تاريخ الأماميّة و أسلافهم من الشّيعة منذ نشأة التشيّع حتى مطلع القرن الرّابع الهجريّ

اشارة

تاريخ الأماميّة و أسلافهم من الشّيعة منذ نشأة التشيّع حتى مطلع القرن الرّابع الهجريّ

تأليف: الدّكتور عبد اللّه فيّاض

منشورات مؤسّسة الأعلمى للمطبوعات

بيروت-لبنان

ص: 1

اشارة

جميع الحقوق محفوظة للمؤلف

الطبعة الثالثة

1406 ه 1986 م

مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات:

بيروت-شارع المطار-قرب كليّة الهندسة-ملك الاعلمي-ص.ب:7120

ص: 2

تصدير

اشارة

بقلم سماحة الحجة السيد محمد باقر الصدر

بسم اللّه الرحمن الرحيم

جرى بعض الباحثين المحدثين على دراسة التشيع بوصفه ظاهرة طارئة في المجتمع الاسلامي و النظر الى القطاع الشيعي من جسم الامة الاسلامية باعتباره قطاعا تكون على مر الزمن نتيجة لاحداث و تطورات اجتماعية معينة أدت الى تكوين فكري و مذهبي خاص لجزء من ذلك الجسم الكبير ثم اتسع ذلك الجزء بالتدريج.

و هؤلاء الباحثون بعد أن يفترضوا ذلك يختلفون في تلك الاحداث و التطورات التي أدت الى نشوء تلك الظاهرة و ولادة ذلك الجزء.فهناك من يفترض أن عبد اللّه بن سبأ و نشاطه السياسي المزعوم هو الاساس لقيام ذلك التكتل الشيعي.و هناك من يرد ظاهرة التشيع الى عهد خلافة الامام عليه الصلاة و السّلام و ما هيأه هذا العهد للامام من مقام سياسي و اجتماعي على مسرح الاحداث.و منهم من يزعم أن سبب ظهور الشيعة يكمن في أحداث متأخرة عن ذلك في التسلسل التاريخي للمجتمع الاسلامي.

و الذي دعا-فيما أظن-كثيرا من هؤلاء الباحثين الى هذا الافتراض و الاعتقاد بأن التشيع ظاهرة طارئة في المجتمع الاسلامي هو أن الشيعة لم يكونوا يمثلون في صدر الاسلام الا جزءا ضئيلا من مجموع الامة الاسلامية فقد أوحت هذه الحقيقة شعورا بأن اللاتشيع كان هو القاعدة في المجتمع الاسلامي و ان التشيع هو الاستثناء و الظاهرة الطارئة التي يجب اكتشاف أسبابها من خلال تطورات المعارضة للوضع السائد.

ص: 3

و لكن اتخاذ الكثرة العددية و الضالة النسبية أساسا لتمييز القاعدة و الاستثناء أو الاصل و الانشقاق،ليس شيئا منطقيا فمن الخطا اعطاء الاسلام اللاشيعي صفة الاصالة على أساس الكثرة العددية و اعطاء الاسلام الشيعي صفة الظاهرة الطارئة و مفهوم الانشقاق فان هذا لا يتفق مع طبيعة الانقسامات العقائدية اذ كثيرا ما نلاحظ انقساما عقائديا في اطار رسالة واحدة يقوم على أساس الاختلاف في تحديد بعض معالم تلك الرسالة و قد لا يكون القسمان العقائديان متكافئين من الناحية العددية و لكنهما متكافئان في اصالتهما و معبران بدرجة واحدة عن الرسالة المختلف بشأنها.

فلا يجوز بحال من الاحوال أن نبني تصوراتنا عن الانقسام العقائدي داخل اطار الرسالة الاسلامية الى شيعة و غيرهم على الناحية العددية.كما لا يجوز أيضا أن نقرن ولادة الاطروحة الشيعية في اطار الرسالة الاسلامية بولادة كلمة الشيعة أو التشيع كمصطلح و اسم خاص لفرقة محددة من المسلمين لان ولادة الاسماء و المصطلحات شىء و نشوء المحتوى و واقع الاتجاه و الاطروحة شىء آخر فأذا كنا لا نجد كلمة الشيعة في اللغة السائدة في حياة الرسول(ص)أو بعد وفاته فلا يعني هذا أن الاطروحة و الاتجاه الشيعي لم يكن موجودا.فبهذه الروح يجب أن نعالج قضية التشيع و الشيعة و نجيب على السؤالين التاليين:-

كيف ولد التشيع و كيف ولد الشيعة؟

أما فيما يتعلق بالسؤال الاول كيف ولد الشيع فنحن نستطيع أن نعتبر التشيع نتيجة طبيعية للاسلام و ممثلا لاطروحة كان من المفروض للدعوة الاسلامية أن تتوصل اليها حفاظا على نموها السليم،و يمكننا أن نستنتج هذه الاطروحة استنتاجا منطقيا من الدعوة التي كان الرسول الاعظم يتزعم قيادتها بحكم طبيعة تكوينها و نوع الظروف التي عاشتها.فأن النبي صلى اللّه عليه و آله كان يباشر قيادة دعوة انقلابية و يمارس عملية تغيير شامل للمجتمع و أعرافه و أنظمته و مفاهيمه و لم يكن الطريق قصيرا أمام عملية

ص: 4

التغيير هذه بل كان طريقا طويلا و ممتدا بأمتداد الفواصل المعنوية الضخمة بين الجاهلية و الاسلام فكان على الدعوة التي يمارسها النبي أن تبدأ بأنسان الجاهلية فتنشئه انشاء جديدا و تجعل منه الانسان الاسلامي الذي يحمل النور الجديد الى العالم و تجتذ منه كل جذور الجاهلية و رواسبها و قد سار القائد الاعظم(ص)بعملية التغيير خطوات مدهشة في برهة قصيرة و كان على العملية أن تواصل طريقها الطويل حتى بعد وفاة النبي(ص).

و كان النبي يدرك منذ فترة قبل وفاته أن أجله قد دنا و اعلن ذلك بوضوح في حجة الوداع و لم يفاجئه الموت مفاجأة و هذا يعني انه كان يملك فرصة كافية للتفكير في مستقبل الدعوة بعده حتى اذا لم ندخل في الموقف عامل الاتصال الغيبي و الرعاية الالهية المباشرة للرسالة عن طريق الوحي.

و في هذا الضوء يمكننا أن نلاحظ أن النبي(ص)كان أمامه ثلاثة طرق بالامكان انتهاجها تجاه مستقبل الدعوة.

الطريق الاول أن يقف من مستقبل الدعوة موقفا سلبيا...

اشارة

الطريق الاول أن يقف من مستقبل الدعوة موقفا سلبيا و يكتفي بممارسة دوره في قيادة الدعوة و توجيهها فترة حياته و يترك مستقبلها للظروف و الصدف.

و هذه السلبية لا يمكن افتراضها في النبي(ص)لانها انما تنشأ من أحد أمرين كلاهما لا ينطبقان عليه(ص).

الامر الاول:الاعتقاد بأن هذه السلبية و الاهمال لا تؤثر على مستقبل الدعوة...

الامر الاول الاعتقاد بأن هذه السلبية و الاهمال لا تؤثر على مستقبل الدعوة و ان الامة التي سوف يخلف الدعوة فيها قادرة على التصرف بالشكل الذي يحمي الدعوة و يضمن عدم الانحراف.و هذا الاعتقاد لا مبرر له من الواقع اطلاقا بل ان طبيعة الاشياء كانت تدل على خلافه لان الدعوة بحكم كونها عملا تغييريا انقلابيا في بدايته يستهدف بناء أمة و استئصال كل جذور الجاهلية منها تتعرض لاكبر الاخطار اذا خلت الساحة من قائدها و تركها دون أي

ص: 5

تخطيط.فهناك الاخطار التي تنبع عن طبيعة مواجهة الفراغ دون أي تخطيط سابق و عن الضرورة الآنية لاتخاذ موقف مرتجل في ظل الصدمة العظيمة بفقد النبي فأن الرسول اذا ترك الساحة دون تخطيط لمصير الدعوة فسوف تواجه الامة و لاول مرة مسؤولية التصرف بدون قائدها تجاه أخطر مشاكل الدعوة و هي لا تملك أي مفهوم مسبق بهذا الصدد و سوف يتطلب منها الموقف تصرفا سريعا آنيا بالرغم من خطورة المشكلة لان الفراغ لا يمكن أن يستمر و سوف يكون هذا التصرف السريع في لحظة الصدمة التي تمنى بها الامة و هي تشعر بفقدها لقائدها الكبير هذه الصدمة التي تزعزع بطبيعتها سير التفكير و تبعث على الاضطراب حتى انها جعلت صحابيا معروفا يعلن بفعل الصدمة أن النبي(ص)لم يمت و لن يموت.و هناك الاخطار التي تنجم عن عدم النضج الرسالي بدرجة تضمن للنبي مسبقا موضوعية التصرف الذي سوف يقع و انسجامه مع الاطار الرسالي للدعوة و تغلبه على التناقضات الكامنة التي كانت لا تزال تعيش في زوايا من نفوس المسلمين على أساس الانقسام الى مهاجرين و أنصار أو قريش و سائر العرب أو مكة و المدينة.

و هناك الاخطار التي تنشأ نتيجة لوجود القطاع المتستر بالاسلام و الذي كان يكيد له في حياة النبي باستمرار و هو القطاع الذي كان يسميه القران بالمنافقين و اذا أضفنا اليهم عددا كبيرا ممن أسلم بعد الفتح استسلاما للامر الواقع لا انفتاحا على الحقيقة نستطيع أن نقدر الخطر الذي يمكن لهذه العناصر أن تولده و هي تجد فجأة فرصة لنشاط واسع في فراغ كبير مع خلو الساحة من رعاية القائد.

فلم تكن اذن خطورة الموقف بعد وفاة النبي شيئا يمكن أن يخفى على أي قائد ممارس للعمل العقائدى فضلا عن خاتم الانبياء.و إذا كان أبو بكر لم يشأ أن يترك الساحة دون أن يتدخل تدخلا ايجابيا في ضمان مستقبل الحكم بحجة الاحتياط للامر و اذا كان الناس قد هرعوا الى عمر حين ضرب قائلين يا أمير المؤمنين لو عهدت عهدا (1)خوفا من الفراغ الذي سوف يخلفه34

ص: 6


1- تأريخ الطبري:ج 5 ص 34

الخليفة بالرغم من التركز السياسي و الاجتماعي الذى كانت الامة قد بلغته بعد عقد من وفاة الرسول(ص)و اذا كان عمر قد أوصى الى ستة تجاوبا مع شعور الآخرين بالخطر و اذا كان عمر يدرك بعمق خطورة الموقف في يوم السقيفة و ما كان بالامكان أن تؤدي اليه خلافة أبي بكر بشكلها المرتجل من مضاعفات إذ يقول ان بيعة أبي بكر كانت فلتة غير أن اللّه وقى شرها (1)و اذا كان أبو بكر نفسه يعتذر عن تسرعه الى قبول الحكم و تحمل المسؤوليات الكبيرة بأنه شعر بخطورة الموقف و ضرورة الاقدام السريع على حل ما اذ يقول و قد عوتب على قبول السلطة ان رسول اللّه(ص)قبض و الناس حديثو عهد بالجاهلية فخشيت أن يفتتنوا و أن أصحابي حملونيها (2).

اذا كان كل ذلك صحيحا فمن البديهي اذن أن يكون رائد الدعوة و نبيها أكثر شعورا بخطر السلبية و اكبر ادراكا و اعمق فهما لطبيعة الموقف و متطلبات العمل التغييري الذى يمارسه في أمة حديثة عهد بالجاهلية على حد تعبير أبي بكر.

الامر الثاني:الذى يمكن أن يفسر سلبية القائد تجاه مستقبل الدعوة...

و الامر الثاني الذى يمكن أن يفسر سلبية القائد تجاه مستقبل الدعوة و مصيرها بعد وفاته أنه بالرغم من شعوره بخطر هذه السلبية لا يحاول تحصين الدعوة ضد ذلك الخطر لانه ينظر الى الدعوة نظرة مصلحية فلا يهمه الا أن يحافظ عليها مادام حيا ليستفيد منها و يستمتع بمكاسبها و لا يعنى بحماية مستقبلها بعد وفاته.

و هذا التفسير لا يمكن أن يصدق على النبي(ص)حتى اذا لم نلاحظه بوصفه نبيا و مرتبطا بالله سبحانه و تعالى في كل ما يرتبط بالرسالة و افترضناه قائدا رساليا كقادة الرسالات الاخرى لان تأريخ القادة الرساليين لا يملك نظيرا للقائد الرسول في اخلاصه لدعوته و تفانيه فيها و تضحيته من أجلها

ص: 7


1- تأريخ الطبري:ج 3 ص 200
2- شرح النهج لابن أبي الحديد:ج 6 ص 42

الى آخر لحظة من حياته و كل تأريخه يبرهن على ذلك و قد كان صلّى اللّه عليه و آله على فراش الموت و قد ثقل مرضه و هو يحمل هم معركة كان قد خطط لها و جهز جيش اسامة لخوضها فكان يقول جهزوا جيش اسامة انفذوا جيش اسامة ارسلوا بعث اسامة يكرر ذلك (1)و يغمى عليه بين الحين و الحين.فاذا كان اهتمام الرسول(ص)بقضية من قضايا الدعوة العسكرية يبلغ الى هذه الدرجة و هو يجود بنفسه على فراش الموت و لا يمنعه علمه بأنه سيموت قبل أن يقطف ثمار تلك المعركة عن تبنيه لها و ان تكون همه الشاغل و هو يلفظ أنفاسه الاخيرة فكيف يمكن أن نتصور ان النبي لا يعيش هموم مستقبل الدعوة و لا يخطط لسلامتها بعد وفاته من الاخطار المرتقبة.

و أخيرا فأن في سلوك الرسول(ص)في مرضه الاخير رقما واحدا يكفي لنفي الطريق الاول و للتدليل على أن القائد الاعظم كان أبعد ما يكون عن فرضية الموقف السلبي تجاه مستقبل الدعوة لعدم الشعور بالخطر او لعدم الاهتمام بشأنه و هذا الرقم أجمعت صحاح المسلمين جميعا سنّة و شيعة على نقله و هو أن الرسول لما حضرته الوفاة و في البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال(ص)ائتوني بالكتف و الدواة اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا (2).

فأن هذه المحاولة من القائد الكريم المتفق على نقلها و صحتها تدل بكل وضوح على أنه كان يفكر في أخطار المستقبل و يدرك بعمق ضرورة التخطيط لتحصين الامة من الانحراف و حماية الدعوة من التميع و الانهيار فليس من الممكن افتراض الموقف السلبي بحال من الاحوال.

الطريق الثاني أن يخطط الرسول القائد لمستقبل الدعوة بعد وفاته...

الطريق الثاني أن يخطط الرسول القائد لمستقبل الدعوة بعد وفاته و يتخذ موقفا ايجابيا فيجعل القيمومة على الدعوة و قيادة التجربة للامة ممثلة على أساس نظام الشورى في جيلها العقائدي الاول الذى يضم مجموع المهاجرين

ص: 8


1- تأريخ الكامل لابن الاثير و غيره.
2- مسند أحمد:ج 1 ص 355 و صحيح مسلم:ج 2 في آخر الوصايا و صحيح البخاري الجزء الاول كتاب العلم.

و الانصار فهذا الجيل الممثل للامة هو الذي سيكون قاعدة للحكم و محورا لقيادة الدعوة في خط نموها.

و هنا أيضا نلاحظ أن طبيعة الاشياء و الوضع العام الثابت عن الرسول و الدعوة و الدعاة يرفض هذه الفرضية و ينفي أن يكون النبي قد انتهج هذا الطريق و اتجه الى ربط قيادة الدعوة بعده مباشرة بالامة ممثلة في جيلها الطليعي من المهاجرين و الانصار على أساس نظام الشورى.

و فيما يلي بعض النقاط التي توضح ذلك:

1-لو كان النبي(ص)قد اتخذ من مستقبل الدعوة بعده موقفا ايجابيا يستهدف وضع نظام الشورى موضع التطبيق بعد وفاته مباشرة و اسناد زعامة الدعوة الى القيادة التي تنبثق عن هذا النظام لكان من أبده الاشياء التي يتطلبها هذا الموقف الايجابي أن يقوم الرسول القائد بعملية توعية للامة و الدعاة على نظام الشورى و حدوده و تفاصيله و اعطائه طابعا دينيا مقدسا و اعداد المجتمع الاسلامي اعدادا فكريا و روحيا لتقبل هذا النظام و هو مجتمع نشأ من مجموعة من العشائر لم تكن قد عاشت قبل الاسلام وضعا سياسيا على أساس الشورى و انما كانت تعيش في الغالب وضع زعامات قبلية و عشائرية تتحكم فيها القوة و الثروة و عامل الوراثة الى حد كبير.

و نستطيع بسهولة أن ندرك أن النبي(ص)لم يمارس عملية التوعية على نظام الشورى و تفاصيله التشريعية أو مفاهيمه الفكرية لان هذه العملية لو كانت قد انجزت لكان من الطبيعي أن تنعكس و تتجسد في الاحاديث المأثورة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و في ذهنية الامة أو على اقل تقدير في ذهنية الجيل الطليعي منها الذي يضم المهاجرين و الانصار بوصفه و هو المكلف بتطبيق نظام الشورى،مع اننا لا نجد في الاحاديث المأثورة عن النبي(ص) أي صورة تشريعية محددة لنظام الشورى.و اما ذهنية الامة أو ذهنية الجيل الطليعي منها فلا نجد فيها أي ملامح أو انعكاسات محددة لتوعية من ذلك القبيل.

ص: 9

و نلاحظ بهذا الصدد للتأكد من ذلك أن أبا بكر حينما اشتدت به العلة عهد الى عمر بن الخطاب فأمر عثمان أن يكتب عهده و كتب(بسم اللّه الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر خليفة رسول اللّه الى المؤمنين و المسلمين سلام عليكم فاني أحمد اليكم اللّه أما بعد فأني قد استعملت عليكم عمر ابن الخطاب فاسمعوا و اطيعوا)و دخل عليه عبد الرحمن بن عوف فقال كيف أصبحت يا خليفة رسول اللّه فقال أصبحت موليا و قد زدتموني على ما بي اذ رأيتموني استعملت رجلا منكم فكلكم قد أصبح ورما أنفه و كل يطلبها لنفسه (1).

و واضح من هذا الاستخلاف و هذا الاستنكار للمعارضة ان الخليفة لم يكن يفكر بعقلية نظام الشورى و انه كان يرى من حقه تعيين الخليفة و ان هذا التعيين يفرض على المسلمين الطاعة و لهذا أمرهم بالسماع و الطاعة فليس هو مجرد ترشيح أو تنبيه بل هو الزام و نصب.و نلاحظ أيضا أن عمر رأى هو الآخر أيضا أن من حقه فرض الخليفة على المسلمين ففرضه في نطاق ستة أشخاص و أوكل أمر التعيين الى الستة أنفسهم دون أن يجعل لسائر المسلمين أى دور حقيقي في الانتخاب،و هذا يعني أيضا أن عقلية نظام الشورى لم تتمثل في طريقة الاستخلاف التي انتهجها عمر كما لم تتمثل من قبل في الطريقة التى سلكها الخليفة الاول.

و قد قال عمر حين طلب منه الناس الاستخلاف(لو أدركنى أحد رجلين فجعلت هذا الامر اليه لوثقت به سالم مولى أبى حذيفة و ابي عبيدة الجراح و لو كان سالم حيا ما جعلتها شورى (2).و قال أبو بكر لعبد الرحمن بن عوف و هو يناجيه على فراش الموت وددت أني كنت سألت رسول اللّه لمن هذا الامر فلا ينازعه أحد (3).

و حينما تجمع الانصار في السقيفة لتأمير سعد بن عبادة قال منهم قائل52

ص: 10


1- تأريخ اليعقوبى:ج 2 ص 126-127
2- طبقات ابن سعد:ج 3 ص 248
3- تاريخ الطبري:ج 4 ص 52

ان أبت مهاجرة قريش فقالوا نحن المهاجرون و نحن عشيرته و أوليائه فقالت طائفة منهم اذا نقول منا أمير و منكم أمير لن نرضى بدون هذا منهم أبدا.

و حينما خطب أبو بكر فيهم قال كنا معاشر المسلمين المهاجرين اول الناس اسلاما و الناس لنا في ذلك تبع و نحن عشيرة رسول اللّه و اوسط العرب انسابا.و حينما اقترح الانصار أن تكون الخلافة دورية بين المهاجرين و الانصار رد أبو بكر قائلا ان رسول اللّه لما بعث عظم على العرب ان يتركوا دين آبائهم فخالفوه و شاقوه و خص اللّه المهاجرين الاولين من قومه بتصديقه...فهم أول من عبد اللّه في الارض و هم اولياؤه و عترته و احق الناس بالامر بعده لا ينازعهم فيه الا ظالم.و قال الحباب بن المنذر و هو يشجع الانصار على التماسك أملكوا عليكم أيديكم انما الناس في فيئكم و ظلكم فأن أبى هؤلاء فمنا أمير و منهم أمير.ورد عليه عمر قائلا،هيهات لا يجتمع سيفان في غمد...من ذا يخاصمنا في سلطان محمد و ميراثه و نحن أولياؤه و عشيرته الا مدل بباطل أو متجانف لإثم أو متورط في هلكة (1).

ان الطريقة التي مارسها الخليفة الاول و الخليفة الثاني للاستخلاف و عدم استنكار المسلمين لتلك الطريقة و الروح العامة التي سادت على منطق الجناحين المتنافسين من الجيل الطليعي المهاجرين و الانصار يوم السقيفة و الاتجاه الواضح الذى بدأ لدى المهاجرين نحو تقرير مبدأ انحصار السلطة بهم و عدم مشاركة الانصار في الحكم و التأكيد على المبررات الوراثية التي تجعل من عشيرة النبي اولى العرب بميراثه و استعداد كثير من الانصار لقبل فكرة أميرين أحدهما من الانصار و الآخر من المهاجرين و اعلان أبي بكر الذى فاز بالخلافة في ذلك اليوم عن أسفه لعدم السؤال من النبي عن صاحب الامر بعده،كل ذلك يوضح بدرجة لا تقبل الشك ان هذا الجيل الطليعي من الامة الاسلامية بما فيه القطاع الذى تسلم الحكم بعد وفاة النبي لم يكن يفكر بذهنية الشورى و لم يكن يملك فكرة محددة عن هذا النظام فكيف-9

ص: 11


1- راجع في نصوص يوم السقيفة شرح النهج:ج 6 ص 6-9

يمكن أن نتصور أن النبي مارس عملية توعية على نظام الشورى تشريعيا و فكريا واعد جيل المهاجرين و الانصار لتسلم قيادة الدعوة بعده على اساس هذا النظام ثم لا نجد لدى هذا الجيل تطبيقا واعيا لهذا النظام أو مفهوما محددا عنه كما اننا لا يمكن أن نتصور من ناحية أخرى ان الرسول القائد يضع هذا النظام و يحدده تشريعيا و مفهوميا ثم لا يقوم بتوعية المسلمين عليه و تثقيفهم به.

2-ان النبي لو كان قد قرر أن يجعل من الجيل الاسلامي الرائد الذي يضم المهاجرين و الانصار من صحابته قيما على الدعوة بعده و مسؤولا عن مواصلة عملية التغيير فهذا يحتم على الرسول القائد(ص)أن يعبيء هذا الجيل تعبئة رسالية و فكرية واسعة يستطيع أن يمسك بالنظرية بعمق و يمارس التطبيق على ضوئها بوعي و يضع للمشاكل التي تواجهها الدعوة باستمرار حلولها النابعة من الرسالة خصوصا اذا لا حظنا ان النبي(ص) كان و هو الذي بشر بسقوط كسرى و قيصر يعلم بأن الدعوة مقبلة على فتوح عظيمة و ان الامة الاسلامية سوف تضم اليها في غد فريب شعوبا جديدة و مساحة كبيرة و تواجه مسؤولية توعية تلك الشعوب على الاسلام و تحصين الامة من أخطار هذا الانفتاح و تطبيق أحكام الشريعة على الارض المفتوحة و اهل الارض،و بالرغم من أن الجيل الرائد من المسلمين كان أنظف الاجيال التي توارثت الدعوة و اكثرها استعدادا للتضحية لا نجد فيه ملامح ذلك الاعداد الخاص للقيمومة على الدعوة و التثقيف الواسع العميق على مفاهيمها و الارقام التي تبرر هذا النفي كثيرة لا يمكن استيعابها في هذا المجال.

و يمكننا بهذا الصدد أن نلاحظ أن مجموع ما نقله الصحابة من نصوص عن النبي(ص)في مجال التشريع لا يتجاور بضع مئات من الاحاديث بينما كان عدد الصحابة يناهز اثني عشر ألفا على ما أحصته كتب التأريخ و كان النبي(ص)يعيش مع آلاف من هؤلاء في بلد واحد و في مجلس واحد صباحا و مساءا فهل يمكن أن نجد في هذه الارقام ملامح الاعداد الخاص.و المعروف عن الصحابة أنهم كانوا يتحاشون من ابتداء النبي بالسؤال حتى أن أحدهم

ص: 12

كان ينتظر فرصة مجيء اعرابي من خارج المدينة يسأل ليسمع الجواب، و كانوا يرون ان من الترف الذى يجب الترفع عنه السؤال عن حكم قضايا لم تقع بعد و من أجل ذلك قال عمر على المنبر احرج بالله على رجل سأل عما لم يكن فان اللّه قد بين ما هو كائن (1).و قال لا يحل لاحد أن يسال عما لم يكن ان اللّه قد قضى فيما هو كائن.و جاء رجل يوما الى ابن عمر يسأله عن شىء فقال له ابن عمر لا تسأل عما لم يكن فأني سمعت عمر بن الخطاب يلعن من سأل عما لم يكن (2).و سأل رجل أبي بن كعب عن مسألة قال يا بني أكان الذي سألتني عنه قال لا قال أما فأجلني حتى يكون (3)و قرأ عمر يوما القرآن فانتهى الى قوله تعالى (فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَ عِنَباً وَ قَضْباً وَ زَيْتُوناً وَ نَخْلاً وَ حَدائِقَ غُلْباً وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا) فقال كل هذا عرفناه فما الاب.

ثم قال هذا لعمر اللّه هو التكلف فما عليك أن لا تدري ما الاب اتبعوا ما بين لكم هذه من الكتاب فأعملوا به و ما لم تعرفوه فكلوه الى ربه.

و هكذا نلاحظ اتجاها لدى الصحابة الى العزوف عن السؤال الا في حدود المشاكل المحددة الواقعة و هذا الاتجاه هو الذى أدى الى ضآلة عدد النصوص التشريعية التي نقلوها عن الرسول و هو الذي أدى بعد ذلك الى الاحتياج الى مصادر اخرى غير الكتاب و السنة كالاستحسان و اهياس و عيرها من ألوان الاجتهاد التي يتمثل فيها العنصر الذاتي للمجتهد الامر الذي أدى الى تسرب شخصية الانسان بذوقه و تصوراته الخاصة الى التشريع.

و هذا الاتجاه أبعد ما يكون عن عملية الاعداد الرسالي الخاص التي كانت تتطلب تثقيفا واسعا لذلك الجيل و توعية له على حلول الشريعة للمشاكل التي سوف يواجهها عبر قيادته.و قد أثبتت الاحداث بعد وفاة النبي(ص) ان جيل المهاجرين و الانصار لم يكن يملك أي تعليمات محددة عن كثير من المشاكل الكبيرة التي كان من المفروض أن تواجهها الدعوة بعد النبي حتى14

ص: 13


1- سنن الدارمى:ج 1 ص 50
2- سنن الدارمى:ج 1 ص 56
3- مستدرك الحاكم:ج 2 ص 514

ان المساحة الهائلة من الارض التي امتد اليها الفتح الاسلامي لم يكن لدى الخليفة و الوسط الذى يسنده اي تصور محدد عن حكمها الشرعي و عما اذا كانت تقسم بين المقاتلين او تجعل وقفا على المسلمين عموما فهل يمكننا أن نتصور ان النبي يؤكد للمسلمين انهم سوف يفتحون أرض كسرى و قيصر و يجعل من جيل المهاجرين و الانصار القيم على الدعوة و المسؤول عن هذا الفتح ثم لا يخبره بالحكم الشرعي الذى يجب ان يطبقه على تلك المساحة الهائلة من الدنيا التي سوف يمتد اليها الاسلام.

بل اننا نلاحظ اكثر من ذلك ان الجيل المعاصر للرسول(ص)لم يكن يملك تصورات واضحه محددة حتى في مجال القضايا الدينية التي كان النبي يمارسها مئات المرات و على مراى و مسمع من الصحابة و نذكر على سبيل المثال لذلك الصلاة على الميت فانها عبادة كان النبي قد مارسها عادة مئات المرات و أداها في مشهد عام من المشيعين و المصلين و بالرغم من ذلك يبدو أن الصحابة كانوا لا يجدون ضرورة لضبط صورة هذه العبادة ما دام النبي يؤديها و ما داموا يتابعون فيها النبي فصلا بعد فصل،و لهذا وقع الاختلاف بينهم بعد وفاة النبي في عدد التكبيرات في صلاة الميت فقد اخرج الطحلوي عن ابراهيم قال قبض رسول اللّه و الناس مختلفون في الكبير على الجنازة لا تشاء ان تسمع رجلا يقول سمعت رسول اللّه(ص)يكبر سبعا و اخر يقول سمعت رسول اللّه يكبر خمسا و أخر يقول سمعت رسول اللّه يكبر اربعا فاختلفوا في ذلك حتى قبض أبو بكر فلما ولي عمر و رآى اختلاف الناس في ذلك شق عليه جدا فأرسل الى رجال من أصحاب رسول اللّه فقال،انكم معاشر أصحاب رسول اللّه متى تختلفون على الناس يختلفون من بعدكم و متى تجتمعون على أمر يجتمع الناس عليه فانظروا أمرا تجتمعون عليه فكأنما أيقظهم فقالوا نعم ما رأيت يا أمير المؤمنين الخ... (1).

و هكذا نجد ان الصحابة كانوا في حياة النبي(ص)يتكلون غالبا على شخص النبي و لا يشعرون بضرورة الاستيعاب المباشر للاحكام و المفاهيم29

ص: 14


1- عمدة القارىء:ج 4 ص 129

ماداموا في كنف النبي.و كل ما تقدم يدل على أن التوعية التي مارسها النبي على المستوى العام للمهاجرين و الانصار لم تكن بالدرجة التي يتطلبها اعداد القيادة الواعية الفكرية و السياسية لمستقبل الدعوة و عملية التغيير و انما كانت توعية بالدرجة التي تبنى القاعدة الشعبية الواعية التي تلتف حول قيادة الدعوة في الحاضر و المستقبل.

و اي افتراض يتجه الى القول بان النبي كان يخطط لاسناد قيادة التجربه و القيمومه على الدعوة بعده مباشرة الى جيل المهاجرين و الانصار يحتوى ضمنا اتهام اذكى و ابصر قائد رسالي في تاريخ العمليات التغييرية بعدم القدرة على التمييز بين الوعي المطلوب على مستوى القاعدة الشعبية للدعوة و الوعي المطلوب على مستوى قيادة الدعوة و امامتها الفكرية و السياسية 3-ان الدعوة عملية تغيير و منهج حياة جديد و هي تستهدف بناء أمة من جديد و اقتلاع كل جذور الجاهلية و رواسبها من وجودها و الامة الاسلامية ككل لم تكن قد عاشت في ظل عملية التغيير هذه الا عقدا واحدا من الزمن على اكثر تقدير و هذا الزمن القصير لا يكفي عادة في منطق الرسالات العقائدية و الدعوات التغييرية لارتفاع الجيل الذي عاش في كنف الدعوة عشر سنوات فقط الى درجة من الوعي و الموضوعية و التحرر من رواسب الماضى و الاستيعاب لمعطيات الاطروحة الجديد تؤهله للقيمومة على الرسالة و تحمل مسؤوليات الدعوة و مواصلة عملية التغيير بدون قائد بل ان منطق الرسالات العقائدية يفرض أن تمر الامة بوصاية عقائدية فترة أطول من الزمن تهيئها للارتفاع الى مستوى تلك القيمومة.

و ليس هذا شيئا ستنتجه استنتاجا فحسب و انما يعبر أيضا عن الحقيقة التي برهنت عليها الاحداث بعد وفاة القائد الرسول و تجلت عبر نصف قرن أو أقل من خلال ممارسة جيل المهاجرين و الانصار لامامة الدعوة و القيمومة عليها اذ لم يمض على هذه القيمومة ربع قرن حتى بدأت الخلافة الراشدة و التجربة الاسلامية التي تولى جيل المهاجرين و الانصار قيادتها تنهار تحت وقع الضربات الشديدة التي وجهها أعداء الاسلام القدامى و لكن من داخل

ص: 15

اطار التجربة الاسلامية لا من خارجها اذ استطاعوا أن يتسللوا الى مراكز النفوذ في التجربة بالتدريج و يستغفلوا القيادة غير الواعية ثم صادروا بكل وقاحة و عنف تلك القيادة و اجبروا الامة و جيلها الطليعي الرائد على التنازل عن شخصيته و قيادته و تحولت الزعامة الى ملك موروث يستهتر بالكرامات و يقتل الابرياء و يبعثر الاموال و يعطل الحدود و يجمد الاحكام و يتلاعب بمقدرات الناس و اصبح الفيء و السواد بستانا لقريش و الخلافة كرة يتلاعب بها صبيان بني أمية.

فواقع التجربة بعد النبي و ما تمخض عنه بعد ربع قرن من نتائج يدعم الاستنتاج المتقدم الذى يؤكد ان أسناد القيادة و الامامة الفكرية و السياسية لجيل المهاجرين و الانصار عقيب وفاة النبي مباشرة باجراء مبكر و قبل وقته الطبيعي و لهذا ليس من المعقول أن يكون النبي قد اتخذ اجراء من هذا القبيل.

الطريق الثالث و هو الطريق الوحيد الذي بقي منسجما مع طبيعة الاشياء...

الطريق الثالث و هو الطريق الوحيد الذي بقي منسجما مع طبيعة الاشياء و معقولا على ضوء ظروف الدعوة و الدعاة و سلوك النبي(ص)و هو أن يقف النبي(ص) من مستقبل الدعوة بعد وفاته موقفا ايجابيا فيختار بأمر من اللّه سبحانه و تعالى شخصا يرشحه عمق وجوده في كيان الدعوة فيعده اعدادا رساليا و قياديا خاصا تتمثل فيه المرجعية الفكرية و الزعامة السياسية للتجربة و ليواصل بعده بمساندة القاعدة الشعبية الواعية من المهاجرين و الانصار قيادة الامة و بناءها عقائديا و تقريبها باستمرار نحو المستوى الذي يؤهلها لتحمل المسؤوليات القيادية.

و هكذا نجد أن هذا هو الطريق الوحيد الذي كان بالامكان أن يضمن سلامة مستقبل الدعوة و صيانة التجربة من الانحراف في خط نموها و هكذا كان.

ص: 16

و ليس ما تواتر عن النبي(ص)من النصوص التي تدل على أنه كان يمارس اعدادا رساليا و تثقيفيا عقائديا خاصا لبعض الدعاة على مستوى يهيئه للمرجعية الفكرية و السياسية و انه(ص)قد عهد اليه بمستقبل الدعوة و زعامة الامة من بعده فكريا و سياسيا ليس هذا الا تعبيرا عن سلوك القائد الرسول(ص)للطريق الثالث الذى كانت تفرضه و تدل عليه قبل ذلك طبيعه الاشياء كما عرفنا.

و لم يكن هذا الشخص الداعية المرشح للاعداد الرسالي القيادي و المنصوب لتسلم مستقبل الدعوة و تزعمها فكريا و سياسيا الا علي بن أبي طالب الذى رشحه لذلك عمق وجوده في كيان الدعوة و انه المسلم الاول بها و المجاهد الاول في سبيلها عبر كفاحها المرير ضد كل أعدائها و عمق وجوده في حياة القائد الرسول و انه ربيبه الذي فتح عينيه في حجره و نشأ في كنفه و تهيأت له من فرص التفاعل معه و الاندماج بخطه ما لم يتوفر لاي انسان آخر.

و الشواهد من حياة النبي و الامام علي ان النبي كان يعد الامام اعدادا رساليا خاصا كثيرة جدا فقد كان النبي يخصه بكثير من مفاهيم الدعوة و حقائقها و يبدأه بالعطاء الفكري و التثقيف اذا استنفذ الامام اسئلته و يختلي به الساعات الطوال في الليل و النهار يفتح عينيه على مفاهيم الرسالة و مشاكل الطريق و مناهج العمل الى آخر يوم من حياته الشريفة.

روى الحاكم في المستدرك يسنده عن ابي اسحاق سألت قثم ابن العباس كيف ورث علي رسول اللّه قال لانه كان أولنا به لحوفا و اشدنا به لزوقا.

و في حلية الاولياء عن ابن عباس أنه يقول كنا نتحدث ان النبي عهد الى علي سبعين عهدا لم يعهده الى غيره.

و روى النسائي في الخصائص عن الامام علي انه يقول كانت لي منزلة من رسول اللّه لم تكن لأحد من الخلائق كنت أدخل على نبي اللّه كل ليلة

ص: 17

فأن كان يصلي سبح فدخلت و ان لم يكن يصلي اذن لي فدخلت.و روى أيضا عن الامام قوله كان لي من النبي مدخلان مدخل بالليل و مدخل بالنهار.

و روى النسائي عن الامام أيضا انه كان يقول كنت اذا سألت رسول اللّه أعطيت و اذا سكت ابتدأني و رواه الحاكم في المستدرك أيضا و قال صحيح على شرط الشيخين.

و روى النسائي عن أم سلمة انها كانت تقول و الذى تحلف به أم سلمة ان أقرب الناس عهدا برسول اللّه علي قالت لما كانت غداة قبض رسول اللّه فارسل اليه رسول اللّه و اظنه كان بعثه في حاجة فجعل يقول جاء علي ثلاث مرات فجاء قبل طلوع الشمس فلما أن جاء عرفنا أن له اليه حاجة فخرجنا من البيت و كنا عند رسول اللّه يومئذ في بيت عائشة و كنت في آخر من خرج من البيت ثم جلست وراء الباب فكنت ادناهم الى الباب فأكب عليه علي فكان آخر الناس به عهدا فجعل يساره و يناجيه.

و قال أمير المؤمنين في خطبته الناصعة الشهيرة و هو يصف ارتباطه الفريد بالرسول القائد و عناية النبي باعداده و تربيته(و قد علمتم موضعي من رسول اللّه(ص)بالقرابة القريبة و المنزلة الخصيصه وضعني في حجره و أنا ولد يضمني الى صدره و يكنفني في فراشه و يمسي جسده و يشمنى عرفه و كان يمضغ الشىء ثم يلقمنيه و ما وجد لي كذبة في قول و لا خطلة في فعل...و لقد كنت اتبعه اتباع الفصيل اثر أمه يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما و يأمرني بالاقتداء به و لقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه و لا يراه غيري و لم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول اللّه و خديجة و أنا ثالثهما أرى نور الوحي و الرسالة و اشم ريح النبوة).

ان هذه الشواهد و شواهد اخرى كثيرة تقدم لنا صورة عن ذلك الاعداد الرسالي الخاص الذي كان النبي يمارسه في سبيل توعية الامام علي على

ص: 18

المستوى القيادى للدعوة.كما ان في حياة الامام علي بعد وفاة القائد الرسول أرقاما كثيرة جدا تكشف عن ذلك الاعداد العقائدي الخاص للامام علي من قبل النبي بما تعكسه من اثار ذلك الاعداد الخاص و نتائجه فقد كان الامام هو المفزع و المرجع لحل أي مشكلة يستعصي حلها على القيادة الحاكمة وقتئذ و لا نعرف في تاريخ التجربة الاسلامية على عهد الخلفاء الاربعة واقعة واحدة رجع فيها الامام الى غيره لكى يتعرف على رأي الاسلام و طريقة علاجه للموقف بينما نعرف في التاريخ عشرات الوقائع التى أحست القيادة الاسلامية الحاكمة فيها بضرورة الرجوع الى الامام بالرغم من تحفظاتها في هذا الموضوع.

و اذا كانت الشواهد كثيرة على أن النبي كان يعد الامام اعدادا خاصا لمواصلة قيادة الدعوة من بعده فالشواهد على اعلان الرسول القائد عن تخطيطه هذا و اسناده زعامة الدعوة الفكرية و السياسية رسميا الى الامام علي لا تقل عنها كثرة كما نلاحظ ذلك في حديث الدار و حديث الثقلين و حديث المنزلة و حديث الغدير و عشرات من النصوص النبوية الاخرى.

و هكذا وجد التشيع في اطار الدعوة الاسلامية متمثلا في هذه الاطروحة النبوية التي وضعها النبي(ص)بأمر.من اللّه للحفاظ على مستقبل الدعوة.

هكذا وجد التشيع لا كظاهرة طارئة على مسرح الاحداث بل كنتيجة ضرورية لطبيعة تكون الدعوة و حاجاتها و ظروفها الاصيلة التي كانت تفرض على الاسلام أن يلد التشيع و بمعنى آخر كانت تفرض على القائد الاول للتجربة أن يعد للتجربة قائدها الثاني الذي تواصل على يده و يد خلفائه نموها الثورى و تقترب نحو اكتمال هدفها التغييرى في اجتثاث كل رواسب الماضى الجاهلي و جذوره و بناء أمة جديدة على مستوى متطلبات الدعوة و مسؤولياتها عرفنا الآن كيف ولد التشيع و أما كيف ولد الشيعة و نشأ الانقسام على أساس ذلك في الامة الاسلامية فهذا ما سنجيب عليه الآن.

ص: 19

اننا اذا تتبعنا المرحلة الاولى من حياة الامة الاسلامية في عصر النبي نجد ان اتجاهين رئيسيين و مختلفين قد رافقا نشوء الامة و بداية التجربة الاسلامية منذ السنوات الاولى و كانا يعيشان معا داخل اطار الامة الوليدة التي انشأها الرسول القائد.و قد ادى هذا الاختلاف بين الاتجاهين الى انقسام عقائدي عقيب وفاة الرسول مباشرة شطر الامة الاسلامية الى شطرين قدر لاحدها أن يحكم فأستطاع أن يمتد و يستوعب اكثرية المسلمين بينما أقصي الشطر الآخر عن الحكم و قدر له أن يمارس وجوده كأقلية معارضة ضمن الاطار الاسلامي العام و كانت هذه الاقلية هى الشيعة.

و الاتجاهان الرئيسان اللذان رافقا نشوء الامة الاسلامية في حياة النبي منذ البدء هما:

أولا-الاتجاه الذي يؤمن بالتعبد بالدين و تحكيمه و التسليم المطلق للنص الديني في كل جوانب الحياة.

و ثانيا-الاتجاه الذى لا يرى ان ايمانه بالدين يتطلب منه التعبد الا في نطاق خاص من العبادات و الغيبيات و يؤمن بامكانية الاجتهاد و جواز التصرف على أساسه بالتغيير و التعديل في النص الديني وفقا للمصالح في غير ذلك النطاق من مجالات الحياة.

و بالرغم من أن الصحابة بوصفهم الطليعة المؤمنة و المستنيرة كانوا أفضل و أصلح بذرة لنشوء أمة رسالية حتى ان تأريخ الانسان لم يشهد جيلا عقائديا أروع و أنبل و أطهر من الجيل الذي انشأ الرسول القائد بالرغم من ذلك نجد من الضرورى التسليم بوجود اتجاه واسع منذ كان النبي حيا يميل الى تقديم الاجتهاد في تقدير المصلحة و استنتاجها من الظروف على التعبد بحرفية النص الديني كما كان هناك اتجاه آخر يؤمن بتحكيم الدين و التسليم له و التعبد بكل نصوصه في جميع جوانب الحياة.

ص: 20

و قد يكون من عوامل انتشار الاتجاه الاجتهادي في صفوف المسلمين أنه يتفق مع ميل الانسان بطبيعته الى التصرف وفقا لمصلحة يدركها و يقدرها بدلا عن التصرف وفقا لقرار لايفهم مغزاه.و قد قدر لهذا الاتجاه ممثلون جريئون من كبار الصحابة من قبيل عمر بن الخطاب الذي ناقش الرسول و اجتهد في مواضع عديدة خلافا للنص ايمانا منه بجواز ذلك مادام يرى أنه لم يخطىء المصلحة في اجتهاده و بهذا الصدد يمكننا أن نلاحظ موقفه من صلح الحديبية و احتجاجه على هذا الصلح و موقفه من الاذان و تصرفه فيه بأسقاط حي على خير العمل و موقفه من النبي حين شرع متعة الحج الى غير ذلك من مواقفه الاجتهادية.

و قد انعكس كلا الاتجاهين في مجلس الرسول(ص)في آخر يوم من أيام حياته فقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال لما حضر رسول اللّه و في البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي هلم اكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده فقال عمر ان النبي قد غلب عليه الوجع و عندكم القرآن حسبنا كتاب اللّه فاختلف أهل البيت فاختصموا منهم من يقول قربوا يكتب لكم النبي كتابا لن تضلوا بعده و منهم من يقول ما قال عمر فلما أكثروا اللغو و الاختلاف عند النبي قال لهم قوموا.

و هذه الواقعة وحدها كافية للتدليل على عمق الاتجاهين و مدى التناقض و الصراع بينهما.و يمكن أن نضيف اليها لتصوير عمق الاتجاه الاجتهادى و رسوخه ما حصل من نزاع و خلاف بين الصحابة حول تأمير اسامة بن زيد على الجيش بالرغم من النص النبوي الصريح على ذلك حتى خرج الرسول (ص)و هو مريض فخطب الناس و قال،يا أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأمير اسامة و لئن طعنتم في تأميري اسامة لقد طعنتم في تأميرى أبيه من قبله و أيم اللّه ان كان لخليقا بالامارة و ان ابنه من بعده لخليق بها.

و هذان الاتجاهان اللذان بدأ الصراع بينهما في حياة النبي(ص)قد

ص: 21

انعكسا على موقف المسلمين من اطروحة زعامة الامام للدعوة بعد النبي فالممثلون للاتجاه التعبدي وجدوا في النص النبوى على هذه الاطروحة سببا ملزما بقبولها دون توقف أو تعديل.و أما الاتجاه الاجتهادي فقد رأى أن بامكانه أن يتحرر من الصيغة المطروحة من قبل النبي اذا ادى اجتهاده الى صيغة أخرى أكثر انسجاما في تصوره مع الظروف.

و هكذا نرى أن الشيعة ولدوا منذ وفاة النبي مباشرة متمثلين في المسلمين الذين خضعوا عمليا لاطروحة زعامة الامام و قيادته التي فرض النبي الابتداء بتنفيذها من حين وفاته مباشرة.و قد تجسد الاتجاه الشيعي منذ اللحظة الاولى في انكار ما اتجهت اليه السقيفة من تجميد لاطروحة زعامة الامام علي و اسناد السلطة الى غيره.

ذكر الطبرسي في الاحتجاج عن ابان بن تغلب قال قلت لجعفر بن محمد الصادق جعلت فداك هل كان أحد في أصحاب رسول اللّه انكر على أبي بكر فعله قال نعم كان الذى انكر عليه اثنا عشر رجلا.من المهاجرين خالد بن سعيد بن العاص و سلمان الفارسي و ابو ذر الغفاري و المقداد بن الاسود و عمار بن ياسر و بريدة الاسلمي و من الانصار أبو الهيثم بن التيهان و سهل و عثمان ابنا حنيف و خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين و ابي بن كعب و ابو أيوب الانصاري.

هذه خطوط عامة عن تفسير التشيع بوصفه ظاهرة طبيعية في اطار الدعوة الاسلامية و تفسير ظهور الشيعة كاستجابة لتلك الظاهرة الطبيعية و سوف أترك كثيرا من التفاصيل للاخ العزيز الفاضل الدكتور عبد اللّه الفياض في كتابه الجليل الذي أقدم له فقد وفق الى درجة كبيرة في دراسته للشيعة بروح موضوعية و بمنهج علمي رصين و استطاع في هذه الدراسة الثمينة أن يرد على كثير من الاقاويل و الاراجيف التي تترد حول تفسير ظهور التشيع و الشيعة و يثبت بالارقام ولادة نظيفة للتشيع و بصورة بعيدة عن كل ما يربطه به اعداؤه من عوامل الدس و التخريب و يحتوى الكتاب على

ص: 22

استعراض جيد للأتجاهات المتعددة التي ظهرت داخل الاطار الشيعي و تحديد للملامح العامة لكل واحد من تلك الاتجاهات و بالرغم من اني اختلف مع الاستاذ الفياض في مواضيع عديدة من كتابه فأن هذا لا يمنعني عن الشعور بالقيمة العلمية لهذا الكتاب و التفاؤل بتناول أمثال الفياض من كتابنا المحدثين لتأريخنا الاسلامي بالبحث و التحقيق بروح موضوعية غير متأثرة لا بعوامل الدس و التحريف الداخلية في تأريخنا و لا بمشاعر الحقد و الكراهية التي يعبر عنها كثير من المستشرقين في دراستهم لتأريخنا و حضارتنا الاسلامية.و أود أن أشير قبل ختام الحديث الى نقطة اعتبر توضيحها على درجة كبيرة من الاهمية و هي ان الاستاذ الفياض يحاول التمييز بين نحوين من التشيع احدهما التشيع الروحي و الآخر التشيع السياسي.و يعتقد أن التشيع الروحي اقدم عهدا من التشييع السياسي و ان ائمة الشيعة الامامية من أبناء الحسين قد اعتزلوا بعد مذبحة كربلاء السياسية و انصرفوا الى الارشاد و العبادة و الانقطاع الى الدنيا.

و الحقيقة ان التشيع لم يكن في يوم من الايام منذ ولادته مجرد اتجاه روحي بحت و انما ولد التشيع في أحضان الاسلام بوصفه اطروحة مواصلة الامام علي لقيادة النبي الفكرية و قيادته السياسية للدعوة على السواء كما أوضحنا سابقا عند استعراض الظروف التي أدت الى ولادة التشييع و لم يكن بالامكان بحكم هذه الظروف التي استعرضناها أن يفصل الجانب الروحي عن الجانب السياسي في اطروحة التشيع تبعا لعدم انفصال أحدهما عن الآخر في الاسلام نفسه.

فالتشيع اذن لا يمكن أن يتجزأ الا اذا فقد معناه كأطروحة لحماية مستقبل الدعوة بعد النبي و هو مستقبل بحاجة الى المرجعية الفكرية و الزعامة السياسية للتجربة الاسلامية معا.و قد كان هناك ولاء واسع النطاق للامام علي في صفوف المسلمين بأعتباره الشخص الجدير بمواصلة دور الخلفاء

ص: 23

الثلاثة في الحكم و هذا الولاء هو الذي جاء به الى السلطة عقيب مقتل عثمان و لكن هذا الولاء ليس تشيعا روحيا و لا سياسيا و ان نما التشيع الروحي و السياسي داخل اطاره فلا يمكن أن نعتبره مثالا على التشيع المجزأ كما ان الامام كان يتمتع بولاء روحي و فكري من عدد من كبار الصحابة في عهد أبي بكر و عمر من قبيل سلمان و ابي ذر و عمار و غيرهم و لكن هذا لا يعني أيضا تشيعا روحيا منفصلا عن الجانب السياسي بل أنه تعبير عن ايمان اولئك الصحابة بقيادة الامام علي للدعوة بعد وفاة النبي فكريا و سياسيا و قد انعكس ايمانهم بالجانب الفكري من هذه القيادة بالولاء الروحي المتقدم و انعكس ايمانهم بالجانب السياسي منها بمعارضتهم لخلافة ابي بكر و للاتجاه الذي أدى الى صرف السلطة عن الامام الى غيره.

و لم تنشأ في الواقع النظرة التجزيئية الى التشيع الروحي بصورة منفصلة عن التشيع السياسي و لم تولد في ذهن الأنسان الشيعي الا بعد أن استسلم للواقع و انطفأت جذوة التشيع في نفسه كصيغة محددة لمواصلة القيادة الاسلامية في بناء الامة و انجاز عملية التغيير الكبيرة التي بدأها الرسول الكبير و تحولت الى مجرد عقيدة يطوى الانسان عليها قلبه و يستمد منها سلوته و أمله.

