؤسسة انتشارات أمير كبير،طهران،ط 2، 1376 ه.ش.

106-كاشف الغطاء،شيخ جعفر.دفاع از حقانيت شيعة،ترجمة غلام حسن محرمي.مؤمنين،ط 1،1378 ه.

107-كاندهلوى،شيخ محمّد يوسف.حياة الصحابة،تحقيق شيخ إبراهيم محمّد رمضان،دار المعرفة،بيروت،ط 2.

108-كرد عليّ،محمّد خطط الشام،مكتبة النوري،دمشق،ط 3،1403 ه-1983 م.

109-الكلبي.جمهرة النسب،عالم الكتب،بيروت.

110-كياء گيلاني،سيد أحمد بن محمّد بن عبد الرحمن.سراج الانساب، منشورات مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي 1409 ه.

111-گوستاولوبون.تاريخ تمدن اسلام و عرب،ترجمة سيد هاشم الحسيني، كتاب فروشي اسلأميّة.

112-القندوزي الحنفي،شيخ سليمان.ينابيع المودّة،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت،ط 1،1418 ه.

ص: 331

113-لويس معلوف.المنجد،انتشارات اسماعيليان،ط 1.

114-المامقاني،عبد اللّه.تنقيح المقال،انتشارات جهان،طهران.

115-المجلسي،محمّد باقر.بحار الأنوار،المكتبة الإسلاميّة،طهران.

116-محرمي،غلام حسن،پژوهشي پيرامون انصار،دفتر انتشارات اسلامي وابسته به جامعة مدرسين حوزة علمية قم،1378 ه.ش.

117-محمّد بن إسماعيل.منتهى المقال،مؤسسة آل البيت لإحياء التراث،قم.

118-محمّد جعفر،د.سيد حسين.تشيّع در مسير تاريخ،ترجمة سيد محمّد تقي آيت اللهي،دفتر نشر فرهنگ إسلامي،ط 9،1378 ه.

119-مختار الليثي،د.سميرة،جهاد الشيعة.دار الجيل،بيروت 1396 ه.

120-مرتضى العاملي،جعفر.الصحيح بن سيرة النبيّ الأعظم،دفتر انتشارات اسلامي جامعة المدرسين في الحوزة العلمية قم،1420 ه.ش.

121-مرتضى العاملي،جعفر.زندگانى سياسى امام جواد عليه السّلام،ترجمة سيد محمّد حسيني،دفتر انتشارات اسلامي جامعة المدرسين في الحوزة العلمية قم، ط 8،1375.

122-المسعودي،عليّ بن حسين بن علي.التنبيه و الإشراف،دار الصاوي.

القاهرة(بدون تاريخ).

123-المسعودي،عليّ بن حسين بن عليّ.مروج الذهب،منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،بيروت 1411 ه.

124-المظفر،محمّد حسين.تاريخ الشيعة،منشورات مكتبة بصيرتي،قم (بدون تاريخ).

125-مغنية،محمّد جواد.الشيعة و الحاكمون،ترجمة مصطفى زماني، انتشارات شهيد گمنام(بدون تاريخ).

ص: 332

126-مغنية،محمّد جواد.الشيعة في الميزان،منشورات الشريف الرضي،قم 1413 ه.

127-المفيد،محمّد بن محمّد بن النعمان.الإرشاد،ترجمة محمّد باقر الساعدي الخراساني،كتاب فروشي اسلأميّة،1376 ه.ش.

128-المفيد،محمّد بن محمّد بن النعمان.الجمل،مكتب الاعلام الإسلامي، مركز النشر،قم،1416 ه.

129-المقدسي.أحسن التقاسيم،ترجمة د.علي نقي منزوي،شركت مؤلفان و مترجمان إيران.

130-المقريزي،تقي الدين أبي العباس أحمد بن عليّ.المواعظ و الاعتبار بذكر الخطط و الآثار،دار الكتب العلمية،بيروت،ط 1،1418 ه.

131-النجاشي،أبو العبّاس أحمد بن عليّ بن أحمد بن العبّاس.فهرست أسماء مصنفي الشيعة،دفتر انتشارات اسلامي وابسته به جامعة مدرسين،قم،1407 ه.

132-النوبختي،أبي محمّد الحسن بن موسى.فرق الشيعة،المطبعة الحيدرية،النجف 1936 ه.

133-النوري،حسين.كتاب الخمس،مؤسسة الإمام المهدي عليه السّلام،قم،1428 ه.

134-ياقوت الحموي،شهاب الدين أبي عبد اللّه.معجم البلدان،دار إحياء التراث العربي،بيروت ط 1،1417 ه.

135-اليوسفي الغروي،محمّد هادي.موسوعة التاريخ الإسلامي،مجمع الفكر الإسلامي،قم،ط 1،1417 ه.