و هنا نصل الى ما يقال من أن أئمة اهل البيت من ابناء الحسين اعتزلوا السياسة و انقطوا عن الدنيا فنلاحظ أن التشيع بعد أن فهمناه كصيغة لمواصلة القيادة الاسلامية و القيادة الاسلامية لا تعني الا ممارسة عملية التغيير التي بدأها الرسول الكريم لتكميل بناء الامة على اساس الاسلام فليس من الممكن أن نتصور تنازل الائمة عن الجانب السياسي الا اذا تنازلوا عن التشيع.

غير ان الذي ساعد على تصور اعتزال الائمة و تخليهم عن الجانب السياسي من قيادتهم ما بدا من عدم اقدامهم على عمل مسلح ضد الوضع الحاكم مع اعطاء الجانب السياسي من القيادة معنى ضيقا لا ينطبق الا على عمل مسلح

ص: 24

من هذا القبيل.ولدينا نصوص عديدة عن الائمة عليهم السّلام توضح ان امام الوقت دائما كان مستعدا لخوض عمل مسلح اذا وجدت لديه القناعة بوجود الانصار و القدرة على تحقيق الاهداف الاسلامية من وراء ذلك العمل المسلح.

و نحن اذا تتبعنا سير الحركة الشيعية نلاحظ أن القيادة الشيعية المتمثلة في أئمة أهل البيت كانت تؤمن بأن تسلم السلطة وحده لا يكفي و لا يمكن من تحقيق عملية التغيير اسلاميا ما لم تكن هذه السلطة مدعمة بقواعد شعبية واعية تعي أهداف تلك السلطة و تؤمن بنظريتها في الحكم و تعمل في سبيل حمايتها و تفسير مواقفها للجماهير و تصمد في وجه الاعاصير.

و في نصف القرن الاول بعد وفاة النبي كانت القيادة الشيعية بعد اقصائها عن الحكم تحاول و باستمرار استرجاع الحكم بالطرق التي تؤمن بها لانها كانت تؤمن بوجود قواعد شعبية واعية أو في طريق التوعية من المهاجرين و الانصار و التابعين باحسان و لكن بعد نصف قرن و بعد أن لم تبق من هذه القواعد الشعبية شىء مذكور و نشأت أجيال مائعة في ظل الانحراف لم يعد تسلم الحركة الشيعية للسلطة محققا للهدف الكبير لعدم وجود القواعد الشعبية المساندة بوعي و تضحية و امام هذا الواقع كان لا بد من عملين أحدهما العمل من أنجذ بناء هذه القواعد الشعبية الواعية التي تهيء أرضية صالحة لتسلم السلطة و الآخر تحريك ضمير الامة الاسلامية وارادتها و الاحتفاظ للضمير الاسلامي و الارادة الاسلامية بدرجة من الحياة و الصلابة تحصن الأمة ضد التنازل المطلق عن شخصيتها و كرامتها للحكام المنحرفين.

و العمل الاول هو الذي مارسه الائمة بأنفسهم و العمل الثاني هو الذى مارسه ثائرون علوين كانوا يحاولون بتضحياتهم اليائسة أن يحافظوا

ص: 25

على الضمير الاسلامي و الارادة الاسلامية و كان الائمة يسندون المخلصين منهم.

قال الامام علي بن موسى الرضا للمأمون و هو يحدثه عن زيد بن علي الشهيد انه كان من علماء آل محمد غضب اللّه فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله و لقد حدثني أبي موسى بن جعفر انه سمع أباه جعفر بن محمد يقول رحم اللّه عمي زيدا إنه دعا الى الرضا من آل محمد و لو ظفر لوفى للّه من ذلك انه قال ادعوكم الى الرضا من آل محمد (1).

و في رواية انه ذكر بين يدي الامام الصادق من خرج من آل محمد فقال لا أزال أنا و شيعتي بخير ما خرج الخارجي من آل محمد و لوددت أن الخارجي من آل محمد خرج و عليّ نفقة عياله (2).فترك الائمة اذن لممارسة العمل المسلح بصورة مباشرة ضد الحكام المنحرفين لم يكن يعني تخليهم عن الجانب السياسي من قيادتهم و انصرافهم الى العبادة و انما كان يعبر عن اختلاف صيغة العمل السياسى التى تحددها الظروف الموضوعية و عن ادراك معمق لطبيعة العمل التغييري و اسلوب تحقيقه.

النجف الاشرف

محمد باقر الصدرس.

ص: 26


1- الوسائل،كتاب الجهاد.
2- السرائر لابن ادريس.

مقدّمة المؤلف

يتناول الكتاب الذي أقدمه للقارىء تأريخ طائفة من الشيعة كانوا الرواد الاول للتشيع و واضعي بذرته في عهد الرسول(ص)،كما كانوا أشهر بناة الفكر الشيعي،و ما زال هؤلاء يكونون العمود الفقري للشيعة.

و كان اولئك الشيعة يتمسكون بالنص و التعيين،و يقولون بمضمون وصية النبي(ص)لعلي(ع)بالخلافة و الامامة.و بقيت تلك الجماعة تسير على المنهاج الاول،و تتمسك بالوصية بعد أن تفرقت بالشيعة السبل و تقطعت بينهم الاسباب،و انفصلت عنهم مع الزمن مجموعة الفرق غير الاسلامية و هم الغلاة أمثال الكيسانية و الهاشمية و المغيرية و غيرها،ثم انبثقت عنهم الفرق الشيعية الاخرى كالزيدية و الاسماعيلية و فروعهما.

و استمر الشيعة الذين قالوا بالنص و التعيين على تبني سلسلة من الائمة عرفوا فيما بعد بالائمة الاثنى عشر المعصومين أولهم علي بن أبي طالب(ع)و آخرهم الامام الحجة الغائب(ع).و كون الشيعة القائلون بالنص،و الذين جريت على تسميتهم في هذا الكتاب بأسلاف الامامية، فرقة شيعية في القرن الثاني للهجرة اطلقت عليها حينذاك اسماء مختلفة:

منها«الترابية»نسبة الى أبي تراب كنية علي بن أبي طالب(ع)و منها «الجعفرية»و منها«الرافضة»أحيانا.

و بعد أن حصلت الغيبة بعد منتصف القرن الثالث للهجرة بقليل، سميت الفرقة الشيعية المذكورة ب«الامامية»أو الأثني عشرية.

و يترتب على ذلك ان الامامية هم الشيعة القائلون بالنص و التعيين و الذين يعتقدون بأثني عشر اماما،تسعة منهم من ولد الحسين(ع)اولهم علي ابن ابي طالب و آخرهم الامام الغائب الحجة(ع).

ص: 27

و يقع كتابي هذا بأربعة فصول.تناولت في الفصل الاول منه التشيع و الشيعة قبل ظهور فرقة الامامية،كما تطرقت في الفصل الثاني الى ظهور فرقة الامامية و رسوخها بعد غيبة المهدي(ع).و خصصت الفصل الثالث منه للبحث عن الغلو و الغلاة و موقف الشيعة الامامية منهما.أما الفصل الرابع فقد تناولت فيه العقائد الاساسية للشيعة الامامية.

أما المصادر التي اعتمدتها في اعداد هذا الكتاب فكانت متنوعة.و يمكن تقسيمها الى:-

أ-كتب الفرق.ب-كتب الحديث.ج-كتب التأريخ.

و كانت كتب الفرق أكثر الاصناف المذكورة اهمية و اكبرها فائدة، لاختصاصها في موضوع الكتاب أولا،و لان المعلومات المستقاة منها تعبر على الاكثر عن الواقع،أي عما كان،اكثر من كتب الحديث التي تعبر، في الغالب،عما يجب أن يكون ثانيا.و قد اشرت الى بعض الحالات التي ظهر فيها ما ذهبت اليه بهذا الخصوص في مواضعه من هذا الكتاب.

و يبدو أن تأريخية كثير من المعلومات التي تضمنتها كتب الحديث موضع نظر،لذا وجب على المؤرخ عند استعماله لتلك الكتب،أن ينتبه الى تلك الناحية و يشير اليها عند الضرورة.أما كتب التأريخ فأن دورها، بحكم طبيعة هذا الكتاب،ثانوي.و بالرغم من ذلك فأن المعلومات التي استقيتها منها كانت ذات فائدة كثيرة.

أما المراجع الحديثة التي استعنت بها فهي كثيرة.و كانت كتب الدكتور كامل الشيبي حول الشيعة و التصوف أكثرها نفعا و أوثقها صلة بالبحث العلمي.

و بعد ما قدمت أود أن أشير الى أن الموضوع الذي عالجته في هذا الكتاب كان بالغ الصعوبة و يترتب على ذلك انني لا ادعي ايفاء الموضوع

ص: 28

حقه من البحث و الاستقصاء.و كل ما قدمته بهذا الخصوص كان محاولة اولى،أرجو أن تكون فاتحة لغيرها من البحوث النافعة.

و ان صعب علي حل معضلة أو أكثر،لجهل أو خطأ،أرجو أن ينبهني القاريء الكريم الى ذلك و له من اللّه القدير أحسن الجزاء و مني اعظم الشكر و الامتنان.

و حاولت جهد الطاقة،أن أكون موضوعيا ضمن الاطار الذي يتطلبه موضوع له صلة وثقى بالعقيدة كموضوعي.و اترك للقارىء الحرية في قبول أو تقويم أو رفض الاطار الذي تصورته لموضوعية بحثي.كما أرجو ممن يخالفني من القراء،أن يتذكر،قبل اصدار حكمه على بحثي هذا انني أقدم له موضوعا تصارعت في جنباته حقائق التأريخ مع نزوات الكتاب المنبعثة عن التعصب على الشيعة غالبا اولهم أحيانا.و لا غرابة في ذلك لان الشيعة،كما هو معروف رفعوا علم المعارضة لما اعتقدوا بأنه انحراف عن الصواب،و لما كان من شأنه التمييز بين مسلم و آخر،في اغلب فترات تأريخهم.و نتيجة لذلك صب الحكام،الا ماندر منهم،جام غضبهم على الشيعة فأعملوا السيف في رقابهم،و أورثوا الخراب في مؤسساتهم،و أشاعوا التشويه في عقائدهم.

و قبل أن اختتم أتوجه بالشكر الجزيل الى حضرات الاساتذة الافاضل الذين ساعدوني أثناء اعدادي لهذا البحث و على رأسهم الدكتور قسطنطين زريق أحد اساتذة دائرة التاريخ بالجامعة الامريكية ببيروت الذي قرأ مسودته الاولى،عند ما وضعت خطوطها العامة قبل سنوات.و قد أبدى ملاحظات و آراء نافعة كان لها أثر كبير في توجيهي عند استئناف البحث في الكتاب و اكماله و وضعه بشكله الحالي بعد تتبع للمصادر استغرق من وقتي أكثر من سنتين.

ص: 29

و أعتقد ان الصورة التي وضعتها للشيعة و لانتاجهم الفكري في القرون الاسلامية الخمس الاولى ستتم عند ما أوفق لنشر كتابي الجديد الموسوم ب«تأريخ التربية عند الامامية بين عصري الامام الصادق و الشيخ الطوسي» و هو اطروحتي للدكتوراه.

و من الوفاء أن أتقدم بشكري للعلامة الجليل السيد محمد باقر الصدر الذى تفضل بكتابة مقدمة لكتابي هذا بسط فيها آراءه القيمة عن الشيعة و التشيع و أشار سماحته الى أنه يختلف معي في بعض الآراء التي وردت في الكتاب.

و كم كان سروري كبيرا حين وجدت من يختلفون معي حول بعض آرائي التي ضمنتها هذا الكتاب لان الاختلاف البناء،و هو ما ظهر في مقدمة المفكر الجليل السيد الصدر،طريق من طرق الوصول الى الحقيقة الذي هو هدف الباحثين في كل عصر و مكان و اللّه من وراء القصد.

عبد اللّه الفياض

بغداد في 8 شباط 1970

ص: 30

الفصل الاول: التشيع و الشيعة قبل ظهور فرقة الامامية

اشارة

الشيعة،في اللغة،الانصار و الاتباع (1).أما في الاصطلاح،فأن الكلمة المذكورة تطلق على كل من يتولى عليا و اهل بيته(ع).قال الفيروز ابادي«و شيعة الرجل،بالكسر،اتباعه و انصاره،و الفرقة على حدة،و يقع على الواحد،و الاثنين،و الجمع و المذكر،و المؤنث.و قد غلب هذا الاسم على كل من يتولى عليا و اهل بيته حتى صار اسما لهم خاصا» (2).

و ربما كانت الرواية المنسوبة لابي مخنف اقدم الروايات التي تضمنت كلمة«شيعة»بمعناها الدال على اتباع علي و اهل بيته و نصرتهم.و جاء في الرواية المذكورة أن الحسن بن علي(ع)قال لاهل الكوفة أنتم شيعتنا (3)و ورد المعنى نفسه في روايتي المنقري و المسعودى التاليتين:

ص: 31


1- وردت كلمة«شيعة»بمعنى الانصار و الاتباع،دون التخصيص بعلى و ولده(ع)،في طائفة من النصوص.روى الطبرى(4- 410)أن حسان بن مالك في محادثة مع زميل له قال«و انا أشهد لئن كان دين يزيد بن معاوية و هو حي حقا يومئذ أنه اليوم و شيعته على حق،و ان كان ابن الزبير يومئذ و شيعته على باطل أنه اليوم على باطل و شيعته...» و روى المسعودى(التنبيه و الاشراف 330)ان ولدي مروان،آخر خلفاء بنى أمية،هربا«فيمن تبعهما من أهلهما و مواليهما...و من انحاز اليهم من اهل خراسان من شيعة بنى أمية»..قال الشيخ الطوسى(تلخيص الشافي،3-99)«و عثمان نفسه مع شيعته و اقاربه...» و نفيد من النصوص السابقة ان كلمة«شيعة»في كل منها،استعملت بمعنى الانصار و الاتباع و هو المعنى اللغوى للكلمة المذكورة.
2- القاموس المحيط،«مادة»شاع.
3- أبو مخنف،لوط بن يحيى«المنسوب»مقتل الامام ابى عبد اللّه الحسين(النجف،1960)ص 1.

فالمنقري يقول ان الامام عليا قال:ان اتباع طلحة و الزبير في البصرة «قتلوا شيعتي و عمالي...» (1).

و روى المسعودي ان الامام عليا أقام و من معه من شيعته في منزله بعد أن تمت البيعة لابي بكر (2).

و نورد بعدما سيق تعريف الشيعة.قال ابو الحسن الاشعري«و انما قيل لهم الشيعة لانهم شايعوا عليا(ر)و يقدمونه على سائر اصحاب رسول اللّه(ص)» (3).

أما الشهرستاني فيعرف الشيعة بقوله«الشيعة هم الذين شايعوا عليا (ر)على الخصوص،و قالوا بامامته و خلافته،نصا و وصيته أما جليا و أما خفيا.و اعتقدوا ان الامامة لا تخرج من أولاده،و ان خرجت فبظلم يكون من غيره أو بتقية من عنده» (4)و لعل تعريف الشهرستاني اكثر تدقيقا من تعريف الاشعري لانه يؤكد على النص بنوعية:الجلي و الخفى،و هو أمر ضروري لتمييز الشيعة،خاصة الامامية،عن غيرهم من المسلمين.

و يتناول الشيخ محمد بن الحسن الطوسي الكلام عن النص و الوصية و يربط التشيع بالاعتقاد بكون علي اماما للمسلمين بوصيته من الرسول و بأرادة من اللّه (5)ثم يقسم النص الى نوعين:الجلي و الخفي.أما النص الجلي فقد«تفرد بنقله الشيعة الامامية،خاصة-و ان كان في أصحاب الحديث من رواه على وجه نقل اخبار الاحاد...»أما النص الخفي فيرى7.

ص: 32


1- نصر بن مزاحم،وقعة صفين«القاهرة،1365 ه»ص 7.
2- المسعودي،على بن الحسين،الوصية(النجف لا.ت) ص 121.
3- مقالات الاسلاميين و اختلاف المصلين،ج 1(القاهرة،1950) ص 65.
4- الملل و النحل،ج 1(القاهرة،1956)ص 131.
5- تلخيص الشافي،ج 2(النجف،1963)ص 56-7.

الطوسي أيضا(ان جميع الامة تلقته بالقبول،و ان اختلفوا في تأويله و المراد منه و لم يقدم أحد منهم على انكاره ممن يعتد بقوله) (1).

و قد يكون النص الجلي على امامة علي وصفا لا تسمية،كما يرى الجارودية من الزيدية.قال الاشعري ان الجارودية يزعمون ان النبي (ص)«نص على علي ابن أبي طالب بالوصف لا بالتسمية،فكان هو الامام من بعده...» (2).

و يخرج الطوسي السليمانية من الزيدية من فرق الشيعة لانهم لا يقولون بالنص،و انما يقولون«ان الامامة شورى،و انها تصلح بعقد رجلين من خيار المسلمين،و انها تصلح في المفضول...» (3).و لما كان قول الصالحية و البترية من الزيدية«في الامامة كقول السليمانية» (4)ينطبق عليهم،على رأي الطوسي،ما ينطبق على السليمانية.

أما الغلاة من الشيعة،بما فيهم الكيسانية،فلا يعدهم الامامية،الذين يمثل رأيهم الشيخ الطوسي سالف الذكر،من المسلمين بله من الشيعة لانهم خرجوا عن حد الامامة الى الربوبية اولا،و ان طوائف منهم كالهاشمية أجازوا انتقال الامامة من ولد علي الى ولد العباس ثانيا،كما ان بعضهم أخرج الامامة من آل الرسول الى عامة الناس و ذلك أمثال البيانية التي ساقت الامامة الى شخص اسمه بيان (5).

و نختم التعاريف التي أوردناها للشيعة سابقا،بتعريف ابن حزم الذي نعده من أكثر التعاريف شمولا و اقربها للتدقيق.يقول ابن حزم7.

ص: 33


1- أيضا،ج 2 ص 46.
2- مقالات،ج 1،ص 133.
3- أيضا،ج 1،ص 135.
4- الشهرستانى،المصدر السابق،ج 1،ص 42.
5- الاشعري،سعد بن عبد اللّه،كتاب المقالات و الفرق(طهران 1963)ص 37.

«و من وافق الشيعة في أن عليا(ر)أفضل الناس بعد رسول اللّه(ص) و احقهم بالامامة و ولده من بعده فهو شيعي و ان خالفهم فيما عدا ذلك مما اخلف فيه المسلمون فان خالفهم فيما ذكرنا فليس شيعيا» (1).

و مما حدانا الى تفضيل تعريف ابن حزم هو ان الاعتراف بافضلية الامام علي(ع)على الناس بعد رسول اللّه،و انه الامام و الخليفة بعده، و ان الامامة في ذريته من فاطمة هو اسّ التشيع و جوهره.ففرق الزيدية التي تساهلت بقضية افضلية الامام علي على سائر الصحابة،و جماعات الغلاة التي خرجت عن حد الامامة الى الربوبية يصعب حشرها في اطار التشيع العام.

و يناقش الدكتور الشيبي مجموعة من العبارات الاصطلاحية التي أدخلها الاسلام أمثال«الانصار»و«المهاجرين»و«التابعين»و«الشيعة».

فالانصار تنصرف الى من ناصروا النبي(ص)من أهل المدينة كما تنصرف العبارات الاخرى الى دلالاتها المعروفة،و صارت عبارة«الشيعة»مختصة بمشايعي علي و ناصريه.و يخلص الشيبي الى القول بأصالة عبارة«الشيعة» و صدورها عن روح الاسلام و طابعه الجديد في اطلاق الاوصاف على الجماعات التي يجمعها جامع معين،و تلك روح عربية تنعكس من طابع العرب و طراز تفكيرهم.و يرى الشيبي أيضا ان عبارة«الاسلام»نابعة من هذا المنبع،و يستشهد بآيتين من القرآن الكريم (2)و يختم تعليقه بقوله«فالمسلمون هم المنقادون لله،و الانصار من نصروا التي،و المهاجرون من هجروا الاوطان لنصرة النبي...و الشيعة من شايعوا عليا،و كل ذلك جار على اسلوب العرب و طابعهم» (3).1.

ص: 34


1- الفصل في الملل و الاهواء و النحل،ج 2(طبعة الاوفست مكتبة المثنى بغداد)ص 113.
2- آل عمران 3-67 و يونس 10-90.
3- الشيبي،كامل مصطفى،الصلة بين التصوف و التشيع، ج 1(بغداد،1963)ص 10-11.

متى ظهر التشيع:

هناك أقوال في ظهور التشيع.اولها-أنه ظهر في زمن النبي(ص):

قال البرقي(ت 280/274 ه)ان أصحاب علي أمير المؤمنين ينقسمون الى «الاصحاب،ثم الاصفياء،ثم الاولياء،ثم شرطة الخميس..».و يجعل من الاصفياء«سلمان الفارسي.المقداد.ابو ذر.عمار.أبو ليلى.شبير.

أبو سنان.أبو عمرة.أبو سعيد الخدرى.أبو برزة.جابر بن عبد اللّه.

البراء بن عازب.عرفة الازدى...» (1).

و لما كان هؤلاء جميعا من أصحاب رسول اللّه(ص)،و انهم قالوا بالتشيع لعلي و التزموا بتأييده بعد وفاة الرسول،فلا بد أن يكون رأيهم بأمامة علي قد تكون في حياة الرسول.

أما النوبختي(ت:300 ه)فيقول ان أول«الفرق الشيعة و هم فرقة علي بن ابى طالب(ع)،المسمون شيعة علي(ع)في زمان النبي(ص)و بعده معروفون بأنقطاعهم اليه و القول بأمامته» (2)روى الصدوق(ت:381 ه) ان ابن عباس قال«سمعت رسول اللّه(ص)يقول انه اذا كان يوم القيامة و رأى الكافر ما أعد اللّه تبارك و تعالى لشيعة علي من الثواب و الزلفى و الكرامة قال...» (3)و قال رسول اللّه(ص)أيضا«يدخل من أمتي سبعون ألفا بغير حساب،ثم التفت الى علي(ع)و قال هم شيعتك يا علي و انت امامهم» (4).

و يظهر ان الاحاديث التي أشارت الى ظهور التشيع في عهد النبي(ص)

ص: 35


1- البرقي،أحمد بن أبي عبد اللّه،الرجال(طهران،1342 ش)ص 1.
2- فرق الشيعة(استانبول،1931)ص 15.
3- علل الشرائع(النجف،1963)ص 156.
4- الديلمي،محمد،ارشاد القلوب،ج 1(بيروت،1381) ص 193.

كثيرة الى حد أن السيد حامد حسين اللكناهوري،و هو من الكتاب المحدثين ملأ بها صفحات كتابه الموسوم ب«عبقات الانوار»و هو يزيد على عشر مجلدات (1).

أما الرأي الثاني فيجعل ظهور التشيع يوم السقيفة و يستند اصحاب هذا الرأى الى تصريح جماعة من الصحابة يوم السقيفة بوجوب تقديم علي.روى الطبري ان الزبير اخترط سيفه«و قال لا اغمده حتى يبايع علي...» (2)و يبين اليعقوبي ان جماعة من المهاجرين و الانصار تخلفوا عن بيعة أبي بكر«و مالوا مع علي بن أبي طالب منهم العباس بن عبد المطلب،و الفضل بن العباس،و الزبير بن العوام بن العاص،و خالد بن سعيد و المقداد بن عمرو،و سلمان الفارسي،و أبو ذر الغفارى،و عمار بن ياسر و البراء بن عازب،و ابي بن كعب...» (3).

و يصعب القول ان هؤلاء كونوا رأيهم في استحقاق علي(ع)للامامة بعد وفاة النبي(ص)دون مقدمات و يبدو ان عددا منهم كونوا الرأي المذكور في حياة النبي.ثم ان استمرار طائفة من هؤلاء على ولائهم لعلي و اعترافهم بأمامته يدل على أن قولهم بأمامة علي لم يكن نتيجة لافكار طارئة خلقتها ظروف بيعة ابي بكر في سقيفة بني ساعدة.

أما الرأي الثالث فيجعل تأريخ ظهور الشيعة يوم الجمل.قال ابن النديم ان عليا قصدد طلحة و الزبير«ليقاتلهما حتى يفيئا الى أمر اللّه جل اسمه[و]تسمى من اتبعه على ذلك الشيعة،فكان يقول شيعتي و سماهم عليه السّلام الاصفياء،الاولياء،شرطة الخميس،الاصحاب» (4).3.

ص: 36


1- كاشف الغطاء،محمد حسين،أصل الشيعة و اصولها (بيروت،لا.ت)87-90.
2- تاريخ الرسل و الملوك،ج 2(القاهرة،1938)ص 444.
3- التاريخ،ج 2(النجف،1358)ص 103.
4- الفهرست(القاهرة،لا.ت)ص 263.

و يبدو ان رأي ابن النديم المذكور ضعيف لان رواية البرقي التي أشرنا إليها قبل قليل تجعل من بين الاصفياء من أصحاب علي«سلمان الفارسي،و المقداد،و ابو ذر»و من المعلوم ان كلا من سلمان الفارسي و ابي ذر كانا قد توفيا قبل معركة الجمل.

و يميل فلهاوزن الى قبول رأي ابن النديم حين يقول«بمقتل عثمان انقسم الاسلام الى حزبين:حزب علي،و حزب معاوية،و الحزب يطلق عليه في العربية اسم«الشيعة»فكانت شيعة علي في مقابل شيعة معاوية، لكن لما تولى معاوية الملك في دولة الاسلام كلها...أصبح استعمال لفظ «شيعة»مقصورا على أتباع علي» (1)و لعل فيما قدمناه من أدلة على وجود شيعة لعلي قبل مقتل عثمان و قبل وقوع معركة الجمل يضعف رأي فلهاوزن سالف الذكر.

أما الرأي الرابع فيجعل تأريخ ظهور الشيعة بعد رجوع علي من صفين و من أشهر القائلين بالرأي المذكور الاستاذ وات مونتكومري )ttaW( يقول وات إن بداية حركة الشيعة هو أحد ايام سنة 658 م(37 ه)حين قال جماعة من أتباع علي اننا نوالي من والاك و نعادي من عاداك و يعني ذلك ان هؤلاء كانوا مستعدين للقول بأنهم يفبلون بصورة مطلقة حكم علي في القضايا المهمة (2)و يبدو ان وات استند برأيه المذكور على نص ورد في الطبري يقول فيه«لما قدم علي الكوفة و فارقته الخوارج و ثبت اليه الشيعة فقالوا في أعناقنا بيعة ثانية نحن أولياء من واليت،و اعداء من عاديت» (3).

ان راي وات هو الآحر لا يخلو من ضعف استنادا على ما بينا سابقا عن بداية ظهور التشيع و ما سنبينه فيما يلي من الصفحات.6.

ص: 37


1- الخوارج و الشيعة-ترجمة عبد الرحمن بدوى-(القاهرة 1958)ص 146.
2- ,yteicoS fo noitargetnI eht dna malsI,.M.W,ttaW .401.P,1691,nodnoL
3- تاريخ الرسل و الملوك،4:46.

و بعد أن عرضت طائفة من الآراء التي حدد بها أصحابها بداية ظهور شيعة علي،أود أن أشير الى أن«شيعة علي»عبارة يكتنفها الغموض، و انها لم تأخذ مدلولها الاصطلاحي الا بعد مرور فترة طويلة على تاريخ استعمالها،لذا فأن معظم التواريخ التي اقترحها الكتاب المذكورون،يحيط بها شىء من الغموض لانها لم تفرق بوضوح بين ظهور التشيع لعلي بمعناه الخاص-و هو ما أسميته بالتشيع الروحي-الذي يتضمن القول بأمامة علي،و انها بوصية من النبي و بارادة من اللّه،و بين التشيع لعلي،بمعناه العام و هو القول بحقه بالخلافة و العمل على استرداد الحق المذكور دون الالتزام كلية بقضية النص على أمامته.

و الرأي عندى ان التشيع لعلي بمعناه الروحي زرعت بذرته في عهد النبي و نمت قبل توليه الخلافة و الادلة على ذلك كثيرة أهمها:

أولا-ورود الاحاديث التي سبقت الاشارة اليها.

ثانيا-وصية النبي لعلي بالامامة و الخلافة.وردت اشارات عديدة بهذا الخصوص يظهر منها ان النبي أوصى لعلي بأمامة المسلمين و الخلافة عليهم.روى الطبري ان النبي(ص)في مجلس ضم جماعة من بني هاشم بمكة،قال مشيرا لعلي«ان هذا اخي و وصي و خليفتى فيكم فاسمعوا له و اطيعوا...» (1).

و يضيف الطبري الى أن النبي(ص)قال الحديث المذكور قبل هجرته الى المدينة،و يعني ذلك ان النبي أشار بالدرجة الاولى الى المدلول الديني لامامة علي للمسلمين لان الدولة الاسلامية حينذاك لم تقم بعد.و ذات مرة جاء رجل الى ابن عباس فقال له اخبرني عن علي بن أبي طالب فقال له ابن عباس«أيها الرجل و اللّه لقد سألت عن رجل ما وطىء الحصى بعد رسول اللّه(ص)افضل منه،و انه لاخو2.

ص: 38


1- التاريخ،2-63،و ابن الاثير،الكامل ج 2(القاهرة 1290)ص 22.

رسول اللّه،و ابن عمه و وصيه و خليفته على أمته...» (1)و قال ابو الاسود الدؤلي(ت:49 ه688/ م):

أحب محمدا حبا شديدا و عباسا و حمزة و الوصيا (2)

و يبدو من البيت المذكور ان كلمة«وصي»أصبحت معروفة في ذلك العصر بحيث اذا ذكرت مجردة انصرفت الى علي.

أما بيعة غدير(خم)فقد ذكرها اليعقوبي،و بين أن النبي أوصى فيها لعلي بالامامة (3)و قد تناول الشيخ الاميني (4)البحث عن اشتهار بيعة الغدير.أما رأي الشيعة في الوصية فقد عبر عنه الشيخ الطوسي،المعروف بشيخ الطائفة بقوله ان التواتر حصل عن الشيعة ان النبي(ص)«نص على أمير المؤمنين(ع)بالامامة بعده و استخلفه على أمته بالفاظ مخصوصة نقلوها:منها قوله(ص):سلموا على علي بأمرة المؤمنين.و قوله(ع) مشيرا اليه صلوات اللّه عليه،و آخذا بيده:هذا خليفتي فيكم من بعدي فاسمعوا له و اطيعوا» (5).

و ألف الشيعة عشرات الكتب في وصية النبي(ص)لعلي.فالمسعودى ألف كتابه الموسوم ب«الوصية» (6)و ذكر فيه كيفية اتصال الحجج و الاوصياء من لدن آدم الى القائم صاحب الزمان.و كتب العلامة الحلي كتابه الموسوم ب«اثبات الوصية»و ذكر الحلي طائفة من الكتب في الوصية يزيد عددها على الثلاثين كتابا من بينها كتاب المسعودي المذكور سابقا (7).4.

ص: 39


1- القمي،علل الشرائع(النجف،1963)ص 159.
2- المبرد،الكامل،ج 2(القاهرة،1308)ص 130.
3- التاريخ 2-93.
4- طبع كتاب الاميني ببيروت،تحت عنوان«الغدير في الكتاب و السنة و الادب».
5- تلخيص الشافي،ج 2 ص 56-70.
6- طبع الكتاب المذكور في النجف دون أن يذكر تاريخ الطبع.
7- اثبات الوصية(النجف،لا.ت)ص 3-4.

ثالثا-اختصاص عدد من الصحابة بعلي و اعترافهم بالولاء له خلال حياة الرسول و في حكم الخلفاء الثلاثة الاول من الراشدين.اختص عدد من الصحابة بعلي و اعترفوا بأمامته قبل توليه الخلافة.و من هؤلاء(المقداد بن الاسود،و سلمان الفارسي،و ابو ذر...و عمار بن ياسر،و من وافق مودته مودة علي عليه السّلام،و هم أول من سمي بالتشيع من هذه الامة لان اسم التشيع قديم شيعة ابراهيم و موسى و عيسى و الانبياء صلوات اللّه عليهم أجمعين) (1).و عند وفاة الرسول و بيعة أبي بكر وجد جماعة من الصحابة عرفوا بشيعة علي.فالمسعودي في معرض كلامه عن امامة علي،يقول أن عليا قام«بأمر اللّه جل و علا و سنه خمس و ثلاثين سنة و اتبعه المؤمنون و قعد عنه المنافقون،و نصبوا للملك و امر الدنيا رجلا اختاروه لانفسهم دون من اختاره اللّه...فأقام أمير المؤمنين(ع)و من معه من شيعته في منزله...» (2).

و قد وضح عمار بن ياسر عند بيعة عثمان رأيه في علي و اهل بيته فقال:«يا معشر قريش أما اذا صرفتم هذا الامر عن اهل بيت نبيكم ههنا مرة،و ههنا مرة فما أنا بآمن من أن ينتزعه اللّه فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله و وضعتموه في غير أهله».و قال المقداد في المناسبة المذكورة:

«ما رأيت مثل ما اوذي به أهل هذا البيت بعد نبيهم...اعجب من قريش...قد اجتمعوا على نزع سلطان رسول اللّه(ص)بعده من أيديهم،أما و ايم اللّه...لو أجد على قريش انصارا لقاتلتهم كقتالي اياهم مع رسول اللّه(ص)يوم بدر» (3)و في الفتنة التي قتل بها عثمان قال الفضل بن العباس في علي:31

ص: 40


1- النوبختي،فرق الشيعة،ص 16.
2- المسعودي،الوصية،ص 117-8.
3- المسعودي،مروج الذهب،ج 2(القاهرة،لا.ت)ص 231

و كان ولي العهد بعد محمد علي و في كل المواطن صاحبه

علي ولي اللّه أظهر دينه و أنت مع الاشقين فيما تحاربه (1)

و من الجدير بالذكر ان كلمة(ولي)التي وردت في الشعر المذكور لها دلالتها الدينية،و يمكن أن تقوم دليلا على اعتراف الفضل بوجود صفات روحية لدى الامام علي لا توجد لدى غيره من الصحابة.و قد ظهرت كلمة(ولي اللّه)بمثابة لقب للامام علي على النقود الفضية المضروبة على الطراز الساساني في عهده.و قد ضرب النقد المذكور و اليه يزيد بن قيس الحمداني سنة 37 ه بالري (2).

و من الادلة على وجود من يقول بالتشيع الروحي لعلي قبل توليه الخلافة،هو مارواه سعد الاشعري عن وجود جماعة من الشيعة ظهرت بعد وفاة النبي(ص)قالت بالنص على امامة علي«و قالوا أنه لا بد مع ذلك من أن تكون الامامة دائمة جارية في عقبه الى يوم القيامة...فلم تزل هذه الفرقة قائمة لازمة لامامته و ولايته على ما ذكرنا...الى أن قتل...

و كانت امامته ثلاثين سنة،و خلافته أربع سنين و تسعة اشهر...» (3)

و يرى الاستاذ«وات»ان التشيع الروحي لم يظهر الا في سنة 658 م37/ ه و ذلك حين جدد جماعة من أنصار علي بيعتهم له،كما اسلفنا و ان تلك الجماعة«أصبحت تعتقد ان الحاكم يحكم بتفويض الهي ليس للبشر يد فيه.و أصبح الفرق بين الخوارج و الشيعة،نتيجة لذلك،هو أن الخوارج أرادوا سيادة قانون غير شخصى في الدولة،بينما او كل الشيعة السلطة في تلك الدولة الى قائد يتمتع بصفات روحية» (4).aW

ص: 41


1- أيضا،ج 2 ص 235.
2- الحسيني،محمد باقر،تطور النقود العربية الاسلامية (بغداد،1969)ص 51.
3- المصدر السابق،ص 16-17.
4- .401.P,tic.pO,ttaW

و لعل ما أوردته قبل قليل عن ظهور التشيع الروحي في عهد النبي (ص)و في عهد الخلفاء الثلاثة الاول من الراشدين،يقوم دليلا على ضعف رأي وات سالف الذكر.

رابعا-وجود عدد من شيعة علي يقولون بآرائه الفقهية في حياته.

روى ابن رستم الطبري ان سليم بن قيس الهلالي قال مرة للامام علي «يا أمير المؤمنين اني سمعت من سلمان و المقداد بن الاسود و ابي ذر من تفسير القرآن و من الرواية عن نبي اللّه شيئا ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم،و كان في ايدي الناس اشياء من تفسير القرآن و من الاحاديث أنتم تخالفونها،و تزعمون أن ذلك باطل، افترى الناس يكذبون على رسول اللّه تعمدا و يفسرون القرآن برأيهم.

فقال علي(ع)...ان في أيدي الناس حقا و باطلا...و قد كذب على رسول اللّه(ص)في عهده...ثم كذب عليه من بعده...» (1)و من المعلوم ان القول بآراء فقهية لامام معين خير دليل على الاعتراف بأمامته، ثم أن أبا ذر و سلمان قالا بالآراء المذكورة قبل أن يتولى على رئاسة المسلمين السياسية لانهما لم يدركا خلافته.فهما و الحالة هذه من أشهر المعتقدين بالتشيع الروحي لعلي.

و من الجدير بالذكر ان وجهات النظر،سواء كان ذلك في تفسير القرآن و تأويله أو رواية السنة النبوية التي سمعها سليم بن قيس من تلامذة علي كانت تختلف مما لدى معاصريهم من المسلمين.و قد تطورت وجهات النظر تلك فتحولت الى مدرسة فكرية اسلامية خاصة عرفت فيما بعد بالمذهب الجعفري.و كان الامام علي المؤسس الاول لعلوم آل البيت التي و صفناها اعلاه بوجهات نظرهم في التفسير و التأويل و رواية السنة7.

ص: 42


1- المسترشد في امامة علي بن أبي طالب عليه السّلام(النجف لا.ت)ص 31،و النعمانى،محمد ابراهيم،الغيبة(تبريز،لا.ت) ص 36-7.

النبوية و ذهب فقهاء المذهب الجعفري عند تكونه في العصور التالية،الى عدم الاخذ بسنة الصحابة لانهم لا يرون صحة الاستدلال الا بسنة من تثبت لديهم عصمته و هم الائمة الاثنا عشر.

أما وجهات النظر المغايرة لما تبناه الشيعة في حقول التفسير و التأويل و رواية السنة فكانت هي الاخرى نواة للعلوم الدينية عند اهل السنة التي تحولت مع الزمن الى مدرسة فكرية اسلامية اخرى تضمنتها مذاهب اهل السنة المعروفة التي ظهرت بعد القرن الاول للهجرة.

أما التشيع السياسي أو النصرة و الاتباع لعلي دون الالتزام بالنص على امامته الدينية فقد اصبح في خلافته منتشرا بصورة واسعة،ثم أخذ يتقلص في آخر عهده و في الفترة التي تلت مقتله،و لكنه مالث أن استعاد شيئا من قوته خاصة في العراق لا سيما بعد أن شعر العراقيون بفقد سيادتهم السياسية على يد الامويين.

و من الادلة على ظهور التشيع السياسي في خلافة علي هو ان اصطلاح (شيعة علي)أي أنصاره بقي شائع الاستعمال.و كان الاصطلاح المذكور يعني الحزب أو المناصرين.و ذات مرة دخل علي على عائشة في البصرة «و معه شيعته من همدان» (1)و لعل ذلك يعود الى أن عليا بويع خليفة للمسلمين،بما فيهم شيعته.و كان الذين أسهموا في حروبه مع خصومه يتكونون من شيعته و من غيرهم.يضاف الى ذلك ان عليا أثناء خلافته كان يستعمل غالبا كلمة(مسلمين)بدلا من(شيعة)حين يخاطب أنصاره و ذلك لوجود مسلمين بينهم من غير شيعته.و خطب علي ذات مرة في الكوفة فقال «أما بعد فأن اللّه تعالى لما قبض نبيه عليه و آله الصلاة و السّلام قلنا نحن أهل بيته و عصبته و ورثته و أوليائه...و لا ننازع في حقه و سلطانه فبينا7.

ص: 43


1- المسعودي،مروج الذهب،2-377.

نحن كذلك اذ نفر المنافقون و انتزعوا سلطان بينا منا...و ايم اللّه لو لا مخافتي الفرقة بين المسلمين و أن يعود أكثرهم الى الكفر...».

و عند ما نزل بذي قار اخذ البيعة على من حضره ثم قال:و«قد جرت أمور صبرنا عليها و في أعيننا القذى...».

و كان الصبر عليها أمثل من أن يتفرق المسلمون...و هذا طلحة و الزبير ليسا من أهل النبوة...حين رأيا ان اللّه قد رد علينا حقنا بعد أعصر فلم يصبرا...حتى وثبا علي دأب الماضين قبلهما ليذهبا بحقي و يفرقا جماعة المسلمين عني...»و عند ما التقى اهل الكوفة مع علي بذي قار قال«يا أهل الكوفة انكم من أكرم المسلمين...» (1)و لا يخفى ما للنص الاخير من أهمية لان الخطاب فيه موجه لاهل الكوفة التي كانت مركز شيعة علي أي أنصاره و اتباعه.

و نختم كلامنا عن التشيع لعلي بنوعيه الروحي و السياسي بالملاحظات التالية:-

1-كان التشيع الروحي أقدم عهدا من التشيع السياسي،و انه يقوم على الاعتقاد بأمامة علي المفروضة من اللّه.و قد تطور الاعتقاد المذكور ثم تبلور في عقيدة الامامة المعصومة من الخطأ بعد أن اسند كلاميا بقضية القول بالنص على تلك الامامة من النبي و بأمر من اللّه.

2-ظهرت بوادر التشيع السياسي أو الولاء لعلي دون الالتزام بقضية الاعتراف بأمامته الدينية في سقيفة بني ساعدة حين اسند حق علي بالخلافة عدد من المسلمين أمثال الزبير و العباس و غيرهما.و بلغ التشيع السياسي اقصى مداه حين بويع علي بالخلافة بعد مقتل عثمان.19

ص: 44


1- المفيد.الارشاد(طهران،1377)ص 117،118،119

3-كان رواد التشيع الروحي يلتزمون بآراء علي الفقهية الى جانب الالتزام بأسناده سياسيا.و قد نمت بذور الفقه الشيعي،ثم تطورت و انصب معظمها فيما عرف في القرن الثاني للهجرة بالفقه الجعفري.

4-بقي القائلون بالتشيع الروحي لعلي قلة ضئيلة حتى نهاية خلافته سنة 40 ه.

روى المفيد حديثا يرفعه الى بريد بن معاوية عن ابي جعفر قال:

«ارتد الناس بعد النبي(ص)الا ثلاثة نفر:المقداد بن الاسود،و ابو ذر الغفاري،و سلمان الفارسي،ثم ان الناس عرفوا و لحقوا بعد».و في حديث آخر يجعل الباقر(ع)عدد هؤلاء سبعة فيقول»و لم يعرف حق أمير المؤمنين الا هؤلاء السبعة» (1).و بعد أن استشهد أمير المؤمنين علي (ع)كتب الحسن الى معاوية يقول:«ان عليا(ر)لما مضى لسبيله رحمة اللّه عليه-...و لاني المسلمون الامر بعده...» (2)و يبدو من النص الاخير ان الحسن لم يشر الى الشيعه بل استعمل كلمة المسلمين بدلا عنها.

و ظهر من رواية للباقر(ع)ان المسلمين الذين بايعوا الحسن لم يكن منهم الا خمسون من الشيعة.يقول الباقر عند خطابه لهشام الكابلي(كان علي ابن أبي طالب(ع)عندكم بالعراق يقاتل عدوه و معه أصحابه و ما كان فيهم خمسون رجلا يعرفونه حق معرفته،و حق معرفته امامته) (3).

و لعل ما جاء مجملا بقول الباقر السابق يتضح برواية الاشعري التي يقول فيها«فلما قتل علي التقت الفرقة التي كانت معه و الفرقة التي كانت مع طلحة و الزبير و عائشة فصار فرقة واحدة مع معاوية بن ابي سفيان،12

ص: 45


1- الاختصاص(طهران،1376)ص،10
2- الاصفهاني،مقاتل الطالبيين،ج 1(بيروت،1961) ص 37.
3- الكشي،محمد بن عمر،الرجال(النجف،لا.ت)ص 12

الا القليل من شيعته و من قال بأمامته بعد النبي(ص)،و هم السواد الاعظم...» (1).

و يبدو من الرواية المذكورة ان القلة التي ثبتت على القول بأمامة علي بعد وفاته هم القائلون بالتشيع الروحي،و ان السواد الاعظم الذى تراجع عن تأييد علي و آله بعد وفاته هم القائلون بالتشيع السياسي قبل خلافته ثم أثناء حكمه.

الشيعة قبل مقتل الحسين لا يكونون الفرقة او الفرق:

ان شيعة علي قبل فاجعة كربلاء سنة 61 ه لم يكونوا الفرقة أو الفرق الشيعية،بل كانوا مجرد أنصار و موالين أو حزب.فاحاديث النبي(ص) المذكورة،فضلا عن احتمال تسرب الشك الى بعضها،لا تعني الفرقة ذات العقائد المعينة لان الفرق لم تظهر حينذاك،و يبدو ان المراد بشيعة علي الواردة في تلك الاحاديث انصاره و اتباعه.و يظهر ان نص النوبختي سالف الذكر رغم احتوائه على كلمة«فرقة»لا يمكن أن يحمل على أن المقصود منه وجود فرقة دينية تعرف بالشيعة كانت معروفة في عهد النبي (ص)و بعد وفاته لان كلمة«فرقة»وردت في النص مضافة الى علي، لذلك تنصرف الى الانصار و الجماعة لا الفرقة الدينية ذات العقائد المعينة.

يضاف الى ذلك ان النوبختي نفسه يقول في مكان آخر من كتابه السابق ان«جميع اصول الفرق أربع فرق الشيعة،و المعتزلة،و المرجئة، و الخوارج» (2).و من المعلوم ان جميع هذه الفرق ظهرت بعد النبي (ص)بفترة غير قصيرة.و لعل المقدسي أقرب الى التدقيق حين يقول:

«ان أصل مذاهب المسلمين كلها منشعبة من أربع،الشيعة،و الخوارج.

و المرجئة،و المعتزلة،و اصل افتراقهم قتل عثمان ثم تشعبوا...» (3)

ص: 46


1- كتاب المقالات و الفرق ص 5.
2- النوبختي المصدر السابق،ص 15.
3- احسن التقاسيم(ليدن،1906)ص 38.

ثم ان نص المسعودي الذى يشير الى اقامة علي و شيعته في منزله بعد بيعة ابي بكر هو الآخر لا يمكن حمله على أنه يعني الفرقة الدينية لان المسعودي نفسه في موضع اخر من كتابه السابق يدعو من التف حول علي بعد السقيفة جماعة من المسلمين (1)و من المعلوم ان ليس كل مسلم شيعيا.

و نختم كلامنا حول وجود فرقة شيعية او عدمه في الفترة موضوع البحث براي سعد الاشعرى الذى يبين فيه ان المقصود بكلمة«فرقة»في عهد الامام علي تعني الجماعة من الناس.و في معرض كلامه عن عثمان يقول الاشعري«فلما قتل(عثمان)بايع الناس عليا(ع)فسموا الجماعة، ثم افترقوا بعد ذلك فصاروا ثلاث فرق:فرقة اقامت على ولاية علي بن ابي طالب(ع)و فرقة منهم اعتزلت مع سعد بن مالك،و هو سعد بن أبي وقاص،و عبد اللّه بن عمر بن الخطاب..و فرقة خالفت عليا(ع)و هم طلحة بن عبد اللّه و الزبير بن العوام و عائشة بنت ابي بكر...» (2)و يتضح من النص السابق ان الاشعري كان يقصد بالفرقة الجماعة أو الانصار السياسين.

أما السبائية جماعة عبد اللّه بن سبأ فسنرجيء الكلام عنها الى الفصل الثالث من هذا الكتاب،الذي خصصاه للبحث عن الغلو و الغلاة.

و نستخلص من كل ما سبق ان«شيعة علي»قبل مقتل الحسين لم يكونوا الفرقة الدينية التي عرفت فيما بعد بالشيعة.و يؤيد فلها وزن ما ذهبت اليه بقوله:تمكن«الشيعة اولا في العراق،و لم يكونوا في الاصل فرقة دينية،بل تعبير عن الرأى السياسي في هذا الاقليم كله.فكان جميع سكان العراق،خصوصا اهل الكوفة،شيعة علي على تفاوت فيما بينهم...» (3).8.

ص: 47


1- المسعودى،الوصية،ص 121.
2- كتاب المقالات و الفرق ص 5.
3- الخوارج و الشيعة،ص 148.

و قد تظافرت عوامل عدة بعد استشهاد علي و الحوادث التي حصلت في الفترة التي تلته على مد التشيع بزخم جديد حوله مع الزمن،و بصورة تدريجية الى الفرقة أو الفرق الشيعية التي سنتناولها في البحث فيما بعد.و كان تولي الأمويين الحكم،و هم لا سابقة لهم في الاسلام،من بين العوامل المذكورة.روي عن ابن عباس أنه كان يقول«ان بني أمية وطئوا على صماخ الدين و ذبحوا كتاب اللّه بسفرة» (1).

و كان انتصار الامويين يعني انتصار التيار القبلي على التيار الاسلامي لان انتصار معاوية على علي كان«انتصارا مطلقا للتيار القبلي» (2).

و استعان معاوية بقريش فيما استعان لكسب النصر على علي.روى الطوسي ان النبي(ص)أوصى أمير المؤمنين عليا قائلا«يا أخي ان قريشا ستظاهر عليك،و تجتمع كلمتهم على ظلمك و قهرك فان وجدت أعوانا فجاهدهم،و ان لم تجد أعوانا فكف يدك و احقن دمك فان الشهادة من ورائك» (3)روى المفيد حديثا رفعه عن عبد اللّه بن سنان قال:«سمعت أبا عبد اللّه(ع)يقول كان مع أمير المؤمنين من قريش خمسة نفر،و كان ثلاثة عشر قبيلة مع معاوية...» (4)و لم يكن انضمام الغالبية العظمى من قريش لمعاوية محض صدفة،انما كان ذلك يعود لاسباب اقتصادية و اجتماعية.فمعاوية كان سليل ابي سفيان زعيم الملأ المكي و وارث مبادئه و قيمه.تلك القيم و المصالح التي حاربها الاسلام و انتصر عليها.فدعوة الاسلام جاءت لانصاف المظلومين و لتكوين مجتمع يكون التقدم فيه مبنيا على أساس التقوى و الصلاح،لا على اساس القوة و النسب.و ارستقراطية قريش بزعامة أبي سفيان عارضت دعوة الاسلام «وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما13

ص: 48


1- المفيد،الاختصاص،ص 128
2- الدورى،عبد العزيز،مقدمة في تاريخ صدر الاسلام (بغداد،1949)ص 72.
3- الغيبة(النجف،1385)ص 203.
4- الاختصاص 2-13

آمَنَ النّاسُ قالُوا:أَ نُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ؟» (1) .و عجبوا من تعاليم الدين الجديد التي تقول «وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ» (2).

و ما دار الزمن دورته حتى فاقت ارستقراطية قريش من الهزيمة التى ألحقها بها الاسلام لتجد معاوية ابن زعيمها السابق يدعوها لمحاربة رجل ترعرع في ظل الاسلام و تشرب مبادئه،و رأى فيه الذين استضعفوا في الارض رمزا للحفاظ على مكاسبهم التى منحهم اياها الاسلام.و ذلك الرجل هو«علي»و كانت نتيجة تلك المعركة هزيمة المستضعفين في الارض و استشهاد امامهم.و بالرغم من ذلك فكان لانتصار معاوية على علي و ما تبعه من حوادث نتائج ايجابية في حركة التشيع حيث منحها ذلك الانتصار شهيدها الاول و اكسبها قوة لا يستهان بها.

ثم ان اتباع الامويين لسياسة مالية و عنصرية غير عادلة نفر كثيرا من المسلمين،و خاصة الموالي،من حكمهم.و كان للقوة التى عاملوا بها خصومهم من آل البيت،و غيرهم اثر كبير في عزوف جماعات من المسلمين عنهم و انضمامهم الى حركات المعارضة التى قادها شيعة علي و الخوارج.

و كانت فاجعة كربلاء على رأس الحوادث التي أثارت استياء كبيرا بين أكثر المسلمين تجاه حكم بني أمية.قال المبرد:«و كان يقال ضحى بنو حرب بالدين يوم كربلاء» (3)كما كان للفاجعة المذكورة اثر كبير في تكتل انصار العلويين حول أئمتهم من آل البيت.يقول براون«كان الشيعة أو أنصار علي قبل واقعة كربلاء ينقصهم التصميم و الحمية نحو عقيدتهم،و قد تغير الوضع المذكور بعد الواقعة المذكورة،فأصبحت تلك7.

ص: 49


1- البقرة 2-13
2- القصص 28-5.
3- الكامل،ج 2(القاهرة،1308)ص 257.

البقعة الملطخة بالدماء،حيث سقط حفيد الرسول عطشانا و حوله اجساد ابناء عمه تثير أعمق الاشجان و أعنف العواطف لدى الناس مهما ضعف شعورهم» (1)و يقول فلهاوزن لقد«افتتح استشهاده[الحسين]عصرا جديدا لدى الشيعة،بل نظر الى هذا الاستشهاد على أنه أهم من استشهاد ابيه،لان اباه لم يكن ابن بنت النبي..» (2).

و يلخص الشيبي رأيه في تطور التشيع منذ ظهوره حتى مقتل الحسين بقوله«ان التشيع كان تكتلا اسلاميا ظهرت نزعته أيام النبي و تبلور اتجاهه السياسى بعد قتل عثمان،و استقل الاصطلاح الدال عليه بعد قتل الحسين» (3).

و لو تتبعنا حركات الشيعة بعد مقتل الحسين لظهر لنا أن عوامل عدة لعبت دورا مهما في حث الشيعة على التكتل من جهة،و ان اصطلاح «الشيعة»استقل تدريجيا بحيث ان استعماله مضافا الى علي والى ال بيته، كما هو الحال قبل مقتل عثمان،اصبح نادرا من جهة أخرى (4).

ص: 50


1- ,I,aisreP fo yrotsiH yraretiL A,.G.E,enworB .7-622.P,1591,egdirbmaC
2- الخوارج و الشيعة ص 189.
3- الشيبي،كامل،الصلة بين التصوف و التشيع(بغداد، 1963)ص 17.
4- ظهر استقلال الاصطلاح الدال على التشيع حين اطلقت لفظة«الشيعة»مجردة من الاضافة الى علي في عدة نصوص وردت في الطبري يرجع بعضها الى عهد علي بينما يرجع البعض الاخر الى ما بعد مقتله.و لكننا نميل الى عد تشيع من اشارت اليهم تلك النصوص من نوع التشيع السياسى أى النصرة و التأييد السياسي لعلي و آل بيته.و ربما استعمل الطبري الاصطلاح المذكور لان التشيع السياسى في عهده كان قد اختفى و انصهر نوعا التشيع،السياسى و الروحي،في نوع واحد و هو التشيع الروحي المبني على امامة علي و آله بنص من النبى و بأمر من اللّه.و اليك طائفة من نصوص الطبري المشار اليها اعلاه: قال الطبري(4-46)(و لما قدم علي الكوفة و فارقته الخوارج و ثبت اليه الشيعة،فقالوا في أعناقنا بيعة ثانية نحن أولياء من واليت و أعداء من عاديت...).أراد المغيرة سنة 43 ارسال جيش لحرب الخوارج فاقترح عليه أحد اصحابه أن برسل جماعة من الشيعة لقتالهم فأرسل الجيش«و هم ثلاثة آلاف نقاوة الشيعة و فرسانهم»الطبري(4-144) و عند ما أراد و الى معاوية في البصرة سنة 43 ه أن يرسل جيشا لحرب الخوارج الح«على فرسان ربيعة الذين كان رأيهم في الشيعة». الطبرى(4-148).

و كان من بين تلك العوامل أولا-اتخاذ العراقيين بعامة و أهل الكوفة بخاصة عليا و آله بمثابة رمز لاستقلال العراق المفقود.

نظر الى الكفاح بين علي و معاوية على أنه كفاح بين أهل الشام و أهل العراق.و بعد أن وصل الكفاح المذكور الى نتيجته المعروفة شعر العراقيون بالخذلان و ندموا،بعد فوات الاوان،لتقاعسهم عن نصرة علي و بنيه من بعده.و راى العراقيون في انتصار معاوية على علي انتصارا للشام على العراق.

روى الاصفهاني ان أم الهيثم النخعية قالت ترثي أمير المؤمنين علي بن ابي طالب:

الا يا عين و يحك فاسعدينا الا تبكي أمير المؤمنيا

*** كأن الناس اذ فقدوا عليا نعام جال في بلد سنينا

*** فلا تشمت معاوية بن صخر فان بقية الخلفاء فينا

و أجمعنا الامارة عن تراض الى ابن نبينا و الى أخينا

و لا نعطي زمام الامر فينا سواه الدهر آخر ما بقينا

و ان سراتنا و ذوى حجانا تواصوا ان نجيب اذا دعينا

بكل مهند عضب و جرد عليهن الكماة مسومينا (1)

و يقول فلهاوزن أن الكفاح بين علي و معاوية استحال«الى كفاح بين30

ص: 51


1- مقاتل الطالبيين(بيروت،1961)ص 30

أهل الشام و أهل العراق.و انتهى الكفاح بمقتل علي الى غير صالح أهل العراق،و لكن هؤلاء لم يندمجوا في وحدة الدولة الاسلامية التي التأمت من جديد بفضل معاوية الا كارهين مرغمين.و من ثم اصبح علي راية كفاحهم ضد نير أهل الشام...فتمكن الشيعة أولا في العراق،و لم يكونوا في الاصل فرقة دينية بل تعبيرا عن الرأي السياسي في هذا الاقليم كله...» (1).

ثانيا-تأثير فاجعة كربلاء في تكتل الشيعة.كان لفاجعة كربلاء التي قتل فيها الحسين و اصحابه سنة(61 ه)كما بينا سابقا أثر عميق في تطور التشيع و نموه بعامة و في تكتل الشيعة بخاصة.قال الطبري«لما قتل الحسين بن علي و رجع ابن زياد من معسكره بالنخيلة و دخل الكوفة، تلافت الشيعة بالتلاوم و التندم،و رأت انها قد اخطأت خطأ كبيرا بدعائهم الحسين الى النصرة و تركهم اجابته و مقتله الى جانبهم لم ينصروه..» (2)و يقول الطبري في حوادث سنة 65 ه«و في هذه السنة تحركت الشيعة بالكوفة و اتعدوا الاجتماع بالنخيلة..للمسير الى أهل الشام للطلب بدم الحسين بن علي و تكاتبوا في ذلك» (3)و قد أوكل الشيعة قيادتهم في حركتهم المعروفة بحركة التوابين الى سليمان بن صرد الخزاعي.

قال البلاذرى بعد أن اجتمع جماعة من وجوه الشيعة قال أحد الخطباء اذا رأيتم«ولينا هذا الامر شيخ الشيعة..سليمان بن صرد...» (4)و يبدو من النص السابق أن أول شيعي يتزعم جماعة دينية تسمى الشيعة، هو سليمان بن صرد.و يوضح فلهاوزن أثر استشهاد الحسين في تكتل5.

ص: 52


1- الخوارج و الشيعة،ص 147-8
2- الطبري،4-426
3- أيضا،4-427.
4- أنساب الاشراف،ج 5(القدس،1936)ص 205.

الشيعة بالكوفة بقوله«و الكوفيون الذين جروا الحسين الى الكارثة ثم تركوه وحده يصلاها راح ضميرهم يؤنبهم على ما اقترفت أيديهم، فشعروا بالحاجة الى ارضاء الرب و بالكفارة عن ائمهم بالتضحية بأنفسهم، فسموا أنفسهم«التوابين»و بدأوا لاول مرة ينظمون انفسهم» (1).

و كان لفاجعة كربلاء أثر عميق في نفوس الشيعة،فارتفعوا بها من مصائب البشر الاعتيادية الى أن شبهوها بمصائب الانبياء.فروى الصدوق أن أبا عبد اللّه(ع)قال«ان اسماعيل الذى قال اللّه عز و جل في كتابه: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولاً نَبِيًّا ،لم يكن اسماعيل بن ابراهيم،بل كان نبيا من الانبياء بعثه اللّه عز و جل الى قومه،فأخذوه فسلخوا فروة رأسه و وجهه،فأتاه ملك، فقال أن اللّه..بعثني اليك فمرني بما شئت،فقال لي اسوة بما يصنع بالحسين(ع)» (2).

و روى الصدوق أيضا،قصة موسى و هارون عند ما قال موسى لاخيه يا بن أم لا تأخذ بلحيتي و لا برأسي،و بين أن المقصود من ذلك أن موسى أخذ برأس نفسه و لحيته على العادة المتعاطاة للناس اذا اغتم أحدهم أو أصابته مصيبة عظيمة،و أراد موسى بما فعل أن يعلم هارون انه وجب عليه الاغتمام و الجزع بما اتاه قومه لان الامة من النبي و الحجة بمنزلة الاغنام من راعيها،و من احق بالاغتمام بفريق الاغنام و هلاكهم من راعيها و هكذا فعل الحسين بن علي(ع)لما ذكر القوم المحاربين له بحرمانه فلم يرعوها قبض على لحيته و تكلم بما تكلم به (3).

و يظهر من رواية الصدوق المذكورة أن الحسين الذي هو حجة من حجج-9

ص: 53


1- الخوارج،و الشيعة،ص 189.
2- علل الشرائع،ص 77-8
3- أيضا،ص 68-9

اللّه أى امام تألم كما تألم موسى لان قومه لم يرتدعوا من موعظته، و أسف على عصيانهم و ضياعهم.و بذا أصبحت فاجعة كربلاء فاجعة غير بشرية اعتيادية،و انما هي شبيهة بفاجعات الانبياء،و ان الحسين(ع) الذي كان موضع تلك الفاجعة لم يتألم لما أصاب نفسه و متعلقيه من القتل و الايذاء،بل انه تألم لان أمة جده المسؤول عن هدايتها بصفته الامام و الحجة ضلت بحربها اياه.

و لا عجب بعد أن عرضنا لمحات عن موقف جماعات من الشيعة عرفوا في القرون التالية بالامامية تجاه فاجعة كربلاء،أن نجد الشيخ الامامي جعفر بن محمد بن قولويه(ت:367 ه)يخصص الجزء الاكبر من كتابه الموسوم ب«كامل الزيارات» (1)للاشادة بفضل زيارة قبر الحسين.

و يشبه ابن قولويه قاتل الحسين بقاتل يحيى بن زكريا(ص 77)،و ان جميع ما خلق اللّه بكوا على الحسين(ص 79)،و ان السماء و الارض بكتا على الحسين و يحيى بن زكريا،و ان الملائكة يدعون لزوار قبر الحسين(ص 118)،و ان زائرى الحسين يدخلون الجنة قبل الناس(ص 137).

و لم يحظ أحد من الائمة الاثني عشر بما فيهم علي بن أبي طالب(ع)بالاهتمام الذي حظى فيه الحسين(ع)من الشيخ جعفر بن قولويه.

ان بذور الفرق الشيعية أخذت تنمو باطراد بعد مقتل الحسين، و امعان الامويين و الزبيرين في التنكر للشيعة،و فشل الامويين فى كسب القراء و الفقهاء الى جانبهم،و اجحافهم بحقوق قطاعات كبيرة من سكان الامبراطورية الاسلامية بعامة و الموالي بخاصة.فظهرت الكيسانية التي ساقت الامامة الى محمد بن الحنفية و هو ابن لعلي من غير فاطمة بنت.

ص: 54


1- طبع الكتاب المذكور في النجف سنة 1356 ه.

النبي(ص).ثم تفرقت الكيسانية الى جماعات ساقت احداها الامامة من بعد محمد الى ابنه ابي هاشم (1).و تزعم المختار الثقفي فرقة الكيسانية قال الطبري قد«اجتمعت رؤوس الشيعة و وجوهها مع سليمان بن صرد...فكان المختار اذا دعاهم لنفسه او الى الطلب بدم الحسين قالت له الشيعة هذا سليمان بن صرد شيخ الشيعة قد انقادوا له و اجتمعوا عليه فأخذ يقول للشيعة قد جئتكم من قبل المهدى محمد بن علي بن الحنفية.

فو اللّه ما زال بالشيعة حتى انشعبت اليه طائفة كانت تعظمه و تجيبه» (2).

و قد اورد فلها وزن تفصيلات عن حركة المختار و صلتها بالموالي و غير ذلك مما له صلة بالموضوع (3).

و بالرغم من ان الكيسانية اول من قالت بفكرة الامام المهدى التى اصبحت فيما بعد محور عقيدة الامامية،كما ان زعيمها اول من طبقها فى حيز العمل،و ان الزعيم المذكور انتصف للشيعة من اعدائهم حين اخذ بثار الحسين،فان ظهور تلك الفرقة يعد اول انشقاق عقائدى حصل فى صفوف الشيعة و ذلك لان الكيسانية اخرجت الامامة من ابناء فاطمة الى محمد بن الحنفية و هو ابن لعلي من غير زوجته فاطمة.و لما كانت الامامة كما يعتقد القائلون بالنص و التعيين،منصبا الهيا ليس للبشر أن يمنحوه لاى احد من المسلمين بما فيهم ابناء علي من غير فاطمة،نجد الشيخ المفيد يدلل على امامة علي بن الحسين المعاصر لمحمد بن الحنيفة امام الكيسانية بوجوه أهمها:ا.

ص: 55


1- انظر عن الكيسانية و فرقها الاشعري(مقالات ج 1 ص 89 و ما بعدها).
2- التاريخ،4-434.
3- الخوارج و الشيعة،ص 187 و ما بعدها.

أولا-أن علي بن الحسين«كان أفضل خلق اللّه بعد أبيه علما و عملا و الامامة للافضل دون المفضول بدلايل العقول...».

ثانيا-ان عليا كان«اولى بأبيه الحسين عليه السّلام و أحق بمقامه من بعده بالفضل و النسب و الاولى بالامام الماضى أحق بمقامه من غيره بدلالة آية ذوى الأرحام و قصة زكريا عليه السّلام».

ثالثا-وجوب الامامة عقلا في كل زمان و فساد دعوى كل مدع للامامة في أيام علي بن الحسين عليهما السّلام أو مدعا له سواه فثبتت فيه لاستحالة خلو الزمان من الامام».

رابعا-«ثبوت الامامة أيضا في العترة خاصة بالنظر و الخبر من النبي(ص)و فساد قول من ادعاها لمحمد بن الحنيفة(ر)بتعريه من النص عليه،فثبت انها في علي بن الحسين عليهما السّلام اذ لا مدعا له الامامة من العترة سوى محمد(ر)و خروجه عنها بما ذكرناه».

خامسا-«نص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالامامة عليه فيما روى من حديث اللوح الذي رواه جابر عن النبي(ص)...» (1).

ان أدلة ابطال امامة محمد بن الحنيفة التي أوردتها عن المفيد في أعلاه تصلح لابطال امامة أى علوى من أئمة الكيسانية و الزيدية (2)و الاسماعيلية (3)حسب مقاييس الشيعة الذين عرفوا فيما بعد بالامامية و الذين يعترفون باثني عشر امام وردت اسماؤهم في حديث اللوح الذي أشار اليه المفيد في ادلته السابقة.-8

ص: 56


1- المفيد،الارشاد،(طهران،1377)ص 237-8.
2- انظر عن الزيدية«مقالات الاسلاميين و اختلاف المصلين» للاشعري(ص 129 و ما بعدها)،و النوبختي(فرق الشيعة)ص 50-1.
3- انظر عن الاسماعيلية«فرق الشيعة»للنوبختي ص 57-8

أما الشيعة اسلاف الامامية فانهم انتهوا الى القول بامامة علي بن الحسين(ت:

94 ه)و علي هذا هو الامام الوحيد الحق في نظر الشيخ المفيد الامامي الذي ساق الادلة على بطلان أئمة الشيعة الآخرين المعاصرين لذلك الأمام كما بينا ذلك قبل قليل.قال النوبختي«و اما الشيعة العلوية الذين قالوا بفرض الامامة لعلي بن ابي طالب(ع)من اللّه و من رسول اللّه(ص)فانهم ثبتوا على امامته ثم امامة الحسن من بعده ثم امامة الحسين بعد الحسن.ثم افترقوا بعد قتل الحسين(ع)فرقا فنزلت فرقة الى القول بامامة علي بن الحسين..

فلم تزل مقيمة على امامته حتى توفي بالمدينة...في أول سنة اربع و تسعين..» (1)أما الفرقة الاخرى فقد قالت بانقطاع الامامة بعد الحسين و ان لا امامة لاحد بعده.و فرقة«قالت ان الامامة صارت بعد مضي الحسين في ولد الحسن و الحسين...» (2).

و يترتب على ذلك ان فرق الشيعة عند وفاة علي بن الحسين(94 ه) تنحصر في الفرق التالية:

أ-الكيسانية و قد سبقت الاشارة اليها.

ب-الجماعة الشيعية القائلة بانقطاع الامامة بعد موت الحسين.

ج-الفرقة القائلة بامامة علي بن الحسين.

و بعد وفاة علي بن الحسين ساق جماعة من الشيعة الامامة الى ابنه زيد و عرف هؤلاء بالزيدية و هم الذين«ساقوا الامامة في أولاد فاطمة و لم يجوزوا ثبوت الامامة في غيرهم».الا انهم جوزوا ان يكون كل فاطمي عالم زاهد شجاع،سخي خرج بالامامة ان يكون اماما واجب الطاعة سواء كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين (3).2.

ص: 57


1- فرق الشيعة،ص 47.
2- أيضا،ص 48.
3- الشهرستانى،الملل و النحل(القاهرة،1948) ص 302.

و هناك جماعة أخرى من الشيعة استمرت على سوق الامامة في أولاد الحسين و بذا احتفظت بسلسلة الائمة التي تبنتها جماعة الشيعة التي سميت بالامامية فيما بعد.يقول النوبختي«و اما الذين ثبتوا الامامة لعلي بن ابي طالب ثم للحسن ثم للحسين ثم لعلي بن الحسين ثم نزلوا الى القول بامامة ابي جعفر محمد بن علي بن الحسين باقر العلم فأقاموا على امامته الى ان توفي.و لما كانت وفاة الباقر سنة 114 او 119 ه ترتب على ذلك ان الشيعة الذين اعترفوا بامامة الباقر بعد أبيه علي زين العابدين لم يطلق عليهم اسم «الامامية»و نظرا لاعتراف هؤلاء الشيعة بسلسلة الائمة التي تبناها الامامية حين تسموا بهذه الاسم فيما بعد،كما سنبين،صح ان نطلق عليهم اسلاف الامامية.

مواطن التشيع و الاقوام التي اعتنقته خلال القرنين الاول و الثاني للهجرة:

أ-مواطن التشيع.

يصعب حصر مواطن الشيعة خلال العهد الاموي لانهم كانوا في حالة تستر و كتمان لمعارضتهم للحكم القائم حينذاك.

و يبدو،مع ذلك انهم تركزوا في الكوفة و سوادها و الادلة على ذلك كثيرة أهمها:

أولا-أصبحت الكوفة بعد انتصار معاوية على علي،كما أسلفنا، مجرد ولاية تابعة للشام بعد ان كانت عاصمة للدولة الاسلامية في عهد علي.و بعد ان أصبحت السيادة للشام.

و هذا يتجلى في امتلاكها لبيت المال و في ارتفاع اعطيات أهلها (1)، شعر أهل الكوفة ان مجدهم زال بزوال حكومة علي و ولده لذا عدّوهم محط آمالهم المقبلة.و نتيجة لذلك امتزج الولاء السياسي بالولاء الديني في

ص: 58


1- فلهاوزن،الدولة العربية و سقوطها-ترجمة عبد الهادي أبو ريده(القاهرة،لا.ت)ص 126.

ولاية الكوفة،و أخذ التشيع ينتشر فيها مع الزمن،بحيت أصبحت أول مركز للتشيع طوال عهد الدولة الاموية.و قد وردت احاديث بفضلها فكان علي بن ابي طالب يقول:«مكة حرم اللّه،و المدينة حرم رسول اللّه، و الكوفة حرمي لا يريدها جبار بحادثة الا قصمه اللّه» (1)و كتب المختار من مركزه بالكوفة الى محمد بن الحنفية بعد انتصاره على جيش بني أمية و مقتل عبيد اللّه بن زياد قائلا:«أما بعد فانني بعثت انصارك و شيعتك الى عدوك يطلبونه...» (2)قال أحدهم:«دخلنا على ابي عبد اللّه(ع)في زمن بني مروان فقال من انتم؟قلنا من أهل الكوفة.قال مامن البلدان أكثر محبا لنا من أهل الكوفة لا سيما هذه العصابة،ان اللّه هداكم لأمر جهله الناس فاحببتمونا و ابغضنا الناس،و بايعتمونا و خالفنا الناس،و صدقتمونا و كذبنا الناس،فاحياكم اللّه محيانا و أماتكم مماتنا...» (3)قال ابن قولويه(ت:

367 ه)ان الامام الباقر(ع)قال:«ان ولايتنا عرضت على أهل الأمصار فلم يقبلها قبول أهل الكوفة...» (4).و يروى حديثا آخر عن الصادق (ع)،قال سأل رجل أبا عبد اللّه فقال:«اني ضربت على كل شيء لي ذهبا و فضة و بعت ضياعي فقلت انزل مكة فقال لا تفعل فان أهل مكة يكفرون بالله جهرة،قال ففي حرم رسول اللّه(ص)قال هم شر منهم قال فأين انزل قال عليك بالعراق الكوفة فان البركة منها على اثني عشر ميلا هكذا و هكذا، و الى جانبها قبر ما اتاه مكروب قط و لا ملهوف الا فرج اللّه عنه» (5).9.

ص: 59


1- الكليني،محمد بن يعقوب.الكافي،ج 4(طهران، 1381 ه)ص 563.
2- الطوسي،محمد بن الحسن،الامالى(طبعة حجر،1313) ص 152.
3- الطوسى،الامالى،ص 89.
4- كامل الزيارات،ص 168 و يروى المؤلف حديثا مماثلا فى الصفحة نفسها يقول فيه«ان اللّه عرض ولايتنا...».
5- أيضا،ص 168-9.

و روى ابن قولويه أيضا ان النبي(ص)قال:«قال لي جبرائيل يا محمد ان أخاك مضطهد بعدك...يقتله أشر الخلق...ببلد تكون اليه هجرته، و هو مغرس شيعته و شيعة ولده...» (1).

و يبدو من الاحاديث السابقة ان أهل الكوفة الذين تقاعسوا عن نصرة علي في حياته،و ان شخصا كوفيا منهم أجهز عليه في محرابه،و هم الذين خذلوا الحسن و قتلوا الحسين و سبوا عياله،أصبحوا فيما بعد أول من خف لقبول ولاية أهل البيت بعد ان رفضها الناس،و ان بلدهم أصبح أجدر بالسكنى من حرم اللّه و حرم رسوله.و ما نالت الكوفة و أهلها ذلك الفضل الذي لا يؤهلها له تاريخها السابق بالنسبة لآل البيت الا بكونها أصبحت أول مركز نمت بذور التشيع فيه و تطورت بين ربوعه.

ثانيا-كان قوام حركة التوابين من الشيعة الكوفيين،و كانت أكثرية الذين قتلوا في«عين الوردة»من شيعة الكوفة.روى الطبرى ان سليمان ابن صرد مر بقبر الحسين قبل ذهابه لحرب عبيد اللّه بن زياد و خطب بجيشه فقال:«اللهم ارحم حسينا الشهيد بن الشهيد،المهدى بن المهدى،الصديق ابن الصديق اللهم أنا نشهدك انا على دينهم و سبيلهم،و اعداء قاتليهم و اولياء محبيهم...» (2).

ثالثا-اتخذت المعارضة في الكوفة،غالبا،مظهرا دينيا.و كان البيت الأموي،من بين البيوتات المرشحة لحكم الدولة الاسلامية في ذلك العهد، آخر من يستطيع اثبات حقه بالخلافة من الناحية الدينية.روى الطبرى ان عبد الرحمن بن ابي ليلى الفقيه،الذي انضم الى العراقيين في ثورتهم ضد الامويين سنة 83 ه،قال:«قاتلوا هؤلاء المحلين المحدثين المبتدعين الذين جهلوا الحق فلا يعرفونه و عملوا بالعدوان فليس ينكرونه...».و قال6.

ص: 60


1- أيضا،ص 263.
2- التاريخ،ج 4،ص 456.

الشعبي في المناسبة نفسها:«يا أهل الأسلام قاتلوهم و لا يأخذكم حرج من قتالهم،فو اللّه ما أعلم قوما على بسيط الارض أعمل بظلم،و لا اجور منهم في الحكم فليكن بهم البدار».و قال سعيد بن جبير في تلك المناسبة:«قاتلوهم و لا تأنموا من قتالهم بنية و يقين،و على آثامهم،قاتلوهم على جورهم في الحكم و تجبرهم في الدين و استذلالهم الضعفاء و اماتتهم الصلاة» (1).

و من الجدير بالذكر ان الفقهاء المذكورين وصفوا بأقوالهم السابقة حكم الحجاج عامل الامويين في العراق.و ربما ان الكوفيين بعامة و الشيعة منهم بخاصة رأوا في ظلم الحجاج مصداقا لنبؤة أمير المؤمنين علي بن ابي طالب في الحجاج.روى الأصفهاني ان الاشعث بن قيس اغضب عليا ذات مرة فقال الامام علي:«مالي و لك يا اشعث أما و اللّه لو بعبد ثقيف تمرست لاقشعرت شعيراتك،قيل:يا أمير المؤمنين و من غلام ثقيف؟قال:غلام يليهم و لا يبقي اهل بيت من العرب الا ادخلهم ذلا...» (2).

و يبدو ان الامويين لم ينالوا التأييد التام الا من أهل الشام الذين كان تأييدهم لسلطان بني أمية مبنيا على الدفاع عن مكان الصدارة الذي كان لولايتهم،ثم انهم لم يكونوا يأبهون لمسألة الحق الشرعي (3).

رابعا-ان معظم القبائل العربية التي سكنت الكوفة أيام الفتوحات كانت من اليمن.روى البلاذرى ان الشعبي قال:«كنا-يعني أهل اليمن-اثني عشر الفا،و كانت نزار ثمانية آلاف،ألا ترى انا أكثر أهل الكوفة، و خرج سهمنا بالناحية الشرقية فلذلك صارت خططنا بحيث هي» (4).

و يقول فلهاوزن كانت اليمانية في الكوفة أكبر القبائل عددا و أهمية (5).0.

ص: 61


1- الطبرى،التاريخ 5:163.
2- مقاتل الطالبيين،ص 23.
3- فلهاوزن،الدولة العربية و سقوطها،ص 161.
4- فتوح البلدان(القاهرة،1932)ص 276.
5- الخوارج و الشيعة،ص 160.

و من الجدير بالذكر ان معظم القبائل اليمانية و خاصة همدان مال الى التشيع لال علي.يقول ماسنيون ان همدان القبيلة العظيمة الخطيرة ذات الشوكة و القوة كانت شديدة التشيع (1).

و يعزو وات )ttaW( تشيع اليمانيين الى اسباب عديدة أهمها:

اولا-ان اكثرية القبائل اليمانية قبل الاسلام كانت تعتنق المسيحية على مذهب القائلين بالطبيعة الواحدة للسيد المسيح«المونوفوستية»و ذلك لتاثرها بالاحباش الذين كانوا يعتنقون المذهب المذكور.و يرى المونوفستيون ان للمسيح،بكونه قائدا روحيا،طبيعة لاهوتية مضافا الى طبيعته الناسوتية و بعد ان اعتنقت القبائل اليمانية الاسلام تأثرت بتقاليدها الدينية السابقة فمالت نحو التشيع الذي يحتل فيه الامام،بكونه القائد الروحي للشيعة،مركز المسيح بالنسبة للمونوفستيين.

ثانيا-عاشت القبائل اليمانية لعشرين قرنا خلت،في بلاد سبق أن تكونت فيها دول ذات مدنية عريقة.و بعد ان سقطت الدولة الحميرية سنة 525 م،خضعت اليمن،في الفترة التي سبقت خضوعها للاسلام لدولتي الاحباش و الفرس.و قد ورثت القبائل اليمانية من حكوماتها العربية السابقة تقليدا يتمتع الحاكم بموجبه بصفات روحية »citamsirahC« مضافا الى سلطاته السياسية.و بقي الامراء العرب،الذين احتفظوا بسلطات محلية على السكان الحضر الذين كانوا ممتزجين مع السكان البدو في معظم تلك المناطق،يتمتعون بالصفات المذكورة للحكام.

و بعد ان أسلم عرب الجنوب،قبل معظمهم فكرة القائد الذي يتمتع بصفات شبه الالهية.و يمكن ان نعزو انجذاب هؤلاء نحو الاسلام الى انهم رأوا توفر الصفة المذكورة بمحمد(ص).و اعتقد هؤلاء ان خلاص الفرد6.

ص: 62


1- خطط الكوفة-ترجمة تقى المصعبى(صيدا،1939) ص 16.

يتحقق عند ما يكون عضوا في مجتمع يقوده فرد يتمتع بصفات شبه الهية.

و نتيجة لذلك كان جماعة من انصار علي الاول يردون على نقد الخوارج قائلين بأن عليا أمام الحق و الارشاد.و كانت العبارة الاخيرة،دون شك ذات محتوى ديني،أى ان التوجيه المذكور يرشد الانسان نحو اللّه أي نحو الجنة.و في الوقت الذى نجد فيه الخواج يقبلون شكلا من الاسلام تغلب عليه النزعة البدوية،نجد الشيعة يقبلون شكلا آخر من الاسلام أتخذ مملكة يحكمها قائد شبه الهي (1).

و بالرغم من وجاهة الاسباب التي قدمها«وات»لقبول أكثرية القبائل اليمانية في الكوفة للتشيع لآل علي،فان عقيدة الشيعة الامامية،الذين يهمنا بحث أحوالهم في هذا الكتاب،ترفض من آرائه كل فكرة قد تؤل بأن الأئمة الاثني عشر(ع)يتمتعون بصفات شبه الهية.اذ يعتقد الامامية بصورة قاطعة ان ائمتهم بشر و لكنهم معصومون عن الخطأ و الخطيئة و النسيان كما سنفصل في حينه.

أما الشيعة الذين سكنوا المناطق الشرقية من البلاد الاسلامية أمثال خراسان و الرى و أصفهان و جرجان فيبدو أنهم كانوا في الغالب خلال القرنين الاول و الثاني للهجرة من الغلاة أو من الزيدية.و سنرجيء الكلام عن الغلاة الى موضعه من هذا الكتاب.و عند ما ثار زيد بن علي في الكوفة انضم اليه جماعات من الشيعة الساكنين في عدد من المناطق الايرانية.ذكر الاصفهاني:«ان الشيعة لقوا زيدا فقالوا له أين تخرج عنا...و معك مائة ألف سيف من أهل الكوفة و البصرة و خراسان...».

«و أقبلت الشيعة و غيرهم يختلفون اليه[زيد]و يبايعون حتى احصى ديوانه خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة خاصة،سوى أهل المدائن...و خراسان و الري و جرجان» (2).و كان لفشل ثورة زيد6.

ص: 63


1- 401.P,tiC.pO
2- مقاتل الطالبيين،ص 96.

أثر في تكتل الشيعة و هياجهم ضد حكم بني أمية.قال اليعقوبي:«و لما قتل زيد و كان من أمره ما كان تحركت الشيعة بخراسان و ظهر أمرهم،و كثر من يأتيهم و يميل معهم،و جعلوا يذكرون للناس فعل بني أمية،و ما نالوا من آل رسول اللّه(ص)حتى لم يبق بلد الا فشا فيه هذا الخبر و ظهرت الدعاة» (1).

و قبل مقتل يحيى بن زيد قابله متوكل بن هارون فأودعه صحيفة دعاء و قال هى:«أمانة لي عندك حتى توصلها الى ابني عمي محمد و ابراهيم ابني عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي(ع)فانهما القائمان في هذا الأمر بعدى...» (2)و محمد و ابراهيم هذان هما اللذان ثارا في عهد المنصور العباسي و قتلا بأمر منه (3).

أما الشيعة اسلاف الامامية فيبدو ان عددهم كان ضئيلا جدا في الاقسام الشرقية من البلاد الاسلامية في الفترة موضوع البحث.و لم يجد مذهبهم حينذاك تربة خصة في البلاد الايرانية.و قد وفد المذهب المذكور من الكوفة على يد جماعة من العرب سكنوا في مدينة أسمها«قم».و قد تكلم الحسن بن محمد القمي(ت:378 ه)عن تأسيس قم على يد جماعة من عرب الكوفة يعرفون بالاشعريين.و عن جهودهم في ادخال المذهب الشيعي،الذي عرف فيما بعد بالمذهب الجعفرى،الى ايران في كتابه الموسوم ب«تاريخ قم» (4)و قد أورد ياقوت الحموي تفصيلات عن قم،و قال انها«مدينة مستحدثة اسلامية لا أثر للأعاجم فيها،و أول من مصرها طلحة.

ص: 64


1- التاريخ،ج 3(النجف،1358 ه)ص 65.
2- الصحيفة السجادية(النجف،1352)ص 8.
3- الاصفهاني،مقاتل الطالبيين،ج 2 ص 192 و ما بعدها.
4- طبع الكتاب المذكور بترجمته الفارسية في طهران سنة 1353 ه.

ابن الاحوص الاشعري...و أهلها كلهم شيعة امامية و كان بدء تمصيرها في أيام الحجاج بن يوسف سنة 83(ه)...فلما انهزم ابن الاشعث و رجع الى كابل منهزما كان في جمله اخوة يقال لهم عبد اللّه و الاحوص و عبد الرحمن و اسحاق و نعيم و هم بو سعد بن مالك بن عامر الاشعري...و كان منقدم هؤلاء الاخوة عبد اللّه بن سعد و كان له ولد قد ربي في الكوفة فانتقل منها الى قم و كان اماميا (1)و هو الذى نقل التشيع الى أهلها فلا يوجد بها سني قط» (2).

و قد نفى الصادق،و هو امام الشيعة اسلاف الامامية،وجود شيعة له في خراسان بعد نجاح الدعوة العباسية بقليل.ذكر المسعودي ان الامام الصادق قال لعبد اللّه بن الحسن حين كلمه بأمر رسالة بعنها له ابو سلمة الخلال أول وزير لبني العباس يدعوه فيها لتسلم الخلافة«يا أبا محمد؟ أمر ما اتى بك قال نعم،هو أجل من أن يوصف،فقال:و ما هو،يا أبا محمد؟ قال:هذا كتاب ابي سلمة يدعوني الى ما أقبله.و قد قدمت عليه شيعتنا من أهل خراسان،فقال له أبو عبد اللّه:يا ابا محمد و متى كان أهل خراسان شيعة لك؟أنت بعثت أبا مسلم الى خراسان و أنت أمرته بلبس السواد،و هل الذين قدموا العراق أنت كنت سبب قدومهم او وجهت فيهم،و هل تعرف منهم أحدا؟» (3).

و يبدو ان الشيعة اسلاف الامامية،فضلا عن ندرتهم في خراسان حينذاك،لم يسهموا اسهاما فعالا في جهد بني هاشم المشترك ضد بني أمية لأن ائمتهم بعد الحسين لا يرون القيام بالسيف في وجه الظلم قبل ظهور4.

ص: 65


1- اصبح الشيعى من اسلاف الامامية و الشيعى الامامى يعنى شيئا واحدا فى عهد الحموى.
2- معجم البلدان،ج 7(القاهرة،1906)ص 159.
3- المسعودى،مروج الذهب،ج 3(القاهرة،لا.ت) ص 184.

المهدي صاحب الزمان.و يروى ان أبا مسلم كتب الى الصادق قائلا:

«اني قد أظهرت الكلمة و دعوت الناس عن موالاة بني أمية الى موالاة أهل البيت فان رغبت فلا مزيد عليك».فكتب اليه الصادق«ما انت من رجالي و لا الزمان زماني» (1).

و يبدو ان الزيدية و الكيسانية هم الذين اسهموا في كفاح بني هاشم المشترك ضد بني أمية.

و يقول يحيى بن زيد مقارنا بين نفسه و أبيه و بين أئمة الشيعة اسلاف الامامية.«ان اللّه عز و جل أيد هذا الامر بنا و جعل العلم و السيف فجمعا لنا و خص بنو عمنا(يقصد الامامين الباقر و ابنه الصادق)بالعلم وحده...» (2).

ب-الاقوام التى قالت بالتشيع خلال القرنين الاول و الثاني للهجرة:

يبدو ان التشيع في الفترة المذكورة نما في بيئة عربية في الغالب و هي الكوفة و سوادها،كما بينا سابقا،و كانت غالبية مؤيديه حينذاك من سكانها التى كانت أكثريتهم من العرب.يقول كولدزيهر ان«التشيع كالاسلام عربي في نشأته و في أصوله التي نبت فيها» (3).

ان النتيجة التي توصل اليها كولدزيهر لها ما يسندها في الحديث و التاريخ.أما في الحديث فان أبا ذر قال رأيت رسول اللّه و قد ضرب كف علي بيده و قال يا علي«من أحبنا فهو العربي و من ابغضنا فهو العلج، فشيعتنا أهل البيوتات و المعادن...» (4)و قال الامام الصادق:«نحن

ص: 66


1- الملل و النحل،ص 300-1.
2- الصحيفة السجادية،ص 5.
3- العقيدة و الشريعة فى الاسلام-ترجمة محمد يوسف- (القاهرة 1946)ص 205.
4- الديلمي،ارشاد القلوب،ج 2،ص 47.

بنو هاشم و شيعتنا العرب و سائر الناس الأعراب».و قال أيضا:«نحن قريش و شيعتنا العرب و سائر الناس علوج الروم» (1).

ان الاحاديث المذكورة،سواء قالها الائمة ام لم يقولوها،تكشف عن انطباع الشيعة اسلاف الامامية عن العجم خلال القرون الاسلامية الاولى لأن أكثرية العجم في تلك القرون كانت قد انضمت للفرق الشيعية الغالية، كما سنبين في موضعه من هذا الكتاب،كالكيسانية (2)و الهاشمية (3)، التى ساندت العباسيين (4)في أوائل حكمهم مساندة فعلة،أو لفرق أهل السنة من المسلمين.و من المعلوم ان كلتا الجماعتين في نظر الشيعة اسلاف الامامية و خلفائهم،مخطئتين لعدم اعترافهما بأئمة الحق،و هم في نظر اولئك الشيعة،الائمة الاثنا عشر المعصومون.

أما الادلة التاريخية التى تؤيد ظهور التشيع بين العرب و فى بيئة تغلب عليها الصفات العربية،و هى الكوفة،فأهمها:

أولا-كان انصار علي الذين ايدوه في حربه مع خصومه يتكونون، في الغالب الاعم من عرب الحجاز و العراق و لم نعثر على اسم فرد ذي أهمية أو قائد كبير من قواد علي من كان ايراني الاصل.

ثانيا-كان الذين كتبوا للحسين يستقدمونه،سنة 60 ه،للكوفة، كلهم،كما يظهر من الاسماء التي وردت في الكتاب (5)المنسوب لابي مخنف،من زعماء القبائل العربية الساكنة في الكوفة و سوادها حينذاك.

ثالثا-كان انصار سليمان بن صرد الخزاعي في حركة«التوابين»8.

ص: 67


1- الكلينى،الكافى،ج 8،ص 166.
2- النوبختى،فرق الشيعة،ص 24.
3- أيضا،ص 46.
4- فلهاوزن،الخوارج و الشيعة،ص 248.
5- مقتل الامام ابي عبد اللّه الحسين(النجف،1960) ص 18.

كلهم تقريبا من القبائل العربية في العراق.يقول فلهاوزن اجتمع في النخيلة 4000 من التوابين«و كان بينهم عرب من كل القبائل و كثير من القراء و لم يكن بينهم أحد من الموالي» (1).

و نستنتج من كل ما سبق ان التشيع نشأ في الاصل،كما نشا الاسلام، في بيئة عربية،و ان انصاره الاول كانوا من العرب و يترتب على ذلك انه ليس مذهبا ايراني الاصل.و قد أيدت البحوث التي قام بها فلهاوزن، بالاضافة الى الادلة التي ذكرناها فيما سبق،ما ذهبنا اليه.و يقول فلهاوزن، بعد ان يفند آراء دوزى و أ.ملر،و هما من أوائل القائلين بأن التشيع ايراني الاصل:«أما ان آراء الشيعة كانت تلائم الايرانيين فهذا أمر لا سبيل الى الشك فيه،أما كون هذه الاراء قد انبعثت من الايرانيين فليست تلك الملائمة دليلا عليه.بل الروايات التاريخية تقول بعكس ذلك،اذ تقول ان التشيع الواضح الصريح كان قائما أولا في الدوائر العربية،ثم انتقل بعد ذلك منها الى الموالي...» (2).

و يبدو،بالرغم مما سبق،ان حركة المختار في الكوفة كانت بداية لانخراط عدد من الموالي في صفوق الغلاة من الشيعة.و استهوى المختار الموالي لاغراض سياسية،بأن أدخلهم في جيشه و ساواهم بالعطاء مع العرب مما أثار حفيظة العرب أنفسهم فقالوا:«عمدت الى موالينا و هم فىء افأه اللّه علينا و هذه البلاد جميعا فاعتقنا رقابهم نأمل الاجر...فلم ترض لهم بذلك حتى جعلتهم شركاءنا في فيئنا...» (3).و روى الطبري ان أحد زعماء الكوفة قال لصاحبه فى معرض حديثه عن مقاومة المختار«و مع الرجل [المختار]و اللّه شجعاؤكم...ثم معه عبدكم و مواليكم...و عبيدكم8.

ص: 68


1- الخوارج و الشيعة،ص 194.
2- الخوارج و الشيعة،ص 240-
3- الطبرى،4:518.

و مواليكم أشد حنقا عليكم من عدوكم فهو مقاتلكم بشجاعة العرب و عداوة العجم» (1).

و كانت سياسة التمييز في الحقوق بين العرب و غيرهم من سكان الامبراطورية التى اتبعها الامويون،الذين كانوا يمثلون سيادة العرب لا سيادة الاسلام،من العوامل التى دفعت الموالي للأنضواء تحت راية الاحزاب المعارضة من خوارج و شيعة.و حاولت احزاب المعارضة من جانبها ان تجد في الموالي حلفاء على بني أمية،فاستعان بهم المختار،كما أسلفنا،كما استعان بهم عبد الرحمن بن الاشعث في حركته ضد الامويين، و استعان الخوارج و الشيعة بالموالي،و لكن الشيعة كانوا أكثر نجاحا من الخوارج في ضم الموالي الى صفوفهم في كفاحهم مع بني أمية (2).

و كان جل الموالي الذين انضموا الى التشيع خلال المراحل الاولى من تاريخه هم من الغلاة كما سنبين في الفصل الثالث من هذا الكتاب.

أما الفرق الشيعية المعتدلة التي جمعتها عقيدة الامامية الاثني عشرية فيما بعد، فيظهر أنها لم تجد تربة خصبة في ايران خلال القرون الهجرية الثلاثة الاولى.

و تركز التشيع المعتدل في الفترة موضوع البحث في مدينة قم كما أسلفنا و سبق أن بينا ان الامام الصادق انكر وجود شيعة له في ايران عند قيام الدولة العباسية.كما أن معظم البيوتات المهمة ذات الاصل الايراني أو التي اتخذت من ايران مراكز لحكمها كالبرامكة و بني طاهر و السامانيين لم يكونوا من الشيعة.يضاف الى ذلك ان أمثلة وردت يتبين منها أن الشيعة في النصف الاول من القرن الثالث كانوا مضطهدين في خراسان.روى الكشي ان محمد بن طاهر(ت:226 ه)غضب على ابي يحيى الجرجاني،8.

ص: 69


1- أيضا،ج 4،ص 518.
2- فلهاوزن،الدولة العربية و سقوطها،ص 68.

و هو من الشيعة«فأمر بقطع لسانه و يديه و رجليه،و بضربه الف سوط و بصلبه..و سعى بذلك محمد بن الرازي..بحديث روى محمد بن يحيى..لعمر بن الخطاب.فقال أبو يحيى ليس هو عمر بن الخطاب هو عمر بن الشاكر..» (1).

و يبدو ان غالبية الايرانيين استمرت على رفضها للتشيع خاصة المعتدل منه الى ما بعد الفترة التي حددناها في صدر هذا البحث.فالمقدسي حين يتكلم عن السواد الاعظم من المسلمين يقول:«و لم أر السواد الاعظم الا من أربعة مذاهب،أصحاب أبي حنيفة بالمشرق،و أصحاب مالك بالمغرب،و أصحاب الشافعي بالشاش و خزائن نيسابور،و أصحاب الحديث بالشام..و بقية الاقاليم ممتزجون..».

و يقول أيضا:«الغلبة ببغداد للحنابلة و الشيعة..و بالكوفة الشيعة الا الكناسة فانها سنة..و أكثر أهل البصرة قدرية و شيعة..»و في الموصل«حنابلة و جلبة للشيعة..» (2).

و يبدو من النص السابق أن مركز الشيعة الرئيسى في القرن الرابع الهجري الكوفة بخاصة و العراق بعامة و ان الشعوب الايرانية كانت منقسمة بين مذهبي أبي حنيفة و الشافعي.

و لعل انتشار المذاهب السنية في ايران حينذاك يفسر لنا كيف أن معظم قادة الفكر السني في الفترة موضوع البحث كانوا من الايرانيين أو عاشوا بأرض ايرانية،و ذلك أمثال أبي حنيفة و الشيخ معروف الكرخي و البخاري و الغزالي و نظام الملك الذى عرف بمقاومته للتشيع حين انشأ المدارس النظامية المعروفة.2.

ص: 70


1- الرجال،ص 447.
2- احسن التقاسيم فى معرفة الاقاليم(ليدن،1906)ص: 39،136،142.

أما كيف انتشر التشيع في ايران،و كيف أصبحت ايران من امهات بلدان الشيعة في الوقت الحاضر فهي أمور خارجة عن نطلق بحثنا.و تكتفي هنا بايراد رأيين لكاتبين معاصرين و هما أحمد كسروي و دونالدسن.يقول كسروي«شاع الترفض في ايران و لكنه لم يتمكن الا في بعض البلدان من قم و سبزوار و غيرهما.فكان الغالب على الايرانيين التسنن و لا سيما ايام السلجوقيين الذين كانوا ملوكا يتعصبون لاهل السنة» (1).

و يقول دونالدسن«و عند ما استولت الاسرة الصفوية في ابتداء القرن السادس عشر على الحكم جعلت بدورها المذهب الشيعي المذهب الرسمي للدولة» (2).0.

ص: 71


1- التشيع و الشيعة(طهران،1364)ص 52.
2- عقيدة الشيعة،ص 290.

ص: 72

الفصل الثاني: ظهور فرقة الامامية الأثني عشرية و رسوخها بفكرة غيبة المهدي

اشارة

تتبعنا في الفصل الاول نشوء فرق الشيعة و تطورها حتى نهاية الربع الاول من القرن الثاني للهجرة و بينا أنه لم تكن بين تلك الفرق فرقة تسمى بالامامية.

و بعد أن انتقلت الامامة الى الصادق بعد وفاة ابيه الباقر اعترف الشيعة أسلاف الامامية بامامته،و يظهر ان القائلين بامامته كونوا فرقة دينيه متميزة.روى الكشي ان شيعة الصادق في الكوفة سموا بالجعفرية (1).

و بالرغم من ذلك فقد بقي الشيعة الموالون للصادق يسمون ب«شيعة علي».

قال سعيد بن يسار«سمعت أبا عبد اللّه«الصادق يقول:الحمد للّه صارت فرقة مرجئة و صارت فرقة حرورية،و صارت فرقة قدرية،و سميتم الترابية (2)و شيعة علي...» (3).

و نفيد من النصوص السابقة ان الفرقة الموالية للصادق كانت في حياته تسمى بالترابية أو شيعة علي أو الجعفرية و لم تسم بالامامية.

و يبدو أن اسم«الرافضة»قد أطلق في حياة الصادق على الشيعة الموالية له.

و ترد أخبار مختلفة عن معنى«الرافضة»و عمن أطلق ذلك الاسم على الشيعة.

و يشير أحد تلك الاخبار الى أن المغيرة بن سعيد المقتول سنة 119 ه737/ م هو الذى أطلق اسم الرافضة على القائلين بامامة جعفر بن محمد الصادق.

يقول سعد الاشعري«فلما توفي أبو جعفر(الباقر)(ع)»افترقت فرقته

ص: 73


1- الرجال(بمبى،1317)ص 165.
2- نسبة لابى تراب و هو لقب اطلقه النبى(ص)على علي(ع).
3- الكلينى،الروضة(طهران،1381)ص 80.

فرقتين:فرقة منها قالت بامامة محمد عبد اللّه بن الحسن بن حسن بن علي بن أبي طالب...و كان المغيرة بن سعيد قال بهذا القول لما توفي أبو جعفر محمد بن علي و أظهر المقالة بذلك فبرئت منه الشيعة شيعة جعفر من محمد و رفضوه و لعنوه،فزعم انهم رافضة،و انه هو الذى سماهم بهذا الاسم...» (1).

و يخالف أبو الحسن الاشعري الرأى السابق بخصوص تسمية الرافضة فيقول«و انما سموا رافضة لرفضهم امامة أبي بكر و عمر» (2).

أما الشهرستاني فله رأي اخر حول الموضوع نفسه.و يقول أن زيد ابن علي كان يقول«يجوز أن يكون المفضول اماما و الافضل قائم...

و لما سمعت شيعة الكوفة هذه المقالة منه،و عرفوا أنه لا يتبرأ من الشيخين رفضوه..فسميت رافضة» (3).

و للشيخ المفيد رأي اخر في سبب تسمية الشيعة بالرافضة اورده مسندا بحديث نسب الى الامام الصادق قوله عند ما اشتكى اليه أبو بصير يحيى بن القاسم الآمدى الذى قال:«فانا قد نبزنا نبزا انكسرت له ظهورنا،و ماتت له أفئدتنا،و استحلت به الولاة دماءنا في حديث رواه فقهاؤهم هؤلاء.قال:فقال:الرافضة؟قلت نعم،قال لا و اللّه ما هم سموكم بل اللّه سماكم...».

و علل الامام لابي بصير ذلك بأن بني اسرائيل رفضوا فرعون و لحقوا بموسى«فأوحى اللّه الى موسى أن أثبت لهم هذا الاسم في التوراة،فاني قد نحلتهم،ثم ذخر اللّه هذا الاسم حتى سماكم به اذ رفضتم فرعون و هامان و جنودهما و اتبعتم محمد و آل محمد...» (4).5.

ص: 74


1- كتاب المقالات و الفرق،ص 76-7.
2- مقالات الاسلاميين،ص 87.
3- الملل و النحل،1:138-9.
4- الاختصاص،ص 104-5.

و نخرج من كل ما قيل عن الرافضة بالنتائج التالية:-

أولا-أن خصوم الشيعة من أهل السنة هم الذين سموهم بالرافضة لاسباب تتعلق بموقفهم من خلافة الشيخين.و يؤيد ذلك ما أوردته المصادر،و ما قاله أبو بصير في شكواه للامام الصادق المذكورة في اعلاه.

ثانيا-أن هدف المفيد من ايراد الحديث السابق الاستناد عليه في عقد مقارنة بين مصائب الشيعة التي حلت بهم على يد خصومهم و بين أصحاب النبي موسى على يد فرعون،حذو القذة بالقذة،و ذلك لان اولئك و هؤلاء،في نظر المفيد،تعرضوا للايذاء بسبب طاعتهم لله كما رسمها موسى لاصحابه في سالف الزمان و محمد و آل محمد لمواليهم في دولة الاسلام.و قد دأب علماء الشيعة على عقد أمثال المقارنة المذكورة حين تحين المناسبة لها.فابن قولويه،مثلا،شبه مقتل الحسين بمقتل يحيى بن زكريا،كما بينا سابقا.و سنعرض لايراد أمثال هذه المقارنات في أمكنتها من هذا البحث.