136-الهيثمي،حافظ نور الدين عليّ بن أبي بكر.مجمع الزوائد،دار الفكر بيروت 1414 ه.

ص: 333

ص: 334

فهرس المحتويات

كلمة المجمع 7

المقدمة 9

الفصل الأوّل

الدرس الأوّل:مصادر عمومية 15

1-مقاتل الطالبيين 16

2-الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة 17

3-أعيان الشيعة 18

4-تاريخ الشيعة 20

الشيعة في التاريخ 22

6-جهاد الشيعة 22

تاريخ التشيّع في إيران من البداية حتى القرن السابع الهجري 24

خلاصة الدرس الأوّل 24

أسئلة الدرس الأوّل 25

الدرس الثاني:المصادر العامّة 27

التاريخ العام 27

2-تراجم أئمة أهل البيت و سيرتهم 29

3-كتب الفتن و الحروب 30

4-كتاب الرجال و الطبقات 30

كتب الجغرافيا 32

كتب الأخبار 32

ص: 335

7-كتب الأنساب 33

8-كتب الحديث 34

كتب الملل و النحل 35

خلاصة الدرس الثاني 35

أسئلة الدرس الثاني 36

الفصل الثاني:كيفية ظهور الشيعة

الدرس الثالث:الشيعة في اللغة و القرآن الكريم 39

الشيعة في اللغة 39

خلاصة الدرس الثالث 43

أسئلة الدرس الثالث 44

الدرس الرابع:نشأة التشيّع 45

خلاصة الدرس الرابع 53

أسئلة الدرس الرابع 54

الدرس الخامس:مصطلحات أخرى 55

منزلة الإمام عليّ 58

خلاصة الدرس الخامس 69

اسئلة الدرس الخامس 70

الدرس السادس:دور قريش في اجتماع السقيفة 71

أسباب العداء القرشي لأهل البيت 72

1-حبّ الزعامة 72

أ:الثقل الاقتصادي:73

ب:الثقل الروحي:73

2-المنافسة القبلية و الحسد 75

ص: 336

3-العداء الشخصي لعليّ 77

خلاصة الدرس السادس 79

أسئلة الدرس السادس 79

الدرس السابع:سكوت الإمام علي عليه السّلام 81

1-التفرقة بين المسلمين 81

2-خطر المرتدّين 82

3-حماية عترة النبيّ 84

التجمّع السياسي للشيعة بعد السقيفة 84

خلاصة الدرس السابع 89

أسئلة الدرس السابع 89

الدرس الثامن:الشيعة في الصحابة 91

خلاصة الدرس الثامن 96

أسئلة الدرس الثامن 96

الفصل الثالث:فصول التحول التاريخي للشيعة

الدرس التاسع:أوّلا:الشيعة في عصر الخلفاء الثلاثة 99

إظهار التشيّع(في عهد و خلافة عليّ 101

2-الشيعة في زمن بني أميّة 103

خلاصة الدرس التاسع 107

أسئلة الدرس التاسع 107

الدرس العاشر:انتشار التشيّع في عصر بني أميّة 109

أ:مرحلة الإمام الحسن و الحسين 109

تأثير النهضة الكربلائية في تنامي التشيّع 112

خلاصة الدرس العاشر 116

ص: 337

أسئلة الدرس العاشر 117

الدرس الحادي عشر:ب:عصر الإمام السجاد عليه السّلام 119

في عهد الإمام الباقر 120

الثورات الشيعية 123

الحكم المرواني(فترة الاضطراب)126

خلاصة الدرس الحادي عشر 128

أسئلة الدرس الحادي عشر 129

الدرس الثاني عشر:بدء الدعوة العبّاسية و أثرها في نشر التشيّع 131

ج:التشيّع في عصر الإمامين الباقر و الصادق 133

الجامعة الجعفرية 137

خلاصة الدرس الثاني عشر 140

أسئلة الدرس الثاني عشر 141

الدرس الثالث عشر:3-الشيعة في عصر العبّاسيين 143

السياسة العبّاسية إزاء قادة الشيعة 151

خلاصة الدرس الثالث عشر 157

أسئلة الدرس الثالث عشر 157

الدرس الرابع عشر:عوامل تنامي الشيعة في العصر العبّاسي 159

1-الهاشميون و العلويون في عصر بني أميّة 159

2-نهاية الحكم الأموي و ظهور العبّاسيين 162

هجرة العلويين 162

عوامل هجرة السادة العلويين 166

1-إخفاق ثورات العلويين 166

2-الضغط الحكومي 167

3-وجود الظروف المؤاتية 167

ص: 338

خلاصة الدرس الرابع عشر 167

أسئلة الدرس الرابع عشر 168

الفصل الرابع:الثورات الشيعية و العلوية في العصر الأموي

الدرس الخامس عشر:الثورات الشيعية و العلوية في العصر الأموي 171

أ:ثورة زيد الشهيد 173