ثالثا-ان الرواية التي تنسب للمغيرة تسمية الشيعة بالرافضة ضعيفة و لا تصمد للنقد.لان رفض الشيعة المعتدلين للمغيرة أمر طبيعي لانه من الغلاة،فلا موجب لحنق الشيعة من تسمية اطلقها عليهم أحد الغلاة الخارجين عن الدين في نظرهم لانهم خرجوا من حد الامامة الى الربوبية.

و لا موجب أيضا لان يستحل ولاة السلطان دماء الشيعة،على حد قول أبي بصير،اذا كنت التسمية لا علاقة لها بالخلاف المذهبي و المس بسيرة الشيخين.

و يظهر أن كلمة«الشيعة»مجردة كانت تطلق أيضا على الموالين للامام الصادق في عهده.و يدل على ذلك ما رواه الكشي من أن عمرو بن يزيد قال:«دخلت على أبي عبد اللّه(ع)فحدثني مليا في فضائل

ص: 75

الشيعة...» (1)و قال أبان بن تغلب المعاصر للامامين الباقر و الصادق لزميل له«تدري من الشيعة؟الشيعة الذين اذا اختلف الناس عن رسول اللّه(ص)اخذوا بقول علي،و اذا اختلف الناس عن علي أخذوا بقول جعفر بن محمد» (2).و يؤكد هذا ما سبق أن بيناه و هو أن انصار الصادق و مواليه لم يسموا بالامامية في عهده.و لما كان هؤلاء يعتقدون بامامة الائمة المعصومين حسب التسلسل الذي تبنته الشيعة الامامية حين سميت بهذا الاسم فيما بعد،آثرنا أن نطلق عليهم اسم«أسلاف الامامية».

يضاف الى ذلك أن أخذ اولئك الشيعة بقول جعفر بن محمد دون غيره من أولاد علي يعني انهم يعتنقون المذهب الجعفري،و الجعفرية و الامامية الاثنا عشرية أصبحوا فيما بعد شيئا واحدا.

و يبدو أن اصطلاح«شيعة»مضافة الى امام معين و«الشيعة»مجردة كانا هما المستعملين دون الامامية للدلالة على موالي آل البيت أثناء امامة موسى الكاظم(ت:183 ه).زار الكاظم،بعد وفاة الصادق،أحد مواليه فقال«شيعتك و شيعة ابيك» (3)و بعد وفاة الكاظم ظهر الواقفة الذين أنكروا امامة الرضا(ع).قال الكشي«كان بدو الواقفة انه كان اجتمع ثلاثون الف دينار عند الاشاعثة لزكاة اموالهم و ما كان يجب عليهم فيها فحملوه الى وكيلين لموسى(ع)بالكوفة...و كان موسى(ع)في الحبس فاتخذا بذلك دورا و عقدا العقود..فلما مات موسى فانتهى الخبر اليهما أنكرا موته و اذاعا في الشيعة انه لا يموت لانه القائم،فاعتمدت عليه طائفة من الشيعة..حتى كان موتهما اوصيا بدفع ذلك المال الى ورثة موسى (ع)فاستبان للشيعة انهما...» (4)و بعد موت الكاظم سمي القائلون1.

ص: 76


1- الرجال،ص 390.
2- النجاشي،الرجال(طهران،لا.ت)ص 10.
3- الكشي،الرجال،ص 390-1.
4- ايضا،ص 390-1.

بامامته،و امامة علي بن موسى من بعده«القطعية»«لانها قطعت على وفاة موسى بن جعفر و على امامة علي ابنه بعده و لم تشك في أمرها و لا ارتابت و مضت على المنهاج الاول» (1).

و يتضح من النص السابق ان انصار الكاظم و مواليه لم يعرفوا بالامامية عند وفاته.و نفيد من كل ما سبق ذكره ان اصطلاح«الامامية»ما كان معروفا حينذاك بين الاصطلاحات المذكورة،و ان تلك الاصطلاحات جميعها تعني شيئا واحدا لانها كانت تطلق على الشيعة اسلاف الامامية أو الجعفرية أو القطعية بعد وفاة الكاظم،و هم شيعة آل البيت الذين ساقوا الامامة الى جعفر الصادق و ابنه موسى من بعده و علي بن موسى بعد أبيه،و يقصد بآل البيت،في نظر هؤلاء حصرا،الائمة المعصومون من ولد الحسين دون غيره من آل علي.و هذا ما قصده النوبختي في اعلاه بقوله انها مضت على المنهاج الاول أي تبنت سلسلة الائمة الذين عرفوا فيما بعد بالائمة الاثني عشر المعصومين.

و بعد ما قدمت سأحاول فيما يلي ان اقترح بداية لظهور مصطلح «الامامية»و اطلاقه على جماعة من الشيعة القائلين بأمامة اثني عشر اماما تسعة منهم من ولد الحسين و آخرهم المهدي المنتظر.

لقد وصف جماعة من الشيعة قبل حصول الغيبة سنة 260 ه بأنهم اماميون منهم علي بن اسماعيل التمار الذي عده الشيخ الطوسي(ت:

460 ه)«أول من تكلم على مذهب الامامية» (2)و علي هذا كان معاصرا لهشام بن الحكم الذي توفي سنة 199 ه على أشهر الروايات.و منهم محمد بن خليل بن جعفر المعروف بالسكاك صاحب هشام بن الحكم3.

ص: 77


1- النوبختى،فرق الشيعة،ص 67،و الشهرستانى،الملل و النحل،ج 1،ص 150.
2- الفهرست(النجف،1960)ص 113.

و تلميذه.و كان محمد المذكور«اماميا له كتاب في التشبيه» (1)و اذا صح ان وفاة هشام بن الحكم كما ذكرنا يظهر ان هناك جماعة عرفوا بالامامية في حدود نهاية القرن الثاني للهجرة.و لكننا نرجح ان مصطلح«امامية»لم يكن معروفا في ذلك الحين،و ان الطوسي و ابن داود الحلي(من علماء القرن السابع)أطلقا على علي التمار و السكاك المذكورين في أعلاه كلمة «امامي»لانهما كانا شيعين من موالي اهل البيت أو لأن اصطلاح«امامي» و«شيعي»تعني في عهدهما شيئا واحدا.و كان حبيب بن أوس أبو تمام الطائي (ت:231 ه)«اماميا و له في أهل البيت مدائح كثيرة» (2)و يقول النجاشي(ت:450 ه)عند ترجمته لعلي بن عبيد اللّه بن حسين بن علي انه «كان ازهد آل ابي طالب و اعبدهم في زمانه،و اختص بموسى و الرضا(ع) و اختلط بأصحابنا الامامية...» (3).

و لما كانت وفاة الرضا سنة 203 ه،يبدو لاول وهلة ان جماعة من الشيعة عرفوا بالامامية كانت موجودة في بداية القرن الثالث للهجرة.و الذي أراه ان نص النجاشي هذا يصدق عليه ما قلناه في اعلاه عن النصين اللذين أوردهما الطوسي و الحلي.

و يؤيد ما قاله سعد الأشعري حول انقسام الشيعة الى خمس فرق بعد وفاة علي الرضا(ع)لم يكن بينها فرقة تسمى الامامية.و ان من بين تلك الفرق«فرقة قالت الامام بعد علي بن موسى ابنه محمد بن علي...و اتبعوا الوصية و المنهاج الاول من لدن النبي(ص)» (4)ان سعدا الاشعري وصف الفرقة الشيعية التي قالت بامامه محمد بن علي الجواد(ت:220 ه)بانها اتبعت الوصية و المنهاج الاول،و يعني ذلك ان اولئك الشيعة تبنوا سلسلة3.

ص: 78


1- الحلي،ابن داود،الرجال(طهران،1342)ص 310.
2- أيضا،ص 98.
3- الرجال،ص 194.
4- المقالات و الفرق،ص 93.

الائمة التي تبنتها الامامية حين عرفت بهذا الاسم فيما بعد.فاولئك،و الحالة هذه،شيعة يمكن تسميتهم اسلاف الامامية او الجعفرية او القطعية و لكنهم حتى وفاة الجواد لم يسموا بالامامية بعد.

و بعد وفاة الجواد نزل أصحابه«الذين ثبتوا على امامته الى القول بامامة ابنه و وصيه علي بن محمد...فلم يزالوا كذلك حتى توفي علي ابن محمد...» (1)و لما كانت وفاة علي بن محمد المعروف بالهادي سنة 254 ه فان الشيعة القائلين بامامته لم يعرفوا بالامامية بعد.و لما كان الهادي يقع ضمن سلسلة الائمة الاثني عشر،و انه وصي (2)ابيه فان شيعته هم الذين عرفوا فيما بعد بالامامية دون ان يسموا بذلك الاسم في عهده.

و بعد وفاة علي الهادي انتقلت الامامة الى ابنه الحسن المعروف بالعسكرى،يقول سعد الاشعرى:«و قال سائر أصحاب علي بن محمد بامامة ابنه الحسن بن علي...» (3)و لما كانت وفاة الحسن العسكري سنة 260 ه من شيعته حتى ذلك التاريخ لم يسموا بالامامية.و لما توفي العسكري لم ير له خلف و لم يعرف له ولد ظاهر فافترق اصحابه من بعده خمس عشرة فرقة (4)و يجعل النوبختي عدد فرق الشيعة التي ظهرت بعد وفاة العسكري أربع عشرة فرقة (5).و كانت الفرقة الاولى من بين تلك الفرق،على رواية الأشعرى (6)،و الثانية عشر،عند النوبختي (7)هي «الامامية».يقول سعد الاشعري:«ففرقة منها و هي المعروفة«بالامامية»0.

ص: 79


1- أيضا،ص 99.
2- يعتقد الشيعة الامامية ان الامام المعصوم لا يوصي الا لامام معصوم مثله،فتكون وصية والد الهادى له دليل على امامته و عصمته.
3- المقالات و الفرق،ص 101.
4- أيضا،ص 102.
5- فرق الشيعة،ص 79.
6- المقالات و الفرق،ص 102.
7- فرق الشيعة،ص 90.

قالت للّه في أرضه بعد مضي الحسن بن علي حجة على عباده و خليفة في بلاده قائم بأمره من ولد الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا،امر،ناه، مبلغ عن ابائه،مودع عن اسلافه،ما استودعوه من علوم اللّه و كتبه و أحكامه و فرائضه و سننه عالم بما يحتاج اليه الخلق من أمر دينهم و مصالح دنياهم، خلف لأبيه،و وصي له،قائم بالامر بعده،هاد للأمة مهدي على المنهاج الأول و السنن الماضية من الائمة الجارية،فيمن مضى منهم القائمة فيمن بقي منهم،الى ان تقوم الساعة...و لو كان في الارض رجلان كان أحدهما الحجة،و لو مات أحدهما لكان الباقي منهما الحجة،ما اتصل أمر اللّه و دام نهيه في عباده...و ذلك ان المأثور عن الائمة الصادقين مما لا دفع بين هذه العصابة من الشيعة الامامية.

و لا شك فيه عندهم...و لا يجوز ان تخلو الارض من حجة من عقب الامام،الامام الماضي قبله و لو خلت ساعة لساخت الارض و من عليها،فنحن متمسكون بامامة الحسن بن علي،مقرون بوفاته موقنون بأن له خلفا من صلبه...و انه الامام من بعد ابيه الحسن...و انه في هذه الحالة مستتر خائف مغمود،مأمور بذلك،حتى يأذن اللّه...فيظهر و يعلن أمره» (1).و يستمر الأشعري في حديثه عن غيبة الامام الثاني عشر، و يسند تلك الغيبة بقول للامام علي(ع)مفاده«ان اللّه لا يخلي الارض من حجة له على خلقه،ظاهرا معروفا أو خافيا مغمورا.لكي لا يبطل حجته و بيناته».

و يبين ان اخبارا مماثلة وردت عن الائمة الآخرين.و لا يبيح الأشعري للعباد«ان يبحثوا عن أمور اللّه و يقفوا أثر مالا علم لهم به،و يطلبوا اظهاره...»و ان فعلوا ذلك ارتكبوا الامور المحرمة عليهم.و ان طلب الناس اظهار ماستره اللّه عنهم،يكونون كمن أعان على سفك دم الامام المهدي و دماء شيعته.و يقول لا يجوز«لنا و لا لأحد من الخلق ان يختار اماما3.

ص: 80


1- الاشعرى المصدر السابق،ص 102-103.

و معقوله».و ينهي الأشعري حديثه عن معتقدات فرقة الامامية بغيبة المهدى بقوله:«فهذه سبيل الامامة و هذا المنهاج الواضح،و الغرض الواجب اللازم الذي لم يزل عليه الاجماع من الشيعة الامامية المهتدية...و على ذلك كان اجماعنا الى يوم مضى الحسن بن علي(ر) (1)و يوجد تشابه كبير جدا بين رواية الأشعري و رواية النوبختي عن غيبة الامام المهدى التي اعتقدت به فرقة من الشيعة بعد وفاة الحسن العسكرى سنة 260 ه و سميت من أجل ذلك بالامامية (2).

و نفيد من كل ما سبق:

أولا-ان سعدا الاشعرى و النوبختي عنيا«بالامامية»الجماعة الشيعية التي أنهت سلسلة أئمتها بالامام القائم أى الحجة صاحب الزمان التي خفيت على الناس ولادته و اجمل ذكره و لم يعرف الا انه امام ابن امام و بالرغم من ذلك فان الاشعرى استثنى بعض ثقاة الشيعة من الجهل بأمر ذلك الامام فيقول«و لا بد مع هذا الذى ذكرناه و وصفنا استتاره و خفائه من ان يعلم أمره و ثقاته و ثقاة ابيه و ان قلوا،لان الاشارة بالوصية من امام الى امام بعده لا تصح و لا تثبت الا بشهود عدول من خاصة الاولياء...» (3).و من الجدير بالذكر ان عدد ائمة الامامية بلغ اثنا عشر اماما بعد غيبة الامام الثانى عشر و هو المهدى،لذلك اصبح الشيعة الامامية يوصفون بالاثني عشرية.

ثانيا-يظهر ان الاشعرى،و هو من المعاصرين للغيبة لانه توفي سنة 301 ه كما اسلفنا،حدد سلطة العقل و الرأى في اختيار الائمة بما فيهم الامام الغائب،و اعتمد بصورة اساسية فى هذا الموضوع على دليل النقل.

و يبدو ان الدليل العقلي المؤيد بعلم الكلام بخصوص اختيار الامام و غيبته

ص: 81


1- أيضا ص 104،105،106.
2- فرق الشيعة،ص 90،91،92،93.
3- المقالات و الفرق ص 105-6.

أخذ يحتل مركزا اكبر في عقيدة الامامية فيما بعد كما يظهر من كتابات الشيخ الطوسي في كتابيه الموسومين ب«الغيبة،و تلخيص الشافي»الوارد ذكرهما فيما سبق.و اعتقد ان ذلك أمر طبيعي لان العقيدة تهذب،و تسند بالمباحث الكلامية مع الزمن.

ثالثا-لقد فند النوبختي معتقدات جميع الفرق الشيعية التى ظهرت بعد وفاة الامام الحادى عشر،و اعلن صواب فرقة«الامامية»الذين سلكوا وحدهم،على رأيه،سبيل الامامة و اتبعوا المنهاج الواضح لاعترافهم باتمام سلسلة الامامة بالامام الغائب (1).

و يظهر ان الاعتراف بغيبة الامام الثانى عشر،التى حصلت بعد 260 ه، اصبح محور التشيع عند الامامية.و قد اورد النعمانى(من علماء القرن الثالث)في كتابه الموسوم ب«الغيبة» (2)مجموعة من الاحاديث في اثبات الغيبة.فروى ان الامام الصادق قال:«ثلاثة لا ينظر اللّه اليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب اليم:من زعم انه امام و ليس بامام،و من زعم في امام حق انه ليس بامام و هو امام،و من زعم ان لهما فى الاسلام نصيبا».قال محمد بن تمام«قلت لابيي عبد اللّه عليه السّلام ان فلانا يقرئك السّلام،و يقول لك اضمن لي الشفاعة فقال امن موالينا؟قلت نعم قال أمره ارفع من ذلك قال قلت انه رجل يوالى عليا و لم يعرف من بعده من الاوصياء.فقال ضال.قلت فاقر بالائمة جميعا و جحد الاخر (3).قال كمن أقر بعيسى و جحد محمدا،أو أقر بمحمد و جحد عيسى نعوذ بالله من جحد حجة من حججه...» (4)روى الامام الصادق ان عليا(ع)قال اعلموا«ان الارض لا تخلو من حجة للّه عز و جل،و لكن اللّه سيعمي خلقه5.

ص: 82


1- فرق الشيعة،ص 80 و ما بعدها.
2- طبع الكتاب المذكور بطهران،1383 ه.
3- يقصد الامام الغائب.
4- النعمانى،محمد بن ابراهيم،الغيبة،ص 55.

عنها بظلمهم و جورهم،و اسرافهم على انفسهم،و لو خلت الارض ساعة واحدة من حجة لساخت باهلها و لكن الحجة يعرف الناس و لا يعرفونه كما كان يوسف يعرف الناس و له منكرون...» (1).و يروى النعمانى حديثا تنبأ فيه الامام علي بضة الحجة،و ما يحدث بعد ذلك من تغلب الاشرار على الشيعة،ثم يقول:«و فى هذا الحديث عجائب و شواهد على حقيقة ما تعتقده الامامية و تدين به و الحمد للّه» (2).

و سنورد تفصيلات عن غيبة المهدى و عن اهميتها عند الشيعة الامامية، عند كلامنا عن عقائد الامامية في الفصل الرابع من هذا الكتاب.

و يبدو ان الشيعة الامامية قبيل نهاية القرن الثالث للهجرة اصبحوا متميزين عن غيرهم من الشعة و انهم اخدوا يخطؤون الفرق الشيعية الاخرى.

قال النجاشي ان الحسن بن موسى النوبختي المبرز على نظرائه فى زمانه قبل الثلثمائة و بعدها كتب كتبا عديدة منها كتاب«الرد على فرق الشيعة ما خلا الامامية» (3)و يسمى الامامية بالاثني عشرية أيضا.قال الشريف المرتضى:«قال الشيخ-ايده اللّه-و ليس من هؤلاء الفرق التى ذكرناها فرقة موجودة فى زماننا هذا-و هو 373 ه-الا الامامية الاثنا عشرية القائلة بامامة ابي الحسن،المسمى باسم رسول اللّه القاطعة على حياته، و بقائه الى وقت قيامه بالسيف» (4)و يقول الشهرستاني في معرض كلامه عن الشيعة الاثني عشرية ان الذين قطعوا بموت موسى الكاظم و سموا قطعية«ساقوا الأمامة بعده فى اولاده.فقالوا الامام بعد موسى الكاظم ولده علي الرضا...ثم بعده محمد التقي الجواد...ثم بعده علي بن محمد النقي و مشهده بقم (5)،و بعده الحسن العسكرى الزكي.و بعدهق.

ص: 83


1- أيضا،ص 70.
2- أيضا،ص 72.
3- الرجال،ص 50.
4- الفصول المختارة،ج 2(النجف،1360)ص 111.
5- المعروف ان مشهده بسامراء العراق.

ابنه محمد القائم المنتظر...و هو الثانى عشر و هذا طريق الاثني عشرية فى زماننا هذا» (1).

و غلب على اولئك الشيعة القائلين بامامة اثني عشر اماما اخرهم القائم المنتظر،اسم الامامية و هم مدار بحثنا هنا.و ترد كلمة الامامية فى النصوص مجردة مرة،و مقرونة بكلمة شيعة مرة اخرى.فاذا عرض ابن النديم لابي النظر محمد بن مسعود يصفه بانه«من فقهاء الشيعة الامامية» (2).

و يبعت ابن النديم ابا علي بن أحمد الجنيد بانه من اكابر الشيعة الامامية (3).و يصف ابن النديم أيضا،علي بن أحمد الكوفي بانه من الامامية افضلهم (4).و يقول ابن الاثير فى حوادث سنة 464 ه و توفي فيها«فى شهر رمضان ابو يعلى محمد بن الحسين بن حمزة الجعفرى فقيه الامامية» (5)و عند ما يتكلم العلامة الحلي عن السيد المرتضى يقول«و بكتبه استفادت الامامية منذ زمانه(ر)الى زماننا و هو سنة ثلاثة و تسعين و ستمائة...» (6)و يقول الطوسي ان علي بن الحسن كان«قريب الامر الى اصحابنا الامامية القائلين بالاثني عشر...» (7).

و من الجدير بالذكر ان النعمانى و هو من الشيعة الامامية المعاصرين لغيبة الامام الثانى عشر كان يطلق مصطلح(الشيعة)مجردا و يقصد به الشيعة الامامية حصرا.و ذلك انه يصف بالمصطلح المذكور الشيعة الاثني عشرية القائلين بالغيبة و هؤلاء،كما بينا سابقا،هم الشيعة الامامية،دون غيرهم من فرق الشيعة.8.

ص: 84


1- الملل و النحل،ج 1،ص 150.
2- ابن النديم،الفهرست(القاهرة،1348)ص 275.
3- أيضا،ص 277.
4- أيضا،ص 273.
5- الكامل،ج 10(القاهرة،1290)ص 26.
6- الرجال(طهران،1311)ص 46-7.
7- الفهرست(النجف،1960)ص 118.

فالنعماني فى معرض كلامه عن امكان ربط الغيبة بزمن معين او عدمه يقول:«فان قولهم عليهم السّلام الذى يروى عنهم في الوقت انما هو على جهة التسكين للشيعة و التقريب للامر عليها اذ كانوا قد قالوا انا لا نوقت...» (1).

روى النعماني أيضا ان احدهم قال«سمعت عليا عليه السّلام يقول كاني بكم تجولون جولان الابل تبتغون مرعى و لا تجدونها يا معشر الشيعة...».و من المعلوم ان الحالة التى وصفت لا تنطبق الا على الشيعة الامامية و ذلك عند ابتلائهم بغيبة الامام الثاني عشر،و يقصد النعماني اصحابه الإمامية،بخطابه التالي،دون ان يسميهم باسمهم،و ذلك ان كلمة الشيعة الواردة فى الخطاب المذكور تنصرف اليهم.يقول النعماني و لا بد من الايقان«بما ورد عن الائمة عليهم السّلام من انه لا بد من كون هذه الغمة ثم انكشافها عند مشيئة اللّه لا مشيئة خلقه و اقتراحهم جعلنا اللّه و اياكم يا معشر الشيعة المؤمنين المتمسكين بحبله المنتهين الى امره ممن ينجو من فتنة الغيبة...» (2).

و من الواضح ان المقصود بالشيعة الواردة بالنص هم الامامية لانهم ينفردون من بين فرق الشيعة الاخرى بالابتلاء بالغيبة كما بينا سابقا.

و نلخص مما فصلناه فى هذا الفصل بالقول ان مصطلح«الامامية» لم يصبح علما لفرقة من فرق الشيعة الا بعد حصول غيبة الامام الثانى عشر من الائمة المعصومين و ان تلك الغيبة تعدّ الاساس الذى بنيت عليه فرقة الامامية.و هذا ما عناه ابن الجوزى بقوله«و الامامية قالوا لا يمكن ان تكون الدنيا بغير امام من ولد الحسين» (3).2.

ص: 85


1- الغيبة،ص 100.
2- الغيبة،ص 100-101.
3- ابن الجوزى،أبو الفرج عبد الرحمن،تلبيس ابليس(القاهرة، 1928)ص 22.

الفصل الثالث: الغلو و الغلاة و موقف الشيعة الامامية منهما

اشارة

ص: 86

سنتناول فى بحثنا عن الغلو و الغلاة الخطوط العريضة للموضوع دون الدخول بالتفصيلات،و سنخص بالتفصيل مظاهر الغلو التى تركزت حول اشخاص و سير ائمة الامامية الاثنا عشرية التى تبدأ سلسلتهم بأمير المؤمنين علي بن ابي طالب و تنتهي بالامام المهدى الحجة المنتظر.

سمي الغلاة بهذا الاسم لانهم غلوا في علي و فى طائفة من الائمة من ولده،و قالوا فيهم قولا عظيما،اخرجوهم به من حدود البشرية الى الالهية.و تجمع الاهواء الغالية على تجسد الالهية فى علي و الائمة من ولده غالبا،و فى النبي محمد(ص)و فى بعض ولد العباس و فى طائفة من عامة الناس احيانا.و لا يقتصر الامر فى هذا القول على اعتبار مشاركة اولئك السادة للكائن الاعلى فى الصفات و القوى الالهية التى ترفعهم فوق المستوى البشرى المألوف،و لكن على اعتبار ان عليا و الائمة من ولده بخاصة هم صور و اشكال يتمثل فيها الجوهر الالهي ذاته،و ان جثمانية هذا الجوهر ليست الاسوى حادث طارىء.

قال الشهرستاني في تعريفه للغالية«هؤلاء هم الذين غلوا فى حق ائمتهم حتى اخرجوهم من حدود الخليقية،و حكموا فيهم باحكام الالهية فربما شبهوا واحدا من الائمة بالاله،و ربما شبهوا الاله بالخلق» (1).

اما الاسباب التي ادت الى ظهور الغلو فهي متعددة من أهمها:

اولا-تعلق جماعات من الاقوام التي دخلت الاسلام بتقاليدها الدينية و الاجتماعية القديمة التي ورثتها من بيئآتها التي عاشت فيها قبل الاسلام.

ص: 87


1- الملل و النحل،ج 1،ص 154.

و تصح الفرضية المذكورة لا على جماعات من القبائل اليمانية التى انخرطت في سلك التشيع بشكله الغالى حسب،بل على الجماعات الايرانية الاصل التى قبلت فى الغالب التشيع بصورته الغالية خلال القرنين الاول و الثانى للهجرة.و سبق ان عرضنا فى الفصل الاول من هذا الكتاب نظرية الاستاذ وات )ttaW( التى تتلخص فى ان تلك الجماعات من اليمانية كانت قبل اعتناقها للاسلام تعتنق المسيحية على المذهب المونوفستي،الذى يقول بان للمسيح،بكونه قائدا روحيا،طبيعة لاهوتية بالاضافة الى طبيعته الناسوتية،و ان جماعات من القبائل اليمانية احتفظت بعد اعتناقها للاسلام بتقاليدها الدينية السابقة فاعتنقت التشيع الذى يحتل فيه الامام،بكونه القائد الروحي للشيعة،مركز المسيح بالنسبة للمونوفستيين.و قد اورد وات ادلة اخرى لاثبات فكرته المذكورة يجدها القارىء فى موضعها من هذا الكتاب.

اما الجماعات الايرانية الاصل التى انضمت للتشيع بشكله الغالي فقد ورثت من بيئآتها القديمة فكرة عبادة الملوك و اتصافهم بصفات الاله.و اصبح الائمة فى نظر الموالي الغلاة يحتلون المراكز الروحية التى يحتلها الملوك الايرانيون في عهد الوثنية.و سبق أن اشرنا الى أن جل الموالي الذين اعتنقوا التشيع.خلال المراحل الاولى من تاريخه هم من الغلاة.يقول فلهاوزن«و كان تحول الموالي الى شيعة غلاة حادثا ذا اهمية فى التاريخ العالمي...و شاء[المختار]القضاء على الفوارق بين المسلمين من الطبقة الاولى،و المسلمين من الطبقة الثانية،فمن يأخذ عليه ذلك،لا يكون له الحق فى ان يأخذ على الحجاج انه عمل العكس فاكد هذه الفوارق بكل قوة و اعادها الى ما كانت عليه.و الحق ان المختار خليق بالمديح لكونه كان اسبق من غيره فى ادراك ان الاحوال القائمة انذاك لا يمكن ان تبقي كما هي،اذ لم يكن الاسلام بل العنصر العربي هو الذى يعطي الحقوق المدنية

ص: 88

الكاملة فى الحكومة الدينية.و لو كان المختار قد حقق هدفه الاصلي لكان من الممكن ان يكون منقذ الدولة العربية» (1).

ثانيا-دور الظلم الذى حل بآل بيت الرسول فى دفع جماعات من المسلمين للمغالاة فى حقهم.تعرض آل البيت لمظالم قاسية اقترفها بحقهم عدد من حكام المسلمين،فكان ذلك من الدوافع لعطف جماعات كبيرة من معاصريهم على قضيتهم.و تضخم العطف المذكور مع الزمن فتحول عند البعض من الاحترام و التقدير و الاتمام بالسير الصالحة الى الغلو و الخروج بالائمة من حدود البشرية التى رسموها لانفسهم الى حدود الالهية التى ارادها لهم الغلاة من اتباعهم.

و لسنا هنا فى معرض ايراد التفصيلات عن المظالم التى حلت بآل البيت،و سنورد طائفة من الاخبار على سبيل المثال لا الحصر.عمد الامويون الى التنكيل بآل البيت و شيعتهم منذ عهد معاوية،الذى أمر بقتل حجر بن عدى و جماعته صبرا بتهمة مهلهلة لا تعدو حبه لعلي و الاخلاص لذكراه بعد موته.و لعل رسالة الحسين بن علي لمعاوية تبين طرفا مما كان الشيعة يلاقونه من عنت الحاكمين.قال الحسين يخاطب معاوية:(ثم سلطت [زيادا]على العراقيين يقطع ايدى المسلمين و ارجلهم و يسمل عيونهم، و يصلبهم على جذوع النخل...فكتبت اليه ان اقتل كل من كان على دين علي فقتلهم و مثل بهم بأمرك،و دين علي عليه السّلام و اللّه الذى كان يضرب عليه اباك و يضربك...» (2)و فى عهد يزيد خلف معاوية حدثت فاجعة كربلاء المعروفة.و وصف محمد ابن الحنفية سيرة معاوية و بنيه بقوله «الا ان اعمال بني امية اسرع فيهم من سيوف المسلمين...» (3)و عند ما1.

ص: 89


1- الخوارج و الشيعة،ص 252-3.
2- الكشي،الرجال،ص 34.
3- ابن سعد،الطبقات،ج 5(ليدن،1332)ص 71.

ولي عبد اللّه بن الزبير الحكم بمكة اساء جوار بني هاشم«و حصرهم و آذاهم و قصد لمحمد ابن الحنفية فاظهر شتمه و عيبه و امره و بني هاشم ان يلزموا شعبهم بمكة و جعل عليهم الرقباء و قال لهم فيما يقول و اللّه لتبايعن أو لاحرقنكم بالنار فخافوا على أنفسهم...» (1).

و ذات مرة كتب عمر بن عبد العزيز الى عامله في المدينة«ان اقسم فى ولد علي بن ابي طالب عشرة آلاف دينار فتعلل الوالي فكتب له عمر «اذا اتاك كتابي هذا فاقسم فى ولد علي من فاطمة(ر)عشرة آلاف دينار فطالما تخطتهم حقوقهم» (2).

و قد وردت اشارة يظهر منها ان الامويين،على لسان احد ولاتهم المعروف بالحجاج،قالوا قولة لا يبيحها لهم الشرع و لا العقل،و هى انهم فضلوا الخلافة على النبوة.روى المسعودى خبرا رفعه الى الربيع بن خالد قال«سمعت الحجاج يخطب على المنبر و هو يقول:أخليفة احدكم في اهله اكرم عليه أم رسوله فى حاجته؟فقلت:اللّه عليّ ان لا اصلي خلفك ابدا،و لئن رأيت قوما يجاهدونك لاقاتلنك معهم...» (3)فاذا صح هذا الخبر فانه يصلح لان يحتل القمة بين اعمال بني امية التى هى اسرع فيهم من سيوف المسلمين،على حد قول محمد ابن الحنفية،الذى اوردناه قبل قليل.و اذا علمنا ان سيرة علي و آله،و خاصة أئمة الشيعة الامامية الذين هم مدار بحثنا هنا،كانت على النقيض من سيرة حكام بني أمية من حيث التقوى و الانقطاع عن مباهج الحياة الدنيا،نقدر أثر هاتين السيرتين فى تنفير الناس من بني امية من جهة و ميلهم لآل البيت من جهة7.

ص: 90


1- أيضا،ج 5،ص 74.
2- المسعودى،مروج الذهب،ج 3،ص 121.
3- أيضا،ج 3،ص 87.

اخرى.و عند ما تقاعس الغلاة من رفع آل البيت الى سدة الحكم فى الدنيا زفعوهم الى مصاف الالهة دون رضاهم.

ثالثا-تقاعس الكوفيين عن نصرة علي و آله في حياتهم دفعهم الى الغلوبهم فى مماتهم:

كانت الحرب بين علي و معاوية،كما اشرنا فى الفصل الاول من هذا الكتاب،عبارة عن حرب بين القيم و المبادىء الاسلامية ممثلة فى علي، و القيم القبلية و الطبقية ممثلة في معاوية.و قد لاقت قيم معاوية و مبادؤه رواجا بين ابناء ذلك العصر فانفضوا عن علي و نصروا معاوية كما هو معروف و قد لاح للعراقيين بعد ان عضتهم الخطوب،و اثقلتهم ضرائب بني أمية انهم اخطأوا فى تقاعهم عن نصرة علي و بنيه.يقول الوردى اندفعت«جماهير الناس مع رؤسائهم نحو جانب معاوية و تركوا عليا وراءهم،و هم يظنون ان الامر بسيط لا يعدو كونه اختلافا بين زعيمين يدينان بدين واحد...

ثم تبين لهم بعد مرور الزمن ان الامر اعمق من هذا حيث رأوا ان سياسة علي كانت انفع لهم فى المدى البعيد،و ان سياسة معاوية كانت براقة مغرية فى الظاهر و لكنها تحتوى فى باطنها على سم زعاف لهم» (1).

و قد اخذ حب الكوفيين لآل البيت يزداد مع الزمن،و مع تراكم عوامل الندم،و اشتداد ضغط الحكام حتى تحول عند بعضهم الى الغلو الذى رفع الائمة من مصاف البشر الى الالهية.و قد تبين ذلك الاتجاه الى خصم من خصوم الشيعة معاصر للغلو و الغلاة و هو هشام بن عبد الملك الاموى، فكتب الى يوسف بن عمرو و اليه على العراق:«اما بعد فقد علمت بحال اهل9.

ص: 91


1- الوردى،علي،مهزلة العقل البشرى(بغداد،1955) ص 79.

الكوفة فى حبهم اهل هذا البيت و وضعهم اياهم فى غير.مواضعهم لانهم افترضوا على انفسهم طاعتهم و وظفوا عليهم شرائع دينهم و نحلوهم علم ما هو كائن» (1).

و ظهر لجماعة من الزنادقة ان الناس فتنوا فى الامام الصادق فى حياته.

روى المفيد ان الامام الصادق كان يفتي الناس فى المسجد الحرام، فلما رآه جماعة من الزنادقة قالوا لزميل لهم اسمه عبد الكريم بن ابي العوجاء المقتول:155 ه«هل لك فى تغليط هذا الجالس و سؤاله عما يفضحه عند هؤلاء المحيطين به فقد ترى فتنة الناس به و هو علامة زمانه...» (2).

السباية:

أما بداية الغلو في الائمة العلويين فقد عزيت الى عبد اللّه بن سبأ رئيس الفرقة المعروفة بالسبائية (3)و قد اختلف فى أصل عبد اللّه بن سبأ و فى كونه شخصية حقيقية أم خيالية،و فى غير ذلك من أمور سنأتي على ذكرها فى ما يلي من الصفحات.

فابن سبأ كان يهوديا فاسلم و والى عليا. (4)و يروى الطبرى ان عبد اللّه بن سبأ كان«يهوديا من اهل صنعاء أمه سوداء» (5).و تبين

ص: 92


1- الطبرى،التاريخ،ج 5 ص 488.
2- الارشاد(طهران،1377)ص 263.
3- النوبختى،فرق الشيعة،ص 19.
4- أيضا،ص 20.
5- التاريخ 3:459،محمد بن يحيى،التمهيد و البيان فى مقتل الشهيد عثمان(بيروت،1961)ص 55.

لهوتسما ان المؤرخين المسلمين اطلقوا على عبد اللّه بن سبأ لقب ابن السوداء نسبة لأمه،و انه كان يهوديا من صنعاء (1).

اما سعد الاشعرى فانه،رغم اشارته الى يهودية ابن سبأ نقلا عن جماعة من العلماء،يتبنى عروبة ابن سبأ و اصله اليماني بقوله«و هو عبد اللّه بن وهب الراسبي الهمداني»ثم يجعل له مساعدين فى رئاسة السبائية و هما«عبد اللّه بن حرس و ابن اسود» (2).فسعد الاشعرى ربما يكون أول من اثار الشك فى يهودية ابن سبأ و ذلك باثبات اصله العربي.

و اعتقد ان لشكه المذكور نتائج مهمة اذ انه يؤدى الى فقدان هدف من اهداف مروجي قصة ابن سبأ و هو زعمهم ان اصل التشيع من اليهودية على اعتبار ان اول من قال بوصية النبي لعلي هو عبد اللّه بن سبأ اليهودى الاصل.

اما زمان ظهور الاراء السبائية و مكانها ففيهما اختلاف.يقول النوبختي«فلما قل علي(ع)افترقت التى ثبتت على امامته...فصاروا فرقا ثلاثا:فرقة منهم قالت ان عليا لم يقتل و لم يمت...»و هي«اول من قال منها بالغلو و هذه الفرقة تسمى السبأية اصحاب«عبد اللّه بن سبأ»...»و يبدو من الرواية السابقة ان زمن ظهور السبأية كان بعد مقتل علي.

اما مكان الفرقة المذكورة فهو العراق لان عليا،كما تقول الرواية نفسها نفى ابن سبأ من الكوفة الى المدائن (3).

اما الطبرى،و هو المصدر الرئيس لقصة ابن سبأ،فيورد روايتين فيما يتعلق بزمن ظهور ابن السوداء قال فى الرواية الاولى انه ظهر بعد أن9.

ص: 93


1- . .92,P,I,malslfo.ycnE,''a'baS nbI،،,hT.M,amstuoH
2- المقالات و الفرق،ص 20.
3- فرق الشيعة،ص 19.

اسلم فى زمن عثمان دون ان يحدد تاريخا معينا (1)و يقول الطبرى فى الرواية الثانية ان عبد اللّه بن عامر والي البصرة علم،بعد مضي ثلاث سنين من امارته،بوجود رجل اسمه حكيم بن جيلة كان يسكن البصرة و يترأس عصابة من اللصوص كانت تغير فى المناسبات على اطراف بلاد فارس فكتب فى امره الى عثمان فامر الخليفة بحجزه و جماعته فى البصرة«فكان [حكيم بن جبلة]لا يستطيع ان يخرج منها فلما قدم ابن السوداء نزل عليه و اجتمع اليه نفر...» (2).

و لما كانت ولاية ابن عامر على البصرة فى سنة 29 ه (3)،و انه حبس حكيم بن جبلة رئيس اللصوص بعد ثلاث سنين من بدايتها،يكون قدوم ابن السوداء للبصرة بين 32-33 ه.

و يظهر من رواية الطبرى السابقة انها تحدد وقتا لظهور السبائية اسبق من رواية الأشعرى التى اوردناها فى اعلاه،فهي تجعل ظهورهم فى السنوات الاخيرة من حكم عثمان بينما الأشعرى يجعل ذلك الظهور بعد مقتل علي.و سنرى فيما بعد ان تحديد هذا التاريخ كان مهما في نظر من اقحموا قصة ابن سبأ فى النزاع بين عثمان و بين من ثار عليه من المسلمين لانهم ارادوا ان يظهروا ان خروج ابن سبأ كان فى السنوات الست الاخيرة من حكم عثمان و هى السنوات التي قويت فيها المعارضة و عدها المؤرخون فترة المخالفات التي ارتكبها عثمان.

اما المكان او الامكنة التى ظهر فيها ابن سبأ و جماعته فهى،كما وردت عند رواة قصة ابن سبأ الحجاز و البصرة و الكوفة و الشام ثم مصر.0.

ص: 94


1- التاريخ،378/3-9.
2- أيضا،3:368.
3- أيضا 3:320.

قال الطبرى اسلم ابن سبأ زمن عثمان«ثم تنقل فى بلاد المسلمين يحاول ضلالتهم فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشام فلم يقدر على ما يريد عند احد من أهل الشام فاخرجوه حتى اتى مصر فاعتمر فيهم...» (1)

و يؤيد محمد بن يحيى رواية الطبرى السابقة مع تغييرات طفيفة،مما يدل على انه اتخذ الطبرى مصدرا له،و يبدو ان محمد بن يحيى وصل الى النتيجة التي وصلها الطبرى و هى ان ابن السوداء جاز من الشام الى مصر «فكثر اصحابه فيها،و كاتب اخوانه من اهل الامصار و مد لهم فى غيهم، فهو اول من بث دعاة فى الناس يدعون الى الخروج» (2).

و نود ان نشير هنا الى ان قول واضعي قصة السبائية بأن ابن سبأ فشل فى الشام،بينما نجح فى مصر لا يخلو من هدف خفي.و ذلك انهم ارادوا أن يعزوا ثورة مصر على عثمان الى نجاح دعوة ابن سبأ فيها،بينما كان هدوء الشام ناتجا عن فشل تلك الدعاوة.

و بعد ما قدمنا نطرح السؤال التالي و هو:هل كان ابن سبأ موجودا في الواقع أم ان شخصيته خيالية؟

يبدو ان ابن سبأ كان شخصية الى الخيال اقرب منها الى الحقيقة و ان دوره،ان كان له دور،قد بولغ فيه الى درجة كبيرة لأسباب دينية و سياسية.و الأدلة على ضعف قصة ابن السوداء كثيرة منها،اولا-لم ترد قصة ابن سبأ فى المصادر المهمة التى روت حوادث خلافة عثمان و قضية مقتله امثال طبقات ابن سعد و انساب الاشراف للبلاذرى.و كان الطبرى المصدر الرئيس الذى أورد تلك القصة بتفصيلاتها و قد تتبع السيد مرتضى العسكرى قصة ابن سبأ فوجد ان المصادر التى روتها و التى كتبت بعد تاريخ الطبرى كلها اتخذت الطبرى مصدرا لها.و عند الرجوع الى الطبرى نجد5.

ص: 95


1- التاريخ،3:378-9.
2- التمهيد،ص 55.

ان مصدره فى تلك القصة سيف بن عمر البرجمي(ت:170 ه).و قد اورد السيد العسكرى تفصيلات وافية عن دور سيف فى تزوير التاريخ و اختلاق الحوادث.و قد اوصل العسكرى بحثه الى ان الرواة قالوا ان سيف«يروى عن خلق كثير من المجهولين.ضعيف الحديث ليس بشيىء متروك يضع الحديث.و هو فى الرواية ساقط.يروى الموضوعات عن الثقاة.عامة حديثه منكره متهم بالوضع و الزندقة» (1).

اما بروكلمان فيقول كان سيف«يحرف الاحاديث و الاحداث، يعظم بعضا و يحقر بعضا،و لكنه كان يحسن الوصف و البيان،فاغتر الطبري بذلك و اختار كتبه مصدرا أصيلا في تاريخه لما روى من الوقائع في أوائل الاسلام،و تبع الطبرى المتأخرون،و فلهاوزن هو الآخر لم يعد سيفا من بين المؤرخين الثقاة» (2).

ثانيا-لو عرضنا القصة للنقد الداخلي لوجدناها حافلة بالتناقض و المبالغة خاصة فيما يخص تاريخ الحوادث التى احتوتها القصة و صعوبة امكان نسبة كثير من الآراء التي بشر بها ابن سبأ اليه.

فتاريخ ظهور السبائية هو عند الاشعري و النوبختي بعد مقتل علي، كما أسلفنا،بينما هو عند الطبري و عند من جعله مصدرا له من المؤرخين المتأخرين عنه،الفترة الاخيرة من حكم عثمان.فالطبري،و هو المصدر الرئيس لقصة ابن سبأ،يحدد الفترة الواقعة بين سنة 32-33 ه بداية لظهور ابن سبأ.و روى الطبري ان ابن سبأ كان في البصرة في ذلك التاريخ ثم انتقل الى الكوفة،و منها الى الشام و هناك لاقى أبا ذر و تباحث معه حول قضية المال و هل هو مال اللّه أو مال المسلمين.و يترتب على ذلك ان ابن7.

ص: 96


1- عبد اللّه بن سبا(النجف،1956)ص 17،و خمسون و مائة صحابى مختلق(بيروت،1968)ص 11 و ما بعدها.
2- تاريخ الادب العربي،ج 3(القاهرة،1962)ص 37.

سبأ كان في الشام في حدود سنة 33 ه لان تنقله من البصرة الى الكوفة ثم الشام يتطلب نصف سنة على الاقل.و عند الرجوع الى الطبري نجد ان المناظرة التي جرت بين معاوية و ابي ذر حول قضايا المال كانت في سنة 30 ه قال الطبري«لما ورد ابن السوداء الشام لقي أبا ذر فقال يا أبا ذر الا تعجب الى معاوية يقول المال مال اللّه ألا أن كل شىء لله كأنه يريد أن يحتجنه دون المسلمين و يمحو اسم المسلمين،فأتاه أبو ذر فقال ما يدعوك الى أن تسمي مال المسلمين مال اللّه...» (1).

و بعد المناظرة المذكورة كتب معاوية الى عثمان في أمر ابي ذر و اخبره أنه يثير الفتنة عليه،فطلب الخليفة من معاوية أن يبعث بأبي ذر الى المدينة «فبعث[معاوية]بأبي ذر و معه دليل» (2)و لما وصل أبو ذر المدينة قابل عثمان في السنة نفسها و جرى بينهما نقاش حول المال،و انتهى الى نفي أبي ذر الى منطقة تعرف بالربذة حيث توفي هناك سنة 31 أو 32 ه (3)و من هذا يظهر ان الجدل حصل بين أبي ذر و معاوية في سنة 30 للهجرة و ان ابا ذر أعيد للمدينة في السنة نفسها،ثم مالبث أن توفي في سنة 31 أو 32 ه كما أسلفنا.كل هذه الحوادث حصلت قبل التاريخ الذي حدده واضعو قصة ابن سبأ لظهوره و هو سنة 33 ه.فكيف يصح أن نقر مقابلة أبي ذر لابن سبأ في الشام سنة 30 ه مع أن ابن سبأ لم يظهر بعد،و ان ظهوره ان صح،كان بعد وفاة أبي ذر و لعل في هذا دليل على أن ابن سبأ لم يكن شخصية تاريخية و ان أبا ذر لم يلقه في أي وقت من الاوقات.

يقول الدكتور الوردي في معرض كلامه عن شخصية ابن سبأ«و يبدو3.

ص: 97


1- التاريخ،3:335.
2- أيضا،ج 3،ص 336.
3- القمى،عباس،الكنى و الالقاب،ج 1(النجف،1596) ص 73.

أن هذه الشخصية العجيبة اخترعت اختراعا و قد اخترعها اولئك الاغنياء الذين كانت الثورة موجهة ضدهم» (1).

و يرى الوردي ان ابن سبأ هو عمار،و يرى أن من غرائب التاريخ أن نرى كثيرا من الامور التي تنسب الى ابن سبأ موجودة في سيرة عمار ابن ياسر على وجه من الوجوه.و يسوق أدلة على ذلك منها:-

1-ان ابن سبأ كان يكنى بأبن السوداء و مثله في ذلك عمار.

2-كان عمار من أب يماني،و معنى هذا انه كان من أبناء سبأ، فكل يمان يصح أن يقال عنه انه ابن سبأ.

3-و عمار فوق ذلك كان شديد الحب لعلي بن ابي طالب يدعو له و يحرض الناس على بيعته في كل سبيل.

4-و قد ذهب عمار في أيام عثمان الى مصر و اخذ يحرض الناس ثمة على عثمان.فضج الوالي منه و هم بالبطش به.

5-و ينسب الى ابن سبأ قوله أن عثمان أخذ الخلافة بغير حق و ان صاحبها الشرعي هو علي بن أبي طالب.

6-و 7-قضايا تتعلق بدور عمار في حرب الجمل و في علاقته مع أبي ذر.

و يستخلص الوردي ان ابن سبأ لم يكن سوى عمار بن ياسر.فقد كانت قريش تعتبر عمارا رأس الثورة على عثمان،و لكنها لم تشأ في أول الامر أن تصرح بأسمه فرمزت عنه بابن سبأ أو ابن السوداء،و تناقل الرواة هذا الرمز غافلين و هم لا يعرفون ما ذا كان يجري وراء الستار (2).8.

ص: 98


1- الوردى علي،وعاظ السلاطين(بغداد،1954)ص 151.
2- أيضا،ص 274-8.

و قد قبل الدكتور الشيبي الرأى السابق،ثم حاول تعزيزه بأيراد نصوص تثبت القضايا التي وردت في محتوياته (1).

الآراء المنسوبة لعبد اللّه بن سبأ:

يبدو ان رواة قصة ابن سبأ وضعوا على لسان بطل قصتهم اراء ذات أهمية بالغة منها:

أولا-الرجعة:روى الطبري ان ابن سبأ قال«لهم[أهل مصر] فيما يقول لعجب ممن يزعم ان عيسى يرجع و يكذب بأن محمدا يرجع.

و قد قال اللّه عز و جل (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) فمحمد أحق بالرجوع من عيسى.قال فقيل ذلك عنه و وضع لهم الرجعة فتكلموا فيها».

ثانيا-الوصاية:قال ابن سبأ لمريديه،كما يروى الطبرى«انه كان ألف نبي و لكل نبي وصي،و كان علي وصي محمد،ثم قال محمد خاتم الانبياء و علي خاتم الاوصياء،ثم قال بعد ذلك من اظلم ممن لم يجز وصية رسول اللّه(ص)و وثب على وصي رسول اللّه(ص)و تناول أمر الامة.ثم قال لهم بعد ذلك ان عثمان أخذها بغير حق و هذا وصي رسول اللّه(ص) فأنهضوا في هذا الامر فحر كوه و ابدوا بالطعن على امرائكم و اظهروا ألامر بالمعروف و النهى عن المنكر تستميلوا الناس و ادعوهم الى هذا الامر فبث دعاته...» (2).

ثالثا-القول بأن المال مال المسلمين لا مال اللّه.روى محمد بن يحيى خبرا رفعه الى سيف بن عمر ان ابن السوداء لما ورد الشام لقي أبا ذر فقال:«يا أبا ذر ألا تعجب الى معاوية يقول:المال مال اللّه عز و جل،9.

ص: 99


1- الشيبي،كامل،الصلة بين التصوف و التشيع،ج 1 ص 36-40.
2- التاريخ،3:378-9.

ألا كل شىء لله كأنه يريد أن يحتجنه دون المسلمين،و يمحو اسم المسلمين؟ فأتاه أبو ذر فقال:ما يدعوك الى أن تسمي مال المسلمين مال اللّه،فقال معاوية:يرحمك اللّه يا أبا ذر أ لسنا عباد اللّه،و المال ماله و الخلق خلقه، و الامر أمره،قال:فلا تقله.قال:فاني لا أقوله أنه ليس لله،و لكن سأقول مال المسلمين و أنوي.و اتى ابن السوداء أبا الدرداء فقال له مثل ذلك، فقال له:من أنت؟أضنك و اللّه يهوديا.فأتى عبادة بن الصامت فتعلق به فأتى به معاوية،فقال هذا:و اللّه الذي بعث عليك أبا ذر.و قام أبو ذر بالشام،و جعل يقول يا معشر الاغنياء،و اسوا الفقراء،بشر الذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل اللّه بمكاو من نار...فما زال حتى ولع الفقراء بمثل ذلك،و أوجبوه على الاغنياء،و حتى شكا الاغنياء ما يلقون من الناس» (1)

رابعا-نسبة الالهية الى علي.يقول الرازي ان السبائية هم أتباع عبد اللّه بن سبأ.«و كان[عبد اللّه بن سبأ]يزعم ان عليا هو اللّه تعالى.

و قد أجرق علي(ر)منهم جماعة...» (2).

و لابن السوداء آراء اخرى ذات صلة بالنقد الذي وجه للخليفة عثمان و الى ولاته.«و الى ابن السوداء»يقول طه حسين«يضيف كثير من الناس كل ما ظهر من الفساد و الاختلاف في البلاد الاسلامية أيام عثمان» (3).

أما القول بالرجعة الذي نسب الى ابن سبأ فهو يختلف عن الرجعة التي تحصل بعد ظهور المهدي،و التي أصبحت من ضروريات مذهب9.

ص: 100


1- التمهيد،ص 74-5،و الطبرى،3:335.
2- الرازى،فخر الدين،اعتقادات فرق المسلمين و المشركين (القاهرة،1938)ص 72.
3- الفتنة الكبرى،ج 1(القاهرة،1947)ص 128-9.

الامامية.و سنشير الى ذلك عند كلامنا عن عقائد الامامية في فصل لاحق.

و يطلق ابن الجوزي على الغلاة القائلين برجعة من نوع الرجعة المنسوبة لابن سبأ اسم«الرجعية»و يعدها فرقة متميزة عن الامامية.و يقول انهم «زعموا أن عليا و اصحابه يرجعون الى الدنيا و ينتقمون من اعدائهم» (1).

و يبدو ان واضعي قصة ابن سبأ استهدفوا من نسبتهم القول بالرجعة الى ابن سبأ تشويه فكرة الرجعة عند الشيعة الامامية.تلك الفكرة التي تختلف في مضمونها،كما سنبين في حينه،عن مفهوم الغلاة للرجعة.

أما القضية الثانية التي نسبت الى ابن سبأ فهي القول بوصية النبي لعلي.و يعلم واضعو قصة ابن سبأ أن الشيعة يقولون بفكرة الوصاية.

و لكن الشيعة يرون ان اللّه أمر نبيه محمدا أن ينص على علي بالوصية.

و نص النبي على ذلك في يوم الغدير بحضور سبعين أو ثمانين ألفا من المسلمين.و يرى الحلي ان حديث الوصية لم يرد بكتب الشيعة فقط بل أورده أحمد بن حنبل في مسنده بطرق ثمانية،و أورده ابن عبد ربه في العقد الفريد،و أورده مسلم في الصحيح (2).بينما أراد واضعو قصة ابن سبأ أن يجعلوا مصدر وصاية النبي لعلي يهوديا طارئا على الاسلام هو ابن السوداء و ليس النبي و بأمر من اللّه.و لا يخفى ما في هذه القضية من التشويه و النكاية بالشيعة و هو،على ما أعتقد،ما قصده واضعو قصة ابن سبأ.

أما فيما يتعلق بالزعم القائل بأن ابن سبأ و جماعته نسبوا الالهية الى علي فيبدو أن الغلو بالامامة عند السبائية تطور مع الزمن فتحول الى القول بالالهية.يقول سعد الاشعري بعد أن يشرح عقيدة السبائية بالغلو في علي9.

ص: 101


1- تلبيسى ابليس،ص 22.
2- الحلي،الحسن بن يوسف،اثبات الوصية(النجف لا. ت)ص 19.

«و قالوا بعد ذلك في علي أنه اله العالمين...» (1)أما الرازي فيجعل القول بالهية علي عقيدة أساسية لدى السبائية و نص بصراحة على أن ابن سبأ«يزعم أن عليا هو اللّه تعالى» (2).و بمرور الزمن اصبح ابن سبأ لم يقل بالهية علي حسب بل يزعم أنه هو نبيه.يقول العلامة الحلي:

«عبد اللّه بن سبأ...غال ملعون حرقه أمير المؤمنين عليه السّلام بالنار، كان يزعم أن عليا عليه السّلام اله و انه نبي لعنه اللّه» (3).و هكذا جعلوا ابن سبأ ينتقل مع الزمن،من القول بالغلو بأمامة علي الى القول بألهيته و ينتهي الى الادعاء بالنبوة.و لعل التنقل المذكور،و تراكم الاضافات على محتوى القصة يقوم دليلا على ضعفها و على اختلاق الاقوال المنسوبة لابن سبأ فيها.و يقول هوتسما ان افكار ابن سبأ لم تبق على ما أرادها واضعوها الاوائل بل تطورت.و يضيف قائلا:«يصعب جدا أن نقرر القضايا التي قالها ابن سبأ و تلك التي قالها خلفاؤه» (4).

و هكذا أراد واضعو قصة ابن سبأ أن ينالوا من مركز الامام علي بأتخاذ ابن سبأ له بمثابة الاله،و سبق لهم أن شكوا في وصية الرسول له حين نسبرها لابن السوداء.و بعد أن فرغوا من الدس على علي تناولوا بالتشهير زعماء شيعته أمثال أبي ذر و عمار و الاشتر و غيرهم.

و قد ركز واضعو قصة ابن سبأ على نزاع ابي ذر مع عثمان حول قضية المال و هل هو مال اللّه أم مال المسلمين أو بعبارة اخرى هل أن الخليفة مطلق بالتصرف بأموال الدولة أم أنه خاضع لرقابة المسلمين و لا يحق لهpO

ص: 102


1- المقالات و الفرق،ص 21.
2- اعتقادات،ص 72.
3- الحلي،الحسن بن يوسف،الرجال(طهران،1312) ص 114.
4- .92.P,I,tic.pO

التصرف بأموالهم دون مراعاة مصلحتهم.و النزاع المذكور في واقعه حصل بين الخليفة عثمان و ابي ذر في المدينة قبل فترة من نفي أبي ذر الى الشام حيث رتب اللقاء المزعوم بينه و بين ابن سبأ و لا علاقة لابن سبأ في تلقين أبي ذر لآرائه في انفاق المال العام و في واجب الاغنياء نحو الفقراء.

و ذات يوم في مجلس ضم عثمان و أبا ذر و كعب الاحبار الذي كان يهوديا فأسلم،قال عثمان«أ رأيتم من زكى ماله هل فيه حق لغيره؟فقال كعب:لا يا أمير المؤمنين،فدفع أبو ذر في صدر كعب،و قال له:كذبت يا ابن اليهودي،ثم تلا«ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب» فقال عثمان:أ ترون بأسا أن نأخذ مالا من بيت مال المسلمين فننفقه فيما ينوبنا من أمورنا و نعطيكموه؟فقال كعب لا بأس بذلك،فرفع أبو ذر عصاه فدفع بها في صدر كعب،و قال:يا ابن اليهودي ما أجرأك على القول في ديننا فقال له عثمان:ما أكثر اذاك لي!غيب وجهك عني فقد آذيتني، فخرج أبو ذر الى الشام،فكتب معاوية الى عثمان:ان أبا ذر تجتمع اليه الجموع،و لا آمن أن يفسدهم عليك،فأن كان لك في القوم حاجة فاحمله اليك.فكتب اليه عثمان بحمله فحمله على بعير...» (1).

و نود أن ننبه القاري الى ما يأتي:

أولا-مصدر آراء ابي ذر في المال.يظهر ان أبا ذر لم يتأثر بشخص أو أشخاص معينين عند ما أعلن رأيه بالمال العام و الخاص،و انه اقتبس ذلك الرأي من بيئة المدينة و من تعاليم الاسلام.لذلك نجده يغضب على ابن اليهودي كعب عند ما أراد التدخل في تلك القضية التي تقصر معرفته بها، في نظر أبي ذر،عن معرفته هو في حين نجد عند واضعي القصة ان ابن سبأ،أثناء مقابلته في الشام لابي ذر علمه آراءه في المال العام و الخاص (2).5.

ص: 103


1- المسعودي،مروج الذهب،ج 2،ص 228.
2- الطبرى،3:335.

ثانيا-مكان الحوار و الاشخاص المشتركون فيه.يبدو من نص المسعودي الذى أوردناه في اعلاه،ان الحوار جرى بين عثمان و ابي ذر في المدينة.بينما جعل واضعو قصة السبائية ذلك الحوار يجرى لاول مرة بين معاوية و ابي ذر في الشام لا في المدينة.

ثالثا-زمان الحوار:كان الزمان عند واضعي القصة سنة 30 ه (1)أي بعد وصول أبي ذر الى الشام،بينما جرى الحوار المذكور،كما يبدو من نص المسعودي أيضا،قبل سفر أبي ذر للشام أى قبل سنة 30 ه.

و لا يخفى على القارىء أن جميع الجهود التي بذلها واضعو قصة ابن سبأ في تزييف الحوادث المذكورة كانت ترمي الى هدف مهم في نظرهم و هو رغبتهم في أن يثبتوا أن تصرف عثمان و ولاته في الاموال كان سليما، و ان أبا ذر في نقده لذلك التصرف كان مغررا به من قبل ابن سبأ اليهودي الاصل.

و من الجدير بالذكر ان آراء أبي ذر المالية كانت معقدة و تناولت الشك بحق الخليفة في أن يتصرف ببيت المال كما يريد دون أخذ مصلحة المسلمين بنظر الاعتبار،كما تناولت واجب الاغنياء في مواساة الفقراء بغض النظر عن دفعهم الضرائب المفروضة كالزكاة مثلا.قال البلاذري«لما أعطى عثمان مروان بن الحكم ما أعطاه،و اعطى الحارث بن الحكم ثلاث مائة ألف درهم،و اعطى زيد بن ثابت...مائة ألف درهم و جعل أبو ذر يقول:بشر الكانزين بعذاب أليم...»و لما طلب عثمان من أبي ذر أن ينتهي قال:«فو اللّه لارضى اللّه بسخط عثمان احب الي و خير لي من أن اسخط اللّه برضاه فأغضب عثمان ذلك و احفظه...» (2).قال المسعودي2.

ص: 104


1- أيضا،3:335.
2- البلاذرى،انساب الاشراف،ج 5،ص 52.

كان أبو ذر بحضرة عثمان حين«أتي بتركة عبد الرحمن بن عوف الزهري من المال،فنضت البدر حتى حالت بين عثمان و بين الرجل القائم،فقال عثمان:اني لارجو لعبد الرحمن خيرا،لانه كان يتصدق،و يقرىء الضيف و ترك ما ترون،فقال كعب الاحبار:صدقت يا أمير المؤمنين،فشال أبو ذر العصا فضرب بها رأس كعب....و قال يا ابن اليهودي تقول لرجل مات و ترك هذا المال:ان اللّه اعطاه خير الدنيا و الآخرة،و تقطع على اللّه بذلك و انا سمعت رسول اللّه(ص)يقول:«ما يسرني ان أموت وادع ما يزل قيراطا»فقال له عثمان:و ارعني وجهك...» (1).

و اذا علمنا ان كعب الاحبار الذي عاب عليه ابو ذر تدخله في النقاش بينه و بين الخليفة حول قضايا المال العام و الخاص،كان ذا قدم راسخة في الاسلام،و انه صحب النبي(ص).تظهر لنا صعوبة قبول ابي أبي ذر لتلقين ابن سبأ الذي لم يكن ابن يهودين مثل كعب الاحبار حسب،بل هو طارىء في الاسلام اسلم في أواخر أيام عثمان كما يقول ابطال قصته.

أما عمار بن ياسر فقد أراد واضعو قصة ابن سبأ أن يشوهوا معارضته لعثمان و يجعلوها ناتجة عن وقوعه تحت تأثير ابن سبأ.قال الطبري ان عثمان بعد أن سمع فيما أثاره ابن سبأ من التشويش في الامصار ارسل رجالا ممن يثق بهم الى الامصار فأرسل محمد بن مسلمة الى الكوفة، و اسامة بن زيد الى البصرة،و عمار بن ياسر الى مصر،و عبد اللّه بن عمر الى الشام.فرجعوا جميعا قبل عمار و قالوا:«أيها الناس ما أنكرنا شيئا و لا أنكره اعلام المسلمين و لا عوامهم...»و استبطأ الناس عمارا حتى ظنوا أنه اغتيل فلم يفجأهم الا كتاب من والي عثمان على مصر ابن أبي سرح يخبرهم ان عمارا قد استماله قوم بمصر و قد انقطعوا اليه منهم عبد اللّه ابن9.

ص: 105


1- المسعودى،مروج الذهب،ج 2،ص 228-9.

السوداء (1).و أراد واضعو القصة أن يورطوا عمار بن ياسر في الوقوع تحت تأثير ابن سبأ كما وقع أبو ذر و غيره من قبل.و لو رجعنا الى المصادر لوجدنا أن معارضة عمار لعثمان تعود الى بداية تولي الاخير للخلافة.

خطب عمار بعد بيعة عثمان في المسجد فقال:«يا معشر قريش،أما أن صرفتم هذا الامر عن أهل بيت نبيكم ههنا مرة و ههنا مرة فما انا بآمن من أن ينزعه اللّه فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله و وضعتموه في غير أهله...» (2).و ذات مرة أخذ عثمان مالا من بيت المال بالمدينة بسفط فيه حلي و جوهر فأخذ منه عثمان ما حلى به أهله فأظهر الناس الطعن عليه..

فقال لنأخذ حاجتنا من هذا الفيء و ان رغمت أنوف أقوام فقال له علي اذا تمنع من ذلك و يحال بينك و بينه.و قال عمار بن ياسر اشهد اللّه ان أنفي أول راغم من ذلك فقال عثمان أعلي يا ابن المتكأ تجتريء؟خذوه.فأخذ و دخل عثمان فدعا به فضربه حتى غشي عليه...» (3).و يبدو ان معارضة عمار لعثمان كانت مستمرة و عنيفة نال من أجلها عمار الضرب و حاقت به الفتن.و قد أثارت شدة عثمان تجاه عمار غضب بني مخزوم حلفاء عمار فأنحرفوا عن عثمان من أجل ذلك (4).

و نود أن نشير هنا الى ما يأتي:

أولا-ان رواية سيف بن عمر في الطبري التي تبناها واضعو قصة ابن سبأ اظهرت على لسان اعضاء بعثة عثمان للامصار،خلا عمار الذى وقع بمصر في شراك ابن سبأ،ان الامور في الامصار التي زاروها كانت جارية على ما يرام و ان المسلمين خواصهم و عوامهم لم ينكروا شيئا من سيرة عثمان.7.

ص: 106


1- الطبرى،3:379.
2- المسعودى،مروج،ج 2،ص 231.
3- انساب الاشراف،5:48.
4- المسعودى،مروج ج 2،ص 227.

ثانيا-استثنى واضعو القصة مصر من بقية الاقطار و جعلوا الناس فيها متذمرين من سيرة عثمان لا بسبب انحراف تلك السيرة و لكن بسبب نجاح دعاوة ابن سبأ فيها بمعاونة عمار،رسول الخليفة الى مصر،الذي انجرف هو الآخر بأباطيل ابن سبأ اليهودي الاصل.

ثالثا-لو رجعنا الى الروايات التاريخية التي سلمت من تأثير واضعي قصة ابن سبأ لظهر لنا ان التذمر من سياسة عثمان في آخر فترة من خلافته كان شاملا للامصار الاسلامية كافة ماعدا الشام لنجاح سياسة معاوية فيها.

و لعل في ذلك دليلا على بطلان قصة ابن سبا،و ان أبا ذر و عمارا و عليا كانوا ضحايا بريئة من التهم التي ألصقها بهم ابطال قصة ابن السوداء.

و اليك فيما يلي نماذج من تلك الروايات:

روى البلاذري أن الوليد بن عقبة والي الكوفة في عهد عثمان استلف من بيت المال مبلغا من المال.و عند ما طلب اليه الخازن عبد اللّه بن مسعود أن يرجع المال ماطله و امتنع عليه.ثم كتب الوليد الى عثمان يعلمه في امعان ابن مسعود في مطالبته«فكتب عثمان الى عبد اللّه بن مسعود انما أنت خازن لنا فلا تعرض للوليد فيما اخذ من المال.فطرح ابن مسعود المفاتيح و قال كنت أظن اني خازن للمسلمين فأما اذ كنت خازنا لكم فلا حاجة لي في ذلك» (1)و تعقدت القضية بعد ذلك بين الخليفة و ابن مسعود و استدعي ابن مسعود للمدينة و عاقبه الخليفة بالضرب حتى كسر ضلعه (2).

و يبدو أن عثمان كان يسير على خطة مقصودة في تولية اقربائه على الامصار رغم انهم اقل كفاءة أحيانا و اضعف ايمانا،في نظر معاصريهم،من الولاة الذين حلوا محلهم و قد وضح الخطة المذكورة الوليد بن عقبة في محاورة له مع سعد بن أبي وقاص حين حل محله في ولاية الكوفة.قال6.

ص: 107


1- انساب الاشراف،ج 2،ص 31.
2- أيضا،ج 2،ص 36.

البلاذري جاء الوليد واليا على الكوفة محل سعد بن أبي وقاص«فلما دخل الكوفة قال له سعد:ما أدري أحمقت بعدك.قال ما حمقت بعدى و لا كست بعدك،و لكن القوم ملكوا فاستأثروا».و قال الناس عن الوليد الذي استبدل بسعد نتيجة لان القوم ملكوا فاستأثروا«بئسما ابتدلنا به عثمان عزل أبا اسحاق الهين اللين الجسر صاحب رسول اللّه(ص)و ولى أخاه الفاسق الفاجر الاحمق الماجن...» (1).

و بعد أن عزل الوليد عن الكوفة وليها سعيد بن العاص الذي كان عثمان قد وهبه أموالا كثيرة.قال البلاذري«انكر الناس على عثمان اعطاء سعيد بن العاص مائة ألف درهم.فكلمه علي و طلحة و الزبير و سعد و عبد الرحمن بن عوف في ذلك.فقال ان له قرابة و رحما قالوا فما كان لابي بكر و عمر قرابة و ذو رحم؟فقال:ان أبا بكر و عمر كانا يحتسبان في منع قرابتهما و انا احتسب في اعطاء قرابتي قالوا:فهديهما و اللّه احب الينا من هديك...» (2).

و يظهر من الرواية السابقة ان معظم اعضاء مجلس الشورى اجمعوا على انتقاد سياسة عثمان المالية.و هؤلاء،كما هو معروف،كانوا رؤساء المسلمين في عهد عثمان.فهل لقن ابن السوداء و اعوانه هؤلاء كلهم، و دفعهم لانتقاد عثمان؟اعتقد ما من احد يعتقد امكان ذلك الا من وضعوا قصة ابن السوداء.

و قد أثار سعيد بن العاص مشكلات لعثمان في الكوفة ذات أهمية بالغة،و هي جديرة بأن تؤلب أهل الكوفة على عثمان و ولاته.فقال سعيد يوما«انما السواد بستان قريش»فقال مالك الاشتر«اتجعل مراكز و ماحنا8.

ص: 108


1- انساب الاشراف،ج 2،29-30.
2- أيضا،ج 5،ص 28.

و ما افاء اللّه علينا بستانا لك و لقومك و اللّه لورامه أحد لقرع فرعا..» (1)و أثار سعيد دون أن يشعر مشكلة تتعلق بقسمة الفيء بين قريش و بقية القبائل العربية من جهة،و تتعلق أيضا بفكرة الفيء و هل هو مال المسلمين بما فيهم من أسلم من غير العرب(الموالي)أم أنه لعثمان و ولاته أولا، و لبقية قريش ثانيا.و كتب في قضية السواد و رأى سعيد فيه الى عثمان فما كان جوابه الا أن أمر بنفي مالك الاشتر و صحبه الى الشام و عدهم عصاة خارجين على النظام.و لم يسمع الخليفة رسالة القراء فيهم حين كتبوا له:

«ان سعيدا كثر على قوم من أهل الورع و الفضل و العفاف فحملك في أمرهم مالا يحل في دين و لا يحسن في سماع و انا نذكرك اللّه في أمة محمد...» (2)و لا نعلم،بعد هذا،هل ان معارضة اهل الكوفة بزعامة مالك الاشتر تتعلق بأمر حقهم في الفيء أم أنها وليدة تحريض ابن السوداء و صحبه؟

و من الجدير بالذكر ان واضعي قصة ابن السوداء استثنوا اهل الشام من فتنته.فصوروهم و كأنهم لم يشعروا،كما شعر غيرهم من اهل الامصار بسوء سيرة عثمان و ولاته،أو أنهم أكثر تقوى من غيرهم،لذا لم يثوروا على امامهم العادل عثمان و ولاته الذين شوه ابن سبأ سيرتهم.و الواقع ان سكوت أهل الشام عن نقد سيرة عثمان و ولاته لا يعود لجهلهم أو لتقواهم و لكنه يعود لجدارة و اليهم معاوية الذي ساسهم بالعزم و الدهاء.

و نختتم قضية البحث عن أسباب الثورة على عثمان و ولاته برأي ابن سعد حول حكم عثمان.قال ابن سعد«لما ولي عثمان عاش اثنتي عشرة سنة أميرا يعمل ست سنين لا ينقم الناس عليه شيئا،و انه لاحب الى قريش من عمر لان عمر كان شديدا عليهم،فلما وليهم عثمان لان لهم و وصلهم.،ثم1.

ص: 109


1- البلاذرى،انساب،5:40.
2- أيضا،5.41.

توانى في أمرهم و استعمل اقرباءه و اهل بيته في الست الاواخر،و كتب لمروان بخمس مصر،و اعطى اقرباءه و تأول في ذلك الصلة التي أمر اللّه بها،و اتخذ الاموال و استلف من بيت المال...فأنكر عليه ذلك» (1).

و أعتقد ان ما ذكره ابن سعد يكفي لثورة المسلمين على عثمان و لا حاجة بهم لان ينتظروا ابن سبأ حتى يحرضهم على الثورة على خليفتهم دون حق.

و نفى وجود ابن سبأ عدد من الكتاب المحدثين كان من بينهم الدكتور علي الوردي الذى سبقت الاشارة اليه،و الدكتور طه حسين (2)،و الدكتور كامل مصطفى الشيبي (3)و السيد مرتضى العسكرى الذى الف كتابا في الموضوع اسماه«عبد اللّه بن سبأ» (4)و عند الكلام عن ابن سبأ يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء:«أما عبد اللّه بن سبأ-الذي يلصقونه بالشيعة أو يلصقون الشيعة به-فهذه كتب الشيعة بأجمعها تعلن بلعنه و البراءة منه.و اخف كلمة تقولها كتب الشيعة في حقه و يكتفون بها في ترجمة حاله عند ذكره في العين هكذا:«عبد اللّه بن سبأ العن من أن يذكر» و يتابع كاشف الغطاء قوله:«على أنه ليس من البعيد رأى القائل:ان عبد اللّه ابن سبأ و مجنون بني عامر و ابي هلال و امثال هؤلاء الرجال و الابطال كلها أحاديث خرافة وضعها القصاصون و ارباب السمر و المجون...» (5).

الكيسانية:

و كان الكيسانية من الشيعة الغلاة.يقول سعد الاشعري ان الكيسانية قالوا«في علي قولا عظيما شنعا...» (6)و كانوا يقولون بأمامة محمد بن

ص: 110


1- الطبقات الكبرى،ج 3(بيروت،1957)ص 64.
2- الفتنة الكبرى،ج 1(القاهرة،1947).
3- الصلة بين التصوف و التشيع،ج 1،(بغداد،1963).
4- عبد اللّه بن سبأ(القاهرة،1381).
5- أصل الشيعة و أصولها(بيروت لا.ت)ص 84.
6- المقالات و الفرق،ص 23.

علي المعروف بابن الحنفية،و زعموا«ان علي بن ابي طالب نص على امامة ابنه محمد بن الحنفية لانه دفع اليه الراية بالبصرة» (1).و قالوا بالتناسخ «و يزعمون ان الامامة جرت في علي ثم في الحسن،ثم في الحسين ثم في ابن الحنفية،و معنى ذلك ان روح اللّه صارت في النبي،و روح النبي صارت في علي،و روح علي صارت في الحسن،و روح الحسن صارت في الحسين،و روح الحسين صارت في محمد ابن الحنفية،و روح ابن الحنفية صارت في ابنه أبي هاشم...» (2)و يعتقدون في ابن الحنفية«اعتقادا فوق حده و درجته،من:احاطته بالعلوم كلها،و اقتباسه من(السيدين) الاسرار بجملتها من علم التأويل و الباطن،و علم الافاق و الانفس» (3)

و يجمع الكيسانية«القول بأن الدين طاعة رجل» (4).

و قالت فرقة من الكيسانية«ان محمد بن الحنفية هو المهدي سماه أبوه علي مهديا،و لا يجوز أن يكون مهديان:مهدى في أيام ابن الحنفية و مهدى بعد ذلك»و قالوا ان ابن الحنفية«غاب فلا يدرى اين هو و سيرجع و يملك الارض،و لا امام بعد غيبته الى رجوعه...» (5).

و نفيد من النصوص السابقة ما يأتي:

أولا-ان الكيسانية خرجوا بالامامة من أولاد علي من فاطمة الى ولده محمد بن الحنفية.و بذلك مهدوا لخروج الامامة لا من ولد فاطمة7.

ص: 111


1- الاشعرى ابو الحسن،مقالات الاسلاميين،ج 1،ص 90.
2- الاشعرى،سعد،المقالات و الفرق،ص 26-7.
3- الشهرستانى الملل و النحل،ج 1 ص 131 و قصد الشهرستانى بالسيدين الحسن و الحسين(ع).
4- أيضا،1:131.
5- الاشعرى،المقالات،ص 27.

حسب بل من ولد علي كافة.فظهر جماعة منهم«يتسمون المعاوية (1)و يزعمون ان الارواح تتناسخ»و ان روح اللّه«صارت في محمد،ثم في علي،ثم في محمد بن الحنفية،ثم في ابنه أبي هاشم،ثم فيه[عبد اللّه بن معاوية]» (2).و قد توفي عبد اللّه بن معاوية هذا في سجن ابي مسلم في خراسان سنة 130 ه بعد فشل ثورته التي سبق أن قام بها ضد الامويين.

و بذا اخرجت«المعاوية»الامامة من ولد علي الى شخص غير علوي من ذرية جعفر بن أبي طالب و توسعت قضية اخراج الامامة،مع الزمن، على يد فرق الكيسانية و لم تعد تلك الامامة مقتصرة على آل ابي طالب بل ان دائرتها توسعت فشملت بني هاشم.و ذلك ان فرقة اخرى من الكيسانية يصح أن نعدها سلفا للراوندية جعلت الامامة في ولد العباس قال سعد الاشعري ان الكيسانية افترقت بعد موت ابي هاشم فقالت فرقة ان أبا هاشم أوصى«الى محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس...فهو الامام و هو اللّه و هو العالم بكل شىء،فمن عرفه فليصنع ما شاء،و هؤلاء غلاة الروندية [الراوندية]...» (3)أ.

و أرجح ان وصية أبي هاشم الى محمد بن علي العباسي موضوعه، و ان«الهاشمية»جماعة ابي هاشم و اسلاف الراوندية قالوا بأمامة محمد ابن علي العباسي مباشرة،و ذلك انه بعد ان جاز اخراج الامامة من ولد علي من فاطمة الى ابن الحنفية،ثم الى ولد جعفر بن أبي طالب اصبح0.

ص: 112


1- نسبة الى عبد اللّه بن معاوين بن عبد اللّه بن جعفر بن ابي طالب.
2- الاشعرى،سعد،المقالات،ص 42.قال الاشعرى (ص 43)ان ابا مسلم قتل عبد اللّه هذا.
3- أ-المقالات و الفرق،ص 39-40.

من الممكن تقليدها لبني العباس و قد استفاد العباسيون و دعاتهم (1)ب من الغلو و وجهوا تذمر الغلاة،الذين كان جلهم من الموالي في عصر الامويين لمصلحتهم فأستعملوه للتشهير ببني أمية أولا ثم في اسقاط حكمهم يوم حان الوقت.

ثانيا-و قد انحط مركز الامامة كثيرا على يد فرق من الكيسانية و ذلك حين أباحت تلك الفرق لافراد من الناس لا يمتون للعلويين و لا للهاشميين بصلة أن يتقلدوا الامامة.قال سعد الاشعري ان حمزة بن عمارة البربرى الذى كان ينتمي الى أصحاب ابن حرب من الكيسانية ثم فارقهم، «ادعى أنه نبي و ان محمد بن الحنفية هو اللّه...» (2)و قال الاشعري أيضا ان فرقة من الكيسانية خرجت«الى القول بأمامة بيان بن سمعان النهدي،و ادعى بيان ان أبا هاشم اوصى اليه فاستجابت له طائفة ممن قال بامامة ابن الحنفية» (3)ثم ان طائفة«ادعت ان امامة عبد اللّه بن عمرو ابن الحرب الكندي الشامي بعد أبي هاشم،و انه أوصى اليه،و ان روح ابي هاشم انتسخت فيه...» (4)و هكذا اصبحت الامامة بفعل فرق من الكيسانية الغلاة تنتقل من أصحابها الشرعيين،و هم حسب عقيدة الامامية، الائمة الاثنا عشر المعصومون،الى ابناء علي من غير فاطمة ثم الى أحد ولد جعفر بن أبي طالب،ثم الى العباسيين و اخيرا الى رجل بربري و آخر نهدى و ثالث كندى.

و قد التفت الشيخ المفيد احد فقهاء الشيعة الامامية الى خطر ذلك5.

ص: 113


1- ب-روى الشهرستاني(الملل،1:137)ان ابا مسلم صاحب الدولة كان كيسانيا و انه«اقتبس من دعاتهم العلوم التي اختصوا بها».
2- الفرق و المقالات،ص 28-32.
3- أيضا،ص 35.
4- أيضا،ص 35.

الاتجاه فتقدم بأدلة نقلية و اخرى عقلية (1)،اتينا على ذكرها في الفصل الاول من هذا الكتاب،على ابطال امامة محمد بن الحنفية و اثبات امامة معاصره علي بن الحسين المعروف بزين العابدين.

و أعتقد ان من بين الاسباب التي أدت الى انحطاط مركز الامامة، و سهل للغلاة أن يلصقوا افكارهم الغالية الغريبة عن الاسلام فيها،هو الاتجاه الذي تبناه بعد مقتل الحسين(ع)الائمة المعصومون حين أجلوا الخروج بالسيف على ظلم معاصريهم من الحكام انتظارا لخروج المهدي القائم.قال الشيخ الطوسي:(ت 460 ه)«كان المعلوم من حال ابائه[المهدي صاحب الزمان]لسلاطين الوقت و غيرهم انهم لا يرون الخروج عليهم.

و لا يعتقدون انهم يقومون بالسيف و يزيلون الدول،بل كان المعلوم من حالهم انهم ينتظرون مهديا لهم،و ليس يضر السلطان اعتقاد من يعتقد امامتهم اذا امنوهم على مملكتهم و لم يخافوا جانبهم...» (2)و قد رأى جماعات من المعارضين و بخاصة الموالي،الذين كانت اكثريتهم غلاة،و الذين آلمهم التمييز العنصري و اثقلت الضرائب كاهلهم،ان العدل الذى يعم الارض بعد خروج المهدى الغائب بعيد المنال،و ان فيهم حاجة ملحة الى قيادة حاضرة تقودهم نحو النصر على حكامهم الظالمين.و لما عجز هؤلاء عن وجود تلك القيادة في المرشحين الشرعيين للامامة،انصرفوا عنهم للاخرين من ذوي الطموح السياسي،و ربما من ذوى الرغبة في الاصلاح الاجتماعي أمثال المختار و زيد بن علي و عبد اللّه بن معاوية و اخيرا بني العباس.

ثالثا-كان الكيسانية أول من رسخوا فكرة المهدي الغائب و طرحوها في حيز العمل.نسب الكيسانية القول بفكرة مهدية محمد بن الحنفية الى أبيه علي(ع)كما يظهر من نص سابق أوردناه في صدر هذا البحث.0.

ص: 114


1- المفيد،الارشاد،ص 237-8.
2- الغيبة(النجف،1385)ص 200.

و يبدو ان فكرة مهدية ابن الحنفية كانت شائعة في عصره.قال ابن سعد «فلما اتسق الامر للمختار كتب لمحمد بن علي المهدي من المختار...» (1)

و في محادثة مع ابراهيم بن الاشتر قال المختار لابراهيم«و قد كتب اليك المهدي...» (2)و ذات مرة جاء رجل الى ابن الحنفية و قال«السّلام عليك يا مهدى...»و جرى حديث بين محمد و الرجل عن أمر آل محمد فقال الرجل«كانت تبلغنا عنك أحاديث من وراء وراء فاحببت أن أشافهك للكلام...» (3).

و يظهر ان ابن الحنفية لم يقر الغلو الذي قيل فيه،و لم يعترف بأنه المهدى المنتظر،روى ابن سعد حديثا رفعه الى ابي العربان المجاشعي قال:

«بعثنا المختار في ألفي فارس الى محمد بن الحنفية...قال فبلغ محمدا انهم يقولون ان عندهم شيئا أي من العلم.قال فقام فينا و قال انا و اللّه ماورثنا من رسول اللّه الا ما بين هذين اللوحين ثم قال اللهم حلا و هذه الصحيفة في دوابة سيفي قال فسألت و ما كان في الصحيفة قال من أحدث حدثا أو آوى محدثا...» (4)و قال محمد للرجل الذي قابله و سأله عن اشياء سرية نميت الى الرجل عن محمد:«أما بعد فاياكم و هذه الاحاديث فأنها عيب عليكم،و عليكم بكتاب اللّه...فأنه به هدى اولكم و به يهدي آخركم...» (5).

و يظهر ان المختار هو الذي روج فكرة مهدية محمد لاسباب سياسية أى أنه أراد أن يحكم بأسمه دون اشراكه بالسلطة الفعلية.و عند ما هم0.

ص: 115


1- الطبقات،ج 5،ص 73.
2- أيضا،ج 5،ص 72.
3- ابن سعد،الطبقات،ج 5،ص 70.
4- أيضا،ج 5،ص 77.
5- أيضا،ج 5،ص 70.

«ابن الحنفية أن يقدم الى الكوفة و بلغ ذلك المختار فثقل عليه قدومه فقال «ان في المهدي علامة،يقدم بلدكم هذا فيضربه رجل في السوق بالسيف لاتضره...فبلغ ذلك ابن الحنفية فأقام...» (1).

المغيرية:

اطلق اسم«المغيرية»على هؤلاء نسبة الى المغيرة بن سعيد البجلي المقتول سنة 119 ه.و ادعى المغيرة،رغم تبرؤ (2)الامام من ذلك،ان الامام الباقر«أوصى اليه فهو الامام الى ان يخرج المهدي» (3)و المهدى عند أصحاب المغيرة هو«محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن»المقتول في عهد المنصور العباسي.و بذا يكون المغيرة قد جعل نفسه في أول الامر اماما و لكن بصورة مؤقتة.و المغيرة بادعائه الامامة و ممارسة وظيفتها معا خطا خطوة جريئة.في حين ان من سبقه من الغلاة،أمثال المختار الثقفي كانوا يدعون بأنهم يحكمون نيابة عن الامام دون أن يصرحوا بأنهم أئمة.

و لعل ذلك يؤيد ما قلناه سابقا و هو ان الادعاء بنيابة الامام كان خطوة ممهدة للادعاء بالامامة بصورة فعلية.و مما يؤيد ذلك أيضا هو ان الخطوات التالية التي اتخذها المغيرية آلت الى اخراج الامامة ممن ينتمون الى عنصر النبوة و الامامة و حصرها في ابن سعيد ثم في ابنه من بعده.اذ نجد جماعة من المغيرية بعد وفاة الباقر يصرفون دعوتهم الى«محمد بن عبد اللّه بن حسن..

فلما قتل صاروا لا امام لهم و لا وصي و لا يثبتون لاحد امامة بعده» (4)و بذا سد المغيرية جميع الابواب التي توصل العلويين للامامة بعد محمد بن عبد اللّه و عندئذ انتقلوا الى الخطوة الاخيرة و هي اثبات امامة ابن المغيرة من بعد ابيه.

ص: 116


1- أيضا،ج 5،ص 74.
2- الكشي،الرجال،ص 195.
3- النوبختى،فرق الشيعة،ص 54.
4- أيضا،ص 52.

فقالت جماعة منهم«ان الامام عبد اللّه بن المغيرة بن سعيد بعد ابيه» (1).

و يبدو ان المغيرة بن سعيد،شأنه في ذلك شأن جماعة من أمثاله من الغلاة،عمل على اخراج الامامة من اطارها البشري برفع الائمة الى مصاف الالهة ليستطيع اشغال منصب الامام في الحياة الدنيا و يستغله لمصلحته قال سعد الاشعري«و كان المغيرة بن سعيد و بيان بن سمعان و بزيع (2)و صائد (3)قد نصبوا أنفسهم انبياء و آل محمد(ص)أربابا خالقين...» (4)و من المعلوم ان الارباب الخالقين لا يحكمون مباشرة في هذه الارض،بل ان انبياءهم يطبقون احكامهم على العباد عن طريق تنفيذ شرائعهم.و لم يكتف المغيرة بأن يكون نبيا لواحد من آل محمد (ص)فادعى انه نبي لرب العالمين.قال النوبختي«ثم تراقى الامر بالمغيرة الى أن زعم أنه رسول نبي و ان جبرائيل(ص)يأتيه بالوحي من عند اللّه» (5)

و كان المغيرة يقول«بالتناسخ» (6)،و يعني ذلك ان روح الامام الباقر انتقلت من جسده و حلت في جسد المغيرة،و ان روح المغيرة انتقلت الى جسد ابنه عبد اللّه،فهما و الحالة هذه امامان تجب طاعتهما.

و ناقش الدكتور الشيبي رأي فريد لندر الذى يصور مذهب المغيرة بأنه عبارة عن مزيج من الديانات الشرقية القديمة،و انه متأثر بالغنوصية و خاصة الماندية و المانوية.و يخلص الشيبي الى القول بأن ذلك سواء صح أم لم يصح «فأن المغيرة و معاصره و زميله في الغلو و المصير بيانا قد ربطا عقيدتهما ربطا5.

ص: 117


1- الاشعرى،سعد،المقالات،ص ص 44.
2- زعيم فرقة من الغلاة تسمى«البزيعية»الاشعرى،ص 54. يضبطه النوبختى(فرق،ص 38)بالغين.
3- زعيم فرقة من الغلاة،النوبختى،فرق الشيعة،ص 25.
4- الاشعرى،المقالات،ص 55.
5- فرق الشيعة،ص 55.
6- أيضا،ص 55.

محكما بما تأولاه من القران سند لدعوتهما فبدتا و كأنهما فكرتان ذات اصالة و طابع».

الخطابية:

هم أصحاب أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الاجدع الاسدى المقتول سنة 138 ه و ظهر أبو الخطاب في الكوفة و قال بالغلو.و كان«يدعي ان أبا عبد اللّه جعفر بن محمد عليهما السّلام جعله قيمه و وصيه من بعده و علمه اسم اللّه الاعظم،ثم تراقى الى أن ادعى النبوة،ثم ادعى الرسالة، ثم ادعى أنه من الملائكة،و انه رسول اللّه الى أهل الارض و الحجة عليهم» (1).

و كان أبو الخطاب من تلامذة الصادق و قد التقى به عدة مرات.

روى الكشي ان الصادق قال«كان أبو الخطاب احمق فكنت احدثه فكان لا يحفظ و كان يزيد من عنده» (2).و روى معاوية بن حكيم في خبر يرفعه الى جده انه قال انه اجتمع مع أبي الخطاب في مجلس الصادق و ان أبا الخطاب أظهر خشونة في تصرفه تجاه الامام (3)و روى عنبسه بن مصعب ان الصادق قال له«أي شىء سمعت من أبي الخطاب؟قال:سمعته يقول انك وضعت يدك على صدره و قلت له:عه و لا تنسى و انك تعلم الغيب، و انك قلت له:هو عيبة علمنا و موضع سرنا أمين على احيائنا و امواتنا.

قال:لا و اللّه ما مس شىء من جسدى جسده الا يده.و أما قوله اني قلت «اعلم الغيب»فو اللّه الذى لا اله الا هو ما اعلم الغيب...و اما قوله اني قلت هو عيبة علمنا و موضع سرنا أمين على احيائنا و امواتنا،فلا آجرنى اللّه في أمواتي،و لا بارك في احيائي ان كنت قلت له شيئا من هذا قط» (4).

ص: 118


1- النوبختى،فرق الشيعة،ص 38.
2- الرجال،ص 251.
3- أيضا،ص 250.
4- أيضا،ص 248.

و نفيد من النصوص السابقة انه بالرغم من تلمذة ابي الخطاب للامام الصادق،و انهما التقيا في مناسبات عدة،فان الامام نفى بصورة قاطعة ما نسبه اليه أبو الخطاب من أقوال.و يبدو ان ابا الخطاب كان من الغلاة الطموحين و انه،شأنه في ذلك شأن من سبقه من الغلاة،اراد أن يتخذ من صلته بالامام الصادق جسرا للوصول الى أهدافه،و مباشرة العمل باسم الامام.و ذات مرة قال احدهم«لما لبى القوم الذين لبوا (1)في الكوفة دخلت على أبي عبد اللّه(ع) (2)فأخبرته بذلك فخر ساجدا و دق جؤجؤه بالارض و بكى...و اقبل يلوذ باصبعه و يقول:بل عبد اللّه قن داخر، مرارا كثيرة ثم رفع رأسه و دموعه تسيل على لحيته،فندمت على اخباري اياه فقلت جعلت فداك و ما عليك انت من ذا.فقال:يا مصادف ان عيسى لو سكت عما قالت النصارى فيه لكان حقا على اللّه أن يصم سمعه و يعمي بصره.و لو سكت عما قال في ابو الخطاب لكان حقا على اللّه أن يصم سمعي و يعمي بصري» (3).

أما الآراء التي تبناها أبو الخطاب فكانت مناقضة للشريعة الاسلامية.

فأحل أبو الخطاب لاصحابه المحارم من الزنا و السرقة و شرب الخمر، و امرهم بترك الزكاة و الصلاة و الصيام و الحج،و اباح لهم الشهوات.

و تأولوا على ما استحلوا قول اللّه: يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ (4)«و قالوا خفف عنا بأبي الخطاب و وضع عنا الاغلال و الآصار يعنون الصلاة و الزكاة و الصيام و الحج،فمن عرف الرسول النبي الامام فليصنع ما أحب» (5).8.

ص: 119


1- عند ما قال الغلاة اصحاب ابي الخطاب«لبيك جعفر لبيك» النوبختى،فرق،ص 39.
2- يقصد الامام الصادق.
3- الكشي،الرجال.ص 253.
4- القرآن 4:28.
5- النوبختى،فرق الشيعة،ص 38.

و يبدو من النص السابق ان الخطابية توصلوا الى ما توصلت اليه الكيسانية من قبل و هو أن الدين طاعة رجل،و ان من عرف الرسول النبي الامام فليصنع ما أحب على حد قولهم.و لعل في ذلك ما يقوم دليلا على أن كثيرا من آراء الغلاة السابقين تجمعت في عقيدة ابي الخطاب،و انه كان لا وارثا لتلك الآراء حسب بل كان منظما و مفلسفا لها.و قد التفت الدكتور الشيبي الى ذلك فقال كان لابي الخطاب دور خطير في تطوير الغلو و اسناده بالنصوص و الاحاديث (1).

و استعان الخطابية في دعم آرائهم بالتأويل و هو با؟؟؟ واسع يستطيع أن يلجه بسهولة كل من أراد ادخال آراء غريبة في الاسلام.قال سعد الاشعري تأول الخطابية قول اللّه: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها . (2)لكي لا تعطب أهلها،ان السفينة ابو الخطاب و ان المساكين أصحابه،و ان الملك الذي وراءهم عيسى بن موسى العباسي، و هو الذى قتل أبا الخطاب و ان أبا عبد اللّه(يقصد الامام الصادق)أراد أن يعيبنا بلعنه ايانا في الظاهر و في الباطن عنى أضدادنا و من خالفنا.

و تأولوا في ذكره أبا الخطاب أنه عنى قتادة بن دعامة البصري فقيه اهل البصرة،و كان قتادة يأتي أبا جعفر[الامام الباقر]و ابا عبد اللّه،و كان يكنى بأبى الخطاب.فتأول ابو الخطاب و أصحابه أنه الذي لعنه أبو عبد اللّه،و ان أبا عبد اللّه يلبس على أصحابه ليزيدهم ضلالا وتيها.

فأخبر أبو عبد اللّه بذلك فقال«و اللّه ما عنيت الا محمد بن مقلاص ابن أبي زينب الاجدع البراد عبد بني أسد فلعنه اللّه و لعن أصحابه و لعن الشاكين فيه،و لعن من قال انى أضمر و ابطن غيرهم (3)...».5.

ص: 120


1- الصلة بين التصوف و التشيع،ج 1،ص 143.
2- القرآن 18:8.
3- المقالات،ص 55.

و هكذا نجد الخطابية يحلون كثيرا من مشكلاتهم العقائدية و غير العقائدية بتأويلهم الغريب للاية المذكورة.

و نختم بحثنا عن حركات الغلو العنيفة بحركة ابي الخطاب و هو معاصر للامام الصادق،كما أسلفنا.و هذا لا يعني ان حركة ابى الخطاب كانت نهاية للغلو،كما لا يعني ان حركات الغلو انتهت بمقتل مؤسسيها أو موتهم فالمغيرة بن سعيد،مثلا،قتل سنة 119 ه و لكن حركته لم تمت بموته،بل بقيت جماعة من أتباعه تقول بارائه الى مطلع القرن الرابع الهجري.

قال سعد الاشعري كان المغيرة بن سعيد«يدعي بأنه يحيى الموتى،و يقول بالتناسخ و كذلك قول اصحابه الى اليوم» (1).

و لما كانت وفاة الاشعري سنة 301 ه يعني ذلك ان طائفة من المغيرية كانت موجودة في حدود ذلك التاريخ.

كما اننا لم نستقص حركات الغلو لانها كانت متشابهة في خطوطها العامة الى درجة لا يستهان بها،سواء كان ذلك من حيث الاهداف التي استهدفها مؤسسو تلك الحركات،أو من حيث كون تلك الحركات جميعا كانت متشحة بلباس ديني في الظاهر،بينما تخفي في باطنها الدعوة الى تهديم الاسلام و التشكيك بأهداف قادته من أئمة و علماء و خلفاء أحيانا.

و يبدو ان هؤلاء الغلاة استهدفوا تشويه مبادىء الاسلام من الداخل بعد أن اعياهم دحره بالسيف.

و قد سهلت سيرة حكام المسلمين المعاصرين لحركات الغلو و غير المعاصرين لها،مهمة اولئك الغلاة و اكسبتهم عطف عناصر مهمة من المستضعفين في الارض و ذلك ان اولئك الحكام أيدوا حركة التمييز العنصري و المحلي، و أثقلوا طبقات كبيرة من رعاياهم،و الموالي منهم بخاصة،بالضرائب في عهد بني أمية،كما أحل اولئك الحكام الطبقية محل التمييز العنصري،و استمروا7.

ص: 121


1- المقالات،ص 77.

على فرض الضرائب الثقيلة في صدر الدولة العباسية.و اذا علمنا ان مبادىء الاسلام،كما وردت في القرآن و السنة لاتقر استغلال المسلم لاخيه المسلم،و لا تبيح استعباد الناس و قد ولدتهم أمهاتهم احرارا،ندرك الاسباب التي دعت جماعات كبيرة من المستضعفين في الارض لان يرفعوا عقيرتهم بالشكوى و التذمر.

و كانت النتيجة أن أصبح عدد كبير من اولئك المستضعفين أنصارا للمنادين بمقاومة الاستغلال عند ظهوره بشكل بشع خلال خلافة عثمان، كما أصبحوا من انصار المختار،و زيد بن علي،و عبد اللّه بن معاوية.

و المغيرة بن سعيد،و بيان النهدي،و ابي الخطاب و غيرهم من الاسماء التي أتينا على ذكرها أثناء البحث.

و هكذا كان للتذمر الاجتماعي نصيب كبير في نجاح طائفة من ذوي الطموح السياسي أو من ذوى الاخلاص لدياناتهم القديمة التى كانوا يدينون بها قبل الاسلام،و في تمكين هؤلاء أيضا من قيادة حركات الغلو و توجيهها نحو الاهداف التي رسم خطوطها العامة اولئك القادة و مستشاروهم.

أما لماذا اتخذت اكثرية فرق الغلاة آل البيت رمزا لثورتهم،فنرى ان ذلك يعود الى ان آل البيت كانوا من عنصر النبوة و الامامة،أولا، و انهم لا يؤيدون استغلال المسلم لاخيه المسلم كما كان الحكام المسلمون المعاصرون لهم يفعلون،ثانيا،و ان بني الحسين و بخاصة ما عرف منهم فيما بعد بالائمة المعصومين،اعتزلوا السياسة بعد مقتل الحسين و انصرفوا للارشاد و العبادة و الانقطاع عن الدنيا بحيث أصبح استغلال اسمائهم ميسورا للطامعين و الطامحين من قادة الغلاة،ثالثا.

موقف الشيعة الامامية و اسلافهم من الغلو و الغلاة:

اتخذ من عاصر الغلو من أئمة الشيعة،الذين عرفوا فيما بعد بالائمة المعصومين الاثني عشر،موقفا صريحا و صلبا في الوقت نفسه تجاه الغلاة.

ص: 122

فتبرأوا منهم و نفوا وجود أية صلة لهم بأولئك الغلاة.و اتخذت مقاومة الشيعة المعتدلين و ائمتهم للغلاة اشكالا متعددة،و اتبع منظمو تلك المقاومة وسائل متنوعة،استهدفت جميعها تفتيت دعوة اولئك الغلاة.و من أشهر تلك الوسائل:

أولا-التأكيد على مناقضة الغلو للاسلام.روي ان الامام علي قال:

«بنى الكفر على أربع دعايم الفسق و الغلو و الشك و الشبهة» (1)و قال الامام الصادق:«ادنى ما يخرج به الرجل من الايمان أن يجلس الى غال فيستمع الى حديثه،و يصدقه على قوله.ان أبي حدثني عن أبيه عن جده (ع)ان رسول اللّه(ص)قال:صنفان من أمتي لا نصيب لهما في الاسلام الغلاة و القدرية» (2)أما النوبختي،و هو من الشيعة الامامية،فيقول عند بحثه عن الغلاة:«فهذه فرق أهل الغلو ممن انتحل التشيع و الى الخرميدنية،و المزدكية،و الزنديقية و الدهرية مرجعهم جميعا لعنهم اللّه.

و كلهم متفقون على نفي الربوبية عن الجليل الخالق...و اثباتها في بدن مخلوق» (3).و بعد أن استعرض سعد الاشعري،و هو من الامامية أيضا،أقوال الغلاة،قال«تعالى اللّه عما يقولون لعنهم اللّه» (4)و قال الاشعري في موضع آخر«و فرقة من الغلاة لعنهم اللّه أظهروا دعوة التشيع و استبطنوا المجوسية» (5).

روى الكشي ان الصادق قال لاحد أصحابه«قل للغالية توبوا الى اللّه فأنكم فساق كفار مشركون» (6).4.

ص: 123


1- الكليني،الكافى،ص 369.
2- القمى،محمد بن علي،الخصال(طهران،1320)ص 37.
3- فرق الشيعة،ص 41.
4- المقالات،ص 59.
5- أيضا،ص 61.
6- الرجال،ص 254.

ثانيا-نفى الائمة لوجود صلة عقيدية بينهم و بين قادة الغلاة،و التصريح بأن اولئك القادة كانوا يكذبون عليهم:تبرأ الائمة في مناسبات عدة من الغلاة و نفوا وجود أية صلة عقيدية بينهم و بين قادة اولئك الغلاة.روى الكشي ان الامام الرضا(ع)قال«كان بنان (1)يكذب على علي بن الحسين(ع)فاذاقه اللّه حر الحديد و كان مغيرة بن سعيد يكذب على أبي جعفر(ع) (2)فأذاقه اللّه حر الحديد.و كان محمد بن بشير (3)يكذب على أبي الحسن موسى فأذاقه اللّه حر الحديد.و كان أبو الخطاب يكذب على أبي عبد اللّه(ع)فأذاقه اللّه حر الحديد» (4).