ب-ثورة يحيى بن زيد 175

خلاصة الدرس الخامس عشر 176

أسئلة الدرس الخامس عشر 177

الدرس السادس عشر:الثورات الشيعية و العلوية في العصر العبّاسي 179

1-الثورة الزيدية 179

أ:ثورة محمّد النفس الزكية 182

ب-ثورة ابن طباطبا الحسني 183

ج:ثورة الحسن بن زيد الحسني(الدولة العلوية في طبرستان)184

د:ثورة يحيى بن الحسن(الدولة الزيدية في اليمن)186

خلاصة الدرس السادس عشر 186

أسئلة الدرس السادس عشر 187

الدرس السابع عشر:2-ثورات متفرقة 189

أ:ثورة الحسين بن عليّ(ثورة فخّ)189

ب:ثورة محمّد بن القاسم 190

ج:يحيى بن عمر الطالبي 191

عوامل إخفاق الثورات 192

خلاصة الدرس السابع عشر 193

أسئلة الدرس السابع عشر 194

ص: 339

الفصل الخامس

الدرس الثامن عشر:الأبعاد الجغرافية للتشيّع 197

خلاصة الدرس الثامن عشر 200

أسئلة الدرس الثامن عشر 201

الدرس التاسع عشر:مراكز التجمّع الشيعي 203

أ-المناطق الشيعية في القرن الهجري الأوّل 203

المدينة المنوّرة 203

اليمن 205

الكوفة 209

البصرة 215

المدائن 217

جبل عامل 218

خلاصة الدرس التاسع عشر 219

أسئلة الدرس التاسع عشر 220

الدرس العشرون:ب-المراكز الشيعية في القرن الثاني من الهجرة 221

خراسان 223

قم 224

بغداد 225

ج:مراكز الشيعة في القرن الثالث الهجري 226

خلاصة الدرس العشرون 228

أسئلة الدرس العشرون 229

الدرس الحادي و العشرون:التشيّع بين القبائل 231

خلاصة الدرس الحادي و العشرون 236

أسئلة الدرس الحادي و العشرون 236

ص: 340

الفصل السادس:الانشقاق داخل التشيّع

الدرس الثاني و العشرون:الانشقاق داخل التشيّع 239

خلاصة الدرس الثاني و العشرون 247

أسئلة الدرس الثاني و العشرون 247

الدرس الثالث و العشرون:أسباب التصدّع و الانشقاق في الطائفة الشيعية 249

1-أعوام القهر 250

2-التقية 253

3-الزعامة و حبّ الدنيا 255

4-القلوب الضعيفة 257

جهاد الأئمة ضد تيار الغلاة 258

خلاصة الدرس الثالث و العشرون 260

أسئلة الدرس الثالث و العشرون 261

الفصل السابع:الميراث العلمي للشيعة

الدرس الرابع و العشرون:الميراث العلمي 265

الحديث 268

خلاصة الدرس الرابع و العشرون 271

أسئلة الدرس الرابع و العشرون 272

الدرس الخامس و العشرون:علم الفقه 273

الفقه في عصر الصحابة و التابعين 273

الفقه لدى الشيعة 274

بدء الاجتهاد 277

الفقهاء من أصحاب الأئمة 277

خلاصة الدرس الخامس و العشرون 279

ص: 341

اسئلة الدرس الخامس و العشرون 280

الدرس السادس و العشرون:الكلام 281

خلاصة الدرس السادس و العشرون 285

أسئلة الدرس السادس و العشرون 286

الفصل الثامن:دور الشعراء الشيعة في نمو و انتشار التشيّع

الدرس السابع و العشرون:شعراء الشيعة و موقع الشعر 289

شعراء الشيعة حتى نهاية الغيبة الصغرى 292

شعراء الشيعة المبرزون 296

خلاصة الدرس السابع و العشرون 298

أسئلة الدرس السابع و العشرون 299

الدرس الثامن و العشرون:اهتمامات شعراء الشيعة 301

1-الاحتجاج على الغاصبين 301

2-المواجهة بين الشعراء الشيعة و شعراء البلاط 304

خلاصة الدرس الثامن و العشرون 307

أسئلة الدرس الثامن و العشرون 308

الدرس التاسع و العشرون:3-شعر المراثي 309

الأوّل:رثاء الإمام الحسين و شهداء كربلاء 309

ب-رثاء سائر الشهداء من ذرية النبيّ 314

4-فضائل و مناقب آل البيت 315

5-هجاء خصوم آل النبي 317

خلاصة الدرس التاسع و العشرون 320

4-فضائل و مناقب آل البيت 321

أسئلة الدرس التاسع و العشرون 321

ص: 342

فهرس المصادر 323

الفهرس 335

ص: 343

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.