و نفى الامام الصادق وجود صلة لابيه الباقر بالمغيرة بن سعيد،كما نفى صلته هو بأبي الخطاب.و ذات مرة قال الصادق لاصحابه«لعن اللّه المغيرة بن سعيد و لعن اللّه يهودية كان يختلف اليها يتعلم منها السحر و الشعبدة و المخاريق،ان المغيرة كذب على أبي فسلبه اللّه الايمان،و ان قوما كذبوا علي ما لهم أذاقهم اللّه حر الحديد...ابرأ الى اللّه مما قال في الاجدع البراد عبد بني أسد ابو الخطاب لعنه اللّه،و اللّه لو ابتلوا بنا و أمرناهم بذلك لكان الواجب ألا تقبلوه...أشهدكم اني امرؤ ولدني رسول اللّه(ص)و ما معي براءة من اللّه،ان أطعته رحمني،و ان عصيته عذبني...» (5).

و ذات مرة قال الصادق لبشار الشعيري(ت.ح:180 ه)«اخرج عني لعنك اللّه»و بعد خروجه قال الامام«ويله الا قال بما قالت اليهود،7.

ص: 124


1- الصحيح بيان بن سمعان النهدي المقتول سنة 119 ه.
2- هو الامام محمد الباقر بن علي بن الحسين المتوفى سنة 119/114 ه.
3- زعيم فرقة من الغلاة تسمى(البشيرية)ترجم له الكشي (الرجال،ص 405 و ما بعدها).
4- الرجال،ص 256.
5- أيضا،ص 196-7.

الا قال بما قالت النصارى،الا قال بما قالت المجوس...و اللّه ما صغر اللّه تصغير هذا الفاجر أحد...»ثم وصف الشعيري بأنه«شيطان ابن شيطان»و انه خرج ليغوى الشيعة،و أخيرا حذر شيعته من الشعيرى بقوله«اني عبد اللّه ابن عبد اللّه فو اللّه ضمتني الاصلاب و الارحام،و اني لميت و انى لمبعوث» (1).

و يظهر من الحديث المذكور ان القول بالغلو كان اعظم بلية،في نظر الامام من اعتناق اليهودية أو المسيحية أو المجوسية،كما يظهر منه ان الامام أكد على عبوديته لربه لينفي ما لصقه به الغلاة،و الشعيري من بينهم، من صفات الهية.

ثالثا-محاولة الائمة لقطع طريق الدس على الغلاة و منعهم من انتحال الحديث.عمل زعماء الغلاة على انتحال الاحاديث و دسها في أقوال الائمة.

و كان هدفهم من العملية المذكورة مزدوجا.فانتحال الاحاديث ذات الاهداف المعينة،يساعد على كسب الانصار و المؤيدين من جهة،و يسهم في تهديم شريعة الاسلام من جهة اخرى.و كلا الهدفين كانا من صميم حركة الغلو.

و يبدو أن الائمة قد تنبهوا لعملية الانتحال فحاولوا قتلها في مهدها و لكنهم لم يحققوا جميع آمالهم في هذا المجال (2).روى ان الامام الصادقه.

ص: 125


1- أيضا،ص 342.
2- راجع ما اوردناه عن كتب الحديث عند الامامية فى كتابنا الموسوم ب«الاجازات العلمية عند المسلمين المطبوع ببغداد سنة 1967 م». و لعل في ما اوردناه هنا عن تسرب أحاديث الغلاة لبعض كتب الحديث عند الشيعة،يبرر دعوتنا لتهذيب ذلك الصنف من مجموعات الحديث الشيعية. تلك الدعوة التي انتقدها،دون حق،فضيلة الاستاذ الغريفى في كتابه الموسوم ب«قواعد الحديث»المطبوع في النجف سنة 1969 م.و كانت الدعوة المذكورة في جوهرها،منصبة بالدرجة الاولى،على تنقيح ذلك النوع من المجموعات مما يحتمل تسربه اليها من احاديث الغلاة.أما الذى تصوره الغريفى من توثيقنا لرواة صحيحي مسلم و البخاري فهو أمر لم نتطرق اليه و لا نقره.

قال:«لا تقبلوا علينا حديثا الا ما وافق القرآن و السنة أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدمة،فأن المغيرة بن سعيد لعنه اللّه دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي،فأتقوا اللّه و لا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى و سنة نبينا محمد(ص)...» (1).

و قد وردت اشارة يبدو منها أن الغلاة كانوا ينتحلون الاحاديث عن الائمة و يضعونها على السنة رواة من ثقات الشيعة المعتدلين ليضمنوا رواجها بين الناس بعامة و جماعات الغلاة بخاصة.قال سعد الاشعري ان الحربية من الغلاة قالوا«بالغلو و التناسخ و الاظلة (2)و الدور (3)،و ادعوا ان هذه المقالات كان يرويها جابر بن عبد اللّه الانصاري،و جابر بن يزيد الجعفي (4)،و ان مذهبهما هذا،و ابطلوا جميع الفرائض و الشرائع و السنن» (5).

و يلجأ الغلاة أحيانا الى دس أحاديثهم المنتحلة في كتب الشيعه،و يبدو ان الائمة التفتوا الى ذلك فحذروا منه.روى الكشي ان هشام بن الحكم سمع الصادق يقول:«كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب على أبي و يأخذ كتب أصحابه،و كان اصحابه المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي فيدفعونها الى المغيرة فكان يدس فيها الكفر و الزندقة و يسندها الى أبي ثم يدفعها الى أصحابه فيأمرهم أن يثبتوها في الشيعة، فكلما كان في كتب أصحاب أبي من الغلو فذاك مما دسه المغيرة بن سعيد في كتبهم» (6).6.

ص: 126


1- الكشي الرجال،ص 195.
2- الاظلة تعني عالم المجردات(الاشعري،المقالات،ص 182).
3- انظر الاشعري،ص 183.تجد تفصيلات عن معنى الدور.
4- قال النوبختي(فرق،ص 31)ان جابرا الانصاري و جابرا الجمعي كانا بريئين مما نسبه اليهما المغيرية.
5- الاشعري،المقالات،ص 43.
6- الرجال،ص 196.

و يبدو ان عملية انتحال الاحاديث من قبل الغلاة و دسها في كتب الشيعة المعتدلين لم تنته بمقتل المغيرة سنة 119 ه بل نجد اشارة للعملية نفسها تعود الى مطلع القرن الثالث الهجري.و لعل في ذلك ما يدل على عمق غور حركة الغلو من جهة،و استمرارها من جهة اخرى.قال الكشي ان يونس بن عبد الرحمن قال:«وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب ابي جعفر(ع)...فسمعت منهم و اخذت كتبهم فعرضتها من بعد على ابي الحسن الرضا(ت203/ ه)فأنكر منها أحاديث كثيرة ان يكون من احاديث ابي عبد اللّه(ع)و قال لي:ان أبا الخطاب كذب على أبى عبد اللّه(ع)لعن اللّه أبا الخطاب،و كذلك أصحاب أبى الخطاب يدسون هذه الاحاديث الى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد اللّه(ع)فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن فأنا ان تحدثنا حدثنا بموافقة القرآن و موافقة السنة...» (1).

و نختم البحث عن الغلو و الغلاة بآراء و ملاحظات ندرجها فيما يلي:- أولا-احتل علي و آل بيته مركزا مرموقا بين الغالبية العظمى من المسلمين،فلا عجب أن نجد الغلو في بداية ظهوره يتركز في الغالب حول أشخاصهم و يظهر في بيئة شيعية هي الكوفة و نواحيها.و كلما أمعن خصوم علي من المسلمين في تشويه منزلته و افتعال الاحاديث و الاخبار في الحط من قدره،كلما زادوه رفعة و جعلوا طوائف من المسلمين يفتنون به و يخرجونه و آل بيته من مصاف البشر الى منزلة الربوبية دون علم منه أو رضاه.

روى المفيد ان الشعبي كان يقول«لقد كنت اسمع خطباء بني أمية يسبون أمير المؤمنين على بن أبى طالب(ع)على منابرهم و كأنما يشال بضبعه الى السماء،و كنت اسمعهم يمدحون اسلافهم على منابرهم و كأنهم يكشفون عن جيفه».و قال الوليد بن عبد الملك لبنيه يوما يا بني عليكم بالدين فأني لم أر الدين بنى شيئا فهدمته الدنيا،و رأيت الدنيا قد بنت بنيانا فهدمه الدين.مازلت اسمع اصحابنا و اهلنا يسبون علي بن أبي طالب(ع)و يدفنون-6

ص: 127


1- الرجال،ص 195-6

فضائله و يحملون الناس على شنأنه فلا يزيده ذلك من القلوب الا قربا، و يجتهدون في تقريبهم من نفوس الخلق فلا يزيدهم ذلك من القلوب الا بعدا» (1).

و هكذا نجد عوامل عدة تتظافر لتجعل من علي و آل بيته موضعا للغلو الذي افتتن فيه الكثيرون من الناس.و قد أثارت هذه الظاهرة قلق الائمة و قلق المعتدلين من شيعتهم فأخذوا يعملون بجد لايقاف تيار الغلو،و لكن وسائلهم التي ذكرناها في أعلاه،كانت غير كافية لان التبرؤ من الغلاة، و اظهار كذبهم لم يزدهم الا تماديا في الغي في أغلب الاحيان.

و يبدو ان علماء الامامية بعد أن تسلموا زمام المذهب بعد الغيبة التفتوا الى الناحية المذكورة فعملوا على مقاومة عدد من أفكار الغلاة،أمثال الدعوة الى اتخاذ الائمة أربابا من دون اللّه،و القول بالتناسخ و الحلول،و تلقي الائمة للوحي،و لكنهم من ناحية ثانية هذبوا و نسقوا الصفات التي خص اللّه بها ائمتهم،كما يعتقدون،و منها العصمة و الالهام و العلم،و غير ذلك من اختصاصات الائمة.فقالوا ان الامام لا بد أن يكون معصوما من الذنوب لانه ان لم يكن معصوما لم يؤمن أن يدخل فيما دخل فيه غيره من الذنوب فيحتاج أن يقام عليه الحد كما يقيمه هو على غيره فيحتاج الامام حينئذ الى امام الى غير نهاية.

و الامام لا يوحى اليه«لان الوحي من جميع جهاته و فنونه منقطع بعد النبي(ص)بأجماع الامة» (2)و لكن العقيدة تقول ان اللّه يعلّم الامام بوسائل منها«الالهام و النكت في القلب و النقر في الاذن و الرؤيا في النوم، و الملك المحدث له،و وجوه رفع المنار له،و العمود و المصباح و عرض الاعمال عليه،لان ذلك كله قد صح بالاخبار الصحيحة القوية الاسانيد انها من علامات علوم الامام و جهاتها فلا يجوز دفعها...» (3).7.

ص: 128


1- الارشاد،ص 146.
2- الاشعري،المقالات،ص 97.
3- أيضا،ص 97.

ثالثا-ان طائفة من المفاهيم و الافكار الشيعية ذات العلاقة بالبدأ و الرجعة تعرضت للتهذيب و التشذيب و خلصت من كثير من الافكار الغريبة التى ادخلها الغلاة،و اسندت بالقران و السنة و مباحث علم الكلام بحيث اصبحت تلك المفاهيم تختلف فى المحتوى و الهدف عن تلك التى قال بها الغلاة.

و لعل فكرة انتقال أرواح الانبياء و الحجج في الاصلاب ادخلت لتحل محل فكرتي التناسخ و الحلول اللتين ادخلهما الغلاة.روى الكشي ان محمد بن فرات سال الباقر(ع)«عن قوله عز و جل (وَ تَقَلُّبَكَ فِي السّاجِدِينَ) قال في أصلاب النبيين.و في رواية الحسن بن احمد قال:من صلب نبي الى صلب نبي» (1).

و قد وردت أقوال نسبت للامام علي أو لغيره من الائمة منها ما روى عن الباقر انه قال«قال أمير المؤمنين(ع)أنا وجه اللّه،و انا جنب اللّه،و انا الاول،و انا الآخر،و انا الظاهر،و أنا الباطن و انا وارث الارض،و انا سبيل اللّه،و به عزمت عليه.فقال معروف بن خربوذ و لها تفسير غير ما يذهب فيها أهل الغلو» (2).

و اعتقد ان القول المذكور و امثاله من صنع اهل الغلو و لكن التفاسير التي أشار اليها ابن خربوذ هي من صنع علماء الشيعة المعتدلين.4.

ص: 129


1- الرجال،ص 194.
2- الكشي،الرجال،ص 184.

الفصل الرابع: العقائد الاساسية للشيعة الامامية

اشارة

ص: 130

سأتناول في هذا الفصل العقائد الاساسية للامامية أمثال الامامة، و العصمة،و الغيبة،ثم الحق ذلك ببحث مختصر للقضايا الفرعية،من تقية، و رجعة،و غير ذلك مما له صلة بعقائد الفرقة المذكورة.و سيكون اهتمامي منصبا بالدرجة الاولى على الجوانب العقيدية ذات الصلة بتاريخ الفرقة، و بما يميزها عن غيرها من الفرق.أما ما يتصل من عقائد الامامية بالالهيات و العبادات فمكانه غير هذا الكتاب.

الامامة:

الاعتقاد بالامامة أمر واجب بالنسبة لكل شيعي امامي.و قد شذ بعضهم عن اجماع الغالبية العظمى من علماء الامامية (1)أ،فرأى«ان دفع الامامة كدفع النبوة لا فرق بينهما لان الجهل بالامامة كالجهل بالنبوة» (2)ب.

و يسوق الامامية ادلة من الكتاب و السنة على وجوب الامامة.قال ابن شهراشوب ان اللّه بقوله: «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً» (3)بدأ بالخليفة

ص: 131


1- أ-الطوسي،محمد بن الحسن،التبيان،ج 9(النجف،1963) ص 351-2. فسر الطوسي الاية(14)من سورة الحجرات بما يأتي:- قال في وصف المؤمن:«ثم وصف المؤمن على الحقيقة فقال(انما المؤمنون على الحقيقة(الذين آمنوا بالله)و صدقوا و أخلصوا بتوحيده (و رسوله)أي و أقروا بنبوة نبيه(ثم لم يرتابوا)أي لم يشكوا في شىء من أقوالهما...». و نخلص من ذلك بنتيجة و هي ان الاعتراف بوحدانية اللّه،و التصديق برسالة محمد(ص)و عدم الشك في شىء من أقوالهما تكفي لوصف الفرد بالايمان.و عبر بعضهم عن ذلك بقوله ان الامامة من ضروريات المذهب لا من ضروريات الدين.
2- ب المرتضى،علي بن الحسين،مجموعة في فنون علم الكلام. تحقيق محمد حسين آل ياسين(بغداد،1955)ص 71.
3- البقرة:30.

قبل الخليقة،و الحكيم العليم يبدأ بالاهم قبل الاعم،و قوله: «فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ» (1)دليل على انه لا يخلو كل زمان من حافظ للدين أما نبي أو امام. (2)و قال الشيخ الطوسي عند تفسيره للاية التالية: «وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً،قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ» (3).

الكلمات هى الامامة على ما قال مجاهد.و المراد بالعهد هو الامامة و هو المروي عن أبي جعفر،و ابي عبد اللّه(ع)قالوا لا يكون الظالم اماما.

و قال الطوسي أيضا«و استدل أصحابنا بهذه الآية على أن الامام لا يكون الا معصوما من القبائح لان اللّه تعالى نفى أن ينال عهده-الذي هو الامامة-ظالم،و من ليس بمعصوم فهو ظالم:أما لنفسه أو لغيره» (4).

أما الادلة على وجوب الامامة في السنة فهي كثيرة،و قد جمع ابن شهراشوب طائفة منها (5).و روى الكليني ان حديثا جرى عن الامامة بحضور أحد أصحاب الرضا(ع)فأخبره بذلك.فقال الامام الرضا:

«جهل القوم...ان اللّه...لم يقبض نبيه(ص)حتى اكمل له الدين..

و انزل في حجة الوداع..:(اليوم أكملت لكم دينكم...)و امر الامامة من تمام الدين...هل يعرفون قدر الامامة و محلها من الامة فيجوز فيها اختيارهم...ان الامامة خص اللّه...بها ابراهيم الخليل(ع)بعد النبوة و الخلة مرتبة ثالثة...فقال:(اني جاعلك للناس اماما)فقالا.

ص: 132


1- الانعام:89.
2- ابن شهراشوب،محمد بن علي،مناقب آل ابي طالب،ج 1 (النجف،1956)ص 211.
3- البقرة:125.
4- التبيان في تفسير القرآن ج 1(النجف،1957)ص 446،و ما بعدها.
5- مناقب آل أبي طالب،ج 1،ص 211 و ما بعدها.

الخليل مسرورا بها:(و من ذريتي)قال اللّه...:«لا ينال عهدي الظالمين»فأبطلت هذه الآية امامة كل ظالم الى يوم القيامة و صارت في الصفوة فلم تزل في ذريته...حتى ورثها اللّه تعالى النبي(ص)...فقلدها(ص) عليا(ع)..فصارت في ذرية الاصفياء...فهي في ولد علي(ع)خاصة الى يوم القيامة...ان الامامة منزلة الانبياء وارث الاوصياء...» (1).

و تناول الشيخ الطوسي المعروف بشيخ الطائفة موضوع الامامة بالتفصيل في كتابه الموسوم ب«تلخيص الشافي في الامامة» (2).و توصل الطوسي الى أن وجود الامام ضروري لان الشريعة مؤبدة و ان المصلحة لها ثابتة الى قيام الساعة لجميع المكلفين،و على هذا لا بد لها من حافظ،و ليس يخلو الحافظ من أن يكون جميع الامة أو بعضها.ثم يستطرد فيقول «و ليس يجوز أن يكون الحافظ لها الامة،لان الامة يجوز عليها السهو و النسيان،و ارتكاب الفساد و العدول عما علمته،فاذن لا بد لها من حافظ معصوم يؤمن من جهته التغيير و التبديل و السهو،ليتمكن المكلفون من المصير الى قوله.و هذا هو الامام الذي نذهب اليه» (3).

و بعد أن يفند الطوسي امامة الآخرين،يثبت امامة ائمة الشيعة الامامية و يقول«فقد ثبت بهذا الترتيب:ان الامام بعد الرسول(ع)أمير المؤمنين (ع)بنصه عليه بالامامة لان كل من قال:و انه(ع)الامام بعد الرسول (ص)،بلا فصل،لم يثبت الامامة له الا بالنص».ثم يسوق الطوسي أدلة حصر الامامة في علي أمير المؤمنين دون غيره و منها:

أ-ان الامام لا بد أن يكون مقطوعا بعصمته،و لم يتوفر الشرط المذكور الا في الامام علي(ع)فهو نتيجة لذلك الامام دون غيره من معاصريه.4.

ص: 133


1- الكافي،ج 1،ص 199-200.
2- طبع الكتاب المذكور في النجف الاشرف سنة 1963.
3- الطوسي،تلخيص الشافي،ج 1 ص 133-4.

ب-يكون الامام أفضل الخلق،و لا تتحقق تلك الصفة لغيره.و اذا ثبت ذلك فلا بد أن يكون هو الامام لفساد امامة المفضول.

ج-ان الامام لا يكون الا اعلم الناس.و قد ثبت بالاجماع ان ابا بكر و العباس لم يكونا بهذه الصفة،بل كانا فاقدين لكثير من علوم الدين و ذلك ظاهر من حالهما فبطلت امامتهما،و ثبتت امامة أمير المؤمنين(ع) (1).

و نفيد مما سبق ان الامامة قضية جوهرية في نظر القائلين بالنص الجلي،و هم الأمامية.و سبق أن أشرنا في الفصل الاول من هذا الكتاب الى النص بنوعيه الجلي و الخفي فلا ضرورة للتكرار.و ينزل الشيعة الامامية الامامة منزلة تلي منزلة الرسالة.«و الامامة من أجل الامور بعد الرسالة، اذ هي فرض من أجل فرائض اللّه...» (2)و هي حصرا في علي لان «النبي(ص)نص عليه و اشار اليه،بأسمه و نسبه و عينه،و قلد الامة امامته و اقامه و نصبه لهم علما،و عقد له عليهم أمرة المؤمنين،و جعله وصيه و خليفته و وزيره في مواطن كثير» (3).

و يترتب على ذلك ان الشيعة الامامية يبطلون امامة من تقدم على علي أمير المؤمنين.«فالشيعة تقول...»كما جاء في رواية الطوسي«ان من تقدم على أمير المؤمنين(ع)لا يصلح للامامة» (4)و يرى الشيعة ان امارة المؤمنين سلبت من علي بمؤامرة دبرها جماعة من بينهم أبو بكر و عمر و ذات مرة سمع الحارث بن الحصيرة الاسدي الامام الباقر يقول«كنت دخلت مع أبي الكعبة فصلى على الرخامة الحمراء بين العمودين فقال:في هذا الموضع تعاقد القوم ان مات رسول اللّه(ص)أو قتل الا يردوا هذا الامر في أحد6.

ص: 134


1- أيضا،ج 1،ص 7-10 ملخصا.
2- الاشعري،المقالات،ص 16.
3- أيضا،ص 15-16.
4- تلخيص الشافي،ج 3،ص 96.

من أهل بيته أبدا،قال قلت:و من كان؟قال:كان الاول و الثاني و ابو عبيدة بن الجراح و سالم بن الحبيبة» (1).

و يبدو ان الاب لامانس snemmaL تبنى الرواية المذكورة و أمثالها عندما أعلن فرضيته المعروفة القائلة بوجود تعاون بين أبي بكر و عمر و ابي عبيدة لنيل الخلافة في سقيفة بني ساعدة.

و من الجدير بالذكر ان اشارات وردت في كتب الشيعة يتبين منها ان ذكر امامة علي و آل بيته لم يقتصر على القرآن و السنة،بل ورد ما يشير اليه في الكتب المقدسة الاخرى.روى المفيد ان حديثا جرى بين النبي(ص) و احد اليهود.فقال النبي:«ان أول ما في التوراة مكتوب محمد رسول اللّه...ثم تلى هذه الآية (يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ) (2)

(وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) (3) و اما الثاني و الثالث و الرابع فعلي و فاطمة و سبطيهما...في التوراة(ايليا و شبرا و شبيرا و هليون)يعني فاطمة و الحسن و الحسين(ع)» (4)و روى المفيد أيضا أن محمد بن الفضيل قال:«سمعت أبا الحسن(ع)يقول ولاية علي(ع) مكتوبة في جميع صحف الانبياء» (5).

و أميل الى القول بأن الحديثين المذكورين و أمثالهما دخلا في كتب الشيعة مع ما دخل من الاسرائيليات الى طائفة من كتب المسلمين كافة.و ربما كان دخولهما و دخول أمثالهما يعود الى الفكرة القائلة بأنه يجرى في الاسلام ما يجرى في الاديان الاخرى حذو القذة بالقذة.

و يعتقد الشيعة ان نص النبي على امامة علي لا يقتصر عليه بل يتسلسل7.

ص: 135


1- الكليني،الكافي،ج 4،ص 545.
2- الاعراف:157.
3- الصف:6.
4- الاختصاص،ص 37.
5- أيضا،ص 187.

في الائمة المعصومين الاثني عشر من ولده قال المسعودى ان أهل الامامة انفردوا بالقول بأن«الامامة لا تكون الا نصا من اللّه و رسوله على عين الامام و اسمه و اشتهاره كذلك،و في سائر الاعصار لا تخلو الناس من حجة اللّه فيهم ظاهرا و باطنا...»و بعد أن يعدد المسعودي فضائل علي و يورد نص النبي على امامته يقول«و ان عليا نص على ابنه الحسن ثم الحسين،و الحسين على علي بن الحسين،و كذلك من بعده الى صاحب الوقت الثاني عشر» (1)

روى المفيد ان سلمان قال«رأيت الحسين بن علي(ع)في حجر النبي(ص)...و هو يقبل عينيه و يقول:أنت...حجة ابن حجة أبو حجج،أنت الامام ابن الامام ابو الائمة التسعة من صلبك،تاسعهم قائمهم» (2).

و روى المفيد أيضا ان عبد العزيز القراطيسي قال ان الصادق(ع)قال «الائمة بعد نبينا(ص)اثنا عشر نجباء مفهمون من نقص منهم واحدا أو زاد فيهم واحدا خرج من دين اللّه و لم يكن من ولايتنا على شىء» (3).

و يعتقد الشيعة ان وجود الامام ضروري لحفظ نظام الكون و الى هذا أشار الامام الصادق بقوله:«لو ان الامام رفع من الارض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله» (4)و كان الامام الصادق يقول:«ما ترك اللّه الارض بغير امام منذ قبض آدم يهتدي به الى اللّه و هو الحجة من تركه هلك و من لزمه نجا» (5)و يرى الطوسي«ان الزمان لا يخلو من حجة لله عقلا و شرعا» (6).6.

ص: 136


1- مروج الذهب،ج 3،ص 156.
2- الاختصاص،ص 207-8.
3- أيضا،ص 233.
4- الكليني،الكافي،ص 63.
5- الكشي،الرجال،ص 237.
6- الغيبة(النجف،1358)ص 56.

و يظهر ان اعتقاد الشيعة بفكرة تسلسل الوصاية من آدم الى آخر أئمتهم،الحجة القائم،رفع من اهمية تلك الوصاية و جعلها ليست صادرة من النبي محمد(ص)و حسب،و مقتصرة على الفترة الاسلامية،بل هي ارادة الهية تستهدف استمرار الرسالة الالهية من آدم الى صاحب الزمان.

و من هذا يظهر أن الشيعة،شأنهم شأن بقية المؤرخين المسلمين القدامى، عدوا التاريخ أنه تاريخ الشعوب الموحدة فقط لا تاريخ البشرية بما فيهم غير الموحدين،و لما كان صاحب الزمان،كما بينا سابقا لم يمت،و هو في حالة الغيبة و سيخرج في آخر الزمان ليملأ الارض قسطا و عدلا،ترتب على هذا أن أئمة الشيعة،بما فيهم القائم،سيبقون حماة لفكرة التوحيد حتى آخر الزمان.

علم الائمة:

أود أن أشير،قبل الدخول في البحث،الى أن جل المصادر التي استعملتها هنا كانت كتب الحديث.و هي،كما أعتقد،من خير المصادر التي تستعمل عند البحث عن عقائد فرقة من الفرق.أما تاريخية جميع المعلومات التي وردت في تلك الاحاديث فهي موضع جدل بين الباحثين.

و يعتقد الامامية ان ائمتهم محيطون بالعلوم الالهية.قال الشيخ الطوسي و مما يدل«على أن الامام يجب أن يكون عالما بجميع أحكام الدين:ما ثبت من كون الامام حجة في الدين و حافظا للشرع» (1)روى المسعودى ي ان الامامية قالوا لا بد أن«يكون[الامام]أعلم الخليقة،لانه ان لم يكن عالما لم يؤمن عليه أن يقلب شرائع اللّه و احكامه فينقطع من يجب عليه الحد، و يحد من يجب عليه القطع،و يضع الاحكام في غير الموضع التي وضعها اللّه...» (2).

ص: 137


1- تلخيص الشافي،ج 1،ص 271.
2- مروج الذهب،ج 3،ص 156.

و الامام لا يوحى اليه،كما أشرنا في الفصل الثالث من هذا الكتاب، بل أنه يستمد علمه من رسول اللّه(ص).قال الطوسي ان«الامام لا يكون عالما بشىء من الاحكام الا من جهة الرسول و اخذ ذلك من جهته» (1).

أما المصدران اللذان اخذ منهما الائمة العلم عن رسول اللّه فهما الكتاب و السنة.روى الصادق ان رسول اللّه(ص)قال:«ان على كل حق حقيقة،و على كل صواب نورا،فما وافق كتاب اللّه فخذوه و ما خالف كتاب اللّه فدعوه».و قال الصادق أيضا«اذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب اللّه أو من قول رسول اللّه(ص)و الا فالذي جاءكم به أولى به».و قال أيضا«كل شىء مردود الى الكتاب و السنة...» (2).

و اتخذ الشيعة الامامية كتاب اللّه و سنة نبيه بمثابة مصدر للتشريع و قد وصف الباقر الفقيه حق الفقيه هو«المتمسك بسنة النبي(ص)».و قال الباقر أيضا «ما من أحد الا و له شرة و فترة،فمن كانت فترته الى سنة فقد اهتدى، و من كانت فترته الى بدعة فقد غوى».و قال أيضا«كل من تعدى السنة رد الى السنة» (3)و امتنع الشيعة عن الاخذ بالقياس و اعتبروه بدعة.

روي ان الصادق قال«ان أصحاب المقائيس طلبوا العلم بالمقائيس فلم تزدهم المقائيس من الحق الا بعدا،و ان دين اللّه لا يصاب بالمقائيس«.و قال الامام مرة لجماعة من شيعته«...انما هلك من قبلكم بالقياس»و انتقد أبا حنيفة لانه كان يقول«قال علي و قلت أنا،و قالت الصحابة و قلت...»و ذات مرة قال أبو الحسن الاول(ع)أي الامام الرضا(ع)ليونس بن عبد الرحمن «لا تكونن مبتدعا،من نظر برأيه هلك...» (4).

و نفيد مما سبق أن تسمية اتباع المذاهب الاربعة من المسلمين لانفسهم7.

ص: 138


1- تلخيص،ج 1،ص 253.
2- الكليني،الكافي،ج 1،ص 69.
3- أيضا ج 1،ص 70-1.
4- أيضا،ج 1،ص 56-7.

بأهل السنة لا تعني انهم يتمسكون بسنة الرسول دون الشيعة الامامية و غيرهم من المسلمين.و ربما وضعت تلك التسمية نكاية بالشيعة و مما يؤيد ذلك ان كتب الشيعة القديمة لاتنعتهم بالاسم المذكور،انما تسميهم ب «العامة»مقابل«الخاصة» (1)و هو الاسم الذي أطلقه الشيعة على أنفسهم.

أما السبب الذى من أجله وجدت مجموعات حديث خاصة عند الشيعة الامامية تختلف عن تلك التي عند السنة،فيعود الى أن الشيعة الامامية لا يروون السنة النبوية في الغالب الاعم الا عن طريق المعصومين بينما أهل السنة لا يشترطون عصمة من يروون عنه،و لكنهم يطبقون مقاييسهم الخاصة على رواتهم.فالبخاري صاحب الصحيح لم يرو عن الصادق(ع)مع أنه أكثر رواة الحديث اهمية عند الامامية و قد روى اكبر كمية من الاحاديث عن آبائه من المعصومين،و ذلك ان المعصوم لا يروى الا عن معصوم.

أما الكيفية التي تكونت بها مدرستان فكريتان في الحديث احدهما عند أهل السنة و الثانية عند الامامية فقد أتينا على ذكرها في الفصل الاول من هذا الكتاب و نضيف هنا ما يأتي:

جرى حديث بين عمر بن حنظلة و الامام الصادق حول الطريقة الفضلى التي تحل بموجبها خصومة قد تجري بين شيعيين.فنصحه الامام بعدم الاحتكام للسلطان و قضاته،و بضرورة اللجوء الى فقيه شيعى.و في حالة اختلاف المتخاصمين يصار الى الاعدل و الاصدق في الحديث.و عند وجود أخبار متعددة عن الائمة في تلك القضية يصار الى الخبر المجمع عليه من علماء الشيعة.و عند وجود خبرين مشهورين عن الائمة يصار الى ما وافق«حكمه حكم الكتاب و السنة و خالف العامة»و يقصد بالعامة هنا أهل السنة.و عند ما سأل ابن حنظلة عن وجود خبرين توفرت فيهما جميع الشروط سوى ان أحدهما كان موافقا للعامة و الآخر مخالفا لهم.3.

ص: 139


1- المفيد،الارشاد،ص 253.

قال الامام يؤخذ«ما خاف العامة ففيه الرشاد» (+).و نستنتج مما أوردناه سابقا و من الخبر الوارد في أعلاه ان هناك مدرستين اسلاميتين فكريتين مختلفين أحدهما شيعية امامية و ثانيتهما لاهل السنة،و ينحصر اختلافهما لا في ماهية المنبعين الرئيسين للاحكام الشرعية،و هما الكتاب و السنة،بل فى طريقة الوصول الى ارادة اللّه الكامنة في المنبعين المذكورين.

و نحتمل أن موقف البخاري المشار اليه في أعلاه من الامام الصادق كان ردا على موقف الامام من الغالبية العظمى من أحاديث اهل السنة.

كما احتمل أن من بين العوامل التي حدت بالصادق لاتخاذ ذلك الموقف هو لجوء أهل السنة الى القياس،و روايتهم عن الضعفاء أحيانا،أمثال أبي هريرة.

و نعود الى ذكر الطريقة التي سد بها الشيعة الامامية النقص الذي حصل عن الاستغناء عن القياس.و نحتمل ان علماء الامامية استعانوا بما ورد عن أئمتهم من احاديث تضمنت حلولا لمشكلات لم توجد فيها سنة صريحة أو آية من القرآن.و لعل الائمة توصلوا لتلك الحلول بما علمهم اللّه،كما يعتقد الشيعة الامامية،من الالهام،و النكت في القلب،و النقر في الاذن،و الرؤيا في النوم،و الملك المحدث للامام و وجوه رفع المنار له، و العمود و المصباح و عرض الاعمال عليه (1).روى المفيد أن عبد الرحيم قال«سمعت أبا جعفر(ع)يقول:ان عليا كان اذا ورد عليه أمر لم يجيء فيه كتاب و لم تجيء به سنة رجم فيه-يعني ساهم-»فأصاب،ثم قال:

يا عبد الرحيم و تلك من المعضلات» (2).و لما كان الامام معصوما عند الامامية فلا مجال للشك فيما يقول.0.

ص: 140


1- الاشعري،المقالات،ص 97.
2- الاختصاص،ص 310.

أما معرفة الائمة للقران فقد روى الكليني ان جعفر بن محمد قال:

«ان اللّه علم نبيه التنزيل و التاويل فعلمه رسول اللّه(ص)عليا(ع)قال -و علما و اللّه... (1)روى الكليني ان الرضا قال«ان الانبياء و الائمة صلوات اللّه عليهم يوفقهم اللّه،و يؤتيهم من مخزون علمه و حكمه مالا يؤتيه غيرهم،فيكون علمهم فوق علم اهل الزمان...» (2)و يعتقد الشيعة ان الامام عليا اعلم الناس بالقران و أكثرهم تعليما له.قال الكليني قلت للناس-«من قيم القران؟فقالوا ابن مسعود يعلم،و عمر يعلم، و حذيفة يعلم،قلت كله قالوا لا،فلم أجد أحدا يقال انه يعرف ذلك الا عليا فأشهد ان عليا صلوات اللّه عليه كان قيم القران» (3)و يستند الامامية، فيما يستندون،في اعتقادهم بأن عليا محيط بعلوم القرآن كلها على روايات منها-قال الامام علي«كنت أدخل على رسول اللّه كل يوم دخلة،و كل ليلة دخلة فيخليني فيها أدور معه حيث مادار،و قد علم اصحاب رسول اللّه أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري...و كنت اذا سألته اجابني، و اذا سكت و فنيت مسائلي ابتداني فما نزلت على رسول اللّه آية من القرآن الا اقرأنيها و املاها علي فكتبتها بخطي و علمني تأويلها،و تفسيرها، و ناسخها و منسوخها،و محكمها و متشابهها و خاصها و عامها،و دعا اللّه أن يعطيني فهمها و حفظها» (4)و قال علي أيضا«سلوني قبل أن تفقدوني و الذي فلق الحبة و برأ النسمة لو سألتموني عن آية في ليل أنزلت أو في نهار انزلت مكيها،و مدينها،سفريها و حضريها،ناسخها و منسوخها محكمها و متشابهها،و تأويلها،و تنزيلها لاخبرتكم به» (5).6.

ص: 141


1- الكليني،الكافي،ج 7،ص 442.
2- ايضا،ج،ص 202.
3- الكليني،الكافي،ص 59.
4- القمي،محمد بن علي،الخصال(طهران،1320 ص 123.
5- المفيد،الاختصاص،ص 236.

و يعتقد الشيعة أن عليا(ع)لم يكن واسع المعرفة في علوم القرآن حسب،بل كان واسع الاطلاع في الحديث أيضا.و قد كتب علي عن رسول اللّه(ص)حديثا كثيرا ضمنه في صحف (1)توارثها الائمة من بعده.

و يعتقد الشيعة ان كتب الامام علي كانت تنتقل الى أئمتهم يتوارثها الخلف عن السلف.و ذات مرة قيل لزيد بن علي أن الصادق«لم يترك شيئا مما سألناه عنه الا أجابنا بما يقع فتبسم زيد ثم قال-أما و اللّه لئن قلت هذا فأن كتب علي عنده دوننا» (2).

و من الجدير بالذكر انه ليس للصحف المذكورة اهمية في الوقت الحاضر،فهي لم تكن من بين كتب الحديث الشيعية الاربعة التي هى بمثابة الصحاح الستة عند أهل السنة كما أنها لم تكن موجودة في الوقت الحاضر و يظهر انها غير موجودة عند غير الائمة من الشيعة.و لم نعثر على كاتب امامي أشار الى أنه استقى معلومات بصورة مباشرة من هذه الصحف المذكورة.و كل ما عثرنا عليه أقوال للائمة(ع)اخبروا فيها شيعتهم انهم استقوا الحديث الفلاتي عن كتب علي التى يحتفظون بها صاغرا عن كابر (3)4.

ص: 142


1- و كانت احدى الصحف المذكورة تسمى«الجفر»و يصفه الكليني(الكافي،85-6)بأنه(وعاء من آدم فيه علم النبيين و علم العلماء الذين مضوا من بني اسرائيل...و هناك صحيفة ثانية تسمى«مصحف فاطمة»و حجمه يزيد على حجم القرآن بثلاث مرات على رواية الكليني السابقة.و يقصد بالمصحف هنا كتاب الحديث لان(الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله اللّه اليه(النبي)للاعجاز و التحدي لتعليم الاحكام...و انه لا نقص فيه و لا تحريف و لا زيادة و على هذا اجماعهم...).انظر-محمد حسين كاشف الغطاء«أصل الشيعة،ص 106».
2- ابن شهراشوب،محمد بن علي،مناقب آل ابي طالب، ح 3(النجف،1956)ص 374.
3- المسعودى،مروج الذهب،ج 4(القاهرة،لا.ت)ص 114.

و كان ائمة الشيعة يعدون تعليم ما يحيطون به من علوم بمثابة تبليغ للرسالة التي عهد اللّه تبليغها للنبي محمد(ص)،و النبي بدوره عهد اليهم، بكونهم مبلغين عنه اتمام تلك الرسالة.روى الشيخ المفيد ان جعفر بن محمد (ص)قال-«من جاءنا يلتمس الفقه و القرآن و التفسير فدعوه...» (1) و روى احدهم انه سمع الرضا(ع)يقول«رحم اللّه عبدا أحي أمرنا.

فقلت له كيف يحي امركم قال-يتعلم علومنا و يعلمها الناس فان الناس لو علموا محاسن كلامنا لتبعونا» (2).

اما قضية تأويل القرآن فالامامية،على رواية الكليني،يقولون ان أئمتهم محيطون بتأويله،و ان الراسخين في العلم الواردة في القرآن تعني أئمتهم المعصومين(ع).روى الكليني ان الامام الصادق قال ان المقصود بالاية «...وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ» (3)هو أمير المؤمنين و الائمة(ع) (4).و أورد الكليني نماذج من تأويل الائمة للقرآن منها:

1-ان أبا ولاد قال:«سألت أبا عبد اللّه عن قول اللّه عز و جل:

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) (5) قال:هم الائمة(ع)» (6).

2-سأل محمد بن الفضل الامام الباقر عن معنى الآية: «بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ» (7)فقال الامام«هم الائمة خاصة» (8).4.

ص: 143


1- المفيد،الامالي(النجف،1351)ص 1.
2- القمي،معاني الاخبار(طهران،1376)ص 180.
3- آل عمران:آية-7
4- الكليني،الكافي،ج 1،ص 415.
5- البقرة:آية-120.
6- الكافي،ج 1،ص 215.
7- العنكبوت:آية-48.
8- الكافي،ج 1،ص 214.

3-سأل عبد اللّه بن عجلان الباقر عن معنى الآية «وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ» (1).قال الامام(ع):«نحن قومه و نحن المسؤولون» (2).

4-سأل العلاء بن سيابة الصادق عن معنى قوله تعالى «إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ» (3).قال(ع):«يهدى الى الامام» (4).

و يبدو ان رواية الكليني المذكورة في اعلاه شاذة و لا تمثل رأي الامامية كافة في قضية خطيرة و هي تأويل القرآن بالشكل الذى اوردته قبل قليل.

و من الادلة على ذلك هو أن طائفة من المفسرين الامامية لم يفسروا عبارة الراسخين في العلم الواردة في القرآن الكريم بانها تعني الائمة حصرا.

و أشار الشريف الرضي(ت:406 ه)و الطوسي الى اختلاف المفسرين حول امكان العلماء تأويل القرآن أو عدمه.كما لم يخصصا نوع العلماء الذي يستطيع تأويل القرآن (5)و عند ما فسر الطوسي الآية التى وردت في رقم(1) من النماذج السابقة قال:«المعني بهذه الآية-في قول قتادة و اختيار الجبائي-أصحاب النبي(ص)الذين آمنوا بالقرآن و صدقوا به» (6).

و عند تفسيره للآية الواردة في رقم(4)من النماذج،قال الطوسي«ان هذا القرآن الذى أنزله[اللّه]على محمد(ص)(يهدي)أى يدل(للتي أقوم) قال الفراء:لشهادة ان لا اله الا اللّه.و يحتمل ان يكون المراد يهدى لجميع سبل الدين...من توحيد اللّه،و عدله،و صدق انبيائه...» (7).3.

ص: 144


1- الزخرف:آية-43.
2- الكافي،1 ج،ص 210.
3- الاسراء:آية-9.
4- الكافي،ج 1،ص 216.
5- الطوسي،محمد بن الحسن،التبيان في تفسير القرآن ج 3(النجف،1957)ص 400،الشريف الرضي،محمد،حقائق التأويل في متشابهات التنزيل،ج 5(النجف،1936)ص 7-و ما بعدها.
6- التبيان،ج 1،ص 441.
7- أيضا،ج 6،ص 452-53.

و الذى نقرره هنا ان المفسرين الامامية،لا المحدثين منهم،هم خير من يعول عليهم في معرفة رأى الطائفة الامامية في تفسير القرآن و تأويله.

ثم ان النتيجة التي توصلت اليها في هذا الباب تؤيد ما سبق ان اوردته في صدر هذا المبحث حول عدم تاريخية جميع المعلومات التي ترد فى الاحاديث.

و قد برزت طائفة من الائمة في كثير من العلوم الاسلامية أمثال التفسير و الحديث و ادب الدعاء و الخطابة و غير ذلك مما له صلة في العلوم المذكورة.

فعلم النحو مثلا ينسب تأسيسه كثير من الكتاب الى الامام علي و الى تلميذه ابي الاسود الدؤلي.قال أبو حيان التوحيدي«ان علي بن ابي طالب عليه السّلام سمع قارئا يقرأ على غير وجه الصواب فساءه ذلك فتقدم الى ابي الاسود الدؤلي حتى وضع للناس أصلا و مثالا و قياسا بعد ان وفق له حاشيته و مهد له مهاده و ضرب له قواعده (1).قال الديلمي أن أهل العلم كافة ينسبون الى علي(ع)«أما علم الكلام فأصله ابو هاشم بن محمد بن الحنفية الذى استفاد منه عليه السّلام،و أما علم الادب فهو الذى قسم الكلام على ثلاثة اضرب،و أمر ابا الأسود الدؤلي وضعه بعد أن نبهه على أصله،و اما علم التفسير فاصله ابن عباس تلميذ علي عليه السّلام،و اما علم الفصاحة فهو عليه السّلام علم الناس الخطب و الكلام الفصيح.و أما علم الفقه فانتساب الشيعة اليه ظاهر.و ابو حنيفة كان تلميذ الصادق(ع)و الشافعي قرأ على محمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة و أحمد تلميذ الكاظم(ع)و مالك قرأ على ربيعة الرأى و ربيعة الرأى قرأه على عكرمة،و عكرمة قرأ على ابن عباس تلميذ علي(ع)» (2).و قال السيد المرتضى«اعلم ان أصول التوحيد و العدل ماخوذة من كلام أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه.و خطبه فانها تتضمن من8.

ص: 145


1- البصائر و الذخائر،ج 1،(بغداد،1954)ص 175.
2- الديلمي،محمد،الشاد القلوب،ج 2،(بيروت،1381) ص 7-8.

ذلك ما لا زيادة عليه،و لا غاية وراءه و من تأمل المأثور في ذلك من كلامه علم أن جميع ما أسهب المتكلمون من بعده في تصنيفه و جمعه،انما هو تفصيل لتلك الجمل و شرح لتلك الاصول.و روى عن الائمة من أبنائه عليهم السّلام من ذلك ما يكاد لا يحاط به كثرة...» (1).

و قد وصف حذيفة بن اليمان عليا بانه«أرجح الناس علما» (2)و قال فيه خزيمة بن ثابت:

وجدناه اولى الناس بالناس انه اطب قريش بالكتاب و بالسنن (3)

و قال مرة«يا طالب العالم ان للعالم ثلاث علامات،العلم بالله،و بما يحب اللّه و بما يكره اللّه...» (4)و كان علي بن ابي طالب بالكوفة في الجامع اذا قام اليه رجل من أهل الشام فساله عن مسائل (5)و كان الامام يدقق في رواية الحديث عن الرسول(ص).و كان يقول:«ما حدثني أحد بحديث الا استحلفته عليه» (6)و ذات مرة قال ابن عباس «علي علمني و كان علمه من رسول اللّه...و علم أصحاب محمد كلهم في علم علي كالقطرة الواحدة في البحر...» (7)و ذكر اليعقوبي جماعة من تلامذة الامام علي(ع)الذين كانوا يحملون عنه العلم،و كان من بينهم الحارث بن الاعور،و أبو الطفيل عامر بن وائلة،و حبة العربي و رشيد الهجري،و جويرية بن مسهر،و الاصبغ بن نباته،و ميثم التمار8.

ص: 146


1- المرتضى،الامالي،ج 1(القاهرة،1954)ص 148.
2- المفيد،الفصول،ج 2،ص 65.
3- أيضا،ج 2،ص 77.
4- اليعقوبي،التاريخ،ج 2،ص 183.
5- القمي،الخصال(طهران،1302)ص 136.
6- المفيد،الفصول،ج 2،ص 124.
7- الطوسي،الامالي،ص 8.

و الحسن بن علي (1)و كان أبو رافع من تلامذة علي أيضا،و ألف كتاب السنن و الاحكام و القضايا (2).

و في مسجد الكوفة القى الامام(ع)الاكثرية العظمى من خطبه التي حواها نهج البلاغة.قال ماسنيون«و أما في النثر ففي الكوفة تكونت تلك المجموعة المعتبرة النفيسة(نهج البلاغة)الحاوية على الخطب و المواعظ التي القاها علي هناك» (3).

و كان الامام علي بن الحسين من بين الائمة الذين وردتنا معلومات عن اهتمامهم بالرواية و نشر العلم.و لكن شهرة الامام زين العابدين ترتكز على أدب الدعاء.و قد وصلتنا مجموعة من أدعيته عرفت ب«الصحيفة السجادية».و سميت الصحيفة أيضا ب«الكاملة» (4)و تبدأ الصحيفة بسند روايتها الذى يبدأ بالسيد الاجل نجم الدين بهاء الشرف محمد بن الحسن الحسيني،و تلقى الحسينى الصحيفة عن محمد بن أحمد بن شهريار الخازن لخزانة مولانا أمير المؤمنين علي بن ابي طالب سنة ست عشرة و خمسمائة للهجرة.و ينتهي سند الصحيفة الى الامام زين العابدين (5).و يبلغ مجموع أدعية الصحيفة أربعة و خمسين دعاء.و قد الحق بها الناشر أدعية للامام زين العابدين قيلت بمناسبات مختلفة.

و تتميز أدعية الصحيفة بلهجة تم عن الخشوع التام،و الحزن العميق.

و لعل في ذلك دليلا على صحة نسبتها للامام زين العابدين،نظرا لان6.

ص: 147


1- التاريخ،ج 2،ص 190.
2- الكشي،الرجال،ص 76.
3- خطط الكوفة-ترجمة تقي المصعبي(صيدا،1939)ص 13.
4- الامام زين العابدين،الصحيفة السجادية(النجف،1352) ص 6.
5- أيضا،ص 2-6.

الامام المذكور عاش ظروفا قاسية،و شهد مصرع أبيه الحسين و أصحابه في كربلاء و ذاق مرارة الاسر و تحمل مسؤوليات جساما.

و يقول الشيبي عن الصحيفة المذكورة«و لا شك في نسبه كثير من اجزاء الادعية المذكورة الى الامام زين العابدين،و لكن يبدو ان اضافات كثيرة قد اكتنفت النصوص الأصيلة،و سادتها الصنعة البلاغية بحيث طالت نصوصها، و المفروض في نص الدعاء ان يكون قصيرا ليسهل حفظه...» (1).

و كان الامام زين العابدين يتوثق من الرواة الذين يروون عنه الحديث و يحذرهم من الكذب و ذات مرة نصح علي بن الحسين(ع)القاسم بن عوف لما سمع انه يكذب عليه و يروى عنه احاديث منكرة.قال القاسم بن عوف لقيت«علي بن الحسين(ع)فقال لي يا هذا اياك ان تأتي أهل العراق فتخبرهم انا استودعناك علما،فانا و اللّه ما فعلنا ذلك و اياك ان تترأس بنا فيصعك اللّه،و اياك ان تستأكل بنا فيزيدك اللّه فقرا،و أعلم انك ان تكن ذنبا في الخير خير لك من ان تكون رأسا في الشر،و أعلم انه من يحدث عنا بحديث سألنا يوما فان حدث صدقا كتبه اللّه صديقا،و ان حدث و كذب كتبه اللّه كذابا...» (2).

و عند ما تولى الامام الباقر الأمامة أولى عنايته للعلم و نشره.قال محمد بن مسلم «سمعت من ابي جعفر(ع)ثلاثين ألف حديث،ثم لقيت جعفرا ابنه فسمعت منه...ستة عشر ألف حديث أو قال مسأله...» (3)و قال جابر بن يزيد الجعفي«حدثني ابو جعفر(ع)سبعين ألف حديث (4)و قال جابر أيضا قلت لابي جعفر(ع)جعلت فداك انك قد حملتني و قرا عظيما بما حدثتني6.

ص: 148


1- الصلة بين التصوف و التشيع،ج 1،ص 166.
2- الكشي،الرجال،ص 114-5.
3- الكشي،الرجال،ص 150.
4- المفيد،الاختصاص،ص 66.

به..» (1).و ذات مرة سأل أحدهم عبد اللّه بن عمر عن مسألة فلم يدر بما يجيبه فقال-«اذهب الى ذلك الغلام فسله و اعلمني بما يجيبك،و اشار الى محمد بن علي الباقر،فأتاه فسأله فأجابه فرجع الى ابن عمر فأخبره.

فقال ابن عمر انهم أهل بيت مفهمون (2).قال ثوير بن فاخته«خرجت حاجا فصحبني عمرو بن ذر القاضي و ابن قيس المآصر و الصلت بن بهرام و كانوا اذا نزلوا-انظر الان فقد حررنا اربعة آلاف مسألة نسأل أبا جعفر(ع) منها عن ثلاثين كل يوم و قد قلدناك ذلك...» (3).

«و يورد الشيخ الطوسي عددا من تلامذة الباقر و الصادق(ع)و من بين هؤلاء اسماعيل بن زياد البزاز الكوفي الاسدى روى عنه[أي الباقر]و عن ابي عبد اللّه(ع).«و الحسن بن شهاب بن يزيد البارقي الأزدي الكوفي.

روى عنه(ع)و عن ابي عبد اللّه(ع)».و«زهير المدائني روى عنه(ع) و عن ابي عبد اللّه(ع)».و الحكم بن المختار بن ابي عبيدة...روى عنه و عن ابي عبد اللّه(ع) (4)».

و يبدو مما سبق ان الامام الباقر كان من مشاهير علماء أهل البيت و محدثيهم.و قال عنه المجلسي انه«لم يظهر عن أحد من أولاد الحسن و الحسين(ع)من العلوم ما ظهر منه[أى الباقر]من التفسير و الكلام و الفتيا و الحلال و الحرام...و قد روى عنه معالم الدين بقايا الصحابة و وجوه التابعين و رؤساء فقهاء المسلمين.فمن الصحابة نحو جابر بن عبد اللّه الانصارى،و من التابعين نحو جابر بن يزيد الجعفي و كيسان السنحتياني صاحب الصوفية،و من الفقهاء نحو ابن المبارك،و الزهرى،و الأوزاعي،و ابي حنيفة،و مالك،و الشافعي،و زياد بن المنذر،و النهدي،و من المصنفين نحو3،

ص: 149


1- الكشي،ص 171.
2- المجلسي،محمد باقر،بحار الانوار،ج 11(طهران،1315) ص 83.
3- الكشي،الرجال،ص 191.
4- الطوسي،الرجال،ص 104،108،113،114،123،

الطبرى،و البلاذرى و السلامي و الخطيب في تواريخهم.و في الموطأ، و شرف المصطفى،و الأبانة،و حلية الاولياء،و سنن ابي داود،...و مسند ابي حنيفة،و المروزي،و الراغب الأصفهاني،و بسيط الواحدى و تفسير النقاشي،و الزمخشرى،و معرفة أصول السمعاني.[و كانوا]يقولون قال محمد بن علي و ربما قالوا محمد الباقر» (1).

تولى الامامة بعد الباقر ابنه الصادق(ع).و يعد انتقال الامامة الى الصادق نقطة فاصلة في تاريخ الشيعة الذين عرفوا فيما بعد بالامامية،و عهدا مهد لتوضيح قواعد مذهبهم و تركيزها.و كان عصر الصادق مواتيا من الناحيتين السياسية و الثقافية.فمن الناحية السياسية كان عصره عصر انتقال من العهد الاموي الى العهد العباسي.و خفت الرقابة على أئمة الشيعة في العصر المذكور مما مكنهم من الانصراف كلية للعلم.أما من الناحية الثقافية فيعد عصر الصادق العصر الذى انتشر فيه تدوين معظم العلوم الاسلامية من فقه و حديث،هذا فضلا عن ظهور علم الكلام الذى تأثر واضعوه بالعلوم اليونانية.و كان الامام الصادق(ع)من أكثر أئمة الشيعة اسلاف الامامية نشاطا و عملا على نشر علوم أهل البيت من جهة،و الدفاع عن مذهبهم في وجه ممثلي الجماعات الاخرى،من المسلمين،أو من الغلاة و الزنادقة من جهة أخرى.و كان الصادق(ع)يشجع طلبته على كتابة ما يسمعون و يوصيهم بحفظ كتبهم.و ذات مرة قال لتلميذه عبيد بن زرارة«ان رسول اللّه(ص) قال قيدوا العلم،و فسرّ له تقييد العلم كتابته».ثم قال له«احتفظوا بكتبكم فانكم سوف تحتاجون اليها» (2).و قد وردت اشارة يستدل منها ان الامام الصادق كان يدرس طلبته أحيانا كتبا معينة.قال زرارة«أمر أبو جعفر(ع) أبا عبد اللّه فاقرأني صحيفة الفرائض فرأيت جل ما فيها على أربعة اسهم» (3).1.

ص: 150


1- المجلسي،بحار الانوار،ج 11،ص 84.
2- الطوسي،محمد بن الحسن،الامالي(طبعة حجر)ص 95.
3- الكليني،الكافي،ج 4،ص 81.

و يبدو ان عدد تلامذة الصادق كان كبيرا.روى النجاشي ان الحسن ابن علي الوشاء قال:«ادركت في هذا المسجد تسع مائة شيخ كل يقول حدثني جعفر بن محمد» (1).و قال الشيخ المفيد في معرض كلامه عن الصادق(ع)«كان انبههم[اخوته]ذكرا،و أعظمهم قدرا،و أجلهم في الخاصة و العامة و نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان و انتشر ذكره في البلدان،و لم ينقل عن أحد من أهل بيته العلماء ما نقل عنه،و لا لقى أحد منهم من أهل الآثار و نقلة الاخبار،و لا نقلوا عنهم كما نقلوا عن ابي عبد اللّه(ع)فان اصحاب الحديث قد جمعوا اسماء الرواة عنه من الثقاة على اختلافهم في الاراء و المقالات فكانوا اربعة آلاف رجل من اصحابه» (2).

و وردت اشارة الى ان الامام الصادق كان يصحح مؤلفات تلامذته أحيانا.روى الحلي ان لعبيد اللّه كتابا«عرضه على الصادق(ع)و صححه و قال عند قراءته ليس لهؤلاء في الفقه مثله.و هو أول كتاب صنفه الشيعة» (3).

و للشهرستاني رأي عن الصادق و عن غزارة علمه يقول فيه:«و هو ذو علم غزير في الدين،و أدب كامل في الحكمة،و زهد بالغ في الدنيا، و ورع تام عن الشهوات.و قد أقام بالمدينة مدة يفيد الشيعة المنتمين اليه و يفيض على الموالين له اسرار العلوم...ثم دخل العراق و اقام بها مدة ما تعرض للامامة قط،و لا نازع أحدا في الخلافة قط،و من غرق في بحر المعرفة لم.يطمع في شط،و من تعلى الى ذروة الحقيقة لم يخف من حط» (4).-5

ص: 151


1- الرجال،ص 31.
2- الارشاد،ص 249.
3- الطوسي،الرجال،ص 56.
4- الملل و النحل،(القاهرة،1947)ص 334-5

و للجاحظ رأى في الامام الصادق و أبيه الباقر.يقول الجاحظ:

«و كان محمد بن علي بن الحسين،سيد فقهاء الحجاز،و منه و من ابنه جعفر تعلم الناس الفقه،و هو الملقب بالباقر،باقر العلم» (1).

أما الكتاب المعاصرون فلهم آراؤهم في علم الامام الصادق.فدونالدسون عد الامام الصادق صاحب مدرسة شبه سقراطية (2)و رأى أمير علي أن المدرسة التي أسسها الامام الصادق،لم تغلق بوفاته،بل ظلت تزدهر برعاية ابنه موسى الكاظم (3).

و لعل فيما أوردناه عن المركز العلمي الذي احتله الأمامان الباقر و الصادق يضعف رأي الدكتور كامل الشيبي الذى يقول فيه أما الباقر«فقد اشتهر بالعلم حتى لقب بالباقر بناء على نبؤة من النبي بولادته،و لكن علمه ضاع..

و لم يبق منه الا كونه لام اخاه زيدا...على الاخذ من واصل بن عطاء شيخ المعتزلة...»و عند كلامه عن علم الصادق يقول الشيبي أيضا«لكن هذا العلم ضاع في زحمة التلفيق عليه حتى لقد أعرض البخارى عن رواية أحاديثه.و لم يبق من تراث الصادق الا الشاذ من المعارف كالرسائل التي يرويها جابر بن حيان عنه في الكيمياء...و الجعفر في علم ما سيقع لاهل البيت على العموم و لبعض الاشخاص منهم على الخصوص...» (4).

و قد أوردنا معلومات وافية عن الانجازات الفكرية للائمة المعصومين بما فيهم الباقر و الصادق في كتابنا الموسوم ب«تاريخ التربية عند الامامية بين عصرى الامام الصادق و الطوسي» (5).ع.

ص: 152


1- الرسائل-باعتناء السندوبي(القاهرة،1933)ص 108.
2- دونالدسن،دوايت،عقيدة الشيعة تر:ع.م(القاهرة، 1946)ص 132.
3- مختصر تاريخ العرب،تر:عفيف البعلبكي(بيروت،1961) ص 209.
4- الفكر الشيعى(بغداد،1966)ص 33-4.
5- الكتاب المذكور اطروحتنا للدكتوراه،و هو مهيء للطبع.

و بعد الامام الصادق تولى الامامان الكاظم و الرضا الامامة بالتعاقب.

و اشتهر الامامان بالعلم،و لكن دورهما رغم أهميته،لا يقارن من حيث الاهمية بدور الامامين الباقر و الصادق.و يعود ذلك الى:

أولا-كانت رقابة خلفاء بني العباس المعاصرين للامام الكاظم شديدة على الامام المذكور (1).

ثانيا-انشغال الامام علي الرضا لفترة من حياته في السياسة و ذلك حين ولاه المأمون ولاية العهد.

و كان للامام الكاظم عدد من التلامذة رووا عنه الحديث و الفقه.

منهم ابراهيم المروزي الذى ألف كتابا ضمنه ما سمعه من أحاديث الامام و هو في السجن (2).و الحسن بن علي بن يقطين و له«كتاب مسائل موسى بن جعفر(ع)» (3)و بكر بن الاشعث الذى روى«عن موسى بن جعفر كتابا» (4).

و قد وردت اسماء طائفة كبيرة من أصحاب الامام الكاظم(ع)في كتب الرجال و من بينها رجال الطوسي (5).

أما تلامذة الامام الرضا(ع)فكان منهم يونس بن عبد الرحمن (6)

و عبد اللّه بن سعد بن حيان الذى روى عن الامام الرضا«كتاب الديات» (7).

و قد وردت أسماء طائفة كبيرة من اصحاب الامام الرضا و غيره من الائمة المعصومين الذين تولوا الامامة بعده أمثال محمد الجواد،و علي الهادى،و الحسن العسكرى في كتب الرجال و من بينها رجال الطوسي.3.

ص: 153


1- المفيد،الارشاد،ص 272.
2- النجاشي،الرجال،ص 319.
3- الطوسي،الفهرست(النجف،1937)ص 73.
4- النجاشي،الرجال،ص 84.
5- الرجال،ص 342-و ما بعدها.
6- الحلي،الرجال،ص 89.
7- أيضا،ص 43.

العصمة:

يعتقد الشيعة الامامية بعصمة الائمة من الخطأ و الخطيئة و النسيان.

و يرون أن الامام بمثابة النبي معصوم من جميع الرذائل و الفواحش ما ظهر منها،و ما بطن،من سن الطفولة الى الموت عمدا و سهوا.قال الامام علي بن الحسين(ع):«ان الامام منا لا يكون الا معصوما و ليست العصمة في ظاهر الخليقة فيعرف بها و لذلك لا يكون الا منصوصا.فقيل له:...فما معنى المعصوم؟قال هو المعتصم بحبل اللّه،و حبل اللّه هو القرآن لا يفترقان الى يوم القيامة» (1).

و عالج الشريف المرتضى عصمة الانبياء و الائمة في كتابه الموسوم ب «تنزيه الانبياء» (2)فقال عند كلامه عن الانبياء«قالت الشيعة الامامية لا يجوز عليهم شيء من المعاصي و الذنوب كبيرا كان أو صغيرا لا قبل النبوة و لا بعدها،و يقولون في الائمة مثل ذلك» (3).

و يعد العلامة الحلي(ت:726 ه)من أكثر الكتاب الامامية عنايه في معالجة موضوع العصمة.و يبدو أن تبلور عقيدة العصمة و تطورها عند الامامية مكنتاه من تقديم عدد كبير من الادلة على وجوبها مسندة بالقرآن و السنة،و علم الكلام.و ضمن الحلي أدلته تلك بكتابه الموسوم ب«الالفين الفارق بين الحق و المين» (4).

ص: 154


1- القمي،محمد بن علي،عيون أخبار الرضا،ج 1(طهران، 1318)ص 51.
2- طبع الكتاب المذكور في النجف سنة 1960.
3- المرتضى،تنزيه الانبياء،ص 30.
4- طبع الكتاب المذكور بعنوان«الالفين في امامة امير المؤمنين علي بن أبي طالب ع»في النجف،سنة 1372 ه.و يبدو أن الكتاب لم يتمه مؤلفه.و جاء في آخر النسخة المطبوعة التي اعتمدناها«فهذا آخر ما أردنا ايراده في هذا الكتاب من الادلة الدالة على وجوب عصمة الامام(ع) و هي ألف و ثمانية و ثلاثون دليلا».

و نورد هنا طائفة من الادلة التي أوردها الحلي في اثبات العصمة بعد أن عرف العصمة بأنها ما يمنع المكلف من المعصية.و قال الحلي«و هي ما يمتنع المكلف معه من المعصية متمكنا منها و لا يمتنع منها مع عدمها» (1)

أولا-لما«كان نصب الامام واجبا على اللّه تعالى استحال صدور الذنب منه».اذ لو«صدر عنه الذنب لجوزنا الخطأ في جميع الاحكام التي يأمر بها و ذلك مفسدة عظيمة» (2).

ثانيا-«كل صفة نقص توجب احتياج موصفها في الكمال و ؟؟؟ الى غيره،انما توجب الاحتياج الى غير موصوف بتلك الصفة فعدم المعصية أوجبت الاحتياج الى علة خارجة و الخارج عن كل الممكن لا يكون ممكنا و واجب عدم الخطأ هو المعصوم» (3).

ثالثا-أمر اللّه بطاعته،و طاعة رسوله،و طاعة اولي الامر«و كل من أمر اللّه تعالى بطاعته فهو معصوم لاستحالة ايجاب طاعة غير المعصوم مطلقا لانه قبيح عقلا» (4).

رابعا-جاء في قوله تعالى «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لاَ الضّالِّينَ» (5)و غير المعصوم ضال فلا يسأل اتباع طريقه قطعا (6).

و يرى كاتب امامي معاصر أن العصمة أمر ضرورى لان الائمة حفظة الشرع و القوامون عليه،حالهم في ذلك حال الانبياء(ص)،و ان الدليل1.

ص: 155


1- الحلي،الحسن بن يوسف،الالفين(النجف،1372) ص 50
2- أيضا،ص 55.
3- أيضا،ص 57.
4- أيضا،ص 60.
5- الفاتحة:آية-7.
6- الحلي،الالفين،ص 61.

الذى اقتضانا أن نعتقد بعصمة الانبياء هو نفسه يقتضينا أن نعتقد بعصمة الائمة بلا فرق (1).

و ناقش دونالدسن فكرة العصمة عند الشيعة و توصل الى أن هذه الفكرة لم تأت عن طريق الاسفار الدينية اليهودية،و كذلك العهد الجديد لم ينسب صفة العصمة الا ليسوع وحده.و قد اتخذه الذين آمنوا به لاول مرة المسيح المنتظر،فنسبوا تلك الصفة له بأعتباره مسيحا لا نبيا...

و يستخلص دونالدسن من بحثه«ان القرآن نفسه لا يؤيد عصمة الانبياء».

و يضرب أمثلة على ذلك عصيان آدم و موسى و داود (2).

و يبدو أن دونالدسن اعتمد في تكوين فكرته السابقة عن العصمة على ظاهر القرآن.و يدحض الشريف المرتضى فكرة الاعتماد على ظاهر القرآن فيما يتعلق بالاخطاء التي نسبت للانبياء بقوله:«ان قوله تعالى (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) ظاهر الخطاب له(ع)و المعنى لغيره...و ليس يمتنع عند من أنعم النظر أن يكون الخطاب متوجها الى النبي(ص)،و ليس يمتنع اذا كان الشك لا يجوز عليه لم يحسن أن يقال له:ان شككت فأفعل كذا كما قال تعالى: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (3)و معلوم أن المشرك لا يجوز عليه.

و لا خلاف بين العلماء في أنه(ع)داخل في ظاهر آيات الوعيد و الوعد و ان كان لا يجوز أن يقع منه ما يستحق به من العقاب» (4).

و يقول المرتضى أيضا:«أنه اذا ثبت بالدليل عصمه الانبياء(ع)فكل ما ورد في القرآن مما له ظاهر ينافي العصمة و يقتضى وقوع الخطأ منهم، فلا بد من صرف الكلام من ظاهره،حمله على ما يليق بأدلة العقول،لان2.

ص: 156


1- المظفر،محمد رضا،عقائد الشيعة(النجف،1954)ص 45
2- عقيدة الشيعة،ص 325-6.
3- الزمر-آية:65.
4- المرتضى،الامالي،ج 2(القاهرة،1954)ص 382.

الكلام يدخله الحقيقة و المجاز،و يعدل المتكلم به عن ظاهره...على أن ظواهر الآيات التي خوطب بها النبي(ص)مما ظاهره كالعتاب،منهما المقصود به أمته،و الخطاب متوجه اليه،و لهذا روى عن ابن عباس انه قال:

نزل القرآن بأياك اعني و اسمعي يا جارة...» (1).

ثم يطرح السيد المرتضى السؤال التالي و هو:ما حقيقة العصمة التي يعتقد وجوبها للانبياء و الائمة عليهم السّلام؟و بعد أن يناقش المرتضى معنى العصمة يورد الجواب التالي لسؤاله السابق:»اعلم ان ان العصمة هي اللطف الذى يفعله اللّه تعالى،فيختار العبد عنده الامتناع من فعل القبيح،و يقال ان العبد معصوم،لانه اختار عند هذا الداعي الذى فعل له الامتناع من القبيح» (2).

و رأى المسعودى أن السبب الذى من أجله قال الامامية بالعصمة هو تجنب تسلسل الائمة الى غير نهاية من جهة،و خوفهم من أن يكون غير المعصوم فاسقا أو فاجرا في الباطن من جهة اخرى.و ينص على ذلك بقوله:

«نعت الامام فى نفسه أن يكون معصوما من الذنوب،لانه ان لم يكن معصوما لم يؤمن أن يدخل فيما دخل فيه غيره من الذنوب،فيحتاج أن يقام عليه الحد،كما يقيمه هو على غيره،فيحتاج الامام الى امام الى غير نهاية، و لم يؤمن عليه أيضا أن يكون في الباطن فاسقا فاجرا،كافرا» (3).

و بعد ما سبق نقول أن لعقيدة العصمة اهمية كبرى عند الامامية و يعود ذلك لما يأتى:

أولا-أراد الامامية في تبني العصمة حصر القدسية بأئمتهم الاثني عشر المعصومين دون غيرهم من آل الرسول(ص)،و بذلك حصروا الامامة6.

ص: 157


1- أيضا،ج 2،ص 399.
2- المرتضى،الامالي،ج 2،ص 347.
3- مروج الذهب،ج 3،ص 156.

فيهم و أخرجوها من غيرهم بما في ذلك غير المعصومين من بني علي(ع)و بني هاشم.

ثانيا-ان الاعتقاد بعصمة الائمة جعل الاحاديث التي تصدر عنهم صحيحة دون أن يشترطوا ايصال سندها الى النبي(ص)كما هو الحال عند اهل السنة.و قد وضح الامام الباقر(ع)ذلك بقوله:«اذا حدثت في الحديث فلم اسنده،فسندى فيه ابي عن جدى،عن أبيه،عن جده.

عن رسول اللّه،عن جبرائيل،عن اللّه عز و جل» (1).

و ظهر مما سبق أن أحاديث الائمة هي بمثابة احاديث النبي(ص)لان الامام المعصوم لا يروى الا عن امام معصوم و هذا الاخير روى عن النبي(ص) مباشرة و هذا يؤكد ما قلناه سابقا و هو أن الائمة لا يأتهم الوحي،لان الوحي انقطع بعد وفاة النبي(ص)بأجماع الامة بما فيهم الامامية،بل هم نقلة لآثار النبي.

و ترتب على عقيدة الامامية في طرق رواية الحديث ان اصبحت أحاديثهم مروية عن المعصومين.روى الكشي أن أبا مريم الانصاري قال:«قال لي أبو جعفر(ع)[الباقر]قل لسلمة بن كهيل و الحكم بن عتيبة:شرقا أو غربا لن تجدا علما صحيحا الا شيئا خرج من عند أهل البيت».و روى الكشي أيضا أن أبا بصير قال«سألت أبا جعفر(ع)عن شهادة ولد الزنا أتجوز؟قال:لا.فقلت:ان الحكم بن عتيبة يزعم أنها تجوز.فقال:اللهم لا تغفر ذنبه قال:اللّه للحكم أنه لذكر لك و لقومك، فليذهب الحكم يمينا و شمالا فو اللّه لا يوجد العلم الا في اهل البيت نزل عليهم جبرائيل» (2).

و نود أن نشير هنا الى أن الامامية،رغم تأكيدهم على ضرورة الرواية3.

ص: 158


1- المفيد،محمد بن النعمان،الارشاد(طهران،1377) ص 244.
2- الرجال،ص 183.

عن المعصوم،كانوا يروون عمن يثقون به من الصحابة.فالشيخ المفيد روى حديثا رفعه الى عمر بن الحمق الخزاعي (1).و روى الصدوق ما رفعه الى جابر بن عبد اللّه الانصارى (2)و روى الكليني حديثا رفعه الى سليم ابن قيس الهلالي قال:«قلت لامير المؤمنين(ع)اني سمعت من سلمان و المقداد و ابي ذر شيئا من تفسير القرآن...».

و من الاحاديث عن نبي اللّه(ص)غير ما في أيدى الناس،ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم...» (3)و يبدو من الرواية السابقة أن الامام عليا أقر رواية جماعة من الصحابة مباشرة عن النبي(ص)،و اعترف ان أحاديثهم صحيحة رغم خلو سندها من معصوم من الائمة.

و يروى الامامية أحيانا عن عائشة(ر).فالصدوق كان يروى عنها (4)كما رووا عن غير عائشة و ان لم يكونوا من الشيعة.روى الطوسي حديثا رفعه الى أنس بن مالك (5).

و نختتم حديثنا عن وجهة نظر الشيعة الامامية بصحة الاخبار التي تصدر عن المعصوم برأى الاستاذ كولدزيهر قال فيه:«و من تعاليم الشيعة أن الاقوال و الروايات التي ترجع الى رواية أكيدة عن الائمة،هي أقوى في الاثبات و التيقن من الادراك المباشر للحواس،و ذلك لعصمة من روى عنهم و تنزههم عن الخطأ،و هذه الاقوال اهل لان تهب المرأ يقينا صحيحا مطلقا أصح من ذلك اليقين المكتسب بطريق الحواس المعرضة للوهم و الخداع» (6).9.

ص: 159


1- الاختصاص،ص 15.
2- من لا يحضره الفقيه،ج 1(النجف،1957)ص 151.
3- الكافي،ج 1،ص 62.
4- من لا يحضره الفقيه،ج 1،ص 30.
5- الخلاف،ج 3(قم لا.ت)ص 94.
6- العقيدة و الشريعة في الاسلام-ترجمة محمد يوسف و عبد العزيز عبد الحق(القاهرة،1946)ص 189.

الغيبة:

يرى الشيعة الامامية«ان الزمان لا يخلو من حجة للّه عقلا و شرعا» (1)فيترتب على ذلك ان الامام الثاني عشر المهدى صاحب الزمان غاب عن الابصار بعد سنة 265 ه بأمر من اللّه،و سيخرج في آخر الزمان عندما يأذن اللّه له بالخروج.

و يستند الامامية،فيما يستندون،على امامة المهدي و غيبته على حديث النبي(ص)الذى يقول فيه«يكون بعدى اثنا عشر خليفة كلهم من قريش» الذى رواه اهل السنة و الشيعة (2).و يقول الطوسي بصدد الحديث المذكور«و مما يدل على امامة صاحب الزمان ابن الحسن بن علي بن محمد ابن الرضا(ع)و صحة غيبته ما رواه الطائفتان...العامة و الامامية ان الائمة (ع)بعد النبي(ص)اثنا عشر...و اذا ثبت ذلك فكل من قال بذلك قطع على الائمة الاثني عشر الذين نذهب الى امامتهم و على وجود ابن الحسن(ع) و صحة غيبته...»ثم يورد الطوسي طائفة من الاخبار عن أهل السنة و الامامية معا لاثبات الغيبة (3).

و يعلل الصدوق سبب الغيبة بحديث رواه الصادق عن رسول اللّه (ص)قال فيه:(لا بد للغلام من غيبة.فقيل له و لم يا رسول اللّه قال يخاف القتل) (4).

و أكد المرتضى العلة التي أوردها الصدوق في اعلاه لغيبة الامام الثاني عشر،و هي أنه غاب خوفا على نفسه،و لكن المرتضى بين أن غيبته كانت عن الاعداء أولا،ثم اقتضت ارادة اللّه أن تكون الغيبة عن الاعداء و الأولياء

ص: 160


1- الطوسي،الغيبة،ص 56.
2- النعماني،الغيبة،ص 48-9
3- الغيبة،ص 87-و ما بعدها.
4- علل الشرائع(النجف،1963)ص 243.

معا.قال المرتضى«اما الاستتار و الغيبة فسببهما اخافة الظالمين له على نفسه...

و لم تكن الغيبة من ابتدائها على ما هي عليه الآن،فأنه في ابتداء الامر كان ظاهرا لاوليائه غائبا عن أعدائه،و لما اشتد الامر و قوى الخوف،و زاد الطلب استتر عن الولي و العدو» (1).

و يعتمد الشيعة الامامية سببا آخر للغيبة،و هو أنها جرت تطبيقا لسنة الهية كانت قد جرت في الاديان السماوية و الاخرى،فلا بد من حدوثها في الاسلام اسوة بتلك الاديان.حدث حنان بن سدير عن أبيه عن أبي عبد اللّه(ع)قال«ان للقائم منا غيبة يطول امدها فقلت و لم ذاك يا ابن رسول اللّه؟قال أن اللّه عز و جل ابى ألا أن يجرى فيه سنن الانبياء عليهم السّلام في غيباتهم،و انه لا بد له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم قال اللّه عز و جل لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ أى سننا على سنن من كان قبلكم» (2).

و لم تكن غيبة الامام المهدى جارية طبقا لسنن الانبياء و حسب بل أن ما يتعلق بها من صغر سن الامام و سبب اختفائه،و وفرة علمه،و غير ذلك مما له علاقة يسيرته،تسير وفق سنن و امثلة وجدت في الاديان السماوية الاخرى بما فيها الاسلام.فالامام المهدى الشيعي حباه اللّه بالامامة و العلم صبيا«كما اوتي عيسى بن مريم و يحيى بن زكريا الكتاب و النبوة و العلم و الحكم صبيا،و الدليل على ذلك قول أبي عبد اللّه(ع):فيه سنة من أربعة أنبياء أحدهم عيسى بن مريم(ع)لانه أوتي الحكم صبيا،و النبوة و العلم، و اوتي هذا عليه السّلام الامامة» (3)و قال الطوسي«ان في صاحب الزمان(ع)شبها من يونس رجوعه من غيبته بشرخ الشباب» (4).

و روى أن الصادق قال:«ان أصحاب موسى ابتلوا بنهر،و هو قول9.

ص: 161


1- تنزيه الانبياء،ص 228.
2- الصدوق،علل الشرائع،ص 244-5.
3- ابن أبي زينب،النعماني،الغيبة،ص 97.
4- الغيبة،ص 259.

اللّه عز و جل: (إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ) و ان أصحاب القائم يبتلون بمثل ذلك» (1).

و لم يكن في سيرة الامام المهدى شبه بسيرة أنبياء الاديان الاخرى و حسب،بل فيها شبه بسيرة بني الاسلام(ع).روى الطوسي أن أبا جعفر (ع)قال:«يبايع القائم بين الركن و المقام ثلثمائة و نيف،عدة اهل بدر...» (2).

و نستنتج مما سبق:أولا أن الشيعة الامامية بتشبيههم غيبة الامام المهدى بسنن انبياء آخرين جعلوا لغيبة امامهم مفهوما يتعدى حدود الاسلام و يشمل الرسالة الالهية بكاملها.

ثانيا-مهد المفهوم السابق للغيبة لمهدى الامامية أن يصبح حاميا للرسالة الآلهية التي قام بها الأنبياء و تحدرت تعاليمها من عهد آدم الى يومنا هذا.و لهذا قال الامامية ان الامام الباقر(ع)قال انما«سمي المهدي لانه يهدى لأمر خفي،يستخرج الثوارة و سائر كتب اللّه...فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة و بين أهل الانجيل بالانجيل،و بين أهل الزبور بالزبور، و بين أهل الفرقان بالفرقان...» (3).

و قد عالج فكرة غيبة المهدى عند الامامية عدد من الكتاب المحدثين من بينهم طائفة من الامامية.و من أشهر الكتاب الامامية الذين عالجوا الغيبة:

أولا-الاستاذ علي محمد دخيل.و أورد الاستاذ المذكور في كتابه الموسوم ب«الامام المهدى عليه السّلام» (4)تفصيلات وافية عن الامام المهدى و أسباب غيبته و غير ذلك مما له علاقة بموضوع المهدى.و قد أوردبع

ص: 162


1- الطوسي،الغيبة،ص 282.
2- ايضا،ص 284.
3- الصدوق،علل الشرائع،ص 161.
4- طبع الكتاب المذكور في النجف الاشرف دون ذكر تاريخ الطبع

خمسين آية من القرآن الكريم مؤلة في المهدي،في فصل عنوانه«المهدى في القرآن الكريم» (1)كما عقد في كتابه المذكور فصلا بعنوان«الرسول الاعظم(ص)يبشر بظهور الامام المهدى(ع)» (2)ثم تناول الكاتب أقوال الائمة(ع)في المهدى بفصول مماثلة.و أفرد فصلا بأسماء الصحابة الذين رووا أحاديث عن المهدى،و قرن تلك الاسماء بالكتب التي وردت فيها تلك الاحاديث (3).و تلا ذلك بفصل مماثل عن التابعين (4)و ختم كتابه المذكور بفصل عنوانه«الامام المهدى عند مؤلفي كتب الحديث من اهل السنة» (5).

و توصل الاستاذ علي محمد الى نتيجة و هي أن موضوع«الامام المهدى(ع)لا يختلف عن ضروريات الاسلام الاخرى،و انكاره انكار لضرورة من ضروريات الدين» (6).

و ربما كان الكتاب المذكور يمثل عقيدة الشيعة الامامية في المهدى(ع).

ثانيا-الشيخ محمد رضا المظفر،احد مجتهدى الشيعة المتأخرين.

قال المظفر«ان البشارة بظهور[المهدي]من ولد فاطمة في آخر الزمان يملأ الارض قسطا و عدلا بعدما ملئت ظلما و جورا-ثابتة عن النبي(ص) بالتواتر و سجلها المسلمون جميعا فيما رووه من الحديث عنه على اختلاف مشاربهم.

و ليست هي بالفكرة المستحدثة عند«الشيعة»دفع اليها انتشار الظلم و الجور،فحلموا بظهور من يطهر الارض من رجس الظلم،كما يريد أن7.

ص: 163


1- الامام المهدي،ص 31،60.
2- ايضا،ص 61-78.
3- ايضا،ص 114-117.
4- أيضا،ص 118-121.
5- أيضا،ص 319-321.
6- أيضا،ص 7.

يصورها بعض المغالطين».و يستمر المظفر بقوله«و مما يجدر ان نعرفه في هذا الصدد أنه ليس معنى انتظار هذا المصلح المنقذ«المهدى»أن يقف المسلمون مكتوفي الايدى فيما يعود الى الحق من دينهم،و ما يجب عليهم من نصرته و الجهاد في سبيله و الاخذ بأحكامه و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر.بل المسلم أبدا مكلف بالعمل بما أنزل من الاحكام الشرعية (1).

و ممن عالج الغيبة من الكتاب الآخرين،كولدزيهر و احمد الكسروى و«وات».قال كولدزيهر:ان العقائد المهدية عند الشرقيين و الغربيين، خاصة بأعادة النظم العادلة في الدين و السياسة تمتاز عليها جميعا عقيدة الشيعة في الامام الخفي الذى لا بد من رجعته،و تنفرد دونها بشدة رسوخها و قوة توكيدها» (2).

و يقول أحمد الكسروى عن كيفية ظهور المهدوية:«لا يخفى ان قدماء الايرانيين كانوا يعتقدون بأله خير و يسمونه(يزدن)و بأله شر و يسمونه(اهريمن)و كانوا يزعمون أن هذين الالهين لن يزالا يحكمان على الارض حتى يقوم(ساوشيانت)بن زرادشت النبي فيغلب على اهريمن و يبيده و يصير العالم مهدا للخبير لا يحكمه الا يزدان.فكانوا ينتظرون ساوشيانت،و كان هذا المعتقد قد تأصل في قلوبهم و ازداد اغصانا و أورقا بمرور الدهر شأن كل معتقد مثله.فلما ظهر الاسلام و فتح المسلمون العراق و ايران و اختلطوا بالايرانيين سرى ذلك المعتقد منهم الى المسلمين و نشأ بينهم بسرعة غريبة.و لسنا على بينة من أمر كلمة«المهدى»فلا نعلم من وضعها و متى وضعها» (3).

و يبدو أن رأى كسروى لا يخلو من ضعف لان فكرة المهدية عرفت عند الشيعة قبل أن يعتنق الايرانيون التشيع كما بينا في الفصل الاول من5.

ص: 164


1- عقائد الشيعة(النجف،1954)ص 57-8.
2- العقيدة و الشريعة،ص 193.
3- التشيع و الشيعة،ص 35.

هذا الكتاب،فمن المستبعد أن يقتبس الشيعة تلك الفكرة من الايرانيين.

أما وات فيقول،عند بحثه لفكرة المهدى عند الشيعة،ان عددا من قادة الحركة الشيعية كالمختار،الذى لم يكن قرشيا و لا هاشميا،ادعوا بوجود القائد الغائب.و قالوا أن احد أفراد عائلة بني هاشم،ممن توفرت بهم صفات القائد الروحي »redaeL citamsirahC« اوكل اليهم قيادة الثورة في مراحلها الاولى.و كثيرا ما كان ادعاء اولئك القادة غير مستند الى الحقيقة،و لكن الاوضاع التي وجدوا فيها دعت الى قبول الادعاء المذكور.

و مكن ذلك الادعاء بدوره القادة الموهوبين من أن يكسبوا اتباعا للحركة الشيعية.و كانت الصفات الروحية،خلال العصر الاموى و حتى فيما بعد ذلك،حسب النظرية الرسمية لبني العباس،متوفرة في جميع افراد بني هاشم و لا يقتصر وجودها على آل الرسول(ص)من أبناء فاطمة.و قد أصبح قبول الافكار التي لها علاقة بعودة مسيح منقذ )cinaisseM( سهلا بعد أن قبلت فكرة وجود الامام الغائب.و قد ظهر في حالات كثيرة أنه في حالة موت القائد الروحي يدعي أنصاره أنه لم يمت فعلا،و انه يعيش في الخفاء،و سيعود يوما كمهدي«أى كشخص يشبه المسيح عند اليهود» و سيعيد الحق و العدالة الى الارض.و قد ساعدت فكرة الامام الغائب الشيعة على قبول الانظمة السياسية و الاجتماعية القائمة دون الاعتراف بأنها كاملة» (1).

و نختم حديثنا عن الغيبة بالقول بأن تلك القضية من العقائد الاساسية عند الامامية،و ان البحث في التاريخية المطلقة للعقيدة أمر صعب التطبيق لذا يحسن بالمتدينين أن يستمدوا تفسيرهم للعقائد من دليل الوحي بالدرجة الاولى.aW

ص: 165


1- .701.P,tiC.pO,ttaW

التقية:

لا تدخل التقية في باب العقائد عند الامامية لانها اذن و رخصة تباح في بعض الحالات الخاصة التي حددتها كتب الفقهاء.لذا يعد الشيعة الامامية التقية من الفروع و لا ينزلونها منزلة العقائد لانها رخصة كما أسلفنا.

و يوضح الشيخ الطوسي موقف الامامية من التقية بقوله:«و التقية -عندنا-واجبة عند الخوف على النفس.و قد روى رخصة في جواز الافصاح بالحق عندها.روى الحسن أن مسيلمة الكذاب أخذ رجلين من أصحاب رسول اللّه(ص)فقال لاحدهما اتشهد أن محمدا رسول اللّه؟ قال:نعم.قال:افتشهد اني رسول اللّه؟قال:نعم.ثم دعا بالآخر فقال:أتشهد ان محمدا رسول اللّه؟قال نعم.فقال له أفتشهد اني رسول اللّه؟قال اني أصم-قالها ثلاثا كل ذلك تقية-فتقول ذلك فضرب عنقه.فبلغ ذلك(يعني رسول اللّه)فقال أما هذا المقتول فمض على صدقه و تقيته،و اخذ بفضله فهنيئا له.و اما الآخر فقبل رخصة اللّه،فلا تبعة عليه.فعلى هذا التقية رخصة و الافصاح بالحق فضيلة.و ظاهر اخبارنا يدل على أنها واجبة و خلافها خطأ» (1).

و سند الامامية رأيهم بالتقية بالقرآن و السنة معا.روى المفيد أن أبا عبد اللّه(ع)لما سئل في قول اللّه «وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّيِّئَةُ» (2).

قال الحسنة التقية و السيئة الأذاعة «ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» (3) و قوله تعالى: «لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ... إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً الآية» (4)

ص: 166


1- الطوسي،التبيان،ج 2،ص 435.
2- فصلت:آية-34.
3- الاختصاص،ص 25.
4- آل عمران:آية-28.

و قوله تعالى «إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ الآية» (1)و روى الطوسي أن الآية الاخيرة نزلت في عمار بن ياسر عند ما أكرهه المشركون بمكة بأنواع العذاب على أن يلفظ بالكفر،و كان قلبه مطمئنا بالايمان،و استثني عمار من حكم الآية لانه كفر بلسانه.كما روى أيضا أن أبا علي قال «هذه معاريض يحسن من اللّه مثلها،و لا يحسن من الخلق الا عند التقية [و]قال:الا ان على أهل العقول أن يعلموا أن اللّه لم يفعل ذلك الا على ما يصح و يجوز،و ليس ذلك للانسان الا في حالة التقية...» (2)أما دليل السنة فقد قال الامام الصادق:«تسعة اعشار الدين في التقية و لا دين لمن لا تقية له...» (3)و روى الامام موسى الكاظم حديثا عن النبي (ص)أشار فيه الى أن طاعة السلطان للتقية واجبة (4)

و نفيد مما سبق أن التقية مبدأ اسلامي ظهر في عهد الرسول(ص) و أقره،كما بينا،في حالتين و هما قضية عمار بن ياسر و قضية الرجلين المسلمين مع مسيلمة الكذاب.

و مما يدل على أن التقية مبدأ اسلامي معروف هو أن جماعات اسلامية أخرى غير الامامية أمثال طوائف من الخوارج و الحنابلة اجازت اللجوء الى التقية عند الخوف على النفس.قال ابن الجوزى«فأخبرني ابو العباس و كان من حفاظ أهل الحديث-انهم دخلوا على أحمد بن حنبل بالرقة و هو محبوس فجعلوا يذاكرونه ما يروى في التقية من الاحاديث...» (5)

أما الاسباب التي جعلت الشيعة الامامية تستعمل رخصة التقية اكثر من غيرها فتعود الى كثرة الجور و الاضطهاد اللذين تعرضت لهما تلك الطائفة6.

ص: 167


1- النحل:آية-106.
2- التبيان،ج 6،ص 428-9.
3- القمي،عيون اخبار الرضا،ج 1،ص 14.
4- أيضا،ص 45.
5- مناقب الامام احمد بن حنبل(القاهرة،1349)ص 316.

عبر تاريخها.قال الطوسي:«لم تلق فرقة و لا بلي أهل مذهب بما بليت به الشيعة:من التتبع و القصد و ظهور كلمة أهل الخلاف،حتى أنا لا نكاد نعرف زمانا-تقدم سلمت فيه الشيعة من الخوف و لزوم التقية،و لا حالا عريت فيها من قصد السلطان و عصبيته و ميله و انحرافه» (1).

و نختم حديثنا عن التقية برأيين لمجتهدين معاصرين من مجتهدى الشيعة الامامية و هما المظفر و كاشف الغطاء.قال الشيخ محمد رضا المظفر ان «للتقية أحكاما من حيث وجوبها و عدم وجوبها بحسب اختلاف مواقع الضرر مذكورة في أبوابها في كتب العلماء الفقهية.و ليست هي واجبة على كل حال،بل قد يجوز أو يجب خلافها في بعض الاحوال،كما اذا كان في اظهار الحق و التظاهر به نصرة للدين و خدمة للاسلام،و جهاد في سبيله،فأنه عند ذلك يستهان بالاموال و لا تعز النفوس.و قد تحرم التقيه في الاعمال التي تستوجب قتل النفوس المحرمة،أو رواجا لباطل،أو فسادا في الدين،أو ضررا بالغا على المسلمين؟ضلالهم أو انشاء الظلم و الجور فيهم» (2).

و قال الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء«و العمل بالتقية له أحكامه الثلاثة،فتارة يجب كما اذا كان تركها يستوجب تلف النفس من غير فائدة، و أخرى يكون رخصة كما لو كان في تركها و التظاهر بالحق نوع تقوية له فله أن يضحي بنفسه و له أن يحتفظ عليها،و ثالثة يحرم العمل بها كما لو كان ذلك موجبا لرواج الباطل،و اضلال الحق،و احياء الظلم و الجور» (3).4.

ص: 168


1- تلخيص الشافي،ج 1،ص 59.
2- عقائد الشيعة،ص 64.
3- أصل الشيعة و اصولها(النجف،1381)ص 63-4.

الرجعة

تطرق عدد من الكتاب (1)الى الرجعة بمعناها العام،و بينوا فيما اذا كانت فكرة الرجعة اسلامية أم أنها مستوردة من الاديان الاخرى.

و سنقصر بحثا على معنى الرجعة عند الامامية و ذكرنا آراء غيرهم في الرجعة بالهامش،ليسهل على القارىء مقارنة آراء الامامية بالرجعة بآراء غيرهم فيها و الغلاة منهم بخاصة.و ربما كان الفارق الرئيس،كما سنرى، بين فكرة الرجعة عند الغلاة و فكرة الرجعة عند الامامية هو انها عند الامامية نوع من المعاد الجسماني و عند غيرهم اقرب الى التناسخ.و من المعلوم أن المعاد الجسماني فكرة اسلامية،بينما فكرة التناسخ فكرة غير اسلامية.

ص: 169


1- يرى كولدزيهر(العقيدة و الشريعة،ص 215)ان«فكرة الرجعة ذاتها ليست من وضع الشيعة أو من عقائدهم التي اختصوا بها، و يحتمل أن تكون قد تسربت الى الاسلام عن طريق المؤثرات اليهودية و المسيحية.فعند اليهود و النصارى ان النبي ايليا قد رفع الى السماء، و انه لا بد أن يعود الى الارض في آخر الزمان لاقامة دعائم الحق و العدل، و لا شك أن ايليا هو الا نموذج الاول لائمة الشيعة المختفين الغائبين،الذين يحيون لا يراهم أحد،و الذين سيعودون يوما ما كمهديين منقذين للعالم». أما الدكتور الشيبي(الصلة بين التصوف و التشيع،ج 1،ص 115- 7)فقد تناول الرجعة من حيث هي عقيدة شيعية عامة.و قرن الشيبى الرجعة بمحمد ابن الحنفية،و بين انها اتصلت به ميتا،كما اتصلت به المهدية حيا.و يرى الشيبي أن عددا من فرق الغلاة قال بالرجعة،و ان الكيسانية لم تكتف بالقول برجعة رؤسائهم و أنصارهم بل قالوا برجعة علي بن أبي طالب،و أنه يقتل معاوية بن أبي سفيان و آل ابى سفيان و يهدم دمشق و يغرق البصرة. و أطلق ابن الجوزي(تلبيس ابليس،ص 22)اسم«الرجعية»على جماعة الغلاة الاخيرة،و رأى انهم(زعموا ان عليا و أصحابه يرجعون الى الدنيا و ينتقمون من اعدائهم).

يرى الامامية ان الرجوع بعد الموت،بعد ظهور المهدى(ع)ضرورة من ضروريات مذهبهم.و استند الامامية بقولهم في الرجعة على الكتاب و السنة.ففي القرآن وردت الآية التالية: «قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ» (1).قال الطوسي عند تفسيره للاية المذكورة«و في الناس من استدل بهذه الآية على صحة الرجعة.

و الاماتة الثانية بعدها.و الاحياء الثاني يوم القيامة... (2).

و يبدو من تفسير الطوسي للاية المذكورة أن اللّه يحيي بقدرته جماعة من الناس لمصلحة قدرتها حكمته،و يعيد أرواحهم الى أجسامهم الاولى نفسها فتكون لهم و الحالة هذه قيامه صغرى.و بعد أن تتم الغاية الدينية التي من أجلها احياهم يميتهم مرة اخرى بقدرته.ثم يحشر اولئك الراجعين مع سائر الناس في يوم القيامة الكبرى حين يحشر جميع الخلق دون تفريق.

و لما كانت الارواح تعود الى أجسامها الاولى يترتب على ذلك حصول نوع من المعاد الجسماني الذى أباحه الاسلام.

فالعقيدة الشيعية الامامية تفسر الرجعة على النحو المشار اليه في أعلاه، بينما الرجعة في نظر الغلاة،كما يرى الشيعة،نوع من التناسخ الذى لا تبيحه الشريعة لابتعاده عن فكرة المعاد الجسماني أولا،و لان الارواح تعود الى أجسام غير أجسامها الاولى،و هو أمر لا تبيحه الشريعة ثانيا.

و قد وضح الامام الصادق(ع)رأيه في الغلاة و في التناسخ،و وصف أصحاب التناسخ بأنهم«قد خلفوا وراءهم منهاج الدين،و زينوا لانفسهم الضلالات...و القيامة عندهم خروج الروح من قالبه و ولوجه في قالب آخر،فأن كان محسنا في القالب الاول اعيد في قالب أفضل منه حسنا في0.

ص: 170


1- سورة غافر-40-11.
2- التبيان،ج 9(النجف،1963)ص 60.

أعلى درجة من الدنيا،و ان كان مسيئا أو غير عارف صار في بعض الدواب المتعبة فى الدنيا،أو هوام مشوهة الخلقة...» (1).

و يترتب على ذلك أن الغلاة أصحاب التناسخ بنكرانهم القيامة، و بقولهم بخروج الروح من قالبها(جسمها)السابق الى جسم جديد،على حد قول الامام الصادق(ع)،قد خلفوا وراءهم منهاج الدين.

أما الشيعة الامامية الذين يمثل رأيهم الامام الصادق(ع)فأنهم يخالفون الغلاة لان عقيدتهم تجعل الارواح القديمة عند حصول الرجعة تعود الى أجسامها القديمة.و بذا تقرر عقيدتهم أن رجعتهم تنسجم مع تعاليم الاسلام لانها نوع من المعاد الجسماني،و ان رجعة الغلاة أو تناسخ الارواح لا تنسجم مع تلك التعاليم.

و بحث فكرة الرجعة عند الامامية الشيخ محمد رضا المظفر فقال «ان الذى تذهب اليه الامامية اخذا بما جاء عن آل البيت عليهم السّلام أن اللّه تعالى يعيد قوما من الاموات الى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، فيعز فريقا و يذل فريقا آخر،و يديل المحقين من المطلين و المظلومين منهم من الظالمين.و ذلك عند قيام مهدي آل محمد عليه و عليهم أفضل الصلاة و السّلام».

و يورد الشيخ المظفر ادلة من الكتاب و من الاخبار الواردة عن آل البيت(ع)،ثم يفند حجج الطاعنين على الامامية لقولهم بالرجعة.و يخلص الى القول أن من يستغرب الرجعة يكون بمثابة من يستغرب البعث فيقول:

«مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ» فيقال له: «يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ» .9.

ص: 171


1- الطبرسي،الاحتجاج،ج 2(النجف،1966)ص 89.

و ينهي الشيخ المظفر حديثه عن عقيدة الرجعة عند الامامية بقوله «على كل حال فالرجعة ليست من الاصول التي يجب الاعتقاد بها و النظر فيها،و انما اعتقادنا بها كان تبعا للاثار الصحيحة الواردة عن آل البيت(ع) الذين ندين بعصمتهم من الكذب و هي من الامور الغيبية التي اخبروا عنها، و لا يمتنع وقوعها» (1).3.

ص: 172


1- المظفر الشيخ محمد رضا،عقائد الشيعة(النجف،1954) ص ص 59-63.

الملاحق

ص: 173

ملاحق الكتاب

الملحق الاول: الكوفة و التشيع في عهد الائمة المعصومين(ع)

بينا في الفصل الاول من هذا الكتاب أن الكوفة كانت أول مركز نمت عقيدة التشيع فيه،و تطورت بين ربوعه.و نتيجة لذلك احتلت الكوفة مركزا مرموقا في الأدب الشيعي الامامي.و رويت أقوال و أحاديث كثيرة للائمة أو لغيرهم يتضمن بعضها فضل الكوفة،بينما يتضمن البعض الآخر صلة أهلها بالشيع.و يصعب أن نجد انسجاما بين مضمون ما سنورده من الاحاديث و الاقوال و بين موقف أهل الكوفة الفعلي من آل الرسول(ص)في تلك الفترة،اذ من المعلوم ان جل المصائب التي نزلت بآل البيت،خلال عهد الاوائل من الائمة بخاصة،كانت على يد أناس أغلبهم من الكوفيين،كما أن اكثر تلك المصائب حصل في محيط كوفي.

و يعبر القول الذي أجاب به أحدهم الحسين بن علي(ع)حين سأله عن أهل العراق،و هو«قلوبهم معك و سيوفهم عليك»،عن ولاء غالبية أهل الكوفة في بداية الامر.و لكن الولاء المذكور ما لبث أن تحول مع الزمن الى عقيدة شيعية عميقة اتخذت من قلوب غالبية معتنقيها و افكارهم موطنا لها،دون أن تلزم الغالبية المذكورة نفسها بالتضحية بدمائها من أجل تلك العقيدة.

و ان تقاعس اهل الكوفة في نصرة آل البيت(ع)بالسلاح فى حياتهم فأنهم أصبحوا فيما بعد من الموالين لهم،و من المخلصين المتمسكين بالعقيدة «الجعفرية»التي عرفت فيما بعد«بالامامية»و كانت بذور العقيدة المذكورة قد رسخت جذورها بين الكوفيين،ثم اينعت واتت ثمارها بين ظهرانيهم.

ص: 174

و كان ذلك نتيجة لجهود مشتركة بذلها الائمة المعصومون(ع)و علماء الشيعة اسلاف الامامية،ثم واصلها علماء الامامية بعد انقضاء عهد اولئك الائمة.

و قلما بذل الكوفيون الشيعة اسلاف الامامية دماءهم،باستثناء عهد علي بن أبي طالب(ع)،تحت راية ائمتهم من أجل ارجاع حق آل البيت في زعامة المسلمين،و تركوا تلك المهمة للشيعة الزيدية و غيرهم من فرق الشيعة.و يعود ذلك لاسباب سردناها في صلب الكتاب فلا حاجة لتكراره.

و اليك طائفة من الاقوال و الاحاديث التي قيلت في فضل الكوفة و في توضيح صلة أهلها بالتشيع الذى عرف فيما بعد بالتشيع الامامي.

روى ابن عباس ان رسول اللّه(ص)قال لعلي(ع):«يا علي ان اللّه عز و جل عرض مودتنا اهل البيت على السموات فأول من اجاب منها السماء السابعة فزينها بالعرش و الكرسي،ثم السماء الدنيا فزينها بالنجوم،ثم أرض الحجاز فشرفها بالبيت الحرام،ثم أرض الشام فشرفها ببيت المقدس ثم أرض طيبة فشرفها بقبري،ثم أرض كوفان فشرفها بقبرك يا علي...» (1)

و يبدو من الحديث السابق ان الكوفة أصبحت من الاماكن المشرفة لانها قبلت مودة آل البيت.قال البلاذرى أن سلمان الفارسي قال:«الكوفة قبة الاسلام،يأتي على الناس زمان لا يبقى مؤمن الا و هويها أو يهوى قلبه اليها» (2).

قال ابن طاووس«اشترى أمير المؤمنين علي(ع)ما بين الخورنق الى الحيرة الى الكوفة من الدهاقين بأربعين الف درهم و اشهد على شرائه...

فقيل له يا أمير المؤمنين تشترى هذا بهذا المال و ليس تنبت قط فقال سمعت من رسول اللّه(ص)يقول كوفان يرد أولها على آخرها يحشر من ظهرها7.

ص: 175


1- ابن طاووس،عبد الكريم،فرحة الغري(النجف،1368) ص 27.
2- فتوح البلدان،ص 287.

سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب و اشتهيت أن يحشروا في ملكي (1).

روى البلاذري أن العباس النرسي حدثه قال:«بلغني أن المختار ابن أبي عبيد أو غير،قال:حب أهل الكوفة شرف و بعضهم تلف» (2)قال البلاذري أخذ الخليفة المنصور«أهل الكوفة بحفر خندقها و الزم كل امرىء منهم للنفقة عليه أربعين درهما و كان ذاما لهم لميلهم الى الطالبيين و أرجافهم بالسلطان» (3).

و قد أصبح لمسجد الكوفة و للمساجد الشيعية الاخرى حولها قدسية خاصة في نظر الشيعة الامامية.فجاء في الروايات«ان علي بن الحسين(ع) أتى مسجد الكوفة عمدا من المدينة فصلى فيه ركعتين ثم جاء حتى ركب راحلته و أخذ الطريق».و ان الامام الباقر(ع)قال«لو يعلم الناس ما في مسجد الكوفة لاعدوا له الزاد و الراحلة من مكان بعيد»و قال أيضا«صلاة فريضة فيه تعدل حجة و نافلة فيه تعدل عمرة» (4).

و روى ان الامام الصادق(ع)قال«مكة حرم اللّه و حرم رسول اللّه و حرم علي الصلاة فيها بمائة ألف صلاة و الدرهم فيها بمائة ألف درهم و المدينة حرم اللّه و حرم رسوله(ص)و حرم علي أمير المؤمنين(ع)الصلاة في مسجدها بعشرة آلاف صلاة و الدرهم فيها بعشرة آلاف درهم و الكوفة حرم اللّه و حرم رسول اللّه(ص)و حرم أمير المؤمنين علي(ع).الصلاة في مسجدها بألف صلاة» (5).

و هكذا نجد منزلة الكوفة ترتفع الى مصاف منزلة الحرمين الشريفين مكة و المدينة،و ذلك بقبولها عقيدة التشيع و حبها لآل البيت.9.

ص: 176


1- فرحة الغري،ص 29.
2- فتوح البلدان،ص 278.
3- أيضا،ص 287.
4- ابن قولويه،كامل الزيارات،ص 28.
5- أيضا،ص 29.

أما مسجد السهلة الذي يقع على بعد بضعة كيلومترات من مسجد الكوفة فهو الآخر كان من بين الامكنة الشريفة عند الشيعة اسلاف الامامية ثم الامامية من أحفادهم.

و عند ما سئل الصادق(ع)عن أي بقاع الأرض أفضل بعد حرم اللّه عز و جل و حرم رسول اللّه(ص)قال:«الكوفة...هي الزكية الطاهرة فيها قبور النبيين و المرسلين و قبور غير المرسلين و الاوصياء الصادقين،و فيها مسجد سهيل[يقصد السهلة]الذى لم يبعث اللّه نبيا الا و قد صلى فيه، و منها يظهر عدل اللّه و منها يكون قائمه و القوام من بعده و هي منازل النبيين و الاوصياء و الصالحين» (1).

و يبدو من الحديث السابق ان القائم أي المهدى يخرج في منطقة الكوفة.

و قد جمع السيد حسين البراقي النجفي طائفة كبيرة من الاحاديث و الاقوال التي رويت عن الائمة و غيرهم من الشيعة في فضل الكوفة بكتابه الموسوم ب «تاريخ الكوفة» (2).

و نختم حديثنا عن الكوفة بالآراء و الملاحظات التالية:-

أولا-كانت الكوفة تميل في عقيدتها السياسية للالتزام بالحق الشرعي أى أنها تشترط توفر الشرعية ssenetamitigeL في حكامها.

و نتيجة لذلك نجد أن فكرة النص و التعيين في الامامة الشيعية تجد قبولا كبيرا في الكوفة.و كان للامامين الباقر و الصادق و هما من أئمة الشيعة أسلاف الامامية اليد الطولى في تثبيت فكرة الامام المنصوص عليه و نشرها بين أسلاف الامامية بعامة،و من بينهم أهل الكوفة بخاصة.و كان لنجاح الامامين المذكورين في تثبيت فكرة النص على الامام اثر كبير في نشر عقيدة الشيعة بين معتنقيها من اسلاف الامامية لان القول بالنص،بنوعيه الجلي0.

ص: 177


1- أيضا،ص 30
2- طبع الكتاب المذكور في النجف الاشرف سنة 1960.

و الخفي،اس التشييع الامامي و جوهره.و عرف الكتاب الشيعة اسلاف الامامية بانهم هم الملتزمون بالوصية و السائرون على المنهاج الاول.و يقصدون بذلك أن اولئك الشيعة يلتزمون بنص النبي(ص)على خلافة علي(ع) و امامته و نص علي على من بعده و هكذا ينص المتقدم منهم على من بعده حتى تمت سلسلة الائمة الاثني عشر المعصومين من ولد علي من فاطمة و التى تنتهي بالامام الغائب(ع).

و يعزى ميل الكوفة الى الشرعية في السياسة الى انتشار العقيدة التي اعتنقها الشيعة اسلاف الامامية فيها بصورة مبكرة أولا،و الى ما ورثته من تقاليد الساسانيين في الحكم ثانيا و الى أن معظم سكانها العرب كانوا من اليمانيين الذين ألفوا ذلك النوع من الحكم في وطنهم الاصلي ثالثا.

ثانيا-اتخذت الكوفة فكرة«الاجتهاد»و استنباط الاحكام الفقهية من أدلتها الشرعية أساسا لبناء تراثها الفكري في الحقوق.و تجلى الاتجاه المذكور ليس عند الشيعة اسلاف الامامية حسب،بل ظهر عند غيرهم من المسلمين الكوفيين أمثال ابي حنيفة(ر).

و قد تكللت جهود الامامين الباقر و الصادق(ع)بالنجاح حين كونوا طبقة نيرة من فقهاء الشيعة اسلاف الامامية.و كان للطبقة المذكورة،و خاصة الكوفيين منهم،أثر كبير في استنباط الاحكام و في ترسيخ فكرة الاجتهاد بين الفقهاء و قد اصبح الاجتهاد من أشهر مميزات الشيعة اسلاف الامامية، ثم ورثوا تلك الفكرة الى الاجيال اللاحقة من الامامية.و لا يزال الاجتهاد و ضرورة وجود مجتهد أو مجتهدين في كل عصر،من الضروريات اللازمة بين أوساط الشيعة الامامية.

و سنضرب أمثلة من فقهاء الشيعة اسلاف الامامية من اصحاب الباقر و الصادق(ع).

ص: 178

قال الكشي«اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الاولين من أصحاب أبي جعفر و أصحاب ابي عبد اللّه(ع)و انقادوا لهم بالفقه فقالوا:افقه الاولين ستة زرارة و معروف بن خربوذ و بريد و ابو بصير الاسدى و الفضيل بن يسار و محمد بن مسلم الطائفي...» (1).ثم يقول الكشي«اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح من هؤلاء و تصديقهم لما يقولون و اقروا لهم بالفقه من دون اولئك الستة الذين عددناهم و سميناهم ستة نفر جميل بن دراج،و عبد اللّه بن مسكان،و عبد اللّه بن بكير،و حماد بن عثمان و حماد ابن عيسى و ابان بن عثمان...» (2).

و من الجدير بالذكر ان الاكثرية العظمى من اولئك الفقهاء كانوا من الكوفة،و جميعهم من الشيعة اسلاف الامامية،و قد وردت تراجم اولئك العلماء في الكشي و غيره من كتب الرجال.

ثالثا-الجانب الاجتماعي في حركات الغلاة الكوفيين.بينا في الفصل الثالث من هذا الكتاب أن الكوفة كانت المركز الرئيس لغلاة الشيعة.كما بينا اسباب ظهور الغلو و موقف المسلمين،بما فيهم الشيعة منه.و نضيف هنا ان ظهور الغلو في الكوفة كان دليلا على التقدم الفكرى العميق و الوعي الاجتماعي عند أهل الكوفة.لان فى الغلو،رغم انحراف القائلين به عن الاسلام،جانبا اجتماعيا ايجابيا و ذلك أن القائلين به كانوا بالنسبة لمعاصريهم اكثر شعورا بظلم الانسان لاخيه الانسان.و يبدو ان اكثرية الغلاة،اتخذت من الغلو وسيلة للثورة الاجتماعية على الطبقية و العشائرية اللتين تبناهما حكام المسلمين حينذاك.و لعل في حركة المختار التي انضم اليها الغلاة،الذين كانت غالبيتهم من المستضعفين في الارض،دليلا على وجود الجانب الاجتماعي في حركات الغلو...ثم ان الغلاة كانوا بمثابة2.

ص: 179


1- الرجال(النجف،لا.ت):ص 206.
2- أيضا،ص 322.

العمود الفقرى للدعوة العباسية لان قادتها قالوا بالدعوة الى الرضا من آل محمد و دعوا الى تطبيق العدل الاجتماعي بين المسلمين كافة.

رابعا-ان الانتاج الفكري و الادبي الشيعي الاصيل وضعت بذرته في الكوفة غالبا.فنهج البلاغة الذى يعده الشيعة اسلاف الامامية ثم الامامية من أحفادهم،كما يعده الكثيرون من غيرهم،اعظم كتاب اسلامي بعد كتاب اللّه الشريف،القى الامام علي بن أبي طالب(ع)معظم مواده من على منبر الكوفة.ثم ان ما أملاه علي(ع)على أبي الاسود فى النحو،فضلا عما أنجزه أبو الاسود بهذا الخصوص،كان فى الكوفة أيضا.يضاف الى ذلك ان الكميت الاسدى صاحب الهاشميات الخالدات كان من الشيعة اسلاف الامامية،كما كانت الكوفة موطنه أيضا.أما انتاج الشيعة اسلاف الامامية الكوفيين ثم الامامية من بعدهم في الزهد و التصوف فقد تناوله الكاتب المشهور الدكتور كامل مصطفى في كتابه الموسوم ب«الصلة بين التصوف و التشيع» (1).و ليس لدينا هنا ما نضيف الى ما توصل اليه الشيبي بهذا الخصوص.

و نخرج من كل ما سبق بنتيجة و هي أن الكوفة كانت الموطن الرئيس للشيعة و التشيع في الادوار الاولى من حياة الشيعة و ذلك في عهد الائمة المعصومين(ع)،و نعني بالشيعة هنا ما سميناهم بالشيعة اسلاف الامامية،و هم الذين عرفوا بعد الغيبة بالامامية و هؤلاء و اولئك موضوع بحثنا في هذا الكتاب.3.

ص: 180


1- طبع الكتاب المذكور ببغداد سنة 1963.

الملحق الثاني: عدد الائمة المعصومين و نبذ عن احوالهم

يعتقد الامامية بأثني عشر اماما من ولد علي من فاطمة(ع).و كان تسعة من الائمة من ولد الحسين(ع).و كان كل اولئك الائمة معصومين كما بينا في الفصل الرابع من هذا الكتاب.و الائمة المعصومون مرجع الامامية في الاحكام الشرعية.و هم منصوص عليهم بالامامة،نص عليهم النبي(ص)جميعا بأسمائهم،ثم نص المتقدم منهم على من بعده على النحو التالي:-

1-أبو الحسن علي بن أبي طالب(المرتضى)المتولد سنة 23 قبل الهجرة و المقتول سنة 40 بعدها.ولد بمكة المكرمة و قتل في الكوفة.

و مرقده في النجف الاشرف بالعراق.و امه السيدة فاطمة بنت أسد.

2-أبو محمد الحسن بن علي(الزكي).ولد في المدينة المنورة سنة 2 ه و توفي سنة 50 ه.و قبره في البقيع بالمدينة المنورة.و أمه السيدة فاطمة بنت النبي(ص).

3-أبو عبد اللّه الحسين بن علي(سيد الشهداء).ولد في المدينة المنورة سنة 3 ه و استشهد بكربلاء سنة 61 ه.و مرقده بكربلاء في العراق و امه السيدة فاطمة(ع).

4-أبو محمد علي بن الحسين(زين العابدين).ولد في المدينة المنورة سنة 38 ه و توفي فيها سنة 95 ه.و قبره في المدينة المنورة في الحجاز و امه السيدة شهربانويه (1).

ص: 181


1- السيدة شهربانويه أو شاه زنان بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى.و كانت لشهربانويه أخت نحلها الامام علي(ع)لمحمد بن ابي بكر قولدت له القاسم.فعلي بن الحسين و القاسم بن محمد بن ابي بكر ابنا خالة(المفيد،الارشاد،ص 237).

5-أبو جعفر محمد بن علي(الباقر)ولد سنة 57 ه في المدينة المنورة و توفي فيها سنة 114-119 ه و قبره في المدينة المنورة.و أمه السيدة فاطمة بنت الحسن.

6-أبو عبد اللّه جعفر بن محمد(الصادق)ولد سنة 83 ه في المدينة المنورة و توفي فيها سنة 148 ه و قبره فى المدينة المنورة.و امه السيدة ام فروة.

7-أبو ابراهيم موسى بن جعفر(الكاظم)ولد سنة 128 ه في قرية (الابواء)في الحجاز بين مكة و المدينة.و توفي سنة 183 ه في سجن الرشيد ببغداد.و مرقده في الكاظمية على بعد(8)أميال من بغداد عاصمة العراق و امه السيدة حميدة.

8-أبو الحسن علي بن موسى(الرضا)ولد سنة 148 ه في المدينة المنورة و توفي سنة 203 ه بطوس في خراسان.و مرقده في مشهد في خراسان من بلاد ايران.و امه السيدة ام البنين.

9-أبو جعفر محمد بن علي(الجواد)ولد في المدينة المنورة 195 ه و توفي ببغداد سنة 220 ه.و مرقده بالكاظمية جوار بغداد.و امه السيدة سبيكة.

10-أبو الحسن علي بن محمد(الهادى)ولد في المدينة المنورة سنة 212 ه و توفي بسامراء سنة 254 ه و مرقده بسامراء في العراق.و أمه السيدة سمانة.

11-أبو محمد الحسن بن علي(العسكرى)ولد فى المدينة المنورة سنة 232 ه.و توفي بسامراء سنة 260 ه و مرقده بسامراء.و امه السيدة حديثة.

ص: 182

12-ابو القاسم محمد بن الحسن(المهدى)ولد بسامراء سنة 256 ه و امه السيدة نرجس و هو الحجة في العصر الحاضر أى الامام الغائب المنتظر و عند خروجه،كما يعتقد الامامية يملأ الارض عدلا و قسطا بعدما ملئت ظلما و جورا.

اعتمدنا فيما قدمناه من معلومات عن الائمة في هذا الملحق على كتاب المفيد الموسوم ب«الارشاد» (1)و سيجد القارىء تفصيلات وافية عن حياة الائمة المعصومين(ع)في الكتاب المذكور،و في كتاب«مناقب آل ابي طالب» (2)لابن شهراشوب.أما المعلومات التي قدمناها هنا فليس فيها من جديد و كان الهدف من اعدادها تيسير المعلومات الاولية عن الائمة(ع)الذين احتلوا اجزاء كبيرة من متن الكتاب،و جمعها في مكان واحد لتسهل مراجعتها عند الضرورة.م.

ص: 183


1- طبع الكتاب المذكور في طهران سنة 1377 ه.
2- طبع الكتاب المذكور في النجف الاشرف سنة 1956 م.

الفهارس و المصادر

الفهارس

اشارة

ص: 184

أولا: فهرست الآيات القرآنية

(أ)

* اَلَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ...

(البقرة 2:121)-134

* اَلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ...

(الأعراف 7:157)-135

* إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ...

(الأسراء 17:9)-144

* إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا...

(الحجرات 49:14)-131

* أُولئِكَ الَّذِينَ ... فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ.

(الأنعام 6:89)-132

* أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ...

(الأنعام 6:90)-132

* اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لاَ الضّالِّينَ.

(الفاتحة 1:6،7)-155

(ب)

* بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ...

(العنكبوت 29:49)-143

ص: 185

(ف)

* فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا* وَ عِنَباً وَ قَضْباً* وَ زَيْتُوناً وَ نَخْلاً* وَ حَدائِقَ غُلْباً* وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا*

(عبس 80:27-31)-13

(ق)

* قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ...

(غافر 40-11)-17

(ل)

* لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ... إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً...

(آل عمران 3:28)-166

(م)

* ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ...

(آل عمران:3-67)-34.

* مَنْ كَفَرَ بِاللّهِ ... إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ...

(النحل:16-106)-167.

(و)

* وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ...

(البقرة 2:124)-132

* وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً...

(البقرة:2-30)-131

ص: 186

* وَ إِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ ...

وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ...

(الصف:61-6)-135

* وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النّاسُ قالُوا

أَ نُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ...

(البقرة 3:13)-48

* وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ...

(الزخرف:43-44)-144

* وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عَدْواً...

(يونس:10-90)-34

* وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّيِّئَةُ...

(فصلت:41-34)-166.

* وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ ... لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ...

(الزمر:39:66)-151

* وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ...

(القصص:28-5)-49

(ه)

* هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ ... وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ...

(آل عمران:3:7)-143.

ص: 187

ثانيا: فهرست الفرق

(أ)

*اسلاف الامامية(اصحاب النص و التعيين)-27،57،58،64، 65،76،77،79،175،177،178، 179،180.

*الاسماعيلية-27،56.

*اصحاب المغيرة-المغيرية-116.

*الامامية(الشيعة الاثنا عشرية)-27،28،30،32،55،58، 63،65،67،69،73،76،77، 78،79،80،81،82،83،84، 85،،86،87،90،101،113، 122،123،128،130،131،133، 134،137،138،139،140،143، 144،145،150،152،154،157، 158،159،160،161،161،162، 163،165،166،167،168،169، 170،171،172،174،176،177، 178،180،181.

(ب)

*البترية(فرقة من فرق الزيدية)-33

*البزيعية(فرقة من فرق الغلاة)-117.

*البشيرية(فرقة من فرق الغلاة)-124.

*البيانية(فرقة من فرق الغلاة)-33.

ص: 188

(ت)

*الترابية(شيعة علي(ع)-27،73.

(ج)

*الجارودية(فرقة من فرق الزيدية)-33.

*الجعفرية(شيعة جعفر الصادق(ع)-27،73،76،77، 79،174.

(ح)

*الحربية(فرقة من فرق الغلاة)-126.

*حرورية(فرقة من الخواج)-73.

*الحنابلة-70،167.

(خ)

*الخرميدنية(الخرمية)-123.

*الخطابية(فرقة من فرق الغلاة)-118،120،121.

*الخوارج-37،41،50،51،69،167.

(د)

*الدهرية-123.

(ر)

*الرافضة(اسم من اسماء الشيعة)-27،73،74،75.

*الراوندية-112.

*الرجعية(فرقة من فرق الغلاة)-169.

(ز)

*الزنادقة-92.

ص: 189

*الزنديقية-الزنادقة 123.

*الزيدية-27،33،34،56،57،63،65.

(س)

*السبأية-92،93،94،100،101،102،104.

*السليمانية(فرقة من فرق الزيدية)-33.

(ش)

*الشافعية(أصحاب الشافعي)-70.

*الشيعة-3،4،19،20،22،23،27، 28،29،30،31،32،33، 34،35،36،37،39،41، 45،46،47،49،50،51، 52،53،54،55،56،57،58، 60،61،62،63،64،65، 66،67،68،69،70،71، 73،74،75،76،77،78،79، 80،81،82،83،84،85، 86،88،89،90،91،101، 110،113،122،123،126، 127،128،129،130،133، 134،137،138،139،140، 142،143،150،151،154، 156،159،160،161،162، 163،164،165،166،167، 168،169،170،171،175، 176،177،178،179،180.

ص: 190

(ص)

*الصالحية(فرقة من فرق الزيدية)-33.

(ق)

*قدرية-70،73،123.

*القطعية-الجعفرية أو أسلاف الامامية-77،79،83.

(ك)

*الكيسانية(فرقة من فرق الغلاة)-27،33،54،55،56، 66،67،110،111، 112،113،114.

(م)

*الماندية(الصابئة)-117.

*المانوية(اصحاب ماني)-117.

*المزدكية-123.

*المعاوية(فرقة من فرق الغلاة)-112.

*المعتزلة-152.

*لمغيرية(فرقة من فرق الغلاة)-27،116،121.

(ه)

*الهاشمية(فرقة من فرق الغلاة)-27،67،112.

ص: 191

ثالثا: فهرست الأعلام

(أ)

ادم(ع)-39،162.

ابان بن تغلب-22،76.

ابان بن عثمان-179.

ابراهيم(محدث)-14.

ابراهيم(ع)-40،132.

ابراهيم بن الاشتر-115.

ابراهيم بن عبد اللّه بن الحسن-64

ابراهيم المروزي-153.

ابن اسود-93.

ابن حرب(زعيم الحربية)-113.

ابن الحنفية،محمد بن علي(امام الكيسانية)-55،56،89،90، 111،113،114، 115،116.

ابن سبأ،عبد اللّه...-3،47،92،93،95،97،98،99، 100،101،102،103،104،105، 106،109،110.

ابن السوداء-ابن سبأ-93،94،95،97،100،102،106، 108،109،111.

ابن عباس،عبد اللّه...-17،21،35،38،48،45،146، 175.

ابن عبد ربه(صاحب العقد الفريد)-101.

ص: 192

ابن عمر،عبد اللّه...،13،47،105،149.

ابن قيس المآصر-149.

الأبواء(قرية في الحجاز)182.

ابو اسحاق(محدث)17.

ابو برزه(صحابي)-35.

ابو بصير،يحيى بن القاسم-74،75،179.

ابو بكر(الخليفة الاول)6،7،10،11،14،24،36،74، 108،134،135.

ابو حنيفة(امام الحنفية)-70،138،145،149،178.

ابو الخطاب،محمد بن ابي زينب(زعيم الخطابية)-118،119، 120،121، 122،127.

ابو رافع(تلميذ علي(ع)-147.

ابو سفيان(صخر بن حرب)-48.

ابو سنان(صحابي)-35.

ابو الطفيل عامر بن وائلة-146.

ابو العربان المجاشعي-115.

ابو عمرة(صحابي)-35.

ابو ليلى(صحابي)-35.

ابو مريم الأنصاري-158.

ابو هاشم(من ائمة الكيسانية)-111،112،113،145.

ابو الهيثم بن التيهان-22.

ابو ولاد(احد اصحاب الصادق)-143.

ابو يحيى الجرجاني-69.

ص: 193

احمد(النبي محمد ص)-135.

احمد بن حنبل(امام الحنابلة)-101،145.

الأحوص،ابن سعد الاشعري-65.

اسامة بن زيد-8،12،105.

اسحاق بن سعد الأشعري-65.

اسماعيل بن زياد-149.

الاشتر،مالك...،102،108،109.

الأشعث بن قيس-61.

الأصبغ بن نباتة-146.

اصفهان(مدينة)-63.

أم البنين(أم الأمام الرضا-ع-)-182.

أم سلمة(ام المؤمنين)-18.

أم فروة(أم الأمام الصادق-ع-)-182.

أنس بن مالك-159.

الانصاري،ابو ايوب...(صحابي)-22.

الأنصارى،جابر...(صحابي)56،149،159.

الاوزاعي(محدث)-149.

اهريمن(اله الشر عند الايرانيين)-164.

ايليا(النبي-ع-)135،169.

(ب)

البارقي،الحسن بن شهاب...-149.

البخاري(المحدث)-70،125،139،140.

البراء بن عازب(صحابي)-35،36.

البرامكة(وزراء بني العباس)-69.

ص: 194

بريد بن معاوية-45،179.

بزيع(زعيم البزيعية)-117.

بشار الشعيرى(زعيم البشيرية)-124،125.

البصرة(مدينة)-51،63،70،94،95،96،97،111.

بغداد(مدينة)-182.

البقيع(مكان في المدينة المنورة)-181.

بكر بن الاشعث-153.

بنو طاهر(امراء الامارة الطاهرية)-69.

بنو مخزوم(فخذ من قريش)-106.

بيان النهدي(رئيس فرقة البيانية)-33،113،117،122،124.

(ث)

الثقفي،المختار-55،59،68،69،88،89،114،115،116، 122،176،179.

(ج)

جابر بن عبد اللّه الانصارى(صحابي)-35،56،126،159.

جابر بن يزيد الجعفي-126،148،149.

الجبائي(لغوي)-144.

الجراح،أبو عبيدة...-10،135.

جرجان(مدينة)-63.

جعفر بن ابي طالب-112،113.

جعفر بن محمد(ع)-الصادق-118،141،143.

جميل بن دراج-179.

الجنيد،ابو علي بن أحمد-84.

جويرية بن مسهر-146.

(ح)

الحارث بن الأعور-146.

ص: 195

الحارث بن حصير الاسدي-134.

الحارث بن الحكم-104.

الحباب بن منذر-11.

حبة العربي-146.

الحجاج بن يوسف-61،65،90.

حديثة(أم الامام العسكري-ع-)182.

حذيفة(صحابي)-141،146.

حسان بن مالك-31.

الحسن بن علي(الامام-ع-)-31،45،57،58،111،147، 181.

الحسن بن علي(الأمام العسكري-ع-)-79،80،81،83،135، 136،153،182.

الحسن بن علي بن يقطين-153.

الحسين بن علي(الشهيد-ع-)-23،24،27،46،50،52،35، 54،57،58،65،67،75،77، 89،111،122،135،136، 174،181.

الحكم بن عتيبة-158.

حكيم بن جبلة-94.

حماد بن عثمان-179.

حماد بن عيسى-179.

حمزة(عم النبي محمد-ص-)-39.

حمزة بن عمارة البربري-113.

حميدة(أم الأمام الكاظم-ع-)-182.

حنان بن سدير-161.

ص: 196

الحيرة(مدينة)-175.

(خ)

خالد بن سعيد بن العاص-22،36.

الخدرى،ابو سعيد...،(صحابي)-35.

خراسان(ولاية)-63،64،65،182.

الخراساني،أبو مسلم-65،66،112.

خزيمة بن ثابت-22.

الخلال،أبو سلمة(الوزير العباسي)-65.

الخورنق(قصر)-175.

(د)

الدؤلي،ابو الاسود...،39،145،180.

دوزي(مستشرق)-68.

(ر)

الربيع بن خالد-90.

ربيعة الرأي-145.

الرسول(ص)-النبي محمد(ص)-4 و حيثما ورد.

الرضا،علي بن موسى(الامام-ع-)-26،76،77،78،80، 83،124،127،132، 138،141،143،153، 182.

(ز)

الزبير(صحابي)-32،36،44،45،108.

زرادشت(نبي الفرس)-164.

زرارة(تلميذ الصادق-ع-)-150،179.

زريق،قسطنطين(الدكتور)-29.

زكريا(النبي-ع-)-56.

ص: 197

الزهرى-149.

زياد بن ابيه-89.

زياد بن المنذر-149.

زيد بن ثابت-104.

زيد بن علي(امام الزيدية)-26،57،63،64،74،114،122.

زين العابدين-علي بن الحسين(ع)-58،147،148.

(س)

سالم(مولى ابي حديفة)-10،135.

السامانيون(امراء الدولة السامانية)-69.

سامراء(مدينة)182،183.

ساوشيانت بن زرادشت-164.

سبيكة(أم الامام الجواد-ع-)-182.

سدير(أحد أصحاب الصادق-ع-)-161.

سعد بن ابي وقاص(صحابي)-47،107-108.

سعد بن عبادة-10.

سعد بن مالك-47.

سعيد بن العاص-108،109.

سعيد بن يسار-73.

السقيفة(مكان في المدينة المنورة)-11،22،36،135.

السكاك،محمد بن خليل...،-77،78.

سلمة بن كهيل-158.

سليم بن قيس-42،159.

سليمان بن صرد الخزاعي-52،55،67.

سمانة(أم الأمام الهادي-ع-)182.

سهل بن حنيف-22.

ص: 198

السهلة(مسجد)-177.

سيف بن عمر البرجمي-96،106.

(ش)

الشاش(مدينة)-70.

الشافعي(امام الشافعية)-70،145،149.

شبر(من الأسماء الواردة في التوراة)-135.

شبير(من الاسماء الواردة في التوراة)-135.

الشعبي(راوية)-127.

شهربانوية(بنت كسرى)-181.

الشيخان-ابو بكر و عمر(ر)-74،75.

(ص)

صائد(زعيم فرقة من الغلاة)-117.

صاحب الزمان-المهدي(ع)-66،81،137.

الصادق،جعفر بن محمد...،(الامام-ع-)-22،26،59،65، 66،69،73،74،75، 76،82،92،118، 119،120،121، 123،124،125، 126،136،138، 139،140،144، 149،150،151، 152،153،160، 161،167،170، 171،176،177، 182.

ص: 199

الصدر،محمد باقر...-26،30.

الصفوية(من العوائل الحاكمة بايران)-71.

الصلت بن بهرام-149.

صنعاء(مدينة)-93.

(ط)

الطائي،أبو تمام...،78.

الطحاوي(محدث)-14.

طلحة(صحابي)-32،36،45،47،108.

طلحة بن الاحوص الاشعري-65.

طوس(مدينة)182.

(ع)

عائشة(أم المؤمنين)-18،45،47.

العباس(عم النبي محمد-ص-)-33،39،44.

العباس النرسي-176.

عبد اللّه بن حرس-93.

عبد اللّه بن الحسن-65.

عبد اللّه بن الزبير-90.

عبد اللّه بن سعد الأشعرى-65.

عبد اللّه بن سعد بن حيان-153.

عبد اللّه بن سنان-48.

عبد اللّه بن عامر-94.

عبد اللّه بن عجلان-144.

عبد اللّه بن مسعود-107،141.

ص: 200

عبد اللّه بن معاوية-112،114،122.

عبد اللّه بن المغيرة-117.

عبد الرحمن بن الأشعث-65،69.

عبد الرحمن بن سعد الأشعري-65.

عبد الرحمن بن عوف(صحابي)-10،105،108.

عبد الرحيم-140.

عبد العزيز القراطيسي-136.

عبد الكريم بن ابي العوجاء-92.

عبيد بن زرارة-150.

عبيد اللّه(تلميذ الصادق-ع-)151.

عبيد اللّه بن زياد-59.

عثمان(الخليفة الثالث)-10،24،31،37،40،44،46،47، 50،74،94،95،96،97،98،100، 103،104،105،106،107،108، 109.

عثمان بن حنيف-22.

عرفه الأزدي(صحابي)-35.

عكرمة-145.

العلاء بن سيابه-44.

علي بن ابي طالب(أمير المؤمنين-ع-)-17،18،19،22، 27،31،32،33،34، 35،36،37،38،39، 40،42،43،44،45، 46،47،48،49،50،

ص: 201

51،52،54،57،58، 60،61،63،66،67، 73،80،82،83،87، 89،90،91،91،92، 93،96،99،100،101، 102،107،108،110، 111،112،113،123، 127،129،133،134، 135،136،138،140، 141،142،145،146، 147،175،176،178، 180،181.

علي بن أحمد الكوفي-84.

علي بن اسماعيل التمار-77،78.

علي بن الحسن-84.

علي بن الحسين(الامام-ع-)-55،56،57،114،124، 136،147،148،154،181.

علي بن عبيد اللّه-78.

علي بن محمد(الامام الهادي-ع-)-79،83،153،182.

عمار بن ياسر(الصحابي)-22،24،35،36،40،98،202،105، 106،107،167.

عمر بن الحمق-159.

عمر بن حنظلة-139.

عمر بن الخطاب(الخليفة الثاني)-7،10،11،13،14،21،70، 108،134.

ص: 202

عمر بن الشاكر-70.

عمر بن عبد العزيز(الخليفة)-90.

عمرو بن ذر-149.

عمرو بن يزيد-75.

عنبسه بن مصعب-118.

عيسى(النبي-ع-)-40،82،99،119،161.

عيسى بن موسى(أمير عباسي)-120.

(غ)

الغدير(مكان)-19،39،101.

الغريفي،محي الدين الموسوي...-125.

الغزالي(الامام)70.

الغفاري،أبو ذر(الصحابي)-22،24،35،36،37،40،42، 45،66،96،97،99،100،102، 103،104،105،107،159.

(ف)

الفارسي،سلمان(الصحابي)-22،24،35،36،37،40،42، 45،136،159،175.

فاطمة(الزهراء-ع-)-55،90،111،112،113،135،163، 178،181.

فاطمة بنت أسد-181.

فاطمة بنت الحسن-182.

فرعون(من ملوك مصر)-74،75.

الفضل بن العباس-36،40.

الفضيل بن يسار-179.

(ق)

القائم المنتظر-المهدي-84،87،161.

ص: 203

القاسم بن عرف-148.

قتادة-144.

قتادة بن دعامة(فقيه)-120.

قثم بن العباس-17.

قريش(قبيلة)-6،16،40،48،49،67،98.

قم(مدينة مقدسة)-64،69،71،83.

قيصر(ملك من ملوك الروم)-12،14.

(ك)

كابل(مدينة)65.

الكابلي،هشام-45.

الكاظمية(مدينة مقدسة)-182.

كربلاء(مدينة مقدسة)-23،49،52،53،54،89،181،

الكرخي(الشيخ معروف)-70.

كسرى(ملك فارسي)-12،14.

كعب الاحبار-103،105.

كعب،ابي بن...-13،22،36.

الكناسة(محلة بالكوفة)-70.

الكوفة(مدينة)-52،53،58،59،60،61،65،66،67، 68،70،73،94،95،96،97،107،108، 116،118،146،147،174،175،176، 177،179،180،181.

كيسان السختياني-149.

(ل)

لامانس(الأب)-135.

ص: 204

لندر،الفريد(مستشرق)-117.

(م)

مالك(امام المالكية)-145،149.

متوكل بن هارون-64.

محمد بن أحمد(خازن مكتبة علي-ع-)147.

محمد بن الحسن الحسيني-147.

محمد بن طاهر(من امراء الامارة الطاهرية)-69.

محمد بن عبد اللّه بن الحسن(ذو النفس الزكية)-64،74،116.

محمد بن علي(الامام الباقر-ع-)-45،58،59،66،73،116، 148،149،150،152،158، 176،176،177،182.

محمد بن علي(الامام الجواد-ع-)-78،79،80،83،153، 182.

محمد بن علي بن عبد اللّه بن العباس-112.

محمد بن فرات-129.

محمد بن الفضيل-135.

محمد بن مسعود-84.

محمد بن مسلم-148،179.

محمد بن يحيى-70.

المدائن(مدينة)-63.

المدينة(حرم رسول اللّه محمد-ص-)-6،59،176،181،182.

مروان بن الحكم(خليفة أموى)-104.

ص: 205

مروان بن محمد(خليفة أموي)-31.

مسلم(صاحب الصحيح)-101،125.

مسيلمة(الكذاب)-167.

مشهد(مدينة في خراسان)-182.

معاوية بن ابي سفيان-37،45،48،49،51،52،58،89، 91،97،99،103،104،109.

معروف بن خربوذ-129،179.

المغيرة بن سعيد(رئيس المغيرية)-73،74،75،116،117،121، 122،124،126.

المغيرة بن شعبة-15.

المقداد بن الاسود(صحابي)-22،36،40،42،45،159.

ملر.أ(مستشرق)-68.

موسى(النبي-ع-)-40،53،54،75،161.

موسى بن جعفر(الامام الكاظم-ع-)-76،77،78،83،124، 145،153،182.

الموصل(مدينة)-70.

المهدي(الامام الغائب-ع-)-27،28،77،80،81،82،83، 84،87،100،114،115،116، 160،161،162،163،164،165، 169،170،176،183.

ميثم التمار-146.

(ن)

النجف الأشرف(مدينة مقدسة)-181.

ص: 206

النخيلة-68.

نرجس(أم الأمام المهدي-ع-)-183.

نظام الملك(الوزير السلجوقي)-70.

النظامية(مدرسة)-70.

نعيم بن سعد الاشعرى-65.

النهدي(محدث)-149.

نيسابور(مدينة)-70.

(و)

واصل بن عطاء-152.

الوشاء،الحسن بن علي...-151.

الوليد بن عبد الملك-127.

الوليد بن عقبة-107،108.

(ه)

هارون(ع)-53.

هامان(من أصحاب فرعون)74.

الهجري،رشيد...-146.

هشام بن عبد الملك(الخليفة)-91.

همدان(قبيلة)-62.

الهمداني،عبد اللّه بن وهب الراسبي...-ابن سبأ-93.

ص: 207

(ى)

يحيى بن زكريا(النبي-ع-)-54،75،161.

يحيى بن زيد-64،66.

يزدن(اله الخير عند الايرانيين)-164.

يزيد بن قيس الحمداني-41.

يزيد بن معاوية(أحد خلفاء بني أمية)-31،89.

يوسف بن عمرو-91.

يونس(ع)-161.

يونس بن عبد الرحمن-127،138،153.

ص: 208

المصادر

الإمام،علي بن الحسين،ت:95 ه.

الصحيفة السجادية(النجف،1352 ه).

أبو مخنف(المنسوب)لوط بن يحيى،ت 157 ه.

في مقتل الأمام ابي عبد اللّه الحسين(النجف،1956 م).

المنقري،نصر بن مزاحم،ت:212 ه.

وقعة صفين(القاهرة،1365 ه).

ابن سعد،محمد،ت:230 ه.

الطبقات،ج 5(ليدن،1332 ه).

الجاحظ،عمرو بن بحر،ت:255 ه.

الرسائل-باعتناء السندوبي(القاهره،1933 م).

البرقي،أحمد بن ابي عبد اللّه،ت:280/274 ه.

الرجال(طهران،1383 ه).

البلادري،أحمد بن يحيى،ت:279 ه.

انساب الأشراف،ج 2 و ج 6(القدس،1936 م).

انساب الأشراف،فتوح البلدان(القاهرة،1901 م).

المبرد،محمد بن يزيد،ت:185 ه.

الكامل،ج 2(القاهرة،1308 ه).

اليعقوبي،أحمد بن أبي يعقوب،ت 292 ه.

التاريخ،ج 2(النجف،1358 ه).

النعماني،محمد بن ابراهيم(من علماء القرن الثالث الهجرى).

الغيبة(طهران،1382 ه).

النوبختي،الحسن بن موسى،ت:ح-300 ه.

فرق الشيعة-تح:ه.ريتر(استانبول،1931 م).

و طبعة أخرى(النجف،لا.ت).

ص: 209

الأشعري،سعد بن عبد اللّه،ت:301 ه.

المقالات و الفرق(طهران،1963 م).

ابن رستم الطبري،محمد بن جرير(من علماء القرن الرابع الهجرى).

المسترشد في امامة علي(ع)(النجف،لا.ت).

الطبرى،محمد بن جرير،ت:310 ه.

تاريخ الرسل و الملوك 8 اجزاء(القاهرة،1357 ه).

الكليني،محمد بن يعقوب،ت:29/328 ه.

الكافي 8 أجزاء(طهران،1381 ه).

و طبعة أخرى-حجر(تبريز،1312 ه).

الأشعرى،علي بن اسماعيل،ت:330 ه.

مقالات الأسلاميين(القاهرة،1950 م).

الكشي،محمد بن عمر،ت.ح-340 ه.

الرجال(النجف،1383 ه).

و طبعة أخرى(بمبي،1317 ه).

المسعودي،علي بن الحسين،ت:346 ه.

التنبيه و الأشراف(ليدن،1893 م).

المسعودي،مروج الذهب،4 أجزاء(القاهرة،1958 م).

المسعودي،الوصية(النجف،لا.ت).

الأصفهاني،ابو الفرج،ت:356 ه.

مقاتل الطالبيين،3 أجزاء(بيروت،1961 م).

ابن قولويه،جعفر بن محمد،ت:367 ه.

كامل الزيارات(النجف،1356 ه).

ص: 210

المقدسي،البشاري،نبغ 375 ه.

احسن التقاسيم في معرفة الاقاليم(ليدن،1906 م).

القمي،حسن بن محمد،ت:378 ه.

تاريخ قم-بالفارسية(طهران،1353 ه).

التوحيدي،أبو حيان،ت:380 ه.

البصائر و الذخائر،ج 1(بغداد،1954 م).

الصدوق،محمد بن علي القمي،ت:381 ه.

الخصال(طهران،1320 ه).

الصدوق،علل الشرائع(النجف،1963 م).

الصدوق،عيون أخبار الرضا،ج 1(طهران،1318 ه).

الصدوق،معاني الأخبار(طهران،1376 ه).

الصدوق،من لا يحضره الفقيه،ج 1(النجف،1957 م).

الرضي،الشريف محمد بن الحسين،ت:406 ه.

حقائق التأويل في متشابهات التنزيل،ج 5(النجف، 1936 م).

العكبري،الشيخ المفيد،ت:413 ه.

الأختصاص(طهران،1379 ه).

العكبري،الأرشاد(اصفهان،1312 ه).

العكبري،الأمالي(النجف،1351 ه).

المرتضى،الشريف علي بن الحسين،ت:436 ه.

الأمالي،ج 1(القاهرة،1954 م).

المرتضى،تنزيه الأنبياء(النجف،1960 م).

المرتضى،الفصول المختارة،ج 2(النجف،1360 ه).

المرتضى،مجموعة في فنون علم الكلام،تحقيق محمد حسن آل ياسين-(بغداد،1955 م).

ص: 211

ابن النديم،محمد بن اسحاق،ت:438 ه.

الفهرست(القاهرة،لا.ت).

النجاشي،أحمد بن علي،ت:450 ه.

الرجال(طهران،لا.ت).

ابن حزم،علي،ت:456 ه.

الفصل في الملل و الأهواء و النحل،ج 2،(طبعة الأوفست مكتبة المثنى،بغداد،لا.ت).

الطوسي،محمد بن الحسن،ت:460 ه.

الأمالي(طبعة حجر،1313 ه).

الطوسي،التبيان في تفسير القرآن(النجف،1957 م).

الطوسي،تلخيص الشافي(النجف،1963 م).

الطوسي،الخلاف،ج 3(قم،لا.ت).

الطوسي،الغيبة(النجف،1358 ه).

الطوسي،الفهرست(النجف،1960 م).

الشهرستاني،محمد بن عبد الكريم،ت:548 ه.

الملل و النحل(القاهرة،1956).

الطبرسي،أحمد بن علي،(من مشايخ ابن شهراشوب المتوفى 588 ه).

الأحتجاج على أهل اللجاج(النجف،1966 م).

ابن شهراشوب،محمد بن علي،ت:588 ه.

مناقب آل ابي طالب 3 اجزاء(النجف،1956 م).

ابن الجوزي،عبد الرحمن،ت:597 ه.

تلبيس ابليس(القاهرة،1928 م).

ابن الجوزي،مناقب الأمام أحمد ابن حنبل(القاهرة،1349 ه).

ص: 212

الرازي،فخر الدين،ت:606 ه.

اعتقادات فرق المسلمين و المشركين(القاهرة،1938 م).

الحموى،ياقوت،ت:626 ه.

معجم البلدان،ج 7(القاهرة،1906 م).

ابن الأثير،علي بن ابي الكرم،ت:630 ه.

الكامل،ج 10(القاهرة،1290 ه).

ابن داود،الحسن بن علي الحلي(من علماء القرن السابع الهجري) الرجال(طهران،1342 ه).

ابن طاووس،عبد الكريم،ت:693 ه.

فرحة الغري(النجف،1368 ه).

الحلي،الحسن بن يوسف،ت:726 ه.

اثبات الوصية(النجف،لا.ت).

الحلي،الألفين في امامة أمير المؤمنين علي(ع)(النجف، 1372 ه).

الحلي،الرجال(طهران،1311 ه).

و طبعة اخرى(النجف،1961 ه).

الديلمي،محمد(من علماء القرن الثامن الهجرى).

ارشاد القلوب،جزءان،(بيروت،1381 ه).

الأندلسي،محمد بن يحيى،ت:741 ه.

التمهيد و البيان في مقتل الشهيد عثمان-تح:محمود زايد (بيروت،1964).

المجلسي،محمد باقر،ت:1110 ه.

بحار الأنوار،ج 11(طهران،1315 ه).

ص: 213

المراجع

1-المراجع العربية:

بروكلمان،تاريخ الأدب العربي،ج 3-تر:عبد الحليم النجار (القاهرة 1962 م).

حسين،طه،الفتنة الكبرى،ج 1(القاهرة،1947 م).

الحسيني،محمد باقر،تطور النقود العربية و الاسلامية(بغداد، 1969 م).

دخيل،محمد علي،الامام المهدى عليه السّلام(النجف،لا ت).

الدورى،عبد العزيز،مقدمة في تاريخ صدر الاسلام(بغداد، 1949 م).

دونالدسن دوايت،عقيدة الشيعة-تر:ع.م(القاهرة،1946 م).

الشيبي،كامل مصطفى،الصلة بين التصوف و التشيع،ج 1 (بغداد،1963 م).

الشيبي،الفكر الشيعي و النزعات الصوفية(بغداد،1966 م).

العسكري،مرتضى،عبد اللّه بن سبأ(النجف،1956 م).

العسكري،خمسون و مائة صحابي مختلق(بيروت،1968 م).

علي،أمير،مختصر تاريخ العرب-تر:عفيف البعلبكي(بيروت، 1961 م).

فلهاوزن،يوليوس،الخوارج و الشيعة-تر:عبد الرحمن بدوي (القاهرة،1958 م).

فلهاوزن،الدولة العربية و سقوطها-تر:عبد الهادي ابو ريدة (القاهرة،لا.ت).

ص: 214

القمي،عباس،الكنى و الألقاب،(النجف،1956).

كاشف الغطاء،محمد حسين،أصل الشيعة و أصولها(بيروت، لا.ت).

كسروي،أحمد،التشيع و الشيعة(طهران،1364 ه).

كولد زيهر،أجناس،العقيدة و الشريعة في الاسلام-تر:محمد يوسف(القاهرة 1946 م).

ماسنيون،لويس،خطط الكوفة-تر:تقي المصعبي(صيدا،1939 م).

المظفر،محمد رضا،عقائد الشيعة(النجف،1954 م).

الوردي،علي،مهزلة العقل البشرى(بغداد،1955 م).

الوردي،علي،وعاظ السلاطين(بغداد،1954 م).

ص: 215

ب-المراجع الاجنبية:

.1591,egdirbmaC,I,aisreP fo yrotsiH yraretiL A,.G.E,enworB

,I,malsI fo.ycnE''a'baS nbI،،.HT.M,amstuoH

.1691,nodnoL,yteicoS fo noitargetnI eht dna malsI,.M.W,ttaW

ص: 216

للمؤلف

1-تاريخ البرامكة(نفد).

2-تاريخ الثورة العراقية الكبرى سنة 1920(نفد).

3-تاريخ العرب الفه بالاشتراك مع أحد الزملاء.

4-الجغرافية المتوسطة الفه بالاشتراك مع لجنة.

5-مرشد طالب البكالوريا الى الجغرافية المتوسطة الفه بالاشتراك مع أحد الزملاء.

6-مشاهداتي في تركية.

7-مشاهداتي في ايران.

8-تاريخ العرب الفه بالاشتراك مع لجنة.

9-الأجازات العلمية عند المسلمين.

10-مشكلة الأراضي في لواء المنتفك(الناصرية).

11-محاضرات في تاريخ صدر الاسلام و الدولة الأموية.

12-تاريخ الأمامية و أسلافهم من الشيعة منذ نشأة التشيع حتى مطلع القرن الرابع الهجري.

من كتب المؤلف المعدة للطبع

13-تاريخ التربية عند الأمامية بين عصري الأمام الصادق و الشيخ الطوسي (اطروحة للدكتوراه قدمت للجامعة الأمريكية ببيروت).

14-الحركة الفدائية في الاسلام قديما و حديثا.

15-تدوين التاريخ عند المسلمين.

16-الحالة الثقافية في الحجاز في عصر الرسالة.

17-السلطة بين الخلفاء و الأمراء في عهد الخلافة العباسية.

ص: 217

دراسات في المجلات

1-«تدوين التاريخ عند المسلمين»مجلة الاستاذ تصدرها دار المعلمين العالية ببغداد.المجلد الرابع 1955 م.

2-أ-«تدوين التاريخ عند المسلمين»مجلة الأستاذ تصدرها دار المعلمين العالية ببغداد.المجلد الخامس 1956 م.

ب-نقد و تعليق على كتاب«محاضرات في تاريخ العرب»للدكتور صالح أحمد العلي.

3-«الحالة الثقافية في الحجاز قبيل الاسلام»مجلة الاستاذ.تصدرها كلية التربية-جامعة بغداد.المجلد العاشر 1962 م.

4-«الزراعة و التجارة في العراق في النصف الثاني من القرن التاسع عشر»مجلة الأستاذ.العدد الحادي عشر،1963 م.

5-«التعليم في عهد الرسول و الخلفاء الراشدين»مجلة الأستاذ العدد الثاني عشر 1964 م.

6-أضواء على مشكلات الأصلاح الزراعي في لواء الناصرية.من الأبحاث المقدمة الى المؤتمر الشعبي لمناقشة مشاكل الاصلاح الزراعي و معالجتها 15-17 آب 1963 م.

7-«العقل عند الغزالي»مجلة رسالة الاسلام-تصدرها كلية أصول الدين ببغداد.العدد الثالث 1966 م.

8-«دور الأمام الصادق في التربية و التعليم عند الأمامية»رسالة الاسلام-تصدرها كلية أصول الدين ببغداد العددان الخامس و السادس 1966 م.

ص: 218

9-«كتب الأمالي عند الشيعة الامامية»بحث القي في المؤتمر الثقافي لجمعية الرابطة الأدبية في النجف الأشرف.نشر ملخصه بكراس اصدرته الجمعية المذكورة(النجف،1966).

10-«الخلافة العباسية في العهد البويهي»مجلة رسالة الاسلام.تصدرها كلية أصول الدين ببغداد.العددان الأول و الثاني 1967 م.

11-«الخلافة العباسية في عهد السلاجقة»مجلة رسالة الاسلام.

تصدرها كلية أصول الدين ببغداد.العددان الثالث و الرابع 1967 م.

12-دور الأمامين الكاظم و الرضا في التربية و التعليم عند الأمامية».

مجلة رسالة الاسلام تصدرها كلية أصول الدين ببغداد.العددان السابع و الثامن 1968 م.

13-«التعليم في المساجد عند الشيعة قبل ظهور المدارس»القسم الاول، مجلة رسالة الاسلام تصدرها كلية أصول الدين ببغداد.العددان الثالث الرابع 1969 م.

14-«التعليم في المساجد عند الشيعة قبل ظهور المدارس»القسم الثاني، مجلة رسالة الاسلام.تصدرها كلية أصول الدين ببغداد.العددان الخامس و السادس 1969 م.

15-«الفدائيون من أهل الثغور و واجبنا نحوهم»مجلة رسالة الاسلام.

تصدرها كلية أصول الدين ببغداد.العددان التاسع و العاشر 1969 م.

16-«الغلو و الغلاة و موقف الشيعة الامامية منهما»مجلة رسالة الاسلام.

تصدرها كلية أصول الدين ببغداد.العددان الثالث و الرابع 1970 م.

ص: 219

الفهرست

الصفحة

تصدرير-بقلم السيد محمد باقر الصدر 3-26

المقدمة-27-30

الفصل الأول-التشيع و الشيعة قبل ظهور فرقة الامامية 31-71

الفصل الثاني-ظهور فرقة الامامية الأثنى عشرية

و رسوخها بفكرة غيبة المهدي 73-85

الفصل الثالث-الغلو و الغلاة و موقف الشيعة الامامية منهما 86-129

الفصل الرابع-العقائد الأساسية للشيعة الأمامية 130-172

الملاحق-173

الملحق الأول-الكوفة و التشيع في عهد الأئمة المعصومين(ع)173-180

الملحق الثاني-عدد الأئمة المعصومين و نبذ عن أحوالهم 181-183

الفهارس-184

فهرست الآيات القرآنية-185-187

فهرست الفرق 188-191

فهرست الأعلام-192-208

المصادر-209-216

كتب المؤلف-217-219

فهرست المواضيع-220

ص: 220

الرموز المستعملة في الكتاب:

تر:ترجمة

تح:تحرير او نشر

لا.ت:تاريخ الطبع غير موجود

ح:حوالي

ت:توفي

ص: 221

A'lHS-la NIM MHIFALSA AW HAYIMAMI-la HKIRAT 'altaM attaH'uyyahsaT-la ta,hsaN uhdnuM

irjiH-la'ibaR-la nraQ-la

yB

DAYYAF HALLUDBA

).B.U.A(.D.HP,.A.M,.A.B

rosseforP

gnitcA dna dadhgaB fo ytisrevinU eht fo strA fo ytlucaF .dadhqaB,eqelloC niD-la lusU fo naeD

ص: 222

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.